الكتاب: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك المؤلف: محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري تحقيق: طه عبد الرءوف سعد الناشر: مكتبة الثقافة الدينية - القاهرة الطبعة: الأولى، 1424هـ - 2003م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- شرح الزرقاني على الموطأ الزرقاني، محمد بن عبد الباقي الكتاب: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك المؤلف: محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري تحقيق: طه عبد الرءوف سعد الناشر: مكتبة الثقافة الدينية - القاهرة الطبعة: الأولى، 1424هـ - 2003م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] [خطبة الشارح] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ خُطْبَةُ الشَّارِحِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْلَعَ شُمُوسَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فِي سَمَاءِ السَّعَادَةِ، وَأَشْرَقَ أَقْمَارَ صَنِيعِهِمْ فِي أَرْقِعَةِ مَرْفُوعَاتِ السِّيَادَةِ، وَوَصَلَ حَبْلَ انْقِطَاعِهِمْ إِلَيْهِ فَأَدْرَجَهُمْ مَعَ الصِّدِّيقِينَ وَأَثَابَهُمُ الْحُسْنَى وَزِيَادَةً، وَأَرْسَلَ فِينَا رَءُوفًا رَحِيمًا بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ الْمُنْقَادَةِ، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى تَوَاتُرِ آلَائِهِ رَاجِيًا الزِّيَادَةَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ الْمُرْسَلُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فَوَطَّأَ الدِّينَ الْمَتِينَ فَاقْتَبَسْنَا الْهُدَى مِنْ كَوَاكِبِ أَنْوَارِهِ الْوَقَّادَةِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ نُجُومِ الْهُدَى الْفَائِزِينَ بِرُؤْيَةِ وَجْهِهِ الْحَسَنِ فَسَلْسَلَ عَلَيْهِمْ إِسْعَادُهُ، فَوَقَفُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى نَصْرِ شَرِيعَتِهِ وَمَهَّدُوا إِرْشَادَهُ، صَلَاةً وَسَلَامًا أَرْجُو بِهِمَا فِي الدَّارَيْنِ قُرْبَهُ وَإِمْدَادَهُ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْعَاجِزَ الضَّعِيفَ الْفَانِيَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ يُوسُفَ الزَّرْقَانِيَّ لَمَّا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِقِرَاءَةِ كِتَابِ الْمُوَطَّأِ بِالسَّاحَاتِ الْأَزْهَرِيَّةِ، وَكَانَ الِابْتِدَاءُ فِي عَاشِرِ جُمَادَى الْأُولَى لِسَنَةِ تِسْعٍ بَعْدَ مِائَةٍ وَأَلْفٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، بَعْدَمَا هُجِرَ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ، حَتَّى كَادَ لَا يُعْرَفُ مَا هُوَ، كَتَبْتُ عَلَيْهِ مَا أَتَاحَهُ لَهُ ذُو الْمِنَّةِ وَالْفَضْلِ، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ لِذَلِكَ وَلَا لِأَقَلَّ مِنْهُ بِأَهْلٍ؛ لِأَنَّ شُرُوحَهُ وَإِنْ كَثُرَتْ عَزَّتْ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ مِنْهَا فِي بِلَادِنَا إِلَّا مَا قَلَّ وَجَعَلْتُهُ وَسَطًا لَا بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ، وَأَتَيْتُ فِي ضَبْطِهِ بِمَا يَشْفِي - لِلْقَوَاصِرِ مِثْلِي - الْغَلِيلَ، غَيْرَ مُبَالٍ بِتَكْرَارِهِ كَبَعْضِ التَّرَاجِمِ لِمَا عُلِمَ مِنْ غَالِبِ حَالِنَا مِنَ النِّسْيَانِ، ثُمَّ إِنِّي لَا أَبِيعُهُ بِالْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ بَلْ هِيَ كَثِيرَةٌ لَا سِيَّمَا لِأَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ، لَكِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ حَاسِدٍ يَدْفَعُ بِالصَّدْرِ، فَهَذَا لِلَّهِ لَا لِزَيْدٍ وَلَا لِعَمْرٍو، وَاللَّهُ أَسْأَلُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ، مُتَوَسِّلًا إِلَيْهِ بِحَبِيبِهِ الْكَرِيمِ، أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ وَيُسَهِّلَ بِالتَّمَامِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ وُصْلَةً إِلَى خَيْرِ الْأَنَامِ، وَأَنْ يَأْخُذَ بِيَدِي فِي الدُّنْيَا وَيَوْمِ الْقِيَامِ، وَيُمَتِّعَنِي بِرُؤْيَتِهِ وَرُؤْيَةِ حَبِيبِهِ فِي دَارِ السَّلَامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وَحَيْثُ أَطْلَقْتُ لَفْظَ الْحَافِظِ فَمُرَادِي خِتَامُ الْحُفَّاظِ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ. وَاللَّهُ حَسْبِي وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَكُلَّ أَمْرِي لَهُ أَسْلَمْتُ وَفَوَّضْتُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 [مقدمة الشارح] عَنِ الْكِتَابِ وَمُؤَلِّفِهِ مُؤَلِّفُ هَذَا الْكِتَابِ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، يَنْتَهِي نَسَبُهُ إِلَى يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ قَحْطَانَ الْأَصْبَحِيِّ، جَدُّهُ أَبُو عَامِرٍ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ. شَهِدَ الْمَغَازِي كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَا بَدْرًا، كَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ نَقْلًا عَنِ الْقَاضِي بَكْرِ بْنِ الْعُلَا الْقُشَيْرِيِّ، لَكِنْ قَالَ غَيْرُهُ: أَبُو عَامِرٍ جَدُّ مَالِكٍ الْأَعْلَى، كَانَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلْقَهُ، سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَهُوَ تَابِعِيٌّ مُخَضْرَمٌ. قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي " التَّجْرِيدِ ": لَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْإِصَابَةِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. وَابْنُهُ مَالِكٌ جَدُّ الْإِمَامِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَعُلَمَائِهِمْ، يَرْوِي عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحَسَّانَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ حَمَلُوا عُثْمَانَ لَيْلًا إِلَى قَبْرِهِ وَغَسَّلُوهُ وَدَفَنُوهُ. يَرْوِي عَنْهُ بَنُوهُ: أَنَسٌ وَبِهِ يُكَنَّى وَأَبُو سُهَيْلٍ نَافِعٌ وَالرَّبِيعُ. مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَرْفُوعًا: " «ثَلَاثٌ يَفْرَحُ لَهُنَّ الْجَسَدُ فَيَرْبُو عَلَيْهِنَّ: الطِّيبُ وَالثَّوْبُ اللَّيِّنُ وَشُرْبُ الْعَسَلِ» " أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ وَضَعَّفَهُ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ هَارُونَ الشَّامِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُمَرَ بِهِ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " الضُّعَفَاءِ " وَقَالَ: هَذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ يُونُسَ، وَقَدْ أَتَى بِعَجَائِبَ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: هَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ، وَيُونُسُ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَهُوَ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ صَدْرُ الصُّدُورِ وَأَكْمَلُ الْعُقَلَاءِ وَأَعْقَلُ الْفُضَلَاءِ، وَرِثَ حَدِيثَ الرَّسُولِ، وَنَشَرَ فِي أُمَّتِهِ الْأَحْكَامَ وَالْفُصُولَ، أَخَذَ عَنْ تِسْعِمِائَةِ شَيْخٍ فَأَكْثَرَ، وَمَا أَفْتَى حَتَّى شَهِدَ لَهُ سَبْعُونَ إِمَامًا أَنَّهُ أَهْلٌ لِذَلِكَ، وَكَتَبَ بِيَدِهِ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ، وَجَلَسَ لِلدَّرْسِ وَهُوَ ابْنُ سَبْعَةَ عَشَرَ عَامًا، وَصَارَتْ حَلْقَتُهُ أَكْبَرَ مِنْ حَلْقَةِ مَشَايِخِهِ فِي حَيَاتِهِمْ، وَكَانَ النَّاسُ يَزْدَحِمُونَ عَلَى بَابِهِ لِأَخْذِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ كَازْدِحَامِهِمْ عَلَى بَابِ السُّلْطَانِ، وَلَهُ حَاجِبٌ يَأْذَنُ أَوَّلًا لِلْخَاصَّةِ فَإِذَا فَرَغُوا أَذِنَ لِلْعَامَّةِ، وَإِذَا جَلَسَ لِلْفِقْهِ جَلَسَ كَيْفَ كَانَ، وَإِذَا أَرَادَ الْجُلُوسَ لِلْحَدِيثِ اغْتَسَلَ وَتَطَيَّبَ وَلَبِسَ ثِيَابًا جُدُدًا وَتَعَمَّمَ وَقَعَدَ عَلَى مِنَصَّتِهِ بِخُشُوعٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وَخُضُوعٍ وَوَقَارٍ، وَيُبَخِّرُ الْمَجْلِسَ بِالْعُودِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى فَرَاغِهِ تَعْظِيمًا لِلْحَدِيثِ، حَتَّى بَلَغَ مِنْ تَعْظِيمِهِ لَهُ أَنَّهُ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ وَهُوَ يُحَدِّثُ سِتَّ عَشْرَةَ مَرَّةً فَصَارَ يَصْفَرُّ وَيَتَلَوَّى حَتَّى تَمَّ الْمَجْلِسُ وَلَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ، وَرُبَّمَا كَانَ يَقُولُ لِلسَّائِلِ انْصَرِفْ حَتَّى أَنْظُرَ، فَقِيلَ لَهُ فَبَكَى وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ لِي مِنَ السَّائِلِ يَوْمٌ وَأَيُّ يَوْمٍ، وَإِذَا أَكْثَرُوا سُؤَالَهُ كَفَّهُمْ وَقَالَ: " حَسْبُكُمْ مَنْ أَكْثَرَ فَقَدْ أَخْطَأَ "، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُجِيبَ عَنْ كُلِّ مَسْأَلَةٍ فَلْيَعْرِضْ نَفْسَهُ عَلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُجِيبُ، وَقَدْ أَدْرَكْنَاهُمْ إِذَا سُئِلَ أَحَدُهُمْ فَكَأَنَّ الْمَوْتَ أَشْرَفَ عَلَيْهِ، وَسُئِلَ عَنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً فَقَالَ فِي ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: لَا أَدْرِي، وَقَالَ: " يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُوَرِّثَ جُلَسَاءَهُ لَا أَدْرِي لِيَكُونَ أَصْلًا فِي أَيْدِيهِمْ يَفْزَعُونَ إِلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا شَكَّ فِي الْحَدِيثِ طَرَحَهُ، وَإِذَا قَالَ أَحَدٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَهُ بِالْحَبْسِ وَقَالَ: يَصِحُّ مَا قَالَ ثُمَّ يَخْرُجُ، وَكَانَ يُقَامُ بَيْنَ يَدَيْهِ الرَّجُلُ كَمَا يُقَامُ بَيْنَ يَدَيِ الْأُمَرَاءِ، وَكَانَ مُهَابًا جِدًّا إِذَا أَجَابَ فِي مَسْأَلَةٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ؟ وَدَخَلَ عَلَى الْمَنْصُورِ الْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ وَهُوَ عَلَى فَرْشِهِ وَصَبِيٌّ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ فَقَالَ: تَدْرِي مَنْ هَذَا؟ هُوَ ابْنِي، وَإِنَّمَا يَفْزَعُ مِنْ هَيْبَتِكَ، وَفِيهِ أَنْشَدَ: يَأْبَى الْجَوَابَ فَلَا يُرَاجَعُ هَيْبَةً وَالسَّائِلُونَ نَوَاكِسُ الْأَذْقَانِ أَدَبُ الْوَقَارِ وَعِزُّ سُلْطَانِ التُّقَى فَهُوَ الْمُطَاعُ وَلَيْسَ ذَا سُلْطَانِ وَكَانَ يَقُولُ فِي فُتْيَاهُ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا يَدْخُلُ الْخَلَاءَ إِلَّا كُلَّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً وَيَقُولُ: وَاللَّهِ قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ كَثْرَةِ تَرَدُّدِي لِلْخَلَاءِ، وَيُرْخِي الطَّيْلَسَانَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى لَا يُرَى وَلَا يَرَى. وَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَقَالَ: فِي عُمُرٍ يَنْقُصُ وَذُنُوبٍ تَزِيدُ. وَلَمَّا أَلَّفَ " الْمُوَطَّأَ "، اتَّهَمَ نَفْسَهُ بِالْإِخْلَاصِ فِيهِ فَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ وَقَالَ: إِنِ ابْتَلَّ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهِ فَلَمْ يَبْتَلَّ مِنْهُ شَيْءٌ. ثَنَاءُ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ كَثِيرٌ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: رَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا مَا كَانَ أَشَدَّ انْتِقَادِ مَالِكٍ لِلرِّجَالِ، وَكَانَ لَا يُبَلِّغُ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا مَا كَانَ صَحِيحًا، وَلَا يُحَدِّثُ إِلَّا عَنْ ثِقَاتِ النَّاسِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ آمَنُ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَلَا أُقَدِّمُ عَلَيْهِ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ أَحَدًا، وَمَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنْهُ، قَالَ: وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِمَامٌ فِي الْحَدِيثِ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ فِي السُّنَّةِ. وَالْأَوْزَاعِيُّ إِمَامٌ فِي السُّنَّةِ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ فِي الْحَدِيثِ. وَمَالِكٌ إِمَامٌ فِيهِمَا جَمِيعًا. سُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ فَقَالَ: السُّنَّةُ هَاهُنَا ضِدُّ الْبِدْعَةِ، فَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ وَلَا يَكُونُ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا الزُّهْرِيُّ فَأَتَيْنَاهُ وَمَعَنَا رَبِيعَةُ فَحَدَّثَنَا بِنَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ: انْظُرُوا كِتَابًا حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ مِنْهُ، أَرَأَيْتُمْ مَا حَدَّثْتُكُمْ أَمْسِ أَيُّ شَيْءٍ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْهُ؟ فَقَالَ لَهُ رَبِيعَةُ: هَاهُنَا مَنْ يُورِدُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثْتَ بِهِ أَمْسِ، قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: ابْنُ أَبِي عَامِرٍ، قَالَ: هَاتِ فَحَدَّثْتُهُ بِأَرْبَعِينَ حَدِيثًا مِنْهَا، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ بَقِيَ أَحَدٌ يَحْفَظُ هَذَا غَيْرِي. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: مَالِكٌ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ. زَادَ ابْنُ مَعِينٍ: كَانَ مَالِكٌ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مُجْمَعٌ عَلَى فَضْلِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا جَاءَ الْأَثَرُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ، وَإِذَا ذُكِرَ الْعُلَمَاءُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ الثَّاقِبُ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مَبْلَغَ مَالِكٍ فِي الْعِلْمِ لِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَصِيَانَتِهِ، وَمَا أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنْ مَالِكٍ، وَجَعَلْتُ مَالِكًا حُجَّةً بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ، وَمَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ الْقَرِينَانِ لَوْلَاهُمَا لَذَهَبَ عِلْمُ الْحِجَازِ، وَالْعِلْمُ يَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةٍ: مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قُلْتُ لِأَبِي: مَنْ أَثْبَتُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ؟ قَالَ: مَالِكٌ أَثْبَتُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَوْلَا مَالِكٌ وَاللَّيْثُ لَضَلَلْنَا. وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا ذَكَرَ مَالِكًا قَالَ: عَالِمُ الْعُلَمَاءِ، وَعَالِمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمُفْتِي الْحَرَمَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لَمَّا بَلَغَتْهُ وَفَاتُهُ: مَا تُرِكَ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلُهُ. وَقَالَ: مَالِكٌ إِمَامٌ وَعَالِمُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَمَالِكٌ حُجَّةٌ فِي زَمَانِهِ، وَمَالِكٌ سِرَاجُ الْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا كُنَّا نَتَّبِعُ آثَارَ مَالِكٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ عَلَى الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي الْعِلْمِ، وَقَالَ: هُوَ إِمَامٌ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ. وَسُئِلَ عَنْ مَنْ تُرِيدُ أَنْ تَكْتُبَ الْحَدِيثَ وَفِي رَأْيِ مَنْ تَنْظُرُ؟ فَقَالَ: حَدِيثُ مَالِكٍ وَرَأْيُ مَالِكٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي حَدِيثٍ: " «يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَلَا يَجِدُونَ عَالِمًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ» " أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا؛ نَرَى أَنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: كَانُوا يَرَوْنَهُ، قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: يَعْنِي سُفْيَانَ بِقَوْلِهِ: كَانُوا التَّابِعِينَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ نُظَرَائِهِ أَوْ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ سُفْيَانَ: كُنْتُ أَقُولُ هُوَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، حَتَّى قُلْتُ: كَانَ فِي زَمَانِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَسَالِمٌ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ أَصْبَحْتُ الْيَوْمَ أَقُولُ إِنَّهُ مَالِكٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَاشَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ نَظِيرٌ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يُنَازِعُنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ؛ إِذْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 لَيْسَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ إِمَامٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَيَقُولُ هُوَ إِمَامِي، وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّهُ صَاحِبُنَا بِشَهَادَةِ السَّلَفِ لَهُ، وَبِأَنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ عَالِمُ الْمَدِينَةِ وَإِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ، فَالْمُرَادُ بِهِ مَالِكٌ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ عُلَمَائِهَا. قَالَ عِيَاضٌ: فَوَجْهُ احْتِجَاجِنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: تَأْوِيلُ السَّلَفِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَالِكٌ وَمَا كَانُوا لَيَقُولُونَ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ. الثَّانِي: شَهَادَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ لَهُ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى تَقْدِيمِهِ، يَظْهَرُ أَنَّهُ الْمُرَادُ إِذَا لَمْ تَحْصُلِ الْأَوْصَافُ الَّتِي فِيهِ لِغَيْرِهِ وَلَا أَطْبَقُوا عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ لِسِوَاهُ. الثَّالِثُ: مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ طَلَبَةَ الْعِلْمِ لَمْ يَضْرِبُوا أَكْبَادَ الْإِبِلِ مِنْ شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا إِلَى عَالِمٍ وَلَا رَحَلُوا إِلَيْهِ مِنَ الْآفَاقِ رِحْلَتَهُمْ إِلَى مَالِكٍ: فَالنَّاسُ أَكْيَسُ مِنْ أَنْ يَحْمَدُوا رَجُلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِدُوا آثَارَ إِحْسَانِ وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: " مَا بِتُّ لَيْلَةً إِلَّا رَأَيْتُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا بِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَالِكٍ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَالِكٌ؟ فَقَالُوا: هَذَا، فَجَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ: (هَاتُوا مَالِكًا، فَأُتِيَ بِكَ تَرْعَدُ فَرَائِصُكَ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. وَكَنَّاكَ وَقَالَ: اجْلِسْ. فَجَلَسْتَ فَقَالَ: افْتَحْ حِجْرَكَ. فَفَتَحْتَ فَمَلَأَهُ مِسْكًا مَنْثُورًا. وَقَالَ: ضُمَّهُ إِلَيْكَ وَبُثَّهُ فِي أُمَّتِي. فَبَكَى مَالِكٌ طَوِيلًا وَقَالَ: الرُّؤْيَا تَسُرُّ وَلَا تَغُرُّ، وَإِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي أَوْدَعَنِي اللَّهُ. وَلْنُمْسِكْ عِنَانَ الْقَلَمِ فَهَذِهِ لُمَعٌ ذَكَرْتُهَا تَبَرُّكًا وَتَذْكِرَةً لِلْقَاصِرِ مِثْلِي، وَإِلَّا فَتَرْجَمَتُهُ تَحْتَمِلُ عِدَّةَ أَسْفَارٍ كِبَارٍ، وَقَدْ أَفْرَدَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بِالتَّصَانِيفِ الْعَدِيدَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَلَّفَ النَّاسُ فِي فَضَائِلِهِ كُتُبًا كَثِيرَةً. وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ عَلَى الْأَشْهَرِ. وَقِيلَ: سَنَةَ تِسْعِينَ. وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَحَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ وَهِيَ الْعَالِيَةُ بِنْتُ شُرَيْكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيَّةُ. وَقِيلَ: إِنَّهَا (طَلْحَةُ) مَوْلَاةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ ثَلَاثَ سِنِينَ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَقِيلَ: سَنَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَسَارِيُّ قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ طَوِيلًا عَظِيمَ الْهَامَةِ أَصْلَعَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ أَبْيَضَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ إِلَى الشُّقْرَةِ. وَقَالَ مُصْعَبُ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْلَاهُمْ عَيْنًا وَأَنْقَاهُمْ بَيَاضًا وَأَتَمِّهِمْ طُولًا فِي جَوْدَةِ بَدَنٍ. وَقِيلَ: كَانَ رَبْعَةً، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 مَرِضَ مَالِكٌ يَوْمَ الْأَحَدِ فَأَقَامَ مَرِيضًا اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَمَاتَ يَوْمَ الْأَحَدِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ. وَقِيلَ: لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَقَالَ سَحْنُونٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ: تُوُفِّيَ مَالِكٌ وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: بَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً، وَأَقَامَ مُفْتِيًا بِالْمَدِينَةِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ سِتِّينَ سَنَةً. وَتَرَكَ مِنَ الْأَوْلَادِ يَحْيَى وَمُحَمَّدًا وَحَمَّادًا وَأُمَّ أَبِيهَا. قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: وَيَحْيَى يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ نُسْخَةً مِنَ الْمُوَطَّأِ، وَيُرْوَى عَنْهُ بِالْيَمَنِ، رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَدِمَ مِصْرَ وَكَتَبَ عَنْهُ، حَدَّثَ عَنْهُ الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ، انْتَهَى. وَلِمُحَمَّدٍ ابْنِ الْإِمَامِ ابْنٌ اسْمُهُ أَحْمَدُ سَمِعَ جَدَّهُ مَالِكًا وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، ذَكَرَهُ الْبَرْقَانِيُّ فِي كِتَابِ " الضُّعَفَاءِ "، وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ، وَبَلَغَتْ تَرِكَةُ الْإِمَامِ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ وَثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ وَنَيِّفًا. قَالَ بَكْرُ بْنُ سُلَيْمٍ الصَّوَّافُ: دَخَلْنَا عَلَى مَالِكٍ فِي الْعَشِيَّةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا فَقُلْنَا: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا أَنَّكُمْ سَتُعَايِنُونَ غَدًا مِنْ عَفْوِ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابٍ، قَالَ: ثُمَّ مَا رُحْنَا حَتَّى أَغْمَضْنَاهُ. رَوَاهُ الْخَطِيبُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ تَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. وَرَأَى عُمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ لَيْلَةَ مَاتَ مَالِكٌ قَائِلًا يَقُولُ: لَقَدْ أَصْبَحَ الْإِسْلَامُ زُعْزِعَ رُكْنُهُ ... غَدَاةَ ثَوَى الْهَادِي لَدَى مُلْحَدِ الْقَبْرِ إِمَامُ الْهُدَى مَا زَالَ لِلْعِلْمِ صَائِنًا ... عَلَيْهِ سَلَامُ اللَّهِ فِي آخِرِ الدَّهْرِ قَالَ: فَانْتَبَهْتُ وَكَتَبْتُ الْبَيْتَيْنِ فِي السِّرَاجِ وَإِذَا بِصَارِخَةٍ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. الرُّوَاةُ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ: وَالرُّوَاةُ عَنْهُ فِيهِمْ كَثْرَةٌ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ رُوَاةٌ كَرُوَاتِهِ. وَقَدْ أَلَّفَ الْخَطِيبُ كِتَابًا فِي الرُّوَاةِ عَنْهُ أَوْرَدَ فِيهِ أَلْفَ رَجُلٍ إِلَّا سَبْعَةً. وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّهُ أَلَّفَ فِيهِمْ كِتَابًا ذَكَرَ فِيهِ نَيِّفًا عَلَى أَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةِ اسْمٍ، وَعَدَّ فِي مَدَارِكِهِ نَيِّفًا عَلَى أَلْفٍ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا ذَكَرْنَا الْمَشَاهِيرَ وَتَرَكْنَا كَثِيرًا، فَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ شُيُوخِهِ مِنَ التَّابِعِينَ: ابْنُ شِهَابٍ مَاتَ قَبْلَ مَالِكٍ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَأَبُو الْأَسْوَدِ يَتِيمُ عُرْوَةَ مَاتَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ مَاتَ قَبْلَهُ بِتِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَبِيعَةُ بِثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ بِثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ، وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ، وَنَافِعٌ الْقَارِي، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، وَأَبُو النَّضْرِ سَالِمٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ وَمَاتَ قَبْلَهُ بِثَلَاثِينَ، وَسُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ، وَخَلْقٌ. وَمِنْ أَقْرَانِهِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 السُّفْيَانَانِ، وَالْحَمَّادَانِ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَاتَ قَبْلَهُ بِعِشْرِينَ سَنَةً، وَشُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَمَاتَ قَبْلَهُ بِسَبْعَ عَشْرَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَاتَ قَبْلَهُ بِثَلَاثِينَ سَنَةً، وَابْنُ لَهِيعَةَ، وَشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ. الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِمَّنْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ اجْتَمَعَ لَهُ مَا اجْتَمَعَ لِمَالِكٍ، رَوَى عَنْهُ رَجُلَانِ حَدِيثًا وَاحِدًا بَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا نَحْوٌ مِنْ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. الزُّهْرِيُّ شَيْخُهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَأَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ تُوُفِّيَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَرَوَيَا عَنْهُ حَدِيثَ الْفُرَيْعَةِ بِنْتِ مَالِكٍ فِي سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ. وَأَمَّا الَّذِينَ رَوَوْا عَنْهُ الْمُوَطَّأَ فَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ الْقَعْنَبِيُّ الْمَدَنِيُّ ثُمَّ الْبَصْرِيُّ بِمُوَحَّدَةٍ سَمِعَ مِنَ الْإِمَامِ نِصْفَ الْمُوَطَّأِ وَقَرَأَ هُوَ عَلَيْهِ النِّصْفَ الْبَاقِي، وَأَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَارِثِ الزُّهْرِيُّ، وَبَكَّارٌ وَمُصْعَبٌ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ، وَعَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ الزُّبَيْرِيُّونَ، وَمُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَإِسْمَاعِيلُ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ ابْنَا أَبِي أُوَيْسٍ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَيُّوبُ بْنُ صَالِحٍ وَسَكَنَ الرَّمْلَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ، وَمُحْرِزٌ الْمَدَنِيُّ. قَالَ عِيَاضٌ: وَأَظُنُّهُ ابْنَ هَارُونَ الْهُدَيْرِيُّ - بِضَمِّ الْهَاءِ مُصَغَّرٌ -، وَيَحْيَى بْنُ الْإِمَامِ مَالِكٍ ذَكَرَهُ ابْنُ شَعْبَانَ وَغَيْرُهُ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْإِمَامِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْأَنْصَارِيُّ. ذَكَرَهُمُ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ ابْنُ نَاصِرٍ سَبْعَةَ عَشَرَ. وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ -، وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ حَفِظَ الْمُوَطَّأَ بِمَكَّةَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ فِي تِسْعِ لَيَالٍ. وَقِيلَ: فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ ثُمَّ رَحَلَ إِلَى مَالِكٍ فَأَخَذَهُ عَنْهُ. وَمِنْ أَهْلِ مِصْرَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ - بِضَمِّ الْبَاءِ مُصَغَّرٌ - وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ فِي " الدِّيبَاجِ " أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ مَالِكٍ الْمُوَطَّأَ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَسَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ - بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ، مُصَغَّرٌ - الْأَنْصَارِيُّ وَيُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ خَالِدٍ، وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَقِيلَ: مَرْزُوقٌ كَاتِبُ مَالِكٍ وَأَشْهَبُ، ذَكَرَهُمُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ - بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَالنُّونِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ - وَأَصْلُهُ دِمَشْقِيٌّ، وَذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ. عَدَّهُمُ ابْنُ نَاصِرٍ أَحَدَ عَشَرَ. وَمِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ النَّصْرِيُّ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَهْلٍ الْهَرَوِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلٍ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - الْبَلْخِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ الْحَنْظَلِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ - بِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ - الْبَغْدَادِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بُرْدٍ - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ - بْنِ نَجِيحٍ التُّجِيبِيُّ، وَأَبُو حُذَافَةَ - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ فَمُعْجَمَةٌ فَأَلِفٌ فَفَاءٌ - أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السَّهْمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ سَمَاعُهُ لِلْمُوَطَّأِ صَحِيحٌ وَخَلَطَ فِي غَيْرِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شَرُوسٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الصَّنْعَانِيُّ، وَأَبُو قُرَّةَ السَّكْسَكِيُّ - بِضَمِّ الْقَافِ وَشَدِّ الرَّاءِ - وَاسْمُهُ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَرَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ الصُّورِيُّ، وَبَرْبَرٌ - بِمُوَحَّدَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَعْدَ كُلِّ رَاءٍ بِلَا نَقْطٍ الْمُغَنِّي - بِضَمِّ الْمِيمِ وَمُعْجَمَةٌ - نِسْبَةً إِلَى الْغِنَاءِ بَغْدَادِيٌّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْمَوْصِلِيُّ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، وَجُوَيْرِيَّةُ بْنُ أَسْمَاءَ - بِلَفْظِ تَصْغِيرِ جَارِيَةٍ -، وَأَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَصْرِيُّونَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ الْكُوفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى السَّبَئِيُّ الْيَمَانِيُّ، وَالْوَلِيدُ بْنُ السَّائِبِ الْقُرَشِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ صَدَقَةَ الْفَدَكِيُّ، وَالْمَاضِي بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ الْغَافِقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ شِبْلٍ الْبَاهِلِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَيْشِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْحَضْرَمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ الْمَغَافِرِيُّ النَّاجِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ مُضَرَ الْقَيْسِيُّ ذَكَرَهُمُ ابْنُ نَاصِرٍ، تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ. وَمِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ مِنَ الْأَنْدَلُسِ: زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُلَقَّبُ شَبَطُونَ - بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ - سَمِعَ " الْمُوَطَّأَ " مِنْ مَالِكٍ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، وَحَفْصٌ وَحَسَّانُ ابْنَا عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْغَازُ - بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ فَأَلِفٌ فَزَايٌ مَنْقُوطَةٌ - بْنُ قَيْسٍ، وَقُرْعُوسُ بْنُ الْعَبَّاسِ - بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَبِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ بِزِنَةِ فِرْدَوْسٍ، وَزُنْبُورٌ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدُوسٍ، وَعَبَّاسُ بْنُ صَالِحٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هِنْدَ، وَشَبَطُونَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ الطُّلَيْطِلِيَّانِ - بِضَمِّ الطَّاءِ الْأُولَى - نِسْبَةً إِلَى مَدِينَةٍ بِالْأَنْدَلُسِ. وَمِنَ الْقَيْرَوَانِ: أَسَدُ بْنُ الْفُرَاتِ، وَخَلَفُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ فَضَالَةَ. وَمِنْ تُونِسَ: عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ، وَعِيسَى بْنُ شَجَرَةَ سَبْعَةَ عَشَرَ. وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ: عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ الْغَسَّانِيُّ، وَعُبَيْدُ بْنُ حِبَّانَ - بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ - الدِّمَشْقِيَّانِ، وَعُتْبَةُ - بِالْفَوْقِيَّةِ - بْنُ حَمَّادٍ الدِّمَشْقِيُّ إِمَامُ الْجَامِعِ، وَمَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ السَّلَمِيُّ دِمَشْقِيَّانِ أَيْضًا، وَيَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ - بِضَمِّ الْوَاوِ وَخِفَّةِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُعْجَمَةٌ - الْحِمْصِيُّ؛ ذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ ابْنُ نَاصِرٍ، وَخَالِدُ بْنُ نِزَارٍ الْأَيْلِيُّ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ - سَبْعَةٌ. قَالَ عِيَاضٌ بَعْدَ ذِكْرِ غَالِبِهِمْ: فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَقَّقْنَا أَنَّهُمْ رَوَوْا عَنْهُ الْمُوَطَّأَ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي الرِّجَالِ، وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ الْبَصْرِيَّ أَخَذَهُ عَنْهُ كِتَابَةً، وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ مُنَاوَلَةً، يَعْنِي وَهُوَ غَيْرُ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ مِائَتَيْنِ فَلَمْ يُدْرِكْ مَالِكًا، قَالَ: وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي فَرَوَاهُ عَنْ رَجُلٍ - يَعْنِي أَسَدَ بْنَ الْفُرَاتِ - عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنَّ الرَّشِيدَ وَبَنِيهِ الْأَمِينَ وَالْمَأْمُونَ وَالْمُؤْتَمَنَ أَخَذُوا عَنْهُ " الْمُوَطَّأَ "، وَأَنَّ الْمَهْدِيَّ وَالْهَادِيَ سَمِعَا مِنْهُ وَرَوَيَا عَنْهُ، وَأَنَّهُ كَتَبَ الْمُوَطَّأَ لِلْهَادِي، قَالَ: وَلَا مِرْيَةَ أَنَّ رُوَاةَ الْمُوَطَّأِ أَكْثَرُ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا ذَكَرْنَا مِنْهُمْ مَنْ بَلَغَنَا نَصًّا سَمَاعُهُ لَهُ مِنْهُ وَأَخْذُهُ لَهُ عَنْهُ أَوْ مَنِ اتَّصَلَ إِسْنَادُنَا لَهُ فِيهِ عَنْهُ. قَالَ: وَالَّذِي اشْتَهَرَ مِنْ نُسَخِ الْمُوَطَّأِ مِمَّنْ رَوَيْتُهُ أَوْ وَقَفْتُ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ فِي رِوَايَاتِ شُيُوخِنَا أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 نَقَلَ مِنْهُ أَصْحَابُ اخْتِلَافِ الْمُوَطَّآتِ نَحْوُ عِشْرِينَ نُسْخَةً، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا ثَلَاثُونَ نُسْخَةً، وَقَدْ رَأَيْتُ الْمُوَطَّأَ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ غَرِيبٌ، وَلَمْ يَقَعْ لِأَصْحَابِ اخْتِلَافِ الْمُوَطَّآتِ، فَلِذَا لَمْ يَذْكُرُوا مِنْهُ شَيْئًا، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ: رَوَى " الْمُوَطَّأَ " عَنْ مَالِكٍ جَمَاعَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَبَيْنَ رِوَايَاتِهِمُ اخْتِلَافٌ مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ، وَأَكْبَرُهَا رِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ، وَمِنْ أَكْبَرِهَا وَأَكْثَرِهَا زِيَادَاتٍ رِوَايَةُ أَبِي مُصْعَبٍ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: فِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ زِيَادَةٌ عَلَى سَائِرِ الْمُوَطَّآتِ نَحْوَ مِائَةِ حَدِيثٍ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَحَادِيثُ يَسِيرَةٌ زِيَادَةً عَلَى سَائِرِ الْمُوَطَّآتِ مِنْهَا حَدِيثُ: " «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» " الْحَدِيثَ، وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ قَوْلِ مَنْ عَزَا رِوَايَتَهُ إِلَى الْمُوَطَّأِ وَوَهْمُ مَنْ خَطَّأَهُ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَمُرَادُهُ الرَّدُّ عَلَى قَوْلِ " فَتْحِ الْبَارِي ": هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ الْمَشْهُورُونَ إِلَّا " الْمُوَطَّأَ "، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي " الْمُوَطَّأِ " مُغْتَرًّا بِتَخْرِيجِ الشَّيْخَيْنِ لَهُ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي " مُنْتَهَى الْآمَالِ ": لَمْ يَهِمْ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الرِّوَايَاتِ الشَّهِيرَةِ فَإِنَّهُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَوْرَدَهُ فِي آخِرِ كِتَابِ النَّوَادِرِ. وَقِيلَ: آخِرِ الْكِتَابِ بِثَلَاثِ وَرَقَاتٍ، وَتَارِيخُ النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا مَكْتُوبَةٌ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَفِيهَا أَحَادِيثُ يَسِيرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الرِّوَايَاتِ مَشْهُورَةٌ، وَهِيَ خَالِيَةٌ مِنْ عِدَّةِ أَحَادِيثَ ثَابِتَةٍ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ. وَفِي " الْإِرْشَادِ " لِلْخَلِيلِيِّ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: كُنْتُ سَمِعْتُ " الْمُوَطَّأَ " مِنْ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَأَعَدْتُهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ لِأَنِّي وَجَدْتُهُ أَقْوَمَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ نَصْرَ بْنَ مَرْزُوقٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي " الْمُوَطَّأِ " عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ بَعْدَهُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَكَذَا أَطْلَقَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ الْقَعْنَبِيَّ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الْمُوَطَّأِ، وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَهْلِ عَصْرِهِ فَإِنَّهُ عَاشَ بَعْدَ الشَّافِعِيِّ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَقْدِيمَهُ عِنْدَ مَنْ قَدَّمَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ سَمِعَ كَثِيرًا مِنَ الْمُوَطَّأِ مِنْ لَفْظِ مَالِكٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّمَاعَ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ أَثْبَتُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَثْبَتُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَوْثَقُهُمْ مَعْنُ بْنُ عِيسَى، انْتَهَى. وَفِي " الدِّيبَاجِ " قَالَ النَّسَائِيُّ: ابْنُ الْقَاسِمِ ثِقَةٌ رَجُلٌ صَالِحٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ حَدِيثَهُ وَأَصَحَّهُ عَنْ مَالِكٍ، لَيْسَ يَخْتَلِفُ فِي كَلِمَةٍ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ الْمُوَطَّأَ عَنْ مَالِكٍ أَثْبَتَ مِنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ عِنْدِي مِثْلَهُ، قِيلَ لَهُ: فَأَشْهَبُ؟ قَالَ: وَلَا أَشْهَبُ وَلَا غَيْرُهُ، وَهُوَ أَعْجَبُ مِنَ الْعَجَبِ، الْفَضْلُ وَالزُّهْدُ وَصِحَّةُ الرِّوَايَةِ وَحُسْنُ الْحَدِيثِ، حَدِيثُهُ يَشْهَدُ لَهُ، انْتَهَى. فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنِ النَّسَائِيِّ فِي أَثْبَتِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: أَثْبَتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 النَّاسِ فِي مَالِكٍ ابْنُ وَهْبٍ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنَ ابْنِ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُهُ الْوَرَعُ مِنَ الْفُتْيَا. وَقَالَ أَصْبَغُ: ابْنُ وَهْبٍ أَعْلَمُ أَصْحَابِ مَالِكٍ بِالسُّنَنِ وَالْآثَارِ إِلَّا أَنَّهُ رَوَى عَنِ الضُّعَفَاءِ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ مُغْلَطَايْ أَنَّهُ وَالْقَعْنَبِيُّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ أَوْثَقُ وَأَتْقَنُ مِنْ جَمِيعِ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ. وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا: ابْنُ وَهْبٍ لَمْ يَكُنْ جَيِّدَ التَّحَمُّلِ فَكَيْفَ يَنْقُلُ هَذَا الرَّجُلُ أَنَّهُ أَوْثَقُ وَأَتْقَنُ أَصْحَابِ مَالِكٍ؟ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: اخْتَارَ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " رِوَايَةَ ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَالْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ التِّنِّيسِيِّ، وَمُسْلِمٌ رِوَايَةَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ التَّمِيمِيِّ، وَأَبُو دَاوُدَ رِوَايَةَ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ رِوَايَةَ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ أَغْلَبِيٌّ، وَإِلَّا فَقَدَ رَوَى كُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ عَنْ غَيْرِ مَنْ عَيَّنَهُ، وَيَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَيْسَ هُوَ صَاحِبُ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ الْآنَ فَإِنَّهُ أَنْدَلُسِيٌّ وَقَدْ يَلْتَبِسَانِ عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ. وَرَوَاهُ عَنِ الْأَنْدَلُسِيِّ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ الْحَافِظُ الْأَنْدَلُسِيُّ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: الْمُوَطَّأُ هُوَ الْأَصْلُ الْأَوَّلُ، وَ " اللُّبَابُ " وَ " الْبُخَارِيُّ " الْأَصْلُ الثَّانِي فِي هَذَا الْبَابِ، وَعَلَيْهَا بَنَى الْجَمِيعُ كَمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ. قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ الْهَيَّابِ أَنَّ مَالِكًا رَوَى مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ جَمَعَ مِنْهَا الْمُوَطَّأَ عَشَرَةَ آلَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَعْرِضُهَا عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَخْتَبِرُهَا بِالْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى خَمْسِمِائَةٍ. وَقَالَ إِلْكِيَا الْهَرَّاسِيُّ: مُوَطَّأُ مَالِكٍ كَانَ تِسْعَةَ آلَافِ حَدِيثٍ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَنْتَقِي حَتَّى رَجَعَ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ. وَفِي " الْمَدَارِكِ " عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ: أَلَّفَ مَالِكٌ الْمُوَطَّأَ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ حَدِيثٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَمَاتَ وَهِيَ أَلْفُ حَدِيثٍ وَنَيِّفٌ، يُخَلِّصُهَا عَامًا عَامًا بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمْثَلُ فِي الدِّينِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ: جُمْلَةُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَلْفٌ وَسَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا، الْمُسْنَدُ مِنْهَا سِتُّمِائَةِ حَدِيثٍ، وَالْمُرْسَلُ مِائَتَانِ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا، وَالْمَوْقُوفُ سِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ. وَمِنْ قَوْلِ التَّابِعِينَ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ. وَقَالَ الْغَافِقِيُّ: " مُسْنَدُ الْمُوَطَّأِ " سِتُّمِائَةِ حَدِيثٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ حَدِيثًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ صَاحِبِ الْأَوْزَاعِيِّ: عَرَضْنَا عَلَى مَالِكٍ الْمُوَطَّأَ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَالَ: كِتَابٌ أَلَّفْتُهُ فِي أَرْبَعِينَ سَنَةً أَخَذْتُمُوهُ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَا أَقَلَّ مَا تَفْقَهُونَ فِيهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الْحِلْيَةِ " عَنْ أَبِي خُلَيْدٍ قَالَ: أَقَمْتُ عَلَى مَالِكٍ فَقَرَأْتُ الْمُوَطَّأَ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَالَ مَالِكٌ: عِلْمٌ جَمَعَهُ شَيْخٌ فِي سِتِّينَ سَنَةً أَخَذْتُمُوهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَا فَقِهْتُمْ أَبَدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكَتَّانِيُّ الْأَصْفَهَانِيُّ: قُلْتُ لِأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ: مُوَطَّأُ مَالِكٍ لِمَ سُمِّيَ الْمُوَطَّأَ؟ فَقَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ وَوَطَّأَهُ لِلنَّاسِ حَتَّى قِيلَ " مُوَطَّأُ مَالِكٍ " كَمَا قِيلَ " جَامِعُ سُفْيَانَ ". وَرَوَى أَبُو الْحَسَنِ بْنُ فِهْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَنْجِيِّ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْمَشَايِخِ يَقُولُ: قَالَ مَالِكٌ: عَرَضْتُ كِتَابِي هَذَا عَلَى سَبْعِينَ فَقِيهًا مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ فَكُلُّهُمْ وَاطَأَنِي عَلَيْهِ فَسَمَّيْتُهُ الْمُوَطَّأَ. قَالَ ابْنُ فِهْرٍ: لَمْ يَسْبِقْ مَالِكًا أَحَدٌ إِلَى هَذِهِ التَّسْمِيَةِ، فَإِنَّ مَنْ أَلَّفَ فِي زَمَانِهِ بَعْضُهُمْ سَمَّى بِالْجَامِعِ، وَبَعْضُهُمْ سَمَّى بِالْمُصَنَّفِ، وَبَعْضُهُمْ بِالْمُؤَلَّفِ، وَلَفْظَةُ الْمُوَطَّأِ بِمَعْنَى الْمُمَهَّدِ الْمُنَقَّحِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ الْمَدَنِيِّ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ كِتَابًا بِالْمَدِينَةِ عَلَى مَعْنَى الْمُوَطَّأِ - مِنْ ذِكْرِ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ - عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجَشُونَ وَعَمِلَ ذَاكَ كَلَامًا بِغَيْرِ حَدِيثٍ فَأَتَى بِهِ مَالِكٌ فَنَظَرَ فِيهِ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا عَمِلَ وَلَوْ كُنْتُ أَنَا الَّذِي عَمِلْتُ ابْتَدَأْتُ بِالْآثَارِ ثُمَّ سَدَّدْتُ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ مَالِكًا عَزَمَ عَلَى تَصْنِيفِ الْمُوَطَّأِ فَصَنَّفَهُ فَعَمِلَ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُوَطَّآتِ، فَقِيلَ لِمَالِكٍ: شَغَلْتَ نَفْسَكَ بِعَمَلِ هَذَا الْكِتَابِ وَقَدْ شَرَكَكَ فِيهِ النَّاسُ وَعَمِلُوا أَمْثَالَهُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِمَا عَمِلُوا فَأُتِيَ بِذَلِكَ فَنَظَرَ فِيهِ وَقَالَ: لَتَعْلَمُنَّ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، قَالَ: فَكَأَنَّمَا أُلْقِيَتْ تِلْكَ الْكُتُبُ فِي الْآبَارِ وَمَا سَمِعْتُ لِشَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِذِكْرٍ. وَرَوَى أَبُو مُصْعَبٍ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْمَنْصُورَ قَالَ لِمَالِكٍ: ضَعْ لِلنَّاسِ كِتَابًا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، فَكَلَّمَهُ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: ضَعْهُ فَمَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَعْلَمَ مِنْكَ، فَوَضَعَ الْمُوَطَّأَ فَمَا فَرَغَ مِنْهُ حَتَّى مَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ الْمَنْصُورَ قَالَ: ضَعْ هَذَا الْعِلْمَ وَدَوِّنْ كِتَابًا وَجَنِّبْ فِيهِ شَدَائِدَ ابْنِ عُمَرَ، وَرُخَصَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَشَوَاذَّ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَاقْصِدْ أَوْسَطَ الْأُمُورِ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهَا الصَّحَابَةُ وَالْأَئِمَّةُ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: اجْعَلْ هَذَا الْعِلْمَ عِلْمًا وَاحِدًا، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ فَأَفْتَى كُلٌّ فِي مِصْرِهِ بِمَا رَأَى، فَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ قَوْلٌ، وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ قَوْلٌ تَعَدَّوْا فِيهِ طَوْرَهُمْ، فَقَالَ: أَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَلَا أَقْبَلُ مِنْهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَإِنَّمَا الْعِلْمُ عِلْمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَضَعْ لِلنَّاسِ الْعِلْمَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ لَا يَرْضَوْنَ عِلْمَنَا، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يُضْرَبُ عَلَيْهِ عَامَّتُهُمْ بِالسَّيْفِ، وَنَقْطَعُ عَلَيْهِ ظُهُورَهُمْ بِالسِّيَاطِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَبَلَغَنِي عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي مُوَطَّئِي؟ فَقُلْتُ لَهُ: النَّاسُ رَجُلَانِ مُحِبٌّ مُطْرٍ وَحَادٌّ مُفْتَرٍ، فَقَالَ لِي مَالِكٌ: إِنَّ مَدَّ بِكَ عُمُرٌ فَسَتَرَى مَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَرَوَى الْخَطِيبُ عَنْ أَبِي بُكَيْرٍ الزُّبَيْرِيِّ قَالَ: قَالَ الرَّشِيدُ لِمَالِكٍ: لَمْ نَرَ فِي كِتَابِكَ ذِكْرًا لَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَمْ يَكُونَا بِبَلَدِي وَلَمْ أَلْقَ رِجَالَهُمَا، فَإِنَّ صَحَّ هَذَا فَكَأَنَّهُ أَرَادَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَإِلَّا فَفِي " الْمُوَطَّأِ " أَحَادِيثُ عَنْهُمَا. قَالَ الْغَافِقِيُّ: عِدَّةُ شُيُوخِهِ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ رَجُلًا، وَعِدَّةُ صَحَابَتِهِ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا، وَمِنْ نِسَائِهِمْ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ امْرَأَةً، وَمِنَ التَّابِعِينَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا كُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ إِلَّا سِتَّةً: أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ، وَحُمَيْدٌ وَأَيُّوبُ الْبَصْرِيَّانِ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَيْلَةَ الشَّامِيُّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ فِهْرٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ: مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ كِتَابٌ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ أَصَحُّ مِنْ كِتَابِ مَالِكٍ. وَفِي لَفْظٍ: مَا عَلَى الْأَرْضِ كِتَابٌ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْقُرْآنِ مِنْ كِتَابِ مَالِكٍ. وَفِي لَفْظٍ: مَا بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ أَكْثَرُ صَوَابًا مِنْ مُوَطَّأِ مَالِكٍ. وَفِي آخَرَ: مَا بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ أَنْفَعُ مِنَ الْمُوَطَّأِ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْمُوَطَّأِ اسْمَ الصَّحِيحِ، وَاعْتَرَضُوا قَوْلَ ابْنِ الصَّلَاحِ: أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ وَإِنْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: " الصَّحِيحُ الْمُجَرَّدُ " لِلِاحْتِرَازِ عَنِ الْمُوَطَّأِ فَلَمْ يُجَرِّدْ فِيهِ الصَّحِيحَ بَلْ أَدْخَلَ الْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ وَالْبَلَاغَاتِ، فَقَدْ قَالَ مُغْلَطَايْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيِّ فِي ذَلِكَ لِوُجُودِهِ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ مِنَ التَّعَالِيقِ وَنَحْوِهَا، لَكِنْ فَرَّقَ الْحَافِظُ بِأَنَّ مَا فِي الْمُوَطَّأِ كَذَلِكَ " هُوَ مَسْمُوعٌ لِمَالِكٍ غَالِبًا، وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ قَدْ حُذِفَ إِسْنَادُهُ عَمَلًا لِأَغْرَاضٍ قُرِّرَتْ فِي التَّعْلِيقِ، فَظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ جَرَّدَ فِيهِ الصَّحِيحَ بِخِلَافِ الْمُوَطَّأِ. وَقَالَ الْحَافِظُ مُغْلَطَايْ: أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الصَّحِيحَ مَالِكٌ، وَقَوْلُ الْحَافِظِ هُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَنْ يُقَلِّدُهُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ وَغَيْرِهِمَا، لَا عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي حَدِّ الصِّحَّةِ، تَعَقَّبَهُ السُّيُوطِيُّ بِأَنَّ مَا فِيهِ مِنَ الْمَرَاسِيلِ مَعَ كَوْنِهَا حُجَّةً عِنْدَهُ بِلَا شَرْطٍ وَعِنْدَ مَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ هِيَ حُجَّةٌ عِنْدِنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا إِذَا اعْتُضِدَ، وَمَا مِنْ مُرْسَلٍ فِي الْمُوَطَّأِ إِلَّا وَلَهُ عَاضِدٌ أَوْ عَوَاضِدُ، فَالصَّوَابُ إِطْلَاقُ أَنَّ الْمُوَطَّأَ صَحِيحٌ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كِتَابًا فِي وَصْلِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنَ الْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ وَالْمُعْضَلِ قَالَ: وَجَمِيعُ مَا فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ بَلَغَنِي، وَمِنْ قَوْلِهِ عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ مِمَّا لَمْ يُسْنِدْهُ أَحَدٌ وَسِتُّونَ حَدِيثًا كُلُّهَا مُسْنَدَةٌ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مَالِكٍ إِلَّا أَرْبَعَةً لَا تُعْرَفُ: أَحَدُهَا: إِنِّي لَا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ. وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَهُ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمُرِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وَالثَّالِثُ: قَوْلُ مُعَاذٍ: آخِرُ مَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي فِي الْغَرْزِ أَنْ قَالَ: " «حَسِّنْ خُلُقُكَ لِلنَّاسِ» ". وَالرَّابِعُ: إِذَا نَشَأَتْ حَجْرِيَّةٌ ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ عُدَيْقَةٌ. وَالْمُوَطَّأُ مِنْ أَوَائِلِ مَا صُنِّفَ. قَالَ فِي " مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي ": اعْلَمْ أَنَّ آثَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ تَابِعِيهِمْ مُدَوَّنَةً فِي الْجَوَامِعِ وَلَا مُرَتَّبَةً لِأَمْرَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا: أَنَّهُمْ كَانُوا فِي ابْتِدَاءِ الْحَالِ قَدْ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي " مُسْلِمٍ " خَشْيَةَ أَنْ يَخْتَلِطَ بَعْضُ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ. وَالثَّانِي: سِعَةُ حِفْظِهِمْ وَسَيَلَانُ أَذْهَانِهِمْ، وَلِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الْكِتَابَةَ، ثُمَّ حَدَثَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ التَّابِعِينَ تَدْوِينُ الْآثَارِ وَتَبْوِيبُ الْأَخْبَارِ لَمَّا انْتَشَرَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَمْصَارِ، وَكَثُرَ الِابْتِدَاعُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَمُنْكِرِي الْأَقْدَارِ، فَأَوَّلُ مَنْ جَمَعَ ذَلِكَ الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَغَيْرُهُمَا، فَصَنَّفُوا كُلَّ بَابٍ عَلَى حِدَةٍ، إِلَى أَنْ قَامَ كِبَارُ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ فِي مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ الثَّانِي فَدَوَّنُوا الْأَحْكَامَ. فَصَنَّفَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " الْمُوَطَّأَ " وَتَوَخَّى فِيهِ الْقَوِيَّ مِنْ حَدِيثِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَمَزَجَهُ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَفَتَاوَى التَّابِعِينَ. وَصَنَّفَ ابْنُ جُرَيْجٍ بِمَكَّةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِالْكُوفَةِ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِالْبَصْرَةِ، وَهُشَيْمٌ بِوَاسِطٍ، وَمَعْمَرٌ بِالْيَمَنِ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ بِخُرَاسَانَ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بِالرَّيِّ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ فَلَا يُدْرَى أَيُّهُمْ سَبَقَ، ثُمَّ تَلَاهُمْ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِمْ فِي النَّسْجِ عَلَى مِنْوَالِهِمْ إِلَى أَنْ رَأَى بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَنْ يُفْرَدَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ فَصَنَّفُوا الْمَسَانِيدَ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ فِي " الْقُوتِ ": هَذِهِ الْكُتُبُ حَادِثَةٌ بَعْدَ سَنَةِ عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَيُقَالُ أَوَّلُ مَا صُنِّفَ كِتَابُ ابْنِ جُرَيْجٍ بِمَكَّةَ فِي الْآثَارِ وَحُرُوفٍ مِنَ التَّفَاسِيرِ، ثُمَّ كِتَابُ مَعْمَرٍ بِالْيَمَنِ جَمَعَ فِيهِ سُنَنًا مَنْثُورَةً مُبَوَّبَةً، ثُمَّ " الْمُوَطَّأُ " بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ ابْنُ عُيَيْنَةَ " الْجَامِعُ "، وَالتَّفْسِيرُ فِي أَحْرُفٍ مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ وَفِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَ " جَامِعُ " سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ صَنَّفَهُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَقِيلَ: إِنَّهَا صُنِّفَتْ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَةٍ، انْتَهَى. وَأَفَادَ فِي " الْفَتْحِ " أَنَّ أَوَّلَ مَنْ دَوَّنَ الْحَدِيثَ ابْنُ شِهَابٍ بِأَمْرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، يَعْنِي كَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الْعِلْمَ ابْنُ شِهَابٍ. وَأَخْرَجَ الْهَرَوِيُّ فِي " ذَمِّ الْكَلَامِ " مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: لَمْ يَكُنِ الصَّحَابَةُ وَلَا التَّابِعُونَ يَكْتُبُونَ الْأَحَادِيثَ إِنَّمَا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا لَفْظًا وَيَأْخُذُونَهَا حِفْظًا إِلَّا كِتَابَ الصَّدَقَاتِ وَالشَّيْءَ الْيَسِيرَ الَّذِي يَقِفُ عَلَيْهِ الْبَاحِثُ بَعْدَ الِاسْتِقْصَاءِ، حَتَّى خِيفَ عَلَيْهِ الدُّرُوسُ، وَأَسْرَعَ فِي الْعُلَمَاءِ الْمَوْتُ، أَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبَا بَكْرٍ الْحَزْمِيَّ فِيمَا كَتَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 إِلَيْهِ: أَنِ انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ سُنَّةِ أَوْ حَدِيثِ عُمَرَ فَاكْتُبْهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّأِ " رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنِ انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ نَحْوِ هَذَا فَاكْتُبْهُ لِي فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ. عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ "، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " تَارِيخِ أَصْبَهَانَ " بِلَفْظِ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الْآفَاقِ انْظُرُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْمَعُوهُ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَكْتُبُ إِلَى الْأَمْصَارِ يُعَلِّمُهُمُ السُّنَّةَ وَالْفِقْهَ، وَيَكْتُبُ إِلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُهُمْ عَمَّا مَضَى وَأَنْ يَعْمَلُوا بِمَا عِنْدَهُمْ، وَيَكْتُبُ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنْ يَجْمَعَ السُّنَنَ، وَيَكْتُبَ بِهَا إِلَيْهِ، فَتُوُفِّيَ عُمَرُ وَقَدْ كَتَبَ ابْنُ حَزْمٍ كُتُبًا قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إِلَيْهِ. وَأَفَادَ فِي " الْمَدَارِكِ " أَنَّهُ لَمْ يُعْتَنَ بِكِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ اعْتِنَاءَ النَّاسِ بِالْمُوَطَّأِ، فَعَدَّ نَحْوَ تِسْعِينَ رَجُلًا تَكَلَّمُوا عَلَيْهِ شُرُوحًا وَغَيْرَهَا مِنْ تَعَلُّقَاتِهِ، وَقَالَ فِيهِ عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا ذُكِرَتْ كُتُبُ الْعُلُومِ فَحَيْهَلَ ... بِكُتُبِ الْمُوَطَّأِ مِنْ تَصَانِيفِ مَالِكِ أَصَحُّ أَحَادِيثًا وَأَثْبَتُ حُجَّةً ... وَأَوْضَحُهَا فِي الْفِقْهِ نَهْجًا لِسَالِكِ عَلَيْهِ مَضَى الْإِجْمَاعُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ... عَلَى رَغْمِ خَيْشُومِ الْحَسُودِ الْمُمَاحِكِ فَعَنْهُ فَخُذْ عِلْمَ الدِّيَانَةِ خَالِصًا ... وَمِنْهُ اسْتَفِدْ شَرْعَ النَّبِيِّ الْمُبَارَكِ وَشُدَّ بِهِ كَفَّ الصِّيَانَةِ تَهْتَدِي ... فَمَنْ حَادَ عَنْهُ هَالِكٌ فِي الْهَوَالِكِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 ثُمَّ إِنَّ الْإِمَامَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا كَأَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ دُونَ الْحَمْدِ وَالشَّهَادَةِ مَعَ وُرُودِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ أَقْطَعُ» "، وَقَوْلِهِ: " «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» " أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: لِأَنَّ الْحَدِيثَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالٌ سَلَّمْنَا صَلَاحِيَتَهُمَا لِلْحُجَّةِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ بِالنُّطْقِ وَالْكِتَابَةِ مَعًا، فَلَعَلَّهُ حَمِدَ وَتَشَهَّدَ نُطْقًا عِنْدَ وَضْعِ الْكِتَابِ وَلَمْ يَكْتُبْ ذَلِكَ اقْتِصَارًا عَلَى الْبَسْمَلَةِ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَجْمَعُ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ ذِكْرُ اللَّهِ وَقَدْ حَصَلَ بِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] [سُورَةُ الْعَلَقِ: الْآيَةُ 1] فَطَرِيقُ التَّأَسِّي بِهِ الِافْتِتَاحُ بِالْبَسْمَلَةِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا وُقُوعُ كُتُبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُلُوكِ، وَكُتُبِهِ فِي الْقَضَايَا مُفْتَتَحَةً بِالتَّسْمِيَةِ دُونَ حَمْدَلَةٍ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ، وَحَدِيثِ الْبَرَاءِ فِي قِصَّةِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، قَالَ: وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ لَفْظَ الْحَمْدِ وَالشَّهَادَةِ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْخُطَبِ دُونَ الرَّسَائِلِ وَالْوَثَائِقِ، فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يَفْتَتِحُ بِخُطْبَةٍ أَجْرَاهُ مَجْرَى الرَّسَائِلِ إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ لِيَنْتَفِعُوا بِمَا فِيهِ تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الِابْتِدَاءُ بِالتَّسْمِيَةِ أَوِ الْحَمْدِ، فَلَوِ ابْتَدَأَ بِالْحَمْدِ لَخَالَفَ الْعَادَةَ أَوِ الْبَسْمَلَةَ لَمْ يَعُدْ مُبْتَدِيًا بِالْحَمْدَلَةِ فَاكْتَفَى بِالتَّسْمِيَةِ. وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ مُبْتَدِيًا بِالْحَمْدِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بَعْدَ التَّسْمِيَةِ، وَهَذِهِ هِيَ النُّكْتَةُ فِي حَذْفِ الْوَاوِ فَيَكُونُ أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ افْتَتَحُوا كِتَابَتَهُمْ فِي الْإِمَامِ الْكَبِيرِ بِالتَّسْمِيَةِ ثُمَّ الْحَمْدِ تِلْوَهَا، وَتَبِعَهُمْ جَمِيعُ مَنْ كَتَبَ الْمُصْحَفَ بَعْدَهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَمَنْ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّهُ رَاعَى قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] (سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: الْآيَةُ 1) فَلَمْ يُقَدِّمْ عَلَى كَلَامِ رَسُولِهِ شَيْئًا وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ كَلَامِ نَفْسِهِ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الْحَمْدِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَيْضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 قَدْ قَدَّمَ التَّرْجَمَةَ وَهِيَ مِنْ كَلَامِهِ، وَكَذَا السَّنَدُ قَبْلَ الْحَدِيثِ. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّرْجَمَةَ وَالسَّنَدَ وَإِنْ كَانَا مُقَدَّمَيْنِ لَفْظًا لَكِنَّهُمَا مُتَأَخِّرَانِ تَقْدِيرًا، فِيهِ نَظَرٌ؛ أَيْ: لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ مِنْ أَحْكَامِ الظَّاهِرِ لَا التَّقْدِيرِ، فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ مُقَدَّمٌ وَإِنْ كَانَ فِي نِيَّةِ التَّأْخِيرِ، وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِخُطْبَةٍ فِيهَا حَمْدٌ وَشَهَادَةٌ فَحَذَفَهَا الرُّوَاةُ عَنْهُ، وَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا مَا رَأَى تَصَانِيفَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ لَا يُحْصَوْنَ مِمَّنْ لَمْ يُقَدِّمْ فِي ابْتِدَاءِ تَصْنِيفِهِ خُطْبَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَهُمُ الْأَكْثَرُ، كَمَالِكٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ فَيُقَالُ لَهُ فِي كُلِّ هَؤُلَاءِ: إِنَّ الرُّوَاةَ عَنْهُ حَذَفُوا ذَلِكَ كُلَّهُ، بَلْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ صَنِيعِهِ، عَلَى أَنَّهُمْ حَمَدُوا لَفْظًا، أَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِالْخُطَبِ دُونَ الْكُتُبِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِهَذَا قَلَّ مَنِ افْتَتَحَ كِتَابَهُ مِنْهُمْ بِخُطْبَةِ حَمْدٍ وَتَشَهُّدٍ كَمَا صَنَعَهُ مُسْلِمٌ، وَقَدِ اسْتَقَرَّ عَمَلُ الْأَئِمَّةِ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى افْتِتَاحِ كُتُبِ الْعِلْمِ بِالْبَسْمَلَةِ وَكَذَا مُعْظَمُ كُتُبِ الرَّسَائِلِ، وَاخْتَلَفَ الْقُدَمَاءُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْكِتَابُ كُلُّهُ شِعْرًا فَجَاءَ عَنِ الشَّعْبِيِّ مَنْعُ ذَلِكَ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ لَا يُكْتَبَ فِي الشِّعْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ جَوَازُ ذَلِكَ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: هُوَ الْمُخْتَارُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ عُثْمَانَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ: " هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِ اللَّهِ الْأَكْبَرِ إِلَّا كَمَا بَيْنَ سَوَادِ الْعَيْنِ وَبَيَاضِهَا مِنَ الْقُرْبِ» ". وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ: " لَمَّا نَزَلَتْ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] (سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: الْآيَةُ 1) هَرَبَ الْغَيْمُ إِلَى الْمَشْرِقِ وَسَكَنَتِ الرِّيَاحُ وَمَاجَ الْبَحْرُ وَأَصْغَتِ الْبَهَائِمُ بِآذَانِهَا وَرُجِمَتِ الشَّيَاطِينُ وَحَلَفَ اللَّهُ بِعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُهُ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا بَارَكَ فِيهِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 [وُقُوتِ الصّلاةِ] [بَاب وُقُوتِ الصَّلَاةِ] ِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَاب وُقُوتِ الصَّلَاةِ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثِيُّ عَنْ مَالِكٍ بْن أَنَس عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالْكُوفَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ «مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ بِهَذَا أُمِرْتُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ اعْلَمْ مَا تُحَدِّثُ بِهِ يَا عُرْوَةُ أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ الصَّلَاةِ» قَالَ عُرْوَةُ كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ   1 - كِتَابُ وُقُوتِ الصَّلَاةِ 1 - بَابُ وُقُوتِ الصَّلَاةِ بِضَمِّ الْوَاوِ وَالْقَافِ الْمَفْرُوضَةِ وَقَدَّمَ ذَا الْبَابَ عَلَى سَائِرِ أَبْوَابِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ، إِذْ هِيَ عِبَادَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِالْأَوْقَاتِ. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 103) أَيْ: فَرْضًا مُوَقَّتًا، فَإِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَجَبَ الْوُضُوءُ وَغَيْرُهُ، فَلِذَا قَدَّمَ الْأَوْقَاتَ عَلَى غَيْرِهَا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ، أَوْقَاتٌ: جَمْعُ قِلَّةٍ وَهُوَ أَظْهَرُ لِكَوْنِهَا خَمْسَةً، لَكِنْ وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ " وُقُوتٌ " جَمْعُ كَثْرَةٍ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةً لَكِنْ لِتَكَرُّرِهَا كُلَّ يَوْمٍ صَارَتْ كَأَنَّهَا كَثِيرَةٌ، كَقَوْلِهِمْ: شُمُوسٌ وَأَقْمَارٌ بِاعْتِبَارِ تَرَدُّدِهِمَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَلِأَنَّ الصَّلَوَاتِ فُرِضَتْ خَمْسِينَ وَثَوَابَهَا كَثَوَابِ الْخَمْسِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ: " «هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ» "، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَمْعَيْنِ قَدْ يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ تَوَسُّعًا، أَوْ لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَبْدَأِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَيَفْتَرِقَانِ فِي الْغَايَةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، أَوْ لِأَنَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثَةَ أَوْقَاتٍ: اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ وَقَضَاءٌ. (قَالَ) الرَّاوِي عَنْ يَحْيَى وَهُوَ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - اللَّيْثِيُّ فَقِيهُ قُرْطُبَةَ وَمُسْنِدُ الْأَنْدَلُسِ كَانَ ذَا حُرْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَجَلَالَةٍ رَوَى عَنْ خَلْقٍ كَثِيرٍ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ: 2 1 - (حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى) بْنِ كَثِيرِ بْنِ وِسْلَاسَ - بِكَسْرِ الْوَاوِ وَسِينَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ؛ الْأُولَى سَاكِنَةٌ وَبَيْنَهُمَا لَامُ أَلِفٍ وَيُزَادُ فِيهِ نُونٌ فَيُقَالُ وِسْلَاسِنُ، وَمَعْنَاهُ بِالْبَرْبَرِيَّةِ سَيِّدُهُمْ، كَمَا ضَبَطَهُ صَاحِبُ الْوَفَيَاتِ - أَسْلَمَ وِسْلَاسُ عَلَى يَدِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ اللَّيْثِيِّ لَيْثِ بَنِي كِنَانَةَ فَقِيلَ الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 (اللَّيْثِيُّ) مَوْلَاهُمُ الْقُرْطُبِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ فَقِيهٌ ثِقَةٌ قَلِيلُ الْحَدِيثِ وَلَهُ أَوْهَامٌ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ عَنْ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً، سَمِعَ الْمُوَطَّأَ لِأَوَّلِ نَشْأَتِهِ مِنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفِ بِشَبَطُونَ، ثُمَّ رَحَلَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً إِلَى مَالِكٍ فَسَمِعَ مِنْهُ الْمُوَطَّأَ غَيْرَ أَبْوَابٍ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ شَكَّ فِيهَا فَحَدَّثَ بِهَا عَنْ زِيَادٍ، وَكَانَ يَحْيَى عِنْدَ مَالِكٍ فَقِيلَ: هَذَا الْفِيلُ فَخَرَجُوا لِرُؤْيَتِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: لِمَ لَمْ تَخْرُجْ لِنَظَرِ الْفِيلِ وَهُوَ لَا يَكُونُ بِبِلَادِكَ؟ فَقَالَ: لَمْ أَرْحَلْ لِأَنْظُرَ الْفِيلَ وَإِنَّمَا رَحَلْتُ لِأُشَاهِدَكَ وَأَتَعَلَّمَ مِنْ عِلْمِكَ وَهَدْيِكَ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَسَمَّاهُ عَاقِلَ الْأَنْدَلُسِ، وَإِلَيْهِ انْتَهَتْ رِيَاسَةُ الْفِقْهِ بِهَا وَانْتَشَرَ بِهِ الْمَذْهَبُ، وَتَفَقَّهَ بِهِ مَنْ لَا يُحْصَى، وَعُرِضَ لِلْقَضَاءِ فَامْتَنَعَ فَعَلَتْ رُتْبَتُهُ عَلَى الْقُضَاةِ وَقُبِلَ قَوْلُهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، فَلَا يُوَلَّى قَاضِيًا فِي أَقْطَارِهِ إِلَّا بِمَشُورَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَلَا يُشِيرُ إِلَّا بِأَصْحَابِهِ فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ لِبُلُوغِ أَغْرَاضِهِمْ وَهَذَا سَبَبُ اشْتِهَارِ الْمُوَطَّأِ بِالْمَغْرِبِ مِنْ رِوَايَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَكَانَ حَسَنَ الْهَدْيِ وَالسَّمْتِ يُشْبِهُ سَمْتُهُ سَمْتَ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا وَدَّعْتُ مَالِكًا سَأَلْتُهُ أَنْ يُوصِيَنِي. فَقَالَ لِي: عَلَيْكَ بِالنَّصِيحَةِ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ، قَالَ: وَقَالَ لِي اللَّيْثُ مِثْلَ ذَلِكَ (عَنْ مَالِكِ) بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ عَمْرٍو الْأَصْبَحِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ الْفَقِيهِ إِمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ أَكْمَلِ الْعُقَلَاءِ وَأَعْقَلِ الْفُضَلَاءِ، رَأْسِ الْمُتْقِنِينَ، وَكَبِيرِ الْمُتَثَبِّتِينَ، حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كُلِّهَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: بَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً (عَنْ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِفَتْحِهَا (ابْنِ شِهَابٍ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ الْقُرَشِيِّ الزُّهْرِيِّ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهِ الْحَافِظِ الْمُتَّفَقِ عَلَى جَلَالَتِهِ وَإِتْقَانِهِ، لَقِيَ عَشَرَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ: قَبْلَهَا بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ، لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَرْفُوعًا مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا (أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ) بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِي بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْأُمَوِيَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أُمُّهُ أُمُّ عَاصِمٍ بِنْتُ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَلِيَ إِمْرَةَ الْمَدِينَةِ لِلْوَلِيدِ، وَكَانَ مَعَ سُلَيْمَانَ كَالْوَزِيرِ، وَوَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ فَعُدَّ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، مَاتَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَمُدَّةُ خِلَافَتِهِ سَنَتَانِ وَنِصْفٌ. (أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا) أَيْ: صَلَاةَ الْعَصْرِ كَمَا لِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، زَادَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي إِمَارَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ قَاعِدًا عَلَى الْمِنْبَرِ فَعُرِفَ بِهَذَا سَبَبُ تَأْخِيرِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَكَأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا إِذْ ذَاكَ بِشَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ يَوْمًا لَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَادَةً لَهُ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ بَيْتِهِ مَعْرُوفِينَ بِذَلِكَ، قَالَ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ لَا أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ اللَّيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَلَفْظُهُ: " أَخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا " وَبِهِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ عُرْوَةَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بَعْدَ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ، وَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ: أَمْسَى عُمَرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَارَبَ الْمَسَاءَ لَا أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ وَقَدْ رَجَعَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ، فَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَعْنِي فِي خِلَافَتِهِ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي السَّاعَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعَصْرَ فِي السَّاعَةِ الْعَاشِرَةِ حِينَ تَدَخُلُ (فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ الثِّقَةُ الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ وَمَوْلِدُهُ فِي أَوَائِلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ (فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ) بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مُعَتِّبٍ الثَّقَفِيَّ الصَّحَابِيَّ الْمَشْهُورَ أَسْلَمَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ وَوَلِيَ إِمْرَةَ الْبَصْرَةِ ثُمَّ الْكُوفَةِ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ عَلَى الصَّحِيحِ. (أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا) أَيْ: صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِلَفْظٍ فَقَالَ: أَمْسَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ (وَهُوَ بِالْكُوفَةِ) وَكَانَ إِذْ ذَاكَ أَمِيرًا عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ بِالْعِرَاقِ وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ رِوَايَةَ الْقَعْنَبِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالْكُوفَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْعِرَاقِ، فَالتَّعْبِيرُ بِهَا أَخَصُّ مِنَ التَّعْبِيرِ بِهِ. (فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ) عُقْبَةُ - بِالْقَافِ - ابْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ (الْأَنْصَارِيُّ) الْبَدْرِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مَاتَ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ: بَعْدَهَا (فَقَالَ: مَا هَذَا) التَّأْخِيرُ (يَا مُغِيرَةُ؟ أَلَيْسَ) كَذَا الرِّوَايَةُ وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ صَحِيحٌ، لَكِنَّ الْأَفْصَحَ وَالْأَكْثَرَ اسْتِعْمَالًا فِي مُخَاطَبَةِ الْحَاضِرِ أَلَسْتَ؟ وَفِي مُخَاطَبَةِ الْغَائِبِ أَلَيْسَ؟ وَتَوْجِيهُ الْأُولَى أَنَّ فِي " لَيْسَ " ضَمِيرَ الشَّأْنِ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ السَّيِّدِ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَالْحَافِظُ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ الدَّمَامِينِيُّ بِأَنَّهُ يُوهِمُ جَوَازَ اسْتِعْمَالِ هَذَا التَّرْكِيبِ مَعَ إِرَادَةِ أَنْ يَكُونَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ضَمِيرُ الْغَائِبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا تَرْكِيبَانِ مُخْتَلِفَانِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَفْصَحِ مِنَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَقَامٍ خَاصٍّ، فَإِنْ أُرِيدَ إِدْخَالُ لَيْسَ عَلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ تَعَيَّنَ أَلَسْتَ قَدْ عَلِمْتَ؟ وَإِنْ أُرِيدَ إِدْخَالُهَا عَلَى ضَمِيرِ الشَّأْنِ مُخْبَرًا عَنْهُ بِالْجُمْلَةِ الَّتِي أُسْنِدَ فِعْلُهَا إِلَى الْمُخَاطَبِ تَعَيَّنَ أَلَيْسَ (قَدْ عَلِمْتَ؟) قَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ عِلْمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 الْمُغِيرَةِ بِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ظَنٌّ مِنْ أَبِي مَسْعُودٍ لِعِلْمِهِ بِصُحْبَةِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ شُعَيْبٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ بِلَفْظٍ فَقَالَ: " لَقَدْ عَلِمْتَ " بِغَيْرِ أَدَاةِ اسْتِفْهَامٍ، وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ مَعًا (أَنَّ جِبْرِيلَ) - بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَفَتْحِهَا - اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ. رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جِبْرِيلُ كَقَوْلِكَ عَبْدُ اللَّهِ جِبْرٌ عَبْدٌ وَإِيلُ اللَّهُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْمَلَائِكَةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمَلَكَ الْمَوْتِ رُءُوسُ الْمَلَائِكَةِ وَأَشْرَافُهُمْ، وَأَفْضَلُ الْأَرْبَعَةِ جِبْرِيلُ وَإِسْرَافِيلُ، وَفِي التَّفْضِيلِ بَيْنَهُمَا تَوَقُّفٌ سَبَبُهُ اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ. وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ حَدِيثُ: " «أَفْضَلُ الْمَلَائِكَةِ جِبْرِيلُ» " لَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ وَلَهُ مُعَارِضٌ فَالْأَوْلَى الْوَقْفُ عَنْ ذَلِكَ. (نَزَلَ) قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: نُزُولُهُ فِي صِفَةِ رَجُلٍ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ أَفْنَى الزَّائِدَ مِنْ خَلْقِهِ أَوْ أَزَالَهُ عَنْهُ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِلَيْهِ بَعْدُ، وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِالْإِزَالَةِ دُونَ الْفَنَاءِ، إِذْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ انْتِقَالُهَا مُوجِبًا لِمَوْتِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْجَسَدُ حَيًّا، لِأَنَّ مَوْتَهُ بِمُفَارَقَةِ الرُّوحِ لَا يَجِبُ عَقْلًا بَلْ بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ فِي بَعْضِ خَلْقِهِ، وَنَظِيرُهُ انْتِقَالُ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ إِلَى أَجْوَافِ طُيُورٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ. وَقَالَ الْبَلْقِينِيُّ: يَجُوزُ أَنَّ الْآتِيَ هُوَ جِبْرِيلُ بِشَكْلِهِ الْأَصْلِيِّ إِلَّا أَنَّهُ انْضَمَّ فَصَارَ عَلَى قَدْرِ هَيْئَةِ الرَّجُلِ وَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ عَادَ إِلَى هَيْئَتِهِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ الْقُطْنُ إِذَا جُمِعَ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُنْتَفِشًا فَإِنَّهُ بِالنَّفْشِ يَحْصُلُ لَهُ صُورَةٌ كَبِيرَةٌ وَذَاتُهُ لَمْ تَتَغَيَّرْ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَالْحَقُّ أَنَّ تَمْثِيلَ الْمَلَكِ رَجُلًا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَاتَهُ انْقَلَبَتْ رَجُلًا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ظَهَرَ بِتِلْكَ الصُّورَةِ تَأْنِيسًا لِمَنْ يُخَاطِبُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَدْرَ الزَّائِدَ لَا يَزُولُ وَلَا يَفْنَى بَلْ يَخْفَى عَلَى الرَّائِي فَقَطْ. وَقَالَ الْقُونَوِيُّ: يُمْكِنُ أَنَّ جِسْمَهُ الْأَوَّلَ بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَقَدْ أَقَامَ اللَّهُ لَهُ شَبَحًا آخَرَ، وَرُوحُهُ مُتَصَرِّفَةٌ فِيهِمَا جَمِيعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَكَانَ نُزُولُهُ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّ جِبْرِيلَ هَبَطَ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَعَلَّمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ وَمَوَاقِيتَهَا وَهَيْئَتَهَا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: وَكَانَ نَافِعٌ كَثِيرَ الرِّوَايَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا فُرِضَتِ الصَّلَاةُ وَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ: " «لَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْرِيَ بِهِ لَمْ يَرْعُهُ إِلَّا جِبْرِيلُ نَزَلَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْأُولَى، فَأَمَرَ فَصِيحَ بِأَصْحَابِهِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعُوا فَصَلَّى جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ وَصَلَّى النَّبِيُّ بِالنَّاسِ طَوَّلَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ قَصَّرَ الْبَاقِيَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ النَّبِيُّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ نَزَلَ فِي الْعَصْرِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَفَعَلُوا كَمَا فَعَلُوا فِي الظُّهْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَصِيحَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فَصَلَّى جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَصَلَّى النَّبِيُّ بِالنَّاسِ طَوَّلَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَصَّرَ فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ سَلَّمَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ وَسَلَّمَ النَّبِيُّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ لَمَّا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ صِيحَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فَاجْتَمَعُوا فَصَلَّى جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ وَصَلَّى النَّبِيُّ لِلنَّاسِ، فَقَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَطَوَّلَ فِيهِمَا وَقَصَّرَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ وَسَلَّمَ النَّبِيُّ عَلَى النَّاسِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ صِيحَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فَصَلَّى جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ وَصَلَّى النَّبِيُّ لِلنَّاسِ فَقَرَأَ فِيهِمَا فَجَهَرَ وَطَوَّلَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ، وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ وَسَلَّمَ النَّبِيُّ عَلَى النَّاسِ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ بَيَانَ الْأَوْقَاتِ إِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَهَا بِبَيَانِ جِبْرِيلَ وَبَعْدَهَا بِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَهُوَ صَرِيحُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ: فَصَلَّى) جِبْرِيلُ الظُّهْرَ (فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَعَهُ (ثُمَّ صَلَّى) الْعَصْرَ (فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَعَهُ (ثُمَّ صَلَّى) الْمَغْرِبَ (فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَعَهُ (ثُمَّ صَلَّى) الْعِشَاءَ (فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَعَهُ (ثُمَّ صَلَّى) الصُّبْحَ (فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَعَهُ. هَكَذَا ذَكَرَهُ خَمْسَ مَرَّاتٍ. قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا إِذَا اتُّبِعَ فِيهِ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ أَعْطَى أَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاةِ جِبْرِيلَ، لَكِنْ مَفْهُومُ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْمَنْصُوصُ فِي غَيْرِهِ أَنَّ جِبْرِيلَ أَمَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: " صَلَّى " " فَصَلَّى " عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ كُلَّمَا فَعَلَ جُزْءًا مِنَ الصَّلَاةِ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ حَتَّى تَكَامَلَتْ صَلَاتُهُمَا انْتَهَى. وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْفَاءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَقَدَّمُ فِي بَعْضِ الْأَرْكَانِ عَلَى جِبْرِيلَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مُطْلَقُ الْجَمْعِ، وَأُجِيبَ بِمُرَاعَاةِ الْحَيْثِيَّةِ وَهِيَ التَّبْيِينُ فَكَانَ لِأَجْلِ ذَلِكَ يَتَرَاخَى عَنْهُ. وَقِيلَ: الْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ كَقَوْلِهِ: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15] (سُورَةُ الْقَصَصِ: الْآيَةُ 15) . وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: " «نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْتُ مَعَهُ» ". وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: " «نَزَلَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى النَّاسُ مَعَهُ» " وَهَذَا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ الْمُتَقَدِّمَةَ، وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ بِقَوْلِهِ: " «الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ» " لِأَنَّ الْأَذَانَ لَمْ يَكُنْ شُرِعَ حِينَئِذٍ. (ثُمَّ قَالَ) جِبْرِيلُ: (بِهَذَا أُمِرْتَ) بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ أَيْ: هَذَا الَّذِي أُمِرْتَ بِهِ أَنْ تُصَلِّيَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَرُوِيَ بِالضَّمِّ؛ أَيْ: هَذَا الَّذِي أُمِرْتُ بِتَبْلِيغِهِ لَكَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: نَزَلَ جِبْرِيلُ مَأْمُورًا مُكَلَّفًا بِتَعْلِيمِ النَّبِيِّ لَا بِأَصْلِ الصَّلَاةِ، وَاحْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ الِائْتِمَامِ بِمَنْ يَأْتَمُّ بِغَيْرِهِ. وَأَجَابَ الْحَافِظُ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُبَلِّغًا فَقَطْ كَمَا قِيلَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 صَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ خَلْفَ النَّبِيِّ وَصَلَاةِ النَّاسِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَرَدَّهُ السُّيُوطِيُّ بِأَنَّهُ وَاضِحٌ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَمَّا هُنَا فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ النَّاسَ اقْتَدَوْا بِجِبْرِيلَ لَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْمَعْهُودِ مَعَ مَا فِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ لِلْبَيَانِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ بِمِثْلِ مَا كُلِّفَ بِهِ الْإِنْسُ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ. وَأَجَابَ عِيَاضٌ بِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَكُونَ تِلْكَ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ، وَتَعَقَّبَهُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ فَرْضِ الصَّلَاةِ. وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ مُعَلَّقًا بِالْبَيَانِ فَلَمْ يَتَحَقَّقِ الْوُجُوبُ إِلَّا بَعْدَ تِلْكَ الصَّلَاةِ، قَالَ: وَأَيْضًا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ مُتَنَفِّلًا بَلْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِتَبْلِيغِهَا فَهِيَ صَلَاةُ مُفْتَرِضٍ خَلْفَ مُفْتَرِضٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْ يُجَوِّزُ صَلَاةَ مُفْتَرِضٍ بِفَرْضٍ آخَرَ قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مُسَلَّمٌ لَهُ فِي صُورَةِ الْمُؤَدَّاةِ مَثَلًا خَلْفَ الْمُؤَدَّاةِ لَا فِي صُورَةِ الظُّهْرِ خَلْفَ الْعَصْرِ مَثَلًا. (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: اعْلَمْ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ (مَا تُحَدِّثُ بِهِ يَا عُرْوَةُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عُرْوَةُ وَانْظُرْ مَا تَقُولُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ: لَا يُحْمَلُ مِثْلُهُ عَلَى الِاتِّهَامِ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ الِاحْتِيَاطُ وَالِاسْتِثْبَاتُ لِيَتَذَكَّرَ الرَّاوِي وَيَجْتَنِبَ مَا عَسَاهُ يَعْرِضُ مِنْ نِسْيَانٍ وَغَلَطٍ. (أَوَ) بِفَتْحِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْوَاوُ الْعَاطِفَةُ عَلَى مُقَدَّرٍ (إِنَّ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ قَالَ فِي الْمَطَالِعِ: ضَبَطْنَا " إِنَّ " بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ مَعًا، وَالْكَسْرُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ مُسْتَأْنَفٌ عَنِ الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ بِالْوَاوِ لِيَرُدَّ الْكَلَامَ عَلَى كَلَامِ عُرْوَةَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُرُوفِ الرَّدِّ، وَالْفَتْحُ عَلَى تَقْدِيرِ أَوَ عَلِمْتَ أَوَ حَدَّثْتَ أَنَّ (جِبْرِيلَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ وَقْتَ الصَّلَاةِ) أَيْ: جِنْسَ وَقْتِهَا، وَرَوَاهُ الْمُسْتَمْلِي فِي الْبُخَارِيِّ " وُقُوتَ " بِالْجَمْعِ. (قَالَ عُرْوَةُ: كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (ابْنُ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ) الْمَدَنِيُّ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ، ذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَآهُ، وَقَالَ الْعِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ (يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ) عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبَدْرِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا السِّيَاقُ مُنْقَطِعٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ ابْنَ شِهَابٍ لَمْ يَقُلْ حَضَرْتُ مُرَاجَعَةَ عُرْوَةَ لِعُمَرَ، وَعُرْوَةُ لَمْ يَقُلْ: حَدَّثَنِي بَشِيرٌ لَكِنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ثُبُوتُ اللِّقَاءِ وَالْمُجَالَسَةِ لَا بِالصِّيَغِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ مُتَّصِلَ الْإِسْنَادِ إِذْ لَمْ يَقُلْ أَبُو مَسْعُودٍ: شَاهَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُنْقَطِعًا اصْطِلَاحًا وَإِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 هُوَ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ الْقِصَّةَ، فَاحْتَمَلَ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَلَغَهُ عَنْهُ بِتَبْلِيغِ مَنْ شَاهَدَهُ أَوْ سَمِعَهُ كَصَحَابِيٍّ آخَرَ، عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ اللَّيْثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ - أَيْ وَمُسْلِمٍ - تُزِيلُ الْإِشْكَالَ كُلَّهُ. وَلَفْظُهُ: فَقَالَ عُرْوَةُ: سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " نَزَلَ جِبْرِيلُ " فَذَكَرَهُ. زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: فَمَا زَالَ عُمَرُ يَعْتَلِمُ وَقْتَ الصَّلَاةِ بِعَلَامَةٍ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَإِنْ قِيلَ جَهْلُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ لَا يَسَعُ أَحَدًا فَكَيْفَ جَازَ عَلَى عُمَرَ؟ قِيلَ: لَيْسَ فِي جَهْلِهِ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِعِلْمِ الْمَوَاقِيتِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ بِهَا وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَمَلًا وَاتِّفَاقًا وَأَخْذًا عَنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ، وَلَا يُعْرَفُ أَصْلُ ذَلِكَ كَيْفَ كَانَ النُّزُولُ مِنْ جِبْرِيلَ بِهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ بِمَا سَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ كَمَا سَنَّ غَيْرَ مَا شَيْءٍ وَفَرَضَهُ فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ انْتَهَى. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِتَفَاصِيلِ الْأَوْقَاتِ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ الْمُسْتَمِرِّ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَنَّ أَصْلَهُ بِتَبْيِينِ جِبْرِيلَ بِالْفِعْلِ، فَإِذَا اسْتَثْبَتَ فِيهِ وَكَأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ لَا مُفَاضَلَةَ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ الْوَاحِدِ وَكَذَا يُحْمَلُ عَمَلُ الْمُغِيرَةِ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَلَى جَوَابِ الْمُغِيرَةِ لِأَبِي مَسْعُودٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَيْهِ، وَكَذَا سِيَاقُ ابْنِ شِهَابٍ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ عُرْوَةَ، لَكِنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى عُمَرَ إِذْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْأَوْقَاتَ. وَأَجَابَ الْحَافِظُ بِأَنَّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ اخْتِصَارًا وَقَدْ وَرَدَ بَيَانُهَا مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ، فَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَضْعِيفِهِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ وَالْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ ذَلِكَ زَمَانًا يُؤَخِّرُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ، فَحَدَّثَ عُرْوَةُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ وَبَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ كِلَاهُمَا قَدْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَلَكَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صَلِّ الظُّهْرَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صَلِّ الْعَصْرَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صَلِّ الْمَغْرِبَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صَلِّ الْعِشَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صَلِّ الصُّبْحَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَهُ الْغَدُ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَقَالَ: صَلِّ الظُّهْرَ فَصَلَّى، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ فَقَالَ: صَلِّ الْعَصْرَ فَصَلَّى، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ: صَلِّ الْمَغْرِبَ فَصَلَّى، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: صَلِّ الْعِشَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ أَضَاءَ الْفَجْرُ وَأَسْفَرَ فَقَالَ: صَلِّ الصُّبْحَ فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ يَعْنِي أَمْسِ وَالْيَوْمَ» " قَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ: أَجِبْرِيلُ أَتَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ كِلَاهُمَا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ قَاعِدًا عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: أَمَا إِنَّ جِبْرِيلَ قَدْ أَخْبَرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اعْلَمْ مَا تَقُولُ، فَقَالَ عُرْوَةُ: سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي بِوَقْتِ الصَّلَاةِ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ حَسَبَ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حِينَ يَشْتَدُّ الْحَرُّ، وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا الصُّفْرَةُ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ مِنَ الصَّلَاةِ فَيَأْتِي ذَا الْحُلَيْفَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ حِينَ تَسْقُطُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ حِينَ يَسْوَدُّ الْأُفُقُ وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حَتَّى تَجْتَمِعَ النَّاسُ، وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسِ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَعُدْ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ» " قَالَ الْحَافِظُ: فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيَانُ أَبِي مَسْعُودٍ لِلْأَوْقَاتِ وَفِيهِ مَا يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ وَيُوَضِّحُ احْتِجَاجَ عُرْوَةَ بِهِ. وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ أُسَامَةَ تَفَرَّدَ بِتَفْسِيرِ الْأَوْقَاتِ، وَأَنَّ أَصْحَابَ الزُّهْرِيِّ لَمْ يَذْكُرُوا تَفْسِيرًا. قَالَ: وَكَذَا ذَكَرَهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ عُرْوَةَ لَمْ يَذْكُرَا تَفْسِيرًا انْتَهَى. وَرِوَايَةُ هِشَامٍ أَخْرَجَهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَرِوَايَةُ حَبِيبٍ أَخْرَجَهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَدْ وَجَدْتُ مَا يُعَضِّدُ رِوَايَةَ أُسَامَةَ وَيَزِيدُ عَلَيْهَا أَنَّ الْبَيَانَ مِنْ فِعْلِ جِبْرِيلَ، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَاغَنْدِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ مُنْقَطِعًا، لَكِنْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عُرْوَةَ فَرَجَعَ الْحَدِيثَ إِلَى عُرْوَةَ وَوَضَّحَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا وَأَنَّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ اخْتِصَارًا، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ وَمَنْ وَافَقَهُ مَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فَلَا يُوصَفُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِالشُّذُوذِ، انْتَهَى. أَيْ: فِيهَا اخْتِصَارٌ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنِ الْأَوْقَاتَ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ صَلَاةَ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمْسَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ أَنَّهُ صَلَّى بِهِ الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمَيْنِ، وَقَدْ وَرَدَ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ، فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى وَصَلَّى وَصَلَّى وَصَلَّى وَصَلَّى ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا أُمِرْتُ. وَثَبَتَ أَيْضًا صَلَاتُهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَبِهَذَا رَدُّ قَوْلِ ابْنِ بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ أَنَّ جِبْرِيلَ أَمَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمَيْنِ بِوَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يُنْكِرْ عُرْوَةُ عَلَى عُمَرَ صَلَاتَهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ مُحْتَجًّا بِصَلَاةِ جِبْرِيلَ، مَعَ أَنَّ جِبْرِيلَ قَدْ صَلَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَقَالَ: الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَأُجِيبُ بِاحْتِمَالِ أَنَّ صَلَاةَ عُمَرَ كَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ، عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ مَصِيرُ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ لَا عَنْ وَقْتِ الْجَوَازِ وَهُوَ مَغِيبُ الشَّمْسِ، فَيَتَّجِهُ إِنْكَارُ عُرْوَةَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ضَعْفُ الْحَدِيثِ، أَوْ يَكُونُ عُرْوَةُ أَنْكَرَ مُخَالَفَةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَرَأَى أَنَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّمَا هِيَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ضَعْفُ الْحَدِيثِ أَيْضًا. وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مُرْسَلًا: " إِنَّ «الرَّجُلَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ وَمَا فَاتَتْهُ وَلَمَا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ» " وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ احْتِجَاجُ عُرْوَةَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا» " وَهِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي وَقَعَ الْإِنْكَارُ بِسَبَبِهَا، وَبِذَلِكَ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ بَعْدَ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ حَدِيثَهَا يُشْعِرُ بِمُوَاظَبَتِهِ عَلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَحَدِيثَ أَبِي مَسْعُودٍ يُشْعِرُ بِأَنَّ أَصْلَ بَيَانِ الْأَوْقَاتِ كَانَ بِتَعْلِيمِ جِبْرِيلَ. وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ: دُخُولُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَإِنْكَارُهُمْ عَلَيْهِمْ مَا يُخَالِفُ السُّنَّةَ، وَاسْتِثْبَاتُ الْعَالِمَ فِيمَا يَسْتَغْرِبُهُ السَّامِعُ وَالرُّجُوعُ عِنْدَ التَّنَازُعِ لِلسُّنَّةِ، وَفَضِيلَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْمُبَادَرَةُ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْفَاضِلِ، وَقَبُولُ الْخَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُثْبَتِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ، عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ بِالْمُتَّصِلِ دُونَ الْمُنْقَطِعِ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ أَجَابَ عَنِ اسْتِفْهَامِ عُمَرَ لَهُ لَمَّا أَنْ أَرْسَلَ الْحَدِيثَ بِذِكْرِ مَنْ حَدَّثَهُ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَكَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ: تَأَمَّلْ مَا تَقُولُ فَلَعَلَّهُ بَلَغَكَ عَنْ غَيْرِ ثَبْتٍ، وَكَأَنَّ عُرْوَةَ قَالَ لَهُ: بَلْ قَدْ سَمِعْتُهُ مِمَّنْ سَمِعَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالصَّاحِبُ قَدْ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عِيَاضٌ عَلَى جَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسِلِ الثِّقَةِ لِصَنِيعِ عُرْوَةَ حِينَ احْتَجَّ عَلَى عُمَرَ قَالَ: وَإِنَّمَا رَاجَعَهُ عُمَرُ لِيُثَبِّتَهُ فِيهِ لَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْضَ بِهِ مُرْسَلًا كَذَا قَالَ، وَظَاهِرُ السِّيَاقِ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ انْتَهَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 قَالَ عُرْوَةُ وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ   2 - 2 الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 - (قَالَ عُرْوَةُ) مَقُولُ ابْنِ شِهَابٍ فَهُوَ مَوْصُولٌ لَا مُعَلَّقٌ كَمَا زَعَمَ الْكِرْمَانِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ عَلَى بُعْدِهِ مُخَالِفٌ لِلْوَاقِعِ؛ أَيْ: لِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ لِهَذَا الْقَدْرِ وَحْدَهُ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ اللَّيْثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بَلْ وَكَذَا أَفْرَدَهُ فِي الْمُوَطَّأِ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ. (وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ) بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْقَهُ النِّسَاءِ مُطْلَقًا (زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَفْضَلُ أَزْوَاجِهِ إِلَّا خَدِيجَةَ فَفِيهَا خِلَافٌ أَصَحُّهُ تَفْضِيلُ خَدِيجَةَ، مَاتَتْ عَائِشَةُ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الصَّحِيحِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ) سُمِّيَتِ الْعَصْرَ لِأَنَّهَا تَعْصِرُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَعَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ؛ أَيْ: يَتَبَطَّأُ بِهَا، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ عَصْرًا؛ أَيْ: بَطِيئًا. (وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ؛ أَيْ: بَيْتِهَا، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَنْعِهَا الْمَالَ؛ أَيْ: وَوُصُولِ الْأَغْيَارِ مِنَ الرِّجَالِ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ: فِي قَعْرِ حُجْرَتِهَا وَفِيهِ نَوْعُ الْتِفَاتٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: فِي حُجْرَتِي عَلَى الْأَصْلِ. (قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ) أَيْ: تَرْتَفِعَ، قَالَ فِي الْمُوعَبِ: ظَهَرَ فُلَانٌ السَّطْحَ إِذَا عَلَاهُ، وَمِنْهُ: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] (سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةُ 97) أَيْ: يَعْلُوهُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى الظُّهُورِ الصُّعُودُ وَمِنْهُ: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] (سُورَةُ الزُّخْرُفِ: الْآيَةُ 33) وَقَالَ عِيَاضٌ: قِيلَ: الْمُرَادُ تَظْهَرُ عَلَى الْجُدُرِ. وَقِيلَ: تَرْتَفِعُ كُلُّهَا عَنِ الْحُجْرَةِ. وَقِيلَ: تَظْهَرُ بِمَعْنَى تَزُولُ عَنْهَا كَمَا قَالَ: وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «كَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْعَصْرِ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فِي حُجْرَتِي لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ بَعْدُ» " فَجَعَلَ الظُّهُورَ لِلْفَيْءِ. وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: " جَعَلَهُ لِلشَّمْسِ " وَجَمَعَ الْحَافِظُ بِأَنَّ كُلًّا مِنَ الظُّهُورِ غَيْرُ الْآخَرِ، فَظُهُورُ الشَّمْسِ خُرُوجُهَا مِنَ الْحُجْرَةِ، وَظُهُورُ الْفَيْءِ انْبِسَاطُهُ فِي الْحُجْرَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَتِ الشَّمْسُ فِيهِ بَعْدَ خُرُوجِهَا. قَالَ: وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجِيلُ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَتْهُ عَائِشَةُ وَكَذَا عُرْوَةُ الرَّاوِي عَنْهَا، وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي تَأْخِيرِهِ صَلَاةَ الْعَصْرِ كَمَا مَرَّ، وَشَذَّ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ: لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى التَّعْجِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحُجْرَةَ كَانَتْ قَصِيرَةَ الْجِدَارِ فَلَمْ تَكُنْ تَحْتَجِبُ عَنْهَا إِلَّا بِقُرْبِ غُرُوبِهَا فَيَدُلُّ عَلَى التَّأْخِيرِ لَا عَلَى التَّعْجِيلِ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ مَعَ اتِّسَاعِ الْحُجْرَةِ، وَقَدْ عُرِفَ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ أَنَّ حُجَرَ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ مُتَّسِعَةً وَلَا يَكُونُ ضَوْءُ الشَّمْسِ بَاقِيًا فِي قَعْرِ الْحُجْرَةِ الصَّغِيرَةِ لَا وَالشَّمْسُ قَائِمَةً مُرْتَفِعَةً، وَإِلَّا مَتَى مَالَتْ جِدًّا ارْتَفَعَ ضَوْؤُهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 عَنْ قَاعِ الْحُجْرَةِ وَلَوْ كَانَتِ الْجُدُرُ قَصِيرَةً. قَالَ النَّوَوِيُّ: كَانَتِ الْحُجْرَةُ ضَيِّقَةَ الْعَرْصَةِ قَصِيرَةَ الْجِدَارِ بِحَيْثُ كَانَ طُولُ جِدَارِهَا أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ الْعَرْصَةِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الْجِدَارِ مِثْلَهُ كَانَتِ الشَّمْسُ بَعْدُ فِي أَوَاخِرِ الْعَرْصَةِ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ مَصِيرُ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بِالْإِفْرَادِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافَ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ مَصِيرُ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: خَالَفَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى أَصْحَابُهُ؛ يَعْنِي الْآخِذِينَ عَنْهُ، وَإِلَّا فَقَدَ انْتَصَرَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ فَقَالُوا: ثَبَتَ الْأَمْرُ بِالْإِبْرَادِ، وَلَا يَذْهَبُ إِلَّا بَعْدَ ذَهَابِ اشْتِدَادِ الْحَرِّ، وَلَا يَذْهَبُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، فَيَكُونُ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدَ مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ، وَحِكَايَةُ مِثْلِ هَذَا تُغْنِي عَنْ رَدِّهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَوَاقِيتِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ فَذَكَرَهُ. وَمُسْلِمٌ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ قَالَ هَأَنَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ»   3 - 3 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَى عُمَرَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي أُسَامَةَ الْمَدَنِيِّ، فَقِيهٌ ثِقَةٌ عَالِمٌ وَكَانَ يُرْسِلُ، وَهُوَ مِنَ الطَّبَقَةِ الْوُسْطَى مِنَ التَّابِعِينَ، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لَقَدْ رَأَيْنَا فِي مَجْلِسِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَرْبَعِينَ حِبْرًا فَقِيهًا أَدْنَى خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِمُ التَّوَاسِي بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ، فَمَا يُرَى مُتَمَارِيَانِ وَلَا مُتَنَازِعَانِ فِي حَدِيثٍ لَا يَنْفَعُهُمَا قَطُّ، وَكَانَ عَالِمًا بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لَهُ كِتَابٌ فِيهِ، وَكَانَ يَقُولُ: ابْنَ آدَمَ اتَّقِ اللَّهَ يُحِبَّكَ النَّاسُ وَإِنْ كَرِهُوا، مَاتَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ حَدِيثًا مَرْفُوعَةٌ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) الْهِلَالِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى مَيْمُونَةَ، ثِقَةٌ فَاضِلٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ صَاحِبُ مَوَاعِظَ وَعِبَادَةٍ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فِيمَا قِيلَ. (أَنَّهُ قَالَ) : اتَّفَقَتْ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ عَلَى إِرْسَالِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ حَدَّثَ بِهِ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا وَلَا أَدْرِي كَيْفَ صِحَّةُ هَذَا عَنْ سُفْيَانَ؟ وَالصَّحِيحُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ مِنْ مُرْسَلَاتِ عَطَاءٍ وَقَدْ وَرَدَ مَوْصُولًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ حَارِثٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيِّ: ( «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ» ) وَكَانَ ذَلِكَ فِي الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 سَفَرٍ كَمَا فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الرَّجُلِ، قِيلَ: إِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ آخِرِ وَقْتِهَا وَكَانَ عَالِمًا بِأَوَّلِهِ إِذْ لَا بُدَّ أَنَّهُ صَلَّاهَا مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ وَحْدَهُ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ حِينَ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَهُ إِلَى أَيِّ وَقْتٍ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ؟ (قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى أَرَادَ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنَ الْخَبَرِ، وَلَمْ يَخَفِ اخْتِرَامَ الْمَنِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ نَبَّأَهُ أَنَّهُ لَا يَقْبِضُهُ حَتَّى يُكْمِلَ الدِّينَ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَالْمُرَادُ: سَكَتَ عَنْ جَوَابِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَقَالَ: صَلِّهَا مَعِيَ الْيَوْمَ وَغَدًا. (حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ) وَكَانَ ذَلِكَ بِقَاعِ نَمِرَةَ بِالْجُحْفَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ زَيْدٍ. (ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ مِنَ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ) أَيِ: انْكَشَفَ وَأَضَاءَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو: ثُمَّ صَلَّاهَا مِنَ الْغَدِ فَأَسْفَرَ، وَفِي حَدِيثِ زَيْدٍ: فَصَّلَاهَا أَمَامَ الشَّمْسِ؛ أَيْ: قُدَّامَهَا، بِحَيْثُ طَلَعَتْ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْهَا، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ صَلَّاهَا يَوْمًا، وَفِي رِوَايَةِ زَيْدٍ: حَتَّى إِذَا كَانَ بِذِي طُوًى أَخَّرَهَا، قَالَ السُّيُوطِيُّ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةً وَاحِدَةً وَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ، انْتَهَى. (ثُمَّ قَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟) فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ. (قَالَ: هَا أَنَذَا) قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ: تُفْصَلُ " هَا " التَّنْبِيهِ مِنَ اسْمِ الْإِشَارَةِ الْمُجَرَّدِ بِأَنَا وَأَخَوَاتِهَا كَثِيرًا كَقَوْلِكَ: هَا نَحْنُ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ} [آل عمران: 119] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 119) وَقَوْلِ السَّائِلِ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ هَا أَنَذَا (يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ) يَعْنِي هَذَيْنِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَقْتٌ، وَهَذَا مِنْ مَفْهُومِ الْخِطَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] (سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ: الْآيَةُ 7) فَمِنْ مَفْهُومِهِ: مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ قِنْطَارٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ. وَفِي رِوَايَةِ زَيْدٍ: " الصَّلَاةُ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ " وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو: " «الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ أَمْسِ وَالْيَوْمِ» " وَإِنَّمَا أَخْرَجُوا بِهِ حَتَّى صَلَّى مَعَهُ فِي الْيَوْمَيْنِ لِأَنَّ الْبَيَانَ بِالْفِعْلِ أَبْلَغُ، وَفِيهِ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ السُّؤَالِ إِلَى آخِرِ وَقْتٍ يَجِبُ فِيهِ فِعْلُ ذَلِكَ، أَمَّا تَأْخِيرُهُ عَنْ تَكْلِيفِ الْفِعْلِ وَالْعَمَلِ حَتَّى يَنْقَضِيَ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. وَفِي ذَا الْحَدِيثِ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ وَقْتِ الصُّبْحِ خَاصَّةً، وَوَرَدَ السُّؤَالُ عَنْ كُلِّ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، فَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: " «أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ، وَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 الشَّفَقُ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى الْفَجْرَ فَانْصَرَفَ، فَقُلْتُ: أَطَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَقَامَ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَقَدِ اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ؟ أَوْ قَالَ: أَمْسَى وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ» " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ جَابِرٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَارِيَةَ، وَأَبُو يَعْلَى عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَحِينَئِذٍ فَحَدِيثُ الْمُوَطَّأِ إِمَّا مُخْتَصَرٌ مِنْ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَوْ هُوَ قَضِيَّةٌ أُخْرَى وَقَعَ السُّؤَالُ فِيهَا عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ خَاصَّةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ»   4 - 4 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ أَبِي سَعِيدٍ الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا، رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَعَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ وَخَلْقٍ، وَعَنْهُ مَالِكٌ وَالسُّفْيَانَانِ وَأَبُو حَنِيفَةَ، ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الْحُفَّاظِ، قَالَ أَحْمَدُ: أَثْبَتُ النَّاسِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، أَوْ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ. (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ، ثِقَةٌ حُجَّةٌ، كَانَتْ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ وَأَكْثَرَتْ عَنْهَا. قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: هِيَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْعُلَمَاءِ بِعَائِشَةَ الْأَثْبَاتِ فِيهَا، وَهِيَ وَالِدَةُ أَبِي الرِّجَالِ مَاتَتْ قَبْلَ الْمِائَةِ وَيُقَالُ بَعْدَهَا. (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَاللَّامُ فِي (لَيُصَلِّي الصُّبْحَ) هِيَ الْفَارِقَةُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بَيْنَ الْمُخَفَّفَةِ وَالنَّافِيَةِ، الْكُوفِيُّونَ يَجْعَلُونَهَا بِمَعْنَى " إِلَّا " وَإِنْ نَافِيَةً. (فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ) حَالُ كَوْنِهِنَّ (مُتَلَفِّعَاتٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَاهُ يَحْيَى وَجَمَاعَةٌ بِفَاءَيْنِ، وَرَوَاهُ كَثِيرُونَ بِفَاءٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: التَّلَفُّعُ أَنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ حَتَّى يُجَلِّلَ بِهِ جَسَدَهُ. وَفِي النِّهَايَةِ: اللِّفَاعُ ثَوْبٌ يُجَلَّلُ بِهِ الْجَسَدُ كُلُّهُ ثَوْبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَتَلَفَّعَ بِالثَّوْبِ اشْتَمَلَ بِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ: التَّلَفُّعُ أَنْ يُلْقِيَ الثَّوْبَ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ يَلْتَفَّ بِهِ لَا يَكُونُ الِالْتِفَاعُ إِلَّا بِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مِثْلُ الِاشْتِمَالِ، وَأَمَّا التَّلَفُّفُ فَيَكُونُ مَعَ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَكَشْفِهِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ: كَيْفَ يَرْجُونَ سِقَاطِي بَعْدَمَا ... لَفَعَ الرَّأْسُ مَشِيبٌ وَصَلَعْ وَفِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ لِلرَّافِعِيِّ: التَّلَفُّعُ بِالثَّوْبِ الِاشْتِمَالُ بِهِ. وَقِيلَ: الِالْتِحَافُ مَعَ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ. الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 (بِمُرُوطِهِنَّ) بِضَمِّ الْمِيمِ جَمْعُ مِرْطٍ - بِكَسْرِهَا - أَكْسِيَةٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ خَزٍّ كَانَ يُؤْتَزَرُ بِهَا قَالَ: تَسَاهَمَ ثَوْبَاهَا فَفِي الدِّرْعِ رَأْدَةٌ وَفِي الْمِرْطِ لَفَّاوَانِ رِدْفُهُمَا عَبْلُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ كَتَّانٍ عَنِ الْخَلِيلِ، وَيُقَالُ: هُوَ الْإِزَارُ، وَيُقَالُ دِرْعُ الْمَرْأَةِ. وَفِي الْمُحْكَمِ: هُوَ الثَّوْبُ الْأَخْضَرُ. وَفِي مَجْمَعِ الْغَرَائِبِ: الْمُرُوطُ أَكْسِيَةٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، وَعَنِ الْخَلِيلِ: أَكْسِيَةٌ مُعَلَّمَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: هِيَ الْإِزَارُ. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: لَا يَكُونُ الْمِرْطُ إِلَّا دِرْعًا وَهُوَ مِنْ خَزٍّ أَخْضَرَ، وَلَا يُسَمَّى الْمِرْطَ إِلَّا الْأَخْضَرَ، وَلَا يَلْبَسُهُ إِلَّا النِّسَاءُ. زَادَ بَعْضُهُمْ: أَنْ تَكُونَ مُرَبَّعَةً وَسَدَاهَا مِنْ شَعْرٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كِسَاءُ صُوفٍ رَقِيقٌ خَفِيفٌ مُرَبَّعٌ كَانَ النِّسَاءُ يَأْتَزِرْنَ بِهِ وَيَتَلَفَّعْنَ. (مَا يُعْرَفْنَ) أَهُنَّ نِسَاءٌ أَمْ رِجَالٌ؟ قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَادَ لَعَبَّرَ بِنَفْيِ الْعِلْمِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ لَا تُعْرَفُ أَعْيَانُهُنَّ وَإِنْ عُرِفْنَ أَنَّهُنَّ نِسَاءٌ وَإِنْ كُنَّ مُكَشِّفَاتِ الْوُجُوهِ حَكَاهُ عِيَاضٌ، وَحَذَفَ النَّوَوِيُّ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ وَقَالَ: هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَلَفِّعَةَ فِي النَّهَارِ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ عَيْنُهَا، فَلَا يَبْقَى فِي الْكَلَامِ فَائِدَةٌ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَمَعَ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لَا يَتَأَتَّى هَذَا الِاعْتِرَاضُ. وَفِي الْفَتْحِ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُتَلَفِّعَةَ بِالنَّهَارِ لَا تُعْرَفُ عَيْنُهَا، فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ امْرَأَةٍ هَيْئَةً غَيْرَ هَيْئَةِ الْأُخْرَى فِي الْغَالِبِ وَلَوْ كَانَ بَدَنُهَا مُغَطًّى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ سَافِرَاتٍ؛ إِذْ لَوْ كُنَّ مُتَنَقِّبَاتٍ لَمَنَعَ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِنَّ لَا الْغَلَسُ. قُلْتُ: وَفِيهِ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاشْتِبَاهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيُّ. وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ هَيْئَةً غَالِبًا فَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ انْتَهَى. (مِنْ) ابْتِدَائِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ (الْغَلَسِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ بَقَايَا ظُلْمَةِ اللَّيْلِ يُخَالِطُهَا ظَلَامُ الْفَجْرِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ إِذَا اخْتَلَطَتْ بِضَوْءِ الصَّبَاحِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ بَرْزَةَ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ» " لِأَنَّ هَذَا مَعَ التَّأَمُّلِ لَهُ أَوْ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَذَاكَ فِي نِسَاءٍ مُغَطِّيَاتِ الرُّءُوسِ بَعِيدَاتٍ عَنِ الرِّجَالِ، قَالَهُ عِيَاضٌ وَفِيهِ نَدْبُ الْمُبَادَرَةِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ أَوَّلَ وَقْتِهَا. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» " فَقَدْ حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ عَلَى تَحَقُّقِ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ، وَآخَرُونَ عَلَى اللَّيَالِي الْمُقْمِرَةِ فَإِنَّ الصُّبْحَ لَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا فَأَمَرَ بِالِاحْتِيَاطِ، وَحَمَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَمْرُ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الصَّلَاةِ مُسْفِرًا، وَأَبْعَدَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِلصَّلَاةِ فِي الْغَلَسِ، وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الْأَنْصَارِيِّ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْفَرَ بِالصُّبْحِ مَرَّةً ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ الْغَلَسِ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَعُدْ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ قَالَ: " «صَلَّيْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَلَمَّا سَلَّمْتُ أَقْبَلْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: هَذِهِ كَانَتْ صَلَاتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ أَسْفَرَ بِهَا عُثْمَانُ» " وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ: " «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا غَيْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ " يَعْنِي الْفَجْرَ يَوْمَ الْمُزْدَلِفَةِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، فَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَا يُشْعِرُ بِتَأْخِيرٍ يَسِيرٍ لَا أَنَّهُ صَلَّاهَا قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَفِيهِ جَوَازُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ لِشُهُودِ الصَّلَاةِ فِي اللَّيْلِ، وَأُخِذَ مِنْهُ جَوَازُهُ نَهَارًا بِالْأَوْلَى لِأَنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ الرِّيبَةِ أَكْثَرُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يُخْشَ عَلَيْهِنَّ أَوْ بِهِنَّ فِتْنَةٌ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ مُخْتَمِرَةَ الْأَنْفِ وَالْفَمِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ التَّلَفُّعَ صِفَةً لِشُهُودِ الصَّلَاةِ، وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهَا إِنَّمَا أَخْبَرَتْ عَنْ هَيْئَةِ الِانْصِرَافِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ الْأَعْرَجِ كُلُّهُمْ يُحَدِّثُونَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ»   5 - 5 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بِخِفَّةِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بِلَفْظٍ ضِدَّ يَمِينٍ تَقَدَّمَا (وَعَنْ بُسْرِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ آخِرُهُ رَاءٌ (بْنِ سَعِيدٍ) الْمَدَنِيِّ الْعَابِدِ ثِقَةٍ حَافِظٍ مِنَ التَّابِعِينَ. (وَعَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٍ ثَبْتٍ عَالِمٍ مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ. (كُلُّهُمْ يُحَدِّثُونَهُ) أَيْ: يُحَدِّثُونَ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) الدَّوْسِيِّ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ حَافِظِ الصَّحَابَةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ فِي الدُّنْيَا، وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ، وَاخْتُلِفَ فِي أَيُّهَا أَرْجَحُ، فَذَهَبَ كَثِيرُونَ إِلَى أَنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ، وَذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ النَّسَّابِينَ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَقِيلَ: تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً. ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ» ) الْإِدْرَاكُ الْوُصُولُ إِلَى الشَّيْءِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا بِإِجْمَاعٍ فَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ أَدْرَكَ الْوَقْتَ، فَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى فَقَدْ كَمُلَتْ صَلَاتُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ وَلَفْظُهُ: " «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَرَكْعَةً بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» "، وَأَصْرَحُ مِنْهُ رِوَايَةُ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَلِلْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» " وَلِلنَّسَائِيِّ: " «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ كُلَّهَا إِلَّا أَنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ» " وَلِلْبَيْهَقِيِّ: " «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى» " وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ خَصَّ الْإِدْرَاكَ بِاحْتِلَامِ الصَّبِيِّ وَطُهْرِ الْحَائِضِ وَإِسْلَامِ الْكَافِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ نُصْرَةَ مَذْهَبِهِ أَنَّ مَنْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بَطُلَتْ لِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَدَعْوَى أَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ؛ إِذْ لَا يُصَارُ إِلَى النَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مُمْكِنٌ بِحَمْلِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَلَى النَّوَافِلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا وَجْهَ لِدَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ تَعَارُضٌ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ وَلَا لِتَقْدِيمِ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى التَّطَوُّعِ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَجَوَابُ الشَّيْخِ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فَقَدْ أَدْرَكَ ثَوَابَ كُلِّ الصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِ نِيَّتِهِ لَا بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: " فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ " فَلْيَأْتِ بِهَا عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ فِي وَقْتٍ آخَرَ بَعِيدٌ يَرُدُّهُ بَقِيَّةُ طُرُقِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى» " (وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ) وَفِي رِوَايَةٍ تَغِيبُ (الشَّمْسُ) زَادَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَسَّانَ: ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ (فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ) وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِي غَسَّانَ: فَلَمْ تَفُتْهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّ بِإِدْرَاكِهَا يَكُونُ الْكُلُّ أَدَاءً وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْوَقْتِ. وَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ كَلَامٌ، قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ بْنُ الْأَثِيرِ: تَخْصِيصُ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهِمَا مَعَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَعُمُّ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهُمَا طَرَفَا النَّهَارِ، وَالْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى بَعْضَ الصَّلَاةِ وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ عُرِفَ خُرُوجُ الْوَقْتِ فَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحُكْمَ وَلَا عَرَفَ الْمُصَلِّي أَنَّ صَلَاتَهُ تُجْزِيهِ لَظَنَّ فَوَاتَ الصَّلَاةِ وَبُطْلَانَهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ آخِرُ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الشُّرُوقِ وَالْغُرُوبِ، فَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ صِحَّةَ صَلَاةِ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ لَظَنَّ الْمُصَلِّي أَنَّ صَلَاتَهُ فَسَدَتْ بِدُخُولِ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ فَعَرَّفَهُمْ ذَلِكَ لِيَزُولَ هَذَا الْوَهْمُ. وَقَالَ الْحَافِظُ مُغْلَطَايْ فِي رِوَايَةٍ: " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 مِنَ الصُّبْحِ " وَفِي أُخْرَى: " مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ " وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَدَّمَ الرَّكْعَةَ فَلِأَنَّهَا هِيَ السَّبَبُ الَّذِي بِهِ الْإِدْرَاكُ، وَمَنْ قَدَّمَ الصُّبْحَ أَوِ الْعَصْرَ قَبْلَ الرَّكْعَةِ؛ فَلِأَنَّ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ هُمَا اللَّذَانِ يَدُلَّانِ عَلَى هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ دَلَالَةً خَاصَّةً تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَوْصَافِهَا بِخِلَافِ الرَّكْعَةِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى بَعْضِ أَوْصَافِ الصَّلَاةِ فَقَدَّمَ اللَّفْظَ الْأَعَمَّ الْجَامِعَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ ثُمَّ كَتَبَ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا إِلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ وَالصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ   6 - 6 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) الْمَدَنِيِّ كَثِيرِ الْحَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٍ ثَبْتٍ فَقِيهٍ، بَعَثَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى مِصْرَ يُعَلِّمُهُمُ السُّنَنَ. وَقِيلَ: لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: إِذَا اخْتَلَفَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ فِي ابْنِ عُمَرَ أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ فَلَمْ يُفَضِّلْ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: سَالِمٌ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ، قَالَ: وَأَثْبَتُ أَصْحَابِ نَافِعٍ مَالِكٌ، مَاتَ نَافِعٌ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ. (أَنَّ عُمَرَ) هَذَا مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ نَافِعًا لَمْ يَلْقَ عُمَرَ (ابْنَ الْخَطَّابِ) الْقُرَشِيَّ الْعَدَوِيَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ثَانِيَ الْخُلَفَاءِ ضَجِيعَ الْمُصْطَفَى، مَنَاقِبُهُ جَمَّةٌ، لَقَبُهُ الْفَارُوقُ لِفَرْقِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَهَلِ الْمُلَقِّبُ لَهُ جِبْرِيلُ أَوِ الْمُصْطَفَى أَوْ أَهْلُ الْكِتَابِ؟ رِوَايَاتٌ لَا تَتَنَافَى، وَلِيَ الْخِلَافَةَ عَشْرَ سِنِينَ وَنِصْفًا، وَاسْتُشْهِدَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. (كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ) بِالتَّثْقِيلِ جَمْعُ عَامِلٍ؛ أَيْ: الْمُتَوَلِّينَ عَلَى الْبِلَادِ (إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ) الْمَفْرُوضَةُ. (فَمَنْ حَفِظَهَا) قَالَ ابْنُ رَشِيقٍ: أَيْ عَلِمَ مَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهِ مِنْ وُضُوئِهَا وَأَوْقَاتِهَا وَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهَا وَتَمَامُهَا. (وَحَافَظَ عَلَيْهَا) أَيْ: سَارَعَ إِلَى فِعْلِهَا فِي وَقْتِهَا. (حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا) قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَوْنِيُّ: يُرِيدُ أَخَّرَهَا وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ تَرَكَهَا. (فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ) وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا لَكِنْ يَشْهَدُ لَهُ أَحَادِيثُ أُخَرُ مَرْفُوعَةٌ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: " «جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللَّهِ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ؟ " قَالَ: " الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَا دِينَ لَهُ وَالصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ» " وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ: " مَا «أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قِيلَ: الصَّلَاةُ، قَالَ: أَلَيْسَ ضَيَّعْتُمْ مَا ضَيَّعْتُمْ فِيهَا؟» " وَفِيهِ أَيْضًا عَنِ الزُّهْرِيِّ: " دَخَلْتُ عَلَى أَنَسٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ قَدْ ضُيِّعَتْ " وَالْمُرَادُ بِإِضَاعَتِهَا إِخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا. قَالَ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم: 59] (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ 59) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: تَرَكُوهَا أَوْ أَخَّرُوهَا انْتَهَى. وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَيَشْهَدُ الحديث: 6 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 لَهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِأَنَسٍ: فَالصَّلَاةُ، قَالَ: جَعَلْتُمُ الظُّهْرَ عِنْدَ الْمَغْرِبَ أَفَتِلْكَ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِتَضْيِيعِهَا تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ لَا عَنْ وَقْتِهَا بِالْكُلِّيَّةِ. وَرَدَ بِأَنَّ الْحَجَّاجَ وَأَمِيرَهُ الْوَلِيدَ وَغَيْرَهُمَا كَانُوا يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ وَقْتِهَا فَقَالَ ذَلِكَ أَنَسٌ. وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «ثَلَاثٌ مَنْ حَفِظَهُنَّ فَهُوَ وَلِيٌّ حَقًّا، وَمَنْ ضَيَّعَهُنَّ فَهُوَ عَدُوٌّ حَقًّا: الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْجَنَابَةُ» " وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمُضَيِّعِ عَدُوَّ اللَّهِ أَنَّهُ يُعَاقِبُهُ وَيُذِلُّهُ وَيُهِينُهُ إِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ الْعَفْوُ، فَإِنْ ضَيَّعَ ذَلِكَ جَاحِدًا فَهُوَ كَافِرٌ فَتَكُونُ الْعَدَاوَةُ عَلَى بَابِهَا. (ثُمَّ كَتَبَ) إِلَيْهِمْ (أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا) بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَهُوَ مَيْلُهَا إِلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ، لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ - وَهِيَ اشْتِدَادُ الْحَرِّ فِي نِصْفِ النَّهَارِ - وَهَذَا مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَكَانَ فِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ جَوَّزَ صَلَاةَ الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَعَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ مِثْلُهُ فِي الْجُمُعَةِ. (إِلَى أَنْ يَكُونَ) أَيْ: يَصِيرَ (ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ) بِالْإِفْرَادِ (وَالْعَصْرَ) بِالنَّصْبِ (وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ) لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهَا وَلَا حَرُّهَا، قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: إِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى أَثَرِهَا فِي الْأَرْضِ وَالْجُدُرِ وَلَا يُنْظَرُ إِلَى عَيْنِهَا (قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) وَالْمُرَادُ أَنْ يُوقِعُوا صَلَاتَهَا قَبْلَ الِاصْفِرَارِ. (وَ) أَنْ صَلُّوا (الْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ) مُبَادِرِينَ بِهَا لِضِيقِ وَقْتِهَا، (وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ) الْحُمْرَةُ فِي الْأُفُقِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ (إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) وَهُوَ مَحْسُوبٌ مِنَ الْغُرُوبِ. (فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ) دَعَا عَلَيْهِ بِعَدَمِ الرَّاحَةِ. (فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ) بِالْإِفْرَادِ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ. (فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ) ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ زِيَادَةً فِي التَّنْفِيرِ عَنِ النَّوْمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ نَامَ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ» " أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، عَنْ عَائِشَةَ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: كَرِهَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ النَّوْمَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَبَعْضُهُمْ فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً، قَالَ الْحَافِظُ: وَمَنْ نَقَلْتُ عَنْهُ الرُّخْصَةَ قَيَّدْتُ عَنْهُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمَا إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ أَوْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ بِالنَّوْمِ وَهَذَا جَيِّدٌ حَيْثُ قُلْنَا عِلَّةُ النَّهْيِ خَشْيَةُ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَحَمَلَ الطَّحَاوِيُّ الرُّخْصَةَ عَلَى مَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالْكَرَاهَةَ عَلَى مَا بَعْدَ دُخُولِهِ. (وَ) صَلُّوا (الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ) أَيْ: ظَاهِرَةٌ (مُشْتَبِكَةٌ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: اشْتَبَكَتِ النُّجُومُ؛ أَيْ: ظَهَرَتْ وَاخْتَلَطَ بَعْضُهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 بِبَعْضٍ لِكَثْرَةِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَشَاهِدُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ الْمَرْفُوعِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّنَابِحِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ انْتِظَارَ الْإِظْلَامَ مُضَاهَاةَ الْيَهُودِ، وَمَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْفَجْرَ لِمِحَاقِ النُّجُومِ مُضَاهَاةَ النَّصْرَانِيَّةِ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا صُفْرَةٌ وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَأَخِّرْ الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ وَصَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنْ الْمُفَصَّلِ   7 - 7 - (مَالِكٌ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ) - بِضَمِّ السِّينِ - نَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيِّ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مَاتَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ. (عَنْ أَبِيهِ) مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيِّ سَمِعَ مِنْ عُمَرَ ثِقَةٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ. (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ حَضَّارٍ - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ - الْأَشْعَرِيِّ الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ، أَمَّرَهُ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ. وَقِيلَ: بَعْدَهَا. (أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ) أَيْ: مَالَتْ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ» " وَلَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الْإِبْرَادِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا يُنَافِي جَوَازَ التَّقْدِيمِ. (وَ) صَلَّى (الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ) بِنُونٍ وَقَافٍ لَمْ تَتَغَيَّرْ (قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا صُفْرَةٌ) بَيَانٌ لِنَقِيَّةٍ. (وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَأَخِّرِ الْعِشَاءَ) عَنِ الشَّفَقِ (مَا لَمْ تَنَمْ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ تُؤَخَّرَ الْعِشَاءُ " (وَصَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ) مُخْتَلِطٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لِكَثْرَةِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا. (وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ) وَأَوَّلُهُ الْحُجُرَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ إِلَى عَبَسَ. الحديث: 7 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ وَأَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ فَإِنْ أَخَّرْتَ فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ   8 - 8 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ الْأَسَدِيِّ. رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَطَائِفَةٍ، ثِقَةٍ فَقِيهٍ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالسُّفْيَانَانِ وَشُعْبَةُ وَالْحَمَّادَانِ وَخَلْقٌ وَرُبَّمَا دَلَّسَ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً. (عَنْ أَبِيهِ) عُرْوَةَ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ. (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى الحديث: 8 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ، وَأَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ فَإِنْ أَخَّرْتَ فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ) أَيْ: نِصْفِهِ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَخَّرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ: قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ. (وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) عَنِ الصَّلَاةِ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ حَافَظَ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ» " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا أُخْبِرُكَ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ وَالْعَصْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَيْكَ وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَصَلِّ الصُّبْحَ بِغَبَشٍ يَعْنِي الْغَلَسَ   9 - 9 - (مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ أَوَّلَهُ وَزَايٍ مَنْقُوطَةٍ (بْنِ زِيَادٍ) بِزَايٍ أَوَّلَهُ ابْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ مَدَنِيٍّ ثِقَةٍ. (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ) الْمَخْزُومِيِّ (مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ ثِقَةٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. (أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ) الْوَاحِدَةِ أَوِ الْجِنْسِ (فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا أُخْبِرُكَ) قَالَ ابْنُ عَبْدَ الْبَرِّ: وَقَفَهُ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ، وَالْمَوَاقِيتُ لَا تُؤْخَذُ بِالرَّأْيِ وَلَا تُدْرَكُ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ، يَعْنِي فَهُوَ مَوْقُوفٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا، قَالَ: وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ الْمَوَاقِيتِ مَرْفُوعًا بِأَتَمِّ مِنْ هَذَا، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ) أَيْ: مِثْلَ ظِلِّكَ؛ يَعْنِي: قَرِيبًا مِنْهُ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ. (وَ) صَلِّ (الْعَصْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَيْكَ) أَيْ: مِثْلَيْ ظِلِّكَ بِغَيْرِ الْفَيْءِ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِالِاشْتِرَاكِ. (وَالْمَغْرِبَ) بِالنَّصْبِ (إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ) أَيْ: مَا بَيْنَ وَقْتِكَ مِنَ الْغُرُوبِ، قِيلَ: وَلَعَلَّ أَصْلَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ - بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي - وَهُوَ وَقْتُ الْمُخْتَارِ وَإِلَّا فَوَقْتُهَا إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ، وَالْوِتْرُ تَابِعٌ لَهَا. (وَصَلِّ الصُّبْحَ) أَعَادَ الْعَامِلَ اهْتِمَامًا أَوْ لِطُولِ الْفَصْلِ بِالْكَلَامِ. (بِغَبَشٍ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ؛ كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَزِيَادٌ. (يَعْنِي الْغَلَسَ) بِاللَّامِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ؛ وَلَعَلَّهُ تَفْسِيرُ مُرَادٍ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْغَبَشُ بِمُعْجَمَتَيْنِ قَبْلَ الْغَبَسِ - بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ - وَبَعْدَهُ الْغَلَسُ - بِاللَّامِ - وَهِيَ الحديث: 9 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 كُلُّهَا فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَيَكُونُ الْغَبَشُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَالْقَعْنَبِيِّ وَسُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ: وَصَلِّ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ - بِفَتْحَتَيْنِ - وَهُوَ ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ مُنْشِدًا عَلَيْهِ: كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِوَاسِطٍ ... غَلَسَ الظَّلَامِ مِنَ الرَّبَابِ خَيَالَا وَتَقَدَّمَ مَزِيدٌ لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ   10 - 10 - (مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٍ حُجَّةٍ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. وَقِيلَ: بَعْدَهَا، لِمَالِكٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا خَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيثًا مِنْهَا عَشَرَةٌ (عَنْ) عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ لِأُمِّهِ (أَنَسِ بْنِ مَالِكِ) بْنِ النَّضْرِ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ خَادِمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ. وَقِيلَ: ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ. وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ (أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ) قَالَ ابْنُ عَبْدَ الْبَرِّ: هَذَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمْ فِي الْمُسْنَدِ، وَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ الزُّبَيْرِيُّ كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: " «كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» " انْتَهَى. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْحَاكِمِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا مُسْنَدٌ، وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِإِضَافَتِهِ إِلَى زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمَا: هُوَ مَوْقُوفٌ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ أَوْرَدَهُ فِي مَقَامِ الِاحْتِجَاجِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ كَوْنَهُ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَالِكٍ الْحَدِيثَ فَقَالَ فِيهِ: " كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ السَّعَةُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ حِينَئِذٍ لَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُمْ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ لِعِلْمِهِمْ بِمَا أُبِيحَ لَهُمْ مِنْ سَعَةِ الْوَقْتِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ عَلَى مِيلَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ الْعَصْرَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَغِلُونَ بِأَعْمَالِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ وَزُرُوعِهِمْ وَحَوَائِطِهِمْ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اجْتَمَعُوا لَهَا فَتَتَأَخَّرُ صَلَاتُهُمْ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 10 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى قُبَاءٍ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ   11 - 11 الحديث: 11 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ) مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مَالِكٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِهِ، وَزَادَ أَبُو عُمَرَ فِيمَنْ صَرَّحَ بِرَفْعِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ كُلُّهُمْ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ " (ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ) قَالَ الْحَافِظُ: كَأَنَّ أَنَسًا أَرَادَ نَفْسَهُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ رِوَايَةُ أَبِي الْأَبْيَضِ، عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُحَلِّقَةٌ، ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى قَوْمِي فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ فَأَقُولُ لَهُمْ: قُومُوا فَصَلُّوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى» " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ قَوْمَ أَنَسٍ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَهَا إِلَّا قَبْلَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَجِّلُهَا. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: بَلْ أَرَادَ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ لِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ أَبْعَدَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارًا أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَأَهْلُهُ بِقُبَاءٍ وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَمَسْكَنُهُ فِي بَنِي حَارِثَةَ، وَكَانَا يُصَلِّيَانِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِيَانِ قَوْمَهُمَا وَمَا صَلُّوا لِتَعْجِيلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا. (إِلَى قُبَاءٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَمُوَحَّدَةٍ؛ قَالَ النَّوَوِيُّ: يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، وَيُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ، وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالْأَفْصَحُ التَّذْكِيرُ وَالصَّرْفُ وَالْمَدُّ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ. (فَيَأْتِيهِمْ) أَيْ: أَهْلَ قُبَاءٍ (وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: " إِلَى قُبَاءٍ " وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، بَلْ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ: إِلَى الْعَوَالِي وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَقَوْلُ مَالِكٍ إِلَى قُبَاءٍ وَهْمٌ لَا شَكَّ فِيهِ إِلَّا أَنَّ الْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ؛ لِأَنَّ الْعَوَالِيَ مُخْتَلِفَةُ الْمَسَافَةِ، فَأَقْرَبُهَا إِلَى الْمَدِينَةِ مَا كَانَ عَلَى مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ أَوْ عَشَرَةٍ، وَمِثْلُ هَذَا هُوَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ قُبَاءٍ وَالْمَدِينَةِ. وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: " إِلَى الْعَوَالِي " كَمَا قَالَ سَائِرُ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ خَالِدٌ، وَسَائِرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ قَالُوا: قُبَاءٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ " إِلَى قُبَاءٍ " كَمَا قَالَ مَالِكٌ، نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، فَنِسْبَةُ الْوَهْمِ فِيهِ إِلَى مَالِكٍ مُنْتَقِدٌ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ وَهْمًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الزُّهْرِيِّ حِينَ حَدَّثَ بِهِ مَالِكًا، وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: " إِلَى الْعَوَالِي " كَمَا قَالَ الْجَمَاعَةُ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَالِكٍ وَتُوبِعَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِخِلَافِ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ؛ أَيْ: مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: الصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ " الْعَوَالِي " فَصَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمُتَقَارِبٌ، لَكِنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ أَخَصُّ؛ لِأَنَّ قُبَاءً مِنَ الْعَوَالِي وَلَيْسَتِ الْعَوَالِي كُلَّ قُبَاءٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 فَإِنَّهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْقُرَى الْمُجْتَمِعَةِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ نَجْدِهَا، قَالَ: وَلَعَلَّ مَالِكًا لَمَّا رَأَى فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ إِجْمَالًا حَمَلَهَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُفَسَّرَةِ وَهِيَ رِوَايَتُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْ إِسْحَاقَ؛ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: " ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ " وَتَقَدَّمَ أَنَّهُمْ أَهْلُ قُبَاءٍ، فَبَنَى مَالِكٌ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا حَدَّثَاهُ، عَنْ أَنَسٍ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ فَهَذَا الْجَمْعُ أَوْلَى مِنَ الْجَزْمِ بِأَنَّ مَالِكًا وَهِمَ فِيهِ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ ابْنِ بَطَّالٍ عَلَى أَنَّ الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ دُونِ مَالِكٍ بِرِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُوَافِقَةِ لِرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مَالِكًا أَثْبَتَهُ فِي الْمُوَطَّأِ بِاللَّفْظِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ كَافَّةُ أَصْحَابِهِ، فَرِوَايَةُ خَالِدٍ عَنْهُ شَاذَّةٌ فَكَيْفَ تَكُونُ دَالَّةً عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ وَهْمٌ، بَلْ إِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا وَهْمٌ فَهُوَ مِنْ مَالِكٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا أَوْ مِنَ الزُّهْرِيِّ حِينَ حَدَّثَهُ بِهِ، وَالْأَوْلَى سُلُوكُ طَرِيقِ الْجَمْعِ الَّتِي أَوْضَحْنَاهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: مَالِكٌ أَعْلَمُ بِبَلَدِهِ وَأَمَاكِنِهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ أَثْبَتُ فِي ابْنِ شِهَابٍ مِمَّنْ سِوَاهُ. وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ، عَنْ مَالِكٍ " إِلَى الْعَوَالِي " كَمَا قَالَتِ الْجَمَاعَةُ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ: " إِلَى قُبَاءٍ " كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ   12 - 12 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) وَاسْمُهُ فَرُّوخٌ التَّيْمِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ الْمَعْرُوفُ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ، رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَالْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ الْمُزَنِيِّ وَخَلْقٍ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ، ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ حَافِظٌ أَحَدُ مُفْتِي الْمَدِينَةِ، كَانَ يُحْصَى فِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعِينَ مُعْتَمًّا، قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ لِلسُّنَّةِ مِنْهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: ذَهَبَتْ حَلَاوَةُ الْفِقْهِ مُنْذُ مَاتَ رَبِيعَةُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانُوا يَتَّقُونَهُ لِمَوْضِعِ الرَّأْيِ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ. (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ رَفِيعٌ عَالِمٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ وَرِعٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. (أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ) أَيِ: الصَّحَابَةَ لِأَنَّهُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ (إِلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ) قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ قَالَ مَالِكٌ: يُرِيدُ الْإِبْرَادَ بِالظُّهْرِ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: قِيلَ: أَرَادَ بَعْدَ تَمَكُّنِ الْوَقْتِ وَمُضِيِّ بَعْضِهِ وَأَنْكَرَ صَلَاتَهُ إِثْرَ الزَّوَالِ، انْتَهَى. وَفِي النِّهَايَةِ وَالْمَطَالِعِ: الْعَشِيُّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ إِلَى الْغُرُوبِ وَقِيلَ: إِلَى الصَّبَاحِ. الحديث: 12 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 [بَاب وَقْتِ الْجُمُعَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَرَى طِنْفِسَةً لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تُطْرَحُ إِلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ فَإِذَا غَشِيَ الطِّنْفِسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ قَالَ مَالِكٌ ثُمَّ نَرْجِعُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضَّحَاءِ   2 - بَابُ وَقْتِ الْجُمُعَةِ أَيْ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ كَالظُّهْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَشَذَّ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَجَوَّزَ صَلَاتَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ، وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِفِعْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ؛ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فَقَالَ: 13 - 13 - (مَالِكٌ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ) وَاسْمُهُ نَافِعٌ (بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَرَى طِنْفِسَةً) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْفَاءِ وَبِضَمِّهِمَا، وَبِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ بِسَاطٌ لَهُ خَمْلٌ رَقِيقٌ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الْمَطَالِعِ: الْأَفْصَحُ كَسْرُ الطَّاءِ وَفَتْحُ الْفَاءِ وَيَجُوزُ ضَمُّهُمَا وَكَسْرُهُمَا، وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ فَتْحَ الطَّاءِ مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْقَالِيُّ: بِفَتْحِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ، وَهِيَ بِسَاطٌ صَغِيرٌ. وَقِيلَ: حَصِيرٌ مِنْ سَعَفٍ أَوْ دَوْمٍ، عَرْضُهُ ذِرَاعٌ. وَقِيلَ: قَدْرُ عَظْمِ الذِّرَاعِ (لِعَقِيلِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الْهَاشِمِيِّ أَخِي عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَكَانَ الْأَسَنَّ، صَحَابِيٌّ عَالِمٌ بِالنَّسَبِ مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ. وَقِيلَ: بَعْدَهَا (يَوْمَ الْجُمُعَةِ تُطْرَحُ إِلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ) النَّبَوِيِّ (الْغَرْبِيِّ) صِفَةُ جِدَارٍ (فَإِذَا غَشِيَ الطِّنْفِسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ) بِالنَّاسِ فِي خِلَافَتِهِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَخْرُجُ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ عَكْسَ ذَلِكَ، وَلَا يَتَّجِهُ إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الطِّنْفِسَةَ كَانَتْ تُفْرَشُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا كَانَتْ تُفْرَشُ لَهُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، وَعَلَى هَذَا فَكَانَ عُمَرُ يَتَأَخَّرُ بَعْدَ الزَّوَالِ قَلِيلًا. وَفِي حَدِيثِ السَّقِيفَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَزَالَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ عُمَرُ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ. (قَالَ مَالِكٌ) وَالِدُ أَبِي سُهَيْلٍ: (ثُمَّ نَرْجِعُ) بِالنُّونِ (بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضَّحَاءِ) قَالَ الْبَوْنِيُّ: بِفَتْحِ الضَّادِ وَالْمَدِّ؛ وَهُوَ اشْتِدَادُ النَّهَارِ مُذَكَّرٌ، فَأَمَّا بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ فَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مُؤَنَّثٌ؛ أَيْ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقِيلُونَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَقْتَ الْقَائِلَةِ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ يَشْتَغِلُونَ بِالْغُسْلِ وَغَيْرِهِ عَنْ ذَلِكَ، فَيَقِيلُونَ بَعْدَ صَلَاتِهَا الْقَائِلَةَ الَّتِي يَقِيلُونَهَا فِي غَيْرِ يَوْمِهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: أَيْ أَنَّهُمْ الحديث: 13 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 يَسْتَدْرِكُونَ مَا فَاتَهُمْ مِنَ النَّوْمِ وَقْتَ قَائِلَةِ الضَّحَاءِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمُ، انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا حَمَلُوا حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ: " كُنَّا نُبَكِّرُ بِالْجُمُعَةِ وَنَقِيلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ " مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْدَءُونَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْقَيْلُولَةِ بِخِلَافِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فِي الظُّهْرِ فِي الْحَرِّ فَكَانُوا يَقِيلُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْإِبْرَادِ، فَلَا يُعَارِضُ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ» ، وَالتَّبْكِيرُ يُطْلَقُ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ أَوَّلَ وَقْتِهِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى التَّعَارُضِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي سَلِيطٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّى الْعَصْرَ بِمَلَلٍ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ لِلتَّهْجِيرِ وَسُرْعَةِ السَّيْرِ   14 - 14 - (مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ يَحْيَى) بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ (الْمَازِنِيِّ) بِالزَّايِ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٍ، مَاتَ بَعْدَ الثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. (عَنِ ابْنِ أَبِي سَلِيطٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ؛ اسْمٌ لِابْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْأَبُ أُسَيْدٌ؛ بِالتَّصْغِيرِ وَدَالٍ آخِرَهُ. وَقِيلَ: رَاءٌ. وَقِيلَ: بِزِيَادَةِ هَاءٍ آخِرَهُ، فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْبُخَارِيُّ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ الصَّحَابِيِّ الْبَدْرِيِّ، وَعَنْ عُثْمَانَ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَعَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ ضُمَيْرَةَ وَعَمْرُو بْنُ يَحْيَى وَغَيْرُهُمَا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ. (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْأُمَوِيَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ذَا النُّورَيْنِ أَحَدَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ، وَالسِّتَّةِ أَصْحَابِ الشُّورَى، اسْتُشْهِدَ فِي ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ عِيدِ الْأَضْحَى سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَعُمْرُهُ ثَمَانُونَ. وَقِيلَ: أَكْثَرُ. وَقِيلَ: أَقَلُّ. (صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّى الْعَصْرَ) مِنْ يَوْمِهَا (بِمَلَلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَلَامَيْنِ بِوَزْنِ جَمَلٍ؛ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا. وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: عَلَى اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مِيلًا حَكَاهُمَا ابْنُ رَشِيقٍ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ لِلتَّهْجِيرِ) أَيْ: صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ وَهِيَ انْتِصَافُ النَّهَارِ بَعْدَ الزَّوَالِ. (وَسُرْعَةِ السَّيْرِ) فَيُدْرَكُ مَلَلٌ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَدَلَّ كُلٌّ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ مِنَ الزَّوَالِ كَالظُّهْرِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ عَلِيٍّ الْجُمُعَةَ بَعْدَمَا زَالَتِ الشَّمْسُ، إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَمَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي رَزِينٍ: " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ عَلِيٍّ الْجُمُعَةَ فَأَحْيَانًا نَجِدُ فَيْئًا وَأَحْيَانًا لَا نَجِدُ " فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَادَرَةِ عِنْدَ الزَّوَالِ أَوِ التَّأْخِيرِ قَلِيلًا. وَعَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ: " كَانَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ يُصَلِّي بِنَا الْجُمُعَةَ بَعْدَمَا تَزُولُ الشَّمْسُ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَكَانَ النُّعْمَانُ أَمِيرًا عَلَى الْكُوفَةِ فِي أَوَّلِ إِمَارَةِ يَزِيدَ، الحديث: 14 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وَكَذَا رَوَى ابْنُ شَيْبَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ الصَّحَابِيَّ كَانَ يُصَلِّيهَا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ يَنُوبُ عَنْ زِيَادٍ وَعَنْ وَلَدِهِ فِي الْكُوفَةِ. وَأَمَّا مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلِمَةَ - بِكَسْرِ اللَّامِ -: صَلَّى بِنَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْجُمُعَةَ ضُحًى وَقَالَ: خَشِيتُ عَلَيْكُمُ الْحَرَّ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ: صَلَّى بِنَا مُعَاوِيَةُ الْجُمُعَةَ ضُحًى، رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَعِيدٌ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ، وَابْنُ سَلِمَةَ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ تَغَيَّرَ لَمَّا كَبِرَ قَالَهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ، فَأَغْرَبَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي نَقْلِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إِلَّا قَوْلَ أَحْمَدَ: إِنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَ، انْتَهَى. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ» " فَلَمَّا سَمَّاهُ عِيدًا جَازَتْ صَلَاتُهَا فِي وَقْتِ الْعِيدِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ عِيدًا أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى جَمِيعِ أَحْكَامِ الْعِيدِ، بِدَلِيلِ أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ يَحْرُمُ صَوْمُهُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ بِخِلَافِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ اتِّفَاقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 [بَاب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ»   3 - بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ حُذِفَ جَوَابُ الشَّرْطِ فِي التَّرْجَمَةِ اسْتِغْنَاءً بِذِكْرِهِ فِي حَدِيثِهَا. 15 - 15 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) قِيلَ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ. وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ. وَقِيلَ: إِسْمَاعِيلُ (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٍ فَقِيهٍ كَثِيرِ الْحَدِيثِ، وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ أَوْ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» ) زَادَ النَّسَائِيُّ: " «كُلَّهَا إِلَّا أَنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ» " وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ اتَّضَحَ مَعْنَى الْحَدِيثِ، إِذْ ظَاهِرُهُ بِدُونِهَا مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مُدْرِكًا لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْهَا، فَإِذَنْ فِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ فَقَدْ أَدْرَكَ وَقْتَ الصَّلَاةِ أَوْ حُكْمَ الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ إِتْمَامُ بَقِيَّتِهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي إِسْنَادِهِ وَلَا فِي لَفْظِهِ عِنْدَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَكَذَا رَوَاهُ سَائِرُ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ إِلَّا ابْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ: فَقَدْ أَدْرَكَ لَمْ يَقُلِ الصَّلَاةَ وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ: فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَفَضْلَهَا، وَهَذِهِ لَفْظَةٌ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ فِيهَا مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ وَلَا أَجَادَ فِيهَا. قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي الحديث: 15 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 مَعْنَى " «فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» " فَقِيلَ: أَدْرَكَ وَقْتَهَا. فَهُوَ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ: " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ " وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا حَدِيثَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْنًى. وَقِيلَ: أَدْرَكَ حُكْمَهَا فِيمَا يَفُوتُهُ مِنْ سَهْوِ الْإِمَامِ وَلُزُومِ الْإِتْمَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ، قَالَ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُوجِبُ الْإِدْرَاكَ التَّامَّ الْوَقْتَ وَالْحُكْمَ وَالْفَضْلَ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ إِدْرَاكُ الْجُمُعَةِ فَإِذَا أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ أَضَافَ إِلَيْهَا أُخْرَى وَإِلَّا صَلَّى أَرْبَعًا. ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَهَا» " قَالَ الزَّدَرِيُّ: فَنَرَى الْجُمُعَةَ مِنَ الصَّلَاةِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِزِيَادَةِ " مَعَ الْإِمَامِ "، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْهُ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا إِفْرَادُ مَالِكٍ لَهُ فِي التَّبْوِيبِ فِي الْمُوَطَّأِ، وَيُفَسِّرُهُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى فَقَدْ أَدْرَكَ الْفَضْلَ، انْتَهَى، لَكِنْ هَذَا قَدْ أَعَلَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِالشُّذُوذِ فَقَالَ: رَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَنَفِيُّ، عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: فَقَدْ أَدْرَكَ الْفَضْلَ وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ. وَرَوَاهُ عَمَّارُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَوَقْتَهَا وَلَمْ يَقُلْهُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُهُ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا خُولِفَ فِيهِ. قَالَ مُغْلَطَايْ: وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُضَاعَفًا كَمَنْ حَضَرَهَا مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ غَيْرَ مُضَاعَفٍ؛ قَوْلَانِ، وَإِلَى التَّضْعِيفِ ذَهَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ إِذَا فَاتَتْكَ الرَّكْعَةُ فَقَدْ فَاتَتْكَ السَّجْدَةُ   16 - 16 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ) الْمَدَنِيِّ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَحَدِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) الْعَدَوِيَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وُلِدَ بَعْدَ الْبَعْثِ بِقَلِيلٍ وَاسْتُصْغِرَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِلْأَثَرِ، مَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ أَوْ أَوَّلِ الَّتِي تَلِيهَا. (كَانَ يَقُولُ: إِذَا فَاتَتْكَ الرَّكْعَةُ فَقَدْ فَاتَتْكَ السَّجْدَةُ) فَلَا يَكُونُ بِإِدْرَاكِ السَّجْدَةِ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ دُونَ رَكْعَةٍ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا، وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ وَكَانَ فِيهِ شُذُوذٌ قَدِيمٌ. الحديث: 16 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَا يَقُولَانِ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ   16 - 17 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتِ) بْنِ الضَّحَّاكِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الْأَنْصَارِيَّ النَّجَّارِيَّ، صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ كَتَبَ الْوَحْيَ، قَالَ مَسْرُوقٌ: كَانَ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ. وَقِيلَ: بَعْدَ الْخَمْسِينَ. (كَانَا يَقُولَانِ: مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ) أَيِ: الصَّلَاةَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ وَمَنْ فَاتَهُ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ   16 - 18 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَبَلَاغُهُ لَيْسَ مِنَ الضَّعِيفِ؛ لِأَنَّهُ تُتُبِّعَ كُلُّهُ فَوُجِدَ مُسْنَدًا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ. (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ، وَمَنْ فَاتَهُ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ) لِمَوْضِعِ التَّأْمِينِ وَمَا يَتَرَتَّبُ مِنْ غُفْرَانِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، قَالَهُ ابْنُ وَضَّاحٍ وَغَيْرُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 [بَاب مَا جَاءَ فِي دُلُوكِ الشَّمْسِ وَغَسَقِ اللَّيْلِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ دُلُوكُ الشَّمْسِ مَيْلُهَا   4 - بَابُ مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِ دُلُوكِ الشَّمْسِ وَغَسَقِ اللَّيْلِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 78) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: أَصْلُ التَّرْكِيبِ لِلِانْتِقَالِ وَمِنْهُ الدَّلْكُ، فَإِنَّ الدَّالِكَ لَا تَسْتَقِرُّ يَدُهُ. وَقِيلَ: الدُّلُوكُ مِنَ الدَّلْكِ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ إِلَيْهَا يَدْلُكُ عَيْنَيْهِ لِدَفْعِ شُعَاعِهَا، وَاللَّامُ لِلتَّأْقِيتِ، مِثْلُهَا فِي " لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ ". 19 - 19 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ) مَوْلَاهُ (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: دُلُوكُ الشَّمْسِ مَيْلُهَا) وَقْتَ الزَّوَالِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي بَرْزَةَ وَعَنْ خَلْقٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ دُلُوكُهَا غُرُوبُهَا، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنْ نَافِعًا وَإِنْ وَقَفَهُ فَقَدْ رَوَاهُ سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ، وَبِأَنَّهُ يَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَتَانِي جِبْرِيلُ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ حِينَ زَالَتْ فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ» " أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ. الحديث: 19 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ دُلُوكُ الشَّمْسِ إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ وَغَسَقُ اللَّيْلِ اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ   20 - 20 الحديث: 20 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 - (مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ الْمَدَنِيِّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ سَعْدٍ وَالْعِجْلِيُّ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ لَوْلَا أَنَّ مَالِكًا رَوَى عَنْهُ لَتُرِكَ حَدِيثُهُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مُتَّهَمٌ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ عِنْدِي صَالِحُ الْحَدِيثِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. (قَالَ: أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ) هُوَ عِكْرِمَةُ وَكَانَ مَالِكٌ يَكْتُمُ اسْمَهُ لِكَلَامِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ فِيهِ قَالَهُ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَنُقِلَ ذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ غَيْرِهِ، وَرَدَّهُ بِأَنَّ مَالِكًا صَرَّحَ بِرِوَايَةِ عِكْرِمَةَ فِي الْحَجِّ وَقَدَّمَهَا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَا رَوَى دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ فَمُنْكَرٌ، وَحَدِيثُهُ عَنْ شُيُوخِهِ مُسْتَقِيمٌ. (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ) الْحَبْرَ تُرْجُمَانَ الْقُرْآنِ ذَا الْمَنَاقِبِ الْجَمَّةِ. (كَانَ يَقُولُ: دُلُوكُ الشَّمْسِ إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ) وَهُوَ رُجُوعُ الظِّلِّ عَنِ الْمَغْرِبِ إِلَى الْمَشْرِقِ وَذَلِكَ مِنَ الزَّوَالِ وَمُنْتَهَاهُ الْغُرُوبُ. (وَغَسَقُ اللَّيْلِ اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ) وَهَذِهِ الْآيَةُ إِحْدَى الْآيَاتِ الَّتِي جَمَعَتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، فَدُلُوكُ الشَّمْسِ إِشَارَةٌ لِلظُّهْرَيْنِ، وَغَسَقُ اللَّيْلِ الْعِشَاءَيْنِ، وَقُرْآنُ الْفَجْرِ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 [بَاب جَامِعْ الْوُقُوتِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ»   5 - بَابُ جَامِعِ الْوُقُوتِ 21 - 21 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ» ) قَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ. ( «كَأَنَّمَا وُتِرَ» ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ، وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى الَّذِي يَفُوتُهُ؛ أَيْ: هُوَ، فَقَوْلُهُ: (أَهْلَهُ وَمَالَهُ) بِالنَّصْبِ فِي رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِوُتِرَ إِذْ يَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ كَقَوْلِهِ: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35] (سُورَةُ مُحَمَّدٍ: الْآيَةُ 35) وَالْمَعْنَى: أُصِيبَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ. وَقِيلَ: " وُتِرَ " بِمَعْنَى نُقِصَ؛ فَيَرْفَعُ وَيَنْصِبُ؛ لِأَنَّ مَنْ رَدَّ النَّقْصَ إِلَى الرَّجُلِ نَصَبَ وَأَضْمَرَ نَائِبَ الْفَاعِلِ، وَمَنْ رَدَّهُ إِلَى الْأَهْلِ رَفَعَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: رُوِيَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ " وُتِرَ " بِمَعْنَى سُلِبَ يَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ، وَبِالرَّفْعِ الحديث: 21 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 عَلَى أَنَّ وُتِرَ بِمَعْنَى أُخِذَ، فَأَهْلُهُ هُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَقِيلَ: بَدَلُ اشْتِمَالٍ أَوْ بَعْضٍ، وَقِيلَ النَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ وُتِرَ مِنْ حَيْثُ الْأَهْلُ نَحْوَ: غَبِنَ رَأْيَهُ وَأَلِمَ نَفْسَهُ، وَمِنْهُ: {إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 130) فِي وَجْهٍ أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ فِي أَهْلِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: رُوِيَ بِنَصْبِ اللَّامَيْنِ وَرَفْعِهِمَا، وَالنَّصْبُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَمَنْ رَفَعَ فَعَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَمَعْنَاهُ انْتُزِعَ مِنْهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَهَذَا تَفْسِيرُ مَالِكٍ، وَأَمَّا النَّصْبُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ نُقِصَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَسُلِبَهُمْ، فَبَقِيَ وِتْرًا بِلَا أَهْلٍ وَلَا مَالٍ، فَلْيَحْذَرْ مِنْ تَفْوِيتِهَا كَحَذَرِهِ مِنْ ذَهَابِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ أَنَّهُ كَالَّذِي يُصَابُ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ إِصَابَةً يَطْلُبُ بِهِمَا وِتْرًا، وَالْوِتْرُ الْجِنَايَةُ الَّتِي تَطْلُبُ ثَأْرَهَا، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ غَمَّانِ: غَمُّ الْمُصِيبَةِ وَغَمُّ مُقَاسَاةِ طَلَبِ الثَّأْرِ وَلِذَا قَالَ: وُتِرَ، وَلَمْ يَقُلْ: مَاتَ أَهْلُهُ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَاهُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الِاسْتِرْجَاعِ مَا يَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ فَقَدَهُمَا، فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ النَّدَمُ وَالْأَسَفُ لِتَفْوِيتِهِ الصَّلَاةَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَاتَهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْأَسَفِ عَلَيْهِ كَمَا يَلْحَقُ مَنْ ذَهَبَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ. وَقَالَ الْحَافِظُ: حَقِيقَةُ الْوِتْرِ كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ الظُّلْمُ فِي الدَّمِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ مَجَازٌ، لَكِنْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُوتُورُ هُوَ الَّذِي قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَلَمْ يُدْرِكْ دَمَهُ، وَيُقَالُ أَيْضًا: وَتَرَهُ حَقَّهُ أَيْ نَقَصَهُ، وَقِيلَ: الْمُوتُورُ مَنْ أُخِذَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَهُوَ يَنْظُرُ وَذَلِكَ أَشَدُّ لِغَمِّهِ، فَوَقَعَ التَّشْبِيهُ بِذَلِكَ لِمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ غَمَّانِ: غَمُّ الْإِثْمِ وَغَمُّ فَوَاتِ الصَّلَاةِ، كَمَا يَجْتَمِعُ عَلَى الْمُوتُورِ غَمَّانِ: غَمُّ السَّلْبِ وَغَمُّ الثَّأْرِ. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمَا أُخِذَا مِنْهُ وَهُوَ يَنْظُرُهُمَا. وَقَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدَّيْنِ الْعِرَاقِيُّ: كَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وُتِرَ هَذَا الْوِتْرَ وَهُوَ قَاعِدٌ غَيْرُ مُقَاتِلٍ عَنْهُمْ وَلَا ذَابٍّ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْغَمِّ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ أَسْلَى لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ وَهُوَ مُشَاهِدٌ لِتِلْكَ الْمَصَائِبِ غَيْرُ غَائِبٍ عَنْهُمْ فَهُوَ أَشَدُّ لِتَحَسُّرِهِ، قَالَ: وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَهْلَ وَالْمَالَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ إِنَّمَا هُوَ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَهْلِ وَالشُّغْلِ بِالْمَالِ، فَذَكَرَ أَنَّ تَفْوِيتَ هَذِهِ الصَّلَاةِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ فَقْدِهِمَا، فَلَا مَعْنَى لِتَفْوِيتِهِمَا بِالِاشْتِغَالِ بِهِمَا مَعَ أَنَّ تَفْوِيتَهُمَا كَفَوَاتِهِمَا أَصْلًا وَرَأْسًا، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْفَوَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: هُوَ فِيمَنْ لَمْ يُصِلِّهَا فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ: بِغُرُوبِ الشَّمْسِ. وَفِي مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: تَفْسِيرُهَا ذَهَابُ الْوَقْتِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الْحَافِظُ: وَتَفْسِيرُ الرَّاوِي إِذَا كَانَ فَقِيهًا أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَوَرَدَ مَرْفُوعًا، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 عَنْ هِشَامٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» ". وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فَوَاتُهَا أَنْ تَدْخُلَ الشَّمْسُ صُفْرَةً، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَعَلَّهُ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي خُرُوجِ وَقْتِ الْعَصْرِ. وَقَالَ مُغَلْطَايُ فِي الْعِلَلِ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ: إِنَّ التَّفْسِيرَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ وَمَنْ تَبِعَهُ: إِنَّمَا أَرَادَ فَوَاتَهَا فِي الْجَمَاعَةِ لِمَا يَفُوتُهُ مِنْ شُهُودِ الْمَلَائِكَةِ اللَّيْلِيَّةِ وَالنَّهَارِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنِ مَنْدَهْ: الْمُوتُورُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ مَنْ وُتِرَ صَلَاةَ الْوُسْطَى فِي جَمَاعَةٍ، وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ فَوَاتَهَا بِاصْفِرَارِ الشَّمْسِ أَوْ مَغِيبِهَا، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ اخْتِصَاصُ الْعَصْرِ، لِأَنَّ ذَهَابَ الْوَقْتِ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَنُوقِضَ بِعَيْنِ مَا ادَّعَاهُ لِأَنَّ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ. وَيُرْوَى عَنْ سَالِمٍ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ فَاتَتْهُ نَاسِيًا، وَمَشَى عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فَبَوَّبَ عَلَى الْحَدِيثِ مَا جَاءَ فِي السَّهْوِ عَنْ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ مِنَ الْأَسَفِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الثَّوَابِ لِمَنْ صَلَّى مَا يَلْحَقُ مَنْ ذَهَبَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ أَسَفَ الْعَامِدِ أَشَدُّ لِاجْتِمَاعِ فَقْدِ الثَّوَابِ وَحُصُولِ الْإِثْمِ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: إِنَّمَا هُوَ الْعَامِدُ. النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَأُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ: مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي تَخْصِيصِ صَلَاةِ الْعَصْرِ بِذَلِكَ، فَقِيلَ: نَعَمْ، لِزِيَادَةِ فَضْلِهَا وَأَنَّهَا الْوُسْطَى وَلِأَنَّهَا تَأْتِي فِي وَقْتِ تَعَبِ النَّاسِ فِي مُقَاسَاةِ أَعْمَالِهِمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَى قَضَاءِ أَشْغَالِهِمْ وَتَسْوِيفِهِمْ بِهَا إِلَى انْقِضَاءِ وَظَائِفِهِمْ وَلِاجْتِمَاعِ الْمُتَعَاقِبِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا، وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْفَجْرَ أَيْضًا فِيهَا اجْتِمَاعُ الْمُتَعَاقِبِينَ فَلَا يَخْتَصُّ الْعَصْرُ بِذَلِكَ، قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخُصُّ مَا شَاءَ مِنَ الصَّلَوَاتِ بِمَا شَاءَ مِنَ الْفَضِيلَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَدِيثَ خَرَجَ جَوَابًا لِسَائِلٍ عَنْ مَنْ تَفُوتُهُ الْعَصْرُ، وَأَنَّهُ لَوْ سُئِلَ عَنْ غَيْرِهَا لَأَجَابَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَيَكُونُ حُكْمُ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ كَذَلِكَ، وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي الْعَصْرِ وَلَمْ تُحَقَّقِ الْعِلَّةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَلَا يَلْحَقُ بِهَا غَيْرُهَا بِالشَّكِّ وَالْوَهْمِ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ بِهِ إِذَا عُرِفَتِ الْعِلَّةُ وَاشْتَرَكَا فِيهَا. قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا لَا يَدْفَعُ الِاحْتِمَالَ، وَقَدِ احْتَجَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً حَتَّى تَفُوتَهُ» " الْحَدِيثَ، وَفِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ لِأَنَّ أَبَا قِلَابَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِلَفْظِ: " «مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ» " فَرَجَعَ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِلَى تَعْيِينِ الْعَصْرِ. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» " وَهَذَا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ نَوْفَلٍ بِلَفْظِ: " «لَأَنْ يُوَتَرَ أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ وَمَالَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَفُوتَهُ وَقْتُ» صَلَاةٍ " وَهَذَا أَيْضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ النَّصْبِ الْمُصَدَّرِ بِهَا، لَكِنَّ الْمَحْفُوظَ مِنْ حَدِيثِ نَوْفَلٍ بِلَفْظِ: " «مِنَ الصَّلَوَاتِ صَلَاةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: " قُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: الْعَصْرُ " وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَصَرَّحَ بِأَنَّهَا الْعَصْرُ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ كَوْنَهَا الْعَصْرَ مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَفِيهِ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُ الْعَصْرِ بِذَلِكَ. انْتَهَى. قَالَ السُّيُوطِيُّ: رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «مِنَ الصَّلَوَاتِ صَلَاةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» " فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «هِيَ الْعَصْرُ» ". نَعَمْ فِي فَوَائِدِ تَمَّامٍ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» " فَإِنْ كَانَ رَاوِيهِ حَفِظَ وَلَمْ يَهِمْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى تَحْقِيرِ الدُّنْيَا وَأَنَّ قَلِيلَ الْعَمَلِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهَا. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا يُوجَدُ حَدِيثٌ يَقُومُ مَقَامَ هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 238) وَلَا يُوجَدُ حَدِيثٌ فِيهِ تَكْلِيفُ الْمُحَافَظَةِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَلَقِيَ رَجُلًا لَمْ يَشْهَدْ الْعَصْرَ فَقَالَ عُمَرُ مَا حَبَسَكَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَذَكَرَ لَهُ الرَّجُلُ عُذْرًا فَقَالَ عُمَرُ طَفَّفْتَ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَيُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ وَفَاءٌ وَتَطْفِيفٌ   22 - 22 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَلَقِيَ رَجُلًا لَمْ يَشْهَدْ) لَمْ يَحْضُرِ (الْعَصْرَ) قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ شَرَحَ الْمُوَطَّأَ، يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، قَالَ: وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي أَثَرٍ عَلِمْتُهُ وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَدِيدَةَ. (فَقَالَ عُمَرُ مَا حَبَسَكَ) مَنَعَكَ (عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ) مَعَ الْجَمَاعَةِ (فَذَكَرَ لَهُ الرَّجُلُ عُذْرًا) فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْضَهُ (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: طَفَّفْتَ) بِفَاءَيْنِ أَيْ نَقَّصْتَ نَفْسَكَ حَظَّهَا مِنَ الْأَجْرِ لِتَأَخُّرِكَ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَالتَّطْفِيفُ لُغَةً الزِّيَادَةُ عَلَى الْعِدْلِ وَالنُّقْصَانُ مِنْهُ. قَالَ يَحْيَى: (قَالَ مَالِكٌ: وَيُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ وَفَاءٌ) بِالْمَدِّ (وَتَطْفِيفٌ) أَيْ نَقْصٌ، مُقَابِلُ الْوَفَاءِ. الحديث: 22 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِنَّ الْمُصَلِّيَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ وَمَا فَاتَهُ وَقْتُهَا وَلَمَا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا أَعْظَمُ أَوْ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَدْرَكَ الْوَقْتَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَدِمَ وَقَدْ ذَهَبَ الْوَقْتُ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقْضِي مِثْلَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ هُوَ الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ وَأَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا وَقَالَ مَالِكٌ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي فِي الْمَغْرِبِ فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فَقَدْ وَجَبَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَخَرَجْتَ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ   23 - 23 الحديث: 23 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ الْمُصَلِّيَ لَيُصَلِّيَ الصَّلَاةَ وَمَا فَاتَهُ وَقْتُهَا» ) لِكَوْنِهِ صَلَّاهَا فِيهِ ( «وَلِمَا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا» ) أَوَّلِهِ أَوْ أَوْسَطِهِ ( «أَعْظَمُ أَوْ أَفْضَلُ» ) بِالشَّكِّ فِي اللَّفْظِ وَإِنِ اتَّحَدَ الْمَعْنَى ( «مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ إِذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ رَأْيًا، وَقَدْ وَرَدَ نَحْوُهُ مَرْفُوعًا، فَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيُصَلِّيَ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَقَدْ تَرَكَ مِنَ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ» ". وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: " «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ الصَّلَاةَ وَمَا فَاتَهُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ» ". وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ مَوْقُوفًا، وَعَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مُرْسَلًا مَرْفُوعًا: (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَدْرَكَ الْوَقْتَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا) قَالَ بَعْضُهُمْ فِيمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ: السَّهْوُ شُغْلٌ عَنِ الشَّيْءِ، وَالنِّسْيَانُ غَفْلَةٌ عَنْهُ وَآفَةٌ. (حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ) الْمُرَادُ حَتَّى تَمَّ سَفَرُهُ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَهْلٌ أَمْ لَا. (أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ) . أَيْ يُتِمَّ. (وَإِنْ كَانَ قَدْ قَدِمَ وَقَدْ ذَهَبَ الْوَقْتُ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ) أَيْ مَقْصُورَةً (لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقْضِي مِثْلَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ هُوَ الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ) يَعْنِي التَّابِعِينَ (وَأَهْلَ الْعِلْمِ) أَتْبَاعَهُمْ (بِبَلَدِنَا) أَيِ الْمَدِينَةِ. (وَقَالَ مَالِكٌ: الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي) تُرَى (فِي) أُفُقِ (الْمَغْرِبِ) وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي مَذْهَبِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّهُ الْبَيَاضُ الَّذِي يَلِيهَا، وَرَدَ بِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِالْحُمْرَةِ لِقَوْلِ أَعْرَابِيٍّ وَقَدْ رَأَى ثَوْبًا أَحْمَرَ كَأَنَّهُ شَفَقٌ، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق: 16] (سُورَةُ الِانْشِقَاقِ: الْآيَةُ 16) إِنَّهُ الْحُمْرَةُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: رَقَبْتُ الْبَيَاضَ فَوَجَدْتُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 يَبْقَى إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِلَى نِصْفِهِ، فَلَوْ رُتِّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ لَزِمَ تَأْخِيرُهَا إِلَى ثُلُثِهِ أَوْ نِصْفِهِ. (فَإِذَا ذَهَبَتِ الْحُمْرَةُ فَقَدْ وَجَبَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ) أَيْ دَخَلَ وَقْتُ وُجُوبِهَا، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى بِالْمُصْطَفَى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ» . (وَخَرَجْتَ) أَيُّهَا الْمُصَلِّي (مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ) أَيِ الْمُخْتَارِ وَإِلَّا فَوَقْتُهَا اللَّيْلُ كُلُّهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا فِي امْتِدَادِ مُخْتَارِهَا لِلشَّفَقِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ، وَقَالَ فِي أَحْكَامِهِ: إِنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ فَلَمْ يَقْضِ الصَّلَاةَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ ذَهَبَ فَأَمَّا مَنْ أَفَاقَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي   24 - 24 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ) مِنَ الْإِغْمَاءِ (فَلَمْ يَقْضِ الصَّلَاةَ) حِينَ أَفَاقَ (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ فِيمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) لَمْ يَجْزِمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ ذَهَبَ، فَأَمَّا مَنْ أَفَاقَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي) وُجُوبًا إِذْ مَا بِهِ السُّقُوطُ بِهِ الْإِدْرَاكُ. الحديث: 24 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 [بَاب النَّوْمِ عَنْ الصَّلَاةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَفَلَ مِنْ خَيْبَرَ أَسْرَى حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ عَرَّسَ وَقَالَ لِبِلَالٍ اكْلَأْ لَنَا الصُّبْحَ وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَكَلَأَ بِلَالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ اسْتَنَدَ إِلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُقَابِلُ الْفَجْرِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِلَالٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الرَّكْبِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمْ الشَّمْسُ فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بِلَالٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَادُوا فَبَعَثُوا رَوَاحِلَهُمْ وَاقْتَادُوا شَيْئًا ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ ثُمَّ قَالَ حِينَ قَضَى الصَّلَاةَ مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] »   6 - بَابُ النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ أَيْ مَا حُكْمُهُ؟ هَلْ كَالْإِغْمَاءِ أَوْ لَا، فَتَجِبُ إِذَا انْتَبَهَ. 25 - 25 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بْنِ حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيِّ الْمَخْزُومِيِّ أَحَدِ الْعُلَمَاءِ الْأَثْبَاتِ الْفُقَهَاءِ الْكِبَارِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ صَحَابِيَّانِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مُرْسَلَاتِهِ أَصَحُّ الْمَرَاسِيلِ، وَقَالَ عَلِيُّ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا أَعْلَمُ فِي التَّابِعِينَ أَوْسَعَ عِلْمًا مِنْهُ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ: ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَقَدْ نَاهَزَ الثَمَانِينَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ وَصْلُهُ، فَأَخْرَجَهُ الحديث: 25 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَرِوَايَةُ الْإِرْسَالِ لَا تَضُرُّ فِي رِوَايَةِ مَنْ وَصَلَهُ لِأَنَّ يُونُسَ مِنِ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ، احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَتَابَعَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَى إِرْسَالِهِ مَعْمَرٌ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَوَصَلَهُ فِي رِوَايَةِ أَبَانٍ الْعَطَّارِ عَنْ مَعْمَرٍ، لَكِنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ أَثْبَتُ فِي مَعْمَرٍ مَنْ أَبَانٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ مُرْسَلًا، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُرْسَلًا وَمَوْصُولًا. (حِينَ قَفَلَ) أَيْ رَجَعَ، وَالْقُفُولُ الرُّجُوعُ مِنَ السَّفَرِ، وَلَا يُقَالُ لِمَنْ سَافَرَ مُبْتَدِئًا: قَفَلَ إِلَّا الْقَافِلَةُ تَفَاؤُلًا. (مِنْ) غَزْوَةِ (خَيْبَرَ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ آخِرَهُ كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ: إِنَّمَا هُوَ مِنْ حُنَيْنٍ بِمُهْمَلَةٍ وَنُونٍ يَعْنِي حَتَّى لَا يُخَالِفَ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ لِأَنَّ طَرِيقَهَا غَيْرُ طَرِيقِ خَيْبَرَ، وَرَّدَهُ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ طَرِيقَهُمَا مِنَ الْمَدِينَةِ وَاحِدٌ فَلَا خُلْفَ، فَلَا يُحْتَاجُ لِدَعْوَى التَّصْحِيفِ، وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: مَا قَالَهُ الْأَصِيلِيُّ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ. انْتَهَى. وَالْمُرَادُ مِنْ خَيْبَرَ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ فَتْحِ وَادِي الْقُرَى لِأَنَّ النَّوْمَ كَانَ حِينَ قَرُبَ مِنَ الْمَدِينَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عِمْرَانَ وَأَبِي قَتَادَةَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ بِالْإِبْهَامِ. وَفِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَقْبَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ لَيْلًا» . وَيَأْتِي مِنْ مُرْسَلِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَالطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو بِطَرِيقِ تَبُوكَ. قَالَ الْحَافِظُ: فَاخْتِلَافُ الْمَوَاطِنِ يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ نَوْمُهُمْ عَنِ الصُّبْحِ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ؟ فَجَزَمَ الْأَصِيلِيُّ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ، وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِمُغَايَرَةِ قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ لِقِصَّةِ عِمْرَانَ وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَحَاوَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْجَمْعَ بِأَنَّ زَمَانَ رُجُوعِهِمْ مِنْ خَيْبَرَ قَرِيبٌ مِنْ زَمَانِ رُجُوعِهِمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَطَرِيقُ مَكَّةَ تَصْدُقُ بِهَا وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ، وَرِوَايَةُ غَزْوَةِ تَبُوكَ تَرُدُّ عَلَيْهِ. انْتَهَى. لَكِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ ذَكَرَهَا وَقَالَ: إِنَّهَا مُرْسَلَةٌ مِنْ عَطَاءٍ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْآثَارَ الصِّحَاحَ الْمُسْنَدَةَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ. انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى حَدِيثَيْ عُقْبَةَ وَابْنِ عَمْرٍو، أَوْ لَمْ يَصِحَّا عِنْدَهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: اخْتُلِفَ هَلْ كَانَ النَّوْمُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ؟ وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. (أَسْرَى) سَارَ لَيْلًا يُقَالُ: سَرَى وَأَسْرَى لُغَتَانِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ أَسْرَعَ، وَفِي مُسْلِمٍ سَارَ لَيْلَةً، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ذِي مِخْبَرٍ: وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الزَّادِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: «يَا نَبِيَّ اللَّهِ انْقَطَعَ النَّاسُ وَرَاءَكَ، فَحَبَسَ وَحَبَسَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى تَكَامَلُوا إِلَيْهِ فَقَالَ: " هَلْ لَكُمْ أَنْ نَهْجَعَ هَجْعَةً» ". فَنَزَلَ وَنَزَلُوا. ( «حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» ) وَفِي مُسْلِمٍ: حَتَّى أَدْرَكَهُ الْكَرَى وَهُوَ بِزِنَةِ عَصَا: النُّعَاسُ، وَقِيلَ: أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ بَيْنَ النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو: حَتَّى إِذَا كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 مَعَ السَّحَرِ. (عَرَّسَ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ، قَالَ الْخَلِيلُ وَالْجُمْهُورُ: التَّعْرِيسُ نُزُولُ الْمُسَافِرِ آخِرَ اللَّيْلِ لِلنَّوْمِ وَالِاسْتِرَاحَةِ، وَلَا يُسَمَّى نُزُولُ أَوَّلِ اللَّيْلِ تَعْرِيسًا، وَيُقَالُ: لَا يَخْتَصُّ بِزَمَنٍ بَلْ مُطْلَقُ نُزُولِ الْمُسَافِرِ لِلرَّاحَةِ، ثُمَّ يَرْتَحِلُ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا. وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ: " «حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا» ". وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: " «سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلَاةِ ". فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ» ". (وَقَالَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِبِلَالِ) بْنِ رَبَاحٍ الْمُؤَذِّنِ، وَهُوَ ابْنُ حَمَامَةَ وَهِيَ أُمُّهُ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ، مَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ، وَقِيلَ: سَنَةَ عِشْرِينَ وَلَهُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. (اكْلَأْ) بِالْهَمْزَةِ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ} [الأنبياء: 42] (سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: الْآيَةُ 42) أَيْ يَحْفَظُكُمْ أَيِ احْفَظْ وَارْقُبْ (لَنَا الصُّبْحَ) بِحَيْثُ إِذَا طَلَعَ تُوقِظُنَا. وَفِي مُسْلِمٍ (اللَّيْلَ) أَيْ بِحَيْثُ إِذَا تَمَّ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ تُوقِظُنَا. ( «وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَكَلَأَ بِلَالٌ» ) وَفِي مُسْلِمٍ: فَصَلَّى بِلَالٌ (مَا قُدِّرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ مَا يَسَرَّهُ اللَّهُ لَهُ. ( «ثُمَّ اسْتَنَدَ إِلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُقَابِلُ الْفَجْرِ» ) أَيْ مُوَاجِهُ الْجِهَةِ الَّتِي يَطْلُعُ مِنْهَا. (فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ) زَادَ فِي مُسْلِمٍ: وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ. ( «فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بِلَالٌ وَلَا أَحَدٌ مِنَ الرَّكْبِ» ) وَفِي مُسْلِمٍ: وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ( «حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ» ) قَالَ عِيَاضٌ: أَيْ أَصَابَهُمْ شُعَاعُهَا وَحَرُّهَا، وَزَادَ فِي مُسْلِمٍ: «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا» . ( «فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ) قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيِ انْتَبَهَ وَقَامَ، وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ: فَزِعَ لِأَجْلِ عَدُوِّهِمْ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ اتَّبَعَهُمْ فَيَجِدُهُمْ بِتِلْكَ الْحَالِ مِنَ النَّوْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَأَسُّفًا عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ، قَالَ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ مُنْذُ بُعِثَ، قَالَ: وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الْأَصِيلِيِّ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتْبَعْهُ عَدُوٌّ، وَفِي انْصِرَافِهِ مِنْ خَيْبَرَ وَلَا مِنْ حُنَيْنٍ وَلَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي، بَلِ انْصَرَفَ مِنْ كِلْتَا الْغَزْوَتَيْنِ ظَافِرًا غَانِمًا. وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: " «فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا بِلَالُ أَيْنَ مَا قُلْتَ؟ " قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ» " وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لَهُ عَلَى اجْتِنَابِ الدَّعْوَى وَالثِّقَةِ بِالنَّفْسِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهَا، وَلَا سِيَّمَا فِي مَظَانِّ الْغَلَبَةِ وَسَلْبِ الِاخْتِيَارِ. وَفِي مُسْلِمٍ: فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيْ بِلَالُ ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: " «مَاذَا صَنَعْتَ بِنَا يَا بِلَالُ؟ " (فَقَالَ بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِيِ الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 أَخَذَ بِنَفْسِكَ) » قَالَ ابْنُ رَشِيقٍ: أَيْ إِنَّ اللَّهَ اسْتَوْلَى بِقُدْرَتِهِ عَلَيَّ كَمَا اسْتَوْلَى عَلَيْكَ مَعَ مَنْزِلَتِكَ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ النَّوْمُ غَلَبَنِي كَمَا غَلَبَكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ إِذَا كُنْتَ أَنْتَ فِي مَنْزِلَتِكَ مِنَ اللَّهِ قَدْ غَلَبَتْكَ عَيْنُكَ وَقُبِضَتْ نَفْسُكَ فَأَنَا أَحْرَى بِذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ قَبَضَ نَفْسِي الَّذِي قَبَضَ نَفْسَكَ فَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَعَلَ النَّفْسَ وَالرُّوحَ شَيْئًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، فَنَصَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ هُوَ الرُّوحُ، وَفِي الْقُرْآنِ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] (سُورَةُ الزُّمَرِ: الْآيَةُ 42) الْآيَةَ. وَمَنْ قَالَ: النَّفْسُ غَيْرُ الرُّوحِ تَأَوَّلَ أَخَذَ بِنَفْسِي مِنَ النَّوْمِ الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ مِنْهُ. زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقْتَ» ". فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الَّذِي كَلَأَ الْفَجْرَ بِلَالٌ. وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ أَنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ ثُمَّ عُمَرُ الرَّابِعُ فَكَبَّرَ حَتَّى اسْتَيْقَظَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ الْعُمَرَيْنِ لَمْ يَكُونَا مَعَهُ لَمَّا نَامَ. وَفِي قِصَّةِ عِمْرَانَ أَنَّهُمَا كَانَا مَعَهُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ سَبَبَهَا بِقِصَّةِ عِمْرَانَ وَفِيهِ: أَنَّ الَّذِي كَلَأَ الْفَجْرَ ذُو مِخْبَرٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَلَأَ لَهُمُ الْفَجْرَ، قَالَ الْحَافِظُ: فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ مَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبَاحٍ رَاوِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ذَكَرَ أَنَّ عِمْرَانَ سَمِعَهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فَقَالَ: انْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّي كَنْتُ شَاهِدَ الْقِصَّةِ فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَدِيثِ شَيْئًا، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اتِّحَادِهَا، لَكِنْ لِمُدَّعِي التَّعَدُّدِ أَنْ يَقُولَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ عِمْرَانَ حَضَرَ الْقِصَّتَيْنِ فَحَدَّثَ بِإِحْدَاهُمَا وَصَدَّقَ ابْنَ رَبَاحٍ لَمَّا حَدَّثَ بِالْأُخْرَى. انْتَهَى. فَلْيُتَأَمَّلِ الْجَمْعُ بِمَاذَا مَعَ هَذَا التَّغَايُرِ فِي الَّذِي كَلَأَ وَأَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ، وَأَنَّ الْعُمَرَيْنِ مَعَهُ فِي قِصَّةِ عِمْرَانَ دُونَ قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ، وَسَبَقَ اخْتِلَافٌ آخَرُ فِي مَحَلِّ النَّوْمِ، فَالْمُتَّجِهُ مَا رَجَّحَهُ عِيَاضٌ أَنَّ النَّوْمَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ وَإِلَيْهِ أَوْمَى الْحَافِظُ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ، وَلِذَا قَالَ السُّيُوطِيُّ: لَا يُجْمَعُ إِلَّا بِتَعَدُّدِ الْقِصَّةِ. ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَادُوا» ) بِالْقَافِ وَالْفَوْقِيَّةِ أَيِ ارْتَحِلُوا، وَبِهِ عَبَّرَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ» ". وَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَقَالَ: " «إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ» " فَعَلَّلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي تَعْلِيلِهِ وَيَأْتِي لَهُ مَزِيدٌ فِي التَّالِي. ( «فَبَعَثُوا رَوَاحِلَهُمْ» ) أَثَارُوهَا لِتَقُومَ (وَاقْتَادُوا شَيْئًا) قَلِيلًا، وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ: «فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الِارْتِحَالَ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ سَيْرِهِمُ الْمُعْتَادِ. وَفِي مُسْلِمٍ: «ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 تَوَضَّأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «وَتَوَضَّأَ النَّاسُ» . ( «ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ» ) قَالَ عِيَاضٌ: أَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَلَى فَأَقَامَ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: فَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ بِالشَّكِّ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ذِي مِخْبَرٍ: «فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ قَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ» . (فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصُّبْحَ) زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ: «فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُعِيدُهَا مِنَ الْغَدِ لِوَقْتِهَا؟ قَالَ: " نَهَانَا اللَّهُ عَنِ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنَّا» ". وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: " «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ» ". (ثُمَّ قَالَ حِينَ قَضَى الصَّلَاةَ «مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ» ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ: «أَوْ نَامَ عَنْهَا» ، وَبِهِ يُطَابِقُ التَّرْجَمَةَ ( «فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» ) وَلِأَبِي يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْكُمْ أَرْوَاحَكُمْ فَمَنْ نَامَ عَنِ الصَّلَاةِ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا اسْتَيْقَظَ وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ» " وَبِهَذَا كُلِّهِ عُلِمَ أَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ اخْتِصَارًا مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ، فَزَعْمُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنِّسْيَانِ مُطْلَقَ الْغَفْلَةِ عَنِ الصَّلَاةِ لِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ النَّوْمَ أَصْلًا لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الْعُمُومِ الَّذِي أَرَادَهُ فَاسِدٌ نَشَأَ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى الرِّوَايَاتِ. (فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] قَالَ عِيَاضٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ وَأَخْذِهِ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتِ الْأَمْرَ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَنَّهُ مِمَّا يَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: اسْتُشْكِلَ وَجْهُ أَخْذِ الْحُكْمِ مِنَ الْآيَةِ فَإِنَّ مَعْنَى الذِّكْرَى إِمَّا لِذِكْرِي فِيهَا وَإِمَّا لِأُذَكِّرُكَ عَلَيْهَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيلِهَا وَعَلَى كُلٍّ فَلَا يُعْطَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ حِينَ تَذَكُّرِهَا لَكَانَ التَّنْزِيلُ لِذِكْرِهَا، وَأَصَحُّ مَا أُجِيبَ بِهِ أَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ تَغْيِيرٌ مِنَ الرَّاوِي وَإِنَّمَا هُوَ لِلذِّكْرَى بِلَامِ التَّعْرِيفِ وَأَلِفِ الْقَصْرِ كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَفِيهِ وَفِي مُسْلِمٍ زِيَادَةٌ، وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَقْرَؤُهَا لِلذِّكْرَى فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ اسْتِدْلَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا كَانَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّ مَعْنَاهَا لِلتَّذَكُّرِ أَيْ لِوَقْتِ التَّذَكُّرِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَذَلِكَ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِسِيَاقِ الْحَدِيثِ، وَعُرِفَ أَنَّ التَّغْيِيرَ صَدَرَ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُمْ لَا مِنْ مَالِكٍ وَلَا مِمَّنْ فَوْقَهُ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الذِّكْرَى نَقِيضُ النِّسْيَانِ. انْتَهَى. وَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» " بِأَنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا يُدْرِكُ الْحِسِّيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ كَالْحَدَثِ وَالْأَلَمِ وَنَحْوِهِمَا وَلَا يُدْرِكُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ لِأَنَّهَا نَائِمَةٌ وَالْقَلْبُ يَقْظَانٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يُقَالُ الْقَلْبُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ مِنْ رُؤْيَةِ الْفَجْرِ مَثَلًا لَكِنَّهُ يُدْرِكُ إِذَا كَانَ يَقْظَانًا مُرُورَ الْوَقْتِ الطَّوِيلِ، فَإِنَّ مِنِ ابْتِدَاءِ الْفَجْرِ إِلَى أَنْ حَمِيَتِ الشَّمْسُ مُدَّةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ لِأَنَّا نَقُولُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ قَلْبَهُ كَانَ مُسْتَغْرِقًا بِالْوَحْيِ وَلَا يَلْزَمُ وَصْفُهُ بِالنَّوْمِ كَمَا كَانَ يَسْتَغْرِقُ حَالَةَ إِلْقَاءِ الْوَحْيِ يَقَظَةً، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ بَيَانُ التَّشْرِيعِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ كَمَا فِي سَهْوِهِ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا جَوَابُ ابْنِ الْمُنِيرِ بِأَنَّ السَّهْوَ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ فِي الْيَقَظَةِ لِمَصْلَحَةِ التَّشْرِيعِ، فَفِي النَّوْمِ أَوْلَى أَوْ عَلَى السَّوَاءِ، وَجُمِعَ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا يَنَامُ فِيهِ الْقَلْبُ فَصَادَفَ هَذَا الْمَوْضِعَ، وَالثَّانِي لَا يَنَامُ وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا بَسَطَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ «عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَوَكَّلَ بِلَالًا أَنْ يُوقِظَهُمْ لِلصَّلَاةِ فَرَقَدَ بِلَالٌ وَرَقَدُوا حَتَّى اسْتَيْقَظُوا وَقَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمْ الشَّمْسُ فَاسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ وَقَدْ فَزِعُوا فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْكَبُوا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي وَقَالَ إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ فَرَكِبُوا حَتَّى خَرَجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي ثُمَّ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْزِلُوا وَأَنْ يَتَوَضَّئُوا وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ بِالصَّلَاةِ أَوْ يُقِيمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ وَقَدْ رَأَى مِنْ فَزَعِهِمْ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا ثُمَّ فَزِعَ إِلَيْهَا فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَأَضْجَعَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُهَدِّئُهُ كَمَا يُهَدَّأُ الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَخْبَرَ بِلَالٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ»   26 - 26 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ:) مُرْسَلًا بِاتِّفَاقِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَجَاءَ مَعْنَاهُ مُتَّصِلًا مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ ( «عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ لِأَنَّ طَرِيقَ خَيْبَرَ وَطَرِيقَ مَكَّةَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَاحِدٌ. (وَوَكَلَ بِلَالًا أَنْ يُوقِظَهُمْ لِلصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِتَخْفِيفِ الْكَافِ يُقَالُ: وَكَلَهُ مِنْ بَابِ وَعَدَ بِكَذَا إِذَا اسْتَكَفَاهُ إِيَّاهُ وَصَرَفَ أَمْرَهُ إِلَيْهِ، وَبِتَشْدِيدِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] (سُورَةُ السَّجْدَةِ: الْآيَةُ 11) . (فَرَقَدَ بِلَالٌ وَرَقَدُوا) نَامَ وَنَامُوا قَبْلَهُ وَاسْتَمَرُّوا رَاقِدِينَ (حَتَّى اسْتَيْقَظُوا) انْتَبَهُوا مِنْ نَوْمِهِمْ. (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ فَاسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ وَقَدْ فَزِعُوا) أَسَفًا عَلَى فَوَاتِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا خَوْفًا مِنْ عَدُوٍّ كَمَا زُعِمَ. ( «فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْكَبُوا» ) فَقَالَ: " ارْتَحِلُوا "، وَفِي رِوَايَةٍ: " اقْتَادُوا ". (حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي وَقَالَ: «إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ» ) وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ» ". قَالَ ابْنُ رَشِيقٍ: قَدْ عَلَّلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ، قَالَ عِيَاضٌ: هَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي تَعْلِيلِهِ، وَقِيلَ: لِاشْتِغَالِهِمْ بِأَحْوَالِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: تَحَرُّزًا مِنَ الْعَدُوِّ، وَقِيلَ: لِيَسْتَيْقِظَ النَّائِمُ وَيَنْشَطَ الْكَسْلَانُ، وَقِيلَ: لِكَوْنِ الْوَقْتِ وَقْتَ كَرَاهَةٍ، وَرُدَّ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: «حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ» . وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ: «حَتَّى وَجَدُوا حَرَّ الشَّمْسِ» . وَلِلطَّبَرَانِيِّ: حَتَّى كَانَتِ الشَّمْسُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَتَبِعَهُ الحديث: 26 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الْقُرْطُبِيُّ: أَخَذَ بِهَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ: مَنِ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمٍ عَنْ صَلَاةٍ فَاتَتْهُ فِي حَضَرٍ فَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ مَوْضِعِهِ وَإِنْ كَانَ وَادِيًا فَلْيَخْرُجْ عَنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنْ حَالِ ذَلِكَ الْوَادِي وَلَا غَيْرِهِ ذَلِكَ إِلَّا هُوَ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ غَفْلَةٌ فِي مَكَانٍ عَنْ عِبَادَةٍ اسْتُحِبَّ لَهُ التَّحَوُّلُ مِنْهُ، وَمِنْهُ أَمْرُ النَّاعِسِ فِي سَمَاعِ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالتَّحَوُّلِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَأْخِيرَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] (سُورَةُ طه: الْآيَةُ 14) وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَالْحَدِيثَ مَدَنِيٌّ فَكَيْفَ يَنْسَخُ الْمُتَقَدِّمُ الْمُتَأَخِّرَ؟ (فَرَكِبُوا حَتَّى خَرَجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي) فَسَارُوا غَيْرَ بَعِيدٍ. (ثُمَّ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْزِلُوا وَأَنْ يَتَوَضَّئُوا) وَفِي مُسْلِمٍ وَابْنِ إِسْحَاقَ: «ثُمَّ تَوَضَّأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوَضَّأَ النَّاسُ» . (وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ) يُؤَذِّنَ (بِالصَّلَاةِ أَوْ يُقِيمَ) بِالشَّكِّ ( «فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ» ) الصُّبْحَ (ثُمَّ انْصَرَفَ) الْتَفَتَ (إِلَيْهِمْ وَقَدْ رَأَى مِنْ) أَيْ بَعْضَ (فَزَعِهِمْ) أَسَفًا عَلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ. (فَقَالَ:) مُؤْنِسًا لَهُمْ بِأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَمَّدُوهُ، كَمَا آنَسَهُمْ قَبْلَ الِارْتِحَالِ لَمَّا شَكُوا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ فَقَالَ: " «لَا ضَيْرَ أَوْ لَا يَضِيرُ» ". وَفِي مُسْتَخْرَجِ أَبِي نُعَيْمٍ: " «لَا يَسُوءُ وَلَا يَضِيرُ» ". وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «وَرَكِبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَكِبْنَا مَعَهُ فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ: مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا؟ فَقَالَ: " أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى» ". ( «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا» ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ذِي مِخْبَرٍ: ثُمَّ رَدَّهَا إِلَيْنَا فَصَلَّيْنَا. وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: «إِنَّ هَذِهِ الْأَرْوَاحَ عَارِيَةٌ فِي أَجْسَادِ الْعِبَادِ يَقْبِضُهَا وَيُرْسِلُهَا إِذَا شَاءَ» . ( «وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ» ) وَقْتٍ (غَيْرِ هَذَا) قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي كُلِّ جَسَدٍ رُوحَانِ: رُوحُ الْيَقَظَةِ الَّتِي أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي الْجَسَدِ كَانَ الْإِنْسَانُ مُسْتَيْقِظًا فَإِذَا نَامَ خَرَجَتْ مِنْهُ وَرَأَتِ الرُّوحُ الْمَنَامَاتِ، وَرُوحُ الْحَيَاةِ الَّتِي أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ حَيٌّ فَإِذَا فَارَقَتْهُ مَاتَ فَإِذَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ حَيِيَ، وَهَاتَانِ الرُّوحَانِ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ لَا يَعْلَمُ مَقَرَّهُمَا إِلَّا مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَهْمًا كَجَنِينَيْنِ فِي بَطْنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ: وَلَا يَبْعُدُ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ الرُّوحُ فِي الْقَلْبِ، وَيَدُلُّ عَلَى وُجُودِ رُوحَيِ الْحَيَاةِ وَالْيَقَظَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ} [الزمر: 42] (سُورَةُ الزُّمَرِ: الْآيَةُ 42) تَقْدِيرُهُ: وَيَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ أَجْسَادُهَا فِي مَنَامِهَا، فَيُمْسِكُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الْأَنْفُسَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ عِنْدَهُ وَلَا يُرْسِلُهَا إِلَى أَجْسَادِهَا وَيُرْسِلُ الْأَنْفُسَ الْأُخْرَى وَهِيَ أَنْفُسُ الْيَقَظَةِ إِلَى أَجْسَادِهَا إِلَى انْقِضَاءِ أَجَلٍ مُسَمًّى وَهُوَ أَجَلُ الْمَوْتِ، فَحِينَئِذٍ يَقْبِضُ أَرْوَاحَ الْحَيَاةِ وَأَرْوَاحَ الْيَقَظَةِ جَمِيعًا مِنَ الْأَجْسَادِ. ( «فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا ثُمَّ فَزِعَ) » قَامَ (إِلَيْهَا فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَوْ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ لَا تَنَامُوا عَنْهَا لَمْ تَنَامُوا وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ فَهَكَذَا لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَلَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا: " مَا يَسُرُّنِي بِهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " يَعْنِي الرُّخْصَةَ، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَسْرُوقٍ: " مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ " (ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ خَيْرِ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ بِإِجْمَاعٍ وَالْمُقَدَّمِ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ بِلَا دِفَاعٍ، مَنَاقِبُهُ جَمَّةٌ ( «فَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي» ) نَفْلًا بِالسَّحَرِ ( «فَأَضْجَعَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُهَدِّيهِ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَهْلُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بِلَا هَمْزٍ وَأَصْلُهَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْهَمْزُ، وَقَالَ فِي الْمَطَالِعِ: هُوَ بِالْهَمْزِ أَيْ يُسْكِّنُهُ وَيُنَوِّمُهُ مِنْ هَدَّأْتُ الصَّبِيَّ إِذَا وَضَعْتَ يَدَكَ عَلَيْهِ لِيَنَامَ، وَرَوَاهُ الْمُهَلَّبُ بِلَا هَمْزٍ عَلَى التَّسْهِيلِ، وَيُقَالُ أَيْضًا: يَهْدِنُهُ بِالنُّونِ، وَرُوِيَ: يُهَدْهِدُهُ مِنْ هَدْهَدَتِ الْأُمُّ وَلَدَهَا لِيَنَامَ أَيْ حَرَّكَتْهُ. ( «كَمَا يُهَدَّى الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ» ) بِلَالٌ ( «ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَخْبَرَ بِلَالٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ» ) وَفِيهِ تَأْنِيسٌ لِبِلَالٍ وَاعْتِذَارٌ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ. ( «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ» ) لِمَا شَاهَدَ مِنَ الْمُعْجِزَةِ الْبَاهِرَةِ وَهِيَ إِخْبَارُهُ بِمَا صَنَعَ الشَّيْطَانُ بِبِلَالٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 [بَاب النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْهَاجِرَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ»   7 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بِالْهَاجِرَةِ وَهِيَ نِصْفُ النَّهَارِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالنَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَفْهُومِ أَحَادِيثِ الْبَابِ. 27 - 27 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:) هَذَا مُرْسَلٌ يُقَوِّيهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَّصِلَةُ الَّتِي رَوَاهَا مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَقَوْلُ الْبَوْنِيِّ: قَدَّمَ الْمُرْسَلَ عَلَى الْحَدِيثِ بَعْدَهُ وَهُوَ مُسْنَدٌ لِأَنَّهُ يَرَاهُمَا سَوَاءً إِذْ لَا يَرْوِي عَنْ غَيْرِ عَدْلٍ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الرَّاوِي إِذَا تَرَكَ ذِكْرَ مَنْ رَوَى عَنْهُ أَقْوَى لِأَنَّهُ اسْتَقَلَّ بِعِلْمِ حَالِهِ مَنْ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ وَكَلَهُ إِلَى مَنْ نَقَلَهُ إِلَيْهِمْ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ حَكَاهُ فِي أَوَّلِ التَّمْهِيدِ. (إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ (جَهَنَّمَ) أَيْ مِنْ سَعَةِ انْتِشَارِهَا وَتَنَفُّسِهَا وَمِنْهُ مَكَانٌ أَفْيَحُ أَيْ مُتَّسِعٌ وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ اسْتَعَارِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَثَارَ وَهَجِ الْحَرِّ فِي الْأَرْضِ مِنْ فَيْحِهَا حَقِيقَةً وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ هُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَيْ كَأَنَّهُ نَارُ جَهَنَّمَ فِي الْحَرِّ فَاجْتَنِبُوا ضَرَرَهُ، قَالَ عِيَاضٌ: كِلَا الْحَمْلَيْنِ ظَاهِرٌ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: اشْتَكَتْ. . . إِلَخْ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّهُ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَجَهَنَّمُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ عِنْدَ أَكْثَرِ النُّحَاةِ، وَقِيلَ عَرَبِيٌّ وَلَمْ يُصْرَفْ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبُعْدِ قَعْرِهَا كَمَا فِي الْمُحْكَمِ. (فَإِذَا اشْتَدَّ) أَصْلُهُ اشْتَدَدَ بِوَزْنِ افْتَعَلَ مِنَ الشِّدَّةِ ثُمَّ أُدْغِمَتْ إِحْدَى الدَّالَيْنِ فِي الْأُخْرَى (الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ أَخِّرُوا إِلَى أَنْ يَبْرُدَ الْوَقْتُ، يُقَالُ: أَبْرَدَ إِذَا دَخَلَ فِي الْبَرْدِ، وَأَظْهَرَ إِذَا دَخَلَ فِي الظَّهِيرَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَكَانِ أَنْجَدَ وَأَتْهَمَ إِذَا دَخَلَ نَجْدًا وَتِهَامَةَ. (عَنِ الصَّلَاةِ) أَيْ بِالصَّلَاةِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَعَنْ تَأْتِي بِمَعْنَى الْبَاءِ كَرَمَيْتُ عَنِ الْقَوْسِ أَيْ بِهِ، قَالَهُ عِيَاضٌ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ، قَالَ عِيَاضٌ: أَوْ زَائِدَةٌ أَيْ أَبْرِدُوا الصَّلَاةَ يُقَالُ: أَبْرَدَ الرَّجُلُ كَذَا إِذَا فَعَلَهُ فِي بَرْدِ النَّهَارِ وَاخْتَارَهُ فِي الْقَبَسِ، أَوْ لِلْمُجَاوَزَةِ أَيْ تَجَاوَزُوا عَنْ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ إِلَى أَنْ تَنْكَسِرَ شِدَّةُ الْحَرِّ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَيْ تَأَخَّرُوا عَنِ الصَّلَاةِ مُبْرِدِينَ أَيْ دَاخِلِينَ فِي وَقْتِ الْإِبْرَادِ. (وَقَالَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا» ) حَقِيقَةً بِلِسَانِ الْمَقَالِ الحديث: 27 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ( «فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا» ) رَبُّهَا تَعَالَى (بِنَفَسَيْنِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ تَثْنِيَةُ نَفَسٍ وَهُوَ مَا يَدْخُلُ فِي الْجَوْفِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ مِنَ الْهَوَاءِ، فَشَبَّهَ الْخَارِجَ مِنْ حَرَارَتِهَا وَبَرْدِهَا إِلَى الدُّنْيَا بِالنَّفَسِ الْخَارِجِ مِنْ جَوْفِ الْحَيَوَانِ، وَقِيلَ: شَكْوَاهَا مَجَازٌ بِلِسَانِ الْحَالِ، أَوْ تَكَلَّمَ خَازِنُهَا أَوْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ وَنَظَائِرُ، وَالْأَرْجَحُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، أَنْطَقَهَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وَقَالَ عِيَاضٌ: إِنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْحَيَاةِ بِجُزْءٍ مِنْهَا حَتَّى تَتَكَلَّمَ أَوْ يَخْلُقَ لَهَا كَلَامًا يَسْمَعُهُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا إِحَالَةَ فِي حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَإِذَا أَخْبَرَ الصَّادِقُ بِأَمْرٍ جَائِزٍ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى تَأْوِيلِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَوْلَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ الْحَقِيقَةُ، وَجَعَلَ اللَّهُ فِيهَا إِدْرَاكًا وَتَمْيِيزًا بِحَيْثُ تَكَلَّمَتْ، وَقَالَ بِهَذَا نَحْوِهِ التُّورِبِشْتِيُّ، وَرَجَّحَ الْبَيْضَاوِيُّ الْمَجَازَ فَقَالَ: شَكْوَاهَا مَجَازٌ عَنْ غَلَيَانِهَا، وَأَكْلُ بَعْضِهَا بَعْضًا مَجَازٌ عَنِ ازْدِحَامِ أَجْزَائِهَا، وَتَنَفُّسُهَا مَجَازٌ عَنْ خُرُوجِ مَا يَبْرُزُ مِنْهَا. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: الْمُخْتَارُ الْحَقِيقَةُ لِصَلَاحِيَةِ الْقُدْرَةِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ اسْتِعَارَةَ الْكَلَامِ لِلْحَالِ وَإِنْ عُهِدَتْ وَسُمِعَتْ لَكِنَّ الشَّكْوَى وَتَفْسِيرَهَا وَالتَّعْلِيلَ لَهُ وَالْإِذْنَ وَالْقَبُولَ وَالنَّفَسَ وَقَصْرَهُ عَلَى اثْنَيْنِ فَقَطْ بَعِيدٌ مِنَ الْمَجَازِ خَارِجٌ عَمَّا أُلِفَ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ. (فِي كُلِّ عَامٍ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ) هُمَا بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ أَوِ الْبَيَانِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِتَقْدِيرِ أَحَدُهُمَا وَالنُّصْبُ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وَحَدَّثَنَا مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَذَكَرَ أَنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إِلَى رَبِّهَا فَأَذِنَ لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ»   28 - 28 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ وَزَايٍ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ الْمَقْبُرِيِّ الْأَعْوَرِ، ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ. (مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ) بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيِّ الْمَخْزُومِيِّ ابْنِ أَخِي أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ زَوْجِ أُمِّ سَلَمَةَ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ: فِي صُحْبَتِهِ نَظَرٌ، وَأَشَارَ فِي الْإِصَابَةِ إِلَى تَرْجِيحِ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ. (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) إِسْمَاعِيلَ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ أَوِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ. (وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ) بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ ثَوْبٍ الْعَامِرِيِّ عَامِرِ قُرَيْشٍ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مِنْ أَوَاسِطِ التَّابِعِينَ. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا» ) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الحديث: 28 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وَكَسْرِ الرَّاءِ بِخِلَافِ حَدِيثِ: " «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ» " فَإِنَّهُ بِوَصْلِ الْأَلِفِ لِأَنَّهُ ثُلَاثِيٌّ مِنْ بَرَدَ الْمَاءُ حَرَارَةَ جَوْفِي. (عَنِ الصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا الَّتِي يَشْتَدُّ الْحَرُّ غَالِبًا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ: أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا أَفَادَهُ الْإِمَامُ فِي التَّرْجَمَةِ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الصَّلَاةَ عَلَى عُمُومِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُعَرَّفَ يَعُمُّ فَقَالَ بِهِ أَشْهَبُ فِي الْعَصْرِ وَأَحْمَدُ فِي الْعِشَاءِ فِي الصَّيْفِ دُونَ الشِّتَاءِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فِي الْمَغْرِبِ وَلَا فِي الصُّبْحِ لِضِيقِ وَقْتِهِمَا. ( «فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ) تَعْلِيلٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْإِبْرَادِ، وَحِكْمَتُهُ دَفْعُ الْمَشَقَّةِ لِأَنَّهَا تَسْلُبُ الْخُشُوعَ وَهَذَا أَظْهَرُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا السَّاعَةُ الَّتِي يَنْتَشِرُ فِيهَا الْعَذَابُ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تُسْجَرُ فِيهَا جَهَنَّمُ» " وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَظِنَّةُ وُجُودِ الرَّحْمَةِ فَفِعْلُهَا مَظِنَّةُ طَرْدِ الْعَذَابِ فَكَيْفَ أَمَرَ بِتَرْكِهَا؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ إِذَا جَاءَ مِنَ الشَّارِعِ وَجَبَ قَبُولُهُ وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ مَعْنَاهُ، وَاسْتَنْبَطَ لَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ مَعْنًى مُنَاسِبًا فَقَالَ: وَقْتُ ظُهُورِ أَثَرِ الْغَضَبِ لَا يَنْجَعُ فِيهِ الطَّلَبُ إِلَّا مِمَّنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ، وَالصَّلَاةُ لَا تَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهَا طَلَبًا وَدُعَاءً فَنَاسَبَ الْإِقْصَارُ حِينَئِذٍ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الشَّفَاعَةِ حَيْثُ اعْتَذَرَ الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ لِلْأُمَمِ بِأَنَّ اللَّهَ غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ سِوَى نَبِيِّنَا فَلَمْ يَعْتَذِرْ بَلْ طَلَبَ لِأَنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: سَجْرُ جَهَنَّمَ سَبَبُ فَيْحِهَا، وَفَيْحُهَا سَبَبُ وُجُودِ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَهُوَ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ سَلْبِ الْخُشُوعِ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُصَلَّى فِيهَا، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ سَجْرَهَا مُسْتَمِرٌّ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَالْإِبْرَادُ مُخْتَصٌّ بِشِدَّةِ الْحَرِّ فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ، فَحِكْمَةُ الْإِبْرَادِ دَفْعُ الْمَشَقَّةِ، وَحِكْمَةُ التَّرْكِ وَقْتَ سَجْرِهَا لِكَوْنِهِ فِي وَقْتِ ظُهُورِ أَثَرِ الْغَضَبِ قَالَهُ الْحَافِظُ، وَاسْتِدْرَاكُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنِ الِاخْتِصَاصِ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ مِنْ نَدْبِ الْإِبْرَادِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَيُزَادُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ فَلَا اسْتِدْرَاكَ. (وَذَكَرَ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَوَهِمَ مَنْ جَعَلَهُ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ مُعَلَّقًا، وَقَدْ أَفْرَدَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ ( «أَنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إِلَى رَبِّهَا» ) حَقِيقَةً بِلِسَانِ الْمَقَالِ كَمَا رَجَّحَهُ مِنْ فُحُولِ الرِّجَالِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَابْنُ الْمُنِيرِ وَالتُّورِبِشْتِيُّ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ سِوَى مَا يَخْطُرُ لِلْوَاهِمِ مِنَ الْخَيَالِ. ( «فَأَذِنَ لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ بِنَفَسَيْنِ» ) تَثْنِيَةُ نَفَسٍ بِالْفَتْحِ ( «نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ» ) الرِّوَايَةُ بِجَرِّ نَفَسٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِذْ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: " «فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ» " أَيْ وَهُوَ شِدَّةُ الْبَرْدِ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «قَالَتِ النَّارُ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأْذَنْ لِي أَتَنَفَّسُ فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ وَزَمْهَرِيرٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ، وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرٍّ أَوْ حَرُورٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ» " قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّهَا إِذَا تَنَفَّسَتْ فِي الصَّيْفِ قَوَّى لَهَبُ تَنَفُّسِهَا حَرَّ الشَّمْسِ، وَإِذَا تَنَفَّسَتْ فِي الشِّتَاءِ دَفَعَ حَرُّهَا شِدَّةَ الْبَرْدِ إِلَى الْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَفْظُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَفَسَهَا فِي الشِّتَاءِ غَيْرُ الشِّتَاءِ وَنَفَسَهَا فِي الصَّيْفِ غَيْرُ الصَّيْفِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: إِنْ قِيلَ كَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْبَرْدِ وَالْحَرِّ فِي النَّارِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ جَهَنَّمَ فِيهَا زَوَايَا فِيهَا نَارٌ وَزَوَايَا فِيهَا زَمْهَرِيرٌ وَلَيْسَتْ مَحَلًّا وَاحِدًا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَجْتَمِعَا فِيهِ. وَقَالَ مُغَلْطَايُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الَّذِي خَلَقَ الْمُلْكَ مِنْ ثَلْجٍ وَنَارٍ قَادِرٌ عَلَى جَمْعِ الضِّدَّيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ. وَأَيْضًا فَالنَّارُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ لَا تُقَاسُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ جَهَنَّمَ مُطْبِقَةٌ مُحَاطٌ عَلَيْهَا بِجِسْمٍ يَكْتَنِفُهَا مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِيهَا، وَالْحِكْمَةُ فِي التَّنْفِيسِ عَنْهَا إِعْلَامُ الْخَلْقِ بِأُنْمُوذَجٍ مِنْهَا. انْتَهَى. وَفِي الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " «تَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ جَهَنَّمَ فِي قَرْنِ شَيْطَانٍ وَبَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ فَمَا تَرْتَفِعُ مِنْ قَصَبَةٍ إِلَّا فُتِحَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا كُلُّهَا» ". قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّنَفُّسَ يَقَعُ مِنْ أَبْوَابِهَا، وَعَلَى أَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ حَقِيقَةً. انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ فَذَكَرَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ»   29 - 29 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ الْقُرَشِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، يُكَنَّى بِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ جَعْفَرٍ، وَلَقِيَ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ وَعَنْ خَلْقٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَهُوَ مِمَّنْ سُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ، وَكَانَ يَغْضَبُ مِمَّنْ يُلَقِّبُهُ بِأَبِي الزِّنَادِ. وَقَالَ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ: رَأَيْتُ أَبَا الزِّنَادِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ وَمَعَهُ مِنَ الْأَتْبَاعِ مِثْلُ مَا مَعَ السُّلْطَانِ، فَمِنْ سَائِلٍ عَنْ فَرِيضَةٍ وَعَنِ الْحِسَابِ وَعَنِ الشِّعْرِ وَعَنِ الْحَدِيثِ وَعَنْ مُعْضِلَةٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: رَأَيْتُ أَبَا الزِّنَادِ وَخَلْفَهُ ثَلَاثُمِائَةِ تَابِعٍ مِنْ طَالِبِ فِقْهٍ وَعِلْمٍ وَشِعْرٍ وَصُنُوفِ الْعِلْمِ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ بَعْدَهَا. (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) وَهَذَا الْإِسْنَادُ مِنَ الْأَسَانِيدِ الْمَوْصُوفَةِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَصَحُّ أَسَانِيدِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ» ) قَالَ فِي الْقَبَسِ: لَيْسَ لِلْإِبْرَادِ فِي الشَّرِيعَةِ تَحْدِيدٌ إِلَّا مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «كَانَ قَدْرُ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّيْفِ ثَلَاثَةَ أَقْدَامٍ إِلَى الحديث: 29 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 خَمْسَةِ أَقْدَامٍ، وَفِي الشِّتَاءِ خَمْسَةَ أَقْدَامٍ إِلَى سَبْعَةِ أَقْدَامٍ» " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ: وَذَلِكَ بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ، فَلَعَلَّ الْإِبْرَادَ كَانَ رَيْثَمَا يَكُونُ لِلْجِدَارِ ظِلٌّ يَأْوِي إِلَيْهِ الْمُجْتَازُ. انْتَهَى. وَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: أَمْرُ إِرْشَادٍ، وَقِيلَ: لِلْوُجُوبِ. حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ فَنَقَلَ الْكِرْمَانِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ غَفْلَةً وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَالتَّعْجِيلُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيِّ لَكِنْ خَصَّهُ أَيْضًا بِالْبَلَدِ الْحَارِّ، وَقَيَّدَ الْجَمَاعَةَ بِمَا إِذَا كَانُوا يَنْتَابُونَ مَسْجِدًا مِنْ بُعْدٍ، فَلَوْ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ أَوْ كَانَ الْمُنْتَابُونَ فِي كُنٍّ فَالْأَفْضَلُ لَهُمُ التَّعْجِيلُ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ التَّسْوِيَةُ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا قَيْدٍ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَالْكُوفِيِّينَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ تَعْجِيلَ الظُّهْرِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا، وَقَالُوا: مَعْنَى أَبْرِدُوا صَلُّوا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَخْذًا مِنْ بَرْدِ النَّهَارِ وَهُوَ أَوَّلُهُ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ: ( «فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ) فَإِنَّ التَّعْجِيلَ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ التَّأْخِيرُ، وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: " «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَبْرِدْ " حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَالْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ خَبَّابٍ: " «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْ لَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا. وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضْلِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَبِأَنَّ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ أَكْثَرُ مَشَقَّةً فَيَكُونُ أَفْضَلَ. وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ خَبَّابٍ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ طَلَبُوا تَأْخِيرًا زَائِدًا عَنْ وَقْتِ الْإِبْرَادِ وَهُوَ زَوَالُ حَرِّ الرَّمْضَاءِ وَذَلِكَ قَدْ يَسْتَلْزِمُ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُجِبْهُمْ أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِأَحَادِيثِ الْإِبْرَادِ فَإِنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الطَّحَاوِيُّ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ: " «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ ثُمَّ قَالَ لَنَا: " أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» " الْحَدِيثَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَنَقَلَ الْخَلَّالُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ هَذَا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْإِبْرَادَ رُخْصَةٌ وَالتَّعْجِيلَ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ أَمْرُ إِرْشَادٍ، وَعَكَسَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: الْإِبْرَادُ أَفْضَلُ، وَحَدِيثُ خَبَّابٍ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَهُوَ الصَّارِفُ لِلْأَمْرِ عَنِ الْوُجُوبِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ مَنْعُ التَّأْخِيرِ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِ خَبَّابٍ فَلَمْ يُشْكِنَا لَمْ يُحْوِجْنَا إِلَى شَكْوَى بَلْ أَذِنَ لَنَا فِي الْإِبْرَادِ، حُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ وَيَرُدُّهُ أَنَّ فِي الْخَبَرِ زِيَادَةً رَوَاهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَلَمْ يُشْكِنَا وَقَالَ: " إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَصَلُّوا " وَأَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ كَمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ: الْأَوَّلُ. وَالْجَوَابُ عَنْ أَحَادِيثِ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَنَّهَا عَامَّةٌ أَوْ مُطْلَقَةٌ، وَالْأَمْرُ بِالْإِبْرَادِ خَاصٌّ وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَنْ قَالَ: التَّعْجِيلُ أَكْثَرُ مَشَقَّةً فَيَكُونُ أَفْضَلَ لِأَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْشِقِّ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْأَخَفُّ أَفْضَلَ، كَقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 [بَاب النَّهْيِ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِرِيحِ الثُّومِ وَتَغْطِيَةِ الْفَمِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ»   8 - بَابُ النَّهْيِ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِرِيحِ الثُّومِ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ مَا دَامَتْ رِيحُهَا مَوْجُودَةً، وَوَقَعَ لِابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ قَالَ: يُمْنَعُ مِنْهُ ثَلَاثًا، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ: " «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الْخَبِيثَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا ثَلَاثًا» " وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلِ أَيْ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ وُجُودُ الرَّائِحَةِ وَهُوَ لَا تَبْقَى هَذِهِ الْمُدَّةُ (وَ) النَّهْيُ عَنْ (تَغْطِيَةِ الْفَمِ) فِي الصَّلَاةِ كَذَا فِي النُّسَخِ الْقَدِيمَةِ وَبِهِ يَظْهَرُ مُطَابَقَةُ أَثَرِ سَالِمٍ لِلتَّرْجَمَةِ وَسَقَطَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ فَأَشْكَلَتِ الْمُطَابَقَةُ. 30 - 30 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:) أَرْسَلَهُ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ كُلُّهُمْ إِلَّا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ فَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ مَوْصُولًا فَزَادَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» ) يَعْنِي الثُّومَ وَفِيهِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ لُغَةً أَنَّ الشَّجَرَ مَا لَهُ سَاقٌ وَمَا لَا سَاقَ لَهُ فَنَجْمٌ وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] (سُورَةُ الرَّحْمَنِ: الْآيَةُ 6) وَمِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ قَالَ: مَا نَبَتَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْأَرْضِ يُخْلِفُ مَا قُطِعَ مِنْهُ فَشَجَرٌ، وَإِلَّا فَنْجَمٌ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إِطْلَاقُ الشَّجَرِ عَلَى الثُّومِ، وَالْعَامَّةُ لَا تَعْرِفُ الشَّجَرَ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ سَاقٌ. انْتَهَى. وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ فَكُلُّ نَجْمٍ شَجَرٌ وَلَا عَكْسَ كَالنَّخْلِ وَالشَّجَرِ فَكُلُّ نَخْلٍ شَجَرٌ وَلَا عَكْسَ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ أَكْلِ الثُّومِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " مَنْ أَكَلَ " لَفْظُ إِبَاحَةٍ. وَرَدَّهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ إِنَّمَا تُعْطِي الْوُجُودَ لَا الْحُكْمَ، أَيْ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الْأَكْلُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مُبَاحًا أَمْ لَا. وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا» . ( «فَلَا يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا» ) أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، فَالْجَمْعُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَرِوَايَةِ أَحْمَدَ فَيَشْمَلُ جَمِيعَ الْمَسَاجِدِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ: خَاصٌّ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ لِأَجْلِ نُزُولِ جِبْرِيلَ فِيهِ وَلِرِوَايَةِ (مَسْجِدَنَا) بِالْإِفْرَادِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ لِرِوَايَةِ الْجَمْعِ، وَالْمَلَائِكَةُ تَحْضُرُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَالْعِلَّةُ التَّأَذِّي حَتَّى لِلْبَشَرِ كَمَا قَالَ: (يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ، زَادَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ بَطَّالٍ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَضَعَّفَهُ. وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: هَلِ النَّهْيُ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَاصَّةً أَوْ فِي الْمَسَاجِدِ؟ الحديث: 30 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 قَالَ: بَلْ فِي الْمَسَاجِدِ، وَقِيلَ: أَرَادَ مَسْجِدَهُ الَّذِي أَعَدَّهُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكَأَنَّهُ تَشَبَّثَ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ الثُّومِ يَوْمَ خَيْبَرَ» " وَمِثْلُ الثُّومِ الْبَصَلُ وَالْكُرَّاثُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ. وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ عَنْ مَالِكٍ الْفُجْلُ إِنْ ظَهَرَ رِيحُهُ فَكَالثُّومِ، وَقَيَّدَهُ عِيَاضٌ بِالْجُشَاءِ، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ الصَّغِيرِ النَّصُّ عَلَى الْفُجْلِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ رَاشِدٍ ضَعِيفٌ، وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ مَنْ بِفَمِهِ بَخْرٌ أَوْ بِهِ جُرْحٌ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، وَزَادَ غَيْرُهُ: أَصْحَابُ الصَّنَائِعِ الْكَرِيهَاتِ كَالسَّمَّاكِ، وَأَصْحَابُ الْعَاهَاتِ كَالْمَجْذُومِ وَمَنْ يُؤْذِي النَّاسَ بِلِسَانِهِ. ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَذَلِكَ كُلُّهُ تَوَسُّعٌ غَيْرُ مُرْضٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: أَلْحَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمَجْذُومَ وَغَيْرَهُ بِآكِلِ الثُّومِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ آكِلَهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ هَذَا الْمَانِعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَالْمَجْذُومُ عِلَّتُهُ سَمَاوِيَّةٌ، قَالَ: لَكِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى التَّسْوِيَةِ. وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ رَأَى قَوْلَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّرْجَمَةِ قَوْلَ النَّبِيِّ. . . إِلَخْ، فَظَنَّهُ لَفْظُ حَدِيثٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مِنْ تَفَقُّهِ الْبُخَارِيِّ وَتَجْوِيزِهِ لِذِكْرِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى، وَحُكْمُ رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا حُكْمُهُ فَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا وَجَدَ رِيحَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ مَنْ وُجِدَتْ مِنْهُ إِلَى الْبَقِيعِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إِذَا رَأَى الْإِنْسَانَ يُغَطِّي فَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي جَبَذَ الثَّوْبَ عَنْ فِيهِ جَبْذًا شَدِيدًا حَتَّى يَنْزِعَهُ عَنْ فِيهِ   31 - 31 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَسَالِمٍ وَعَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمَا، وَوَثَّقَهُ الْفَلَّاسُ وَغَيْرُهُ، قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: الْمُجَبَّرُ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ: الْمُجَبَّرُ لِأَنَّهُ سَقَطَ فَتَكَسَّرَ فَجُبِّرَ. وَقَالَ ابْنُ مَاكُولَا: لَا يُعْرَفُ فِي الرُّوَاةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَلَاثَةٌ فِي نَسَقٍ إِلَّا هَذَا، وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصْغَرِ مَاتَ وَهُوَ حَمْلٌ فَلَمَّا وُلِدَ سَمَّتْهُ حَفْصَةُ بِاسْمِ أَبِيهِ وَقَالَتْ: لَعَلَّ اللَّهَ يَجْبُرُهُ. وَقَالَ فِي الِاسْتِيعَابِ: كَانَ لِعُمَرَ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ كُلُّهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَكْبَرُهُمْ صَحَابِيٌّ. وَالثَّانِي يُكَنَّى أَبَا شَحْمَةَ وَهُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ أَبُوهُ فِي الْخَمْرِ. وَالثَّالِثُ وَالِدُ الْمُجَبَّرِ بِالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ. (أَنَّهُ كَانَ يَرَى سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عُمَرَ أَحَدَ الْفُقَهَاءِ (إِذَا رَأَى الْإِنْسَانَ يُغَطِّي فَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي جَبَذَ الثَّوْبَ عَنْ فِيهِ جَبْذًا) بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ (شَدِيدًا) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي تَعْلِيمِهِ (حَتَّى يَنْزِعَهُ عَنْ فِيهِ) قَالَ الْمَجْدُ: الْجَبْذُ الْجَذْبُ وَلَيْسَ مَقْلُوبَهُ بَلْ لُغَةً صَحِيحَةً، وَوَهِمَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ كَالِاجْتِبَاذِ، وَالْفِعْلُ كَضَرَبَ فَفِعْلُ سَالِمٍ وَهُوَ مِنَ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَرَاهَةَ تَغْطِيَةِ الْفَمِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ أَمْرًا مُقَرَّرًا عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ. الحديث: 31 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 [كِتَاب الطَّهَارَةِ] [بَاب الْعَمَلِ فِي الْوُضُوءِ] ِ بَاب الْعَمَلِ فِي الْوُضُوءِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ نَعَمْ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ»   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 2 - كِتَابُ الطَّهَارَةِ. 1 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الْوُضُوءِ بِالضَّمِّ الْفِعْلُ وَالْفَتْحِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، وَحُكِيَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْأَمْرَانِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَضَاءَةِ الْحُسْنِ وَالنَّظَافَةِ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَتَنَظَّفُ بِهِ فَيَصِيرُ وَضِيئًا، وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: التَّقْدِيمُ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثِينَ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْأَمْرُ عَلَى عُمُومِهِ بِلَا تَقْدِيرِ حَذْفٍ إِلَّا أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ عَلَى الْإِيجَابِ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى النَّدْبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ عَلَى الْإِيجَابِ ثُمَّ صَارَ مَنْدُوبًا، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ فَلَمَّا شَقَّ عَلَيْهِ وُضِعَ عَنْهُ الْوُضُوءُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ» " وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ كُلَّ صَلَاةٍ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ صَلَّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّكَ فَعَلْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ قَالَ: عَمْدًا فَعَلْتُهُ» " أَيْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَتَمَسَّكَ بِالْآيَةِ مَنْ قَالَ: أَوَّلُ مَا فُرِضَ الْوُضُوءُ بِالْمَدِينَةِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اتِّفَاقَ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ فُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ وَهُوَ بِمَكَّةَ كَمَا فُرِضَتِ الصَّلَاةُ وَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ إِلَّا بِوُضُوءٍ، قَالَ: وَهَذَا لَا يَجْهَلُهُ عَالِمٌ. وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ: أَهْلُ السُّنَّةِ بِهِمْ حَاجَةٌ إِلَى دَلِيلِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْوُضُوءَ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَتْ: هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ تَعَاهَدُوا لِيَقْتُلُوكَ فَقَالَ: " ائْتُونِي بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ» " الْحَدِيثَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا يَصْلُحُ رَدًّا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَهُ حِينَئِذٍ، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ الْجَهْمِ الْمَالِكِيُّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مَنْدُوبًا، وَجَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ فِي مُغَازِيهِ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ: " أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوُضُوءَ عِنْدَ نُزُولِهِ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ " وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَوَصَلَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ زَيْدًا وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ رِوَايَةُ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَاسْتَدَلَّ الْحَلِيمِيُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنِ الْبُخَارِيِّ فِي قِصَّةِ سَارَةَ مَعَ الْمَلِكِ الَّذِي أَعْطَاهَا هَاجَرَ أَنَّ سَارَةَ لَمَّا هَمَّ الْمَلِكُ بِالدُّنُوِّ مِنْهَا قَامَتْ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي. وَفِي قِصَّةِ جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ أَنَّهُ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ كَلَّمَ الْغُلَامَ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي اخْتُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ هُوَ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ لَا أَصْلُ الْوُضُوءِ، وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرُكُمْ تَرِدُونَ عَلَى الْحَوْضِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» " وَسِيمَا بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ عَلَامَةٌ، وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْحَلِيمِيِّ بِحَدِيثِ: " «هَذَا وُضُوئِيِّ وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي» " وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِضَعْفِهِ، وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ دُونَ أُمَمِهِمْ إِلَّا هَذِهِ الْأُمَّةَ. 32 - 32 - (مَالِكٌ عَنْ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ) بِكَسْرِ الزَّايِ مِنْ بَنِي مَازِنٍ الْبُخَارِيِّ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِيهِ) يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ ابْنِ أَبِي حَسَنٍ وَاسْمُهُ تَمِيمُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ وَلِأَبِي حَسَنٍ صُحْبَةٌ وَكَذَا لِعُمَارَةَ فِيمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فِيهِ نَظَرٌ (أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمِ) بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ صَحَابِيٍّ شَهِيرٍ رَوَى صِفَةَ الْوُضُوءِ وَعِدَّةَ أَحَادِيثَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا، فِيمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ وَابْنُ مَنْدَهْ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: شَهِدَ أُحُدًا وَغَيْرَهَا وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، وَيُقَالُ: إِنَّهُ الَّذِي قَتَلَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْحَرَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَسَمَّى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ جَدَّهُ عَبْدَ رَبِّهِ فَغَلَّطَهُ الْحُفَّاظُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ، لِأَنَّهُمَا صَحَابِيَّانِ مُتَغَايِرَانِ أَحَدُهُمَا جَدُّهُ عَاصِمٌ وَهُوَ رَاوِيِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْآخَرُ جَدُّهُ عَبْدُ رَبِّهِ رَاوِيِ حَدِيثِ الْأَذَانِ، وَقَدْ قِيلَ: لَا يُعْرَفُ لَهُ سِوَاهُ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى غَلَطِ ابْنِ عُيَيْنَةَ الْبُخَارِيُّ، وَقَدِ اخْتَلَفَ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ فِي تَعْيِينِ السَّائِلِ، فَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى كَمَا تَرَى أَنَّهُ يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ وَوَافَقَهُ الْقَعْنَبِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى الْقَزَّازِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ أَبَا حَسَنٍ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ، وَكَذَا سَاقَهُ سَحْنُونٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَرَوَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ وَأَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بِإِبْهَامِ السَّائِلِ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ قَالَ: شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ، وَجَمَعَ الْحُفَّاظُ بِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَبُو حَسَنٍ الحديث: 32 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُهُ عَمْرٌو وَابْنُ ابْنِهِ يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ فَسَأَلُوهُ عَنْ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَتَوَلَّى السُّؤَالَ مِنْهُمْ لَهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي حَسَنٍ فَحَيْثُ نُسِبَ السُّؤَالُ إِلَيْهِ كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَمِّي يَعْنِي عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ يُكْثِرُ الْوُضُوءَ فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: أَخْبِرْنِي، فَذَكَرَهُ، وَحَيْثُ نُسِبَ السُّؤَالُ إِلَى أَبِي حَسَنٍ فَعَلَى الْمَجَازِ لِكَوْنِهِ الْأَكْبَرَ وَكَانَ حَاضِرًا، وَحَيْثُ نُسِبَ السُّؤَالُ لِيَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ فَعَلَى الْمَجَازِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ نَاقِلَ الْحَدِيثِ وَقَدْ حَضَرَ السُّؤَالَ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِكَوْنِهِمُ اتَّفَقُوا عَلَى سُؤَالِهِ لَكِنَّ مُتَوَلِّيَهُ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ أَبِي حَسَنٍ، وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا رِوَايَةُ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: كُنْتُ كَثِيرَ الْوُضُوءِ فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ (وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَانْفَرَدَ بِهِ مَالِكٌ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ جَدُّ عَمْرٍو، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذَا وَهْمٌ قَبِيحٌ مِنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى أَوْ غَيْرِهِ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّ ابْنَ وَضَّاحٍ سُئِلَ عَنْهُ وَكَانَ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ فَقَالَ هُوَ جَدُّهُ لِأُمِّهِ، وَرَحِمَ اللَّهُ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ وَوَقَفَ دُونَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَكَيْفَ جَازَ هَذَا عَلَى ابْنِ وَضَّاحٍ؟ وَالصَّوَابُ فِي الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي كَانَ يُقْرِيهَا وَيَرْوِيهَا عَنْ سَحْنُونٍ وَهِيَ بَيْنُ يَدَيْهِ يَنْظُرُ فِيهَا كُلَّ حِينٍ، قَالَ: وَصَوَابُ الْحَدِيثِ مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَسَنٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى. وَقَالَ الْحَافِظُ: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلرَّجُلِ الْقَائِلِ الثَّابِتِ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، فَإِنْ كَانَ أَبُو حَسَنٍ فَهُوَ جَدُّ عَمْرٍو حَقِيقَةً، أَوِ ابْنُهُ عَمْرٌو فَمَجَازٌ لِأَنَّهُ عَمُّ أَبِيهِ يَحْيَى فَسَمَّاهُ جَدًّا لِأَنَّهُ فِي مَنْزِلَتِهِ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ ضَمِيرَ " وَهُوَ " لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ جَدًّا لِعَمْرِو بْنِ يَحْيَى لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَمَالِ وَمَنْ تَبِعَهُ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى ابْنِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ غَلَطٌ تَوَهَّمَهُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ أُمَّ عَمْرٍو حُمَيْدَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ أُمُّ النُّعْمَانِ بِنْتُ أَبِي حَبَّةَ. (وَكَانَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ (مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَمُّ عَمْرٍو فَقَالَ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَأَخْطَأَ فِيهِ، إِنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَهُمَا صَحَابِيَّانِ مُتَغَايِرَانِ وَهِمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِيهِمَا فَجَعَلَهُمَا وَاحِدًا، وَالْغَلَطُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَإِذَا كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَعَ جَلَالَتِهِ غَلِطَ فِي ذَلِكَ فَإِسْمَاعِيلُ أَيْنَ يَقَعُ مِنْهُ إِلَّا أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْسَعُ عِلْمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَأَقَلُّ عُذْرًا. (هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي) أَيْ أَرِنِي، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ مُلَاطَفَةُ الطَّالِبِ لِلشَّيْخِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْإِرَاءَةَ بِالْفِعْلِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي التَّعْلِيمِ، وَسَبَبُ الِاسْتِفْهَامِ مَا قَامَ عِنْدَهُ مِنِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ ذَلِكَ لِبُعْدِ الْعَهْدِ. (كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ) لِلصَّلَاةِ. (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ: نَعَمْ) أَسْتَطِيعُ (فَدَعَا بِوَضُوءٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ: فَدَعَا بِمَاءٍ، وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، بِفَوْقِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ، قَدَحٌ أَوْ إِنَاءٌ يُشْرَبُ مِنْهُ أَوِ الطَّسْتُ أَوْ شِبْهُ الطَّسْتِ أَوْ مِثْلُ الْقِدْرِ يَكُونُ مِنْ صُفْرٍ أَوْ حِجَارَةٍ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: " «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْرَجْنَا لَهُ فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ» " بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تُكْسَرُ صِنْفٌ مِنْ جَيِّدِ النُّحَاسِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا الشَّبَهَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الذَّهَبَ، وَالتَّوْرُ الْمَذْكُورُ هُوَ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ إِذْ سُئِلَ عَنْ صِفَةِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي حِكَايَةِ صُورَةِ الْحَالِ عَلَى وَجْهِهَا. (فَأَفْرَغَ) أَيْ صَبَّ يُقَالُ: أَفْرَغَ وَفَرَّغَ لُغَتَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمُحْكَمِ (عَلَى يَدِهِ) زَادَ أَبُو مُصْعَبٍ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ الْيَمَنِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ بِالتَّثْنِيَةِ، فَالتَّقْدِيرُ عَلَى إِحْدَى يَدَيْهِ أَوِ الْمُرَادُ بِالْيَدِ جِنْسُهَا فَيَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ مَعْنًى. (فَغَسَلَ يَدَيْهِ) بِالتَّثْنِيَةِ لِجُمْهُورِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ " يَدَهُ " بِالْإِفْرَادِ عَلَى الْجِنْسِ فَيَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ، وَقَدْ رَوَاهُ وُهَيْبٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ: " يَدَيْهِ " بِالتَّثْنِيَةِ (مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) قَالَ الْحَافِظُ: كَذَا لِمَالِكٍ وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَكَذَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثَلَاثًا وَهَؤُلَاءِ حُفَّاظٌ وَقَدِ اجْتَمَعُوا فَزِيَادَتُهُمْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَافِظِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ عَنْ وُهَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مَرَّتَيْنِ مِنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى إِمْلَاءً فَتَأَكَّدَ تَرْجِيحُ رِوَايَتِهِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى وَاقِعَتَيْنِ لِاتِّحَادِ الْمُخَرِّجِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ، وَفِيهِ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ إِدْخَالِهَا الْإِنَاءَ وَلَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ نَوْمٍ، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَالْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ هُنَا الْكَفَّانِ لَا غَيْرَ. (ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ) كَذَا لِيَحْيَى وَلِأَبِي مُصْعَبٍ بَدَلُهُ وَاسْتَنْشَقَ، فَأَطْلَقَ الِاسْتِنْثَارَ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ بِلَا عَكْسٍ، وَفِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ: فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ فَجَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ غَيْرُ الِاسْتِنْثَارِ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَهُوَ إِخْرَاجُ الْمَاءِ مِنَ الْأَنْفِ بَعْدَ الِاسْتِنْشَاقِ وَهُوَ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى دَاخِلِ الْأَنْفِ وَجَذْبُهُ بِالنَّفَسِ إِلَى أَقْصَاهُ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَابْنِ قُتَيْبَةَ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. (ثَلَاثًا) زَادَ وُهَيْبٌ بِثَلَاثِ غُرُفَاتٍ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِنْ كُلِّ غُرْفَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، بِخِلَافِ رِوَايَةِ وُهَيْبٍ فَيَطْرُقُهَا احْتِمَالُ التَّوْزِيعِ بِلَا تَسْوِيَةٍ، قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ. (ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا) لَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ، وَيَلْزَمُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ تَعْمِيمِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ - يَعْنِي كَمَالِكٍ وَتَبِعَهُ الْبُخَارِيُّ - أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ لِلْإِتْيَانِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ فِي الْجَمِيعِ، لِأَنَّ كِلَا الْحُكْمَيْنِ مُجْمَلٌ فِي الْآيَةِ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ بِالْفِعْلِ، كَذَا قَالَ الْحَافِظُ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ، لِأَنَّ إِسْقَاطَ الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ: مَسَحَ رَأْسَهُ، مَعَ كَوْنِهَا فِي الْآيَةِ ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِ مَسْحِ جَمِيعِهِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ أَكَّدَهُ فِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ كُلِّهِ، بِخِلَافِ لَفْظِ ثُمَّ لَا يُفِيدُ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ بَلْ يَتَحَقَّقُ بِالسُّنَّةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ التَّثْلِيثَ وَنَحْوَهُ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ فِي الْآيَةِ أَيْضًا. (ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) بِالتَّكْرَارِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَرَّتَيْنِ لِكِلْتَا الْيَدَيْنِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: الْمَنْقُولُ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ أَسْمَاءَ الْأَعْدَادِ وَالْمَصَادِرَ وَالْأَجْنَاسَ إِذَا كُرِّرَتْ كَانَ الْمُرَادُ حُصُولَهَا مُكَرَّرَةً لَا التَّأْكِيدَ اللَّفْظِيَّ فَإِنَّهُ قَلِيلُ الْفَائِدَةِ لَا يَحْسُنُ حَيْثُ يَكُونُ لِلْكَلَامِ مَحْمَلٌ غَيْرُهُ، مِثَالُ ذَلِكَ: جَاءَ الْقَوْمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَوْ رَجُلًا رَجُلًا، وَضَرَبْتُهُ ضَرْبًا ضَرْبًا أَيِ اثْنَيْنِ بَعْدَ اثْنَيْنِ، وَرَجُلًا بَعْدَ رَجُلٍ، وَضَرْبًا بَعْدَ ضَرْبٍ، قَالَ: وَهَذَا مِنْهُ أَيْ غَسْلِهِمَا مَرَّتَيْنِ بَعْدَ مَرَّتَيْنِ، أَيْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْغَسْلِ مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: لَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ مَرَّتَيْنِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَبَّانَ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ. وَفِيهِ وَغَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا ثُمَّ الْأُخْرَى ثَلَاثًا» . فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وُضُوءٌ آخَرُ لِاخْتِلَافِ مُخَرِّجِ الْحَدِيثَيْنِ. (إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) تَثْنِيَةُ مِرْفَقٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَهُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ فِي آخِرِ الذِّرَاعِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُرْتَفَقُ بِهِ فِي الِاتِّكَاءِ وَنَحْوِهِ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى دُخُولِهِمَا فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِأَنَّ " إِلَى " فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى " مَعَ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 2) وَرَدَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَرِينَةَ دَلَّتْ عَلَيْهِ وَهِيَ أَنَّ مَا بَعْدَ إِلَى مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: الْيَدُ يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ إِلَى الْإِبِطِ لِحَدِيثِ عَمَّارٍ أَنَّهُ تَيَمَّمَ إِلَى الْإِبِطِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَلَمَّا جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 6) مَغْسُولًا مَعَ الذِّرَاعَيْنِ بِحَقِّ الِاسْمِ. انْتَهَى. فَإِلَى هُنَا حَدٌّ لِلْمَتْرُوكِ لَا لِلْمَغْسُولِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَفْظُ إِلَى يُفِيدُ مَعْنَى الْغَايَةِ مُطْلَقًا، فَأَمَّا دُخُولُهَا فِي الْحُكْمِ وَخُرُوجُهَا فَأَمْرٌ يَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) دَلِيلُ عَدَمِ دُخُولِهِ النَّهْيُ عَنِ الْوِصَالِ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: حَفِظْتُ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ دَلِيلُ الدُّخُولِ كَوْنُ الْكَلَامِ مَسُوقًا لِحِفْظِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 جَمِيعِ الْقُرْآنِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، قَالَ: فَأَخَذَ الْعُلَمَاءُ بِالِاحْتِيَاطِ، وَوَقَفَ زُفَرُ مَعَ الْمُتَيَقَّنِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لِدُخُولِهِمَا بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عُثْمَانَ: " فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ حَتَّى مَسَّ أَطْرَافَ الْعَضُدَيْنِ " وَفِيهِ عَنْ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ» " وَفِي الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: " «ثُمَّ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يُجَاوِزَ الْمِرْفَقَ» ". وَفِي الطَّحَاوِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: " «ثُمَّ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يَسِيلَ الْمَاءُ عَلَى مِرْفَقَيْهِ» " فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: إِلَى فِي الْآيَةِ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْغَايَةِ وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مَعَ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي إِيجَابِ دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، فَعَلَى هَذَا فَزُفَرُ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ، وَكَذَا مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ صَرِيحًا وَإِنَّمَا حَكَى عَنْهُ أَشْهَبُ كَلَامًا مُحْتَمَلًا. (ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ) زَادَ ابْنُ الطَّبَّاعِ كُلَّهُ، وَلِأَبِي مُصْعَبٍ بِرَأْسِهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ فَيَجُوزُ حَذْفُهَا وَإِثْبَاتُهَا لِذَلِكَ، يُقَالُ: مَسَحْتُ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَمَسَحْتُ بِرَأْسِهِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا دَخَلَتِ الْبَاءُ لِتُفِيدَ مَعْنًى بَدِيعًا وَهُوَ أَنَّ الْغَسْلَ لُغَةً يَقْتَضِي مَغْسُولًا بِهِ وَالْمَسْحَ لَا يَقْتَضِي مَمْسُوحًا بِهِ، فَلَوْ قِيلَ: (رُءُوسَكُمْ) لَأَجْزَأَ الْمَسْحُ بِالْيَدِ إِمْرَارًا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ عَلَى الرَّأْسِ فَدَخَلَتِ الْبَاءُ لِتُفِيدَ مَمْسُوحًا بِهِ وَهُوَ الْمَاءُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمُ الْمَاءَ وَذَلِكَ فَصِيحٌ فِي اللُّغَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ، إِمَّا عَلَى الْقَلْبِ كَمَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ: كَنَوَاحِ رِيشِ حَمَامَةٍ نَجْدِيَّةٍ ... وَمَسَحْتُ بِاللِّثتَيْنِ عَصْفَ الْإِثْمِدِ وَاللِّثَةُ هِيَ الْمَمْسُوحَةُ بِعَصْفِ الْإِثْمِدِ، وَإِمَّا عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّسَاوِي فِي مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ: مِثْلُ الْقَنَافِذِ هَذَا جَوْنٌ قَدْ بَلَغَتْ ... نَجْرَانَ أَوْ بَلَغَتْ سَوْءَاتُهُمْ هَجَرْ انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنِ الرَّجُلِ يَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ فِي وُضُوئِهِ أَيُجْزِيهِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: " «مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وُضُوئِهِ مِنْ نَاصِيَتِهِ إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّ يَدَيْهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ فَمَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ» " فَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْآيَةِ مُحْتَمِلًا مَسْحَ الْكُلِّ فَالْبَاءُ زَائِدَةٌ أَوِ الْبَعْضِ فَتَبْعِيضِيَّةٌ، فَقَدْ تَبَيَّنَ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ إِلَّا فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ «مَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ لِعُذْرٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِمَسْحِ النَّاصِيَةِ حَتَّى مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَسْحُ كُلِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الرَّأْسِ وَاجِبًا مَا مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَاحْتِجَاجُ الْمُخَالِفِ بِمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنِ الِاكْتِفَاءِ بِمَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِنْكَارُ ذَلِكَ لَا يَنْهَضُ إِذِ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ لَا يَجِبُ إِنْكَارُهُ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ فَهُوَ رَأْيٌ لَهُ فَلَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ (بِيَدَيْهِ) بِالتَّثْنِيَةِ (فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ) قَالَ عِيَاضٌ: قِيلَ: مَعْنَاهُ أَقْبَلَ إِلَى جِهَةِ قَفَاهُ وَرَجَعَ كَمَا فَسَّرَ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَدْبَرَ وَأَقْبَلَ وَالْوَاوُ لَا تُعْطِي رُتْبَةً، قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى وَيُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ وُهَيْبٍ فِي الْبُخَارِيِّ: فَأَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ. وَفِي مُسْلِمٍ: «مَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ وَمَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ وَصُدْغَيْهِ» . (بَدَأَ) أَيِ ابْتَدَأَ (بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ) بِفَتْحِ الدَّالِّ مُشَدَّدَةً وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَالتَّخْفِيفُ وَكَذَا مُؤَخَّرٌ. (ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ) بِالْقَصْرِ وَحُكِيَ مَدُّهُ وَهُوَ قَلِيلٌ مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ، وَفِي الْمُحْكَمِ وَرَاءَ الْعُنُقِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. ( «ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ» ) لِيَسْتَوْعِبَ جِهَتِي الشَّعْرِ بِالْمَسْحِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَ التَّعْمِيمَ أَنَّ الْأُولَى وَاجِبَةٌ وَالثَّانِيَةَ سُنَّةٌ، وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ: بَدَأَ. . . . إِلَخْ، عَطْفُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَدْخُلِ الْوَاوُ عَلَى بَدَأَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ مُدْرَجًا مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ فَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِمُؤَخَّرِ الرَّأْسِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مُقَدِّمَةٍ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَأَدْبَرَ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ، فَلَمْ يَكُنْ فِي ظَاهِرِهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْبَالَ وَالْإِدْبَارَ مِنَ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ وَلَمْ يُعَيَّنْ مَا أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَلَا مَا أَدْبَرَ عَنْهُ، وَمَخْرَجُ الطَّرِيقَيْنِ مُتَّحِدٌ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَعَيَّنَتْ رِوَايَةُ مَالِكٍ الْبُدَاءَةَ بِالْمُقَدَّمِ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: أَقْبَلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ بِابْتِدَائِهِ أَيْ بَدَأَ بِقُبُلِ الرَّأْسِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا الْحَدِيثَ فَذَكَرَ فِيهِ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ خَطَأٌ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، قَالَ: وَأَظُنُّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ الْإِقْبَالَ مَرَّةً وَالْإِدْبَارَ أُخْرَى. (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ) إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَالْبَحْثُ فِيهِ كَالْبَحْثِ فِي إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْكَعْبَيْنِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ. وَحَكَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ الْعَظْمُ الَّذِي فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي تَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَقَدْ أَكْثَرُوا مِنَ الرَّدِّ عَلَى الثَّانِي، وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ فِيهِ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الصَّحِيحُ فِي صِفَةِ الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يَلْزَقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ هَذَا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمْ يَجِئْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لِلْأُذُنَيْنِ ذِكْرٌ وَيُمْكِنُ أَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ اسْمَ الرَّأْسِ يَعُمُّهُمَا، وَرَدَّهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّ الْحَاكِمَ وَالْبَيْهَقِيَّ رَوَيَا مِنْ حَدِيثِهِ وَصَحَّحَاهُ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ فَأَخَذَ مَاءً لِأُذُنَيْهِ خِلَافَ الْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ» " وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لِيَنْثِرْ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ»   33 - 33 الحديث: 33 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَبِالنُّونِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو الزِّنَادِ لَقَبٌ وَكَانَ يَغْضَبُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى مُلَازِمِ النَّارِ لَكِنَّهُ اشْتُهِرَ بِهِ لِجَوْدَةِ ذِهْنِهِ وَحِدَّةِ فَهْمِهِ كَأَنَّهُ نَارٌ مُوقَدَةٌ. (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ أَوْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا تَوَضَّأَ) أَيْ إِذَا شَرَعَ فِي الْوُضُوءِ (أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ) مَاءً كَمَا فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ وَابْنِ بُكَيْرٍ وَأَكْثَرِ الرُّوَاةِ، وَكَذَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى، وَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ فِي الْبُخَارِيِّ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو: لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنَ الْخِطَابِ فَإِنَّ الْمَجْعُولَ فِي أَنْفِهِ إِذَا تَوَضَّأَ إِنَّمَا هُوَ مَاءٌ وَلِذَا قَالَ: " ثُمَّ لِيَنْثِرَ " بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ النُّونِ السَّاكِنَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَفِي الصَّحِيحِ " ثُمَّ لِيَنْتَثِرَ " بِزِيَادَةِ تَاءٍ، وَفِي النَّسَائِيِّ: " ثُمَّ لِيَسْتَنْثِرَ " بِزِيَادَةِ سِينٍ وَتَاءٍ كَذَا قَالَ السُّيُوطِيُّ، وَفِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ: " لِيَنْتَثِرَ " كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالْأَصِيلِيِّ بِوَزْنِ يَفْتَعِلُ، وَلِغَيْرِهِمَا ثُمَّ لِيَنْثُرَ بِمُثَلَّثَةٍ مَضْمُومَةٍ بَعْدَ النُّونِ السَّاكِنَةِ وَالرِّوَايَتَانِ لِأَصْحَابِ الْمُوَطَّأِ أَيْضًا، قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ: نَثَرَ الرَّجُلُ وَانْتَثَرَ. وَاسْتَنْثَرَ إِذَا حَرَّكَ النَّثْرَةَ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ فِي الطَّهَارَةِ. انْتَهَى. فَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ السُّيُوطِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَا فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ فِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ مِنَ النَّثْرِ وَهُوَ الطَّرْحُ وَهُوَ هُنَا طَرْحُ الْمَاءِ الَّذِي تَنْشَّقَ مِنْهُ قَبْلُ لِيُخْرِجَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ قَذَرِ الْأَنْفِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: نَثَرَ يَنْثِرُ بِالْكَسْرِ إِذَا امْتَخَطَ، وَاسْتَنْثَرَ اسْتَفْعَلَ مِنْهُ أَيِ اسْتَنْشَقَ الْمَاءَ ثُمَّ اسْتَخْرَجَ مَا فِي الْأَنْفِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ عَدَدًا وَقَدْ زَادَ سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وِتْرًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. ( «وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» ) أَيِ اسْتَعْمَلَ الْجِمَارَ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الصِّغَارُ فِي الِاسْتِجْمَارِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْبَخُورِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ: تَجَمَّرَ وَاسْتَجْمَرَ، حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو لَا يَصِحُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْهُ خِلَافَهُ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ مَنْ نَفَى وُجُوبَ الِاسْتِنْجَاءِ لِلْإِتْيَانِ فِيهِ بِحَرْفِ الشَّرْطِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا مُقْتَضَاهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَوْ بِالْأَحْجَارِ قَالَهُ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْإِكْمَالِ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: الِاسْتِجْمَارُ الْمَسْحُ بِالْجِمَارِ وَهِيَ الْأَحْجَارُ الصِّغَارُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حِجَارَةُ الرَّمْيِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: يَجُوزُ أَنَّهُ أُخِذَ مِنَ الِاسْتِجْمَارِ بِالْبَخُورِ الَّذِي تَطِيبُ بِهِ الرَّائِحَةُ وَهَذَا يُزِيلُ الرَّائِحَةَ الْقَبِيحَةَ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي مَعْنَى الِاسْتِجْمَارِ فِي الْحَدِيثِ فَقِيلَ هَذَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ فِي الْبَخُورِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ ثَلَاثَ قِطَعٍ أَوْ يَأْخُذَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَسْتَعْمِلُ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْثِرُ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ   34 - 34 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ) اسْمُهُ عَائِذُ اللَّهِ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ، ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ وَسَمِعَ كِبَارَ الصَّحَابَةِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَ عَالِمَ الشَّامِ بَعْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَقَالَ مَكْحُولٌ: مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ مِنْهُ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ» ) بِأَنْ يُخْرِجَ مَا فِي أَنْفِهِ بَعْدَ الِاسْتِنْشَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْقِيَةِ مَجْرَى النَّفَسِ الَّذِي بِهِ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ وَبِإِزَالَةِ مَا فِيهِ مِنَ الثِّقَلِ تَصِحُّ مَخَارِجُ الْحُرُوفِ، وَفِيهِ طَرْدُ الشَّيْطَانِ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ " «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ» " أَيْ أَعْلَى أَنْفِهِ، وَنَوْمُهُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ أَوِ اسْتِعَارَةٌ لِأَنَّ مَا يَنْعَقِدُ مِنَ الْغُبَارِ وَرُطُوبَةِ الْخَيَاشِيمِ قَذَارَةٌ تُوَافِقُ الشَّيْطَانَ فَهُوَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي نِسْبَةِ الْمُسْتَخْبَثِ وَالْمُسْتَبْشَعِ إِلَى الشَّيْطَانِ، أَوْ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ تَكْسِيلِهِ عَنِ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهَلْ مَبِيتُهُ لِعُمُومِ النَّائِمِينَ أَوْ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَحْتَرِسُ بِهِ فِي مَنَامِهِ كَقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، الْأَقْرَبُ الثَّانِي، قَالَ الْحَافِظُ: وَظَاهِرُ الْأَمْرِ فِيهِ الْوُجُوبُ فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْشَاقِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمَا أَنْ يَقُولَ بِهِ فِي الِاسْتِنْثَارِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُغْنِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الِاسْتِنْشَاقِ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالِاسْتِنْثَارِ. وَصَرَّحَ ابْنُ بَطَّالٍ بِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْثَارِ، وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلنَّدْبِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ: " «تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ» " حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فَأَحَالَهُ عَلَى الْآيَةِ وَلَيْسَ فِيهَا اسْتِنْشَاقٌ وَلَا اسْتِنْثَارٌ، وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِالْأَمْرِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ آيَةِ الْوُضُوءِ فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِاتِّبَاعِ نَبِيِّهِ، وَلَمْ يَحْكِ أَحَدٌ مِمَّنْ وَصَفَ وُضُوءَهُ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ أَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِنْشَاقَ بَلْ وَلَا الْمَضْمَضَةَ، وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْمَضْمَضَةَ أَيْضًا. وَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَحْتَجَّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِنْشَاقِ مَعَ صِحَّةِ الْأَمْرِ بِهِ إِلَّا لِكَوْنِهِ لَا يَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ تَارِكَهُ لَا يُعِيدُ، وَهَذَا دَلِيلٌ فِقْهِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يُحْفَظُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ إِلَّا عَطَاءٍ وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنِ الْإِعَادَةِ. انْتَهَى. ( «وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» ) نَدْبًا لِزِيَادَةِ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: " «مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا الحديث: 34 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 حَرَجَ» " وَبِهَذَا أَخَذَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُدُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي أَنَّ الْإِيتَارَ مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ لَا شَرْطَ، وَلَا يُخَالِفُهُ حَدِيثُ سَلْمَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: " «لَا يَسْتَنْجِ أَحَدُكُمْ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» لِحِمْلِهِ عَلَى الْكَمَالِ " وَكَذَا أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لِأَنَّهُ شَرْطٌ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ لِتَصْرِيحِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ، وَبِهِ حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَحَمْلُهُ عَلَى الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثَةِ إِنْ لَمْ تُنَقِّ تَحَكُّمٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. (قَالَ يَحْيَى) بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ (سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْثِرُ مِنْ غُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ) فِي السِّتِّ مَرَّاتٍ (أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ خِلَافَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ قَدْ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَسْبِغْ الْوُضُوءَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ   34 - 35 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ شَقِيقَ عَائِشَةَ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ إِلَى قُبَيْلِ الْفَتْحِ وَشَهِدَ الْيَمَامَةَ وَالْفُتُوحَ قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَقِيلَ: خَمْسٍ، وَقِيلَ: سِتٍّ حَكَاهَا أَبُو نُعَيْمٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: سَنَةَ تِسْعٍ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: سَنَةَ ثَمَانٍ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مَاتَ قَبْلَ عَائِشَةَ وَبَعْدَ سَعْدٍ. انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ يُؤَيِّدُهُ مَعَ لَحْظِ الْمَشْهُورِ فِي وَفَاةِ سَعْدٍ وَهُوَ صَادِقٌ حَتَّى بِالسَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا سَعْدٌ، وَهَذَا الْبَلَاغُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَلَغَ الْإِمَامَ مِنْ تِلْمِيذِهِ ابْنِ وَهْبٍ أَوْ مِنْ مَخْرَمَةَ، فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَيْضًا عَنْ حَيْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى شَدَّادٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ يَوْمَ تُوُفِّيَ سَعْدٌ. (فَدَخَلَ) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ (عَلَى عَائِشَةَ) أُخْتِهِ (زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ مَاتَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكِ بْنِ وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ الزُّهْرِيُّ أَحَدُ الْعَشْرَةِ وَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَاتَ بِالْعَقِيقِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ. (فَدَعَا بِوَضُوءٍ) أَيْ بِمَا يُتَوَضَّأُ بِهِ (فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَسْبِغِ الْوُضُوءَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنَ الْإِسْبَاغِ وَهُوَ إِبْلَاغُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 مَوَاضِعَهُ وَإِيفَاءُ كُلِّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَكَأَنَّهَا رَأَتْ مِنْهُ تَقْصِيرًا أَوْ خَشِيَتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ. (فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: وَيْلٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ هَلَكَةٌ وَخَيْبَةٌ. وَقَالَ الْحَافِظُ: اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ، أَظْهَرُهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: " «وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ» " (لِلْأَعْقَابِ) جَمْعُ عَقِبٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِهَا وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ (مِنَ النَّارِ) قَالَ الْبَغَوِيُّ: مَعْنَاهُ لِأَصْحَابِ الْأَعْقَابِ الْمُقَصِّرِينَ فِي غَسْلِهَا، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ الْعَقِبَ يَخْتَصُّ بِالْعِقَابِ إِذَا قُصِّرَ فِي غَسْلِهَا، زَادَ عِيَاضٌ: فَإِنَّ مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ لَا تَمَسُّهَا النَّارُ كَمَا فِي أَثَرِ السُّجُودِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى النَّارِ، وَيَلْحَقُ بِالْأَعْقَابِ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ الَّتِي قَدْ يَحْصُلُ التَّسَاهُلُ فِي إِسْبَاغِهَا، وَإِنَّمَا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِصُورَةِ السَّبَبِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ: " «تَخَلَّفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنَّا فِي سُفْرَةٍ فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الْعَصْرُ فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ مَرْفُوعًا: " «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ وَرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَصَحُّهَا مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَمْرٍو يَعْنِي وَهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جُزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ وَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ رَوَاهُ، ثُمَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ فَهُوَ مَدَنِيٌّ حَسَنٌ. انْتَهَى. وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ كَمَا عُلِمَ، وَفِيهِ أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ وَاجِبٌ إِذْ لَوْ أَجْزَأَ الْمَسْحُ لَمَا تَوَعَّدَ بِالنَّارِ، فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الشِّيعَةِ الْوَاجِبُ الْمَسْحُ لَظَاهِرِ قَوْلِهِ: {وَأَرْجُلِكُمْ} [المائدة: 6] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 6) بِالْخَفْضِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ، وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صِفَةِ وُضُوئِهِ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْمُبَيِّنُ لِأَمْرِ اللَّهِ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ مُطَوَّلًا: ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ. وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافَ ذَلِكَ إِلَّا عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَثَبَتَ عَنْهُمُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْمَسْحَ مَنْسُوخٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَحْلَاءَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَتَوَضَّأُ بِالْمَاءِ لِمَا تَحْتَ إِزَارِهِ قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ فَنَسِيَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ أَوْ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ وَجْهَهُ فَقَالَ أَمَّا الَّذِي غَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ فَلْيُمَضْمِضْ وَلَا يُعِدْ غَسْلَ وَجْهِهِ وَأَمَّا الَّذِي غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ فَلْيَغْسِلْ وَجْهَهُ ثُمَّ لْيُعِدْ غَسْلَ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يَكُونَ غَسْلُهُمَا بَعْدَ وَجْهِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي مَكَانِهِ أَوْ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْثِرَ حَتَّى صَلَّى قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ وَلْيُمَضْمِضْ وَيَسْتَنْثِرْ مَا يَسْتَقْبِلُ إِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ   37 - 36 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَحْلَاءَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَمْدُودٌ الْمَدَنِيُّ التَّيْمِيُّ مَوْلَاهُمْ أَخِي يَعْقُوبَ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعُثْمَانَ الْمَذْكُورِ، وَعَنْهُ مَالِكٌ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ التَّابِعِينَ. (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الحديث: 37 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. (أَنَّ أَبَاهُ) عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ التَّيْمِيَّ، صَحَابِيٌّ قُتِلَ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ ابْنُ أَخِي طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَحَدُ الْعَشَرَةِ. (حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) يَقُولُ: (يَتَوَضَّأُ) أَيْ يَتَطَهَّرُ (بِالْمَاءِ لِمَا تَحْتَ إِزَارِهِ) كِنَايَةٌ عَنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ تَأَدُّبًا أَيْ إِنَّهُ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِالْحَجَرِ، وَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا أَفْضَلُ، رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَزَّارُ عَنْ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ فَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ فِي قِصَّةِ مَسْجِدِكُمْ فَمَا هَذَا الطُّهُورُ الَّذِي تَطَّهَّرُونَ بِهِ؟ " قَالُوا: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَعْلَمُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لَنَا جِيرَانٌ مِنَ الْيَهُودِ فَكَانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ مِنَ الْغَائِطِ فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا» . وَفِي حَدِيثِ الْبَزَّارِ «فَقَالُوا: نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ بِالْمَاءِ فَقَالَ: " هُوَ ذَاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ» " وَكَأَنَّ الْإِمَامَ أَرَادَ بِذِكْرِ أَثَرِ عُمَرَ هَذَا الرَّدَّ عَلَى مَنْ كَرِهَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ. رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ فَقَالَ: إِذَنْ لَا يَزَالُ فِي يَدِي نَتْنٌ. وَعَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ. وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: مَا كُنَّا نَفْعَلُهُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَجِيءُ أَنَا وَغُلَامٌ مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ يَعْنِي يَسْتَنْجِي بِهِ» " وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: «مَعَنَا إِدَاوَةٌ فِيهَا مَاءٌ يَسْتَنْجِي مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَلِمُسْلِمٍ: " «فَخَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدِ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ» " وَلِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَيَغْسِلُ بِهِ» " وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ جَرِيرٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْغَيْضَةَ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَأَتَاهُ جَرِيرٌ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَاسْتَنْجَى بِهَا» " وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: " «مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَغْسِلُوا أَثَرَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ» " فَلَعَلَّ نَقْلَ ابْنِ التِّينِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ لَا يَصِحُّ عَنْهُ إِذْ هُوَ نَجَّمَ السُّنَنَ، مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَعْرُوفِ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمَاءَ أَفْضَلُ، وَأَفْضَلُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجَرِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ يَمْنَعُ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ ضَعِيفٌ. (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ فَنَسِيَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ أَوْ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ وَجْهَهُ) مَا حُكْمُهُ؟ (فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي غَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ فَلْيُمَضْمِضْ) فَاهُ (وَلَا يُعِدْ غَسْلَ وَجْهِهِ) لِأَنَّ تَرْتِيبَ السُّنَنِ مَعَ الْفَرَائِضِ مُسْتَحَبٌّ وَقَدْ فَاتَ. (وَأَمَّا الَّذِي غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ فَلْيَغْسِلْ وَجْهَهُ ثُمَّ لِيُعِدْ) عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ (غَسْلَ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يَكُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 غَسْلُهُمَا بَعْدَ وَجْهِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي مَكَانِهِ أَوْ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ) أَيْ بِقُرْبِهِ، فَإِنْ بَعُدَ بِأَنْ جَفَّتْ أَعْضَاؤُهُ أَعَادَ الْمُنَكَّسَ وَحْدَهُ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ ذِرَاعَيْهِ وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْفَرَائِضِ سُنَّةٌ. وَالنِّسْيَانُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي السُّؤَالِ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْثِرَ حَتَّى صَلَّى قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ) لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ فَمَا عَلَى تَارِكِهِمَا وَلَوْ عَمْدًا إِعَادَةٌ، وَقَيْدُ النِّسْيَانِ إِنَّمَا وَقَعَ فِي السُّؤَالِ. (وَلِيُمَضْمِضْ وَيَسْتَنْثِرْ مَا يَسْتَقْبِلُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ مِنَ الصَّلَوَاتِ (إِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ) بِهَذَا الْوُضُوءِ وَإِلَّا فَلَا إِعَادَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 [بَاب وُضُوءِ النَّائِمِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»   2 - بَابُ وُضُوءِ النَّائِمِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ 40 - 37 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ» ) نَدْبًا (يَدَهُ) بِالْإِفْرَادِ، زَادَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ ثَلَاثًا، وَفِي رِوَايَةٍ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ( «قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ» ) بِفَتْحِ الْوَاوِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ أَيْ فِي الْإِنَاءِ الْمُعَدِّ لِلْوُضُوءِ، وَلِمُسْلِمٍ فِي الْإِنَاءِ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ فِي إِنَائِهِ أَوْ وَضُوئِهِ عَلَى الشَّكِّ، وَلِمُسْلِمٍ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ: " «فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا» " وَهِيَ أَبْيَنُ فِي الْمُرَادِ مِنْ رِوَايَةِ الْإِدْخَالِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِدْخَالِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَرَاهَةٌ، كَمَنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي إِنَاءٍ فَاغْتَرَفَ مِنْهُ بِإِنَاءٍ صَغِيرٍ لَمْ يُلَامِسْ يَدَهُ الْمَاءُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِإِنَاءِ الْوَضُوءِ وَيَلْحَقُ بِهِ إِنَاءُ الْغُسْلِ وَكَذَا فِي الْآنِيَةِ قِيَاسًا لَكِنْ فِي الِاسْتِحْبَابِ بِلَا كَرَاهَةٍ لِعَدَمِ النَّهْيِ فِيهَا عَنْ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْإِنَاءِ الْبِرَكُ وَالْحِيَاضُ الَّتِي لَا تَفْسَدُ بِغَمْسِ الْيَدِ فِيهَا عَلَى تَقْدِيرِ نَجَاسَتِهَا فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لِلِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِالشَّكِّ فِي قَوْلِهِ: ( «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» ) أَيْ كَفُّهُ لَا مَا زَادَ الحديث: 40 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْهُ أَيْ مِنْ جَسَدِهِ، أَيْ هَلْ لَاقَتْ مَكَانًا طَاهِرًا مِنْهُ أَوْ نَجِسًا أَوْ بَثْرَةً أَوْ جُرْحًا أَوْ أَثَرَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ بَعْدَ بَلَلِ الْمَاءِ أَوِ الْيَدِ بِنَحْوِ عَرَقٍ، وَمُقْتَضَاهُ إِلْحَاقُ مَنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ وَلَوْ مُسْتَيْقِظًا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ دَرَى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ كَمَنْ لَفَّ عَلَيْهَا خِرْقَةً مَثَلًا فَاسْتَيْقَظَ وَهِيَ عَلَى حَالِهَا لَا كَرَاهَةَ وَإِنْ سُنَّ غَسْلُهَا كَالْمُسْتَيْقِظِ، وَمَنْ قَالَ الْأَمْرُ لِلتَّعَبُّدِ كَمَالِكٍ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ شَاكٍّ وَمُتَيَقِّنٍ، وَحَمَلَهُ أَحْمَدُ عَلَى الْوُجُوبِ فِي نَوْمِ اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ اسْتِحْبَابُهُ فِي نَوْمِ النَّهَارِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ غَمَسَ يَدَهُ لَمْ يَضُرَّ الْمَاءَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَالطَّبَرِيُّ: يُنَجَّسُ، لِأَمْرِهِ بِإِرَاقَتِهِ بِلَفْظِ: " «فَإِنْ غَمَسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا فَلْيُرِقْ ذَلِكَ الْمَاءَ» " لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَقَالَ: هَذِهِ زِيَادَةٌ مُنْكَرَةٌ لَا تُحْفَظُ، وَالْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ لِلْأَمْرِ عَنِ الْوُجُوبِ التَّعْلِيلُ بِأَمْرٍ يَقْتَضِي الشَّكَّ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي وُجُوبًا اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ، وَاحْتَجَّ أَبُو عَوَانَةَ بِوُضُوئِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الشَّنِّ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنَ اللَّيْلِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: أَحَدُكُمْ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِغَيْرِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ غَسْلُ يَدَيْهِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ فِي حَدِيثِ الْيَقَظَةِ فَبَعْدَ النَّوْمِ أَوْلَى وَيَكُونُ تَرْكُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا: فَلْيَغْسِلْهُمَا ثَلَاثًا. وَفِي رِوَايَةٍ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَدَدِ فِي غَيْرِ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى السُّنِّيَّةِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: " «فَلَا يَضَعُ يَدَهُ فِي الْوَضُوءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا» " وَالنَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ فَإِنْ تَرَكَ كُرِهَ، وَهَذَا لِمَنْ قَامَ مِنَ النَّوْمِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ، وَهَذَا حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، أَمَّا الْمُسْتَيْقِظُ فَيَطْلُبُ بِالْفِعْلِ وَلَا يُكْرَهُ التَّرْكُ لِعَدَمِ وُرُودِ نَهْيٍ عَنْهُ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الْأَمْرِ بِذَلِكَ احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ لِأَنَّ الشَّارِعَ إِذَا ذَكَرَ حُكْمًا وَعَقَّبَهُ بِعِلَّةٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِأَجْلِهَا، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْمُحْرِمِ الَّذِي سَقَطَ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا بَعْدَ نَهْيِهِمْ عَنْ تَطْييِبِهِ، فَنَبَّهَ عَلَى عِلَّةِ النَّهْيِ وَهِيَ كَوْنُهُ مُحْرِمًا، وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ: إِذَا ذَكَرَ الشَّارِعُ حُكْمًا وَعَقَّبَهُ أَمْرًا مُصَدَّرًا بِالْفَاءِ كَانَ ذَلِكَ إِيمَاءً إِلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِأَجْلِهِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ: " «الْهِرَّةُ لَيْسَتْ نَجِسَةً فَإِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» ". وَعُمُومُ قَوْلِهِ مِنْ نَوْمِهِ يَشْمَلُ النَّهَارَ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَخَصَّهُ أَحْمَدُ بِنَوْمِ اللَّيْلِ لِقَوْلِهِ: بَاتَتْ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيَاتِ بِاللَّيْلِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ وَجْهٍ: " «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ» " وَلِأَبِي عَوَانَةَ: " «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ» حِينَ يُصْبِحُ " لَكِنَّ التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي إِلْحَاقَ نَوْمِ النَّهَارِ بِنَوْمِ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا خَصَّهُ لِلْغَلَبَةِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْكَرَاهَةُ فِي الْغَمْسِ لِمَنْ نَامَ لَيْلًا أَشَدُّ لِمَنْ نَامَ نَهَارًا لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي نَوْمِ اللَّيْلِ أَقْرَبُ لِطُولِهِ عَادَةً. وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ جَابِرٍ: " «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ وَلَا عَلَى مَا وَضَعَهَا» " وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 أَوْ أَيْنَ كَانَتْ تَطُوفُ» " قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرْدِيدٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ بَاتَ بِمَعْنَى صَارَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا لِلْكَوْنِ لَيْلًا كَمَا قَالَهُ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ، وَاسْتَشْكَلَ هَذَا التَّرْكِيبُ بِأَنَّ انْتِفَاءَ الدِّرَايَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ: أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ، وَلَا بِمَعْنَاهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الِاسْتِفْهَامُ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ لَا يَدْرِي الِاسْتِفْهَامُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَدْرِي تَعْيِينَ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَاتَتْ فِيهِ يَدُهُ، فَفِيهِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ وَلَيْسَ اسْتِفْهَامًا وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَتِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ لَكِنَّهُ وَصَلَهُ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ: إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَقَالَ عَقِبَ فَلْيُوتِرْ: وَإِذَا اسْتَيْقَظَ، قَالَ الْحَافِظُ: فَاقْتَضَى سِيَاقُهُ أَنَّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُوَطَّأِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنَ الْمُوَطَّأِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ مُفَرَّقًا، وَكَذَا هُوَ فِي مُوَطَّأِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا فَرَّقَهُ الْأَسْمَاءُ عَلَى حَدِيثِ مَالِكٍ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْبُخَارِيُّ يَرَى جَمْعَ الْحَدِيثَيْنِ إِذَا اتَّحَدَ سَنَدُهُمَا فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ، كَمَا يَرَى جَوَازَ تَفْرِيقِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَمَلَ عَلَى حُكْمَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ. انْتَهَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ مُضْطَجِعًا فَلْيَتَوَضَّأْ   40 - 38 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ مُضْطَجِعًا فَلْيَتَوَضَّأْ) وُجُوبًا لِانْتِقَاضِ وُضُوئِهِ، وَهَذَا وَنَحْوُهُ مَحْمُولٌ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَا إِذَا كَانَ ثَقِيلًا وَلَوْ قَصُرَ لَا إِنْ خَفَّ إِلَّا أَنْ يَطُولَ فَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُ بِصِفَةِ النَّوْمِ لَا النَّائِمِ، وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ صِفَةَ النَّائِمِ لَا النَّوْمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُمْتُمْ مِنْ الْمَضَاجِعِ يَعْنِي النَّوْمَ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ رُعَافٍ وَلَا مِنْ دَمٍ وَلَا مِنْ قَيْحٍ يَسِيلُ مِنْ الْجَسَدِ وَلَا يَتَوَضَّأُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ دُبُرٍ أَوْ نَوْمٍ   41 - 39 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالتَّفْسِيرِ وَلَهُ كِتَابٌ فِيهِ (أَنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ) وَهِيَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 6) أَيْ مَعَهَا كَمَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ، فَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ. الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ الحديث: 41 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ» وَكَذَا الْإِجْمَاعُ كَمَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى زُفَرَ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا مَرَّ {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] أَيْ رُءُوسِكُمْ كُلِّهَا بِالْمَاءِ فَزِيدَتِ الْبَاءُ لِتُفِيدَ مَمْسُوحًا بِهِ {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَيْدِيكُمْ وَالْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] أَيْ مَعَهُمَا كَمَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ. (أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُمْتُمْ مِنَ الْمَضَاجِعِ يَعْنِي النَّوْمَ) وَهَذَا التَّفْسِيرُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَكْثَرِ السَّلَفِ أَنَّ التَّقْدِيرَ إِذَا قُمْتُمْ مُحْدِثِينَ، وَقِيلَ: لَا تَقْدِيرَ بَلِ الْأَمْرُ عَلَى عُمُومِهِ لَكِنَّهُ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ عَلَى الْإِيجَابِ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى النَّدْبِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ فَقِيلَ: يَجِبُ بِالْحَدَثِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا، وَقِيلَ: بِهِ وَبِالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ مَعًا وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِيلَ: بِالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ» " رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْآيَةِ إِيجَابَ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّئُوا لِأَجْلِهَا، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ: إِذَا رَأَيْتَ الْأَمِيرَ فَقُمْ لِأَجْلِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ) الْمَعْمُولُ بِهِ (عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (أَنَّهُ لَا يُتَوَضَّأُ مِنْ رُعَافٍ) خُرُوجِ الدَّمِ مِنَ الْأَنْفِ (وَلَا مِنْ دَمٍ) خَرَجَ مِنَ الْجَسَدِ وَلَوْ بِحِجَامَةٍ وَفَصْدٍ. (وَلَا مِنْ قَيْحٍ يَسِيلُ مِنَ الْجَسَدِ) وَفِي رِوَايَةٍ: " وَلَا مِنْ شَيْءٍ يَسِيلُ " وَهِيَ أَعَمُّ، وَسَوَاءٌ كَانَ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا، لِأَنَّ الْوُضُوءَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا يَنْتَقِضُ إِلَّا بِسُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ وَلَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ وَلَا إِجْمَاعٌ. (وَلَا يُتَوَضَّأُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرٍ) وَهُوَ الْبَوْلُ وَالْمَذْيُ وَالْمَنِيُّ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ. (أَوْ دُبُرٍ) وَهُوَ الْغَائِطُ وَالرِّيحُ وَلَوْ بِلَا صَوْتٍ. (أَوْ نَوْمٍ) ثَقِيلٍ زَادَ ابْنُ بُكَيْرٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ أَيْ لَمْسٍ بِلَذَّةٍ أَوْ قَصْدٍ، وَذَكَرَ النَّوْمَ مَعَ الْحَدَثِ لِأَنَّ النَّوْمَ إِذَا ثَقُلَ كَانَ مِنْ بَابِ الْحَدَثِ فِي الْأَغْلَبِ، وَكَذَا يُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ أَحْدَثِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ " فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فِسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِهِمَا تَنْبِيهًا بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَغْلَظِ، وَأَنَّهُ أَجَابَ السَّائِلَ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ فِي غَالِبِ الْأُمُورِ، وَإِلَّا فَالْحَدَثُ يُطْلَقُ عَلَى الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ، وَعَلَى نَفْسِ الْخُرُوجِ، وَعَلَى الْوَصْفِ الْحُكْمِيِّ الْمُقَدَّرِ قِيَامُهُ بِالْأَعْضَاءِ قِيَامَ الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ، وَعَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْعِبَادَةِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ جَعَلَ فِي الْحَدِيثِ الْوُضُوءَ رَافِعًا لِلْحَدَثِ فَلَا يَعْنِي بِهِ الْخَارِجَ وَلَا نَفْسَ الْخُرُوجِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ لَا يَرْتَفِعُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ يَعْنِي الْمَنْعَ وَالصِّفَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَنَامُ جَالِسًا ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ   42 - 40 الحديث: 42 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَنَامُ جَالِسًا ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ) لِأَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ، وَقَدْ كَانَ نَوْمُهُ خَفِيفًا، أَوْ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَثْفِرًا سَادًّا مَخْرَجَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 [بَاب الطَّهُورِ لِلْوُضُوءِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ آلِ بَنِي الْأَزْرَقِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»   3 - بَابُ الطَّهُورِ لِلْوُضُوءِ 43 - 41 - (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ الْمَدَنِيِّ الزُّهْرِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَوَى عَنْ مَوْلَاهُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَأُمِّ سَعْدٍ الْجُمَحِيَّةِ وَلَهَا صُحْبَةٌ، وَجَمَاعَةٍ عَنْهُ، وَعَنْهُ اللَّيْثُ وَمَالِكٌ وَالسُّفْيَانَانِ وَخَلْقٌ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَابِدًا وَذُكِرَ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ يُسْتَشْفَى بِحَدِيثِهِ وَيَنْزِلُ الْقَطْرُ مِنَ السَّمَاءِ بِذِكْرِهِ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً. (عَنْ سَعِيدِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ (بْنِ سَلَمَةَ) الْمَخْزُومِيِّ (مِنْ آلِ بَنِي الْأَزْرَقِ) وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَرْوِ عَنْهُ فِيمَا عَلِمْتُ إِلَّا صَفْوَانُ وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَتُهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ رَوَى عَنْهُ الْجُلَاحُ أَبُو كَثِيرٍ وَحَدِيثُهُ عَنْهُ فِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَعَكَسَ بَعْضُ الرُّوَاةِ الِاسْمَيْنِ فَقَالَ: سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَبَدَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ. (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) وَيُقَالُ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ مِنْ أَوْسَطِ التَّابِعِينَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَقَدْ وَلِيَ إِمْرَةَ الْغَزْوِ بِالْمَغْرِبِ مَاتَ بَعْدَ الْمِائَةِ، قَالَ فِي الْإِكْمَالِ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ عَنِ اسْمِ أَبِي بُرْدَةَ وَالِدِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ. (وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) بْنِ قُصَيٍّ فَهُوَ قُرَشِيٌّ كَذَا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى، قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: لَيْسَ هُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَطَرَحَهُ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي مُوَطَّأِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: سَأَلَ التِّرْمِذِيُّ الْبُخَارِيَّ عَنْ حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا فَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، قُلْتُ: هُشَيْمٌ يَقُولُ فِيهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بَزَرَةَ يَعْنِي بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ فَقَالَ: وَهِمَ فِيهِ. (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا يُوهِمُ إِرْسَالًا فِي الْإِسْنَادِ لِلتَّصْرِيحِ فِيهِ الحديث: 43 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 بِسَمَاعِ الْمُغِيرَةِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَعْنِي فَرِوَايَةُ هَذَا الْبَعْضِ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ (يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ) مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ كَمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَلِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ الْفِرَاسِيُّ، وَفِي الْإِصَابَةِ عَبْدٌ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ، الْعَرَكِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا كَافٌ هُوَ الْمَلَّاحُ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ اسْمٌ بِلَفْظِ النَّسَبِ، قِيلَ: هُوَ اسْمُ الَّذِي سَأَلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَحَكَى ابْنُ بَشْكُوَالٍ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ الْمُدْلِجِيُّ. وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: اسْمُهُ عُبَيْدٌ بِالتَّصْغِيرِ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: اسْمُهُ حُمَيْدُ بْنُ صَخْرَةَ قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ وُدٍّ. انْتَهَى. (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ» ) الْمِلْحَ لِأَنَّهُ الْمُتَوَهَّمُ فِيهِ لِأَنَّهُ مَالِحٌ وَمُرٌّ وَرِيحُهُ مُنْتِنٌ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: فِيهِ جَوَازُ رُكُوبِهِ لِغَيْرِ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَلَا جِهَادٍ لِأَنَّ السَّائِلَ إِنَّمَا رَكِبَهُ لِلصَّيْدِ كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مَالِكٍ. ( «وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ» ) بِقَدْرِ الِاكْتِفَاءِ ( «فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا» ) بِكَسْرِ الطَّاءِ (أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ) أَيْ بِمَاءِ الْبَحْرِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ) أَيِ الْبَحْرُ ( «الطَّهُورُ مَاؤُهُ» ) بِفَتْحِ الطَّاءِ الْبَالِغُ فِي الطَّهَارَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] (سُورَةُ الْفُرْقَانِ: الْآيَةُ 48) أَيْ طَاهِرًا فِي ذَاتِهِ مُطَهِّرًا لِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي جَوَابِهِ: نَعَمْ مَعَ حُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ لِيُقْرِنَ الْحُكْمَ بِعِلَّتِهِ وَهِيَ الطَّهُورِيَّةُ الْمُتَنَاهِيَةُ فِي بَابِهَا وَدَفْعًا لِتَوَهُّمِ حَمْلِ لَفْظَةِ نَعَمْ عَلَى الْجَوَازِ، وَلَمَّا وَقَعَ جَوَابًا لِلسَّائِلِ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ لَازِمٌ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ مَاؤُهُ الطَّهُورُ لِأَنَّهُ أَشَدُّ اهْتِمَامًا بِذِكْرِ الْوَصْفِ الَّذِي اتَّصَفَ بِهِ الْمَاءُ الْمُجَوِّزُ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ الطَّهُورِيَّةُ، فَالتَّطْهِيرُ بِهِ حَلَالٌ صَحِيحٌ كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِهِ مُزَيَّفٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّهُ أَرَادَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ عِنْدَهُ. (الْحِلُّ) أَيِ الْحَلَالُ كَمَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسٍ وَابْنِ عَمْرٍو (مَيْتَتُهُ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَمَّا عَرَفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتِبَاهَ الْأَمْرِ عَلَى السَّائِلِ فِي مَاءِ الْبَحْرِ أَشْفَقَ أَنْ يُشْتَبَهَ عَلَيْهِ حُكْمُ مَيْتَتِهِ وَقَدْ يُبْتَلَى بِهَا رَاكِبُ الْبَحْرِ، فَعَقَّبَ الْجَوَابَ عَنْ سُؤَالِهِ بِبَيَانِ حُكْمِ الْمَيْتَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: سَأَلَهُ عَنْ مَائِهِ فَأَجَابَهُ عَنْ مَائِهِ وَطَعَامِهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ قَدْ يُعْوِزُهُمُ الزَّادُ فِيهِ كَمَا يُعْوِزُهُمُ الْمَاءُ، فَلَمَّا جَمَعَتْهُمُ الْحَاجَةُ انْتَظَمَ الْجَوَابُ بِهِمَا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الْفَتْوَى بِأَكْثَرَ مِمَّا سُئِلَ عَنْهُ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَإِفَادَةً لِعِلْمٍ آخَرَ غَيْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَاجَةِ إِلَى الْحُكْمِ كَمَا هُنَا، لِأَنَّ مَنْ تَوَقَّفَ فِي طَهُورِيَّةِ مَاءِ الْبَحْرِ فَهُوَ عَنِ الْعِلْمِ بِحِلِّ مَيْتَتِهِ مَعَ تَقَدُّمِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ أَشَدُّ تَوَقُّفًا، قَالَ الْيَعْمُرِيُّ: وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ عَامَّانِ وَلَيْسَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، إِذْ لَا خِلَافَ فِي الْعُمُومِ فِي حِلِّ مَيْتَتِهِ لِأَنَّهُ عَامٌّ مُبْتَدَأٌ لَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 مَعْرِضِ جَوَابٍ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ فِي مَعْرِضِ الْجَوَابِ عَنْ مَسْئُولٍ عَنْهُ. وَالثَّانِي وَرَدَ بِطَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ فَلَا خِلَافَ فِي عُمُومِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ، وَلَوْ قِيلَ فِي الْأَوَّلِ: إِنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنِ الْوَضُوءِ وَكَوْنِ مَائِهِ طَهُورًا يُفِيدُ الْوَضُوءَ وَغَيْرَهُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَسْئُولِ عَنْهُ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، وَلَفْظُ الْمَيْتَةِ مُضَافٌ إِلَى الْبَحْرِ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مُطْلَقِ مَا يَجُوزُ إِضَافَتُهُ إِلَيْهِ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَيْتَةِ وَإِنْ سَاغَتِ الْإِضَافَةُ فِيهِ لُغَةً، بَلْ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَيْتَةِ مِنْ دَوَابِّهِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهِ مِمَّا لَا يَعِيشُ إِلَّا فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ السَّمَكِ كَكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ تَلَقَّتْهُ الْأَئِمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَتَدَاوَلَتْهُ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ، وَرَوَاهُ الْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ مَنْدَهْ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَسَأَلْتُ عَنْهُ الْبُخَارِيَّ فَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا «أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ قَالَتْ كَبْشَةُ فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي قَالَتْ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ» قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ إِلَّا أَنْ يُرَى عَلَى فَمِهَا نَجَاسَةٌ   44 - 42 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ) زَوْجَتِهِ (حُمَيْدَةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ عِنْدَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ إِلَّا يَحْيَى اللَّيْثِيَّ فَقَالَ: إِنَّهَا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو عُمَرَ (بِنْتِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ فَرْوَةَ) كَذَا قَالَ يَحْيَى وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا يَقُولُ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ كُلُّهُمُ ابْنَةُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، إِلَّا أَنَّ زَيْدَ بْنَ الْحُبَابِ قَالَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ حُمَيْدَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ رَافِعٍ نُسِبَ أَبَاهَا إِلَى جَدِّهِ وَهُوَ عُبَيْدُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ، وَحُمَيْدَةُ هَذِهِ امْرَأَةُ إِسْحَاقَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي امْرَأَتِي حُمَيْدَةُ وَتُكَنَّى أُمُّ يَحْيَى قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْ بِاسْمِ ابْنِهَا يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ وَهِيَ أَنْصَارِيَّةٌ مَدَنِيَّةٌ مَقْبُولَةٌ مِنَ التَّابِعِيَّاتِ رَوَى لَهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ (عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ (بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَهَا صُحْبَةٌ وَتَبِعَهُ الْمُسْتَغْفِرِيُّ (وَكَانَتْ تَحْتَ) عَبْدِ اللَّهِ (ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ) الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ التَّابِعِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تَزَوَّجَهَا ثَابِتُ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكٍ: وَكَانَتِ امْرَأَةَ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ إِنَّمَا هِيَ امْرَأَةُ ابْنِهِ، وَوَقَعَ فِي الْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ: وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَوْ أَبِي الحديث: 44 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 قَتَادَةَ، الشَّكُّ مِنَ الرَّبِيعِ كَذَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَفِي نِسْبَةِ الشَّكِّ إِلَيْهِ شُبْهَةٌ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَدِيٍّ رَوَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ الزَّعْفَرَانِ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ كَذَلِكَ وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ الشَّكَّ مِنْ غَيْرِ الرَّبِيعِ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي قَتَادَةَ وَهَذَا يَصْدُقُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، قَالَ: وَالْوَاقِعُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ الْأُولَى أَيْ إِنَّهَا زَوْجُ ابْنِهِ، وَكَذَا رَوَاهُ الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِلَا شَكٍّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَهَا: يَابْنَةَ أَخِي وَلَا يَحْسُنُ تَسْمِيَةُ الزَّوْجَةِ بِاسْمِ الْمَحَارِمِ. (أَنَّهَا) أَيْ كَبْشَةُ (أَخْبَرَتْهَا) أَيْ حُمَيْدَةُ (أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ) الْأَنْصَارِيَّ اسْمُهُ الْحَارِثُ وَيُقَالُ عَمْرٌو وَيُقَالُ النُّعْمَانُ بْنُ رِبْعِيٍّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ السَّلَمِيُّ بِفَتْحَتَيْنِ الْمَدَنِيُّ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَلَمْ يَصِحَّ شُهُودُهُ بَدْرًا، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَصَحِّ الْأَشْهَرِ. (دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ) أَيْ صَبَّتْ (لَهُ وَضُوءًا) أَيِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ. (فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ فَأَصْغَى) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ أَمَالَ (لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ) مِنْهُ (قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ) نَظَرَ الْمُنْكِرِ أَوِ الْمُتَعَجِّبِ (فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَابْنَةَ أَخِي؟) فِي الصُّحْبَةِ لِأَنَّ أَبَاهَا صَحَابِيٌّ مِثْلُهُ وَسَلَمِيٌّ مِنْ قَبِيلَتِهِ وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ (قَالَتْ: فَقُلْتُ) لَهُ: (نَعَمْ) أَعْجَبُ (فَقَالَ:) لَا تَعْجَبِي ( «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ» ) وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَضَبَطَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ بِفَتْحِ الْجِيمِ مِنَ النَّجَاسَةِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 28) ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ عَلَى النَّسَائِيِّ ( «إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ» ) أَيِ الَّذِينَ يُدَاخِلُونَكُمْ وَيُخَالِطُونَكُمْ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (أَوِ الطَّوَّافَاتِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَوْ تَنْوِيعٌ أَيْ ذُكُورُهَا مِنْ ذُكُورِ مَنْ يَطُوفُ وَإِنَاثُهَا مِنَ الْإِنَاثِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ بِالْوَاوِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ لِلْمُوَطَّأِ. وَقَالَ الْبُونِيُّ: الطَّوَّافِينَ الْخَدَمَ وَالطَّوَّافَاتِ الْخَادِمَاتِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ} [الإنسان: 19] (سُورَةُ الْإِنْسَانِ: الْآيَةُ 19) فَالْهِرُّ فِي اخْتِلَاطِهِ كَبَعْضِ الْخَدَمِ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «الْهِرَّةُ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ إِنَّمَا هِيَ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ» " وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ هِيَ كَبَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ» " قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَوْ قُرِئَ تُنَجِّسُ أَيْ بِفَوْقِيَّةٍ قَبْلَ النُّونِ وَشَدِّ الْجِيمِ أَيْ مَا تَلْغُ فِيهِ لَصَحَّ مَعْنَاهُ وَكَانَ قَوْلُهُ: إِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ حَسُنَ الْمَوْقِعُ أَيْ إِذَا كَانَتْ تَطُوفُ فِي الْبَيْتِ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا يُخَفَّفُ الْأَمْرُ فِيمَا وَلَغَتْ فِيهِ، وَلِذَا صَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْعَفْوِ مَعَ تَيَقُّنِ نَجَاسَةِ فَمِهَا لَكِنَّ الرِّوَايَةَ لَا تُسَاعِدُهُ. اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعِيَ إِلَى دَارِ قَوْمٍ فَأَجَابَ وَدُعِيَ إِلَى دَارِ آخَرِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ فِي دَارِ فُلَانٍ كَلْبًا وَفِي دَارِ الْآخَرِ هِرَّةً وَالْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» ". (قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَا شَرِبَتْ مِنْهُ (إِلَّا أَنْ يُرَى عَلَى فَمِهَا نَجَاسَةٌ) فَإِنْ غَيَّرَتِ الْمَاءَ مُنِعَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا   45 - 43 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ خَالِدٍ الْقُرَشِيِّ (التَّيْمِيِّ) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، رَوَى عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَخَلْقٍ، وَعَنْهُ ابْنُهُ مُوسَى وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ أَحْمَدُ: فِي أَحَادِيثِهِ شَيْءٌ يَرْوِي أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ. (عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاطِبِ) بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، ثِقَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ. (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي) بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ أَسْلَمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَوَلِيَ إِمْرَةَ مِصْرَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي فَتَحَهَا وَبِهَا مَاتَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ. (حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي لِصَاحِبِ الْحَوْضِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ؟) لِلشُّرْبِ مِنْهُ فَنَمْتَنِعُ عَنْهُ. (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا) وَاتْرُكْنَا عَلَى الْيَقِينِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ الْعَارِضِ أَيْ فَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ أَخْبَرْتَنَا أَمْ لَمْ تُخْبِرْنَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا) أَيْ إِنَّهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهِيَ طَاهِرَةٌ لَا يَنْجَسُ الْمَاءُ بِشُرْبِهَا مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ الحديث: 45 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَهَا مَا حَمَلَتْ وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ» " رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» " رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ «إِنْ كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَتَوَضَّئُونَ جَمِيعًا»   46 - 44 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ أَيْ إِنْهُ (كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ) ظَاهِرُهُ التَّعْمِيمُ فَاللَّامُ لِلْجِنْسِ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَمُرَادُهُ بِالتَّعْمِيمِ أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَحَارِمِ وَالزَّوْجَاتِ بَلْ يَشْمَلُ غَيْرَهُمْ لِأَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ الْحِجَابِ وَإِلَّا نَافَى كَلَامُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا. (فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا أَضَافَ الْفِعْلَ إِلَى زَمَانِ الْمُصْطَفَى يَكُونُ حُكْمُهُ الرَّفْعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِتَوَفُّرِ دَوَاعِي الصَّحَابَةِ عَلَى سُؤَالِهِمْ إِيَّاهُ عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي تَقَعُ لَهُمْ وَمِنْهُمْ، وَلَوْ لَمْ يَسْأَلُوهُ لَمْ يُقِرُّوا عَلَى فِعْلٍ غَيْرِ جَائِزٍ فِي زَمَنِ التَّشْرِيعِ. (لَيَتَوَضَّئُونَ جَمِيعًا) أَيْ حَالَ كَوْنِهِمْ مُجْتَمِعِينَ لَا مُفْتَرَقِينَ، زَادَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: نُدْلِي فِيهِ أَيْدِينَا. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ جَمِيعًا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَاوَبُونَ الْمَاءَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَخْتَصُّ بِالزَّوْجَاتِ وَالْمَحَارِمِ قَالَهُ الْحَافِظُ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: يُرِيدُ كُلُّ رَجُلٍ مَعَ امْرَأَتِهِ وَأَنَّهُمَا كَانَا يَأْخُذَانِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَاسْتَحْسَنَهُ السُّيُوطِيُّ وَقَالَ: إِنَّ غَيْرَهُ تَخْلِيطٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهُ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ جَمِيعًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ الرِّجَالُ عَلَى حِدَةٍ وَالنِّسَاءُ عَلَى حِدَةٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالزِّيَادَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي قَوْلِهِ: مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ اسْتَبْعَدَ اجْتِمَاعَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْأَجَانِبِ. وَأَجَابَ ابْنُ التِّينِ بِمَا حَكَاهُ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ مَعْنَاهُ كَانَ الرِّجَالُ يَتَوَضَّئُونَ وَيَذْهَبُونَ ثُمَّ يَأْتِي النِّسَاءُ فَيَتَوَضَّئُونَ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِهِ: جَمِيعًا، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْجَمِيعُ ضِدُّ الْمُتَفَرِّقِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِوَحْدَةِ الْإِنَاءِ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ «أَبْصَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ يَتَطَهَّرُونَ وَالنِّسَاءُ مَعَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ كُلُّهُمْ يَتَطَهَّرُونَ مِنْهُ» " وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُمَا إِذَا تَوَضَّئَا جَمِيعًا مِنْهُ صَدَقَ أَنَّ الْبَاقِيَ فِي الْإِنَاءِ فَضْلُ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُدُ: لَا يَجُوزُ إِذَا خَلَتْ بِهِ، وَوَجَّهَهُ شَيْخُنَا حَافِظُ الْعَصْرِ الْبَابِلِيُّ بِأَنَّهَا نَاقِصَةُ عَقْلٍ وَدِينٍ، فَرُبَّمَا إِذَا خَلَتْ بِهِ أَدْخَلَتْ فِيهِ شَيْئًا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، وَنَقَضَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشِّمْرِلِسِيُّ لِمَا ذَكَرْتُهُ لَهُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا الْوُضُوءُ بِمَا خَلَتْ بِهِ الحديث: 46 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الْمَرْأَةُ بِلَا كَرَاهَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَعَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ كَرَاهَةُ فَضْلِهَا مُطْلَقًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 [بَاب مَا لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ «إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ»   4 - بَابُ مَا لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْوُضُوءِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْمَبْدُوءِ بِهِ وَهُوَ: 47 - 45 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ) بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ. وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَلَيَّنَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَفِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ صَدُوقٌ. (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) التَّمِيمِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ أُمِّ وَلَدٍ) اسْمُهَا حُمَيْدَةُ تَابِعِيَّةٌ صَغِيرَةٌ مَقْبُولَةٌ (لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ قِيلَ: لَهُ رُؤْيَةٌ وَسَمَاعُهُ مِنْ عُمَرَ أَثْبَتَهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَقِيلَ: سِتٍّ وَتِسْعِينَ، وَرَوَاهُ قُتَيْبَةُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ أُمُّ وَلَدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَقَالَ: عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِهُودِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: وَهُوَ وَهْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ لِإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ) هِنْدَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيَّةَ الْمَخْزُومِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ (زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ: ثَلَاثٍ وَعَاشَتْ بَعْدَ ذَلِكَ سِتِّينَ سَنَةً، وَمَاتَتْ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وَقِيلَ: سَنَةَ إِحْدَى وَقِيلَ: قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ عَنْ حُمَيْدَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ وَهَذَا خَطَأٌ إِنَّمَا هُوَ لِأُمِّ سَلَمَةَ كَمَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ. ( «فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ» ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَغَيْرُهُ: قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهُ فِي الْقَشْبِ الْيَابِسِ وَالْقَذِرِ الْجَافِّ الَّذِي لَا يَلْصَقُ مِنْهُ بِالثَّوْبِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَعْلَقُ بِهِ فَيَزُولُ الْمُتَعَلِّقُ بِمَا بَعْدَهُ، لَا أَنَّ النَّجَاسَةَ يُطَهِّرُهَا غَيْرُ الْمَاءِ. اهـ. وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا إِنَّمَا هُوَ أَنْ يَطَأَ الْأَرْضَ الْقَذِرَةَ ثُمَّ يَطَأَ الْيَابِسَةَ النَّظِيفَةَ فَإِنَّ بَعْضَهَا يُطَهِّرُ بَعْضًا. وَأَمَّا النَّجَاسَةُ مِثْلُ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ يُصِيبُ الثَّوْبَ أَوْ بَعْضَ الحديث: 47 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الْجَسَدِ فَلَا يُطَهِّرُهُ إِلَّا الْغَسْلُ، قَالَ: وَهَذَا إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا جُرَّ عَلَى مَا كَانَ يَابِسًا لَا يَعْلَقُ بِالثَّوْبِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَأَمَّا إِذَا جُرَّ عَلَى رَطْبٍ فَلَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ مَعْنَاهُ إِذَا أَصَابَهُ بَوْلٌ ثُمَّ مَرَّ بَعْدَهُ عَلَى الْأَرْضِ أَنَّهَا تُطَهِّرُهُ وَلَكِنَّهُ يَمُرُّ بِالْمَكَانِ فَيُقَذِّرُهُ ثُمَّ يَمُرُّ بِمَكَانٍ أَطْيَبَ مِنْهُ فَيَكُونُ هَذَا بِذَاكَ لَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ مِنْهُ شَيْءٌ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى حَمْلِ الْقَذِرِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَلَوْ رَطْبَةٌ وَقَالُوا: يُطَهَّرُ بِالْأَرْضِ الْيَابِسَةِ لِأَنَّ الذَّيْلَ لِلْمَرْأَةِ كَالْخُفِّ وَالنَّعْلِ لِلرَّجُلِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُرِيدُ الْمَسْجِدَ فَنَطَأُ الطَّرِيقَ النَّجِسَةَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الْأَرْضُ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا» " لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَحَدِيثُ مَالِكٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَتْ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَنَا طَرِيقًا إِلَى الْمَسْجِدِ مُنْتِنَةً فَكَيْفَ نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا؟ قَالَ: " أَلَيْسَ بَعْدَهَا طَرِيقٌ هِيَ أَطْيَبُ مِنْهَا؟ " قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: " فَهَذِهِ بِهَذِهِ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقْلِسُ مِرَارًا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَنْصَرِفُ وَلَا يَتَوَضَّأُ حَتَّى يُصَلِّيَ قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ قَلَسَ طَعَامًا هَلْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَلْيَتَمَضْمَضْ مِنْ ذَلِكَ وَلْيَغْسِلْ فَاهُ   48 - 46 - (مَالِكٌ أَنَّهُ رَأَى رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) وَاسْمُهُ فَرُّوخُ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ (يَقْلِسُ) بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْقَلَسُ بِالتَّحْرِيكِ وَقِيلَ بِالسُّكُونِ مَا خَرَجَ مِنَ الْجَوْفِ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ دُونَهُ وَلَيْسَ بِقَيْءٍ فَإِنْ عَادَ فَهُوَ الْقَيْءُ (مِرَارًا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ) النَّبَوِيِّ (فَلَا يَنْصَرِفُ وَلَا يَتَوَضَّأُ حَتَّى يُصَلِّيَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَاقِضٍ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ قَلَسَ طَعَامًا هَلْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَلْيُمَضْمِضْ مِنْ ذَلِكَ) فَاهُ (وَلِيَغْسِلْ فَاهُ) اسْتِحْبَابًا. الحديث: 48 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَنَّطَ ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ هَلْ فِي الْقَيْءِ وُضُوءٌ قَالَ لَا وَلَكِنْ لِيَتَمَضْمَضْ مِنْ ذَلِكَ وَلْيَغْسِلْ فَاهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ   49 - 47 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَنَّطَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الثَّقِيلَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ طَيَّبَ بِالْحَنُوطِ وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ خُلِطَ مِنَ الطِّيبِ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً (ابْنًا) اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ كَمَا فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ الْعَلَاءِ بْنِ مُوسَى بْنِ الْجَهْمِ فِي نُسْخَتِهِ (لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ) الحديث: 49 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيِّ أَحَدِ الْعَشَرَةِ مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ أَوْ بَعْدَهَا بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ. (وَحَمَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَدْخَلَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ إِنْكَارًا لِمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» " وَإِعْلَامًا أَنَّ الْعَمَلَ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ: إِنَّهُ لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ حَمَلَ مَيِّتًا، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي غُسْلِ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ حَمَلَ مَيِّتًا أَوْ شَيَّعَهُ فَلْيَكُنْ عَلَى وُضُوءٍ لِئَلَّا تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَا أَنَّ حَمْلَهُ حَدَثٌ. اهـ. وَحَدِيثُ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا» . . . . إِلَخْ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا عَمْرًا فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَاسِخَهُ. وَحَكَى الْحَاكِمُ عَنِ الذَّهَبِيِّ لَيْسَ فِي مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، حَدِيثٌ ثَابِتٌ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ هَلْ فِي الْقَيْءِ وُضُوءٌ؟ قَالَ: لَا. وَلَكِنْ لِيَتَمَضْمَضْ مِنْ ذَلِكَ وَلْيَغْسِلْ فَاهُ) نَدْبًا (وَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ) زِيَادَةُ إِيضَاحٍ لِأَنَّهُ مُفَادُ قَوْلِهِ لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 [بَاب تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»   5 - بَابُ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ قَالَ الْمُهَلَّبُ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ أَلِفُوا قِلَّةَ التَّنْظِيفِ فَأُمِرُوا بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، وَلَمَّا تَقَرَّرَتِ النَّظَافَةُ فِي الْإِسْلَامِ وَشَاعَتْ نُسِخَ الْوُضُوءُ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: كَانَ الْخِلَافُ فِيهِ مَعْرُوفًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا وُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ إِلَّا لُحُومَ الْإِبِلِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: بِالْوُضُوءِ مِنْهُ لِشِدَّةِ زُهُومَتِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ. 50 - 48 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَى عُمَرَ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بِلَفْظِ ضِدِّ يَمِينٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ» ) أَيْ لَحْمَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مُعْرَقٌ أَيْ أَكَلَ مَا عَلَى الْعَرْقِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ الْعَظْمُ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْعُرَاقُ بِالضَّمِّ، وَأَفَادَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الحديث: 50 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» وَلَا مَانِعَ مِنَ التَّعَدُّدِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. ( «ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» ) فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنْ لَا وُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ. وَأَمَّا خَبَرُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا: " «الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» " وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رَفَعَاهُ: " «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» " أَخْرَجَ الثَّلَاثَةَ مُسْلِمٌ، وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَوَضَّأُ مِنْ لَحْمِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: " إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ " قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: " نَعَمْ، تَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» " فَقَدْ حُمِلَ ذَلِكَ الْوُضُوءُ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ وَالْمَضْمَضَةِ لِزِيَادَةِ دُسُومَتِهِ وَزُهُومَةِ لَحْمِ الْإِبِلِ، وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيتَ وَفِي يَدِهِ أَوْ فَمِهِ دَسَمٌ خَوْفًا مِنْ عَقْرَبٍ وَنَحْوِهَا وَبِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِ جَابِرٍ: " «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ أَوْمَأَ مُسْلِمٌ إِلَى النَّسْخِ فَرَوَى أَوَّلًا أَحَادِيثَ زَيْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ ثُمَّ عَقَّبَهَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا فَرَوَاهُ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ يُوسُفَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»   51 - 49 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ بُشَيْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ (ابْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ (مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ) مِنَ الْأَنْصَارِ الْأَنْصَارِيِّ الْحَارِثِيِّ الْمَدَنِيِّ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا فَقِيهًا أَدْرَكَ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ وَكَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ. (عَنْ سُوَيْدٍ) بِضَمِّ السِّينِ (ابْنِ النُّعْمَانِ) بِضَمِّ النُّونِ ابْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ، صَحَابِيٌّ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا مَا رَوَى عَنْهُ سِوَى بُشَيْرٍ، وَذَكَرَ الْعَسْكَرِيُّ أَنَّهُ اسْتُشْهِدَ بِالْقَادِسِيَّةِ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ بُشَيْرَ بْنَ يَسَارٍ سَمِعَ مِنْهُ وَهُوَ لَمْ يَلْحَقْ ذَلِكَ الزَّمَانَ. (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ خَيْبَرَ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ وَهِيَ مَدِينَةٌ كَبِيرَةٌ ذَاتُ حُصُونٍ وَمَزَارِعَ وَنَخْلٍ كَثِيرٍ عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرُدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ، ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِاسْمِ رَجُلٍ مِنَ الْعَمَالِيقِ نَزَلَهَا وَهُوَ خَيْبَرُ أَخُو يَثْرِبَ ابْنَا قَانِيَةَ ابْنِ مَهَايِيلَ، وَقِيلَ: الْخَيْبَرُ بِلِسَانِ الْيَهُودِ الْحِصْنُ وَلِذَا سُمِّيَتْ خَيَابِرَ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْحَازِمِيُّ. (حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ (وَهِيَ أَدْنَى) أَيْ أَسْفَلُ (خَيْبَرَ) أَيْ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْمَدِينَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَهِيَ عَلَى رَوْحَةٍ الحديث: 51 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 مِنْ خَيْبَرَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ: هِيَ عَلَى بَرِيدٍ. وَبَيَّنَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ مِنْ قَوْلِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أُدْرِجَتْ. ( «نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ» ) جَمْعُ زَادٍ وَهُوَ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّفَرِ. (فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ) قَالَ الدَّاوُدِيُّ: وَهُوَ دَقِيقُ الشَّعِيرِ أَوِ السَّلْتِ الْمَقْلُوِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَكُونُ مِنَ الْقَمْحِ، وَقَدْ وَصَفَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: عِدَّةُ الْمُسَافِرِ وَطَعَامُ الْعَجْلَانِ وَبُلْغَةُ الْمَرِيضِ. (فَأَمَرَ بِهِ فَثُرَّى) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا أَيْ بَلْ بِالْمَاءِ لِمَا لَحِقَهُ مِنَ الْيُبْسِ. (فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْهُ (وَأَكَلْنَا) مِنْهُ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَشَرِبْنَا، وَلَهُ فِي أُخْرَى: فَلُكْنَا وَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا أَيْ مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِنْ مَائِعِ السَّوِيقِ. (ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ) قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ (وَمَضْمَضْنَا) وَفَائِدَتُهَا وَإِنْ كَانَ لَا دَسَمَ فِي السَّوِيقِ أَنَّهُ يَحْتَبِسُ بَقَايَاهُ بَيْنَ الْأَسْنَانِ وَنَوَاحِي الْفَمِ فَيَشْغَلُهُ بِبَلْعِهِ عَنِ الصَّلَاةِ. (ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) بِسَبَبِ أَكْلِ السَّوِيقِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ أَنَّ الْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ وَخَيْبَرُ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ، قَالَ الْحَافِظُ: لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَضَرَ بَعْدَ فَتْحِهَا وَرَوَى الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَكَانَ يُفْتِي بِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى جَوَازِ صَلَاتَيْنِ فَأَكْثَرَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى اسْتِحْبَابِ الْمَضْمَضَةِ بَعْدَ الطَّعَامِ، وَفِيهِ جَمْعُ الرُّفَقَاءِ عَلَى الزَّادِ فِي السَّفَرِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ أَكْلًا، وَحَمْلُ الْأَزْوَادِ فِي السَّفَرِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْمُهَلَّبُ أَنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُ الْمُحْتَكِرِينَ بِإِخْرَاجِ الطَّعَامِ عِنْدَ قِلَّتِهِ لِيَبِيعُوهُ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ، وَأَنَّ الْإِمَامَ يَنْظُرُ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ فَيَجْمَعُ الزَّادَ لِيُصِيبَ مِنْهُ مَنْ لَا زَادَ مَعَهُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مُسْلِمٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ أَنَّهُ تَعَشَّى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ   52 - 50 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ بِالتَّصْغِيرِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَخَلْقٍ، وَعَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالسُّفْيَانَانِ وَخَلْقٌ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْقِ وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الصَّالِحُونَ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ أَوْ بَعْدَهَا بِسَنَةٍ. (وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ (أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ) أَيْ مَالِكًا (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) الحديث: 52 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أَيْ تَيْمِ قُرَيْشٍ (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ) بِالتَّصْغِيرِ ابْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ التَّيْمِيِّ، وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَدْخَلَ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَالْهُدَيْرِ رَبِيعَةَ آخَرَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فَقَالَ: لَهُ صُحْبَةٌ ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَابِعٌ كَبِيرٌ قَلِيلُ الْمُسْنَدِ وَكَانَ ثِقَةً مِنْ خِيَارِ النَّاسِ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ. (أَنَّهُ تَعَشَّى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) طَعَامًا مَسَّتْهُ النَّارُ (ثُمَّ صَلَّى) عُمَرُ (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّسْخِ. وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَكَلُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا. وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى الثَّلَاثَةِ مُفَرَّقًا وَمَجْمُوعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا ثُمَّ مَضْمَضَ وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ   53 - 51 - (مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ (ابْنِ سَعْدٍ) بْنِ أَبِي حَنَّةَ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ نُونٍ وَقِيلَ مُوَحَّدَةٌ الْأَنْصَارِيِّ (الْمَازِنِيِّ) نِسْبَةً إِلَى مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ الْمَدَنِيِّ، تَابِعٌ صَغِيرٌ ثِقَةٌ. (عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ) الْأُمَوِيِّ أَبِي سَعِيدٍ أَوْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ. (أَنَّ) أَبَاهُ (عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا ثُمَّ مَضْمَضَ) فَاهُ (وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ) لَعَلَّهُ خَشِيَ أَنْ يَعْلَقَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ. (ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فَهُوَ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى نَسْخِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ. الحديث: 53 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا لَا يَتَوَضَّآَنِ مِمَّا مَسَّتْ النَّار   53 - 52 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) أَبَا الْحَسَنِ الْهَاشِمِيَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَثِيرَ الْفَضَائِلِ. (وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا لَا يَتَوَضَّآنِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَاقِضٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُصِيبُ طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ أَيَتَوَضَّأُ قَالَ رَأَيْتُ أَبِي يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَوَضَّأُ   55 - 53 الحديث: 55 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) الْعَنْزِيَّ، حَلِيفَ بَنِي عَدِيٍّ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِينَ. (عَنِ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُصِيبُ طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ أَيَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي) عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْعَنْزِيَّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَزَايٍ حَلِيفَ آلِ الْخَطَّابِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ وَشَهِدَ بَدْرًا مَاتَ لَيَالِيَ قَتْلِ عُثْمَانَ. (يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَوَضَّأُ) فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى النَّسْخِ أَيْضًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَكَلَ لَحْمًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ   56 - 54 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ) بِضَمِّ النُّونِ (وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) الْقُرَشِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ الْمُعَلِّمِ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَسْمَاءَ وَعِدَّةٍ، وَعَنْهُ مَالِكٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَآخَرُونَ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَوَى لَهُ الْجَمِيعُ وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. (أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدَ اللَّهِ) بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ بِمُهْمَلَةٍ وَرَاءٍ (الْأَنْصَارِيَّ) السَّلَمِيَّ بِفَتْحَتَيْنِ، صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً مَعَ الْمُصْطَفَى وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا وَلَا أُحُدًا مَنَعَهُ أَبُوهُ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْبَعِيرِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ يُؤْخَذُ عَنْهُ، وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَقِيلَ: بِمَكَّةَ وَقِيلَ: بِقُبَاءَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ أَوْ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ أَرْبَعٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَوِ اثْنَيْنِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً. (يَقُولُ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ) لِسَبْقِهِ لِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ عَلِيٌّ يَحْلِفُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ السَّمَاءِ الصِّدِّيقَ. (أَكَلَ لَحْمًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فَهَؤُلَاءِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعُ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ فَعَلُوا ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَلَّ عَلَى نَسْخِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إِذَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ وَعَمِلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِأَحَدِهِمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ مَا عَمِلَا بِهِ. وَكَانَ مَكْحُولٌ يَتَوَضَّأُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ فَأَخْبَرَهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ بِحَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَتَرَكَ الْوُضُوءَ وَقَالَ: لَأَنْ يَقَعَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتَى الْإِمَامُ بِذَلِكَ لِرَدِّ قَوْلِ شَيْخِهِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ الْإِبَاحَةِ. الحديث: 56 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: " أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَزُّ كَتِفَ شَاةٍ يَأْكُلُ مِنْهَا فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» " زَادَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَذَهَبَتْ تِلْكَ الْقِصَّةُ فِي النَّاسِ ثُمَّ أَخْبَرَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنِسَاءٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ أَنَّهُ قَالَ: " «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» "، قَالَ: وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَرَى أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ نَاسِخٌ لِأَحَادِيثِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ سَابِقَةٌ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا، لَكِنْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ: الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ هُنَا الشَّأْنُ وَالْقِصَّةُ لَا مُقَابِلَ النَّهْيِ، وَأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَشْهُورِ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي صَنَعَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاةً فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا وَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، وَأَنَّ وُضُوءَهُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ كَانَ لِحَدَثٍ لَا لِلْأَكْلِ مِنَ الشَّاةِ. وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُثْمَانَ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا اخْتَلَفَتْ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَلَمْ يَتَبَيَّنِ الرَّاجِحُ مِنْهَا نَظَرْنَا إِلَى مَا عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَّحْنَا بِهِ أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ حِكْمَةُ ذِكْرِ الْإِمَامِ لِفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ بَعْدَ تَصْدِيرِهِ بِحَدِيثَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُوَيْدٍ فِي أَنَّ الْمُصْطَفَى أَكَلَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَجَمَعَ الْخَطَّابِيُّ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْأَمْرِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعِيَ لِطَعَامٍ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَلَحْمٌ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أُتِيَ بِفَضْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»   57 - 55 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعِيَ لِطَعَامٍ) أَيْ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَمَا فِي الطَّرِيقِ الْمَوْصُولَةِ (فَقُرِّبَ إِلَيْهِ لَحْمٌ) مِنْ شَاةٍ ذَبَحَتْهَا لَهُ الْأَنْصَارِيَّةُ (وَخُبْزٌ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ) لِلْأَكْلِ مِنَ الشَّاةِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَلَا عَلَى نَدْبِهِ. (وَصَلَّى) الظُّهْرَ (ثُمَّ أَتَى بِفَضْلِ) أَيْ بَاقِي (ذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ صَلَّى) الْعَصْرَ (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ بُكَيْرٍ ثُمَّ دُعِيَ بِفَضْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَالَ: دُعِيَ مَكَانَ أَتَى، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ سَأَلَهُ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ لِإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ وَقْتَ قِيَامِهِ لِلصَّلَاةِ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ لِحَدِيثِ: " «إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ» " أَيْ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بِهِ عَنِ الْإِقْبَالِ إِلَيْهَا وَإِنْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ كَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ مُشَرِّعٌ، وَفِيهِ أَنَّهُ أَكَلَ اللَّحْمَ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّهُ شَبِعَ مِنْهُ، الحديث: 57 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُ عَائِشَةَ «مَا شَبِعَ مِنْ لَحْمٍ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» كَمَا تُوهِّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَدِمَ مِنْ الْعِرَاقِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقَرَّبَ لَهُمَا طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ فَأَكَلُوا مِنْهُ فَقَامَ أَنَسٌ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مَا هَذَا يَا أَنَسُ أَعِرَاقِيَّةٌ فَقَالَ أَنَسٌ لَيْتَنِي لَمْ أَفْعَلْ وَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَصَلَّيَا وَلَمْ يَتَوَضَّآَ   58 - 56 - (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) بِالْقَافِ، ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ بِتَحْتِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ الْقُرَشِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ وَلَهَا صُحْبَةٌ وَنَافِعٍ وَسَالِمٍ وَالزَّهْرِيِّ وَخَلْقٍ، وَعَنْهُ مَالِكٌ وَشُعْبَةُ وَالسُّفْيَانَانِ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُمْ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ لَيَّنَهُ. وَقَالَ مَعْنٌ وَغَيْرُهُ: وَكَانَ مَالِكٌ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْمُغَازِي يَقُولُ: عَلَيْكَ بِمَغَازِي الرَّجُلِ الصَّالِحِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَإِنَّهَا أَصَحُّ الْمَغَازِي، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَهَا. (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الزَّايِ ابْنِ جَارِيَةَ بِجِيمٍ وَتَحْتِيَّةٍ (الْأَنْصَارِيِّ) أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ أَخِي عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ لِأُمِّهِ يُقَالُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ. (أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَدِمَ مِنَ الْعِرَاقِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ) زَوْجُ أُمِّهِ (أَبُو طَلْحَةَ) زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ سَنَةً. (وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ) الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ أَبُو الْمُنْذِرِ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، فِي سَنَةِ مَوْتِهِ خُلْفٌ كَثِيرٌ، فَقِيلَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (فَقُرِّبَ لَهُمَا طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ فَأَكَلُوا مِنْهُ فَقَامَ أَنَسٌ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ) لَهُ (أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: مَا هَذَا) الْفِعْلُ (يَا أَنَسُ أَعِرَاقِيَّةٌ) أَيْ أَبِالْعِرَاقِ اسْتَفَدْتَ هَذَا الْعِلْمَ وَتَرَكْتَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُتَلَقَّى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ (فَقَالَ أَنَسٌ: لَيْتَنِي لَمْ أَفْعَلْ) أَيْ لِأَنَّهُ يُوهِمُ لِلشُّبْهَةِ. (وَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَصَلَّيَا وَلَمْ يَتَوَضَّئَا) فَدَلَّ فِعْلُهُمَا وَإِنْكَارُهُمَا - وَهْمًا مِنْهُمَا - عَلَى أَنَسٍ وَرُجُوعِهِ إِلَيْهِمَا عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ لَا وُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَهُوَ مِنَ الْحُجَجِ الْقَوِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى نَسْخِ الْوُضُوءِ مِنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ خَتَمَ بِهِ هَذَا الْبَابَ، وَهُوَ يُفِيدُ أَيْضًا رَدُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ مِنْ حَمْلِ أَحَادِيثِ الْأَمْرِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ إِذْ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا مَا سَاغَ إِنْكَارُهُمَا عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الحديث: 58 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 [بَاب جَامِعِ الْوُضُوءِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْاسْتِطَابَةِ فَقَالَ أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ»   6 - بَابُ جَامِعُ الْوُضُوءِ 59 - 57 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ مُجْمَعٌ عَلَى ثِقَتِهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ، وَقَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حِرَاشٍ: كَانَ مَالِكٌ لَا يَرْضَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَالَهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ أَنَّهُ لَمَّا صَارَ إِلَى الْعِرَاقِ فِي قَدْمَتِهِ الثَّالِثَةِ انْبَسَطَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِيهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَهْلُ بَلَدِهِ، وَالَّذِي نَرَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ إِلَّا بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ، وَكَانَ تَسَاهُلُهُ أَنَّهُ أَرْسَلَ عَنْ أَبِيهِ مَا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ وَهَذَا هُوَ التَّدْلِيسُ ذَكَرَهُ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي، فَالْمَعْنَى لَا يَرْضَى مَا حَدَّثَ بِهِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لِكَوْنِهِ دَلَّسَهُ لَا مُطْلَقًا إِذْ قَدْ رَضِيَهُ فَرَوَى عَنْهُ كَثِيرًا فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ. (عَنْ أَبِيهِ) عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَرْسَلَهُ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ كُلُّهُمْ، وَوَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ قُرْطٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَمُهْمَلَةٍ وَهُوَ مَقْبُولٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَوَقَعَ لِابْنِ بُكَيْرٍ فِي الْمُوَطَّأِ مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ سَحْنُونٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ كَذَلِكَ لَا مِنْ أَصْحَابِ هِشَامٍ وَلَا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَلَا رَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (سُئِلَ عَنِ الِاسْتِطَابَةِ) طَلَبُ الطَّيُّبِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الِاسْتِطَابَةُ الِاسْتِنْجَاءُ يُقَالُ اسْتَطَابَ وَأَطَابَ إِطَابَةً أَيْضًا لِأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ تَطِيبُ نَفْسُهُ بِإِزَالَةِ الْخَبَثِ عَنِ الْمَخْرَجِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: هِيَ وَالِاسْتِجْمَارُ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ إِلَّا أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْأَحْجَارِ وَالِاسْتِجْمَارُ وَالِاسْتِطَابَةُ يَكُونَانِ بِالْمَاءِ وَبِالْحَجَرِ كَمَا أَفَادَهُ. (فَقَالَ: أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ) يَسْتَطِيبُ بِهَا، وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِهِ أَصْبَغُ فَقَصَرَ الِاسْتِجْمَارَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ لَا يُتَعَدَّى بِهَا مَا وَرَدَ، وَقَاسَ الْمَشْهُورُ عَلَيْهَا غَيْرَهَا مِنْ كُلِّ جَامِدٍ طَاهِرٍ مُنَقٍّ غَيْرِ مُؤْذٍ وَلَا مُحْتَرَمٍ ; لِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ لَا فِي الْمَفْعُولِ بِهِ وَلِأَنَّهُ مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدُّ الرَّوْثَةِ بِأَنَّهَا رِجْسٌ لَا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَجَرٍ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَاجَتَهُ فَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلَاثِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ» " وَلِأَنَّ الْأَحْجَارَ لَقَبٌ لَمْ يَقُلْ بِمَفْهُومِهِ الْجُمْهُورُ. الحديث: 59 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ فَلَا يُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ أَلَا هَلُمَّ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ فَسُحْقًا فَسُحْقًا فَسُحْقًا»   60 - 58 الحديث: 60 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 - (مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ يَعْقُوبَ الْحُرَقِيِّ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ الْمَدَنِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَطَائِفَةٍ، وَعَنْهُ ابْنُهُ شِبْلٌ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَمَالِكٌ وَشُعْبَةُ وَالسُّفْيَانَانِ وَخَلْقٌ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيِّ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى الْحُرَقَةِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَقَافٍ فَخْذٌ مِنْ جُهَيْنَةَ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ وَلِابْنِهِ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ) بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ وَالْكَسْرُ أَقَلُّهَا مَوْضِعُ الْقُبُورِ. (فَقَالَ:) لِيَحْصُلَ لَهُمْ ثَوَابُ التَّحِيَّةِ وَبَرَكَتُهَا (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) قَالَ ابْنُ قُرْقُولٍ: بِنَصْبِ دَارٍ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوِ النِّدَاءِ الْمُضَافِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، قَالَ وَيَصِحُّ الْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي عَلَيْكُمْ، وَالْمُرَادُ بِالدَّارِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ الْجَمَاعَةُ أَوِ الْأَهْلُ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِثْلُهُ أَوْ أَهْلُ الْمَنْزِلِ قَالَ الْأَبِيُّ: يَعْنِي الِاخْتِصَاصَ اللُّغَوِيَّ لَا الصِّنَاعِيَّ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ تَقْدِيمُ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ أَوِ الْمُخَاطَبِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اصْطِلَاحِيٌّ أَيْضًا. قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ: الْمُرَادُ بِالِاخْتِصَاصِ هُنَا النَّصْبُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْكِرْمَانِيُّ بِالِاخْتِصَاصِ فِي مِثْلِ هَذَا. قَالَ الْبَاجِيُّ وَعِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أُحْيُوا لَهُ حَتَّى سَمِعُوا كَلَامَهُ كَأَهْلِ الْقَلِيبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ أَمْوَاتًا لِامْتِثَالِ أُمَّتِهِ ذَلِكَ بَعْدَهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. (وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: لِلْعُلَمَاءِ فِي إِتْيَانِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ لَا شَكَّ فِيهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّكِّ وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّبَرُّكِ وَامْثِتَالِ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: الِاسْتِثْنَاءُ قَدْ يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ لَا شَكًّا كَقَوْلِهِ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح: 27] (سُورَةُ الْفَتْحِ: الْآيَةُ 27) وَلَا يُضَافُ الشَّكُّ إِلَى اللَّهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ يَحْسُنُ بِهِ كَلَامُهُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى اللُّحُوقِ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَالْمَوْتِ بِالْمَدِينَةِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّ إِنْ بِمَعْنَى إِذْ. وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى اسْتِصْحَابِ الْإِيمَانِ لِمَنْ مَعَهُ. وَالسَّادِسُ: أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ مَنْ يُظَنُّ بِهِمُ النِّفَاقُ فَعَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَيْهِمْ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى مَعْنَى مُؤْمِنِينَ أَيْ لَاحِقُونَ فِي حَالِ إِيمَانٍ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ لَا يَأْمَنُهَا أَحَدٌ، أَلَا تَرَى قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35] (سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: الْآيَةُ 35) وَقَوْلَ يُوسُفَ: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 101) وَلِأَنَّ نَبِيَّنَا يَقُولُ: " «اللَّهُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 اقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ» " اهـ. وَاسْتَبْعَدَ الْأَبِيُّ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ: " «الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ» " قَالَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلُ. (وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ) فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيُحْتَمَلُ تَمَنِّي لِقَائِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَهُ عِيَاضٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ أَصْحَابَهُ مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ وَيَرَاهُمْ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنِّي لَقِيتُ (إِخْوَانَنَا) قِيلَ وَجْهُ اتِّصَالِ وَدِّهِ ذَلِكَ بِرُؤْيَةِ أَصْحَابِ الْقُبُورِ أَنَّهُ عِنْدَ تَصَوُّرِهِ السَّابِقِينَ تَصَوَّرَ اللَّاحِقِينَ أَوْ كُشِفَ لَهُ عَنْ عَالَمِ الْأَرْوَاحِ السَّابِقِينَ وَاللَّاحِقِينَ. ( «فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: لَمْ يَنْفِ بِذَلِكَ أُخُوَّتَهُمْ وَلَكِنْ ذَكَرَ مَرْتَبَتَهُمُ الزَّائِدَةَ بِالصُّحْبَةِ وَاخْتِصَاصَهُمْ بِهَا، وَإِنَّمَا مَنَعَ أَنْ يُسَمَّوْا بِذَلِكَ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَالْوَصْفَ عَلَى سَبِيلِ الثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ لِلْمُسَمَّى يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِأَرْفَعِ حَالَاتِهِ وَأَفْضَلِ صِفَاتِهِ، وَلِلصَّحَابَةِ بِالصُّحْبَةِ دَرَجَةٌ لَا يَلْحَقُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ فَيَجِبُ أَنْ يُوصَفُوا بِهَا اهـ. وَقَبِلَهُ عِيَاضٌ ثُمَّ النَّوَوِيُّ وَزَادَ: فَهَؤُلَاءِ إِخْوَةٌ صَحَابَةٌ، وَالَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا إِخْوَةٌ لَيْسُوا بِصَحَابَةٍ. وَقَالَ الْأَبِيُّ: حَمَلَ الْبَاجِيُّ الْأُخُوَّةَ عَلَى أَنَّهَا فِي الْإِيمَانِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الصُّحْبَةَ أَخَصُّ، وَحَمَلَهَا أَبُو عُمَرَ عَلَى أُخُوَّةِ الْعِلْمِ وَالْقِيَامِ بِالْحَقِّ عِنْدَ قِلَّةِ الْقَائِمِينَ بِهِ، الْمَقُولُ فِيهِمْ وَهُوَ يُخَاطِبُ أَصْحَابَهُ: لِلْعَامِلِ مِنْهُمْ أَجْرُ سَبْعِينَ مِنْكُمْ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَصَفَهُمْ بِهِ، وَرَأَى أَنَّ هَذِهِ الْأُخُوَّةَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الصُّحْبَةِ وَلَا يَبْعُدُ كُلٌّ مِنَ الْحَمْلَيْنِ. (وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ) وَدَلَّ بِإِثْبَاتِ الْأُخُوَّةِ لِهَؤُلَاءِ عَلَى عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمْ وَأَنَّهُمْ حَازُوا الْآخِرِيَّةِ كَمَا حَازَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَضِيلَةَ الْأَوَّلِيَّةِ وَهُمُ الْغُرَبَاءُ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: " «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا» " فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ وَهُمُ الْخُلَفَاءُ الَّذِينَ أَفَادَهُمْ بِقَوْلِهِ: " «رَحِمَ اللَّهُ خُلَفَائِي» " وَهُمُ الْقَابِضُونَ عَلَى دِينِهِمْ عِنْدَ الْفِتَنِ، الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: " «الْقَابِضُ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ» " وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَعْسُرُ عَلَى الْفَطِنِ اسْتِخْرَاجُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَأَوْرَدَ كَيْفَ يَتَمَنَّى رُؤْيَتَهُمْ وَهُوَ حَيٌّ وَهُمْ حِينَئِذٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا وُجُودَ لَهُمْ فِي الْخَارِجِ وَالْمَعْدُومُ لَا يُرَى، وَأَيْضًا هُوَ مِنْ تَمَنِّي مَا لَا يَكُونُ لِأَنَّ عُمْرَهُ لَا يَمْتَدُّ حَتَّى يَرَى آخِرَهُمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ أَوْ رُؤْيَةُ تَمْثِيلٍ بِمَعْنَى أَنْ يُمَثَّلُوا لَهُ كَمَا مُثِّلَتْ لَهُ الْجَنَّةُ فِي عُرْضِ الْحَائِطِ، أَوْ أَنَّ هَذَا مِنْ رُؤْيَةِ الْكَوْنِ وَزَوْيِ الْأَرْضِ حَتَّى رَأَى مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ لَهُ، وَعَبَّرَ عَنْ هَذَا بَعْضُ الْعَارِفِينَ بِأَنَّ عِلْمَ الْأَنْبِيَاءِ مُسْتَمَدٌّ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، وَعِلْمُهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النِّسَبِ الزَّمَانِيَّةِ، فَكَذَا عِلْمُ أَنْبِيَائِهِ حَالَةَ التَّجَلِّي وَالْكَشْفِ فَهُمْ لِمَا خُلِقُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّطْهِيرِ وَالتَّجَرُّدِ عَنِ الْأَدْنَاسِ صَارَتْ مِرْآةُ الْكَوْنِ تَنْجَلِي فِي سَرَائِرِهِمْ، وَصَارَ الْكَوْنُ كُلُّهُ كَأَنَّهُ جَوْهَرَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُمْ مِرْآتُهُ الْمَصْقُولَةُ الَّتِي تَنْجَلِي فِيهَا الْحَقَائِقُ وَالدَّقَائِقُ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي مَقَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الْجَمْعِ وَوَقْتِ التَّجَلِّي وَرُبَّمَا كَانَ فِي أَقَلَّ مِنْ لَمْحَةٍ، ثُمَّ بَعْدَهَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ لِوَطَنِهِ وَإِلَى شُهُودِ تَفْرِقَتِهِ وَأَحْكَامِ حِسِّهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحَالُ مُسْتَمِرًّا تَمَنَّى أَنْ يَرَاهُمْ رُؤْيَةَ كَشْفٍ وَإِدْرَاكٍ فِي ذَلِكَ الْآنَ، وَبِتَأَمُّلِ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرِ: " «تَجَلَّى لِي عِلْمُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» " وَخَبَرِ: " «زُوِيَتْ لِيَ الْأَرْضُ» " اهـ. وَأُورِدَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَمَنِّيِ الْمَوْتَ وَقَدْ قَالَ: " «لَا يَتَمَنَّيْنَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ» " وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْمَلْزُومِيَّةِ وَإِنْ سَلِمَتْ، فَالْمَنْعُ لِمَا قَالَ " لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ " قَالَ الْأَبِيُّ: وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ تَمَنٍّ حَقِيقِيٌّ وَقَدْ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هُوَ تَشْرِيفٌ لِقَدْرِ أُولَئِكَ الْإِخْوَانِ. (وَأَنَا فَرَطُهُمْ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَبَعْدَ الطَّاءِ هَاءٌ أَيْ فَرَطُ إِخْوَانِنَا وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ بِالْكَافِ بَدَلَ الْهَاءِ خِطَابًا لِلصَّحَابَةِ. (عَلَى الْحَوْضِ) قَالَ لِلْبَاجِيِّ: يُرِيدُ أَنَّهُ يَتَقَدَّمُهُمْ إِلَيْهِ وَيَجِدُونَهُ عِنْدَهُ، يُقَالُ فَرَطْتُ الْقَوْمَ إِذَا تَقَدَّمْتَهُمْ لِتَرْتَادَ لَهُمُ الْمَاءَ وَتُهَيِّئَ لَهُمُ الدِّلَاءَ وَالرِّشَاءَ، وَافْتَرَطَ فُلَانٌ ابْنًا لَهُ أَيْ تَقَدَّمَ لَهُ ابْنٌ اهـ. وَبِهَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فَضَرَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلًا لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ يُهَيِّئُ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَا أَمَامَكُمْ وَأَنْتُمْ وَرَائِي لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ أُمَّتَهُ شَافِعًا وَعَلَى الْحَوْضِ. ( «فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ» ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ: " «كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ» " وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. (قَالَ: أَرَأَيْتَ) أَخْبِرْنِي (لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ) وَلِمُسْلِمٍ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ (خَيْلٌ غُرٌّ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ جَمْعُ أَغَرَّ أَيْ ذُو غُرَّةٍ. وَهِيَ بَيَاضٌ فِي جَبْهَةِ الْفَرَسِ (مُحَجَّلَةٌ) بِمُهْمَلَةٍ فَجِيمٍ مِنَ التَّحْجِيلِ وَهُوَ بَيَاضٌ فِي ثَلَاثَةِ قَوَائِمَ مِنْ قَوَائِمِ الْفَرَسِ وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَجْلِ وَهُوَ الْخَلْخَالُ (فِي خَيْلٍ دُهْمٍ) بِضَمِّ الدَّالِ وَسُكُونِ الْهَاءِ جَمْعُ أَدْهَمَ وَالدُّهْمَةُ السَّوَادُ (بُهْمٍ) جَمْعُ بَهِيمٍ قِيلَ هُوَ الْأَسْوَدُ أَيْضًا، وَقِيلَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنُهُ لَوْنَ سِوَاهُ سَوَاءٌ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ أَوْ أَحْمَرَ بَلْ يَكُونُ لَوْنُهُ خَالِصًا. (أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ) يَعْرِفُهَا، وَبَلَى حَرْفُ إِيجَابٍ يَرْفَعُ حُكْمَ النَّفْيِ وَيُوجِبُ نَقِيضَهُ أَبَدًا. (قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) حَالَ كَوْنِهِمْ (غُرًّا) أَصْلُ الْغُرَّةِ لَمْعَةٌ بَيْضَاءُ فِي جَبْهَةِ الْفَرَسِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ فِي الْجَمَالِ وَالشُّهْرَةِ وَطِيبِ الذِّكْرِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا النُّورُ الْكَائِنُ فِي وُجُوهِ أُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (مُحَجَّلِينَ) مِنَ التَّحْجِيلِ وَالْمُرَادُ النُّورُ أَيْضًا. (مِنَ الْوُضُوءِ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا عَلَى أَنَّهُ الْمَاءُ قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ السِّيمَا إِنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ تَوَضَّأَ فِي الدُّنْيَا وَبِهِ جَزَمَ الْأَنْصَارِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا تَكُونُ حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 لِمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ كَمَا يُقَالُ لَهُمْ أَهْلُ الْقِبْلَةِ مَنْ صَلَّى وَمَنْ لَا، وَفِي قِيَاسِهِ عَلَى الْإِيمَانِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ التَّصْدِيقُ وَالشَّهَادَةُ وَإِنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ وَفَعَلَ الْحَرَامَ، بِخِلَافِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَمُجَرَّدُ فَضِيلَةٍ وَتَشْرِيفٍ لِمَنْ تَوَضَّأَ بِالْفِعْلِ لَا لِسِوَاهُ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُتَوَضِّئُ فِي حَيَاتِهِ لَا مَنْ وَضَّأَهُ الْغَاسِلُ، فَلَوْ تَيَمَّمَ لِعُذْرٍ طُولَ حَيَاتِهِ حَصَلَتْ لَهُ السِّيمَا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْوُضُوءِ وَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءًا فَقَالَ: " «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُؤْمِنِ» " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ. (وَأَنَا فَرَطُهُمْ) مُتَقَدِّمُهُمُ السَّابِقُ. (عَلَى الْحَوْضِ) وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِتَقَدُّمِهِ سَابِقًا، لَكِنْ قَدْ عُلِمَ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى السَّابِقَ بِالْكَافِ فَعَلَيْهِ يَكُونُ بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ كَمَا أَنَّهُ فَرَطُ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِهَذَا أَوَّلًا كَذَلِكَ هُوَ فَرَطٌ لِأُمَّتِهِ الْآتِينَ بَعْدَهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. (فَلَا يُذَادَنَّ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَأَلِفٍ فَمُهْمَلَةٍ أَيْ لَا يُطْرَدَنَّ، كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ نَافِعٍ عَلَى النَّهْيِ أَيْ لَا يَفْعَلَنَّ أَحَدٌ فِعْلًا يُذَادُ بِهِ عَنْ حَوْضِي. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَيَشْهَدُ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا: " «إِنِّي فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ وَرَدَ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا فَلَا يَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونَنِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ» " وَرَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو مُصْعَبٍ: فَلَيُذَادَنَّ بِلَامِ التَّأْكِيدِ عَلَى الْإِخْبَارِ أَيْ لَيَكُونَنَّ لَا مَحَالَةَ مَنْ يُذَادُ. قَالَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَسْلَمُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ: أَلَا لَيُذَادَنَّ (رِجَالٌ) بِالْجَمْعِ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ إِلَّا يَحْيَى، فَقَالَ رَجُلٌ بِالْإِفْرَادِ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ (عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ) يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنَ الْإِبِلِ بِخِلَافِ الْجَمَلِ فَالذَّكَرُ كَالْإِنْسَانِ وَالرَّجُلِ. (الضَّالُّ) الَّذِي لَا رَبَّ لَهُ فَيَسْقِيهِ (أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً يَسْتَوِي فِيهِ الْجَمْعُ وَالْمُفْرَدُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِي لُغَةٍ وَمِنْهُ {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 18) أَيْ تَعَالَوْا. (أَلَا هَلُمَّ أَلَا هَلُمَّ) ذَكَرَهُ ثَلَاثًا (فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ) قِيلَ مَعْنَاهُ غَيَّرُوا سُنَّتَكَ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فَأَقُولُ: " «رَبِّ إِنَّهُمْ مِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ» " وَاسْتَشْكَلَ مَعَ قَوْلِهِ: " «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ وَمَمَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ، تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا كَانَ مِنْ حَسَنٍ حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَكُمْ» " رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ عَرْضًا مُجْمَلًا فَيُقَالُ: عَمِلَتْ أُمَّتُكَ شَرًّا عَمِلَتْ خَيْرًا، أَوْ أَنَّهَا تُعْرَضُ دُونَ تَعْيِينِ عَامِلِهَا، ذَكَرَهُ الْأَبِيُّ وَفِيهِمَا بُعْدٌ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إِلَّا وَتُعْرَضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَالُ أُمَّتِهِ غُدْوَةً وَعَشِيًّا فَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَأَعْمَالِهِمْ، فَقَدْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مُنَادَاتَهُمْ لِزِيَادَةِ الْحَسْرَةِ وَالنَّكَالِ، إِذْ بِمُنَادَاتِهِ لَهُمْ حَصَلَ عِنْدَهُمْ رَجَاءُ النَّجَاةِ، وَقَطْعُ مَا يُرْجَى أَشَدُّ فِي النَّكَالِ وَالْحَسْرَةِ مِنْ قَطْعِ مَا لَا يُرْجَى، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إِنَّهُمْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ لِأَنَّهُ أَيْضًا زِيَادَةٌ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 تَنْكِيلِهِمْ، وَهِيَ أَجْوِبَةٌ إِقْنَاعِيَّةٌ يَرُدُّ عَلَى ثَالِثِهَا رِوَايَةُ: " «فَأَقُولُ رَبِّ إِنَّهُمْ مِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ» " (فَأَقُولُ فَسُحْقًا) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِهَا لُغَتَانِ أَيْ بُعْدًا (فَسُحْقًا فَسُحْقًا) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَنَصْبُهُ بِتَقْدِيرِ أَلْزَمَهُمُ اللَّهُ أَوْ سَحَقَهُمْ سُحْقًا. قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ وَكُلُّ مَنْ تَوَضَّأَ يُحْشَرُ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَلِأَجْلِهَا دَعَاهُمْ، وَلَوْ لَمْ تَكُنِ السِّيمَا إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ لَمَا دَعَاهُمْ وَلَمَا ظَنَّ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَّلَ بَعْدَهُ وَارْتَدَّ فَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَإِظْهَارِهِمُ الْإِسْلَامَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ غُرَّةٌ وَلَا تَحْجِيلٌ لَكِنْ لِكَوْنِهِمْ عِنْدَهُ فِي حَيَاتِهِ وَصُحْبَتِهِ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ وَظَاهِرِهِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُعْطَوْنَ نُورًا وَيُطْفَأُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَكَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ نُورًا بِظَاهِرِ إِيمَانِهِمْ لِيَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى يُطْفَأَ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ عَلَى الصِّرَاطِ كَذَلِكَ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ غُرَّةٌ وَتَحْجِيلٌ حَتَّى يُذَادُوا عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إِلَى الْوُرُودِ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَمَكْرًا بِهِمْ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَيْسَ فِي هَذَا مَا يُحَتِّمُ بِهِ لِلْمَذَادِينَ بِدُخُولِ النَّارِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُذَادُوا وَقْتًا فَتَلْحَقُهُمْ شِدَّةٌ وَيَقُولُ لَهُمْ سُحْقًا، ثُمَّ يَتَلَاقَاهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَيُشَفِّعُ فِيهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عِيَاضٌ: وَالْبَاجِيُّ وَكَأَنَّهُ جَعَلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. زَادَ عِيَاضٌ: أَوْ مَنْ بَدَّلَ بِبِدْعَةٍ لَا تُخْرِجُهُ عَنِ الْإِسْلَامِ. قَالَ غَيْرُهُ: وَعَلَى هَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ غُرَّةٍ وَتَحْجِيلٍ لِكَوْنِهِمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ مَا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ فَهُوَ مِنَ الْمَطْرُودِينَ عَنِ الْحَوْضِ وَأَشَدُّهُمْ مَنْ خَالَفَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ كَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَأَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ وَكَذَلِكَ الظَّلَمَةُ الْمُسْرِفُونَ فِي الْجَوْرِ وَطَمْسِ الْحَقِّ وَالْمُعْلِنُونَ بِالْكَبَائِرِ، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ عُنُوا بِهَذَا الْخَبَرِ اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ بِنَحْوِهِ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيُّ، وَمِنَ اللَّطَائِفِ أَنَّ ابْنَ شَاكِرٍ رَوَى فِي كِتَابِ مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْمُوَطَّأَ فَقَالَ: مَا عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَلَّفَ كِتَابًا أَحْسَنَ مِنْ مُوَطَّأِ مَالِكٍ وَمَا ذَكَرَ فِيهِ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَرْغُوبًا عَنْهُ الرِّوَايَةُ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ فِي كُتُبِهِ، وَمَا عَلِمْتُهُ ذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ ذِكْرُ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا مَا فِي حَدِيثِ: " «لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي» " فَلَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ مَالِكًا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَنَّهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ فِي الْمُوَطَّأِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ «جَلَسَ عَلَى الْمَقَاعِدِ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَآذَنَهُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَوْلَا أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ امْرِئٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلَاةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى حَتَّى يُصَلِّيَهَا» قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ أُرَاهُ يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ {أَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]   61 - 59 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، حَفِيدُ حِوَارِيِّ الحديث: 61 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَنْ أَبِيهِ) عُرْوَةَ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ الْفُقَهَاءِ (عَنْ حُمْرَانَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ابْنِ أَبَانٍ (مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) اشْتَرَاهُ زَمَنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَرَوَى عَنْ مَوْلَاهُ وَمُعَاوِيَةَ. وَعَنْهُ أَبُو وَائِلٍ وَعُرْوَةُ وَالْحَسَنُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي تَابِعِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمُحَدِّثِيهِمِ، وَكَانَ يُصَلِّي خَلْفَ عُثْمَانَ وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ، وَكَانَ صَاحِبَ إِذْنِهِ وَكَاتِبَهُ وَهُوَ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ السِّتَّةُ وَقَدِمَ الْبَصْرَةَ فَكَتَبَ عَنْهُ أَجَلُّهَا، وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ. (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ جَلَسَ عَلَى الْمَقَاعِدِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هِيَ مَصَاطِبُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ حِجَارَةٌ بِقُرْبِ دَارِ عُثْمَانَ يَقْعُدُ عَلَيْهَا مَعَ النَّاسِ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هِيَ الدَّرَجُ، وَقِيلَ هِيَ دَكَاكِينُ حَوْلَ دَارِ عُثْمَانَ. قَالَ عِيَاضٌ: وَلَفْظُهَا يَقْتَضِي أَنَّهَا مَوَاضِعُ جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْقُعُودِ فِيهَا (فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَآذَنَهُ) أَعْلَمَهُ (بِصَلَاةِ الْعَصْرِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُعْلِمُهُ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بَعْدَ الْأَذَانِ لِشُغْلِهِ بِأُمُورِ النَّاسِ. (فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ) أَكَّدَ بِالْقَسَمِ وَاللَّامِ لِزِيَادَةِ تَحْرِيضِهِمْ عَلَى حِفْظِهِ وَعَدَمِ الِاغْتِرَارِ بِهِ (حَدِيثًا لَوْلَا أَنَّهُ) كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَابْنُ بُكَيْرٍ بِالنُّونِ وَهَاءِ الضَّمِيرِ أَيْ لَوْلَا أَنَّ مَعْنَاهُ (فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ) أَيْ مَا كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى تَحْدِيثِكُمْ بِهِ لِئَلَّا تَتَّكِلُوا، وَرَوَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ بِالْيَاءِ وَمَدِّ الْأَلِفِ وَهَاءِ التَّأْنِيثِ أَيْ لَوْلَا آيَةٌ تَتَضَمَّنُ مَعْنَاهُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَنَّ النُّونَ تَصْحِيفٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ نَشَأَ مِنْ زِيَادَةِ مُسْلِمٍ وَالْمُوَطَّأِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: لَوْلَا آيَةٌ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ (ثُمَّ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنِ امْرِئٍ يَتَوَضَّأُ» ) وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ (فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ) أَيْ يَأْتِي بِهِ بِكَمَالِ صِفَتِهِ وَآدَابِهِ وَالْفَاءُ بِمَعْنَى ثُمَّ لِأَنَّ إِحْسَانَ الْوُضُوءِ لَيْسَ مُتَأَخِّرًا عَنِ الْوُضُوءِ حَتَّى يُعْطَفَ عَلَيْهِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ بَلْ هِيَ لِبَيَانِ الْمَرْتَبَةِ، دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْإِجَادَةَ فِي الْوُضُوءِ أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْفَرْضِ مِنْهُ. (ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلَاةَ) الْمَكْتُوبَةَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ (إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ صَلَاتِهِ بِالْوُضُوءِ (وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى) أَيِ الَّتِي تَلِيهَا كَمَا فِي مُسْلِمٍ (حَتَّى يُصَلِّيَهَا) قَالَ الْحَافِظُ: أَيْ يُشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَيْ يَفْرَغُ مِنْهَا فَحَتَّى غَايَةِ تَحَصُّلِ الْمُقَدَّرِ فِي الظَّرْفِ إِذِ الْغُفْرَانُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 لَا غَايَةَ لَهُ، ثُمَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِالصَّغَائِرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ، قَالَ الْحَافِظُ: ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ، لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ خَصُّوهُ بِالصَّغَائِرِ لِوُرُودِهِ مُقَيَّدًا بِاسْتِثْنَاءِ الْكَبَائِرِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ كَبَائِرُ وَصَغَائِرُ، فَمَنْ لَيْسَ لَهُ إِلَّا صَغَائِرُ كُفِّرَتْ عَنْهُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْكَبَائِرُ خُفِّفَ عَنْهُ مِنْهَا بِمِقْدَارِ مَا لِصَاحِبِ الصَّغَائِرِ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ صَغَائِرُ وَلَا كَبَائِرُ يُزَادُ فِي حَسَنَاتِهِ بِنَظِيرِ ذَلِكَ اهـ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا: " «مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ» " وَفِي هَذَا كُلِّهِ فَضْلُ الْوُضُوءِ وَأَنَّهُ مُكَفِّرٌ لِلذُّنُوبِ وَشَرَفُ الصَّلَاةِ عَقِبَهُ، وَأَنَّ الْعِبَادَةَ يُكَفَّرُ بِهَا ذُنُوبٌ كَثِيرَةٌ بِمَحْضِ فَضْلِ اللَّهِ وَكَرَمِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ مَحْضِ الْجَزَاءِ وَتَقْدِيرِ الثَّوَابِ بِالْفِعْلِ لَكَانَتِ الْعِبَادَةُ الْوَاحِدَةُ تُكَفِّرُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، فَلَمَّا كَفَّرَتْ ذُنُوبًا كَثِيرَةً عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى حُكْمِ الْمُقَابَلَةِ وَلَا عَلَى مُقْتَضَى الْمُعَاوَضَةِ بَلْ بِمَحْضِ الْفَضْلِ الْعَمِيمِ. (قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ) أَيْ أَظُنُّ عُثْمَانَ (يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: 114] الْغَدَاةَ وَالْعَشِيَّ أَيِ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ (وَزُلَفًا) جَمْعُ زُلْفَةٍ أَيْ طَائِفَةً (مِنَ اللَّيْلِ) الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (إِنَّ الْحَسَنَاتِ) كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) الذُّنُوبُ الصَّغَائِرُ (ذَلِكَ ذِكْرَى) عِظَةٌ (لِلذَّاكِرِينَ) الْمُتَّعِظِينَ، «نَزَلَتْ فِيمَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً فَأَخْبَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلِيَ هَذَا؟ قَالَ: " لِجَمِيعِ أُمَّتِي» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَصِحُّ الرِّوَايَتَانِ أَنَّهُ آيَةٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ الْآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: 159] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 159) زَادَ مُسْلِمٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159] وَالْمَعْنَى: لَوْلَا آيَةٌ تَمْنَعُ مِنْ كِتْمَانِ شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا تَصِحُّ رِوَايَةُ النُّونِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَعِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَزَادَ: وَالصَّحِيحُ تَأْوِيلُ عُرْوَةَ، قَالَ الْحَافِظُ: لِأَنَّ عُرْوَةَ رَاوِي الْحَدِيثِ ذَكَرَهُ بِالْجَزْمِ فَهُوَ أَوْلَى أَيْ لِأَنَّ مَالِكًا ظَنَّهُ، قَالَ: وَهِيَ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَقَدْ جَاءَ نَحْوُ ذَلِكَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَ أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ لَهُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَالنَّاسَ يَسْأَلُونَهُ يَقُولُ: لَوْلَا آيَةٌ نَزَلَتْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَا أَخْبَرْتُ بِشَيْءٍ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: 159] الْآيَةَ، ثُمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَغْفِرَةَ لَا تَحْصُلُ بِإِحْسَانِ الْوُضُوءِ حَتَّى يَنْضَافَ إِلَيْهِ الصَّلَاةُ ; لِأَنَّ الثَّوَابَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى مَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى أَحَدِهِمَا إِلَّا بِدَلِيلٍ خَارِجٍ، وَلَا يُعَارِضُهُ الْأَحَادِيثُ التَّالِيَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْخَطَايَا تَخْرُجُ مَعَ الْوُضُوءِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْوُضُوءِ نَفْيًا مِنَ الذُّنُوبِ، ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 كَانَتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَرُبَّ مُتَوَضٍّ يَحْضُرُهُ مِنَ الْخُشُوعِ مَا يَسْتَقِلُّ وُضُوءَهُ فِي التَّكْفِيرِ وَآخَرُ عِنْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ، وَحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ، فَحَصَلَتْ مُتَابَعَةٌ لِمَالِكٍ فِي شَيْخِهِ هِشَامٍ وَلِهِشَامٍ فِي شَيْخِهِ عُرْوَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَتَمَضْمَضَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ وَإِذَا اسْتَنْثَرَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ قَالَ ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةً لَهُ»   62 - 60 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ نِسْبَةً إِلَى صُنَابِحَ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ، كَذَا لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ بِلَا أَدَاةِ كُنْيَةٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، قَالَ ابْنُ السَّكَنِ: يُقَالُ لَهُ صُحْبَةٌ، مَدَنِيٌّ رَوَى عَنْهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ الْمَدَنِيُّونَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صُحْبَةٌ وَأَمَّا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ الْمَشْهُورُ فَرَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُبَادَةَ، لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ الطَّبَّاعِ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ بِأَدَاةِ الْكُنْيَةِ وَشَذَّا بِذَلِكَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِلَا أَدَاةِ كُنْيَةٍ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ مَالِكٌ بَلْ تَابَعَهُ أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ بِهِ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ مَالِكًا وَهِمَ فِي قَوْلِهِ عَبْدُ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الصُّنَابِحِيَّ لَا وُجُودَ لَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ رَوَى سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا عَنْ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ» " الْحَدِيثَ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغِ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَزُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بِهَذَا. قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَخَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ زَيْدٍ، قُلْتُ: رَوَى زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهَذَا السَّنَدِ حَدِيثًا آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي الْوِتْرِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فَوُرُودُ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَنْ شَيْخِ مَالِكٍ يَدْفَعُ الْجَزْمَ بِوَهْمِ مَالِكٍ فِيهِ، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْإِصَابَةِ اهـ. فَلِلَّهِ دَرُّهُ حَافِظًا فَارِسًا. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَتَمَضْمَضَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ» ) الحديث: 62 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ كَفَّارَةٌ لِمَا يَخُصُّ الْفَمَ مِنَ الْخَطَايَا فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِخُرُوجِهَا مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْفُوَ تَعَالَى عَنْ عِقَابِ الْإِنْسَانِ بِالذُّنُوبِ الَّتِي اكْتَسَبَهَا وَإِنْ لَمْ تَخْتَصَّ بِذَلِكَ الْعُضْوِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: ذَكَرَ خُرُوجَ الْخَطَايَا اسْتِعَارَةً لِحُصُولِ الْمَغْفِرَةِ عِنْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْخَطَايَا فِي الْحَقِيقَةِ شَيْءٌ يَحِلُّ فِي الْمَاءِ أَيْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَجْسَامٍ وَلَا كَائِنَةً فِي أَجْسَامٍ فَتَخْرُجُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْثِيلٌ، شَبَّهَ الْخَطَايَا الْحَاصِلَةَ بِاكْتِسَابِ أَعْضَائِهِ بِأَجْسَامٍ رَدِيَّةٍ امْتَلَأَ بِهَا وِعَاءٌ أُرِيدَ تَنْظِيفُهُ فَتَخْرُجُ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا. (وَإِذَا اسْتَنْثَرَ) بِوَزْنِ اسْتَفْعَلَ أَخْرَجَ مَاءَ الِاسْتِنْشَاقِ ( «خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ» ) جَمْعُ شُفْرٍ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَالْعَامَّةُ تَجْعَلُ أَشْفَارَ الْعَيْنِ الشَّعْرَ وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا الْأَشْفَارُ حُرُوفُ الْعَيْنِ الَّتِي يَنْبُتُ عَلَيْهَا الشَّعْرُ وَالشَّعْرُ الْهُدْبُ. قَالَ الْبَاجِيُّ: جَعَلَ الْعَيْنَيْنِ مَخْرَجًا لِخَطَايَا الْوَجْهِ دُونَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ لِأَنَّهُمَا يَخْتَصَّانِ بِطَهَارَةٍ مَشْرُوعَةٍ فِي الْوُضُوءِ دُونَ الْعَيْنَيْنِ. ( «فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ» ) جَمْعُ ظُفُرٍ بِضَمَّتَيْنِ عَلَى أَفْصَحِ لُغَاتِهِ وَبِهَا قَرَأَ السَّبْعَةُ: {حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 146) وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَظْفُرٍ وَبِإِسْكَانِ الْفَاءِ لِلتَّخْفِيفِ وَبِهِ قَرَأَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَبِكَسْرِ الطَّاءِ بِزِنَةٍ حِمْلٍ وَبِكَسْرَتَيْنِ لِلْإِتْبَاعِ وَبِهِمَا قُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ، وَأُظْفُورٌ جَمْعُهُ أَظَافِيرُ مِثْلُ أُسْبُوعٍ وَأَسَابِيعَ. قَالَ الشَّاعِرُ: مَا بَيْنَ لُقْمَتِهِ الْأُولَى إِذَا انْحَدَرَتْ ... وَبَيْنَ أُخْرَى تَلِيهَا قَيْدَ أُظْفُورٍ ( «فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ» ) تَثْنِيَةُ أُذُنٍ بِضَمَّتَيْنِ وَقَدْ تُسَكَّنُ الذَّالُ تَخْفِيفًا مُؤَنَّثَةٌ، قَالَ الْبَاجِيُّ: جَعَلَهُمَا مَخْرَجًا لِخَطَايَا الرَّأْسِ مَعَ إِفْرَادِهِمَا بِأَخْذِ الْمَاءِ لَهُمَا، وَلَمْ يَجْعَلِ الْفَمَ وَالْأَنْفَ مَخْرَجًا لِخَطَايَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُمَا مُقَدَّمَانِ عَلَى الْوَجْهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا حُكْمُ التَّبَعِ، وَخَرَجَتْ خَطَايَاهُمَا مِنْهُمَا قَبْلَ خُرُوجِهَا مِنَ الْوَجْهِ، وَالْأُذُنَانِ مُؤَخَّرَانِ عَنِ الرَّأْسِ فَكَانَ لَهُمَا حُكْمُ التَّبَعِ. اهـ. وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ خَطَايَا الرَّأْسِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالسَّمْعِ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الصَّغِيرِ: " «وَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ كُفِّرَ بِهِ مَا سَمِعَتْ أُذُنَاهُ» " ( «فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 رِجْلَيْهِ» ) وَلَمَّا كَانَتْ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ بِإِسَالَةِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ الْغَسْلُ نَاسَبَ فِي ذِكْرِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْآثَامُ ذِكْرُ الْإِسَالَةِ الَّتِي هِيَ الْغَسْلُ دُونَ الْمَسْحِ. (قَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةٌ لَهُ» ) أَيْ زِيَادَةٌ لَهُ فِي الْأَجْرِ عَلَى خُرُوجِ الْخَطَايَا وَغُفْرَانِهَا، وَمَعْلُومٌ مَا فِي الْمَشْيِ وَالصَّلَاةِ مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ كُلُّهُمْ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ بِهِ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ»   63 - 61 - (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْهَاءِ (ابْنِ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ الْمَدَنِيِّ يُكَنَّى أَبَا يَزِيدَ، صَدُوقٌ تَغَيَّرَ بِآخِرَةٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ الْمُكْثِرِينَ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: صُوَيْلِحٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ كَانَ لَهُ أَخٌ فَمَاتَ فَوَجَدَ عَلَيْهِ فَسَاءَ حِفْظُهُ. وَلَهُ فِي الْبُخَارِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي الْجِهَادِ مَقْرُونٌ بِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَيْنِ آخَرَيْنِ مُتَابَعَةً فِي الدَّعَوَاتِ وَاحْتَجَّ بِهِ الْبَاقُونَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ وَنَحْوَهُ عَنْهُ كَانَتْ قَبْلَ التَّغَيُّرِ، وَلَهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَشَرَةُ أَحَادِيثَ مَرْفُوعَةٌ مَاتَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ. (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ السَّمَّانَ الزَّيَّاتِ لِأَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ السَّمْنَ وَالزَّيْتَ وَيَخْتَلِفُ بِهِمَا مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى الْحِجَازِ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ ثَبْتٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ، رَوَى عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَخَلْقٍ، وَعَنْهُ بَنُوهُ سُهَيْلٌ وَصَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْأَعْمَشُ وَغَيْرُهُمْ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي عَلَى الظَّاهِرِ قَالَ غَيْرُهُ: وَفِيهِ تَحَرِّي الْمَسْمُوعِ وَإِلَّا فَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَنْبِيهًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّرَادُفِ فَإِنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ مُتَرَادِفَيْنِ، وَعَبَّرَ بِالْعَبْدِ إِشَارَةً إِلَى كَوْنِهِ عِبَادَةً وَجَوَابُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ: (فَغَسَلَ وَجْهَهُ) وَالْفَاءُ مُرَتِّبَةٌ لَهُ عَلَى الشَّرْطِ أَيْ إِذَا أَرَادَ الْوُضُوءَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ كَذَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ مُسْلِمٍ وَفِيهِ تَعَسُّفٌ، وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّ الْجَوَابَ قَوْلُهُ: (خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ) إِثْمٍ (نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنِهِ) بِالْإِفْرَادِ وَيُرْوَى بِالتَّثْنِيَةِ الحديث: 63 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 أَيْ نَظَرَ إِلَى سَبَبِهَا إِطْلَاقًا لِاسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ مُبَالَغَةً، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ يُكَفِّرُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ مَا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْخَطَايَا. (مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَقِيلَ لَيْسَ بِشَكٍّ بَلْ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ نَظَرًا إِلَى الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْمَاءِ وَالنِّهَايَةَ بِآخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، وَتَخْصِيصُ الْعَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالْوَجْهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعَيْنِ وَالْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَيْنِ أَكْثَرُ، فَإِذَا خَرَجَ الْأَكْثَرُ خَرَجَ الْأَقَلُّ فَالْعَيْنُ كَالْغَايَةِ لِمَا يُغْفَرُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لِأَنَّ الْعَيْنَ طَلِيعَةُ الْقَلْبِ وَرَائِدُهُ فَإِذَا ذُكِرَتْ أَغْنَتْ عَنْ سِوَاهَا. (فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ) بِالتَّثْنِيَةِ (خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا) أَيْ عَمِلَتْهَا (يَدَاهُ) وَالْبَطْشُ الْأَخْذُ بِعُنْفٍ، وَبَطَشَتِ الْيَدُ إِذَا عَمِلَتْ فَهِيَ بَاطِشَةٌ وَبَابُهُ ضَرَبَ وَبِهِ قَرَأَ السَّبْعَةُ وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ قَتَلَ، وَبِهَا قَرَأَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ (مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) مَصْدَرُ قَطَرَ مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ سَيَلَانُهُ كَذَا لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ: ( «فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ» ) أَيْ مَشَى لَهَا بِهِمَا أَوْ مَشَتْ فِيهَا قَالَ تَعَالَى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [البقرة: 20] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 20) فَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى خَطِيئَةٍ وَنُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ هُوَ مَصْدَرٌ أَيْ مَشَتِ الْمِشْيَةَ رِجْلَاهُ. (مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) وَقَوْلُهُ: بِعَيْنِهِ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ تَأْكِيدَاتٌ تُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي الْإِزَالَةِ (حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا) بِالنُّونِ وَالْقَافِ نَظِيفًا (مِنَ الذُّنُوبِ) بِخُرُوجِهَا عَنْهُ، وَخَصَّ الْعُلَمَاءُ هَذَا وَنَحْوَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا غُفْرَانُ الذُّنُوبِ بِالصَّغَائِرِ، أَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إِلَّا التَّوْبَةُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: " «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهَا مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» " فَجَعَلُوا التَّقْيِيدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُقَيِّدًا لِلْإِطْلَاقِ فِي غَيْرِهِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: اخْتُلِفَ هَلْ يُغْفَرُ لَهُ بِهَذَا الْكَبَائِرِ إِذَا لَمْ يُصِرَّ عَلَيْهَا أَمْ لَا يُغْفَرُ سِوَى الصَّغَائِرِ؟ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَظَالِمُ الْعِبَادِ، وَقَالَ فِي الْمُفْهِمِ: لَا يَبْعُدُ أَنَّ بَعْضَ الْأَشْخَاصِ تُغْفَرُ لَهُ الْكَبَائِرُ وَالصَّغَائِرُ بِحَسْبِ مَا يَحْضُرُهُ مِنَ الْإِخْلَاصِ وَيُرَاعِيهِ مِنَ الْإِحْسَانِ وَالْآدَابِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ إِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنَ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَ لَهُ بِهِ حَسَنَاتٍ وَرُفِعَ بِهِ دَرَجَاتٍ، وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً رَجَوْنَا أَنْ يُخَفَّفَ مِنَ الْكَبَائِرِ اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ وَحَدَّثَنِي أَبُو طَاهِرٍ وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ وَمِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ كَرِوَايَةِ الْأَكْثَرِ دُونَ زِيَادَةِ ابْنِ وَهْبٍ لَكِنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ حَافِظٍ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ فَيَجِبُ قَبُولُهَا لِأَنَّهُ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْ غَيْرُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَالْتَمَسَ النَّاسُ وَضُوءًا فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فِي إِنَاءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ يَدَهُ ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ يَتَوَضَّئُونَ مِنْهُ قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ»   64 - 62 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ (رَأَيْتُ) أَيْ أَبْصَرْتُ (رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ قَدْ (حَانَتْ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قَرُبَتْ (صَلَاةُ الْعَصْرِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَهُوَ بِالزَّوْرَاءِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ثُمَّ رَاءٍ مَوْضِعٌ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ الزَّوْرَاءَ مَكَانٌ مُرْتَفِعٌ كَالْمَنَارَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ بِالتَّأْذِينِ عَلَى الزَّوْرَاءِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلِ الْوَاقِعُ أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ بِالتَّأْذِينِ فِيهِ كَانَ بِالزَّوْرَاءِ لَا أَنَّهُ الزَّوْرَاءُ نَفْسُهَا. وَلِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: «شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ عِنْدَ الزَّوْرَاءِ أَوْ عِنْدَ بُيُوتِ الْمَدِينَةِ» . (فَالْتَمَسَ) أَيْ طَلَبَ (النَّاسُ وُضُوءًا) بِفَتْحِ الْوَاوِ مَا يَتَوَضَّئُونَ بِهِ (فَلَمْ يَجِدُوهُ) أَيْ لَمْ يُصِيبُوا الْمَاءَ، وَفِي رِوَايَةٍ بِحَذْفِ الضَّمِيرِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا قَرُبَ مِنْهُ وَكَانَ فِي مَعْنَاهُ وَارْتَبَطَ بِهِ لِأَنَّهُ سَمَّى الْمَاءَ وُضُوءًا لِأَنَّهُ يَقُومُ بِهِ الْوُضُوءُ اه، وَكَأَنَّهُ قَرَأَهُ بِضَمِّ الْوَاوِ. (فَأُتِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوُضُوءٍ فِي إِنَاءٍ) وَفِي رِوَايَةٍ: «فَجَاءَ رَجُلٌ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءُ وَرْدٍ فَصَغُرَ أَنْ يَبْسُطَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ كَفَّهُ فَضَمَّ أَصَابِعَهُ» ، وَرَوَى الْمُهَلَّبُ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ مِقْدَارَ وُضُوءِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. وَلِأَبِي نُعَيْمٍ وَالْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ الْآتِي بِالْمَاءِ وَلَفْظُهُ: " قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْطَلِقْ إِلَى بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَتَيْتُهُ بِقَدَحِ مَاءٍ إِمَّا ثُلُثُهُ وَإِمَّا نِصْفُهُ» " الْحَدِيثَ وَفِيهِ: أَنَّهُ رَدَّهُ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ إِلَيْهَا وَفِيهِ قَدْرُ مَا كَانَ فِيهِ أَوَّلًا. ( «فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ يَدَهُ» ) الْيُمْنَى عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَنْصَارِيُّ. (ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ يَتَوَضَّئُونَ) وَفِي رِوَايَةٍ: أَنْ يَتَوَضَّئُوا (مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْإِنَاءِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ بِوَحْيٍ يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ إِذَا وَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ نَبَعَ الْمَاءُ حَتَّى يَعُمَّ أَصْحَابَهُ الْوُضُوءُ. ( «قَالَ أَنَسٌ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ» ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَفَتْحُهَا أَيْ يَخْرُجُ (مِنْ تَحْتِ) وَفِي رِوَايَةٍ: يَفُورُ مِنْ بَيْنِ (أَصَابِعِهِ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمْ نَسْمَعْ بِهَذِهِ الْمُعْجِزَةِ عَنْ غَيْرِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ نَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ عَظْمِهِ وَلَحْمِهِ وَدَمِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ نَبْعَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْلَغُ فِي الْمُعْجِزَةِ مِنْ الحديث: 64 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 نَبْعِ الْمَاءِ مِنَ الْحَجَرِ حَيْثُ ضَرَبَهُ مُوسَى بِالْعَصَا فَتَفَجَّرَتْ مِنْهُ الْمِيَاهُ ; لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَاءِ مِنَ الْحِجَارَةِ مَعْهُودٌ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ. (فَتَوَضَّأَ النَّاسُ) وَكَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلًا كَمَا فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَلَهُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ كَانُوا سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَهُ، وَفِي مُسْلِمٍ سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: " «أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ وَهُوَ بِالزَّوْرَاءِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَجَعَلَ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّأَ الْقَوْمُ " قَالَ أَيْ قَتَادَةُ: فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: كُنَّا ثَلَاثَمِائَةٍ أَوْ زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ» ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ ثَلَاثُمِائَةٍ بِالْجَزْمِ دُونَ قَوْلِهِ: أَوْ زُهَاءَ بِضَمِّ الزَّايِ أَيْ مُقَارِبٌ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ إِذْ كَانُوا مَرَّةً ثَمَانِينَ أَوْ سَبْعِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثَمِائَةٍ أَوْ مَا قَارَبَهَا، فَهُمَا كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ: قَضِيَّتَانِ جَرَتَا فِي وَقْتَيْنِ حَضَرَهُمَا جَمِيعًا أَنَسٌ. (حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: حَتَّى لِلتَّدْرِيجِ وَمِنْ لِلْبَيَانِ أَيْ تَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّأَ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ آخِرِهِمْ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ جَمِيعِهِمْ، وَعِنْدَ بِمَعْنَى فِي لِأَنَّ عِنْدَ وَإِنْ كَانَتْ لِلظَّرْفِيَّةِ الْخَاصَّةِ لَكِنَّ الْمُبَالَغَةَ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ لِمُطْلَقِ الظَّرْفِيَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: الَّذِينَ هُمْ فِي آخِرِهِمْ. وَقَالَ التَّيْمِيُّ: الْمَعْنَى تَوَضَّأَ الْقَوْمُ حَتَّى وَصَلَتِ النَّوْبَةُ إِلَى الْآخِرِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مِنْ هُنَا بِمَعْنَى إِلَى وَهِيَ لُغَةٌ، وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهَا شَاذَّةٌ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ إِلَى لَا يَجُوزُ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى عِنْدَ وَيَلْزَمَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا قَالَهُ التَّيْمِيُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْأَخِيرُ، لَكِنَّ مَا قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ مِنْ أَنَّ إِلَى لَا تَدْخُلُ عَلَى عِنْدَ لَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي مِنْ إِذَا وَقَعَتْ بِمَعْنَى إِلَى، وَعَلَى تَوْجِيهِ النَّوَوِيِّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ زَائِدَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُوَاسَاةَ مَشْرُوعَةٌ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِمَنْ كَانَ فِي مَائِهِ فَضْلَةٌ عَنْ وُضُوئِهِ، وَأَنَّ اغْتِرَافَ الْمُتَوَضِّئِ مِنَ الْمَاءِ لَا يُصَيِّرُهُ مُسْتَعْمَلًا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِغَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ إِدْخَالِهَا الْإِنَاءَ أَمْرُ نَدْبٍ لَا حَتْمٍ. قَالَ عِيَاضٌ: نَبَعَ الْمَاءُ رَوَاهُ الثِّقَاتُ مِنَ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ وَالْجَمِّ الْغَفِيرِ عَنِ الْكَافَّةِ مُتَّصِلَةٌ بِالصَّحَابَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنِ اجْتِمَاعِ الْكَثِيرِ مِنْهُمْ فِي الْمَحَافِلِ وَمَجَامِعِ الْعَسَاكِرِ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِنْكَارٌ عَلَى رَاوِي ذَلِكَ، فَهَذَا النَّوْعُ مُلْحَقٌ بِالْقَطْعِيِّ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: نَبْعُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ تَكَرَّرَ فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ فِي مَشَاهِدَ عَظِيمَةٍ، وَوَرَدَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ يُفِيدُ مَجْمُوعُهَا الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ الْمُسْتَفَادَ مِنَ التَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِيِّ، قَالَ الْحَافِظُ: فَأَخَذَ الْقُرْطُبِيُّ كَلَامَ عِيَاضٍ وَتَصَرَّفَ فِيهِ، وَحَدِيثُ نَبْعِ الْمَاءِ جَاءَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ خَمْسَةِ طُرُقٍ، وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَهُمْ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَعَنْ أَبِي لَيْلَى وَالِدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَعَدُّ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ أَيِ الْخَمْسَةُ لَيْسَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ إِطْلَاقِهِمَا. وَأَمَّا تَكْثِيرُ الْمَاءِ بِأَنْ لَمَسَهُ بِيَدِهِ أَوْ تَفَلَ فِيهِ أَوْ أَمَرَ بِوَضْعِ شَيْءٍ فِيهِ كَسَهْمٍ مِنْ كِنَانَتِهِ، فَجَاءَ عَنْ عِمْرَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 فِي الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَأَبِي قَتَادَةَ فِي مُسْلِمٍ وَأَنَسٍ فِي دَلَائِلِ الْبَيْهَقِيِّ، وَزِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ اَلصُّدَائِيِّ عِنْدَهُ وَعَنْ بُرَّيْجٍ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ الصُّدَائِيِّ أَيْضًا، فَإِذَا ضُمَّ هَذَا إِلَى هَذَا بَلَغَ الْكَثْرَةَ الْمَذْكُورَةَ أَوْ قَارَبَهَا. وَأَمَّا مَنْ رَوَاهَا مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الثَّانِي فَهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا وَإِنْ كَانَ شَطْرُ طُرُقِهِ أَفْرَادًا، وَبِالْجُمْلَةِ يُسْتَفَادُ مِنْهَا رَدُّ قَوْلِ ابْنِ بَطَّالٍ: هَذَا الْحَدِيثُ شَهِدَهُ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ وَذَلِكَ لِطُولِ عُمُرِهِ وَطَلَبِ النَّاسِ عُلُوَّ السَّنَدِ، وَهَذَا يُنَادَى عَلَيْهِ بِقِلَّةِ الِاطِّلَاعِ وَالِاسْتِحْضَارِ لِأَحَادِيثِ الْكِتَابِ الَّذِي شَرَحَهُ انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ فِي الْفَضَائِلِ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ الْمُجْمِرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ بِإِحْدَى خُطْوَتَيْهِ حَسَنَةٌ وَيُمْحَى عَنْهُ بِالْأُخْرَى سَيِّئَةٌ فَإِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ الْإِقَامَةَ فَلَا يَسْعَ فَإِنَّ أَعْظَمَكُمْ أَجْرًا أَبْعَدُكُمْ دَارًا قَالُوا لِمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ مِنْ أَجْلِ كَثْرَةِ الْخُطَا   65 - 63 - (مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ) مَوْلَى آلِ عُمَرَ، رَوَى عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَجَمَاعَةٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ ابْنُهُ وَمَالِكٌ وَآخَرُونَ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا. (الْمُجْمِرِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْإِجْمَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَشَدِّ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ مِنَ التَّجْمِيرِ، قَالَ الْحَافِظُ: وُصِفَ هُوَ وَأَبُوهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِمَا كَانَا يُبَخِّرَانِ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ وَصْفَ عَبْدِ اللَّهِ بِذَلِكَ حَقِيقَةٌ، وَوَصْفَ ابْنِهِ نُعَيْمٍ بِذَلِكَ مَجَازٌ فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ جَزَمَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ بِأَنَّ نُعَيْمًا كَانَ يُبَاشِرُ ذَلِكَ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُجَمِّرُ الْمَسْجِدَ إِذَا قَعَدَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقِيلَ كَانَ مِنَ الَّذِينَ يُجَمِّرُونَ الْكَعْبَةَ، زَادَ غَيْرُهُ: وَقِيلَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُجَمِّرُ الْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ وَلَا مَانِعَ مِنَ الْجَمْعِ. (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ: كَانَ نُعَيْمٌ يُوقِفُ كَثِيرًا مِنْ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُقَالُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ فَهُوَ مُسْنَدٌ، وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ. (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَضُوءَهُ) بِإِتْيَانِهِ بِفَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ وَفَضَائِلِهِ وَتَجَنُّبِ مَنْهِيَّاتِهِ. (ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الصَّلَاةِ) أَيْ قَاصِدًا لَهَا دُونَ غَيْرِهَا (فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ) أَيْ فِي حُكْمِهَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِتَرْكِ الْعَبَثِ وَفِي اسْتِعْمَالِ الْخُشُوعِ وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ وَهَذَا الْحُكْمُ مُسْتَمِرٌّ. (مَا دَامَ يَعْمِدُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ يَقْصِدُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَمَاضِيهِ عَمَدَ كَقَصَدَ وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْ بَابِ فَرِحَ. (إِلَى الصَّلَاةِ) أَيْ مَا دَامَ مُسْتَمِرًّا عَلَى مَا يَقْصِدُهُ، ثُمَّ الْمُرَادُ أَنْ الحديث: 65 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 يَكُونَ بَاعِثُ خُرُوجِهِ قَصْدَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ عَرَضَ لَهُ فِي خُرُوجِهِ أَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ فَقَضَاهُ وَالْمَدَارُ عَلَى الْإِخْلَاصِ فَحَسْبُ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ فَلَا يَفْعَلْ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» " وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وَضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ» ". (وَأَنَّهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا (يُكْتَبُ لَهُ بِإِحْدَى خُطْوَتَيْهِ) بِضَمِّ الْخَاءِ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَجَزَمَ الْيَعْمَرِيُّ أَنَّهَا هُنَا بِالْفَتْحِ، وَالْقُرْطُبِيُّ وَالْحَافِظُ بِالضَّمِّ وَهِيَ الْيُمْنَى. (حَسَنَةٌ وَيُمْحَى عَنْهُ بِالْأُخْرَى) أَيِ الْيُسْرَى (سَيِّئَةٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ لِخُطَائِهِ حُكْمَيْنِ: فَيُكْتَبُ لَهُ بِبَعْضِهَا حَسَنَاتٌ وَيُمْحَى عَنْهُ بِبَعْضِهَا سَيِّئَاتٌ، وَأَنَّ حُكْمَ زِيَادَةِ الْحَسَنَاتِ غَيْرُ حُكْمِ مَحْوِ السَّيِّئَاتِ وَهَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَلِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَذَكَرَ قَوْمٌ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ وَاحِدٌ، وَأَنَّ كَتْبَ الْحَسَنَاتِ هُوَ بِعَيْنِهِ مَحْوُ السَّيِّئَاتِ. انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: فِيهِ تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ مَعَ رَفْعِ الدَّرَجَاتِ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْتَمِعُ فِي الْعَمَلِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا رَافِعٌ وَالْآخَرُ مُكَفِّرٌ كُلٌّ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارٍ فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ وَلَا تَأْوِيلَ كَمَا ظُنَّ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ لِلْمَاشِي لَا لِلرَّاكِبِ أَيْ بِلَا عُذْرٍ، وَذِكْرُ رِجْلِهِ غَالِبِيٌّ فَبَدَلُهَا فِي حَقِّ فَاقِدِهَا مِثْلُهَا. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: " «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يَنْزِعُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ تَزَلْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى تَمْحُو عَنْهُ سَيِّئَةً وَتَكْتُبُ لَهُ الْيُمْنَى حَسَنَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ» ". وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ بَعْضِ الْأَنْصَارِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ لَمْ يَرْفَعْ قَدَمَهُ الْيُمْنَى إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ حَسَنَةً وَلَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ الْيُسْرَى إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ سَيِّئَةً فَلْيُقَرِّبْ أَحَدُكُمْ أَوْ لِيُبَعِّدْ» " قَالَ الْعِرَاقِيُّ: خَصَّ تَحْصِيلَ الْحَسَنَةِ بِالْيُمْنَى لِشَرَفِ جِهَةِ الْيُمْنَى، وَحِكْمَةُ تَرَتُّبِ الْحَسَنَةِ عَلَى رَفْعِهَا حُصُولُ رَفْعِ الدَّرَجَةِ بِهَا، وَحِكْمَةُ تَرَتُّبِ حَطِّ السَّيِّئَةِ عَلَى وَضْعِ الْيُسْرَى مُنَاسَبَةُ الْحَطِّ لِلْوَضْعِ، فَلَمْ يُرَتِّبْ حَطَّ السَّيِّئَةِ عَلَى رَفْعِ الْيُسْرَى كَمَا فَعَلَ فِي الْيُمْنَى بَلْ عَلَى وَضْعِهَا، أَوْ يُقَالُ: إِنَّ قَاصِدَ الْمَشْيِ لِلْعِبَادَةِ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِرَفْعِ الْيُمْنَى لِلْمَشْيِ فَرَتَّبَ الْأَجْرَ عَلَى ابْتِدَاءِ الْعَمَلِ. (فَإِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ الْإِقَامَةَ) لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مَاشٍ إِلَيْهَا (فَلَا يَسْعَ) أَيْ لَا يُسْرِعْ وَلَا يُعَجِّلْ فِي مِشْيَتِهِ بَلْ يَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنِ الْوَقَارِ الْمَشْرُوعِ فِي إِتْيَانِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ تَقِلُّ بِهِ الْخُطَا وَكَثْرَتُهَا مُرَغَّبٌ فِيهِ لِكَتْبِ الْحَسَنَاتِ وَمَحْوِ السَّيِّئَاتِ كَمَا ذُكِرَ. ( «فَإِنَّ أَعْظَمَكُمْ أَجْرًا أَبْعَدُكُمْ دَارًا» ) مِنَ الْمَسْجِدِ. (قَالُوا: لِمَ) أَيْ: لِأَيِّ شَيْءٍ (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟) بُعْدُ الدَّارِ أَعْظَمُ أَجْرًا (قَالَ: مِنْ أَجْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 كَثْرَةِ الْخُطَا) بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ جَمْعُ خُطْوَةٍ بِالضَّمِّ، وَفِيهِ فَضْلُ الدَّارِ الْبَعِيدَةِ عَنِ الْمَسْجِدِ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَانَتْ بَنُو سَلَمَةَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ فَأَرَادُوا النُّقْلَةَ إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12] (سُورَةُ يس: الْآيَةُ 12) فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ آثَارَكُمْ تُكْتَبُ» " فَلَمْ يَنْتَقِلُوا أَيْ: أَعْمَالُهُمُ الْمُنْدَرِجَةُ فِيهَا آثَارُ خُطَاهُمْ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا وَرَدَ إِنَّ مِنْ شُؤْمِ الدَّارِ بُعْدُهَا عَنِ الْمَسْجِدِ ; لِأَنَّ شُؤْمَهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى تَفْوِيتِ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ وَفَضْلَهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يَتَحَمَّلُ الْمَشَقَّةَ وَيَتَكَلَّفُ الْمَسَافَةَ لِإِدْرَاكِ الْفَضْلِ، فَشُؤْمُهَا وَفَضْلُهَا أَمْرَانِ اعْتِبَارِيَّانِ فَلَا تَنَافٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُسْأَلُ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ الْغَائِطِ بِالْمَاءِ فَقَالَ سَعِيدٌ إِنَّمَا ذَلِكَ وُضُوءُ النِّسَاءِ   66 - 64 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَسْأَلُ عَنِ الْوُضُوءِ مِنَ الْغَائِطِ بِالْمَاءِ فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّمَا ذَلِكَ وُضُوءُ النِّسَاءِ) قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يُرِيدُ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ بِالْحِجَارَةِ يَجْزِي الرَّجُلَ وَإِنَّمَا يَكُونُ أَيْ يَتَعَيَّنُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ لِلنِّسَاءِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ عَادَةُ النِّسَاءِ وَأَنَّ عَادَةَ الرِّجَالِ الِاسْتِجْمَارُ وَأَنْ يُرِيدَ عَيْبَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» " وَهَذَا لَا يَرَاهُ مَالِكٌ وَلَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. الحديث: 66 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ»   67 - 65 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ) قَالَ الْحَافِظُ: كَذَا لِلْمُوَطَّأِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مِنْ رِوَايَةِ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ إِذَا وَلَغَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ لُغَةً، يُقَالُ: وَلَغَ يَلَغُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا إِذَا شَرِبَ بِطَرَفِ لِسَانِهِ أَوْ أَدْخَلَ لِسَانَهُ فِيهِ فَحَرَّكَهُ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ أَنْ يُدْخِلَ لِسَانَهُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مَائِعٍ لِيُحَرِّكَهُ، زَادَ ابْنُ دَرَسْتَوَيْهِ: شَرِبَ أَوْ لَمْ يَشْرَبْ، وَقَالَ مَكِّيٌّ: فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَائِعٍ يُقَالُ لَعَقَهُ، وَقَالَ الْمُطَرِّزُ: فَإِنْ كَانَ فَارِغًا يُقَالُ لَحَسَهُ، وَادَّعَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ لَفْظَ شَرِبَ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا مَالِكٌ وَأَنَّ غَيْرَهُ رَوَاهُ بِلَفْظِ وَلَغَ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى، فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ الحديث: 67 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 حَسَّانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: إِذَا شَرِبَ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ بِلَفْظِ: إِذَا وَلَغَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ. وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ شَيْخُ مَالِكٍ بِلَفْظِ: إِذَا شَرِبَ وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى، نَعَمْ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: إِذَا وَلَغَ، أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الطَّهُورِ لَهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَوْرَدَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ لَهُ عَنْ طَرِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، وَكَأَنَّ أَبَا الزِّنَادِ حَدَّثَ بِهِ بِاللَّفْظَيْنِ لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَعْنَى، لَكِنَّ الشُّرْبَ كَمَا بَيَّنَّا أَعَمُّ مِنَ الْوُلُوغِ فَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ فِي إِذَا وَلَغَ يَقْتَضِي قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ. (فِي) أَيْ: مِنْ كَمَا فِي رِوَايَةٍ أَوِ التَّقْدِيرُ شَرِبَ الْمَاءَ فِي (إِنَاءِ أَحَدِكُمْ) ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي الْآنِيَةِ، وَالْإِضَافَةُ يُلْغَى اعْتِبَارُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مِلْكٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: (فَلْيَغْسِلْهُ) لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْغَاسِلَ، وَزَادَ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي رَزِينٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَلْيُرِقْهُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَائِلًا: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ عَلِيَّ بْنَ مُسْهِرٍ عَلَى زِيَادَةِ فَلْيُرِقْهُ، وَقَالَ حَمْزَةُ الْكَتَّانِيُّ: إِنَّهَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَذْكُرْهَا الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ، وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: لَا تُعْرَفُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْإِرَاقَةِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ لَكِنْ فِي رَفْعِهِ نَظَرٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَكَذَا ذَكَرَ الْإِرَاقَةَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ. (سَبْعَ مَرَّاتٍ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ التَّتْرِيبُ وَلَا ثَبَتَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَلَى أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ عَنْهُ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ وَأَبِي رَافِعٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالِدِ السُّدِّيِّ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَاخْتَلَفَتِ الرُّوَاةُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، فَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْهُ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ عَنْهُ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ، وَلِلشَّافِعِيِّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ، وَقَالَ قَتَادَةُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أُولَاهُنَّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْهُ السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ اهـ. فَحَاصِلُهُ أَنَّهَا شَاذَّةٌ، وَإِنْ صَحَّ إِسْنَادُهَا فَلِذَا لَمْ يَقُلْ مَالِكٌ بِالتَّتْرِيبِ أَصْلًا مَعَ قَوْلِهِ بِاسْتِحْبَابِ التَّسْبِيعِ فِي وُلُوغِهِ فِي الْمَاءِ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَوْلُ الْحَافِظِ: أَوْجَبَ الْمَالِكِيَّةُ التَّسْبِيعَ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَلَمْ يَقُولُوا بِالتَّتْرِيبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ تَبِعَ فِيهِ قَوْلَ جَمَاعَةٍ إِنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَقَوْلُ الشِّهَابِ الْقَرَافِيِّ صَحَّتِ الْأَحَادِيثُ بِالتَّتْرِيبِ، فَالْعَجَبُ مِنْهُمْ كَيْفَ لَمْ يَقُولُوا بِهَا مَدْفُوعٌ بِأَنَّهَا شَاذَّةٌ وَإِنْ صَحَّتْ كَمَا أَفَادَهُ الْحَافِظُ بِمَا قَدَّمْتُهُ عَنْهُ وَقَالَ بَعْدَهُ بِكَثِيرٍ: لَوْ سَلَكْنَا التَّرْجِيحَ فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ نَقُلْ بِالتَّتْرِيبِ أَصْلًا لِأَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ بِدُونِهِ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ أَثْبَتَهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْمَلُوا وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ   67 - 66 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) جَاءَ هَذَا صَحِيحًا مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ إِلَّا أَنَّ فِيهِ: «وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةَ» . وَمِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا وَالْبَيْهَقِيُّ إِلَّا أَنَّ فِيهِ: «وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ» ، وَسَائِرُهُ بِلَفْظِ الْمُوَطَّأِ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اسْتَقِيمُوا» ) أَيْ لَا تَزِيغُوا وَتَمِيلُوا عَمَّا سُنَّ لَكُمْ وَفُرِضَ عَلَيْكُمْ وَلَيْتَكُمْ تُطِيقُونَ ذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَيِ الْزَمُوا الْمَنْهَجَ الْمُسْتَقِيمَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى إِيفَاءِ حُقُوقِ الْحَقِّ - جَلَّ جَلَالُهُ - وَرِعَايَةِ حُدُودِهِ وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ. (وَلَنْ تُحْصُوا) ثَوَابَ الِاسْتِقَامَةِ إِنِ اسْتَقَمْتُمْ. قَالَهُ مُطَرِّفٌ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] (سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 18) وَلَنْ تُطِيقُوا أَنْ تَسْتَقِيمُوا حَقَّ الِاسْتِقَامَةِ لِعُسْرِهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِقَوْلِهِ: وَلَيْتَكُمْ تُطِيقُونَ أَوْ لَنْ تُطِيقُوهَا بِقُوَّتِكُمْ وَحَوْلِكُمْ وَإِنْ بَذَلْتُمْ جُهْدَكُمْ بَلْ بِاللَّهِ، أَوِ اسْتَقِيمُوا عَلَى الطَّرِيقِ الْحُسْنَى وَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا الْإِحَاطَةَ فِي الْأَعْمَالِ وَلَا بُدَّ لِلْمَخْلُوقِ مِنْ تَقْصِيرٍ وَمَلَالٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْبَاجِيِّ أَيْ لَا يُمْكِنُكُمُ اسْتِيعَابَ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] (سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: الْآيَةُ 20) اهـ. وَكَأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ تَنْبِيهُ الْمُكَلَّفِ عَلَى رُؤْيَةِ التَّقْصِيرِ وَتَحْرِيضُهُ عَلَى الْجَدِّ لِئَلَّا يَتَّكِلَ عَلَى عَمَلِهِ، وَلِذَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَخْبَرَهُمْ بَعْدَ الْأَمْرِ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِيفَاءِ حَقِّهِ وَالْبُلُوغِ إِلَى غَايَتِهِ لِئَلَّا يَغْفُلُوا عَنْهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا تَتَّكِلُوا عَلَى مَا تَأْتُونَ بِهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَةِ رَبِّكُمْ فِيمَا تَذَرُوَنَ عَجْزًا وَقُصُورًا لَا تَقْصِيرًا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: (وَلَنْ تُحْصُوا) إِخْبَارٌ وَاعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَمَا اعْتَرَضَ وَلَنْ تَفْعَلُوا بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا} [البقرة: 24] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 24) كَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَمَرَهُمْ بالِاسْتِقَامَةِ وَهِيَ شَاقَّةٌ جِدًّا تَدَارَكَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَنْ تُحْصُوا) رَحْمَةً وَرَأْفَةً مِنْهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] (سُورَةُ التَّغَابُنِ: الْآيَةُ 16) بَعْدَمَا أَنْزَلَ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 102) أَيْ وَاجِبُ تَقْوَاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 (وَاعْمَلُوا) الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ كُلَّهَا. (وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ) أَيْ إِنَّهَا أَكْثَرُ أَعْمَالِكُمْ أَجْرًا، فَلِذَا كَانَتْ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ لِجَمْعِهَا الْعِبَادَاتِ كَقِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَإِمْسَاكٍ عَنْ كَلَامِ الْبَشَرِ وَالْمُفْطِرَاتِ، هِيَ مِعْرَاجُ الْمُؤْمِنِ وَمُقَرِّبَتُهُ إِلَى اللَّهِ فَالْزَمُوهَا وَأَقِيمُوا حُدُودَهَا سِيَّمَا مُقَدِّمَتُهَا الَّتِي هِيَ شَطْرُ الْإِيمَانِ فَحَافِظُوا عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهَا إِلَّا مُؤْمِنٌ رَاسِخُ الْقَدَمِ فِي التَّقْوَى كَمَا قَالَ. (وَلَا) وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَنْ (يُحَافِظَ عَلَى الْوُضُوءِ) الظَّاهِرِيِّ وَالْبَاطِنِيِّ (إِلَّا مُؤْمِنٌ) كَامِلُ الْإِيمَانِ فَلَا يُدِيمُ فِعْلَهُ فِي الْمَكَارِهِ وَغَيْرِهَا مُنَافِقٌ، فَالظَّاهِرِيُّ ظَاهِرٌ وَالْبَاطِنِيُّ طَهَارَةُ السِّرِّ عَنِ الْأَغْيَارِ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْمُجَاهَدَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا تَارَةً غَالِبًا وَتَارَةً مَغْلُوبًا، أَيْ لَنْ تُطِيقُوا الِاسْتِقَامَةَ فِي تَطْهِيرِ سِرِّكُمْ، وَلَكِنْ جَاهِدُوا فِي تَطْهِيرِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَتَطْهِيرِ الْحَدَثِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَأَنْتُمْ فِي الِاسْتِقَامَةِ بَيْنَ عَجْزِ الْبَشَرِيَّةِ وَبَيْنَ الِاسْتِظْهَارِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، فَتَكُونُونَ بَيْنَ رِعَايَةٍ وَإِهْمَالٍ وَتَقْصِيرٍ وَإِكْمَالٍ وَمُرَاقَبَةٍ وَإِغْفَالٍ، وَبَيْنَ جِدٍّ وَفُتُورٍ كَمَا أَنَّكُمْ بَيْنَ حَدَثٍ وَطَهُورٍ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِدَامَةِ الْوُضُوءِ وَتَجْدِيدِهِ إِنْ صَلَّى بِهِ لِأَنَّ تَجْدِيدَهُ مِنَ الْمُحَافَظَةِ الْكَامِلَةِ عَلَيْهِ، وَمِنْ شَوَاهِدِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «اسْتَقِيمُوا وَنِعِمَّا إِنِ اسْتَقَمْتُمْ، وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ لِأُذُنَيْهِ   7 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ 69 - 67 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ لِأُذُنَيْهِ) قَالَ عِيسَى: أَيْ يَقْبِضُ أَصَابِعَهُ مِنْ كِلْتَا يَدَيْهِ وَيَمُرُّ سَبَّابَتَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا الْيُسْرَى مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ، قَالَ: وَهُوَ حَسَنٌ مِنَ الْفِعْلِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْنِ مِنْ كُلِّ يَدٍ فَيَمْسَحُ بِهِمَا أُذُنَيْهِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ بَاطِنَ الْأُذُنَيْنِ يُمْسَحُ بِالسَّبَّابَةِ وَظَاهِرَهُمَا بِالْإِبْهَامِ. الحديث: 69 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَقَالَ لَا حَتَّى يُمْسَحَ الشَّعْرُ بِالْمَاءِ   69 - 68 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سُئِلَ عَنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَقَالَ: لَا حَتَّى يُمْسَحَ الشَّعْرُ بِالْمَاءِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 6) وَالْمَاسِحُ عَلَى الْعِمَامَةِ لَمْ يَمْسَحْ بِرَأْسِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ» مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَبِلَالٍ وَالْمُغِيرَةِ وَأَنَسٍ وَكُلُّهَا مَعْلُومَةٌ. وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ عَمْرٍو وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ إِسْنَادِهِ فِي كِتَابِ الْأَجْوِبَةِ عَنِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَغْرَبَةِ مِنَ الْبُخَارِيِّ، وَأَجَازَ الْمَسْحَ عَلَيْهَا أَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ لِلْآثَارِ وَقِيَاسًا عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْآثَارِ لَا مِنَ الْقِيَاسِ، وَلَوْ كَانَ مِنْهُ لِجَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَرَضَ اللَّهُ مَسْحَ الرَّأْسِ، وَحَدِيثُ مَسْحِ الْعِمَامَةِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَلَا يُتْرَكُ الْمُتَيَقَّنُ لِلْمُحْتَمَلِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْخُفِّ بَعِيدٌ لِمَشَقَّةِ نَزْعِهِ بِخِلَافِهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَنْفِي الِاقْتِصَارَ عَلَى الْمَسْحِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَحْمِلُ الْمُشْتَرِكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ ; لِأَنَّ مَنْ قَالَ: قَبَّلْتُ رَأْسَ فُلَانٍ يَصْدُقُ وَلَوْ عَلَى حَائِلٍ، وَبِأَنَّ الْمُجِيزِينَ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ شَرَطُوا فِيهِ مَشَقَّةَ نَزْعِهَا كَالْخُفِّ، وَرُدَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَصْلَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ، وَالنُّصُوصُ وَرَدَتْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلًا وَأَمْرًا بِمَسْحِ الرَّأْسِ، فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ مَسْحِ الْعِمَامَةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِعُذْرٍ بِدَلِيلِ الْمَسْحِ عَلَى النَّاصِيَةِ مَعَهَا كَمَا فِي مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَنْزِعُ الْعِمَامَةَ وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ بِالْمَاءِ   71 - 69 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَنْزِعُ الْعِمَامَةَ وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ بِالْمَاءِ) إِذَا تَوَضَّأَ. الحديث: 71 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ رَأَى صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ تَنْزِعُ خِمَارَهَا وَتَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا بِالْمَاءِ وَنَافِعٌ يَوْمَئِذٍ صَغِيرٌ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ فَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْسَحَ الرَّجُلُ وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى عِمَامَةٍ وَلَا خِمَارٍ وَلْيَمْسَحَا عَلَى رُءُوسِهِمَا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ فَنَسِيَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى جَفَّ وَضُوءُهُ قَالَ أَرَى أَنْ يَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ   72 - 70 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ رَأَى صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ) ابْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّةَ (امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) تَزَوَّجَهَا فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَأَصْدَقَهَا عُمَرُ عَنْهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَزَادَ هُوَ سِرًّا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَوَلَدَتْ لَهُ وَاقِدًا وَأَبَا بَكْرٍ وَأَبَا عُبَيْدَةَ وَعُبَيْدَ اللَّهِ وَعُمَرَ وَحَفْصَةَ وَسَوْدَةَ. قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: أَدْرَكَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تَسْمَعْ مِنْهُ وَأَنْكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَذَكَرَهَا الْعِجْلِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، وَجَمَعَ فِي الْإِصَابَةِ بِأَنَّهَا وَلَدَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُوهَا صَحَابِيٌّ فَيُحْمَلُ الحديث: 72 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 نَفْيُ الْإِدْرَاكِ عَلَى إِدْرَاكِ السَّمَاعِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تُمَيِّزْ إِلَّا بَعْدَ الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ، وَقَدْ حَدَّثَتْ عَنْ عُمَرَ وَحَفْصَةَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَنْهَا سَالِمُ بْنُ زَوْجِهَا وَنَافِعٌ مَوْلَاهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأَسَنَّتْ فَكَانَتْ تَطُوفُ عَلَى رَاحِلَةٍ (تَنْزِعُ خِمَارَهَا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مَا تُغَطِّي بِهِ رَأْسَهَا (وَتَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا بِالْمَاءِ وَنَافِعٌ يَوْمَئِذٍ صَغِيرٌ) لَمْ يَبْلُغْ فَلِذَا رَآهَا وَفِيهِ قَبُولُ رِوَايَةِ الصَّغِيرِ إِذَا رَوَاهَا كَبِيرًا، وَكَذَا الْكَافِرُ إِذَا رَوَى بَعْدَ إِسْلَامِهِ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ) لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (فَقَالَ: لَا يَنْبَغِي) أَيْ لَا يَجُوزُ (أَنْ يَمْسَحَ الرَّجُلُ وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى عِمَامَةٍ وَلَا خِمَارٍ) وَلَا يَكْفِي إِنْ وَقَعَ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: (وَلِيَمْسَحَا عَلَى رُءُوسِهِمَا) بِالْجَمْعِ كَرَاهَةَ تَوَالِي تَثْنِيَتَيْنِ نَحْوَ: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] (سُورَةُ التَّحْرِيمِ: الْآيَةُ 4) . (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ فَنَسِيَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى جَفَّ وُضُوؤُهُ قَالَ أَرَى) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (أَنْ يَمْسَحَ بِرَأْسِهِ) وَحْدَهُ وَيَصِحُّ وَضَوْءُهُ لِأَنَّ الْفَوْرَ إِنَّمَا يَجِبُ مَعَ الذِّكْرِ لَا مَعَ النِّسْيَانِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: فَإِنْ ذَكَرَهُ بِحَضْرَةِ الْوُضُوءِ أَوْ قُرْبَهُ مَسَحَ رَأْسَهُ وَمَا بَعْدَهُ لِيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ الْمَشْرُوعُ فِي الطَّهَارَةِ. (وَإِنْ كَانَ صَلَّى أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ) بَعْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ وُجُوبًا لِتَرْكِهِ فَرْضًا مِنَ الْوُضُوءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]   8 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: لَيْسَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنِ الصَّحَابَةِ اخْتِلَافٌ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ مِنْهُمْ إِنْكَارَهُ رَوَى إِثْبَاتَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَهُ إِلَّا مَالِكًا فِي رِوَايَةٍ أَنْكَرَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَالرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ عَنْهُ مُصَرِّحَةٌ بِإِثْبَاتِهِ وَمُوَطَّأُهُ يَشْهَدُ لِلْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَعَلَيْهَا جَمِيعُ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: رِوَايَةُ الْإِنْكَارِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَظَاهِرُهَا الْمَنْعُ مِنْهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا أَنَّ الْغَسْلَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْحِ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: آخِرُ مَا فَارَقْتُ مَالِكًا عَلَى الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ. وَقَالَ ابْنُ أَصْبَغَ: الْمَسْحُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ فِي الْحَضَرِ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنْ أَنْ نَتَّبِعَ مَالِكًا عَلَى خِلَافِهِ يَعْنِي فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ جَوَازُهُ لِلْمُسَافِرِ دُونَ الْمُقِيمِ وَهِيَ مُقْتَضَى الْمُدَوَّنَةِ وَبِهَا جَزَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَالْمَشْهُورُ الْإِطْلَاقُ، وَصَرَّحَ الْبَاجِيُّ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ وَصَرَّحَ جَمْعٌ مِنَ الْحُفَّاظِ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُتَوَاتِرٌ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ رُوَاتَهُ فَجَاوَزُوا الثَّمَانِينَ مِنْهُمُ الْعَشَرَةُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِهِ إِلَّا أَنَّ قَوْمًا ابْتَدَعُوا كَالْخَوَارِجِ فَقَالُوا: لَمْ يَرِدْ بِهِ الْقُرْآنُ، وَالشِّيعَةِ لِأَنَّ عَلِيًّا امْتَنَعَ مِنْهُ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ يُثْبَتُ بِمِثْلِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَتَوَاتَرَ الْمَسْحُ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: أَخَافُ الْكُفْرَ عَلَى مَنْ لَا يَرَى مَسْحَ الْخُفَّيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ مِنْ وَلَدِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ الْمُغِيرَةُ فَذَهَبْتُ مَعَهُ بِمَاءٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْ جُبَّتِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ ضِيقِ كُمَّيْ الْجُبَّةِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَؤُمُّهُمْ وَقَدْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ فَفَزِعَ النَّاسُ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحْسَنْتُمْ»   73 - 71 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ عَبَّادٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمِلَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ (ابْنِ زِيَادٍ) أَخِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ أَبِيهِ وَيُقَالُ لَهُ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ يُكَنَّى عَبَّادٌ أَبَا حَرْبٍ وَكَانَ وَالِيَ سِجِسْتَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَمَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ وَلَدِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) وَهُمْ مِنْ مَالِكٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: وَانْفَرَدَ يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ بِوَهْمٍ ثَانٍ فَقَالَا: (عَنْ أَبِيهِ) وَلَمْ يَقُلْهُ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ غَيْرُهُمَا وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ، فَعَبَّادٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْمُغَيَّرَةِ وَلَا رَآهُ وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبَّادٍ عَنْ عُرْوَةَ وَحَمْزَةَ ابْنَيِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِمَا، وَرُبَّمَا حَدَّثَ بِهِ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ وَحْدَهُ دُونَ حَمْزَةَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فَوَهَمَ مَالِكٌ فِي إِسْنَادِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ عَبَّادٌ مِنْ وَلَدِ الْمُغِيرَةِ. وَالثَّانِي إِسْقَاطُهُ عُرْوَةَ وَحَمْزَةَ. قَالَ: وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ وَلَدِ الْمُغِيرَةِ، فَإِنْ كَانَ رَوْحٌ حَفِظَهُ عَنْ مَالِكٍ فَقَدْ أَتَى بِالصَّوَابِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَبَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ لَمْ يَذْكُرْ عَبَّادًا، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مَنْ ذَكَرَ عَبَّادًا وَعُرْوَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ) أَيْ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَفِي مُسْلِمٍ: " فَتَبَرَّزَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْغَائِطِ فَحَمَلْتُ مَعَهُ إِدَاوَةً قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ " وَلِابْنِ سَعْدٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ: " «لَمَّا كُنَّا بَيْنَ الْحَجَرِ وَتَبُوكَ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ وَتَبِعْتُهُ بِمَاءٍ بَعْدَ الْفَجْرِ» " وَيَجْمَعُ بِأَنَّ خُرُوجَهُ كَانَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ (فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ) آخِرِ مَغَازِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ بِمَنْعِ الصَّرْفِ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ، كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْفَتْحِ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ أَخَذَهَا لِأَنَّ عِلَّةَ مَنْعِهِ كَوْنُهُ عَلَى مِثَالِ الْفِعْلِ كَتَقُولُ، وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ مَكَانٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَرْحَلَةً وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ دِمَشْقَ الحديث: 73 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 إِحْدَى عَشْرَةَ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا عَيْنَ تَبُوكَ» " فَمُقْتَضَاهُ قِدَمُ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ، وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ رَأَى قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَبُوكُونَ عَيْنَ الْمَاءِ أَيْ يُدْخِلُونَ فِيهَا الْقَدَحَ وَيُحَرِّكُونَهُ لِيَخْرُجَ الْمَاءُ: " مَا زِلْتُمْ تَبُوكُونَهَا بَوْكًا " (قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ بِمَاءٍ) فِي إِدَاوَةٍ، وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُتْبِعَهُ بِالْإِدَاوَةِ فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ فَتَوَضَّأَ» " وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: " «أَنَّ الْمَاءَ أَخَذَهُ الْمُغِيرَةُ مِنْ أَعْرَابِيَّةٍ صَبَّتْهُ لَهُ مِنْ قِرْبَةٍ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " سَلْهَا فَإِنْ كَانَتْ دَبَغَتْهَا فَهُوَ طَهُورُهَا "، فَقَالَتْ: أَيْ وَاللَّهِ لَقَدْ دَبَغْتُهَا» " وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْأَحْكَامِ وَلَوِ امْرَأَةً سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَمْ لَا لِقَبُولِ خَبَرِ الْأَعْرَابِيَّةِ. ( «فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ» ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اخْتِصَارٌ فَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَيَّادِ بْنِ زِيَادٍ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ غَسَلَ كَفَّيْهِ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوِيٍّ فَغَسَلَهُمَا فَأَحْسَنَ غَسْلِهِمَا وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَفِي مُسْلِمٍ «فَلَمَّا رَجَعَ أَخَذْتُ أُهَرِيقُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْإِدَاوَةِ وَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ» . (ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْ) بِضَمِّ الْكَافِ (جُبَّتِهِ) وَهِيَ مَا قُطِعَ مِنَ الثِّيَابِ مُشَمِّرًا، قَالَهُ فِي الْمَشَارِقِ، وَلِلْبُخَارِيِّ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ، وَلِأَبِي دَاوُدَ: مِنْ صُوفٍ مِنْ جِبَابِ الرُّومِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَفِيهِ أَنَّ الصُّوفَ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ الشَّامَ إِذْ ذَاكَ كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ وَمَأْكُولُهَا كُلُّهَا الْمَيْتَاتُ كَذَا قَالَ. (فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ ضِيقِ كُمَّيِ الْجُبَّةِ) إِخْرَاجَ يَدَيْهِ وَفِيهِ التَّشْمِيرُ فِي السَّفَرِ وَلُبْسُ الثِّيَابِ الضَّيِّقَةِ فِيهِ لِأَنَّهَا أَعْوَنُ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي الْغَزْوِ لِلتَّشْمِيرِ وَالتَّأَسِّي بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدِي فِي الْحَضَرِ. (فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ) زَادَ مُسْلِمٌ: وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ. (فَغَسَلَ يَدَيْهِ) وَلِأَحْمَدَ: «فَغَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَدَهُ الْيُسْرَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» . (وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ» ، وَفِيهِ وُجُوبُ تَعْمِيمِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَكَأَنَّهُ لِعُذْرٍ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْمَسْحِ عَلَى مَا بَقِيَ. (وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ) مَحِلُّ الشَّاهِدِ مِنَ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ ; لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَعْدَهَا بِاتِّفَاقٍ إِذْ هِيَ آخِرُ الْمَغَازِي، ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ خَاصٌّ بِالْوُضُوءِ لَا مَدْخَلَ لِلْغُسْلِ فِيهِ بِإِجْمَاعٍ. ( «فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَؤُمُّهُمْ» ) وَفِي مُسْلِمٍ قَالَ - أَيِ الْمُغِيرَةُ - «فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ» وَلِابْنِ سَعْدٍ «فَأَسْفَرَ النَّاسُ بِصَلَاتِهِمْ حَتَّى خَافُوا الشَّمْسَ فَقَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ» . (وَقَدْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً) مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ، وَزَادَ أَحْمَدُ قَالَ الْمُغِيرَةُ «فَأَرَدْتُ تَأْخِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ دَعْهُ» . وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ: «فَانْتَهَيْنَا إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ رَكَعَ رَكْعَةً فَسَبَّحَ النَّاسُ لَهُ حِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى كَادُوا يُفْتَتَنُونَ فَجَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُرِيدُ أَنْ يَنْكُصَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِ اثْبُتْ» . (فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ) لَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ: «فَصَلَّى وَرَاءَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاتِهِ فَفَزِعَ الْمُسْلِمُونَ فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ» لِأَنَّهُمْ سَبَقُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: " أَصَبْتُمْ " أَوْ " أَحْسَنْتُمْ ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ: فَصَلَّيْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي أَدْرَكْنَا وَقَضَيْنَا الَّتِي سَبَقَتْنَا «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صَلَّى خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: " مَا قُبِضَ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يُصَلِّيَ خَلْفَ رَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ أُمَّتِهِ» ". (فَفَزِعَ النَّاسُ) لِسَبْقِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ وَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ رَجَاءَ أَنْ يُشِيرَ لَهُمْ هَلْ يُعِيدُونَهَا مَعَهُ أَمْ لَا لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ أَدْرَكَهَا مِنْ أَوَّلِهَا وَأَنَّ قِيَامَهُ لِأَمْرٍ حَدَثَ كَأَنَّهُمْ ظَنُّوا الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ لِتَصْرِيحِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ: «بِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَخَلَ مَعَهُمْ فَسَبَّحُوا حَتَّى كَادُوا يُفْتَتَنُوا» . (فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاتَهُ قَالَ: أَحْسَنْتُمْ) إِذْ جَمَعْتُمُ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُسَكِّنَ مَا بِهِمْ مِنَ الْفَزَعِ، قَالَهُ الْأَصِيلِيُّ، وَقَدْ زَادَ مُسْلِمٌ يَغْبِطُهُمْ: أَنْ صَلَّوْا لِوَقْتِهَا بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْغِبْطَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَيَجْعَلُ هَذَا الْفِعْلَ عِنْدَهُمْ مِمَّا يُغْبَطُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رُوِيَ بِالتَّخْفِيفِ فَيَكُونُ قَدْ غَبِطَهُمْ لِتَقَدُّمِهِمْ وَسَبْقِهِمْ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي قَوْلِهِ أَحْسَنْتُمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي شُكْرُ مَنْ بَادَرَ إِلَى أَدَاءِ فَرْضِهِ وَعَمِلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَفُضِّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِذْ قَدَّمَهُ الصَّحَابَةُ بَدَلًا عَنْ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ اقْتِدَاءُ الْفَاضِلِ بِالْمَفْضُولِ، وَصَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ بَعْضِ أُمَّتِهِ. وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنِ الصِّدِّيقِ مَرْفُوعًا: " «مَا قُبِضَ نَبِيٌّ حَتَّى يَؤُمَّهُ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِهِ» " وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ، وَأَمَّا بَقَاءُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَتَأَخُّرُ أَبِي بَكْرٍ لِيَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ فَالْفَرْقُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَانَ قَدْ رَكَعَ رَكْعَةً فَتَرَكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّقَدُّمَ لِئَلَّا يَخْتَلَّ تَرْتِيبُ صَلَاةِ الْقَوْمِ، بِخِلَافِ صَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ فَلَا اخْتِلَالَ فِيهَا لِأَنَّ الْإِمَامَ إِنَّمَا هُوَ الْمُصْطَفَى وَأَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا كَانَ يُسْمِعُ النَّاسَ، وَفَرَّقَ أَيْضًا بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُمْ حُكْمَ قَضَاءِ الْمَسْبُوقِ بِفِعْلِهِ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ نَعَمْ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ جَابِرٍ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَا: " «آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ» " وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: " «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فِيهِ قَاعِدًا» " وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْهَا: " «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ» " وَاسْتَشْكَلَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ أَذِنَ أَيِ النَّبِيُّ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي فَوَجَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ مَكَانَكَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ» " فَقِيلَ لِلْأَعْمَشِ فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ وَفِيهِ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الْإِمَامُ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مَأْمُومًا وَيُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ» " وَجَمَعَ ابْنُ حِبَّانَ بِأَنَّهُ صَلَّى فِي مَرَضِهِ صَلَاتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً كَانَ فِي إِحْدَاهُمَا مَأْمُومًا وَفِي الْأُخْرَى إِمَامًا، بِدَلِيلِ أَنَّ فِي خَبَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ خَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تُرِيدُ بِأَحَدِهِمَا الْعَبَّاسُ وَالْآخَرِ عَلِيًّا، وَفِي خَبَرِ مَسْرُوقٍ عَنْهَا خَرَجَ بَيْنَ بَرِيرَةَ وَنُوبَةَ يَعْنِي بِنُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ، وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ، وَكَذَا جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ وَبَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا أَبُو بَكْرٍ مَأْمُومًا صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالَّتِي صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَهُ هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَهِيَ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا، وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: إِنَّهُمَا صَلَاتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ بِلَا شَكٍّ إِحْدَاهُمَا الَّتِي رَوَاهَا الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ عَنْهَا وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صِفَتُهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَّ النَّاسَ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ فِي مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ» . وَالثَّانِيَةُ الَّتِي رَوَاهَا مَسْرُوقٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ صِفَتُهَا: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّفِّ مَعَ النَّاسِ» ، فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً، قَالَ: وَلَيْسَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فِي الدَّهْرِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى التَّعَارُضِ بَلْ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسٌ وَمُدَّةُ مَرَضِهِ اثْنَا عَشَرَ يَوْمًا فِيهِ سِتُّونَ صَلَاةً أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ اه. فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عَوْفٍ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ عِيَاضٍ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا غَيْرِهَا لَا لِعُذْرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ شَافِعًا لَهُ، وَقَدْ قَالَ: «أَئِمَّتُكُمْ شُفَعَاؤُكُمْ» ، وَلِذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْأُنْمُوذَجِ وَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّهُ ابْتِدَاءً وَلَوْ لِعُذْرٍ، أَمَّا إِذَا أَمَّ غَيْرُهُ فَجَاءَ وَأَبْقَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجُوزُ بِدَلِيلِ قِصَّتَيْ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَمَّا الصِّدِّيقُ فَإِنَّمَا أَمَّ غَيْرُهُ لِغِيبَتِهِ لِمَرَضِهِ وَاسْتِخْلَافِهِ إِيَّاهُ عَلَى الْإِمَامَةِ. وَأَمَّا ابْنُ عَوْفٍ فَإِنَّمَا أَمَّ لِغِيبَتِهِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ بِتَقْدِيمِ النَّاسِ لَهُ حِينَ خَافُوا طُلُوعَ الشَّمْسِ، وَلِهَذَا لَمَّا أَتَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَمَّ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْكُصَ حَتَّى أَشَارَ لَهُ أَنِ اثْبُتْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ حَدِيثُ الْبَابِ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ وَإِنْ وَقَعَ فِي إِسْنَادِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الْوَهْمَانِ السَّابِقَانِ، وَقَدْ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ طُرُقٍ وَهُوَ مُتَوَاتِرٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، ذَكَرَ الْبَزَّارُ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ سِتُّونَ رَجُلًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَدِمَ الْكُوفَةَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ أَمِيرُهَا فَرَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ سَلْ أَبَاكَ إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِ فَقَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ فَنَسِيَ أَنْ يَسْأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ سَعْدٌ فَقَالَ أَسَأَلْتَ أَبَاكَ فَقَالَ لَا فَسَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ إِذَا أَدْخَلْتَ رِجْلَيْكَ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَإِنْ جَاءَ أَحَدُنَا مِنْ الْغَائِطِ فَقَالَ عُمَرُ نَعَمْ وَإِنْ جَاءَ أَحَدُكُمْ مِنْ الْغَائِطِ   74 - 72 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَوَى عَنْ مَوْلَاهُ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ، وَعَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَمَالِكٌ وَشُعْبَةُ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. (أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ) أَيْ مَالِكًا (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (قَدِمَ الْكُوفَةَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٌ الزُّهْرِيُّ (وَهُوَ أَمِيرُهَا) مِنْ قِبَلِ عُمَرَ. (فَرَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُبَلِّغْهُ مَعَ قِدَمِ صُحْبَتِهِ وَكَثْرَةِ رِوَايَتِهِ، إِذْ قَدْ يَخْفَى عَلَى قَدِيمِ الصُّحْبَةِ مِنَ الْأُمُورِ الْجَلِيَّةِ فِي الشَّرْعِ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمَسْحَ فِي الْحَضَرِ لَا فِي السَّفَرِ عَلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَأَمَّا السَّفَرُ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَعْلَمُهُ وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَى ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: " «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِالْمَاءِ فِي السَّفَرِ» " (فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: سَلْ أَبَاكَ إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِ) الْمَدِينَةَ (فَقَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ فَنَسِيَ أَنْ يَسْأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ سَعْدُ فَقَالَ) لِابْنِ عُمَرَ لِإِزَالَةِ إِنْكَارِهِ وَإِفَادَتِهِ الْحُكْمَ (أَسَأَلْتَ أَبَاكَ؟ فَقَالَ: لَا) وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا عِنْدَ عُمَرَ قَالَ لِي سَعْدٌ: سَلْ أَبَاكَ (فَسَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ) وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: «كُنَّا وَنَحْنُ مَعَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَمْسَحُ عَلَى خِفَافِنَا» لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا. (فَقَالَ عُمَرُ: إِذَا أَدْخَلْتَ رِجْلَيْكَ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ) طَهَارَةً كَامِلَةً مَائِيَّةً (فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَإِنْ جَاءَ أَحَدُنَا مِنَ الْغَائِطِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، وَإِنْ جَاءَ أَحَدُكُمْ مِنَ الْغَائِطِ) وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ سَعْدٍ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» ، «وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: نَعَمْ إِذَا حَدَّثَكَ شَيْئًا سَعْدٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ» . وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: «إِذَا الحديث: 74 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 حَدَّثَكَ سَعْدٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَبْغِ وَرَاءَ حَدِيثِهِ شَيْئًا» أَيْ لِقُوَّةِ الْوُثُوقِ بِنَقْلِهِ، فَفِيهِ تَعْظِيمٌ عَظِيمٌ مِنْ عُمَرَ لِسَعْدٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّرْجِيحِ إِذَا اجْتَمَعَتْ فِي الرَّاوِي كَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْقَرَائِنِ الَّتِي إِذَا حَفَّتْ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَامَتْ مَقَامَ الْأَشْخَاصِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَقَدْ يُفِيدُ الْعِلْمُ عِنْدَ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ وَأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقْبَلُ خَبَرَ الْوَاحِدِ، وَمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنَ التَّوَقُّفِ إِنَّمَا كَانَ عِنْدَ وُقُوعِ رِيبَةٍ لَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَفَاوُتِ رُتَبِ الْعَدَالَةِ وَدُخُولِ التَّرْجِيحِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَيُمْكِنُ إِبْدَاءُ الْفَرْقِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَالَ فِي السُّوقِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ دُعِيَ لِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا   75 - 73 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَالَ فِي السُّوقِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهَ ثُمَّ دُعِيَ لِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ) النَّبَوِيَّ (فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ) لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ (ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا) قَالَ أَبُو عُمَرَ: تَأْخِيرُهُ مَسْحَ خُفَّيْهِ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ نَسِيَ وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّهُ كَانَ بِرِجْلَيْهِ عِلَّةٌ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْجُلُوسُ فِي السُّوقِ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَجَلَسَ وَمَسَحَ وَالْمَسْجِدُ قَرِيبٌ مِنَ السُّوقِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَسِيَ وَأَنَّهُ اعْتَقَدَ جَوَازَ تَفْرِيقِ الطَّهَارَةِ وَأَنَّهُ لِعَجْزِ الْمَاءِ عَنِ الْكِفَايَةِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي تَأْخِيرِ الْمَسْحِ. الحديث: 75 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى قُبَا فَبَالَ ثُمَّ أُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثُمَّ جَاءَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ وُضُوءَ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ بَالَ ثُمَّ نَزَعَهُمَا ثُمَّ رَدَّهُمَا فِي رِجْلَيْهِ أَيَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ فَقَالَ لِيَنْزِعْ خُفَّيْهِ وَلْيَغْسِلْ رِجْلَيْهِ وَإِنَّمَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ بِطُهْرِ الْوُضُوءِ وَأَمَّا مَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا غَيْرُ طَاهِرَتَيْنِ بِطُهْرِ الْوُضُوءِ فَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ خُفَّاهُ فَسَهَا عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَتَّى جَفَّ وَضُوءُهُ وَصَلَّى قَالَ لِيَمْسَحْ عَلَى خُفَّيْهِ وَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ غَسَلَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ فَقَالَ لِيَنْزِعْ خُفَّيْهِ ثُمَّ لْيَتَوَضَّأْ وَلْيَغْسِلْ رِجْلَيْهِ   76 - 74 - (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرٌ الْأَشْعَرِيِّ الْأَسَدِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةُ التَّابِعِينَ. (أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى قُبَا) بِضَمِّ الْقَافِ (فَبَالَ ثُمَّ أُتِيَ بِوَضُوءٍ) بِالْفَتْحِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ. (فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثُمَّ جَاءَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى) وَالْقَصْدُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا، فَلَوْ كَانَ مَنْسُوخًا كَمَا زَعَمَ الْخَوَارِجُ مَا عَمِلُوا بِهِ، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّهُ خِلَافُ الْقُرْآنِ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ الحديث: 76 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 نَسَخَهُ مَرْدُودٌ بِمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ: تَفْعَلُ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» . قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ. وَفِي لَفْظٍ: «أَنَّ جَرِيرًا قَالَ: مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ» ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَقِيلَ أَوَّلُ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ. (قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ وَضَوْءَ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ بَالَ ثُمَّ نَزَعَهُمَا ثُمَّ رَدَّهُمَا فِي رِجْلَيْهِ أَيَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ؟ فَقَالَ لِيَنْزِعْ خُفَّيْهِ وَلِيَغْسِلْ رِجْلَيْهِ) لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا بَطُلَ بِنَزْعِهِمَا. (وَإِنَّمَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ بِطُهْرِ الْوُضُوءِ) كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ الْمُغِيرَةِ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: " دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» " وَلِأَبِي دَاوُدَ: " «فَإِنِّي أَدْخَلْتُ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ» " فَمَفْهُومُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ: (فَأَمَّا مَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا غَيْرُ طَاهِرَتَيْنِ بِطُهْرِ الْوُضُوءِ فَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ) لِأَنَّ الْحَدِيثَ جَعَلَ الطَّهَارَةَ قَبْلَ لُبْسِهِمَا شَرْطًا لِجَوَازِ الْمَسْحِ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ خُفَّاهُ فَسَهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَتَّى جَفَّ وَضَوْءُهُ وَصَلَّى قَالَ: لِيَمْسَحْ عَلَى خُفَّيْهِ وَلْيُعِدِ الصَّلَاةَ) وُجُوبًا لِأَنَّهُ صَلَّاهَا بِوُضُوءٍ نَاقِصٍ. (وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ) لِأَنَّ الْفَوْرَ وَالْمُوَالَاةَ إِنَّمَا تُشْرَعُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالذِّكْرِ، وَالسُّؤَالُ أَنَّهُ مِنْهَا. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ غَسَلَ قَدَمَيْهِ) أَيْ رِجْلَيْهِ (ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ فَقَالَ: لِيَنْزِعْ خُفَّيْهِ ثُمَّ لْيَتَوَضَّأْ وَلْيَغْسِلْ رِجْلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 [بَاب الْعَمَلِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ رَأَى أَبَاهُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ وَكَانَ لَا يَزِيدُ إِذَا مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى أَنْ يَمْسَحَ ظُهُورَهُمَا وَلَا يَمْسَحُ بُطُونَهُمَا   9 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَيْ صِفَتِهِ وَمَا يُجْزَى مِنْهُ. 77 - 75 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ رَأَى أَبَاهُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ) هِشَامٌ: (وَكَانَ) عُرْوَةُ (لَا يَزِيدُ إِذَا مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى أَنْ يَمْسَحَ ظُهُورَهُمَا وَلَا يَمْسَحَ بُطُونَهُمَا) لِأَنَّ ظَهْرَ الْخُفِّ مَحَلٌّ لِوُجُوبِ الْمَسْحِ اتِّفَاقًا، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ اسْتِيعَابِهِمَا فَإِنْ مَسَحَ أَعْلَاهُ دُونَ أَسْفَلِهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَعَكْسُهُ يُعِيدُ أَبَدًا. «قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ» ". وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ ظَهْرَيِ الْخُفَّيْنِ» ". الحديث: 77 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ كَيْفَ هُوَ فَأَدْخَلَ ابْنُ شِهَابٍ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ الْخُفِّ وَالْأُخْرَى فَوْقَهُ ثُمَّ أَمَرَّهُمَا قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ   78 - 76 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ كَيْفَ هُوَ؟) أَيْ كَيْفَ صِفَتُهُ الْمُسْتَحَبَّةُ؟ (فَأَدْخَلَ ابْنُ شِهَابٍ إِحْدَى يَدَيْهِ) أَيِ الْيُسْرَى تَحْتَ الْخُفِّ لِلرِّجْلِ الْيُمْنَى (وَالْأُخْرَى) أَيِ الْيَدِ الْيُمْنَى (فَوْقَهُ ثُمَّ أَمَرَّهُمَا) عَلَى جَمِيعِ الْخُفِّ حَتَّى اسْتَوْعَبَهُ، وَاخْتَلَفُوا هَلِ الرِّجْلُ الْيُسْرَى كَذَلِكَ أَوْ يَجْعَلُ الْيَدَ الْيُسْرَى فَوْقَهَا؟ (قَالَ مَالِكٌ: وَقَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ) أَيْ فِعْلُهُ الْمَذْكُورُ (أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) وَكَيْفَ مَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ إِذَا أَوْعَبَ. الحديث: 78 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 [بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّعَافِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا رَعَفَ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى وَلَمْ يَتَكَلَّمْ   79 - 77 الحديث: 79 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 10 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّعَافِ مَصْدَرُ رَعَفَ، قَالَ الْمَجْدُ: كَنَصَرَ وَمَنَعَ وَكَرُمَ وَعَنِيَ وَسَمِعَ خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ الدَّمُ رَعْفًا وَرُعَافًا كَغُرَابٍ، وَالرُّعَافُ أَيْضًا الدَّمُ بِعَيْنِهِ، وَيَقَعُ فِي نُسَخٍ سَقِيمَةٍ وَالْقَيْءُ وَلَا وُجُودَ لَهَا فِي النُّسَخِ الْعَتِيقَةِ الْمَقْرُوءَةِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهَا أَنَّهُ تُرْجِمَ لِشَيْءٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ، وَكَانَ أَصْلُهَا هَامِشٌ فَأَدْخَلَهُ النَّاسِخُ جَهْلًا. - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا رَعَفَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا (انْصَرَفَ) مِنْ صَلَاتِهِ (فَتَوَضَّأَ) أَيْ غَسَلَ الدَّمَ (ثُمَّ رَجَعَ) إِلَى مُصَلَّاهُ (فَبَنَى) عَلَى مَا صَلَّى (وَلَمْ يَتَكَلَّمْ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ إِذْ لَوْ تَكَلَّمَ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَرْعُفُ فَيَخْرُجُ فَيَغْسِلُ الدَّمَ عَنْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَلَّى   80 - 78 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَرْعُفُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا. (فَيَخْرُجُ فَيَغْسِلُ الدَّمَ) عَنْهُ (ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَلَّى) لِأَنَّ وُضُوءَهُ لَمْ يَنْتَقِضْ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مُنَافٍ وَالرُّعَافُ لَيْسَ بِنَاقِضٍ. الحديث: 80 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ رَعَفَ وَهُوَ يُصَلِّي فَأَتَى حُجْرَةَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى عَلَى مَا قَدْ صَلَّى   81 - 79 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الزَّايِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ) بِقَافٍ وَمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ ابْنِ أُسَامَةَ (اللِّيثِيِّ) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَجَمْعٍ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمَا وَرَوَى لَهُ الْجَمِيعُ، وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ تِسْعُونَ سَنَةً. (أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ رَعَفَ وَهُوَ يُصَلِّي فَأَتَى حُجْرَةَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَنَّهَا أَقْرَبُ مَوْضِعٍ إِلَى الْمَسْجِدِ لِيَقِلَّ الْمَشْيُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ (فَأُتِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (بِوَضُوءٍ) الحديث: 81 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 بِالْفَتْحِ مَاءُ الْوُضُوءِ (فَتَوَضَّأَ) أَيْ غَسَلَ الدَّمَ (ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى عَلَى مَا قَدْ صَلَّى) فَأَفَادَ فِعْلُ هَؤُلَاءِ أَنَّ الرُّعَافَ لَيْسَ بِنَاقِضٍ لِلْوُضُوءِ، وَأَنَّهُ إِذَا خَرَجَ لِغَسْلِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يُجَاوِزْ أَقْرَبَ مَكَانٍ يَبْنِي عَلَى مَا صَلَّى وَلِلْمَسْأَلَةِ قُيُودٌ فِي الْفُرُوعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 [بَاب الْعَمَلِ فِي الرُّعَافِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَرْعُفُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ حَتَّى تَخْتَضِبَ أَصَابِعُهُ مِنْ الدَّمِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ   82 - 80 11 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الرُّعَافِ وَهُوَ كَثِيرٌ فَيَخْرُجُ إِلَى غَسْلِهِ، وَقَلِيلٌ فَيَفْتِلُهُ بِأَصَابِعِهِ حَتَّى يَجِفَّ وَيَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَاخْتِضَابُ الْأَنَامِلِ الْعُلْيَا قَلِيلٌ، وَالْكَثِيرُ أَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 145) فَيَقْطَعُ صَلَاتَهُ وَلْيَسْتَأْنِفْهَا بَعْدَ الْغَسْلِ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَنَّةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَثْقِيلِ النُّونِ (الْأَسْلَمِيِّ) أَبِي حَرْمَلَةَ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ. (أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَرْعُفُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ حَتَّى تَخْتَضِبَ أَصَابِعُهُ مِنَ الدَّمِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ) لِأَنَّ وُضُوءَهُ لَمْ يَنْتَقِضْ. الحديث: 82 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ أَنَّهُ رَأَى سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ الدَّمُ حَتَّى تَخْتَضِبَ أَصَابِعُهُ ثُمَّ يَفْتِلُهُ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ   83 - 81 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ لِأَنَّهُ سَقَطَ فَانْكَسَرَ فَجُبِّرَ وَاسْمُهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (أَنَّهُ رَأَى سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ الدَّمُ حَتَّى تَخْتَضِبَ أَصَابِعُهُ ثُمَّ يَفْتِلُهُ) بِكَسْرِ التَّاءِ يُحَرِّكُهُ (ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ) لِبَقَاءِ وُضُوئِهِ. وَفِي مُوَطَّأِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُجَبَّرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ رَأَى سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي أَنْفِهِ أَوْ أُصْبُعَيْهِ ثُمَّ يُخْرِجُهَا وَفِيهَا شَيْءٌ مِنْ دَمٍ فَيَفْتِلُهُ وَيَنْفُضُهُ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ. الحديث: 83 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 [بَاب الْعَمَلِ فِيمَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ مِنْ جُرْحٍ أَوْ رُعَافٍ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا فَأَيْقَظَ عُمَرَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ عُمَرُ نَعَمْ وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا   84 - 82 الحديث: 84 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 12 - بَابُ الْعَمَلِ فِيمَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ مِنْ جُرْحٍ أَوْ رُعَافٍ - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ (عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْمِسْوَرَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ ثُمَّ رَاءٍ (ابْنَ مَخْرَمَةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ابْنُ نَوْفَلِ بْنُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ الزُّهْرِيُّ لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ. (أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا) مِنْ أَبِي لُؤْلُؤَةَ فَيْرُوزَ النَّصْرَانِيِّ عَبْدِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الصُّبْحَ مِنَ اللَّيْلِ لِأَنَّ عُمَرَ طُعِنَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَرَوَى عِيسَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ الَّذِي طُعِنَ فِيهِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ النَّهَارَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ. (فَأَيْقَظَ عُمَرَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ احْتَمَلْتُهُ أَنَا وَنَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى أَدْخَلْنَاهُ مَنْزِلَهُ فَلَمْ يَزَلْ فِي غَشْيَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى أَسْفَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّكُمْ لَنْ تُفْزِعُوهُ بِشَيْءٍ إِلَّا بِالصَّلَاةِ، قَالَ فَقُلْنَا الصَّلَاةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَسَحَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ (فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ اسْتَيْقَظَ وَبِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ نِعْمَ مَا أَيْقَظْتَنِي إِلَيْهِ، (وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ) مُكَذِّبًا بِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَيْ لَا يَنْتَفِعُ بِسَائِرِ الْأَعْمَالِ أَوْ أَرَادَ لَا يُحْقَنُ دَمُهُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لَا كَبِيرَ حَظٍّ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَخَبَرٍ: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ» ، «وَلَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ» «وَلَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ» ، وَهُوَ كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى تَرْكِ عَمَلِ الصَّلَاةِ لَا عَلَى جُحُودِهَا. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: أَخَذَ بِظَاهِرِهِ مِنْ كُفْرٍ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ تَكَاسُلًا وَهُوَ مَذْهَبُ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَمَالَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَرْغِيبِهِ. (فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا) بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مَفْتُوحَةٍ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: أَيْ يَجْرِي، وَقَالَ فِي الْعَيْنِ: أَيْ يَتَفَجَّرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ مَا تَرَوْنَ فِيمَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ مِنْ رُعَافٍ فَلَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَرَى أَنْ يُومِئَ بِرَأْسِهِ إِيمَاءً قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ   85 - 83 الحديث: 85 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِيمَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ مِنْ رُعَافٍ فَلَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ) وَهُوَ يُصَلِّي (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيُّ (ثُمَّ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَرَى أَنْ يُومِي بِرَأْسِهِ إِيمَاءً) مَخَافَةَ تَلْوِيثِ ثِيَابِهِ بِنَجَاسَةِ الدَّمِ وَتَنْجِيسِ مَوْضِعِ سُجُودِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) ; لِأَنَّ الْإِيمَاءَ إِذَا جَازَ لِمَنْ فِي الطِّينِ فَمَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ أَوْلَى، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إِيمَاءِ مَنْ غَلَبَهُ الرُّعَافُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الصَّلَاةِ فِي إِيمَاءِ الطِّينِ، وَفِيهِ سُؤَالُ الْعَالِمِ وَطَرْحُهُ عَلَى تَلَامِيذِهِ وَجُلَسَائِهِ الْمَسَائِلِ، وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ» " الْحَدِيثَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 [بَاب الْوُضُوءِ مِنْ الْمَذْيِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ إِذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ قَالَ عَلِيٌّ فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَهُ قَالَ الْمِقْدَادُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ بِالْمَاءِ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ»   86 - 84 13 - بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَذْيِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ ثُمَّ بِكَسْرِ الذَّالِ وَشَدِّ الْيَاءِ ثُمَّ الْكَسْرُ مَعَ التَّخْفِيفِ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ لَزِجٌ يَخْرُجُ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ أَوْ تَذَكُّرِ الْجِمَاعِ أَوْ إِرَادَتِهِ وَقَدْ لَا يُحَسُّ بِخُرُوجِهِ. - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ سَالِمُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ، ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ وَكَانَ يُرْسِلُ، رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ اللَّيْثُ وَالسُّفْيَانَانِ وَمَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ ابْنِ مَعْمَرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ التَّيْمِيِّ، كَانَ أَحَدَ وُجُوِهِ قُرَيْشٍ وَأَشْرَافِهَا، جَوَادًا مُمَدَّحًا شُجَاعًا لَهُ فِي الْجُودِ وَالشَّجَاعَةِ أَخْبَارٌ شَهِيرَةٌ، مَاتَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَجَدُّهُ مَعْمَرٌ صَحَابِيٌّ ابْنُ عَمِّ أَبِي قُحَافَةَ وَالِدُ الحديث: 86 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الصِّدِّيقِ. (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الْهِلَالِيِّ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى مَيْمُونَةَ وَقِيلَ أُمِّ سَلَمَةَ، ثِقَةٌ فَاضِلٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالْمَدِينَةِ وَعُلَمَائِهَا وَصُلَحَائِهَا، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ سَنَةَ مِائَةٍ وَقِيلَ قَبْلَهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ عَنْ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً. (عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ) بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيِّ تَبَنَّاهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فَعُرِفَ بِهِ، وَهُوَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْبَهْرَانِيُّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ، قَبِيلَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ ثُمَّ الْكِنْدِيُّ حَالَفَ أَبُوهُ كِنْدَةَ ثُمَّ الزُّهْرِيُّ، صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ مِنَ السَّابِقِينَ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا وَكَانَ فَارِسًا يَوْمَ بَدْرٍ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ شَهِدَهَا فَارِسٌ غَيْرُهُ، رَوَى عَنْهُ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ اتِّفَاقًا وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً وَفِي، الْإِسْنَادِ انْقِطَاعٌ سَقَطَ مِنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ لَمْ يَسْمَعِ الْمِقْدَادَ لِأَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ بَعْدَ مَوْتِ الْمِقْدَادِ بِسَنَةٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرَّجُلِ إِذَا دَنَا) قَرُبَ (مِنْ أَهْلِهِ) حَلِيلَتِهِ (فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ، مَاذَا عَلَيْهِ؟) وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ سَبَبَ السُّؤَالِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَجَعَلْتُ أَغْتَسِلُ مِنْهُ فِي الشِّتَاءِ حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ: فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ. وَلِلنَّسَائِيِّ أَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ عَمَّارًا أَنْ يَسْأَلَ. وَلِابْنِ حِبَّانَ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: سَأَلْتُ، وَجَمَعَ ابْنُ حِبَّانَ بِأَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ عَمَّارًا أَنْ يَسْأَلَ ثُمَّ أَمَرَ الْمِقْدَادَ بِذَلِكَ ثُمَّ سَأَلَ بِنَفْسِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ جَمْعٌ جَيِّدٌ إِلَّا آخِرَهُ لِأَنَّهُ مُغَايِرٌ لِقَوْلِهِ: (قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَهُ) وَلِلْبُخَارِيِّ: فَاسْتَحَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ. وَلِمُسْلِمٍ: مِنْ أَجْلِ فَاطِمَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ بِأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ أَطْلَقَ أَنَّهُ سَأَلَ لِكَوْنِهِ الْآمِرَ بِذَلِكَ وَبِهَذَا جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ، وَيُؤَيِّدُ أَنَّهُ أَمَرَ كُلًّا مِنَ الْمِقْدَادِ وَعَمَّارٍ بِالسُّؤَالِ، مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَابِسِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: تَذَاكَرَ عَلِيٌّ وَالْمِقْدَادُ وَعَمَّارٌ الْمَذْيَ فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّنِي رَجُلٌ مَذَّاءٌ فَاسْأَلَا عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ. وَصَحَّحَ ابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّ الْمِقْدَادَ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى السُّؤَالَ وَعَلَيْهِ فَنِسْبَتُهُ إِلَى عَمَّارٍ مَجَازٌ أَيْضًا لِكَوْنِهِ قَصَدَهُ لَكِنْ تَوَلَّى الْمِقْدَادُ السُّؤَالَ دُونَ عَمَّارٍ. (قَالَ الْمِقْدَادُ: «فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْضَحْ» ) كَذَا لِيَحْيَى، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ بُكَيْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 فَلْيَغْسِلْ، وَالنَّضْحُ لُغَةً: الرَّشُّ وَالْغَسْلُ، فَرِوَايَةُ يَحْيَى مُجْمَلَةٌ يُفَسِّرُهَا رِوَايَةُ غَيْرِهِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ أَيْ يَغْسِلُ (فَرْجَهُ بِالْمَاءِ) أَيْ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَاءُ دُونَ الْأَحْجَارِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ تَعَيُّنُ الْغَسْلِ، وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقَعُ الِامْتِثَالُ إِلَّا بِهِ قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْمَذْيِ عَلَى كَثْرَتِهَا ذِكْرُ الِاسْتِجْمَارِ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَصَحَّحَ فِي بَاقِي كُتُبِهِ جَوَازَ الْأَحْجَارِ إِلْحَاقًا لَهُ بِالْبَوْلِ، وَحُمِلَ الْأَمْرُ بِالْمَاءِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَفِيهِ أَيْضًا وُجُوبُ غَسْلِهِ كُلِّهِ عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ لَا مَحَلَّ الْمَخْرَجِ فَقَطْ كَالْبَوْلِ، وَقَدْ رَدَّ الْبَاجِيُّ إِلْحَاقَهُ بِالْبَوْلِ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الذَّكَرِ بِلَذَّةٍ فَوَجَبَ بِهِ غَسْلٌ يَزِيدُ عَلَى مَا يَجِبُ بِالْبَوْلِ كَالْمَنِيِّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: يَرِدُ النَّضْحُ بِمَعْنَى الْغَسْلِ وَالْإِزَالَةِ وَأَصْلُهُ الرَّشْحُ وَيُطْلَقُ عَلَى الرَّشِّ، وَضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِكَسْرِ الضَّادِ، وَاتَّفَقَ فِي بَعْضِ مَجَالِسِ الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا حَيَّانَ قَرَأَهُ بِفَتْحِ الضَّادِ فَقَالَ لَهُ السَّرَّاجُ الدَّمَنْهُورِيُّ: ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِالْكَسْرِ فَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: حَقُّ النَّوَوِيِّ أَنْ يَسْتَفِيدَ هَذَا مِنِّي وَمَا قُلْتُهُ هُوَ الْقِيَاسُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ يَشْهَدُ لِلنَّوَوِيِّ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ صَاحِبِ الْجَامِعِ أَنَّ الْكَسْرَ لُغَةً وَأَنَّ الْأَفْصَحَ الْفَتْحُ. (وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) أَيْ كَمَا يَتَوَضَّأُ إِذَا قَامَ لَهَا لَا أَنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ كَمَا قَالَ بِهِ قَوْمٌ، وَرَدَّ عَلَيْهِمُ الطَّحَاوِيُّ بِمَا رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمَذْيِ فَقَالَ: " فِيهِ الْوُضُوءُ وَفِي الْمَنِيِّ الْغُسْلُ» " فَعُرِفَ أَنَّهُ كَالْبَوْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ لَا يُوجَبُ الْوُضُوءُ بِمَجَرَّدِهِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ وَضَوْءُهُ لِلصَّلَاةِ قَطَعَ احْتِمَالَ حَمْلِ التَّوَضِي عَلَى الْوَضَاءَةِ الْحَاصِلَةِ بِغَسْلِ الْفَرْجِ، فَإِنَّ غَسْلَ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ قَدْ يُسَمَّى وَضُوءًا كَمَا وَرَدَ أَنَّ الْوُضُوءَ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَالْمُرَادُ غَسْلُ الْيَدِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ " وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُ غَسْلِهِ عَلَى الْوُضُوءِ وَهُوَ أَوْلَى، وَتَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَى غَسْلِهِ، لَكِنَّ مَنْ يَقُولُ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِلَا حَائِلٍ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَعَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الظَّنِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَقْطُوعِ بِهِ وَفِيهِمَا نَظَرٌ ; لِأَنَّ السُّؤَالَ كَانَ بِحَضْرَةِ عَلِيٍّ رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْهُ فَقُلْتُ لِرَجُلٍ جَالِسٍ إِلَى جَنْبِي: سَلْهُ فَسَأَلَهُ، وَقَدْ أَطْبَقَ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ وَالْمَسَانِيدِ عَلَى إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْنَدِ عَلِيٍّ وَلَوْ حَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ لَأَوْرَدَهُ فِي مُسْنَدِ الْمِقْدَادِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ فِي غَيْبَةِ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى الْمُدَّعِي لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَحُفُّ الْخَبَرَ فَتُرَقِّيِهِ عَنِ الظَّنِّ إِلَى الْقَطْعِ قَالَهُ عِيَاضٌ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْمُرَادُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ كَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ أَنَّهُ صُورَةٌ مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي تَدُلُّ وَهِيَ كَثِيرَةٌ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِجُمْلَتِهَا لَا بِفَرْدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا، وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الِاسْتِفْتَاءِ، وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ مِنْ حِفْظِ حُرْمَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوْقِيرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وَاسْتِعْمَالُ الْأَدَبِ فِي تَرْكِ الْمُوَاجَهَةِ بِمَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ عُرْفًا وَحُسْنُ الْعِشْرَةِ مَعَ الْأَصْهَارِ، وَتَرْكِ ذِكْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِجِمَاعِ الْمَرْأَةِ وَنَحْوِهِ بِحَضْرَةِ أَقَارِبِهَا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ لِمَنِ اسْتَحَى فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالسُّؤَالِ ; لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ اسْتِعْمَالُ الْحَيَاءِ وَعَدَمُ التَّفْرِيطِ فِي مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إِنِّي لَأَجِدُهُ يَنْحَدِرُ مِنِّي مِثْلَ الْخُرَيْزَةِ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ يَعْنِي الْمَذْيَ   87 - 85 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ) أَسْلَمَ الْعَدَوِيِّ مَوْلَى عُمَرَ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ، رَوَى عَنْ مَوْلَاهُ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ وَمُعَاذٍ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ ابْنُهُ وَنَافِعٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَرَوَى ابْنُ مَنْدَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَافَرَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَفْرَتَيْنِ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ عُمَرَ اشْتَرَى أَسْلَمَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُهُ زَيْدٌ: مَاتَ أَسْلَمُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةِ سَنَةٍ وَصَلَّى عَلَيْهِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ. (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنِّي لَأَجِدُهُ يَنْحَدِرُ مِنِّي مِثْلَ الْخُرَيْزَةِ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ رَاءٍ فَتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ مَنْقُوطَةٍ تَصْغِيرُ خَرَزَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ الْجَوْهَرَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ: مِثْلَ الْجُمَانَةِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَهِيَ اللُّؤْلُؤَةُ. ( «فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ إِذَا وَجَدَهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَصَّهُمْ بِهَذَا الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ هُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ إِذَا كَانَ خُرُوجُهُ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ اللَّذَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَمْرُهُمْ وَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إِنِّي لَأَجِدُهُ يَنْحَدِرُ مِنِّي مِثْلَ الْجُمَانِ فَمَا أَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلَا أُبَالِيهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اسْتَنْكَحَهُ ذَلِكَ (يَعْنِي الْمَذْيَ) بَيَانٌ لِلضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: إِنِّي لِأَجِدُهُ. الحديث: 87 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ جُنْدُبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الْمَذْيِ فَقَالَ إِذَا وَجَدْتَهُ فَاغْسِلْ فَرْجَكَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ   88 - 86 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ جُنْدَبٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِفَتْحِ الدَّالِ وَتُضَمُّ. (مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: لَمْ يَذْكُرْهُ الْبُخَارِيُّ (أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الْمَذْيِ فَقَالَ: إِذَا وَجَدْتَهُ فَاغْسِلْ فَرْجَكَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ) وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ الحديث: 88 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 عَلَى مَنْ بِهِ سَلَسُ الْمَذْيِ لِلْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لِمَنْ قَالَ: كُنْتُ مَذَّاءً بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْكَثْرَةِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ الْكَثْرَةَ هُنَا نَاشِئَةٌ عَنْ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ مَعَ صِحَّةِ الْجَسَدِ بِخِلَافِ صَاحِبِ السَّلَسِ فَإِنَّهُ يَنْشَأُ عَنْ عِلَّةٍ فِي الْجَسَدِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كَانَ يَخْرُجُ مِنِّي الْمَذْيُ فَرُبَّمَا تَوَضَّأْتُ الْمَرَّتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَجِئْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَالْهَ عَنْهُ فَلَهَوْتُ عَنْهُ فَانْقَطَعَ مِنِّي، وَتَرْجَمَ مَالِكٌ إِثْرَ هَذَا الْبَابِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 [بَاب الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ الْمَذْيِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ فَقَالَ إِنِّي لَأَجِدُ الْبَلَلَ وَأَنَا أُصَلِّي أَفَأَنْصَرِفُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ لَوْ سَالَ عَلَى فَخِذِي مَا انْصَرَفْتُ حَتَّى أَقْضِيَ صَلَاتِي   89 - 87 14 - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَذْيِ أَيِ الْخَارِجُ مِنْ فَسَادٍ وَعِلَّةٍ فَلَا وُضُوءَ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَعُلَمَاءِ بَلَدِهِ لِأَنَّ مَا لَا يَنْقَطِعُ لَا وَجْهَ لِلْوُضُوءِ مِنْهُ. - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ) أَيْ يَحْيَى (سَمِعَهُ) أَيْ سَعِيدًا (وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (إِنِّي لِأَجِدُ الْبَلَلَ وَأَنَا أُصَلِّي أَفَأَنْصَرِفُ؟) أَقْطَعُ صَلَاتِي (فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: لَوْ سَالَ عَلَى فَخِذِي مَا انْصَرَفْتُ حَتَّى أَقْضِيَ) أُتِمَّ (صَلَاتِي) لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْبَلَلَ لَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ قَطَرَ وَسَالَ، وَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى سَلَسِ الْمَذْيِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: مَعْنَاهُ أَنَّ كَثْرَةَ الْمَذْيِ وَفُحْشَهُ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ لَا يَمْنَعُ الْمُصَلِّيَ إِتْمَامَ صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ يُؤْمَرُ بِغَسْلِ الْفَاحِشِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ كَانَ عِنْدَ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ لِلرَّجُلِ: فَإِذَا انْصَرَفْتَ إِلَى أَهْلِكَ فَاغْسِلْ ثَوْبَكَ. قَالَ يَحْيَى: وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ مَنِيٍّ أَوْ مَذْيٍ أَوْ بَوْلٍ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ قَالُوا: يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ كَمَا يُصَلِّي وَالْبَوْلُ وَنَحْوَهُ لَا يَنْقَطِعُ فَكَذَلِكَ يَتَوَضَّأُ اه. وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِأَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنَ الْمَذْيِ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ فَدَلَّ عَلَى عُمُومِ الْحُكْمِ. الحديث: 89 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الصَّلْتِ بْنِ زُيَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ الْبَلَلِ أَجِدُهُ فَقَالَ انْضَحْ مَا تَحْتَ ثَوْبِكَ بِالْمَاءِ وَالْهُ عَنْهُ   90 - 88 الحديث: 90 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 - (مَالِكٌ عَنِ الصَّلْتِ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَوْقِيَّةٍ (ابْنِ زُيَيْدٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَمُثَنَّاتَيْنِ تَحْتَ مُصَغَّرِ زَيْدٍ أَوْ زِيَادٍ الْكِنْدِيِّ، وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرَوَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ، وَعَنْهُ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: هُوَ ابْنُ أَخِي كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ وَوَلِيَ الصَّلْتُ هَذَا قَضَاءَ الْمَدِينَةِ (أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنِ الْبَلَلِ أَجِدُهُ فَقَالَ: انْضَحْ مَا تَحْتَ ثَوْبِكَ) أَيْ إِزَارَكَ أَوْ سِرْوَالَكَ (بِالْمَاءِ وَالْهَ عَنْهُ) أَمْرٌ مِنْ لَهَى يَلْهَى أَيِ اشْتَغِلْ عَنْهُ بِغَيْرِهِ دَفْعًا لِلْوَسْوَاسِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْتَضِحْ» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ، حَتَّى إِذَا أَحَسَّ بِبَلَلٍ قَدَّرَ أَنَّهُ بَقِيَّةُ الْمَاءِ لِئَلَّا يُشَوِّشَ الشَّيْطَانُ فِكْرَهُ وَيَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ بِالْوَسْوَسَةِ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ مُرْسَلًا: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَنَضَحَ بِهِ فَرْجَهُ» " قِيلَ كَانَ يَفْعَلُهُ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ، وَقَدْ أُجِيرَ مِنْهَا تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ أَوْ لِيَرْتَدَّ الْبَوْلُ فَإِنَّ الْمَاءَ الْبَارِدَ يَقْطَعُهُ، وَالنَّضْحُ الرَّشُّ أَوِ الْغَسْلُ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَبِهِ يُعْرَفُ أَنَّ الْوَسْوَسَةَ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ الْفِقْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 [بَاب الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ]   15 - بَابُ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ. أَيْ وُجُوبُهُ، وَقَالَ بِهِ عُمَرُ وَابْنُهُ وَالْبَرَاءُ وَجَابِرٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ عَلِيٌّ وَعَمَّارٌ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ لِحَدِيثِ «طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: " وَهَلْ هُوَ إِلَّا بَضْعَةٌ مِنْكَ» ". وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ بُسْرَةَ لِأَنَّهَا أَسْلَمَتْ عَامَ الْفَتْحِ، وَطَلْقٌ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ «دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَتَذَاكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ فَقَالَ مَرْوَانُ وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الْوُضُوءُ فَقَالَ عُرْوَةُ مَا عَلِمْتُ هَذَا فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»   91 - 89 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا مِنَ الثِّقَاتِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً، وَصَحَّفَ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ فَقَالَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ وَلَيْسَ الحديث: 91 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الْحَدِيثُ لِمُحَمَّدٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَلَا رَوَاهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ ابْنُ وَضَّاحٍ عَلَى الصِّحَّةِ فَقَالَ ابْنُهُ. (أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ) بْنِ أَبِي الْعَاصِي بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْأُمَوِيِّ الْمَدَنِيِّ لَا يَثْبُتُ لَهُ صُحْبَةٌ، وَلِيَ الْخِلَافَةِ فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَلَهُ ثَلَاثٌ أَوْ إِحْدَى وَسِتُّونَ سَنَةً، (فَتَذَاكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ فَقَالَ مَرْوَانُ: وَمَنْ مَسَّ الذَّكَرَ الْوُضُوءَ، قَالَ عُرْوَةُ: مَا عَلِمْتُ هَذَا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مَعَ مَنْزِلَتِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَهْلَ بِبَعْضِ الْمَعْلُومَاتِ لَا يُدْخِلُ نَقِيصَةً عَلَى الْعَالِمِ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالسُّنَنِ إِذِ الْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ لَا سَبِيلَ إِلَيْهَا. (فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ (بِنْتُ صَفْوَانَ) بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْأَسَدِيَّةُ صَحَابِيَّةٌ لَهَا سَابِقَةٌ وَهِجْرَةٌ، عَاشَتْ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ (أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ» ) بِلَا حَائِلٍ بِبَطْنِ الْكَفِّ لِحَدِيثِ: " «مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ لَيْسَ دُونَهُ حِجَابٌ» " وَالْإِفْضَاءُ لُغَةً الْمَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ (فَلْيَتَوَضَّأْ) . وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: " «فَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَوَضَّأَ» " أَيْ لِانْتِقَاضِ وُضُوئِهِ، فَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْجَارُودِ وَالْحَاكِمُ الثَّلَاثَةُ فِي صِحَاحِهِمْ، وَصَرَّحَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَازِمِيُّ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُخَالِفُ يَقُولُ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مَرْوَانَ وَلَا صُحْبَةَ لَهُ وَلَا كَانَ مِنَ التَّابِعِينِ بِإِحْسَانٍ، فَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ: فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي: يُقَالُ لَهُ رُؤْيَةٌ فَإِنْ ثَبَتَتْ فَلَا يُعَرَّجُ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ عُرْوَةُ كَانَ مَرْوَانُ لَا يُتَّهَمُ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ الصَّحَابِيُّ اعْتِمَادًا عَلَى صِدْقِهِ، وَإِنَّمَا نَقَمُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ رَمَى طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَوْمَ الْجَمَلِ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ شَهَرَ السَّيْفَ فِي طَلَبِ الْخِلَافَةِ حَتَّى جَرَى مَا جَرَى، فَأَمَّا قَتْلُ طَلْحَةَ فَكَانَ مُتَأَوَّلًا كَمَا قَرَّرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا حَمَلَ عَنْهُ سَهْلٌ وَعُرْوَةُ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ وَهَؤُلَاءِ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَحَادِيثَهُمْ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ لَمَّا كَانَ أَمِيرًا عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهُ الْخِلَافُ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ مَا بَدَا، وَقَدِ اعْتَمَدَ مَالِكٌ عَلَى حَدِيثِهِ وَالْبَاقُونَ سِوَى مُسْلِمٍ اه. وَكَانَ ابْنُ حَنْبَلٍ يُصَحِّحُ حَدِيثَ بُسْرَةَ هَذَا وَيُفْتِي بِهِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَوْلَا رَوَاهُ مَالِكٌ لَقُلْتُ يَصِحُّ فِي مَسِّ الذَّكَرِ شَيْءٌ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ حَدِيثَ أُمِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 حَبِيبَةَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» "، وَقَالَ: هُوَ حَسَنُ الْإِسْنَادِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: فِيهِ انْقِطَاعٌ لِأَنَّ مَكْحُولًا رَوَاهُ عَنْ عَنْبَسَةَ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ، وَصَحَّحَ ابْنُ السَّكَنِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ لَيْسَ دُونَهُ حِجَابٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ» " وَلَا يُعَارِضُ هَذَا حَدِيثَ طَلْقٍ إِمَّا لِأَنَّهُ بِفَرْضِ صِحَّتِهِ مَنْسُوخٌ كَمَا مَرَّ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسِّ بِحَائِلٍ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ. وَزَعْمُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ فِي حَدِيثِ بُسْرَةَ كِنَايَةٌ عَمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ، قَالُوا: وَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ الْبَلَاغَةِ يُكَنَّى عَنِ الشَّيْءِ وَيُرْمَزُ إِلَيْهِ بِذِكْرِ مَا هُوَ مِنْ رَوَادِفِهِ، فَلَمَّا كَانَ مَسُّ الذَّكَرِ غَالِبًا يُرَادِفُ خُرُوجَ الْحَدَثِ مِنْهُ وَيُلَازِمُ عَبَّرَ بِهِ عَنْهُ كَمَا عَبَّرَ بِالْمَجِيءِ مِنَ الْغَائِطِ عَمَّا قُصِدَ الْغَائِطُ لِأَجْلِهِ، وَهَذَا مِنْ تَأْوِيلَاتِهِمُ الْبَعِيدَةِ، وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَمَثَّلُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى لِأَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهُ فَتَقْضِي الْعَادَةُ بِنَقْلِهِ تَوَاتُرًا لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَلَا يُعْمَلُ بِخَبَرِ الْآحَادِ فِيهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنْ لَا نُسَلِّمَ قَضَاءَ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَبِأَنَّ الْحَدِيثَ مُتَوَاتِرٌ، رَوَاهُ سَبْعَةُ عَشَرَ صَحَابِيًّا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَقَدْ عَدَّهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أُمْسِكُ الْمُصْحَفَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَاحْتَكَكْتُ فَقَالَ سَعْدٌ لَعَلَّكَ مَسِسْتَ ذَكَرَكَ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ قُمْ فَتَوَضَّأْ فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ   92 - 90 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) الزُّهْرِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَمَّيْهِ عَامِرٍ وَمُصْعَبٍ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَمَالِكٌ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ غَيْرُهُ: ثِقَةٌ حُجَّةٌ رَوَى لَهُ الْخَمْسَةُ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. (عَنْ) عَمِّهِ (مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٍ الزُّهْرِيِّ أَبِي زُرَارَةَ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ، رَوَى لَهُ الْجَمِيعُ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ، (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أُمْسِكُ الْمُصْحَفَ) أَيْ آخُذُهُ (عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) يَعْنِي أَبَاهُ أَيْ لِأَجْلِهِ حَالَ قِرَاءَتِهِ غَيْبًا أَوْ نَظَرًا فَاحْتَكَكْتُ أَيْ تَحْتَ إِزَارِي فَقَالَ سَعْدٌ: لَعَلَّكَ مَسِسْتَ بِكَسْرِ السِّينِ الْأُولَى أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا أَيْ لَمَسْتَ بِكَفِّكَ (ذَكَرَكَ) بِلَا حَائِلٍ (قَالَ) مُصْعَبٌ: (فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَ) سَعْدٌ: (قُمْ فَتَوَضَّأْ فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ) فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَمَلِ سَعْدٍ وَهُوَ أَحَدُ الْعَشْرَةِ بِحَدِيثِ النَّقْضِ بِمَسِّ الذَّكَرِ، وَاحْتِمَالُ إِرَادَةِ الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ غَسْلُ الْيَدِ دَفْعًا لِشُبْهَةِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ مَمْنُوعٌ وَسَنَدُهُ أَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ. الحديث: 92 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ   93 - 91 الحديث: 93 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ) ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ   94 - 92 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ) وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْهُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا. الحديث: 94 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ أَبِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَتِ أَمَا يَجْزِيكَ الْغُسْلُ مِنْ الْوُضُوءِ قَالَ بَلَى وَلَكِنِّي أَحْيَانًا أَمَسُّ ذَكَرِي فَأَتَوَضَّأُ   95 - 93 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي عَبْدَ اللَّهِ) بِنَصْبِ عَبْدَ (ابْنَ عُمَرَ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ أَمَا يَجْزِيكَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ يَكْفِيكَ (الْغُسْلُ مِنَ الْوُضُوءِ؟) أَيْ عَنْهُ أَوْ بَدَلَهُ فَإِنَّ الْغُسْلَ وُضُوءٌ وَزِيَادَةٌ كَمَا وَرَدَ فَيَرْفَعُ صَغِيرَ الْحَدَثِ وَكَبِيرَهُ، (قَالَ: بَلَى) يَجْزِي (وَلَكِنْ أَحْيَانًا أَمَسُّ ذَكَرِي) سَهْوًا أَوْ عَمْدًا لِلدَّلْكِ وَنَحْوِهِ (فَأَتَوَضَّأُ) لِمَسِّهِ النَّاقِضِ لَا لِأَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجْزِي عَنْهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّمَا سَأَلَ سَالِمٌ أَبَاهُ لِأَنَّهُ رَآهُ تَوَضَّأَ بَعْدَ غُسْلٍ افْتَتَحَهُ بِالْوُضُوءِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُنْكَرَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ مَعَ الْغُسْلِ لِاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ مَعَهُ. الحديث: 95 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى قَالَ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ هَذِهِ لَصَلَاةٌ مَا كُنْتَ تُصَلِّيهَا قَالَ إِنِّي بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأْتُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ مَسِسْتُ فَرْجِي ثُمَّ نَسِيتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ فَتَوَضَّأْتُ وَعُدْتُ لِصَلَاتِي   96 - 94 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى) يَعْنِي وَقَدْ كَانَ صَلَّى الصُّبْحَ (قَالَ) سَالِمٌ: الحديث: 96 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 (فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ لَصَلَاةٌ مَا كُنْتَ تُصَلِّيهَا، قَالَ: إِنِّي بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأْتُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ مَسِسْتُ فَرْجِي ثُمَّ نَسِيتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ) فَصَلَّيْتُ الصُّبْحَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ الْحَاصِلِ بَعْدَهُ بِمَسِّ الْفَرْجِ وَاسْتَمَرَّ نِسْيَانِي لِهَذَا الْوَقْتِ فَتَذَكَّرْتُ (فَتَوَضَّأْتُ وَعُدْتُ لِصَلَاتِي) أَيْ أَعَدْتُ الصُّبْحَ لِبُطْلَانِهَا بِمَسِّ الْفَرْجِ بَعْدَ الْوُضُوءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْوُضُوءِ مَنْ مَسَّ الْفَرْجَ مُتَوَاتِرٌ أَخْرَجَهُ مَنْ سَبَقَ عَنْ بُسْرَةَ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَالْحَاكِمِ عَنْ سَعْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَحْمَدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ وَابْنِ عَمْرٍو وَالْبَزَّارِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَرْوَى بِنْتِ أُنَيسٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ عَنْ أُبَيٍّ وَأَنَسٍ وَقَبِيصَةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَرٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَصَحَّهَا كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُ بُسْرَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 [بَاب الْوُضُوءِ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمُلَامَسَةِ فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ   16 - بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ 97 - 95 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ) بِلَا حَائِلٍ (مِنَ الْمُلَامَسَةِ) الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 43) (فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ) لِانْتِقَاضِهِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهُمْ، إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَشْتَرِطْ وُجُودَ اللَّذَّةِ لِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمُسْتَكْرَهَةِ وَالنَّائِمَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ لَذَّةٌ، وَاشْتَرَطَ مَالِكٌ اللَّذَّةَ أَوْ وُجُودَهَا عِنْدَ اللَّمْسِ وَهُوَ أَصَحُّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي الْمُلَامَسَةِ إِلَّا قَوْلَانِ: الْجِمَاعُ وَمَا دُونَهُ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي إِنَّمَا أَرَادَ مَا دُونَهُ مِمَّا لَيْسَ بِجِمَاعٍ، وَلَمْ يُرِدِ اللَّطْمَةَ وَلَا قُبْلَةَ الرَّجُلِ بِنْتَهُ وَلَا اللَّمْسَ بِلَا شَهْوَةٍ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَا وَقَعَتْ بِهِ اللَّذَّةُ، إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ لَطَمَ امْرَأَتَهُ أَوْ دَاوَى جُرْحَهَا لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ مَنْ لَمَسَ وَلَمْ يَلْتَذَّ، كَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَسَّ الْمَرْأَةِ بِلَطْمِهَا أَوْ مُدَاوَاةِ جُرْحِهَا نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ، فَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الحديث: 97 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 الْخِلَافِ فِي مَذْهَبِهِ لَمْ يَتِمَّ الدَّلِيلُ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَحَلِّ النِّزَاعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّمْسُ هُوَ الْجِمَاعُ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَفَّفَ وَكَنَّى عَنْهُ وَقَالَ: مَا أُبَالِي قَبَّلْتُ امْرَأَتَيْنِ أَوْ شَمَمْتُ رَيْحَانَةً، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ لَا حُجَّةَ فِيهَا، وَالْحُجَّةُ لَنَا أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ مِنَ الْمُلَامَسَةِ إِلَّا لَمْسَ الْيَدِ، قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 7) وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا اللَّمْسُ» " وَمِنْهُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَقَدْ قُرِئَ: (أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ) وَحَمْلُهُ عَلَى التَّصْرِيحِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَنِ الْكِنَايَةِ. «وَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ مَا يُصِيبُ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ إِلَّا الْجِمَاعَ فَقَالَ: " يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا حَسَنًا» "، وَحَدِيثُ «عَائِشَةَ: " فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَاطِنِ قَدَمِهِ وَهُوَ يُصَلِّي» " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ لَمْسٍ بِلَا لَذَّةٍ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ. وَجَعَلَ جُمْهُورُ السَّلَفِ الْقُبْلَةَ مِنَ الْمُلَامَسَةِ وَهِيَ بِغَيْرِ الْيَدِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَغْلَبِ بِالْيَدِ فَمَعْنَاهَا الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ، فَأَيُّ عُضْوٍ كَانَ مَعَ الشَّهْوَةِ فَهِيَ الْمُلَامَسَةُ الَّتِي عَنَى اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الْوُضُوءُ   97 - 96 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ) مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ (امْرَأَتَهُ) مَفْعُولَهُ (الْوُضُوءُ) لِأَنَّهَا مِنْ مَشْمُولِ: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] وَقَيَّدَهُ مَالِكٌ بِاللَّذَّةِ وَبِأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْفَمِ إِلَّا لِوَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الْوُضُوءُ   99 - 97 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الْوُضُوءُ) لِأَنَّهُ مُلَامَسَةٌ وَزِيَادَةٌ، وَاللَّامِسُ وَالْمَلْمُوسُ عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ إِذَا الْتَذَّ مَنِ الْتَذَّ مِنْهُمَا. وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَلْمُوسِ قَوْلَانِ: الْوُضُوءُ وَنَفْيُهُ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ السَّابِقِ، قَالَ نَافِعٌ: قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ. اه. الحديث: 99 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 [بَاب الْعَمَلِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ بِغَسْلِ يَدَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِيَدَيْهِ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ»   17 - بَابُ الْعَمَلِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 6) أَيِ اغْتَسِلُوا كَمَا قَالَ فِي النِّسَاءِ: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 43) قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْأُمِّ: فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْغُسْلَ مُطْلَقًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا يُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ شَيْءٍ فَكَيْفَ مَا جَاءَ بِهِ الْمُغْتَسِلُ أَجْزَأَهُ إِذَا أَتَى بِغُسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْغُسْلِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ الْبَابِ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ قَبْلَ الْغُسْلِ وَلَكِنْ عَمَّ جَسَدَهُ وَرَأْسَهُ وَنَوَاهُ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، لَكِنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ. 100 - 98 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ) بِالْهَمْزِ، وَعَوَامُّ الْحَدِيثِ يُبْدِلُونَهَا يَاءً (أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ) بِنَصِّ: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 6) وَهَلْ هُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنَاتِ أَيْضًا؟ قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ) أَيْ شَرَعَ فِي الْغُسْلِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ (مِنَ الْجَنَابَةِ) أَيْ لِأَجْلِهَا فَمِنْ سَبَبِيَّةٌ (بَدَأَ بِغَسْلِ يَدَيْهِ) قَالَ الْحَافِظُ: يُحْتَمَلُ لِلتَّنْظِيفِ مِنْ مُسْتَقْذَرٍ وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ مَيْمُونَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الْغُسْلُ الْمَشْرُوعُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ زِيَادَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامٍ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ أَيْضًا: ثُمَّ يَغْسِلُ فَرْجَهُ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ وَهِيَ زِيَادَةٌ جَلِيلَةٌ لِأَنَّ بِتَقْدِيمِ غُسْلِهِ يَحْصُلُ الْأَمْنُ مِنْ مَسِّهِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ. (ثُمَّ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ) احْتِرَازًا عَنِ الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا كَامِلًا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ يُؤَخِّرُ غَسْلَ قَدَمَيْهِ إِلَى بَعْدِ الْغُسْلِ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ، وَقِيلَ إِنْ كَانَ مَوْضِعُهُ وَسَخًا أَخَّرَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ فِي مُسْتَنْقَعٍ أَخَّرَ وَإِلَّا فَلَا، وَظَاهِرُهُ الحديث: 100 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 أَيْضًا مَشْرُوعِيَّةُ التَّكْرَارِ ثَلَاثًا وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ عِيَاضٌ: لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي وُضُوءِ الْغُسْلِ ذِكْرُ التَّكْرَارِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: إِنَّ التَّكْرَارَ فِي الْغُسْلِ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ، وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا وَصَفَتْ غُسْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْجَنَابَةِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: " ثُمَّ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا» " وَتَعَقَّبَهُ الْأَبِيُّ أَيْضًا بِأَنَّ إِحَالَتَهَا عَلَى وُضُوءِ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي التَّثْلِيثَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِي عَمَلِ الْغُسْلِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي وُضُوئِهِ، وَمِنْ شُيُوخِنَا مَنْ كَانَ يُفْتِي سَائِلَهُ بِالتَّكْرَارِ، وَقِيلَ مَعْنَى التَّشْبِيهِ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِغَسْلِهِمَا فِي الْوُضُوءِ عَنْ إِعَادَتِهِ وَعَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي أَوَّلِ عُضْوٍ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ تَشْرِيفًا لَهَا وَلِيَحْصُلَ لَهُ صُورَةُ الطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ غُسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي غُسْلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ غَسَلَهَا فِي وُضُوئِهِ، وَإِنَّمَا بَدَأَ الْأَعْضَاءَ خَاصَّةً لِلسُّنَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغُسْلِ رُتْبَةٌ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَنُوبُ عَنِ الْوُضُوءِ لِلْحَدَثِ اه. وَأَوْرَدَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ مَغْسُولَةٌ عَنِ الْجَنَابَةِ إِذْ لَوْ كَانَتْ لِلْوُضُوءِ لَمْ يَصِحَّ التَّشْبِيهُ لِعَدَمِ الْمُغَايَرَةِ، وَأَجَابَ بِحُصُولِ الْمُغَايَرَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ شَبَّهَ الْوُضُوءَ الْوَاقِعَ فِي ابْتِدَاءِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ الْمُعْتَادِ الْمُنْفَرِدِ بِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ الْغُسْلِ، وَبِأَنَّ وُضُوءَ الصَّلَاةِ لَهُ صُورَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ ذِهْنِيَّةٌ فَشَبَّهَ هَذَا الْفَرْدَ الْوَاقِعَ فِي الْخَارِجِ بِتِلْكَ الصُّورَةِ الْمَعْهُودَةِ فِي الذِّهْنِ. (ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا) أَيْ أَصَابِعَهُ الَّتِي أَدْخَلَهَا فِي الْإِنَاءِ (أُصُولَ شَعْرِهِ) أَيْ شَعْرِ رَأْسِهِ لِرِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ: يُخَلِّلُ بِهَا شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ فَيُتْبِعُ بِهَا أُصُولَ الشَّعْرِ ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْسَرِ كَذَلِكَ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى تَخْلِيلِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ فِي الْغُسْلِ إِمَّا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: أُصُولُ شَعْرِهِ وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ، وَفَائِدَةُ التَّخْلِيلِ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى الشَّعْرِ وَالْبَشْرَةِ وَمُبَاشَرَةِ الشَّعْرِ بِالْيَدِ لِيَحْصُلَ تَعْمِيمُهُ بِالْمَاءِ وَتَأْنِيسُ الْبَشْرَةِ لِئَلَّا يُصِيبَهَا بِالصَّبُّ مَا تَتَأَذَّى بِهِ، ثُمَّ هَذَا التَّخَلُّلُ غَيْرُ وَاجِبٍ اتِّفَاقًا إِلَّا إِنْ كَانَ الشَّعْرُ مُلَبَّدًا بِشَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَ الْمَاءِ وَبَيْنَ الْوُصُولِ إِلَى أُصُولِهِ. وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: ثُمَّ يُشَرِّبُ شَعْرَهُ الْمَاءَ. (ثُمَّ يَصُبُّ) ذَكَرْتُهُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ وَمَا قَبْلَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَهُوَ الْأَصْلُ لِإِرَادَةِ اسْتِحْضَارِ صُورَةِ الْحَالِ لِلسَّامِعِينَ، (عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِيَدَيْهِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ غَرْفَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي جَمْعِ الْقِلَّةِ، وَالْأَصْلُ فِي مُمَيَّزِ الثَّلَاثَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ، وَوَقَعَ لِرُوَاةِ الْبُخَارِيِّ غُرَفٍ جَمْعُ كَثْرَةٍ إِمَّا لِقِيَامِهِ مَقَامَ جَمْعِ الْقِلَّةِ أَوْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ جَمْعُ قِلَّةٍ كَعَشْرِ سُوَرٍ وَثَمَانِيَ حِجَجٍ، وَالتَّثْلِيثُ خَاصٌّ بِالرَّأْسِ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ رَأْسِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَحُمِلَ التَّثْلِيثُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ كُلَّ غُرْفَةٍ كَانَتْ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الرَّأْسِ. (ثُمَّ يَفِيضُ) أَيْ يَسِيلُ (الْمَاءُ عَلَى جِلْدِهِ) أَيْ بَدَنِهِ وَقَدْ يُكَنَّى بِالْجِلْدِ عَنِ الْبَدَنِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطِ الدَّلْكَ ; لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ الْإِسَالَةُ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ فَاضَ بِمَعْنَى غَسَلَ فَالْخِلَافُ فِيهِ قَائِمٌ. (كُلَّهُ) أَكَّدَهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ عَمَّ جَمِيعَ بَدَنِهِ بِالْغُسْلِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ إِطْلَاقِهِ عَلَى أَكْثَرِهِ تَجَوُّزًا، فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِكْمَالِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَلَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ إِلَى فَرَاغِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهَا كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ فَقَالَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَفَرَّدَ بِهَا أَبُو مُعَاوِيَةَ دُونَ أَصْحَابِ هِشَامٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هِيَ غَرِيبَةٌ صَحِيحَةٌ، قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنَّ لَهَا شَاهِدٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: فَإِذَا فَرَغَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهَا كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ عَلَى أَكْثَرِهِ وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيُسْتَدَلُّ بِرِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ أَيْ أَعَادَ غَسْلَهُمَا لِاسْتِيعَابِ الْغُسْلِ بَعْدَ أَنْ كَانَ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ فَيُوَافِقُ حَدِيثَ الْبَابِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَجَرِيرٌ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَوَكِيعٌ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَائِلًا: وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمْ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إِلَّا فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ يَعْنِي فَرِوَايَتُهُ شَاذَّةٌ كَمَا عُلِمَ، ثُمَّ الشُّذُوذُ إِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا وَإِلَّا فَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فَعَلَ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا حَدَّثَتْ بِهِ، فَبِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ اخْتَلَفَ نَظَرُ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إِنَاءٍ هُوَ الْفَرَقُ مِنْ الْجَنَابَةِ»   101 - 99 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ كَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ، وَخَالَفَهُمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ فَرَوَاهُ عَنْهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَرَجَّحَ أَبُو زُرْعَةَ الْأَوَّلَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لِلزُّهْرِيِّ فِيهِ شَيْخَيْنِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ الحديث: 101 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 مَحْفُوظٌ عَنِ الْقَاسِمِ وَعُرْوَةَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى ( «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إِنَاءٍ» ) زَادَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: وَاحِدٍ مِنْ قَدَحٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَلِلْحَاكِمِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ مِنْ تَوْرٍ مِنْ شَبَهٍ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ التِّينِ: كَانَ هَذَا الْإِنَاءُ مِنْ شَبَهٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ. (هُوَ الْفَرَقُ) بِفَتْحَتَيْنِ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ إِلَّا يَحْيَى فَرَوَاهُ بِسُكُونِ الرَّاءِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ، وَزَعَمَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُمَا لُغَتَانِ قَالَ الْحَافِظُ: لَعَلَّ مُسْتَنَدَ الْبَاجِيِّ قَوْلُ ثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ الْفَرَقُ بِالْفَتْحِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْمُحَدِّثُونَ يُسَكِّنُونَهُ حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَقَدْ حَكَى الْإِسْكَانَ أَبُو زَيْدٍ وَابْنُ دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. اه. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْبَاجِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ يَعْنِي فِي الرِّوَايَةِ، لَكِنَّ يَحْيَى انْفَرَدَ بِالْإِسْكَانِ دُونَ سَائِرِ الرُّوَاةِ لَا مِنْ حَيْثِ اللُّغَةِ، وَأَمَّا مِقْدَارُهُ فِي الرِّوَايَةِ فَلِمُسْلِمٍ، قَالَ سُفْيَانُ - يَعْنِي ابْنَ عُيَيْنَةَ -: الْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَكَذَا قَالَ الْجَمَاهِيرُ وَقِيلَ صَاعَانِ، لَكِنْ نَقَلَ أَبُو عُبَيْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْفَرَقَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ وَأَنَّهُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ اتِّفَاقَ اللُّغَوِيِّينَ، وَإِلَّا فَقَدَ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهُ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: قَدْرُ سِتَّةِ أَقْسَاطٍ وَالْقِسْطُ بِكَسْرِ الْقَافِ نِصْفُ صَاعٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا. وَحَكَى ابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ سِتَّةَ عَشَرَ وَبِالْإِسْكَانِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا وَهُوَ غَرِيبٌ. (مِنَ الْجَنَابَةِ) أَيْ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ بِزِيَادَةٌ: وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَهُوَ فِي الْإِنَاءِ الْوَاحِدِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَنَضَحَ فِي عَيْنَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ   102 - 100 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ) أَيْ بِسَبَبِهَا (بَدَأَ فَأَفْرَغَ) أَيْ صَبَّ الْمَاءَ (عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ) بِشَمَالِهِ (ثُمَّ مَضْمَضَ) بِيَمِينِهِ (وَاسْتَنْثَرَ) بِشِمَالِهِ بَعْدَمَا اسْتَنْشَقَ بِيَمِينِهِ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِيَمِينِهِ وَهُمَا سُنَّتَانِ فِي الْغُسْلِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَاجِبَتَانِ فِي الْغُسْلِ لَا الْوُضُوءِ، وَأَحْمَدُ وَاجِبَانِ فِيهِمَا. (ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَنَضَحَ) أَيْ رَشَّ الْمَاءَ (فِي عَيْنَيْهِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُتَابِعِ ابْنَ عُمَرَ عَلَى النَّضْحِ فِي الْعَيْنَيْنِ أَحَدٌ، قَالَ: وَلَهُ شَذَائِذُ الحديث: 102 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 فِيهَا حَمَلَهُ عَلَيْهَا الْوَرَعُ، قَالَ: وَفِي أَكْثَرِ الْمُوَطَّآتِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «أَشْرِبُوا أَعْيُنَكُمْ مِنَ الْمَاءِ عِنْدَ الْوُضُوءِ» " رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ عَدِيٍّ، قَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: سَنَدُهُ ضَعِيفٌ، بَلْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ: لَمْ نَجِدْ لَهُ أَصْلًا أَيْ يُعْتَدُّ بِهِ. (ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى) مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ (ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ) تَفْسِيرٌ لِاغْتَسَلَ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ وَأَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنْ غُسْلِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَالَتْ لِتَحْفِنْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِنْ الْمَاءِ وَلْتَضْغَثْ رَأْسَهَا بِيَدَيْهَا   102 - 101 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَبَلَاغَاتُهُ صَحِيحَةٌ، قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا قَالَ مَالِكٌ بَلَغَنِي فَهُوَ إِسْنَادٌ قَوِيٌّ (أَنَّ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنْ غُسْلِ الْمَرْأَةِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَقَالَتْ: لِتَحْفِنْ) بِكَسْرِ الْفَاءِ (عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مِثْلَ سَجْدَةٍ وَسَجَدَاتٍ، وَالْفِعْلُ كَضَرَبَ وَهِيَ مِلْءُ الْيَدَيْنِ مِنَ الْمَاءِ. (وَلْتَضْغَثْ) بِإِسْكَانِ الضَّادِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ بَابِ نَفَعَ وَمُثَلَّثَةٌ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الضِّغْثُ: مُعَالَجَةُ شَعْرِ الرَّأْسِ بِالْيَدِ عِنْدَ الْغُسْلِ كَأَنَّهَا تَخْلِطُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْغَسُولَ وَالْمَاءَ (رَأْسَهَا بِيَدَيْهَا) قَالَ مَالِكٌ: لِيُدَاخِلُهُ الْمَاءَ وَيَصِلُ إِلَى بَشَرَةِ الرَّأْسِ لِأَنَّ الْغَرَضَ اسْتِيعَابُ الْبَشَرَةِ بِالْغُسْلِ نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ مَالِكٌ: اغْتِسَالُ الْمَرْأَةِ مِنَ الْحَيْضِ كَاغْتِسَالِهَا مِنَ الْجَنَابَةِ وَلَا تَنْقُضُ رَأْسَهَا، قَالَ: وَفِي قَوْلِهَا إِنْكَارُ قَوْلِ مَنْ رَأَى نَقْضَ ضَفَائِرِ رَأْسِهَا عِنْدَ غَسْلِهَا ; لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهَا بَلْ شَعْرَهَا وَإِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى أُصُولِهِ، وَقَدْ أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي أَمْرَهُ النِّسَاءَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ عِنْدَ الْغُسْلِ وَقَالَتْ: مَا كُنْتُ أَزِيدُ أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْقُضُ رَأْسِي عِنْدَ الْغُسْلِ؟ قَالَ: " يَكْفِيكِ أَنْ تَصُبِّي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 [بَاب وَاجِبِ الْغُسْلِ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ   18 - بَابُ وَاجِبِ الْغُسْلِ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ الْمُرَادُ بِهَذِهِ التَّثْنِيَةِ خِتَانُ الرَّجُلِ وَهُوَ قَطْعُ جِلْدَةِ كَمَرَتِهِ، وَخِفَاضُ الْمَرْأَةِ وَهُوَ قَطْعُ جُلَيْدَةٍ فِي أَعْلَى فَرْجِهَا تُشْبِهُ عُرْفَ الدِّيكِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ وَإِنَّمَا ثُنِّيَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ تَغْلِيبًا وَلَهُ نَظَائِرُ، وَقَاعِدَتُهُ رَدُّ الْأَثْقَلِ إِلَى الْأَخَفِّ وَالْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى. 104 - 102 الحديث: 104 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ) أَيْ مَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنَ الذَّكَرِ (الْخِتَانَ) أَيْ مَوْضِعَهُ مِنْ فَرْجِ الْأُنْثَى وَهُوَ مُشَاكَلَةٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُسَمَّى خِفَاضًا لُغَةً كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " اخْفِضِي " (فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ وَالِالْتِقَاءِ فِي خَبَرِ: إِذَا الْتَقَى الْمُجَاوَزَةُ، كَرِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ: إِذَا جَاوَزَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةُ الْمَسِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْحَشَفَةِ، فَلَوْ وَقَعَ مَسٌّ بِلَا إِيلَاجٍ لَمْ يَجِبِ الْغُسْلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَصَدَّرَ الْإِمَامُ بِهَذَا الْخَبَرِ إِشَارَةٌ لِدَفْعِ مَا رَوَاهُ «زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ: " أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ فَلَمْ يُمْنِ قَالَ عُثْمَانُ: يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ، سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ زَيْدٌ: فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَالُوا بِمِثْلِ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدِيثٌ مَعْلُولٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ الْفَتْوَى بِخِلَافِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: إِنَّهُ شَاذٌّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمُحَالٌ أَنْ يَسْمَعُوا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِسْقَاطَ الْغُسْلِ مِنَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ ثُمَّ يُفْتُوا بِإِيجَابِهِ. وَأَجَابَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ اتِّصَالِ إِسْنَادِهِ وَحِفْظِ رُوَاتِهِ وَلَيْسَ هُوَ فَرْدًا وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ إِفْتَاؤُهُمْ بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ نَاسِخُهُ فَذَهَبُوا إِلَيْهِ، فَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ مَنْسُوخٍ وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الصِّنَاعَةِ الْحَدِيثِيَّةِ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى نَسْخِهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» " وَبِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا «عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ: الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ رُخْصَةٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ بِهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ» ، صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ الْحَافِظُ: عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْغُسْلِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ بِالْمَنْطُوقِ مِنْ حَدِيثِ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ بِالْمَفْهُومِ أَوْ بِالْمَنْطُوقِ أَيْضًا لَكِنَّ ذَاكَ أَصْرَحُ مِنْهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَمَلَ حَدِيثَ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ عَلَى صُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ مَا يَقَعُ فِي الْمَنَامِ مِنْ رُؤْيَةِ الْجِمَاعِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ يَجْمَعُ بَيْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الْحَدِيثَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ اه. وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مِنَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ فِي الِاحْتِلَامِ يُرِيدُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الِاحْتِلَامِ عَلَى مَنْ رَأَى أَنَّهُ يُجَامِعُ وَلَمْ يُنْزِلْ غُسْلٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. اه. وَفِيهِ عِنْدِي وَقْفَةٌ، فَفِي مُسْلِمٍ «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ إِلَى قُبَاءَ حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَنِي سَالِمٍ وَقَفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَابِ عِتْبَانَ فَصَرَخَ بِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ إِزَارَهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَعْجَلْنَا الرَّجُلَ "، فَقَالَ عِتْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُعْجَلُ عَنِ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يُمْنِ مَاذَا عَلَيْهِ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» " وَمَعْلُومٌ أَنَّ صُورَةَ السَّبَبِ قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ، وَقَدْ أَتَى الْحَدِيثُ بِأَدَاةِ الْحَصْرِ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ مَنْ أَوْلَجَ وَلَمْ يُمْنِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُمَا إِنَّهُ لَا يَدْفَعُ كَوْنَهُ مِنَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَهُوَ أَيْضًا مُتَأَكِّدٌ لِحَمْلِهِ عَلَى رُؤْيَا الْمَنَامِ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَلِذَا عَقَّبَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَا رَوَاهُ «عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْسَخُ حَدِيثَهُ بَعْضَهُ بَعْضًا كَمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنُ بَعْضَهُ بَعْضًا» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَقَالَتْ هَلْ تَدْرِي مَا مَثَلُكَ يَا أَبَا سَلَمَةَ مَثَلُ الْفَرُّوجِ يَسْمَعُ الدِّيَكَةَ تَصْرُخُ فَيَصْرُخُ مَعَهَا إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ   105 - 103 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بِالنُّونِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ سَالِمُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) إِسْمَاعِيلَ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ أَوِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؟ فَقَالَتْ) تُلَاطِفُهُ أَوْ تُعَاتِبُهُ: (هَلْ تَدْرِي مَا مَثَلُكَ يَا أَبَا سَلَمَةَ) فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا، قَالَتْ: مَثَلُكَ (مِثْلَ الْفَرُّوجِ) قَالَ الْمَجْدُ: كَتَنُّورٍ: وَيُضَمُّ كَسُبُّوحٍ: فَرْخُ الدَّجَاجِ (يَسْمَعُ الدِّيَكَةَ) بِزِنَةِ عِنَبَةِ جَمْعُ دِيكٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى دُيُوكٍ: ذَكَرُ الدَّجَاجِ (تَصْرُخُ) بِضَمِّ الرَّاءِ تَصِيحُ (فَيَصْرُخُ مَعَهَا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَاتَبَتْهُ بِهَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّهُ قَلَّدَ فِيهِ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ لِمَكَانِهَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ كَانَ أَبُو سَلَمَةَ لَا يَغْتَسِلُ مِنَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ لِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثَ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ فَلِذَلِكَ نَفَّرَتْهُ عَنْهُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ زَمَنٌ فِي الصِّبَا قَبْلَ الْبُلُوغِ يَسْأَلُ عَنْ مَسَائِلِ الْجِمَاعِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا بِالسَّمَاعِ كَالْفَرُّوجِ يَصْرُخُ لِسَمَاعِ الدِّيَكَةِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الصُّرَاخِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ لَكِنَّهُ سَمِعَ الرِّجَالَ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فَيَتَكَلَّمُ مَعَهُمْ. ( «إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» ) وَهَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا اللَّفْظِ. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَعَنْ رَافِعِ الحديث: 105 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 بْنِ خَدِيجٍ وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْأَلْقَابِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ كُلُّهُمْ مَرْفُوعًا بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ أَتَى عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا لَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرٍ إِنِّي لَأُعْظِمُ أَنْ أَسْتَقْبِلَكِ بِهِ فَقَالَتْ مَا هُوَ مَا كُنْتَ سَائِلًا عَنْهُ أُمَّكَ فَسَلْنِي عَنْهُ فَقَالَ الرَّجُلُ يُصِيبُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَلَا يُنْزِلُ فَقَالَتْ إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ لَا أَسْأَلُ عَنْ هَذَا أَحَدًا بَعْدَكِ أَبَدًا   106 - 104 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ وَلِقَيْسٍ صُحْبَةٌ. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) ابْنِ حَزْنٍ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ وَلِأَبِيهِ وَجَدِّهِ صُحْبَةٌ. (أَنَّ أَبَا مُوسَى) عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ (الْأَشْعَرِيَّ) الصَّحَابِيَّ الْمَشْهُورَ (أَتَى عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا: لَقَدْ شَقَّ) صَعُبَ (عَلَيَّ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرٍ إِنِّي لَأَعْظَمَ) أَفْخَمَ وَأَكْبَرَ (أَنْ أَسْتَقْبِلَكَ) أُوَاجِهَكَ (بِهِ) لِكَوْنِهِ مِمَّا يُسْتَحَى مِنْ ذِكْرِهِ لِلنِّسَاءِ. (فَقَالَتْ: مَا هُوَ؟) فَإِنَّهُ لَا حَيَاءَ فِي الدِّينِ ثُمَّ آنَسَتْهُ بِقَوْلِهَا (: مَا كُنْتَ سَائِلًا عَنْهُ أُمَّكَ فَسَلْنِي عَنْهُ) زَادَتْ فِي مُسْلِمٍ: فَإِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ. (فَقَالَ) أَبُو مُوسَى: (الرَّجُلُ يُصِيبُ أَهْلَهُ) يُجَامِعُ حَلِيلَتَهُ (ثُمَّ يُكْسِلُ وَلَا يُنْزِلُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ مِنْ أَكْسَلَ أَوْ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالسِّينِ مِنْ كَسَلَ مِنْ بَابِ فَرِحَ يَفْرَحُ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: أَكْسَلَ الرَّجُلُ إِذَا جَامَعَ ثُمَّ أَدْرَكَهُ فُتُورٌ فَلَمْ يُنْزِلْ، وَمَعْنَاهُ صَارَ ذَا كَسَلٍ، وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ كَسَلَ الْفَحْلُ إِذَا فَتَرَ عَنِ الضِّرَابِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْكَسَلُ: التَّثَاقُلُ عَنِ الشَّيْءِ وَالْفُتُورُ فِيهِ كَسِلَ كَفَرِحَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَكْسَلَهُ الْأَمْرُ (فَقَالَتْ: «إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْهُ ظَاهِرًا يَدْخُلُ فِي الْمَرْفُوعِ بِالْمَعْنَى وَالنَّظَرِ لِأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ تَرَى عَائِشَةَ نَفْسَهَا فِي رَأْيِهَا حُجَّةً عَلَى الصَّحَابَةِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَمُحَالٌ أَنْ يُسَلِّمَ أَبُو مُوسَى لَهَا قَوْلَهَا مِنْ رَأْيِهَا وَقَدْ خَالَفَهَا صَحَابَةٌ بِرَأْيِهِمْ وَكُلُّ وَاحِدٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى صَاحِبِهِ فِي الرَّأْيِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّ أَبَا مُوسَى عَلِمَ أَنَّ مَا احْتَجَّتْ بِهِ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: لَا أَسْأَلُ عَنْ هَذَا أَحَدًا بَعْدَكِ أَبَدًا) ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ وَرَدَ عَنْهَا مَرْفُوعًا بِهَذَا اللَّفْظِ فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَحْمَدَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ «عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ رَهْطٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارُ: لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إِلَّا مِنَ الْمَاءِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: بَلْ إِذَا خَالَطَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: فَأَنَا أَشْفِيكُمْ فِي ذَلِكَ، فَقُمْتُ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَأُذِنَ لِي، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهُ أَوْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أَسْأَلُكِ عَنْ شَيْءٍ وَإِنِّي اسْتَحْيَيْتُكِ، فَقَالَتْ: لَا تَسْتَحِ أَنْ تَسْأَلَ عَمَّا كُنْتَ سَائِلًا عَنْهُ أُمَّكَ الَّتِي وَلَدَتْكَ فَإِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ، قُلْتُ: مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؟ قَالَتْ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ الحديث: 106 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَجَبَ الْغُسْلُ» " وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ كُلْثُومٍ «عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرَّجُلِ يُجَامِعُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ هَلْ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ؟ وَعَائِشَةُ جَالِسَةٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ثُمَّ نَغْتَسِلُ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَلَا يُنْزِلُ فَقَالَ زَيْدٌ يَغْتَسِلُ فَقَالَ لَهُ مَحْمُودٌ إِنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ كَانَ لَا يَرَى الْغُسْلَ فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ نَزَعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ   107 - 105 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ) الْحِمْيَرِيِّ الْمَدَنِيِّ (مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) صَدُوقٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ (أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ابْنِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ (الْأَنْصَارِيَّ) الْأَوْسِيَّ الْأَشْهَلَ أَبَا نُعَيْمٍ الْمَدَنِيَّ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ وَجُلُّ رِوَايَتِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَلَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً. (سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ) أَحَدُ كُتَّابِ الْوَحْيِ (عَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَلَا يُنْزِلُ، فَقَالَ زَيْدٌ: يَغْتَسِلُ، فَقَالَ لَهُ مَحْمُودٌ: إِنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ كَانَ لَا يَرَى الْغُسْلَ، فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ نَزَعَ) بِنُونٍ وَزَايٍ كَفَّ وَأَقْلَعَ وَرَجَعَ (عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ) وَفِي رُجُوعِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا رَجَعَ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَرَّ أَنَّ أُبَيًّا رَوَى الْأَمْرَ بِالِاغْتِسَالِ عَنِ الْمُصْطَفَى، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «عَنْ رَفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يُفْتِي النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ بِأَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَى مَنْ يُجَامِعُ وَلَمْ يُنْزِلْ، فَقَالَ عُمَرُ: عَلَيَّ بِهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ: يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ أَوَبَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ أَنْ تُفْتِيَ بِرَأْيِكَ؟ قَالَ: مَا فَعَلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا حَدَّثَنِي عُمُومَتِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: أَيُّ عُمُومَتِكَ؟ قَالَ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو أَيُّوبَ وَرِفَاعَةُ، فَالْتَفَتَ عُمَرُ إِلَيَّ وَقَالَ: مَا تَقَوُلُ؟ قُلْتُ: كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْمَاءِ إِلَّا عَلِيٌّ وَمُعَاذٌ فَقَالَا: إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، فَقَالَ عُمَرُ: قَدِ اخْتَلَفْتُمْ وَأَنْتُمْ أَهْلُ بَدْرٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ: سَلْ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ فَقَالَتْ: لَا أَعْلَمُ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، فَتَحَطَّمَ عُمَرُ أَيْ تَغَيَّظَ وَقَالَ: لَا أُوتِي بِأَحَدٍ فَعَلَهُ وَلَمْ يَغْتَسِلْ إِلَّا أَنْهَكْتُهُ عُقُوبَةً» " فَلَعَلَّ إِفْتَاءَ زِيدٍ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ بِقَوْلِهِ: يَغْتَسِلُ، كَانَ بَعْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَّا أَنَّهُ يَشْكُلُ عَلَيْهَا مَا صَحَّ «عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ رُخْصَةٌ كَانَ رَخَّصَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ» كَمَا مَرَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا مَعَ النَّاسِ الَّذِينَ جَمَعَهُمْ عُمَرُ وَكَانَ الحديث: 107 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 حَاضِرًا وَخَشِيَ عَلَى زَيْدٍ لِأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ الرُّخْصَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ النَّسْخَ فَأَرَادَ أُبَيٌّ أَنْ يُشْهِرَ النَّسْخَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ عُمَرَ يَبْحَثُ عَنْ ذَلِكَ وَيَسْتَثْبِتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ   108 - 106 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) وَمَرَّ أَنَّ أَرْبَعًا مِنَ الصَّحَابَةِ رَوَوْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا اللَّفْظِ. وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ كَلَامَ الْعَرَبِ يَقْتَضِي أَنَّ الْجَنَابَةَ تُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى الْجِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ خُوطِبَ بِأَنَّ فُلَانًا أَجْنَبَ مِنْ فُلَانَةٍ عُقِلَ أَنَّهُ أَصَابَهَا وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الزِّنَى الَّذِي يَجِبُ لَهُ الْحَدُّ هُوَ الْجِمَاعُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: أَجْمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ مَا أَوْجَبَ الْجَلْدَ وَالرَّجْمَ أَوْجَبَ الْغُسْلَ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِيجَابُ الْغُسْلِ أَطْبَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَّا دَاوُدَ وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِهِ، وَتَعَقَّبَ بِقَوْلِ الْخَطَّابِيِّ: قَالَ بِنَفْيِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَسَمَّى بَعْضَهُمْ قَالَ: وَمِنَ التَّابِعِينَ الْأَعْمَشُ. اه. وَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ: لَا تَطِيبُ نَفْسِي إِذَا لَمْ أُنْزِلْ حَتَّى أَغْتَسِلَ مِنْ أَجْلِ اخْتِلَافِ النَّاسِ لِآخُذَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حَدِيثُ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ ثَابِتٌ لَكِنَّهُ مَنْسُوخٌ وَخَالَفَنَا بَعْضُ الْحِجَازِيِّينَ فَقَالُوا: لَا يَجِبُ حَتَّى يَنْزِلَ. اه. فَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الْخِلَافَ كَانَ مَشْهُورًا بَيْنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى إِيجَابِ الْغُسْلِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الحديث: 108 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 [بَاب وُضُوءِ الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ»   19 - بَابُ وُضُوءِ الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْعَيْنِ مِنْ بَابِ فَرِحَ أَيْ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَهُوَ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَا يُسَاغُ حَتَّى الْمَاءَ وَذَوْقُ الشَّيْءِ، فِي التَّنْزِيلِ {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] ، «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَمْزَمَ: " إِنَّهَا طَعَامٌ طُعْمٍ» " أَيْ يَشْبَعُ مِنْهُ الْإِنْسَانُ، وَالطُّعْمُ بِالضَّمِّ الطَّعَامُ، قَالَ الشَّاعِرُ: وَأُوثِرُ غَيْرِي مِنْ عِيَالِكَ بِالطُّعْمِ أَيْ بِالطَّعَامِ. وَفِي التَّهْذِيبِ: الطُّعْمُ بِالضَّمِّ الْحَبُّ الَّذِي يُلْقَى لِلطَّيْرِ، وَإِذَا أَطْلَقَ أَهْلُ الْحِجَازِ لَفْظَ الطَّعَامِ عَنَوْا بِهِ الْبُرَّ خَاصَّةً، وَفِي الْعُرْفِ: الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ كَالشَّرَابِ لِمَا يُشْرَبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 109 - 107 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) هَكَذَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ بَدَلَ ابْنِ دِينَارٍ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجِيَانِيُّ وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ لِمَالِكٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْحَدِيثُ لِمَالِكٍ عَنْهُمَا لَكِنَّ الْمَحْفُوظَ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ، وَحَدِيثُ نَافِعٍ غَرِيبٌ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ فَلَا غَرَابَةَ، وَإِنْ سَاقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ فَمُرَادُهُ مَا رَوَاهُ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ فَهِيَ غَرَابَةٌ خَاصَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوَطَّأِ، نَعَمْ رِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ لِشَهْرٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا هُوَ عِنْدَ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ، وَرَوَاهُ أَبُو نُوحٍ عَنْ مَالِكٍ فَزَادَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّسَائِيُّ سَبَبَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَوْنٍ «عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَصَابَ ابْنُ عُمَرَ جَنَابَةً فَأَتَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْمَرَهُ فَقَالَ: " لِيَتَوَضَّأْ وَيَرْقُدْ» " وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: (أَنَّهُ يُصِيبُهُ) لِابْنِ عُمَرَ (جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ) أَيْ فِي اللَّيْلِ كَقَوْلِهِ: (مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) (سُورَةُ الْجُمُعَةِ: الْآيَةُ 9) أَيْ فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فِي الزَّمَانِ أَيِ ابْتِدَاءِ إِصَابَةِ الْجَنَابَةِ اللَّيْلَ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 108) . (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَوَضَّأْ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ حَاضِرًا فَوَجَّهَ الْخِطَابَ إِلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِطَابَ لِعُمَرَ فِي غَيْبَةِ ابْنِهِ جَوَابُ اسْتِفْتَائِهِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ إِلَى ابْنِهِ ; لِأَنَّ اسْتِفْتَاءَ عُمَرَ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ ابْنِهِ (وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ) أَيِ اجْمَعْ بَيْنَهُمَا فَالْوَاوُ لَا تُرَتِّبُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نُوحٍ عَنْ مَالِكٍ: " «اغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ تَوَضَّأْ» " وَلِذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَرَادَ اغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ. وَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ بِتَقْدِيمِ غُسْلِهِ عَلَى الْوُضُوءِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ: يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَى غَسْلِ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوُضُوءٍ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّعَبُّدِ، إِذِ الْجَنَابَةُ أَشَدُّ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَتَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي نُوحٍ أَنَّ غَسْلَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوُضُوءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمَسَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَسَّهُ يَنْقُضُ، (ثُمَّ نَمْ) فِيهِ مِنَ الْبَدِيعِ جِنَاسُ التَّصْحِيفِ، وَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَجَاءَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اسْتَفْتَى عُمَرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: " نَعَمْ، يَنَامُ إِذَا تَوَضَّأَ» "، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ مُتَمَسِّكٌ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا الحديث: 109 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 لِلِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى وُجُوبِهِ وَهُوَ شُذُوذٌ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَأُنْكِرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا بِوُجُوبِهِ وَلَا يُعْرَفُ عَنْهُمَا، وَقَدْ نَصَّ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ مُرَادَهُ نَفْيُ الْإِبَاحَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ لَا إِثْبَاتَ الْوُجُوبِ، أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ مُتَأَكَّدُ الِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَابَلَهُ بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: هُوَ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ» " وَقَدَحَ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ وَاضِحٌ، ثُمَّ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْوُضُوءَ هُنَا الشَّرْعِيُّ، وَحِكْمَتُهُ تَخْفِيفُ الْحَدَثِ لَاسِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الْغُسْلِ فَيَنْوِيهِ فَيَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ، وَقَدْ عَلَّلَهُ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ الصَّحَابِيُّ بِأَنَّهُ نِصْفُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَقِيلَ حِكْمَتُهُ أَنَّهُ يَنْشَطُ إِلَى الْعَوْدِ أَوْ إِلَى الْغُسْلِ إِذَا بَلَّ أَعْضَاءَهُ، وَقِيلَ لِيَبِيتَ عَلَى إِحْدَى طَهَارَتَيْنِ خَشْيَةَ أَنْ يَمُوتَ فِي مَنَامِهِ. وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ «عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَأْكُلُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: " لَا يَأْكُلُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ "، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَرْقُدُ الْجُنُبُ؟ قَالَ: " مَا أُحِبُّ أَنْ يَرْقُدَ وَهُوَ جُنُبٌ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَوَفَّى فَلَا يَحْضُرُهُ جِبْرِيلُ» " وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاسْتِحْبَابُ التَّنْظِيفِ عِنْدَ النَّوْمِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَحِكْمَتُهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَبْعُدُ عَنِ الْوَسَخِ وَالرِّيحِ الْكَرِيهَةِ بِخِلَافِ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهَا تَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلَا يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ   110 - 108 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ) أَيْ جَامَعَهَا مِنْ أَصَابَ بُغْيَتَهُ نَالَهَا (ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلَا يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ» "، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرْدَفَ مَالِكٌ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ هَذَا لِإِفَادَةِ أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَيْسَ لِلصَّلَاةِ. قُلْتُ: وَلِإِفَادَةِ أَنَّهُ مِثْلُهُ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ غَسْلُ الْأَذَى وَغَسْلُ ذَكَرَهُ وَيَدَيْهِ وَهُوَ التَّنَظُّفُ، قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَا يَبْطُلُ هَذَا الْوُضُوءُ بِبَوْلٍ وَلَا الحديث: 110 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 غَائِطٍ وَلَا يَبْطُلُ بِشَيْءٍ إِلَّا بِمُعَاوَدَةِ الْجِمَاعِ، وَنَظَمَهُ الْقَائِلُ: إِذَا سُئِلْتَ وُضُوَءًا لَيْسَ يَنْقُضُهُ ... سِوَى الْجِمَاعُ وُضُوءُ النَّوْمِ لِلْجُنُبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ طَعِمَ أَوْ نَامَ   111 - 109 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ طَعِمَ أَوْ نَامَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَتْبَعَهُ بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ إِعْلَامًا بِأَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَمْ يُعْجِبْ مَالِكًا فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ اه. أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِعُذْرٍ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ فُدِعَ فِي خَيْبَرَ فِي رِجْلَيْهِ فَكَانَ يَضُرُّهُ غَسْلَهُمَا. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ، وَتَمَسَّكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُجْنِبُ ثُمَّ يَنَامُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحُفَّاظَ قَالُوا: إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ غَلِطَ فِيهِ وَبِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ الْوُضُوءَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ لِئَلَّا يَعْتَقِدَ وُجُوبَهُ أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى لَمْ يَمَسَّ مَاءً لِلْغُسْلِ، وَقَدْ أَوْرَدَ الطَّحَاوِيُّ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ جَنَحَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ التَّنْظِيفُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ ثَبَتَ تَقْيِيدُ الْوُضُوءِ بِأَنَّهُ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَتِهِ وَمِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فَيُعْتَمَدُ وَيُحْمَلُ تَرْكُ ابْنِ عُمَرَ عَلَى عُذْرٍ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا أَجْنَبَ فَأَرَادَ أَنْ يَنَامَ تَوَضَّأَ أَوْ تَيَمَّمَ» " يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّيَمُّمَ هُنَا عِنْدَ عُسْرِ وُجُودِ الْمَاءِ. انْتَهَى. قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْحَائِضِ لِأَنَّهَا لَوِ اغْتَسَلَتْ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ، قَالَ مَالِكٌ: يَأْكُلُ الْجُنُبُ بِلَا وُضُوءٍ، الْبَاجِيُّ: لِأَنَّ النَّوْمَ وَفَاةٌ فَشُرِعَ لَهُ نَوْعٌ مِنَ الطَّهَارَةِ كَالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ الَّذِي يُرَادُ لِلْحَيَاةِ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا أَوَّلَهُ الْبَاجِيُّ بِأَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ لِلنَّوْمِ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ، وَلِلْأَكْلِ غَسْلُ يَدَيْهِ مِنَ الْأَذَى فَلَمَّا اشْتَرَكَا فِي اللَّفْظِ جَمَعَتْ بَيْنَهُمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 56) وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ دُعَاءٌ. انْتَهَى. يَعْنِي لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْهَا «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ غَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ» . الحديث: 111 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 [بَاب إِعَادَةِ الْجُنُبِ الصَّلَاةَ وَغُسْلِهِ إِذَا صَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ وَغَسْلِهِ ثَوْبَهُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ امْكُثُوا فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ»   20 - بَابُ إِعَادَةِ الْجُنُبِ الصَّلَاةَ وَغَسْلِهِ إِذَا صَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ مِنَ الذُّكْرِ بِضَمِّ الذَّالِ وَارِدٌ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ أَنَّهُ مِنَ الذِّكْرِ بِكَسْرِهَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْتَمَلًا أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا صَلَّى نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ. (وَغَسْلِهِ ثَوْبَهُ) أَيْ مَا يَرَاهُ فِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ وَنَضْحِ مَا شَكَّ فِيهِ. 112 - 110 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) الْقُرَشِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ، رَوَى عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ وَالْقَاسِمِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ مَالِكٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَى لَهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَكَانَ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، لَهُ مَرْفُوعًا فِي الْمُوَطَّأِ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ. (أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ) أَخَا سُلَيْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ مَوَالِي مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَاتِبَتِهِمْ وَكُلُّهُمْ أَخَذَ عَنْهُ الْعِلْمَ وَعَطَاءٌ أَكْثَرُهُمْ حَدِيثًا وَسُلَيْمَانُ أَفْقَهُهُمْ وَالْآخَرَانِ قَلِيلَا الْحَدِيثِ وَكُلُّهُمْ ثِقَةٌ رِضًى. (أَخْبَرَهُ) مُرْسَلٌ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ» ) هِيَ الصُّبْحُ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَكَبَّرَ ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَيْهِمْ» " وَيُعَارِضُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ فَانْصَرَفَ» " وَفِي رِوَايَةٍ: " «فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَقَالَ لَنَا: " مَكَانَكُمْ» " فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ انْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ قَوْلِهِ: كَبَّرَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُكَبِّرَ أَوْ بِأَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ، أَبْدَاهُ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ احْتِمَالًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ حِبَّانَ كَعَادَتِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَبَّرَ زَادَ زِيَادَةَ حَافِظٍ يَجِبُ قَبُولُهَا. ( «ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا» ) مِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: فَقَالَ لَنَا: " مَكَانَكُمْ " مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالْكَلَامِ. ( «فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ» ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي الحديث: 112 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 هُرَيْرَةَ: " «ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَكَبَّرَ» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " «فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا رَأْسُهُ يَنْطِفُ مَاءً وَقَدِ اغْتَسَلَ» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " فَصَلَّى بِهِمْ " كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ: " «إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَنَسِيتُ أَنْ أَغْتَسِلَ» "، وَفِيهِ جَوَازُ النِّسْيَانِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي أَمْرِ الْعِبَادَةِ لِلتَّشْرِيعِ، وَطَهَارَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَجَوَازُ الْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَكَبَّرَ، وَقَوْلُهُ: فَصَلَّى بِهِمْ، ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِقَامَةَ لَمْ تَعُدْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالضَّرُورَةِ وَبِأَمْنِ خُرُوجِ الْوَقْتِ. وَعَنْ مَالِكٍ: إِذَا بَعُدَتِ الْإِقَامَةُ مِنَ الْإِحْرَامِ تُعَادُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى قُرْبِ الزَّمَانِ، فَإِنْ طَالَ فَلَا بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ الْإِقَامَةِ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى قُرْبِ الزَّمَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَكَانَكُمْ ". وَقَوْلُهُ: وَخَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ التَّفْرِيقَ إِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ ابْتَدَأَ الْإِقَامَةَ طَالَ التَّفْرِيقُ أَوْ لَا، كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فِي الْمُصَلِّي بِثَوْبٍ نَجِسٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَسْتَأْنِفُ الْإِقَامَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْقَهْقَهَةِ وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ، فَإِنْ طَالَ اسْتَأْنَفَ الْإِقَامَةَ وَإِلَّا بَنَى عَلَيْهَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَا حَيَاءَ فِي الدِّينِ، وَسَبِيلُ مَنْ غَلَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرِهِ مُوهَمٌ كَأَنْ يُمْسِكُ بِأَنْفِهِ لِيُوهِمَ أَنَّهُ رَعَفَ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ خِلَافًا لِلثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مَنْ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَاحْتَلَمَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْخُرُوجِ، وَاحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى جَوَازِ تَكْبِيرِ الْمَأْمُومِ قَبْلَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَبِّرُوا بَعْدَ تَكْبِيرِهِ الْوَاقِعِ بَعْدَمَا اغْتَسَلَ بَلِ اكْتَفَوْا بِتَكْبِيرِهِمْ أَوَّلًا. وَقَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ: هَذَا خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدَعْوَى ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَاقَضَ أَصْلَهُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ مُتَعَقَّبَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْمُرْسَلَ مُطْلَقًا بَلْ يَحْتَجُّ مِنْهُ بِمَا اعْتَضَدَ وَهُنَا كَذَلِكَ لِاعْتِضَادِهِ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَفِيهِ تَخْصِيصُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا قَدْ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ أَنْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ بِمَنْ لَيْسَتْ لَهُ ضَرُورَةٌ فَيَلْحَقُ بِالْجُنُبِ الْمُحْدِثُ وَالرَّاعِفُ وَالْحَاقِنُ وَنَحْوُهُمْ، وَكَذَا مَنْ يَكُونُ إِمَامًا بِمَسْجِدٍ آخَرَ، وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ فَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ وَبِالتَّخْصِيصِ فَقَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ فِي مَسْجِدِي ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ إِلَّا مُنَافِقٌ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زُيَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى الْجُرُفِ فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ قَدْ احْتَلَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَرَانِي إِلَّا احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ قَالَ فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَ وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا   113 - 111 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ زُيَيْدِ) بِضَمِّ الزَّايِ وَمُثَنَّاتَيْنِ مِنْ تَحْتٍ (ابْنِ الصَّلْتِ) بْنِ مَعْدِيكَرِبَ الْكِنْدِيِّ أَخُو كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ الْمَوْلُودُ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ، وَقَدِمَ عُمُومَتُهُمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمُوا وَرَجَعُوا إِلَى الْيَمَنِ ثُمَّ ارْتَدُّوا وَقُتِلُوا زَمَنَ الصِّدِّيقِ، وَهَاجَرَ كَثِيرٌ وَأَخَوَاهُ زُيَيْدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَسَكَنُوهَا، رَوَى زُيَيْدٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ الحديث: 113 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ هُوَ قَاضِي الْمَدِينَةِ زَمَنَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ بَعِيدٌ وَأَظُنُّ قَاضِيَ الْمَدِينَةِ وَلَدُهُ الصَّلْتُ بْنُ زُيَيْدٍ يَعْنِي شَيْخَ مَالِكٍ، تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُ عَنْهُ فِي الْمَذْيِ (أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى الْجُرُفِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ وَفَاءٍ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ جَانِبِ الشَّامِ، كَذَا ضَبَطَهُ بِضَمَّتَيْنِ الْحَافِظُ وَالسُّيُوطِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَاقْتَصَرَ الْمَجْدُ عَلَى أَنَّهُ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَكَذَا الْمِصْبَاحُ فَقَالَ: الْجُرُفُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَتُسَكَّنُ لِلتَّخْفِيفِ مَا جَرَفَتْهُ السُّيُولُ وَأَكَلَتْهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَبِالْمُخَفَّفِ سَمِيُّ نَاحِيَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ أَعْمَالِ الْمَدِينَةِ عَلَى نَحْوٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ. (فَنَظَرَ) فِي ثَوْبِهِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ التَّالِيَةِ (فَإِذَا هُوَ قَدِ احْتَلَمَ) رَأَى فِي مَنَامِهِ رُؤْيَا أَيْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ أَثَرَ الِاحْتِلَامِ وَهُوَ الْمَنِيُّ. (وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ) لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ لِذَلِكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ. (فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَانِي إِلَّا احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ عَلِمْتُ. (وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ، قَالَ: فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ) مِنْ أَثَرِ الِاحْتِلَامِ (وَنَضَحَ) أَيْ رَشَّ (مَا لَمْ يَرَ) فِيهِ أَذًى لِأَنَّهُ شَكَّ: هَلْ أَصَابَهُ الْمَنِيُّ أَمْ لَا؟ وَمَنْ شَكَّ فِي إِصَابَةِ النَّجَاسَةِ لِثَوْبٍ وَجَبَ نَضْحُهُ تَطْيِيبًا لِلنَّفْسِ وَمُدَافَعَةً لِلشَّيْطَانِ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ عِنْدَهُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِلَّتُهُ إِلَّا خُرُوجَهُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ لَكَفَى، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ غَسْلَهُ لِأَنَّهُ اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ وَأَنَّهُ كَانَ نَظِيفًا وَلِذَا نَضَحَ مَا لَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ طَهَارَةِ الْمَنِيِّ وَفِي احْتِمَالَيْهِ بُعْدٌ إِذْ لَمْ يَكُنْ يَشْتَغِلُ بِغَسْلِ شَيْءٍ طَاهِرٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ خُصُوصًا وَكَانَ الْوَقْتُ قَدْ ضَاقَ لِأَنَّ وَقْتَ الْفَائِتَةِ ذِكْرُهَا وَقَدْ قَالَ: (وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ) بِالشَّكِّ (ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا) فِي الِارْتِفَاعِ هَذَا ظَاهِرُهُ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: يُرِيدُ مُتَمَكِّنًا فِي غُسْلِهِ وَفِي فِعْلِهِ كُلِّهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ لَقَدْ ابْتُلِيتُ بِالْاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيتُ أَمْرَ النَّاسِ فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنْ الْاحْتِلَامِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ   114 - 112 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) السَّابِقِ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الْهِلَالِيِّ الْمَدَنِيِّ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ. (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا) ذَهَبَ أَوَّلَ النَّهَارِ (إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ الحديث: 114 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 فَرَأَى فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ: لَقَدِ ابْتُلِيتُ بِالِاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيتُ أَمْرَ النَّاسِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِاشْتِغَالِهِ بِأَمْرِهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا عَنِ النِّسَاءِ فَكَثُرَ عَلَيْهِ الِاحْتِلَامُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَقْتًا لِابْتِلَائِهِ بِهِ لِمَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي وَوَقْتُهُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ وِلَايَتِهِ. (فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنَ الِاحْتِلَامِ) وَهُوَ الْمَنِيُّ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي دَفْعِ احْتِمَالِ الرَّافِعِيِّ فِي سَابِقَيْهِ. (ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ) وَعَلَتْ فِي ارْتِفَاعِهَا كَمَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ إِنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ لَانَتْ الْعُرُوقُ فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ الْاحْتِلَامَ مِنْ ثَوْبِهِ وَعَادَ لِصَلَاتِهِ   115 - 113 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ) فَصَرَّحَ فِي هَذَا الطَّرِيقِ بِأَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ بِالنَّاسِ. (ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ) فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ وَمَنْ وُلِّيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ ضَيْعَتَهُ وَأُمُورَ دُنْيَاهُ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُطَالِعَ الْقَاضِي ضَيْعَتَهُ وَيُقِيمَ فِي إِصْلَاحِهَا يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً وَأَكْثَرَ. (فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا) أَثَرَهُ وَهُوَ الْمَنِيُّ (فَقَالَ إِنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ) بِفَتْحَتَيْنِ دَسَمَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَهُوَ مَا يَتَحَلَّبُ مِنْ ذَلِكَ (لَانَتِ الْعُرُوقُ) فَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِلَامُ، قِيلَ إِنَّ عُمَرَ كَانَ يُطْعِمُهُ الْوُفُودَ وَيَأْكُلُ مَعَهُمُ اسْتِئْلَافًا، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ لَهُمْ إِلَّا مَا كَانَ يَأْكُلُهُ تَعْلِيمًا لَهُمْ وَإِنْكَارًا لِلسَّرْفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي جُهْدٍ مِنَ الْجَدْبِ فَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْوَدَكِ وَالسَّمْنِ لِيَكُونَ حَالُهُ فِي الْقِلَّةِ كَالْمُسْلِمِينَ حَتَّى ضُرَّ بَطْنُهُ وَقَالَ: لِتَمَرُّنِي عَلَى أَكْلِ الزَّيْتِ مَا دَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِي، وَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَلَّا يَأْكُلَ سَمْنًا حَتَّى يَأْكُلَهُ النَّاسُ، ثُمَّ أَخْصَبَ النَّاسَ فَعَادَ فَأَكَلَ السَّمْنَ وَالْوَدَكَ ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ. (فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ الِاحْتِلَامَ مِنْ ثَوْبِهِ وَعَادَ لِصَلَاتِهِ) أَيْ أَعَادَهَا لِبُطْلَانِهَا، وَفِي إِعَادَتِهِ وَحْدَهُ دُونَ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَ جُنُبٍ أَوْ مُحْدِثٍ إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا وَكَانَ الْإِمَامُ نَاسِيًا فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ نَافِعٍ: صَحِيحَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَلَّفُوا عِلْمَ حَالِ الْإِمَامِ الحديث: 115 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وَيَأْثَمُ هُوَ فِي الْعَمْدِ لَا السَّهْوِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بَاطِلَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ لِارْتِبَاطِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ. قَالَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَكَرَ مَالِكٌ حَدِيثَ عُمَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ طُرُقٍ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ إِلَّا فِي طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ أَحْسَنُهَا انْتَهَى. لَكِنَّ هَذِهِ الطُّرُقَ الثَّلَاثَةَ وَاقِعَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الرَّابِعَةِ فَقِصَّةٌ أُخْرَى وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَّسَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ الْمَاءَ فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الْاحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَصْبَحْتَ وَمَعَنَا ثِيَابٌ فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَاعَجَبًا لَكَ يَا عَمْرُو بْنَ الْعَاصِ لَئِنْ كُنْتَ تَجِدُ ثِيَابًا أَفَكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُهَا لَكَانَتْ سُنَّةً بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ وَأَنْضِحُ مَا لَمْ أَرَ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ أَثَرَ احْتِلَامٍ وَلَا يَدْرِي مَتَى كَانَ وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا رَأَى فِي مَنَامِهِ قَالَ لِيَغْتَسِلْ مِنْ أَحْدَثِ نَوْمٍ نَامَهُ فَإِنْ كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ فَلْيُعِدْ مَا كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا احْتَلَمَ وَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَرَى وَلَا يَحْتَلِمُ فَإِذَا وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَاءً فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ أَعَادَ مَا كَانَ صَلَّى لِآخِرِ نَوْمٍ نَامَهُ وَلَمْ يُعِدْ مَا كَانَ قَبْلَهُ   116 - 114 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبِ) بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْفَوْقِيَّةِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، وَلِأَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رُؤْيَةٌ وَعَدُّوهُ فِي كِبَارِ الثِّقَاتِ التَّابِعِينَ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ وَجَدُّهُ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ بَدْرِيٌّ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: هَذَا مِمَّا عُدَّ أَنَّ مَالِكًا وَهِمَ فِيهِ لِأَنَّ أَصْحَابَ هِشَامٍ الْفَضْلَ بْنَ فَضَالَةَ وَحَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ وَمَعْمَرًا قَالُوا عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ فَسَقَطَ لِمَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي) أَيْ مَعَ (رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي) بِالْيَاءِ وَحَذْفِهَا وَالصَّحِيحُ بِالْيَاءِ. (وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَّسَ) بِمُهْمَلَاتٍ مُثْقَلًا نَزَلَ آخِرَ اللَّيْلِ لِلِاسْتِرَاحَةِ (بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ) رِفْقًا بِالرَّكْبِ (فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً) يَغْتَسِلُ بِهِ وَيَغْسِلُ ثَوْبَهُ. (فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ الْمَاءَ) الَّذِي عَرَّسَ بِقُرْبِهِ (فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي: أَصْبَحْتَ) دَخَلْتَ فِي الصَّبَاحِ (وَمَعَنَا ثِيَابٌ فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ) بِتَمَامِهِ وَالْبَسْ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِنَا. (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي لَئِنْ كُنْتَ) بِفَتْحِ تَاءِ الْخِطَابِ (تَجِدُ ثِيَابًا أَفَكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا؟ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُهَا) أَنَا (لَكَانَتْ سُنَّةً) طَرِيقَةً أُتَّبَعُ فِيهَا فَيَشُقُّ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ ثِيَابًا. قَالَ الْبَاجِيُّ: قَوْلُ عُمَرَ ذَلِكَ لَعَلَّهُ بِمَكَانِهِ مِنْ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَلِاشْتِهَارِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» " فَخَشِيَ التَّضْيِيقَ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ إِلَّا ثَوْبٌ الحديث: 116 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وَاحِدٌ. (بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ وَأَنْضَحَ مَا لَمْ أَرَ) أَيْ أَرُشُّهُ وَهُوَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ طُهْرٌ لِمَا شُكَّ فِيهِ كَأَنَّهُ دَفْعٌ لِلْوَسْوَسَةِ، وَأَبَاهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: لَا يَزِيدُهُ النَّضْحُ إِلَّا انْتِشَارًا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ النَّضْحِ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ عَنِ الصَّلَاةِ بِالنَّاسِ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ إِلَّا بِأَمْرٍ وَاجِبٍ مَانِعٍ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَنْضَحُ بِالشَّكِّ وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ أَثَرَ احْتِلَامٍ وَلَا يَدْرِي مَتَى كَانَ وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا رَأَى فِي مَنَامِهِ قَالَ: لِيَغْتَسِلْ مِنْ أَحْدَثِ) أَقْرَبِ أَيْ آخِرِ (نَوْمٍ نَامَهُ فَإِنْ كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ) الْأَخِيرِ (فَلْيُعِدْ مَا كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ) لَا مَا صَلَّاهُ قَبْلَ النَّوْمِ الْأَخِيرِ فَلَا إِعَادَةَ لِأَنَّهُ شَكٌّ طَرَأَ بَعْدَ كَمَالِ الصَّلَاةِ وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا لِحُدُوثِهِ بَعْدَ تَيَقُّنِ سَلَامَةِ الْعِبَادَةِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ أَيْ عَدَمَ إِعَادَتِهِ مَا صَلَّاهُ قَبْلَ آخَرِ نَوْمٍ بِقَوْلِهِ: (مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا احْتَلَمَ) رَأَى أَنَّهُ يُجَامِعُ (وَلَا يَرَى شَيْئًا) أَيْ مَنِيًّا (وَيَرَى) الْمَنِيَّ فِي ثَوْبِهِ (وَلَا يَحْتَلِمُ) لَا يَرَى أَنَّهُ يُجَامِعُ (فَإِذَا وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَاءً فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ) وُجُوبًا (وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ أَعَادَ مَا كَانَ صَلَّى لِآخِرِ نَوْمٍ نَامَهُ وَلَمْ يُعِدْ مَا كَانَ قَبْلَهُ) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَا يَنَامُ إِلَّا فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ الَّذِي رَأَى فِيهِ الْمَنِيَّ أَوْ كَانَ يَنَامُ فِيهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ; لِأَنَّ الَّذِي يَنَامُ فِيهِ أَبَدًا تَيَقَّنَ أَنَّ مَا صَلَّى بَعْدَ آخِرِ نَوْمَةٍ عَلَى حَدَثٍ وَشَكٍّ فِيمَا قَبْلُ وَكَذَلِكَ حَالُ مَا نَامَ فِيهِ مَرَّةً وَفِي غَيْرِهِ أُخْرَى، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 [بَاب غُسْلِ الْمَرْأَةِ إِذَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ] حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ أَتَغْتَسِلُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ أُفٍّ لَكِ وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرِبَتْ يَمِينُكِ وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ»   21 - بَابُ غُسْلِ الْمَرْأَةِ إِذَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ 117 - 115 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ) كَذَا لِرُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَلِابْنِ الحديث: 117 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَكُلُّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَائِشَةَ إِلَّا ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ أَبِي الْوَزِيرِ فَرَوَيَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ: تَابَعَهُمَا مَعْنٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ وَحُبَابُ بْنُ جَبَلَةَ، وَتَابَعَهُمْ خَمْسَةٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَتَابَعَهُ مُسَافِعٌ الْحَجَبِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ (قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ لَهُ وَعَائِشَةُ عِنْدَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ (الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ) وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ «أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا يُجَامِعُهَا فِي الْمَنَامِ (أَتَغْتَسِلُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ) » إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ كَمَا فِي تَالِيهِ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ «فَقَالَ: " هَلْ تَجِدُ شَهْوَةً؟ " قَالَتْ: لَعَلَّهُ، فَقَالَ: " هَلْ تَجِدُ بَلَلًا؟ " قَالَتْ: لَعَلَّهُ، قَالَ: " فَلْتَغْتَسِلْ ". فَلَقِيَتْهَا النِّسْوَةُ فَقُلْنَ: فَضَحْتِينَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأَنْتَهِيَ حَتَّى أَعْلَمَ فِي حِلٍّ أَنَا أَمْ فِي حَرَامٍ؟» فَفِيهِ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْإِنْزَالِ فِي الْمَنَامِ، وَنَفَى ابْنُ بَطَّالٍ الْخِلَافَ فِيهِ لَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، فَيَدْفَعُ اسْتِبْعَادَ النَّوَوِيِّ صِحَّتُهُ عَنْهُ، وَكَأَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ لَمْ تَسْمَعْ حَدِيثَ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ أَوْ سَمِعَتْهُ وَتَوَهَّمَتْ خُرُوجَ الْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ لِنُدُورِ نُزُولِ الْمَاءِ مِنْهَا. وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْهَا: «فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ مَاءٌ؟ فَقَالَ: " هُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» " قَالَ الرَّافِعِيُّ: أَيْ نَظَائِرُهُمْ وَأَمْثَالُهُمْ فِي الْخَلْقِ. (فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: أُفٍّ لَكِ) قَالَ عِيَاضٌ: أَيِ اسْتِحْقَارًا أَوْ هِيَ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الْأَقْذَارِ وَالِاسْتِحْقَارِ، وَقِيلَ التَّضَجُّرُ وَالْكَرَاهَةُ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهِيَ هُنَا بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ. قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا أَيْ أَنَّهَا تَضَجَّرَتْ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ وَكَرِهَتْهُ أَوِ اسْتَقْذَرَتْ ذِكْرَهُ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَأَصْلُ الْأُفِّ وَسَخُ الْأَظْفَارِ، وَقِيلَ وَسَخُ الْأُذُنِ وَهُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا بِالتَّنْوِينِ وَتَرْكِهِ فَهَذِهِ سِتَّةٌ، وَأُفِّهِ بِالْهَاءِ وَإِفَّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَأُفْ بِضَمِّهَا وَسُكُونِ الْفَاءِ، وَأُفَّى بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْقَصْرِ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: بَلْ فِيهِ نَحْوُ أَرْبَعِينَ لُغَةً حَكَاهَا أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ. وَمِثْلُ هَذَا فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَلَهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَاسْتَحَيْتُ هَلْ يَكُونُ هَذَا، وَلَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ: " تَرِبَتْ يَدَاكِ فَبِمَا يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا» ". وَجَمَعَ عِيَاضٌ بِاحْتِمَالِ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ كِلْتَاهُمَا أَنْكَرَتَا عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَجَابَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِمَا أَجَابَهَا، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ: الصَّحِيحُ هُنَا أُمُّ سَلَمَةَ لَا عَائِشَةُ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ فِي الْفَتْحِ. (وَهَلْ تَرَى ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ (الْمَرْأَةُ) قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 أَنْكَرْتُ عَلَيْهَا بَعْدَ جَوَابِ الْمُصْطَفَى لَهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ حُكْمِ الشَّيْءِ تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ، فَالْفُقَهَاءُ يَذْكُرُونَ الصُّوَرَ الْمُمْكِنَةَ لِيَعْرِفُوا حُكْمَهَا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بَلْ قَدْ يُصَوِّرونَ الْمُسْتَحِيلَ لِتَشْحِيذِ الْأَذْهَانِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ النِّسَاءِ يَحْتَلِمْنَ وَإِلَّا لَمَا أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ ذَلِكَ، قَالَ: وَقَدْ يُوجَدُ عَدَمُ الِاحْتِلَامِ فِي بَعْضِ الرِّجَالِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ أَوْجَدُ وَأَكْثَرُ، وَعَكَسَ ذَلِكَ ابْنُ بَطَّالٍ فَقَالَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ النِّسَاءِ يَحْتَلِمْنَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الْجَوَازُ لَا الْوُقُوعُ أَيْ فِيهِنَّ قَابِلِيَّةُ ذَلِكَ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَأَيُّ مَانِعٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُنَّ لَا يَحْتَلِمْنَ كَمَا أَنَّ مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَحْتَلِمُونَ لِأَنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَيْهِمْ، وَكَذَا لَا يُسَلِّطُ عَلَى أَزْوَاجِهِ تَكْرِيمًا لَهُ؟ قُلْتُ: الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَهُوَ كَغَيْرِهِ لَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ لِلْأَنْبِيَاءِ إِلَّا بِالدَّلِيلِ، وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ: بَحَثَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي الدَّرْسِ فَمَنَعَ وُقُوعَهُ مِنْ أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُنَّ لَا يُطِعْنَ غَيْرَهُ لَا يَقَظَةً وَلَا مَنَامًا، وَالشَّيْطَانُ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُنَّ قَدْ يَحْتَلِمْنَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، أَوْ يَكُونُ سَبَبُ ذَلِكَ شِبَعًا أَوْ غَيْرَهُ، وَالَّذِي مَنَعَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هُوَ وُقُوعُ الِاحْتِلَامِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. انْتَهَى. (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:) وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ «فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ فَضَحْتِ النِّسَاءَ تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بَلْ أَنْتِ (تَرِبَتْ يَمِينُكِ) » " قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ خِلَافٌ كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ جِدًّا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا، وَالْأَصَحُّ الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهَا أَنَّ أَصْلَهَا افْتَقَرَتْ، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ اعْتَادَتِ اسْتِعْمَالَهَا غَيْرُ قَاصِدَةٍ حَقِيقَةِ مَعْنَاهَا فَيَقُولُونَ: تَرِبَتْ يَدَاكَ، وَقَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْجَعَهُ، وَلَا أُمَّ لَهُ وَلَا أَبَّ لَهُ، وَثَكِلَتْهُ أُمُّهُ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا عِنْدَ إِنْكَارِ الشَّيْءِ أَوِ الزَّجْرِ عَنْهُ أَوِ الذَّمِّ عَلَيْهِ أَوِ اسْتِعْظَامِهِ أَوِ الْحَثِّ عَلَيْهِ أَوِ الْإِعْجَابِ بِهِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هَذَا اللَّفْظُ وَمَا أَشْبَهَهُ يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الدُّعَاءِ، وَقَدْ قَالَ الْبَدِيعُ فِي رِسَالَتِهِ: قَدْ يُوحِشُ اللَّفْظُ وَكُلُّهُ وُدُّ ... وَيُكْرَهُ الشَّيْءُ وَلَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ بُدُّ هَذِهِ الْعَرَبُ تَقُولُ لَا أَبَّ لَكَ لِلشَّيْءِ إِذَا أَهَمَّ، وَقَاتَلَهُ اللَّهُ وَلَا يُرِيدُونَ الذَّمَّ، وَوَيْلُ أُمِّهِ لِلْأَمْرِ إِذَا تَمَّ، وَلِلْأَلْبَابِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى الْقَوْلِ وَقَائِلِهِ فَإِنْ كَانَ وَلِيًّا فَهُوَ الْوَلَاءُ وَإِنَّ خَشِنَ، وَإِنْ كَانَ عَدُوًّا فَهُوَ الْبَلَاءُ وَإِنْ حَسُنَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاطَبَهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي تَخَاطُبِهَا مِنِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عِنْدَ الْإِنْكَارِ لِمَنْ لَا يُرِيدُونَ فَقْرَهُ، وَلِمَنْ كَانَ مَعْنَاهَا افْتَقَرَتْ يُقَالُ: تَرِبَ فُلَانٌ إِذَا افْتَقَرَ فَلَصِقَ بِالتُّرَابِ، وَأَتْرَبَ إِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 اسْتَغْنَى وَصَارَ مَالُهُ كَالتُّرَابِ كَثْرَةً. وَكَذَا قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: مَا أَرَاهُ أَرَادَ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا الْأَتْرَابُ إِلَّا الْغِنَى، فَرَأَى أَنَّهُ مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ التُّرَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لَهَا تَأْدِيبًا لِإِنْكَارِهَا مَا أَقَرَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُقِرُّ إِلَّا عَلَى الصَّوَابِ، وَقَدْ قَالَ: " «اللَّهُمَّ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ قُرْبَةً إِلَيْكَ» " فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ لَهَا ذَلِكَ لِتُؤْجَرَ وَلِيُكَفَّرَ لَهَا مَا قَالَتْهُ. انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ «أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: تَرِبَتْ يَمِينُكَ، فَرَدَّ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: " بَلْ أَنْتِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ» " كَمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ مُسْلِمٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ ضَعُفَ عَقْلُكِ، أَتَجْهَلِينَ هَذَا، أَوِ افْتَقَرْتِ بِذَلِكَ مِنَ الْعِلْمِ؟ أَيْ إِذَا جَهِلْتِ مِثْلَ هَذَا فَقَدْ قَلَّ حَظُّكِ مِنَ الْعِلْمِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مَعْنَاهُ الْحَضُّ عَلَى تَعَلُّمِ مِثْلَ هَذَا. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: مَعْنَاهُ أَصَابَهَا التُّرَابُ وَلَمْ يَدْعُ عَلَيْهَا بِالْفَقْرِ. (وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْبَاءِ وَبِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْبَاءِ أَيْ شَبَهُ الِابْنِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ لِأَقَارِبِهِ، فَلِلْمَرْأَةِ مَا تَدْفَعُهُ عِنْدَ اللَّذَّةِ الْكُبْرَى كَمَا لِلرَّجُلِ مَا يَدْفَعُهُ عِنْدَهَا. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: «فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: " نَعَمْ، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟ " إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَ: " «وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ؟ إِذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ أَعْمَامَهُ» ". وَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ ثَوْبَانَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَابَ الْيَهُودِيَّ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ ذَكَرٌ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ» "، فَدَلَّ مَجْمُوعُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ جَاءَ الْوَلَدُ ذَكَرًا وَأَشْبَهَ أَعْمَامَهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ جَاءَ أُنْثَى وَأَشْبَهَ خَالَهُ، وَالْمُشَاهَدَةُ تَدْفَعُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْوَلَدُ ذَكَرًا وَيُشْبِهُ أَخْوَالَهُ وَقَدْ يَكُونُ أُنْثَى وَيُشْبِهُ أَعْمَامَهُ، فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالَّذِي يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ حَدِيثِ ثَوْبَانَ فَيُقَالُ إِنَّ ذَلِكَ الْعُلُوَّ مَعْنَاهُ سَبْقُ الْمَاءِ إِلَى الرَّحِمِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعُلُوَّ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ الْغَلَبَةُ وَالسَّابِقُ غَالِبًا فِي ابْتِدَائِهِ فِي الْخُرُوجِ قَبْلَ غَلَبِهِ عَلَاهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ رُوِيَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ: " «إِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ آنَثَا» " انْتَهَى. وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ السَّابِقَةِ: " «فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ» " وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ شَبَهٌ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِيَّةِ فَيَكُونُ كَثْرَتُهُ مُقْتَضِيَةً لِلشَّبَهِ فِي الصُّورَةِ وَسَبْقُهُ مُقْتَضِيًا لِلشَّبَهِ فِي الْجِنْسِيَّةِ. وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ مَاءِ الْمَرْأَةِ فَقَطْ، وَأَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ عَاقِدٌ لَهُ كَالْأَنْفَحَةِ لِلَّبَنِ، بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِنَ الْمَاءَيْنِ جَمِيعًا، وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: مَنْ كَانَ مِنْهُ إِنْزَالُ الْمَاءِ عِنْدَ الْجِمَاعِ أَمْكَنَ مِنْهُ إِنْزَالَ الْمَاءِ عِنْدَ الِاحْتِلَامِ، فَأَثْبَتَ الْإِنْزَالَ عِنْدَ الْجِمَاعِ بِدَلِيلٍ وَهُوَ الشَّبَهُ، وَقَاسَ عَلَيْهِ الْإِنْزَالَ بِالِاحْتِلَامِ، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ وَلِيُّ الدِّينِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ فَقَالَ نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ»   118 - 116 الحديث: 118 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيَّةِ، وُلِدَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَسَمَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبَ وَرَوَتْ عَنْهُ وَعَنْ أُمِّهَا وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهَا ابْنُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُرْوَةُ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ، وَمَاتَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَحَضَرَ ابْنُ عُمَرَ جِنَازَتَهَا قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَيَمُوتَ بِمَكَّةَ. (عَنْ) أُمِّهَا (أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ أُمِّ سُلَيْمٍ وَعَائِشَةَ كَمَا مَرَّ. قَالَ الْحَافِظُ: وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِأُمِّ سَلَمَةَ لَا لِعَائِشَةَ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ رِوَايَةِ هِشَامٍ أَيْ عَلَى رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الذُّهْلِيِّ بِذَالٍ وَلَامٍ أَنَّهُ صَحَّحَ الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا، وَأَشَارَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى تَقْوِيَةِ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ بِأَنَّ مُسَافِعَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ تَابَعَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا رِوَايَةَ مُسَافِعٍ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ لَهُ وَعَائِشَةُ عِنْدَهُ. وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَكَانَتْ مُجَاوِرَةً لِأُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ هِيَ الَّتِي رَاجَعَتْهَا وَهَذَا يُقَوِّي رِوَايَةَ هِشَامٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَيْ تَبَعًا لِعِيَاضٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ جَمِيعًا نَكَرَتَا عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ حُضُورُ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ أَنَسًا وَعَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ حَضَرُوا الْقِصَّةَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَنَسًا لَمْ يَحْضُرْهَا وَإِنَّمَا تَلَقَّاهَا عَنْ أُمِّهِ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِهِ مَا يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ، وَرَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَ الْقِصَّةِ وَإِنَّمَا تَلَقَّاهَا ابْنُ عُمَرَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ بِنْتُ مِلْحَانَ بِكَسْرِ الْمِيمِ ابْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيَّةُ يُقَالُ اسْمُهَا سَهْلَةُ أَوْ رُمَيْثَةُ أَوْ مُلَيْكَةُ أَوْ أُنَيْقَةُ وَهِيَ الْغُمَيْصَاءُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ أَوِ الرُّمَيْصَاءُ وَكَانَتْ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ الْفَاضِلَاتِ مَاتَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ (امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدِ بْنِ سَهْلٍ الْبَدْرِيِّ (الْأَنْصَارِيِّ) النَّجَّارِيِّ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، زَادَ أَبُو دَاوُدَ: وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي) بِيَاءَيْنِ لُغَةً وَيَاءٍ وَاحِدَةٍ لُغَةُ تَمِيمٍ (مِنَ الْحَقِّ) أَيْ لَا يَأْمُرُ بِالْحَيَاءِ فِيهِ أَوْ لَا يَمْتَنِعُ مَنْ ذَكَرَهُ امْتِنَاعَ الْمُسْتَحِي، قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّ الْحَيَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 تَغَيُّرٌ وَانْكِسَارٌ، وَهُوَ يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يَتْرُكُهُ فَإِنَّ مَنِ اسْتَحَى مِنْ شَيْءٍ تَرَكَهُ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحَيَاءَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَ مِنْ طَلَبِ الْحَقِّ وَمَعْرِفَتِهِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: قَدْ يُقَالُ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّأْوِيلِ فِي الْإِثْبَاتِ كَحَدِيثِ: " «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ» " وَأَمَّا النَّفْيُ فَالْمُسْتَحِيلَاتُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تُنْفَى، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النَّفْيُ مُمْكِنًا، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدِ النَّفْيُ عَلَى الِاسْتِحْيَاءِ مُطْلَقًا بَلْ وَرَدَ عَلَى الِاسْتِحْيَاءِ مِنَ الْحَقِّ، فَيَقْتَضِي بِالْمَفْهُومِ أَنَّهُ يَسْتَحِي مِنْ غَيْرِ الْحَقِّ فَعَادَ إِلَى جَانِبِ الْإِثْبَاتِ فَاحْتِيجَ إِلَى تَأْوِيلِهِ. قَالَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ: وَقَدَّمْتُ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ قَوْلِهَا لَمَّا احْتَاجَتْ إِلَيْهِ مِنَ السُّؤَالِ عَنْ أَمْرٍ يَسْتَحِي النِّسَاءُ مِنْ ذِكْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا بُدٌّ مِنْهُ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَهَذَا أَصْلٌ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْبُلَغَاءُ فِي ابْتِدَاءِ كَلَامِهِمْ مِنَ التَّمْهِيدِ لِمَا يَأْتُونَ بِهِ بَعْدَهُ، وَوَجْهُ حُسْنِهِ أَنَّ الِاعْتِذَارَ إِذَا تَقَدَّمَ أَدْرَكَتْهُ النَّفْسُ صَافِيًا مِنَ الْعَيْبِ فَتَدْفَعُهُ، وَإِذَا تَأَخَّرَ اسْتَقْبَلَتِ النَّفْسُ الْمُعْتَذَرَ عَنْهُ فَأَدْرَكَتْ قُبْحَهُ حَتَّى يَرْفَعَهُ الْعُذْرُ وَالدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنَ الرَّفْعِ. (هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ) زَائِدَةٌ وَسَقَطَتْ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ (غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ) افْتَعَلَتْ مِنَ الْحُلْمِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ فِي مَنَامِهِ، يُقَالُ مِنْهُ حَلَمَ وَاحْتَلَمَ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَمْرٌ خَاصٌّ مِنْهُ، وَهُوَ الْجِمَاعُ، وَلِأَحْمَدَ «عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا يُجَامِعُهَا فِي الْمَنَامِ أَتَغْتَسِلُ» ؟ وَفِي رَبِيعِ الْأَبْرَارِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: " لَا يَحْتَلِمُ وَرِعٌ إِلَّا عَلَى أَهْلِهِ ". (فَقَالَ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ) أَيِ الْمَنِيَّ بَعْدَ الِاسْتِيقَاظِ، زَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ: «فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَعْنِي وَجْهَهَا وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ: " نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ فَلِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا» " وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ يَظْهَرُ مِنَ السِّيَاقِ، أَيْ أَتَرَى الْمَرْأَةُ الْمَاءَ وَتَحْتَلِمُ؟ وَكَذَا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَصْحَابُ هِشَامٍ عَنْهُ سِوَى مَالِكٍ فَلَمْ يَذْكُرْهَا، وَلِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ: فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا تَبَسَّمَتْ تَعَجُّبًا وَغَطَّتْ وَجْهَهَا اسْتِحْيَاءً. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ، فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ فَضَحْتِ النِّسَاءَ، وَكَذَا لِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كِتْمَانَ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِنَّ، وَفِيهِ وُجُوبُ غُسْلِ الْمَرْأَةِ بِالْإِنْزَالِ فِي الْمَنَامِ. وَرَوَى أَحْمَدُ «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ مَاءٌ؟ فَقَالَ: " هُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» ". وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ فَقَالَ: إِذَا رَأَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَاءَ كَمَا يَرَاهُ الرَّجُلُ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَاءَ الْمَرْأَةِ لَا يَبْرُزُ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ إِنْزَالُهَا بِشَهْوَتِهَا. وَحَمَلَ قَوْلَهُ: إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ أَيْ عَلِمَتْ بِهِ لِأَنَّ وُجُودَ الْعِلْمِ هُنَا مُتَعَذَّرٌ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِهِ عِلْمَهَا بِذَلِكَ وَهِيَ نَائِمَةٌ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ، لِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ رَأَى أَنَّهُ جَامَعَ وَعَلِمَ أَنَّهُ أَنْزَلَ فِي النَّوْمِ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَلَمْ يَرَ بَلَلًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا، فَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ عِلْمَهَا بِذَلِكَ بَعْدَ أَنِ اسْتَيْقَظَتْ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَمِرُّ فِي الْيَقَظَةِ مَا كَانَ فِي النَّوْمِ إِلَّا إِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 كَانَ مُشَاهِدًا، فَحَمْلُ الرُّؤْيَا عَلَى ظَاهِرِهَا هُوَ الصَّوَابُ، وَفِيهِ اسْتِفْتَاءُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا، وَسِيَاقُ صُوَرِ الْأَحْوَالِ فِي الْوَقَائِعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَجَوَازُ التَّبَسُّمِ فِي التَّعَجُّبِ، وَقَدْ سَأَلَتْ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَفِي حَدِيثِهَا فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهَا غُسْلٌ حَتَّى تُنْزِلَ كَمَا يُنْزِلُ الرَّجُلُ كَمَا لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ غُسْلٌ إِذَا رَأَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْزِلْ " وَسَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَبُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ، وَفِي الْحَدِيثِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النِّسَاءُ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ دِينِهِنَّ وَالسُّؤَالِ عَنْهُ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «شِفَاءُ الْعَيِّ السُّؤَالُ» "، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: " «رَحِمَ اللَّهُ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَسْأَلْنَ عَنْ أَمْرِ دِينِهِنَّ» " وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْأَدَبِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ هِشَامٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 [بَاب جَامِعِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا بَأْسَ أَنْ يُغْتَسَلَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ مَا لَمْ تَكُنْ حَائِضًا أَوْ جُنُبًا   22 - بَابُ جَامِعِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ 119 - 117 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا بَأْسَ) أَيْ يَجُوزُ (أَنْ يَغْتَسِلَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ مَا لَمْ تَكُنْ حَائِضًا أَوْ جُنُبًا) فَيُكَرَهُ عِنْدَهُ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى الْجَوَازِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَعَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ إِلَّا ابْنَ حَنْبَلَ فَكَرِهَهُ إِذَا خَلَتْ بِهِ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ مَا صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ: " «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنَ الْجَنَابَةِ» " كَمَا تَقَدَّمَ، وَفَعَلَهُ مَعَ مَيْمُونَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالْآثَارُ فِي مَعْنَاهُ مُتَوَاتِرَةٌ. الحديث: 119 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَعْرَقُ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ   120 - 118 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَعْرَقُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ كَفَرَحَ، يَرْشَحُ جِلْدُهُ (فِي الثَّوْبِ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ) لِأَنَّ عَرَقَ الْجُنُبِ طَاهِرٌ بِاتِّفَاقٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْخَنَسَ مِنْهُ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: " أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ " قَالَ كُنْتُ جُنُبَا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ» " وَتَمَسَّكَ بِمَفْهُومِهِ بَعْضُ أَهْلِ الحديث: 120 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 الظَّاهِرِ فَقَالَ: إِنَّ الْكَافِرَ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَقَوَّاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 28) وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ طَاهِرُ الْأَعْضَاءِ لِاعْتِيَادِهِ مُجَانَبَةَ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ لِعَدَمِ تَحَفُّظِهِ عَنْهَا، وَعَنِ الْآيَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ نَجَسٌ فِي الِاعْتِقَادِ وَالِاسْتِقْذَارِ، أَوْ لِأَنَّهُ يَجِبُ اجْتِنَابُهُمْ كَالنَّجَاسَةِ، أَوْ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَطَهَّرُونَ وَلَا يَجْتَنِبُونَ النَّجَاسَةَ فَهُمْ مُلَابِسُونَ لَهَا غَالِبًا، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَرَقَهُنَّ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ مَنْ يُضَاجِعُهُنَّ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مِنَ الْغُسْلِ مِنَ الْكِتَابِيَّةِ إِلَّا مِثْلِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُسْلِمَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآدَمِيَّ الْحَيَّ لَيْسَ بِنَجَسِ الْعَيْنِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْسِلُ جَوَارِيهِ رِجْلَيْهِ وَيُعْطِينَهُ الْخُمْرَةَ وَهُنَّ حُيَّضٌ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ لَهُ نِسْوَةٌ وَجَوَارِي هَلْ يَطَؤُهُنَّ جَمِيعًا قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ جَارِيَتَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَأَمَّا النِّسَاءُ الْحَرَائِرُ فَيُكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى فَأَمَّا أَنْ يُصِيبَ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يُصِيبَ الْأُخْرَى وَهُوَ جُنُبٌ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ جُنُبٍ وُضِعَ لَهُ مَاءٌ يَغْتَسِلُ بِهِ فَسَهَا فَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِيهِ لِيَعْرِفَ حَرَّ الْمَاءِ مِنْ بَرْدِهِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ أُصْبُعَهُ أَذًى فَلَا أَرَى ذَلِكَ يُنَجِّسُ عَلَيْهِ الْمَاءَ   121 - 119 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْسِلُ جَوَارِيهِ رِجْلَيْهِ) قَالَ سَحْنُونٌ: كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ: سُئِلَ مَالِكٌ أَلَا يَخَافُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَسَ؟ قَالَ: لَا، مَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا لِشُغُلٍ أَوْ ضَعْفٍ يَعْنِي فَلَمْ يَقْصِدِ اللَّذَّةَ وَلَمْ يَجِدْهَا فَلَيْسَ بِلَمْسٍ نَاقِضٍ. (وَيُعْطِينَهُ الْخُمْرَةَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ الطَّبَرِيُّ: مُصَلًّى صَغِيرٌ يُعْمَلُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِسَتْرِهَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ حَرِّ الْأَرْضِ وَبَرْدِهَا فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً سُمِّيَتْ حَصِيرًا، وَكَذَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَصَاحِبُهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَهُمْ، وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ: وَلَا يَكُونُ خُمْرَةً إِلَّا فِي هَذَا الْمِقْدَارِ، وَسُمِّيَتْ خُمْرَةٌ لِأَنَّ خُيُوطَهَا مَسْتُورَةٌ بِسَعَفِهَا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هِيَ السَّجَّادَةُ الَّتِي يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي، سُمِّيَتْ خُمْرَةٌ لِأَنَّهَا تُغَطِّي الْوَجْهَ، قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْفَأْرَةِ الَّتِي جَرَّتِ الْفَتِيلَةَ حَتَّى أَلْقَتْهَا عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدًا عَلَيْهَا صَرِيحٌ فِي إِطْلَاقِهَا عَلَى مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْوَجْهِ. (وَهُنَّ حُيَّضٌ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَشَدِّ الْيَاءِ جَمْعُ حَائِضٍ لِأَنَّ عَرَقَهَا وَكُلُّ عُضْوٍ مِنْهَا لَا نَجَاسَةَ فِيهِ طَاهِرٌ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: " يَا عَائِشَةُ نَاوِلِينِي الثَّوْبَ " فَقَالَتْ إِنِّي حَائِضٌ فَقَالَ: " إِنَّ حَيْضَتُكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ فَنَاوَلَتْهُ» ". وَقَوْلُ الْبَوْنِيِّ: قَوْلُهُ وَهُنَّ حُيَّضٌ خِلَافُ قَوْلِهِ: مَا لَمْ تَكُنْ حَائِضًا، فَهُوَ اخْتِلَافُ قَوْلٍ مِنِ ابْنِ عُمَرَ أَخَذَهَا لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ، فَالْأَوَّلُ: كَرِهَ الِاغْتِسَالَ بِفَضْلِ اغْتِسَالِ الْحَائِضِ، وَهَذَا الثَّانِي إِنَّمَا كَانَ الْحُيَّضُ يَغْسِلْنَ رِجْلَيْهِ بِغَيْرِ فَضْلِ اغْتِسَالِهِنَّ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ لَهُ نِسْوَةٌ وَجِوَارِي هَلْ يَطَأُهُنَّ جَمِيعًا الحديث: 121 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ) أَيْ يَجُوزُ (بِأَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ جَارِيَتَيْهِ) أَوْ جَوَارِيهِ (قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ) وَلَكِنْ يَغْسِلُ فَرْجَهُ اسْتِحْبَابًا قَبْلَ الْوَطْءِ الثَّانِي. (فَأَمَّا النِّسَاءُ الْحَرَائِرُ فَيُكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ إِلَّا أَنْ تَأَذَّنَ، وَحَدِيثُ طَوَافِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ خَاصٌّ بِهِ إِذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ يَفْعَلُهُ تَكَرُّمًا، أَوْ أَبَحْنَ لَهُ ذَلِكَ أَوْ فَعَلَهُ حِينَ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ فِي يَوْمٍ لَيْسَ لِوَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ دَارَ عَلَيْهِنَّ بِالْقَسْمِ عَلَى وُجُوبِ الْقَسْمِ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ. (فَأَمَّا أَنْ يُصِيبَ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يُصِيبُ الْأُخْرَى وَهُوَ جُنُبٌ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ ذَكَرِهِ قَبْلَ الْعَوْدِ حَمْلًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ» ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. زَادَ ابْنُ حِبَّانَ: " «فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ» عَلَى غَسْلِ الْفَرْجِ " لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " «فَلْيَغْسِلْ فَرْجَهُ» " أَيْ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةَ الْعُضْوِ وَإِتْمَامَ اللَّذَّةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ عَادَ لِلْمَوْطُوءَةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يَجِبُ غَسْلُ الذَّكَرِ إِنْ وَطِيءَ غَيْرَ الْأُولَى لِئَلَّا يُدْخِلَ فِيهَا نَجَاسَةَ غَيْرِهَا. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ جُنُبٍ وُضِعَ لَهُ مَاءٌ يَغْتَسِلُ بِهِ فَسَهَا فَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِيهِ لِيَعْرِفَ حَرَّ الْمَاءِ مِنْ بَرْدِهِ، قَالَ مَالِكٌ: إِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ أُصْبُعَهُ أَذًى فَلَا أَرَى) أَعْتَقِدُ (ذَلِكَ يُنَجِّسُ عَلَيْهِ الْمَاءَ) بَلْ هُوَ طَهُورٌ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ أَصَابَهُ أَذًى وَالْمَاءُ كَثِيرٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَكَذَلِكَ، فَإِنْ قَلَّ وَكَانَ لَا يَتَغَيَّرُ بِوَضْعِ أُصْبُعِهِ فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ كَانَ يَتَغَيَّرُ بِوَضْعِ أُصْبُعِهِ احْتَالَ فِيمَا يَتَنَاوَلُ بِهِ الْمَاءَ لِغَسْلِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَرَكَهُ وَتَيَمَّمَ كَعَادِمِ الْمَاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 [بَاب فِي التَّيَمُّمِ] هَذَا بَاب فِي التَّيَمُّمِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ قَالَتْ عَائِشَةُ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ قَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ» وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَيَمَّمَ لِصَلَاةٍ حَضَرَتْ ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى أَيَتَيَمَّمُ لَهَا أَمْ يَكْفِيهِ تَيَمُّمُهُ ذَلِكَ فَقَالَ بَلْ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَغِيَ الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَمَنْ ابْتَغَى الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَيَمَّمَ أَيَؤُمُّ أَصْحَابَهُ وَهُمْ عَلَى وُضُوءٍ قَالَ يَؤُمُّهُمْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَوْ أَمَّهُمْ هُوَ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَيَمَّمَ حِينَ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَقَامَ وَكَبَّرَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَطَلَعَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ مَعَهُ مَاءٌ قَالَ لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ بَلْ يُتِمُّهَا بِالتَّيَمُّمِ وَلْيَتَوَضَّأْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الصَّلَوَاتِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ مَنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَيْسَ الَّذِي وَجَدَ الْمَاءَ بِأَطْهَرَ مِنْهُ وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً لِأَنَّهُمَا أُمِرَا جَمِيعًا فَكُلٌّ عَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَإِنَّمَا الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْوُضُوءِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَالتَّيَمُّمِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْجُنُبِ إِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَتَنَفَّلُ مَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ   23 - هَذَا بَابٌ فِي التَّيَمُّمِ هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: تَيَمَّمْتُهَا مِنْ أَذْرُعَاتٍ وَأَهْلُهَا ... بِيَثْرِبَ أَعْلَى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِي كَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ، وَالْمَشْهُورُ تَنَوَّرْتُهَا أَيْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا، وَشَرْعًا الْقَصْدُ إِلَى الصَّعِيدِ لِمَسْحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَوْلُهُ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 43) أَيِ اقْصِدُوا الصَّعِيدَ، ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ حَتَّى صَارَ التَّيَمُّمُ مَسْحَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِالصَّعِيدِ، فَعَلَى هَذَا هُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَفِي أَنَّهُ عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ خِلَافٌ، وَفَصَلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: هُوَ لِعَدَمِ الْمَاءِ عَزِيمَةٌ وَلِلْعُذْرِ رُخْصَةٌ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ» ". الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ أَيْ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ. فَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: " «فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَتَى الصَّلَاةَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً وَجَدَ الْأَرْضَ طَهُورًا وَمَسْجِدًا» " وَلِأَحْمَدَ: " «فَعِنْدَهُ طَهُورُهُ وَمَسْجِدُهُ» ". 122 - 120 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ، وَعَنْهُ مَالِكٌ وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ وَأَيُّوبُ وَالزُّهْرِيُّ وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَالسُّفْيَانَانِ وَخَلْقٌ وَكَانَ ثِقَةً جَلِيلًا. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ، مَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَهَا. (عَنْ أَبِيهِ) الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيِّ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ بِهَا، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ رَفِيعٌ عَالِمٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ وَرِعٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مَا أَدْرَكْنَا بِالْمَدِينَةِ أَحَدًا نُفَضِّلُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنْهُ، وَمَا كَانَ الرَّجُلُ يُعَدُّ رَجُلًا حَتَّى يَعْرِفَ السُّنَّةَ. وَقَالَ أَيُّوبُ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْهُ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ) قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: يُقَالُ إِنَّهَا غَزَاةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَقِيلَ خَمْسٌ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَسَبَقَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ حِبَّانَ، وَغَزَاةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ هِيَ غَزَاةُ الْمُرَيْسِيعِ وَفِيهَا وَقَعَتْ قِصَّةُ الْإِفْكِ لِعَائِشَةَ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ بِسَبَبِ وُقُوعِ عِقْدِهَا أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ مَا جَزَمُوا بِهِ ثَابِتًا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهَا فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ مَرَّتَيْنِ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْقِصَّتَيْنِ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ فِي سِيَاقِهِمَا، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى تَعَدُّدِ ضَيَاعِ الْعِقْدِ، وَأَنَّ هَذِهِ كَانَتْ بَعْدَ قِصَّةِ الْإِفْكِ مُحْتَجِّينَ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: " «لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ عِقْدِي مَا كَانَ وَقَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَاةٍ أُخْرَى فَسَقَطَ أَيْضًا عِقْدِي حَتَّى حُبِسَ النَّاسُ عَلَى الْتِمَاسِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا بُنَيَّةُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَكُونِينَ عَنَاءً وَبَلَاءً عَلَى النَّاسِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أَبُو الحديث: 122 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 بَكْرٍ: إِنَّكِ لَمُبَارَكَةٌ» " فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ ضَيَاعَ الْعِقْدِ كَانَ مَرَّتَيْنِ فِي غَزْوَتَيْنِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ الْإِخْبَارِيُّ فَقَالَ: سَقَطَ عِقْدُهَا فِي غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَفِي ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَغَازِي فِي أَيِّهِمَا كَانَتْ أَوَّلًا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ لَمْ أَدْرِ كَيْفَ أَصْنَعُ " فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَأَخُّرِهَا عَنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ لِأَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ فِي السَّابِعَةِ وَهِيَ بَعْدُهَا بِلَا خِلَافٍ (حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ وَهِيَ الشَّرَفُ الَّذِي قُدَّامَ ذِي الْحَلِيفَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ. (أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ، مَوْضِعٌ عَلَى بَرِيدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَقِيقِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْعَقِيقُ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ لَا مِنْ طَرِيقِ خَيْبَرَ، فَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: الْبَيْدَاءُ وَذَاتُ الْجَيْشِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ فِيهِ نَظَرٌ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الْقِلَادَةَ سَقَطَتْ لَيْلَةَ الْأَبْوَاءِ وَالْأَبْوَاءُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وَلِلنَّسَائِيِّ وَجَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الصُّلْصُلُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ وَلَامَيْنِ أُولَاهُمَا سَاكِنَةٌ وَهُوَ جَبَلٌ عِنْدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ، ذَكَرَهُ الْبِكْرِيُّ فِي الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَوَهِمَ مُغَلْطَايُ فَزَعَمَ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَقَلَّدَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَزَادَهُ وَهْمًا، ذَكَرَهُ كُلَّهُ الْحَافِظُ وَقَالَ غَيْرُهُ وَالشَّكُّ مِنْ عَائِشَةَ. (انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ كُلُّ مَا يُعْقَدُ وَيُعَلَّقُ فِي الْعُنُقِ وَيُسَمَّى قِلَادَةٌ، وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: «سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي بِالْبَيْدَاءِ وَنَحْنُ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ فَأَنَاخَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزَلَ» " وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ قُرْبِهِمْ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: أَنَّ الْعِقْدَ كَانَ مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ، وَجَزْعٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ خَرَزٌ يَمَنِّيٌّ وَظِفَارٌ مَدِينَةٌ بِسَوَاحِلِ الْيَمَنِ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مَصْرُوفٌ أَوْ فَتْحِهَا، وَالْبِنَاءُ بِوَزْنِ قَطَامٍ، وَإِضَافَتُهُ إِلَيْهَا لِكَوْنِهِ فِي يَدِهَا وَتَصَرُّفِهَا فَلَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا أَنَّهَا اسْتَعَارَتْهُ مِنْ أَسْمَاءَ أُخْتِهَا بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ الْقِصَّةِ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ دَعْوَى تَعَدُّدِهَا. (فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْتِمَاسِهِ) أَيْ لِأَجْلِ طَلَبِهِ (وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ) فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَاعْتِنَاءِ الْإِمَامِ بِحِفْظِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ قُلْتَ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ثَمَنَ الْعِقْدِ كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَيَلْحَقُ بِتَحْصِيلِ الضَّائِعِ الْإِقَامَةُ لِلِحَاقِ الْمُنْقَطِعِ وَدَفْنِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الرَّعِيَّةِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْإِقَامَةِ فِي مَكَانٍ لَا مَاءَ فِيهِ وَسُلُوكِ طَرِيقٍ لَا مَاءَ فِيهَا، وَنَظَرَ فِيهِ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْهُمْ وَهُمْ عَلَى قَصْدِ دُخُولِهَا، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْلَمْ بِعَدَمِ الْمَاءِ مَعَ الرَّكْبِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَكَانَ لَا مَاءَ فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ أَيْ لِلْوُضُوءِ، وَأَمَّا الشُّرْبُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَعَهُمْ وَالْأَوَّلُ مُحْتَمَلٌ لِجَوَازِ إِرْسَالِ الْمَطَرِ وَنَبْعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا وَقَعَ فِي مَوَاطِنَ أُخْرَى. (فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ، أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ) أَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَيْهَا لِأَنَّهُ كَانَ بِسَبَبِهَا، وَفِيهِ شَكْوَى الْمَرْأَةِ إِلَى أَبِيهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ، وَكَأَنَّهُمْ إِنَّمَا شَكَوْا لَهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَائِمٌ وَكَانُوا لَا يُوقِظُونَهُ، قَالَهُ الْحَافِظُ: أَوْ خَافُوا تَغَيُّظَهُ لِشِدَّةِ مَحَبَّةِ الْمُصْطَفَى لَهَا، قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِي. (قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (قَدْ نَامَ) فَفِيهِ جَوَازُ دُخُولِ الرَّجُلِ عَلَى بِنْتِهِ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عِنْدَهَا إِذَا عَلِمَ رِضَاهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ تَكُنْ حَالَةَ مُبَاشَرَةٍ. (فَقَالَ: حَبَسْتِ) مَنَعْتِ (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ) وَفِيهِ ضَرَرٌ شَدِيدٌ (قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ) لَمْ تَقُلْ أَبِي لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْأُبُوَّةِ الْحُنُوُّ، وَالْعِتَابُ وَالتَّأْدِيبُ بِالْفِعْلِ مُغَايِرٌ لِذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ فَأَنْزَلَتْهُ مَنْزِلَةَ الْأَجْنَبِيِّ. (فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ) فَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلَادَةٍ وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ تَكُونِينَ عَنَاءً وَبَلَاءً عَلَى النَّاسِ. (وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَذَا جَمِيعُ مَا هُوَ حِسِّيٌّ، وَأَمَّا الْمَعْنَوِيُّ فَبِالْفَتْحِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، وَحَكَى الْفَتْحَ فِيهِمَا مَعًا فِي الْمَطَالِعِ وَغَيْرِهَا وَالضَّمَّ فِيهِمَا صَاحِبُ الْجَامِعِ (فِي خَاصِرَتِي) هُوَ الشَّاكِلَةُ، وَخَصْرُ الْإِنْسَانِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَسَطُهُ كَمَا فِي الْكَوَاكِبِ، وَفِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ بِنْتَهُ وَلَوْ مُتَزَوِّجَةً كَبِيرَةً خَارِجَةً عَنْ بَيْتِهِ، وَيَلْحَقُ بِهِ تَأْدِيبُ مَنْ لَهُ تَأْدِيبُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنِ الْإِمَامُ. (فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ) أَيْ كَوْنُ وَاسْتِقْرَارُ رَأْسِ (رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فَخِذِي) فَأَرَادَتْ بِالْمَكَانِ هُنَا الْكَوْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ فَلَا يُرَدُّ أَنَّ الْفَخِذَ هُوَ الْمَكَانُ فَلَا مَعْنًى لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الصَّبْرِ لِمَنْ نَالَهُ مَا يُوجِبُ الْحَرَكَةَ وَيَحْصُلُ بِهِ التَّشْوِيشُ لِنَائِمٍ، وَكَذَا لِمُصَلٍّ أَوْ قَارِئٍ أَوْ مُشْتَغِلٍ بِعِلْمٍ أَوْ ذِكْرٍ. (فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَصْبَحَ) دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ (عَلَى غَيْرِ مَاءٍ) مُتَعَلِّقٌ بِنَامَ وَأَصْبَحَ فَتَنَازَعَا فِيهِ، هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِي الْمُوَطَّأِ حَتَّى وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى وَالْبُخَارِيِّ فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ فِي التَّيَمُّمِ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ بِلَفْظِ حِينَ بِتَحْتِيَّةٍ وَنُونٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِيَامَهُ مِنْ نَوْمِهِ كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَتَّى أَصْبَحَ بَيَانَ غَايَةِ النَّوْمِ إِلَى الصَّبَاحِ بَلْ بَيَانُ غَايَةِ فَقْدِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْغَايَةَ بِقَوْلِهِ: عَلَى غَيْرِ مَاءٍ أَيْ آلَ أَمْرُهُ إِلَى أَنْ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ. وَأَمَّا رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فَلَفْظُهَا: ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَيْقَظَ وَحَضَرَتِ الصُّبْحُ، فَإِنْ أُعْرِبَتِ الْوَاوُ حَالِيَّةً كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الِاسْتِيقَاظَ وَقَعَ حَالَ وُجُودِ الصَّبَاحِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ التَّهَجُّدِ فِي السَّفَرِ إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَعَلَى أَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ لَا يَجِبُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ عَمْرٍو بَعْدَ قَوْلِهِ: «وَحَضَرَتِ الصُّبْحُ فَالْتَمَسَ الْمَاءَ فَلَمْ يُوجَدْ (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ) » قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذِهِ مُعْضِلَةٌ مَا وَجَدْتُ لِدَائِهَا مِنْ دَوَاءٍ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَيَّ الْآيَتَيْنِ عَنَتْ عَائِشَةُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هِيَ آيَةُ النِّسَاءِ أَوِ الْمَائِدَةِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هِيَ آيَةُ النِّسَاءِ لِأَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ تُسَمَّى آيَةُ الْوُضُوءِ، وَآيَةُ النِّسَاءِ لَا ذِكْرَ لِلْوُضُوءِ فِيهَا. وَأَوْرَدَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ ذِكْرِ آيَةِ النِّسَاءِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَخُفِيَ عَلَى الْجَمِيعِ مَا ظَهَرَ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهَا آيَةُ الْمَائِدَةِ بِلَا تَرَدُّدٍ لِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ إِذْ قَالَ فِيهَا: فَنَزَلَتْ آيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 6) الْآيَةَ قَالَ: وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَلِذَا اسْتَعْظَمُوا نُزُولَهُمْ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، وَوَقَعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فِي حَقِّ عَائِشَةَ مَا وَقَعَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ مُنْذُ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ إِلَّا بِوُضُوءٍ، وَلَا يَدْفَعُ ذَلِكَ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُعَانِدٌ قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ: آيَةُ التَّيَمُّمِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعِلْمِ حِينَئِذٍ حُكْمُ التَّيَمُّمِ لَا حُكْمُ الْوُضُوءِ، قَالَ: وَالْحِكْمَةُ فِي نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ مَعَ تَقَدُّمِ الْعَمَلِ بِهِ لِيَكُونَ فَرْضُهُ مَتْلُوًّا بِالتَّنْزِيلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ أَوَّلَ آيَةِ الْوُضُوءِ نَزَلَ قَدِيمًا فَعَمِلُوا بِهِ ثُمَّ نَزَلَ بَقِيَّتُهَا وَهُوَ ذِكْرُ التَّيَمُّمِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَإِطْلَاقُ آيَةِ التَّيَمُّمِ عَلَى هَذَا مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ، لَكِنَّ رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. انْتَهَى. وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ التِّنِّيسِيِّ وَيَحْيَى التَّمِيمِيِّ قَوْلُهُ: (فَتَيَمَّمُوا) وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى وَغَيْرِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ أَيْ فَتَيَمَّمَ النَّاسُ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حِكَايَةٌ لِبَعْضِ الْآيَةِ وَهُوَ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 6) بَيَانًا لِقَوْلِهِ: آيَةُ التَّيَمُّمِ أَوْ بَدَلًا، وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ اقْصِدُوا كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا الْأَوْزَاعِيِّ. (فَقَالَ أُسَيْدٌ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ (ابْنُ حُضَيْرٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ابْنِ سِمَاكٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ أَبُو يَحْيَى الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ مَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 سَنَةَ عِشْرِينَ أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ (مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ) بَلْ هِيَ مَسْبُوقَةٌ بِغَيْرِهَا مِنَ الْبَرَكَاتِ، وَالْمُرَادُ بِآلِهِ نَفْسُهُ وَأَهْلُهُ وَأَتْبَاعُهُ، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ أُسَيْدٌ لِعَائِشَةَ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا. وَفِي لَفْظٍ لَهُ: إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ أُسِيدٌ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَانَ رَأْسَ مَنْ بُعِثَ فِي طَلَبِ الْعِقْدِ الَّذِي ضَاعَ. وَفِي تَفْسِيرِ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: مَا كَانَ أَعْظَمُ بَرَكَةَ قِلَادَتِكِ» " (قَالَتْ: فَبَعَثْنَا) أَيْ أَثَرْنَا (الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ) رَاكِبَةً (عَلَيْهِ) حَالَةَ السَّيْرِ (فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا فِي طَلَبِهِ أَوَّلًا لَمْ يَجِدُوهُ. وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي الْبُخَارِيِّ: فَبَعَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا فَوَجَدَهَا أَيِ الْقِلَادَةَ. وَلِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: فَبَعَثَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَطَلَبَهَا. وَلِأَبِي دَاوُدَ: فَبَعَثَ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَنَاسًا مَعَهُ، وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ أُسَيْدًا كَانَ رَأْسَ مَنْ بُعِثَ لِذَلِكَ فَلِذَا سُمِّيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأُسْنِدَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي رِوَايَةٍ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِهِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا الْعِقْدَ أَوَّلًا، فَلَمَّا رَجَعُوا وَنَزَلَتِ الْآيَةُ وَأَرَادُوا الرَّحِيلَ وَأَثَارُوا الْبَعِيرَ وَجَدَهُ أُسَيْدٌ. فَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ فَوَجَدَهَا أَيْ بَعْدَ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّفْتِيشِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ فَاعِلَ وَجَدَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ بَالَغَ الدَّاوُدِيُّ فِي تَوْهِيمِ رِوَايَةِ عُرْوَةَ، وَنَقَلَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي أَنَّهُ حَمَلَ الْوَهْمَ فِيهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ رَاوِيهَا عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ بَانَ أَنْ لَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمْ وَلَا وَهْمَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ. وَحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا، وَفِي النِّكَاحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْمَنَاقِبِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَفِي التَّفْسِيرِ وَالْمُحَارِبِينَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ، وَقَدْ رَوَى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ قِصَّتَهَا هَذِهِ لَكِنِ اخْتَلَفَتِ الرُّوَاةُ عَنْهُ فِي الْكَيْفِيَّةِ فَوَرَدَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَبِذِكْرِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي السُّنَنِ، وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى الْإِبِطِ، فَأَمَّا رِوَايَةُ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَكَذَا نِصْفُ الذِّرَاعِ فَفِيهِمَا مَقَالٌ، وَأَمَّا رِوَايَةُ إِلَى الْآبَاطِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنْ كَانَ وَقَعَ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلُّ تَيَمُّمٍ صَحَّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ نَاسِخٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْحُجَّةُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، وَمِمَّا يُقَوِّي رِوَايَةَ الصَّحِيحَيْنِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ كَوْنُ عَمَّارٍ كَانَ يُفْتِي بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَرَاوِي الْحَدِيثِ أَعْرَفُ بِالْمُرَادِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَاسِيَّمَا الصَّحَابِيُّ الْمُجْتَهِدُ انْتَهَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَيَمَّمَ لِصَلَاةٍ حَضَرَتْ ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى أَيَتَيَمَّمُ لَهَا أَمْ يَكْفِيهِ تَيَمُّمِهِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: بَلْ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَغِيَ) يَطْلُبَ (الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 6) (فَمَنِ ابْتَغَى الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ) إِذِ التَّيَمُّمُ مُبِيحٌ لِلصَّلَاةِ لَا رَافِعٌ لِلْحَدَثِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَيُطْلَبُ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِذَلِكَ الْمُبِيحِ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَيَمَّمَ أَيَؤُمُّ أَصْحَابَهُ وَهُمْ عَلَى وُضُوءٍ؟ قَالَ: يَؤُمُّهُمْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَوْ أَمَّهُمْ هُوَ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا) أَيْ أَنَّهُ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَدَلِيلُ الْجَوَازِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ «عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ أَنْ أَغْتَسِلَ فَأَهْلَكُ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ " فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي عَنِ الِاغْتِسَالِ وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 29) فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا» ، وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَيَمَّمَ حِينَ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَقَامَ وَكَبَّرَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَطَلَعَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ مَعَهُ مَاءٌ قَالَ: لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ بَلْ يُتِمُّهَا بِالتَّيَمُّمِ وَلْيَتَوَضَّأْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الصَّلَوَاتِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ مَا يُوجِبُ قَطْعَ صَلَاتِهِ، وَهُوَ كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ فَصَامَ أَكْثَرَهُ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَعُودُ إِلَى الْعِتْقِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَدَاوُدُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَتَوَضَّأُ وَيَسْتَأْنِفُ لِلْإِجْمَاعِ فِي الْمُعْتَدَّةِ بِالشُّهُورِ يَبْقَى أَقَلُّهَا ثُمَّ تَحِيضُ أَنَّهَا تَسْتَقْبِلُ عِدَّتَهَا بِالْحَيْضِ، وَأَمَّا إِنْ وُجِدَ الْمَاءُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ إِجْمَاعًا عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: لَيْسَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ وُجِدَ بَعْدَهَا فَلَا إِعَادَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَحَبَّهَا فِي الْوَقْتِ. (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ التَّيَمُّمِ) بِقَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] (فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ (وَلَيْسَ الَّذِي وَجَدَ الْمَاءَ بِأَطْهَرَ مِنْهُ) يَعْنِي فِي الْإِجْزَاءِ لَا فِي الْفَضِيلَةِ، كَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لَاسِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ: (وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً) فَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَامُّ الطَّهَارَةِ فِي تَأْدِيَةِ فَرْضِهِ (لِأَنَّهُمَا أُمِرَا جَمِيعًا فَكُلٌّ عَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَإِنَّمَا الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْوُضُوءِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَالتَّيَمُّمِ لَا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ) فَإِنْ دَخَلَ فَلَا قَطْعَ إِلَّا نَاسِيهِ وَبَعْدَهَا لَا إِعَادَةَ كَمَا مَرَّ. (وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْجُنُبِ: إِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَيَتَنَفَّلُ) تَبَعًا لِلْفَرْضِ بَعْدَهُ (مَا لَمْ يَجِدْ مَاءً) فَإِنْ وَجَدَهُ مُنِعَ حَتَّى يَغْتَسِلَ (وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ) وَهُوَ عَدَمُ الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَهُوَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 [بَاب الْعَمَلِ فِي التَّيَمُّمِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ الْجُرُفِ حَتَّى إِذَا كَانَا بِالْمِرْبَدِ نَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ فَتَيَمَّمَ صَعِيدًا طَيِّبًا فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ صَلَّى   24 - بَابُ الْعَمَلِ فِي التَّيَمُّمِ 123 - 121 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ الْجُرْفِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَوْ بِضَمَّتَيْنِ مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. (حَتَّى إِذَا كَانَا بِالْمِرْبَدِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُهْمَلَةٍ عَلَى مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَهُمَا قَوْلَانِ جَزَمَ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ عَلَى مِيلٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ عَلَى مِيلَيْنِ. (نَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ فَتَيَمَّمَ صَعِيدًا طَيِّبًا الحديث: 123 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ صَلَّى) حِفْظًا لِلْوَقْتِ، قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِيهِ: مَعْنَاهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ لِأَنَّهُ رَوَى أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَجَعَلَ التَّيَمُّمَ حِينَ عَدِمَ الْمَاءَ عِوَضًا مِنَ الْوُضُوءِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: فِيهِ التَّيَمُّمُ فِي الْحَضَرِ لِعَدَمِ الْمَاءِ إِذْ مَنْ قَصَرَهُ عَلَى السَّفَرِ لَا يُجِيزُهُ إِلَّا فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْجَرْفِ وَالْمَدِينَةِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: وَإِنَّمَا تَيَمَّمَ بِالْمِرْبَدِ لِأَنَّهُ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ يَعْنِي الْمُسْتَحَبَّ وَرُوِيَ يَعْنِي فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ وَلَمْ يَعُدْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُرْتَفِعَةً إِلَّا أَنَّ الصُّفْرَةَ دَخَلَتْهَا، أَوْ لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّهُ فِي ضِيقٍ مِنَ الْوَقْتِ ثُمَّ تَبَيَّنَ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَالَ الْبُونِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَرَى حِلَّ التَّيَمُّمِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ، انْتَهَى. وَإِلَى جَوَازِهِ فِي الْحَضَرِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِإِدْرَاكِ الْوَقْتِ، فَإِذَا لَمْ يَجِدِ الْحَاضِرُ الْمَاءَ تَيَمَّمَ وَالْآيَةُ خَرَجَتْ عَلَى الْأَغْلَبِ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَجِدُ الْمَاءَ كَمَا أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الْحَاضِرَ يَجِدُهُ فَلَا مَفْهُومَ لَهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِي الْحَضَرِ بِحَالٍ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ، وَعَلَى التَّيَمُّمِ فَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ: الْمَشْهُورُ لَا إِعَادَةَ قِيَاسًا عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ بِجَامِعِ أَنَّهُ شُرِعَ لَهُمَا لِإِدْرَاكِ الْوَقْتِ فَيَلْحَقُ بِهِمَا الْحَاضِرُ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فِي عَدَمِ الْإِعَادَةِ كَمَا أَلْحَقَ بِهِمَا فِي التَّيَمُّمِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ، وَقَالَ بِهَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَابْنُ حَبِيبٍ، وَالشَّافِعِيُّ لِنُدُورِ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَيَمَّمُ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَسُئِلَ مَالِكٌ كَيْفَ التَّيَمُّمُ وَأَيْنَ يَبْلُغُ بِهِ فَقَالَ يَضْرِبُ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةً لِلْيَدَيْنِ وَيَمْسَحُهُمَا إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ   124 - 122 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَيَمَّمُ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ أَوْ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ فَرْضٌ إِلَيْهِمَا (وَسُئِلَ مَالِكٌ كَيْفَ التَّيَمُّمُ وَأَيْنَ يَبْلُغُ بِهِ؟ فَقَالَ يَضْرِبُ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةً لِلْيَدَيْنِ) لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ لَهُمَا كَفَاهُ وَلَا إِعَادَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَيَمْسَحُهُمَا إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) تَحْصِيلًا لِلسُّنَّةِ وَلَوْ مَسَحَهُمَا إِلَى الْكُوعِ صَحَّ وَيُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، فَأَجَابَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالصِّفَةِ الْكَامِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ ضَرْبَةً لَهُمَا وَإِلَى الْكُوعَيْنِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «حَدِيثِ عَمَّارٍ: " أَنَّهُ أَجْنَبَ فَتَمَعَّكَ أَيْ تَمَرَّغَ فِي التُّرَابِ وَصَلَّى قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا فَضَرَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَكْفِيكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ» " فَعَلَّمَهُ فِعْلًا وَقَوْلًا فَفِيهِ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِمَا لَيْسَ الحديث: 124 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 بِفَرْضٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَنْكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّبِ: وَهُوَ إِنْكَارٌ مَرْدُودٌ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ إِمَامٌ ثِقَةٌ وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ فَهُوَ الْقَوِيُّ فِي الدَّلِيلِ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَوَابًا عَنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيَانُ صُورَةِ الضَّرْبِ لِلتَّعْلِيمِ لَا بَيَانَ جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّيَمُّمُ قَالَ الْحَافِظُ: وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سِيَاقَ الْقِصَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: " «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ» "، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِاشْتِرَاطِ بُلُوغِ الْمَسْحِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ بِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي الْوُضُوءِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَهُوَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ، وَقَدْ عَارَضَهُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ بِقِيَاسٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِطْلَاقُ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ وَلَا حَاجَةَ لِذَلِكَ مَعَ وُجُودِ هَذَا النَّصِّ. انْتَهَى وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَغَيْرِهِمَا إِلَى وُجُوبِ ضَرْبَتَيْنِ وَوُجُوبِهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَمَّمَ ضَرْبَتَيْنِ مَسَحَ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَالْأُخْرَى يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ» " وَرَوَى الْحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ» " وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الصَّوَابَ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَخَبَرُ أَبِي دَاوُدَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَوْ ثَبَتَ بِالْأَمْرِ دَلَّ عَلَى النَّسْخِ فَيَلْزَمُ قَبُولُهُ، لَكِنْ إِنَّمَا وَرَدَ بِالْفِعْلِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَكْمَلِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَمَّارٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 [بَاب تَيَمُّمِ الْجُنُبِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ الرَّجُلِ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ ثُمَّ يُدْرِكُ الْمَاءَ فَقَالَ سَعِيدٌ إِذَا أَدْرَكَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ احْتَلَمَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ وَلَا يَقْدِرُ مِنْ الْمَاءِ إِلَّا عَلَى قَدْرِ الْوُضُوءِ وَهُوَ لَا يَعْطَشُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءَ قَالَ يَغْسِلُ بِذَلِكَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ الْأَذَى ثُمَّ يَتَيَمَّمُ صَعِيدًا طَيِّبًا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ جُنُبٍ أَرَادَ أَنْ يَتَيَمَّمَ فَلَمْ يَجِدْ تُرَابًا إِلَّا تُرَابَ سَبَخَةٍ هَلْ يَتَيَمَّمُ بِالسِّبَاخِ وَهَلْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي السِّبَاخِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي السِّبَاخِ وَالتَّيَمُّمِ مِنْهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] فَكُلُّ مَا كَانَ صَعِيدًا فَهُوَ يُتَيَمَّمُ بِهِ سِبَاخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ   25 - بَابُ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ 125 - 123 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنِ الرَّجُلِ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ ثُمَّ يُدْرِكُ الْمَاءَ فَقَالَ سَعِيدٌ: إِذَا أَدْرَكَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ لِمَا يَسْتَقْبِلُ) مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَجْنَبَ فَلَمْ يُصَلِّ مَعَهُ: " «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» " ثُمَّ لَمَّا وَجَدَ الْمَاءَ أَعْطَاهُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ قَالَ: " «اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ» " كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ لِأَنَّهُ وَجَدَ الْمَاءَ فَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنِ احْتَلَمَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ وَلَا يَقْدِرُ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا عَلَى قَدْرِ الْوُضُوءِ الحديث: 125 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وَهُوَ لَا يَعْطَشُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءَ قَالَ: يَغْسِلُ بِذَلِكَ) الْمَاءِ (فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ الْأَذَى ثُمَّ يَتَيَمَّمُ صَعِيدًا طَيِّبًا) طَاهِرًا (كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ) إِذْ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِغُسْلِهِ (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ جُنُبٍ أَرَادَ أَنْ يَتَيَمَّمَ فَلَمْ يَجِدْ تُرَابًا إِلَّا تُرَابَ سَبَخَةٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَاتٍ أَرْضٌ مَالِحَةٌ لَا تَكَادُ تُنْبِتُ، وَإِذَا وَصَفْتَ الْأَرْضَ قُلْتَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ ذَاتُ سِبَاخٍ (هَلْ يَتَيَمَّمُ بِالسِّبَاخِ؟ وَهَلْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي السِّبَاخِ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي السِّبَاخِ) أَيْ يَجُوزُ (وَالتَّيَمُّمُ مِنْهَا) وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ إِلَّا إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، زَادَ الْبَاجِيُّ: وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُجَاهِدٍ انْتَهَى وَاحْتَجَّ ابْنُ خُزَيْمَةَ لِجَوَازِهِ بِالسَّبَخَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ» " يَعْنِي الْمَدِينَةَ قَالَ: وَقَدْ سَمَّاهَا طَيْبَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السَّبْخَةَ دَاخِلَةٌ فِي الطِّيبِ وَلِذَا قَالَ الْإِمِامُ: (لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43] وَالصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ كَانَ عَلَيْهِ تُرَابٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، قَالَهُ الْخَلِيلُ، وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، وَالزَّجَّاجُ قَائِلًا: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: 8] (سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةُ 8) أَيْ أَرْضًا غَلِيظَةً لَا تُنْبِتُ شَيْئًا وَقَالَ {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] (سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةُ 40) وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ: كَأَنَّهُ بِالضُّحَى يَرْمِي الصَّعِيدَ بِهِ ... دَبَّابَةٌ فِي خِطَامِ الرَّأْسِ خُرْطُومُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ صَعِيدًا لِأَنَّهُ نِهَايَةُ مَا يُصْعَدُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ (طَيِّبًا) أَيْ طَاهِرًا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ (فَكُلُّ مَا كَانَ صَعِيدًا فَهُوَ يُتَيَمَّمُ بِهِ سَبَاخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ) مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ مَدْلُولُ الصَّعِيدِ لُغَةً وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَكُلُّ مَوْضِعٍ جَازَتِ الصَّلَاةُ فِيهِ مِنَ الْأَرْضِ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى صَعِيدٍ وَاحِدٍ» " أَيْ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَطْيَبُ الصَّعِيدِ أَرْضُ الْحَرْثِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّعِيدَ يَكُونُ غَيْرَ أَرْضِ الْحَرْثِ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَعَنْهُ أَيْضًا كَالشَّافِعِيِّ هُوَ التُّرَابُ خَاصَّةً لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ» " وَهَذَا خَاصٌّ فَيَنْبَغِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 حَمْلُ الْعَامِّ عَلَيْهِ فَيَخُصُّ الطَّهُورِيَّةَ بِالتُّرَابِ، وَرُدَّ بِأَنَّ تُرْبَةَ كُلِّ مَكَانٍ مَا فِيهِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بِلَفْظِ: " وَتُرَابُهَا " رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: " «وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، فَقَوِيَ تَخْصِيصُ عُمُومِ حَدِيثِ جَابِرٍ بِالتُّرَابِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ النَّصِّ عَلَى بَعْضِ أَشْخَاصِ الْعُمُومِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] (سُورَةُ الرَّحْمَنِ: الْآيَةُ 68) انْتَهَى، أَيْ لِأَنَّ شَرْطَ الْمُخَصَّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا، وَالتُّرَابُ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلصَّعِيدِ لِأَنَّهُ بَعْضٌ مِنْهُ فَالنَّصُّ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةَ لِبَيَانِ أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ لَا لِأَنَّهُ لَا يُجَزِئُ غَيْرُهُ، وَالصَّعِيدُ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ وَلَيْسَ بَعْدَ بَيَانِ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانٌ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْجُنُبِ: " «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» " فَنَصَّ لَهُ عَلَى الْعَامِّ فِي وَقْتِ الْبَيَانِ، وَدَعْوَى أَنَّ الْحَدِيثَ سَبَقَ لِإِظْهَارِ التَّخْصِيصِ وَالتَّشْرِيفِ، فَلَوْ جَازَ بِغَيْرِ التُّرَابِ لَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَعَلِيٍّ مَمْنُوعَةٌ، وَسَنَدُهُ عَلَيْهِ أَنَّ شَأْنَ الْكَرِيمِ الِامْتِنَانُ بِالْأَعْظَمِ وَتَرْكُ الْأَدْوَنِ، عَلَى أَنَّهُ قَدِ امْتَنَّ بِالْكُلِّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، فَقَدْ حَصَلَتِ الْمِنَّةُ بِهَذَا تَارَةً وَبِالْآخَرِ أُخْرَى لِمُنَاسَبَةِ اقْتِضَاءِ الْحَالِ، وَكَذَا زَعَمَ أَنَّ افْتِرَاقَ اللَّفْظِ بِالتَّأْكِيدِ فِي رِوَايَةِ: وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا دُونَ الْآخَرِ دَالٌّ عَلَى افْتِرَاقِ الْحُكْمِ، وَإِلَّا لِعَطَفَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِلَا تَأْكِيدٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ دَلَّ عَلَى عَدَمِ الِافْتِرَاقِ، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ افْتِرَاقَ الْحُكْمِ لَمَا تَرَكَهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقَدْ يَكُونُ تَأْكِيدُ كَوْنِ الْأَرْضِ مَسْجِدًا رَدًّا عَلَى مُنْكِرِ ذَلِكَ دُونَ كَوْنِهَا صَعِيدًا لِثُبُوتِهِ بِالْقُرْآنِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى افْتِرَاقِ الْحُكْمِ الْبَتَّةَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 [بَاب مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَشُدَّ عَلَيْهَا إِزَارَهَا ثُمَّ شَأْنَكَ بِأَعْلَاهَا»   26 - بَابُ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ 126 - 124 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مُسْنَدًا وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ انْتَهَى وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَأَلَتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَحِلُّ لِي مِنِ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: " لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ فَهُوَ صَالِحٌ لِلْحُجِّيَّةِ وَبِهِ عُلِمَ اسْمُ الرَّجُلِ السَّائِلِ وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ أَنْصَارِيٌّ أَوْ قُرَشِيٌّ عَمُّ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ (فَقَالَ: مَا يَحِلُّ لِي مِنِ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ الحديث: 126 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِتَشُدَّ عَلَيْهَا إِزَارَهَا) مَا تَأْتَزِرُ بِهِ فِي وَسَطِهَا (ثُمَّ شَأْنَكَ) أَيْ دُونَكَ (بِأَعْلَاهَا) اسْتَمْتِعْ بِهِ إِنْ شِئْتَ، وَجَعَلَ الْمِئْزَرَ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ: " كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا، قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْلِكُ إِرْبَهُ» وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا بِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنَ الْحَائِضِ الْفَرْجُ فَقَطْ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَرَجَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَاخْتَارَهُ أَصْبَغُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُوَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 222) الْآيَةَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» وَسَمَّى مِنَ السَّائِلِينَ ثَابِتَ بْنَ الدَّحْدَاحِ، رَوَاهُ الْبَاوَرْدِيُّ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ وَحَمَلُوا حَدِيثَ عَائِشَةَ وَحَدِيثَ الْمُوَطَّأِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: حَدِيثُ عَائِشَةَ يَقْتَضِي مَنْعَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا الْقَوْلُ أَرْجَحُ دَلِيلًا قَالَ الْحَافِظُ: وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا» " وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ لِلْجَوَازِ بِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ تَحْتَ الْإِزَارِ دُونَ الْفَرْجِ لَا تُوجِبُ حَدًّا وَلَا غُسْلًا فَأَشْبَهَتِ الْمُبَاشَرَةَ فَوْقَهُ، وَفَصَّلَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَضْبُطُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ عَنِ الْفَرْجِ وَيَثِقُ مِنْهَا بِاجْتِنَابِهِ جَازَ، وَاسْتَحْسَنَهُ النَّوَوِيُّ وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ وَجْهِ الْفِرْقِ بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ وَمَا بَعْدَهُ لِظَاهِرِ التَّقْيِيدِ، فَقَوْلُهَا: فَوْرَ حَيْضَتِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَّقِي سَوْرَةَ الدَّمِ ثَلَاثًا ثُمَّ يُبَاشِرُ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ إِلَى الْمُبَادَرَةِ بِاخْتِلَافِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ انْتَهَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مُضْطَجِعَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهَا قَدْ وَثَبَتْ وَثْبَةً شَدِيدَةً فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكِ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ يَعْنِي الْحَيْضَةَ فَقَالَتْ نَعَمْ قَالَ شُدِّي عَلَى نَفْسِكِ إِزَارَكِ ثُمَّ عُودِي إِلَى مَضْجَعِكِ»   127 - 125 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ مُضْطَجِعَةً) نَائِمَةً عَلَى جَنْبِهَا (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) فِيهِ جَوَازُ نَوْمِ الشَّرِيفِ مَعَ أَهْلِهِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ (وَأَنَّهَا قَدْ وَثَبَتْ) أَيْ قَفَزَتْ وَالْعَامَّةُ تَسْتَعْمِلُ الْوُثُوبَ بِمَعْنَى الْمُبَادَرَةِ وَالْمُسَارَعَةِ (وَثْبَةً شَدِيدَةً) خَوْفًا مِنْ وُصُولِ شَيْءٍ مِنْ دَمِهَا إِلَيْهِ أَوْ خَافَتْ أَنْ يَطْلُبَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، الحديث: 127 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 فَذَهَبَتْ لِتَتَأَهَّبَ لِذَلِكَ، أَوْ تَقَذَّرَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تَرْضَهَا لِمُضَاجَعَتِهِ فَلِذَا أَذِنَ لَهَا فِي الْعَوْدِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَكِ؟) أَيُّ شَيْءٍ حَدَثَ لَكِ حَتَّى وَثَبْتِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنَ الْغَيْبِ إِلَّا مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (لَعَلَّكِ نَفِسْتِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ لُغَةً أَيْ حِضْتِ، أَمَّا الْوِلَادَةُ فَبِضَمِّ النُّونِ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ: بِالْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا وَأَصْلُهُ خُرُوجُ الدَّمِ وَهُوَ يُسَمَّى نَفَسًا قَالَهُ النَّوَوِيُّ لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ: ثَبَتَ فِي رِوَايَتِنَا بِالْوَجْهَيْنِ فَتْحُ النُّونِ وَضَمُّهَا (يَعْنِي الْحَيْضَةَ) بِالْفَتْحِ الْمَرَّةَ مِنَ الْحَيْضِ تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِلْمُرَادِ لِإِطْلَاقِ " نَفِسْتِ " عَلَيْهَا وَعَلَى الْوِلَادَةِ لُغَةً (قَالَتْ: نَعَمْ) نَفِسْتُ (قَالَ: شُدِّي عَلَى نَفْسِكِ إِزَارَكِ ثُمَّ عُودِي إِلَى مَضْجَعِكِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ مَوْضِعِ ضُجُوعِكِ وَالْجَمْعُ مَضَاجِعُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَخْتَلِفْ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ رُوِيَ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْبَتَّةَ، وَيَتَّصِلُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ يَعْنِي مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " «بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيلَةٍ إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حَيْضَتِي قَالَ: " أَنُفِسْتِ؟ " قُلْتُ نَعَمْ، فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ» " وَفِيهِ جَوَازُ النَّوْمِ مَعَ الْحَائِضِ فِي ثِيَابِهَا وَالِاضْطِجَاعِ مَعَهَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ وَاسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ الْمَرْأَةِ ثِيَابًا لِلْحَيْضِ غَيْرَ ثِيَابِهَا الْمُعْتَادَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا هَلْ يُبَاشِرُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَتْ لِتَشُدَّ إِزَارَهَا عَلَى أَسْفَلِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا إِنْ شَاءَ   128 - 126 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيَّ أَبَا بَكْرٍ الْمَدَنِيَّ شَقِيقَ سَالِمٍ ثِقَةً مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ (أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا هَلْ يُبَاشِرُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَتْ: لِتَشُدَّ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَشَدِّ الدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ لِتَرْبِطَ (إِزَارَهَا عَلَى أَسْفَلِهَا) أَيْ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا (ثُمَّ يُبَاشِرُهَا) الرَّجُلُ بِالْعِنَاقِ وَنَحْوِهِ، فَالْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ هُنَا الْتِقَاءُ الْبَشْرَتَيْنِ لَا الْجِمَاعُ (إِنْ شَاءَ) أَيْ أَرَادَ، فَأَفْتَتْهُ بِمَا كَانَ يَفْعَلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَزْوَاجِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا، وَعَنْ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا الحديث: 128 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ الْحَائِضِ هَلْ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا إِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ فَقَالَا لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ   127 - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) أَحَدَ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ (وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ) أَحَدَهُمْ أَيْضًا (سُئِلَا عَنِ الْحَائِضِ هَلْ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا إِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ) أَيْ عَلَامَتَهُ بِقَصَّةٍ أَوْ جُفُوفٍ (قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ فَقَالَا) : أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (لَا) أَيْ لَا يُصِيبُهَا (حَتَّى تَغْتَسِلَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 222) إِذْ هُوَ تَأْكِيدٌ لِلْحُكْمِ وَبَيَانٌ لِغَايَتِهِ وَهُوَ أَنْ يَغْتَسِلْنَ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا قِرَاءَةُ يَطَّهَّرْنَ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنَى يَغْتَسِلْنَ وَالْتِزَامًا قَوْلُهُ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 222) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَأَخُّرَ جَوَازِ الْإِتْيَانِ عَنِ الْغُسْلِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَزُفَرُ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَحَكَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ إِجْمَاعَ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ لِأَقَلِّهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنِ انْقَطَعَ لِأَكْثَرِهِ وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَإِنِ انْقَطَعَ قَبْلَ ذَلِكَ مُنِعَ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يُحْكَمَ بِطُهْرِهَا بِمَجِيءِ آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا وَجْهَ لَهُ، وَقَدْ حَكَمُوا أَيِ الْحَنَفِيَّةُ لِلْحَائِضِ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهَا بِحُكْمِ الْحَائِضِ فِي الْعِدَّةِ وَقَالُوا لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ، قَالَ فَإِنْ قِيلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَحَتَّى يُجَاءَ فِيمَا بَعْدَهَا بِخِلَافِهَا، قِيلَ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ حَتَّى يَطْهُرْنَ بِالْمَاءِ لَا يَطْهُرْنَ بِالِانْقِطَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] يُرِيدُ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ وَقَدْ يَقَعُ التَّحْرِيمُ لِشَيْءٍ وَلَا يَزُولُ بِزَوَالِهِ لِعِلَّةٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ فِي الْمَبْتُوتَةِ: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 230) وَلَيْسَ بِنِكَاحِ الزَّوْجِ تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ وَتَعْتَدَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 [بَاب طُهْرِ الْحَائِضِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدِّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ فَتَقُولُ لَهُنَّ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ   27 - بَابُ طُهْرِ الْحَائِضِ 130 - 128 - (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ) وَاسْمُهُ بِلَالٌ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ عَلَّامَةٌ، رَوَى لَهُ الْجَمِيعُ مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ أُمِّهِ) وَاسْمُهَا مَرْجَانَةُ (مَوْلَاةُ عَائِشَةَ أُمِّ الحديث: 130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 الْمُؤْمِنِينَ) ، وَتُكَنَّى أُمَّ عَلْقَمَةَ وَثَّقَهَا ابْنُ حِبَّانَ (أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدِّرَجَةِ) بِكَسْرِ الدَّالِّ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَالْجِيمِ، جَمْعُ دُرْجٍ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ كَذَا يَرْوِيهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ، وَضَبَطَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِالضَّمِّ ثُمَّ السُّكُونِ وَقَالَ: إِنَّهُ تَأْنِيثُ دُرْجٍ، قَالَ: وَكَانَ الْأَخْفَشُ يَرْوِيهِ هَكَذَا وَيَقُولُ جَمْعُ دُرْجٍ مِثْلِ تِرَسَةٍ وَتُرْسٍ، وَضَبَطَهُ الْبَاجِيُّ بِفَتْحَتَيْنِ وَنُوزِعَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ بِذَلِكَ وَلَا تُسَاعِدُ عَلَيْهِ اللُّغَةُ وَالْمُرَادُ وِعَاءٌ أَوْ خِرْقَةٌ، (فِيهَا الْكُرْسُفُ) بِضَمِّ الْكَافِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ بِالْفَاءِ الْقُطْنُ، (فِيهِ) أَيِ الْكُرْسُفِ (الصُّفْرَةُ) الْحَاصِلَةُ (مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ) بَعْدَ وَضْعٍ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ لِاخْتِبَارِ الطُّهْرِ وَاخْتَرْنَ الْقُطْنَ لِبَيَاضِهِ وَلِأَنَّهُ يُنَشِّفُ الرُّطُوبَةَ فَيَظْهَرُ فِيهِ مِنْ آثَارِ الدَّمِ مَا لَا يَظْهَرُ فِي غَيْرِهِ (يَسْأَلْنَهَا عَنِ الصَّلَاةِ فَتَقُولُ) عَائِشَةُ (لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ) بِالْفَوْقِيَّةِ أَوِ التَّحْتِيَّةِ جَمْعُ الْمُؤَنَّثِ خِطَابًا وَغَيْبَةً كَمَا فِي الْكَوَاكِبِ، (حَتَّى تَرَيْنَ) غَايَةً لِقَوْلِهَا لَا تَعْجَلْنَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ وَهُوَ أَمْهِلْنَ، أَوْ غَايَةً لِمَحْذُوفٍ هُوَ بَلْ أَمْهِلْنَ بِالِاغْتِسَالِ وَالصَّلَاةِ حَتَّى تَرَيْنَ (الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَشَدِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَاءٌ أَبْيَضُ يَدْفَعُهُ الرَّحِمُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ قَالَ مَالِكٌ: سَأَلْتُ النِّسَاءَ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَهُنَّ يَرَيْنَهُ عِنْدَ الطُّهْرِ (تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ) شَبَّهَتِ الْقَصَّةَ لِبَيَاضِهَا بِالْقَصِّ وَهُوَ الْجَصُّ، وَمِنْهُ قَصَّصَ دَارَهُ أَيْ جَصَّصَهَا بِالْجِيرِ قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَتَبِعَهُ فِي النِّهَايَةِ هِيَ أَنَ تُخْرِجَ الْقُطْنَةَ أَوِ الْخِرْقَةَ الَّتِي تَحْتَشِي بِهَا الْحَائِضُ كَأَنَّهَا قَصَّةٌ بَيْضَاءُ لَا يُخَالِطُهَا صُفْرَةٌ. قَالَ عِيَاضٌ: كَأَنَّهُ ذَهَبَ بِهَا إِلَى مَعْنَى الْجُفُوفِ، وَبَيْنَهُمَا عِنْدَ النِّسَاءِ وَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَرْقٌ بَيِّنٌ. زَادَ غَيْرُهُ ; لِأَنَّ الْجُفُوفَ عَدَمٌ وَالْقَصَّةَ وُجُودٌ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْعَدَمِ، وَكَيْفَ وَالرَّحِمُ قَدْ يَجِفُّ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ وَقَدْ تَتَنَظَّفُ الْحَائِضُ فَيَجِفُّ رَحِمُهَا سَاعَةً وَالْقَصَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا طُهْرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمَّتِهِ عَنْ ابْنَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ بَلَغَهَا أَنَّ نِسَاءً كُنَّ يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ فَكَانَتْ تَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ وَتَقُولُ مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْحَائِضِ تَطْهُرُ فَلَا تَجِدُ مَاءً هَلْ تَتَيَمَّمُ قَالَ نَعَمْ لِتَتَيَمَّمْ فَإِنَّ مِثْلَهَا مِثْلُ الْجُنُبِ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ   131 - 129 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (عَنْ عَمَّتِهِ) قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: هِيَ عَمْرَةُ بِنْتُ حَزْمٍ عَمَّةُ جَدِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَقِيلَ لَهَا عَمَّتُهُ مَجَازًا، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ عَمْرَةَ صَحَابِيَّةً قَدِيمَةً رَوَى عَنْهَا جَابِرٌ الصَّحَابِيُّ فَفِي رِوَايَتِهَا عَنْ بِنْتِ الحديث: 131 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بُعْدٌ، فَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً أَيْ لِوُقُوعِ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ فَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهَا مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ عَمَّتُهُ الْحَقِيقِيَّةُ وَهِيَ أُمُّ عَمْرٍو أَوْ أُمُّ كُلْثُومٍ، انْتَهَى. وَالْأَصْلُ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعَلَى الْحَذَّاءِ الْمُدَّعِي الْعَمَّةَ الْمَجَازِيَّةَ بَيَانُ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا دَعْوَاهُ خُصُوصًا مَعَ مَا لَزِمَ عَلَى قَوْلِهِ مِنِ انْقِطَاعِ السَّنَدِ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ (عَنِ ابْنَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) قَالَ الْحَافِظُ: ذَكَرُوا لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنَ الْبَنَاتِ حَسَنَةَ وَعَمْرَةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَغَيْرَهُنَّ وَلَمْ أَرَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رِوَايَةً إِلَّا لِأُمِّ كُلْثُومٍ وَكَانَتْ زَوْجَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَكَأَنَّهَا هِيَ الْمُبْهَمَةُ هُنَا، وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّهَا أُمُّ سَعِدٍ قَالَ: لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ ذَكَرَهَا فِي الصَّحَابَةِ وَلَيْسَ فِي ذِكْرِهِ لَهَا دَلِيلٌ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إِنَّهَا صَاحِبَةُ هَذِهِ الْقِصَّةِ، بَلْ لَمْ يَأْتِ لَهَا ذِكْرٌ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ كَذَّبُوهُ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يَضْطَرِبُ فِيهَا فَتَارَةً يَقُولُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَتَارَةً يَقُولُ امْرَأَةُ زَيْدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّسَبِ فِي أَوْلَادِ زَيْدٍ مَنْ يُقَالُ لَهَا أُمُّ سَعْدٍ انْتَهَى. فَالْعَجَبُ مِنْ جَزْمِ السُّيُوطِيِّ بِأَنَّهَا أُمُّ سَعْدٍ (أَنَّهُ بَلَغَهَا أَنَّ نِسَاءَكُنَّ يَدْعُونَ) أَيْ يَطْلُبْنَ (بِالْمَصَابِيحِ) السُّرُجِ (مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى) مَا يَدُلُّ عَلَى (الطُّهْرِ فَكَانَتْ) ابْنَةُ زَيْدٍ (تَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ وَتَقُولُ مَا كَانَ النِّسَاءُ) أَيْ نِسَاءُ الصَّحَابَةِ فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (يَصْنَعْنَ هَذَا) وَإِنَّمَا عَابَتْ عَلَيْهِنَّ لِتَكَلُّفِهِنَّ مَا لَا يَلْزَمُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ النَّظَرُ إِلَى الطُّهْرِ إِذَا أَرَدْنَ النَّوْمَ أَوْ إِذَا قُمْنَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْحَرَجَ وَالتَّنَطُّعَ وَهُوَ مَذْمُومٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لِكَوْنِ ذَلِكَ كَانَ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَهُوَ جَوْفُ اللَّيْلِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْعِشَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعَيْبَ لِكَوْنِ اللَّيْلِ لَا يَتَبَيَّنُ الْخَالِصُ مِنْ غَيْرِهِ فَيَحْسَبْنَ أَنَّهُنَّ طَهُرْنَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيُصَلِّينَ قَبْلَ الطُّهْرِ (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْحَائِضِ تَطْهُرُ فَلَا تَجِدُ مَاءً هَلْ تَتَيَمَّمُ؟ قَالَ نَعَمْ لِتَتَيَمَّمْ فَإِنَّ مِثْلَهَا) مِثْلُ (الْجُنُبِ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ) مِنْ بَابِ قِيَاسٍ لَا فَارِقَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 [بَاب جَامِعْ الْحِيضَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فِي الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ   28 - بَابُ جَامِعِ الْحَيْضَةِ 134 - 130 (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فِي الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ) لِأَنَّهَا حَائِضٌ، وَإِلَى أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ ذَهَبَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَابْنُ شِهَابٍ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَغَيْرُهُمْ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا، وَبِأَنَّهُ كَمَا جَازَ النِّفَاسُ مَعَ الْحَمْلِ إِذَا تَأَخَّرَ أَحَدُ التَّوْأَمَيْنِ فَكَذَلِكَ الْحَيْضُ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّهَا لَا تَحِيضُ، وَأَقْوَى حُجَجِهِمْ أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ اعْتُبِرَ بِالْحَيْضِ فَلَوْ كَانَتِ الْحَامِلُ تَحِيضُ لَمْ تَتِمَّ الْبَرَاءَةُ بِالْحَيْضِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ عَلَى سَبِيلِ الْغَالِبِ وَحَيْضُ الْحَامِلِ قَلِيلٌ وَالنَّادِرُ لَا يُنَاقَضُ فِيهِ بِالْغَالِبِ وَأَمَّا التَّعَلُّقُ لَهُمْ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا: يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ يَا رَبِّ عَلَقَةٌ يَا رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الْأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَيُقْضَى أَيْ يَتِمُّ خَلْقُهُ» ". وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «إِذَا وَقَعَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَقُولُ: يَا رَبِّ مُخَلَّقَةٌ أَوْ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ؟ فَإِنْ قَالَ: غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ مَجَّهَا الرَّحِمُ دَمًا» "، فَقَالَ الْحَافِظُ: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ نَظَرٌ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَامِلِ هُوَ السَّقْطُ الَّذِي لَمْ يُصَوَّرْ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ مَنْ يَسْتَمِرُّ حَمْلُهَا لَيْسَ بِحَيْضٍ، قَالَ وَمَا ادَّعَاهُ الْمُخَالِفُ مِنْ أَنَّهُ رَشْحٌ مِنَ الْوَلَدِ أَوْ فَضْلَةٌ غِذَائِيَّةٌ أَوْ دَمُ فَسَادٍ وَعِلَّةٍ فَمُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ، وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ خَبَرٍ أَوْ أَثَرٍ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ هَذَا دَمٌ بِصِفَاتِ الْحَيْضِ وَفِي زَمَنِ إِمْكَانِهِ فَلَهُ حُكْمُ دَمِ الْحَيْضِ، وَمَنِ ادَّعَى خِلَافَهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. قَالَ: وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْمُنِيرِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِدَمِ حَيْضٍ بِأَنَّ الْمَلَكَ مُوَكَّلٌ بِرَحِمِ الْحَامِلِ وَالْمَلَائِكَةُ لَا تُدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ قَذَرٌ وَلَا يُلَايِمُهَا ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَلَكِ مُوَكَّلًا بِهِ أَنْ يَكُونَ حَالًّا فِيهِ ثُمَّ هُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ لِأَنَّ الدَّمَ كُلَّهُ قَذَرٌ الحديث: 134 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ قَالَ تَكُفُّ عَنْ الصَّلَاةِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا   134 - 131 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ قَالَ: تَكُفُّ عَنِ الصَّلَاةِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا تُمْنَعُ مِنْهُ الْحَائِضُ (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ وَابْنَ شِهَابٍ (الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ أَيْ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَإِجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ»   135 - 132 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ الْجِيمِ أُمَشِّطُ (رَأْسَ) أَيْ شَعَرَ (رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَأُسَرِّحُهُ لِأَنَّ التَّرْجِيلَ لِلشَّعَرِ وَهُوَ تَسْرِيحُهُ وَتَنْظِيفُهُ لَا الرَّأْسِ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ أَوْ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ مَجَازًا (وَأَنَا حَائِضٌ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ حَالِيَّةٌ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى طَهَارَةِ بَدَنِ الْحَائِضِ، وَأَلْحَقَ عُرْوَةُ بِهَا الْجُنُبَ وَهُوَ قِيَاسٌ جَلِيٌّ لِأَنَّ الِاسْتِقْذَارَ بِالْحَائِضِ أَكْثَرُ مِنَ الْجُنُبِ، وَأُلْحِقَ أَيْضًا الْخِدْمَةُ بِالتَّرْجِيلِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي تَرْجِيلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِشَعَرِهِ وَسِوَاكِهِ وَأَخْذِهِ مِنْ شَارِبِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خِلَافَ النَّظَافَةِ وَحُسْنِ الْهَيْئَةِ فِي اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ لَيْسَ مِنَ الشَّرِيعَةِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْبَذَاذَةُ مِنَ الْإِيمَانِ» " أَرَادَ بِهِ إِطِّرَاحَ السَّرَفِ وَالشُّهْرَةِ لِلْمَلْبَسِ الدَّاعِي إِلَى التَّبَخْتُرِ وَالْبَطَرِ لِتَصِحَّ مَعَانِي الْآثَارِ وَلَا يَتَضَادَّ، وَمِنْ هَذَا نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا يُرِيدُ لِغَيْرِ الْحَاجَةِ لِئَلَّا يَكُونَ ثَائِرَ الرَّأْسِ شَعِثَهُ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ كَمَا جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 135 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا قَالَتْ «سَأَلَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ ثُمَّ لِتَنْضِحْهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ»   136 - 133 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) كَذَا لِيَحْيَى وَحْدَهُ وَهَذَا خَطَأٌ بَيِّنٌ مِنْهُ وَغَلَطٌ بِلَا شَكٍّ، وَلَمْ يَرْوِ عُرْوَةُ عَنْ فَاطِمَةَ شَيْئًا وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمُوَطَآتِ لِهِشَامٍ عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ زَوْجَةِ ابْنِ عَمِّهَا هِشَامٍ الرَّاوِي عَنْهَا وَكَانَتْ أَسَنَّ مِنْهُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً رَوَتْ عَنْ جَدَّتِهَا وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَنْهَا زَوْجُهَا وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ، وَثَّقَهَا الْعِجْلِيُّ وَرَوَى لَهَا الْجَمِيعُ (عَنْ أَسْمَاءِ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) أَسْلَمَتْ قَدِيمًا وَهَاجَرَتْ، وَرَوَى عَنْهَا ابْنَاهَا عَبْدُ اللَّهِ وَعُرْوَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ، وَمَاتَتْ بِمَكَّةَ بَعْدَ ابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ الحديث: 136 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 بِقَلِيلٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ أَوْ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَقَدْ جَاوَزَتِ الْمِائَةَ وَلَمْ يَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ وَلَمْ يُنْكَرْ لَهَا عَقْلٌ، وَهِيَ جَدَّةُ هِشَامٍ وَفَاطِمَةَ لِأَبَوَيْهِمَا (أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ قَالَتْ: " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ قَالَ الْحَافِظُ: وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَضَعَّفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَهِيَ صَحِيحَةُ الْإِسْنَادِ لَا عِلَّةَ لَهَا، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُبْهِمَ الرَّاوِي اسْمَ نَفْسِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي قِصَّةِ الرُّقْيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ انْتَهَى. وَظَهَرَ لِي أَنَّ مُرَادَ النَّوَوِيِّ بِالضَّعْفِ الشُّذُوذُ وَهِيَ مُخَالَفَةُ سُفْيَانَ لِلْحُفَّاظِ مِنْ أَصْحَابِ هِشَامٍ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى قَوْلِهِمْ سَأَلَتِ امْرَأَةٌ فَخَالَفَهُمْ سُفْيَانُ فَقَالَ: إِنَّ أَسْمَاءً قَالَتْ سَأَلْتُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ بِقَوْلِهِ: الصَّحِيحُ سَأَلَتِ امْرَأَةٌ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ فَاعِلَ سَأَلَتْ سَقَطَ مِنْ رِوَايَتِهِ فَأَوْهَمَ أَنَّهَا السَّائِلَةُ، وَالشَّاذُّ مَا خَالَفَ فِيهِ الثِّقَةُ الْمَلَأَ أَوْ مَا انْفَرَدَ بِهِ الرَّاوِي. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ تَعْنِيَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ نَفْسَهَا، وَيُمْكِنُ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَنْهُ وَسَأَلَ غَيْرَهَا أَيْضًا فَتَرْجِعُ كُلُّ رِوَايَةٍ إِلَى سُؤَالٍ، قَالَ: وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ سَأَلَتِ امْرَأَةٌ يَعْنِي بِالْإِبْهَامِ (فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ) اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الطَّلَبِ أَيْ أَخْبَرْنِي وَحِكْمَةُ الْعُدُولِ سُلُوكُ الْأَدَبِ وَيَجِبُ لِهَذِهِ التَّاءِ إِذَا لَمْ تَتَّصِلْ بِهَا الْكَافُ مَا يَجِبُ لَهَا مَعَ سَائِرِ الْأَفْعَالِ مِنْ تَذْكِيرٍ وَتَأْنِيثٍ وَتَثْنِيَةٍ وَجَمْعٍ (إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا) مَفْعُولٌ (الدَّمُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ (مِنَ الْحَيْضَةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ (كَيْفَ تَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ) » بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيِ الْحَيْضِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: يَجُوزُ الْكَسْرُ وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَرْأَةُ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَهِيَ الْمَرَّةُ مِنَ الْحَيْضِ قَالَ وَهَذَا أَظْهَرُ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ الرِّوَايَةُ. (فَلْتَقْرُصْهُ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا رَوَاهُ يَحْيَى وَالْأَكْثَرُ، وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَمَعْنَاهُ تَأْخُذُ الْمَاءَ وَتَغْمِزُهُ بِأُصْبُعِهَا لِلْغَسْلِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى أَشْهَرُ وَأَنَّهُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَقْرُصَهُ بِغَيْرِ مَاءٍ إِمَّا مَعَ الْيُبُوسَةِ أَوْ بِبَلٍّ قَلِيلٍ لَا يُسَمَّى غَسْلًا وَلَا نَضْحًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ قَوْلَهُ الْآتِي بِالْمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ ; لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ هِشَامٍ: حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ انْضَحِيهِ انْتَهَى بِمَعْنَاهُ. وَالثَّانِي قَرِيبٌ مِنَ الْمُتَعَيِّنِ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ تُبَيِّنُ بَعْضُهَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الشُّرَّاحِ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي بِالْفَتْحِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ كَذَا فِي رِوَايَتِنَا، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الضَّمَّ وَفَتْحَ الْقَافِ وَتَشْدِيدَ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ تُدَلِّكَ مَوْضِعَ الدَّمِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهَا لِيَتَحَلَّلَ بِذَلِكَ وَيَخْرُجَ مَا تَشَرَّبَهُ الثَّوْبُ مِنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ تَقْطَعُهُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ مَعَ الْمَاءِ لِيَتَحَلَّلَ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِالْقَطْعِ مَجَازٌ، إِذِ الْقَطْعُ إِنَّمَا هُوَ مَعْنَى الْقَرْضِ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَفْسِيرِهِ بِالْقَطْعِ ثُمَّ تَأْوِيلِهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تَحُوزُهُ وَتَجْمَعُهُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ أَشْيَاخِي لِأَنَّهُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى الْقَطْعِ أَيْضًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَرَّصْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قَطَّعْتُهُ وَفِي الْمُحْكَمِ فِي الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: الْمُقَرَّصُ الْمُقَطَّعُ الْمَأْخُوذُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَقَدْ قَرَّصْتُهُ وَقَرَصْتُهُ يَعْنِي بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ. (ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِالْمَاءِ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيَّ تَغْسِلْهُ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُرَادُ بِهِ الرَّشُّ لِأَنَّ غَسْلَ الدَّمِ اسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ " تَقْرُصْهُ "، وَأَمَّا النَّضْحُ فَهُوَ لِمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنَ الثَّوْبِ، وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِلَافُ الضَّمَائِرِ لِأَنَّ ضَمِيرَ " تَنْضَحْهُ " لِلثَّوْبِ وَ " تَقْرُصْهُ " لِلدَّمِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، ثُمَّ إِنَّ الرَّشَّ عَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ طَاهِرًا فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَتَطَهَّرْ بِذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ انْتَهَى. لَكِنَّ الْقُرْطُبِيَّ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ إِنْ شَكَّ فِي إِصَابَةِ النَّجَاسَةِ لِثَوْبٍ وَجَبَ نَضْحُهُ وَيُطَهَّرُ بِذَلِكَ، وَالْحَافِظُ لَمْ يَجْهَلْ ذَلِكَ إِنَّمَا قَالَ: فَالْأَحْسَنُ لِيُوَافِقَ الضَّمَائِرَ وَلِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى صُورَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا (ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ) بِلَامِ الْأَمْرِ عَطْفٌ عَلَى سَابِقِهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى امْتِنَاعِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ، وَجَوَازِ اسْتِفْتَاءِ الْمَرْأَةِ بِنَفْسِهَا وَمُشَافَهَتِهَا لِلرَّجُلِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْوَالِ النِّسَاءِ وَيَسْتَحِي مِنْ ذِكْرِهِ وَالْإِفْصَاحِ بِذِكْرِ مَا يُسْتَقْذَرُ لِلضَّرُورَةِ، وَنَدْبِ فَرْكِ النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ لِيَهُونَ غَسْلُهَا، وَفِيهِ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ النَّجَاسَاتِ إِنَّمَا تُزَالُ بِالْمَاءِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ جَمِيعَ النَّجَاسَاتِ بِمَثَابَةِ الدَّمِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِجْمَاعًا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَيْ تَعْيِينُ الْمَاءِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ: " مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَمَصَعَتْهُ بِظُفُرِهَا " وَلِأَبِي دَاوُدَ: بَلَّتْهُ بِرِيقِهَا وَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الرِّيقُ لَا يُطَهِّرُ لَزَادَتِ النَّجَاسَةُ، وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ قَصَدَتْ بِذَلِكَ تَحْلِيلَ أَثَرِهِ ثُمَّ غَسَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَمُسْلِمٌ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَرْثِ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ، فَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ خَمْسَةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 [بَاب الْمُسْتَحَاضَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي»   29 - بَابٌ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَهِيَ الَّتِي لَمْ يَرْقَأْ دَمُ حَيْضَتِهَا قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ اسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ أَيِ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا: الْحَيْضُ جَرَيَانُ دَمِ الْمَرْأَةِ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ يُرْخِيهِ قَعْرُ رَحِمَهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا، وَالِاسْتِحَاضَةُ جَرَيَانُهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ يَسِيلُ مِنْ عِرْقٍ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ، يُقَالُ اسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الْحَيْضِ وَالزَّوَائِدُ الَّتِي لَحِقَتْهَا لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا يُقَالُ: قَرَّ فِي الْمَكَانِ ثُمَّ يُزَادُ لِلْمُبَالَغَةِ فَيُقَالُ: اسْتَقَرَّ، وَأَعْشَبَ، ثُمَّ يُزَادُ لِلْمُبَالَغَةِ فَيُقَالُ اعْشَوْشَبَ. 137 - 134 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ:) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَمُعْجَمَةٍ وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيَّةُ الْأَسْدِيَةُ، وَهِيَ غَيْرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْقُرَشِيَّةِ الْفِهْرِيَّةِ الَّتِي طُلِّقَتْ ثَلَاثًا خِلَافًا لِظَنِّ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا هِيَ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا غَيْرُهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَطْهُرُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ لَا يَنْقَطِعُ عَنِّي الدَّمُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ إِنِّي امْرَأَةٌ أَسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ. قَالَ الْحَافِظُ: فَفِيهِ بَيَانُ السَّبَبِ، وَكَانَ عِنْدَهَا أَنَّ طَهَارَةَ الْحَائِضِ لَا تُعْرَفُ إِلَّا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ فَكَنَّتْ بِعَدَمِ الطُّهْرِ عَنْ إِرْسَالِهِ، وَكَانَتْ قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُصَلِّي فَظَنَّتْ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مُقْتَرِنٌ بِجَرَيَانِ الدَّمِ مِنَ الْفَرْجِ فَأَرَادَتْ تَحْقِيقَ ذَلِكَ فَقَالَتْ: (أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟) أَيْ أَتْرُكُهَا وَالْعَطْفُ عَلَى مُقَدِّرٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ لِأَنَّ لَهَا صَدْرَ الْكَلَامِ أَيْ أَيَكُونُ لِي حُكْمُ الْحَائِضِ فَأَتْرُكُ الصَّلَاةَ، أَوْ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَيْسَ لِلنَّفْيِ بَلْ لِلتَّقْرِيرِ فَزَالَتْ صَدْرِيَّتُهَا، لَكِنْ يُنَافِي هَذَا أَنَّ التَّقْرِيرِيَّ حَمْلُ الْمُخَاطَبِ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِأَمْرٍ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ فَيُؤَكِّدُ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَهِيَ هُنَا لَيْسَتْ عَالِمَةً بِالْحُكْمِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: أَوِ الْهَمْزَةُ مُقْحِمَةٌ أَوْ تَوَسُّطُهَا جَائِزٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ إِذَا كَانَ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ لِعَدَمِ انْسِحَابِ حُكْمِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي. (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: " لَا أَيْ لَا تَدَعِيهَا " (إِنَّمَا ذَلِكَ) بِكَسْرِ الْكَافِ (عِرْقٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ يُسَمَّى بِالْعَاذِلِ بِمُهْمَلَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ (وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ كَمَا نَقَلَهُ الحديث: 137 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ أَوْ كُلِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ قَدِ اخْتَارَ هُوَ الْكَسْرُ عَلَى إِرَادَةِ الْحَالَةِ لَكِنَّ الْفَتْحَ هُنَا أَظْهَرُ أَيِ الْحَيْضِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ مُتَعَيِّنٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنَ الْمُتَعَيِّنِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ إِثْبَاتَ الِاسْتِحَاضَةِ وَنَفْيَ الْحَيْضِ. قَالَ وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ انْقَطَعَ وَانْفَجَرَ فَهِيَ زِيَادَةٌ لَا تُعْرَفُ فِي الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ لَهَا مَعْنًى. (فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: يَجُوزُ هُنَا الْكَسْرُ وَالْفَتْحُ جَوَازًا حَسَنًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي فِي رِوَايَتِنَا بِفَتْحِ الْحَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. (فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ) تَضَمَّنَ نَهْيَ الْحَائِضِ عَنِ الصَّلَاةِ وَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ وَيَقْتَضِي فَسَادَ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَرَى لِلْحَائِضِ الْغُسْلَ وَيَأْمُرُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَتَذْكُرَ اللَّهَ مُسْتَقْبِلَةً الْقِبْلَةَ قَالَهُ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَقَالَ مَكْحُولٌ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ هَدْيِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: بَلَغَنِي أَنَّ الْحَائِضَ كَانَتْ تُؤْمَرُ بِذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ عَطَاءٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا أَمْرٌ مَتْرُوكٌ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: سَأَلْنَا عَنْهُ فَلَمْ نَجِدْ لَهُ أَصْلًا وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ يَكْرَهُونَهُ. (فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا) أَيْ قَدْرُ الْحَيْضَةِ عَلَى مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ أَوْ عَلَى مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ بِاجْتِهَادِهَا أَوْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَادَتِهَا فِي حَيْضَتِهَا احْتِمَالَاتٌ لِلْبَاجِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَيِ الْحَيْضَةُ (فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) أَيْ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي، وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الدَّمِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ وَاقِعٌ بَيْنَ أَصْحَابِ هِشَامٍ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ غَسْلَ الدَّمِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ الِاغْتِسَالَ دُونَ غَسْلِ الدَّمِ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَأَحَادِيثُهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ اخْتَصَرَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لِوُضُوحِهِ عِنْدَهُ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ زَادَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ، فَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ وَادَّعَى أَنَّ حَمَّادًا انْفَرَدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَإِلَيْهِ أَوْمَى مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهَا الدَّارِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَالسِّرَاجُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا مَيَّزَتْ دَمَ الْحَيْضِ مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ تَعْتَبِرُ دَمَ الْحَيْضِ وَتَعْمَلُ عَلَى إِقْبَالِهِ وَإِدْبَارِهِ، فَإِذَا انْقَضَى قَدْرُهُ اغْتَسَلَتْ مِنْهُ ثُمَّ صَارَ حُكْمُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ حُكْمَ الْحَدَثِ فَتَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَكِنَّهَا لَا تُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ مُؤَدَّاةٍ أَوْ مَقْضِيَّةٍ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: " «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» "، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْوُضُوءَ مُتَعَلِّقٌ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِهِ الْفَرِيضَةَ الْحَاضِرَةَ وَمَا شَاءَتْ مِنَ الْفَوَائِتِ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتَ الْحَاضِرَةِ وَعَلَى قَوْلِهِمُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» " أَيْ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ فَفِيهِ مَجَازُ الْحَذْفِ وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَا يَجِبُ إِلَّا بِحَدَثٍ آخَرَ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: إِنِ اغْتَسَلَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَهُوَ أَحْوَطُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا ذِكْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ وَذُكِرَ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ، فَلِذَا كَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّهُ لَهَا وَلَا يُوجِبُهُ كَمَا لَا يُوجِبُهُ عَلَى صَاحِبِ التَّسَلْسُلِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا طُرُقٌ عَنْ هِشَامٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِتَنْظُرْ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكْ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهْرِ فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّي»   138 - 135 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَيُّوبُ وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَصَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَدْخَلُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سُلَيْمَانَ رَجُلًا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، انْتَهَى. فَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى دَعْوَى الِانْقِطَاعِ، وَنَازَعَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُمَا حَدِيثَانِ مُتَغَايِرَانِ إِذْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ سُلَيْمَانَ سَمِعَهُ مِنْ رَجُلٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْهَا فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. (أَنَّ امْرَأَةً) قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ (كَانَتْ تُهَرَاقُ) بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ (الدِّمَاءَ) بِالنَّصْبِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهَا مِنْ كَثْرَةِ الدَّمِ بِهَا كَأَنَّهَا كَانَتْ تُهَرِيقُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: جَاءَ الْحَدِيثُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَيْ تُهَرَاقُ هِيَ الدِّمَاءَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ وَإِنْ كَانَ مَعْرِفَةً، وَلَهُ نَظَائِرُ أَيْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 130) وَهُوَ مُطَّرِدٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَشَاذٌّ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، أَوْ أَجْرَى تُهَرَاقُ مَجْرَى نَفِسَتِ الْمَرْأَةُ غُلَامًا، وَنَتَجَ الْفَرَسُ مُهْرًا، قَالَ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِتَقْدِيرٍ " تُهَرَاقُ " دِمَاؤُهَا، وَأَوَّلُ بَدَلٍ مِنَ الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 237) أَيْ عُقْدَةُ نِكَاحِهِ وَنِكَاحِهَا، قَالَ: وَالْهَاءُ فِي هَرَاقَ بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةِ أَرَاقَ يُقَالُ: أَرَاقَ الْمَاءَ يُرِيقُهُ، وَهَرَاقَهُ يُهَرِيقُهُ بِفَتْحِ الْهَاءِ هِرَاقَةً. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ: أَجَازَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَشْبِيهَ الْفِعْلِ اللَّازِمِ بِالْمُتَعَدِّي كَمَا شُبِّهَ وَصْفُهُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ الْمُتَعَدِّي مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ " تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ " وَمَنَعَهُ الشَّلَوْبِينُ وَقَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الصِّفَاتِ، وَتَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ عَلَى إِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ أَيْ بِالدِّمَاءِ، أَوْ عَلَى إِضْمَارٍ فَاعِلٍ أَيْ يُهَرِيقُ اللَّهُ الدِّمَاءَ مِنْهَا، قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ إِذْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ (فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ) بِأَمْرِهَا إِيَّاهَا بِذَلِكَ، فَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ اسْتُحِيضَتْ حَتَّى كَانَ الْمِرْكَنُ يُنْقَلُ مِنْ تَحْتِهَا وَأَعْلَاهُ الحديث: 138 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الدَّمُ قَالَ: فَأَمَرَتْ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تَسْأَلَ لَهَا (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ السَّابِقِ: أَنَّ فَاطِمَةَ هِيَ السَّائِلَةُ، وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ عُرْوَةَ كَذَلِكَ عَنْ فَاطِمَةَ نَفْسِهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ سَأَلَتْ لَهَا، قَالَ الْحَافِظُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ: وَلَعَلَّ الْجَمْعَ بَيْنَهَا أَنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْ كُلًّا مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَسْمَاءَ أَنْ تَسْأَلَ لَهَا فَسَأَلَتَا مُجْتَمِعَتَيْنِ أَوْ سَأَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعَ عَدَمِ عِلْمِهَا بِسُؤَالِ الْأُخْرَى، وَصَحَّ إِطْلَاقُ السُّؤَالِ عَلَى فَاطِمَةَ بِاعْتِبَارِ أَمْرِهَا بِالسُّؤَالِ وَأَنَّهَا حَضَرَتْ مَعَهُمَا فَلَمَّا بَدَأَتَا بِالْكَلَامِ تَكَلَّمَتْ هِيَ حِينَئِذٍ، انْتَهَى. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ تَسْلِيمَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْمُبْهَمَةِ فَاطِمَةُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ هَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ فَاطِمَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَهُوَ عِنْدَنَا حَدِيثٌ آخَرُ، وَكَذَا جَعَلَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثًا غَيْرَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ فِي امْرَأَةٍ عَرَفَتْ إِقْبَالَ حَيْضَتِهَا وَإِدْبَارَهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي امْرَأَةٍ كَانَ لَهَا أَيَّامٌ مَعْرُوفَةٌ فَزَادَهَا الدَّمُ وَأَطْبَقَ عَلَيْهَا فَلَمْ تُمَيِّزْهَا فَأَمَرَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَيَّامِهَا مِنَ الشَّهْرِ. (فَقَالَ: لِتَنْظُرْ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ) وَالصَّوْمَ وَنَحْوَهُمَا (قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ) وَأَجَابَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ بِأَنَّهُ إِنْ صَحَّ أَنَّ الْمُبْهَمَةَ فَاطِمَةُ فَلَعَلَّهَا كَانَتْ لَهَا أَحْوَالٌ كَانَتْ فِي بَعْضِهَا مُمَيِّزَةٌ وَفِي بَعْضِهَا لَيْسَتْ مُمَيِّزَةً، وَجَاءَ الْجَوَابُ لَهَا بِاعْتِبَارِ حَالَتَيْهَا، قَالَ: وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُبْتَدَأَةً بَلْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ تَعْرِفُهَا وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ كَوْنِهَا مُمَيِّزَةً أَمْ لَا فَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ الْمُعْتَادَةَ تُرَدُّ لِعَادَتِهَا مَيَّزَتْ أَمْ لَا، وَافَقَ تَمْيِيزُهَا عَادَتَهَا أَمْ خَالَفَهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَاعِدَةِ تَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْأَلْهَا هَلْ هِيَ مُمَيِّزَةٌ أَمْ لَا، وَأَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهَا إِنَّمَا تُرَدُّ لِعَادَتِهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُمَيِّزَةً وَإِلَّا رُدَّتْ إِلَى تَمْيِيزِهَا، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُبَيْشٍ: " «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَحَكَمَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَالَّذِي اضْطَرَّهُمْ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى ذَلِكَ مُعَارَضَةُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنْ طَرْحِ أَحَدِهِمَا، وَمَتَى رُدَّتْ إِلَى الْعَادَةِ مُطْلَقًا أُلْغِيَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ بِالْكُلِّيَّةِ. (فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الثَّقِيلَةِ وَالْفَاءِ أَيْ تَرَكَتْ أَيَّامَ الْحَيْضِ الَّذِي كَانَتْ تَعْهَدُهُ وَرَاءَهَا (فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ تَشُدُّ فَرْجَهَا (بِثَوْبٍ) خِرْقَةٍ عَرِيضَةٍ بَعْدَ أَنْ تَحْتَشِيَ قُطْنًا وَتُوثِقَ طَرَفَيِ الْخِرْقَةِ فِي شَيْءٍ تَشُدُّهُ عَلَى وَسَطِهَا فَيُمْنَعُ بِذَلِكَ سَيْلُ الدَّمِ مَأْخُوذٌ مِنْ ثَفَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الدَّابَّةِ بِفَتْحِ الْفَاءِ الَّذِي يُجْعَلُ تَحْتَ ذَنَبِهَا وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنَ الثُّفْرِ بِإِسْكَانِ الْفَاءِ وَهُوَ الْفَرْجُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِلسِّبَاعِ فَاسْتُعِيرَ لِغَيْرِهَا، قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: رَوَاهُ الْأَكْثَرُ عَنْ مَالِكٍ بِمُثَلَّثَةٍ، وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْهُ لِتَسْتَذْفِرْ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ بَدَلِهَا أَيْ تُجَفِّفُ الدَّمَ بِالْخِرْقَةِ (ثُمَّ لِتُصَلِّي) بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ لِلْإِشْبَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 90) كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ، لَا يُقَالُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لِأُنْثَى. لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ لَيْسَ خِطَابًا وَإِنَّمَا هُوَ مُسْنَدٌ لِضَمِيرِ الْغَائِبِ أَيْ لِتُصَلِّي هِيَ، فَكَانَ الْوَاجِبُ حَذْفَ الْيَاءِ لِلَامِ الْأَمْرِ فَجِيءَ بِهَا لِلْإِشْبَاعِ فَحَذَفَ الْجَازِمُ يَاءَ الْعِلَّةِ وَالْمَوْجُودَةُ إِشْبَاعٌ، وَفِيهِ أَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَحَاضَةِ حُكْمُ الطَّاهِرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَصِيَامٍ وَاعْتِكَافٍ وَقِرَاءَةٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَحَمْلِهِ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَهَذَا أَمْرٌ مُجَمَعٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي إِبَاحَةِ وَطْئِهَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَى جَوَازِ الْوَطْءِ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِاعْتِزَالِهَا حَائِضًا وَأَذِنَ فِي إِتْيَانِهَا طَاهِرًا، فَلَمَّا حَكَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسْتَحَاضَةِ فِي أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ وَطْئِهَا. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِذَا صَلَّتِ، الصَّلَاةُ أَعْظَمُ، وَفِيهِ أَنَّ الْعَادَةَ فِي الْحَيْضِ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّهَا إِلَى الشَّهْرِ الَّذِي يَلِي شَهْرَ الِاسْتِحَاضَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ لِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ كَانَ لَا تَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ الْفِعْلِ وَلَا دَوَامِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِهِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ امْرَأَةً. . . إِلَخْ، فَاخْتُلِفَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ فِي إِسْنَادِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا رَأَتْ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي   139 - 136 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيَّةِ رَبِيبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنَّهَا رَأَتْ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ) قَالَ عِيَاضٌ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الْمُوَطَّأِ فِي هَذَا فَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ زَيْنَبَ مِنْهُمْ يَقُولُ ابْنَةَ جَحْشٍ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَيُبَيِّنُ الْوَهْمَ فِيهِ قَوْلُهُ: (الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) وَزَيْنَبُ هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ الحديث: 139 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 يَتَزَوَّجْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَطُّ وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هِيَ أُمُّ حَبِيبَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ إِنَّ بَنَاتِ جَحْشٍ الثَّلَاثَةَ زَيْنَبَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ وَحَمْنَةَ زَوْجَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كُنَّ يَسْتَحِضْنَ كُلُّهُنَّ، وَقِيلَ لَمْ يَسْتَحِضْ مِنْهُنَّ إِلَّا أُمُّ حَبِيبَةَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي يُونُسُ بْنُ مُغِيثٍ فِي كِتَابِهِ الْمُوعِبِ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ مِثْلَ هَذَا، وَذَكَرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ اسْمُهَا زَيْنَبُ وَلَقَبُ إِحْدَاهُنَّ حَمْنَةُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ سَلِمَ مَالِكٌ مِنَ الْخَطَأِ فِي تَسْمِيَةِ أُمِّ حَبِيبَةَ زَيْنَبَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تُسْتَحَاضُ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. وَفِي أُخْرَى: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، انْتَهَى كَلَامُ عِيَاضٍ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: قِيلَ حَدِيثُ الْمُوَطَّأِ هَذَا وَهْمٌ وَقِيلَ صَوَابٌ وَأَنَّ اسْمَهَا زَيْنَبُ وَكُنْيَتَهَا أُمُّ حَبِيبَةَ بِإِثْبَاتِ الْهَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ خِلَافًا لِلْوَاقِدِيِّ وَتَبِعَهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: الصَّحِيحُ أُمُّ حَبِيبٍ بِلَا هَاءٍ وَاسْمُهَا حَبِيبَةُ وَإِنْ رَجَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، قَالَ: وَأَمَّا أُخْتُهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يَكُنِ اسْمُهَا الْأَصْلِيُّ زَيْنَبَ وَإِنَّمَا كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي أَسْبَابِ النُّزُولِ لِلْوَاحِدِيِّ: إِنَّمَا كَانَ اسْمُهَا زَيْنَبَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَعَلَّهُ سَمَّاهَا بِاسْمِ أُخْتِهَا لِأَنَّ أُخْتَهَا غَلَبَتْ عَلَيْهَا الْكُنْيَةُ فَأَيْنَ اللَّبْسُ؟ قَالَ أَعْنِي الْحَافِظَ: وَلَمْ يَنْفَرِدِ الْمُوَطَّأُ بِتَسْمِيَةِ أُمِّ حَبِيبَةَ زَيْنَبَ بَلْ وَافَقَهُ يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ انْتَهَى. وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَطَالِعِ: لَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ بَنَاتِ جَحْشٍ اسْمُ كُلٍّ مِنْهُنَّ زَيْنَبُ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَنْسَابِ لَا يُثْبِتُونَهُ، وَإِنَّمَا حَمَلَ عَلَيْهِ مَنْ قَالَهُ أَنْ لَا يُنْسَبَ إِلَى مَالِكٍ وَهْمٌ، كَذَا قَالَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ. (وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي) وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: اسْتُحِيضَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «اغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» "، قَالَ الْحَافِظُ: قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْبَلْقِينِيُّ: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ زَيْنَبَ اسْتُحِيضَتْ وَقْتًا بِخِلَافِ أُخْتِهَا فَإِنَّ اسْتِحَاضَتَهَا دَامَتْ. وَرَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا «عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فَقَالَ: " هَذَا عِرْقٌ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» ، زَادَ مُسْلِمٌ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ: وَتُصَلِّي وَالْأَمْرُ بِالِاغْتِسَالِ مُطْلَقٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ، فَلَعَلَّهَا فَهِمَتْ طَلَبَ ذَلِكَ مِنْهَا لِقَرِينَةٍ فَلِذَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَطَوُّعًا، وَكَذَا قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ فَعَلَتْهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ قَالُوا: لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ الْغَسْلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِلَّا الْمُتَحَيِّرَةِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ: «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَنْتَظِرَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 رَأَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ» وَاسْتَدَلَّ الْمُهَلَّبُ بِقَوْلِهِ لَهَا: هَذَا عِرْقٌ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهَا الْغُسْلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّ دَمَ الْعِرْقِ لَا يُوجِبُ غُسْلًا. وَأَمَّا مَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ وَابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَقَدْ طَعَنَ الْحُفَّاظُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِأَنَّ الْأَثْبَاتَ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ لَمْ يَذْكُرُوهَا، وَقَدْ صَرَّحَ اللَّيْثُ بِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَذْكُرْهَا كَمَا فِي مُسْلِمٍ، لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، فَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ هَذِهِ وَرِوَايَةِ عِكْرِمَةَ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَيْ لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَا الْغُسْلِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ عَلَى النَّدْبِ أَوْلَى انْتَهَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَعْقَاعَ بْنَ حَكِيمٍ وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلَاهُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ يَسْأَلُهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَقَالَ تَغْتَسِلُ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ   140 - 137 - (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرٌ (مَوْلَى أَبِي بَكْرِ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ الْجَمِيعُ، مَاتَ مَقْتُولًا سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. (أَنَّ الْقَعْقَاعَ) بِقَافَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا عَيْنٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ أَلِفٌ فَعَيْنٌ (ابْنَ حَكِيمٍ) الْكِنَانِيَّ الْمَدَنِيَّ تَابِعِيٌّ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى وَغَيْرُهُمَا وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ. (وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلَاهُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ يَسْأَلُهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ؟ فَقَالَ: تَغْتَسِلُ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ) . قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: اخْتُلِفَ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مِنْ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَى وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ، قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَالْمَرْوِيُّ إِنَّمَا هُوَ الْإِعْجَامُ وَأَمَّا الْإِهْمَالُ فَلَيْسَ رِوَايَةً مَجْزُومًا بِهَا فَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مَالِكٌ: إِنِّي لَأَظُنُّ حَدِيثَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ أَيْ بِالْإِهْمَالِ فِيهِمَا وَلَكِنَّ الْوَهْمَ دَخَلَ فِيهِ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ مِسْوَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ " مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ " أَيْ بِالْإِهْمَالِ فَقَلَبَهَا النَّاسُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ مَالِكٌ: مَا أَرَى الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ مِنْ ظُهْرٍ إِلَّا قَدْ وَهِمَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِوَهْمٍ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ عَنْ سَعِيدٍ مَعْرُوفٌ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ السُّفْيَانَانِ عَنْ سُمَيٍّ بِهِ بِالْإِعْجَامِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ سُمَيٌّ وَلَا الْقَعْقَاعُ فَقَدْ رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ مِثْلَهُ بِالْإِعْجَامِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ مَالِكٌ وَمَا أَشْبَهَهُ بِمَا ظَنَّ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلِاغْتِسَالِ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الحديث: 140 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الْغَدِ وَلَا أَعْلَمُهُ قَوْلًا لِأَحَدٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ وَقْتَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ لَهُ مَعْنًى لِأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ اغْتِسَالُهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ فَلَا أَقَلَّ مِنَ الِاغْتِسَالِ مَرَّةً فِي كُلِّ يَوْمٍ عِنْدَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِ دِفْءِ النَّهَارِ وَذَلِكَ لِلتَّنْظِيفِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَقَوْلُهُ لَا أَعْلَمُهُ قَوْلًا لِأَحَدٍ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ نَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَعَلَّ الْخَطَّابِيَّ يَرَى أَنَّهُ حُرِّفَ النَّقْلُ عَنْهُمْ كَمَا حُرِّفَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ لَكِنْ يَرُدُّ دَعْوَى التَّحْرِيفِ وُرُودُ مِثْلِهِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا: تَغْتَسِلُ عِنْدَ الظُّهْرِ حَكَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِلَفْظِ: تَغْتَسِلُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْغَدِ، انْتَهَى. (وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وُجُوبًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاسْتِحْبَابًا عِنْدَ مَالِكٍ. (فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ) هَكَذَا رِوَايَةُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَكَذَا الشَّافِعِيُّ عَنْهُ بِالْمُثَلَّثَةِ بَيْنَ الْفَوْقِيَّةِ وَالْفَاءِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: اسْتَذْفَرَتْ بِثَوْبٍ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ بَدَلَ الْمُثَلَّثَةِ فَقِيلَ إِنَّهُ مِثْلُ الِاسْتِثْفَارِ قُلِبَتِ الثَّاءُ ذَالًا وَهُوَ الثُّفْرُ وَالذَّفَرُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَلْتَسْتَعْمِلْ طِيبًا تُزِيلُ بِهِ هَذَا الشَّيْءَ عَنْهَا، وَالذَّفَرُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ كُلُّ رَائِحَةٍ ذَكِيَّةٍ مِنْ طِيبٍ أَوْ نَتَنٍ، وَسُمِّيَ الثَّوْبُ طِيبًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي إِزَالَةِ الرَّائِحَةِ، وَإِنْ رُوِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فَمَعْنَاهُ تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا الذَّفْرَ بِإِسْكَانِ الْفَاءِ وَهُوَ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ، فَإِنْ قِيلَ: سُئِلَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ كَيْفِيَّةِ اغْتِسَالِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَأَجَابَ بِذِكْرِ وَقْتِهِ. قُلْتُ: وَفِيهِ مِنْ جُمْلَةِ صِفَاتِهِ وَهَيْئَاتِهِ وَكَيْفِيَّةِ اغْتِسَالِهَا لَا تُخَالِفُ كَيْفِيَّةِ اغْتِسَالِ غَيْرِهَا وَإِنَّمَا تُخَالِفُ غَيْرَهَا فِي الْوَقْتِ، فَأَجَابَ بِذِكْرِ مَا خَالَفَتْ فِيهِ غَيْرَهَا، أَوْ أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ اسْتِبْعَادَ اغْتِسَالِهَا مَعَ جَرَيَانِ الدَّمِ مِنْهَا، فَأَجَابَهُ بِأَنَّ جَرَيَانَهُ مِنْهَا لَا يَمْنَعُ مِنِ اغْتِسَالِهَا فِي وَقْتِهِ وَهُوَ وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ عِنْدَهُ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ إِذَا قَوِيَ عَلَيْهَا الدَّمُ وَغَلَبَهَا اسْتَثْفَرَتْ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْوَلِيُّ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ غُسْلًا وَاحِدًا ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِذَا صَلَّتْ أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا وَكَذَلِكَ النُّفَسَاءُ إِذَا بَلَغَتْ أَقْصَى مَا يُمْسِكُ النِّسَاءَ الدَّمُ فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ   141 - 138 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ) عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهَا قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ (غُسْلًا وَاحِدًا) لِأَنَّهُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأَحَادِيثُ أَمْرِهَا بِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَأَمَّا فِعْلُهَا هِيَ ذَلِكَ فَمِنْ عِنْدِ نَفْسِهَا كَمَا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، خِلَافًا لِابْنِ حَزْمٍ حَيْثُ صَحَّحَهَا وَزَعَمَ أَنَّهُ قَالَ بِهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَقَدْ رَدَّهُ الحديث: 141 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 عَلَيْهِ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ. (ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وُجُوبًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاسْتِحْبَابًا عِنْدَ مَالِكٍ مُحْتَجًّا لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ عِرْقٌ وَالْعِرْقُ لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِذَا صَلَّتْ أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا) وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِذَا صَلَّتِ، الصَّلَاةُ أَعْظَمُ، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ " فَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَيْضَةٌ فَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يُصِيبَهَا وَهِيَ تُصَلِّي. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَطَائِفَةٌ: لَا يُصِيبُهَا، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لَا يَطَأَ إِلَّا أَنْ يَطُولَ. (وَكَذَا النُّفَسَاءُ إِذَا بَلَغَتْ أَقْصَى مَا يُمْسِكُ النِّسَاءَ) مَفْعُولٌ فَاعِلُهُ (الدَّمُ) أَيْ لَا يُصِيبُهَا وَأَقْصَاهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُهُ شَهْرَانِ سِتُّونَ يَوْمًا، وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (فَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ) وَقَدْ عُلِمَ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى جَوَازِ إِصَابَتِهِ لَهَا. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) عَنْ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلًا (وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ: هَذَا إِسْنَادٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ. وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ: هُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ جَاءَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: فِي الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ حَدِيثَانِ لَيْسَ فِي نَفْسِي مِنْهُمَا شَيْءٌ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَالثَّالِثُ فِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ حَدِيثُ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَمَا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَحَادِيثَ فَفِيهَا اخْتِلَافٌ وَاضْطِرَابٌ، وَعُدَّ فِي فَتْحِ الْبَارِي الْمُسْتَحَاضَاتُ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرًا: بَنَاتُ جَحْشٍ الثَّلَاثَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَحَدِيثُهَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مُعَلَّقًا وَابْنِ خُزَيْمَةَ مَوْصُولًا، وَأُمُّ سَلَمَةَ وَحَدِيثُهَا فِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ فِي أَبِي دَاوُدَ لَكِنْ عَلَى التَّرَدُّدِ هَلْ هُوَ عَنْهَا أَوْ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، وَسَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ ذَكَرَهَا أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ مَرْثَدٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَبَادِيَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 بِنْتُ غَيْلَانَ ذَكَرَهَا ابْنُ مَنْدَهْ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ اسْتُحِيضَتْ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ فِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ حِكَايَةِ زَيْنَبَ عَنْ غَيْرِهَا وَهُوَ أَشْبَهُ فَإِنَّهَا كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَغِيرَةً لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّهَا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَزَيْنَبُ تَرْضَعُ وَقَدْ كَمُلْنَ عَشْرًا بِحَذْفِ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ انْتَهَى. وَنَظَمَ السُّيُوطِيُّ فِي قَلَائِدِ الْفَوَائِدِ تِسْعًا فَقَالَ: قَدِ اسْتُحِيضَتْ فِي زَمَانِ الْمُصْطَفَى تِسْعُ نِسَاءٍ قَدْ رَوَاهَا الرَّاوِيَهْ بِنْتُ جَحْشٍ سَوْدَةُ فَاطِمَةُ زَيْنَبُ أَسَمَا سَهْلَةُ وَبَادِيَهْ فَعَدَّ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ وَأَسْقَطَ أُمَّ سَلَمَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أَوْ بِنْتَ مَرْثَدٍ لِأَنَّ النَّظْمَ فِيهِ أَسْمَاءُ وَاحِدَةٌ وَهُمَا اثْنَتَانِ فَلَوْ قَالَ: قَدِ اسْتُحِيضَتْ فِي زَمَانِ الْمُصْطَفَى بَنَاتُ جَحْشٍ سَهْلَةُ وَبَادِيَهْ وَهِنْدُ أَسَمَا سَوْدَةُ فَاطِمَةُ وَبِنْتُ مَرْثَدٍ رَوَاهَا الرَّاوِيَهْ لَوَفَى بِالْعَشَرَةِ وَسَلِمَ مِنْ عَدِّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ وَاسْمُهَا هِنْدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 [بَاب مَا جَاءَ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ»   30 - بَابُ مَا جَاءَ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ 142 - 139 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ) وَفِي نُسْخَةٍ: زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنَّهَا قَالَتْ: أُتِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ التَّاءِ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَبِيٍّ) قَالَ الْحَافِظُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ ابْنُ أُمِّ قَيْسٍ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أَوِ الْحُسَيْنُ، فَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «بَالَ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ عَلَى بَطْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَرَكَهُ حَتَّى قَضَى بَوْلَهُ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ» . وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي لَيْلَى نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ فَجِيءَ بِالْحَسَنِ وَلَمْ يَتَرَدَّدْ. وَكَذَا لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَإِنَّمَا رَجَّحْتُ بِهِ غَيْرَهُ ; لِأَنَّ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ: " أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَبِيٍّ يُحَنِّكُهُ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، وَأَمَّا الْحَسَنُ فَبَالَ عَلَى بَطْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّهُ جَاءَ وَهُوَ يَحْبُو وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَائِمٌ فَصَعِدَ عَلَى بَطْنِهِ وَوَضَعَ ذَكَرَهُ فِي سُرَّتِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ فَظَهَرَتِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا، وَزَعَمَ الْعَيْنِيُّ أَنَّ أَظْهَرَ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ لِأَنَّ أُمَّهُ قَالَتْ: فَأَخَذْتُهُ أَخْذًا عَنِيفًا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّهُ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ فَلَا يَضُرُّ الحديث: 142 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 بَوْلُهُ» ". وَفِي لَفْظٍ: " «لَمْ يُطْعَمِ الطَّعَامَ فَلَا يَقْذُرُ بَوْلُهُ» "، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي قَوْلِ أُمِّهِ ذَلِكَ مَا يَقْضِي بِأَنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ حَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ (فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ) أَيْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (إِيَّاهُ) أَيْ أَتْبَعَ رَسُولُ اللَّهِ الْبَوْلَ الَّذِي عَلَى الثَّوْبِ الْمَاءَ بِصَبِّهِ عَلَيْهِ، فَالضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ لِلْبَوْلِ وَالْمُنْفَصِلُ لِلْمَاءِ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ ; لِأَنَّ إِتْبَاعَ الْمَاءِ الْبَوْلَ هُوَ النَّضْحُ دُونَ الْغَسْلِ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ: وَلَمْ يَغْسِلْهُ. وَلِلطَّحَاوِيِّ مِنْ رِوَايَةِ زَائِدَةَ الثَّقَفِيِّ عَنْ هِشَامٍ: فَنَضَحَهُ عَلَيْهِ. وَلِابْنِ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامٍ: فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَجَرِيرٌ، وَعِيسَى، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ فِي مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ «أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ»   143 - 140 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (بْنِ عُتْبَةَ) بِإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (بْنِ مَسْعُودٍ) الْهُذَلِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقِيهٌ، مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، كَثِيرُ الْحَدِيثِ، أَحَدُ السَّبْعَةِ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (عَنْ أُمِّ قَيْسِ بِنْتُ مِحْصَنٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اسْمُهَا جُذَامَةُ يَعْنِي بِالْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: اسْمُهَا آمِنَةُ، وَحَكَى مِثْلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيُّ فِي مُسْنَدِ الْمُوَطَّأِ، أَسْلَمَتْ قَدِيمًا بِمَكَّةَ وَهَاجَرَتْ وَلَهَا أَحَادِيثُ، وَقَدْ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ: وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهِيَ أُخْتُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ أَحَدِ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ (أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَمَاتَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صَغِيرٌ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْهَا قَالَتْ: تُوُفِّيَ ابْنٌ لِي فَجَزِعْتُ فَقُلْتُ لِلَّذِي يَغْسِلُهُ: لَا تَغْسِلِ ابْنِي بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، فَغَسَلَهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُكَّاشَةُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " «مَا لَهَا طَالَ عُمُرُهَا؟ " قَالَ فَلَا يُعْلَمُ امْرَأَةٌ عَمِرَتْ مَا عَمِرَتْ» . (لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ) قَالَ ابْنُ التِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَوَّتْ بِالطَّعَامِ وَلَمْ يَسْتَغْنِ بِهِ عَنِ الرَّضَاعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ لِيُحَنِّكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُحْمَلُ النَّفْيُ عَلَى عُمُومِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي الْعَقِيقَةِ أُتِيَ بِصَبِيٍّ يُحَنِّكُهُ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ) الحديث: 143 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَتُكْسَرُ وَتُضَمُّ كَمَا فِي الْمُحْكَمِ وَغَيْرِهِ الْحِضْنُ أَيْ وَضْعَهُ إِنْ قُلْنَا كَانَ كَمَا وُلِدَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْجُلُوسَ حَصَلَ مِنْهُ عَلَى الْعَادَةِ إِنْ قُلْنَا كَانَ فِي سِنِّ مَنْ يَحْبُو كَمَا فِي قِصَّةِ الْحَسَنِ (فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ) أَيْ ثَوْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَغْرَبَ ابْنُ شَعْبَانَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ: الْمُرَادُ ثَوْبُ الصَّبِيِّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ: وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ أَفْهَمَ أَنَّ الثَّانِي خَطَأٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الِابْنَ بَالَ عَلَى ثَوْبِ نَفْسِهِ وَهُوَ فِي حَجْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَضَحَ الْمَاءَ عَلَيْهِ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ طَارَ عَلَى ثَوْبِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَبِهَذَا يَكُونُ دَلِيلًا لِلْقَائِلِينَ بِنَجَاسَةِ بَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ. (فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ) صَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ (وَلَمْ يَغْسِلْهُ) أَيْ لَمْ يَعْرُكْهُ، وَالنَّضْحُ لُغَةً يُقَالُ لِلرَّشِّ وَلِصَبِّ الْمَاءِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنِّي لَأَعْلَمُ أَرْضًا يُقَالُ لَهُ عُمَانُ يَنْضَحُ بِنَاحِيَتِهَا الْبَحْرُ بِهَا حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ لَوْ أَتَاهُمْ رَسُولِي مَا رَمَوْهُ بِسَهْمٍ وَلَا حَجَرٍ» " قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَادَّعَى الْأَصِيلِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَمْ يَغْسِلْهُ مُدْرَجٌ مِنَ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَنَّ الْمَرْفُوعَ انْتَهَى بُقُولِهِ فَنَضَحَهُ، قَالَ وَكَذَلِكَ رَوَى مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فَقَالَ: فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَزِدْ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: فَرَشَّهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ: لَيْسَ فِي سِيَاقِ مَعْمَرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِدْرَاجِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِنَحْوِ سِيَاقِ مَالِكٍ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَقَدْ قَالَهَا مَعَ ذَلِكَ اللَّيْثُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ، وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ عَنْ يُونُسَ وَحْدَهُ، نَعَمْ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَمَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يُرَشَّ بَوْلُ الصَّبِيِّ وَيُغْسَلَ بَوْلُ الْجَارِيَةِ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ هِيَ الَّتِي زَادَهَا مَالِكٌ وَمَنْ تَبِعَهُ لَأَمْكَنَ دَعْوَى الْإِدْرَاجِ لَكِنَّهَا غَيْرُهَا فَلَا إِدْرَاجَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِذَلِكَ فَإِنَّهَا لَفْظُ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَتْ مُخَالِفَةً لِرِوَايَةِ مَالِكٍ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ النَّدْبُ إِلَى حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَالتَّوَاضُعِ وَالرِّفْقِ بِالصِّغَارِ وَتَحْنِيكِ الْمَوْلُودِ وَالتَّبَرُّكِ بِأَهْلِ الْفَضْلِ وَحَمْلِ الْأَطْفَالِ إِلَيْهِمْ حَالَ الْوِلَادَةِ وَبَعْدَهَا وَحُكْمُ بَوْلِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ قَبْلَ أَنْ يُطْعَمَا وَهُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ أَصَحُّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الِاكْتِفَاءُ بِالنَّضْحِ أَيِ الرَّشِّ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ لَا الصَّبِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِمْ، وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ لَكِنْ قَالَ أَصْحَابُهُ هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ. وَالثَّانِي يَكْفِي النَّضْحُ فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَخَصَّصَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ النَّقْلَ فِي هَذَا بِمَا إِذَا كَانَا لَمْ يَدْخُلْ فِي أَجْوَافِهِمَا شَيْءٌ أَصْلًا. وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعِهِمَا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَحَادِيثُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: فِي الْفَرْقِ أَحَادِيثُ لَيْسَتْ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 شَرْطِ الصَّحِيحِ مِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: " «يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا. وَمِنْهَا حَدِيثُ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ مَرْفُوعًا: " إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي السَّمْحِ نَحْوَهُ بِلَفْظِ: " يَرُشُّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَفِي وَجْهِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا أَوْجُهٌ رَكِيكَةٌ وَأَقْوَاهَا مَا قِيلَ إِنَّ النُّفُوسَ أَعْلَقُ بِالذَّكَرِ مِنْهَا بِالْإِنَاثِ يَعْنِي فَحَصَلَتِ الرُّخْصَةُ فِي الذُّكُورِ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ، وَقَدِ احْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْغَسْلَ مِنْهُمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَالْأَصْلُ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَقِيَاسُ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيَّةِ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِوَاءِ الْحُكْمِ فِيهِمَا بَعْدَ أَكْلٍ غَيْرِ اللَّبَنِ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ بَوْلِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى بَعْضِهَا، أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّضْحِ هُنَا الْغَسْلُ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ: " «إِنِّي لَأَعْرِفُ قَرْيَةً يَنْضَحُ الْبَحْرُ بِنَاحِيَتِهَا» ". وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَذْيِ: " «فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ الْغَسْلُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ كَالرَّاوِي، وَحَدِيثُ أَسْمَاءٍ فِي غَسْلِ الدَّمِ: " وَانْضَحِيهِ "، وَقَدْ جَاءَ الرَّشُّ وَأُرِيدَ بِهِ الْغَسْلُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا حَكَى الْوُضُوءَ النَّبَوِيَّ قَالَ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ وَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، وَأَرَادَ بِالرَّشِّ هُنَا الصَّبَّ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: " وَلَمْ يَغْسِلْهُ " أَيْ غَسْلًا مُبَالَغًا فِيهِ كَغَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ يُونُسِ بْنِ يَزِيدَ وَلَمْ يَغْسِلْهُ غَسْلًا، فَدَلَّ بِالْمَصْدَرِ الْمُنَوَّنِ عَلَى نَفْيِ الْكَثِيرِ الْبَلِيغِ مَعَ وُجُودِ أَصْلِ الْغَسْلِ. ثَانِيهَا: أَنَّ مَعْنَى وَلَمْ يَغْسِلْهُ لَمْ يَعْرُكْهُ فَأُرِيدَ كَمَالُ الْعَرْكِ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالْغَسْلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ عَرْكُ الْمَغْسُولِ وَقَدْ يُسَمَّى زَوَالُ الْقَذَرِ غَسْلًا وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ عَرْكٌ وَذَلِكَ مَجَازٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ الرَّاوِي: وَلَمْ يَغْسِلْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْتَجْ هُنَا إِلَى عَرْكٍ لِأَنَّ الْبَوْلَ إِذَا أُتْبِعَ بِالْمَاءِ بِقُرْبِ مُلَاقَاتِهِ الثَّوْبَ خَرَجَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عَرِكٍ. ثَالِثُهَا: أَنَّ ضَمِيرَ عَلَى ثَوْبِهِ عَائِدٌ عَلَى الصَّغِيرِ كَمَا مَرَّ. رَابِعُهَا: أَنَّ قَوْلَهَا لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ لَيْسَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفُ حَالٍ وَحِكَايَةُ قَضِيَّةٍ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ رَضِيعٌ وَاللَّبَنُ طَعَامٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُهُ فِي كُلِّ حَالٍ فَأَيُّ شَيْءِ فَرَقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّعَامِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَلِّلْ بِهَذَا وَلَا أَشَارَ إِلَيْهِ فَنَكِلُ الْحُكْمُ فِيهِ إِلَيْهِ. خَامِسُهَا: أَنَّ الْأَبْهَرِيَّ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْمُتَوَاطَأِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، وَأَمَّا أَحَادِيثُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ بَوْلِ الْأُنْثَى فَيُغْسَلُ وَبَوْلِ الصَّبِيِّ يُنْضَحُ فَلَيْسَتْ بِقَوِيَّةٍ، وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهَا فَالْمُرَادُ بِالنَّضْحِ الْغَسْلُ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ بَوْلَ الذَّكَرِ يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِضِيقِ مَخْرَجِهِ، وَبَوْلَ الْجَارِيَةِ يَتَفَرَّقُ لِسِعَةِ مَخْرِجِهِ، فَأَمَرَ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ بِالنَّضْحِ يُرِيدُ صَبَّ الْمَاءِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَأَرَادَ بِغَسْلِ الْجَارِيَةِ أَنْ يُتْبَعَ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 (تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَيْسَ تَجْوِيزُ مَنْ جَوَّزَ النَّضْحَ بِمَعْنَى الرَّشِّ مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَوْلَ الصَّبِيِّ غَيْرُ نَجِسٍ وَلَكِنَّهُ لِتَخْفِيفِ نَجَاسَتِهِ انْتَهَى. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ قَالَا بِطَهَارَتِهِ رُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْهُمَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذِهِ حِكَايَةٌ بَاطِلَةٌ وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ اللَّازِمِ، وَأَصْحَابُ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ. انْتَهَى. نَعَمْ نَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْمٍ الْقَوْلَ بِطَهَارَةِ بَوْلِ الصَّبِيِّ قَبْلَ الطَّعَامِ، وَحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَيُونُسُ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِنَحْوِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْبَوْلِ قَائِمًا وَغَيْرِهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ فَكَشَفَ عَنْ فَرْجِهِ لِيَبُولَ فَصَاحَ النَّاسُ بِهِ حَتَّى عَلَا الصَّوْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتْرُكُوهُ فَتَرَكُوهُ فَبَالَ ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ»   31 - مَا جَاءَ فِي الْبَوْلِ قَائِمًا 144 - 141 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) مُرْسَلٌ وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَالشَّيْخَانِ مَعًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: (دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ) حَكَى أَبُو بَكْرٍ التَّارِيخِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ الْمَدَنِيِّ أَنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍالتَّمِيمِيُّ، لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو مُوسَى الْمَدَنِيُّ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيُّ وَكَانَ رَجُلًا جَافِيًا وَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِيهِ رَاوٍ مُبْهَمٌ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ بِهَذَا السَّنَدِ وَقَالَ: وَفِيهِ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ، وَالتَّمِيمِيُّ هُوَ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ الَّذِي صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ رُءُوسِ الْخَوَارِجِ وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَمَانِيِّ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ فَارِسٍ أَنَّهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ الْحَافِظُ، وَتَوَقَّفَ الْحَافِظُ وَلِيُّ الدِّينِ فِي أَنَّهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيُّ فَقَالَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ وَذُو الْخُوَيْصِرَةِ مُنَافِقٌ وَهَذَا مُسْلِمٌ حَسَنُ الْإِسْلَامِ لِرِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَفِيهَا فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ بَعْدَ أَنْ فَقُهَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَامَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِي وَأُمِّي فَلَمْ يُؤَنِّبْنِي وَلَمْ يَسُبَّنِي وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى سَلَامَةِ صَدْرِهِ وَعَدَمِ إِحَاطَتِهِ بِهَذَا الْحُكْمِ حِينَ صَدَرَ مِنْهُ مَا صَدَرَ لَا عَلَى نِفَاقِهِ، وَكَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَتَّى السَّاعَةُ؟ قَالَ: " مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ " قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَبِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: " فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ "، قَالَ: فَذَهَبَ الشَّيْخُ فَأَخَذَهُ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ فَمَرَّ عَلَيْهِ النَّاسُ فَأَقَامُوهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الحديث: 144 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 " دَعَوْهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَصُبُّوا عَلَى بَوْلِهِ الْمَاءَ» ". قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَبَيَّنَ أَنَّ الْبَائِلَ فِي الْمَسْجِدِ هُوَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ الْمَشْهُودُ لَهُ بِالْجَنَّةِ انْتَهَى. (الْمَسْجِدَ) النَّبَوِيَّ زَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ فِي أَوَّلِهِ «أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا " فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ» . وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِقِصَّةِ الدُّعَاءِ فَقَطْ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ بِتَمَامِهِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَحَجَّرْتَ أَيْ ضَيَّقْتَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ مَا وَسِعَتْهُ إِذْ خَصَصْتِنِي وَخَصَصْتَ بِهَا نَفْسَكَ دُونَ غَيْرِنَا مَعَ أَنَّهَا تَسَعُ كُلَّ شَيْءٍ فَهُوَ تَحَجَّرَ تَفَعَّلَ مِنَ الْحَجْرِ الْمَنْعِ هَكَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ. (فَكَشَفَ عَنْ فَرْجِهِ لِيَبُولَ فَصَاحَ النَّاسُ بِهِ) زَاجِرِينَ لَهُ (حَتَّى عَلَا الصَّوْتُ) ارْتَفَعَ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَزَجَرَهُ النَّاسُ، وَأُخْرَى: فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، وَأُخْرَى: فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَأُخْرَى: فَقَامُوا إِلَيْهِ، وَكُلُّهَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ فَأَرَادَ أَصْحَابُهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ الصَّحَابَةُ: مَهْ مَهْ. ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتْرُكُوهُ» ) يَبُولُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ قَطْعُ الْبَوْلِ إِلَى ضَرَرٍ كَبِيرٍ يَحْصُلُ لَهُ وَقَدْ يَغْلِبُهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ فَيُؤَدِّي إِلَى انْتِشَارِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَتَنْجِيسُ مَكَانٍ وَاحِدٍ أَخَفُّ مِنْ تَنْجِيسِ أَمَاكِنَ، وَأَيْضًا قَدْ يَغْلِبُهُ فَيَخْرُجُ فِي ثِيَابِهِ فَيُؤَدِّي إِلَى تَنْجِيسِهَا وَتَنْجِيسِ بَدَنِهِ ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «دَعَوْهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» " (فَتَرَكُوهُ فَبَالَ) فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَيْ فِي قِطْعَةٍ مِنْ أَرْضِهِ، وَالطَّائِفَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ وَلِمُسْلِمٍ: نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ (ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لَمَّا قَضَى الْأَعْرَابِيُّ بَوْلَهُ (بِذَنُوبٍ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ الدَّلْوُ مَلْأَى مَاءً، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ، وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فِيهَا مَاءٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَلْءِ وَلَا يُقَالُ لَهَا وَهِيَ فَارِغَةٌ ذَنُوبٌ وَقَالَ (مِنْ مَاءٍ) مَعَ أَنَّ الذَّنُوبَ مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرَسِ الطَّوِيلِ وَغَيْرِهِمَا. (فَصَبَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ) زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ: " «ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» "، قَالَ الْحَافِظُ: وَظَاهِرُهُ الْحَصْرُ فِي الثَّلَاثَةِ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْحَصْرِ مِنْهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ فِعْلَ غَيْرِ الْمَذْكُورَاتِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنَ النَّجَاسَةِ كَانَ مُقَرَّرًا فِي نُفُوسِ الصَّحَابَةِ وَلِذَا بَادَرُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 بِالْإِنْكَارِ بِحُضُورِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ اسْتِئْذَانِهِ وَلِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَيْضًا مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَفِيهِ جَوَازُ التَّمَسُّكِ بِالْعُمُومِ حَتَّى يَظْهَرَ الْخُصُوصُ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالظَّاهِرُ تَحَتُّمُ التَّمَسُّكِ ثُمَّ احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ، وَلَا يَجِبُ التَّوَقُّفُ عَنِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ لِذَلِكَ لِأَنَّ عُلَمَاءَ الْأَمْصَارِ مَا بَرِحُوا يُفْتُونَ بِمَا بَلَغَهُمْ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنِ التَّخْصِيصِ وَبِهَذِهِ الْقِصَّةِ أَيْضًا، إِذْ لَمْ يُنْكِرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ لِمَ نَهَيْتُمُ الْأَعْرَابِيَّ بَلْ أَمَرَهُمْ بِالْكَفِّ عَنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ وَهِيَ دَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَيْسَرِهِمَا وَتَحْصِيلُ أَعْظَمِ الْمَصْلَحَيْنِ بِتَرْكِ أَيْسَرِهِمَا، وَفِيهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى إِزَالَةِ الْمَفَاسِدِ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ لِأَمْرِهِمْ عِنْدَ فَرَاغِهِ بِصَبِّ الْمَاءِ، وَتَعَيُّنُ الْمَاءِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، إِذْ لَوْ كَفَى الْجَفَافُ بِالرِّيحِ وَالشَّمْسِ لَمَا طَلَبَ الدَّلْوَ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَفْرُهَا مُطْلَقًا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَفْرِهَا إِذَا كَانَتْ صَلْبَةً وَإِلْقَاءِ التُّرَابِ ; لِأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَغْمُرْ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا بِخِلَافِ الرَّخْوَةِ الَّتِي يَغْمُرُهَا الْمَاءُ فَلَا حَفْرَ، وَفِيهِ رَأْفَةُ الْمُصْطَفَى وَحُسْنُ خُلُقِهِ وَتَعْظِيمُ الْمَسْجِدِ وَتَنْزِيهُهُ عَنِ الْأَقْذَارِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَبُولُ قَائِمًا قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ غَسْلِ الْفَرْجِ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ هَلْ جَاءَ فِيهِ أَثَرٌ فَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ مَنْ مَضَى كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْغَائِطِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَغْسِلَ الْفَرْجَ مِنْ الْبَوْلِ   145 - 142 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَبُولُ قَائِمًا) لِأَنَّ مَذْهَبَهُ جَوَازُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُوهُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ فِي مَكَانٍ لَا يَتَطَايَرُ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِلَّا كُرِهَ وَكَرِهَهُ تَنْزِيهًا عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ حُذَيْفَةَ: " «أَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا» " قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَصْلُحُ لِلْقُعُودِ فَقَامَ لِكَوْنِ الْمَكَانِ الَّذِي يَلِيهِ مِنَ السُّبَاطَةِ غَالِبًا فَأَمِنَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ بَوْلِهِ، وَقِيلَ لِأَنَّ السُّبَاطَةَ رَخْوَةٌ يَتَخَلَّلُهَا الْبَوْلُ فَلَا يَرْتَدُّ إِلَى الْبَائِلِ شَيْءٌ مِنْ بَوْلِهِ، وَقِيلَ إِنَّمَا بَالَ قَائِمًا لِأَنَّهَا حَالَةٌ يُؤْمَنُ مَعَهَا خُرُوجُ الرِّيحِ بِصَوْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَرِيبًا مِنَ الدِّيَارِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: الْبَوْلُ قَائِمًا أَحْصَنُ لِلدُّبُرِ، وَقِيلَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَشْفِي بِهِ لِوَجَعِ الصُّلْبِ فَلَعَلَّهُ كَانَ بِهِ. وَرَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «إِنَّمَا بَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمًا لِوَجَعٍ كَانَ فِي مَأْبِضِهِ» وَهُوَ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَمُعْجَمَةٍ بَاطِنُ الرُّكْبَةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِأَجْلِهِ مِنَ الْقُعُودِ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَأَغْنَى عَنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ لَكِنْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَكَانَ أَكْثَرُ أَحْوَالِهِ الْبَوْلَ قَاعِدًا، وَزَعَمَ أَبُو عَوَانَةَ وَابْنُ شَاهِينَ أَنَّ الْبَوْلَ عَنْ قِيَامٍ مَنْسُوخٌ وَاسْتَدَلَّا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: " «مَا بَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمًا بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ» " رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالْحَاكِمُ. وَبِحَدِيثِهَا: " «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّهُ الحديث: 145 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا» " وَالصَّوَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مُسْتَنِدٌ إِلَى عِلْمِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الْبُيُوتِ فَلَمْ تَطَّلِعْ هِيَ عَلَى بَوْلِهِ قَائِمًا، وَقَدْ حَفِظَهُ حُذَيْفَةُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ فَيَتَضَمَّنُ الرَّدَّ عَلَى مَا نَفَتْهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ بَالُوا قِيَامًا، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى الْجَوَازِ مِنْ غَيْرٍ كَرَاهَةٍ إِذَا أَمِنَ الرَّشَاشَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّهْيِ عَنْهُ شَيْءٌ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي. (قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ غَسْلِ الْفَرْجِ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ هَلْ جَاءَ فِيهِ أَثَرٌ؟ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ مَنْ مَضَى كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ) أَيْ يَغْسِلُونَ الدُّبُرَ (مِنَ الْغَائِطِ) قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: عَنَى بِهِ ابْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ يَعْنِي سَابِقًا أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمَاءِ لِمَا تَحْتَ إِزَارِهِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي قِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنَ الْغَائِطِ بِالْمَاءِ. (وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَغْسِلَ الْفَرْجَ مِنَ الْبَوْلِ) أَيْضًا وَإِنْ جَازَ بِالْحَجَرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 [بَاب مَا جَاءَ فِي السِّوَاكِ]   32 - بَابُ مَا جَاءَ فِي السِّوَاكِ بِكَسْرِ السِّينِ عَلَى الْأَفْصَحِ مُذَكَّرٌ وَقِيلَ مُؤَنَّثٌ وَأَنْكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ، مُشْتَقٌّ مِنْ سَاكَ إِذَا دَلَّكَ، أَوْ مِنْ جَاءَتِ الْإِبِلُ تَسَاوَكُ هُزَالًا أَيْ تَتَمَايَلُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَعَلَى الْآلَةِ وَتَجُوزُ إِرَادَتُهُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيِ اسْتِعْمَالُهُ، وَأَلْ فِيهِ لِتَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ لِلْعَهْدِ لِأَنَّ السِّوَاكَ كَانَ مَعْهُودًا لَهُمْ عَلَى هَيْئَاتٍ وَكَيْفِيَّاتٍ فَيُحْتَمَلُ الْعَوْدُ إِلَيْهَا وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ السَّبَّاقِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي جُمُعَةٍ مِنْ الْجُمَعِ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا فَاغْتَسِلُوا وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ»   146 - 143 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ بِلَا إِضَافَةٍ (ابْنِ السَّبَّاقِ) بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ الْمَدَنِيِّ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ وَأَشْرَافِهِمْ رَوَى لَهُ السِّتَّةُ، وَذُكِرَ فِي التَّقَصِّي أَنَّهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، وَفِي التَّقْرِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ ثَقَفِيٌّ وَهُوَ مُرْسَلٌ وَقَدْ وَصَلَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ عَنِ ابْنِ الحديث: 146 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي) يَوْمِ (جُمُعَةٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ لُغَةُ الْحِجَازِ وَفَتْحِهَا لُغَةُ تَمِيمٍ وَإِسْكَانِهَا لُغَةُ عُقَيْلٍ وَبِهَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ (مِنَ الْجُمَعِ) جَمْعُ جُمُعَةٍ وَتُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى جُمُعَاتٍ مِثْلَ غُرْفَةٍ وَغُرُفَاتٍ فِي وُجُوهِهَا، وَأَمَّا الْجُمْعَةُ بِسُكُونِ الْمِيمِ فَاسْمٌ لِأَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَأَوَّلُهَا السَّبْتُ وَأَوَّلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْأَحَدِ هَكَذَا عِنْدَ الْعَرَبِ قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. (يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَعْشَرُ الطَّائِفَةُ الَّذِينَ يَشْمَلُهُمْ وَصْفٌ، فَالشَّبَابُ مَعْشَرٌ وَالشُّيُوخُ مَعْشَرٌ وَالنِّسَاءُ مَعْشَرٌ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْشَرٌ وَمَا أَشْبَهَهُ. ( «إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا» ) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَاصَّةً جَزَمَ بِهِ أَبُو سَعِيدٍ فِي شَرَفِ الْمُصْطَفَى وَابْنُ سُرَاقَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْعَالَمَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَسَا كُلَّ يَوْمٍ مِنْهَا اسْمًا يَخُصُّهُ وَخَصَّ كُلَّ يَوْمٍ بِصِنْفٍ مِنَ الْخَلْقِ أَوْجَدَهُ فِيهِ وَجَعَلَ يَوْمَ كَمَالِ الْخَلْقِ مَجْمَعًا وَعِيدًا لِلْمُؤْمِنِينَ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ لِعِبَادَتِهِ وَذِكْرِهِ وَالتَّفَرُّغِ لِشُكْرِهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى خِدْمَتِهِ، وَذِكْرِ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا يَكُونُ مِنَ الْمَعَادِ. قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْعِيدُ مَا يُعَاوِدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَخَصَّهُ الشَّرْعُ بِيَوْمَيِ الْأَضْحَى وَالْفِطَرِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ مَجْعُولًا فِي الشَّرْعِ لِلسُّرُورِ اسْتُعْمِلَ الْعِيدُ فِي كُلِّ يَوْمِ مَسَرَّةٍ أَيًّا مَا كَانَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ يَوْمَ عِيدٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ بَرَّ بِفِعْلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، لَكِنْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي شَرْحِ الْأَحْكَامِ: الْعُرْفُ لَا يَقْتَضِيهِ. (فَاغْتَسِلُوا) اسْتِنَانًا مُؤَكَّدًا. ( «وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ» ) إِذْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ يُعْرَفُ خُرُوجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الصَّلَاةِ بِرَائِحَةِ الطِّيبِ إِذَا مَشَى، وَأَوْجَبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَعَلَّهُ إِيجَابُ سُنَّةٍ وَأَدَبٍ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ) أَيِ الْزَمُوهُ لِتَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِالسِّوَاكِ» ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» ، «وَكَانَ رُبَّمَا اسْتَاكَ فِي اللَّيْلَةِ مِرَارًا» ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ، وَأَنَّ ابْنَ مَاجَهْ وَصَلَهُ بِذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكِنْ عُورِضَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ» " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي فَكَيْفَ يَنْفِي دِرَايَتَهُ مَعَ رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ. . . إِلَخْ. وَصَالِحُ بْنُ الْأَخْضَرِ أَبِي الْأَخْضَرِ الَّذِي رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَوْصُولًا ضَعِيفٌ، وَقَدْ خَالَفَهُ مَالِكٌ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ مُرْسَلًا، قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ كَانَ صَالِحٌ حَفِظَ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرُهُ بَعْدَمَا نَسِيَهُ أَوْ عَكْسُ ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ»   147 - 144 (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ» ) أَيْ أُثْقِلَ، يُقَالُ: شَقَقْتُ عَلَيْهِ إِذَا أَدْخَلْتُ عَلَيْهِ الْمَشَقَّةَ أَشُقُّ شَقًّا بِالْفَتْحِ، (عَلَى أُمَّتِي) كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، وَرَوَاهُ أَكْثَرُ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَرَوَاهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» " أَوْ " عَلَى النَّاسِ " بِالشَّكِّ. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» " أَوْ " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى النَّاسِ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوطَآتِ مِنْ طَرِيقِ الْمُوَطَّأِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ: " أَوْ عَلَى النَّاسِ " فَلَمْ يُعِدْ قَوْلَهُ: " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ "، ( «لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» ) أَيْ بِاسْتِعْمَالِهِ لَا الْآلَةِ، زَادَ الْبُخَارِيُّ: مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلَمْ أَرَهَا أَيْضًا فِي شَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِ الْمُوَطَّأِ إِلَّا عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى لَكِنْ بِلَفْظِ: عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَكَذَا لِلنَّسَائِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَخَالَفَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ عَنِ الْأَعْرَجِ فَقَالَ: مَعَ الْوُضُوءِ بَدَلَ الصَّلَاةِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: " لَوْلَا " كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِثُبُوتِ غَيْرِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ " لَوِ " الدَّالَّةِ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ وَ " لَا " النَّافِيَةِ، فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَمْرِ لِثُبُوتِ الْمَشَقَّةِ ; لِأَنَّ انْتِفَاءَ النَّفْيِ ثُبُوتٌ فَيَكُونُ الْأَمْرُ مَنْفِيًّا لِثُبُوتِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَفَى الْأَمْرَ مَعَ ثُبُوتِ النَّدْبِيَّةِ وَلَوْ كَانَ لِلنَّدْبِ لَمَا جَازَ النَّفْيُ. ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ لِلْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا كَانَ لِلْوُجُوبِ إِذِ النَّدْبُ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ جَائِزُ التَّرْكِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْعَاءَ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ لَيْسَ بِأَمْرٍ حَقِيقَةً لِأَنَّ السِّوَاكَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ الشَّارِعُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ: لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ بَدَلَ لَأَمَرْتُهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُمْ بِهِ شَقَّ عَلَيْهِمْ أَوْ لَمْ يَشُقَّ، انْتَهَى. وَإِلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ صَارَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَلِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، لَكِنْ حَكَى أَبُو حَامِدٍ وَتَبِعَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ وَاجِبٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَمَنْ تَرَكَهُ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَعَنْ دَاوُدَ وَاجِبٌ لَكِنْ لَيْسَ شَرْطًا، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ بِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ، فَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: " «تَسَوَّكُوا» " وَلِأَحْمَدَ نَحْوَهُ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَالْمَنْفِيُّ فِي الحديث: 147 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 مَفْهُومِ حَدِيثِ الْبَابِ الْأَمْرُ بِهِ مُقَيَّدًا بِكُلِّ صَلَاةٍ لَا مُطْلَقُ الْأَمْرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمُقَيَّدِ نَفْيُ الْمُطْلَقِ وَلَا مِنْ ثُبُوتِ الْمُطْلَقِ التَّكْرَارُ كَمَا قَالَ مَنِ احْتَجَّ بِهِ، عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى كَوْنِ الْمَشَقَّةِ هِيَ الْمَانِعَةُ مِنَ الْأَمْرِ بِالسِّوَاكِ، وَلَا مَشَقَّةَ فِي وُجُوبِهِ مَرَّةً وَإِنَّمَا الْمَشَقَّةُ فِي وُجُوبِ التَّكْرَارِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَمْ يُؤْخَذْ هُنَا مِنْ مُجَرَّدِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا أُخِذَ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِكُلِّ صَلَاةٍ. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ فِيهِ: إِنَّ الْمَنْدُوبَاتِ تَرْتَفِعُ إِذَا خُشِيَ مِنْهَا الْحَرَجُ، وَفِيهِ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ نَصٌّ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَشَقَّةَ سَبَبًا لِعَدَمِ أَمْرِهِ فَلَوْ وَقَفَ الْحُكْمُ عَلَى النَّصِّ لَكَانَ سَبَبُ انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ عَدَمَ وُرُودِ النَّصِّ لَا وُجُودَ الْمَشَقَّةِ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِجَوَازِ أَنَّهُ إِخْبَارٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ سَبَبَ عَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ، فَيَكُونُ مَعْنَى لَأَمَرْتُهُمْ أَيْ عَنِ اللَّهِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ انْتَهَى. قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَفِي الْحَدِيثِ اخْتِصَارٌ مِنْ أَثْنَائِهِ وَآخِرِهِ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِسَنَدِهِ: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» "، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ لَأَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ   148 - 145 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ) وَفِي نُسْخَةٍ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ (عَلَى أُمَّتِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ مَصْدَرِيَّةٌ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا أَيْ لَوْلَا الْمَشَقَّةُ مَوْجُودَةٌ (لَأَمَرَهُمْ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نُسْخَةِ " يَشُقَّ " وَفِي نُسْخَةٍ لَأَمَرْتُهُمْ عَلَى نُسْخَةِ " أَشُقَّ " ( «بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» ) أَيْ مُصَاحِبًا لَهُ كَقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ: عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَأَمَرْتُهُمْ بِهِ كَمَا أَمَرْتُهُمْ بِالْوُضُوءِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ فِي الْمُسْنَدِ أَيِ الْمَرْفُوعِ لِاتِّصَالِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَلِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ قَالَ: وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ يَحْيَى وَأَبُو مُصْعَبٍ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ، وَرَوَاهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى وَأَيُّوبُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» "، انْتَهَى. وَكَذَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مُصَرِّحًا بِرَفْعِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا بِهَذَا اللَّفْظِ، الحديث: 148 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وَلِلْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمُ السِّوَاكَ مَعَ الْوُضُوءِ» " قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شُرُوطِهِمَا وَلَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ قُثَمَ بْنِ الْعَبَّاسِ أَوْ تَمَّامِ بْنِ الْعَبَّاسِ: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمُ السِّوَاكَ كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الْوُضُوءَ» "، وَرَوَى الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالْحَاكِمُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَرْفُوعًا: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمُ السِّوَاكَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الْوُضُوءَ» " وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: " «مَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ إِلَّا وَأَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي، وَلَوْلَا أَنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُهُ» " عَلَيْهِمْ وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ مُرْسَلِ مَكْحُولٍ: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ وَالطِّيبِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» " وَلِأَبِي نُعَيْمٍ عَنِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يَسْتَاكُوا بِالْأَسْحَارِ» "، وَتَمَسَّكَ بِعُمُومِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا مَنْ لَمْ يَكْرَهِ السِّوَاكَ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِدُخُولِ الصَّائِمِ فِيهَا وَغَيْرِهِ، شَهْرَ رَمَضَانَ وَغَيْرَهُ وَهُوَ جَلِيٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 [كِتَابُ الصَّلاةِ] [بَاب مَا جَاءَ فِي النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ] ِ بَاب مَا جَاءَ فِي النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ   3 - كِتَابُ الصَّلَاةِ 1 - مَا جَاءَ فِي النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ أَيِ الْأَذَانِ لَهَا. قَالَ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] (سُورَةُ الْجُمُعَةِ: الْآيَةُ 9) وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] (سُورَةُ: الْمَائِدَةِ الْآيَةُ 58) قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ التَّأْذِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَفِي الْآيَتَيْنِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الْأَذَانِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْجُمُعَةِ كَانَ بِهَا، وَذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ «أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا سَمِعُوا الْأَذَانَ قَالُوا: لَقَدْ بَدَعْتَ يَا مُحَمَّدُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ فِيمَا مَضَى فَنَزَلَ: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 58] الْآيَةَ» . وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ شُرِعَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ الثَّانِيَةِ. وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَذَانُ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] قَالَ مُغْلَطَايُ: أَيْ مَعَ فَرْضِ الْجُمُعَةِ. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: صَلَاةُ الْأَفْعَالِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ مَقَاصِدِ الْكَلَامِ، فَقُصِدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَى الصَّلَاةِ مَعْنَى الِانْتِهَاءِ. وَفِي قَوْلِهِ: {لِلصَّلَاةِ} [الجمعة: 9] مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى إِلَى أَوِ الْعَكْسُ، قَالَ: وَمِنْ أَغْرَبِ مَا وَقَعَ فِي بَدْءِ الْأَذَانِ مَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ بِسَنَدٍ مَجْهُولٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أُخِذَ الْأَذَانُ مِنْ أَذَانِ إِبْرَاهِيمَ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 27) الْآيَةَ، قَالَ: فَأَذَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجَاهِيلُ: «أَنَّ جِبْرِيلَ نَادَى بِالْأَذَانِ لِآدَمَ حِينَ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ» ، انْتَهَى. وَهُوَ كَالْإِقَامَةِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا يُشْكَلُ بِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَأَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَجَاهِيلُ «أَنَّ آدَمَ لَمَّا نَزَلَ بِالْهِنْدِ اسْتَوْحَشَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَنَادَى بِالْأَذَانِ» لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهُ لِلصَّلَاةِ هُوَ الْخُصُوصِيَّةُ عَلَى فَرْضِ صِحَّةِ الْمَرْوِيِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ خَشَبَتَيْنِ يُضْرَبُ بِهِمَا لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ فَأُرِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ خَشَبَتَيْنِ فِي النَّوْمِ فَقَالَ إِنَّ هَاتَيْنِ لَنَحْوٌ مِمَّا يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ أَلَا تُؤَذِّنُونَ لِلصَّلَاةِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَذَانِ»   149 - 146 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلًا (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ) لَمَّا الحديث: 149 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 كَثُرَ النَّاسُ (قَدْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ خَشَبَتَيْنِ) هُمَا النَّاقُوسُ وَهُوَ خَشَبَةٌ طَوِيلَةٌ تُضْرَبُ بِخَشَبَةٍ أَصْغَرَ مِنْهَا فَيَخْرُجُ مِنْهَا صَوْتٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (يُضْرَبُ بِهِمَا لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَتَّخِذُ نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ» ، الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَقَالَ أَنَسٌ: «لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِيهِ اخْتِصَارٌ، وَهُوَ فِي أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ: «اهْتَمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا قِيلَ لَهُ انْصِبْ رَايَةً فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، فَذُكِرَ لَهُ الْقُبْعُ أَيْ شَبُّورُ الْيَهُودِ فَقَالَ: " هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ "، فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ، فَقَالَ: " هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى " وَكَأَنَّهُ كَرِهَهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَمَرَ بِعَمَلِهِ» . فَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِيَجْتَمِعُوا لِلصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا» (فَأُرِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ) بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ أَبُو مُحَمَّدٍ (الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ) فَيُقَالُ لَهُ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ فِي الْأَذَانِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَأَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ مَا لَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ خَطَأٌ فَقَدْ جَاءَتْ عَنْهُ أَحَادِيثُ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ جَمَعْتُهَا فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ، وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ قَالَهُ وَلَدُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَقَلَهُ الْمَدَايْنِيُّ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ قُتِلَ بِأُحُدٍ فَالرِّوَايَاتُ عَنْهُ كُلُّهَا مُنْقَطِعَةٌ، وَخَالَفَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ (خَشَبَتَيْنِ فِي النَّوْمِ) مُتَعَلِّقٌ بِأُرِيَ (فَقَالَ: إِنَّ هَاتَيْنِ لَنَحْوٌ مِمَّا يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَنْ يَجْمَعَ بِهِ النَّاسَ لِلصَّلَاةِ (فَقِيلَ: أَلَا تُؤَذِّنُونَ لِلصَّلَاةِ) وَأَسْمَعَهُ الْأَذَانَ فَاسْتَيْقَظَ (فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ) فَقَالَ: إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ) كَذَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ مُرْسَلًا مُخْتَصَرًا كَمَا سَمِعَهُ مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَوَى قِصَّةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذِهِ فِي بَدْءِ الْأَذَانِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمَعَانٍ مُتَقَارِبَةٍ وَالْأَسَانِيدُ فِي ذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ وَهِيَ مِنْ وُجُوهٍ حِسَانٍ انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 وَصَحَّحَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي «لَمَّا أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ بِهِ لِلنَّاسِ لِيَجْتَمِعُوا لِلصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى قَالَ: تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَذَكَرَهُ مُرَبِّعَ التَّكْبِيرِ بِلَا تَرْجِيعٍ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ: تَقُولُ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَذَكَرَ الْإِقَامَةَ مُفْرَدَةً وَثَنَّى قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: " إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى مِنْكَ صَوْتًا " فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ قَالَ: فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أُرِيَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» " اهـ. لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ كَالشَّرْحِ لِمُرْسَلِ الْمُوَطَّأِ. وَنَقَلَ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ بِذَالٍ وَلَامٍ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ أَصَحُّ طُرُقِهِ، وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَلَهُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَالْمُرْسَلُ أَقْوَى إِسْنَادًا. وَلِأَحْمَدَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ وَلَوْ قُلْتُ إِنِّي لَمْ أَكُنْ نَائِمًا لَصَدَقْتُ، رَأَيْتُ شَخْصًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ» ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَتِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ «وَكَانَ عُمَرُ قَدْ رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَتَمَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخْبِرَنِي؟ فَقَالَ سَبَقَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فَاسْتَحَيْتُ» وَظَاهِرُهُ يُعَارِضُ مَا قَبْلَهُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ عَقِبَ إِخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بَلْ مُتَرَاخِيًا عَنْهُ، فَقَوْلُهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخْبِرَنِي أَيْ عَقِبَ إِخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ فَاعْتَذَرَ بِالِاسْتِحْيَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهُ عَلَى الْفَوْرِ انْتَهَى. بُعْدُهُ لَا يَخْفَى مَعَ قَوْلِهِ «فَسَمِعَ عُمَرُ فَخَرَجَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أُرِيَ» فَجَعَلَهُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ خَرَجَ أَيْ قَائِلًا فِي حَالِ خُرُوجِهِ لَكِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مَعَ صِحَّتِهِمَا. وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَيْضًا رَأَى الْأَذَانَ، وَذَكَرَ الْجِيلِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ رَآهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، فَقَالَ: لَمْ أَجِدْهُ بَعْدَ إِمْعَانِ الْبَحْثِ، ثُمَّ النَّوَوِيُّ فَقَالَ فِي تَنْقِيحِهِ: هَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَا مَعْرُوفٍ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ خُرُوجُ عُمَرَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَفِي سِيرَةِ مُغْلَطَايَ عَنْ بَعْضِ كُتُبِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ رَآهُ سَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَقِصَّةُ عُمَرَ جَاءَتْ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنْ كَثِيرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 فَسَمِعَهُ عُمَرُ وَبِلَالٌ فَسَبَقَ عُمَرُ بِلَالًا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَاءَ بِلَالٌ فَقَالَ لَهُ: " سَبَقَكَ بِهَا عُمَرُ» " قَالَ: وَقَدِ اسْتَشْكَلَ إِثْبَاتُ حُكْمِ الْأَذَانِ بِرُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ رُؤْيَا غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ مُقَارَنَةِ الْوَحْيِ لِذَلِكَ أَوْ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِمُقْتَضَى الرُّؤْيَا لِيَنْظُرَ أَيُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا، وَلَا سِيَّمَا لَمَّا رَأَى نَظْمَهَا يَبْعُدُ دُخُولُ الْوَسْوَاسِ فِيهِ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ اجْتِهَادِهِ فِي الْأَحْكَامِ وَهُوَ الْمَنْصُورُ فِي الْأُصُولِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ «أَنَّ عُمَرَ لَمَّا رَأَى الْأَذَانَ جَاءَ لِيُخْبِرَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ الْوَحْيَ قَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ فَمَا رَاعَهُ إِلَّا أَذَانُ بِلَالٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " سَبَقَكَ بِذَلِكَ الْوَحْيُ» "، وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا حَكَى الدَّاوُدِيُّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ «أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَعُمَرُ بِثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ» وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مِنْهَا لِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ الْأَذَانَ فَنَزَلَ بِهِ فَعَلَّمَهُ بِلَالًا» ، وَفِي إِسْنَادِهِ طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ حِينَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «لَمَّا أُسْرِيَ بِي أَذَّنَ جِبْرِيلُ فَظَنَّتِ الْمَلَائِكَةُ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ فَقَدَّمَنِي فَصَلَّيْتُ» " وَفِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ. وَلِلْبَزَّارِ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ: «لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِالْبُرَاقِ فَرَكِبَهَا» الْحَدِيثَ وَفِيهِ: «إِذْ خَرَجَ مَلَكٌ مِنَ الْحِجَابِ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَفِي آخِرِهِ فَأَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِهِ فَأَمَّ بِأَهْلِ السَّمَاءِ» . وَفِي إِسْنَادِهِ زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَبُو الْجَارُودِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ أَيْضًا، وَيُمْكِنُ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَعَدُّدِ الْإِسْرَاءِ فَيَكُونُ وَقَعَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ سَمِعَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّهِ فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلَهُ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ وَكَذَا قَوْلُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ: يُحْمَلُ الْأَذَانُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ عَلَى الْأَذَانِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْإِعْلَامُ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِتَصْرِيحِهِ بِصِفَتِهِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بِلَا أَذَانٍ مُنْذُ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ إِلَى أَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ وَقَعَ التَّشَاوُرُ فِي ذَلِكَ» عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، انْتَهَى. وَمِنَ الْوَاهِي أَيْضًا مَا لِابْنِ شَاهِينَ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْأَذَانَ رُؤْيَا رَآهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَفَزِعَ وَقَالَ: عَمَدْتُمْ إِلَى أَحْسَنِ دِينِكُمْ فَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ كَانَ رُؤْيَا هَذَا وَاللَّهِ الْبَاطِلُ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا عُرِجَ بِهِ انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ مِنَ السَّمَاءِ وَقَفَ وَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا مَا رَآهُ أَحَدٌ فِي السَّمَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَعَلَّمَهُ الْأَذَانَ» ، فَفِيهِ كَمَا رَأَيْتَ زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ مَتْرُوكٌ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ بِأَنَّ هَذَا بَاطِلٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ حَاوَلَ السُّهَيْلِيُّ الْجَمْعَ فَتَكَلَّفَ وَتَعَسَّفَ وَالْأَخْذُ بِمَا صَحَّ أَوْلَى، فَقَالَ بَانِيًا عَلَى صِحَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 الْحِكْمَةِ فِي مَجِيءِ الْأَذَانِ عَلَى لِسَانِ الصَّحَابِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَهُ فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ وَهُوَ أَقْوَى مِنَ الْوَحْيِ، فَلَمَّا تَأَخَّرَ الْأَمْرُ بِالْأَذَانِ عَنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَأَرَادَ إِعْلَامَهُمْ بِالْوَقْتِ رَأَى الصَّحَابِيُّ الْمَنَامَ فَقَصَّهُ فَوَافَقَ مَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَهُ فَقَالَ: " «إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ» "، وَعَلِمَ حِينَئِذٍ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ بِمَا أَرَاهُ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فِي الْأَرْضِ، وَتَقَوَّى ذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ عُمَرَ لِأَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطَبِقُ عَلَى لِسَانِهِ، وَالْحِكْمَةُ أَيْضًا فِي إِعْلَامِ النَّاسِ بِهِ عَلَى غَيْرِ لِسَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّنْوِيهُ بِقَدْرِهِ وَالرَّفْعُ لِذِكْرِهِ بِلِسَانِ غَيْرِهِ لِيَكُونَ أَقْوَى لِأَمْرِهِ وَأَفْخَرَ لِشَأْنِهِ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَالثَّانِي: حَسَنٌ بَدِيعٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ حَتَّى أُضِيفَ إِلَيْهِ عُمَرُ لِلتَّقْوِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى عُمَرَ لِيَصِيرَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ مَا ظَاهِرُهُ: أَنَّ بِلَالًا رَأَى أَيْضًا لَكِنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ فَإِنَّ لَفْظَهَا سَبَقَكَ بِهَا بِلَالٌ فَيُحْمَلُ عَلَى مُبَاشَرَةِ التَّأْذِينِ بِرُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَمِمَّا يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهُ هَلْ بَاشَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ بِنَفْسِهِ؟ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ فِي سَفَرٍ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُمْ عَلَى رَوَاحِلِهِمُ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ» ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: فَنَزَعَ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ رَوَى الْحَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ وَمَتْنِهِ وَقَالَ فِيهِ: فَأَمَرَ بِالْأَذَانِ فَقَامَ الْمُؤَذِّنُ فَأَذَّنَ، وَالْمُفَصَّلُ يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَلِ الْمُحْتَمَلِ، انْتَهَى. وَتَبِعَ هَذَا الْبَعْضَ النَّوَوِيُّ فَجَزَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ مَرَّةً فِي سَفَرِهِ وَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ وَقَوَّاهُ وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ فَقَالَ: وَلَكِنْ وَجَدْنَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، فَعَرَفَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ اخْتِصَارًا، وَأَنَّ مَعْنَى " أَذَّنَ " أَمَرَ بِلَالًا بِهِ، كَمَا يُقَالُ: أَعْطَى الْخَلِيفَةُ الْعَالِمَ الْفُلَانِيَّ أَلْفًا وَإِنَّمَا بَاشَرَ الْعَطَاءَ غَيْرُهُ وَنُسِبَ لِلْخَلِيفَةِ لِكَوْنِهِ أَمَرَ بِهِ، انْتَهَى. وَانْتَصَرَ بَعْضٌ لِلنَّوَوِيِّ تَبَعًا لِلْبَعْضِ بِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ لَوْ لَمْ يَحْتَمِلْ تَعَدُّدَ الْوَاقِعَةِ، أَمَّا إِذَا أَمْكَنَ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ إِبْقَاءً لِأَذَّنَ عَلَى حَقِيقَتِهِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يَجِبُ إِبْقَاءَ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا اخْتَلَفَ سَنَدُ الْحَدِيثِ، وَمَخْرَجُهُ أَمَّا مَعَ الِاتِّحَادِ فَلَا، وَيَجِبُ رُجُوعُ الْمُجْمَلِ إِلَى الْمُفَصَّلِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ الْأُصُولِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ: لَوْ لَمْ نَكْتُبِ الْحَدِيثَ مِنْ سِتِّينَ وَجْهًا مَا عَقَلْنَاهُ لِاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي أَلْفَاظِهِ وَنَحْوِهَا، نَعَمْ قَالَ السُّيُوطِيُّ: فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: قَدْ ظَفِرْتُ بِحَدِيثٍ آخَرَ مُرْسَلًا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: «أَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً فَقَالَ: " حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ» "، قَالَ: وَهَذِهِ رِوَايَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، انْتَهَى. فَهَذَا الَّذِي يَجْزِمُ فِيهِ بِالتَّعَدُّدِ لِاخْتِلَافِ سَنَدِهِ، وَانْظُرْ مَا أَحْسَنَ قَوْلَهُ آخَرَ لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ كَانَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ»   150 - 147 (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ وَزَايٍ (اللَّيْثِيِّ) الْمَدَنِيِّ نَزِيلُ الشَّامِ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ وَرِجَالِ الْجَمِيعِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَمِائَةٍ وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ، وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَيُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ (الْخُدْرِيِّ) لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ وَاسْتُصْغِرَ بِأُحُدٍ، ثُمَّ شَهِدَ مَا بَعْدَهَا رَوَى الْكَثِيرَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ. ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ» ) أَيِ الْأَذَانَ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ نِدَاءٌ إِلَى الصَّلَاةِ وَدُعَاءٌ إِلَيْهَا. ( «فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» ) ادَّعَى ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَّ قَوْلَهُ: الْمُؤَذِّنُ مُدْرَجٌ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ انْتَهَى بِقَوْلِهِ مَا يَقُولُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْإِدْرَاجَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَقَدِ اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُوَطَّأِ عَلَى إِثْبَاتِهَا، وَلَمْ يُصِبْ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ فِي حَذْفِهَا وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ الْإِجَابَةِ بِمَنْ سَمِعَ حَتَّى لَوْ رَأَى الْمُؤَذِّنَ عَلَى الْمَنَارَةِ مَثَلًا فِي الْوَقْتِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لَكِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانَهُ لِبُعْدٍ أَوْ صَمَمٍ لَا يُشْرَعُ لَهُ الْمُتَابَعَةُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقَالَ " مِثْلَ مَا يَقُولُ " وَلَمْ يَقُلْ " مِثْلَ مَا قَالَ " لِيُشْعِرَ بِأَنَّهُ يُجِيبُهُ بَعْدَ كُلِّ كَلِمَةٍ مِثْلِ كَلِمَتِهَا قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ، وَالصَّرِيحُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُمٍّ حَبِيبَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنِ حَتَّى يَسْكُتَ» . وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمَرِيُّ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ عَقِبَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ، لَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَضَمَّنَتْ إِجَابَةَ كُلِّ كَلِمَةٍ عَقِبَهَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمُسَاوَقَةُ يُشِيرُ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَقُولُ مِثْلَهُ فِي جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ، لَكِنَّ حَدِيثَ عُمَرَ أَيْضًا وَحَدِيثَ مُعَاوِيَةَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ دَلَّا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَحَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ فَيَقُولُ بَدَلَهُمَا لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ فَيَقُولُ تَارَةً كَذَا وَتَارَةً كَذَا. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ إِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَجَبَ إِعْمَالُهُمَا فَلِمَ لَا يُسْتَحَبُّ لِلسَّامِعِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَيْعَلَةِ وَالْحَوْقَلَةِ؟ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. وَأُجِيبَ عَنِ الْمَشْهُورِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّ الْأَذْكَارَ الزَّائِدَةَ عَلَى الْحَيْعَلَةِ يَشْتَرِكُ السَّامِعُ وَالْمُؤَذِّنُ فِي ثَوَابِهَا، وَأَمَّا الْحَيْعَلَةُ فَمَقْصُودُهَا الدُّعَاءُ إِلَى الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ مِنَ الْمُؤَذِّنِ، فَعُوِّضَ السَّامِعُ عَمَّا فَاتَهُ مِنْ ثَوَابِهَا بِثَوَابِ الْحَوْقَلَةِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يَحْصُلُ لِلْمُجِيبِ الثَّوَابُ لِامْتِثَالِهِ الْأَمْرَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَزْدَادَ اسْتِيقَاظًا وَإِسْرَاعًا إِلَى الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ إِذَا تَكَرَّرَ عَلَى سَمْعِهِ الدُّعَاءُ إِلَيْهَا مِنَ الْمُؤَذِّنِ وَمِنْ نَفْسِهِ. قِيلَ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ الحديث: 150 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 عَلَى أَنَّ لَفْظَ " مِثْلَ " لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْمُؤَذِّنِ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْمُمَاثِلَةَ وَقَعَتْ فِي الْقَوْلِ لَا فِي صِفَتِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ قَصْدُهُ الْإِعْلَامَ فَاحْتَاجَ لِرَفْعِ الصَّوْتِ، وَالسَّامِعُ مَقْصُودُهُ ذِكْرُ اللَّهِ فَيَكْفِي السِّرُّ أَوِ الْجَهْرُ لَا مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ، نَعَمْ لَا يَكْفِي إِجْرَاؤُهُ عَلَى خَاطِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ، وَفِيهِ جَوَازُ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ فِي الصَّلَاةِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَلِأَنَّ الْمُجِيبَ لَا يَقْصِدُ الْمُخَاطَبَةَ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ، حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْمٍ مِنَ السَّلَفِ وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَابْنُ وَهْبٍ، وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ مُؤَذِّنًا فَلَمَّا كَبَّرَ قَالَ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَلَمَّا تَشَهَّدَ قَالَ خَرَجَ مِنَ النَّارِ» ، فَلَمَّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ عُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مِثْلَ مَا قَالَ فَيَجُوزُ أَنَّهُ قَالَهُ وَلَمْ يَنْقُلْهُ الرَّاوِي اكْتِفَاءً بِالْعَادَةِ وَنَقَلَ الْقَوْلَ الزَّائِدَ، وَبِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ صُدُورِ الْأَمْرِ، وَأَنْ يَكُونَ لَمَّا أُمِرَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُدْخِلَ نَفْسَهُ فِي عُمُومِ مَنْ خُوطِبَ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَاخْتُلِفَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي إِسْنَادِهِ وَعَلَى مَالِكٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ اخْتِلَافٌ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ: حَدِيثُ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ أَصَحُّ. وَرَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ: إِنَّهُ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ آخَرُ دُونَ مَا ذُكِرَ لَا نُطِيلُ بِهِ انْتَهَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا»   151 - 148 - (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ، (مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السَّمَّانِ) لِأَنَّهُ كَانَ يَتَّجِرُ فِي السَّمْنِ وَالزَّيْتِ فَلِذَا قِيلَ لَهُ الزَّيَّاتُ أَيْضًا (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ» ) وَضَعَ الْمُضَارِعَ مَوْضِعَ الْمَاضِي لِيُفِيدَ اسْتِمْرَارَ الْعِلْمِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (مَا فِي النِّدَاءِ) أَيِ الْأَذَانِ وَهِيَ رِوَايَةُ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ السَّرَّاجِ (وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ) زَادَ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَطْلَقَ مَفْعُولَ يَعْلَمُ وَهُوَ مَا وَلَمْ يُبَيِّنِ الْفَضِيلَةَ مَا هِيَ لِيُفِيدَ ضَرْبًا مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصْفِ وَالْإِطْلَاقِ إِنَّمَا هُوَ فِي قَدْرِ الْفَضِيلَةِ، وَإِلَّا فَقَدَ مُيِّزَتْ فِي رِوَايَةٍ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: اخْتُلِفَ فِي الحديث: 151 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 الصَّفِّ الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ أَوِ الْمُبَكِّرُ السَّابِقُ إِلَى الْمَسْجِدِ؟ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ قَالَا: فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ حَائِلٌ كَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ الْمَقَاصِيرَ فَالصَّفُّ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَلِي الْمَقْصُورَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ مَنْ بَكَّرَ وَانْتَظَرَ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِمَّنْ تَأَخَّرَ وَصَلَّى فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَفِي هَذَا مَا يُوَضِّحُ مَعْنَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ وَرَدَ مِنْ أَجْلِ الْبُكُورِ إِلَيْهِ وَالتَّقَدُّمِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الْمُؤَخَّرِ» " (ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا) شَيْئًا مِنْ وُجُوهِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِأَنْ يَقَعَ التَّسَاوِي، أَمَّا فِي الْأَذَانِ فَبِأَنْ يَسَتَوُوا فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ وَحُسْنِ الصَّوْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا فِي الصَّفِّ فَبِأَنْ يُصَلُّوا دُفْعَةً وَاحِدَةً وَيَتَسَاوَوْا فِي الْفَضْلِ. (إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا) أَيْ يَقْتَرِعُوا (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَمْرَيْنِ لِيَشْمَلَ الْأَذَانَ وَالصَّفَّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَا عَلَى النِّدَاءِ وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ ; لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَنَازَعَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ: يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَبْقَى النِّدَاءُ ضَائِعًا لَا فَائِدَةَ لَهُ، قَالَ: وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68] (سُورَةُ الْفُرْقَانِ: الْآيَةُ 68) أَيْ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِمَا فَهَذَا مُفْصِحٌ بِالْمُرَادِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ. (لَاسْتَهَمُوا) اقْتَرَعُوا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] (سُورَةُ الصَّافَّاتِ: الْآيَةُ 141) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: قِيلَ لَهُ اسْتِهَامٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُبُونَ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى سِهَامٍ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ غَلَبَ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ لِمَنْ قَالَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مُؤَذِّنٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِصِحَّةِ اسْتِهَامِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ الِاسْتِهَامَ عَلَى الْأَذَانِ مُتَوَجِّهٌ مِنْ جِهَةِ التَّوْلِيَةِ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَزِيَّةِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِهَامِ هُنَا التَّرَامِي بِالسِّهَامِ وَأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُبَالِغَةِ وَاسْتَأْنَسَ بِحَدِيثِ: " «لَتَجَالَدُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ» " لَكِنَّ فَهْمَ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ اقْتَرَعُوا أَوْلَى لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَكَانَتْ قُرْعَةً. وَقَدْ رَوَى سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي كِتَابِ الْفُتُوحِ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ شَقِيقٍ وَهُوَ أَبُو وَائِلٍ قَالَ: افْتَتَحْنَا الْقَادِسِيَّةَ صَدْرَ النَّهَارِ فَتَرَاجَعْنَا وَقَدْ أُصِيبَ الْمُؤَذِّنُ فَتَشَاحَّ النَّاسُ فِي الْأَذَانِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَاخْتَصَمُوا إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَخَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ فَأَذَّنَ، وَالْقَادِسِيَّةُ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بِالْعِرَاقِ نُسِبَ إِلَى قَادِسٍ رَجُلٌ نَزَلَ بِهِ. وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ قَدَّسَ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَلِذَا صَارَ مَنْزِلًا لِلْحَاجِّ وَكَانَ بِهَا وَقْعَةٌ مَشْهُورَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ الْفُرْسِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَكَانَ سَعْدٌ يَوْمَئِذٍ الْأَمِيرَ عَلَى النَّاسِ. (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ) أَيِ التَّبْكِيرِ إِلَى الصَّلَوَاتِ أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: التَّهْجِيرُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ الْبِدَارُ إِلَى الصَّلَاةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَقَبْلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وَانْتِظَارُهَا قَالَ تَعَالَى {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 148) وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مُنْتَظِرُ الصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَهَا» " وَحَسْبُكَ بِهَذَا فَضْلًا. وَسَمَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «انْتِظَارَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ رِبَاطًا» ، «وَجَاءَ رِبَاطُ يَوْمٍ خَيْرٌ مِنْ صَوْمِ شَهْرٍ» انْتَهَى. وَحَمَلَهُ خَلِيلٌ وَالْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالُوا: الْمُرَادُ الْإِتْيَانُ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِأَنَّ التَّهْجِيرَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْهَاجِرَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ نِصْفَ النَّهَارِ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَشْرُوعِيَّةُ الْأَمْرِ بِالْإِبْرَادِ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الرِّفْقُ وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ قَائِلَتَهُ وَقَصَدَ إِلَى الْمَسْجِدِ لِيَنْتَظِرَ الصَّلَاةَ فَلَا يَخْفَى مَا لَهُ مِنَ الْفَضْلِ. (لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ) أَيِ التَّهْجِيرِ، قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: الْمُرَادُ الِاسْتِبَاقُ مَعْنًى لَا حِسًّا لِأَنَّ الْمُسَابَقَةَ عَلَى الْإِقْدَامِ حِسًّا تَقْتَضِي السُّرْعَةَ فِي الْمَشْيِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، انْتَهَى. ( «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ» ) أَيِ الْعِشَاءِ وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَتِهَا عَتَمَةَ فَهَذَا الْحَدِيثُ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ، وَأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ، أَوِ اسْتَعْمَلَ الْعَتَمَةَ هُنَا لِمَصْلَحَةٍ وَنَفْيِ مَفْسَدَةٍ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَعْمِلُ الْعِشَاءَ فِي الْمَغْرِبِ، فَلَوْ قَالَ مَا فِي الْعِشَاءِ لَحَمَلُوهَا عَلَى الْمَغْرِبِ فَفَسَدَ الْمَعْنَى وَفَاتَ الْمَطْلُوبُ فَاسْتَعْمَلَ الْعَتَمَةَ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا وَلَا يَشُكُّونَ فِيهَا وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى احْتِمَالِ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَعْظَمِهِمَا، قَالَهُ النَّوَوِيُّ (وَالصُّبْحِ) أَيْ ثَوَابَ صَلَاتِهِمَا فِي جَمَاعَةٍ (لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مَشْيًا عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ أَوْ عَلَى مَقْعَدَتِهِ. وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: " «وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الْمَرَافِقِ وَالرُّكَبِ» " قَالَ الْبَاجِيُّ: خَصَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّعْيَ إِلَيْهِمَا أَشَقُّ مِنْ غَيْرِهِمَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْقِيصِ أَوَّلِ النَّوْمِ وَآخِرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْآثَارُ فِيهِمَا كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ» " وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: اسْمَعُوا وَبَلِّغُوا، حَافِظُوا عَلَى هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ يَعْنِي فِي جَمَاعَةٍ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى مَرَافِقِكُمْ وَرُكَبِكُمْ. وَكَذَلِكَ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا: " «شُهُودُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَشُهُودُ صَلَاةِ الصُّبْحِ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ» " وَقَالَ عُمَرُ وَالْحَسَنُ: لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحْيِيَ مَا بَيْنَهُمَا. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كُنَّا: إِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ وَإِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ»   152 - 149 - (مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ) الْمَدَنِيِّ (عَنْ أَبِيهِ) وَهُوَ تَابِعِيٌّ الحديث: 152 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 كَابْنِهِ. (وَإِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَحَدِ شُيُوخِ مَالِكٍ رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ (أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ) أَيِ الْعَلَاءَ (أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ» ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَشَدِّ الْوَاوِ وَمُوَحَّدَةٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ أُقِيمَ وَأَصَلُ ثَابَ رَجَعَ، يُقَالُ: ثَابَ إِلَى الْمَرِيضِ جِسْمُهُ فَكَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ رَجَعَ إِلَى ضَرْبٍ مِنَ الْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ التَّثْوِيبَ هُنَا الْإِقَامَةُ، انْتَهَى. وَهِيَ رِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَيْضًا: إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا: إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ: إِنَّهُ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ الْمُسْرِعَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يَتَرَجَّى إِدْرَاكَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَنَحْوِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ نُهِيَ عَنِ الْإِسْرَاعِ، فَغَيْرُهُ مِمَّنْ جَاءَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِسْرَاعِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ إِدْرَاكُ الصَّلَاةِ كُلِّهَا فَيُنْهَى مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَلَحَظَ فِيهِ بَعْضُهُمْ مَعْنًى آخَرَ فَقَالَ: حِكْمَةُ التَّقْيِيدِ بِالْإِقَامَةِ أَنَّ الْمُسْرِعَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يَصِلُ إِلَيْهَا وَقَدْ تَعِبَ فَيَقْرَأُ وَهُوَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ تَمَامُ الْخُشُوعِ فِي التَّرْتِيلِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا تُقَامُ الصَّلَاةُ حَتَّى يَسْتَرِيحَ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْإِسْرَاعُ لِمَنْ جَاءَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ قَوْلِهِ إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالْإِقَامَةِ لِأَنَّهَا الْحَامِلَةُ غَالِبًا عَلَى الْإِسْرَاعِ، انْتَهَى. ( «فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ» ) تَمْشُونَ بِسُرْعَةٍ وَتُطْلَقُ عَلَى الْعَمَلِ نَحْوَ: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الإسراء: 19] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 19) {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4] (سُورَةُ اللَّيْلِ: الْآيَةُ 4) وَعَلَيْهِ حُمِلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (سُورَةُ الْجُمُعَةِ: الْآيَةُ 9) كَقَوْلِهِ {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] (سُورَةُ النَّجْمِ: الْآيَةُ 39) أَوِ الْمُرَادُ الذَّهَابُ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِسْرَاعُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: (وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي النَّهْيِ مِنْ لَا تَسْعَوْا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْوَقَارِ وَالْأَدَبِ، وَعَقَّبَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْأَدَبِ بِقَوْلِهِ: ( «وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ» ) ضَبَطَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَالنَّوَوِيُّ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، زَادَ غَيْرُهُ: أَوِ السَّكِينَةُ مُبْتَدَأٌ وَعَلَيْكُمْ خَبَرُهُ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الرِّوَايَةِ الرَّفْعُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَافِظِ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ لِلْبُخَارِيِّ بِالسَّكِينَةِ بِالْبَاءِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِثُبُوتِ زِيَادَتِهَا فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ كَحَدِيثِ: " «عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ» " وَحَدِيثِ: " «فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» " وَحَدِيثِ: " «عَلَيْكَ بِالْمَرْأَةِ» " قَالَهُ لِأَبِي طَلْحَةَ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ. وَحَدِيثِ: " «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ» "، وَحَدِيثِ " «عَلَيْكَ بِخُوَيِّصَةِ نَفْسِكَ» " وَغَيْرِ ذَلِكَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 تَعْلِيلُ هَذَا الْمُعْتَرِضِ لَا يُوفِي بِمَقْصُودِهِ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَدِّيهِ بِنَفْسِهِ امْتِنَاعُ تَعَدِّيهِ بِالْبَاءِ، إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ لُغَتَيْنِ زَادَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " وَالْوَقَارُ "، قَالَ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ: هُوَ بِمَعْنَى السَّكِينَةِ وَذُكِرَ لِلتَّأْكِيدِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، وَأَنَّ السَّكِينَةَ التَّأَنِّي فِي الْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابُ الْعَبَثِ وَالْوَقَارُ فِي الْهَيْئَةِ كَغَضِّ الْبَصَرِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ، وَقَدْ مَنَعَ الرَّضِيُّ الِاعْتِرَاضَ بِأَنَّ أَسْمَاءَ الْأَفْعَالِ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا فِي التَّعَدِّي وَاللُّزُومِ حُكْمَ الْأَفْعَالِ الَّتِي بِمَعْنَاهَا لَكِنَّ كَثِيرًا مَا تُزَادُ الْبَاءُ فِي مَفْعُولِهَا لِضَعْفِهَا فِي الْعَمَلِ. (فَمَا أَدْرَكْتُمْ) الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا فَعَلْتُمْ مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنَ السَّكِينَةِ فَمَا أَدْرَكْتُمْ (فَصَلُّوا) مَعَ الْإِمَامِ (وَمَا فَاتَكُمْ) مَعَهُ (فَأَتِمُّوا) أَيْ أَكْمِلُوا، وَفِي رِوَايَةٍ: فَاقْضُوا، وَالْأُولَى أَكْثَرُ رِوَايَةً، وَأَعْمَلَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِهِ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ: يُقْضَى الْقَوْلُ وَيُبْنَى الْفِعْلُ، وَعَنْهُ بَانِيًا فِيهِمَا عَمَلًا بِرِوَايَةِ " فَأَتِمُّوا " وَعَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ حَمْلًا لِرِوَايَةِ فَاقْضُوا عَلَى مَعْنَى الْأَدَاءِ وَالْفَرَاغِ فَلَا يُغَايِرُ قَوْلَهُ فَأَتِمُّوا لِأَنَّهُ إِذَا اتَّحَدَ مَخْرَجُ الْحَدِيثِ وَاخْتُلِفَ فِي لَفْظَةٍ مِنْهُ وَأَمْكَنَ رَدُّ الِاخْتِلَافِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ كَانَ أَوْلَى وَهُنَا كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْفَائِتِ غَالِبًا لَكِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْأَدَاءِ أَيْضًا وَيَرِدُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: 10] (سُورَةُ الْجُمُعَةِ: الْآيَةُ 10) وَعَنْهُ يَكُونُ قَاضِيًا فِيهِمَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ بَعْضِ الصَّلَاةِ فَصَرَّحَ بِالنَّهْيِ، وَإِنْ فَاتَ مِنَ الصَّلَاةِ مَا فَاتَ وَبَيَّنَ مَا يَفْعَلُ فِيمَا فَاتَ بِقَوْلِهِ فَمَا. . . إِلَخْ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْوَاجِبُ أَيِ الْمَطْلُوبُ إِتْيَانُ الصَّلَاةِ بِالسَّكِينَةِ وَلَوْ خَافَ فَوَاتَهَا لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ وَهُوَ الْحُجَّةُ خِلَافًا لِمَنْ جَوَّزَ السَّعْيَ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ، وَقَدْ أَكَدَّ ذَلِكَ بِبَيَانِ الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ ( «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ» ) مُدَّةَ كَوْنِهِ (يَعْمِدُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ يَقْصِدُ (إِلَى الصَّلَاةِ) أَيْ إِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي، فَيَنْبَغِي لَهُ اعْتِمَادُ مَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي اعْتِمَادُهُ وَاجْتِنَابُ مَا يَنْبَغِي لَهُ اجْتِنَابُهُ، وَنَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْرِكْ مِنَ الصَّلَاةِ شَيْئًا لَكَانَ مُحَصِّلًا لِمَقْصُودِهِ لِكَوْنِهِ فِي صَلَاةٍ، وَعَدَمُ الْإِسْرَاعِ أَيْضًا يَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ الْخَطَأِ وَهُوَ مَعْنًى مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ، وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْهَا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ مَنَازِلِهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَرِهَ أَنْ يُعْرُوا مَنَازِلَهُمْ فَقَالَ: " يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ؟ " فَأَقَامُوا» . وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ فَقَالُوا: «مَا يَسُرُّنَا إِذَا كُنَّا تَحَوَّلْنَا» ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى حُصُولِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ بِإِدْرَاكِ أَيِّ جُزْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ: " «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا» " وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَقِيلَ إِنَّمَا يُدْرَكُ فَضْلَهَا بِرَكْعَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ: " «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» " وَقِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 طَلَبِ الدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ فِي أَيِّ حَالَةٍ وُجِدَ عَلَيْهَا، وَأَصْرَحَ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ وَجَدَنِي قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَلْيَكُنْ مَعِي عَلَى حَالَتِي الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا» "، وَاسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ لِلْأَمْرِ بِإِتْمَامِ مَا فَاتَهُ، وَقَدْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَالْقِرَاءَةُ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَمَاعَةٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَقَوَّاهُ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ لَمَّا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» " وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الْعَلَاءِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: " «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» " وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ وَأَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ. وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ بِلَفْظِ: " «إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» " وَالْبَاقِي نَحْوَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ «إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»   153 - 150 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ) بِمُهْمَلَاتٍ مَفْتُوحَاتٍ إِلَّا الْعَيْنَ الْأَوْلَى فَسَاكِنَةٌ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ (الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ) بِالزَّايِ وَالنُّونِ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ مِنَ الثِّقَاتِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ (عَنْ أَبِيهِ) عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، زَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي سَعِيدٍ وَكَانَتْ أُمُّهُ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَمَاتَ أَبُو صَعْصَعَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَحَابِيٌّ. (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ) سَعْدَ بْنَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الصَّحَابِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ (الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ) أَيْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: (إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ) أَيْ لِأَجْلِ الْغَنَمِ لِأَنَّ مُحِبَّهَا يَحْتَاجُ إِلَى إِصْلَاحِهَا بِالْمَرْعَى وَهُوَ الْغَالِبُ يَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ وَهِيَ الصَّحْرَاءُ الَّتِي لَا عِمَارَةَ فِيهَا. (فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ) يُحْتَمَلُ أَنَّ " أَوْ " شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَأَنَّهَا لِلتَّنْوِيعِ لِأَنَّ الْغَنَمُ قَدْ لَا تَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ حَيْثُ لَا غَنَمَ، قَالَهُ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ. (فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ) أَيْ أَعْلَمْتَ بِوَقْتِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لِلصَّلَاةِ بِاللَّامِ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لِأَجْلِهَا. ( «فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ» ) أَيِ الْأَذَانِ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ أَذَانَ مُرِيدِ الصَّلَاةِ كَانَ مُقَرَّرًا عِنْدَهُمْ الحديث: 153 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْأَمْرِ بِالرَّفْعِ دُونَ أَصْلِ التَّأْذِينِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ أَذَانِ الْمُنْفَرِدِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إِنْ سَافَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ حَقُّ الْوَقْتِ وَلَوْ لَمْ يَرْجُ حُضُورَ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ ; لِأَنَّهُ إِنْ فَاتَهُ دُعَاءُ الْمُصَلِّينَ لَمْ تَفُتْهُ شَهَادَةُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لِاسْتِدْعَاءِ الْجَمَاعَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ مَنْ يَرْجُو جَمَاعَةً فَيُسْتَحَبُّ وَمَنْ لَا فَلَا. (فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْقَصْرِ، أَيْ: غَايَةَ (صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: غَايَةَ الصَّوْتِ يَكُونُ لِلْمُصْغِي أَخْفَى مِنِ ابْتِدَائِهِ فَإِذَا شَهِدَ لَهُ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ وَوَصَلَ إِلَيْهِ مُنْتَهَى صَوْتِهِ، فَلِأَنْ يَشْهَدَ لَهُ مَنْ دَنَا مِنْهُ وَسَمِعَ مَبَادِي صَوْتِهِ أَوْلَى (جِنٌّ) ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يُرِيدَ مُؤْمِنِي الْجِنِّ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَشْهَدُونَ لِلْمُؤَذِّنِ بَلْ يَفِرُّونَ وَيَنْفِرُونَ مِنَ الْأَذَانِ. (وَلَا إِنْسٌ) قِيلَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ فَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا شَهَادَةَ لَهُ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا لَا يُسَلِّمُ لِقَائِلِهِ لِمَا جَاءَ فِي الْآثَارِ مِنْ خِلَافِهِ. (وَلَا شَيْءٌ) ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ فَهُوَ مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنُ خُزَيْمَةِ «لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ شَجَرٌ وَلَا مَدَرٌ وَلَا حَجَرٌ وَلَا جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ» ، وَلَهُ وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَحْيَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: " «الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ» "، وَنَحْوَهُ لِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَدَى الشَّيْءِ غَايَتُهُ أَيْ أَنَّهُ يَسْتَكْمِلُ الْمَغْفِرَةَ إِذَا اسْتَوْفَى وُسْعَهُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ فَيَبْلُغُ الْغَايَةَ مِنَ الْمَغْفِرَةِ إِذَا بَلَغَ الْغَايَةَ مِنَ الصَّوْتِ أَوْ أَنَّهُ كَلَامُ تَمْثِيلٍ وَتَشْبِيهٍ يُرِيدُ أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ الصَّوْتُ لَوْ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَقْصَاهُ وَبَيْنَ مَقَامِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ذُنُوبٌ تَمْلَأُ تِلْكَ الْمَسَافَةَ غَفَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَاسْتَشْهَدَ الْمُنْذِرِيُّ لِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ بِرِوَايَةِ: «يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ» بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ بِقَدْرِ مَدِّ صَوْتِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَا شَيْءٌ "، وَتَكَلَّمَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ، فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُرَادُ بِالشَّيْءِ الْمَلَائِكَةُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْجِنِّ لِأَنَّهُمْ يَسْتَخْفُونَ عَنِ الْأَبْصَارِ. وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَادُ كُلُّ مَا يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ مِنَ الْحَيَوَانِ حَتَّى مَا لَا يَعْقِلُ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يَسْمَعَ صَوْتَهُ دُونَ الْجَمَادَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا. قَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: تَقَرَّرَ فِي الْعَادَةِ أَنَّ السَّمَاعَ وَالشَّهَادَةَ وَالتَّسْبِيحَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ حَيٍّ، فَهَلْ ذَلِكَ حِكَايَةٌ عَلَى لِسَانِ الْحَالِ، لِأَنَّ الْمَوْجُودَاتِ نَاطِقَةٌ بِلِسَانِ حَالِهَا بِجَلَالِ بَارِئِهَا، أَوْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ؟ وَلَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهَا الْحَيَاةَ وَالْكَلَامَ، وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي قَوْلِ النَّارِ: أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ» "، وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا " وَلَا شَيْءٌ " نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 44) وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ الْآيَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَمَا عَرَفْتُ وَجْهَ هَذَا التَّعَقُّبِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الِاحْتِمَالِ وَنَقْلِ الِاخْتِلَافِ إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْآيَةَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي كَوْنِهَا عَلَى عُمُومِهَا وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي تَسْبِيحِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ هَلْ هُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوِ الْمَجَازِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ (إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ السَّرَفِيُّ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ مَعَ أَنَّهَا تَقَعُ عِنْدَ عَالَمِ الْغَيْبِ، وَالشَّهَادَةِ أَنَّ أَحْكَامَ الْآخِرَةِ جَرَتْ عَلَى أَحْكَامِ نَعْتِ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا مِنْ تَوْجِيهِ الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ وَالشَّهَادَةِ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ إِشْهَارُ الْمَشْهُودِ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْفَضْلِ وَعُلُوِّ الدَّرَجَةِ، وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ يَفْضَحُ بِالشَّهَادَةِ قَوْمًا فَكَذَلِكَ يُكْرِمُ بِالشَّهَادَةِ آخَرِينَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: فَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ يُشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ أَعْظَمَ أَجْرًا فِي الْآخِرَةِ مِمَّنْ أَذَّنَ فَلَمْ يَسْمَعْهُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ. (قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ هَذَا الْكَلَامَ الْأَخِيرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ. . . إِلَخْ. فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «إِذَا كُنْتَ فِي الْبَوَادِي فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " لَا يَسْمَعُ» " فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا أَذَّنْتَ فَارْفَعْ صَوْتَكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ» فَذَكَرَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ الْغَنَمِ وَالْبَادِيَةِ مَوْقُوفٌ خِلَافًا لِإِيرَادِ الرَّافِعِيِّ الْحَدِيثَ فِي الشَّرْحِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ: " إِنَّكَ رَجُلٌ تُحِبُّ الْغَنَمَ. . . "، وَسَاقَهُ إِلَى آخِرِهِ، وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمْ وَتَعَقَّبَهُمُ النَّوَوِيُّ، وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ قَوْلَهُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَائِدٌ إِلَى كُلِّ مَا ذَكَرَ وَلَا يَخْفَى بُعْدَهُ، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ بَلْ تَمْنَعُهُ رِوَايَتَا ابْنِ عُيَيْنَةَ وَالْقِطَّانِ، وَقَدْ خَالَفَ الرَّافِعِيُّ نَفْسَهُ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ: قَوْلُهُ سَمِعْتُهُ يَعْنِي قَوْلَهُ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ إِلَخْ. انْتَهَى وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ لِيَكْثُرَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَا لَمْ يُجْهِدْهُ أَوْ يَتَأَذَّى بِهِ، وَفِيهِ أَنَّ حُبَّ الْغَنَمِ وَالْبَادِيَةِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ نُزُولِ الْفِتْنَةِ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَفِيهِ جَوَازُ التَّبَدِّي وَمُسَاكَنَةِ الْأَعْرَابِ وَمُشَارَكَتِهِمْ فِي الْأَسْبَابِ بِشَرْطِ حَظٍّ مِنَ الْعِلْمِ وَأَمْنِ غَلَبَةِ الْجَفَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ إِبَاحَةُ لُزُومِ الْبَادِيَةِ، وَلَكِنْ فِي الْبُعْدِ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ مَا فِيهِ مِنَ الْبُعْدِ عَنِ الْفَضَائِلِ، إِلَّا أَنَّ الزَّمَانَ إِذَا كَثُرَ فِيهِ الشَّرُّ وَتَعَذَّرَتْ فِيهِ السَّلَامَةُ طَابَتِ الْعُزْلَةُ وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ خَلِيطِ السُّوءِ، وَالْجَلِيسُ الصَّالِحُ خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاضِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ» " وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ مُسْلِمٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ النِّدَاءَ فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى»   154 - 151 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحديث: 154 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 هُرْمُزَ، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ» ) أَيْ لِأَجْلِهَا وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ بِالصَّلَاةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُمَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ (أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ) إِبْلِيسُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنَ الشُّرَّاحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الشَّيْطَانِ وَهُوَ كُلُّ مُتَمَرِّدٍ مِنَ الْجِنِّ أَوِ الْإِنْسِ لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا شَيْطَانُ الْجِنِّ خَاصَّةً، (لَهُ ضُرَاطٌ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ وَقَعَتْ حَالًا بِدُونِ وَاوٍ لِحُصُولِ الِارْتِبَاطِ بِالضَّمِيرِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَلَهُ بِالْوَاوِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ; لِأَنَّهُ جِسْمٌ مُتَغَذٍّ يَصِحُّ مِنْهُ خُرُوجُ الرِّيحِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ نِفَارِهِ، وَيُقَرِّبُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ لَهُ حُصَاصٌ بِمُهْمَلَاتٍ مَضْمُومُ الْأَوَّلِ، وَفَسَّرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِشِدَّةِ الْعَدْوِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: شَبَّهَ شُغْلَ الشَّيْطَانِ نَفْسَهُ عَنْ سَمَاعِ الْأَذَانِ بِالصَّوْتِ الَّذِي يَمْلَأُ السَّمْعَ وَيَمْنَعُهُ عَنْ سَمَاعِ غَيْرِهِ ثُمَّ سَمَّاهُ ضُرَاطًا. (حَتَّى لَا يَسْمَعَ النِّدَاءَ) أَيِ التَّأْذِينَ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ التِّنِّيسِيِّ لِلْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَقَالَ الْحَافِظُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ إِخْرَاجَ ذَلِكَ إِمَّا لِيَشْتَغِلَ بِسَمَاعِ الصَّوْتِ الَّذِي يُخْرِجُهُ عَنْ سَمَاعِ الْمُؤَذِّنِ أَوْ يَصْنَعُ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا كَمَا تَفْعَلُهُ السُّفَهَاءُ أَوْ لِيُقَابِلَ مَا يُنَاسِبُ الصَّلَاةَ مِنَ الطَّهَارَةِ بِالْحَدَثِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ بَلْ يَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ شِدَّةُ خَوْفٍ يُحْدِثُ لَهُ ذَلِكَ الصَّوْتُ بِسَبَبِهَا، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ ; لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَبْعُدُ إِلَى غَايَةٍ يَنْتَفِي فِيهَا سَمَاعُهُ لِلصَّوْتِ وَقَدْ بُيِّنَتِ الْغَايَةُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فَقَالَ: حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ الرَّوْحَاءِ، قَالَ سُلَيْمَانُ: يَعْنِي الْأَعْمَشَ فَسَأَلْتُهُ أَيْ أَبَا سُفْيَانَ رِوَايَةً عَنْ جَابِرٍ عَنِ الرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: هِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ مِيلًا، وَقَدْ أَدْرَجَ هَذَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ حَتَّى يَكُونَ بِالرَّوْحَاءِ وَهِيَ سِتَّةٌ. . . إِلَخْ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. (فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ) بِضَمِّ الْقَافِ، أَيْ: فَرَغَ وَانْتَهَى مِنْهُ، وَيُرْوَى بِفَتْحِ الْقَافِ عَلَى حَذْفِ الْفَاعِلِ وَالْمُرَادُ الْمُنَادِي، أَيْ: إِذَا قَضَى الْمُنَادِي النِّدَاءَ (أَقْبَلَ) ، زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَوَسْوَسَ (حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَشَدِّ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ، قِيلَ مِنْ ثَابَ إِذَا رَجَعَ، وَقِيلَ مِنْ " ثَوْبٍ " إِذَا أَشَارَ بِثَوْبِهِ عِنْدَ الْفَزَعِ لِإِعْلَامِ غَيْرِهِ، قَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ هُنَا الْإِقَامَةُ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو عَوَانَةَ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، أَيْ: أُقِيمَتْ وَأَصْلُهُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مَا يُشْبِهُ الْأَذَانَ، وَكُلُّ مُرَدِّدِ صَوْتٍ فَهُوَ مُثَوِّبٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَإِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ ذَهَبَ» "، وَزَعَمَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّثْوِيبِ قَوْلُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزَعَمَ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ، لَكِنْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ التَّثْوِيبَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ سَلَفًا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ الْقَوْلَ الْخَاصَّ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا تَعْرِفُ الْعَامَّةُ التَّثْوِيبَ إِلَّا قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْإِقَامَةُ. ( «حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ» ) بِالرَّفْعِ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَالنَّصْبِ مَفْعُولٌ، (أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الطَّاءِ كَمَا ضَبَطَهُ عِيَاضٌ عَنِ الْمُتْقِنِينَ، وَقَالَ: إِنَّهُ الْوَجْهُ وَمَعْنَاهُ يُوَسْوِسُ، وَأَصْلُهُ مِنْ خَطَرَ الْبَعِيرُ بِذَنَبِهِ إِذَا حَرَّكَهُ فَضَرَبَ بِهِ فَخِذَيْهِ قَالَ: وَسَمِعْنَاهُ مِنْ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِضَمِّ الطَّاءِ، وَمَعْنَاهُ الْمُرُورُ أَيْ يَدْنُو مِنْهُ فَيَمُرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ فَيُشْغِلُهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ، وَبِهَذَا فَسَّرَهُ الشَّارِحُونَ لِلْمُوَطَّأِ، وَبِالْأَوَّلِ فَسَرَّهُ الْخَلِيلُ، وَضَعَّفَ الْهَجَرِيُّ فِي نَوَادِرِهِ الضَّمَّ وَقَالَ: هُوَ يَخْطِرُ بِالْكَسْرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. (بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ) أَيْ قَلْبِهِ وَكَذَا هُوَ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُهُ مِنْ إِقْبَالِهِ عَلَى صَلَاتِهِ وَإِخْلَاصِهِ فِيهَا، (يَقُولُ) الشَّيْطَانُ (اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَاذْكُرْ كَذَا لِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا فِي صَلَاةِ السَّهْوِ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا. (لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ) أَيْ لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى ذِكْرِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: لِمَا لَمْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ، وَلَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ عَنِ الْأَعْرَجِ: فَهَنَّاهُ وَمَنَّاهُ، وَذَكَّرَهُ مِنْ حَاجَاتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، وَمِنْ ثَمَّ اسْتَنْبَطَ أَبُو حَنِيفَةَ الَّذِي شَكَى إِلَيْهِ أَنَّهُ دَفَنَ مَالًا ثُمَّ لَمْ يَهْتَدِ لِمَكَانِهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَحْرِصَ عَلَى أَنْ لَا يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَفَعَلَ فَذَكَرَ مَكَانَ الْمَالِ فِي الْحَالِ، قِيلَ: خَصَّهُ بِمَا يَعْلَمُ دُونَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ; لِأَنَّهُ يَمِيلُ لِمَا يَعْلَمُ أَكْثَرَ لِتَحَقُّقِ وَجُودِهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَيُذَكِّرُهُ لِمَا سَبَقَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ لِيَشْغَلَ بَالَهُ بِهِ، وَلِمَا لَمْ يَكُنْ سَبَقَ لَهُ لِيُوقِعَهُ فِي الْفِكْرَةِ فِيهِ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا أَوْ فِي أُمُورِ الدِّينِ كَالْعِلْمِ، لَكِنْ هَلْ يَشْمَلُ ذَلِكَ التَّفَكُّرَ فِي مَعَانِي الْآيَاتِ الَّتِي يَتْلُوهَا؟ لَا يَبْعُدُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ غَرَضَهُ نَقْصُ خُشُوعِهِ وَإِخْلَاصِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ. (حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ) بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ، وَمَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ اتِّصَافُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِالْخَبَرِ نَهَارًا، لَكِنَّهَا هُنَا بِمَعْنَى يَصِيرُ أَوْ يَبْقَى، وَفِي رِوَايَةٍ بِالضَّادِ السَّاقِطَةِ مَكْسُورَةً أَيْ يَنْسَى وَمِنْهُ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا أَوْ يُخْطِئَ، وَمِنْهُ: {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52] (سُورَةُ طه: الْآيَةُ 52) وَمَفْتُوحَةً أَيْ يَتَحَيَّرُ مِنَ الضَّلَالِ وَهُوَ الْحَيْرَةُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. (إِنْ يَدْرِي) بِكَسْرِ هَمْزَةِ " إِنْ " النَّافِيَةِ بِمَعْنَى لَا، وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ: لَا يَدْرِي، وَرُوِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَنَسَبَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَوَجْهَهَا بِمَا تَعَقَّبَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَيْسَتْ رِوَايَةُ الْفَتْحِ بِشَيْءٍ إِلَّا مَعَ رِوَايَةِ الضَّادِ السَّاقِطَةِ فَيَكُونُ أَنْ وَالْفِعْلُ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ وَمَفْعُولِ ضَلَّ إِنْ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ أَيْ يَضِلُّ عَنْ دِرَايَتِهِ وَكَذَا قَالَ عِيَاضٌ: لَا يَصِحُّ فَتْحُهَا إِلَّا عَلَى رِوَايَةِ يَضِلُّ بِكَسْرِ الضَّادِ فَتَكُونُ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ مَفْعُولَهُ أَيْ يَجْهَلُ دِرَايَتَهُ وَيَنْسَى عَدَدَ رَكَعَاتِهِ. (كَمْ صَلَّى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وَلِلْبُخَارِيِّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَتَّى لَا يَدْرِيَ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حِكْمَةِ هُرُوبِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ دُونَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ فِي الصَّلَاةِ فَقِيلَ حَتَّى لَا يَشْهَدَ لِلْمُؤَذِّنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: نُفُورًا عَنْ سَمَاعِ الْأَذَانِ ثُمَّ يَرْجِعُ مُوَسْوِسًا لِيُفْسِدَ عَلَى الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ، فَصَارَ مِنْ جِنْسِ فِرَارِهِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الِاسْتِخْفَافُ. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْأَذَانَ دُعَاءٌ إِلَى الصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى السُّجُودِ الَّذِي أَبَاهُ وَعَصَى بِسَبَبِهِ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يَعُودُ قَبْلَ السُّجُودِ، فَلَوْ كَانَ هُرُوبُهُ لِأَجْلِهِ لَمْ يَعُدْ إِلَّا عِنْدَ فَرَاغِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَهْرُبُ عِنْدَ سَمَاعِ الدُّعَاءِ لِذَلِكَ لِيُغَالِطَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ أَمْرًا ثُمَّ يَرْجِعُ لِيُفْسِدَ عَلَى الْمُصَلِّي سُجُودَهُ الَّذِي أَبَاهُ. وَقِيلَ: إِنَّمَا يَهْرُبُ لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى الْإِعْلَانِ بِشَهَادَةِ الْحَقِّ وَإِقَامَةِ الشَّرِيعَةِ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ حَاصِلٌ قَبْلَ الْأَذَانِ وَبَعْدَهُ مِنْ جَمِيعِ مَنْ يُصَلِّي. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِعْلَانَ أَخَصُّ مِنَ الِاتِّفَاقِ، فَإِنَّ الْإِعْلَانَ الْمُخْتَصَّ بِالْأَذَانِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنَ الْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ وَالشَّهَادَةِ مَثَلًا، وَلِذَا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: " «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى مِنْكَ صَوْتًا» " أَيِ اقْعُدْ بِالْمَدِّ وَالْإِطَالَةِ وَالْإِسْمَاعِ لِيَعُمَّ الصَّوْتُ وَيَطُولَ أَمَدُ التَّأْذِينِ فَيَكْثُرُ الْجَمْعَ وَيَفُوتُ عَلَى الشَّيْطَانِ مَقْصُودُهُ مِنْ إِلْهَاءِ الْآدَمِيِّ عَنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ إِخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِهَا أَوْ وَقْتِ فَضِيلَتِهَا، فَيَفِرُّ حِينَئِذٍ وَقَدْ يَئِسَ أَنْ يَرُدَّهُمْ عَمَّا أَعْلَنُوا بِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ لِمَا طُبِعَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَذَى إِلَى الْوَسْوَسَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: عَلَى الْأَذَانِ هَيْئَةٌ يَشْتَدُّ انْزِعَاجُ الشَّيْطَانِ بِسَبَبِهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَقَعُ فِي الْأَذَانِ رِيَاءٌ وَلَا غَفْلَةٌ عِنْدَ النُّطْقِ بِهِ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَحْضُرُهُ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ النَّفْسَ تَحْضُرُ فِيهَا فَيَفْتَحُ لَهَا الشَّيْطَانُ أَبْوَابَ الْوَسْوَسَةِ، وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ: " الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُؤَذِّنَ فِي أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ مَنْفِيٌّ عَنْهُ الْوَسْوَسَةُ وَالرِّيَاءُ لِتَبَاعُدِ الشَّيْطَانِ مِنْهُ "، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْأَذَانَ إِعْلَامٌ بِالصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بِأَلْفَاظٍ هِيَ مِنْ أَفْضَلِ الذَّكَرِ لَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا بَلْ تَقَعُ عَلَى وَفْقِ الْأَمْرِ فَيَفِرُّ مِنْ سَمَاعِهَا، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلِمَا يَقَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِيهَا مِنَ التَّفْرِيطِ تَمَكَّنَ الْخَبِيثُ مِنَ الْمُفَرِّطِ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ وَفِي جَمِيعِ مَا أُمِرَ بِهِ فِيهَا لَمْ يَقْرَبْهُ فِيهَا إِنْ كَانَ وَحْدَهُ وَهُوَ نَادِرٌ، وَكَذَا إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَهُوَ أَنْدَرُ، أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الزَّجْرُ عَنِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى لِئَلَّا يَكُونَ مُتَشَبِّهًا بِالشَّيْطَانِ الَّذِي يَفِرُّ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ، وَفَهِمَ بَعْضُ السَّلَفِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْإِتْيَانَ بِصُورَةِ الْأَذَانِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ الْأَذَانِ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ وَمَعِي غُلَامٌ لَنَا أَوْ صَاحِبٌ لَنَا فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ فَأَشْرَفَ الَّذِي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي، فَقَالَ: لَوْ شَعَرْتُ أَنَّكَ تَلْقَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 هَذَا لَمْ أُرْسِلْكَ وَلَكِنْ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصَّلَاةِ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَلَّى وَلَهُ حُصَاصٌ» "، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ مَالِكٌ: اسْتُعْمِلَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَلَى مَعْدِنِ بَنِي سُلَيْمٍ وَكَانَ لَا يَزَالُ يُصَابُ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْجِنِّ فَلَمَّا وَلِيَهُمْ شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَأَمَرَهُمْ بِالْأَذَانِ وَأَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِهِ فَفَعَلُوا فَارْتَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، فَهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى الْيَوْمَ. قَالَ مَالِكٌ: أَعْجَبَنِي ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ، وَذُكِرَتِ الْغِيلَانُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: " إِنَّ شَيْئًا مِنَ الْخَلْقِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَوَّلَ فِي غَيْرِ خَلْقِهِ وَلَكِنْ لِلْجِنِّ سَحَرَةٌ كَمَا لِلْإِنْسِ سَحَرَةٌ، فَإِذَا خَشِيتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَأَذِّنُوا بِالصَّلَاةِ " وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ فِي السَّهْوِ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الْأَعْرَجِ بِهِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ الْخُزَاعِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ وَسُهَيْلٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَاعَتَانِ يُفْتَحُ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ حَضْرَةُ النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّفُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هَلْ يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْوَقْتُ فَقَالَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَثْنِيَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَمَتَى يَجِبُ الْقِيَامُ عَلَى النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ فَقَالَ لَمْ يَبْلُغْنِي فِي النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ إِلَّا مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَإِنَّهَا لَا تُثَنَّى وَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا وَأَمَّا قِيَامُ النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ بِحَدٍّ يُقَامُ لَهُ إِلَّا أَنِّي أَرَى ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ فَإِنَّ مِنْهُمْ الثَّقِيلَ وَالْخَفِيفَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَكُونُوا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْمٍ حُضُورٍ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا الْمَكْتُوبَةَ فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا وَلَا يُؤَذِّنُوا قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُمْ وَإِنَّمَا يَجِبُ النِّدَاءُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ الَّتِي تُجْمَعُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الْإِمَامِ وَدُعَائِهِ إِيَّاهُ لِلصَّلَاةِ وَمَنْ أَوَّلُ مَنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ التَّسْلِيمَ كَانَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ انْتَظَرَ هَلْ يَأْتِيهِ أَحَدٌ فَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ جَاءَ النَّاسُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ أَيُعِيدُ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ قَالَ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ فَلْيُصَلِّ لِنَفْسِهِ وَحْدَهُ قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ تَنَفَّلَ فَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ لَمْ تَزَلْ الصُّبْحُ يُنَادَى لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّا لَمْ نَرَهَا يُنَادَى لَهَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ وَقْتُهَا   155 - 152 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ سَلَمَةَ (بْنِ دِينَارٍ) الْأَعْرَجِ الْمَدَنِيِّ الْعَابِدِ الثِّقَةِ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَ أَبُو حَازِمٍ هَذَا أَحَدَ الْفُضَلَاءِ الْحُكَمَاءِ الْعُلَمَاءِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَلَهُ حِكَمٌ وَزُهْدِيَّاتٌ وَمَوَاعِظُ وَرَقَائِقُ وَمُقَطَّعَاتٌ، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ) بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ (السَّاعِدِيِّ) أَبِي الْعَبَّاسِ الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ. (أَنَّهُ قَالَ: سَاعَتَانِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ عِنْدَ جَمَاعَةِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مَالِكٍ مَرْفُوعًا، وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَاعَتَانِ (يُفْتَحُ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ) أَيْ فِيهِمَا أَوْ مِنْ أَجْلِ فَضِيلَتِهِمَا. (وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ) إِخْبَارٌ بِأَنَّ الْإِجَابَةَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ هِيَ الْأَكْثَرُ، وَأَنَّ رَدَّ الدُّعَاءِ فِيهِمَا يَنْدُرُ وَلَا يَكَادُ يَقَعُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ " قَلَّ " إِلَى أَنَّهَا قَدْ تُرَدُّ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الدُّعَاءِ أَوْ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: بَلْ قَلَّ هُنَا لِلنَّفْيِ الْمَحْضِ كَمَا هُوَ أَحَدُ اسْتِعْمَالَاتِهَا. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِ: تَرِدُ " قَلَّ " لِلنَّفْيِ الْمَحْضِ فَتَرْفَعُ الْفَاعِلَ مَتْلُوًّا بِصِفَةٍ مُطَابِقَةٍ لَهُ نَحْوَ: قَلَّ رَجُلٌ يَقُولُ ذَلِكَ، وَقَلَّ رَجُلَانِ يَقُولَانِ ذَلِكَ، وَهِيَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي مُنِعَتِ التَّصْرِيفَ. (حَضْرَةُ النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ) أَيِ الْأَذَانِ (وَالصَّفُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الحديث: 155 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 أَيْ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالدَّيْلَمِيُّ الْحَدِيثَ عَنْ سَهْلٍ بِهِ مَرْفُوعًا. وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ عَائِشَةَ رَفَعَتْهُ: " «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ مَا دَعَا فِيهِنَّ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ قَطِيعَةَ رَحِمٍ أَوْ مَأْثَمًا حِينَ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ حَتَّى يَسْكُتَ، وَحِينَ يَلْتَقِي الصَّفَّانِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، وَحِينَ يَنْزِلُ الْمَطَرُ حَتَّى يَسْكُنَ» ". (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هَلْ يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْوَقْتُ، فَقَالَ: لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ) ; لِأَنَّ وَقْتَهَا زَوَالُ الشَّمْسِ كَالظُّهْرِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَأَجَازَ أَحْمَدُ صَلَاتَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَهُوَ شُذُوذٌ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَصَلَّى بَعْدَهُ لَمْ تَجُزْ وَيُعِيدُونَ الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةٍ مَا لَمْ تَغْرُبِ الشَّمْسُ، نَقَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ يُعِيدُونَ الظُّهْرَ أَبَدًا أَفْذَاذًا. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَثْنِيَةِ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ، وَمَتَى يَجِبُ الْقِيَامُ عَلَى النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ؟ فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنِي فِي النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ إِلَّا مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ عَلَيْهِ) وَهُوَ شَفْعُ الْأَذَانِ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: وَصْفُ الْأَذَانِ بِأَنَّهُ شَفْعٌ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ: مَثْنَى أَيْ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَسْتَوِيَ جَمِيعُ أَلْفَاظِهِ فِي ذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ الَّتِي فِي آخِرِهِ مُفْرَدَةٌ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ مَثْنَى عَلَى مَا سِوَاهَا انْتَهَى. فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ لَيْسَ مُرَبَّعًا، وَكَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْأَذَانُ مَثْنَى مَثْنَى» " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ مَرَّتَانِ مَرَّتَانِ. (فَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَإِنَّهَا لَا تُثَنَّى) حَتَّى قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، بَلْ تُفْرَدُ (وَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ مَعَ تَأْيِيدِهِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ: " وَيُوتِرُ الْإِقَامَةَ إِلَّا الْإِقَامَةَ " أَيْ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ فَالْمُثْبَتُ غَيْرُ الْمَنْفِيِّ فَهُوَ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ أَيُّوبَ وَلَيْسَ مِنَ الْحَدِيثِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْأَصِيلِيُّ وَابْنُ مَنْدَهْ ; لِأَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَذَكَرْتُهُ لِأَيُّوبَ فَقَالَ: إِلَّا الْإِقَامَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَنَظَرَ فِيمَا قَالَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ بِسَنَدِهِ بِلَفْظٍ: كَانَ بِلَالٌ يُثَنِّي الْأَذَانَ وَيُوتِرُ الْإِقَامَةَ إِلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ. وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ فِي الْخَيْرِ فَهُوَ مِنْهُ حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَا دَلِيلَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ لِأَنَّ مُحَصِّلَهَا أَنَّ خَالِدًا كَانَ لَا يَذْكُرُهَا الزِّيَادَةَ وَأَيُّوبُ يَذْكُرُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، فَكَانَ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ زِيَادَةُ حَافِظٍ فَتُقْبَلُ. انْتَهَى. لَكِنَّ إِنَّمَا يَتِمُّ لَهُ هَذَا النَّظَرُ لَوْ صَرَّحَ أَيُّوبُ بِرِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ لَمَّا ذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ رِوَايَةَ خَالِدٍ وَهُوَ إِنَّمَا قَالَ إِلَّا الْإِقَامَةَ، فَيَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ رَأْيِهِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَلَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى عَدَمِ الْإِدْرَاجِ لِأَنَّهَا مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى الْإِدْرَاجِ، ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْإِقَامَةَ مُثَنَّاةٌ، وَزَعَمَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ إِفْرَادَهَا كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ نُسِخَ بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَفِيهِ تَثْنِيَةُ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فَيَكُونُ نَاسِخًا، وَعُورِضَ بِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ الْمُحَسَّنَةِ التَّرْبِيعَ وَالتَّرْجِيعَ فَكَانَ يَلْزَمُهُمُ الْقَوْلَ بِهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ عَلَى مَنِ ادَّعَى النَّسْخَ بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ بَعْدَ الْفَتْحِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَقَرَّ بِلَالًا عَلَى إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ وَعَلَّمَهُ سَعْدَ الْقَرَظِ فَأَذَّنَ بِهِ بَعْدَهُ كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَابْنُ جَرِيرٍ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ، فَإِنْ رَبَّعَ التَّكْبِيرَ الْأَوَّلَ فِي الْأَذَانِ أَوْ ثَنَّاهُ أَوْ رَجَعَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ أَوْ ثَنَّى الْإِقَامَةَ أَوْ أَفْرَدَهَا كُلَّهَا أَوْ إِلَّا قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ فَالْجَمِيعُ جَائِزٌ، قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي تَثْنِيَةِ الْأَذَانِ وَإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ أَنَّ الْأَذَانَ لِإِعْلَامِ الْغَائِبِينَ فَكُرِّرَ لِيَكُونَ أَوْصَلَ إِلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ فَلِلْحَاضِرِينَ، وَمِنْ ثَمَّ اسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ فِي مَكَانٍ عَالٍ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الصَّوْتُ فِي الْأَذَانِ أَرْفَعَ مِنْهُ فِي الْإِقَامَةِ، قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا تَوْجِيهٌ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ لَوْ سَوَّى بَيْنَهُمَا لَاشْتَبَهَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَصَارَ يَفُوتُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْأَذَانَ يُسْتَحَبُّ عَلَى مُرْتَفَعٍ لِيَشْتَرِكَ فِيهِ الْإِسْمَاعُ وَأَنْ يَكُونَ مُرَتَّلًا وَالْإِقَامَةُ مُسْرِعَةً، وَيُؤْخَذُ حِكْمَةُ التَّرْجِيعِ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا اخْتُصَّ بِالتَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَأَمَّا قِيَامُ النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ بِحَدٍّ يُقَامُ لَهُ) وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِذَا «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي خَرَجْتُ» " فَهُوَ نَهْيٌ عَنِ الْقِيَامِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَتَسْوِيغٌ لَهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِشَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ، وَمِنْ ثَمَّ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ: (إِلَّا أَنِّي أَرَى ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الثَّقِيلَ وَالْخَفِيفَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَكُونُوا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ) وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّهُمْ إِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 كَانَ الْإِمَامُ مَعَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَقُومُوا حَتَّى تَفْرُغَ الْإِقَامَةُ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَقُومُوا حَتَّى يَرَوْهُ. وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: " أَنَّهُ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَجَبَ الْقِيَامُ، وَإِذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ عُدِلَتِ الصُّفُوفُ، وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَبَّرَ الْإِمَامُ "، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: " يَقُومُونَ إِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ، فَإِذَا قَالَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ كَبَّرَ الْإِمَامُ " وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُفَصِّلِينَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ تُقَامُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْتِهِ، وَهُوَ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «إِنَّ بِلَالًا كَانَ لَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ بِلَالًا كَانَ يُرَاقِبُ خُرُوجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَوَّلُ مَا يَرَاهُ يَشْرَعُ فِي الْإِقَامَةِ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ غَالِبُ النَّاسِ، ثُمَّ إِذَا رَأَوْهُ قَامُوا فَلَا يَقُومُ فِي مَقَامِهِ حَتَّى تَعْتَدِلَ صُفُوفُهُمْ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: " «كَانُوا سَاعَةَ يَقُولُ الْمُؤَذِّنَ اللَّهُ أَكْبَرُ يَقُومُونَ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَأْتِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تَعْتَدِلَ الصُّفُوفُ» وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: " «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ فَخَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» " وَلَفْظُهُ فِي مُسْتَخْرَجِ أَبِي نُعَيْمٍ: " وَصَفَّ النَّاسُ صُفُوفَهُمْ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا "، وَلَفْظُهُ فِي مُسْلِمٍ: " «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَتَى فَقَامَ مَقَامَهُ» " فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ بِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا وَقَعَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَبِأَنَّ صُنْعَهُمْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ سَبَبَ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ سَاعَةَ تُقَامُ الصَّلَاةُ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالٍ أَنْ يَقَعَ لَهُ شُغْلٌ يُبْطِئُ فِيهِ عَنِ الْخُرُوجِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِمُ انْتِظَارُهُ، وَلَا يَرُدُّ هَذَا حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَامَ فِي مَقَامِهِ طَوِيلًا فِي مُنَاجَاةِ بَعْضِ الْقَوْمِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ نَادِرًا أَوْ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْمٍ حُضُورٍ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا الْمَكْتُوبَةَ فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا وَلَا يُؤَذِّنُوا قَالَ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُمْ) إِذِ الْأَذَانُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ خِلَافًا لِعَطَاءٍ. (وَإِنَّمَا يَجِبُ النِّدَاءُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ الَّتِي تُجْمَعُ فِيهَا الصَّلَاةُ) وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكِّدَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا فِي الْمِصْرِ فَوَاجِبُ كِفَايَةٍ، فَلَوِ اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِهِ أَثِمُوا وَقُوتِلُوا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ شِعَارُ الْإِسْلَامِ وَمِنَ الْعَلَامَاتِ الْمُفَرِّقَةِ بَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْكَفْرِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَكَانَ يَسْتَمِعُ الْأَذَانَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الْإِمَامِ وَدُعَائِهِ إِيَّاهُ لِلصَّلَاةِ وَعَنْ أَوَّلِ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ التَّسْلِيمَ كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي شُغْلٍ جَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَأَعْلَمَهُ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ دُونَ تَكَلُّفٍ وَلَا اسْتِعْمَالٍ، فَأَمَّا مَا يُتَكَلَّفُ الْيَوْمَ مِنْ وُقُوفِ الْمُؤَذِّنِ بِبَابِ الْأَمِيرِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُبَاهَاةِ وَالتَّكَبُّرِ وَالصَّلَاةُ تُنَزِّهُ عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ كَيْفِيَّةَ السَّلَامِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ الصَّلَاةُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى أَبِي مَحْذُورَةَ دُعَاءَهُ إِيَّاهُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ مُعَاوِيَةُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يُشْعِرَهُ وَيُنَادِيَهُ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّلَاةُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ مَكَّةَ أَتَاهُ أَبُو مَحْذُورَةَ وَقَدْ أَذَّنَ فَقَالَ: الصَّلَاةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ، قَالَ: وَيْحَكَ أَمْجَنُونٌ أَنْتَ؟ أَمَّا كَانَ فِي دُعَائِكَ الَّذِي دَعَوْتَنَا مَا نَأْتِيكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا. وَفِي الْأَوَائِلِ لِلْعَسْكَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: قُلْتُ لِلزَّهْرِيِّ: مَنْ أَوَّلُ مَنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ فَقِيلَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَقَالَ: مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ بِالْمَدِينَةِ. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي طَبَقَاتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ قَالَ: كُنَّا نُؤَذِّنُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي دَارِهِ لِلصَّلَاةِ فَنَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ، وَفِي النَّاسِ الْفُقَهَاءُ فَلَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ. وَبِهَذَا كُلِّهِ تَعْلَمُ ضَعْفَ مَا فِي خِطَطِ الْمَقْرِيزِيِّ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: «كَانَ بِلَالٌ يَقِفُ عَلَى بَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْأَذَانِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ كَانَ سَعْدُ الْقَرَظِ يَقِفُ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ الصَّلَاةُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ وَلُقِّبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ الْمُؤَذِّنُ يَقِفُ عَلَى بَابِهِ وَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّلَاةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَزَادَ فِيهَا رَحِمَكَ اللَّهُ» . وَيُقَالُ إِنَّ عُثْمَانَ هُوَ الَّذِي زَادَهَا. وَمَا زَالَ الْمُؤَذِّنُونَ إِذَا أَذَّنُوا سَلَّمُوا عَلَى الْخُلَفَاءِ وَأُمَرَاءِ الْأَعْمَالِ ثُمَّ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ بَعْدَ السَّلَامِ فَيَخْرُجُ الْخَلِيفَةُ أَوِ الْأَمِيرُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، هَكَذَا كَانَ الْعَمَلُ مُدَّةَ أَيَّامِ بَنِي أُمَيَّةَ ثُمَّ مُدَّةَ بَنِي الْعَبَّاسِ حَتَّى تَرَكَ الْخُلَفَاءُ الصَّلَاةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 بِالنَّاسِ فَتُرِكَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَالْوَاقِدِيُّ مَتْرُوكٌ وَلَعَلَّ غَيْرَهُ تَبِعَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ انْتَظَرَ هَلْ يَأْتِيهِ أَحَدٌ فَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ جَاءَ النَّاسُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ أَيُعِيدُ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ؟ فَقَالَ: لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ) فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ (فَلْيُصَلِّ لِنَفْسِهِ وَحْدَهُ) قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ هُنَا هُوَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ وَلَمْ يُرِدِ الْمُؤَذِّنَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعُوا تِلْكَ الصَّلَاةَ وَيُعِيدَهَا الْمُؤَذِّنُ مَعَهُمْ إِنْ شَاءَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ حَسَنٌ عَلَى أَصْلِ قَوْلِ مَالِكٍ: الْمَسْجِدُ الَّذِي لَهُ إِمَامٌ رَاتِبٌ لَا يُجْمَعُ فِيهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ مَرَّتَيْنِ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِمَامًا قَالَ مَالِكٌ ; لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْجَمَاعَةِ بِالْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَئِمَّةِ وَمُفَارَقَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي أَنْ لَا تُرَاعَى أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ وَيُؤَخَّرَ مَنْ فِي جَمَاعَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُؤَذِّنُ إِمَامًا رَاتِبًا فَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْفَذِّ. وَقَالَ عِيسَى: كَالْجَمَاعَةِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَ عِيسَى فِي مَسْجِدٍ لَهُ مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ رَاتِبٌ لِتَعَلُّقِ حُكْمِ الْجَمَاعَةِ بِهِ دُونَ الْمُؤَذِّنِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا أَصْلَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَّا الْمَنْعُ مِنَ الِاخْتِلَافِ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَرَدْعُ أَهْلِ الْبِدَعِ لِيَتْرُكُوا إِظْهَارَ بِدْعَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْغَبُونَ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ ثُمَّ يَأْتُونَ بَعْدَهُ فَيَجْمَعُونَ بِإِمَامِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُجْمَعَ فِي الْمَسْجِدِ مَرَّتَيْنِ وَلَمْ يَنْهَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا رَسُولُهُ وَلَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ. وَدَلِيلُ الْجَوَازِ حَدِيثٌ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ فَلَمَّا سَلَّمَ دَخَلَ رَجُلٌ لَمْ يُدْرِكِ الصَّلَاةَ مَعَهُ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ لِيُصَلِّيَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ فَصَلَّى مَعَهُ» " انْتَهَى. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةُ حَالٍ مُحْتَمَلَةٍ فَلَا يَنْهَضُ حُجَّةٌ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ تَنَفَّلَ فَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ) وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ اللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا كَانَ الصُّبْحُ أَمَرَنِي فَأَذَّنْتُ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَجَاءَ بِلَالٌ لِيُقِيمَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنْ أَخَا صُدَاءٍ أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ "، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيُّ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وَحَجَّةُ مَالِكٍ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «حِينَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى بِلَالٍ وَقَالَ: " إِنَّهُ أَنْدَى مِنْكَ صَوْتًا "، فَلَمَّا أَذَّنَ بِلَالٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: " أَقِمْ أَنْتَ "، فَأَقَامَ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنُ إِسْنَادًا. (قَالَ مَالِكٌ لَمْ تَزَلْ صَلَاةُ الصُّبْحِ يُنَادَى لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ) فِي أَوَّلِ السُّدُسِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَسَحْنُونٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَحُجَّةُ الْعَمَلِ الْمَذْكُورِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْآتِي: إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ: لَا يُؤَذَّنُ لَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ. (فَأَمَّا غَيْرُهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ لَمْ نَرَهَا يُنَادَى لَهَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ وَقْتَهَا) لِحُرْمَتِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ. قَالَ الْكَرْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ عَمَلُهُمُ الْمُتَّصِلُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَثَرِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَذَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْأَذَانِ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَالْآثَارُ حُجَّةٌ لِمَنْ أَثْبَتَهُ، وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْمَقْصُودِ بِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ مِنْ إِبْطَالِ الْأَذَانِ إِلَى الْفَجْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُؤْذِنُهُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا فَقَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ   155 - 153 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُؤْذِنُهُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنَّ يَجْعَلَهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ) هَذَا الْبَلَاغُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ فِي مُصَنَّفِهِ، عَنِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ: إِذَا بَلَغْتَ حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ فِي الْفَجْرِ فَقُلِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، فَقَصَّرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي قَوْلِهِ: لَا أَعْلَمُ هَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ يُحْتَجُّ بِهِ وَتُعْلَمُ صِحَّتُهُ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ لَا أَعْرِفُهُ، قَالَ: وَالتَّثْوِيبُ مَحْفُوظٌ فِي أَذَانِ بِلَالٍ وَأَبِي مَحْذُورَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْمَعْنَى هُنَا أَنَّ نِدَاءَ الصُّبْحِ مَوْضِعُ قَوْلِهِ لَا هُنَا، كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ نِدَاءٌ آخَرُ عِنْدَ بَابِ الْأَمِيرِ كَمَا أَحْدَثَتْهُ الْأُمَرَاءُ، وَإِلَّا فَالتَّثْوِيبُ أَشْهَرُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَالْعَامَّةِ مِنْ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 جَهِلَ مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَ بِهِ مُؤَذِّنَيْهِ بِلَالًا بِالْمَدِينَةِ وَأَبَا مَحْذُورَةَ بِمَكَّةَ انْتَهَى. وَنَحْوَ تَأْوِيلِهِ قَوْلَ الْبَاجِيِّ يَحْتَمِلُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ إِنْكَارًا لِاسْتِعْمَالِهِ لَفْظَةً مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ فِي غَيْرِهِ، وَقَالَ لَهُ: اجْعَلْهَا فِيهِ يَعْنِي لَا تَقُلْهَا فِي غَيْرِهِ. انْتَهَى، وَهُوَ حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ. فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤْذِنُهُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقِيلَ: هُوَ نَائِمٌ، فَقَالَ: " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ " مَرَّتَيْنِ» ، فَأُقِرَّتْ فِي تَأَذَّيْنِ الْفَجْرِ فَثَبَتَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. وَرَوَى بَقِيٌّ بِمُوَحَّدَةٍ ابْنُ مَخْلَدٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ: «كُنْتُ غُلَامًا صَبِيًّا فَأَذَّنْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَجْرَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ قَالَ: " أَلْحِقْ فِيهَا: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ» ". وَقَالَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ: لَا يَتْرُكُ الْمُؤَذِّنُ قَوْلَهُ فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ، وَمَنْ أَذَّنَ فِي ضَيْعَتِهِ مُتَنَحِّيًا عَنِ النَّاسِ فَتَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ وَأَحَبُّ إِلَيْنَا أَنْ يَأْتِيَ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ إِلَّا النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ   157 - 154 - (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَاسْمُهُ نَافِعٌ (بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ) مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ) يَعْنِي الصَّحَابَةَ (إِلَّا النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ) ، فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ لَمْ يَدْخُلْهُ تَغْيِيرٌ وَلَا تَبْدِيلٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَقَدْ أُخِّرَتْ عَنْ أَوْقَاتِهَا، وَسَائِرُ الْأَفْعَالِ قَدْ دَخَلَهَا التَّغَيُّرُ، فَأَنْكَرَ أَكْثَرَ أَفْعَالِ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَالتَّغْيِيرُ يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ صِفَةَ الْفِعْلِ كَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ، وَأَنْ يَلْحَقَ الْفِعْلَ جُمْلَةً كَتَرْكِ الْأَمْرِ بِكَثِيرٍ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُنْكَرِ مَعَ عِلْمِ النَّاسِ بِذَلِكَ كُلِّهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ: إِنَّ الْأَذَانَ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ: مَا أَعْلَمُ تَأْذِينَهُمُ الْيَوْمَ يُخَالِفُ تَأْذِينَ مَنْ مَضَى، وَفِيهِ تَغَيُّرُ الْأَحْوَالِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ زَمَنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعِ فِي أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ، وَاحْتَجَّ بِهَذَا بَعْضُ مَنْ لَمْ يَرَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حُجَّةً وَقَالَ: لَا حُجَّةَ إِلَّا فِيمَا نُقِلَ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ. الحديث: 157 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ   158 - 155 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ) بِدُونِ جَرْيٍ ; لِأَنَّ الْإِسْرَاعَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ» " هُوَ الْجَرْيُ ; لِأَنَّهُ يُنَافِي الْوَقَارَ الْمَشْرُوعَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي قَصْدِهَا، وَأَمَّا مَا لَا يُنَافِي الْوَقَارَ فَجَائِزٌ، الحديث: 158 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وَكَذَا قَوْلُ مَالِكٍ بِجَوَازِ تَحْرِيكِ الْفَرَسِ لِمَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ لِيُدْرِكَ الصَّلَاةَ يُرِيدُ تَحْرِيكَهُ لِلْإِسْرَاعِ فِي الْمَشْيِ دُونَ جَرْيٍ وَلَا خُرُوجٍ عَنْ حَدِّ الْوَقَارِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْوَاجِبُ أَنْ يَأْتِيَ الصَّلَاةَ بِالسَّكِينَةِ خَافَ فَوَاتَهَا أَوْ لَمْ يَخَفْ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ وَهُوَ الْحُجَّةُ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَشْيِهِ الْمَعْهُودِ ; لِأَنَّ الْإِسْرَاعَ كَانَ عَادَتَهُ لِبُعْدِهِ مِنَ الزَّهْوِ، وَلَيْسَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّ نَافِعًا مَوْلَاهُ قَدْ عَرَفَ مَشْيَهُ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ الْإِقَامَةَ أَسْرَعَ، وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا مَشَى إِلَى الصَّلَاةِ لَوْ مَشَتْ مَعَهُ نَمْلَةٌ مَا سَبَقَهَا لِأَنَّهُ فِي حَالٍ لَا يَخَافُ فِيهَا فَوَاتَ شَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ وَهِيَ أَغْلَبُ أَحْوَالِهِ انْتَهَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 [بَاب النِّدَاءِ فِي السَّفَرِ وَعَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ «أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ فَقَالَ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ يَقُولُ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ»   2 - النِّدَاءُ فِي السَّفَرِ وَعَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ كَذَا زَادَ يَحْيَى فِي التَّرْجَمَةِ: وَعَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَى زِيَادَتِهِ وَلَا فِي الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَذَانُ الرَّاكِبِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. 159 156 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ) وَكَانَ مُسَافِرًا فَأَذَّنَ بِمَحَلٍّ يُقَالُ لَهُ ضَجْنَانُ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَنُونَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلْفٌ بِزِنَةِ فَعْلَانَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: جَبَلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِيلًا وَبِهَذَا يُطَابِقُ التَّرْجَمَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ: أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ ( «فَقَالَ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» ) جَمْعُ رَحْلٍ وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَالْمَسْكَنُ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ سُمِّيَ مَا يَسْتَصْحِبُهُ الْإِنْسَانُ فِي سَفَرِهِ مِنَ الْأَثَاثِ رَحْلًا، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَفْظُ فِي الرِّحَالِ يَدُلُّ عَلَى السَّفَرِ فَأَذِنَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِصَلَاتِهِ إِذَا كَانَ إِمَامًا، وَيَحْتَمِلَ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِيهَا أَفْذَاذًا أَوْ يَؤُمَّ كُلَّ طَائِفَةِ رَجُلٌ مِنْهُمْ. (ثُمَّ قَالَ) ابْنُ عُمَرَ ( «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ يَقُولُ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» ) فَقَاسَ ابْنُ عُمَرَ الرِّيحَ عَلَى الْمَطَرِ، وَالْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَهُمَا الْمَشَقَّةُ اللَّاحِقَةُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وُقُوفًا مَعَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا: " وَأَخْبَرَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى أَثَرِهِ: " أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ وَالْمَطِيرَةِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 السَّفَرِ» قَالَ الْحَافِظُ: وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالسَّفَرِ، وَرِوَايَةُ مَالِكٍ مُطْلَقَةٌ وَبِهَا أَخَذَ الْجُمْهُورُ، لَكِنَّ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيِّدِ تَقْتَضِي أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمُسَافِرِ مُطْلَقًا وَيَلْحَقَ بِهِ مَنْ يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مَشَقَّةٌ فِي الْحَضَرِ دُونَ مَنْ لَا يَلْحَقُهُ، قَالَ: وَفِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ: لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ أَوْ ذَاتُ رِيحٍ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ عُذْرٌ فِي التَّأْخِيرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الرِّيحَ عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ فَقَطْ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ الثَّلَاثَةِ بِاللَّيْلِ، لَكِنَّ فِي السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَالْغَدَاةِ الْقِرَّةِ، وَفِيهَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُمْ مُطِرُوا يَوْمًا فَرُخِّصَ لَهُمْ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ التَّرْخِيصَ بِعُذْرِ الرِّيحِ فِي النَّهَارِ صَرِيحًا لَكِنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي إِلْحَاقَهُ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجْهًا قَالَ أَعْنِي الْحَافِظَ: وَصَرِيحُ قَوْلِهِ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى أَثَرِهِ أَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَذَانِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمَّا ذَكَرَ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ يَقُولُ فِي آخِرِ نِدَائِهِ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي آخِرِهِ قُبَيْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَعْنِي الْمَرْوِيَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ رَزْعٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَمُهْمَلَةٍ أَيْ غَيْمٍ بَارِدٍ فِيهِ مَطَرٌ قَلِيلٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَمَرَ أَنْ يُنَادَى: الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَحَمَلَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ يُقَالُ بَدَلًا مِنَ الْحَيْعَلَةِ نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ مَعْنَاهَا هَلُمُّوا إِلَى الصَّلَاةِ وَمَعْنَى صَلُّوا فِي الرِّحَالِ تَأَخَّرُوا عَنِ الْمَجِيءِ، فَلَا يُنَاسِبُ إِيرَادَ اللَّفْظَيْنِ مَعًا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا نَقِيضُ الْآخَرِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَا قَالَ ; لِأَنَّهُ نَدَبَ إِلَى الْمَجِيءِ مَنْ أَرَادَ اسْتِكْمَالَ الْفَضِيلَةِ وَلَوْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَمُطِرْنَا فَقَالَ: " لِيُصَلِّ مِنْكُمْ مَنْ شَاءَ فِي رَحْلِهِ» "، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تُقَالُ فِي الْأَذَانِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهَا تُقَالُ بَعْدَهُ وَالْأَمْرَانِ جَائِزَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ بَعْدَهُ أَحْسَنُ لِيَتِمَّ نَظْمُ الْأَذَانِ، فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بَدَلًا مِنْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ بِخِلَافِ كَلَامِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَوَرَدَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ النَّحَّامِ قَالَ: " «أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلصُّبْحِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَمَنَّيْتُ لَوْ قَالَ وَمَنْ قَعَدَ فَلَا حَرَجَ، فَلَمَّا قَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ قَالَهَا» " انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجَازَ قَوْمٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْكَلَامَ فِي الْأَذَانِ إِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَرَخَّصَ فِيهِ قَوْمٌ مُطْلَقًا مِنْهُمْ أَحْمَدُ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ كَرَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فَإِنْ فَعَلَ أَسَاءَ وَبَنَى، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ بِإِعَادَتِهِ لِمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ إِلَّا ابْنَ شِهَابٍ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الْبُخَارِيُّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِضَمِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا عَنْ نَافِعٍ نَحْوَهُ كَمَا مَرَّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ هُنَا وَمُسْلِمٍ فِي الْجَمَاعَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي السَّفَرِ إِلَّا فِي الصُّبْحِ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَادِي فِيهَا وَيُقِيمُ وَكَانَ يَقُولُ إِنَّمَا الْأَذَانُ لِلْإِمَامِ الَّذِي يَجْتَمِعُ النَّاسُ إِلَيْهِ   160 - 157 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي السَّفَرِ) ; لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّأْذِينِ إِلَّا لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ وَالْمُسَافِرُ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجُمُعَةُ فَكَذَا الْجَمَاعَةُ (إِلَّا فِي الصُّبْحِ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَادِي) يُؤَذِّنُ (فِيهَا وَيُقِيمُ) إِظْهَارًا لِشَعَائِرِ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِغَارَةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يُغِيرُ إِذَا لَمْ يَسْمَعِ الْأَذَانَ وَيُمْسِكُ إِذَا سَمِعَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ فِي السَّفَرِ الَّذِي قَالَ فِيهِ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ أَمِيرًا، وَفِي السَّفَرِ الَّذِي لَمْ يَزِدْ فِيهِ عَلَى الْإِقَامَةِ غَيْرَ أَمِيرٍ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ الْبُونِيُّ: إِنَّهُ لِإِعْلَامِ مَنْ مَعَهُ مِنْ نَائِمٍ وَغَيْرِهِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَسَائِرُ الصَّلَوَاتِ لَا تَخْفَى عَلَيْهِمْ. (وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَذَانُ لِلْإِمَامِ الَّذِي يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ النَّاسُ) وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّمَا التَّأْذِينُ لِجَيْشٍ أَوْ رَكْبٍ عَلَيْهِمْ أَمِيرٌ فَيُنَادَى بِالصَّلَاةِ لِيَجْتَمِعُوا لَهَا فَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَإِنَّمَا هِيَ الْإِقَامَةُ. وَحُكِيَ نَحْوُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَعَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهُمْ مَشْرُوعِيَّةُ الْأَذَانِ لِكُلِّ أَحَدٍ. وَبَالَغَ عَطَاءٌ فَقَالَ: إِذَا كُنْتَ فِي سَفَرٍ فَلَمْ تُؤَذِّنْ وَلَمْ تُقِمْ فَأَعِدِ الصَّلَاةَ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرَاهُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَاسْتِحْبَابُ الْإِعَادَةِ لَا وُجُوبُهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالْحُجَّةُ لِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُؤَذِّنُ لَهَا فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ لِلْمُسَافِرِ وَأَنَّهُ مَأْجُورٌ فِي أَذَانِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى الْأَذَانِ فِي الْأَمْصَارِ، فَلَا تَسْقُطُ تِلْكَ السُّنَّةُ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى سُقُوطِهَا، فَدَلَّ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ إِلَّا لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ بَلْ لَهُ فَضْلٌ كَثِيرٌ جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ. الحديث: 160 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ إِذَا كُنْتَ فِي سَفَرٍ فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَذِّنَ وَتُقِيمَ فَعَلْتَ وَإِنْ شِئْتَ فَأَقِمْ وَلَا تُؤَذِّنْ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الرَّجُلُ وَهُوَ رَاكِبٌ   161 - 158 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ: إِذَا كُنْتَ فِي سَفَرٍ فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَذِّنَ وَتُقِيمَ) لِتَحْصِيلِ الْمُسْتَحَبِّ الْوَارِدِ بِهِ السُّنَّةُ (فَعَلْتَ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَقِمْ وَلَا تُؤَذِّنْ) لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ الحديث: 161 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي كُلِّ حَالٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَانَ عُرْوَةُ يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ أَنْ يُؤَذِّنَ لِفَضْلِ الْأَذَانِ عِنْدَهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ. (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الرَّاكِبُ وَهُوَ رَاكِبٌ) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُؤَذِّنُ عَلَى الْبَعِيرِ وَيَنْزِلُ فَيُقِيمُ، وَأَجَازَ الْحَسَنُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ يَنْزِلَ فَيُصَلِّيَ، وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَذَانِ الْمُسَافِرِ رَاكِبًا، وَكَرِهَهُ عَطَاءٌ إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ، وَمَنْ كَرِهَهُ لِلْمُقِيمِ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ إِعَادَةَ الْأَذَانِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ أَنْ يُؤَذِّنَ قَاعِدًا، وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ: حَقٌّ وَسُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ أَنْ لَا يُؤَذِّنَ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ وَلَا يُؤَذِّنُ إِلَّا وَهُوَ عَلَى طُهْرِ وَوَائِلٌ صَحَابِيٌّ، وَقَوْلُهُ: سُنَّةٌ يَدْخُلُ فِي الْمُسْنَدِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنَ الرَّأْيِ، انْتَهَى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " يَا بِلَالُ قُمْ فَأَذِّنْ "، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَعِيَاضٌ: فِيهِ حُجَّةٌ لِشَرْعِ الْأَذَانِ قَائِمًا، وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: " قُمْ " اذْهَبْ إِلَى مَوْضِعٍ بَارِزٍ فَنَادِ فِيهِ بِالصَّلَاةِ لِيَسْمَعَكَ النَّاسُ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْقِيَامِ فِي حَالِ الْأَذَانِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَمَا نَفَاهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَإِنَّ الصِّيغَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ أَرْجَحَ. وَنَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ مَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ الْأَذَانَ قَاعِدًا لَا يَجُوزُ إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ وَأَبَا الْفَرَجِ الْمَالِكِيَّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ قَاعِدًا صَحَّ، وَالصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ مِنَ السُّنَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى بِأَرْضٍ فَلَاةٍ صَلَّى عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ فَإِذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ أَوْ أَقَامَ صَلَّى وَرَاءَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ   162 - 159 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى بِأَرْضٍ فَلَاةٍ) بِزِنَةِ حَصَاةٍ لَا مَاءَ فِيهَا، وَالْجَمْعُ: فَلًا كَحَصًى، وَجَمْعُ الْجَمْعِ: أَفْلَاءُ مِثْلُ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ. (صَلَّى عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا الْحَافِظَانِ وَأَنَّ ذَلِكَ مَكَانُهُمَا مِنَ الْمُكَلَّفِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ هَذَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالْمَلَائِكَةِ وَحُكْمُ الْآدَمِيِّينَ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى مَعَهُ رَجُلَانِ قَامَا وَرَاءَهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ: " فَقُمْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا " وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْلُغَ بِالْمَلَكَيْنِ دَرَجَةَ الْجَمَاعَةِ إِذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَهُوَ رَاغِبٌ فِيهَا. (فَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ أَوْ أَقَامَ) كَذَا رِوَايَةُ يَحْيَى بَأَوْ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ فَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ (صَلَّى وَرَاءَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عِنْدِي هِيَ الْأَصْلُ، وَرِوَايَةُ يَحْيَى تَحْتَمِلُ الشَّكَّ وَتَحْتَمِلُ التَّقْسِيمَ وَالْأَظْهَرُ رِوَايَةُ غَيْرِهِ وَفِيهِ أَنَّ لِلْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ مِنَ الْفَضِيلَةِ مَا لَيْسَ لِلْيَسِيرَةِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْمُصَلِّي فِي ذَلِكَ قَالَهُ كُلُّهُ الحديث: 162 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 الْبَاجِيُّ، وَفِي السُّيُوطِيِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَقَدْ وَرَدَ مَوْصُولًا وَمَرْفُوعًا فَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي أَرْضِ فَيْءٍ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ صَلَّى خَلْفَهُ مَلَكَانِ، فَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا لَا يَرَاهُ طَرْفَاهُ يَرْكَعُونَ بِرُكُوعِهِ وَيَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ» " وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ مَوْقُوفًا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْحَنَّاطِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ مَنْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ مِنَ الْأَرْضِ مُنْفَرِدًا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَوَقَفَهُ السُّبْكِيُّ فِي الْحَلَبِيَّاتِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ وَبِحَدِيثِ الْمُوَطَّأِ هَذَا انْتَهَى، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 [بَاب قَدْرِ السُّحُورِ مِنْ النِّدَاءِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ»   3 - قَدْرُ السُّحُورِ مِنَ النِّدَاءِ 163 - 160 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي» ) أَيْ: يُؤَذِّنُ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَصِيلِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ (بِلَيْلٍ) أَيْ: فِيهِ ( «فَكُلُوا وَاشْرَبُوا» ) فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْأَذَانَ كَانَ عَلَامَةً عِنْدَهُمْ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ، فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ. ( «حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ) اسْمُهُ عَمْرٌو، وَقِيلَ كَانَ اسْمُهُ الْحُصَيْنِ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ اسْمَانِ، وَهُوَ قُرَشِيٌّ عَامِرِيٌّ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَالْأَشْهَرُ فِي اسْمِ أَبِيهِ قَيْسُ بْنُ زَائِدَةَ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْرِمُهُ وَيَسْتَخْلِفُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَشَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَاسْتُشْهِدَ بِهَا، وَقِيلَ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَاتَ، وَهُوَ الْأَعْمَى الْمَذْكُورُ فِي سُورَةِ " عَبَسَ " وَاسْمُ أُمِّهِ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيَّةُ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى فَكُنِّيَتْ أُمُّهُ بِهِ لِاكْتِتَامِ نُورِ بَصَرِهِ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ عَمِيَ بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ نُزُولَ عَبَسَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بَعْدَ الْبِعْثَةِ بِسَنَتَيْنِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَعْدٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ ابْنُ أُمٍّ مَكْتُومٍ فَقَالَ: مَتَى ذَهَبَ بَصَرُكَ؟ قَالَ: وَأَنَا غُلَامٌ، وَلَفْظُ الْبَيْهَقِيِّ: وَأَنَا صَغِيرٌ، فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " إِذَا مَا أَخَذْتُ كَرِيمَةَ عَبْدِي لَمْ أَجِدْ لَهُ بِهَا جَزَاءً إِلَّا الْجَنَّةَ» " وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَاسْتِحْبَابُ أَذَانٍ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ وَاثْنَانِ مَعًا، فَمَنَعَ مِنْهُ قَوْمٌ وَقَالُوا: أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ بَنُو الحديث: 163 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 أُمَيَّةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يُكْرَهُ إِلَّا إِنْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ تَهْوِيشٌ وَجَوَازُ اتِّخَاذِ مُؤَذِّنَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لَهُ، وَقَدْ رَوَى عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلْقَوْمِ فِي السَّفَرِ وَالْحَرَسِ وَالْمَرْكِبِ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ، وَفِي الْمَسْجِدِ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسَةٌ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ حَبِيبٍ بِمَا إِذَا اتَّسَعَ وَقْتُهُ كَالصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ فَيُؤَذِّنُ خَمْسَةٌ إِلَى عَشَرَةٍ، وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَفِي الْعَصْرِ ثَلَاثَةٌ إِلَى خَمْسَةٍ، وَفِي الْمَغْرِبِ لَا يُؤَذِّنُ إِلَّا وَاحِدٌ، وَفِيهِ جَوَازُ كَوْنِ الْأَعْمَى مُؤَذِّنًا إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُعْلِمُهُ بِالْأَوْقَاتِ، وَجَوَازُ تَقْلِيدِهِ الْبَصِيرَ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، وَجَوَازُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ مِنَ النَّهَارِ. قِيلَ: وَجَوَازُ الْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَأَيْنَ الشَّكُّ مَعَ إِخْبَارِ الصَّادِقِ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَلَا يُرَدُّ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ بِحُرْمَتِهِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَفِيهِ جَوَازُ اعْتِمَادِ الصَّوْتِ فِي الرِّوَايَةِ إِذَا كَانَ عَارِفًا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدِ الرَّاوِيَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ شُعْبَةُ لِاحْتِمَالِ الِاشْتِبَاهِ، وَجَوَازُ نِسْبَةِ الرَّجُلِ إِلَى أُمِّهِ إِذَا اشْتُهِرَ بِذَلِكَ وَاحْتِيجَ إِلَيْهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ»   164 - 161 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) هَذَا إِسْنَادٌ آخَرُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَوْصُولٌ، وَأَمَّا هَذَا فَرَوَاهُ يَحْيَى وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ مُرْسَلًا، وَوَصَلَهُ الْقَعْنَبِيُّ فَقَالَ عَنْ أَبِيهِ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ) وَوَافَقَهُ عَلَى وَصْلِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ مَهْدِيٍّ انْتَهَى. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ الْقَعْنَبِيُّ بِرِوَايَتِهِ إِيَّاهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْصُولًا عَنْ مَالِكٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرُهُ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ فِيهِ ابْنَ عُمَرَ، وَوَافَقَهُ عَلَى وَصْلِهِ عَنْ مَالِكٍ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ وَأَبُو قُرَّةَ، وَكَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ وَآخَرُونَ، وَوَصَلَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِهِ ( «إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ» ) فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ الْمُسْتَمِرَّةِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ ابْتَدَأَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَقَدْ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ. ( «فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ) وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمْ، مِنْ طُرُقٍ مِنْ حَدِيثِ أُنَيْسَةَ مَرْفُوعًا: " «أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلَالٌ» " وَادَّعَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ مَقْلُوبٌ، وَأَنَّ الصَّوَابَ حَدِيثُ الْبَابِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ كُنْتُ أَمِيلُ إِلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ رَأَيْتُ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ مَا الحديث: 164 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 يُبْعِدُ وُقُوعَ الْوَهْمِ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: " «إِذَا أَذَّنَ عَمْرٌو فَإِنَّهُ ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ، وَإِذَا أَذَّنَ بِلَالٌ فَلَا يَطْعَمَنَّ أَحَدٌ» " وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا أَنَّهَا كَانَتْ تُنْكِرُ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَتَقُولُ: إِنَّهُ غَلِطَ، أَخْرَجَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا مَرْفُوعًا: " «أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلَالٌ» " قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ بِلَالٌ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُبْصِرَ الْفَجْرَ، قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: غَلِطَ ابْنُ عُمَرَ انْتَهَى. وَهَذَا مِمَّا يَقْتَضِي مِنْهُ الْعَجَبَ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» " وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، فَقَدْ جَاءَ عَنْهَا فِي أَرْفَعِ الصَّحِيحِ مِثْلُ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَكَيْفَ تُغَلِّطُهُ؟ فَالظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْحَافِظُ عَقِبَ مَا مَرَّ وَقَدْ جَمَعَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالصِّبْغِيُّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْأَذَانَ كَانَ نَوْبًا بَيْنَ بِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْلِمُ النَّاسَ أَنَّ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا لَا يُحَرِّمُ عَلَى الصَّائِمِ شَيْئًا، وَلَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَجَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُبْدِهِ احْتِمَالًا، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الضِّيَاءُ وَغَيْرُهُ، قَالَ السُّيُوطِيُّ قَدْ وَرَدَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّتِي تَقُولُ وَكَانَتْ حَجَّتْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «إِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ بِلَالٌ، وَإِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ". انْتَهَى. قَالَ الْحَافِظُ: وَقِيلَ لَمْ يَكُنْ نَوْبًا وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُمَا حَالَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فَإِنَّ بِلَالًا كَانَ فِي أَوَّلِ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ يُؤَذِّنُ وَحْدَهُ وَلَا يُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ رِوَايَةُ عُرْوَةَ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ: " كَانَ بِلَالٌ يَجْلِسُ عَلَى بَيْتِي وَهُوَ أَعْلَى بَيْتٍ فِي الْمَدِينَةِ فَإِذَا رَأَى الْفَجْرَ تَمَطَّى ثُمَّ أَذَّنَ " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَرِوَايَةُ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنْ سَائِلًا سَأَلَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَذَّنَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ» " الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، ثُمَّ أَرْدَفَ بِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَكَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ وَاسْتَمَرَّ بِلَالٌ عَلَى حَالَتِهِ الْأُولَى، وَعَلَى ذَلِكَ تَنْزِلُ رِوَايَةُ أُنَيْسَةَ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ فِي آخِرِ الْأَمْرِ أَخَّرَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ لِضَعْفِهِ وَوَكَّلَ بِهِ مَنْ يُرَاعِي لَهُ الْفَجْرَ، وَاسْتَقَرَّ أَذَانُ بِلَالٍ بِلَيْلٍ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا أَخْطَأَ الْفَجْرَ فَأَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِهِ وَأَنَّهُ أَخْطَأَهُ مَرَّةً فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْجِعَ فَيَقُولَ: «أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ» يَعْنِي إِنَّ غَلَبَةَ النَّوْمِ عَلَى عَيْنَيْهِ مَنَعَتْهُ مِنْ تَبَيُّنِ الْفَجْرِ، وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْصُولًا مَرْفُوعًا وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ، لَكِنِ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالذُّهْلِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْأَثْرَمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى أَنَّ حَمَّادًا أَخْطَأَ فِي رَفْعِهِ، وَأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 الصَّوَابَ وَقْفُهُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ مُؤَذِّنِهِ وَأَنَّ حَمَّادًا انْفَرَدَ بِرَفْعِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وُجِدَ لَهُ مُتَابِعٌ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ زَرْبِيٍّ وَهُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ يَاءٌ كَيَاءِ النِّسْبَةِ، فَرَوَاهُ عَنْ أَيُّوبَ مَوْصُولًا لَكِنْ سَعِيدٌ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ أَيْضًا لَكِنَّهُ أَعْضَلَهُ فَلَمْ يَذْكُرْ نَافِعًا وَلَا ابْنَ عُمَرَ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهَا وَوَقْفِهَا أَيْضًا، وَأُخْرَى مُرْسَلَةٌ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، وَأُخْرَى مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلَةٌ، وَوَصَلَهَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ سَعِيدٍ بِذِكْرِ أَنَسٍ، فَهَذِهِ طُرُقٌ يَقْوَى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ قُوَّةً ظَاهِرَةً، فَلِهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ اسْتَقَرَّ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ انْتَهَى. ( «قَالَ: وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلًا أَعْمَى» ) ظَاهِرُهُ عَلَى رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ أَنَّ فَاعِلَ قَالَ هُوَ ابْنُ عُمَرَ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ فِي الْمُغْنِي، وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي الصِّيَامِ مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَصَرَّحَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بِأَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَثَبَتَتْ صِحَّةُ وَصْلِهِ، لَكِنْ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ كِلَاهُمَا عَنِ الْقَعْنَبِيِّ تَعَيُّنًا أَنَّ فَاعِلَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَكَذَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ الثَّلَاثَةُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَالْخُزَاعِيُّ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ، وَتَمَّامٌ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ، وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ كُلُّهُمْ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ وَاللَّيْثِ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَفِيهِ قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَمْنَعُ كَوْنُ ابْنِ شِهَابٍ قَالَهُ أَنْ يَكُونَ شَيْخُهُ سَالِمٌ قَالَهُ، وَكَذَا شَيْخُ شَيْخِهِ ابْنُ عُمَرَ أَيْضًا، وَلِابْنِ شِهَابٍ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَفِيهِ الزِّيَادَةُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ حَدِيثٌ آخَرُ لِابْنِ شِهَابٍ، وَقَدْ وَافَقَ ابْنُ إِسْحَاقَ مَعْمَرًا فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ ( «لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» ) بِالتَّكْرَارِ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ دَخَلْتَ فِي الصَّبَاحِ هَذَا ظَاهِرُهُ، وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ جَعَلَ أَذَانَهُ غَايَةً لِلْأَكْلِ، فَلَوْ لَمْ يُؤَذِّنْ حَتَّى يَدْخُلَ الصَّبَاحُ لَلَزِمَ مِنْهُ جَوَازُ الْأَكْلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ إِلَّا مَنْ شَذَّ كَالْأَعْمَشِ، وَأَجَابَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأَصِيلِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ بِأَنَّ الْمُرَادَ قَارَبْتَ الصَّبَاحَ، وَيُعَكِّرُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَلَمْ يَكُنْ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ النَّاسُ حِينَ يَنْظُرُونَ إِلَى بُزُوغِ الْفَجْرِ: أَذِّنْ. وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي الصِّيَامِ حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَإِنَّمَا قُلْتُ إِنَّهُ أَبْلَغُ لِكَوْنِ جَمِيعِهِ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ» يُشْعِرُ أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ بِخِلَافِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الصُّبْحِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بِلَالٍ فَرْقٌ لَصَدَقَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَذَّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ عِنْدِي فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ فِيهِ إِنَّهُ جَعَلَ عَلَامَةً لِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَكَانَ لَهُ مَنْ يُرَاعِي الْوَقْتَ بِحَيْثُ يَكُونُ أَذَانُهُ مُقَارِنًا لِابْتِدَاءِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْبُزُوغِ، وَعِنْدَ أَخْذِهِ فِي الْأَذَانِ يَعْتَرِضُ الْفَجْرُ فِي الْأُفُقِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِمْ أَصْبَحْتَ أَيْ قَارَبْتَ الصَّبَاحَ وُقُوعُ أَذَانِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ يَقَعُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَذَانُهُ يَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَبْعَدًا فِي الْعَادَةِ فَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ مِنْ مُؤَذِّنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُؤَيَّدِ بِالْمَلَائِكَةِ فَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو قُرَّةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثًا فِيهِ «وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يَتَوَخَّى الْفَجْرَ فَلَا يُخْطِيهِ» ، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ وَلَا عِطْرَ بَعْدَ عَرُوسٍ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِيهِ جَوَازُ أَذَانِ الْأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ بِالْوَقْتِ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ، وَعَلَى هَذَا الْقَيْدِ يُحْمَلُ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ أَعْمَى. وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُدَ أَنَّ أَذَانَ الْأَعْمَى لَا يَصِحُّ، وَتَعَقَّبَهُ السَّرُوجِيُّ بِأَنَّهُ غَلِطَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، نَعَمْ فِي الْمُحِيطِ لِلْحَنَفِيَّةِ كَرَاهَتُهُ، وَفِيهِ جَوَازُ تَقْلِيدِهِ لِلْبَصِيرِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، وَجَوَازُ ذِكْرِ الرَّجُلِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْعَاهَةِ إِذَا كَانَ لِقَصْدِ التَّعْرِيفِ وَنَحْوِهِ، وَالْأَذَانُ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ النَّوَوِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَهَلْ يُكْتَفَى بِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُمْ، وَخَالَفَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ، وَتَعَقَّبَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا: " «لَا يَمْنَعَّنَ أَحَدَكُمْ بِلَالٌ مِنْ سُحُورٍ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ لِيُرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ» " وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فَلَا يَدُلُّ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَمَحَلُّهُ إِذَا لَمْ يَرِدُ خِلَافُهُ وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ بِمَا يُشْعِرُ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ، نَعَمْ حَدِيثُ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ ثُمَّ أَبِي دَاوُدَ يَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ، فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ اسْتَأْذَنَهُ فِي الْإِقَامَةِ فَمَنَعَهُ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ضِعْفٌ، وَأَيْضًا فَهِيَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ وَكَانَتْ فِي سَفَرٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّهُ مَذْهَبٌ وَاضِحٌ، عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْمَنْقُولَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى خِلَافِهِ فَلَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا وَمَعْنَاهُ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَادَّعَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النِّدَاءَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يَكُنْ بِأَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَإِنَّمَا كَانَ تَذْكِيرًا أَوْ تَسْحِيرًا كَمَا يَقَعُ لِلنَّاسِ الْيَوْمَ وَهَذَا مَرْدُودٌ ; لِأَنَّ الَّذِي يَصْنَعُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ مُحْدَثٌ قَطْعًا، وَقَدْ تَضَافَرَتِ الطُّرُقُ بِلَفْظِ الْأَذَانِ فَحَمْلُهُ عَلَى مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ مُقَدَّمٌ ; وَلِأَنَّ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ لَوْ كَانَ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ لَمَا الْتَبَسَ عَلَى السَّامِعِينَ، وَسِيَاقُ الْخَبَرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ خَشِيَ عَلَيْهِمُ الِالْتِبَاسَ، وَادَّعَى ابْنُ الْقَطَّانِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً وَفِيهِ نَظَرٌ، وَتَمَسَّكَ الطَّحَاوِيُّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا لِمَذْهَبِهِ فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ النِّدَاءَ كَانَ لِمَا ذُكِرَ لَا لِلصَّلَاةِ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 لَا لِلصَّلَاةِ زِيَادَةٌ فِي الْخَبَرِ وَلَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ فِيمَا ذَكَرَ، فَإِنْ قِيلَ تَقَدَّمَ فِي تَعْرِيفِ الْأَذَانِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ إِعْلَامٌ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ، وَالْأَذَانُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَيْسَ إِعْلَامًا بِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِعْلَامَ بِالْوَقْتِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إِعْلَامًا بِأَنَّهُ دَخَلَ أَوْ قَارَبَ أَنْ يَدْخُلَ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتِ الصُّبْحُ بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ الصَّلَوَاتِ ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا مُرَغَّبٌ فِيهِ وَالصُّبْحُ تَأْتِي غَالِبًا عَقِبَ نَوْمٍ، فَنَاسَبَ أَنْ يَنْصِبَ مَنْ يُوقِظُ النَّاسَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا لِيَتَأَهَّبُوا وَيُدْرِكُوا أَوَّلَ الْوَقْتِ انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 [بَاب افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ»   4 - بَابُ مَا جَاءَ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ 165 - 162 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عُمَرَ (عَنْ) أَبِيهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ» ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ أَيْ مُقَابِلَ (مَنْكِبَيْهِ) تَثْنِيَةُ مَنْكِبٍ، وَهُوَ مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ وَبِهَذَا أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: " «أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا صَلَّى كَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ لَهُ: " «حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ» " وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: " «حَتَّى حَاذَيَا أُذُنَيْهِ» " وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ بِكَوْنِهِ أَصَحَّ إِسْنَادًا ثُمَّ الرَّفْعُ يَكُونُ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرِ وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ، لِرِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ» ، وَقَضِيَّةُ الْمُقَارَنَةِ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِانْتِهَائِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَجَاءَ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ عَلَى التَّكْبِيرِ، وَعَكْسُهُ أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ فَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِلَفْظِ: " «رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ» ". وَلَهُ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: " «كَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ» ". وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: الْأَصَحُّ يَرْفَعُ ثُمَّ يُكَبِّرُ ; لِأَنَّ الرَّفْعَ صِفَةُ نَفْيِ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ وَالتَّكْبِيرُ إِثْبَاتُ ذَلِكَ لَهُ، وَالنَّفْيُ سَابِقٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حِكْمَةَ الرَّفْعِ مَا ذُكِرَ، وَقَدْ قَالَ فَرِيقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الْحِكْمَةُ فِي اقْتِرَانِهِمَا أَنَّهُ يَرَاهُ الْأَصَمُّ وَيَسْمَعُهُ الْأَعْمَى، وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى طَرْحِ الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَقِيلَ: إِلَى الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ الحديث: 165 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 فَيُنَاسِبُ فِعْلُهُ قَوْلَهُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَقِيلَ: إِلَى اسْتِعْظَامِ مَا دَخَلَ فِيهِ، وَقِيلَ إِلَى تَمَامِ الْقِيَامِ، وَقِيلَ: إِلَى رَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَعْبُودِ، وَقِيلَ: لِيَسْتَقْبِلَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا أَشْبَهُهَا. وَقَالَ الرَّبِيعُ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: مَا مَعْنَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ؟ قَالَ تَعْظِيمُ اللَّهِ وَاتِّبَاعُ سُنَّةِ نَبِيِّهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ وَعِبَادَةٌ لَهُ وَابْتِهَالٌ إِلَيْهِ وَاسْتِسْلَامٌ لَهُ وَخُضُوعٌ فِي حَالَةِ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاتِّبَاعٌ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لِكُلِّ شَيْءٍ زِينَةٌ وَزِينَةُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ وَرَفْعُ الْأَيْدِي. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لَهُ بِكُلِّ إِشَارَةٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، بِكُلِّ أُصْبُعٍ حَسَنَةٌ انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: يُكْتَبُ فِي كُلِّ إِشَارَةٍ يُشِيرُهَا الرَّجُلُ بِيَدِهِ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ أُصْبُعٍ حَسَنَةٌ أَوْ دَرَجَةٌ مَوْقُوفٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا، إِذْ لَا دَخْلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، وَهَذَا الرَّفْعُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ لَا وَاجِبَ كَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَمِيدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَدَاوُدُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكُلُّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْوُجُوبُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَمِيدِيِّ وَهُوَ شُذُوذٌ وَخَطَأٌ، وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ حَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ، وَلِذَا كَانَ أَسْلَمُ الْعِبَارَاتِ قَوْلَ أَبِي عُمَرَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ: لَمْ يَخْتَلِفُوا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ» . ( «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا» ) أَيْ يَدَيْهِ (كَذَلِكَ) أَيْ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ (أَيْضًا) كَذَا لِيَحْيَى وَالْقَعْنَبِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَمَعْنٍ وَيَحْيَى وَالنَّيْسَابُورِيِّ وَابْنِ نَافِعٍ وَجَمَاعَةٍ فَلَمْ يَذْكُرُوا الرَّفْعَ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ لِلرُّكُوعِ. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ مَهْدِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَابْنُ نَافِعٍ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِثْبَاتِهِ فَقَالُوا: وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَذَلِكَ لِسَائِرِ مَنْ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إِنَّ تَرْكَ ذِكْرِ الرَّفْعِ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ إِنَّمَا أَتَى مِنْ مَالِكٍ وَهُوَ الَّذِي رُبَّمَا أَوْهَمَ فِيهِ ; لِأَنَّ جَمَاعَةً حُفَّاظًا رَوَوْا عَنْهُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَاخْتُلِفَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَرْفَعُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ. وَرَوَى أَبُو مُصْعَبٍ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمْ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ إِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ مِنْهُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالطَّبَرِيُّ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَكُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ تَرْكُ الرَّفْعِ فِيهِمَا رُوِيَ عَنْهُ فِعْلُهُ إِلَّا ابْنَ مَسْعُودٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ: لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ عَنْ مَالِكٍ تَرْكَ الرَّفْعِ فِيهِمَا إِلَّا ابْنُ الْقَاسِمِ وَالَّذِي نَأْخُذُ بِهِ الرَّفْعُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ مَالِكٌ ; لِأَنَّ نَافِعًا وَقَفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْبَعِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا سَالِمٌ وَنَافِعٌ. ثَانِيهِمَا: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 لِلْبَائِعِ» . وَالثَّالِثُ: «النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً» . وَالرَّابِعُ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ الْعُشْرُ» ، فَرَفَعَ الْأَرْبَعَةَ سَالِمٌ وَوَقَفَهَا نَافِعٌ انْتَهَى. وَبِهِ يُعْلَمُ تَحَامُلُ الْحَافِظِ فِي قَوْلِهِ: لَمْ أَرَ لِلْمَالِكِيَّةِ دَلِيلًا عَلَى تَرْكِهِ وَلَا مُتَمَسِّكًا إِلَّا قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. لِأَنَّ سَالِمًا وَنَافِعًا لَمَّا اخْتَلَفَا فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، تَرَكَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ الْقَوْلَ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ صِيَانَةُ الصَّلَاةِ عَنِ الْأَفْعَالِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَعَوَّلُوا عَلَى رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَرَهُ يَرْفَعُ فِيهِمَا، وَرُدَّ بِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ مَقَالًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَقَدْ أَثْبَتَ ذَلِكَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ، وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى مِنْ وَاحِدٍ لَا سِيَّمَا وَهُمْ مُثْبِتُونَ وَهُوَ نَافٍ، مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَاجِبًا فَفَعَلَهُ تَارَةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا رَأَى رَجُلًا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَمَاهُ بِالْحَصَى، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ لَا يَعُودُ» " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَدَّهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ، قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ الْمُثْبَتُ مُقَدَّمًا عَلَى النَّافِي وَقَدْ صَحَّحَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، لَكِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَمُقَابِلُ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَنَسَبَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمَغَارِبَةِ فَاعِلَهُ إِلَى الْبِدْعَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مُحَقِّقِيهِمْ دَرْءًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ، لَكِنْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ فَقَدْ طَعَنَ فِي الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ تَرْكُهُ، وَلَا أَسَانِيدَ أَصَحُّ مِنْ أَسَانِيدِ الرَّفْعِ. ( «وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَى سَمِعَ هُنَا أَجَابَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ حَمِدَهُ مُتَعَرِّضًا لِثَوَابِهِ اسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَأَعْطَاهُ مَا تَعَرَّضَ لَهُ، فَإِنَّا نَقُولُ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ لِتَحْصِيلِ ذَلِكَ ( «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: الرِّوَايَةُ بِثُبُوتِ الْوَاوِ أَرْجَحُ وَهِيَ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ: عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ حَمِدْنَاكَ، وَقِيلَ: هِيَ وَاوُ الْحَالِ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ وَضَعَّفَ مَا عَدَاهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَجْمَعُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ ; لِأَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِمَامَةُ، وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ وَالْفَذَّ يَقُولُ اللَّفْظَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَقُولُ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَطْ، وَالْمَأْمُومُ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَقَطْ، لِحَدِيثِ: " «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» " فَقَصَرَ الْإِمَامُ عَلَى قَوْلِ ذَلِكَ وَالْمَأْمُومُ عَلَى الْآخَرِ، وَهَذِهِ قِسْمَةٌ مُنَافِيَةٌ لِلشَّرِكَةِ، كَحَدِيثِ " «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» "، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِحَمْلِهِ عَلَى صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْفَرِدًا أَوْ عَلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَالْمُنْفَرِدُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ. (وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ) أَيْ رَفْعَ يَدَيْهِ (فِي السُّجُودِ) لَا فِي الْهُوِيِّ إِلَيْهِ وَلَا فِي الرَّفْعِ مِنْهُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ: «حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ» ، وَهَذَا يَشْمَلُ مَا إِذَا نَهَضَ مِنَ السُّجُودِ إِلَى الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالتَّشَهُّدَيْنِ، وَيَشْمَلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 مَا إِذَا قَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ أَيْضًا لَكِنْ بِدُونُ تَشَهُّدٍ وَاجِبٍ، وَإِذَا قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يَدُلَّ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ عَنِ الْقِيَامِ مِنْهَا إِلَى الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ، لَكِنْ رَوَى يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا هَذَا الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: وَلَا يَرْفَعُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَظَاهِرُهُ النَّفْيُ عَمَّا عَدَا الْمَوَاطِنَ الثَّلَاثَةَ. لَكِنْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ» " وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَأَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُمَا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ: مَا زَادَهُ ابْنُ عُمَرَ وَعَلِيٌّ وَأَبُو حُمَيْدٍ فِي عَشَرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنَ الرَّفْعِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُخَلُّوا صَلَاةً وَاحِدَةً، فَاخْتَلَفُوا فِيهَا، وَإِنَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَجِبُ قَبُولُهَا لِمَنْ يَقُولُ بِالرَّفْعِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمْ يَقُلْ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ لَازِمٌ عَلَى أَصْلِهِ فِي قَبُولِ الزِّيَادَةِ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: هُوَ سُنَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ فَالْإِسْنَادُ صَحِيحٌ، وَقَدْ قَالَ: قُولُوا بِالسُّنَّةِ وَدَعُوا قَوْلِي. وَقَدْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: قِيَاسُ نَظِيرِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يُسْتَحَبَّ الرَّفْعُ فِيهِ ; لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الرَّفْعَ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَالرَّفْعُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ زَائِدًا عَلَى مَنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ، وَالْحُجَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدَةٌ، وَأَوَّلُ رَاضٍ سِيرَةً مَنْ يُسَيِّرُهَا قَالَ: وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ. وَأَمَّا كَوْنُهُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي، فَفِيهِ نَظَرٌ، انْتَهَى. لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَمَلِ بِهِ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْحَدِيثِ، أَمَّا إِذَا عُرِفَ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَرَدَّهُ أَوْ تَأَوَّلَهُ بِوَجْهٍ فَلَا، وَالْأَمْرُ هُنَا مُحْتَمَلٌ، وَأَطْلَقَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الْأُمِّ خِلَافُهُ لِقَوْلِهِ: " وَلَا يَأْمُرُهُ بِالرَّفْعِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ وَهُوَ مُتَوَاتِرٌ، ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ أَنَّهُ رَوَاهُ سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَذَكَرَ الْحَاكِمُ وَابْنُ مِنْدَهْ مِمَّنْ رَوَاهُ الْعَشَرَةُ الْمُبَشَّرَةُ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو الْفَضْلِ الْحَافِظُ أَنَّهُ تَتَبَّعَ مَنْ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَبَلَغُوا خَمْسِينَ رَجُلًا، ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِيِّ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَالِكٍ بِنَحْوِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ صَلَاتَهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ»   166 - 163 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الْهَاشِمِيِّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ عَابِدٌ فَقِيهٌ، فَاضِلٌ مَشْهُورٌ، مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا رَأَيْتُ قُرَشِيًّا أَفْضَلَ مِنْهُ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحديث: 166 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ» ) لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (وَرَفَعَ) رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ لَا مِنَ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. ( «فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ صَلَاتَهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ، رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ مَوْصُولًا، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِ إِلَّا مَا فِي الْمُوَطَّأِ مُرْسَلٌ، وَأَخْطَأَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ فَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِ هَذَا الْإِسْنَادُ وَالصَّوَابُ عِنْدَهُمْ مَا فِي الْمُوَطَّأِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ»   167 - 164 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) أَحَدِ الْفُقَهَاءِ التَّابِعِيِّ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ» ) رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ كَذَلِكَ مُرْسَلًا بِلَفْظِ «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ» . الحديث: 167 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ «كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»   168 - 165 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) التَّابِعِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ) أَيْ: لِأَجْلِهِمْ إِمَامًا، وَفِي رِوَايَةٍ بِهِمْ بِالْبَاءِ ( «فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ» ) تَجْدِيدًا لِلْعَهْدِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي هُوَ شِعَارُ النِّيَّةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ، مَقْرُونَةً بِالتَّكْبِيرِ الَّتِي كَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تُسْتَصْحَبَ إِلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، قَالَهُ النَّاصِرُ بْنُ الْمُنِيرِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ عُمُومُهُ فِي جَمِيعِ الِانْتِقَالَاتِ، لَكِنْ خُصَّ مِنْهُ الرَّفْعُ مِنَ الرُّكُوعِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ يُشْرَعُ فِيهِ التَّحْمِيدُ، وَقَدْ جَاءَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْعَامِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ، وَالطَّحَاوِيِّ وَابْنِ عُمَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، وَجَابِرٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ: ذَكَّرَنَا هَذَا الحديث: 168 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 الرَّجُلُ صَلَاةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ أَنَّهُ «كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ» . وَرَوَى أَحْمَدُ وَالطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: ذَكَّرَنَا عَنْ صَلَاةٍ كُنَّا نُصْلِيهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِمَّا نَسِينَاهَا، وَإِمَّا تَرَكْنَاهَا عَمْدًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ الْمَذْكُورَ كَانَ قَدْ تُرِكَ، وَلِأَحْمَدَ عَنْ عِمْرَانَ: أَوَّلُ مَنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ حِينَ كَبِرَ وَضَعُفَ صَوْتُهُ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ إِرَادَةَ تَرْكِ الْجَهْرِ. وَلِلطَّبَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَوَّلُ مَنْ تَرَكَهُ مُعَاوِيَةُ. وَلِأَبِي عُبَيْدٍ: أَوَّلُ مَنْ تَرَكَهُ زِيَادٌ وَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ ; لِأَنَّ زِيَادًا تَرَكَهُ بِتَرْكِ مُعَاوِيَةَ وَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ بِتَرْكِ عُثْمَانَ، وَقَدْ حَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْإِخْفَاءِ، لَكِنْ حَكَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا يَتْرُكُونَ التَّكْبِيرَ فِي الْخَفْضِ دُونَ الرَّفْعِ قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ تَفْعَلُ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَّ بَعْضَ السَّلَفِ كَانَ لَا يُكَبِّرُ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْفَذِّ وَغَيْرِهِ، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِيذَانِ بِحَرَكَةِ الْإِمَامِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْفَذُّ، لَكِنِ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ لِكُلِّ مُصَلٍّ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى سُنِّيَّةِ مَا عَدَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ. وَعَنْ أَحْمَدَ وَبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَجِبُ كُلُّهُ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: تَرْكُ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَتَلَقَّوْهُ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ مِنَ الصَّلَاةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَتَلَقَّوْهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا عَلَى السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، قَالَ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَارِكِهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِنْ أَسْقَطَ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ سَجَدَ لِسَهْوِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَوَاحِدَةٌ أَوِ اثْنَتَيْنِ سَجَدَ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ: إِنْ سَهَا سَجَدَ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَمْدًا أَسَاءَ، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَعَلَى هَذَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ مِنَ الشَّافِعِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْمَالِكِيِّينَ إِلَّا مَنْ ذَهَبَ مِنْهُمْ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ. (فَإِذَا انْصَرَفَ) مِنَ الصَّلَاةِ (قَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَالْإِتْيَانِ بِهَا، قَالَ الرَّافِعِيُّ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ مَعَ الْفِعْلِ الْمَأْتِيِّ بِهِ نَازِلَةٌ مَنْزِلَةَ حِكَايَةِ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انْتَهَى. وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ عَنْهُ صَرِيحًا، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ جَمِيعًا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ» " وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ   169 - 166 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ) زَادَ أَشْهَبُ: وَيَخْفِضُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَقُلْهُ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الرُّوَاةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُكَبِّرُ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ، وَرِوَايَةُ مَالِكٍ أَوْلَى، إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْمُجْمَلِ وَالْمُفَسَّرِ، فَتَكُونُ رِوَايَةُ مَالِكٍ إِذَا صَلَّى إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، وَمَا حَكَى أَحْمَدُ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ. الحديث: 169 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ   169 - 167 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) نَقْلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي وَقَفَهَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَفَعَهَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ سَالِمٍ، وَلَمْ يَلْتَفِتِ النَّاسُ فِيهَا إِلَى نَافِعٍ. وَنَقَلَ الْحَافِظُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى رَدِّ هَذَا بِأَنَّهُ اخْتَلَفَ عَلَى نَافِعٍ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، فَرَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ» ، " وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ السَّبَبَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ نَافِعًا كَانَ يَرْوِيهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ يُعَقِّبُهُ بِالرَّفْعِ، فَكَأَنَّهُ كَانَ أَحْيَانًا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَوْقُوفِ أَوْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ( «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ» ) كَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِهِ أَبُو دَاوُدَ وَيُعَارِضُهُ قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجْعَلُ الْأُولَى أَرْفَعَهُنَّ؟ قَالَ: لَا. ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا، وَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْ رَفْعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ غَيْرُ مَالِكٍ فِيمَا أَعْلَمُ انْتَهَى. وَمُعَارَضَتُهُ بِذَلِكَ لَا تَنْهَضُ، إِذْ مَالِكٌ أَثْبَتُ مِنَ ابْنِ جُرَيْجٍ لَا سِيَّمَا فِي نَافِعٍ لِكَثْرَةِ مُلَازَمَتِهِ لَهُ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ نَافِعًا نَسِيَ لَمَّا سَأَلَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ فَأَجَابَهُ بِالنَّفْيِ، وَلَمَّا حَدَّثَ بِهِ مَالِكًا كَانَ مُتَذَكِّرًا فَحَدَّثَهُ بِهِ تَامًّا فَصَدَقَ كُلٌّ مِنْ رِوَايَتَيْهِ. وَأَمَّا زَعْمُ أَبِي دَاوُدَ تَفْرُّدَ مَالِكٍ بِزِيَادَةٍ دُونَ ذَلِكَ، فَبِفَرْضِ تَسْلِيمِهِ لَا يَقْدَحُ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ حَافِظٍ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ، فَيَجِبُ قَبُولُهَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ فَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُكَبِّرَ كُلَّمَا خَفَضْنَا وَرَفَعْنَا   170 - 168 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ الْمُعَلِّمُ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ الْجَمِيعُ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ) أَيْ أَصْحَابَهُ التَّابِعِينَ (التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ) وَهْبٌ: (فَكَانَ) جَابِرٌ (يَأْمُرُنَا أَنْ نُكَبِّرَ كُلَّمَا خَفَضْنَا) أَيْ هَبَطْنَا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. (وَرَفَعْنَا) مِنَ السُّجُودِ وَفِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ مِنَ الْمَرْفُوعِ تَضْعِيفُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى: " «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُتِمَّ التَّكْبِيرَ» " وَقَدْ نَقَلَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ عَنْ أَبِي دَاوُدَالطَّيَالِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا عِنْدَنَا بَاطِلٌ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَالْبَزَّارُ: تَفَرَّدَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَأُجِيبُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَالْمُرَادُ لَمْ يَتِمَّ الْجَهْرُ بِهِ أَوْ لَمْ يُمَدَّ. الحديث: 170 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ الرَّكْعَةَ فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُ تِلْكَ التَّكْبِيرَةُ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ إِذَا نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الْافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ حَتَّى صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الْافْتِتَاحِ وَلَا عِنْدَ الرُّكُوعِ وَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ يَبْتَدِئُ صَلَاتَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَوْ سَهَا مَعَ الْإِمَامِ عَنْ تَكْبِيرَةِ الْافْتِتَاحِ وَكَبَّرَ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ رَأَيْتُ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ إِذَا نَوَى بِهَا تَكْبِيرَةَ الْافْتِتَاحِ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الْافْتِتَاحِ إِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ صَلَاتَهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي إِمَامٍ يَنْسَى تَكْبِيرَةَ الْافْتِتَاحِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَرَى أَنْ يُعِيدَ وَيُعِيدُ مَنْ خَلْفَهُ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ مَنْ خَلْفَهُ قَدْ كَبَّرُوا فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ   171 - 169 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ الرَّكْعَةَ) مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنَ الرُّكُوعِ (فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُ تِلْكَ التَّكْبِيرَةُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ إِذَا نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ فِي قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ دَلِيلٌ عَلَى تَفْسِيرِ مَالِكٍ، بَلْ هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ الِافْتِتَاحَ لَيْسَتْ فَرْضًا فَفَسَّرَهُ مَالِكٌ عَلَى مَذْهَبِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَذَلِكَ عِنْدَنَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَبْتَدِيهَا، وَالثَّانِيَةُ يَتَمَادَى وَيُعِيدُ لِئَلَّا يُبْطِلَ عَمَلًا اخْتُلِفَ فِي إِجْزَائِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (سُورَةُ مُحَمَّدٍ: الْآيَةُ 33) انْتَهَى. وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ رُكْنٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَقِيلَ شَرْطٌ وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَوَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَقِيلَ سُنَّةٌ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ يَقُلْ بِهِ غَيْرُ ابْنِ شِهَابٍ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُ وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَالْحَكَمِ وَقَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: تُجْزِيهِ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ، قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِيِّ: وَكَذَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ التَّصْرِيحُ بِالسُّنِّيَّةِ، إِنَّمَا قَالُوا فِيمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا تُجْزِيهِ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ، نَعَمْ نَقَلَهُ الْكَرْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَأَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ وَمُخَالَفَتُهُمَا لِلْجُمْهُورِ كَثِيرَةٌ، وَأَمَّا وُجُوبُ النِّيَّةِ لِلصَّلَاةِ فَلَا خِلَافَ فِيهَا. الحديث: 171 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ حَتَّى صَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ، وَلَا عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ: يَبْتَدِئُ صَلَاتَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ) أَحَبُّ لِلْوُجُوبِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلِقُهُ عَلَيْهِ أَحْيَانًا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، قَالَ: وَقَدِ اضْطَرَبَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الدَّاخِلِ لِلرُّكُوعِ دُونَ الْإِحْرَامِ بَيْنَ الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى وَالثَّانِيَةِ، بِمَا لَا مَعْنَى لِإِيرَادِهِ. (وَلَوْ سَهَا) الْمَأْمُومُ حَالَ كَوْنِهِ (مَعَ الْإِمَامِ) فَلَيْسَ السَّهْوُ وَاقِعًا مِنَ الْإِمَامِ أَيْضًا (عَنْ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَكَبَّرَ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، رَأَيْتُ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ إِذَا نَوَى بِهَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ) وَحُكْمُ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ فِي أَيِّ رَكْعَةٍ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا جَاءَ التَّقْيِيدُ لِكَوْنِهِ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي الْفُرُوعِ، وَهَذَا كُلُّهُ لِلْمَأْمُومِ فَقَطْ لَا لِلْمُنْفَرِدِ وَلَا لِلْإِمَامِ، فَصَلَاتُهُمَا بَاطِلَةٌ كَمَا (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فَيَنْسَى تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ إِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ صَلَاتَهُ) لِبُطْلَانِهَا بِتَرْكِ رُكْنٍ وَهُوَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ. (وَقَالَ مَالِكٌ فِي إِمَامٍ يَنْسَى تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: أَرَى أَنْ يُعِيدَ وَيُعِيدَ مَنْ خَلْفَهُ الصَّلَاةَ) لِبُطْلَانِهَا (وَإِنْ كَانَ مَنْ خَلْفَهُ قَدْ كَبَّرُوا فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ) لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ بَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَأْمُومِ، إِلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 [بَاب الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ]   5 - بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَيْ تَقْدِيرُهَا فِيهِمَا لِكَوْنِهِمَا جَهْرِيَّتَيْنِ، وَقَدَّمَهُمَا عَلَى تَرْجَمَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ لِأَنَّ اللَّيْلَ سَابِقُ النَّهَارِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَرْجَمَةً؛ لِأَنَّهُمَا سِرِّيَّتَانِ لَمْ تُسْمَعْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمَا، وَمَنْ تَرْجَمَ لَهُمَا أَرَادَ إِثْبَاتَ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا، وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ لَهُمَا وَرَوَى فِي التَّرْجَمَتَيْنِ حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ: " «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا» " وَحَدِيثَ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: " «قُلْتُ لِخَبَّابٍ: أَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قِرَاءَتَهُ؟ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ» " وَأَوْرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ الْعِلْمَ بِقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي السِّرِّيَّةِ إِنَّمَا يَكُونُ بِسَمَاعِ كُلِّهَا، وَأُجِيبُ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ سَمَاعِ بَعْضِهَا مَعَ قِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَى قِرَاءَةِ بَاقِيهَا، وَبِاحْتِمَالِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخْبِرُهُمْ عَقِبَ الصَّلَاةِ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا بِقِرَاءَةِ السُّورَتَيْنِ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ. وَعَلَى الثَّانِي أَنَّ اضْطِرَابَ لِحْيَتِهِ لَا يُعَيِّنُ الْقِرَاءَةَ لِحُصُولِهِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُمْ نَظَرُوهُ بِالْجَهْرِيَّةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ مِنْهَا هُوَ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ لَا الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَإِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي قَتَادَةَ كَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا قَوِيَ الِاسْتِدْلَالُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: احْتِمَالُ الذِّكْرِ مُمْكِنٌ لَكِنَّ جَزْمَ الصَّحَابِيِّ بِالْقِرَاءَةِ مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِأَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ، فَقُبِلَ تَفْسِيرُهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَارَ بِالْقِرَاءَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إِسْمَاعِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ وَالشَّفَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْبَقَ شَفَتَيْهِ وَحَرَّكَ لِسَانَهُ بِالْقِرَاءَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَضْطَرِبُ بِذَلِكَ لِحْيَتُهُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِبِ»   172 - 170 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (ابْنِ مُطْعِمٍ) النَّوْفَلِيِّ أَبِي سَعِيدٍ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، عَارِفٌ بِالْأَنْسَابِ مَاتَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ. (عَنْ أَبِيهِ) جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، صَحَابِيٌّ أَسْلَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَقِيلَ قَبْلَهُ، وَكَانَ أَحَدَ الْأَشْرَافِ، وَمِنْ حُلَمَاءِ قُرَيْشٍ وَسَادَاتِهِمْ عَارِفًا بِالْأَنْسَابِ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ. (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ) كَذَا فِي نُسَخِ الْمُوَطَّأِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ قَرَأَ بِلَفْظِ الْمَاضِي، وَفِي فَتْحِ الْبَارِيِّ قَوْلُهُ: قَرَأَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ يَقْرَأُ، وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ. ( «بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِبِ» ) وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَكَانَ جَاءَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي فِدَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ، وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَيْضًا، وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا وَقَرَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِي، وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ نَحْوُ: وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَأَخَذَنِي مِنْ قِرَاءَتِهِ الْكَرْبُ، وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَكَأَنَّمَا صُدِعَ قَلْبِي حِينَ سَمِعْتُ الْقُرْآنَ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ أَدَاءِ مَا تَحَمَّلَهُ الرَّاوِي فِي حَالِ الْكُفْرِ، وَكَذَا الْفِسْقُ إِذَا أَدَّاهُ فِي حَالَةِ الْعَدَالَةِ، وَقَوْلُهُ بِالطُّورِ أَيْ بِسُورَةِ الطُّورِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنِ الْبَاءَ بِمَعْنَى مِنْ كَقَوْلِهِ تَعَالَىْ: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] (سُورَةُ الْإِنْسَانِ: الْآيَةُ 6) وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ الحديث: 172 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور: 7] (سُورَةُ الطُّورِ: الْآيَةُ 7) قَالَ: فَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ هُوَ هَذِهِ الْآيَةُ خَاصَّةً، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْتَضِي قَوْلَهُ خَاصَّةً، مَعَ أَنَّ رِوَايَةَ هُشَيْمٍ بِخُصُوصِهَا مُضَعَّفَةٌ، بَلْ جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَرَأَ السُّورَةَ كُلَّهَا، فَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ: فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ - أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ - أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور: 35 - 37] (سُورَةُ الطُّورِ: الْآيَةُ 35 - 37) كَادَ قَلْبِي يَطِيرُ، وَنَحْوُهُ لِقَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: {وَالطُّورِ - وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 1 - 2] (سُورَةُ الطُّورِ: الْآيَةُ 1، 2) وَمِثْلُهُ لِابْنِ سَعْدٍ، وَزَادَ: فَاسْتَمَعْتُ قِرَاءَتَهُ حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ انْتَهَى. وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَجَعَلَ مَوْضِعَ الْمَغْرِبِ الْعَتَمَةَ. وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: " «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُكَلِّمَهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ فَوَافَقْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ الْمَغْرِبَ أَوِ الْعِشَاءَ، وَهُوَ يَقْرَأُ وَقَدْ خَرَجَ صَوْتُهُ مِنَ الْمَسْجِدِ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ - مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور: 7 - 8] (سُورَةُ الطُّورِ: الْآيَةُ 7، 8) فَكَأَنَّمَا صُدِعَ قَلْبِي» ، أَخْرَجَهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَأَمَّا رِوَايَةُ الشَّكِّ، فَالصَّحِيحُ مِنْهُ الْمَغْرِبُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْعَتَمَةِ فَضَعِيفَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يَعْنِي وَابْنُ لَهِيعَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا انْفَرَدَ، فَكَيْفَ إِذَا خَالَفَ؟ وَالْمَحْفُوظُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ حُفَّاظِ أَصْحَابِهِ الْمَغْرِبُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ «سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا فَقَالَتْ لَهُ يَا بُنَيَّ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ»   173 - 171 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا بَعْدَهَا فَوْقِيَّةٌ (ابْنِ مَسْعُودٍ) أَحَدُ الْفُقَهَاءِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) الْحَبْرُ التُّرْجُمَانُ (أَنَّ) أُمَّهُ (أُمَّ الْفَضْلِ) اسْمُهَا لُبَابَةُ بِضَمِّ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ (بِنْتَ الْحَارِثِ) بْنِ حَزْنٍ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا نُونٌ، الْهِلَالِيَّةَ، زَوْجَ الْعَبَّاسِ وَأُمَّ بَنِيهِ السِّتَّةِ النُّجَبَاءِ، وَأُخْتَ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، لَهَا صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزُورُهَا وَيَقِيلُ عِنْدَهَا، وَيُقَالُ إِنَّهَا أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ بَعْدَ خَدِيجَةَ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدِيمَةَ الْإِسْلَامِ لَكِنَّهَا سَبَقَتْهَا أُمُّ عَمَّارٍ وَأُمُّ بِلَالٍ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ فِي الْفَتْحِ هُنَا: وَالصَّحِيحُ أَيْ فِي أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ خَدِيجَةَ فَاطِمَةُ أُخْتُ عُمَرَ زَوْجُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، كَمَا فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ حَدِيثِهِ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَعُمْرُ مُوَثِّقِي، وَأُخْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَتْ بَعْدَ الْعَبَّاسِ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ. (سَمِعَتْهُ وَهُوَ) الحديث: 173 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ (يَقْرَأُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْحَاضِرِ إِلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ سَمِعَتْنِي وَأَنَا أَقْرَأُ. {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1] أَيِ الرِّيَاحَ مُتَتَابِعَةً كَعُرْفِ الْفَرَسِ يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا، وَنَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ. (فَقَالَتْ لَهُ: يَا بُنَيَّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرٌ (لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي) بِشَدِّ الْكَافِ شَيْئًا نَسِيتُهُ (بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ) مَنْصُوبٌ بِقِرَاءَةٍ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَبِذَكَّرْتَنِي عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ. ( «إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ» ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ، مِنْ رِوَايَةِ عَقِيلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ: ثُمَّ مَا صَلَّى لَنَا بَعْدَهَا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَصْحَابِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَانَتِ الظُّهْرَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنِ الَّتِي حَكَتْهَا عَائِشَةُ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ، وَالَّتِي حَكَتْهَا أُمُّ الْفَضْلِ كَانَتْ فِي بَيْتِهِ، كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ: " «خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَاصِبٌ رَأْسَهُ فِي مَرَضِهِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ» " الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهَا خَرَجَ إِلَيْنَا أَيْ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ رَاقِدًا فِيهِ إِلَى مَنْ فِي الْبَيْتِ فَصَلَّى بِهِمْ فَتَلْتَئِمُ الرِّوَايَاتُ، قَالَهُ الْحَافِظُ. وَاسْتُدِلَّ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَعَلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِغَيْرِ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ «عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ؟» تَأْنِيثُ أَطْوَلَ، وَالطُّولَيَيْنِ بِتَحْتِيَّةٍ تَثْنِيَةُ طُولَى أَيْ بِأَطْوَلِ السُّورَتَيْنِ الطَّوِيلَتَيْنِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِيهَا بِسُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا. وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى تَفْسِيرِ الطُّولَى بِالْأَعْرَافِ، وَفِي تَفْسِيرِ الْأُخْرَى بِالْمَائِدَةِ وَالْأَنْعَامِ وَيُونُسَ رِوَايَاتٌ الْمَحْفُوظُ مِنْهَا الْأَنْعَامُ. وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فُلَانٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ» " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْيَانًا يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي الْمَغْرِبِ إِمَّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَإِمَّا لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِذَلِكَ؛ لِكَوْنِهِ أَنْكَرَ عَلَى مَرْوَانَ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَلَوْ عَلِمَ مَرْوَانُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ لَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى زَيْدٍ، لَكِنْ لَمْ يُرِدْ زَيْدٌ مِنْهُ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالطِّوَالِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ ذَلِكَ كَمَا رَآهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الصِّحَّةِ بِأَطْوَلَ مِنَ الْمُرْسَلَاتِ، لِكَوْنِهِ حَالَ شِدَّةِ مَرَضِهِ وَهُوَ مَظِنَّةُ التَّخْفِيفِ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى أَبِي دَاوُدَ ادِّعَاءَ نَسْخِ التَّطْوِيلِ ; لِأَنَّهُ رَوَى عَقِبَ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْقِصَارِ، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 حَدِيثِ زَيْدٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الدَّلَالَةِ، وَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى عُرْوَةَ رَاوِيَ الْحَدِيثِ عَمِلَ بِخِلَافِهِ، حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ عَلَى نَاسِخِهِ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا الْحَمْلِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ وَأُمُّ الْفَضْلِ تَقُولُ: آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِهِمْ قَرَأَ بِالْمُرْسَلَاتِ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: هَذَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ، فَجَائِزٌ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمَغْرِبِ وَفِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِمَا أَحَبَّ، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ إِمَامًا اسْتُحِبَّ لَهُ تَخْفِيفُ الْقِرَاءَةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْقُرْطُبِيِّ: مَا وَرَدَ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ التَّقْصِيرُ أَوْ عَكْسُهُ فَهُوَ مَتْرُوكٌ انْتَهَى. وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْقِرَاءَةَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَنَحْوِهِمَا، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ لَا أَكْرَهُ ذَلِكَ بَلْ أَسْتَحِبُّهُ غَرِيبٌ، فَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا اسْتِحْبَابَ بَلْ هُوَ جَائِزٌ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، نَعَمِ الْمُسْتَحَبُّ تَقْصِيرُهَا لِلْعَمَلِ بِالْمَدِينَةِ وَبِغَيْرِهَا، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَى تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَتَقْصِيرِهَا فِي الْمَغْرِبِ، وَالْحَقُّ عِنْدَنَا أَنَّ مَا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَثَبَتَتْ مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَمَا لَمْ تَثْبُتْ مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ. وَاسْتَدَلَّ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْأَحَادِيثِ عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إِلَى الشَّفَقِ وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّ لَهَا وَقْتًا وَاحِدًا لَمْ يَحُدَّهُ بِقِرَاءَةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ أَوَّلِ غُرُوبٍ، وَلَهُ أَنْ يُطَوِّلَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا إِلَى الشَّفَقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَلَوْ غَابَ الشَّفَقُ، وَحَمَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ رَكْعَةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَيُدِيمُ الْبَاقِيَ وَلَوْ غَابَ الشَّفَقُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ ; لِأَنَّ تَعَمُّدَ إِخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنِ الْوَقْتِ مَمْنُوعٌ وَلَوْ أَجْزَأَتْ فَلَا يُحْمَلُ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، وَحَدِيثُ أُمِّ الْفَضْلِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَصَلَّيْتُ وَرَاءَهُ الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَةِ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنَّ ثِيَابِي لَتَكَادُ أَنْ تَمَسَّ ثِيَابَهُ فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِهَذِهِ الْآيَةِ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]   174 - 172 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرٌ الْمِذْحَجِيِّ، قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَقِيلَ حَيٌّ، وَقِيلَ حُيَيٌّ، وَقِيلَ حُوَيٌّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ ثَقِيلَةٌ، ثِقَةٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَعَلَّقَ لَهُ الْبُخَارِيُّ. (مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ) بْنِ مَرْوَانَ أَحَدِ مُلُوكِ بَنِي أُمَيَّةَ وَحَاجِبِهِ. (عَنْ عُبَادَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالتَّخْفِيفِ وَهَاءٍ آخِرَهُ (ابْنِ نُسَيٍّ) بِضَمِّ النُّونِ، وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الْخَفِيفَةِ، الْكِنْدِيُّ الشَّامِيُّ، قَاضِي طَبَرِيَّةَ، ثِقَةٌ فَاضِلٌ تَابِعِيٌّ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ. (عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ) الْكِنْدِيُّ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ. (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ النُّونِ فَأَلِفٌ، فَمُوَحَّدَةٌ فَمُهْمَلَةٌ، اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ الْمُرَادِيُّ، ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسَةِ الحديث: 174 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 أَيَّامٍ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ. (قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَصَلَّيْتُ وَرَاءَهُ الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ) وَهَلْ أَوَّلُهُ الصَّافَّاتُ أَوِ الْجَاثِيَةُ أَوِ الْفَتْحُ أَوِ الْحُجُرَاتُ أَوْ قَافٌ أَوِ الصَّفُّ أَوْ تَبَارَكَ أَوْ سَبِّحْ أَوِ الضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، أَقْوَالٌ أَكْثَرُهَا مُسْتَغْرَبٌ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ الْحُجُرَاتُ، وَنَقَلَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّ الْمُفَصَّلَ جَمِيعُ الْقُرْآنِ. (ثُمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَةِ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنَّ ثِيَابِي لَتَكَادُ أَنْ تَمَسَّ ثِيَابَهُ فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِهَذِهِ الْآيَةِ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 8) تُمِلْهَا عَنِ الْحَقِّ بِابْتِغَاءِ تَأْوِيلِهِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِنَا، كَمَا زَاغَتْ قُلُوبُ أُولَئِكَ، (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) أَرْشَدْتَنَا إِلَيْهِ، {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ} [آل عمران: 8] مِنْ عِنْدِكَ، (رَحْمَةً) تَثْبِيتًا {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] ، قَالَ الْبَاجِيُّ: قِرَاءَتُهُ فِي الثَّالِثَةِ هَذِهِ الْآيَةَ ضَرْبٌ مِنَ الْقُنُوتِ وَالدُّعَاءِ، لِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَأَجَازَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْقُنُوتَ فِي الْمَغْرِبِ، وَكُلِّ صَلَاةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَاهُ أَصْلًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِرَاءَةُ النَّبِيِّ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَفِي الْعِشَاءِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَقِرَاءَةُ أَبِي بَكْرٍ بِمَا ذُكِرَ، كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْمُبَاحِ يَقْرَأُ بِمَا شَاءَ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ مَا لَمْ يَكُنْ إِمَامًا فَلَا يُطَوِّلُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ، وَتَخْفِيفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَرُبَّمَا طَوَّلَ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا تَوْقِيتَ فِي الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَهَذَا إِجْمَاعٌ، وَقَدْ قَالَ: " «مَنْ أَمَّ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ» " وَلَمْ يَحُدَّ شَيْئًا، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةٍ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِبَغْدَادَ: تَسْقُطُ الْقِرَاءَةُ عَمَّنْ نَسِيَ فَإِنَّ النِّسْيَانَ مَوْضُوعٌ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ بِمِصْرَ، وَأَظُنُّهُ كَانَتْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ الشُّبْهَةُ بِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ، فَذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؟ قِيلَ: حَسَنٌ، قَالَ: لَا بَأْسَ إِذًا. وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، كَانَ مَالِكٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّأِ مُرْسَلًا، ثُمَّ رَمَاهُ مِنْ كِتَابِهِ، وَصَحَّ أَنَّ عُمَرَ أَعَادَ تِلْكَ الصَّلَاةَ بِإِقَامَةٍ، وَقَالَ: لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةٍ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ فَعَلَهُ، وَقَالَ: يَرَى النَّاسُ عُمَرَ يَفْعَلُ هَذَا فِي الْمَغْرِبِ فَلَا يُسَبِّحُونَ لَهُ وَلَا يُخْبِرُونَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ جَمِيعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَكَانَ يَقْرَأُ أَحْيَانًا بِالسُّورَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ   175 - 173 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ) أَيْ مُنْفَرِدًا (يَقْرَأُ الحديث: 175 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 فِي الْأَرْبَعِ) مِنْ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ (جَمِيعًا) أَيْ فِي جَمِيعِهِنَّ لَا فِي بَعْضِهِنَّ، زَادَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ) طَوِيلَةٍ أَوْ قَصِيرَةٍ، وَهَذَا لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَلَا الْجُمْهُورُ، بَلْ كَرِهُوا قِرَاءَةَ شَيْءٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ؛ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ» . (وَكَانَ يَقْرَأُ أَحْيَانًا بِالسُّورَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ) وَبِجَوَازِ ذَلِكَ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ، فَذَكَرَ عِشْرِينَ آيَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» . (وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ) بَيَانٌ لِمُرَادِهِ بِالتَّشْبِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ فَقَرَأَ فِيهَا بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ»   176 - 174 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ) الْكُوفِيِّ، ثِقَةٌ رَوَى لَهُ الْجَمِيعُ وَرُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مَاتَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ. (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) الصَّحَابِيُّ ابْنُ الصَّحَابِيِّ ( «أَنَّهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ» ) زَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيٍّ فِي سَفَرٍ، زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رَكْعَتَيْنِ ( «فَقَرَأَ فِيهِمَا بِالتِّينِ» ) أَيْ بِسُورَةِ التِّينِ (وَالزَّيْتُونِ) ، زَادَ النَّسَائِيُّ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى. وَفِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ لِابْنِ السِّكِّيتِ فِي تَرْجَمَةِ وَرَقَةَ بْنِ خَلِيفَةَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ أَنَّهُ قَالَ: «سَمِعْنَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْنَاهُ فَعَرَضَ عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْنَا وَأَسْهَمَ لَنَا، وَقَرَأَ فِي الصَّلَاةِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» . قَالَ الْحَافِظُ: يُمْكِنُ إِنْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي عَيَّنَ الْبَرَاءُ أَنَّهَا الْعِشَاءُ، أَنْ يُقَالَ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِالتِّينِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْقَدْرِ، وَإِنَّمَا قَرَأَ فِيهَا بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ لِكَوْنِهِ مُسَافِرًا، وَالسَّفَرُ يُطْلَبُ فِيهِ التَّخْفِيفُ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَرَأَ فِيهَا: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] (سُورَةُ الِانْشِقَاقِ: الْآيَةُ 1) مَحْمُولٌ عَلَى الْحَضَرِ فَلِذَا قَرَأَ فِيهَا بِأَوَاسِطِ الْمُفَصَّلِ. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مِسْعَرِ عَنْ عَدِيٍّ عَنِ الْبَرَاءِ بِزِيَادَةِ مَا سَمِعْتُ صَوْتًا أَحْسَنَ مِنْهُ أَوْ قِرَاءَةً، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَوْتًا أَحْسَنَ مِنْهُ بِدُونِ شَكٍّ. الحديث: 176 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 [بَاب الْعَمَلِ فِي الْقِرَاءَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ»   6 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الْقِرَاءَةِ 177 - 175 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ النُّونِ، الْهَاشِمِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ التَّابِعِيُّ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ رَوَى لَهُ الْجَمِيعُ وَمَاتَ بَعْدَ الْمِائَةِ. (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ اللَّهِ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ، الْمُتَوَفَّى فِي أَوَّلِ إِمَارَةِ يَزِيدَ، رَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَهُوَ مِنَ اللَّطَائِفِ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ أَبِي الْحَسَنِ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: لَمْ يَرِدْ فِي حَقِّ أَحَدٍ بِالْأَسَانِيدِ الْجِيَادِ مَا وَرَدَ فِي حَقِّ عَلِيٍّ، مَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ الْأَحْيَاءِ مِنْ بَنِي آدَمَ بِالْأَرْضِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَهُ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً عَلَى الْأَصَحِّ. ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ» ) بِفَتْحِ الْقَافِ، وَكَسْرِ السِّينِ، وَتَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ أَيْ مُخَطَّطَةٌ بِالْحَرِيرِ كَانَتْ تُعْمَلُ بِالْقَسِّ مَوْضِعٌ بِمِصْرَ يَلِي الْفَرَمَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قُلْتُ لَعَلِيٍّ: مَا الْقُسِّيَّةُ؟ قَالَ ثِيَابٌ أَتَتْنَا مِنْ مِصْرَ وَالشَّامِ مُضَلَّعَةٌ، فِيهَا حَرِيرٌ أَمْثَالُ الْأُتْرُجِّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَهْلُ الْحَدِيثِ يَكْسِرُونَ الْقَافَ، وَأَهْلُ مِصْرَ يَفْتَحُونَهَا نِسْبَةً إِلَى بَلَدٍ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ يُقَالُ لَهَا الْقَسُّ بِقُرْبِ دِمْيَاطَ، وَقَالَ الْحَافِظُ: الْكَسْرُ غَلَطٌ لِأَنَّهُ جَمْعُ قَوْسٍ. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هِيَ ثِيَابٌ مِنْ كَتَّانٍ مَخْلُوطٍ بِحَرِيرٍ، يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ نُسِبَتْ إِلَى قَرْيَةٍ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ قَرِيبًا مِنْ تِنِّيسَ يُقَالُ لَهَا: الْقَسُّ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَكْسِرُهَا، وَقِيلَ أَصْلُ الْقِسِّيِّ الْقَزِّيُّ بِالزَّايِ، مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَزِّ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِبْرَيْسَمِ فَأُبْدِلَ مِنَ الزَّايِ سِينٌ، وَقِيلَ: مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَسِّ وَهُوَ الصَّقِيعُ لِبَيَاضِهِ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ وَالْقَعْنَبِيِّ وَمَعْنٍ وَجَمَاعَةٍ زِيَادَةُ: وَالْمُعَصْفَرُ، وَالنَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ كِرَهَ مَالِكٌ الثَّوْبَ الْمُعَصْفَرَ الْمُقْدَمَ لِلرِّجَالِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، وَالْمُقْدَمُ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَسُكُونِ الْقَافِ، وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، الْقَوِيُّ الصَّبْغِ الْمُشَبَّعُ الَّذِي رُدَّ فِي الْعُصْفُرِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. وَأَمَّا الْمُعَصْفَرُ غَيْرُ الْمُقْدَمِ وَالْمُزَعْفَرُ فَيَجُوزُ لُبْسُهُمَا فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، نَصَّ عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَعَلَى الْمُزَعْفَرِ فِي غَيْرِهَا. قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِالْمُزَعْفَرِ لِغَيْرِ الْإِحْرَامِ الحديث: 177 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وَكُنْتُ أَلْبَسُهُ. ( «وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ» ) نَهْيُ تَحْرِيمٍ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. ( «وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ» ) وَالسُّجُودِ، كَمَا زَادَهُ مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِيهِمَا عِنْدَ الْجَمِيعِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «أَلَا وَإِنِّي قَدْ نُهِيتُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» " وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي اللِّبَاسِ عَنْ يَحْيَى، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الصَّلَاةِ عَنْ قُتَيْبَةَ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ الزُّهْرِيُّ فِي شَيْخِهِ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ التَّمَّارِ عَنْ الْبَيَاضِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ»   178 - 176 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) بِفَوْقِيَّةٍ فَتَحْتِيَّةٍ نِسْبَةً إِلَى تَيْمِ قُرَيْشٍ (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ (التَّمَّارِ) اسْمُهُ دِينَارٌ مَوْلَى الْأَنْصَارِ، كَذَا فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ، وَلَهُ فِي أُخْرَى مَوْلَى الْغِفَارِيِّينَ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ مَوْلَى أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيِّ. وَذَكَرَ حَبِيبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ اسْمَهُ يَسَارٌ مَوْلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: قُلْتُ لِأَبِي دَاوُدَ أَبُو حَازِمٍ التَّمَّارُ حَدَّثَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ مَنْ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي مِنْ بَيَاضَةَ، وَقِيلَ هُمَا اثْنَانِ التَّمَّارُ مَوْلَى أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيِّ، وَالْبَيَاضِيُّ مَوْلَى الْأَنْصَارِ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ. (عَنِ الْبَيَاضِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ، اسْمُهُ فَرْوَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ابْنِ عَمْرٍو، بِفَتْحِ الْعَيْنِ ابْنِ وَدْقَةَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، بَعْدَهَا قَافٌ كَمَا ضَبَطَهُ الدَّانِيُّ فِي أَطْرَافِ الْمُوَطَّأِ، قَالَ: وَهِيَ الرَّوْضَةُ، ابْنُ عُبَيْدِ بْنِ غَانِمِ بْنِ بَيَاضَةَ، فَخْذٌ مِنَ الْخَزْرَجِ الْأَنْصَارِيُّ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا وَآخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَخْرَمَةَ الْعَامِرِيِّ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ فَرْوَةَ بْنَ عَمْرٍو يَخْرُصُ النَّخْلَ، فَإِذَا دَخَلَ الْحَائِطَ حَسَبَ مَا فِيهِ مِنَ الْأَقْنَاءِ ثُمَّ ضَرَبَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، عَلَى مَا يَرَى فِيهَا فَلَا يُخْطِئُ» . وَذَكَرَ وَثِيمَةُ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ أَنَّ فَرْوَةَ كَانَ مِمَّنْ قَادَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكَانَ يَتَصَدَّقُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ نَخْلِهِ بِأَلْفِ وَسْقٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَزَعَمَ ابْنُ مُزَيْنٍ وَابْنُ وَضَّاحٍ أَنَّ مَالِكًا سَكَتَ عَنِ اسْمِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ أَعَانَ عَلَى عُثْمَانَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا لَا يَثْبُتُ وَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَاهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ قَائِلُ هَذَا عَلِمَ بِمَا كَانَ مِنَ الْأَنْصَارِ يَوْمَ الدَّارِ، ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ عَلَى الحديث: 178 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ» ) وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْتَكِفٌ فِي قُبَّةٍ عَلَى بَابِهَا حَصِيرٌ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ عُصَبًا عُصَبًا، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. ( «وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ» ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مُنَاجَاةُ الْمُصَلِّي رَبَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إِحْضَارِ الْقَلْبِ وَالْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: هِيَ إِخْلَاصُ الْقَلْبِ وَتَفْرِيغُ السِّرِّ بِذِكْرِهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مُنَاجَاةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ مَا يَقَعُ مِنْهُ مِنَ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَتَرْكُ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَمُنَاجَاةُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ إِقْبَالُهُ عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَمَا يَفْتَحُهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُلُومِ وَالْأَسْرَارِ، وَفِيهِ كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ تَنْبِيهٌ عَلَى مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالْمَقْصُودِ بِهَا؛ لِيَكْثُرَ الِاحْتِرَازُ مِنَ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ الْمُدْخَلَةِ لِلنَّقْصِ فِيهَا، وَالْإِقْبَالُ عَلَى أُمُورِ الطَّاعَةِ الْمُتَمِّمَةِ لَهَا. ( «فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ» ) أَرَادَ بِهِ التَّحْذِيرَ مِنْ أَنْ يُنَاجِيَهُ بِالْقُرْآنِ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ طَاعَةً وَقُرْبَةً. ( «وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» ) لِأَنَّ فِيهِ أَذًى وَمَنْعًا مِنَ الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَتَفْرِيغَ السِّرِّ لَهَا وَتَأَمُّلَ مَا يُنَاجِي بِهِ رَبَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِذَا مُنِعُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ حِينَئِذٍ لِأَذَى الْمُصَلِّينَ، فَبِغَيْرِهِ مِنَ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ أَوْلَى انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَإِذَا نُهِيَ الْمُسْلِمُ عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِ فِي عَمَلِ الْبِرِّ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، فَإِيذَاؤُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا، وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ: «اعْتَكَفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: " أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ» . وَقَالَ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ الْبَيَاضِيِّ وَأَبِي سَعِيدٍ ثَابِتَانِ صَحِيحَانِ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " «نُهِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا يُغَلِّطُ أَصْحَابَهُ، وَهُمْ يُصَلُّونَ» " قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَكَثِيرًا مَا يُسْأَلُ عَمَّا اشْتَهَرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مَا أَنْصَفَ الْقَارِئُ الْمُصَلِّيَ، وَلَا أَصْلَ لَهُ، وَلَكِنْ هَذِهِ أُصُولُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ قُمْتُ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُمْ كَانَ لَا يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ   179 - 177 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ، ابْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الْبَصْرِيُّ يُكَنَّى أَبَا عُبَيْدَةَ مَوْلَى طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيِّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ طَلْحَةُ الطَّلْحَاتِ، وَاسْمُ أَبِيهِ طَرْخَانُ أَوْ مِهْرَانُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ إِلَى نَحْوِ عَشْرِ أَقْوَالٍ، وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِمْ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ حَدِيثَ أَنَسٍ، وَكَانَ سَمِعَ أَكْثَرَهُ مِنْ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ أَنَسٍ، قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ الحديث: 179 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 حُمَيْدٌ مِنْ أَنَسٍ إِلَّا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ حَدِيثًا، وَالْبَاقِي سَمِعَهَا مِنْ ثَابِتٍ أَوْ ثَبَّتَهُ فِيهَا، وَعَابَهُ زَائِدَةٌ لِدُخُولِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْخُلَفَاءِ، وَجُمْلَةُ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ سَبْعَةُ أَحَادِيثَ، مَاتَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَيُقَالُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ، وَيُقَالُ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَلُقِّبَ (الطَّوِيلِ) قِيلَ لِطُولِ يَدَيْهِ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: رَأَيْتُهُ وَلَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ، وَلَكِنْ كَانَ لَهُ جَارٌ يُعْرَفُ بِحُمَيْدٍ الْقَصِيرِ، فَقِيلَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ لِيُعْرَفَ مِنَ الْآخَرِ. (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: قُمْتُ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ وَقَفْتُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، الْقِيَامَ الْمُعْتَادَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى رِجْلَيْهِ جَمِيعًا فَيَقْرِنُهُمَا وَلَا يُحَرِّكُهُمَا (فَكُلُّهُمْ كَانَ لَا يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمَاعَةِ رُوَاتِهِ، فِيمَا عَلِمْتُ مَوْقُوفًا وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَمُوسَى بْنُ طَارِقٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُمْ» " إِلَى آخِرِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْفُوظٍ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» " وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدِهِمْ مِنَ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ فِي رَفْعِهِ ذَلِكَ عَنْ عَمِّهِ عَنْ مَالِكٍ، وَالصَّوَابُ عَنْهُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ خَاصَّةً، وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي نُكَتِهِ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ حُمَيْدًا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَنَسٍ وَقَتَادَةَ إِلَّا أَنَّهُ سَمِعَ الْمَوْقُوفَ مِنْ أَنَسٍ، وَمِنْ قَتَادَةَ عَنْهُ الْمَرْفُوعَ، قَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ: فَكَانَ حُمَيْدٌ إِذَا قَالَ عَنْ أَنَسٍ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَإِذَا قَالَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْهُ رَفَعَهُ انْتَهَى. وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَأَيْتُ أَنَّ طَائِفَةً رَوَتْهُ عَنْ مَالِكٍ، فَرَفَعَتْهُ بِدُونِ ذِكْرِ قَتَادَةَ لِقَوْلِ أَبِي عُمَرَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ. نَعَمْ يَرُدُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَالْعُمَرِيِّ لَهُ بِدُونِ ذِكْرِ قَتَادَةَ، فَإِنَّ أَبَا عُمَرَ لَمْ يُعَلِّلْهَا لَكِنَّ قَدْ أَعَلَّهَا غَيْرُهُ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسِ ثَابِتٌ وَقَتَادَةُ وَحُمَيْدٌ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، كُلُّهُمْ ذَكَرَ فِيهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِمْ فِي لَفْظِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا مُضْطَرِبًا مُتَدَافِعًا، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: «كَانُوا لَا يَقْرَؤُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِهَا. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: كَانُوا يَجْهَرُونَ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: كَانُوا لَا يَتْرُكُونَهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا اضْطِرَابٌ لَا تَقُومُ مَعَهُ حُجَّةٌ لِأَحَدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ. قَالَ الْحَافِظُ: طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ حَمْلُ نَفْيِ الْقِرَاءَةِ عَلَى نَفْيِ السَّمَاعِ، وَنَفْيِ السَّمَاعِ عَلَى نَفْيِ الْجَهْرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ: كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِالْحَمْدُ، وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ عَلَى الْحِكَايَةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْرَؤُوا الْبَسْمَلَةَ سِرًّا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: «كَانُوا يُسِرُّونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ، فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَنْ أَعَلَّهُ بِالِاضْطِرَابِ كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ إِذَا أَمْكَنَ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى تَعَسُّفُهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ رِوَايَةَ كَانُوا يَجْهَرُونَ وَرِوَايَةَ كَانُوا لَا يَتْرُكُونَهَا، إِذْ جَمْعُهُ لَا يُمْكِنُ مَعَهُمَا، فَالْحَقُّ مَعَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَمَنْ وَافَقَهُ، ثُمَّ كَيْفَ يُحْمَلُ نَفْيُ السَّمَاعِ عَلَى نَفْيِ الْجَهْرِ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مَنْ أَثْبَتَهُ مَعَ كَوْنِ أَنَسٍ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ صَحِبَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَلَا يَسْمَعُ الْجَهْرَ بِهَا مِنْهُمْ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا مِنَ الْبُعْدِ بِمَكَانٍ، وَتَأْيِيدُهُ بِمَا جَاءَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ يَزِيدَ سَأَلَ أَنَسًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ لَا أَحْفَظُهُ، وَلَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ، رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ، وَبِهِ أُعِلَّ حَدِيثُ الْبَابِ لَيْسَ بِنَاهِضٍ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ رَوَى بِإِسْنَادِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ قَتَادَةَ سَأَلَ أَنَسًا مِثْلَ سُؤَالِ سَعِيدٍ، فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ يَكُونُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالسَّرَّاجُ وَغَيْرُهُمَا. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ: " «سَأَلْتُ أَنَسًا أَيَقْرَأُ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ فَقَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» " وَجُمِعَ بَيْنِهِمَا بِأَنَّهُ أَجَابَ قَتَادَةَ بِالْحُكْمِ دُونَ سَعِيدٍ، فَلَعَلَّهُ تَذَكَّرَهُ لَمَّا سَأَلَهُ قَتَادَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ وَقَالَهُ لَهُمَا مَعًا فَحَفِظَهُ قَتَادَةُ دُونَ سَعِيدٍ فَإِنَّ قَتَادَةَ أَحْفَظُ مِنْهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَالْإِنْصَافُ قَوْلُ السُّيُوطِيِّ قَدْ كَثُرَتِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَسْمَلَةِ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ صَحِيحٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِهَا وَتَرَكَهَا وَجَهَرَ بِهَا وَأَخْفَاهَا، وَالَّذِي يُوَضِّحُ صِحَّةَ الْأَمْرَيْنِ وَيُزِيلُ إِشْكَالَ مَنْ شَكَّكَ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ مَعًا أَعْنِي مَنْ أَثْبَتَ أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَكُلِّ سُورَةٍ، وَمَنْ نَفَى ذَلِكَ قَائِلًا إِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ بِالظَّنِّ وَلَا يُنْفَى بِالظَّنِّ، مَا أَشَارَ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ إِثْبَاتَهَا وَنَفْيَهَا كِلَاهُمَا قَطْعِيٌّ وَلَا يُسْتَغْرَبُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَنَزَلَ مَرَّاتٍ مُتَكَرِّرَةً، فَنَزَلَ فِي بَعْضِهَا بِزِيَادَةٍ وَفِي بَعْضِهَا بِحَذْفٍ، كَقِرَاءَةِ مَلِكٍ وَمَالِكٍ، وَتَجْرِي تَحْتَهَا، وَمِنْ تَحْتِهَا فِي بَرَاءَةٍ، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ، وَأَنَّ اللَّهَ الْغَنِيُّ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ، فَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ وَلَا يَرْتَابُ فِي أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ، وَمَنَ وَهُوَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ قَطْعِيَّةُ الْإِثْبَاتِ، وَأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِحَذْفِ ذَلِكَ أَيْضًا مُتَوَاتِرَةٌ قَطْعِيَّةُ الْحَذْفِ، وَأَنَّ مِيزَانَ الْإِثْبَاتِ وَالْحَذْفِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْبَسْمَلَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَعْضِ الْأَحْرُفِ وَلَمْ تَنْزِلْ فِي بَعْضِهَا، فَإِثْبَاتُهَا قَطْعِيٌّ وَحَذْفُهَا قَطْعِيٌّ، وَكُلٌّ مُتَوَاتِرٌ وَكُلٌّ فِي السَّبْعِ، فَإِنَّ نِصْفَ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ قَرَؤُوا بِإِثْبَاتِهَا وَنَصِفُهُمْ قَرَؤُوا بِحَذْفِهَا، وَقِرَاءَاتُ السَّبْعَةِ كُلُّهَا مُتَوَاتِرَةٌ، فَمَنْ قَرَأَ بِهَا فَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي حَرْفِهِ مُتَوَاتِرَةٌ إِلَيْهِ ثُمَّ مِنْهُ إِلَيْنَا، وَمَنْ قَرَأَ بِحَذْفِهَا فَحَذْفُهَا فِي حَرْفِهِ مُتَوَاتِرٌ إِلَيْهِ ثُمَّ مِنْهُ إِلَيْنَا، وَالْعَطْفُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 نَافِعًا لَهُ رَاوِيَانِ قَرَأَ أَحَدُهُمَا عَنْهُ بِهَا وَالْآخَرُ بِحَذْفِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَيْنِ تَوَاتَرَا عِنْدَهُ بِأَنْ قَرَأَ بِالْحَرْفَيْنِ مَعًا، كُلٌّ بِأَسَانِيدَ مُتَوَاتِرَةٍ، فَبِهَذَا التَّقْرِيرِ اجْتَمَعَتِ الْأَحَادِيثُ الْمُخْتَلِفَةُ عَلَى كَثْرَةِ كُلِّ جَانِبٍ مِنْهَا، وَانْجَلَى الْإِشْكَالُ وَزَالَ التَّشْكِيكُ، وَلَا يُسْتَغْرَبُ الْإِثْبَاتُ مِمَّنْ أَثْبَتَ، وَلَا النَّفْيُ مِمَّنْ نَفَى، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى بَعْضِ مَا ذَكَرْتُهُ، أُسْتَاذُ الْقُرَّاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْجَزْرِيِّ فَقَالَ: بَعْدَ أَنْ حَكَى خَمْسَةَ أَقْوَالٍ فِي كِتَابِهِ النَّشْرِ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ تَرْجِعُ إِلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَالَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ كِلَيْهِمَا صَحِيحٌ وَأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَقٌّ، فَيَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِيهَا كَاخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ انْتَهَى. وَقَرَّرَهُ أَيْضًا بِأَبْسَطَ مِنْهُ الْحَافِظُ فِيمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْبِقَاعِيُّ فِي مُعْجَمِهِ انْتَهَى. وَسَبَقَهُمَا إِلَى ذَلِكَ أَبُو أُمَامَةَ بْنُ النَّقَّاشِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نَسْمَعُ قِرَاءَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عِنْدَ دَارِ أَبِي جَهْمٍ بِالْبَلَاطِ   180 - 178 - (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ) اسْمُهُ نَافِعٌ (بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ) مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ (أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نَسْمَعُ قِرَاءَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عِنْدَ دَارِ أَبِي جَهْمٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَاسْمُهُ عَامِرٌ، وَقِيلَ عُبَيْدُ بْنُ حُذَيْفَةَ صَحَابِيٌّ قُرَشِيٌّ عَدَوِيٌّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ وَمَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ وَمُعَمَّرِيهِمْ، حَضَرَ بِنَاءَ قُرَيْشٍ لِلْكَعْبَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَبِنَاءَ ابْنِ الزُّبَيْرِ لَهَا، وَهُوَ أَحَدُ مَنْ تَرَكَ الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوْفًا عَلَى عَقْلِهِ. (بِالْبَلَاطِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بِزِنَةِ سَحَابٍ، مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ مُبَلَّطٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَانَ عُمَرُ مَدِيدَ الصَّوْتِ فَيُسْمَعُ صَوْتُهُ حَيْثُ ذَكَرَ، وَفِيهِ تَفْسِيرٌ لِحَدِيثِ: " «لَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» " أَنَّهُ فِي الْمُنْفَرِدِينَ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْإِمَامِ فِي الْمَكْتُوبَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا بَأْسَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ صَوْتَهُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَكَذَا النَّوَافِلِ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَرْفَعَ الْمُتَنَفِّلُ بِبَيْتِهِ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ وَلَعَلَّهُ أَنْشَطُ لَهُ وَأَقْوَى. الحديث: 180 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَرَأَ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَقْضِي وَجَهَرَ   181 - 179 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ، أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَرَأَ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَقْضِي وَجَهَرَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَهْرُهُ فِيمَا يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْمَأْمُومَ يَقْضِي عَلَى الحديث: 181 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 نَحْوِ مَا فَاتَهُ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَالْجَهْرُ مِثْلُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَهَذَا أَظْهَرُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ آخِرُ صَلَاتِهِ أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَةٌ مِنَ الصُّبْحِ أَوْ رَكْعَتَانِ مِنَ الْمَغْرِبِ، أَوْ ثَلَاثٌ مِنَ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ يَرْتَفِعُ هُنَا، وَلَا بُدَّ لِلْمَأْمُومِ مِنَ الْجَهْرِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَؤُصَلِّ إِلَى جَانِبِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فَيَغْمِزُنِي فَأَفْتَحُ عَلَيْهِ وَنَحْنُ نُصَلِّي   182 - 180 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ) الْمَدَنِيُّ الثِّقَةُ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى جَانِبِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) النَّوْفَلِيُّ التَّابِعِيُّ الثِّقَةُ الْفَاضِلُ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ (فَيَغْمِزُنِي) بِكَسْرِ الْمِيمِ كَضَرَبَ، يُشِيرُ إِلَيَّ (فَأَفْتَحُ عَلَيْهِ وَنَحْنُ نُصَلِّي) وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَشْهَبُ وَابْنُ حَبِيبٍ، وَفِيهِ جَوَازُ الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ بِالْأَوْلَى مِنْ إِجَازَةِ الْفَتْحِ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهَا تِلَاوَةُ قُرْآنٍ فِي صَلَاةٍ، وَالْأَصَحُّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بُطْلَانُ صَلَاةِ مَنْ فَتَحَ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تِلَاوَةَ قُرْآنٍ لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُكَالَمَةِ، وَكَرِهَ الْكُوفِيُّونَ الْفَتْحَ عَلَى الْإِمَامِ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَلَا رَسُولَهُ مِنْ وَجْهٍ يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ «تَرَدَّدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آيَةٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: أَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَبِيٌّ يُرِيدُ الْفَتْحَ عَلَيْهِ؟» . الحديث: 182 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 [بَاب الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ صَلَّى الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِيهَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا   7 - بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ 183 - 181 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ) هَذَا مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عُرْوَةَ وُلِدَ فِي أَوَائِلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ لَكِنَّهُ وَرَدَ عَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ، فَلَعَلَّ عُرْوَةَ حَمَلَهُ عَنْ أَنَسٍ أَوْ غَيْرِهِ. (صَلَّى الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا) فَقِيلَ لَهُ حِينَ سَلَّمَ: كَادَتِ الشَّمْسُ أَنَّ تَطْلُعَ، فَقَالَ: لَوْ طَلَعَتْ لَمْ تَجِدْنَا غَافِلِينَ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَإِنَّمَا طَوَّلَ لِعِلْمِهِ بِرِضَا مَنْ خَلْفَهُ، وَأَدْخَلَ مَالِكٌ هَذَا هُنَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الصُّبْحِ طَوِيلَةٌ، وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْآثَارِ فِي التَّغْلِيسِ وَالْإِسْفَارِ بِالصُّبْحِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا إِلَّا مُغَلِّسًا، ثُمَّ طَوَّلَ حَتَّى أَسْفَرَ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ السَّابِقَ: " «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الحديث: 183 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ» " يَدُلُّ عَلَى التَّعْجِيلِ. وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَقْسِمَ الْمُصَلِّي سُورَةً بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْفَرِيضَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَوْ بَلَغَهُ، وَحَمَلَهُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَهَذَا أَوْلَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ صَلَّيْنَا وَرَاءَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةِ يُوسُفَ وَسُورَةِ الْحَجِّ قِرَاءَةً بَطِيئَةً فَقُلْتُ وَاللَّهِ إِذًا لَقَدْ كَانَ يَقُومُ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ قَالَ أَجَلْ   184 - 182 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) زِيَادَةٌ فِي الْإِسْنَادِ خَالَفَ فِيهَا مَالِكٌ أَصْحَابَ هِشَامٍ، أَبَا سَلَمَةَ وَوَكِيعًا وَحَاتِمًا، فَقَالُوا عَنْ هِشَامٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وَلَمْ يَقُولُوا عَنْ أَبِيهِ قَالَهُ مُسْلِمٌ (أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) الْعِتْرِيَّ حَلِيفَ بَنِي عَدِيٍّ، وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ، وَأَبَوْهُ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ. (يَقُولُ: صَلَّيْنَا وَرَاءَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الصُّبْحَ، فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةِ يُوسُفَ، وَسُورَةِ الْحَجِّ قِرَاءَةً بَطِيئَةً) قَالَ عُرْوَةُ: (فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِذًا لَقَدْ كَانَ يَقُومُ) إِلَى الصَّلَاةِ أَيْ يَبْتَدِيهَا (حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، قَالَ: أَجَلْ) جَوَابٌ كَنَعَمْ، إِلَّا أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْهُ فِي التَّصْدِيقِ، وَنَعَمْ أَحْسَنُ مِنْهُ فِي الِاسْتِفْهَامِ. الحديث: 184 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْفُرَافِصَةَ بْنَ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيَّ قَالَ مَا أَخَذْتُ سُورَةَ يُوسُفَ إِلَّا مِنْ قِرَاءَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ إِيَّاهَا فِي الصُّبْحِ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدِّدُهَا لَنَا   185 - 183 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَحَدُ الْفُقَهَاءِ (أَنَّ الْفُرَافِصَةَ) بِضَمِّ الْفَاءِ ثُمَّ رَاءٌ فَأَلِفٌ، فَفَاءٍ ثَانِيَةٍ فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ (ابْنَ عُمَيْرٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (الْحَنَفِيَّ) نِسْبَةً إِلَى بَنِي حَنِيفَةَ، قَبِيلَةٌ مِنَ الْعَرَبِ، الْمَدَنِيَّ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرِ، وَعَنْهُ يَحْيَى وَرَبِيعَةُ وَالْقَاسِمُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَ وَالِدِ زَوْجَةِ عُثْمَانَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ حِينَ قُتِلَ، وَاسْمُهَا نَائِلَةُ بِنُونٍ فَأَلِفٍ، فَيَاءٍ مَهْمُوزَةٍ بِنْتُ الْفُرَافِصَةِ بْنِ الْأَحْوَصِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْكَلْبِيَّةُ كَمَا ذَكَرَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فَهُوَ غَيْرُ هَذَا الرَّاوِي، لِأَنَّ اسْمَ أَبِيهِ عُمَيْرٌ، وَنِسْبَتُهُ الْحَنَفِيُّ فَافْتَرَقَا كَمَا بَيَّنَهُ فِي تَعْجِيلِ الْمَنْفَعَةِ (قَالَ: مَا أَخَذْتُ سُورَةَ يُوسُفَ إِلَّا مِنْ قِرَاءَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ إِيَّاهَا فِي الصُّبْحِ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدِّدُهَا) أَيْ: يُكَرِّرُهَا، يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ لِحَدِيثِ ايذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، وَسُورَةُ يُوسُفَ فِيهَا الْبَلْوَى، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَشُكُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الحديث: 185 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْ حِرْصِ مَنْ خَلْفَهُمْ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى التَّطْوِيلِ أَحْيَانًا، وَفِي ذَلِكَ اسْتِحْبَابُ طُولِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ، وَقَدِ اسْتَحَبَّهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ وَذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الصَّيْفِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَوَاجِبٌ التَّخْفِيفُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ، وَمَنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» " وَقَالَ لِمُعَاذٍ: " «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا» " وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ عُمَرُ لِبَعْضِ مَنْ طَوَّلَ مِنَ الْأَئِمَّةِ: لَا تُبَغِّضُوا اللَّهَ إِلَى عِبَادِهِ. وَإِذَا أَمَرَ بِالتَّخْفِيفِ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ فَمَا ظَنُّكَ بِالْيَوْمِ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ بِالْعَشْرِ السُّوَرِ الْأُوَلِ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ   186 - 184 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ بِالْعَشْرِ السُّوَرِ الْأُوَلِ مِنَ الْمُفَصَّلِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِ بِسُورَتَيْنِ مِنْهُ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ) فَدَفَعَ بِهَذَا مَا أَوْهَمَهُ أَوَّلَ كَلَامِهِ، أَنَّهُ يَقْرَأُ الْعَشْرَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِيهَا بِالطُّورِ» ". وَفِيهِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ» ". وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِقَافٍ» "، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ بِالصَّافَّاتِ، وَلِلْحَاكِمِ بِالْوَاقِعَةِ، وَلِلسَّرَّاجِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ بِأَقْصَرِ سُورَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِسُورَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لِكُلِّ سُورَةٍ حَقُّهَا مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلَا يَقْسِمُ السُّورَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى بَعْضِهَا وَيَتْرُكُ الْبَاقِيَ، وَلَا يَقْرَأُ بِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ تُخَالِفُ تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ خَالَفَ الْأَوْلَى، وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا لَا يُخَالِفُ مَا قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ، قَالَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَكْرِيرَ السُّورَةِ أَخَفُّ مِنْ قَسْمِهَا فِي رَكْعَتَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ: وَسَبَبُ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ السُّورَةَ يَرْتَبِطُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، فَأَيُّ مَوْضِعٍ قَطَعَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَإِنَّهُ إِنْ قَطَعَ فِي وَقْفٍ غَيْرِ تَامٍّ، كَانَتِ الْكَرَاهَةُ ظَاهِرَةً، وَإِنْ قَطَعَ فِي وَقْفٍ تَامٍّ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَفِي قِصَّةِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي رَمَاهُ الْعَدُوُّ بِسَهْمٍ فَلَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ وَقَالَ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْطَعَهَا، وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى. الحديث: 186 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 [بَاب مَا جَاءَ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ]   8 - بَابُ مَا جَاءَ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ أَيْ أَصْلُ الْقُرْآنِ كَمَا قِيلَ أُمُّ الْقُرَى مَكَّةُ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَا يُقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ أَنْ يُقَالَ أُمُّ الْقُرْآنِ، وَقَالُوا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَلَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِمْ لِذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَطَقَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " «أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ فِي قَوْلِهِ: لَا يُقَالُ لَهَا أُمُّ الْقُرْآنِ بَلْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَأُمُّ الْكِتَابِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَأُمُّ الشَّيْءِ أَصْلُهُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْقُرْآنِ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ كَأَنَّهَا تَؤُمُّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحِقَهُ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى يَدِهِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا قَالَ أُبَيٌّ فَجَعَلْتُ أُبْطِئُ فِي الْمَشْيِ رَجَاءَ ذَلِكَ ثُمَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ السُّورَةَ الَّتِي وَعَدْتَنِي قَالَ كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ قَالَ فَقَرَأْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ هَذِهِ السُّورَةُ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُ»   187 - 185 - (مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ) الْمَدَنِيِّ (أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ تَابِعِيٌّ مَدَنِيٌّ لَا يُوقَفُ لَهُ عَلَى اسْمٍ، وَفِي تَهْذِيبِ الْمِزِّيِّ: أَنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمَا ثَالِثًا، مَعَ أَنَّ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ قَالَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ مَوْلَى عَامِرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ «سَمِعَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَادَاهُ» ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَوَهِمَ ابْنُ الْأَثِيرِ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ الْمُعَلَّى، فَإِنَّهُ صَحَابِيٌّ أَنْصَارِيٌّ مَدَنِيٌّ، وَهَذَا تَابِعِيٌّ مَكِّيٌّ مِنْ مَوَالِي قُرَيْشٍ كَمَا قَالَ. (مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ) بِضَمِّ الْكَافِ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيِّ الْعَبْشَمِيِّ صَحَابِيٌّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَعَاشَ حَتَّى قَدِمَ الْبَصْرَةَ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَهُ صُحْبَةٌ لَمَّا كَانَ أَمِيرًا عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ عُثْمَانَ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْعَلَاءِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ كُلُّهُمْ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ» الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيٍّ، وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى. وَلَكِنْ حَيْثُ صَحَّتِ الطَّرِيقُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَيْضًا فَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ كَوْنِهِمَا جَمِيعًا رَوَيَا الْحَدِيثَ؟ ( «أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي» ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ: " أَيْ أُبَيُّ " فَالْتَفَتَ فَلَمْ الحديث: 187 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 يُجِبْهُ ثُمَّ صَلَّى فَخَفَّفَ» . ( «فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحِقَهُ» ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: «سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " وَيْحَكَ مَا مَنَعَكَ إِذْ دَعَوْتُكَ أَنْ تُجِيبَنِي؟ أَوَلَيْسَ تَجِدُ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ أَنِ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24] (سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 24) الْآيَةَ، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . ( «فَوَضْعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ عَلَى يَدِهِ» ) لِلتَّأْنِيسِ وَتَأْكِيدِ الْوُدِّ، وَهَذَا يُسْتَحْسَنُ مِنَ الْكَبِيرِ لِلصَّغِيرِ. ( «وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً» ) أَيْ تَعْلَمَ مِنْ حَالِهَا مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَقَدَ كَانَ عَالِمًا بِالسُّورَةِ وَحَافِظًا لَهَا، وَعَبَّرَ بِأَرْجُو عَلَى مَعْنَى التَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَالْإِقْرَارِ بِقُدْرَتِهِ، وَأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ يَسِيرًا إِلَّا أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِتَمَامِهِ إِلَّا أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: الرَّجَاءُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ نَبِيِّهِ وَاقِعٌ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ) » زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَلَا فِي الزَّبُورِ ( «وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَعْنِي فِي جَمْعِهَا لِمَعَانِي الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ فِيهَا الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ بِالْحَمْدِ الَّذِي هُوَ لَهُ حَقِيقَةٌ، لِأَنَّ كُلَّ خَيْرٍ مِنْهُ، وَإِنَّ حُمِدَ غَيْرُهُ، فَإِلَيْهِ يَعُودُ الْحَمْدُ، وَفِيهَا التَّعْظِيمُ لَهُ، وَأَنَّهُ الرَّبُّ لِلْعَالَمِ أَجْمَعَ، وَمَالِكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، الْمَعْبُودُ الْمُسْتَعَانُ، وَفِيهَا الدُّعَاءُ إِلَى الْهُدَى وَمُجَانَبَةُ مَنْ ضَلَّ، وَالدُّعَاءُ بَابُ الْعِبَادَةِ، فَهِيَ أَجْمَعُ سُورَةٍ لِلْخَيْرِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تُجْزِي فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا عَنْهَا، وَلَيْسَ هَذَا بِتَأْوِيلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: ذَكَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا تُجْزِي عَنْ غَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يُجْزِي عَنْهَا غَيْرُهَا، وَسَائِرُ السُّوَرِ يُجْزِي بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ، وَهِيَ سُورَةٌ قَسَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهَا، وَلَهَا مَعَ ذَلِكَ صِفَاتٌ تَخْتَصُّ بِهَا مِنْ أَنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ ثَوَابٍ أَوْ حَسَنَةٍ، وَأَيَّدَهُ السُّيُوطِيُّ بِمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: " «فَاتِحَةُ الْكِتَابِ تَعْدِلُ بِثُلُثَيِ الْقُرْآنِ» " وَلَمْ يَرِدْ فِي سُورَةٍ مِثْلُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا وَرَدَ أَنَّ: " «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ» " وَفِي: " «قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ أَنَّهَا رُبْعُ الْقُرْآنِ» " انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ. فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: " «مَنْ قَرَأَ يس مَرَّةً فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَشْرَ مَرَّاتٍ» " وَقَدْ أَوْرَدَهُ هُوَ فِي جَامِعَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: مَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَابَهَا أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهَا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ، وَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ الْأَشْعَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ نَاقِصٌ عَنْ دَرَجَةِ الْأَفْضَلِ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ وَصِفَاتُهُ وَكَلَامُهُ لَا نَقْصَ فِيهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَعْنَى التَّفَاضُلِ أَنَّ ثَوَابَ بَعْضِهِ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 بَعْضٍ، فَالتَّفَاضُلُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْمَعَانِي لَا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ، وَيُؤَيِّدُ التَّفْضِيلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 106) وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِخَيْرٍ مِنْهَا أَيْ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالرِّفْعَةِ، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ نَأْتِ مِنْهَا بِخَيْرٍ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [النمل: 89] (سُورَةُ النَّمْلِ: الْآيَةُ 89) لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي الْآيَةِ أَوْ مِثْلِهَا يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. (قَالَ أُبَيٌّ) هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَنْ أُبَيٍّ (فَجَعَلْتُ أُبْطِئُ فِي الْمَشْيِ رَجَاءَ ذَلِكَ) قَالَ الدَّاوُدِيُّ: إِبْطَاؤُهُ خَوْفًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ النِّسْيَانِ (ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) عَلِّمْنِي ( «السُّورَةَ الَّتِي وَعَدْتَنِي، قَالَ: كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ؟ قَالَ» ) أُبَيٌّ: (فَقَرَأْتُ) عَلَيْهِ ( «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنْهَا وَلَا حُجَّةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اسْمٌ لَهَا كَمَا يُقَالُ: قَرَأْتُ يس وَغَيْرَهَا مِنْ أَسْمَاءِ السُّورَةِ انْتَهَى. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا تُسَمَّى سُورَةَ الْحَمْدِ وَلَا تُسَمَّى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَرُدُّ هَذَا التَّعَقُّبَ وَرُدَّ بِقَوْلِهِ: ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ هَذِهِ السُّورَةُ» ) وَقَدْ قَرَأَهَا أُبَيٌّ بِلَا بَسْمَلَةٍ عَلَى الْمُتَبَادِرِ الظَّاهِرِ مِنْهُ، فَثَبَتَ الْمُدَّعَى لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي» ) الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87] (سُورَةُ الْحِجْرِ: الْآيَةُ 87) فَالْمُرَادُ السَّبْعُ الْآيُ؛ لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ سُمِّيَتْ مَثَانِيَ؛ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، أَيْ تُعَادُ أَوْ لِأَنَّهَا يُثْنَى بِهَا عَلَى اللَّهِ، أَوْ لِأَنَّهَا اسْتُثْنِيَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمْ تَنْزِلْ عَلَى مَنْ قَبْلَهَا. وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السَّبْعَ الْمَثَانِيَ هِيَ السَّبْعُ الطُّوَلُ أَيِ السُّورُ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ إِلَى آخِرِ الْأَعْرَافِ ثُمَّ بَرَاءَةٍ. وَفِي لَفْظِ الطَّبَرِيِّ: الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ وَالْأَنْعَامُ وَالْأَعْرَافُ. قَالَ الرَّاوِي: وَذَكَرَ السَّابِعَةَ فَنَسِيتُهَا. وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهَا يُونُسُ. وَعِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهَا الْكَهْفُ، وَزَادَ قِيلَ لَهُ: مَا الْمَثَانِي؟ قَالَ: تُثَنَّى فِيهِنَّ الْقِصَصُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِهَا. وَرَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا مَعْدِلَ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَثْبَتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ثُمَّ قَالَ: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 فَقَالَ: هِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ. وَبِإِسْنَادَيْنِ جَيِّدَيْنِ عَنْ عُمَرَ ثُمَّ عَنْ عَلِيٍّ: السَّبْعُ الْمَثَانِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، زَادَ عَنْ عُمَرَ: تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: السَّبْعُ الْمَثَانِي الْفَاتِحَةُ، قُلْتُ لِلرَّبِيعِ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهَا السَّبْعُ الطُّوَلُ قَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَمَا أُنْزِلَ مِنَ الطُّوَلِ شَيْءٌ. ( «وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُ» ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ هُوَ الَّذِي أُعْطِيتُهُ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَهِيَ السَّبْعُ وَلَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى السَّبْعِ ; لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ لَيْسَتْ هِيَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وَإِنْ جَازَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْهُ، لَكِنَّهَا لَيْسَتْ هِيَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُمُوهُ أَيْ هُوَ الَّذِي أُعْطِيتُمُوهُ فَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْخَبَرَ، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْنَاهُ عِنْدِي هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَخَرَّجَ وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَى مَعْنَى التِّلَاوَةِ اهـ. لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي أُعْطِيتُ، فَلَا يَكُونُ مُجَرَّدَ تِلَاوَةٍ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْبَاجِيِّ إِنَّمَا قِيلَ لَهَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَى مَعْنَى التَّخْصِيصِ لَهَا بِهَذَا الِاسْمِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ عَظِيمًا، كَمَا يُقَالُ: الْكَعْبَةُ بَيْتُ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتِ الْبُيُوتُ كُلُّهَا لِلَّهِ، وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ وَالتَّعْظِيمِ لَهَا اهـ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: " «كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ أُجِبْهُ» " وَفِي رِوَايَةٍ: " «فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي فَقَالَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] (سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 24) ثُمَّ قَالَ: " لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ "، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ» " وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ فَإِنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَلِأَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مَخْرَجِ الْحَدِيثَيْنِ وَاخْتِلَافِ سِيَاقِهِمَا كَمَا رَأَيْتَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ اسْتِعْمَالُ صِيغَةِ الْعُمُومِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَإِجْرَاءُ لَفْظِ الْعُمُومِ عَلَى جَمِيعِ مُقْتَضَاهُ، وَأَنَّ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ إِذَا تَقَابَلَا كَانَ الْعَامُّ مُنَزَّلًا عَلَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّهُ حَرَّمَ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْعُمُومِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ إِجَابَةَ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَأَبُو الْوَلِيدِ أَنَّ إِجَابَتَهُ فِيهَا فَرْضٌ يَعْصِي الْمَرْءُ بِتَرْكِهِ، وَأَنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِهِ. وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَبَحَثَ فِيهِ الْحَافِظُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ إِجَابَتَهُ وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَاطَبُ مُصَلِّيًا أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ، أَمَّا كَوْنُهُ يَخْرُجُ بِالْإِجَابَةِ مِنَ الصَّلَاةِ أَوْ لَا يَخْرُجُ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَسْتَلْزِمُهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ الْإِجَابَةُ وَلَوْ خَرَجَ الْمُجِيبُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَإِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 ذَلِكَ جَنَحَ بَعْضُهُمْ، وَهَلْ يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالنِّدَاءِ أَوْ يَشْمَلُ مَا هُوَ أَعَمُّ حَتَّى تَجِبَ إِجَابَتُهُ إِذَا سَأَلَ؟ فِيهِ بَحْثٌ وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ بِأَنَّ إِجَابَةَ الصَّحَابَةِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ   188 - 186 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ: أَنَّهُ «سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ» ) لَأَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنَ الصَّلَاةِ وَفِيهِ وُجُوبُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ (إِلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ) فَقَدْ صَلَّى فَفِيهِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ. قَالَ أَحْمَدُ: فَهَذَا صَحَابِيٌّ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» عَلَى مَا إِذَا كَانَ وَحْدَهُ، نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ يَعْنِي أَوْ كَانَ إِمَامًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ عَلَى جَابِرٍ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ بَعْضُهُمْ أَيْ رَفَعَهُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ مَوْقُوفًا وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. الحديث: 188 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 [بَاب الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يُجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ]   9 - بَابُ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يُجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ قَالَ الْبَاجِيُّ: التَّرْجَمَةُ إِنَّمَا هِيَ عَلَى قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِهِ خِدَاجٌ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَضِيلَةٌ وَخِدَاجٌ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ التَّمَامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ قَالَ فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ فَغَمَزَ ذِرَاعِي ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] يَقُولُ اللَّهُ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] يَقُولُ اللَّهُ مَجَّدَنِي عَبْدِي يَقُولُ الْعَبْدُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ يَقُولُ الْعَبْدُ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6] فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ»   189 - 187 - (مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ) هَكَذَا فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ عَنِ الْعَلَاءِ، وَانْفَرَدَ مُطَرِّفٌ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ، فَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي السَّائِبِ بِلَفْظِ الْمُوَطَّأِ سَوَاءٌ، وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: غَرِيبٌ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ مُطَرِّفٍ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ) الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ: يُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ، ثِقَةٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ (مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ) ، وَيُقَالُ: مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ، وَيُقَالُ: مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ، رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. وَعَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَشَرِيكٌ وَجَمَاعَةٌ (يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الحديث: 189 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» ) الْفَاتِحَةُ لِأَنَّهَا أَصْلُهُ أَوْ لِتَقَدُّمِهَا عَلَيْهِ كَأَنَّهَا تَؤُمُّهُ، أَوْ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي فِيهِ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّعَبُّدِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَذِكْرِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، وَالْفِعْلِ وَالْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ كَرِهَ تَسْمِيَتَهَا أُمَّ الْقُرْآنِ، وَلَعَلَّهُ وَقَفَ عِنْدَ لَفْظِ أُمِّ، وَإِذَا ثَبَتَ النَّصُّ النَّبَوِيُّ سَقَطَ مَا دُونَهُ. ( «فَهِيَ خِدَاجٌ» ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَدَالٌ مُهْمَلَةٍ فَأَلِفٌ فَجِيمٌ، أَيْ ذَاتُ خِدَاجٍ، أَيْ نُقْصَانٍ ( «هِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ» ) ذَكَرَهُ ثَلَاثًا لِلتَّأْكِيدِ، يُقَالُ: خَدَجَتِ النَّاقَةُ إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا قَبْلَ أَوَانِ النِّتَاجِ، وَإِنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ، وَأَخْدَجَتْهُ إِذَا وَلَدَتْهُ نَاقِصًا، وَإِنْ كَانَ لِتَمَامِ الْوِلَادَةِ، هَذَا قَوْلُ الْخَلِيلِ وَالْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ وَآخَرِينَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: خَدَجَتْ وَأَخْدَجَتْ إِذَا وَلَدَتْ لِغَيْرِ تَمَامٍ. (غَيْرُ تَمَامٍ) تَأْكِيدٌ فَهُوَ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَتِهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ، لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى الْإِمَامِ وَالْفَذِّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَزَعَمَ مَنْ لَمْ يُوجِبْ قِرَاءَتَهَا فِي الصَّلَاةِ أَنَّ قَوْلَهُ خِدَاجٌ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ النَّاقِصَةَ جَائِزَةٌ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ النَّاقِصَ لَمْ يَتِمَّ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهَا، فَعَلَيْهِ إِعَادَتُهَا تَامَّةً كَمَا أُمِرَ، وَمَنِ ادَّعَى أَنَّهَا تَجُوزُ مَعَ إِقْرَارِهِ بِنَقْصِهَا فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ. (قَالَ) أَبُو السَّائِبِ (فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي) قَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ عَلَى مَعْنَى التَّأْنِيسِ لَهُ وَتَنْبِيهِهِ عَلَى فَهْمِ مُرَادِهِ، وَالْبَعْثِ لَهُ عَلَى جَمْعِ ذِهْنِهِ وَفَهْمِهِ لِجَوَابِهِ. (ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالْكَلِمِ، وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ، رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ: وَلَوْ أَسْمَعَ نَفْسَهُ يَسِيرًا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ. وَقَالَ عِيسَى وَابْنُ نَافِعٍ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى قَوْلِهِ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إِجْرَاءَهَا عَلَى قَلْبِهِ دُونَ أَنْ يَقْرَأَهَا بِلِسَانِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِرَاءَةٍ لِجَوَازِهِ لِلْجُنُبِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَدَبُّرُهَا إِذَا سَمِعْتَ الْإِمَامَ يَقْرَؤُهَا. (فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ» ) أَيِ الْفَاتِحَةَ، سُمِّيَتْ صَلَاةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهَا، كَقَوْلِهِ: «الْحَجُّ عَرَفَةُ» ، أَوْ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الدُّعَاءِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: أَيْ قِرَاءَتُهَا بِدَلِيلِ تَفْسِيرِهِ بِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: الصَّلَاةُ مِنْ أَسْمَاءِ الْفَاتِحَةِ فَهِيَ الْمَعْنِيَّةُ فِي الْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ قِسْمَتُهَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ نِصْفَهَا الْأَوَّلَ تَحْمِيدٌ لِلَّهِ، وَتَمْجِيدٌ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ وَتَفْوِيضٌ إِلَيْهِ، وَالنِّصْفُ الثَّانِي سُؤَالٌ وَتَضَرُّعٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وَافْتِقَارٌ ( «بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي» ) قَدَّمَ نَفْسَهُ فَقَالَ: بَيْنِي لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ الْوُجُودِ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا اسْتَفَادَ الْعَبْدُ الْوُجُودَ مِنْهُ (بِنِصْفَيْنِ) كَذَا فِي نُسَخٍ صَحِيحَةٍ بِالْبَاءِ قَبْلَ النُّونِ، وَفِي أُخْرَى بِحَذْفِهَا وَهِيَ الَّتِي فِي مُسْلِمٍ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ، وَالْبَاءُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا زَائِدَةٌ، وَأَنَّهَا لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ مُتَلَبِّسًا، قَسَمَهَا بِنِصْفَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى لَا اللَّفْظِ ; لِأَنَّ نِصْفَ الدُّعَاءِ يَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الثَّنَاءِ، فَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَهُ نَوْعَانِ فَأَحَدُهُمَا نِصْفٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ عَدَدُهُمَا، أَوِ الْمُرَادُ قِسْمَيْنِ وَالنِّصْفُ قَدْ يُرَادُ بِهِ أَحَدُ قِسْمَيِ الشَّيْءِ ( «فَنِصْفُهَا لِي» ) خَاصَّةً وَهُوَ الثَّلَاثُ آيَاتٍ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2 - 4] . ( «وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي» ) وَهُوَ مِنْ (اهْدِنَا) إِلَى آخِرِهَا، وَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ. ( «وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» ) أَيْ سُؤَالُهُ وَمِنِّي الْإِعْطَاءُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ» ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الْعَلَاءِ إِسْقَاطُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَقَالَ عَقِبَ قَوْلِهِ مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] فِيهِ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ مِنْ أَوْضَحِ مَا احْتَجُّوا بِهِ لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ بِالْإِجْمَاعِ، فَثَلَاثٌ فِي أَوَّلِهَا ثَنَاءٌ أَوَّلُهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَثَلَاثٌ دُعَاءٌ أَوَّلُهَا (اهْدِنَا) ، وَالسَّابِعَةُ مُتَوَسِّطَةٌ وَهِيَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْبَسْمَلَةَ فِيمَا عَدَّدَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِنْهَا لَذَكَرَهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَائِدٌ عَلَى جُمْلَةِ الصَّلَاةِ لَا إِلَى الْفَاتِحَةِ، هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ، أَوْ عَائِدٌ إِلَى مَا يَخْتَصُّ بِالْفَاتِحَةِ مِنَ الْآيَاتِ الْكَامِلَةِ، وَالْأَوَّلُ تَعَسُّفٌ بَاطِلٌ سَبَبُهُ الْحِمَايَةُ الْمَذْهَبِيَّةُ؛ لِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الْفَاتِحَةُ وَقِرَاءَتُهَا، وَلَا يَصِحُّ إِرَادَةُ الْحَقِيقَةِ بِوَجْهٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: «فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] » ، وَالثَّانِي إِنَّ عَوْدَهُ إِلَى مَا يَخْتَصُّ بِالْفَاتِحَةِ دَلِيلٌ لَنَا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا إِذْ هِيَ بِدُونِهَا سَبْعُ آيَاتٍ بِإِجْمَاعٍ كَمَا قَالَ. وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّ مَعْنَى يَقُولُ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَيْ إِذَا انْتَهَى إِلَى ذَلِكَ، وَهَذَا مَجَازٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنْهَا. ( «يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي» ) أَثْنَى عَلَيَّ بِجَمِيلِ الْفِعَالِ وَبِمَا أَنَا أَهْلُهُ ( «وَيَقُولُ الْعَبْدُ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ) أَيِ الْمَوْصُوفُ بِكَمَالِ الْإِنْعَامِ ( «يَقُولُ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي» ) جُعِلَ جَوَابًا لَهُمَا لِاشْتِمَالِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ. ( «يَقُولُ الْعَبْدُ: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ» ) أَيِ الْجَزَاءِ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَخُصَّ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُلْكَ ظَاهِرًا فِيهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ، وَمَنْ قَرَأَ مَالِكِ فَمَعْنَاهُ مَالِكُ الْأَمْرِ كُلِّهِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَيْ هُوَ مَوْصُوفٌ بِذَلِكَ دَائِمًا كَغَافِرِ الذَّنْبِ فَصَحَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وُقُوعُهُ صِفَةً لِلْمَعْرِفَةِ. ( «يَقُولُ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي» ) أَيْ عَظَّمَنِي، زَادَ مُسْلِمٌ: وَقَالَ مَرَّةً «فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي» ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّمَا قَالَ حَمِدَنِي وَأَثْنَى عَلَيَّ وَمَجَّدَنِي ; لِأَنَّ الْحَمْدَ الثَّنَاءُ بِجَمِيلِ الْفِعَالِ، وَالتَّمْجِيدَ الثَّنَاءُ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ، وَيُقَالُ أَثْنَى عَلَيْهِ فِيهِمَا؛ وَلِهَذَا جَاءَ جَوَابًا لِلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِاشْتِمَالِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ. ( «يَقُولُ الْعَبْدُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] » ) أَيْ نَخُصُّكَ بِالْعِبَادَةِ مِنْ تَوْحِيدٍ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَ الْمَعْمُولَ إِفَادَةً لِلِاخْتِصَاصِ وَالْحَصْرِ. {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] نَطْلُبُ الْمَعُونَةَ عَلَى الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا. (فَهَذِهِ الْآيَةُ) وَلِمُسْلِمٍ قَالَ: «هَذَا (بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي) » قَالَ الْبَاجِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ بَعْضَهَا تَعْظِيمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَبَعْضَهَا اسْتِعَانَةٌ لِلْعَبْدِ عَلَى أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ اهـ. فَالَّذِي لِلَّهِ مِنْهَا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَالَّذِي لِلْعَبْدِ: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( «وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» ) مِنَ الْعَوْنِ، قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: وَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ حَتَّى يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى: يَقُولُ الْعَبْدُ كَذَا، فَيَقُولُ اللَّهُ كَذَا؟ لَوْلَا الْعِنَايَةُ الْإِلَهِيَّةُ وَالْفَضْلُ الرَّبَّانِيُّ لَمَا وَقَعَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمُنَاجَاةِ. ( «يَقُولُ الْعَبْدُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] » ) أَيْ أَرْشِدْنَا إِلَى الْمِنْهَاجِ الْوَاضِحِ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَيُبْدَلُ مِنْهُ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] بِالْهِدَايَةِ، وَيُبْدَلُ مِنَ الَّذِينَ بِصِلَتِهِ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] وَهُمُ الْيَهُودُ، (وَلَا) بِمَعْنَى غَيْرِ (الضَّالِّينَ) وَهُمُ النَّصَارَى، وَنُكْتَةُ الْبَدَلِ إِفَادَةُ أَنَّ الْمُهْتَدِينَ لَيْسُوا بِيَهُودَ وَلَا نَصَارَى. (فَهَؤُلَاءِ) الْآيَاتُ وَلِمُسْلِمٍ قَالَ هَذَا (لِعَبْدِي) أَيْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ مُخْتَصَّةٌ بِهِ لِأَنَّهَا دُعَاؤُهُ بِالتَّوْفِيقِ إِلَى صِرَاطِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَالْعِصْمَةُ مِنْ صِرَاطِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ. قَالَ عِيَاضٌ: هَذَا يَدُلُّ أَنَّ مِنَ اهْدِنَا إِلَى آخِرِهَا ثَلَاثَ آيَاتٍ، وَأَنَّ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ آيَةٌ، وَهُوَ عِدَادُ الْمَدَنِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَبِهِ تَتِمُّ الْقِسْمَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى عِدَادِ الْكُوفِيِّينَ وَالْمَكِّيِّينَ أَنَّ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ إِلَى آخِرِهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَجَعَلُوا السَّابِعَةَ الْبَسْمَلَةَ لَمْ تَصِحَّ تِلْكَ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ أَرْبَعَةً أَوَّلًا لِلَّهِ تَعَالَى وَوَاحِدَةٌ مُشْتَرَكَةٌ وَثِنْتَانِ لِلْعَبْدِ. ( «وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» ) مِنَ الْهِدَايَةِ وَمَا بَعْدَهَا، قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: وَإِذَا حَقَّقْتَ وَجَدْتَ الْآيَاتِ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّكَ إِنَّمَا عَبَدْتَهُ بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَمَعُونَتِهِ، إِذِ الْعَبْدُ لَا حَوْلَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ وَلَا إِرَادَةَ إِلَّا بِحَوْلِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ: قَدْ بَيَّنَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ غَيْرُ الْمَقْرُوءِ، فَالْقِرَاءَةُ هِيَ التِّلَاوَةُ والتِّلَاوَةُ غَيْرُ الْمَتْلُوِّ، فَبَيَّنَ أَنَّ سُؤَالَ الْعَبْدِ غَيْرُ مَا يُعْطِيهُ اللَّهُ، وَأَنَّ قَوْلَ الْغَيْرِ كَلَامُ الرَّبِّ وَالْقِرَاءَةُ فِعْلُ الْعَبْدِ اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ بِتَغْيِيرِ بَعْضِ أَلْفَاظٍ قَدْ بَيَّنْتُهَا لَكَ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ لِلْعَلَاءِ فِيهِ شَيْخَيْنِ هُمَا أَبُوهُ وَأَبُو السَّائِبِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي، وَمِنْ أَبِي السَّائِبِ وَكَانَا جِلِيسَيْنِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ   190 - 188 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) وَلَا يَقْرَأُ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ. الحديث: 190 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ   191 - 189 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ (كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) كَفِعْلِ عُرْوَةَ وَهُمَا مِنَ الْفُقَهَاءِ. الحديث: 191 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ   192 - 190 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ أَوَّلَهُ (ابْنِ رُومَانَ) بِضَمِّ الرَّاءِ (أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) التَّابِعِيُّ ابْنُ الصَّحَابِيِّ (كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) وَلَا يَقْرَأُ فِيمَا جَهَرَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ اجْتِهَادَهُ وَافَقَ اجْتِهَادَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ التَّابِعِينَ فِيمَا فَعَلُوهُ، وَتَرْجَمَ بِمَفْهُومِ مَا ذَكَرَ فَقَالَ: الحديث: 192 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 [بَاب تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ هَلْ يَقْرَأُ أَحَدٌ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ يَقْرَأَ الرَّجُلُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَيَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ   10 - بَابُ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ 193 - 191 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ هَلْ يَقْرَأُ أَحَدٌ خَلْفَ الْإِمَامِ؟ قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ) أَيْ كَافِيهِ (قِرَاءَةُ الْإِمَامِ) وَلَا يَقْرَأْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» "، (وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ) فَعُلِمَ مِنْهُ وُجُوبُهَا عِنْدَهُ عَلَى الْإِمَامِ وَالْفَذِّ. (قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَرَى الْقِرَاءَةَ فِي سِرِّ الْإِمَامِ وَلَا فِي جَهْرِهِ، وَلَكِنْ مَالِكٌ قَيَّدَهُ بِتَرْجَمَةِ الْبَابِ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا جَهَرَ بِهِ الْإِمَامُ بِمَا عَلِمَ مِنَ الْمَعْنَى، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُنْصِتُ لِلْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ وَلَا يَقْرَأُ مَعَهُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ مَعَهُ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ، (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (أَنْ يَقْرَأَ الرَّجُلُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ، وَيَتْرُكَ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 204) لَا خِلَافَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي هَذَا الْمَعْنَى دُونَ غَيْرِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ؛ لِأَنَّ السِّرَّ لَا يُسْمَعُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْجَهْرَ خَاصَّةً، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ كُلَّ مَوْضِعٍ يُسْتَمَعُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الصَّلَاةَ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِمَامِ: " «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» " صَحَّحَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ فَأَيْنَ الْمَذْهَبُ عَنِ السُّنَّةِ؟ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ: قُلْتُ لِأَبِي عِيَاضٍ: لَقَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا لَا يَسْمَعُ الْقُرْآنَ إِلَّا يَسْتَمِعُ، قَالَ: لَا إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، فَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَإِنْ شِئْتَ اسْتَمَعْتَ وَأَنْصَتَّ وَإِنْ شِئْتَ مَضَيْتَ وَلَمْ تَسْتَمِعْ، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ، وَزَادَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: وَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ. الحديث: 193 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ هَلْ قَرَأَ مَعِي مِنْكُمْ أَحَدٌ آنِفًا فَقَالَ رَجُلٌ نَعَمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»   194 - 192 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ أُكَيْمَةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ مُصَغَّرُ أَكَمَةٍ وَاسْمُهُ عُمَارَةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّخْفِيفِ وَالْهَاءِ، وَقِيلَ عَمَارٌ بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ، وَقِيلَ عَمْرٌو بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَقِيلَ عَامِرٌ (اللَّيْثِيِّ) أَبِي الْوَلِيدِ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ وَلَهُ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ» ) وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: سَمِعْتُ ابْنَ أُكَيْمَةَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الصُّبْحِ» ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدِهِ فَقَالَ: نَظُنُّ أَنَّهَا صَلَاةُ الصُّبْحِ « (فَقَالَ: هَلْ قَرَأَ مَعِي مِنْكُمْ أَحَدٌ آنِفًا) بِمَدِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ النُّونِ أَيْ قَرِيبًا (فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ) قَرَأْتُ (قَالَ) أَبُو هُرَيْرَةَ: (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ) » هُوَ بِمَعْنَى التَّثْرِيبِ وَاللَّوْمِ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: أَيْ إِذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِنْ قَرَأْتُمْ وَرَائِي فَكَأَنَّمَا تُنَازِعُونَنِي الْقُرْآنَ الَّذِي أَقْرَأُ وَلَكِنْ أَنْصِتُوا، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَمَعْنَى مُنَازَعَتِهِمْ لَهُ أَنْ لَا يُفْرِدُوهُ بِالْقِرَاءَةِ وَيَقْرَءُوا مَعَهُ مِنَ التَّنَازُعِ بِمَعْنَى التَّجَاذُبِ، وَقَوْلُهُ: ( «فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا جَهَرَ فِيهِ» ) لَا فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) يَجْعَلُهُ أَكْثَرُ رُوَاةِ ابْنِ شِهَابٍ مِنْ كَلَامِ ابْنِ شِهَابٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُمُومُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْقِرَاءَةُ مَعَ الْإِمَامِ إِذَا جَهَرَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَا غَيْرِهَا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَبَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. الحديث: 194 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 [بَاب مَا جَاءَ فِي التَّأْمِينِ خَلْفَ الْإِمَامِ]   11 - مَا جَاءَ فِي التَّأْمِينِ خَلْفَ الْإِمَامِ مَصْدَرُ أَمَّنَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قَالَ آمِينَ وَهِيَ بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَعَنْ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ، وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ عَنْ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ الْإِمَالَةَ، وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ أُخْرَى شَاذَّةٍ: الْقَصْرُ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ وَأَنْشَدَ لَهُ شَاهِدًا وَأَنْكَرَهُ ابْنُ دُرُسْتُوَيْهِ وَطَعَنَ فِي الشَّاهِدِ بِأَنَّهُ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وَحَكَى عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّهُ إِنَّمَا أَجَازَهُ فِي الشِّعْرِ خَاصَّةً، وَالتَّشْدِيدُ مَعَ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وَخَطَّأَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهِيَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ مِثْلُ صَهٍ لِلسُّكُوتِ، وَتُفْتَحُ فِي الْوَصْلِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ مِثْلُ كَيْفَ، وَإِنَّمَا لَمْ تُكْسَرْ لِثِقَلِ الْكَسْرَةِ بَعْدَ الْيَاءِ، وَمَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ جَمِيعُهُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى كَقَوْلِ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ أَمِّنَّا بِخَيْرٍ، وَقِيلَ كَذَلِكَ يَكُونُ، وَقِيلَ: دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ تَجِبُ لِقَائِلِهَا، وَقِيلَ لِمَنِ اسْتُجِيبَ لَهُ كَمَا اسْتُجِيبَتْ لِلْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَعَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ التَّابِعِيِّ مِثْلُهُ وَأَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ: مَنْ مَدَّ وَشَدَّدَ مَعْنَاهُ قَاصِدِينَ إِلَيْهِ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَقَالَ: مَنْ قَصَرَ وَشَدَّدَ هِيَ كَلِمَةٌ عِبْرَانِيَّةٌ أَوْ سُرْيَانِيَّةٌ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الصَّحَابِيِّ أَنَّ آمِينَ مِثْلُ الطَّابَعِ عَلَى الصَّحِيفَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنْ خَتَمَ بِآمِينَ فَقَدْ أَوْجَبَ» "، ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِيِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ آمِينَ»   195 - 193 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ التَّابِعِيُّ ابْنُ الصَّحَابِيِّ وَكَذَا سَعِيدٌ (أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ لَفْظَهُمَا وَاحِدٌ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مُغَايَرَةٌ قَلِيلَةٌ لِلَفْظِ الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِمَامَ يُؤَمِّنُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ، وَتُعُقِّبَ لِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِإِذَا يُشْعِرُ بِتَحْقِيقِ الْوُقُوعِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ: لَا يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ فِي الْجَهْرِيَّةِ، وَعَنْهُ لَا يُؤَمِّنُ مُطْلَقًا، وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ، وَهِيَ عِلَّةٌ لَا تَقْدَحُ، فَابْنُ شِهَابٍ إِمَامُ التَّفَرُّدِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ أَيْضًا، وَرَجَّحَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ كَوَنَ الْإِمَامِ لَا يُؤَمِّنُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، بِأَنَّهُ دَاعٍ فَنَاسَبَ أَنْ يَخْتَصَّ الْمَأْمُومُ بِالتَّأْمِينِ وَهَذَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلِهِمْ لَا قِرَاءَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَهَا فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: كَمَا اشْتَرَكَا فِي الْقِرَاءَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِكَا فِي التَّأْمِينِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ قَوْلَهُ إِذَا أَمَّنَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ دَعَا، وَتَسْمِيَةُ الدَّاعِي مُؤَمِّنًا سَائِغَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89] (سُورَةُ يُونُسَ: الْآيَةُ 89) وَكَانَ مُوسَى دَاعِيًا وَهَارُونُ مُؤَمِّنًا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَرَدَّ بِعَدَمِ الْمُلَازَمَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُؤَمِّنِ دَاعِيًا عَكْسُهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ وَلَوْ صَحَّ فَكَوْنُ هَارُونَ دَاعِيًا تَغْلِيبٌ، وَقِيلَ مَعْنَى أَمَّنَ بَلَغَ مَوْضِعَ التَّأْمِينِ كَمَا يُقَالُ أَنْجَدَ بَلَغَ نَجْدًا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهَا، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا بَعِيدٌ لُغَةً وَشَرْعًا، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذَا مَجَازٌ فَإِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ يُرَجِّحُهُ عُمِلَ بِهِ اهـ. وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ التَّالِي: " «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الحديث: 195 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ» " فَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ يَقْتَضِي حَمْلَ أَمَّنَ عَلَى الْمَجَازِ (فَأَمِّنُوا) أَيْ قُولُوا آمِينَ (فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ) وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَيُونُسَ فِي مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ فَمَنْ وَافَقَ ( «تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ» ) فِي الْقَوْلِ وَالزَّمَانِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ الْمَذْكُورَةُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: الْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ فِي الْإِخْلَاصِ وَالْخُشُوعِ كَابْنِ حِبَّانَ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: يُرِيدُ مُوَافَقَةَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْإِخْلَاصِ بِغَيْرِ إِعْجَابٍ، وَكَذَا جَنَحَ إِلَيْهِ غَيْرُهُ فَقَالَ: وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ، أَوْ فِي إِجَابَةِ الدُّعَاءِ أَوْ فِي الدُّعَاءِ بِالطَّاعَةِ خَاصَّةً، أَوِ الْمُرَادُ بِتَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارُهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الْحِكْمَةُ فِي إِيثَارِ الْمُوَافَقَةِ فِي الْقَوْلِ وَالزَّمَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَمِّنُ عَلَى يَقَظَةٍ لِلْإِتْيَانِ بِالْوَظِيفَةِ فِي مَحَلِّهَا، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا غَفْلَةَ عِنْدِهِمْ فَمَنْ وَافَقَهُمْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا، ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ جَمِيعُهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ وَقِيلَ الْحَفَظَةُ مِنْهُمْ، وَقِيلَ الَّذِينَ يَتَعَاقَبُونَ مِنْهُمْ إِذَا قُلْنَا إِنَّهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَنْ يَشْهَدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِمَّنْ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ لِلْحَدِيثِ الْآتِي، وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَوَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: صُفُوفُ أَهْلِ الْأَرْضِ عَلَى صُفُوفِ أَهْلِ السَّمَاءِ، فَإِذَا وَافَقَ آمِينَ فِي الْأَرْضِ آمِينَ فِي السَّمَاءِ غُفِرَ لِلْعَبْدِ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلَى، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ. (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: ظَاهِرُهُ غُفْرَانُ جَمِيعِ ذُنُوبِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الصَّغَائِرِ، قَالَ: وَوَقَعَ فِي أَمَالِي الْجُرْجَانِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ، عَنْ بَحْرِ بْنِ نَصْرٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ وَمَا تَأَخَّرَ وَهِيَ زِيَادَةٌ شَاذَّةٌ، فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْجَارُودِ فِي الْمُنْتَقى عَنْ بَحْرِ بْنِ نَصْرٍ بِدُونِهَا، وَكَذَا مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ وَيُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِدُونِهَا، وَكَذَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا أَنِّي وَجَدْتُهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِإِثْبَاتِهَا، وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَوَاهُ فِي مَسْنَدِهِ وَمُصَنَّفِهِ بِدُونِهَا، وَكَذَا حُفَّاظُ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرِهِمَا اهـ. (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ آمِينَ» ) هَذَا مُرْسَلٌ، وَصَلَهُ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْمَدَنِيُّ، عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ وَالْعِلَلِ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُتَابَعْ حَفْصٌ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: " «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ جَهَرَ بِآمِينَ» " أَخْرَجَهُ ابْنُ السَّرَّاجِ. وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: " «فَإِذَا فَرَغَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ آمِينَ» " وَلِلْحَمِيدِيِّ مِنْ طَرِيقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ بِلَفْظِ: " «إِذَا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ آمِينَ حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ» "، فَقَدِ اعْتَضَدَ هَذَا الْمُرْسَلُ بِالْمُسْنَدِ لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْهَرُ بِالتَّأْمِينِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ لِيُعَلِّمَهُمْ فَأَوْمَأَ إِلَى نَسْخِهِ، وَرَدَّ بِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ وَابْنَ حِبَّانَ رَوَيَا عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: " «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَهَرَ بِآمِينَ» " وَوَائِلٌ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ جَهَرَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»   196 - 194 - (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ (مَوْلَى أَبِي بَكْرِ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا» ) أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (آمِينَ) فِيهِ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُؤَمِّنُ، وَهُوَ الْحَامِلُ عَلَى صَرْفِ قَوْلِهِ: إِذَا أَمَّنَ عَنْ ظَاهِرِهِ ; لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَحَكَى ابْنُ بَزِيزَةَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وُجُوبَهُ عَلَى الْأَمْرِ قَالَ: وَأَوْجَبَهُ الظَّاهِرِيَّةُ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ، وَرَدَّ بِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ حَيْثُ اقْتَصَرَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفَرَائِضِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ التَّأْمِينَ وَلَا غَيْرَهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ اسْتِحْبَابٌ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى تَعْيِينِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِلْإِمَامِ أَيْ لِاخْتِصَاصِ التَّأْمِينِ بِهَا، وَمُقْتَضَى السِّيَاقِ أَنَّ قِرَاءَتَهَا كَانَتْ أَمْرًا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ، وَعَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ إِمَامُهُ، وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْرَؤُهَا حَالَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ لَهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ إِذَا جَهَرَ لَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَا غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِهَا لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِمْ لَأَمَرَهَمْ إِذَا فَرَغُوا مِنَ الْفَاتِحَةِ أَنْ يُؤَمِّنَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ قِرَاءَتِهِ، لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيمَنْ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَأْمُومِينَ إِذَا اشْتَغَلُوا بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَمْ يَسْمَعُوا فَرَاغَهُ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، فَكَيْفَ يُؤْمَرُونَ بِالتَّأْمِينِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ، وَيُؤْمَرُونَ بِالِاشْتِغَالِ عَنْ سَمَاعِ ذَلِكَ؟ هَذَا لَا يَصِحُّ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْرَأُ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ وَغَيْرَهَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ إِذَا فَرَغَ إِمَامُهُمْ مِنْهَا أَنْ يُؤَمِّنُوا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَشْتَغِلُوا بِغَيْرِ الِاسْتِمَاعِ اهـ. ( «فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ) مِنَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ عَلَى ظَاهِرِهِ، الحديث: 196 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 لَكِنْ ثَبَتَ أَنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ، فَإِذَا كَانَتِ الْفَرَائِضُ لَا تُكَفِّرُهَا فَأَوْلَى التَّأْمِينُ الْمُسْتَحَبُّ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُكَفِّرَ لَيْسَ التَّأْمِينَ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُؤَمِّنِ، بَلْ وِفَاقُ الْمَلَائِكَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَى صُنْعِهِ بَلْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ وَعَلَامَةٌ عَلَى سَعَادَةِ الْمُوَافِقِ، قَالَهُ التَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَيَّنَ مَحَلَّ إِيقَاعِ التَّأْمِينِ فَيَكُونُ فَائِدَتُهُ الْمُوَافَقَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِأَنَّهُ مُوَافِقُ الْمَلَائِكَةِ بَلْ أَمَرَ بِهِ فَإِنْ وَافَقَ غُفِرَ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ عَامٌّ خَصَّ مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ النَّاسِ، فَلَا يُغْفَرُ بِالتَّأْمِينِ لِلْأَدِلَّةِ فِيهِ، لَكِنَّهُ شَامِلٌ لِلْكَبَائِرِ كَمَا تَقَدَّمَ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ خُرُوجَهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَفِيهِ فَضْلُ التَّأْمِينِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَأَيُّ فَضْلٍ أَعْظَمُ مِنْ كَوْنِهِ قَوْلًا يَسِيرًا لَا كُلْفَةَ فِيهِ، ثُمَّ قَدْ رُكِّبَتْ عَلَيْهِ الْمَغْفِرَةُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِيهِ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ تُغْفَرُ بِهَا الذُّنُوبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] (سُورَةُ هُودٍ: الْآيَةُ 114) وَقَالَ الْبَاجِيُّ: تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يَخْرُجُ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ، وَأَنَّ مَشْيَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتَهُ نَافِلَةٌ، فَمَا الَّذِي يُغْفَرُ بِقَوْلِ آمِينَ؟ قَالَ الدَّاوُدِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَذَا الْحَدِيثَ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي الْوُضُوءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ بَعْدَهُ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي مَمْشَاهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ فَهِيَ مُتَابَعَةٌ لِمَالِكٍ فِي شَيْخِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»   197 - 195 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ» ) عَقِبَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا عَلَى مُقْتَضَى إِطْلَاقِهِ، لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، نَعَمْ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ: " «إِذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ فَأَمِّنُوا» " فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى إِطْلَاقِهِ، فَيُسْتَحَبُّ التَّأْمِينُ لِكُلِّ مَنْ سَمْعِهِ مِنْ مُصَلٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمُقَيَّدُ عَلَى تَقْيِيدِهِ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْقَارِئِ الْإِمَامُ إِذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُ فَيَبْقَى التَّقْيِيدُ عَلَى حَالِهِ، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ. (وَقَالَتْ) هَكَذَا بِالْوَاوِ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ مِنَ الْمُوَطَّأِ وَهُوَ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ، فَمَا يَقَعُ فِي نُسَخٍ مِنْ إِسْقَاطِ الْوَاوِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جَوَابَ الشَّرْطِ إِذْ جَوَابُهُ غُفِرَ لَهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى عَلَى حَذْفِهَا ( «الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى» ) أَيْ وَافَقَتْ كَلِمَةُ الحديث: 197 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 تَأْمِينِ أَحَدِكُمْ كَلِمَةَ تَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْحَفَظَةِ كَمَا مَرَّ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ، وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِمَا فَوَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ، (غُفِرَ لَهُ) أَيْ لِلْقَائِلِ مِنْكُمْ (مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) أَيْ ذَنْبُهُ الْمُتَقَدِّمُ كُلُّهُ، فَمِنْ بَيَانِيَّةٌ لَا تَبْعِيضِيَّةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ السَّمَاءُ حَقِيقَةً، وَحَمَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا، وَأَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ مَا عَلَا قَائِلًا: لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْمَطَرَ سَمَاءً لِنُزُولِهِ مِنْ عُلُوٍّ، وَالرَّبِيعَ أَيْضًا سَمَاءً لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مَطَرِ السَّمَاءِ، وَيُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمِ مَا قَرُبَ مِنْهُ وَجَاوَرَهُ، وَقَالَ الشَّاعِرُ: إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِهِ بِقَوْلِهِ فِي السَّمَاءِ اهـ. وَفِيهِ شَيْءٌ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»   198 - 196 - (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ) بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ التَّرْغِيبُ فِي التَّحْمِيدِ، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: هُوَ عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْنَاهُ تَقَبَّلَ اللَّهُ حَمْدَ مَنْ حَمِدَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: سَمِعَ اللَّهُ دُعَاءَكَ أَيْ أَجَابَهُ وَتَقَبَّلَهُ، (فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا) أَيْ يَا اللَّهُ يَا رَبَّنَا فَفِيهِ تَكْرَارُ النِّدَاءِ (لَكَ الْحَمْدُ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَكَ بِالْوَاوِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَهُ أَيْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا فَاسْتَجِبْ دُعَاءَنَا وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى هِدَايَتِنَا، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ الْقَيِّمِ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدِ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّهُمَّ وَالْوَاوِ فِي وَلَكَ الْحَمْدُ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: كَأَنَّ إِثْبَاتَ الْوَاوِ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى زَائِدٍ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ مَثَلًا: رَبَّنَا اسْتَجِبْ وَلَكَ الْحَمْدُ، فَيَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ وَمَعْنَى الْخَيْرِ، وَهَذَا بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ عَاطِفَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الْأَثِيرِ قَالَ إِنَّهَا وَاوُ الْحَالِ وَضَعَّفَ مَا عَدَاهُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ بِالْوَاوِ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ إِسْقَاطَ الْوَاوِ وَاخْتَارَ كُلٌّ رِوَايَتَهُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يُثْبِتُ الْوَاوَ وَيَقُولُ: ثَبَتَتْ فِيهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ لَا الحديث: 198 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 يَقُولُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَالْمَأْمُومُ لَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ التَّسْمِيعَ الَّذِي هُوَ طَلَبُ التَّحْمِيدِ لِلْإِمَامِ، وَالتَّحْمِيدَ الَّذِي هُوَ طَلَبُ الْإِجَابَةِ لِلْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِحَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَهَذِهِ قِسْمَةٌ مُنَافِيَةٌ لِلشَّرِكَةِ كَخَبَرِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: " «وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ» " وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَمْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي نَافِلَةٍ، جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا لِأَنَّهُ غَالِبُ أَحْوَالِهِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ. ( «فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ» ) أَيْ حَمْدُهُ حَمْدَهُمْ (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ مَا يَقُولُ الْمَأْمُومُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْوَجْهُ عِنْدِي فِي هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَعْظِيمُ فَضْلِ الذِّكْرِ، وَأَنَّهُ يَحُطُّ الْأَوْزَارَ وَيَغْفِرُ الذُّنُوبَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ بِأَنَّهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، فَمَنْ كَانَ مِنْهُ مِنَ الْقَوْلِ مِثْلُ هَذَا بِإِخْلَاصٍ وَاجْتِهَادٍ وَنِيَّةٍ صَادِقَةٍ وَتَوْبَةٍ صَحِيحَةٍ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُشْكِلَةِ الْمَعَانِي، الْبَعِيدَةِ التَّأْوِيلِ عَنْ مَخَارِجِ لَفْظِهَا، وَاجِبٌ رَدُّهَا إِلَى الْأُصُولِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَ سُمَيًّا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ أَبِي صَالِحٍ عِنْدِ مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 [بَاب الْعَمَلِ فِي الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُعَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ «رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَعْبَثُ بِالْحَصْبَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا انْصَرَفْتُ نَهَانِي وَقَالَ اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فَقُلْتُ وَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ قَالَ كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَقَالَ هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ»   12 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ 199 - 197 - (مَالِكٌ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) وَاسْمُهُ يَسَارٌ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى الْأَنْصَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَجَمَاعَةٍ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَالسُّفْيَانَانِ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَالِكٌ وَآخَرُونَ، وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ مَالِكٌ قَالَ: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا يَهَابُ رَفْعَ الْأَحَادِيثِ، وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ. (عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُعَاوِيِّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ، وَبَعْدَ الْأَلِفِ وَاوٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي مُعَاوِيَةَ فَخْذٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَابِعِيٌّ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (أَنَّهُ قَالَ: رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (وَأَنَا أَعْبَثُ بِالْحَصْبَاءِ) صِغَارِ الْحَصَى (فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا انْصَرَفْتُ الحديث: 199 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 نَهَانِي) عَنْ ذَلِكَ لِكَرَاهَتِهِ، كَالْعَبَثِ بِكُلِّ شَيْءٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَسِيرًا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: " «وَمَسْحُ الْحَصْبَاءِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَتَرْكُهَا خَيْرٌ مَنْ حُمْرِ النَّعَمِ» " قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ فَلَمَّا انْصَرَفَ، وَمَرَّةً قَالَ: فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: لَا تُقَلِّبِ الْحَصْبَاءَ فَإِنَّ تَقْلِيبَ الْحَصْبَاءِ مِنَ الشَّيْطَانِ. ( «وَقَالَ: اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ، فَقُلْتُ: وَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ؟ قَالَ: كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ» ) وَهِيَ السَّبَّابَةُ زَادَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ: «هِيَ مِذَبَّةُ الشَّيْطَانِ لَا يَسْهُو أَحَدُكُمْ مَادَامَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ» وَيَقُولُ هَكَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ: فِيهِ أَنَّ مَعْنَى الْإِشَارَةِ دَفْعُ السَّهْوِ وَقَمْعُ الشَّيْطَانِ الَّذِي يُوَسْوِسُ، وَقِيلَ إِنَّ الْإِشَارَةَ هُنَا مَعْنَاهَا التَّوْحِيدُ، ( «وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى» وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ أَنَّ عَلَى الْيَدَيْنِ عَمَلًا فِي الصَّلَاةِ يَشْتَغِلَانِ بِهِ فِيهَا، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ أَشْغَلَهُمَا بِمَا فِي السُّنَّةِ وَلَا يَعْبَثُ بِالْحَصْبَاءِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ وَقَالَ: فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ وَسَاقَهُ أَبُو عُمَرَ بِإِسْنَادِهِ وَفِيهِ زِيَادَتَانِ عَلَى رِوَايَةِ مَالِكٍ كَمَا رَأَيْتَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَصَلَّى إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ فَلَمَّا جَلَسَ الرَّجُلُ فِي أَرْبَعٍ تَرَبَّعَ وَثَنَى رِجْلَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ عَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ الرَّجُلُ فَإِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَإِنِّي أَشْتَكِي   200 - 198 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (وَصَلَّى إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ فَلَمَّا جَلَسَ الرَّجُلُ فِي أَرْبَعٍ تَرَبَّعَ وَثَنَى رِجْلَيْهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: التَّرَبُّعُ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَيَضَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، وَالثَّانِي أَنْ يَتَرَبَّعَ وَيَثْنِيَ رِجْلَيْهِ فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ، فَتَكُونَ رِجْلُهُ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ، وَسَاقِهِ الْيُمْنَى، وَيَثْنِيَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَتَكُونَ عِنْدَ أَلْيَتِهِ الْيُمْنَى، وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ هِيَ الَّتِي عَابَهَا كَمَا قَالَ (فَلَمَّا انْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ عَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ التَّرَبُّعَ لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ الحديث: 200 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 الْأَصِحَّاءِ فِي جُلُوسِ الصَّلَاةِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ لِلنِّسَاءِ (فَقَالَ الرَّجُلُ فَإِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَإِنِّي أَشْتَكِي) قَالَ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّهُ كَانَ فُدِعَ بِخَيْبَرَ فَلَمْ تَعُدْ رِجْلَاهُ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَرْجِعُ فِي سَجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا أَفْعَلُ هَذَا مِنْ أَجْلِ أَنِّي أَشْتَكِي   201 - 199 - (مَالِكٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ) الْجَرَزِيِّ نَزِيلِ مَكَّةَ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ) الصَّنْعَانِيِّ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ (أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَرْجِعُ فِي سَجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ) فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ (ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ) ابْنُ عُمَرَ: (إِنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا أَفْعَلُ هَذَا مِنْ أَجْلِ أَنِّي أَشْتَكِي) فَلَا أَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ لِلْعُذْرِ. الحديث: 201 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلَاةِ إِذَا جَلَسَ قَالَ فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِيَ رِجْلَكَ الْيُسْرَى فَقُلْتُ لَهُ فَإِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِي   202 - 200 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ، سُمِّيَ بِاسْمِ أَبِيهِ وَكُنِّيَ بِكُنْيَتِهِ وَكَانَ وَصِيَّ أَبِيهِ، وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ، (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ) أَيْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ حَمَلَهُ عَنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْنٍ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَكَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ عَنْهُ ثُمَّ لَقِيَهُ أَوْ سَمِعَهُ مَنْ مَعَهُ وَثَبَّتَهُ فِيهِ أَبُوهُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ (أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلَاةِ إِذَا جَلَسَ) لِلتَّشَهُّدِ (قَالَ فَفَعَلْتُهُ) أَيِ التَّرَبُّعَ (وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ) صَغِيرٌ (فَنَهَانِي) عَنْهُ (عَبْدُ اللَّهِ) أَبِي (وَقَالَ: إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ) هَذِهِ الصِّيغَةُ حُكْمُهَا الرَّفْعُ إِذَا قَالَهَا الصَّحَابِيُّ وَلَوْ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَمَانٍ كَمَا هُنَا (أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِيَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (رِجْلَكَ الْيُسْرَى) الحديث: 202 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَصْنَعُ بَعْدَ ثَنْيِهَا هَلْ يَجْلِسُ فَوْقَهَا أَوْ يَتَوَرَّكُ؟ وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ اللَّاحِقَةِ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ لَا فَوْقَهَا، (فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ) التَّرَبُّعَ (فَقَالَ: إِنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِّي) بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَيَجُوزُ التَّخْفِيفُ، وَرِجْلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِلَا أَلِفٍ رِوَايَةُ الْأَكْثَرُ وَفِي رِوَايَةٍ حَكَاهَا ابْنُ التِّينِ رِجْلَايَ بِالْأَلِفِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُلْزِمُ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ، أَوْ إِنَّ بِمَعْنَى نَعَمْ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا قِيلَ فِي قِرَاءَةِ {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] (سُورَةُ طه: الْآيَةُ 63) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتَلَفُوا فِي التَّرَبُّعِ فِي النَّافِلَةِ وَفِي الْفَرِيضَةِ لِلْمَرِيضِ، فَأَمَّا الصَّحِيحُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَبُّعُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِنَفْيِ الْجَوَازِ إِثْبَاتَ الْكَرَاهَةِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَأَنْ أَقْعُدَ عَلَى رَضْفَتَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْعُدَ مُتَرَبِّعًا، وَهَذَا يُشْعِرُ بِتَحْرِيمِهِ عِنْدَهُ، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ صِفَةَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ الْقَعْنَبي عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَرَاهُمْ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ أَرَانِي هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ   203 - 201 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَرَاهُمُ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ: أَرَانِي هَذَا) الْجُلُوسَ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (وَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) فَتَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ مَا أُجْمِلَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلِهَذَا أَتَى الْإِمَامُ بِهَا تِلْوَ تِلْكَ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِهَذِهِ لِتَصْرِيحِ الْأَوْلَى بِأَنَّهُ السُّنَّةُ الْمُقْتَضِيَةُ الرَّفْعَ بِخِلَافِ هَذِهِ فَحَسُنَ مِنْهُ ذِكْرُهُمَا مَعًا. الحديث: 203 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 [بَاب التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ]   13 - بَابُ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ أَيْ لَفْظُهُ وَهُوَ تَفَعُّلٌ مِنْ تَشَهَّدَ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى النُّطْقِ بِشَهَادَةِ الْحَقِّ تَغْلِيبًا لَهَا عَلَى بَقِيَّةِ أَذْكَارِهِ لِشَرَفِهَا. وَأَمَّا حُكْمُهُ فَلَمْ يُوجِبْهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ بَلْ قَالَ مَالِكٌ: سُنَّةٌ، وَأَوْجَبَهُ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ فِي الْجُلُوسَيْنِ مَعًا، وَأَوْجَبَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْآخَرِ دُونَ الْأَوَّلِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَبُو مُصْعَبٍ وَقَالَ: مَنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَاسْتَدَلُّوا لِلْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ: " فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ "، وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَتَحَتَّمُ لِلْوُجُوبِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّسْبِيحَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَنْدُوبٌ، وَقَدْ أَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا نَزَلَ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] (سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: الْآيَةُ 74) فَقَالَ: " اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ» " الْحَدِيثَ، فَكَذَلِكَ التَّشَهُّدُ، وَالصَّارِفُ لَهُ عَنِ الْوُجُوبِ حَدِيثُ الْمُسِيءِ صَلَاتَهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ التَّشَهُّدَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ يَقُولُ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ   204 - 202 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ) بِغَيْرِ إِضَافَةٍ (الْقَارِيِّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ نِسْبَةً إِلَى قَارَةَ بَطْنٌ مِنْ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ الْمَدَنِيِّ، عَامِلُ عُمَرَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، يُقَالُ إِنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَهُ الْعِجْلِيُّ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ فِيهِ قَالَ تَارَةً لَهُ صُحْبَةٌ، وَتَارَةٌ تَابِعِيٌّ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ. ( «أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ» ) قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: مَا أَوْرَدَهُ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَائِشَةَ حُكْمُهُ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَلَوْ كَانَ رَأْيًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِنَ الذِّكْرِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَذْكَارِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَوْقِيفًا، وَقَدْ رَفَعَهُ غَيْرُ مَالِكٍ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ( «يَقُولُ: قُولُوا التَّحِيَّاتُ» ) جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَمَعْنَاهَا السَّلَامُ أَوِ الْبَقَاءُ أَوِ الْعَظَمَةُ أَوِ السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ وَالنَّقْصِ أَوِ الْمُلْكُ (لِلَّهِ) وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ: لَيْسَتِ التَّحِيَّةُ الْمُلْكَ نَفْسَهُ، لَكِنَّهَا الْكَلَامُ الَّذِي يُحَيَّى بِهِ الْمَلِكُ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَمْ يَكُنْ يُحَيَّى إِلَّا الْمَلِكُ خَاصَّةً، وَكَانَ لِكُلِّ مَلِكٍ تَحِيَّةٌ تَخُصُّهُ فَلِهَذَا جُمِعَتْ، وَكَانَ الْمَعْنَى التَّحِيَّاتِ الَّتِي كَانُوا يُسَلِّمُونَ بِهَا عَلَى الْمُلُوكِ كَقَوْلِهِمْ: أَنْعِمْ صَبَاحًا، وَأَبَيْتَ اللَّعْنَ، وَعِشْ كَذَا سَنَةٍ، كُلُّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: ثُمَّ الْبَغَوِيُّ: وَلَمْ يَكُنْ فِي تَحِيَّاتِهِمْ شَيْءٌ يَصْلُحُ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ، فَلِهَذَا أُبْهِمَتْ أَلْفَاظُهَا وَاسْتُعْمِلَ مِنْهَا مَعْنَى التَّعْظِيمِ، فَقَالَ: قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، أَيْ أَنْوَاعُ الثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ. وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ لَفْظَ التَّحِيَّةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَعَانِي الْمُتَقَدِّمَةِ وَكَوْنُهَا بِمَعْنَى السَّلَامِ أَنْسُبُ هُنَا (الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هِيَ صَالِحُ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَزْكُو لِصَاحِبِهَا الثَّوَابُ فِي الْآخِرَةِ (الطَّيِّبَاتُ) أَيْ مَا طَابَ مِنَ الْقَوْلِ وَحَسُنَ أَنْ يُثْنَى بِهِ عَلَى اللَّهِ دُونَ مَا لَا يَلِيقُ بِصِفَاتِهِ، مِمَّا كَانَ الْمُلُوكُ يُحَيَّوْنَ بِهِ، وَقِيلَ: الطَّيِّبَاتُ ذِكْرُ اللَّهِ، وَقِيلَ: الْأَقْوَالُ الصَّالِحَةُ كَالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ، وَقِيلَ: الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَهُوَ أَعَمُّ (الصَّلَوَاتُ) الْخَمْسُ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ أَوِ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا أَوِ الدَّعَوَاتُ أَوِ الرَّحْمَةُ (لِلَّهِ) الحديث: 204 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 عَلَى عِبَادِهِ وَقِيلَ: التَّحِيَّاتُ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ، وَالطَّيِّبَاتُ الصَّدَقَاتُ الْمَالِيَّةُ، وَالصَّلَوَاتُ الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ، (السَّلَامُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: يَجُوزُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ حَذْفُ اللَّامِ وَإِثْبَاتُهَا، وَالْإِثْبَاتُ أَفْضَلُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ الْحَافِظُ: لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِحَذْفِ اللَّامِ وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ التَّقْدِيرِيِّ أَيْ ذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي وُجِّهَ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ. (عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) أَيْ إِحْسَانُهُ، (وَبَرَكَاتُهُ) وَأَمَّا لِلْجِنْسِ بِمَعْنَى أَنَّ حَقِيقَةَ السَّلَامِ الَّذِي يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَعَمَّنْ يَصْدُرُ، وَعَلَى مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] (سُورَةُ النَّمْلِ: الْآيَةُ 59) قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِ النَّكِرَةِ لَأَنَّ أَصْلَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ سَلَامًا عَلَيْكَ ثُمَّ حُذِفَ الْفِعْلُ وَأُقِيمَ الْمَصْدَرُ مَقَامَهُ، وَعُدِلَ عَنِ النَّصْبِ إِلَى الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ؛ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمَعْنَى وَاسْتِقْرَارِهِ اهـ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْإِقْلِيدِ عَنْ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ التَّنْكِيرَ فِيهِ لِلتَّعْظِيمِ، وَهُوَ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ لَا يَقِفُ عَنِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، (السَّلَامُ) الَّذِي وُجِّهَ إِلَى الْأُمَمِ السَّالِفَةِ مِنَ الصُّلَحَاءِ، (عَلَيْنَا) يُرِيدُ بِهِ الْمُصَلِّيَ نَفْسَهُ، وَالْحَاضِرِينَ مِنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ وَالْمَلَائِكَةِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْبُدَاءَةِ بِالنَّفْسِ فِي الدُّعَاءِ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ مُصَحَّحًا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ» " وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ كَمَا فِي التَّنْزِيلِ (وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) جَمْعُ صَالِحٍ وَالْأَشْهَرُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَتَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْحَكِيمُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْظَى بِهَذَا السَّلَامِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ الْخَلْقُ فِي صَلَاتِهِمْ، فَلْيَكُنْ عَبْدًا صَالِحًا وَإِلَّا حُرِمَ هَذَا الْفَضْلَ الْعَظِيمَ، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ لِيَتَوَافَقَ لَفْظُهُ مَعَ قَصْدِهِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: عَلَّمَهُمْ أَنْ يُفْرِدُوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ وَمَزِيدِ حَقِّهِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ عَلَّمَهُمْ أَنْ يُخَصِّصُوا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلًا لِأَنَّ الِاهْتِمَامَ بِهَا أَهَمُّ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِتَعْمِيمِ السَّلَامِ عَلَى الصَّالِحِينَ إِعْلَامًا مِنْهُ بِأَنَّ الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لَهُمْ، (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) زَادَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي: وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) وَقَدِ اخْتَارَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ تَشَهُّدَ عُمَرَ هَذَا؛ لِكَوْنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَلَا يَلْحَقُ بِالْمَرْفُوعِ، وَرُدَّ بِأَنَّ ابْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 مَرْدَوَيْهِ رَوَاهُ فِي كِتَابِ التَّشَهُّدِ مَرْفُوعًا، وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ تَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَكَانَ يَقُولُ: " التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» " وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ إِلَّا أَنَّهُ أَبْدَلَ الزَّاكِيَاتِ بِالْمُبَارَكَاتِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَكَأَنَّهَا بِالْمَعْنَى وَاخْتَارَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْهُ قَالَ: " «كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: إِنِ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ. وَقَالَ الْبَزَّارُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ: هُوَ عِنْدِي حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رُوِيَ مِنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ طَرِيقًا، ثُمَّ سَرَدَ أَكْثَرَهَا، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ فِي التَّشَهُّدِ أَثْبَتَ مِنْهُ، وَلَا أَصَحَّ أَسَانِيدَ، وَلَا أَشْهَرَ رِجَالًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، وَمِنْ مُرَجِّحَاتِهِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَنَّ الرُّوَاةَ عَنْهُ مِنَ الثِّقَاتِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَلْفَاظِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ تَلَقَّاهُ تَلْقِينًا، فَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ قَالَ: «أَخَذْتُ التَّشَهُّدَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَّنِّيهِ كَلِمَةً كَلِمَةً» . وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّشَهُّدَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ» " وَرَجَّحَ أَيْضًا ثُبُوتَ الْوَاوِ فِي الصَّلَوَاتِ وَالطَّيِّبَاتِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ كُلُّ جُمْلَةٍ ثَنَاءً مُسْتَقِلًّا بِخِلَافِ حَذْفِهَا، فَيَكُونُ صِفَةً لِمَا قَبْلَهَا وَتَعَدَّدُ الثَّنَاءِ فِي الْأَوَّلِ صَرِيحٌ، فَيَكُونُ أَوْلَى، وَلَوْ قِيلَ إِنَّ الْوَاوَ مُقَدَّرَةٌ فِي الثَّانِي، وَبِأَنَّهُ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَمُجَرَّدُ حِكَايَةٍ، وَلِأَحْمَدَ عَنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَزِيَّتِهِ اهـ. وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثُ عُمَرَ بِالْأَمْرِ أَيْضًا كَمَا رَأَيْتَ، فَدَلَّ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى الْمَزِيَّةِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ كُلُّهُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ حَسَنٍ مُتَقَارِبِ الْمَعْنَى إِنَّمَا فِيهِ كَلِمَةٌ زَائِدَةٌ أَوْ نَاقِصَةٌ، وَتَسْلِيمُ الصَّحَابَةِ لِعُمَرَ ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ رِوَايَاتِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالتَّوْسِعَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَشَهَّدُ فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ هَذَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَيَدْعُو إِذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ بِمَا بَدَا لَهُ فَإِذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَشَهَّدَ كَذَلِكَ أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّشَهُّدَ ثُمَّ يَدْعُو بِمَا بَدَا لَهُ فَإِذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ قَالَ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ عَنْ يَسَارِهِ رَدَّ عَلَيْهِ   205 - 203 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَشَهَّدُ فَيَقُولُ بِاسْمِ اللَّهِ) فِي أَوَّلِهِ كَذَا وَقَعَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَوَرَدَتْ أَيْضًا فِي حَدِيثِ أَبِيهِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَغَيْرِهِمَا، وَعُورِضَ بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدِيثُ عُمَرَ وَلَيْسَتْ فِيهِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ الْمَرْفُوعِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيِّ فِي الْعِلَلِ بِلَفْظِ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ التَّحِيَّاتُ إِلَى آخِرِهِ» "، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، لَكِنْ ضَعَّفَهُ الْحُفَّاظُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالُوا: إِنَّ رَاوِيَهُ أَخْطَأَ فِيهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: " «فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكُنْ أَوَّلُ قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» " رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ أَنْكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا عَلَى مَنْ زَادَهَا، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةُ الْبَسْمَلَةِ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يَعْرِفْ مَالِكٌ فِي أَوَّلِهِ بِاسْمِ اللَّهِ أَيْ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ مَرْفُوعٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ هُنَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ) لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا غَيْرَهُ، أَوْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدِ إِخْلَاصِنَا لَهُ، (الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُبَارَكَاتُ بَدَلُ الزَّاكِيَاتِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 61) ، (وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ) كَذَا وَقَعَ بِإِسْقَاطِ كَافِ الْخِطَابِ، وَلَفْظِ أَيُّهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِيِّ، وَوَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيُقَالُ: بِلَفْظِ الْخِطَابِ وَبَعْدَهُ فَبِلَفْظِ الْغَيْبَةِ، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ التَّشَهُّدَ قَالَ: وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا، فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ، وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالسَّرَّاجُ وَالْجَوْزَقِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ: فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ بِحَذْفِ لَفْظٍ يَعْنِي، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَهَذَا صَحِيحٌ بِلَا رَيْبٍ، وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُ مُتَابِعًا قَوِيًّا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقُولُونَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، فَلَمَّا مَاتَ قَالُوا: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُمُ التَّشَهُّدَ فَذَكَرَهُ قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «إِنَّمَا كُنَّا نَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا كَانَ حَيًّا» ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ هَكَذَا عَلَّمَنَا وَهَكَذَا نُعَلِّمُ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَهُ بَحْثًا، وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ الحديث: 205 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 يَرْجِعْ إِلَيْهِ، لَكِنْ رِوَايَةُ أَبِي مَعْمَرٍ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَالْإِسْنَادُ إِلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ ضَعِيفٌ اهـ. (وَرَحْمَةُ اللَّهِ) أَيْ إِحْسَانُهُ (وَبَرَكَاتُهُ) أَيْ زِيَادَةٌ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ (السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) اسْتَنْبَطَ مِنْهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ حَقًّا لِلْعِبَادِ مَعَ حَقِّ اللَّهِ، وَأَنَّ مَنْ تَرَكَهَا أَخَلَّ بِحَقِّ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ مَضَى، وَمَنْ يَجِيءُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِقَوْلِهِ: السَّلَامُ عَلَيْنَا. . . إِلَخْ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ تَرْكُهَا يَضُرُّ بِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ، فَيَكُونُ التَّارِكُ مُقَصِّرًا فِي رَحْمَةِ اللَّهِ وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَفِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ؛ وَلِذَا عَظُمَتِ الْمَعْصِيَةُ بِتَرْكِهَا، (شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، شَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) هَذَا مُخَالِفٌ لِلْمَرْوِيِّ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِلَفْظِ أَشْهَدُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ وَالْعَمَلُ (يَقُولُ هَذَا) ابْنُ عُمَرَ (فِي) التَّشَهُّدِ الْوَاقِعِ بَعْدَ (الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَيَدْعُو) ابْنُ عُمَرَ (إِذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ) الْمَذْكُورَ (بِمَا بَدَا لَهُ) وَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ، وَالْمَذْهَبُ رِوَايَةُ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ عَنْهُ كَرَاهَةُ الدُّعَاءِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ تَقْصِيرُهُ، ( «فَإِذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَشَهَّدَ كَذَلِكَ أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّشَهُّدَ ثُمَّ يَدْعُو بِمَا بَدَا لَهُ» ) مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ التَّشَهُّدِ: " «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو بِهِ» " وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ طَاوُسُ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَقَالُوا: لَا يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِمَا فِي الْقُرْآنِ، كَذَا أَطْلَقَ ابْنُ بَطَّالٍ وَجَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِمَا فِي الْقُرْآنِ أَوْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَوْ كَانَ مَأْثُورًا، أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا أَوْ غَيْرَ مَرْفُوعٍ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ، وَكَذَا يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ لَا يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِأَمْرِ الْآخِرَةِ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مَا يَقْبُحُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، فَإِنْ أَرَادَ الْفَاحِشَ مِنَ اللَّفْظِ فَمُحْتَمَلٌ، وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ الدُّعَاءَ بِالْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ، ( «فَإِذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ قَالَ: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ» ) وَهَذِهِ زِيَادَةُ تَكْرِيرٍ فِي التَّشَهُّدِ، كَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ اخْتَارَهُ لِيَخْتِمَهُ بِالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ وَالصَّالِحِينَ؛ لِأَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ بِالدُّعَاءِ، وَرَوَى عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ اسْتِحْبَابَ ذَلِكَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَا يَثْبُتُ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ عَنْ يَمِينِهِ) تَسْلِيْمَةُ التَّحْلِيلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 ( «ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ عَنْ يَسَارِهِ» ) بِأَنْ كَانَ مُصَلِّيًا مَعَ الْإِمَامِ (رَدَّ عَلَيْهِ) وَلَعَلَّ مَالِكًا ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُومَ يُسَلِّمُ ثَلَاثًا، إِنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ لِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهُمْ: عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ تَسْلِيْمَتَانِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، وَلَوْ مَأْمُومًا وَإِلَّا فَمَالِكٌ لَا يَقُولُ بِمَا فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا مِنَ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِهِ وَإِبْدَالِهِ أَشْهَدُ بِشَهِدْتُ، وَالدُّعَاءِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَإِعَادَةِ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ وَالصَّالِحِينَ بَعْدَ الدُّعَاءِ، وَقَبْلَ السَّلَامِ، وَلَا إِبْدَالَ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ بِالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ إِذَا تَشَهَّدَتْ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ   206 - 204 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ إِذَا تَشَهَّدَتِ: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ» ) فَتُسْقِطُ لَفْظَ لِلَّهِ عَقِبَ التَّحِيَّاتِ وَالصَّلَوَاتِ، بِخِلَافِ مَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ إِثْبَاتِهَا، وَهِيَ مَرْفُوعَةٌ، فَتُقَدَّمُ عَلَى الْمَوْقُوفِ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وَزَادَتْ عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ (وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) وَكَذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ لَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي التَّشَهُّدِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: زِدْتُ فِيهَا وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ الْوَقْفُ: (وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) لَمْ تَخْتَلِفِ الطُّرُقُ عَنْهَا وَلَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَالزُّبَيْرِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: " «بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ وَعَبْدُهُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ كُنْتُ عَبْدًا قَبْلَ أَنْ أَكُونَ رَسُولًا قُلْ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» " رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: " وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " وَمِنْهُمْ مَنْ حَذَفَ أَشْهَدُ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: السَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ كَالْمَقَامِ وَالْمَقَامَةِ، وَالسَّلَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وُضِعَ الْمَصْدَرُ مَوْضِعَ الِاسْمِ مُبَالَغَةً، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ الحديث: 206 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 سَالِمٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَآفَةٍ وَنَقْصٍ وَفَسَادٍ، وَمَعْنَى السَّلَامُ عَلَيْكَ، الدُّعَاءُ أَيْ سَلِمْتَ مِنَ الْمَكَارِهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكَ، كَأَنَّهُ بَرَّكَ عَلَيْهِ بِاسْمِ اللَّهِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ شُرِعَ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ خِطَابُ بَشَرٍ مَعَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) الْقَائِمِينَ بِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعِبَادِ، تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) لِلْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ إِذَا تَشَهَّدَتْ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ   207 - 205 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تَقُولُ إِذَا تَشَهَّدَتْ) فِي الصَّلَاةِ: (التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) سَأَلَ الطِّيبِيُّ عَنْ حِكْمَةِ الْعُدُولِ عَنِ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ فِي هَذَا مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْغَيْبَةِ هُوَ مُقْتَضَى السِّيَاقِ، كَأَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ فَيَنْتَقِلُ مِنْ تَحِيَّةِ اللَّهِ إِلَى تَحِيَّةِ النَّبِيِّ ثُمَّ إِلَى تَحِيَّةِ النَّفْسِ ثُمَّ إِلَى الصَّالِحِينَ. وَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ: نَحْنُ نَتَّبِعُ لَفْظَ الرَّسُولِ بِعَيْنِهِ الَّذِي عَلَّمَهُ لِلصَّحَابَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْعِرْفَانِ إِنَّ الْمُصَلِّينَ لَمَّا اسْتَفْتَحُوا بَابَ الْمَلَكُوتِ بِالتَّحِيَّاتِ أَذِنَ لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِي حَرَمِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، فَقَرَّتْ أَعْيُنُهُمْ بِالْمُنَاجَاةِ فَنُبِّهُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَبِرْكَةِ مُتَابَعَتِهِ فَالْتَفَتُوا، فَإِذَا الْحَبِيبُ فِي حَرَمِ الْحَبِيبِ حَاضِرٌ فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ: قَائِلِينَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. وَقَدَحَ الْحَافِظُ فِي وَجْهِ هَذَا بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ صَحَّ الْمُغَايِرَةُ بَيْنَ حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ بِالْخِطَابِ، وَبَعْدَ مَمَاتِهِ فَيَقُولُ عَلَى النَّبِيِّ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ اهـ. لَكِنَّ الْمُقَرَّرَ فِي الْفُرُوعِ إِنَّمَا يُقَالُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَلَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ اتِّبَاعًا لِأَمْرِهِ وَتَعْلِيمِهِ فَتَمَّتِ النُّكْتَةُ. ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ قِيلَ لِمَ عَدَلَ عَنِ الْوَصْفِ بِالرِّسَالَةِ إِلَى الْوَصْفِ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ أَنَّ وَصْفَ الرِّسَالَةِ أَعَمُّ فِي حَقِّ الْبَشَرِ؟ أَجَابَ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنْ يَجْمَعَ لَهُ الْوَصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وُصِفَ بِالرِّسَالَةِ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ، وَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ الْبَشَرِيُّ يَسْتَلْزِمُ النُّبُوَّةَ، لَكِنَّ التَّصْرِيحَ بِهِمَا أَبْلَغُ، قِيلَ: وَحِكْمَةُ تَقْدِيمِ وَصْفِ النُّبُوَّةِ، أَنَّهَا كَذَلِكَ وُجِدَتْ فِي الْخَارِجِ لِنُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] الحديث: 207 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 (سُورَةُ الْعَلَقِ: الْآيَةُ 1) قَبْلَ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 1 - 2] (سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ الْآيَةُ: 1 - 2) (السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيْمَةً وَاحِدَةً مِنْ طُرُقٍ مَعْلُولَةٍ لَا تَصِحُّ، لَكِنْ رُوِيَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَجَمْعٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَلِّمُونَ وَاحِدَةً، وَاخْتُلِفَ عَنْ أَكْثَرِهِمْ فَرُوِيَ عَنْهُمْ تَسْلِيمَتَانِ كَمَا رُوِيَتِ الْوَاحِدَةُ، وَالْعَمَلُ الْمَشْهُورُ الْمُتَوَاتِرُ بِالْمَدِينَةِ التَّسْلِيمَةُ الْوَاحِدَةُ، وَمِثْلُ هَذَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِوُقُوعِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِرَارًا، وَالْحُجَّةُ لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» "، وَالْوَاحِدَةُ يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ التَّسْلِيمِ، وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ أَيَتَشَهَّدُ مَعَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وِتْرًا فَقَالَا لِيَتَشَهَّدْ مَعَهُ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا   208 - 206 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ أَيَتَشَهَّدُ مَعَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وِتْرًا؟ فَقَالَا: لِيَتَشَهَّدْ مَعَهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ لِحَدِيثِ: " «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» ". الحديث: 208 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 [بَاب مَا يَفْعَلُ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ مَلِيحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فَإِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ إِنَّ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَلَا يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ وَذَلِكَ خَطَأٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ إِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ   14 - بَابُ مَا يَفْعَلُ مَنْ رَفْعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ 209 - 207 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ) بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَنَافِعٍ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَلْقٍ، وَعَنْهُ مَالِكٌ وَشُعْبَةُ وَالسُّفْيَانَانِ وَجَمَاعَةٌ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمْ، وَرَوَى لَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ الحديث: 209 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ قَبْلَهَا. (عَنْ مَلِيحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ) مِنَ الرُّكُوعِ أَوِ السُّجُودِ (وَيَخْفِضُهُ) فِيهِمَا (قَبْلَ الْإِمَامِ فَإِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ) قَالَ الْبَاجِيُّ: مَعْنَاهُ الْوَعِيدُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِخْبَارُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ بِهِ، وَأَنَّ انْقِيَادَهُ لَهُ وَطَاعَتَهُ إِيَّاهُ فِي الْمُبَادَرَةِ بِالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ قَبْلَ إِمَامِهِ، انْقِيَادُ مَنْ كَانَتْ نَاصِيَتُهُ بِيَدِهِ. وَقَالَ فِي الْقَبَسِ: لَيْسَ لِلتَّقَدُّمِ قَبْلَ الْإِمَامِ سَبَبٌ إِلَّا طَلَبُ الِاسْتِعْجَالِ، وَدَوَاؤُهُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَا يَسْتَعْجِلُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مَالِكٌ مَوْقُوفًا. وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مَلِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ قَالَ الْحَافِظُ: أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَوْقُوفًا وَهُوَ الْمَحْفُوظُ وَقَدْ رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ؟» " وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَوِيٌّ، فَإِنَّ الْحِمَارَ مَوْصُوفٌ بِالْبَلَادَةِ، فَاسْتُعِيرَ هَذَا الْمَعْنَى لِلْجَاهِلِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، وَيُرَجِّحُ هَذَا الْمَجَازَ أَنَّ التَّحْوِيلَ لَمْ يَقَعْ مَعَ كَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ، أَوْ حَقِيقِيٌّ إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِ وُقُوعِهِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَكِنْ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ مُتَعَرِّضٌ لِذَلِكَ، وَكَوْنُ فِعْلِهِ مُمَكِّنًا لِأَنْ يَقَعَ ذَلِكَ الْوَعِيدُ وَلَا يَلْزَمُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلشَّيْءِ وُقُوعُ ذَلِكَ الشَّيْءِ. وَقَالَ ابْنُ بَزِيْزَةَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّحْوِيلِ الْمَسْخُ أَوْ تَحْوِيلُ الْهَيْئَةِ الْحِسِّيَّةِ أَوِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَوْ هُمَا مَعًا. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُقَوِّي حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ رِوَايَةُ ابْنُ حِبَّانَ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ كَلْبٍ، فَهَذَا يُبْعِدُ الْمَجَازَ لِانْتِفَاءِ الْمُنَاسَبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا مِنْ بَلَادَةِ الْحِمَارِ، وَيُبْعِدُهُ أَيْضًا إِيرَادُ الْوَعِيدِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَبِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى تَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ، لِأَنَّ الْبَلَادَةَ حَاصِلَةٌ فِي فَاعِلِ ذَلِكَ عِنْدَ فِعْلِهِ، فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ يُخْشَى إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ بَلِيدًا، مَعَ أَنَّ فِعْلَهُ إِنَّمَا نَشَأَ مِنَ الْبَلَادَةِ. (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ: إِنَّ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَلَا يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ) حَتَّى يَرْفَعَ (وَذَلِكَ خَطَأٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ) يَقْتَضِي أَنَّهُ فَعَلَهُ عَامِدًا؛ لِأَنَّ السَّاهِيَ لَا يُقَالُ فِيهِ إِنَّهُ خَطِئَ لِرَفْعِ الْإِثْمِ عَنْهُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ» ) إِمَامًا (لِيُؤْتَمَّ بِهِ) لِيُقْتَدَى بِهِ فِي أَحْوَالِ الصَّلَاةِ، فَتَنْتَفِي الْمُقَارَنَةُ وَالْمُسَابَقَةُ وَالْمُخَالَفَةُ كَمَا قَالَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 (فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ) وَالرَّفْعُ قَبْلَهُ وَالْخَفْصُ مِنَ الِاخْتِلَافِ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ لِيَرْفَعَ بَعْدَ رَفْعِهِ وَيَخْفِضَ بَعْدَ خَفْضِهِ. (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ إِنَّمَا نَاصِيَتُهُ) شَعْرُ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ (بِيَدِ شَيْطَانٍ) يَجُرُّهُ مِنْهَا إِلَى حَيْثُ شَاءَ فَيُوقِعُهُ فِي حُرْمَةِ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَحَدِيثُ: " أَمَا يَخْشَى "، لِأَنَّهُ تَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِالْمَسْخِ وَهُوَ أَشَدُّ الْعُقُوبَاتِ، وَالْجُمْهُورُ الْحُرْمَةُ لِلْعَامِدِ وَصِحَّةُ الصَّلَاةِ فَلَا إِعَادَةَ. وَقَالَ الظَّاهِرِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُتَعَمِّدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فِي الْمَعْنَى، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ لِلْحَدِيثِ وَلَوْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لَرَجَى لَهُ الثَّوَابَ وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهِ الْعِقَابَ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ خَالَفَ الْإِمَامَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 [بَاب مَا يَفْعَلُ مَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ سَاهِيًا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ»   15 - بَابُ مَا يَفْعَلُ مَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ سَاهِيًا 210 - 208 - (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ) بِفَوْقِيَّةٍ وَمِيمَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ هَاءٌ وَاسْمُهُ كَيْسَانُ (السَّخْتِيَانِيِّ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَكَسْرُهَا، وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَفَوْقِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ تَحْتِيَّةٍ خَفِيفَةٍ فَأَلِفٍ فَنُونٍ نِسْبَةً إِلَى السَّخْتِيَانِ وَهُوَ الْجِلْدُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَبِيعُهُ بِالْبَصْرَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو عُمَرَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لِبَيْعٍ أَوْ عَمَلٍ، الْبَصْرِيِّ أَبِي بَكْرٍ، ثِقَةٌ ثَبْتٌ حُجَّةٌ مِنْ كِبَارِ الْفُقَهَاءِ الْعُبَّادِ، رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ السُّفْيَانَانِ وَالْحَمَّادَانِ وَمَالِكٌ وَخَلْقٌ، قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ سَيِّدَ الْفُقَهَاءِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيِّ، رَوَى عَنْ مَوْلَاهُ أَنَسٍ وَأَبِي قَتَادَةَ وَسَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَخَلْقٍ، وَعَنْهُ ثَابِتٌ وَأَيُّوبُ وَقَتَادَةُ وَخَلْقٌ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا عَالِمًا فَقِيهًا إِمَامًا، كَثِيرَ الْعِلْمِ وَرِعًا، وَكَانَ بِهِ صَمَمٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنْ أَوْرَعَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَقِيهًا فَاضِلًا حَافِظًا مُتْقِنًا يَعْبُرُ الرُّؤْيَا، رَأَى ثَلَاثِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، مَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ بَعْدِ الْحَسَنِ بِمِائَةِ يَوْمٍ الحديث: 210 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ) أَيْ سَلَّمَ (مِنَ اثْنَتَيْنِ) أَيْ رَكْعَتَيْنِ (فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ) اسْمُهُ الْخِرْبَاقُ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ فَأَلِفٌ فَقَافٌ ابْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ بِضَمِّ السِّينِ، فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعِمْرَانَ وَرَجَّحَهُ الْحَافِظُ، وَقِيلَ: إِنَّ ذَا الْيَدَيْنِ غَيْرُ الْخِرْبَاقِ وَطُولُ يَدَيْهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ طُولِهِمَا بِالْعَمَلِ وَبِالْبَذْلِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَجَزَمَ ابْنُ قُتَيْبَةَ بِأَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، وَزَعَمَ بَعْضٌ أَنَّهُ كَانَ قَصِيرَ الْيَدَيْنِ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ فَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: كَانَ ذُو الْيَدَيْنِ يَكُونُ بِالْبَادِيَةِ فَيَجِيءُ فَيُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (أَقُصِرَتْ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (الصَّلَاةُ) أَيْ أَقَصَرَهَا اللَّهُ، وَبِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، أَيْ صَارَتْ قَصِيرَةً، قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا أَكْثَرُ وَأَرْجَحُ ( «أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ) فَاسْتَفْهَمَ لِأَنَّ الزَّمَانَ زَمَانُ نَسْخٍ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى وَرَعِ الصَّحَابِيِّ: إِذْ لَمْ يَجْزِمْ بِشَيْءٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ. ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ» ) فِيمَا قَالَ. (فَقَالَ النَّاسُ) أَيِ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ: (نَعَمْ) صَدَقَ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ «قَالُوا: صَدَقَ لَمْ تُصَلِّ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ» ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: " أَحَقٌّ مَا يَقُولُ؟ " فَقَالُوا: نَعَمْ» . ( «فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ فَلِذَا قِيلَ مَعْنَى قَامَ اعْتَدَلَ، وَقِيلَ الْقِيَامُ كِنَايَةٌ عَنِ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ أَحْرَمَ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَامَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَلَا بُعْدَ فِيهِ فَضْلًا عَنْ قُوَّتِهِ إِذْ غَايَةُ مَا قَالَ فِيهِ إِيمَاءٌ. ( «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ» ) بِتَحْتِيَّتَيْنِ بَعْدَ الرَّاءِ. (ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ لِلْإِحْرَامِ لِإِتْيَانِهِ بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرَاخِي فَلَوْ كَانَ التَّكْبِيرُ لِلسُّجُودِ لَكَانَ مَعَهُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ لِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ إِحْرَامٌ أَوْ يُكْتَفَى بِتَكْبِيرِ السُّجُودِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وُجُوبُ التَّكْبِيرِ لَكِنْ لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ، وَأَمَّا نِيَّةُ إِتْمَامِ مَا بَقِيَ فَلَا بُدَّ مِنْهَا. (فَسَجَدَ) لِلسَّهْوِ (مِثْلَ سُجُودِهِ) لِلصَّلَاةِ (أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ) مِنْ سُجُودِهِ (ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ) ثَانِيَةً (مِثْلَ سُجُودِهِ) لِلصَّلَاةِ (أَوْ أَطْوَلَ) مِنْهُ (ثُمَّ رَفَعَ) أَيْ ثَانِيًا مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ تَشَهَّدَ بَعْدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ تِلْوَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ: قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ سِيرِينَ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ تَشَهُّدٌ؟ قَالَ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ وَرَدَ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنِ ابْنِ الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» " صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِهِمَا. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا وَوَهِمُوا رِوَايَةَ أَشْعَثَ لِمُخَالَفَتِهِ غَيْرَهُ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْهُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّشَهُّدِ، وَكَذَا الْمَحْفُوظُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ لَا ذِكْرَ لِلتَّشَهُّدِ فِيهِ، كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَصَارَتْ زِيَادَةً شَاذَّةً، لَكِنْ قَدْ جَاءَ التَّشَهُّدُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَعَنِ الْمُغِيرَةِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَفِي إِسْنَادِهِمَا ضَعْفٌ إِلَّا أَنَّهُ بِاجْتِمَاعِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ تَرْتَقِي إِلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ، قَالَ الْعَلَاءُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَحَمَّادٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَيُّوبَ بِنَحْوِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَقَالَ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ جَالِسٌ»   211 - 209 - (مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ الْأُمَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَرَوَى لَهُ السِّتَّةُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، وَرُمِيَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَوْلَا أَنَّ مَالِكًا رَوَى عَنْهُ لَتُرِكَ حَدِيثُهُ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ عَنْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً. (عَنْ أَبِي سُفْيَانَ) اسْمُهُ وَهْبٌ قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: اسْمُهُ قُزْمَانُ بِضَمِّ الْقَافِ، وَإِسْكَانِ الزَّايِ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ قَلِيلُ الْحَدِيثِ رَوَى لَهُ السِّتَّةُ. (مَوْلَى) عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ أَبِي أَحْمَدَ) بْنِ جَحْشٍ الْقُرَشِيِّ الْأَسَدِيِّ الصَّحَابِيِّ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ. (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى، وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَقُتَيْبَةُ لَنَا فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِحُضُورِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْقِصَّةَ (صَلَاةَ الْعَصْرِ) جَزَمَ بِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «بَيْنَمَا أَنَا أُصْلِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الظُّهْرِ» " وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ بِالشَّكِّ، وَلِمُسْلِمٍ: إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَمَّاهُمَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: الحديث: 211 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهَا الْعَصْرُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مِنَ الرُّوَاةِ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ بَلْ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ الشَّكَّ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ: «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ» ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَلَكِنْ نَسِيتُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى الْحَدِيثَ كَثِيرًا عَلَى الشَّكِّ، وَكَانَ رُبَّمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا الظُّهْرُ، فَجَزَمَ بِهَا، وَتَارَةً غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا الْعَصْرُ فَجَزَمَ بِهِ، وَطَرَأَ الشَّكُّ فِي تَعْيِينِهَا أَيْضًا عَلَى ابْنِ سِيرِينَ وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ الِاهْتِمَامَ بِمَا فِي الْقِصَّةِ مِنَ الْأَحْكَامِ اهـ. وَكَذَا قَالَ الْوَلِيُّ بْنُ الْعِرَاقِيِّ: الصَّوَابُ أَنَّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ وَأَنَّ الشَّكَّ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِرِوَايَةِ النَّسَائِيِّ الْمَذْكُورَةِ، وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ وَأَنَّ الشَّكَّ طَرَأَ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ أَيْضًا. ( «فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ» ) الْخِرْبَاقُ السُّلَمِيُّ بِضَمِّ السِّينِ (فَقَالَ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ، أَيْ صَارَتْ قَصِيرَةً وَفِي رِوَايَةٍ: بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الصَّادِ أَيْ أَقَصَرَهَا اللَّهُ وَالْأُولَى أَكْثَرُ وَأَرْجَحُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ؟» ) وَلَمْ يَهَبِ السُّؤَالَ لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ حِرْصُهُ عَلَى تَعَلُّمِ الدِّينِ، فَاسْتَصْحَبَ حُكْمَ الْإِتْمَامِ، وَأَنَّ الْوَقْتَ قَابِلٌ لِلنَّسْخِ وَبَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ تَرَدَّدُوا بَيْنَ اسْتِصْحَابِ وَتَجْوِيزِ النَّسْخِ فَسَكَتُوا، وَهَابَ الشَّيْخَانِ أَنْ يُكَلِّمَاهُ لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِمَا احْتِرَامُهُ وَتَعْظِيمُهُ مَعَ عِلْمِهِمَا أَنَّهُ يُبَيِّنُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالسَّرَعَانُ بَنَوْا عَلَى النَّسْخِ فَخَرَجُوا يَقُولُونَ قَصُرَتِ الصَّلَاةُ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ» ) أَيْ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ كَمَا فِي أَكْثَرِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ أَصْحَابِ الْمَعَانِي: لَفْظُ كُلٍّ إِذَا تَقَدَّمَ عَلَى النَّفْيِ كَانَ نَافِيًا لِكُلِّ فَرْدٍ لَا لِلْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَقْوِيَةِ الْحُكْمِ فَيُفِيدُ التَّأْكِيدَ فِي الْمُسْنَدِ وَالْمَسْنَدِ إِلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ بَلْ كَانَ بَعْضُهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَأَخَّرَ، كَمَا لَوْ قِيلَ لَمْ يَكُنْ كُلُّ ذَلِكَ إِذْ لَا تَأْكِيدَ فِيهِ، فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ بَلْ كَانَ بَعْضُهُ؛ وَلِذَا أَجَابَهُ ذُو الْيَدَيْنِ ( «فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ) وَأَجَابَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِقَوْلِهِ: " «بَلَى قَدْ نَسِيتَ» " لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى الْأَمْرَيْنِ وَكَانَ مُقَرَّرًا عِنْدَ الصَّحَابِيِّ أَنَّ السَّهْوَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ فِي الْأُمُورِ الْبَلَاغِيَّةِ جَزَمَ بِوُقُوعِ النِّسْيَانِ لَا الْقَصْرِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ السَّهْوُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّشْرِيعُ، وَإِنْ كَانَ عِيَاضٌ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ دُخُولِ السَّهْوِ فِي الْأَقْوَالِ التَّبْلِيغِيَّةِ وَخَصَّ الْخِلَافَ بِالْأَفْعَالِ لَكِنَّهُمْ تَعَقَّبُوهُ، نَعَمِ اتَّفَقَ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ بَلْ يَقَعُ لَهُ بَيَانُ ذَلِكَ إِمَّا مُتَّصِلًا بِالْفِعْلِ كَمَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَإِمَّا غَيْرَ مُتَّصِلٍ. (فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ) الَّذِينَ صَلُّوا مَعَهُ ( «فَقَالَ: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟» ) فِيمَا قَالَ (فَقَالُوا: نَعَمْ) صَدَقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 ( «فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَمَّ» ) بِشَدِّ الْمِيمِ كَمَّلَ (مَا بَقِيَ مِنَ الصَّلَاةِ) وَهُوَ الرَّكْعَتَانِ (ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) لِلسَّهْوِ مِثْلَ سُجُودِهِ لِلصَّلَاةِ أَوْ أَطْوَلَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ (بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ جَالِسٌ) فَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ إِنَّمَا يَرْجِعُ عَنْ يَقِينِهِ لِكَثْرَةِ الْمَأْمُومِينَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مُعْتَقِدًا الْكَمَالَ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَّا بِإِخْبَارِ الْجَمِيعِ، وَجَوَازُ الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ لِمَنْ أَتَى بِالْمُنَافِي سَهْوًا. وَقَالَ سَحْنُونٌ إِنَّمَا: يَبْنِي مَنْ سَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَأُلْزِمَ بِقَصْرِ ذَلِكَ عَلَى إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ فَيَمْنَعُهُ مَثَلًا فِي الصُّبْحِ، وَالَّذِينَ قَالُوا يَجُوزُ الْبِنَاءُ مُطْلَقًا قَيَّدُوهُ بِمَا إِذَا لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الطُّولِ فَقِيلَ بِالْعُرْفِ أَوِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ أَوْ قَدْرِ رَكْعَةٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَدْرُ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا السَّهْوُ، وَفِيهِ أَنَّ السَّلَامَ وَنِيَّةَ الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ سَهْوًا لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ إِذَا كَانَ لِزِيَادَةٍ لِأَنَّهُ زَادَ السَّلَامَ وَالْكَلَامَ، وَأَنَّ الْكَلَامَ سَهْوًا لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَزَعْمُ بَعْضِهِمْ أَنَّ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَتْ قَبْلَ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ ضَعِيفٌ، فَقَدْ ثَبَتَ شُهُودُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْقِصَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَشَهِدَهَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ خُدَيْجٍ بِمُهْمَلَةٍ وَجِيمٍ مُصَغَّرٌ قِصَّةً أُخْرَى فِي السَّهْوِ وَوَقَعَ فِيهَا الْكَلَامُ ثُمَّ الْبِنَاءُ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا وَكَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَهْرَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ أَيْ إِلَّا إِذَا وَقَعَ عَمْدًا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يُعَارِضُ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ، وَفِيهِ أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَلَامِ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا تَكَلَّمَ نَاسِيًا، وَأَمَّا قَوْلُ ذِي الْيَدَيْنِ لَهُ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ، أَوْ بَلَى قَدْ نَسِيتَ، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ لَهُ صَدَقَ فَإِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا مُعْتَقِدِينَ لِلنَّسْخِ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ فِيهِ، فَتَكَلَّمُوا ظَنًّا أَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي صَلَاةٍ كَذَا قِيلَ وَهُوَ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بَعْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تُقْصَرْ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْطِقُوا وَإِنَّمَا أَوْمَأُوا كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ إِطْلَاقُ الْقَوْلِ عَلَى الْإِشَارَةِ مَجَازٌ سَائِغٌ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ رِوَايَاتِ الْأَكْثَرِينَ، وَبِقَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ: بَلَى قَدْ نَسِيتَ أَوْ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ، فَنُرَجِّحُ كَوْنَهُمْ نَطَقُوا وَانْفَصَلَ عَنْهُ مَنْ قَالَ كَأَنَّ نُطْقَهُمْ جَوَابًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَوَابُهُ لَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَفِيهِ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يُتْرَكُ إِلَّا بِالْيَقِينِ لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ كَانَ عَلَى يَقِينٍ أَنَّهَا أَرْبَعٌ، فَلَمَّا اقْتَصَرَ عَلَى اثْنَيْنِ سَأَلَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ سُؤَالَهُ، وَإِنَّ الظَّنَّ قَدْ يَصِيرُ يَقِينًا بِخَبَرِ أَهْلِ الصِّدْقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ لِخَبَرِ الْجَمَاعَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَرْجِعُ لِقَوْلِ الْمَأْمُومِينَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ إِذَا كَثُرُوا جِدًّا بِحَيْثُ يُفِيدُ خَبَرُهُمُ الْعِلْمَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا، وَفِيهِ غَيْرُ هَذَا مِمَّا يَطُولُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ إِحْدَى صَلَاتَيْ النَّهَارِ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ فَسَلَّمَ مِنَ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَمَا نَسِيتُ فَقَالَ ذُو الشِّمَالَيْنِ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَلَّمَ»   212 - 210 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يُوقَفُ لَهُ عَلَى اسْمٍ وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ عَارِفٌ بِالنَّسَبِ (ابْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ ابْنِ غَانِمٍ الْعَدَوِيِّ، وَفِي الْإِصَابَةِ أَبُوهُ سُلَيْمَانُ لَهُ رُؤْيَةٌ وَجَدُّهُ أَبُو حَثْمَةَ صَحَابِيٌّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ (قَالَ: بَلَغَنِي) قَالَ أَبُو عُمَرَ: حَدِيثُهُ هَذَا مُنْقَطِعٌ عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ إِحْدَى صَلَاتَيِ النَّهَارِ» ) لَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَشِيَّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الْيَاءِ مِنَ الزَّوَالِ وَقَدْ قَالَ (الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ) بِالشَّكِّ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ (مِنِ اثْنَتَيْنِ) أَيْ مِنْ رَكْعَتَيْنِ (فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ) رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ أَيْ مِنْ حُلَفَائِهِمْ وَهُوَ خُزَاعِيٌّ وَاسْمُهُ عُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ الْحَافِظُ: اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الزُّهْرِيَّ وَهِمَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَهِيَ قَبْلَ إِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ سِنِينَ وَإِنَّمَا هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ عَاشَ مُدَّةً بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَجَوَّزَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ وَقَعَتْ لِكُلٍّ مِنْ ذِي الشِّمَالَيْنِ وَذِي الْيَدَيْنِ، وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى الْحَدِيثَيْنِ فَأَرْسَلَ أَحَدَهُمَا وَهُوَ قِصَّةُ ذِي الشِّمَالَيْنِ، وَشَاهَدَ الثَّانِيَ وَهُوَ قِصَّةُ ذِي الْيَدَيْنِ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ فِي طَرِيقِ الْجَمْعِ وَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ كَانَ يُقَالُ لَهُ أَيْضًا ذُو الْيَدَيْنِ وَبِالْعَكْسِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الِاشْتِبَاهِ، قَالَ: وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ اسْمَ ذِي الْيَدَيْنِ الْخِرْبَاقُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، وَهَذَا مَنْبَعُ مَنْ يُوَحِّدُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي نَظَرِي، وَإِنْ كَانَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ جَنَحُوا إِلَى التَّعَدُّدِ لِاخْتِلَافِ السِّيَاقَيْنِ، فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ سَلَّمَ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي الْمَسْجِدِ» ، وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ «أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَأَنَّهُ دَخَلَ مَنْزِلَهُ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ» ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ حَكَى الْعَلَائِيُّ أَنَّ بَعْضَ شُيُوخِهِ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي ابْتِدَاءِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَاسْتَبْعَدَهُ، وَلَكِنَّ طَرِيقَ الْجَمْعِ يُكْتَفَى فِيهَا بِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ، وَلَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ دَعْوَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ ذِي الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ سَأَلَ قَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَفْهَمَ الصَّحَابَةَ عَنْ صِحَّةِ قَوْلِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَعَلَّ الرَّاوِيَ لَمَّا رَآهُ تَقَدَّمَ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى جِهَةِ الْخَشَبَةِ ظَنَّ أَنَّهُ دَخَلَ مَنْزِلَهُ لِأَنَّ الْخَشَبَةَ كَانَتْ فِي جِهَتِهِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَرِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ الحديث: 212 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 أَرْجَحُ لِمُوَافَقَةِ ابْنِ عُمَرَ لَهُ عَلَى سِيَاقِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَلِمُوَافَقَةِ ذِي الْيَدَيْنِ نَفْسِهِ عَلَى سِيَاقِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّوْحِيدَ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ وَفِيمَا رَجَّحَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ حَمْلَهُ عَلَى أَنَّهُ سَلَّمَ فِي ابْتِدَاءِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ وَقَعَ وَهُوَ جَالِسٌ عَقِبَ الرَّكْعَتَيْنِ فَأَيْنَ ابْتِدَاءُ الثَّالِثَةِ، وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ هُوَ فِي إِرَادَةِ ابْتِدَاءِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فَسَلَّمَ سَهْوًا قَبْلَ الْقِيَامِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ دَعْوَى التَّعَدُّدِ لِلُزُومِ وُقُوعِ الِاسْتِفْهَامِ فِي الْمَرَّتَيْنِ مِنْ ذِي الْيَدَيْنِ وَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا بُعْدَ فِيهِ، وَلَوْ لَزِمَ ذَلِكَ اسْتِفْهَامُ دَعْوَى ذِي الْيَدَيْنِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعِ اسْتِفْهَامَهُ، ثَانِيًا لِأَنَّهُ زَمَانُ نَسْخٍ لَا سِيَّمَا وَقَدِ اقْتَصَرَ عِمْرَانُ عَلَى قَوْلِهِ: «أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟» كَمَا فِي مُسْلِمٍ، وَكَذَلِكَ اسْتِفْهَامُ الْمُصْطَفَى الصَّحَابَةَ عَنْ صِحَّةِ قَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تُقْصَرْ، وَقَدْ سَلَّمَ مُعْتَقِدًا الْكَمَالَ، وَالْإِمَامُ لَا يَرْجِعُ عَنْ يَقِينِهِ لِقَوْلِ الْمَأْمُومِينَ إِلَّا لِكَثْرَتِهِمْ جِدًّا، بَلْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَا لِكَثْرَتِهِمْ جِدًّا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ مِنْ إِخْرَاجِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ الْمُحْوَجِ إِلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ بِلَا قَرِينَةٍ، وَكَوْنُهَا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَنْهَضُ لِاخْتِلَافِ الْمُخَرِّجِ أَيِ الصَّحَابِيِّ، ثُمَّ مَاذَا يَصْنَعُ بِقَوْلِ عِمْرَانَ فِي حَدِيثِهِ «فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي كَانَ تَرَكَ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، ثُمَّ سَلَّمَ» وَكِلَاهُمَا فِي مُسْلِمٍ، وَتَصْحِيحُهُ بِجِنْسِ الرَّكْعَةِ يَنْبُو عَنْهُ الْمُقَامُ نُبُوًّا ظَاهِرًا، فَدَعْوَى التَّعَدُّدِ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ، وَمُوَافَقَةُ ابْنِ عُمَرَ وَذِي الْيَدَيْنِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى سِيَاقِهِ لَا يَمْنَعُ الْجَمْعَ بِالتَّعَدُّدِ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ قَالَ: " ثُمَّ سَلَّمَ " دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يَرَى اتِّحَادَ الْحَدِيثَيْنِ، إِذْ غَايَةُ مَا أَفَادَهُ أَنَّ عِمْرَانَ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ سَلَّمَ فَفِيهِ إِثْبَاتُ السَّلَامِ عَقِبَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ الْخَالِي مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ هَلْ هُوَ مُتَّحِدٌ مَعَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ مَسْكُوتٍ عَنْهُ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَعَلَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَبَعِيدٌ جِدًّا أَوْ مَمْنُوعٌ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ عِمْرَانَ أَخْبَرَ بِالظَّنِّ وَهُوَ قَدْ شَاهَدَ الْقِصَّةَ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ: «إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنَ الْعَصْرِ ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ فَقَامَ رَجُلٌ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَخَرَجَ مُغْضَبًا فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي كَانَ تَرَكَ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ ثُمَّ سَلَّمَ» ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عِمْرَانَ. أَفَلَا يَعْلَمُ الْحُجَرَةَ مِنَ الْخَشَبَةِ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ وَيُؤَوِّلُ بِذَلِكَ التَّأْوِيلِ الْمُتَعَسِّفِ فِرَارًا مِنْ دَعْوَى التَّعَدُّدِ مَعَ أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا بِلَا رَيْبٍ. ( «أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 مَا قَصُرَتِ الصَّلَاةُ وَمَا نَسِيتُ» ) فَصَرَّحَ بِنَفْيِهِمَا مَعًا عَنْهُ، وَهُوَ يُفَسِّرُ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، مِنْ أَنَّهُ نَفْيٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا لِمَجْمُوعِهِمَا وَلِذَا أَجَابَهُ ( «فَقَالَ ذُو الشِّمَالَيْنِ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ) وَفِي رِوَايَةٍ: " بَلَى قَدْ نَسِيتَ "، لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى الْأَمْرَيْنِ وَكَانَ مُقَرَّرًا عِنْدَ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّهْوُ عَلَيْهِ فِي الْأُمُورِ الْبَلَاغِيَّةِ جَزَمَ بِوُقُوعِ النِّسْيَانِ لَا الْقَصْرِ، وَفَائِدَةُ جَوَازِ السَّهْوِ فِي مِثْلِ هَذَا بَيَانُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إِذَا وَقَعَ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ جَوَّزَ السَّهْوَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّشْرِيعُ وَلَكِنْ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ السَّهْوَ مُطْلَقًا فَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ نَفْيُ النِّسْيَانِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ السَّهْوِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مَرْدُودٌ وَيَكْفِي فِيهِ قَوْلُهُ: بَلَى قَدْ نَسِيتَ، وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَا نَسِيتُ، عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَكَانَ يَتَعَمَّدُ مَا يَقَعُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ لِيَقَعَ لِلتَّشْرِيعِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنَ الْقَوْلِ، وَبِأَنَّ مَعْنَى وَمَا نَسِيتُ أَيْ فِي اعْتِقَادِي لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الِاعْتِقَادَ عِنْدَ فَقْدِ الْيَقِينِ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَتُعُقِّبَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ» " فَأَثْبَتَ الْعِلَّةَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِإِثْبَاتِ وَصْفِ النِّسْيَانِ حَتَّى دَفَعَ قَوْلَ مَنْ عَسَاهُ يَقُولُ لَيْسَ نِسْيَانُهُ كَنِسْيَانِنَا فَقَالَ: كَمَا تَنْسَوْنَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ: مَا نَسِيتُ إِنْكَارٌ لِلَّفْظِ الَّذِي نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ: إِنِّي لَا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى، وَإِنْكَارُ اللَّفْظِ الَّذِي أَنْكَرَهُ عَلَى غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: «بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَكَذَا» ، وَتَعَقَّبُوا هَذَا أَيْضًا بِأَنَّ حَدِيثَ «إِنِّي لَا أَنْسَى» مِنْ بَلَاغَاتِ مَالِكٍ الَّتِي لَمْ تُوجَدْ مَوْصُولَةً، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَمِّ إِضَافَةِ نِسْيَانِ الْآيَةِ ذَمُّ إِضَافَةِ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ جِدًّا، وَقِيلَ: قَوْلُهُ: وَمَا نَسِيتُ رَاجِعٌ إِلَى السَّلَامِ أَيْ سَلَّمْتُ قَصْدًا بَانِيًا عَلَى اعْتِقَادِي أَنِّي صَلَّيْتُ أَرْبَعًا وَهَذَا جَيِّدٌ، فَإِنَّ ذَا الْيَدَيْنِ فَهِمَ الْعُمُومَ فَقَالَ: «بَلَى قَدْ نَسِيتَ» ، فَأَوْقَعَ قَوْلُهُ شَكًّا احْتَاجَ مَعَهُ إِلَى الِاسْتِثْبَاتِ مِنَ الْحَاضِرِينَ. ( «فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ» ) صَدَقَ لَمْ تُصَلِّ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنِ اسْتَشْكَلَ كَوْنَ ذِي الْيَدَيْنِ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ بِمُفْرَدِهِ، فَسَبَبُ التَّوَقُّفِ فِيهِ كَوْنُهُ أَخْبَرَ بِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمَسْئُولِ مُغَايِرٍ لِمَا فِي اعْتِقَادِهِ، وَبِهَذَا أُجِيبَ عَمَّنْ قَالَ: مَنْ أَخْبَرَ بِأَمْرٍ حِسِّيٍّ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ التَّوَاطُؤُ وَلَا حَامِلَ لَهُمْ عَلَى السُّكُوتِ عَنْهُ، ثُمَّ لَمْ يُكَذِّبُوهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِصِدْقِهِ فَإِنَّ سَبَبَ عَدَمِ الْقَطْعِ كَوْنُ خَبَرِهِ مُعَارَضًا بِاعْتِقَادِ الْمَسْئُولِ خِلَافَ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَفِيهِ أَنَّ الثِّقَةَ إِذَا انْفَرَدَ بِزِيَادَةِ خَبَرٍ وَكَانَ الْمَحَلُّ مُتَّحِدًا وَمَنَعَتِ الْعَادَةُ غَفْلَتَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ. ( «فَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَقِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 مِنَ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَلَّمَ» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ شِهَابٍ فِي حَدِيثِهِ هَذَا سُجُودَ السَّهْوِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْأَخْذُ بِالزَّائِدِ أَوْلَى إِذَا كَانَ رِوَايَةَ ثِقَةٍ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَ ابْنُ شِهَابٍ أَكْثَرَ النَّاسِ بَحْثًا عَنْ هَذَا الشَّأْنِ فَكَانَ رُبَّمَا اجْتَمَعَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ فَحَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَنْهُمُ وَمَرَّةً عَنْ أَحَدِهِمْ وَمَرَّةً عَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى قَدْرِ نَشَاطِهِ حِينَ تَحْدِيثِهِ، وَرُبَّمَا أَدْخَلَ حَدِيثَ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ كَمَا صَنَعَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ وَغَيْرِهِ، وَرُبَّمَا كَسَلَ فَلَمْ يُسْنِدْ، وَرُبَّمَا انْشَرَحَ فَوَصَلَ وَأَسْنَدَ عَلَى حَسَبِ مَا تَأْتِي بِهِ الْمُذَاكَرَةُ، فَلِذَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ رِوَايَتُهُ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ، فَمَرَّةً يَذْكُرُ فِيهِ وَاحِدًا وَمَرَّةً اثْنَيْنِ وَمَرَّةً جَمَاعَةً غَيْرَهَا، وَمَرَّةً يَصِلُ وَمَرَّةً يَقْطَعُ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ كُلُّ سَهْوٍ كَانَ نُقْصَانًا مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ سُجُودَهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَكُلُّ سَهْوٍ كَانَ زِيَادَةً فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ سُجُودَهُ بَعْدَ السَّلَامِ   212 - 211 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِثْلَ ذَلِكَ) الْمُتَقَدِّمُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بَلَاغًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اضْطَرَبَ الزُّهْرِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا أَوْجَبَ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ تَرْكَهُ مِنْ رِوَايَتِهِ خَاصَّةً، ثُمَّ ذَكَرَ طُرُقَهُ وَبَيَّنَ اضْطِرَابَهَا فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ وَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُقِمْ لَهُ مَتْنَا وَلَا إِسْنَادًا وَإِنْ كَانَ إِمَامًا عَظِيمًا فِي هَذَا الشَّأْنِ فَالْغَلَطُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ وَالْكَمَالُ لِلَّهِ، وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إِلَّا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. لَكِنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ عَنْهُ غَايَةُ مَا فِيهَا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الثَّانِيَةِ أَرْسَلَهُ، وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَحَالَ لَفْظَهَا عَلَى لَفْظِ الْأُولَى، وَقَدْ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ ذِي الشِّمَالَيْنِ وَذِي الْيَدَيْنِ، وَتَقَدَّمَ احْتِمَالُ أَنْ ذَا الْيَدَيْنِ يُلَقَّبُ بِهِمَا أَوْ عَكْسُهُ وَأَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لَهُمَا، وَأَرْسَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ ذِي الشِّمَالَيْنِ وَشَاهِدَ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا سُجُودَ السَّهْوِ، وَلَيْسَ بِكَبِيرِ عِلَّةٍ، وَجَعَلَ الْإِسْنَادَ بَلَاغًا حَسْبَمَا حَدَّثَهُ شَيْخُهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَهُوَ مُتَّصِلٌ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ. (قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ سَهْوٍ كَانَ نُقْصَانًا مِنَ الصَّلَاةِ) كَتَرْكِ الْجُلُوسِ الْوَسَطِ (فَإِنَّ سُجُودَهُ قَبْلَ السَّلَامِ) كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ الْآتِي. (وَكُلُّ سَهْوٍ كَانَ زِيَادَةً فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ سُجُودَهُ بَعْدَ السَّلَامِ) كَفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ لِأَنَّهُ زَادَ سَلَامًا وَعَمَلًا وَكَلَامًا وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَبِهَذَا قَالَ الْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ النَّوَوِيُّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وَهُوَ أَقْوَى الْمَذَاهِبِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّهُ أَقْوَى الْأَقْوَالِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى مِنِ ادِّعَاءِ النَّسْخِ، قَالَ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلنَّظَرِ؛ لِأَنَّ فِي النَّقْصِ جَبْرًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ وَفِي الزِّيَادَةِ تَرْغِيمُ الشَّيْطَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَا شَكَّ أَنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ وَادِّعَاءِ النَّسْخِ، وَيَتَرَجَّحُ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ بِالْمُنَاسَبَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِذَا كَانَتِ الْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةً وَكَانَ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهَا كَانَ عِلَّةً، فَيَعُمُّ الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ مَحَالِّهَا فَلَا يَتَخَصَّصُ إِلَّا بِنَصٍّ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ كَوْنَ سُجُودِ الزِّيَادَةِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ فَقَطْ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ جَبْرٌ أَيْضًا لِلْخَلَلِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً فَهُوَ نَقْصٌ فِي الْمَعْنَى، وَهَذَا مَرْدُودٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ تَرْغِيمٌ فَقَطْ، كَمَا زَعَمَ الْمُتَعَقِّبُ، وَكَوْنُهُ نَقْصًا فِي الْمَعْنَى لَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا نَظَرَ إِلَى الْحِسِّيِّ حَتَّى لَا يَحْصُلَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ فَيَضْطَرَّ إِلَى دَعْوَى النَّسْخِ بِلَا دَلِيلٍ وَالتَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَمَذْهَبُ الْمُحَدِّثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ مَتَى أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَجَبَ الْجَمْعُ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيِّ سُجُودُ السَّهْوِ كُلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ كُلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّتِهِ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَبْلَ حُدُوثِ هَذِهِ الْآرَاءِ فِي الْمَذَاهِبِ بَيْنَ أَهْلِهَا، وَقَالَ أَحْمَدُ: يَسْجُدُ كَمَا سَجَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي سَلَامِهِ مِنِ اثْنَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ كَقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَكَذَا إِذَا سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ، وَفِي التَّحَرِّي بَعْدَ السَّلَامِ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِي الْقِيَامِ مِنْ ثِنْتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ لِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَفِي الشَّكِّ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَوْنٍ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الْمَوَاضِعَ يَسْجُدُ فِيهَا قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ يُتِمُّ مَا نَقَصَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَوْلَا الْأَحَادِيثُ لَرَأَيْتُ السُّجُودَ كُلَّهَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا أَقْوَى الْمَذَاهِبِ لِاسْتِعْمَالِهِ كُلَّ حَدِيثٍ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ مَا يَرُدُّ، وَقَالَ إِسْحَاقُ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ يُفَرِّقُ فِيهِ بَيْنَ الزِّيَادَةِ فَبَعْدَهُ وَالنَّقْصِ فَقَبْلَهُ، فَحَرَّرَ مَذْهَبَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَزَعَمَ بَعْضٌ أَنَّهُ أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَأَمَّا دَاوُدُ فَجَرَى عَلَى ظَاهِرِيَّتِهِ فَقَالَ: لَا يُشْرَعُ سُجُودُ السَّهْوِ إِلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الْخَمْسِ الَّتِي سَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا فَقَطْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 [بَاب إِتْمَامِ الْمُصَلِّي مَا ذَكَرَ إِذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيُصَلِّي رَكْعَةً وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ كَانَتْ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّى خَامِسَةً شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ»   16 - بَابُ إِتْمَامِ الْمُصَلِّي مَا ذَكَرَ إِذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ 214 - 212 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) مُرْسَلًا عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ، وَتَابَعَ الحديث: 214 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 مَالِكًا عَلَى إِرْسَالِهِ الثَّوْرِيُّ وَحَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَدَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ فِي رِوَايَةٍ، وَوَصَلَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَيَحْيَى بْنُ رَاشِدٍ الْمَازِنِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ) وَقَدْ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَدَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ كِلَاهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي النَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ زَيْدٍ مَوْصُولًا، وَلِذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ الْإِرْسَالَ فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ مِنْ وُجُوهٍ ثَابِتَةٍ مِنْ حَدِيثِ مَنْ تُقْبَلُ زِيَادَتُهُ لِأَنَّهُمْ حُفَّاظٌ فَلَا يَضُرُّهُ تَقْصِيرُ مَنْ قَصَّرَ فِي وَصْلِهِ، وَقَدْ قَالَ الْأَثْرَمُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَتَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي إِسْنَادِهِ، قَالَ: إِنَّمَا قَصَرَ بِهِ مَالِكٌ وَقَدْ أَسْنَدَهُ عِدَّةٌ مِنْهُمُ ابْنُ عَجْلَانَ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ. ( «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيُصَلِّي» ) كَذَا بِالْيَاءِ لِلْإِشْبَاعِ كَقَوْلِهِ: {مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةَ 90) (رَكْعَةً) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ( «وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّى خَامِسَةً شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ» ) أَيْ رَدَّهَا إِلَى الشَّفْعِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الصَّلَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الشَّفْعِ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَا يُوتِرُهَا مِنْ زِيَادَةٍ وَجَبَ إِصْلَاحُ ذَلِكَ بِمَا يَشْفَعُهَا. ( «وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ» ) أَيْ إِغَاظَةٌ وَإِذْلَالٌ (لِلشَّيْطَانِ) قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّ الشَّيْطَانَ لَبَّسَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَتَدَارَكَ مَا لَبَّسَهُ عَلَيْهِ فَأُرْغِمَ الشَّيْطَانُ وَرُدَّ خَاسِئًا مُبْعَدًا عَنْ مُرَادِهِ وَكَمُلَتْ صَلَاةُ ابْنِ آدَمَ وَامْتَثَلَ أَمْرَ اللَّهِ، تَعَالَى، الَّذِي عَصَى بِهِ إِبْلِيسُ مِنِ امْتِنَاعِهِ مِنَ السُّجُودِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الشَّاكَّ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَلَا يَجْزِيهِ التَّحَرِّي. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا شَكَّ اسْتَقْبَلَ وَإِنِ اعْتَرَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ تَحَرَّى وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَرْقٌ بَيْنَ مَنِ اعْتَرَاهُ ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَوْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: الشَّكُّ عَلَى وَجْهَيْنِ الْيَقِينِ وَالتَّحَرِّي، فَمَنْ رَجَعَ إِلَى الْيَقِينِ أَلْغَى الشَّكَّ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَإِذَا رَجَعَ إِلَى التَّحَرِّي وَهُوَ أَكْثَرُ الْوَهْمِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي يَرْوِيهِ مَنْصُورٌ وَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: التَّحَرِّي هُوَ الرُّجُوعُ إِلَى الْيَقِينِ، وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْخَبَرَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَيُّ مُتَحَرٍّ يَكُونُ لِمَنِ انْصَرَفَ وَهُوَ شَاكٌ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ تَحَرَّى عَلَى أَغْلَبِ ظَنِّهِ أَنَّ شُعْبَةً مِنَ الشَّكِّ تَصْحَبُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَوَخَّ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّهِ ثُمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ   215 - 213 (مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمَدَنِيِّ نَزِيلِ عَسْقَلَانَ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مَاتَ قَبْلَ سَنَةِ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ. (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَوَخَّ) أَيْ يَتَحَرَّى (الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ عِنْدَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ، وَتَأَوَّلَهُ مَنْ قَالَ بِالتَّحَرِّي أَنَّهُ أَرَادَ الْعَمَلَ عَلَى أَكْثَرِ الظَّنِّ، وَتَأْوِيلُنَا أَحْوَطُ وَأَبْيَنُ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا ظَنَّ أَنَّهُ نَسِيَهُ، وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ. ( «ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ» ) وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَرْكَعْ رَكْعَةً يُحْسِنُ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» "، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ لِأَنَّ مَالِكًا رَوَاهُ مَوْقُوفًا وَلَمْ يَرْفَعْهُ مَنْ يُوثَقُ بِهِ، فَإِسْمَاعِيلُ وَأَخُوهُ ضَعِيفَانِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِيُعْرَفَ. الحديث: 215 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَفِيفِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكَعْبَ الْأَحْبَارِ عَنْ الَّذِي يَشُكُّ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى أَثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَكِلَاهُمَا قَالَ لِيُصَلِّ رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ   216 - 214 - (مَالِكٌ عَنْ عَفِيفِ بْنِ عَمْرٍو) بْنِ الْمُسَيَّبِ (السَّهْمِيِّ) مَقْبُولٌ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) الصَّحَابِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ (وَكَعْبَ الْأَحْبَارِ) أَيْ مَلْجَأَ الْعُلَمَاءِ الْحَمْيَرِيَّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ (عَنِ الَّذِي يَشُكُّ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى أَثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَكِلَاهُمَا قَالَ: لِيُصَلِّ رَكْعَةً أُخْرَى) بَانِيًا عَلَى مَا تَيَقَّنَ (ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ) كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرْفُوعًا: " «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدَةِ فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً، وَإِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَلْيَجْعَلْهَا اثْنَتَيْنِ، وَإِذَا شَكَّ فِي الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ فَلْيَجْعَلْهَا ثَلَاثًا حَتَّى يَكُونَ الْوَهْمُ فِي الزِّيَادَةِ ثُمَّ يُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» ". الحديث: 216 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ النِّسْيَانِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ لِيَتَوَخَّ أَحَدُكُمْ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّهِ   217 - 215 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنِ النِّسْيَانِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: لِيَتَوَخَّ أَحَدُكُمُ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّهُ) وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ: ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ. الحديث: 217 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 [بَاب مَنْ قَامَ بَعْدَ الْإِتْمَامِ أَوْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ سَلَّمَ»   17 - بَابُ مَنْ قَامَ بَعْدَ الْإِتْمَامِ أَوْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَيْ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ. 218 - 216 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَنُونٍ، اسْمُ أُمِّهِ وَأُمُّ أَبِيهِ فَيَنْبَغِي كِتَابَةُ ابْنٍ بِأَلِفٍ وَاسْمُ أَبِيهِ مَالِكُ بْنُ الْقِشْبِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَةٍ الْأَزْدِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ حَلِيفِ بَنِي الْمُطَّلِبِ صَحَابِيٍّ مَعْرُوفٍ مَاتَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ. (أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا) أَيْ بِنَا أَوْ لِأَجْلِنَا، وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: صَلَّى بِهِمْ. وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: «صَلَّى بِنَا (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ) » زَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَيَحْيَى التَّيْمِيُّ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ وَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ التَّالِي أَنَّهَا الظُّهْرُ. (ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ) فَتَرَكَ الْجُلُوسَ وَالتَّشَهُّدَ، زَادَ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنِ الْأَعْرَجِ: «فَسَبَّحُوا بِهِ فَمَضَى حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ» . أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ نَحْوُ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ (فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ عَلِمُوا حُكْمَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَأَنَّهُ إِذَا اسْتَوَى قَائِمًا لَا يَرْجِعُ إِلَى الْجِلْسَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَلَا مَحَلًّا لِلْفَرَائِضِ وَأَنْ يَكُونُوا لَمْ يَعْلَمُوا فَسَبَّحُوا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَقُومُوا، «وَقَدْ قَامَ الْمُغِيرَةُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَسَبَّحَ بِهِ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ قُومُوا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - اهـ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ تَارِكَ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ إِذَا قَامَ لَا يَرْجِعُ لَهُ، فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ قَائِمًا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَمِنْهُمْ مَالِكٌ لِأَنَّهُ رَجَعَ إِلَى أَصْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَمَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ سَاهِيًا لَمْ تَفْسُدْ، فَالَّذِي يَقْصِدُ إِلَى الحديث: 218 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 عَمَلِ مَا أَسْقَطَهُ مِنْ عَمَلِهَا أَحْرَى وَقِيلَ تَبْطُلُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَفِيهِ أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ سُنَّةً إِذْ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَرَجَعَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ كَمَا لَوْ تَرَكَ رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً، إِذِ الْفَرْضُ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ إِلَّا فِي الْإِثْمِ. (فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ) أَيْ فَرَغَ مِنْهَا (وَنَظَرْنَا) أَيِ انْتَظَرْنَا وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَنَظَرَ النَّاسُ (تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ: يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ (وَهُوَ جَالِسٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ سَجَدَ أَيْ أَنْشَأَ السُّجُودَ جَالِسًا، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: «وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ سَلَّمَ) بَعْدَ ذَلِكَ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ سَجَدَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَبْلَ السَّلَامِ سَهْوًا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ: وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّجْدَتَيْنِ سَجْدَتَا الصَّلَاةِ، أَوِ الْمُرَادَ بِهِ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ ذَلِكَ وَبُعْدُهُ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ سُجُودِ السَّهْوِ وَأَنَّهُ سَجْدَتَانِ وَأَنَّهُ يُكَبَّرُ لَهُمَا كَمَا يُكَبَّرُ لِغَيْرِهِمَا مِنَ السُّجُودِ، وَفِيهِ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ إِذَا كَانَ عَنْ نَقْصٍ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ جَمِيعَهُ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ قَبْلَهُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالسَّجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ وَلَوْ تَكَرَّرَ لِأَنَّ الَّذِي فَاتَ التَّشَهُّدُ وَالْجُلُوسُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَوْ سَهَا عَنْهُ الْمُصَلِّي عَلَى انْفِرَادِهِ يَسْجُدُ لِأَجْلِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرَ سَجْدَتَيْنِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى السُّجُودِ لِتَرْكِ مَا ذُكِرَ وَلَمْ يَسْتَدِلُّوا عَلَيْهِ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَيَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَفِيهِ مَا فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ السُّجُودَ مَكَانُ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ، نَعَمْ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ دَالٌّ لِذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ خَاصٌّ بِالسَّهْوِ فَلَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ شَيْءٍ مِمَّا يُجِيزُ بِالسُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ إِذَا سَهَا الْإِمَامُ وَإِنْ لَمْ يَسْهِ الْمَأْمُومُ، وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ بِزِيَادَةِ: مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، كَمَا مَرَّ وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فَقَامَ فِي اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فِيهِمَا فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ» قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَقَامَ بَعْدَ إِتْمَامِهِ الْأَرْبَعَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَتَمَّ إِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَجْلِسُ وَلَا يَسْجُدُ وَلَوْ سَجَدَ إِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ لَمْ أَرَ أَنْ يَسْجُدَ الْأُخْرَى ثُمَّ إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ   219 - 217 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَالْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ زَايٍ مَنْقُوطَةٍ الْأَعْرَجِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ» ) فَصَرَّحَ بِالصَّلَاةِ الْمُبْهَمَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ شِهَابٍ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الحديث: 219 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 اللَّيْثِ عَنْهُ ( «فَقَامَ فِي اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فِيهِمَا» ) أَيْ بَيْنَهُمَا وَهِيَ رِوَايَةُ التِّنِّيسِيِّ ( «فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» ) لِلسَّهْوِ وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ (ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ بَعْدَهُمَا كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: السَّلَامُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ أَنْ جَلَسَ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ السَّلَامَ لَمَّا كَانَ لِلتَّحْلِيلِ مِنَ الصَّلَاةِ كَانَ الْمُصَلِّي إِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ كَمَنْ فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ الثِّقَاتِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يُسَلِّمَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَذَفَ الِاسْتِثْنَاءَ لِوُضُوحِهِ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجُهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ فِي مُسْلِمٍ. (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَقَامَ بَعْدَ إِتْمَامِهِ الْأَرْبَعَ) فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَكَذَا الثَّلَاثُ فِي الثُّلَاثِيَّةِ فِي الْمَغْرِبِ وَالِاثْنَيْنِ فِي الصُّبْحِ. (فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَتَمَّ) الصَّلَاةَ (أَنَّهُ يَرْجِعُ فَيَجْلِسُ وَلَا يَسْجُدُ) فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ (وَلَوْ سَجَدَ إِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ) قَبْلَ التَّذَكُّرِ (لَمْ أَرَ أَنْ يَسْجُدَ الْأُخْرَى) بَلْ إِنْ سَجَدَهَا بَطَلَتْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ مِنْ غَيْرِ الذِّكْرَ الْمُبَاحِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى هَذَا يُصَحِّحُ قَوْلَ مَالِكٍ. (ثُمَّ إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ) فَرَغَ مِنْهَا بِالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ. (فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ) لِلزِّيَادَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: " وَمَا ذَاكَ؟ " قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ، سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سَلَّمَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: " إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّلَاةَ فَلِيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ لِحَمْلِ الصُّورَتَيْنِ عَلَى حَالَتَيْنِ، وَأَمَّا الصُّورَةُ الْوَاقِعَةُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالسَّهْوِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ قَالَ جَمِيعُهُ بَعْدَ السَّلَامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 [بَاب النَّظَرِ فِي الصَّلَاةِ إِلَى مَا يَشْغَلُكَ عَنْهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ «أَهْدَى أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَةً شَامِيَّةً لَهَا عَلَمٌ فَشَهِدَ فِيهَا الصَّلَاةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَةَ إِلَى أبِي جَهْمٍ فَإِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ فَكَادَ يَفْتِنُنِي»   18 - بَابُ النَّظَرِ فِي الصَّلَاةِ إِلَى مَا يَشْغَلُكَ عَنْهَا بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْغَيْنِ وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْ يُلْهِيكَ، قَالَ الْمَجْدُ: شَغَلَهُ كَمَنَعَهُ شَغْلًا وَيُضَمُّ، وَأَشْغَلَهُ لُغَةٌ جَيِّدَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ أَوْ رَدِيَّةٌ. 220 - 218 - (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ) وَاسْمُهُ بِلَالٌ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا عَلْقَمَةُ ابْنُ أُمِّ عَلْقَمَةَ وَاسْمُهَا مَرْجَانَةُ مَوْلَاةُ عَائِشَةَ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا أَبُوهُ فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ مَوْلَاهَا أَيْضًا. وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ مَوْلَى مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: كَانَ عَلْقَمَةُ ثِقَةً مَأْمُونًا رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ. قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيٌّ عَنْ أَبِيهِ: تَعَلَّمْتُ النَّحْوَ فِي كِتَابِ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ وَكَانَ نَحْوِيًّا. (عَنْ أُمِّهِ) مَرْجَانَةَ رَوَتْ عَنْ عَائِشَةَ وَمُعَاوِيَةَ، وَثَّقَهَا ابْنُ حِبَّانَ. (أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هَكَذَا الْجَمِيعُ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ وَسَقَطَ لِيَحْيَى عَنْ أُمِّهِ وَهُوَ مِمَّا عُدَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (قَالَتْ: أَهْدَى أَبُو جَهْمٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَيُقَالُ فِيهِ أَبُو جُهَيْمٍ بِالتَّصْغِيرِ (ابْنُ حُذَيْفَةَ) بْنِ غَانِمِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَوِيجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ، قَالَ الْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ: اسْمُهُ عَامِرٌ، وَقَالَ سَعْدٌ وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَغَيْرُهُمَا: اسْمُهُ عُبَيْدٌ بِالضَّمِّ صَحَابِيٌّ مِنْ مُسْلَمَةِ الْفَتْحِ كَانَ مِنْ مُعَمَّرِي قُرَيْشٍ وَمَشْيَخَتِهِمْ وَنُسَّابِهِمْ، حَضَرَ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ حِينَ بَنَتْهَا قُرَيْشٌ وَحِينَ بَنَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ: وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ ضَرَّابًا لِلنِّسَاءِ، ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ مَاتَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ بَكَّارٍ عَنْ عَمِّهِ مُصْعَبٍ أَنَّ أَبَا جَهْمٍ حَضَرَ بِنَاءَ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِلْكَعْبَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ مَوْتِهِ إِلَى أَوَائِلِ خِلَافَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ بَعْدَ ذَلِكَ. (لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمِيصَةً) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ كِسَاءٌ رَقِيقٌ مُرَبَّعٌ وَيَكُونُ مِنْ خَزٍّ أَوْ صُوفٍ وَقِيلَ: لَا تُسَمَّى بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً، سُمِّيَتْ خَمِيصَةً لِلِينِهَا وَرِقَّتِهَا وَصِغَرِ حَجْمِهَا إِذَا طُوِيَتْ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَمَصِ وَهُوَ ضُمُورُ الْبَطْنِ، وَفِي التَّمْهِيدِ الْخَمِيصَةُ كِسَاءٌ رَقِيقٌ قَدْ يَكُونُ بِعَلَمٍ وَبِغَيْرِ عَلَمٍ، وَقَدْ يَكُونُ أَبْيَضَ مُعَلَّمًا، وَقَدْ يَكُونُ أَصْفَرَ وَأَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَهِيَ مِنْ لِبَاسِ أَشْرَافِ الْعَرَبِ. (شَامِيَّةً لَهَا) بِالتَّأْنِيثِ عَلَى لَفْظِ خَمِيصَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ بِالتَّذْكِيرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا كِسَاءٌ. (عَلَمٌ) فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَهُ الحديث: 220 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 أَعْلَامٌ فَالْمُرَادُ الْجِنْسُ (فَشَهِدَ فِيهَا الصَّلَاةَ) أَيْ صَلَّى وَهُوَ لَابِسٌ لَهَا. (فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ) لِعَائِشَةَ ( «رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَةَ إِلَى أَبِي جَهْمٍ فَإِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا» ) وَفِي حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: «صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهُ أَعْلَامٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً فِي الصَّلَاةِ» (فَكَادَ يَفْتِنُنِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ أَيْ يَشْغَلُنِي عَنْ خُشُوعِ الصَّلَاةِ، وَفِيهِ أَنَّ الْفِتْنَةَ لَمْ تَقَعْ فَإِنَّ كَادَ تَقْتَضِي الْقُرْبَ وَتَمْنَعُ الْوُقُوعَ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَخْطَفُ الْبَرْقُ بَصَرَ أَحَدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} [البقرة: 20] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 20) وَلِذَا أَوَّلُوا قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: " «فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي عَنْ صَلَاتِي» " بِأَنَّ الْمَعْنَى قَارَبَتْ أَنْ تُلْهِيَنِي فَإِطْلَاقُ الْإِلْهَاءِ مُبَالَغَةٌ فِي الْقُرْبِ لَا لِتَحَقُّقِ وُقُوعِ الْإِلْهَاءِ، وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ قَبُولُ الْهَدَايَا، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُهَا وَيَأْكُلُهَا، وَالْهَدِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ مَا لَمْ يَسْلُكْ بِهَا طَرِيقَ الرِّشْوَةِ لِدَفْعِ حَقٍّ أَوْ تَحْقِيقِ بَاطِلٍ أَوْ أَخْذٍ عَلَى حَقٍّ يَجِبُ الْقِيَامُ بِهِ، وَأَنَّ الْوَاهِبَ إِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ عَطِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّاجِعُ فِيهَا فَلَهُ قَبُولُهَا بِلَا كَرَاهَةٍ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَشْغَلُ الْمَرْءَ فِي صَلَاتِهِ وَلِمَ يَمْنَعْهُ مِنْ إِقَامَةِ فَرَائِضِهَا وَأَرْكَانِهَا لَا يُفْسِدُهَا وَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتَهَا وَمُبَادَرَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَصَالِحِ الصَّلَاةِ وَنَفْيِ مَا لَعَلَّهُ يَحْدُثُ فِيهَا، وَأَمَّا بَعْثُهُ بِالْخَمِيصَةِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَلْبَسَهَا فِي الصَّلَاةِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ حَيْثُ بَعَثَ بِهَا إِلَى عُمَرَ: " «إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا» " وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ: كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ لِلصُّوَرِ وَالْأَشْيَاءِ الظَّاهِرَةِ تَأْثِيرًا فِي الْقُلُوبِ الطَّاهِرَةِ وَالنُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ يَعْنِي فَضْلًا عَمَّنْ دُونَهَا. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّمَا رَدَّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَرِهَهَا وَلَمْ يَكُنْ يَبْعَثُ إِلَى غَيْرِهِ مَا كَرِهَهُ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ «قَالَ لِعَائِشَةَ: لَا تَتَصَدَّقِي بِمَا لَا تَأْكُلِينَ» ، وَكَانَ أَقْوَى الْخَلْقِ عَلَى دَفْعِ الْوَسْوَسَةِ، لَكِنْ لَمَّا أَعْلَمَ أَبُو جَهْمٍ بِمَا نَابَهُ فِيهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْبَسُهَا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الشَّغْلَ بِهَا عَنِ الْخُشُوعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَعْلَمَهُ بِمَا نَابَهُ لِتَطِيبَ نَفْسُهُ وَيَذْهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ مِنْ رَدِّ هَدِيَّتِهِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: أَوْ لِيَقْتَدِيَ بِهِ فِي تَرْكِ لِبْسِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ اهـ. وَاسْتَنْبَطَ الْإِمَامُ مِنَ الْحَدِيثِ كَرَاهَةَ النَّظَرِ إِلَى كُلِّ مَا يَشْغَلُ عَنِ الصَّلَاةِ مِنْ صَبْغٍ وَعَلَمٍ وَنُقُوشٍ وَنَحْوِهَا لِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَةِ: النَّظَرُ إِلَى مَا يَشْغَلُكَ عَنْهَا فَعَمَّ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِخَمِيصَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْبَاجِيُّ صِحَّةَ الْمُعَاطَاةِ لِعَدَمِ ذِكْرِ الصِّيغَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهُ أَعْلَامٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَمِيصَةً لَهَا عَلَمٌ ثُمَّ أَعْطَاهَا أَبَا جَهْمٍ وَأَخَذَ مِنْ أَبِي جَهْمٍ أَنْبِجَانِيَّةً لَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ فَقَالَ إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ»   221 - 219 (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) كَذَا أَرْسَلَهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ إِلَّا مَعْنُ بْنُ عِيسَى فَقَالَ عَنْ عَائِشَةَ، وَكَذَا قَالَ كُلُّ أَصْحَابِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَ خَمِيصَةً لَهَا عَلَمٌ» ) زَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: «فَكَادَ يَتَشَاغَلُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ (ثُمَّ أَعْطَاهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأَخَذَ مِنْ أَبِي جَهْمٍ أَنْبِجَانِيَّةً) » بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَخِفَّةِ الْجِيمِ فَأَلِفٍ فَنُونٍ فَيَاءٍ نِسْبَةُ كِسَاءٍ غَلِيظٍ لَا عَلَمَ لَهُ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: يَجُوزُ فَتْحُ هَمْزَتِهِ وَكَسْرُهَا وَكَذَا الْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ، قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ أَنْبِجَانَ لَا إِلَى مَنْبِجَ بِالْمِيمِ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ بِالشَّامِ، وَبِهِ رُدَّ قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ: لَا يُقَالُ كِسَاءٌ أَنْبِجَانِيٌّ وَإِنَّمَا يُقَالُ مَنْبِجَانِيٌّ وَهَذَا مِمَّا يُخْطِئُ فِيهِ الْعَامَّةُ، وَرَدَ أَيْضًا بِأَنَّ الصَّوَابَ أَنْبِجَانِيَّةٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهَا رِوَايَةُ عَرَبٍ فُصَحَاءَ، وَمِنَ النَّسَبِ مَا لَا يَجْرِي عَلَى قِيَاسٍ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى مَنْبِجَ (لَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ) فَعَلْتَ هَذَا؟ ( «فَقَالَ: إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ» ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: " «فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي» " وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْحَدِيثِ سُؤَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا كَيْفَ يَخَافُ الِافْتِتَانَ بِعَلَمٍ مَنْ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْأَكْوُنِ بِلَيْلَةِ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى؟ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ كَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ خَارِجًا عَنْ طِبَاعِهِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ نَظَرَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَإِذَا، رُدَّ إِلَى طِبَاعِهِ أَثَّرَ فِيهِ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَشَرِ. الثَّانِي: الْمُرَاقَبَةُ فِي الصَّلَاةِ شَغَلَتْ خَلْقًا مِنْ أَتْبَاعِهِ حَتَّى أَنَّهُ وَقَعَ السَّقْفُ إِلَى جَانِبِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَلَمْ يَعْلَمْ. وَأَجَابَ بِأَنَّ أُولَئِكَ كَانُوا يُؤْخَذُونَ عَنْ طِبَاعِهِمْ فَيُغَيَّبُونَ عَنْ وُجُودِهِمْ وَكَانَ الشَّارِعُ يَسْلُكُ طَرِيقَ الْخَوَاصِّ وَغَيْرِهِمْ، فَإِذَا سَلَكَ طَرِيقَ الْخَوَاصِّ عَبَرَ الْكُلَّ فَقَالَ: لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ، وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقَ غَيْرِهِمْ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ» ، فَرُدَّ إِلَى حَالَةِ الطَّبْعِ لِيُسْتَنَّ بِهِ فِي تَرْكِ كُلِّ شَاغِلٍ اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ. الحديث: 221 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطِهِ فَطَارَ دُبْسِيٌّ فَطَفِقَ يَتَرَدَّدُ يَلْتَمِسُ مَخْرَجًا فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ فَجَعَلَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا هُوَ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي حَائِطِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ فَضَعْهُ حَيْثُ شِئْتَ»   222 - 220 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَعْلَمُهُ يُرْوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. (إِنَّ أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ) زَيْدَ الحديث: 222 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 بْنَ سَهْلٍ (كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ فِي حَائِطٍ لَهُ أَيْ: بُسْتَانٍ (فَطَارَ دُبْسِيٌّ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: طَائِرٌ يُشْبِهُ الْيَمَامَةَ وَقِيلَ هُوَ الْيَمَامَةُ نَفْسُهَا وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: مَنْسُوبٌ إِلَى دِبِسِ الرُّطَبِ لِأَنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ فِي النِّسَبِ (فَطَفِقَ) بِكَسْرِ الْفَاءِ جَعَلَ (يَتَرَدَّدُ يَلْتَمِسُ مَخْرَجًا) قَالَ الْبَاجِيُّ: يَعْنِي أَنَّ اتِّسَاقَ النَّخْلِ وَاتِّصَالَ جَرَائِدِهَا كَانَتْ تَمْنَعُ الدُّبْسِيُّ مِنَ الْخُرُوجِ فَجَعَلَ يَتَرَدَّدُ وَيَطْلُبُ الْمَخْرَجَ (فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ) سُرُورًا بِصَلَاحِ مَالِهِ وَحُسْنِ إِقْبَالِهِ. ( «فَجَعَلَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صَلَاتِهِ» ) بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَتَفْرِيغِ نَفْسِهِ لِتَمَامِهَا. ( «فَإِذَا هُوَ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَقَالَ: لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ» ) أَيْ، اخْتِبَارٌ أَيِ، اخْتُبِرْتُ فِي هَذَا الْمَالِ فَشُغِلْتُ عَنِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: كُلُّ مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فِي دِينِهِ فَقَدْ فُتِنَ وَالْفِتْنَةُ لُغَةٌ عَلَى وُجُوهٍ. ( «فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي حَائِطِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ فَضَعْهُ حَيْثُ شِئْتَ» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَرَادَ إِخْرَاجَ مَا فُتِنَ بِهِ مِنْ مَالِهِ وَتَكْفِيرَ اشْتِغَالِهِ عَنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا كَانَ يَقِلُّ مِنْهُمْ وَيَعْظُمُ فِي نُفُوسِهِمْ، وَصَرَفَ ذَلِكَ إِلَى اخْتِيَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِلْمِهِ بِأَفْضَلِ مَا تُصْرَفُ إِلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَطْعًا لِمَادَّةِ الْفِكْرِ وَكَفَّارَةً لِمَا جَرَى مِنْ نُقْصَانِ الصَّلَاةِ وَهَذَا هُوَ الدَّوَاءُ الْقَاطِعُ لِمَادَّةِ الْعِلَّةِ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ غَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِيهِ: إِنَّ كُلَّ مَا جُعِلَ لِلَّهِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهًا أَنَّ لِلْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ الْفَاضِلِ أَنْ يَضَعَهَا حَيْثُ رَأَى مِنْ سُبُلِ الْبِرِّ وَيُنَفِّذُ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ لِلَّهِ، وَلَيْسَتِ الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَالْمِنْحَةُ كَذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطٍ لَهُ بِالْقُفِّ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَانِ الثَّمَرِ وَالنَّخْلُ قَدْ ذُلِّلَتْ فَهِيَ مُطَوَّقَةٌ بِثَمَرِهَا فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَأَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ ثَمَرِهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا هُوَ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ فَجَاءَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ هُوَ صَدَقَةٌ فَاجْعَلْهُ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ فَبَاعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِخَمْسِينَ أَلْفًا فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَالُ الْخَمْسِينَ   223 - 221 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ يُصَلِّي لَهُ بِالْقُفِّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ (وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَانٍ) بِفَتْحَتَيْنِ (وَالنَّخْلُ) بِالرَّفْعِ (قَدْ ذُلِّلَتْ) أَيْ مَالَتِ الثَّمَرَةُ بِعَرَاجِينِهَا لِأَنَّهَا عَظُمَتْ وَبَلَغَتْ حَدَّ النُّضْجِ (فَهِيَ مُطَوَّقَةٌ) أَيْ مُسْتَدِيرَةٌ فَطَوْقُ كُلِّ شَيْءٍ مَا اسْتَدَارَ بِهِ (بِثَمَرِهَا) بِفَتْحِ الحديث: 223 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ مُفْرَدُ ثِمَارٍ، وَبِضَمِّهَا وَضَمِّ الْمِيمِ جَمْعُ ثُمَّارٍ مِثْلَ كُتُبٍ وَكُتَّابٍ، وَهُوَ الْحَمْلُ الَّذِي تُخْرِجُهُ الشَّجَرَةُ، وَسَوَاءٌ أُكِلَ أَمْ لَا، يُقَالُ ثَمَرَ النَّخْلُ وَالْعِنَبُ يُقَالُ ثَمَرَ الْإَرَاكُ وَثَمَرَ الْعَوْسَجُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبُونِيُّ: تَذْلِيلُهَا أَنَّهَا إِذَا طَابَتْ وَدَنَا جَذُّهَا تُفْتَلُ عَرَاجِينُهَا بِمَا فِيهَا مِنْ قِنْوَانِهَا لِيَذْبُلَ بِذَلِكَ فَيَصِيرَ تَمْرًا، فَإِذَا فُتِلَتِ الْعَرَاجِينُ انْعَطَفَتْ وَتَذَلَّلَتْ قِنْوَانُهَا بِالتَّمْرِ حَوْلَ الْجَرِيدِ مُسْتَدِيرَةً بِهَا فَهَذَا تَطْوِيقُهَا، وَذَلِكَ أَيْضًا مَأْخُوذٌ مِنْ طَوْقِ الْقَمِيصِ الدَّائِرِ حَوْلَهُ، قَالَ عِيسَى: كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِيَتَمَكَّنَ لَهُمُ الْخَرْصُ فِيهَا وَقِيلَ لِيَكُونَ أَظْهَرَ عِنْدَ الْبَيْعِ. (فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَأَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ ثَمَرِهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا هُوَ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَقَالَ: لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ) أَيِ اخْتِبَارٌ وَتَكُونُ بِمَعْنَى الْمَيْلِ عَنِ الْحَقِّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء: 73] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةَ 73) (فَجَاءَ) الرَّجُلُ (عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ) الَّذِي أَصَابَهُ فِي حَائِطِهِ (وَقَالَ هُوَ صَدَقَةٌ فَاجْعَلْهُ فِي سُبُلِ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ سَبِيلٍ (الْخَيْرِ فَبَاعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِخَمْسِينَ أَلْفًا) قَالَ أَبُو عُمَرَ: لِأَنَّهُ فَهِمَ مُرَادَ الْأَنْصَارِيِّ فَبَاعَهُ وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ وَقْفًا، وَاخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ وَالدَّائِمُ كَالْعُيُونِ أَحْسَنُ وَهُوَ جَارٌ لِصَاحِبِهِ مَا لَمْ تَعْتَوِرْهُ آفَةٌ وَآفَاتُ الدَّهْرِ كَثِيرَةٌ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ يُقْبِلُ عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا (فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَالُ الْخَمْسِينَ) لِبُلُوغِ ثَمَنِهِ خَمْسِينَ أَلْفًا كَمَا سُمِّيَ الْفَيُّومَ لِبُلُوغِ خَرَاجِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ دِينَارٍ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 [كِتَابُ السَّهوِ] [بَاب الْعَمَلِ فِي السَّهْوِ] ِ بَاب الْعَمَلِ فِي السَّهْوِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ»   4 - كِتَابُ السَّهْوِ 1 - كِتَابُ الْعَمَلِ فِي السَّهْوِ 224 - 222 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي» ) الصَّلَاةُ الشَّرْعِيَّةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً. ( «جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ» ) بِخِفَّةِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى الصَّحِيحِ أَيْ خَلَطَ (عَلَيْهِ) أَمْرَ صَلَاتِهِ وَمُضَارِعُهُ بِكَسْرِهَا مِنْ بَابِ ضَرَبَ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةَ 9) وَأَمَّا مِنَ اللِّبَاسِ فَبَابُهُ سَمِعَ ( «حَتَّى لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» ) تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ لِمَا لَبَسَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَثْقَلُ مِنَ السُّجُودِ لِمَا لَحِقَهُ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لِامْتِنَاعِهِ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ. (وَهُوَ جَالِسٌ) بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدْ زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ: ثُمَّ يُسَلِّمُ، لَكِنْ أَعَلَّهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ ابْنَ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرًا وَاللَّيْثَ وَمَالِكًا لَمْ يَقُولُوا قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هَذَانِ وَلَيْسَا بِحُجَّةٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ وَهْبٍ وَجَمَاعَةٍ عَلَى الْمُسْتَنْكِحِ الَّذِي لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْهُ وَيَكْثُرُ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ، لَكِنَّ الشَّيْطَانَ يُوَسْوِسُ لَهُ فَيَجْزِيهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ دُونَ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَنُوبَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي بِهِ، وَأَمَّا مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ صَلَاتَهُ فَيَبْنِي عَلَى يَقِينِهِ، فَإِنِ اعْتَرَاهُ ذَلِكَ أَيْضًا فِيمَا يَبْنِي لَهَى عَنْهُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الحديث: 224 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا غَيْرُ حَدِيثِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَاوِي حَدِيثِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ الْمُتَقَدِّمِ رَوَى أَيْضًا حَدِيثَ: " «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ أَزَادَ أَمْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا لِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِمَا، بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْضِعٌ كَمَا ذَكَرْنَا اهـ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ سَوَاءٌ كَانَتِ الصَّلَاةُ فَرِيضَةً أَوْ تَطَوُّعًا فَيُفِيدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ السَّهْوَ فِي النَّافِلَةِ كَالسَّهْوِ فِي الْفَرِيضَةِ إِلَّا فِي مَسَائِلَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ فَقَالُوا: لَا سُجُودَ فِي السَّهْوِ فِي النَّافِلَةِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِطْلَاقِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمَا هَلْ هُوَ مِنَ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوِ الْمَعْنَوِيِّ؟ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ لِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ عَدَمِ التَّبَايُنِ فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ، وَمَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ إِلَى الْأَوَّلِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّبَايُنِ فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ، لَكِنَّ طَرِيقَةَ مَنْ أَعْمَلَ الْمُشْتَرَكَ فِي مَعَانِيهِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ تَقْتَضِي دُخُولَ النَّافِلَةِ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ، فَإِنْ قِيلَ: حَدِيثُ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ وَإِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ قَرِينَةٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ الْفَرِيضَةُ. أُجِيبُ: بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَنَاوُلَ النَّافِلَةِ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا مَطْلُوبٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» " وَعِنْدِي فِي وُرُودِ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ أَصْلِهِ وَقْفَةٌ، إِذْ حَدِيثُ النِّدَاءِ بِالصَّلَاةِ لَا يُخَصِّصُ حَدِيثَ السَّهْوِ بِالْفَرِيضَةِ، لِأَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ " «فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعُونَ» " لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى تَخْصِيصٍ بِوَجْهٍ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بْنِ سَعْدٍ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَنَحْوُهُ فِي مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ»   224 - 223 (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْنَدًا وَلَا مَقْطُوعًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي فِي الْمُوَطَّأِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ مُسْنَدَةً وَلَا مُرْسَلَةً وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ فِي الْأُصُولِ اهـ. وَمَا وَقَعَ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فَمَعْنَاهُ يُحْتَجُّ بِهِ لِأَنَّ الْبَلَاغَ مِنْ أَقْسَامِ الضَّعِيفِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ مَعَاذَ اللَّهِ، إِذْ لَيْسَ الْبَلَاغُ بِمَوْضُوعٍ عِنْدَ أَهْلِ الْفَنِّ لَا سِيَّمَا مِنْ مَالِكٍ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا قَالَ مَالِكٌ بَلَغَنِي فَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَوْ، فِي الْحَدِيثِ لِلشَّكِّ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ نَافِعٍ: لَيْسَتْ لِلشَّكِّ، وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنْسَى أَنَا أَوْ يُنْسِينِي اللَّهُ، تَعَالَى، قَالَ: وَيَحْتَاجُ هَذَا إِلَى بَيَانٍ لِأَنَّهُ أَضَافَ أَحَدَ النِّسْيَانَيْنِ إِلَيْهِ وَالثَّانِي إِلَى اللَّهِ، تَعَالَى، وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا نَسِيَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَنْسَاهُ أَيْضًا، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيدَ لَأَنْسَى فِي الْيَقَظَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وَأَنْسَى فِي النَّوْمِ، فَأَضَافَ النِّسْيَانَ فِي الْيَقَظَةِ إِلَيْهِ لِأَنَّهَا حَالَةُ التَّحَرُّزِ فِي غَالِبِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَضَافَ النِّسْيَانَ فِي النَّوْمِ إِلَى غَيْرِهِ لَمَّا كَانَتْ حَالًا يَقِلُّ فِيهَا التَّحَرُّزُ وَلَا يُمْكِنُ فِيهَا مَا يُمْكِنُ فِي حَالِ الْيَقَظَةِ. وَالثَّانِي أَنْ يُرِيدَ إِنِّي لَأُنَسَّى عَلَى حَسَبِ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ مِنَ النِّسْيَانِ مَعَ السَّهْوِ وَالذُّهُولِ عَنِ الْأَمْرِ، أَوْ أُنَسَّى مَعَ تَذَكُّرِ الْأَمْرِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالتَّفَرُّغِ لَهُ، فَأَضَافَ أَحَدَ النِّسْيَانَيْنِ إِلَى نَفْسِهِ لَمَّا كَانَ كَالْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ، وَفِي الشِّفَاءِ لِعِيَاضٍ قِيلَ: هَذَا اللَّفْظُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَقَدْ رُوِيَ: إِنِّي لَا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ أَيْ بِلَا النَّافِيَةِ عِوَضَ لَامِ التَّأْكِيدِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ بَلْ قَدْ رُوِيَ لَسْتُ أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ اهـ. فَهِيَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ تَرْجِعُ إِلَى ثِنْتَيْنِ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَيْهِ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللُّغَةِ وَنَفْيِهِ عَنْهُ، بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ مُوجِدًا لَهُ حَقِيقَةً، وَالْمُوجِدُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ اللَّهُ، كَمَا يُقَالُ: مَاتَ زَيْدٌ وَأَمَاتَهُ اللَّهُ، فَحَيْثُ أَثْبَتَ لَهُ النِّسْيَانَ أَرَادَ قِيَامَ صِفَتِهِ بِهِ وَحَيْثُ نَفَاهُ عَنْهُ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِيجَادِهِ وَلَا مِنْ مُقْتَضَى طَبْعِهِ وَالْمُوجِدُ لَهُ هُوَ اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ إِنِّي أَهِمُ فِي صَلَاتِي فَيَكْثُرُ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ امْضِ فِي صَلَاتِكَ فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ عَنْكَ حَتَّى تَنْصَرِفَ وَأَنْتَ تَقُولُ مَا أَتْمَمْتُ صَلَاتِي   224 - 224 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ (فَقَالَ إِنِّي أَهِمُ فِي صَلَاتِي) أَتَوَهَّمُ أَنِّي نَقَصْتُهَا رَكْعَةً مَثَلًا مَعَ غَلَبَةِ ظَنِّي بِالْإِتْمَامِ (فَيَكْثُرُ ذَلِكَ عَلِيَّ) بِحَيْثُ أَصِيرُ مُسْتَنْكِحًا (فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: امْضِ فِي صَلَاتِكَ) وَلَا تَعْمَلْ عَلَى هَذَا الْوَهْمِ (فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ عَنْكَ حَتَّى تَنْصَرِفَ وَأَنْتَ تَقُولُ مَا أَتْمَمْتُ صَلَاتِي) فَلَا يَتَهَيَّأُ لَكَ أَصْلًا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرْدَفَ مَالِكٌ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِقَوْلِ الْقَاسِمِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عِنْدَهُ عَلَى الْمُسْتَنْكِحِ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فَلَا يَعْمَلُ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 [كِتَابُ الْجُمُعَةِ] [بَاب الْعَمَلِ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ] ِ بَاب الْعَمَلِ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ»   5 - كِتَابُ الْجُمُعَةِ 1 - بَابُ الْعَمَلِ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ 227 - 225 - (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ (مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السَّمَّانِ) بَائِعِ السَّمْنِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ) يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يَصِحُّ التَّقَرُّبُ مِنْهُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ (يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ) نَعْتٌ لِمُقَدَّرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ غُسْلًا كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُمَيٍّ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: فَاغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ كَمَا يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّشْبِيهَ لِلْكَيْفِيَّةِ لَا لِلْحُكْمِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88] (سُورَةُ النَّمْلِ: الْآيَةَ 88) وَقِيلَ إِشَارَةٌ إِلَى الْجِمَاعِ يَوْمَ الْجُمُعَةَ لِيُغْتَسَلَ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ تَسْكُنَ نَفْسُهُ فِي الرَّوَاحِ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَا تَمْتَدُّ عَيْنُهُ إِلَى شَيْءٍ يَرَاهُ فِيهِ، وَأَيْضًا حَمَلَ الْمَرْأَةَ عَلَى الِاغْتِسَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ قَائِلُ ذَلِكَ حَدِيثَ " «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ» " الْمُخَرَّجَ فِي السُّنَنِ عَلَى رِوَايَةِ غَسَّلَ بِالتَّشْدِيدِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى هَذَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ حَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَحْمَدَ، وَثَبَتَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَنَّهُ أَنْسَبُ الْأَقْوَالِ فَلَا وَجْهَ لِادِّعَاءِ بُطْلَانِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَرْجَحَ، وَلَعَلَّهُ عَنَى أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: " «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُجَامِعَ أَهْلَهُ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ أَجْرَ غُسْلِهِ وَأَجْرَ امْرَأَتِهِ» " أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. ( «ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً» ) أَيْ تَصَدَّقَ بِهَا مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ، تَعَالَى، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ لِلْمُبَادِرِ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ نَظِيرَ مَا لِصَاحِبِ الْبَدَنَةِ مِنَ الثَّوَابِ مِمَّنْ شُرِعَ لَهُ الْقُرْبَانُ ; لِأَنَّ الْقُرْبَانَ لَمْ يُشْرَعْ الحديث: 227 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ لِلْأُمَمِ السَّابِقَةِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُمَيٍّ: فَلَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ الْجَزُورِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الثَّوَابَ لَوْ تَجَسَّدَ لَكَانَ قَدْرَ الْجَزُورِ، وَقِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ إِلَّا بَيَانُ تَفَاوُتِ الْمُبَادِرِينَ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَأَنَّ نِسْبَةَ الثَّانِي مِنَ الْأَوَّلِ نِسْبَةُ الْبَقَرَةِ إِلَى الْبَدَنَةِ فِي الْقِيمَةِ مَثَلًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي مُرْسَلِ طَاوُسٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ كَفَضْلِ صَاحِبِ الْجَزُورِ عَلَى صَاحِبِ الْبَقَرَةِ. وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: كَمَثَلِ الَّذِي يَهْدِي بَدَنَةً، فَكَانَ الْمُرَادُ بِالْقُرْبَانِ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ الْإِهْدَاءُ إِلَى الْكَعْبَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي لَفْظِ الْإِهْدَاءِ جِمَاعُ مَعْنَى التَّعْظِيمِ لِلْجُمُعَةِ، وَأَنَّ الْمُبَادِرَ إِلَيْهَا كَمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَالْمُرَادُ بِالْبَدَنَةِ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَالْهَاءُ فِيهِ لِلْوِحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ. وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَخُصُّ الْبَدَنَةَ بِالْأُنْثَى، قَالَ الزُّهْرِيُّ: الْبَدَنَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ الْإِبِلِ وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ. وَأَمَّا الْهَدْيُ فَمِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ هَذَا لَفْظُهُ. وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْبَدَنَةُ تَكُونُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَكَأَنَّهُ خَطَأٌ نَشَأَ عَنْ سَقْطٍ. وَفِي الصِّحَاحِ: الْبَدَنَةُ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ تُذْبَحُ بِمَكَّةَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمِّنُونَهَا اهـ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْبَدَنَةَ تَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ لِأَنَّهَا قُوبِلَتْ بِالْبَقَرَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَقِسْمُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ قَسِيمَهُ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ. ( «وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً» ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَالتَّاءُ لِلْوِحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ. ( «وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا» ) ذَكَرًا (أَقْرَنَ) قَالَ النَّوَوِيُّ: وَصَفَهُ بِهِ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ وَأَحْسَنُ صُورَةً وَلِأَنَّ قَرْنَهُ يُنْتَفَعُ بِهِ. ( «وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً» ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ وَالضَّمُّ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّهَا بِالْفَتْحِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَبِالْكَسْرِ مِنَ النَّاسِ. ( «وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً» ) وَاسْتَشْكَلَ التَّعْبِيرُ فِيهَا وَفِي دَجَاجَةٍ بِقَرَّبَ كَقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ: كَالَّذِي يَهْدِي لِأَنَّ الْهَدْيَ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا، وَأَجَابَ عِيَاضٌ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ بِأَنَّهُ لَمَّا عَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَعْطَاهُ حُكْمَهُ فِي اللَّفْظِ فَهُوَ مِنَ الِاتِّبَاعِ كَقَوْلِهِ: مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ شَرْطَ الِاتِّبَاعِ أَنْ لَا يُصَرَّحَ بِاللَّفْظِ فِي الثَّانِي، فَلَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَمُتَقَلِّدًا رُمْحًا، وَالَّذِي يُظْهِرُ أَنَّهُ مِنَ الْمُشَاكَلَةِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ قَرِينِهِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: قَوْلُهُ قَرَّبَ بَيْضَةً، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: كَالَّذِي يَهْدِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقَرُّبِ الْهَدْيُ، وَيَنْشَأُ مِنْهُ أَنَّ الْهَدْيَ يُطْلَقُ عَلَى مِثْلِ هَذَا حَتَّى لَوِ الْتَزَمَ هَدْيًا هَلْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ اهـ. وَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ الثَّانِي، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ النَّذْرَ هَلْ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ جَائِزِ الشَّرْعِ أَوْ وَاجِبِهِ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكْفِي أَقَلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَيُقَوِّي الصَّحِيحَ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْهَدْيِ هُنَا التَّصْدِيقُ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سُمَيٍّ زِيَادَةُ مَرْتَبَةٌ بَيْنَ الدَّجَاجَةِ وَالْبَيْضَةِ وَهِيَ الْعُصْفُورُ، وَلَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ زِيَادَةُ بَطَّةٍ فَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ: فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَطَّةً وَجَعَلَ الدَّجَاجَةَ فِي الْخَامِسَةِ وَالْبَيْضَةَ فِي السَّادِسَةِ، لَكِنْ خَالَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ فِي مَعْمَرٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ وَإِنْ صَحَّ إِسْنَادُهُمَا فَهُمَا شَاذَّتَانِ لِمُخَالَفَتِهِمَا الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ. (فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ) فِي الْجَامِعِ عَمَّا كَانَ مَسْتُورًا فِيهِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَا اسْتَنْبَطَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ لِوَقْتِ الْخُطْبَةِ، قَالَ: وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مِنْ أَقْرَبِ أَبْوَابِهِ إِلَى الْمِنْبَرِ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ مَا قَالَهُ لَا يَظْهَرُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ يُبَكِّرَ وَلَا يَخْرُجَ مِنَ الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لَهُ فِي الْجَامِعِ إِلَّا إِذَا حَضَرَ الْوَقْتُ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ مُعَدٌّ (حَضَرَتِ) بِفَتْحِ الضَّادِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا (الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) مَا فِي الْخُطْبَةِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَغَيْرِهَا وَهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكَرَ» " وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سُمَيٍّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، فَكَانَ ابْتِدَاءُ طَيِّ الصُّحُفِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَانْتِهَاؤُهُ بِجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ أَوَّلُ سَمَاعِهِمْ لِلذِّكْرِ. وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: " عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَكَانِ يَكْتُبَانِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ " فَكَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ جِنْسُ الْبَابِ وَيَكُونُ مِنْ مُقَابَلَةِ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ أَجَازَ التَّعْبِيرَ عَنِ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بَعَثَ اللَّهُ مَلَائِكَةً بِصُحُفٍ مِنْ نُورٍ وَأَقْلَامٍ مِنْ نُورٍ» " الْحَدِيثَ، فَبَيَّنَ صِفَةَ الصُّحُفِ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ، وَالْمُرَادُ بِطَيِّ الصُّحُفِ عَلَى صُحُفِ الْفَضَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُبَادِرِ إِلَى الْجُمُعَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْخُشُوعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكْتُبُهُ الْحَافِظَانِ قَطْعًا. وَفِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ: " «فَمَنْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَجِيءُ لِحَقِّ الصَّلَاةِ» " وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُمَيٍّ زِيَادَةٌ فِي آخِرِهِ هِيَ: " «ثُمَّ إِذَا اسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» " وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: " «فَيَقُولُ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ لِبَعْضٍ: مَا حَبَسَ فُلَانًا فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ ضَالًّا فَاهْدِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَعَافِهِ» " وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْحَضُّ عَلَى الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وَفَضْلُهُ وَفَضْلُ السَّبْقِ إِلَيْهَا وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ جَمَعَهُمَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا أَطْلَقَهُ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ مِنْ تَرَتُّبِ الْفَضْلِ عَلَى السَّبْقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْغُسْلِ، وَفِيهِ أَنَّ مَرَاتِبَ النَّاسِ فِي الْفَضْلِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ، وَأَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الصَّدَقَةِ غَيْرُ مُحْتَقَرٍ فِي الشَّرْعِ، وَأَنَّ التَّقَرُّبَ بِالْإِبِلِ أَفْضَلُ مِنَ التَّقَرُّبِ بِالْبَقَرِ، وَهُوَ بِاتِّفَاقٍ فِي الْهَدْيِ وَفِي الضَّحَايَا خِلَافٌ فَالْأَكْثَرُ كَذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْأَفْضَلُ فِي الضَّحَايَا الْغَنَمُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ» وَأَكْثَرُ مَا ضَحَّى بِهِ الْكِبَاشُ وَقَالَ تَعَالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] (سُورَةُ الصَّافَّاتِ: الْآيَةَ 107) وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَعْظَمَ مِنْهُ لَفَدَى بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فَضْلِ الْكَبْشِ إِلَّا أَنَّهُ أَوَّلُ قُرْبَانٍ تُقُرِّبَ بِهِ إِلَى اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّهُ فُدِيَ بِهِ نَبِيٌّ كَرِيمٌ مِنَ الذِّبْحِ وَقَالَ اللَّهُ فِيهِ: {بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] . ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: " «مَرَّ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي قُطْبَةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشٍ أَعْيَنَ أَقْرَنَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَا أَشْبَهَ هَذَا الْكَبْشَ بِالْكَبْشِ الَّذِي ذَبَحَهُ إِبْرَاهِيمُ، فَاشْتَرَى مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ كَبْشًا أَعْيَنَ أَقْرَنَ فَأَهْدَاهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَحَّى بِهِ» " وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ التَّقْرِيبَيْنِ بِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودَيْنِ لِأَنَّ أَصْلَ مَشْرُوعِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ التَّذْكِيرُ بِقَضِيَّةِ الذَّبِيحِ وَهُوَ قَدْ فُدِيَ بِالْغَنَمِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْهَدْيِ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَنَاسَبَ الْبَدَنَ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالسَّاعَاتِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَابْنُ حَبِيبٍ إِلَى أَنَّهَا سَاعَاتُ النَّهَارِ مِنْ أَوَّلِهِ فَاسْتَحَبُّوا الْمَسِيرَ إِلَيْهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا الْقَلِيلُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ إِلَى أَنَّهَا لَحَظَاتٌ لَطِيفَةٌ أَوَّلُهَا زَوَالُ الشَّمْسِ وَآخِرُهَا قُعُودُ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِأَنَّ السَّاعَةَ تُطْلَقُ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الزَّمَانِ غَيْرِ مَحْدُودٍ تَقُولُ جِئْتُ سَاعَةَ كَذَا. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ رَاحَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الرَّوَاحِ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، وَالْغُدُوُّ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى الزَّوَالِ قَالَ تَعَالَى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12] (سُورَةُ سَبَأٍ: الْآيَةَ 12) وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: تَمَسَّكَ مَالِكٌ بِحَقِيقَةِ الرَّوَاحِ وَتَجَوَّزَ فِي السَّاعَةِ وَعَكَسَ غَيْرُهُ اهـ. وَقَالَ غَيْرُهُ: حَمْلُهَا عَلَى سَاعَاتِ النَّهَارِ الزَّمَانِيَّةِ الْمُنْقَسِمَةِ إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا تُبْعِدُ حَالَةَ الشَّرْعِ عَلَيْهِ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى حِسَابٍ وَمُرَاجَعَةِ آلَاتٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ قَامَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَالْمُهَجِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً» " الْحَدِيثَ، فَإِنْ قَالُوا: قَدْ تُسْتَعْمَلُ الْهَاجِرَةُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَفْظِ سَاعَةٍ. قُلْنَا: لَيْسَ إِخْرَاجُهَا عَنْ ظَاهِرِهَا بِأَوْلَى مِنْ إِخْرَاجِ السَّاعَةِ عَنْ ظَاهِرِهَا، فَإِذَا تَسَاوَيَا عَلَى زَعْمِكُمْ فَمَجَازُنَا أَرْجَحُ لِأَنَّهُ عَمَلُ النَّاسِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ يَأْتِي الْمَسْجِدَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ حَالِهِمْ عَلَى تَرْكِ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ الْعَظِيمَةِ، وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إِشْكَالٌ قَوِيٌّ وَهُوَ صِحَّةُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، لِأَنَّهُ قَسَّمَ السَّاعَاتِ إِلَى خَمْسٍ وَعَقَّبَ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي أَوَّلِ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَهِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَمَّا زِيَادَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 ابْنِ عَجْلَانَ الْعُصْفُورَ فِي حَدِيثِ سُمَيٍّ فَشَاذَّةٌ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ، لِأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ سُمَيٍّ لَمْ يُذْكُرُوهَا، وَقَدْ تَعَسَّفُوا الْجَوَابَ عَنْ هَذَا بِمَا لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَرَاهَةُ مَالِكٍ التَّبْكِيرَ خِلَافُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " كَالْمُهْدِي جَزُورًا " وَكَالْمُهْدِي كَذَا مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ أَوَّلَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: " «فَالْمُتَهَجِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ» " وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْهَاجِرَةِ وَالْهَجِيرِ وَذَلِكَ وَقْتُ النُّهُوضِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَ وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَ هَاجِرَةٍ وَلَا هَجِيرٍ. وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: إِنَّهُ تَحْرِيفٌ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ، وَمُحَالٌ أَنْ تَكُونَ سَاعَاتٌ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَالشَّمْسُ إِنَّمَا تَزُولُ فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَهُوَ وَقْتُ الْأَذَانِ وَخُرُوجِ الْإِمَامِ إِلَى الْخُطْبَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا سَاعَاتُ النَّهَارِ الْمَعْرُوفَةُ، فَبَدَأَ بِأَوَّلِهَا فَقَالَ: «مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً» ، ثُمَّ قَالَ فِي الْخَامِسَةِ بَيْضَةً فَشَرْحُ الْحَدِيثِ بَيِّنٌ فِي لَفْظِهِ وَلَكِنَّهُ حُرِّفَ عَنْ وَجْهِهِ وَشُرِحَ بِالْخَلْفِ مِنَ الْقَوْلِ وَبِمَا لَا يَكُونُ، وَزَهَّدَ شَارِحُهُ بِذَلِكَ النَّاسَ فِيمَا رَغَّبَهُمْ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَجْتَمِعُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا تَحَامُلٌ مِنْهُ عَلَى مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ مَا أَنْكَرَهُ وَجَعَلَهُ تَحْرِيفًا فِي التَّأْوِيلِ وَخُلْفًا مِنَ الْقَوْلِ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَذَا فَقَالَ: إِنَّمَا أَرَادَ سَاعَةً وَاحِدَةً تَكُونُ فِيهَا هَذِهِ السَّاعَاتُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ مَا صُلِّيَتِ الْجُمُعَةُ حَتَّى يَكُونَ تِسْعَ سَاعَاتٍ وَذَلِكَ وَقْتُ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ هُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَعَ مَا صَحِبَهُ مِنْ عَمَلِ الْمَدِينَةِ، فَإِنَّ مَالِكًا كَانَ مُجَالِسًا لَهُمْ وَمُشَاهِدًا لِوَقْتِ خُرُوجِهِمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلَوْ كَانُوا يَخْرُجُونَ إِلَيْهَا مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مَا أَنْكَرَهُ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ، ثُمَّ رَوَى بِأَسَانِيدِهِ أَحَادِيثَ تَشْهَدُ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَأَطَالَ النَّفَسَ فِي ذَلِكَ، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ   228 - 226 - (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) كَيْسَانَ (الْمَقْبُرِيِّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا كَانَ مُجَاوِرٌ لِلْمَقْبَرَةِ فَنُسِبَ إِلَيْهَا، الْمَدَنِيُّ التَّابِعِيُّ الْمُتَّفَقُ عَلَى تَوْثِيقِهِ رَوَى لَهُ الْجَمِيعُ، كَبِرَ وَاخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَكَانَ سَمَاعُ مَالِكٍ وَنَحْوُهُ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) (كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ) فِي الصِّفَةِ لَا فِي الْوُجُوبِ، لَكِنْ عَلَى هَذَا رَأْيُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهَذَا قَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ مَوْقُوفًا كَمَا تَرَى عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ وَعَنْ الحديث: 228 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَغَيْرِهِمَا الْوُجُوبَ الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ قَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فَلَا يُؤَوَّلُ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ مَذْهَبُهُ، قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: وَقَدْ رَفَعَهُ رَجُلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ فَقَالَ عُمَرُ «أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْقَلَبْتُ مِنْ السُّوقِ فَسَمِعْتُ النِّدَاءَ فَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ فَقَالَ عُمَرُ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ»   229 - 227 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عُمَرَ كَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ عَنْ مَالِكٍ مُرْسَلًا لَمْ يَقُولُوا عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ وَجُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ وَابْنُ مَهْدِيٍّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَيَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ مَالِكٍ مَوْصُولًا فَقَالُوا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكٍ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَكَذَا وَصَلَهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبُو أُوَيْسٍ عِنْدَ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ بِذِكْرِ ابْنِ عُمَرَ. (أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ كَمَا سَمَّاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي رِوَايَتِهِمَا لِلْمُوَطَّأِ، وَكَذَا سَمَّاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَا سَمَّاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ (الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ) وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ: أَنَّ عُمَرَ بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَادَاهُ عُمَرُ (فَقَالَ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟) بِشَدِّ التَّحْتِيَّةِ تَأْنِيثُ أَيٍّ يُسْتَفْهَمُ بِهَا، وَالسَّاعَةُ اسْمٌ لِجُزْءٍ مِنَ الزَّمَانِ مُقَدَّرٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَقْتِ الْحَاضِرِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَهَذَا اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ وَإِنْكَارٍ كَأَنَّهُ يَقُولُ: لِمَ تَأَخَّرْتَ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ؟ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِالْإِنْكَارِ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ تَحْتَبِسُونَ عَنِ الصَّلَاةِ؟ وَلِمُسْلِمٍ فَعَرَّضَ بِهِ عُمَرُ فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ؟ قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَحَفِظَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ، وَمُرَادُ عُمَرَ التَّلْمِيحُ إِلَى سَاعَاتِ التَّبْكِيرِ الَّتِي وَقَعَ التَّرْغِيبُ فِيهَا وَأَنَّهَا إِذَا طَوَتِ الْمَلَائِكَةُ الصُّحُفَ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ التَّعْرِيضَاتِ وَأَرْشَقِ الْكِنَايَاتِ، وَفَهِمَ عُثْمَانُ ذَلِكَ فَبَادَرَ إِلَى الِاعْتِذَارِ عَنِ التَّأْخِيرِ (فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْقَلَبْتُ) أَيْ (مِنَ السُّوقِ) رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْرَهُونَ تَرْكَ الْعَمَلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى نَحْوِ تَعْظِيمِ الْيَهُودِ السَّبْتَ وَالنَّصَارَى الْأَحَدَ (فَسَمِعْتُ النِّدَاءَ) أَيِ الْأَذَانَ بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ، وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ: إِنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ الحديث: 229 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ (فَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأَتُ) أَيْ لَمْ أَشْتَغِلْ بِشَيْءٍ بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُ النِّدَاءَ إِلَّا بِالْوُضُوءِ (فَقَالَ عُمَرُ) إِنْكَارٌ آخَرُ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَهِيَ الْغُسْلُ (الْوُضُوءَ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَتَتَوَضَّأُ الْوُضُوءَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَبِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَيْ تَقْتَصِرُ عَلَيْهِ أَوْ خَبَرٌ مُبْتَدَؤُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ كِفَايَتُكَ الْوُضُوءُ. وَقَالَ ابْنُ السَّيِّدِ: يُرْوَى بِالرَّفْعِ عَلَى لَفْظِ الْخَبَرِ وَالصَّوَابُ أَنَّ آلْوُضُوءَ بِالْمَدِّ عَلَى لَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: 59] (سُورَةُ يُونُسَ: الْآيَةَ 59) فَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ دَاخِلَةٌ عَلَى هَمْزَةِ الْوَصْلِ، هَكَذَا رِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ الْوُضُوءَ بِلَا وَاوٍ، وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسَمَاءَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: وَالْوُضُوءَ بِالْوَاوِ بِإِسْقَاطِ لَفْظِ عُمَرَ، وَلِمُسْلِمٍ بِإِثْبَاتِ عُمَرَ وَالْوَاوِ وَهُوَ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ عَطْفًا عَلَى الْإِنْكَارِ الْأَوَّلِ أَيْ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا اقْتَصَرْتَ عَلَيْهِ أَوِ اخْتَرْتَهُ دُونَ الْغُسْلِ، وَالْمَعْنَى: أَمَا اكْتَفَيْتَ بِتَأْخِيرِ الْوَقْتِ وَتَفْوِيتِ الْفَضِيلَةِ حَتَّى تَرَكْتَ الْغُسْلَ وَاقْتَصَرْتَ عَلَى الْوُضُوءِ؟ وَجَوَّزَ الْقُرْطُبِيُّ الرَّفْعَ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَيْ وَالْوُضُوءُ تَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَأَغْرَبَ السُّهَيْلِيُّ فَقَالَ: اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَلَى الرَّفْعِ لِأَنَّ النَّصْبَ يُخْرِجُهُ إِلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ يَعْنِي وَالْوُضُوءُ لَا يُنْكَرُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ أَيْ مِنْ عَطْفِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ الْأَوَّلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ عَاطِفَةٌ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هِيَ عِوَضٌ عَنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ كَقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف: 123] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةَ 123) وَتَعَقَّبَهُ فِي الْمَصَابِيحِ بِأَنَّ تَخْفِيفَ الْهَمْزَةِ بِإِبْدَالِهَا وَاوًا صَحِيحٌ فِي الْآيَةِ لِوُقُوعِهَا مَفْتُوحَةً بَعْدَ ضَمَّةٍ، وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِوُقُوعِهَا مَفْتُوحَةً بَعْدَ فَتْحٍ فَلَا وَجْهَ لِإِبْدَالِهَا فِيهِ وَاوًا، وَلَوْ جَعَلَهُ عَلَى حَذْفِ الْهَمْزَةِ أَيْ أَوْ تَخُصُّ الْوُضُوءَ لَجَرَى عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ فِي جَوَازِ حَذْفِهَا قِيَاسًا عِنْدَ أَمْنِ اللَّبْسِ وَالْقَرِينَةُ الْحَالِيَّةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْإِنْكَارِ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ فَلَا لَبْسَ اهـ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى إِسْقَاطِ لَفْظِ عُمَرَ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، أَمَّا عَلَى إِثْبَاتِهَا كَمَا فِي مُسْلِمٍ فَتَوْجِيهُ الْقُرْطُبِيِّ وَجِيهٌ (أَيْضًا) مَصْدَرُ آضَ يَئِيضُ أَيْ عَادَ وَرَجَعَ، أَيْ أَلَمْ يَكْفِكَ أَنْ فَاتَكَ فَضْلُ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ حَتَّى أَضَفْتَ إِلَيْهِ تَرْكَ الْغُسْلِ؟ (وَ) الْحَالُ أَنَّكَ ( «قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ» ) كَذَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ لَمْ يُذْكَرِ الْمَأْمُورُ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ؟ وَالطَّحَاوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ: لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا أُمِرْنَا بِالْغُسْلِ قُلْتُ: أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ أَمِ النَّاسُ جَمِيعًا قَالَ: لَا أَدْرِي. رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ: أَلَمْ تَسْمَعُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ» " وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ التَّخْصِيصِ بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَلَى جَوَابِ عُثْمَانَ عَنْ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 أَنَّهُ سَكَتَ عَنْهُ اكْتِفَاءً بِالِاعْتِذَارِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَدْ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ ذَاهِلًا عَنِ الْوَقْتِ وَأَنَّهُ بَادَرَ عِنْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ إِدْرَاكُ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِالِاغْتِسَالِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُرَغَّبٌ فِيهِ فَآثَرَ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرَى فَرَضِيَّتَهُ فَلِذَلِكَ آثَرَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ، قَالَ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْقِيَامُ فِي الْخُطْبَةِ وَعَلَى الْمِنْبَرِ وَتَفَقُّدُ الْإِمَامِ رَعِيَّتَهُ وَأَمْرُهُ لَهُمْ بِمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَإِنْكَارُهُ عَلَى مَنْ أَخَلَّ مِنْهُمْ بِالْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ عَظِيمَ الْمَحَلِّ وَمُوَاجَهَتُهُ بِالْإِنْكَارِ لِيَرْتَدِعَ مَنْ دُونِهِ بِذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ لَا يُفْسِدُهَا، وَسُقُوطُ الْإِنْصَاتِ عَنِ الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ وَالِاعْتِذَارُ إِلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَإِبَاحَةُ الشُّغْلِ وَالتَّصَرُّفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ النِّدَاءِ وَلَوْ أَفْضَى إِلَى تَرْكِ الْبُكُورِ إِلَى الْجُمُعَةِ ; لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْمُرْ بِرَفْعِ السُّوقِ لِأَجْلِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ السُّوقَ لَا يُمْنَعُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ النِّدَاءِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَالذَّاهِبُ إِلَيْهَا مِثْلُ عُثْمَانَ وَفِيهِ شُهُودُ الْفُضَلَاءِ السُّوقَ وَمَعْنَاهُ التَّجْرُ فِيهَا، وَأَنَّ فَضِيلَةَ التَّوَجُّهِ إِلَى الْجُمُعَةِ إِنَّمَا تَحْصُلُ قَبْلَ التَّأْذِينِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَفِيهِ أَنَّ السَّعْيَ إِنَّمَا يَجِبُ بِسَمَاعِ الْأَذَانِ، وَأَنَّ شُهُودَ الْخُطْبَةِ لَا يَجِبُ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّأْخِيرِ إِلَى سَمَاعِ النِّدَاءِ فَوَاتُ الْخُطْبَةِ بَلْ قَوْلُ عُثْمَانَ مَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنَ الْخُطْبَةِ، وَعَلَى أَنَّهُ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْهَا فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ شُهُودُهَا عَلَى مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ لِقَطْعِ عُمَرَ الْخُطْبَةَ وَإِنْكَارِهِ عَلَى عُثْمَانَ تَرْكَهُ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ تَرْكَ السُّنَّةِ وَهِيَ التَّبْكِيرُ إِلَى الْجُمُعَةِ فَيَكُونُ الْغُسْلُ كَذَلِكَ، وَعَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ اهـ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: رَأَى عُمَرُ اشْتِغَالَهُ بِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ أَوْلَى مِنْ خُرُوجِهِ لِلْغُسْلِ وَلِذَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ قُعُودَهُ، وَيَقْتَضِي ذَلِكَ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ السُّنِّيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَلْهُو أَحَدُكُمْ حَتَّى إِذَا كَادَتِ الْجُمُعَةُ تَفُوتُهُ جَاءَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يُؤْذِيهِمْ "، فَقَالَ: مَا فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ كُنْتُ رَاقِدًا ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ وَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَوَيَوْمُ وُضُوءٍ هَذَا؟» " قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَهُوَ عِنْدِي وَهْمٌ لَا أَدْرِي مِمَّنْ، وَإِنَّمَا الْقِصَّةُ مَحْفُوظَةٌ لِعُمَرَ لَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»   230 - 228 - (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ الْمَدَنِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّهْرِيِّ مَوْلَاهُمْ تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ مُفْتٍ عَابِدٌ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً. (عَنْ عَطَاءِ الحديث: 230 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَخِفَّةِ الْمُهْمَلَةِ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (الْخُدْرِيِّ) صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ، وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَلَى رِوَايَتِهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ صَفْوَانَ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَخَالَفَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ فَرَوَاهُ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ لَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ مَعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَرَوَاهُ نَافِعٌ الْقَارِئُ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَهِمَ فِيهِ وَالصَّحِيحُ صَفْوَانُ عَنِ ابْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» ) ظَاهِرُ إِضَافَتِهِ لِلْيَوْمِ حُجَّةٌ لِأَنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ لَا لِلْجُمْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَكَذَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ الْغُسْلُ فِيهِ كَفَى لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا لِلْغُسْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنِ اللَّامَ لِلْعَهْدِ فَتَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ، (وَاجِبٌ) أَيْ مَسْنُونٌ مُتَأَكَّدٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ فَرْضٌ بَلْ هُوَ مُئَوَّلٌ أَيْ وَاجِبٌ فِي السُّنَّةِ أَوْ فِي الْمُرُوءَةِ أَوْ فِي الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ كَقَوْلِ الْعَرَبِ: وَجَبَ حَقُّكَ، ثُمَّ أَخْرَجَ بِسَنَدِهِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوَاجِبٌ هُوَ؟ قَالَ هُوَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوَاجِبٌ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ، قِيلَ: إِنَّهُ فِي الْحَدِيثِ وَاجِبٌ قَالَ لَيْسَ كُلُّ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ يَكُونُ كَذَلِكَ. (عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أَيْ بَالِغٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الِاحْتِلَامَ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ فَيَدْخُلُ النِّسَاءُ فِي ذَلِكَ وَتَفْسِيرُهُ بِالْبَالِغِ مَجَازٌ لِأَنَّ الِاحْتِلَامَ يَسْتَلْزِمُ الْبُلُوغَ، وَالْقَرِينَةُ الْمَانِعَةُ عَنِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَنَّ الِاحْتِلَامَ إِذَا كَانَ مَعَهُ الْإِنْزَالُ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ سَوَاءٌ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ أَمْ لَا. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ فَرْضِيَّةَ الْغُسْلِ حَقِيقَةً رَدَّهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي مَذْهَبِهِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: نَصَّ مَالِكٌ عَلَى وُجُوبِهِ فَحَمَلَهُ مَنْ لَمْ يُمَارِسْ مَذْهَبَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَبَى ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، قَالَ: وَإِلَى السُّنِّيَّةِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ مُخَالَفَةِ هَذَا الظَّاهِرِ، وَقَدْ أَوَّلُوا صِيغَةَ الْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ عَلَى التَّأْكِيدِ كَمَا يُقَالُ: إِكْرَامُكَ عَلَيَّ وَاجِبٌ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْمُعَارِضُ رَاجِحًا عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ، وَأَقْوَى مَا عَارَضُوا بِهِ حَدِيثُ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنَعِمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» . وَلَا يُعَارِضُ سَنَدُهُ سَنَدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، قَالَ وَرُبَّمَا أَوَّلُوهُ تَأْوِيلًا مُسْتَنْكَرًا كَمَنْ حَمَلَ الْوُجُوبَ عَلَى السُّقُوطِ. قَالَ الْحَافِظُ: فَأَمَّا الْحَدِيثُ فَعَوَّلَ عَلَى الْمُعَارَضَةِ بِهِ كَثِيرٌ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ: فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي أَصْلِ الْفَضْلِ فَيَسْتَلْزِمُ إِجْزَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 الْوُضُوءِ، وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ أَشْهَرُهَا وَأَقْوَاهَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَخْرَجَهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَلَهُ عِلَّتَانِ: إِحْدَاهُمَا عَنْعَنَةُ الْحَسَنِ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَالْبَزَّارُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنُ عَدِيٍّ عَنْ جَابِرٍ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَعَارَضُوا أَيْضًا بِأَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: " «أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ» " قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَاهِرُهُ وُجُوبُ الِاسْتِنَانِ وَالطِّيبِ لِذِكْرِهِمَا بِالْعَاطِفِ وَالتَّقْدِيرُ الْغُسْلُ وَاجِبٌ وَالِاسْتِنَانُ وَالطِّيبُ كَذَلِكَ وَلَيْسَا بِوَاجِبَيْنِ اتِّفَاقًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، إِذْ لَا يَصِحُّ تَشْرِيكُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ مَعَ الْوَاجِبِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَطْفُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْوَاجِبِ لَا سِيَّمَا وَلَمْ يَقَعِ التَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الْمَعْطُوفِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ: إِنْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ لَمْ يَنْفَعْ دَفْعُهُ بِعَطْفِهِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ خَرَجَ بِدَلِيلٍ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، عَلَى أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي الطِّيبِ مَرْدُودَةٌ، فَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُ الطِّيبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " مَنْ «تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ» " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ذَكَرَ الْوُضُوءَ وَمَا مَعَهُ مُرَتِّبًا عَلَيْهِ الثَّوَابَ الْمُقْتَضِي لِلصِّحَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ كَافٍ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْغُسْلِ وَقَدْ وَرَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ مَنِ اغْتَسَلَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذِكْرَ الْوُضُوءَ لِمَنْ تَقَدَّمَ غُسْلُهُ عَلَى الذَّهَابِ فَاحْتَاجَ إِلَى إِعَادَةِ الْوُضُوءِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوَاجِبٌ هُوَ؟ فَقَالَ لَا وَلَكِنَّهُ أَطْهَرُ لِمَنِ اغْتَسَلَ وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ بَدْءِ الْغُسْلِ كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا فَلَمَّا آذَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّهَا النَّاسُ إِذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ فَاغْتَسِلُوا» . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ وَكَفُّوا الْعَمَلَ وَوَسِعَ الْمَسْجِدُ " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّحَاوِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، لَكِنَّ الثَّابِتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُهُ فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ طَاوُسٍ «قُلْتُ: " لِابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ، وَمَا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي» " وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَالْمَرْفُوعُ مِنْهُ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ الدَّالِّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَأَمَّا نَفْيُ الْوُجُوبِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ لِأَنَّهُ مِنِ اسْتِنْبَاطِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ نَظَرٌ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ السَّبَبِ زَوَالُ الْمُسَبِّبِ كَمَا فِي الرَّمْلِ وَالْجِمَارِ، وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَلِمَنْ قَصَرَ الْوُجُوبَ عَلَى مَنْ بِهِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ، وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بِلَفْظِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. . . إِلَخْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» قَالَ مَالِكٌ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ نَهَارِهِ وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْغُسْلَ لَا يَجْزِي عَنْهُ حَتَّى يَغْتَسِلَ لِرَوَاحِهِ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُعَجِّلًا أَوْ مُؤَخِّرًا وَهُوَ يَنْوِي بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَأَصَابَهُ مَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْوُضُوءُ وَغُسْلُهُ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ   231 - 229 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ) بِإِضَافَةِ أَحَدٍ إِلَى ضَمِيرِ الْجَمْعِ وَذَلِكَ يَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّ الْغُسْلَ يُسَنُّ لِمَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ لَا مِنْ مُسَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوِ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ إِذَا أَتَوْهَا وَلِمَالِكٍ (فِي الْمُخْتَصَرِ) أَنَّ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ إِنْ حَضَرَهَا لِابْتِغَاءِ الْفَضْلِ شُرِعَ لَهُ الْغُسْلُ وَسَائِرُ آدَابِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ حَضَرَهَا لِأَمْرٍ اتِّفَاقِيٍّ أَوْ لِمُجَرَّدِ الصَّلَاةِ فَلَا. (الْجُمُعَةَ) أَيِ الصَّلَاةَ أَوِ الْمَكَانَ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ، وَذَكَرَ الْمَجِيءَ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ شَامِلٌ لِمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِالْجَامِعِ. (فَلْيَغْتَسِلْ) الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغُسْلَ يَعْقِبُ الْمَجِيءَ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ ثُمَّ مُسْلِمٌ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] (سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: الْآيَةَ 12) فَإِنَّ مَعْنَاهُ إِذَا أَرَدْتُمُ الْمُنَاجَاةَ بِلَا خِلَافٍ، وَيُقَوِّي رِوَايَةَ اللَّيْثِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ» فَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَأَخُّرِ الرَّوَاحِ عَنِ الْغُسْلِ، وَبِهَذَا عُلِمَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَتَمَسَّكَ بِهِ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ وَمَخْرَجُهُ وَاحِدٌ وَقَدْ بَيَّنَ اللَّيْثُ فِي رِوَايَتِهِ الْمُرَادَ وَقَوَّاهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاسْتَدَلَّ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إِذَا جَاءَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يُشْرَعُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرِ الْجُمُعَةَ خِلَافًا لِأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالْمَفْهُومِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَاقِدٍ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ، كَمَا يَأْتِي. وَرِوَايَةُ نَافِعٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَشْهُورَةٌ جِدًّا وَقَدِ اعْتَنَى بِتَخْرِيجِ طُرُقِهِ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ فَسَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ سَبْعِينَ نَفْسًا رَوَوْهُ عَنْ نَافِعٍ وَقَدْ تَتَبَّعْتُ مَا فَاتَهُ وَجَمَعْتُ مَا وَقَعَ لِي مِنْ طُرُقِهِ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ لِغَرَضٍ اقْتَضَى ذَلِكَ فَبَلَغَتْ أَسْمَاءُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ نَفْسًا، فَمَا يُسْتَفَادُ هُنَا ذِكْرُ سَبَبِ الْحَدِيثِ، فَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَقَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ: «كَانَ النَّاسُ يَغْدُونَ فِي أَعْمَالِهِمْ فَإِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ جَاءُوا عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ مُتَغَيِّرَةٌ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» ، وَمِنْهَا ذِكْرُ مَحَلِّ الْقَوْلِ، فَفِي رِوَايَةِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَعْوَادِ هَذَا الْمِنْبَرِ بِالْمَدِينَةِ» " أَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ الْجَصَّاصُ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْيَسَعِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْحَكَمِ، وَطَرِيقُ الْحَكَمِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ الحديث: 231 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 حَدِيثِ الْبَابِ إِلَّا قَوْلَهَ " جَاءَ " فَعِنْدَهُ " رَاحَ " وَمِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَكْرَارِ ذَلِكَ، فَفِي رِوَايَةِ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ بِلَفْظِ: كَانَ إِذَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ الْحَدِيثَ وَمِنْهَا زِيَادَةٌ فِي الْمَتْنِ، فَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحَاحِهِمْ بِلَفْظِ: " «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ» " وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنْ قَالَ الْبَزَّارُ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ بْنُ وَاقِدٍ وَهِمَ فِيهِ. وَمِنْهَا زِيَادَةٌ فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ أَيْضًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشَجِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَعَلَى كُلِّ مَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ الْغُسْلُ» " قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ نَافِعٍ بِزِيَادَةِ حَفْصَةَ إِلَّا بُكَيْرٌ وَلَا عَنْهُ إِلَّا عَيَّاشٌ تَفَرَّدَ بِهِ مُفَضَّلٌ، قُلْتُ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ حَدِيثٌ آخَرَ وَلَا مَانِعَ أَنْ يَسْمَعَهُ ابْنُ عُمَرَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ اخْتِلَافِ الْمُتُونِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْلِيقِ الْغُسْلِ بِالْمَجِيءِ لِلْجُمُعَةِ، وَلَقَدْ أَبْعَدَ الظَّاهِرِيُّ إِبْعَادًا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِبُطْلَانِهِ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ تَقَدُّمَ الْغُسْلِ عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَتَّى لَوِ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ كَفَى عِنْدَهُ تَعَلُّقًا بِإِضَافَةِ الْغُسْلِ إِلَى الْيَوْمِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْغُسْلَ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ عَدَمُ تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى بَعْدَ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ اهـ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ، عَلَى أَنَّ مَنِ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ يَغْتَسِلْ لِلْجُمُعَةِ وَلَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ بِمَا هُوَ بِصَدَدِ الْمَنْعِ وَالرَّدِّ، وَيُفْضِي إِلَى التَّطْوِيلِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَلَمْ يُورِدْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرَ التَّصْرِيحَ بِإِجْزَاءِ الْغُسْلِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ عَنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُ بِالذَّهَابِ فَأَخَذَهُ هُوَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ كَالشَّمْسِ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ فَتْحِ الْبَارِي، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ بِنَحْوِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ (قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ نَهَارِهِ وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْغُسْلَ لَا يَجْزِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ لَا يَكْفِي (عَنْهُ حَتَّى يَغْتَسِلَ لِرَوَاحِهِ وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي رَوَيْتُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» ) فَعَلَّقَ الْغُسْلَ بِالْمَجِيءِ لِلْجُمُعَةِ، فَيُفِيدُ أَنَّ شَرْطَهُ اتِّصَالُهُ بِالذَّهَابِ إِلَيْهَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَيْءٍ إِنَّمَا يُوجَدُ إِذَا وُجِدَ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ جَلِيٌّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وَقَدْ وَافَقَ مَالِكًا عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ اللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يَجْزِي مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهُ وَغَايَةُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ حَدِيثُ: " «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» " وَلَيْسَ بِقَوِيِّ الدَّلَالَةِ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ فَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْمُبَيَّنِ أَوْلَى وَهُوَ مُقْتَضَى النَّظَرِ أَيْضًا لِأَنَّ حِكْمَةَ الْأَمْرِ بِهِ التَّنْظِيفُ لِرِعَايَةِ الْحَاضِرِينَ مِنَ التَّأَذِّي بِالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، فَلَحَظَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ فَشَرَطَ اتِّصَالَ الْغُسْلِ بِالذَّهَابِ لِيَحْصُلَ الْأَمْنُ مِمَّا يُغَايِرُ التَّنْظِيفَ، فَدَلَّ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ إِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالذَّهَابِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالْمَعْنَى إِذَا كَانَ مَعْدُومًا كَالنَّصِّ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا مُتَقَارِبًا لِلْقَطْعِ فَاتِّبَاعُهُ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ أَوْلَى مِنِ اتِّبَاعِ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ اهـ. وَيُقَوِّي ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَتْ: " «كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنَ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ وَيُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ فَيَخْرُجُ مِنْهُمُ الرِّيحُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا» "، وَفِي رِوَايَةٍ فَقِيلَ لَهُمْ: " «لَوِ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» " (قَالَ مَالِكٌ وَمَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) سَوَاءٌ كَانَ (مُعَجِّلًا) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ ذَاهِبًا لَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَوْ بِكَثِيرٍ مُرْتَكِبًا لِلْمُكْرَهِ (أَوْ مُؤَخِّرًا) بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ رَائِحًا لَهَا فِي الْوَقْتِ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ الْمَدَارَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى اتِّصَالِهِ بِالرَّوَاحِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْجِيمِ وَالْخَاءِ عَلَى أَنَّهُ صَفَّةُ مَصْدَرٍ أَيْ غُسْلًا مُعَجَّلًا لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَنَسَبُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ يَنْوِي بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ لِإِفَادَةِ الْقَيْدِ (فَأَصَابَهُ مَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ) مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْوُضُوءُ وَغُسْلُهُ ذَلِكَ يُجْزِي عَنْهُ) وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى الصَّحَابِيُّ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يُحْدِثُ وَيَتَوَضَّأُ وَلَا يُعِيدُ الْغُسْلَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِنْصَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْتَ»   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِنْصَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ جَعَلَ وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ مِنْ خُرُوجِ الْإِمَامِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ تُخْرِجُ مَا قَبْلَ خُطْبَتِهِ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي الْخُطْبَةِ، نَعَمِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُنْصِتَ لِمَا وَرَدَ مِنَ التَّرْغِيبِ فِيهِ. 232 - 230 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) الحديث: 232 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَجَمَاعَةٌ مِنَ الرُّوَاةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَمَعْنٌ سَعْدُ بْنُ عُفَيْرٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مِنَ الْوَجْهَيْنِ وَكُلٌّ مِنْ سَعِيدٍ وَالْأَعْرَجِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ أَوْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ» ) الَّذِي تُخَاطِبُهُ إِذْ ذَاكَ أَوْ جَلِيسِكَ سُمِّيَ صَاحِبًا لِأَنَّهُ صَاحَبَهُ فِي الْخِطَابِ أَوْ لِكَوْنِهِ الْأَغْلَبَ (أَنْصِتْ) اسْكُتْ عَنِ الْكَلَامِ مُطْلَقًا وَاسْتَمِعِ الْخُطْبَةَ، وَقَوْلُ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ مُكَالَمَةِ النَّاسَ دُونَ ذِكْرِ اللَّهِ تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ حَالَ الْخُطْبَةِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ التَّحِيَّةِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهَا لِدَلِيلِهَا الْخَاصِّ جَوَازُ الذِّكْرِ مُطْلَقًا. ( «وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ» ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ تُفِيدُ أَنَّ وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ مِنَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ لَا مِنْ خُرُوجِ الْإِمَامِ كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. ( «يَوْمَ الْجُمُعَةِ» ) ظَرْفٌ لِقُلْتَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ ( «فَقَدْ لَغَوْتَ» ) بِالْوَاوِ، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَهِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا هِيَ فَقَدْ لَغَوْتَ، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَتَبِعَهُ الْكِرْمَانِيُّ: ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِيهَا إِذْ قَالَ: وَالْغَوْا (سُورَةُ فُصِّلَتْ: الْآيَةَ 26) وَهِيَ مِنْ لَغَى يَلْغَى وَلَوْ كَانَ يَلْغُوا لَقَالَ الْغُوا بِضَمِّ الْغَيْنِ اهـ. قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: مَعْنَى لَغَوْتَ خِبْتَ مِنَ الْأَجْرِ، وَقِيلَ بَطَلَتْ جُمُعَتُكَ، وَقِيلَ صَارَتْ جُمُعَتُكَ ظُهْرًا. قَالَ الْحَافِظُ: وَيَشْهَدُ لِلثَّالِثِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: " «وَمَنْ لَغَى وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا» " قَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ: مَعْنَاهُ أَجْزَأَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَحُرِمَ فَضِيلَةَ الْجُمُعَةِ. وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: " «وَمَنْ قَالَ صَهٍ فَقَدْ تَكَلَّمَ وَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ» " وَلِأَبِي دَاوُدَ وَنَحْوُهُ لِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَهُوَ كَالْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَالَّذِي يَقُولُ لَهُ أَنْصِتْ لَيْسَتْ لَهُ جُمْعَةٌ» " وَلَهُ شَاهِدٌ قَوِيٌّ فِي جَامِعِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَى لَا جُمُعَةَ لَهُ كَامِلَةً لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إِسْقَاطِ فَرْضِ الْوَقْتِ عَنْهُ. وَحَكَى ابْنُ التِّينِ عَنْ بَعْضِ مَنْ جَوَّزَ الْكَلَامَ فِي الْخُطْبَةِ أَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ فَقَدْ لَغَوْتَ أَيْ أَمَرْتَ بِالْإِنْصَاتِ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ جُمُودٌ شَدِيدٌ، لِأَنَّ الْإِنْصَاتَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي مَطْلُوبِيَّتِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ أَمَرَ بِمَا طَلَبَهُ الشَّرْعُ لَاغِيًا، بَلِ النَّهْيُ عَنِ الْكَلَامِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَدِيثِ بِدَلَالَةِ الْمُوَافَقَةِ ; لِأَنَّهُ إِذَا جَعَلَ قَوْلَهُ أَنْصِتْ مَعَ كَوْنِهِ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ لَغْوًا فَغَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ أَوْلَى أَنْ يُسَمَّى لَغْوًا. وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ «فَقَدْ لَغَوْتَ: عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ» اهـ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مَعْنَاهُ الْمَنْعُ مِنَ الْكَلَامِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 بِأَنَّ مَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالصَّمْتِ حِينَئِذٍ فَهُوَ لَاغٍ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى مِنَ الْكَلَامِ بِمَا يَنْهَى عَنْهُ، كَمَا أَنَّ مَنْ نَهَى فِي الصَّلَاةِ مُصَلِّيًا عَنِ الْكَلَامِ فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ صَلَاتَهُ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّمْتِ لَاغٍ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ كُلَّ مُكَلِّمٍ غَيْرَهُ لَاغٍ وَاللَّغْوُ رَدِيءُ الْكَلَامِ وَمَا لَا خَيْرَ فِيهِ اهـ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: اللَّغْوُ الْكَلَامُ الَّذِي لَا أَصْلَ لَهُ مِنَ الْبَاطِلِ وَشِبْهُهُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: السَّقْطُ مِنَ الْقَوْلِ، وَقِيلَ الْمَيْلُ عَنِ الصَّوَابِ، وَقِيلَ الْإِثْمُ لِقَوْلِهِ، تَعَالَى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] (سُورَةُ الْفُرْقَانِ: الْآيَةَ 72) وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ اتَّفَقَتْ أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ اللَّغْوَ مَا لَا يَحْسُنُ مِنَ الْكَلَامِ وَأَغْرَبَ أَبُو عُبْيِدٍ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبِ فَقَالَ: مَعْنَى لَغَى تَكَلَّمَ كَذَا أَطْلَقَ وَالصَّوَابُ التَّقْيِيدُ، قَالَ الْحَافِظُ: أَقْوَالُ أَهْلِ اللُّغَةِ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى، وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَنْعِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ حَالَ الْخُطْبَةِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ فِي حَقِّ مَنْ يَسْمَعُهَا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَسْمَعُهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ قَالُوا: وَإِذَا أَرَادَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ فَلْيَجْعَلْهُ بِالْإِشَارَةِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا إِلَّا عَنْ قَلِيلٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَلَفْظُهُ لَا خِلَافَ عَلِمْتُهُ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا فِي الْجُمُعَةِ وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ سَمِعَهُ مِنَ الْجُهَّالِ يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ وَنَحْوَهَا آخِذًا بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَنَاسٍ قَلِيلٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا فِي حِينِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ، خَاصَّةً وَفِعْلُهُمْ ذَلِكَ مَرْدُودٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِمْ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمُ الْحَدِيثُ اهـ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَبَنَاهُمَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلٌ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ أَمْ لَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْرُمُ لَا عَلَى الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ فَمِنْ ثَمَّ أَطْلَقَ مَنْ أَطْلَقَ مِنْهُمْ إِبَاحَةَ الْكَلَامِ حَتَّى شَنَّعَ عَلَيْهِمْ مَنْ شَنَّعَ مِنَ الْمُخَالِفِينَ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا رِوَايَتَانِ، وَعَنْهُمَا أَيْضًا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ وَمَنْ لَا يَسْمَعُهَا وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ نَفَى وُجُوبَهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ إِذِ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ لَا يَجْعَلُونَهُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَكُونُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ قَالَ هُوَ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا عِنْدَ أَحْمَدَ: " «وَمَنْ قَالَ صَهٍ فَقَدْ تَكَلَّمَ وَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا جُمْعَةَ لَهُ» " مَا نَصُّهُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لَا جُمُعَةَ لَهُ كَامِلَةً لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إِسْقَاطِ فَرْضِ الْوَقْتِ عَنْهُ اهـ. ثُمَّ قَالَ: أَعْنِي الْحَافِظَ وَيَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فِي حَقِّ السَّامِعِ أَنَّ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الْمُشَارِ إِلَيْهِ آنِفًا " «وَمَنْ دَنَا فَلَمْ يُنْصِتْ فَإِنَّ عَلَيْهِ كِفْلَيْنِ مِنَ الْوِزْرِ» " لِأَنَّ الْوِزْرَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَنْ فَعَلَ مُبَاحًا وَلَوْ كُرِهَ تَنْزِيهًا. وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَجَازَ مُطْلَقًا مِنْ قِصَّةِ السَّائِلِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَخُصَّ عُمُومَ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَأَمْرٍ عَارِضٍ فِي مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ، وَقَدِ اسْتَثْنَى مِنَ الْإِنْصَاتِ فِي الْخُطْبَةِ مَا إِذَا انْتَهَى الْخَطِيبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 إِلَى كُلِّ مَا لَمْ يُشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ مِثْلَ الدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ مَثَلًا بَلْ جَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَحَلُّهُ إِذَا جَازَفَ وَإِلَّا فَالدُّعَاءُ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ مَطْلُوبٌ اهـ، وَمَحَلُّ التَّرْكِ إِذَا لَمْ يَخَفِ الضَّرَرَ وَإِلَّا فَيُبَاحُ لِلْخَطِيبِ إِذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ قَالَ ثَعْلَبَةُ جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ أَنْصَتْنَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَخُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ   233 - 231 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ حَلِيفِ الْأَنْصَارِ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَهُ رُؤْيَةٌ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَدِمَ أَبُو مَالِكٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَامٍ مِنَ الْيَمَنِ وَهُوَ مِنْ كِنْدَةَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْظَةَ فَعُرِفَ بِهِمْ، وَقَالَ مُصَعَبٌ: كَانَ ثَعْلَبَةُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِتْ يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَتُرِكَ كَمَا تُرِكَ عَطِيَّةُ وَنَحْوَهُ وَلَهُ رِوَايَةٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَيَّانَ وَالْعِجْلِيُّ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ تَابِعِيُّ وَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ، وَرَدَّهُ فِي الْإِصَابَةِ بِأَنَّ مَنْ يُقْتَلُ أَبُوهُ بِقُرَيْظَةَ وَيَكُونُ هُوَ بِصَدَدِ الْقَتْلِ لَوْلَا عَدَمُ الْإِنْبَاتِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أَيْ فِي خِلَافَتِهِ (يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) النَّوَافِلَ (حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ قَالَ ثَعْلَبَةُ جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ) نَتَكَلَّمُ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ لَا بِكَلَامِ الدُّنْيَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مَوْضِعٌ شُبِّهَ فِيهِ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَنَّ ذَلِكَ حَدَثَ فِي زَمَنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ. قَالَ ابْنُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ: «كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ» ، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَسَمَّاهُ ثَالِثًا بِاعْتِبَارِ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهَا نِدَاءٌ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: وَقَدْ رَفَعَ الْإِشْكَالَ فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ قَالَ: «كَانَ يُؤَذَّنُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ عَلَى الزَّوْرَاءِ» ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: أَرَادَ أَنْ يَسْعَى النَّاسُ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْأَذَانَ كَانَ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالْأَمْصَارِ. (فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ) أَيْ فَرَغُوا مِنْ أَذَانِهِمْ (وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ أَنْصَتْنَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ) ذَكَرَ الْإِمَامُ هَذَا تَقْوِيَةً لِمَا فَهِمَهُ مِنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنَّ مَنْعَ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ إِذَا خَطَبَ لَا الحديث: 233 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَخُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ) أَيِ الشُّرُوعَ فِيهَا (وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِنْصَاتِ وَقَطْعِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِرَأْيٍ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ احْتَجَّ بِهَا ابْنُ شِهَابٍ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ لَا عَنْ رَأْيٍ اجْتَهَدَهُ، بَلْ هُوَ سُنَّةٌ وَعَمَلٌ مُسْتَفِيضٌ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ قَلَّ مَا يَدَعُ ذَلِكَ إِذَا خَطَبَ إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنْ الْحَظِّ مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ فَإِذَا قَامَتْ الصَّلَاةُ فَاعْدِلُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ فَإِنَّ اعْتِدَالَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَيُخْبِرُونَهُ أَنْ قَدْ اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ   234 - 232 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بِالْمُعْجَمَةِ سَالِمُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ، رَوَى عَنِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي أَوْفَى وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَكَانَ مَالِكٌ يَصِفُهُ بِالْفَضْلِ وَالْعِبَادَةِ. (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بْنِ مَعْمَرٍ التَّيْمِيِّ تَيْمِ قُرَيْشٍ (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ) الْأَصْبَحِيِّ، جَدُّ الْإِمَامِ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ. (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ قَلَّمَا يَدَعُ) أَيْ يَتْرُكُ (ذَلِكَ الْقَوْلَ إِذَا خَطَبَ) وَالْقَوْلُ هُوَ (إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا) وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِنَحْوِ صَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ (فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنَ الْحَظِّ) النَّصِيبُ مِنَ الْأَجْرِ (مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ) قَالَ الدَّاوُدِيُّ: يَعْنِي إِذَا لَمْ يُفَرِّطْ فِي التَّهْجِيرِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَجْرَهُمَا فِي الْإِنْصَاتِ وَاحِدٌ وَيَتَبَايَنُ أَجْرُهُمَا فِي التَّهْجِيرِ وَتِلْكَ قُرْبَةُ أُخْرَى غَيْرَ الْإِنْصَاتِ. (فَإِذَا قَامَتِ الصَّلَاةُ فَاعْدِلُوا) سَوُّوا وَأَقِيمُوا (الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ فَإِنَّ اعْتِدَالَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالْآثَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُ أَنَسٍ: " «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَجْهِهِ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ فَقَالَ: تَرَاصُّوا وَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» " وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» " وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ» ". وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ مَسَحَ صُدُورَنَا وَقَالَ: رُصُّوا الْمَنَاكِبَ بِالْمَنَاكِبِ وَالْأَقْدَامَ بِالْأَقْدَامِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فِي الصَّلَاةِ مَا يُحِبُّ فِي الْقِتَالِ كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ» ". وَتَعْدِيلُ الصُّفُوفِ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهَا عَنِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ الحديث: 234 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وَأَبُو ثَوْرٍ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصُّفُوفِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. (ثُمَّ لَا يُكَبِّرُ) عُثْمَانُ (حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ) بِخِفَّةِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِهَا (بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَيُخْبِرُونَهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ) أَرَادَ أَنْ يَسْتَوِيَ حَالُهُمْ فَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ فِي صَلَاةٍ وَالْقَوْمُ فِي عَمَلٍ، وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ الْعَمَلُ بِالْمَدِينَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَصَبَهُمَا أَنْ اصْمُتَا   235 - 233 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَصَبَهُمَا) رَمَاهُمَا بِالْحَصْبَاءِ (أَنِ اصْمُتَا) فِيهِ تَعْلِيمُ كَيْفَ الْإِنْكَارِ لِذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْسِدُ عَلَيْهِمَا صَلَاتَهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِالْإِعَادَةِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى حَصْبِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِمَا. قَالَ الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ لَا يُشِيرَ إِلَيْهِمَا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ اصْمُتَا وَذَلِكَ لَغْوٌ. الحديث: 235 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَشَمَّتَهُ إِنْسَانٌ إِلَى جَنْبِهِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكََ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَا تَعُدْ   235 - 234 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ) بِفَتْحَتَيْنِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ (يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَشَمَّتَهُ إِنْسَانٌ إِلَى جَنْبِهِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَا تَعُدْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّمَا قَالَ سَعِيدٌ ذَلِكَ لِلسَّائِلِ بَعْدَ السَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ وَقَدْ مَنَعَهُ كَرَدِّ السَّلَامِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: يُشَمِّتُ وَيَرُدُّ السَّلَامَ لِأَنَّهُ فَرْضٌ وَأَكْرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ اهـ. وَاسْتَدَلَّ فِي الْأُمِّ بِحَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَفَعَهُ مُرْسَلًا: " «إِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَشَمِّتْهُ» " وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا يَرُدُّونَ السَّلَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَيُشَمِّتُونَ الْعَاطِسَ، فَهَذَا عَاضِدُ الْمُرْسَلِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إِنَّمَا يَحْتَجُّ بِهِ إِذَا اعْتَضَدَ، لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: مَرَاسِيلُ الْحَسَنِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ شِبْهُ الرِّيحِ لِرِوَايَتِهِ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ عَنْ الْمِنْبَرِ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ   237 - 235 (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْمِنْبَرِ قَالَ أَنْ يُكَبِّرَ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ لِفَرَاغِ الْخُطْبَةِ الَّتِي أُمِرَ بِالِاسْتِمَاعِ إِلَيْهَا وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفُتْيَا بِالْمَدِينَةِ خِلَافَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ بِلَالٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» ، وَأَخَذُوا مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ قَبْلَ فَرَاغِ بِلَالٍ مِنَ الْإِقَامَةِ، وَالْأَمْرُ فِيهِ عِنْدِي مُبَاحٌ كُلُّهُ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الحديث: 237 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 [بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَهِيَ السُّنَّةُ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يُصِيبُهُ زِحَامٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَرْكَعُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ أَوْ يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ إِنْ كَانَ قَدْ رَكَعَ فَلْيَسْجُدْ إِذَا قَامَ النَّاسُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاتَهُ ظُهْرًا أَرْبَعًا   3 - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ 238 - 236 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى) بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَهِيَ) أَيْ صَلَاتُهُ إِلَيْهَا أُخْرَى (السُّنَّةُ) فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً صَلَّى أَرْبَعًا (قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ (وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ) وَبَيَانُ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ هِيَ السُّنَّةُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ) كَمَا تَقَدَّمَ مُسْنَدًا فِي الْوُقُوتِ: ( «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» ) وَهَذَا عُمُومٌ يَشْمَلُ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: «إِلَّا أَنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ» ، خِلَافًا لِقَوْلِ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ: مَنْ فَاتَتْهُ الْخُطْبَةُ صَلَّى أَرْبَعًا وَاحْتَجُّوا بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ لَمْ يَخْطُبْ لَمْ يُصَلُّوا إِلَّا أَرْبَعًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَجَمَاعَةٌ: إِنْ أَحْرَمَ فِي الْجُمُعَةِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِحَدِيثِ: " «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» " وَقَدْ أَدْرَكَ جُزْءًا قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالدُّخُولِ مَعَهُ وَالَّذِي فَاتَهُ رَكْعَتَانِ فَيَقْضِيهِمَا لَا أَرْبَعًا. الحديث: 238 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يُصِيبُهُ زِحَامٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَرْكَعُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ أَوْ يَفْرَغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ إِنْ كَانَ قَدْ رَكَعَ فَلْيَسْجُدْ إِذَا قَامَ النَّاسُ) وَتَتِمُّ صَلَاتُهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ حَتَّى يَخْلُوَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاتَهُ ظُهْرًا أَرْبَعًا) وُجُوبًا لِأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ لَهُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةٌ وَلَا أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَيَبْنِي عَلَيْهَا، وَأَحَبُّ هُنَا عَلَى مَعْنَى اخْتِيَارِهِ مِنْ مَذَاهِبِ مَنْ قَبْلَهُ وَذَلِكَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 [بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] قَالَ مَالِكٌ مَنْ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَخَرَجَ فَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَرْكَعُ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَرْعُفُ فَيَخْرُجُ فَيَأْتِي وَقَدْ صَلَّى الْإِمَامُ الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا أَنَّهُ يَبْنِي بِرَكْعَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى مَنْ رَعَفَ أَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ   4 - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَعَفَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا (يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَخَرَجَ) لِغَسْلِ الدَّمِ (فَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا) بِاتِّفَاقٍ إِذْ لَمْ يُدْرِكُ شَيْئًا (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَرْكَعُ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يُرْعَفُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا مِنْ بَابَيْ نَصَرَ وَمَنَعَ (فَيَخْرُجُ) لِغَسْلِ الدَّمِ (فَيَأْتِي) أَيْ يَرْجِعُ (وَقَدْ صَلَّى الْإِمَامُ الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا أَنَّهُ يَبْنِي بِرَكْعَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ) وَلَمْ يَطَأْ نَجِسًا وَلَمْ يَسْتَدْبِرْ بِلَا عُذْرٍ وَلَمْ يُجَاوِزْ أَقْرَبَ مَكَانٍ مُمْكِنٍ (قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى مَنْ رَعَفَ أَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْخُرُوجِ) كَالْحَدَثِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ (أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ) وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ خُصُوصًا مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَكِبَرَ الْمَسْجِدِ وَمَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةَ 62) عَلَى السَّرَايَا لَا تَخْرُجُ مِنَ الْعَسْكَرِ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ: لَا يَخْرُجُ فِي الْجُمُعَةِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ الْإِمَامَ وَتَأَوَّلُوا عَلَيْهِ الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ فِي الْحَدَثِ وَالرُّعَافِ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ زِيَادٍ كَثُرَ ذَلِكَ فَقَالَ زِيَادٌ مَنْ أَخَذَهُ مَانِعُهُ فَهُوَ إِذْنٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 [بَاب مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْرَؤُهَا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا السَّعْيُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 205] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى} [عبس: 8] وَقَالَ {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} [النازعات: 22] وَقَالَ {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4] قَالَ مَالِكٌ فَلَيْسَ السَّعْيُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَقْدَامِ وَلَا الْاشْتِدَادَ وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَلَ وَالْفِعْلَ   5 - بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْوَاجِبُ الْمُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (سُورَةُ الْجُمُعَةِ: الْآيَةَ 9) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالسَّعْيِ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ إِذْ لَا يَجِبُ إِلَّا إِلَى وَاجِبٍ وَالْأَكْثَرُ أَنَّهَا فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: فُرِضَتْ بِمَكَّةَ وَهُوَ غَرِيبٌ، قَالَ الزَّيْنُ ابْنُ الْمُنَيِّرِ: وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى وُجُوبِهَا مَشْرُوعِيَّةُ النِّدَاءِ لَهَا إِذِ الْأَذَانُ مِنْ خَوَاصَّ الْفَرَائِضِ، وَكَذَا النَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَنْهَى عَنِ الْمُبَاحِ يَعْنِي نَهْيَ تَحْرِيمٍ إِلَّا إِذَا أَفْضَى إِلَى تَرْكِ وَاجِبٍ وَيُضَافُ إِلَى ذَلِكَ التَّوْبِيخُ عَلَى قَطْعِهَا. - 240 237 (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ} [الجمعة: 9] أُذِّنَ لَهَا عِنْدَ قُعُودِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ (مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) بَيَانٌ وَتَفْسِيرٌ لِإِذَا، وَقِيلَ مِنْ بِمَعْنَى فِي {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] مَوْعِظَةِ الْإِمَامِ بِالْخُطْبَةِ أَوِ الصَّلَاةِ أَوْ هُمَا مَعًا أَيْ سَأَلْتُهُ عَنْ مَعْنَى فَاسْعَوْا (فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ:) مَعْنَاهُ فَامْضُوا لِأَنَّهُ (كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْرَؤُهَا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) وَالزُّهْرِيُّ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَقَدْ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقَدْ تُوُفِّيَ عُمَرُ وَمَا يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةُ الْجُمُعَةِ إِلَّا " فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ "، وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ عَنْ أُبَيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَكَانَ يَقُولُ: لَوْ قَرَأْتُهَا فَاسْعَوْا لَسَعَيْتُ حَتَّى يَسْقُطَ رِدَائِي، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِمَا لَيْسَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ عَلَى جِهَةِ التَّفْسِيرِ، وَإِنْ لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 يَقْطَعْ بِأَنَّهُ كِتَابُ اللَّهِ كَالسُّنَنِ الْوَارِدَةِ بِنَقْلِ الْآحَادِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مَا جَاءَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ يَجْرِي عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ مَجْرَى الْآحَادِ سَوَاءٌ أَسْنَدَهَا أَمْ لَمْ يُسْنِدْهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا تُجْرَى مَجْرَى الْآحَادِ إِذَا أُسْنِدَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْقَارِئِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ: لَا يَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا وَلَا الْعَمَلُ بِمَضْمُونِهَا وَهُوَ أَبْيَنُ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا السَّعْيُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ) إِنْ أُطْلِقَ لُغَةً عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى الْإِسْرَاعِ وَالْجَرْيِ كَحَدِيثِ: " «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ» " (يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَإِذَا تَوَلَّى) انْصَرَفَ عَنْكَ (سَعَى فِي الْأَرْضِ) لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ. رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَمَّا أُصِيبَتِ السَّرِيَّةُ الَّتِي فِيهَا عَاصِمٌ وَمَرْثَدٌ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: يَا وَيْحَ هَؤُلَاءِ الْمَفْتُونِينَ الَّذِينَ هَلَكُوا لَا هُمْ قَعَدُوا فِي أَهْلِيهِمْ وَلَا هُمْ أَدَّوْا رِسَالَةَ صَاحِبِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} [البقرة: 204] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 204) الْآيَةَ ". وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ مِنْهُ ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ بِزَرْعٍ لِقَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَحُمُرٍ فَأَحْرَقَ الزَّرْعَ وَعَقَرَ الْحُمُرَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ، لَكِنْ تَابَ الْأَخْنَسُ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَشَهِدَ حُنَيْنًا» . (وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى} [عبس: 8] حَالٌ مِنْ فَاعِلِ جَاءَ {وَهُوَ يَخْشَى} [عبس: 9] اللَّهَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَسْعَى وَهُوَ الْأَعْمَى (وَقَالَ ثُمَّ أَدْبَرَ) فِرْعَوْنُ عَنِ الْإِيمَانِ (يَسْعَى) فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ (وَقَالَ {إِنَّ سَعْيَكُمْ} [الليل: 4] عَمَلَكُمْ (لَشَتَّى) مُخْتَلِفٌ فَعَامِلٌ لِلْجَنَّةِ بِالطَّاعَةِ وَعَامِلٌ لِلنَّارِ بِالْمَعْصِيَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: فَلَيْسَ السَّعْيُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَقْدَامِ وَلَا الِاشْتِدَادِ) أَيِ الْجَرْيِ (وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَلَ وَالْفِعْلَ) وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةَ 19) وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 104] (سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةَ 104) وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ فَتَكُونُ آيَةُ الْجُمُعَةِ مِثْلَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِمَامِ يَنْزِلُ بِقَرْيَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي السَّفَرِ] قَالَ مَالِكٌ إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ بِقَرْيَةٍ تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَالْإِمَامُ مُسَافِرٌ فَخَطَبَ وَجَمَّعَ بِهِمْ فَإِنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَغَيْرَهُمْ يُجَمِّعُونَ مَعَهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ جَمَّعَ الْإِمَامُ وَهُوَ مُسَافِرٌ بِقَرْيَةٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ وَلَا لِأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَلَا لِمَنْ جَمَّعَ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلْيُتَمِّمْ أَهْلُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ الصَّلَاةَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ   6 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِمَامِ يَنْزِلُ بِقَرْيَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي السَّفَرِ كَذَا تَرْجَمَ يَحْيَى وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْتَهَا شَيْئًا جَاءَ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا ذَكَرَ الْحُكْمَ فَقَطْ فَقَالَ: (قَالَ مَالِكٌ: إِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ بِقَرْيَةٍ تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَالْإِمَامُ مُسَافِرٌ فَخَطَبَ وَجَمَّعَ بِهِمْ فَإِنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَغَيْرَهُمْ يُجَمِّعُونَ مَعَهُ) لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمُ الْإِمَامُ دُونَ الْوَالِي لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَنُوبُ عَنْهُ فَإِذَا حَضَرَ كَانَ أَحَقَّ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ صَلَّى الْوَالِي جَازَ كَمَا لَوِ اسْتَخْلَفَ فِي وَطَنِهِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَأَصْلُ ذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ لَمَّا خَرَجَ مِنْ قُبَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ أَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَصَلَّاهَا بِمَسْجِدِهِمْ فَسُمِّيَ مَسْجِدَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ أَوَّلُ جُمْعَةٍ صَلَّاهَا» ذَكَرُهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ جَمَّعَ الْإِمَامُ وَهُوَ مُسَافِرٌ بِقَرْيَةٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ) عَلَى أَهْلِهَا لِفَقْدِ شُرُوطِهَا (فَلَا جُمُعَةَ لَهُ وَلَا لِأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَلَا لِمَنْ جَمَّعَ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلْيُتَمِّمْ) وَفِي نُسْخَةٍ: وَلْيُتِمَّ بِالْإِدْغَامِ (أَهْلُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ الصَّلَاةَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعُودَ إِلَى الْإِتْمَامِ، وَالثَّانِي أَنْ يُتِمُّوا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ اللَّفْظِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ لَقَالَ: وَلْيُعِدْ جَمِيعُ الْمُصَلِّينَ مَعَهُ فَيُتِمُّ الْمُقِيمُ وَيَقْصُرُ الْمُسَافِرُ، فَلَمَّا خَصَّ الْمُقِيمِينَ بِالذِّكْرِ كَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِينَ جَائِزَةٌ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجْزِي الْإِمَامَ وَلَا غَيْرَهَ مِمَّنْ مَعَهُ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ تَجْزِيهِ وَلَا تَجْزِي أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ حَتَّى يُتِمُّوا عَلَيْهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَذْهَبُ الْمُوَطَّأِ أَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ يَبْنُونَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ صَلَّوْا مَعَهُ ظُهْرًا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْتَدُوا وَيَجْزِيَ كُلَّ مُسَافِرٍ مَعَهُ صَلَاةُ سَفَرٍ لَا جُمُعَةٍ، وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ وَلَيْسَ جَهْرُهُ مِنْ تَعَمُّدِ الْفَسَادِ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ) إِجْمَاعًا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَيْسَ عَلَى مُسَافِرٍ جُمُعَةٍ» ". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 [بَاب مَا جَاءَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا»   7 - بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَيِ الَّتِي يُجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ. - 242 238 (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ» ) أَبْهَمَهَا هُنَا كَلِيلَةِ الْقَدْرِ وَالِاسْمِ الْأَعْظَمِ وَالرَّجُلِ الصَّالِحِ حَتَّى تَتَوَفَّرَ الدَّوَاعِي عَلَى مُرَاقَبَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقَدْ وَرَدَ: " «إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ أَلَا فَتَعَرَّضُوا لَهَا» "، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْأَيَّامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي جَمِيعِ نَهَارِهِ مُتَعَرِّضًا لَهَا بِإِحْضَارِ الْقَلْبِ وَمُلَازِمَةِ الذِّكَرِ وَالدُّعَاءِ وَالنُّزُوعِ عَنْ وَسَاوِسِ الدُّنْيَا فَعَسَاهُ أَنْ يَحْظَى بِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ النَّفَحَاتِ. (لَا يُوَافِقُهَا) أَيْ لَا يُصَادِفُهَا وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ لَهَا أَوْ يَتَّفِقُ وُقُوعُ الدُّعَاءِ فِيهَا ( «عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ» ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ حَالِيَّةٌ (يُصَلِّي) جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ حَالِيَّةٌ ( «يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا» ) مِمَّا يَلِيقُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ الْمُسْلِمُ. وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الطَّلَاقِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَمُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا» ، وَالْجُمَلُ صِفَاتٌ لِلْمُسْلِمِ أُعْرِبَتْ أَحْوَالًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي حَالًا مِنْهُ لِاتِّصَافِهِ بِقَائِمٍ وَيَسْأَلُ حَالٌ مُرَادِفَةٌ أَوْ مُتَدَاخِلَةٌ. ( «إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» ) وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: «مَا لَمْ يَسْأَلْ إِثْمًا أَوْ قَطِيعَةَ رَحِمٍ وَهُوَ نَحْوُ خَيْرًا» ، وَالْقَطِيعَةُ مِنَ الْإِثْمِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، وَأَفَادَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ قَوْلَهَ «قَائِمٌ يُصَلِّي» سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ وَابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَمُطَرِّفٍ وَالتِّنِّيسِيِّ وَقُتَيْبَةَ فَقَالُوا: وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَأَثْبَتَهَا الْبَاقُونَ قَالَ: وَهِيَ زِيَادَةٌ مَحْفُوظَةٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَوَرْقَاءَ وَغَيْرِهِمَا عَنْهُ. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ السَّيِّدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِحَذْفِهَا مِنَ الْحَدِيثِ، وَكَأَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى أَصَحِّ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ السَّاعَةِ وَهُمَا حَدِيثَانِ، أَحَدُهُمَا «أَنَّهَا مِنْ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ إِلَى انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ» ، وَالثَّانِي «أَنَّهَا مِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ» ، وَقَدِ احْتَجَّ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى ابْنِ سَلَامٍ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ الْقَوْلَ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَيْسَتْ سَاعَةَ صَلَاةٍ، وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِالصَّلَاةِ فَأَجَابَهُ بِالنَّصِّ الْآخَرِ أَنَّ مُنْتَظِرَ الصَّلَاةِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 حُكْمِ الْمُصَلِّي، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَابِتًا لَاحْتَجَّ بِهِ لَكِنْ سَلَّمَ لَهُ الْجَوَابَ وَارْتَضَاهُ وَأَفْتَى بِهِ بَعْدَهُ، وَأَمَّا الْإِشْكَالُ عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ حَالَ الْخُطْبَةِ كُلَّهُ وَلَيْسَتْ صَلَاةً عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَقَدْ أُجِيبَ عَنِ الْإِشْكَالِ بِحَمْلِ الصَّلَاةِ عَلَى الدُّعَاءِ وَالِانْتِظَارِ وَبِحَمْلِ الْقِيَامِ عَلَى الْمُلَازَمَةِ أَوِ الْمُوَاظَبَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ حَالَ الْقِيَامِ فِي حَالِ الصَّلَاةِ غَيْرُ حَالِ السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ مَعَ أَنَّ السُّجُودَ مَظِنَّةُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْقِيَامِ حَقِيقَتَهُ لَأَخْرَجَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَجَازُ الْقِيَامِ وَهُوَ الْمُوَاظَبَةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةَ 75) فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّعْبِيرُ عَنِ الْمُصَلِّي بِالْقَائِمِ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ عَنِ الْكُلِّ بِالْجُزْءِ، وَالنُّكْتَةُ فِيهِ أَنَّهُ أَشْهَرُ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ اهـ. وَلَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي (وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا) تَرْغِيبًا فِيهَا وَحَضًّا عَلَيْهَا لِيَسَارَةِ وَقْتِهَا وَغَزَارَةِ فَضْلِهَا قَالَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " وَضَعَ أُنْمُلَتَهُ عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرَ قُلْنَا يُزَهِّدُهَا " وَبَيَّنَ أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ أَنَّ الَّذِي وَضَعَ هُوَ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ رَاوِيهِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ وَكَأَنَّهُ فَسَّرَ الْإِشَارَةَ بِذَلِكَ، وَأَنَّهَا سَاعَةٌ لَطِيفَةٌ تَنْتَقِلُ مَا بَيْنَ وَسَطِ النَّهَارِ إِلَى قُرْبِ آخِرِهِ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ يُزَهِّدُهَا أَيْ يُقَلِّلُهَا. وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: وَهِيَ قَدْرُ هَذَا يَعْنِي قَبْضَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِسَاعَةِ الْإِجَابَةِ وَأَنَّهَا أَفْضَلُ سَاعَاتِهِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْفَضَائِلُ لَا تُدْرَكُ بِقِيَاسٍ وَإِنَّمَا فِيهَا التَّسْلِيمُ وَفِيهِ فَضْلُ الدُّعَاءِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ: وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ فَائِدَةَ إِبْهَامِ هَذِهِ السَّاعَةِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ بَعْثُ الدَّوَاعِي عَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَلَوْ بَيَّنَ لَاتَّكَلَ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ وَتَرَكُوا مَا عَدَاهَا، فَالْعَجَبُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّنْ يَجْتَهِدُ فِي طَلَبِ تَحْدِيدِهَا اهـ. فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ حُصُولُ الْإِجَابَةِ لِكُلِّ دَاعٍ بِشَرْطِهِ مَعَ أَنَّ الزَّمَانَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْمُصَلِّي فَيَتَقَدَّمُ بَعْضٌ عَلَى بَعْضٍ وَسَاعَاتُ الْإِجَابَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْوَقْتِ فَكَيْفَ تَتَّفِقُ مَعَ الِاخْتِلَافِ؟ بِاحْتِمَالِ أَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلِ كُلِّ مُصَلٍّ كَمَا قِيلَ نَظِيرُهُ فِي سَاعَةِ الْكَرَاهَةِ، وَلَعَلَّ هَذَا فَائِدَةُ جَعْلِ الْوَقْتِ الْمُمْتَدِّ مَظِنَّةً لَهَا وَإِنْ كَانَتْ هِيَ خَفِيفَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبَّرَ عَنِ الْوَقْتِ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ وَقْتَ جَوَازِ الْخُطْبَةِ أَوِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى بَقَاءِ الْإِجْمَالِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي بَقَاءِ الْإِجْمَالِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَا فِي الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ كَوَقْتِ السَّاعَةِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي إِجْمَالِهِ، وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِسَاعَةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْأَفْضَلِيَّةِ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إِلَيْهِ وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ بِاسْتِيعَابِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَلَمْ يَبْقَ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إِجْمَالٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ حَدِيثًا فِيهِ بَيَانُ السَّاعَةِ الْمُبْهَمَةِ فِي الْأَوَّلِ وَذَلِكَ مِنْ حُسْنِ التَّصْنِيفِ فَقَالَ: - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَجَلَسْتُ مَعَهُ فَحَدَّثَنِي عَنْ التَّوْرَاةِ وَحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْتُهُ أَنْ قُلْتُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ فَقُلْتُ بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ فَقُلْتُ مِنْ الطُّورِ فَقَالَ لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَشُكُّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَمَا حَدَّثْتُهُ بِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقُلْتُ قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبَ كَعْبٌ فَقُلْتُ ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ صَدَقَ كَعْبٌ ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتَ لَهُ أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضَنَّ عَلَيَّ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ السَّاعَةُ سَاعَةٌ لَا يُصَلَّى فِيهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ بَلَى قَالَ فَهُوَ ذَلِكَ   243 - 239 (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةِ أَوَّلِهِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ أُسَامَةَ (بْنِ الْهَادِ) فَنُسِبَ أَبُوهُ إِلَى جَدِّهِ اللَّيْثِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ، رَوَى عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ وَثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ وَخَلْقٍ، وَعَنْهُ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَآخَرُونَ وَثَقَّهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ سَعْدٍ وَرَوَى لَهُ السِّتَّةُ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ أَحْسَنَ سِيَاقَةً مِنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ وَلَا أَتَمَّ مَعْنًى فِيهِ مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ فَلَقِيتُ أَبَا بَصْرَةَ. (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) مِنْ تَيْمِ قُرَيْشٍ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الْقُرَشِيِّ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ لُغَةً كُلُّ جَبَلٍ إِلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ جَبَلٌ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الَّذِي كُلِّمَ فِيهِ مُوسَى وَهُوَ الَّذِي عَنَى أَبُو هُرَيْرَةَ (فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ) جَمْعُ حَبْرٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَيُضَافُ إِلَيْهِ كَالْأَوَّلِ إِمَّا لِكَثْرَةِ كِتَابَتِهِ بِالْحِبْرِ أَوْ مَعْنَاهُ مَلْجَأُ الْعُلَمَاءِ، وَقَوْلُ الْمَجْدِ: كَعْبُ الْحِبْرِ وَلَا تَقُلِ الْأَحْبَارَ فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ أَثْبَتَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَيَكْفِي قَوْلُ مِثْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ وَهُوَ كَعْبُ بْنُ مَاتِعٍ بِفَوْقِيَّةٍ الْحِمْيَرِيُّ أَدْرَكَ الزَّمَنَ النَّبَوِيَّ وَأَسْلَمَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ عَلَى الْمَشْهُورِ (فَجَلَسْتُ مَعَهُ فَحَدَّثَنِي عَنِ التَّوْرَاةِ وَحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْتُهُ أَنْ قُلْتُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرُ يَوْمٍ» ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: خَيْرٌ وَشَرٌّ يُسْتَعْمَلَانِ لِلْمُفَاضَلَةِ وَلِغَيْرِهَا، فَإِذَا كَانَتَا لِلْمُفَاضَلَةِ فَأَصْلُهُمَا أَخْيَرُ وَأَشْرَرُ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ وَهِيَ هُنَا لِلْمُفَاضَلَةِ غَيْرَ أَنَّهَا مُضَافَةٌ لِنَكِرَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِقَوْلِهِ: ( «طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ، وَجُمِعَ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ ( «فِيهِ خُلِقَ آدَمَ» ) فِي آخِرِ سَاعَةٍ ( «وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ» ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمَ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلَا الحديث: 243 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» " وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «وَخُلِقَ آدَمُ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» "، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: فَإِنْ كَانَ يَوْمُ خَلْقِهِ يَوْمُ إِخْرَاجِهِ وَقُلْنَا: الْأَيَّامُ السِّتَّةُ كَهَذِهِ الْأَيَّامِ فَقَدْ أَقَامَ فِي الْجَنَّةِ بَعْضَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَفِيهِ نَظَرٌ، وَإِنْ كَانَ إِخْرَاجُهُ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي خُلِقَ فِيهِ وَقُلْنَا أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ بِأَلْفِ سَنَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فَقَدْ لَبِثَ هُنَاكَ مُدَّةً طَوِيلَةً اهـ. ( «وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ» ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْفَاعِلُ مَعْلُومٌ (وَفِيهِ مَاتَ) وَلَهُ أَلْفُ سَنَةٍ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَقِيلَ إِلَّا سَبْعِينَ، وَقِيلَ إِلَّا سِتِّينَ، وَقِيلَ إِلَّا أَرْبَعِينَ، قِيلَ بِمَكَّةَ وَدُفِنَ بِغَارِ أَبِي قُبَيْسٍ، وَقِيلَ عِنْدَ مَسْجِدِ الْخَيْفِ، وَقِيلَ بِالْهِنْدِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَقِيلَ بِالْقُدْسِ رَأْسُهُ عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَرِجْلَاهُ عِنْدَ مَسْجِدِ الْخَلِيلِ. (وَفِيهِ) يَنْقَضِي أَجَلُ الدُّنْيَا وَ (تَقُومُ السَّاعَةُ) أَيِ الْقِيَامَةُ، وَفِيهِ يُحَاسِبُ اللَّهُ الْخَلْقَ وَيُدْخِلُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ. وَقَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْقَضَايَا الْمَعْدُودَةَ لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَتِهِ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنَ الْجَنَّةِ وَقِيَامَ السَّاعَةِ لَا يُعَدُّ فَضِيلَتُهُ وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ وَمَا سَيَقَعُ لِيَتَأَهَّبَ الْعَبْدُ فِيهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِنَيْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ، تَعَالَى، وَدَفْعِ نِقْمَتِهِ، مَرْدُودٌ بِقَوْلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْوَذِيِّ: الْجَمِيعُ مِنَ الْفَضَائِلِ وَخُرُوجُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ سَبَبٌ لِوُجُودِ الذُّرِّيَّةِ وَهَذَا النَّسْلِ الْعَظِيمِ وَوُجُودِ الْمُرْسَلِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا طَرْدًا بَلْ لِقَضَاءِ أَوْطَارِهِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَيْهَا، وَأَمَّا قِيَامُ السَّاعَةِ فَسَبَبٌ لِتَعْجِيلِ جَزَاءِ النَّبِيَّيْنِ وَالصَّدِيقِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَإِظْهَارِ كَرَامَتِهِمْ وَشَرَفِهِمْ (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ) بِالصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُسْتَمِعَةٌ مُصْغِيَةٌ وَرُوِيَ بِسِينٍ بَدَلَ الصَّادِ وَهُمَا بِمَعْنًى، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَالْأَصْلُ الصَّادُ (يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا) خَوْفًا (مِنَ السَّاعَةِ) كَأَنَّهَا أُعْلِمَتْ أَنَّهَا تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَتَخَافُ مِنْ قِيَامِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، وَفِيهِ أَنَّهَا إِذَا طَلَعَتْ عَرَفَتِ الدَّوَابُّ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَفِيهِ أَنَّ قِيَامَهَا بَيْنَ الصُّبْحِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ فِيهِ عَلْمُ مَتَى تَقُومُ لِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُتَكَرِّرٌ مَعَ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} [الأعراف: 187] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةَ 187) وَقَالَ: {لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: 187] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةَ 187) «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجِبْرِيلَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ (إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) » قَالَ الْبَاجِيُّ: اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْجِنْسِ لِأَنَّ اسْمَ الدَّابَّةِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَا دَبَّ وَدَرَجَ، قِيلَ وَجْهُ عَدَمِ إِشْفَاقِهِمْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ شُرُوطًا يَنْتَظِرُونَهَا وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ لِأَنَّا نَجِدُ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُصِيخُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالشُّرُوطِ وَقَدْ كَانَ النَّاسُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِالشُّرُوطِ لَا يُصِيخُونَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِيهِ أَنَّ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ لَا يَعْلَمُونَ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ مَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُمْ مِنَ الدَّوَابِّ وَهَذَا أَمْرٌ يَقْصُرُ عَنْهُ الْفَهْمُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَجْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 إِصَاخَةِ كُلِّ دَابَّةٍ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ أَنَّ اللَّهَ يُلْهِمُهَا ذَلِكَ وَلَا عَجَبَ عِنْدَ قُدْرَةِ اللَّهِ، سُبْحَانَهُ، وَحِكْمَةُ الْإِخْفَاءِ عَنِ الثَّقَلَيْنِ أَنَّهُمْ لَوْ كُوشِفُوا بِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ قَاعِدَةُ الِابْتِلَاءِ وَالتَّكْلِيفِ وَحَقَّ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ تَعَالَى يُظْهِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ عَظَائِمِ الْأُمُورِ وَجَلَائِلِ الشُّئُونِ مَا تَكَادُ الْأَرْضُ تَمِيدُ بِهَا، فَتَبْقَى كُلُّ دَابَّةٍ ذَاهِلَةً دَهِشَةً كَأَنَّهَا مُصِيخَةٌ لِلرَّهَبِ الَّذِي دَاخَلَهَا شَفَقًا لِقِيَامِ السَّاعَةِ ( «وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا» ) يُوَافِقُهَا (عَبْدٌ مُسْلِمٌ) قَصَدَهَا أَوِ اتَّفَقَ لَهُ وُقُوعُ الدُّعَاءِ فِيهَا ( «وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهُ شَيْئًا» ) يَلِيقُ بِالْمُسْلِمِ سُؤَالُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ خَيْرًا ( «إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» ) وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: «مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا» (قَالَ كَعْبٌ: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ، فَقُلْتُ بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ) لِلنَّصِّ النَّبَوِيِّ (فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قَالَ أَبُو عُمَرَ فِيهِ أَنَّ الْعَالِمَ يُخْطِي وَرُبَّمَا قَالَ عَلَى أَكْثَرِ ظَنِّهِ فَيُخْطِيهِ ظَنُّهُ وَأَنَّ الْعَالِمَ إِذَا رُدَّ عَلَيْهِ طَلَبَ التَّثَبُّتَ فِيهِ (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ الْحَدِيثَ لِوَالِدِهِ أَبِي بَصْرَةَ حُمَيْلٍ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا ابْنِ بَصْرَةَ وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الصَّوَابُ فَلَقِيتُ أَبَا بَصْرَةَ، قَالَ: وَالْغَلَطُ مِنْ يَزِيدَ لَا مِنْ مَالِكٍ، قَالَ الْمِزِّيُّ فِي التَّهْذِيبِ: لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِيمَنْ نَزَلَ مِصْرَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ: هُوَ وَأَبُوهُ وَابْنُهُ صَحِبُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَوْا عَنْهُ وَتُوُفِّيَ بِمِصْرَ وَدُفِنَ بِالْمُقَطَّمِ. وَقَالَ ابْنُ الرَّبِيعِ: شَهِدَ فَتَحَ مِصْرَ وَاخْتَطَّ بِهَا دَارًا وَلَهُمْ عَنْهُ عَشَرَةُ أَحَادِيثَ، وَفِي الْإِصَابَةِ فِي الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ حُمَيْلٌ بِالتَّصْغِيرِ ابْنُ بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ: سَأَلْتُ شَيْخًا مِنْ غِفَارٍ هَلْ جَمِيلُ بْنُ بَصْرَةَ قُلْتُهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ قَالَ: صَحَّفْتَ يَا شَيْخُ إِنَّمَا هُوَ حُمَيْلٌ بِالتَّصْغِيرِ وَالْمُهْمَلَةِ هُوَ جَدُّ هَذَا الْغُلَامِ وَأَشَارَ إِلَى غُلَامٍ مَعَهُ، وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: حُمَيْلٌ وَبَصْرَةُ وَجَدُّهُ أَبُو بَصْرَةَ صَحَابَةٌ. قَالَ ابْنُ السَّكَنِ: شَهِدَ جَدُّهُ أَبُو بَصْرَةَ خَيْبَرَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُمَيْلٌ يُكَنَّى أَبَا بَصْرَةَ أَيْضًا (فَقَالَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ فَقُلْتُ: مِنَ الطُّورِ، فَقَالَ: لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ» ) أَيْ لَا تَسِيرُ وَيُسَافَرُ عَلَيْهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ (إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ) » اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ أَيْ إِلَى مَوْضِعٍ لِلصَّلَاةِ فِيهِ إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُسَافَرُ أَصْلًا إِلَّا لَهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَإِنْ كَانَ أَبُو بَصْرَةَ رَآهُ عَامًّا فَلَمْ يَرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَّا فِي الْوَاجِبِ مِنَ النَّذْرِ، وَأَمَّا فِي التَّبَرُّكِ كَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يُتَبَرَّكُ بِشُهُودِهَا وَالْمُبَاحِ فَكَزِيَارَةِ الْأَخِ فِي اللَّهِ وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي النَّهْيِ، وَيَجُوزُ أَنَّ خُرُوجَ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى الطُّورِ لِحَاجَةٍ عَنَّتْ لَهُ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَيْسَ فِي الْأَرْضِ بُقْعَةٌ لَهَا فَضْلٌ لِذَاتِهَا حَتَّى يُسَافَرَ إِلَيْهَا لِذَلِكَ الْفَضْلِ غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يُسَافَرُ إِلَيْهَا لِذَاتِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِيهَا مِنْ عِلْمٍ أَوْ جِهَادٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلَمْ تَقَعِ الْمُسَافَرَةُ إِلَى الْمَكَانِ بَلْ إِلَى مَنْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ( «إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامٍ» ) بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِ لِأَنَّ الْحَجَّ إِلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةَ 97) ( «وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا» ) لِأَنَّهُ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى ( «وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ» ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَلَامٍ مَكْسُورَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ فَأَلِفٍ مَمْدُودٍ وَحُكِيَ قَصْرُهُ وَشَدُّ الْيَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مُعَرَّبٍ (أَوْ) قَالَ إِلَى (بَيْتِ الْمَقْدِسِ) بَدَلَ مَسْجِدِ إِيلِيَا (يَشُكُّ) الرَّاوِي فِي اللَّفْظِ الَّذِي قَالَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا، وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: لَمَّا كَانَ مَا عَدَا الثَّلَاثَةَ مِنَ الْمَسَاجِدِ مُتَسَاوِيَةَ الْأَقْدَارِ فِي الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ وَكَانَ التَّنَقُّلُ وَالِارْتِحَالُ لِأَجْلِهَا عَبَثًا ضَائِعًا نُهِيَ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ إِلَّا بِمَا فِيهِ صَلَاحٌ دُنْيَوِيٌّ أَوْ فَلَاحٌ أُخْرَوِيٌّ، قَالَ: وَالْمُقْتَضِي لِشَرَفِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهَا أَبْنِيَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَمُتَعَبَّدَاتُهُمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَأَخْرَجَ النَّهْيَ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ أَيْ لَا يَنْبَغِي وَلَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ. (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ) بِالتَّخْفِيفِ الْإِسْرَائِيلِيَّ أَبَا يُوسُفَ حَلِيفَ بَنِي الْخَزْرَجِ، قِيلَ: كَانَ اسْمُهُ الْحُصَيْنَ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ مَشْهُورٌ لَهُ أَحَادِيثُ وَفَضْلٌ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ. (فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَمَا حَدَّثْتُهُ) أَنَا (بِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ وَمَا حَدَّثَنِيهِ (فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقُلْتُ: قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبَ كَعْبٌ) أَيْ غَلِطَ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُبَادَةَ فِي الْمُوَطَّأِ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ سَمِعَ الْخَطَأَ وَجَبَ عَلَيْهِ إِنْكَارُهُ وَرَدُّهُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ فِي رَدِّهِ أَصْلٌ صَحِيحٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (فَقُلْتُ: ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: صَدَقَ كَعْبٌ) لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ إِنْكَارِ مَا يَجِبُ إِنْكَارُهُ وَالرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ. (ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 هِيَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْعَالَمِ أَنْ يَقُولَ قَدْ عَلِمْتُ كَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الْفَخْرِ وَالسُّمْعَةِ، وَمَا الْفَخْرُ بِالْعِلْمِ إِلَّا تَحَدُّثٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ لَهُ أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضَنَّ عَلَيَّ) أَيْ لَا تَبْخَلُ بِفَتْحٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ. (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ) وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: " قُلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ: «إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَعْضَ سَاعَةٍ، قُلْتُ نَعَمْ أَوْ بَعْضَ سَاعَةٍ» " الْحَدِيثَ وَفِيهِ قُلْتُ: أَيَّ سَاعَةٍ فَذَكَرَهُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنَّ قَائِلَ قُلْتُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَيَكُونُ مَرْفُوعًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبُو سَلَمَةَ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا وَهُوَ الْأَرْجَحُ لِتَصْرِيحِهِ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِأَنَّ ابْنَ سَلَامٍ لَمْ يُذْكُرِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَوَابِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، نَعَمْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» "، وَلَمْ يَذْكُرِ الْقِصَّةَ وَلَا ابْنَ سَلَامٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَفِي أَوَّلِهِ: " «إِنَّ النَّهَارَ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً» "، (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ: وَكَيْفَ يَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ سَاعَةٌ لَا يُصَلَّى فِيهَا» ) لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ» ) أَيْ فِي حُكْمِهَا (حَتَّى يُصَلِّيَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ: بَلَى) أَيْ بَلْ قَالَ ذَلِكَ (قَالَ فَهُوَ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلُهُ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: هَذَا مَجَازٌ بَعِيدٌ وَيُوهِمُ أَنَّ انْتِظَارَ الصَّلَاةِ شَرْطٌ فِي الْإِجَابَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي مُنْتَظَرِ الصَّلَاةِ قَائِمٌ يُصَلِّي وَإِنْ صَدَقَ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ لِأَنَّ لَفْظَ قَائِمٍ يُشْعِرُ بِمُلَابَسَةِ الْفِعْلِ اهـ. لَكِنَّ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَلِيقُ التَّشْغِيبُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ هَذَا لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَنَاظَرَ فِيهِ الصَّحَابِيَّانِ فَتَعَذَّرَ حَمْلُ يُصَلِّي عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَقَدْ أَطْبَقَ الْبُلَغَاءُ عَلَى الْمَجَازِ أَبْلَغَ مِنْهَا، وَلَا يُوهِمُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ أَنَّ الِانْتِظَارَ شَرْطٌ فِي الْإِجَابَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَائِمٌ وَإِنْ أَشْعَرَ بِمُلَابَسَةِ الْفِعْلِ لَكِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ عَزَمَ عَلَى التَّلَبُّسِ بِالْفِعْلِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الدَّاعِيَ فِي آخِرِ سَاعَةٍ عَازِمٌ عَلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَقَدْ ذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 ابْنِ سَلَامٍ هَذَا فَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّهُ أَثْبَتُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ نَاسًا مِنَ الصَّحَابَةِ اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا سَاعَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ افْتَرَقُوا فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَالطَّرْطُوشِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَحَكَى الْعَلَائِيُّ أَنَّ شَيْخَهُ الزَّمَلْكَانِيَّ شَيْخَ الشَّافِعِيَّةِ فِي وَقْتِهِ كَانَ يَخْتَارُهُ وَيَحْكِيهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ» ". وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ مُسْلِمًا قَالَ: حَدِيثُ أَبِي مُوسَى أَجْوَدُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّهُ، وَبِذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَابُ، وَجَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ الصَّوَابُ، وَرَجَّحَ أَيْضًا بِكَوْنِهِ مَرْفُوعًا وَفِي أَحَدِ الصَّحِيحَيْنِ: وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ حَدِيثَ مَالِكٍ هَذَا صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَسَلَّمَهُ الذَّهَبِيُّ، وَوَرَدَ تَعْيِينُ السَّاعَةِ بِأَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مَرْفُوعًا نَصًّا كَمَا مَرَّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالتَّرْجِيحُ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَا يَكُونُ مِمَّا انْتَقَدَهُ الْحُفَّاظُ كَحَدِيثِ أَبِي مُوسَى هَذَا فَإِنَّهُ أُعِلَّ بِالِانْقِطَاعِ وَالِاضْطِرَابِ، أَمَّا الِانْقِطَاعُ فَلِأَنَّ مَخْرَمَةَ بْنَ بُكَيْرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، قَالَهُ أَحْمَدُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَخْرَمَةَ نَفْسِهِ وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مُوسَى ابْنِ سَلَمَةَ عَنْ مَخْرَمَةَ وَزَادَ: إِنَّمَا هِيَ كُتُبٌ كَانَتْ عِنْدَنَا. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَقُولُ أَنَّهُ قَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ سَمِعْتُ أَبِي. وَلَا يُقَالُ مُسْلِمٌ يَكْتَفِي فِي الْمُعَنْعَنِ بِإِمْكَانِ اللِّقَاءِ مَعَ الْمُعَاصَرَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ. لِأَنَّا نَقُولُ: وُجُودُ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ كَافٍ فِي دَعْوَى الِانْقِطَاعِ، وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَوَاصِلٌ الْأَحْدَبُ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ مِنْ قَوْلِهِ: وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَبُو بُرْدَةَ كُوفِيٌّ فَهُمْ أَعْلَمُ بِحَدِيثِهِ مِنْ بُكَيْرٍ الْمَدَنِيِّ وَهُمْ عَدَدٌ وَهُوَ وَاحِدٌ، وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَبِي بُرْدَةَ مَرْفُوعًا لَمْ يُفْتِ فِيهِ بِرَأْيِهِ بِخِلَافِ الْمَرْفُوعِ، وَلِهَذَا جَزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِأَنَّ الْمَوْقُوفَ هُوَ الصَّوَابُ، وَسَلَكَ صَاحِبُ الْهَدْيِ مَسْلَكًا آخَرَ فَاخْتَارَ أَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُعَارِضُ الْآخَرَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا فِي وَقْتٍ وَعَلَى الْآخَرِ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَهَذَا كَقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ الَّذِي يَنْبَغِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 الِاجْتِهَادُ فِي الدُّعَاءِ فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَسَبَقَ إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَهُوَ أَوْلَى فِي طَرِيقِ الْجَمْعِ، ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ أَنْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى الْأَقْوَالِ فَنَذْكُرُهُ وَإِنْ طَالَ لِفَوَائِدِهِ لِأَنَّهُ كَمُؤَلَّفٍ مُسْتَقِلٍّ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ هَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ أَوْ رُفِعَتْ؟ وَعَلَى الْبَقَاءِ هَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ؟ وَهَلْ هِيَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْيَوْمِ مُعَيَّنٍ أَوْ مُبْهَمٍ؟ وَعَلَى التَّعْيِينِ هَلْ تَسْتَوْعِبُ الْوَقْتَ أَوْ تُبْهَمُ فِيهِ؟ وَعَلَى الْإِبْهَامِ مَا ابْتِدَاؤُهُ وَمَا انْتِهَاؤُهُ؟ وَعَلَى كُلِّ ذَلِكَ هَلْ تَسْتَمِرُّ أَوْ تَنْتَقِلُ؟ وَعَلَى الِانْتِقَالِ هَلْ تَسْتَغْرِقُ الْيَوْمَ أَوْ بَعْضَهُ؟ وَهَا أَنَا أَذْكُرُ تَلْخِيصَ مَا اتَّصَلَ إِلَيَّ مِنَ الْأَقْوَالِ مَعَ أَدِلَّتِهَا ثُمَّ أَعُودُ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهَا أَوِ التَّرْجِيحِ. فَالْأَوَّلُ أَنَّهَا رُفِعَتْ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْمٍ وَزَيَّفَهُ، وَقَالَ عِيَاضٌ: رَدَّهُ السَّلَفُ عَلَى قَائِلِهِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُخَنَّسَ مَوْلَى أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ السَّاعَةَ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ رُفِعَتْ، فَقَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، قُلْتُ: فَهِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، قَالَ: نَعَمْ إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ. وَفِي الْهَدْيِ إِنْ أَرَادَ قَائِلُهُ أَنَّهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً فَرُفِعَ عِلْمُهَا عَنِ الْأُمَّةِ فَصَارَتْ مُبْهَمَةً احْتُمِلَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ حَقِيقَتَهَا رُفِعَتْ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ. الثَّانِي: أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ لَكِنْ فِي جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ قَالَهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ، رَوَاهُ الْمُوَطَّأُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. الثَّالِثُ: أَنَّهَا مَخْفِيَّةٌ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ كَمَا أُخْفِيَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ، رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ عَنْ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا فَقَالَ: " أُعْلِمْتُهَا ثُمَّ أُنْسِيتُهَا كَمَا أُنْسِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» ". وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهَا بِشَيْءٍ إِلَّا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا قَسَّمَ جُمُعَةً فِي جُمَعٍ لَأَتَى عَلَى تِلْكَ السَّاعَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ فَيَدْعُو فِي جُمُعَةِ مِنَ الْجُمَعِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ فِي جُمُعَةٍ أُخْرَى يَبْتَدِئُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّهَارِ، قَالَ وَكَعْبٌ هَذَا هُوَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ، قَالَ وَرَوَيْنَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ طَلَبَ حَاجَةٍ فِي يَوْمٍ لَيَسِيرٌ. قَالَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الدُّعَاءِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ كُلِّهِ لِيَمُرَّ بِالْوَقْتِ الَّذِي تُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ اهـ. وَالَّذِي قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ يَصْلُحُ لِمَنْ يَقْوَى عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالَّذِي قَالَهُ كَعْبٌ سَهْلٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ أَنَّهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ جَمْعٍ كَالرَّافِعِيِّ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ قَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَجَاءَ أَنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ، وَمِنْ حُجَّةِ هَذَا الْقَوْلِ تَشْبِيهُهَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَالِاسْمِ الْأَعْظَمِ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ بَعْثُ الْعِبَادِ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الطَّلَبِ وَاسْتِيعَابِ الْوَقْتِ بِالْعِبَادَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَحَقَّقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 الْأَمْرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَاقْتَضَى الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ وَإِهْمَالَ مَا عَدَاهُ. الرَّابِعُ: أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَا تَلْزَمُ سَاعَةً مُعَيَّنَةً لَا ظَاهِرَةً وَلَا مَخْفِيَّةً، قَالَ الْغَزَالِيُّ: هَذَا أَشْبَهُ الْأَقْوَالِ، وَذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ احْتِمَالًا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَسَاكِرَ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: إِنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَالَهُ كَعْبٌ فِي الْجَزْمِ بِتَحْصِيلِهَا. الْخَامِسُ: إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَشَيْخُنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَنَسَبَاهُ لِتَخْرِيجِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ رَوَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْهَا فَأَطْلَقَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَقَيَّدَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ. السَّادِسُ: مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ، وَحَكَاهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَعِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ. السَّابِعُ: مِثْلُهُ وَزَادَ: وَمِنَ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا تَرَى. الثَّامِنُ: مِثْلُهُ وَزَادَ: وَمَا بَيْنَ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ مِنَ الْمِنْبَرِ إِلَى أَنْ يُكَبِّرَ رَوَاهُ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الْتَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي يُجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثِ فَذَكَرَهُ. التَّاسِعُ: أَنَّهَا أَوَّلُ سَاعَةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، حَكَاهُ الْجِيلِيُّ وَالْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ. الْعَاشِرُ: عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ وَعَبَّرَ عَنْهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ بِقَوْلِهِ: هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ شِبْرًا إِلَى ذِرَاعٍ وَعَزَاهُ لِأَبِي ذَرٍّ. الْحَادِي عَشَرَ: «فِي آخِرِ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ النَّهَارِ» ، حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ طُبِعَتْ طِينَةُ آدَمَ، وَفِي آخِرِ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ مِنْهُ مَنْ دَعَا اللَّهَ فِيهَا اسْتُجِيبَ لَهُ» " وَفِي إِسْنَادِهِ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَلِيٌّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: قَوْلُهُ فِي آخِرِ سَاعَاتٍ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ السَّاعَةُ الْأَخِيرَةُ مِنَ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ فِي آخِرِ كُلِّ سَاعَةٍ مِنَ الثَّلَاثِ سَاعَةَ إِجَابَةٍ فَيَكُونُ فِيهِ تَجَوُّزٌ لِإِطْلَاقِ السَّاعَةِ عَلَى بَعْضِهَا. الثَّانِي عَشَرَ: مِنَ الزَّوَالِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ نِصْفَ ذِرَاعٍ حَكَاهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَالْمُنْذِرِيُّ. الثَّالِثَ عَشَرَ: مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ: إِلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ ذِرَاعًا حَكَاهُ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ. الرَّابِعَ عَشَرَ: بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ بِيَسِيرٍ إِلَى ذِرَاعٍ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَلَعَلَّهُ مَأْخَذُ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَهُ. الْخَامِسَ عَشَرَ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَوَرَدَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّاهَا عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَلِابْنِ عَسَاكِرَ عَنْ قَتَادَةَ: السَّاعَةُ الْمُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَكَأَنَّ مَأْخَذَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا وَقْتُ اجْتِمَاعِ الْمَلَائِكَةِ وَابْتِدَاءِ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَابْتِدَاءِ الْأَذَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. السَّادِسَ عَشَرَ: إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " يَوْمُ الْجُمُعَةِ مِثْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، قِيلَ: أَيَّةُ سَاعَةٍ؟ قَالَتْ: إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ " وَهَذَا يُغَايِرُ مَا قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْأَذَانَ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنِ الزَّوَالِ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ: وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ. السَّابِعَ عَشَرَ: مِنَ الزَّوَالِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِلَفْظِ إِلَى أَنْ يُدْخُلَ الْإِمَامُ. الثَّامِنَ عَشَرَ: مِنَ الزَّوَالِ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ، حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبُ الطَّبَرِيُّ. التَّاسِعَ عَشَرَ: مِنَ الزَّوَالِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْحَسَنِ. الْعِشْرُونَ: مَا بَيْنَ خُرُوجِ الْإِمَامِ إِلَى أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ. الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: عِنْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ، رَوَاهُ حُمَيْدُ بْنِ زَنْجُوَيْهِ عَنِ الْحَسَنِ. الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: مَا بَيْنَ خُرُوجِ الْإِمَامِ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَأَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى مِنْ قَوْلِهِمَا وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ صَوَّبَ ذَلِكَ. الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: مَا بَيْنَ أَنْ يَحْرُمَ الْبَيْعُ إِلَى أَنْ يَحِلَّ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ. قَوْلُهُ أَيْضًا: قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ وَجْهُهُ أَنَّهُ أَخَصُّ أَحْكَامِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، فَلَوِ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ بِحَيْثُ ضَاقَ الْوَقْتُ فَتَشَاغَلَ اثْنَانِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ فَخَرَجَ وَفَاتَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ لَأَثِمَا وَلَمْ يَبْطُلِ الْبَيْعُ. الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: مَا بَيْنَ الْأَذَانِ إِلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ، رَوَاهُ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: «مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا، وَهَذَا الْقَوْلُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَّحِدَ مَعَ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ. السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: عِنْدَ التَّأْذِينِ وَعِنْدَ تَذْكِيرِ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الْإِقَامَةِ، رَوَاهُ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الصَّحَابِيِّ قَوْلُهُ. السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ: إِذَا أَذَّنَ وَإِذَا رَقِيَ الْمِنْبَرَ وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الصَّحَابِيِّ قَوْلُهُ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ: مَا وَرَدَ عِنْدَ الْأَذَانِ مِنْ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ فَيَتَأَكَّدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ، وَأَمَّا زَمَانٌ جُلُوسُ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِمَاعِ الذِّكْرِ وَالِابْتِدَاءِ فِي الْمَقْصُودِ مِنَ الْجُمُعَةِ. الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: «مِنْ حِينِ يَفْتَتِحُ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْهَا» ، رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: إِذَا بَلَغَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ وَأَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ، حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ. الثَّلَاثُونَ: عِنْدَ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، حَكَاهُ الطِّيبِيُّ. الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: عِنْدَ نُزُولِ الْإِمَامِ مِنَ الْمِنْبَرِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ زَنْجُوَيْهِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَوْلُهُ وَحَكَاهُ الْغَزَالِيُّ بِلَفْظِ: إِذَا قَامَ النَّاسُ إِلَى الصَّلَاةِ. الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ فِي مَقَامِهِ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: «حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 الِانْصِرَافِ مِنْهَا» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا وَكَثِيرٌ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: مَا بَيْنَ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ مِنَ الْمِنْبَرِ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَوْلُهُ، وَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهُ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ. الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِيهَا الْجُمُعَةَ، رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَهَذَا يُغَايِرُ مَا قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ إِطْلَاقِ ذَاكَ وَتَقْيِيدِ هَذَا، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ صَلَوَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِيهِ أَفْضَلُ الْأَوْقَاتِ، وَأَنَّ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ وَغَيْرِهِمَا وَسَائِلُ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالذَّاتِ، وَيُؤَيِّدُهُ وُرُودُ الْأَمْرِ فِي الْقُرْآنِ بِتَكْثِيرِ الذِّكْرِ حَالَ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10] (سُورَةُ الْجُمُعَةِ: الْآيَةَ 9) وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِيقَاعَ الذِّكْرِ بَعْدَ الِانْتِشَارِ وَإِنْ عُطِفَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَكْثِيرُ الذِّكَرِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ. الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «فَالْتَمِسُوهَا بَعْدَ الْعَصْرِ» ، وَزَادَ ابْنُ مَنْدَهْ: أَغْفَلُ مَا يَكُونُ النَّاسُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ قَوْلَهُ: " فَالْتَمِسُوهَا " مُدَرَجٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَلَمَةَ رَاوِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: «فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ» ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ مُرْسَلًا مَرْفُوعًا. السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: بَعْدَ الْعَصْرِ مُطْلَقًا، رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ» ، وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ فَقِيلَ لَهُ: لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ؟ قَالَ: بَلَى لَكِنْ مَنْ كَانَ فِي مُصَلَّاهُ لَمْ يُقِمْ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ. التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: مِنْ وَسَطِ النَّهَارِ إِلَى قُرْبِ آخِرِ النَّهَارِ. الْأَرْبَعُونَ: مِنْ حِينِ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ إِلَى أَنْ تَغِيبَ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ طَاوُسٍ قَوْلُهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا بَعْدَهُ. الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: «آخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ سَلَامٍ. الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: مِنْ حَيْثُ يَغِيبُ نِصْفُ قُرْصِ الشَّمْسِ أَوْ مِنْ حِينِ تُدْلِي الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ إِلَى أَنْ يَتَكَامَلَ غُرُوبُهَا، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَبِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ وَفِي رُوَاتِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ. فَهَذَا جَمِيعُ مَا اتَّصَلَ إِلَيَّ مِنَ الْأَقْوَالِ مَعَ ذِكْرِ أَدِلَّتِهَا وَبَيَانِ حَالِهَا فِي الصِّحَّةِ أَوِ الضَّعْفِ وَالرَّفْعِ وَالْوَقْفِ وَالْإِشَارَةِ إِلَى مَأْخَذِ بَعْضِهَا، وَلَيْسَتْ كُلُّهَا مُتَغَايِرَةً مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بَلْ كَثِيرٌ مِنْهَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّحِدَ مَعَ غَيْرِهِ. وَقَالَ صَاحِبُنَا الْعَلَّامَةُ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ الْجَزَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 الْحِصْنُ الْحَصِينُ: وَأَذِنَ لِي فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ مَا نَصُّهُ: وَالَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّهَا وَقْتُ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ الْفَاتِحَةَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِلَى أَنْ يَقُولَ آمِينَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي صِحَّتْ كَذَا قَالَ وَيَخْدِشُ فِيهِ أَنْ يَفُوتَ عَلَى الدَّاعِي حِينَئِذٍ الْإِنْصَاتُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّهِمَا أَرْجَحُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يُعَارِضُهُمَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُنْسِيَهَا بَعْدَ أَنْ عَلِمَهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا سَمِعَا ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَنْسَى أَشَارَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَا عَدَاهُمَا إِمَّا مُوَافِقٌ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَوْ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ أَوْ مَوْقُوفٌ اسْتَنَدَ قَائِلُهُ إِلَى اجْتِهَادٍ دُونَ تَوْقِيفٍ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ: وَذَكَرَ مِمَّا مَرَّ عَشَرَةَ أَقْوَالٍ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ بِحُسْنِ جَمْعِهَا، فَتَكُونُ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهَا، فَيُصَادِفُهَا مَنِ اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ فِي جَمِيعِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ أَكْثَرِهَا أَنَّهُ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الْوَقْتِ الَّذِي عُيِّنَ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَائِهِ لِقَوْلِهِ فِيمَا مَضَى يُقَلِّلُهَا. وَقَوْلُهُ: وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْوَقْتِ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فِيهِ فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ مَظِنَّتِهَا ابْتِدَاءُ الْخُطْبَةِ مَثَلًا وَانْتِهَاؤُهُ انْتِهَاءُ الصَّلَاةِ، وَكَأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْقَائِلِينَ عَيَّنَ مَا اتَّفَقَ لَهُ وُقُوعُهُ فِيهِ مِنْ سَاعَةٍ فِي أَثْنَاءِ وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ، فَهَذَا التَّقْرِيبُ يُقِلُّ الِانْتِشَارَ جِدًّا، اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي عَدُّهُ الْقَوْلَ الثَّانِي أَنَّهَا جُمُعَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلٍ، إِنَّمَا كَانَ خَطَأً مِنْ كَعْبٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الصَّوَابِ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: الَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا عِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَغَالِبُ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ تَشْهَدُ لَهُ، أَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ فَصَرِيحٌ فِيهِ وَكَذَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَلَا يُنَافِيهِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى «أَنَّهَا مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ» لِأَنَّهُ صَادِقٌ بِالْإِقَامَةِ بَلْ مُنْحَصِرٌ فِيهَا، لِأَنَّ وَقْتَ الْخُطْبَةِ لَيْسَ وَقْتَ صَلَاةٍ وَلَا دُعَاءٍ وَوَقْتُ الصَّلَاةِ غَالِبُهُ لَيْسَ وَقْتَ دُعَاءٍ، وَلَا يُظَنُّ إِرَادَةُ اسْتِغْرَاقِ الْوَقْتِ قَطْعًا لِأَنَّهَا خَفِيفَةٌ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ، وَوَقْتُ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ مُتَّسِعٌ، وَغَالِبُ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَعِنْدَ الْأَذَانِ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ وَلَا تَتَنَافَى، وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الصَّحَابِيِّ قَالَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي إِحْدَى السَّاعَاتِ الثَّلَاثِ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَمَا دَامَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَعِنْدَ الْإِقَامَةِ، وَأَقْوَى شَاهِدٍ لَهُ قَوْلُهُ: «وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي» فَأَحْمِلُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ وَيُصَلِّي عَلَى الْحَالِ الْمُقَدَّرَةِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ شَرْطًا فِي الْإِجَابَةِ وَأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ شَهِدَ الْجُمُعَةَ لِيَخْرُجَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنِ اسْتَبْعَدَ حَمْلَ ابْنِ سَلَامٍ وَمُوَافَقَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَهُ قَوْلَهُ «وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي» عَلَى الْمَجَازِ اضْطُرَّ إِلَيْهِ فِيمَا اخْتَارَهُ هُوَ ثُمَّ جَرَّهُ ذَلِكَ إِلَى دَعْوَى التَّخْصِيصِ بِدُونِ مُخَصِّصٍ وَلَا دَلِيلٍ، وَعَجَبٌ مِنْهُ مَعَ مَزِيدِ حِفْظِهِ وَنَبَاهَتِهِ يَعْدِلُ عَنِ النَّصِّ النَّبَوِيِّ فِي حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَيَخْتَارُ قَوْلًا ضَعِيفًا وَيَحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ عَنِ الْحَافِظِ، وَأَمَّا إِيمَاؤُهُ إِلَى تَقْوِيَةِ ذَلِكَ بِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إِنِّي لَأَرْجُو. . . . . إِلَخْ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ اجْتِهَادُ مِنْهُ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ لَفْظُهُ وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي ضَعْفَ حَدِيثِهِ الْمَرْفُوعِ أَنَّهَا عِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، إِذْ لَوْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَجَزَمَ بِهِ وَمَا تَرَدَّدَ فِي أَنَّهَا إِحْدَى السَّاعَاتِ الثَّلَاثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 [بَاب الْهَيْئَةِ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ وَاسْتِقْبَالِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوْ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مَهْنَتِهِ»   8 - بَابُ الْهَيْئَةِ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ وَاسْتِقْبَالِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ - 244 240 (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَصَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ» ) اسْتِفْهَامٌ يَتَضَمَّنُ التَّنْبِيهَ وَالتَّوْبِيخَ فَيُقَالُ لِمَنْ أَهْمَلَ شَيْئًا أَوْ قَصَّرَ فِيهِ أَوْ غَفَلَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ لَوْ فَعَلَ كَذَا أَيْ أَيُّ شَيْءٍ يَلْحَقُهُ مِنْ ضَرَرٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ عَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (لَوِ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ) قَمِيصٌ وَرِدَاءٌ أَوْ جُبَّةٌ وَرِدَاءٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَقَصَّرَ مَنْ نَظَرَ فِي الْمُرَادِ بِالثَّوْبَيْنِ (لِجُمُعَتِهِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ عِيدِهِ (سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: أَيْ بِذْلَتِهِ وَخِدْمَتِهِ وَالرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَقَدْ تُكْسَرُ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْكَسْرُ عِنْدَ الْأَثْبَاتِ خَطَأٌ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْمَهْنَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ هِيَ الْخِدْمَةُ وَلَا يُقَالُ مِهْنَةٌ بِالْكَسْرِ وَكَانَ الْقِيَاسُ لَوْ قِيلَ مِثْلُ جِلْسَةٍ وَخِدْمَةٍ إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ عَلَى فَعْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْمَهْنَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْخِدْمَةُ، وَأَجَازَ غَيْرُ الْأَصْمَعِيِّ كَسْرَ الْمِيمِ قَالَ: وَفِيهِ النَّدْبُ لِمَنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَّخِذَ الثِّيَابَ الْحِسَانَ لِلْجُمَعِ وَكَذَا الْأَعْيَانِ وَيَتَجَمَّلُ بِهَا، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَعْتَمُّ وَيَتَطَيَّبُ وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَفِيهِ الْأُسْوَةُ الْحَسُنَّةُ، وَكَانَ يَأْمُرُ بِالطِّيبِ وَالسِّوَاكِ وَالدُّهْنِ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي فِي إِسْنَادِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَظَرٌ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ مُرْسَلًا، وَوَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ طُرُقٌ أُخْرَى عِنْدَ ابْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 خُزَيْمَةَ وَابْنِ مَاجَهْ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ لَا نَظَرَ لِأَنَّ الْأُمَوِيَّ رَاوِيهِ عَنِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ السِّتَّةُ، وَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ كَوْنِ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ لَهُ فِيهِ شَيْخَانِ عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى مُرْسَلًا، وَقَدْ حَصَلَتِ الْمُتَابَعَةُ لِلْأَنْصَارِيِّ فِي عَمْرَةَ حَيْثُ رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَيَّدَ ذَلِكَ مَجِيئُهُ مَنْ طُرُقٍ عَنْهَا. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «خَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَأَى عَلَيْهِمْ ثِيَابَ النِّمَارِ فَذَكَرَهُ» " وَهُوَ بِالنُّونِ كِسَاءٌ فِيهِ خُطُوطٌ بِيضٌ وَسُودٌ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: كَأَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْ لَوْنِ النَّمِرِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: " «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَالَ: وَمَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لَجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ» " وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مَرْفُوعًا: " «لَا يَضُرُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِلْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مَهْنَتِهِ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرُوحُ إِلَى الْجُمُعَةِ إِلَّا ادَّهَنَ وَتَطَيَّبَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَرَامًا   245 - 241 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرُوحُ إِلَى الْجُمُعَةِ إِلَّا ادَّهَنَ) اسْتَعْمَلَ الدُّهْنَ لِإِزَالَةِ شَعَثِ الشَّعْرِ بِهِ (وَتَطَيَّبَ) فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا إِشَارَةً لِلتَّزَيُّنِ وَحُسْنِ الرَّائِحَةِ ذَلِكَ الْيَوْمَ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَرَامًا) أَيْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يَفْعَلْهُمَا، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ سَلْمَانَ مَرْفُوعًا: " «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» ". الحديث: 245 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَأَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمْ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْعُدَ حَتَّى إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ جَاءَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَهَا   246 - 242 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو (بْنِ حَزْمٍ) فَنُسِبَ أَبُوهُ إِلَى جَدِّهِ الْأَعْلَى لِشُهْرَتِهِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الْقَاضِي. مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةٍ. (عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لِأَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمْ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ» ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الثَّقِيلَةِ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ كَأَنَّهَا أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ بِظَاهِرِ الْمَدِينَةِ ( «خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْعُدَ حَتَّى إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ جَاءَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» ) قَالَ الحديث: 246 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعٌ، ثُمَّ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتَنَّ وَمَسَّ طِيبًا إِنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلَبِسَ مَنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ ثُمَّ رَكَعَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» " وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ: رَجُلُ حَضَرَهَا يَلْغُو وَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُونٍ وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهُوَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] » (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةَ 160) " وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَيْضًا مَرْفُوعًا: " «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا وَلَبِسَ مِنْ صَالَحِ ثِيَابِهِ ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا، وَمَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا» " (قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَهَا) لِيَتَفَرَّغُوا لِسَمَاعِ مَوْعِظَتِهِ وَيَتَدَبَّرُوا كَلَامَهُ وَلَا يَشْتَغِلُوا بِغَيْرِهِ لِيَكُونَ أَدْعَى إِلَى انْتِفَاعِهِمْ لِيَعْمَلُوا بِمَا عَلِمُوا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا مُسْنَدًا إِلَّا أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا خَطَبَ اسْتَقْبَلَهُ أَصْحَابُهُ بِوُجُوهِهِمْ» " وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَخْلُو مِنْ سُبْحَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ فَإِذَا خَرَجَ لَمْ يَقْعُدِ الْإِمَامُ حَتَّى يَسْتَقْبِلَهُ. وَرَوَى نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَخَذَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ حَتَّى يَخْلُوَ مِنَ الْخُطْبَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ شَيْئًا مُحْتَمَلًا، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْءٌ يَعْنِي صَرِيحًا. وَقَدِ اسْتَنْبَطَ الْبُخَارِيُّ مِمَّا رَوَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ يَوْمًا عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ» أَنَّ جُلُوسَهُمْ حَوْلَهُ لِسَمَاعِ كَلَامِهِ يَقْتَضِي نَظَرَهُمْ إِلَيْهِ غَالِبًا، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِي الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَحَدَّثُ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مَكَانٍ عَالٍ وَهُمْ جُلُوسٌ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حَالَ الْخِطْبَةِ كَانَ حَالُهَا أَوْلَى لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِالِاسْتِمَاعِ لَهَا وَالْإِنْصَاتِ عِنْدَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 [بَاب الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْاحْتِبَاءِ وَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ]   9 - بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالِاحْتِبَاءِ وَمَنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ جَمْعُ الظَّهْرِ وَالسَّاقَيْنِ بِثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْيَدَيْنِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا تَرْجَمَ يَحْيَى وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ وَغَيْرِهِ (مَالِكٌ) أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَحْتَبِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ قَالَ: وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ، وَلَا رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ التَّابِعِينَ كَرَاهِيَةُ الِاحْتِبَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ جَوَازُهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الِاحْتِبَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ» " قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ وَشُرَيْحٌ وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالنَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ يَحْتَبُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَأَنْ يَمُدَّ رِجْلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعُونَةٌ فَلْيَفْعَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ أَرْفُقُ بِهِ. (وَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) مِنَ الْأَعْذَارِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْفُرُوعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ «مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى إِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ كَانَ يَقْرَأُ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ»   - 247 243 (مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ (ابْنِ سَعِيدٍ) بِفَتْحِ السِّينِ ابْنِ أَبِي حِنَّةَ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ نُونٍ وَقِيلَ مُوَحَّدَةٌ الْأَنْصَارِيِّ (الْمَازِنِيِّ) بِزَايٍ وَنُونٍ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (ابْنِ مَسْعُودٍ) أَحَدُ الْفُقَهَاءِ (أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ) بْنِ خَالِدِ بْنِ وَهْبٍ الْفِهْرِيَّ أَبُو أُنَيْسٍ الْأَمِيرُ الْمَشْهُورُ صَحَابِيٌّ قُتِلَ فِي وَقْعَةِ مَرْجِ رَاهِطٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ (سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ) بْنِ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ ثُمَّ سَكَنَ الشَّامَ ثُمَّ وَلِيَ إِمْرَةَ الْكُوفَةِ ثُمَّ قُتِلَ بِحِمْصَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. ( «مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْجُمُعَةِ» ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ( «عَلَى إِثْرِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ» ) الَّتِي كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ( «قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُهُ عَلَى أَثَرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَقْرَأُ مَعَهَا شَيْئًا وَاحِدًا أَبَدًا لِعَلِمَهُ كَمَا عَلِمَ سُورَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 الْجُمُعَةِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مُخْتَلِفًا فَسَأَلَ عَنِ الْأَغْلَبِ مِنْهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْآثَارُ فِيهِ وَالْعُلَمَاءُ وَهُوَ مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ الَّذِي وَرَدَ وُرُودُ التَّخْيِيرِ، فَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدَانُ فِي يَوْمٍ قَرَأَهُمَا جَمِيعًا» . وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] فِي الْآخِرَةِ» ، وَاخْتَارَ هَذَا الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلِيٍّ وَهِيَ آثَارٌ صِحَاحٌ. وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَهَلْ أَتَاكَ وَأَجَازَ فِي الثَّانِيَةِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] . وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ: إِنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ فِي الْأَوْلَى وَيَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِمَا شَاءَ إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَا ذَكَرْنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي أَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا أَنَّهُ قَالَ «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا عِلَّةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ»   248 - 244 - (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ الزُّهْرِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، الثِّقَةُ الْعَابِدُ التَّابِعِيُّ الصَّغِيرُ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي أَعَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا) قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا يُسْنَدُ مِنْ وُجُوهٍ أَحْسَنُهَا حَدِيثُ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ بِنَحْوِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ» ) مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) كَشِدَّةِ وَحْلٍ (وَلَا عِلَّةٍ) مِنْ مَرِضٍ وَنَحْوِهِ ( «طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» ) أَيْ خَتَمَ عَلَيْهِ وَغَشَّاهُ وَمَنَعَهُ أَلْطَافَهُ فَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ، أَوْ جَعَلَ فِيهِ الْجَهْلَ وَالْجَفَا وَالْقَسْوَةَ، أَوْ صَيَّرَ قَلْبَهُ قَلَبَ مُنَافِقٍ، وَالطَّبْعُ بِسُكُونِ الْبَاءِ الْخَتْمُ وَبِالتَّحْرِيكِ الدَّنَسُ وَأَصْلُهُ الْوَسَخُ يُغْشِي السَّيْفَ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِيمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِنَ الْآثَامِ وَالْقَبَائِحِ. أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» " وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقَدْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ» " وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا وِلَاءً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» " وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كُتِبَ مُنَافِقًا فِي كِتَابِ لَا يُمْحَى وَلَا يُبَدَّلُ» " وَالْمُرَادُ النِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ. وَأَخْرَجَ أَبُو يُعْلَى بِرُوَاةِ الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: " «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمُعَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ» "، وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهُمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» "، وَقَالَ ابْنُ الحديث: 248 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ: «إِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحَرِّقَ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا بَيْتَهُ هِيَ الْجُمُعَةُ» . قَالَ أَبُو عُمَرَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ شَهْرًا كُلَّ يَوْمٍ يَقُولُ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ وَلَا يَشْهَدُ الْجُمُعَةَ وَلَا الْجَمَاعَاتِ؟ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: صَاحِبُكَ فِي النَّارِ. وَيُحْتَمَلُ أَنِ ابْنَ عَبَّاسٍ عَرَفَ حَالَ الْمَسْئُولِ عَنْهُ بِاعْتِقَادِ مَذْهَبِ الْخَوَارِجِ فِي اسْتِحْلَالِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَتَكْفِيرِهِمْ وَلِذَا تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَاتِ فَأَجَابَهُ بِذَلِكَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَجَلَسَ بَيْنَهُمَا»   249 - 245 - (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرٍ) الصَّادِقِ لِصِدْقِهِ فِي مَقَالِهِ (ابْنِ مُحَمَّدٍ) الْبَاقِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ الْمَدَنِيِّ الْفَقِيهِ الصَّدُوقِ الْإِمَامِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، ذَكَرَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: اخْتَلَفْتُ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ زَمَانًا فَمَا كُنْتُ أَرَاهُ إِلَّا عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: إِمَّا مُصَلٍّ وَإِمَّا صَائِمٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَا رَأَيْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ، وَكَانَ لَا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْعُبَّادِ الزُّهَّادِ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ وَلَقَدْ حَجَجْتُ مَعَهُ سَنَةً فَلَمَّا أَتَى الشَّجَرَةَ أَحْرَمَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ كَادَ يُغْشَى عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: لَا بُدَّ لَكَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ يُحِبُّنِي وَيَنْبَسِطُ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ أَبِي عَامِرٍ إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَقُولَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ فَيَقُولُ: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ. وَذَكَرَ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ أَوْ قَالَهَا غُشِيَ عَلَيْهِ وَسَقَطَ مِنْ نَاقَتِهِ فَتَهَشَّمَ وَجْهُهُ (عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْمَ أَيْ شَقَّهُ فَعَرَفَ أَصْلَهُ وَخَفِيَّهُ ثِقَةٌ فَاضِلٌ تَابِعِيٌّ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَجَلَسَ بَيْنَهُمَا» ) أَرْسَلَهُ الْمُوَطَّأُ وَهُوَ يَتَّصِلُ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ مَالِكٍ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ قَائِمًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» " وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا لِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ: " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» " وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ إِقَامَةَ الْخُطْبَتَيْنِ دَاخِلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ اهـ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَقِيلَ الرَّاحَةُ وَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ يَكْفِي السُّكُوتُ بِقَدْرِهَا. الحديث: 249 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 [كِتَابُ الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ] [بَاب التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ] َ بَاب التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى اللَّيْلَةَ الْقَابِلَةَ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ»   6 - كِتَابُ الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ 1 - بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ - 250 246 (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى» ) صَلَاةَ اللَّيْلِ (فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ) مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «أَنَّهُ صَلَّى فِي حُجْرَتِهِ» " وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا بَيْتَهُ بَلِ الْحَصِيرَ الَّتِي كَانَتْ يَحْتَجِرُ بِهَا بِاللَّيْلِ فِي الْمَسْجِدِ فَيَجْعَلُهَا عَلَى بَابِ بَيْتِ عَائِشَةَ فَيُصَلِّي فِيهِ وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي اللِّبَاسِ. وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ: " «فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْصِبَ لَهُ حَصِيرًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَفَعَلْتُ» فَخَرَجَ " الْحَدِيثَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى يَحْتَجِرُ يُحَوِّطُ مَوْضِعًا مِنَ الْمَسْجِدِ بِحَصِيرٍ يَسْتُرُهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَارٌّ لِيَتَوَفَّرَ خُشُوعُهُ وَيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ. وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ احْتِجَارَهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ الَّذِي أَمَرَ النَّاسَ بِهِ بِقَوْلِهِ: " «صَلَّوْا فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» " ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ إِذَا احْتَجَرَ صَارَ كَأَنَّهُ بَيْتٌ بِخُصُوصِهِ، أَوْ أَنَّ سَبَبَ كَوْنِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلَ عَدَمُ شَوْبِهِ بِالرِّيَاءِ غَالِبًا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ عَنِ الرِّيَاءِ فِي بَيْتِهِ وَفِي غَيْرِ بَيْتِهِ. (فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى اللَّيْلَةَ الْقَابِلَةَ) وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ مِنَ الْقَابِلَةِ وَلِبَعْضِ رُوَاتِهِ مِنَ الْقَابِلِ بِالتَّذْكِيرِ أَيِ الْوَقْتِ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِنَ اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ. (فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ) بِالشَّكِّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 " «فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ فَصَلَّوْا مَعَهُ فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ» " وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: " «امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ حَتَّى اغْتَصَّ بِأَهْلِهِ» " وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْهُ: " «فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ غَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ» " (فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: " «حَتَّى سَمِعْتُ نَاسًا مِنْهُمْ يَقُولُونَ الصَّلَاةَ» "، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ: " فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ " وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: " «فَفَقَدُوا صَوْتَهُ وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ تَأَخَّرَ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ» " وَفِي لَفْظٍ عَنْ زَيْدٍ: " «فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ» " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تُفَسَّرُ هَذِهِ اللَّيَالِي الْمَذْكُورَاتُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ بِمَا رَوَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: " «قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ قُمْنَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَلَّا نُدْرِكَ الْفَلَاحَ وَكَانَ يُسَمُّونَ بِهِ السُّحُورَ» " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ. وَأَمَّا عَدَدُ مَا صَلَّى فَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرَ» " أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ ثَمَانَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ» " وَهَذَا أَصَحُّ. وَقَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ أَيْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بَيَانَ عَدَدِ صَلَاتِهِ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي، لَكِنْ رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ: " «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ ثَمَانَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ فَلَمَّا كَانَتِ الْقَابِلَةُ اجْتَمَعْنَا فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَوْنَا أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا ثُمَّ دَخَلْنَا فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ» " الْحَدِيثَ، فَإِنْ كَانَتِ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً احْتُمِلَ أَنَّ جَابِرًا مِمَّنْ جَاءَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى وَصْفِ لَيْلَتَيْنِ، وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَامَ حَتَّى كُنَّا رَهْطًا فَلَمَّا أَحَسَّ بِنَا تَجَوَّزَ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ» " الْحَدِيثَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى. ( «فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ» ) مِنْ حِرْصِكُمْ عَلَى الصَّلَاةِ مَعِي، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " «فَلَمَّا قَضَى صَلَاةَ الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخَفْ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ» " وَفِي مُسْلِمٍ: " شَأْنُكُمْ ". ( «وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ» ) صَلَاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجَزُوا عَنْهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْ تَشُقُّ عَلَيْكُمْ فَتَتْرُكُوهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْعَجْزَ الْكُلِّيَّ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ التَّكْلِيفَ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَتْ هَذِهِ الْخَشْيَةُ مَعَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: «هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» فَإِذَا أُمِنَ التَّبْدِيلُ كَيْفَ يُخَافُ مِنَ الزِّيَادَةِ؟ وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالُهُ الشَّرْعِيَّةُ يَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 فِيهَا عِنْدَ الْمُوَاظَبَةِ، فَتَرَكَ الْخُرُوجَ إِلَيْهِمْ لِئَلَّا يَدْخُلَ ذَلِكَ فِي الْوَاجِبِ بِطَرِيقِ الْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ لَا مِنْ طَرِيقِ إِنْشَاءِ فَرْضٍ جَدِيدٍ زَائِدٍ عَلَى الْخَمْسِ، وَهَذَا كَمَا يُوجِبُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ صَلَاةَ نَذْرٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ زِيَادَةُ فَرْضٍ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ، وَبِاحْتِمَالِ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا فَرَضَ الصَّلَاةَ خَمْسِينَ ثُمَّ حَطَّ مُعْظَمَهَا بِشَفَاعَةِ نَبِيِّهِ فَإِذَا عَادَتِ الْأُمَّةُ فِيمَا اسْتَوْهَبَ لَهَا وَالْتَزَمَتْ مَا اسْتَعْفَى لَهُمْ نَبِيُّهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ أَنْ يُثْبِتَ ذَلِكَ فَرْضًا كَمَا الْتَزَمَ نَاسٌ الرَّهْبَانِيَّةَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ ثُمَّ عَابَ اللَّهُ التَّقْصِيرَ فِيهَا بِقَوْلِهِ: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27] (سُورَةُ الْحَدِيدِ: الْآيَةَ 27) فَخَشِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكُونَ سَبِيلُهُمْ سَبِيلَ أُولَئِكَ فَقَطَعَ الْعَمَلَ شَفَقَةً عَلَيْهِمُ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ قِيَامِ اللَّيْلِ وَوُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي كُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ نِزَاعٌ. وَجَوَابُ الْكِرْمَانِيِّ بِأَنَّ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَمْنُ مِنْ نَقْصِ شَيْءٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلزِّيَادَةِ، فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُضَعَّفِ بِقَوْلِهِ: «هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ» إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ الزِّيَادَةِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّضْعِيفَ لَا يَنْقُصُ عَنِ الْعَشْرِ، وَدَفَعَ بَعْضُهُمْ فِي أَصْلِ السُّؤَالِ بِأَنَّ الزَّمَانَ قَابِلٌ لِلنَّسْخِ فَلَا مَانِعَ مِنْ خَشْيَةِ الِافْتِرَاضِ، فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] " خَبَرٌ وَلَا يُدْخِلُهُ النَّسْخُ عَلَى الرَّاجِحِ وَلَيْسَ كَقَوْلِهِ مَثَلًا: صُومُوا الدَّهْرَ أَبَدًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ النَّسْخُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ إِنْ وَاصَلَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ سَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ لِمَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِأَنَّ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِمَاعِ فُرِضَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَظُنَّ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ بَعْدَهُ إِذَا دَاوَمَ عَلَيْهَا وُجُوبَهَا، وَإِلَى الثَّالِثِ نَحَا الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ: قَوْلُهُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ أَيْ تَظُنُّونَهُ فَرْضًا فَيَجِبُ مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ كَمَا إِذَا ظَنَّ الْمُجْتَهِدُ حِلَّ شَيْءٍ أَوْ حُرْمَتَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ، وَقِيلَ: كَانَ حُكْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا وَاظَبَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ وَاقْتَدَى النَّاسُ بِهِ فِيهِ أَنَّهُ يُفْرَضُ عَلَيْهِمُ اهـ. وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ فَقَدْ وَاظَبَ عَلَى رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ وَتَابَعَهُ أَصْحَابُهُ وَلَمْ تُفْرَضْ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ هَذَا الْقَوْلَ صَدَرَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ فَرْضًا عَلَيْهِ دُونَ أُمَّتِهِ فَخَشِيَ إِنْ خَرَجَ إِلَيْهِمْ وَالْتَزَمُوهُ مَعَهُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فِي حُكْمِهِ لِأَنَّ أَصْلَ الشَّرْعِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ النَّبِيِّ وَأُمَّتِهِ فِي الْعِبَادَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَشِيَ مِنْ مُوَاظَبَتِهِمْ عَلَيْهَا أَنْ يَضْعُفُوا عَنْهَا فَيَعْصِي تَارِكُهَا بِتَرْكِ اتِّبَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْحَافِظُ: وَحَدِيثُ: «هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ» لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ يُدْفَعُ فِي صُدُورِ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ كُلِّهَا، وَقَدْ فَتَحَ الْبَارِي بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ سِوَاهَا: أَحَدُهَا أَنَّهُ خَافَ جَعْلَ التَّهَجُّدِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّنَفُّلِ بِاللَّيْلِ وَيُومِئُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: " «خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ» " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 فَمَنَعَهُمْ مِنَ التَّجْمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ إِشْفَاقًا عَلَيْهِمْ مِنِ اشْتِرَاطِهِ، وَأَمِنَ مَعَ إِذْنِهِ فِي الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ فِي بُيُوتِهِمْ مِنِ افْتِرَاضِهِ عَلَيْهِمْ. ثَانِيهَا: أَنَّهُ خَافَ افْتِرَاضَهُ كِفَايَةً لَا عَيْنًا فَلَا يَكُونُ زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ بَلْ هُوَ نَظِيرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ قَوْمٌ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهَا. ثَالِثُهَا: أَنَّهُ خَافَ فَرْضَ قِيَامِ رَمَضَانَ خَاصَّةً كَمَا قَالَ. (وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ) وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ: " «خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ قِيَامُ هَذَا الشَّهْرِ» " فَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ لِأَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ لَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ. قَالَ: وَأَقْوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي نَظَرِي الْأَوَّلُ، وَفِي الْحَدِيثِ نَدْبُ قِيَامِ اللَّيْلِ وَلَا سِيَّمَا فِي رَمَضَانَ جَمَاعَةً لِأَنَّ الْخَشْيَةَ الْمَذْكُورَةَ أُمِنَتْ بَعْدَهُ وَلِذَا جَمَعَهُمْ عُمَرُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ التَّالِي، وَفِيهِ أَنَّ الْكَبِيرَ إِذَا فَعَلَ شَيْئًا خِلَافَ مَا اعْتَادَهُ أَتْبَاعُهُ أَنْ يَذْكُرَ لَهُمْ عُذْرَهُ وَحُكْمَهُ، وَشَفَقَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمَّتِهِ وَرَأْفَتُهُ بِهِمْ وَتَرْكُ بَعْضِ الْمَصَالِحِ لِخَوْفِ الْمَفْسَدَةِ وَتَقْدِيمُ أَهَمِّ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَجَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ نَفْيَ النِّيَّةِ لَمْ يُنْقَلْ وَلَمْ يُطَّلَعْ عَلَيْهِ بِالظَّنِّ وَتَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِلنَّوَافِلِ إِذَا صُلِّيَتْ جَمَاعَةً وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِعَزِيمَةٍ فَيَقُولُ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ» ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ   251 - 247 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ عُقَيْلٌ وَيُونُسُ وَشُعَيْبٌ وَغَيْرُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بَدَلَ أَبِي سَلَمَةَ وَصَحَّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ الطَّرِيقَانِ فَأَخْرَجَهُمَا عَلَى الْوَلَاءِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ جَمِيعًا (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرَغِّبُ» ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتَحِ الرَّاءِ وَشَدِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ (فِي قِيَامِ رَمَضَانَ) أَيْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ الْحَاصِلِ بِهَا قِيَامُ اللَّيْلِ كَالتَّهَجُّدِ سِرًّا، وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ فِي قَوْلِهِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقِيَامِ رَمَضَانَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ ( «مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِعَزِيمَةٍ» ) أَيْ أَنْ يُوجِبَهُ بَلْ أَمْرُ نَدْبٍ وَتَرْغِيبٍ، وَفَسَّرَهُ بِصِيغَةٍ تَقْتَضِي التَّرْغِيبَ وَالنَّدْبَ دُونَ الْإِيجَابِ بِقَوْلِهِ: (فَيَقُولُ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ عَلَى لَفْظِ قَامَ وَلِذَا أَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ، وَيُصَحِّحُ ذَلِكَ أَيْ يُقَوِّيهِ قَوْلُهُ: كَانَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَأَبُو أُوَيْسٍ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِلَفْظِ قَامَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَحْدَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» أَيْ بِالصَّادِ مِنَ الصِّيَامِ، وَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي الحديث: 251 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: " «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» " وَرَوَاهُ عُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ: " «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ» " اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ ابْنِ شِهَابٍ بِاللَّفْظَيْنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، فَتَارَةً يَرْوِيهِ بِلَفْظِ: قَامَ، وَتَارَةً بِلَفْظِ صَامَ لِأَنَّ الرُّوَاةَ الْمَذْكُورِينَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ كُلُّهُمْ حُفَّاظٌ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ رِوَايَةُ عُقَيْلٍ عَنْهُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا. (إِيمَانًا) تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حَقٌّ مُعْتَقِدًا أَفْضَلِيَّتَهُ. (وَاحْتِسَابًا) طَلَبًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ لَا لِرِيَاءٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُخَالِفُ الْإِخْلَاصَ طَيِّبُ النَّفْسِ بِهِ غَيْرُ مُسْتَثْقِلٍ لِقِيَامِهِ وَلَا مُسْتَطِيلٍ لَهُ، وَنَصْبُهُمَا عَلَى الْمَصْدَرِ أَوِ الْحَالِ. ( «غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ) أَيْ ذَنْبِهِ الْمُتَقَدِّمِ كُلِّهِ، فَمِنْ لِلْبَيَانِ لَا لِلتَّبْعِيضِ أَيِ الصَّغَائِرُ لَا الْكَبَائِرُ، كَمَا قَطَعَ بِهِ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْفُقَهَاءُ وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ، وَجَزَمَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُمَا. وَقَالَ الْحَافِظُ: إِنَّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ فَقَالَ قَوْمٌ: يَدْخُلُ فِيهِ الْكَبَائِرُ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا تَدْخُلُ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ التَّوْبَةَ وَالنَّدَمَ ذَاكِرًا لَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ أَنْ يُخَفِّفَ مِنَ الْكَبَائِرِ إِذَا لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً. وَزَادَ حَامِدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَمَا تَأَخَّرَ، رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ: هِيَ زِيَادَةٌ مُنْكَرَةٌ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، وَدَفَعَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ تَابَعَهُ عَلَى الزِّيَادَةِ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى، وَالْحُسَيْنُ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ لَهُ، وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ فِي فَوَائِدِهِ، وَيُوسُفَ الْحَاجِّيُّ فِي فَوَائِدِهِ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَوَرَدَتْ أَيْضًا عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ ثَابِتٍ عَنِ الْحَسَنِ كِلَاهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَرَدَتْ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ نَفْسِهِ، أَخْرَجَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي أَمَالِيهِ مِنْ طَرِيقِ بَحْرِ بْنِ نَصْرٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَيُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يُتَابِعْ بَحْرًا عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ وَلَا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَلَا يُونُسَ سِوَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ وَرَدَ فِي غُفْرَانِ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ جَمَعْتُهَا فِي كِتَابٍ مُفْرَدٍ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ تَسْتَدْعِي سَبْقَ ذَنْبٍ وَالْمُتَأَخِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ لَمْ يَأْتِ فَكَيْفَ يُغْفَرُ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ تَقَعُ مَغْفُورَةً، وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ حِفْظِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَنِ الذُّنُوبِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ «اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» " وَعُورِضَ الْأَخِيرُ بِوُرُودِ النَّقْلِ بِخِلَافِهِ، فَقَدْ شَهِدَ مِسْطَحٌ بَدْرًا وَوَقَعَ مِنْهُ فِي عَائِشَةَ مَا وَقَعَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ، وَقِصَّةُ نُعَيْمَانَ مَشْهُورَةٌ. (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: " «وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ النَّاسَ عَلَى الْقِيَامِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَدْرَجَ مَعْمَرٌ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا النَّاسُ يُصَلُّونَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: نَاسٌ يُصَلِّي بِهِمْ أُبَيُّ بْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 كَعْبٍ، فَقَالَ: أَصَابُوا وَنِعْمَ مَا صَنَعُوا» " ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَفِيهِ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ عُمَرَ هُوَ الَّذِي جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَهُ الْحَافِظُ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّ حَالَ النَّاسِ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَرْكِ النَّاسِ وَالنَّدْبِ إِلَى الْقِيَامِ وَأَنْ لَا يَجْتَمِعُوا عَلَى إِمَامٍ يُصَلِّي بِهِمْ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونُوا لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي بُيُوتِهِمْ وَأَنْ يُصَلِّيَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونُوا لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ أَوْزَاعًا مُتَفَرِّقِينَ. (ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، (وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) بِنَصْبِ صَدْرًا عَطْفٌ عَلَى خَبَرِ كَانَ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى خِلَافَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتَلَفَ رُوَاةُ مَالِكٍ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى مُتَّصِلًا هَكَذَا، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَمَعْنٌ وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ وَهْبٍ وَالْأَكْثَرُ عَنْ مَالِكٍ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرُوا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ مَوْصُولًا أَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ، وَتَابَعَ ابْنَ شِهَابٍ عَلَى وَصْلِهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ صِحَّةُ رِوَايَةِ يَحْيَى وَمَنْ تَابَعَهُ دُونَ رِوَايَةِ مَنْ أَرْسَلَهُ وَأَنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوا الْحَدِيثَ وَلَمْ يُتْقِنُوهُ إِذْ أَرْسَلُوهُ وَهُوَ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ. قَالَ: وَعِنْدَ الْقَعْنَبِيِّ وَمُطَرِّفٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ نَافِعٍ وَابْنِ بَكْرٍ وَأَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» " هَكَذَا رَوَوْهُ فِي الْمُوَطَّأِ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يُرَغِّبُ فِي رَمَضَانَ أَنْ يَأْمُرَ بِعَزِيمَةٍ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ وَلَيْسَ عِنْدَ يَحْيَى أَصْلًا رِوَايَةُ حُمَيْدٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رِوَايَةُ حُمَيْدٍ لَا أَبِي سَلَمَةَ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ أَيْ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَكَذَا مُسْلِمٌ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ فَذَكَرَاهُ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَحُمَيْدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهِ» "، وَتَابَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ وَهُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي ابْنِ وَهْبٍ ثُمَّ أَسْنَدَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِابْنِ شِهَابٍ فِيهِ شَيْخَيْنِ: أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ تَامًّا بِهِ، وَحُمَيْدًا حَدَّثَهُ مُخْتَصِرًا، فَكَانَ الزُّهْرِيُّ يُحَدِّثُ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ ثُمَّ مَالِكٌ بَعْدَهُ حَدَّثَ بِهِ بِالْوَجْهَيْنِ أَيْضًا، فَمِنْ رُوَاتِهِ مَنْ رَوَى حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَى حَدِيثَ حُمَيْدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ جُوَيْرِيَةُ وَابْنُ وَهْبٍ لَكِنْ ذَكَرَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَهُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ دُونَ الْقِصَّةِ وَدُونَ قَوْلِهِ: كَانَ يُرَغِّبُ. . إِلَخْ. وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَصَحَّحَ الطَّرِيقَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 [بَاب مَا جَاءَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ فَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَانِي لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ فَقَالَ عُمَرُ نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي تَقُومُونَ يَعْنِي آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَتُسَمَّى التَّرَاوِيحُ جَمْعُ تَرْوِيحَةٍ وَهِيَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الرَّاحَةِ كَتَسْلِيمَةٍ مِنَ السَّلَامِ، سُمِّيَتِ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً فِي لَيَالِي رَمَصَانَ تَرَاوِيحُ ; لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهَا كَانُوا يَسْتَرِيحُونَ بَيْنَ كُلِّ تَسْلِيمَتَيْنِ، قَالَ اللَّيْثُ: قَدْرُ مَا يُصَلِّي الرَّجُلُ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً. - 252 248 (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ) بِالتَّنْوِينِ بِلَا إِضَافَةٍ (الْقَارِيِّ) بِشَدِّ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ نِسْبَةٌ إِلَى الْقَارَةِ بَطْنٌ مِنْ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ. (أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) لَيْلَةً (فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ) النَّبَوِيِّ (فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ فَأَلِفٍ فَعَيْنٍ مُهْمِلَةٍ جَمَاعَاتٌ (مُتَفَرِّقُونَ) نَعْتٌ لَفْظِيٌّ لِلتَّأْكِيدِ مِثْلَ نَفْخَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْأَوْزَاعَ الْجَمَاعَاتُ الْمُتَفَرِّقَةُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُمُ الْعِزُونَ قَالَ تَعَالَى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} [المعارج: 37] (سُورَةُ الْمَعَارِجِ: الْآيَةَ 37) وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ» " وَذَكَرَ ابْنُ فَارِسٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَالْمَجْدُ أَنَّ الْأَوْزَاعَ الْجَمَاعَاتُ وَلَمْ يَقُولُوا مُتَفَرِّقِينَ، فَعَلَيْهِ يَكُونُ النَّعْتُ لِلتَّخْصِيصِ أَرَادَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مُتَفَرِّقِينَ. (يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ) مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشْرَةِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِمَا أَجْمَلَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: أَوْزَاعٌ. (فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَانِي) مِنَ الرَّأْيِ (لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ) لِأَنَّهُ أَنْشَطُ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُصَلِّينِ وَلِمَا فِي الِاخْتِلَافِ مِنِ افْتِرَاقِ الْكَلِمَةِ. قَالَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُمَا: اسْتَنْبَطَ عُمَرُ ذَلِكَ مِنْ تَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ صَلَّى مَعَهُ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي وَإِنْ كَانَ كَرِهَ ذَلِكَ لَهُمْ فَإِنَّمَا كَرِهَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا مَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِنَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَسُنَّ عُمَرُ إِلَّا مَا رَضِيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ إِلَّا خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا رَحِيمًا، فَلَمَّا أَمِنَ ذَلِكَ عُمَرُ أَقَامَهَا وَأَحْيَاهَا فِي سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَّ ذَلِكَ قَوْلُهُ: " «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَ رَمَضَانَ وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَانًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» " (فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَيْ جَعَلَهُ إِمَامًا لَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَاخْتَارَ أُبَيًّا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ» " وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ "، وَقَالَ عُمَرُ: " عَلِيٌّ أَقْضَانَا وَأُبَيٌّ أَقْرَأُنَا وَإِنَّا لَنَتْرُكَ أَشْيَاءَ مِنْ قِرَاءَةِ أُبَيٍّ " (قَالَ) عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقَارِيِّ: (ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصُلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ) أَيْ إِمَامِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ لَا يُصَلِّي مَعَهُمْ إِمَّا لِشُغْلِهِ بِأُمُورِ النَّاسِ وَإِمَّا لِانْفِرَادِهِ بِنَفْسِهِ فِي الصَّلَاةِ (فَقَالَ عُمَرُ: نَعِمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ) وَصَفَهَا بِنِعْمَتْ لِأَنَّ أَصْلَ مَا فَعَلَهُ سُنَّةً وَإِنَّمَا الْبِدْعَةُ الْمَمْنُوعَةُ خِلَافَ السُّنَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي صَلَاةِ الضُّحَى: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد: 27] (سُورَةُ الْحَدِيدِ: الْآيَةَ 27) وَأَمَّا ابْتِدَاعُ الْأَشْيَاءِ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا فَمُبَاحٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: نِعْمَتِ التَّاءُ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ لِأَنَّ نِعْمَ فِعْلٌ لَا يَتَّصِلُ بِهِ إِلَّا التَّاءُ وَفِي نُسَخٍ نِعْمَهْ بِالْهَاءِ وَذَلِكَ عَلَى أُصُولِ الْكُوفِيِّينَ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ النَّاسَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ مَا ابْتَدَأَ بِفِعْلِهَا الْمُبْتَدَعِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ غَيْرُهُ فَابْتَدَعَهُ عُمَرُ وَتَابَعَهُ الصَّحَابَةُ وَالنَّاسُ إِلَى هَلُمَّ جَرًّا، وَهَذَا يُبَيِّنُ صِحَّةَ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ انْتَهَى. فَسَمَّاهَا بِدَعَةً لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسُنَّ الِاجْتِمَاعَ لَهَا وَلَا كَانَتْ فِي زَمَانِ الصِّدِّيقِ وَهُوَ لُغَةً مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، وَتُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مُقَابِلِ السُّنَّةِ وَهِيَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ تَنْقَسِمُ إِلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ، وَحَدِيثُ " «كُلُّ بِدْعَةِ ضَلَالَةٍ» " عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَقَدْ رَغَّبَ فِيهَا عُمَرُ بُقُولِهِ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ وَهِيَ كَلِمَةٌ تَجْمَعُ الْمَحَاسِنَ كُلَّهَا، كَمَا أَنَّ بِئْسَ تَجْمَعُ الْمَسَاوِيَ كُلَّهَا، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بِعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» " وَإِذَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ عُمَرَ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْبِدْعَةِ. (وَالَّتِي تَنَامُونَ) بِفَوْقِيَّةٍ أَيِ الصَّلَاةَ وَتَحْتِيَّةٍ أَيِ الْفِرْقَةَ الَّتِي يَنَامُونَ (عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ) الصَّلَاةِ (الَّتِي تَقُومُونَ) بِفَوْقِيَّةٍ وَتَحْتِيَّةٍ أَيِ الْفِرْقَةَ الَّتِي كَسَابِقِهِ (يَعْنِي آخِرَ اللَّيْلِ) وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ آخِرَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ وَقَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف: 98] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةَ 98) أَخَّرَهُمْ إِلَى السَّحَرِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ. وَيَأْتِي حَدِيثُ: " «يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ» " (وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ) ثُمَّ جَعَلَهُ عُمَرُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: دَعَانِي عُمَرُ أَتَغَذَّى مَعَهُ فِي رَمَضَانَ يَعْنِي السُّحُورَ فَسَمِعَ هَيْعَةَ النَّاسِ حِينَ انْصَرَفُوا مِنَ الْقِيَامِ فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا إِنَّ الَّذِي بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا مَضَى مِنْهُ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِيَامَهُمْ كَانَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ جَعَلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 عُمَرُ فِي آخِرِهِ، فَكَانَ كَذَلِكَ إِلَى زَمَنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ كَمَا يَأْتِي أَنَّهُ يَسْتَعْجِلُ الْخَدَمَ بِالطَّعَامِ مَخَافَةَ الْفَجْرِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَ وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ   253 - 249 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ) الْكِنْدِيِّ الْمَدَنِيِّ الْأَعْرَجِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مَاتَ فِي حُدُودِ الْأَرْبَعِينَ، وَمِائَةٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ ثُمَامَةَ الْكِنْدِيِّ صَحَابِيٌّ لَهُ أَحَادِيثُ وَحُجَّ بِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَوَلَّاهُ عُمَرُ سُوقَ الْمَدِينَةِ وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَقِيلَ قَبْلَهَا، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ. (أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ) أَبَا الْمُنْذِرِ سَيِّدَ الْقُرَّاءِ (وَتَمِيمًا) هُوَ ابْنُ أَوْسِ بْنِ خَارِجَةَ (الدَّيْرِيِّ) كَذَا يَرْوِيهِ يَحْيَى وَابْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا بِالتَّحْتِيَّةِ بَعْدَ الدَّالِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْقَعْنَبِيُّ وَالْأَكْثَرُ الدَّارِيُّ بِأَلِفٍ بَعْدِ الدَّالِ وَكِلَاهُمَا صَوَابٌ لِاجْتِمَاعِ الْوَصْفَيْنِ فِيهِ، فَبِالْيَاءِ نِسْبَةٌ إِلَى دَيْرٍ كَانَ فِيهِ تَمِيمٌ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَقِيلَ إِلَى قَبِيلَةٍ وَهُوَ بَعِيدٌ شَاذٌّ، وَبِالْأَلْفِ نِسْبَةٌ إِلَى جَدِّهِ الْأَعْلَى الدَّارِ بْنِ هَانِي عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ: إِلَى دَارِينَ مَكَانٌ عِنْدَ الْبَحْرِينِ، قَالَ فِي الْمَطَالِعِ: وَلَيْسَ فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ دَارِيٌّ وَلَا دَيْرِيٌّ إِلَّا تَمِيمٌ، وَيُكَنَّى أَبَا رُقَيَّةَ بِقَافٍ مُصَغَّرُ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ أَسْلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ سَكَنَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ. (أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً) قَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّ عُمَرَ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ صَلَاتِهِ فِي رَمَضَانَ فَقَالَتْ: " «مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَنْ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» ". وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَى غَيْرُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ إِلَّا مَالِكًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَوَّلًا ثُمَّ خَفَّفَ عَنْهُمْ طُولَ الْقِيَامِ وَنَقَلَهُمْ إِلَى إِحْدَى وَعِشْرِينَ إِلَّا أَنَّ الْأَغْلَبَ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهَ: إِحْدَى عَشْرَةَ وَهْمٌ انْتَهَى. وَلَا وَهْمَ مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ بِالِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ قَرِيبٌ وَبِهِ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: إِنَّ مَالِكًا انْفَرَدَ بِهِ لَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فَقَالَ: إِحْدَى عَشْرَةَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عُرْوَةَ: " أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ يُصَلِّي بِالرِّجَالِ وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يُصَلِّي بِالنِّسَاءِ " وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ عُرْوَةَ فَقَالَ: بَدَلَ تَمِيمٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي وَقْتَيْنِ. (قَالَ) السَّائِبُ (وَقَدْ كَانَ الْقَارِيُّ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ) الحديث: 253 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 بِكَسْرِ الْمِيمِ وَقَدْ تُفْتَحُ وَالْكَسْرُ أَنْسَبُ بِالْمُفْرَدِ وَهُوَ مِائَةٌ وَكَسْرُ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانُ التَّحْتِيَّةِ أَيِ السُّوَرِ الَّتِي تَلِي السَّبْعَ الطُّوَلَ أَوِ الَّتِي أَوَّلُهَا مَا يَلِي الْكَهْفَ لِزِيَادَةِ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ آيَةٍ أَوِ الَّتِي فِيهَا الْقَصَصُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ) بِنُونٍ (عَلَى الْعِصِيِّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ جَمْعُ عَصَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَعِصِيَّهُمْ (سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: الْآيَةَ 44) وَفِي نُسْخَةٍ: حَتَّى يَعْتَمِدَ بِتَحْتِيَّةِ وَإِسْقَاطِ لَفَظِ كُنَّا أَيِ الْقَارِيُّ فَعَلَى الْعَصَا بِالْإِفْرَادِ (مِنْ طُولِ الْقِيَامِ) لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي النَّافِلَةِ لِطُولِ الْقِيَامِ عَلَى حَائِطٍ أَوْ عَصًا جَائِزٌ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ بِخِلَافِ الْفَرْضِ. (وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي بُزُوغِ الْفَجْرِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: هِيَ أَوَائِلُهُ وَأَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً   254 - 250 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ (ابْنِ رُومَانَ) بِضَمِّ الرَّاءِ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. (أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً) وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرَهُ بَيْنَ هَذَا وَسَابِقِهِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وِتْرٌ ثُمَّ قَامُوا بِعِشْرِينَ وَأَوْتَرُوا بِثَلَاثٍ. قَالَ الْبَاجِيُّ: فَأَمَرَهُمْ أَوَّلًا بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ ثُمَّ ضَعُفَ النَّاسُ فَأَمَرَهُمْ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَخَفَّفَ مِنْ طُولِ الْقِرَاءَةِ وَاسْتَدْرَكَ بَعْضَ الْفَضِيلَةِ بِزِيَادَةِ الرَّكَعَاتِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرِ» " لَكِنْ ضَعَّفَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِرِوَايَةِ أَبِي شَيْبَةَ جَدِّ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْحَرَّةِ فَثَقُلَ عَلَيْهِمِ الْقِيَامُ فَنَقَصُوا مِنَ الْقِرَاءَةِ وَزَادُوا الرَّكَعَاتِ فَجُعِلَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ غَيْرَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهَا كَانَتْ أَوَّلًا إِحْدَى عَشْرَةَ كَانُوا يُطِيلُونَ الْقِرَاءَةَ فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ فَخَفَّفُوا الْقِرَاءَةَ وَزَادُوا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَكَانُوا يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً غَيْرَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ بِقِرَاءَةٍ مُتَوَسِّطَةٍ، ثُمَّ خَفَّفُوا الْقِرَاءَةَ وَجَعَلُوا الرَّكَعَاتِ سِتًّا وَثَلَاثِينَ غَيْرَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ وَمَضَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ فِي إِمَارَةِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ يَقُومُونَ بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ الْأَمْرُ الْقَدِيمُ عِنْدَنَا. الحديث: 254 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ الْأَعْرَجَ يَقُولُ مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ قَالَ وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فَإِذَا قَامَ بِهَا فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً رَأَى النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ   255 - 251 الحديث: 255 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 - (مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ (أَنَّهُ سَمِعَ الْأَعْرَجَ) عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ (يَقُولُ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيِ الصَّحَابَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَدْرَكَ الْأَعْرَجُ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَكِبَارَ التَّابِعِينَ (إِلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ) فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ اقْتِدَاءً بِدُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُنُوتِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَهُ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَفِيهِ إِبَاحَةُ لَعْنِ الْكَفَرَةِ كَانَ لَهُمْ ذِمَّةٌ أَمْ لَا غَضَبًا لِلَّهِ. وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ يَلْعَنُ الْكَفَرَةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ وَاسِعٌ إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَمَعْنَاهُ عِنْدِي لَيْسَ بِسُنَّةٍ لَكِنَّهُ مُبَاحٌ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، لَكِنْ رَوَى الْمِصْرِيُّونَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ أَيْ لَا فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَانَ مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْكِرُهُ إِنْكَارًا شَدِيدًا وَلَا أَرَى أَنْ يُعْمَلَ بِهِ. (قَالَ: وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ) لِحَدِيثِ: " «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقِيَامِ» " (فَإِذَا قَامَ بِهَا فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً رَأَى النَّاسَ أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ) وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي مَبْلَغِ الْقِرَاءَةِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَمَّ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ» " وَقَالَ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: " «وَأَطِلِ الْقِرَاءَةَ عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُونَ لَا يَمَلُّونَ أَمْرَ اللَّهِ وَلَا يَكْرَهُونَهُ» " هَذَا فِي الْفَرَائِضِ فَكَيْفَ فِي النَّوَافِلِ؟ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ كُنَّا نَنْصَرِفُ فِي رَمَضَانَ فَنَسْتَعْجِلُ الْخَدَمَ بِالطَّعَامِ مَخَافَةَ الْفَجْرِ   256 - 252 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ (قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي) أَبَا بَكْرٍ اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيَّ الْبُخَارِيَّ الثِّقَةَ الْمَدَنِيَّ قَاضِيهَا (يَقُولُ: كُنَّا نَنْصَرِفُ فِي رَمَضَانَ) زَادَ فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْقِيَامِ (فَنَسْتَعْجِلُ الْخَدَمَ) جَمْعُ خَادِمٍ (بِالطَّعَامِ) لِلسُّحُورِ (مَخَافَةَ الْفَجْرِ) لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ جَعَلَ الْقِيَامَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَاسْتَمَرَّ إِلَى زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا بَعْدَ أَنْ كَانَ أَوَّلَ اللَّيْلِ كَمَا مَرَّ. الحديث: 256 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ذَكْوَانَ أَبَا عَمْرٍو وَكَانَ عَبْدًا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَتْهُ عَنْ دُبُرٍ مِنْهَا كَانَ يَقُومُ يَقْرَأُ لَهَا فِي رَمَضَانَ   256 - 253 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ذَكْوَانَ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (أَبَا عَمْرٍو) الْمَدَنِيَّ الثِّقَةَ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وَكَانَ عَبْدًا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَتْهُ عَنْ دَبَرٍ مِنْهَا كَانَ يَقُومُ يَقْرَأُ لَهَا فِي رَمَضَانَ) أَيْ يُصَلِّي لَهَا إِمَامًا قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إِمَامَةِ الْعَبْدِ الْبَالِغِ فِيمَا عَدَا الْجُمُعَةِ أَيْ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ غُلَامًا لَهَا عَنْ دُبُرٍ فَكَانَ يَؤُمُّهَا فِي رَمَضَانَ فِي الْمُصْحَفِ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَائِشَةَ هُوَ وَأَبُوهُ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَالْمِسْوَرُ وَنَاسٌ كَثِيرٌ فَيَؤُمُّهُمْ أَبُو عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ لَمْ يَعْتَقْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 [كِتَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ] [بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ] بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رِضًا أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً»   7 - كِتَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مِنْ أَفْضَلِ نَوَافِلِ الْخَيْرِ الْمُسْتَحَبَّةِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ بِاللَّيْلِ فَصَلَّى ثُمَّ أَيْقَظَ أَهْلَهُ فَصَلَّوْا، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى» " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ: إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهَ فَصَلَّيَا كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» " وَقَالَ: " «اسْتَعِينُوا عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ بِالْقَيْلُولَةِ» " وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَقَوْلُ قَوْمٍ إِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ لَا وَجْهَ لَهُ لِقَوْلِهِ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} [الإسراء: 79] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةَ 79) نَافِلَةً لَكَ أَيْ فَضِيلَةً، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى نَسْخِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ، وَشَذَّ عَبِيدَةُ السُّلْمَانِيُّ التَّابِعِيُّ فَأَوْجَبَهُ قَدْرَ حَلْبِ شَاةٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مَعْنَى نَافِلَةً لَكَ زَائِدَةٌ فِي فَرَائِضِكَ. 257 - 254 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الْفَاضِلِ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) الْأَسَدِيِّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ أَحَدُ الْأَعْلَامِ قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ ظُلْمًا فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ: تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ، قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: لَقَدْ مَاتَ وَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى عِلْمِهِ (عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رَضِيٍّ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ: إِنَّهُ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَائِشَةَ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَجَزَمَ الْحَافِظُ بِأَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى وَنَحْوِهِمَا مُرْسَلَةً. قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: وَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِنَحْوِ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الحديث: 257 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 مَا) نَافِيَةٌ (مِنْ) زَائِدَةٌ (امْرِئٍ) مُحَرُّرٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ اسْمُ مَا إِنْ جُعِلَتْ حِجَازِيَّةً، وَعَلَى الِابْتِدَاءِ إِنْ جُعِلَتْ تَمِيمِيَّةً ( «تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَذْهَبَ بِهِ النَّوْمُ فَلَا يَسْتَيْقِظَ. وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَيْقِظَ وَيَمْنَعَهُ غَلَبَةُ النَّوْمِ مِنَ الصَّلَاةِ فَهَذَا حُكْمُهُ أَنْ يَنَامَ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ مَانِعُ النُّوَّمِ (إِلَّا كُتِبَ لَهُ أَجْرُ صَلَاتِهِ) الَّتِي اعْتَادَهَا وَغَلَبَهُ النَّوْمُ أَحْيَانًا مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى نِيَّتِهِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ أَجْرَهَا غَيْرَ مُضَاعِفٍ وَلَوْ عَمِلَهَا لَضُوعِفَ لَهُ أَجْرُهَا إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ أَكْمَلُ حَالًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لَهُ أَجْرَ نِيَّتِهِ وَأَنَّ لَهُ أَجْرَ مَنْ تَمَنَّى أَنْ يُصَلِّيَ تِلْكَ الصَّلَاةَ أَوْ أَجْرَ تَأَسُّفِهِ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْهَا، وَاسْتَظْهَرَ غَيْرُهُ الْأَوَّلَ أَيْ أَجْرَ نِيَّتِهِ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ: ( «وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَحْتَسِبُ بِهِ وَيُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ الْمُصَلِّينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ: إِنَّ الْمَرْءَ يُجَازَى عَلَى مَا نَوَى مِنَ الْخَيْرِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهُ كَمَا لَوْ عَمِلَهُ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - إِذَا لَمْ يَحْبِسْهُ عَنْهُ شُغْلُ دُنْيَا وَكَانَ الْمَانِعُ مِنَ اللَّهِ، وَأَنَّ النِّيَّةَ يُعْطَى عَلَيْهَا كَالَّذِي يُعْطَى عَلَى الْعَمَلِ إِذَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْعَمَلِ بِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَانِعِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ وَنِيَّةُ الْفَاجِرِ شَرٌّ مِنْ عَمَلِهِ وَكُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى نِيَّتِهِ» " وَمَعْنَاهُ أَنَّ النِّيَّةَ بِلَا عَمَلٍ خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ بِلَا نِيَّةٍ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِدُونِهَا لَا يَنْفَعُ وَالنِّيَّةُ الْحَسَنَةُ تَنْفَعُ بِلَا عَمَلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ نِيَّةَ الْمُؤْمِنِ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَقْوَى عَلَيْهِ مِنْهَا انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَيْضًا، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ فِي الْحَدِيثِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا قَالَتْ وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ»   258 - 255 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَاسْمُهُ سَالِمُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِتَصْغِيرِ الْعَبْدِ التَّيْمِيِّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ» ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ فِي مَكَانِ سُجُودِهِ ( «فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي» ) أَيْ طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِيَّ لِأَقْبِضَ رِجْلِي مِنْ قِبْلَتِهِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَشَارَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ مَعْنَاهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ قَالَهُ الْحَافِظُ الْبُرْهَانُ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ (فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ) بِشَدِّ الْيَاءِ مُثَنًّى (فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا) بِالتَّثْنِيَةِ، وَكَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ فِي الْبُخَارِيِّ وَلِبَعْضِ رُوَاتِهِ رِجْلِي وَبَسَطْتُهَا بِالْإِفْرَادِ فِيهِمَا الحديث: 258 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 (قَالَتْ: «وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ» ) إِذْ لَوْ كَانَتْ لَقَبَضْتُ رِجْلِي وَمَا أَحْوَجْتُهُ لِلْغَمْزِ قَالَتْ ذَلِكَ اعْتِذَارًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَوْلُهَا يَوْمَئِذٍ تُرِيدُ حِينَئِذٍ إِذِ الْمَصَابِيحُ إِنَّمَا تُتَّخَذُ فِي اللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ، وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ يُعَبَّرُ بِالْيَوْمِ عَنِ الْحِينِ كَمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ النَّهَارِ، وَفِي قَوْلِهَا غَمَزَنِي دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لَمْسَ الْمَرْأَةِ بِلَا لَذَّةٍ لَا يُنْقِضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّ شَأْنَ الْمُصَلِّي عَدَمُ اللَّذَّةِ لَا سِيَّمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحْتِمَالُ الْحَائِلِ أَوِ الْخُصُوصِيَّةِ الْأَصْلُ عَدَمُ الْحَائِلِ، وَالْخَصَائِصُ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَعَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَقْطَعُ صَلَاةَ مَنْ صَلَّى إِلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، نَعَمْ كَرِهَهُ مَالِكٌ لِئَلَّا يَذْكُرَ مِنْهَا مَا يَشْغَلُهُ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ يُبْطِلُهَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْصُومٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ كَمَا قَالَهُ أَبُو عُمَرَ مِنْ أَثْبَتِ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ»   259 - 256 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا نَعَسَ» ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَغَلِطَ مَنْ ضَمَّهَا وَأَمَّا الْمُضَارِعُ فَبِضَمِّهَا وَفَتْحِهَا (أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ) الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ فِي اللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَخْذًا بِعُمُومِهِ لَكِنْ لَا يُخْرِجُ فَرِيضَةً عَنْ وَقْتِهَا، وَحَمَلَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ عَلَى نَفْلِ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النَّوْمِ غَالِبًا (فَلْيَرْقُدْ) وَفِي رِوَايَةٍ: فَلْيَنَمْ، وَأُخْرَى: فَلْيَضْطَجِعْ، وَالنُّعَاسُ أَوَّلُ النَّوْمِ، وَالرُّقَادُ الْمُسْتَطَابُ مِنَ النَّوْمِ ذَكَرَهُ الرَّاغِبُ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: فَلْيَنْصَرِفْ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّسْلِيمُ مِنَ الصَّلَاةِ بَعْدَ تَمَامِهَا فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، فَالنُّعَاسُ سَبَبٌ لِلنَّوْمِ أَوْ لِلْأَمْرِ بِهِ وَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ بِمُجَرَّدِ النُّعَاسِ، وَحَمَلَهُ الْمُهَلَّبُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ إِنَّمَا أُمِرَ بِقَطْعِ الصَّلَاةِ لِغَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَيْهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ النُّعَاسُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ عُفِيَ عَنْهُ ( «حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ» ) فَهُوَ غَشِيٌّ سَقِيمٌ يَهْجُمُ عَلَى الْقَلْبِ فَيَقْطَعُهُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ، وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ لَا لِلْوُجُوبِ لِأَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ انْقَطَعَتِ الصَّلَاةُ فَلَا يَتَأَتَّى وُجُوبُ الْقَطْعِ لِحُصُولِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُصَلِّي، ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ مُخَالِفًا لِأَبِيهِ فِي تَفْصِيلِهِ بَيْنَ شِدَّةِ النُّعَاسِ وَخِفَّتِهِ (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ) فِي أَوَائِلِ النَّوْمِ (لَا يَدْرِي) مَا يَفْعَلُ فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ لِلْعِلْمِ لَهُ وَاسْتَأْنَفَ بَيَانِيًّا قَوْلَهُ: (لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ) أَيْ يَدْعُو بِرَفْعِهِمَا (فَيَسُبَّ نَفْسَهُ) أَيْ يَدْعُو عَلَيْهَا، فَفِي النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ هِشَامٍ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ الحديث: 259 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وَهُوَ بِالنَّصْبِ جَوَابًا لِلَعَلَّ وَالرَّفْعُ عَطْفًا عَلَى يَسْتَغْفِرُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالنَّصْبُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَعْنَى يَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ الْغُفْرَانَ لِذَنْبِهِ لِيَصِيرَ مُزَكًّى فَيَتَكَلَّمُ بِمَا يَجْلِبُ الذَّنْبَ فَيَزِيدُ الْعِصْيَانُ عَلَى الْعِصْيَانِ وَكَأَنَّهُ قَدْ سَبَّ نَفْسَهُ، وَجَعَلَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ عِلَّةَ النَّهْيِ خَشْيَةَ أَنْ يُوَافِقَ سَاعَةَ إِجَابَةٍ، وَالرَّجَاءُ فِي لَعَلَّ عَائِدٌ عَلَى الْمُصَلِّي لَا إِلَى الْمُتَكَلِّمِ بِهِ أَيْ لَا يَدْرِي اسْتَغْفَرَ أَمْ سَبَّ مُتَرَجِّيًا لِلِاسْتِغْفَارِ وَهُوَ فِي الْوَاقِعِ بِضِدٍّ ذَلِكَ، وَعَبَّرَ أَوَّلًا بِنَعَسَ مَاضِيًا، وَثَانِيًا بِنَاعِسٍ اسْمَ فَاعِلٍ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي تَجَدُّدُ أَدْنَى نُعَاسٍ، وَنَقِيضُهُ فِي الْحَالِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ بِحَيْثُ يُفْضِي إِلَى عَدَمِ دِرَايَتِهِ بِمَا يَقُولُ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَقْرَأُ. قَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: وَإِنَّمَا أُخِذَ بِمَا لَمْ يَقْصِدْ مِنْ سَبِّهِ نَفْسَهُ وَهُوَ نَاعِسٌ لِأَنَّهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْوُقُوعِ فِيهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ فَهُوَ مُتَعَدٍّ، وَيُفْرَضُ عَدَمُ إِثْمِهِ بِعَدَمِ قَصْدِهِ، فَالْقَصْدُ مِنَ الصَّلَاةِ أَدَاءُهَا كَمَا أُمِرَ وَتَحْصِيلُ الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ وَبِفَوَاتِهِ يَفُوتُ الْمَقْصُودُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ فِيهِ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْءِ سَبُّ نَفْسِهِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَبَهَا مَنْ لَا يُقِيمُهَا عَلَى حُدُودِهَا وَإِنَّ تَرْكَ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ خُشُوعِهَا وَاسْتِعْمَالِ الْفَرَاغِ لَهَا وَاجِبٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةَ 43) قَالَ: مِنَ النَّوْمِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مَعْنَى ذَلِكَ مِنَ النَّوْمِ وَالْأَغْلَبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَمَنْ أَصَابَهُ ذَلِكَ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَمَعَهُ مَنْ يُوقِظُهُ فَلْيَرْقُدْ لِيَتَفَرَّغَ لِصَلَاتِهِ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّى وَاجْتَهَدَ فِي تَصْحِيحِهَا، فَإِنْ تَيَقَّنَ تَمَامَ فَرْضِهِ وَإِلَّا قَضَاهُ بَعْدَ النَّوْمِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ ثُمَّ مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ امْرَأَةً مِنْ اللَّيْلِ تُصَلِّي فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقِيلَ لَهُ هَذِهِ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ لَا تَنَامُ اللَّيْلَ فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَتْ الْكَرَاهِيَةُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ»   260 - 257 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) الْقُرَشِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ الشَّيْخَانِ (أَنَّهُ بَلَغَهُ) كَذَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بَلَاغًا، وَقَدْ رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْقَعْنَبِيُّ فِي الْمُوَطَّأِ دُونَ بَقِيَّةِ رُوَاتِهِ فَاقْتَصَرُوا مِنْهُ عَلَى طَرَفٍ مُخْتَصَرٍ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ ثَابِتَةٍ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَالْعُقَيْلِيُّ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ امْرَأَةً مِنَ اللَّيْلِ تُصَلِّي» " أَيْ سَمِعَ ذِكْرَ صَلَاتِهَا، فَلَفْظُ رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ الْمَذْكُورَةِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «كَانَ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ الحديث: 260 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " مَنْ هَذِهِ؟ " قُلْتُ: فُلَانَةٌ لَا تَنَامُ بِاللَّيْلِ نَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا، فَقَالَ: " مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» " وَلَكِنْ تُغَايِرُهُ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ الْحَوْلَاءَ مَرَّتْ بِهَا وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ، إِذْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَارَّةَ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا مِنْ بَنِيِ أَسَدٍ أَيْضًا فَالْقِصَّةُ تَعَدَّدَتْ، وَأَجَابَ الْحَافِظُ بِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ، وَيُحْمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ أَوَّلًا عِنْدَ عَائِشَةَ فَلَمَّا دَخَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَائِشَةَ قَامَتِ الْمَرْأَةُ لِتَخْرُجَ فَمَرَّتْ بِهِ فِي حَالِ ذَهَابِهَا فَسَأَلَ عَنْهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ: " «كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ فَلَمَّا قَامَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ هَذِهِ؟ " قُلْتُ: فُلَانَةُ وَهِيَ أَعْبَدُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ» " الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ، وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَذْكُرْ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ فَلَا يَأْتِي قَوْلُ ابْنِ التِّينِ لَعَلَّهَا أَمِنَتْ عَلَيْهَا الْفِتْنَةَ فَمَدَحَتْهَا فِي وَجْهِهَا. (فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ فَقِيلَ لَهُ) الْقَائِلُ عَائِشَةُ، فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: (هَذِهِ الْحَوْلَاءُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمِلَةِ وَالْمَدِّ وَهُوَ اسْمُهَا فَكَنَّتْ عَنْهَا بِفُلَانَةٍ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ وَصَرَّحَتْ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَفِي هَذَا الْبَلَاغِ بِاسْمِهَا وَاسْمِ أَبِيهَا فَقَالَتْ: (بِنْتُ تُوَيْتٍ) بِفَوْقِيَّتَيْنِ مُصَغَّرٌ ابْنُ حَبِيبٍ بِفَتْحِ الْمُهْمِلَةِ ابْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ مِنْ رَهْطِ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ (لَا تَنَامُ اللَّيْلَ) تُصَلِّي كَمَا زَادَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ، وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا لَا تَنَامُ اللَّيْلَ وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ أَنَّ عَائِشَةَ حَكَتْ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهَا (فَكَرِهَ) ذَلِكَ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى عُرِفَتِ الْكَرَاهِيَةُ) بِخِفَّةِ الْيَاءِ (فِي وَجْهِهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: تَعْنِي أَنَّهُ رُؤِيَ فِي وَجْهِهِ مِنَ التَّقْطِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا عَرَفَتْ بِهِ كَرَاهِيَتُهُ لِمَا وَصَفَتْ بِهِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ: لَا تَنَامُ اللَّيْلَ (ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ - وَتَعَالَى - لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» ) بِفَتْحِ الْمِيمِ فِيهِمَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ أَنَّ مَنْ مَلَّ مِنْ عَمَلٍ قُطِعَ عَنْهُ جَزَاءُهُ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَلَالِ لِأَنَّهُ بِحِذَائِهِ وَجَوَابٌ لَهُ فَهُوَ لَفْظٌ خَرَجَ عَلَى مِثَالِ لَفْظٍ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا جَعَلُوهُ جَوَابًا لَهُ أَوْ جَزَاءً ذَكَرُوهُ مِثْلَ لَفْظِهِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] (سُورَةُ الشُّورَى: الْآيَةَ 40) وَ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 194) {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةَ 54) وَ {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ - اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 14 - 15] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 14، 15) وَ {يَكِيدُونَ كَيْدًا - وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 15 - 16] (سُورَةُ الطَّارِقِ: الْآيَةَ 15، 16) . وَقَالَ الْحَافِظُ: الْمَلَالُ اسْتِثْقَالُ الشَّيْءِ وَنُفُورُ النَّفْسِ عَنْهُ بَعْدَ مَحَبَّتِهِ وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بِاتِّفَاقٍ، قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: إِنَّمَا أَطْلَقَ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ اللَّفْظِيَّةِ مَجَازًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَأَنْظَارُهُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَجِهَةُ مَجَازِهِ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ يَقْطَعُ ثَوَابَهُ عَمَّنْ قَطَعَ الْعَمَلَ مَلَالًا عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْمَلَالِ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يَقْطَعُ عَنْكُمْ فَضْلَهُ حَتَّى تَمَلُّوا سُؤَالَهُ فَتَزْهَدَ فِي الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ لَا يَتَنَاهَى حَقُّهُ عَلَيْكُمْ فِي الطَّاعَةِ حَتَّى يَتَنَاهَى جُهْدُكُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَتَّى عَلَى بَابِهَا فِي انْتِهَاءِ الْغَايَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَفْهُومِ، وَجَنَحَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَأْوِيلِهَا فَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَمَلُّ اللَّهُ إِذَا مَلِلْتُمْ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُونَ: لَا أَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يَبْيَضَّ الْقَارُ وَحَتَّى يَشِيبَ الْغُرَابُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْبَلِيغِ: لَا يَنْقَطِعُ حَتَّى يَنْقَطِعَ خُصُومُهُ لِأَنَّهُ لَوِ انْقَطَعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمْ مَزِيَّةٌ. وَهَذَا الْمِثَالُ أَشْبَهُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ شَيْبَ الْغُرَابِ لَيْسَ مُمْكِنًا عَادَةً بِخِلَافِ الْمَلَلِ مِنَ الْعَابِدِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: قِيلَ حَتَّى بِمَعْنَى الْوَاوِ فَالتَّقْدِيرُ لَا يَمَلُّ وَتَمَلُّونَ فَنَفَى عَنْهُ الْمَلَلَ وَأَثْبَتَهُ لَهُمْ، قَالَ: وَقِيلَ حَتَّى بِمَعْنَى حِينَ وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ وَأَجْرَى عَلَى الْقَوَاعِدِ وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ اللَّفْظِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ مِنَ الثَّوَابِ حَتَّى تَمَلُّوا مِنَ الْعَمَلِ» " أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ التَّعَارُفِ الَّتِي لَا يَتَهَيَّأُ لِلْمُخَاطَبِ أَنْ يَعْرِفَ الْقَصْدَ بِمَا يُخَاطَبُ بِهِ إِلَّا بِهَا وَهَذَا رَأْيُهُ فِي جَمِيعِ الْمُتَشَابِهِ. (اكْلَفُوا) بِسُكُونِ الْكَافِ وَفَتَحِ اللَّامِ أَيْ خُذُوا وَتَحَمَّلُوا (مِنَ الْعَمَلِ) أَيْ عَمَلِ الْبِرِّ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا (مَا لَكُمْ بِهِ) أَيْ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ (طَاقَةٌ) قُوَّةٌ فَمَنْطُوقُهُ الْأَمْرُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا يُطَاقُ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَمَفْهُومُهُ النَّهْيُ عَنْ تَكَلُّفِ مَا لَا يُطَاقُ. وَقَالَ عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنْ هَذَا خَاصٌّ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: سَبَبُ وُرُودِهِ خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ لَكِنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ وَقَدْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ أَيْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: عَلَيْكُمْ، وَبِقَوْلِهِ هُنَا: اكْلَفُوا، مَعَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ النِّسَاءُ طَلَبًا لِتَعْمِيمِ الْحُكْمِ فَغَلَّبَ الذُّكُورَ عَلَى الْإِنَاثِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ عَمَلَ الْبِرِّ ; لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبِهِ، وَالصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ اللَّفْظَ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ وَرَدَ مِنَ الشَّارِعِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ فَقَالُوا: يُكْرَهُ قِيَامُ جَمِيعِ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ مَرَّةً ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَإِنْ كَانَ يَأْتِي وَهُوَ نَاعِسٌ فَلَا يَفْعَلْ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يُدْرِكُهُ كَسَلٌ وَفُتُورٌ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَكْرَهُهُ إِلَّا لِمَنْ خَشِيَ أَنْ يَضُرَّ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ يَقُولُ لَهُمْ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]   261 - 258 الحديث: 261 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ) أَيْ لِإِدْرَاكِ شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ السَّحَرِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِيقَاظُهُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَأَيَّمَا كَانَ فَإِنَّهُ امْتَثَلَ الْآيَةَ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَشْغَلْهُ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ لِفَضْلِ التَّهَجُّدِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْ أَهْلَهُ مِنْهُ مَا كَانَ هُوَ يَفْعَلُهُ. (يَقُولُ لَهُمُ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ) بِنَصْبِهِمَا (ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ} [طه: 132] اصْبِرْ {عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ} [طه: 132] لَا نُكَلِّفُكَ (رِزْقًا) لِنَفْسِكَ وَلَا لِغَيْرِكَ {نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ} [طه: 132] الْجَنَّةُ (لِلتَّقْوَى) أَيْ لِأَهْلِهَا. رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُبَيٍّ قَالَ: «حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي بَابَ عَلِيٍّ فَيَقُولُ: الصَّلَاةَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] » (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةَ 33) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا   261 - 259 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ: يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِهَا لِلْفَوَاتِ (وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) لِمَنْعِهِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَقَدْ أُرْخِصَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ تَحَدَّثَ مَعَ ضَيْفٍ أَوْ غِلْمَانٍ أَوْ لِعُرْسٍ أَوْ لِمُسَافِرٍ قَالَهُ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا الْبَلَاغُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا» " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: كَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ النُّوَّمَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِيهِ فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً انْتَهَى. قَالَ الْحَافِظُ: وَمَنْ نُقِلَتْ عَنْهُ الرُّخْصَةُ قُيِّدَتْ عَنْهُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمَا إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ أَوْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ بِالنَّوْمِ وَهَذَا جَيِّدٌ حَيْثُ قُلْنَا إِنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ خَشْيَةُ خُرُوجِ الْوَقْتِ. وَحَمَلَ الطَّحَاوِيُّ الرُّخْصَةَ عَلَى مَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَشَاءِ وَالْكَرَاهَةَ عَلَى مَا بَعْدَ دُخُولِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا   261 - 260 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ) بَلَاغُهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قِرْمَانَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ ( «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» ) أَيِ التَّنَفُّلُ فِيهِ إِذْ لَا يُقَالُ لِلظُّهْرِ وَلَا لِلْعَصْرِ (مَثْنَى مَثْنَى) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ ( «يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِحَدِيثِهِ بَعْدَ هَذَا فِي الْمُوَطَّأِ مَرْفُوعًا: " «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» " قَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ سَائِلٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ؟ قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى. وَلَوْ سَأَلَهُ عَنْ صَلَاةِ النَّهَارِ لَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا، فَهُوَ يَرُدُّ عَلَى الْكُوفِيِّينَ فِي إِجَازَتِهِمْ عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَثَمَانِيًا وَسِتًّا وَأَرْبَعًا بِغَيْرِ سَلَامٍ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ وَهَذَا لَوْ صَحَّ احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَقَدُّمٍ عَنْ مَوْضِعِهِ وَلَا تَأَخُّرٍ وَجُلُوسٍ طَوِيلٍ وَكَلَامٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» وَهُوَ كَانَ أَشَدُّ النَّاسِ امْتِثَالًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يُقْبَلُ مَعَ هَذَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 [بَاب صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوِتْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَإِذَا فَرَغَ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ»   - بَابُ صَلَاةِ النَّبِيِّ فِي الْوِتْرِ بِكَسْرِ الْوَاوِ الْفَرْدُ وَبِفَتْحِهَا الثَّارُ وَفِي اللُّغَةِ مُتَرَادِفَانِ. 264 - 261 2 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» ) زَادَ يُونُسُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ: يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ (يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَإِذَا فَرَغَ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) لِلِاسْتِرَاحَةِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ هَكَذَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ، وَأَمَّا أَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ الحديث: 264 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 فَرَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ فَجَعَلُوا الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لَا بَعْدَ الْوِتْرِ فَقَالُوا: فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرَ وَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ. وَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ بِذَالٍ وَلَامٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ الصَّوَابُ دُونَ رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ لِمَوْضِعِهِ مِنَ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ وَلِثُبُوتِهِ فِي ابْنِ شِهَابٍ وَعِلْمِهِ بِحَدِيثِهِ. وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ فَهُوَ أَثْبَتُهُمْ فِيهِ وَأَحْفَظُهُمْ لِحَدِيثِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَضْطَجِعَ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا، وَلِرِوَايَةِ مَالِكٍ شَاهِدٌ وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي: " «أَنَّ اضْطِجَاعَهُ كَانَ بَعْدَ الْوِتْرِ وَقَبْلَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» " فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَحْفَظَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ وَإِنْ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ انْتَهَى. أَيْ لِأَنَّهُ إِمَامٌ مُتْقِنٌ حَافِظٌ فَلَا يَضُرُّهُ التَّفَرُّدُ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَزَادَ: «حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ يَعْنِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» . ثُمَّ رَوَى بَعْدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَيُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِسَنَدِهِ وَفِيهِ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ مَحْفُوظَتَانِ لِأَنَّ شَرْطَ الشُّذُوذِ تَعَذُّرُ الْجَمْعِ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا، وَبِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الِاضْطِجَاعِ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ نَفْيُ الْآخَرِ، فَكَانَ يَفْعَلُهُ قَبْلُ وَبَعْدُ، وَرَجَّحَ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَرْكُ الِاضْطِجَاعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَقَالَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي»   265 - 262 - (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) كَيْسَانَ (الْمَقْبُرِيِّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا نِسْبَةٌ إِلَى الْمَقْبَرَةِ لِأَنَّهُ كَانَ مُجَاوِرًا لَهَا (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) إِسْمَاعِيلَ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ أَوِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ التَّابِعِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» ) أَيْ غَيْرَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْهَا، وَفِيهِ أَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ حَدِيثُهَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ يَتَهَجَّدُ فِيهِ مَا لَا يَتَهَجَّدُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى التَّطْوِيلِ فِي الرَّكَعَاتِ دُونَ الزِّيَادَةِ فِي الْعَدَدِ وَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرَ» فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَقَدْ عَارَضَهُ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ مَعَ الحديث: 265 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 كَوْنِ عَائِشَةَ أَعْلَمَ بِحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلًا مِنْ غَيْرِهَا. قَالَ الْحَافِظُ: وَظَهَرَ لِي أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَنَّ التَّهَجُّدَ وَالْوِتْرَ مُخْتَصٌّ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَفَرَائِضُ النَّهَارِ الظُّهْرُ وَهِيَ أَرْبَعٌ، وَالْعَصْرُ وَهِيَ أَرْبَعٌ، وَالْمَغْرِبُ وَهِيَ ثَلَاثٌ وِتْرُ النَّهَارِ، فَنَاسَبَ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ اللَّيْلِ كَصَلَاةِ النَّهَارِ فِي الْعَدَدِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا. وَأَمَّا مُنَاسَبَةُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَبِضَمِّ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِكَوْنِهَا نَهَارِيَّةً إِلَى مَا بَعْدَهَا انْتَهَى. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الصُّبْحَ نَهَارِيَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 187) وَالْمَغْرِبَ لَيْلِيَّةٌ لِحَدِيثِ: " «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» " وَيُرَدُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وِتْرُ النَّهَارِ فَأَوْتِرُوا صَلَاةَ اللَّيْلِ» " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ، فَأُضِيفَتْ إِلَى النَّهَارِ لِوُقُوعِهَا عَقِبَهُ فَهِيَ نَهَارِيَّةٌ حُكْمًا لَيْلِيَّةٌ حَقِيقَةً كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. ( «يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ» ) أَيْ إِنَّهُنَّ فِي نِهَايَةٍ مِنْ كَمَالِ الْحُسْنِ وَالطُّولِ مُسْتَغْنِيَاتٌ بِظُهُورِ ذَلِكَ عَنِ السُّؤَالِ عَنْهُ. (ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ) يَعْنِي أَرْبَعًا فِي الطُّولِ وَالْحُسْنِ وَتَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» " وَمُحَالٌ أَنْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ وَيَفْعَلَ خِلَافَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ فُقَهَاءُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْأَرْبَعَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا سَلَامٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا جُلُوسٌ إِلَّا فِي آخِرِهَا وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» " ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ اهـ. (ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا) يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ كَمَا فِي حَدِيثِهَا فَوْقَهُ وَالرَّكْعَتَانِ شَفْعٌ (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ) بِفَاءِ الْعَطْفِ عَلَى السَّابِقِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الِاسْتِخْبَارِيِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْرِفِ النَّوْمَ قَبْلَ الْوِتْرِ لِأَنَّ أَبَاهَا كَانَ لَا يَنَامُ حَتَّى يُوتِرَ وَكَانَ يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَكَانَ مُقَرَّرًا عِنْدَهَا أَنْ لَا نَوْمَ قَبْلَ الْوِتْرِ فَأَجَابَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ لَيْسَ كَغَيْرِهِ (فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» ) لِأَنَّ الْقَلْبَ إِذَا قَوِيَتْ حَيَاتُهُ لَا يَنَامُ إِذَا نَامَ الْبَدَنُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ تَنَامُ أَعْيُنُنَا وَلَا تَنَامُ قُلُوبُنَا» " وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ وَلَوْ سُلِّطَ النَّوْمُ عَلَى قُلُوبِهِمْ كَانَتْ رُؤْيَاهُمْ كَرُؤْيَا مَنْ سِوَاهُمْ، وَلِذَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُ حَتَّى يَنْفُخَ وَيُسْمَعَ غَطِيطُهُ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ لِأَنَّ الْوُضُوءَ إِنَّمَا يَجِبُ بِغَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَى الْقَلْبِ لَا عَلَى الْعَيْنِ، وَلَا يُعَارِضُ نَوْمُهُ بِالْوَادِي لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْفَجْرِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 بِالْقَلْبِ كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ لِأَنَّ السُّؤَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْوِتْرِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ قَبْلَ صَلَاتِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ ثُمَّ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُوتِرُ، وَلِذَا جَاءَ الْحَدِيثُ: " أَرْبَعًا ثُمَّ أَرْبَعًا ثُمَّ ثَلَاثًا " أَظُنُّ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ بَيْنَهُنَّ فَقَالَ: أَرْبَعًا ثُمَّ أَرْبَعًا تَعْنِي بَعْدَ نَوْمٍ ثُمَّ ثَلَاثٍ بَعْدَ نَوْمٍ وَلِذَا قَالَتْ: أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ وَقَدْ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: " «كَانَ يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى ثُمَّ يُصَلِّي قَدْرَ مَا يَنَامُ ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى» " الْحَدِيثَ، يَعْنِي فَهَذَا شَاهِدٌ لِحَمْلِ خَبَرِ عَائِشَةَ عَلَى مَا ذُكِرَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّلَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الصَّوْمِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي الصِّفَةِ النَّبَوِيَّةِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ مَهْدِيٍّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ الثَّمَانِيَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ»   266 - 263 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً» ) ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا: " «مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» " فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَضَافَتْ إِلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ سُنَّةَ الْعِشَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ، أَوْ مَا كَانَ يَفْتَتِحُ بِهِ صَلَاةَ اللَّيْلِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُهَا بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، وَهَذَا أَرْجَحُ فِي نَظَرِي لِأَنَّ رِوَايَةَ أَبِي سَلَمَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْحَصْرِ جَاءَ فِي صِفَتِهَا يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ أَرْبَعًا ثُمَّ ثَلَاثًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَتَعَرَّضْ لِلرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ وَتَعَرَّضَتْ لَهُمَا هُنَا فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ مَسْرُوقٍ: " «سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ فَقَالَتْ: سَبْعًا وَتِسْعًا وَإِحْدَى عَشْرَةَ سِوَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» " وَمُرَادُهَا أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَتَارَةً سَبْعًا وَتَارَةً إِلَى آخِرِهِ. وَرِوَايَةُ الْقَاسِمِ عَنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» " مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ غَالِبَ حَالِهِ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَشْكَلَتْ رِوَايَاتُ عَائِشَةَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ حَتَّى نَسَبَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَهَا إِلَى الِاضْطِرَابِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ كَانَ الرَّاوِي عَنْهَا وَاحِدًا وَأَخْبَرَتْ عَنْ وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَالصَّوَابُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ذَكَرَتْهُ مِنْ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَأَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ بِحَسْبِ النَّشَاطِ وَبَيَانِ الْجَوَازِ، ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْ أَنَّ رِوَايَةَ عَائِشَةَ اضْطَرَبَتْ فِي الْحَجِّ وَالرَّضَاعِ وَصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ وَقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ قَالَ: وَهَذَا غَلَطٌ مِمَّنْ قَالَهُ فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا الحديث: 266 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 أَحْفَظُ الصَّحَابَةِ أَيْ مِنْ أَحْفَظِهِمْ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى هَذَا قِلَّةُ مَعْرِفَتِهِ بِمَعَانِي الْكَلَامِ وَوُجُوهِ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ إِخْبَارٌ عَنْ صَلَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ غَالِبًا، وَالثَّانِي إِخْبَارٌ عَنْ زِيَادَةٍ وَقَعَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَوْ ضَمَّتْ مَا كَانَ يَفْتَتِحُ بِهِ صَلَاتَهُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ الْإِحْدَى عَشْرَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَكَرَ قَوْمٌ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامٍ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْخَمْسِ رَكَعَاتٍ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ، رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ وَوُهَيْبٌ وَغَيْرُهُمْ، وَأَكْثَرُ الْحُفَّاظِ رَوَوْهُ عَنْ هِشَامٍ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالرِّوَايَةُ الْمُخَالِفَةُ لَهُ إِنَّمَا حَدَّثَ بِهَا عَنْ هِشَامٍ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَمَا حَدَّثَ بِهِ هِشَامٌ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْعِرَاقِ أَصَحُّ عِنْدَهُمْ. (ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ) أَيِ الْأَذَانَ (بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) رَغِيبَتَيِ الْفَجْرِ. وَفِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " حَتَّى إِنِّي لِأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ أَمْ لَا؟ " وَاخْتُلِفَ فِي حِكْمَةَ تَخْفِيفِهَا فَقِيلَ لِيُبَادِرَ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ، وَقِيلَ لِيَسْتَفْتِحَ صَلَاةَ النَّهَارِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ لِيَدْخُلَ فِي الْفَرْضِ أَوْ مَا شَابَهَهُ فِي الْفَضْلِ بِنَشَاطٍ وَاسْتِعْدَادٍ تَامٍّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالثَّلَاثَةُ عَنْ قُتَيْبَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ خَالَتُهُ قَالَ فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ»   267 - 264 - (مَالِكٌ عَنْ مَخْرَمَةَ) بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَفَتْحِ غَيْرِهَا (ابْنِ سُلَيْمَانَ) الْأَسَدَيِّ الْوَالِبِيِّ بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْمَدَنِيِّ، رَوَى عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَعِدَّةٍ، وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَتَلَتْهُ الْحَرُورِيَّةُ بِقُدَيْدٍ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً (عَنْ كُرَيْبٍ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ابْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الْهَاشِمِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ يُكَنَّى بِأَبِي رِشْدِينَ (مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ) عَنْ مَوْلَاهُ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأُسَامَةَ وَعَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَنْهُ ابْنَاهُ رِشْدِينُ وَمُحَمَّدٌ وَبُكَيْرُ بْنُ الْأَشَجِّ وَمَكْحُولٌ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَآخَرُونَ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ سَعْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَاحْتَجَّ بِهِ الْجَمَاعَةُ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ. (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ) الْحَبْرَ وَاسِعَ الْعِلْمِ فِقْهًا وَحَدِيثًا وَعَرَبِيَّةً وَأَنْسَابًا وَشِعْرًا وَتَفْسِيرًا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ: " دَعَانِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ أَنْتَ دَعَاكَ جِبْرِيلُ مَرَّتَيْنِ» ". وَعَنْهُ: " وَضَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ عَلَى كَتِفِي أَوْ مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ. وَعَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ فَوَجَدَ بَرْدَهَا الحديث: 267 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 فِي صَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ: " «اللَّهُمَّ احْشِ جَوْفَهُ عِلْمًا وَحِلْمًا» ". وَعَنْهُ: " ضَمَّنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ: " «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ " وَفِي رِوَايَةٍ: " الْكِتَابَ» " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ. (أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةِ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ خَالَتُهُ) زَادَ شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «فَرَقَبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ يُصَلِّي» " زَادَ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: " بِاللَّيْلِ ". وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَنِي الْعَبَّاسُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ كُرَيْبٍ فِي إِبِلٍ أَعْطَاهُ إِيَّاهَا مِنَ الصَّدَقَةِ أَيْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْ لِيَتَوَلَّى صَرْفَهُ فِي مَصَالِحِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْعَبَّاسُ هَاشِمِيٌّ لَا يُعْطَى صَدَقَةَ الْفَرْضِ. وَلِأَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ الْعَبَّاسَ بَعَثَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ قَالَ: فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَهُ، فَلَمَّا صَلَّى الْمَغْرِبَ قَامَ فَرَكَعَ حَتَّى أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ» ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ عَنْهُ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَ الْعَبَّاسَ ذَوْدًا مِنَ الْإِبِلِ فَبَعَثَنِي إِلَيْهِ بَعْدَ الْعَشَاءِ وَكَانَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ» . وَهَذَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُكَلِّمْهُ فِي الْمَسْجِدِ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ الْعَشَاءِ. وَفِيهِ جَوَازُ تَقَاضِي الْوَعْدِ وَإِنْ كَانَ مَنْ وَعَدَ بِهِ مَقْطُوعًا بِوَفَائِهِ. وَلِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ كُرَيْبٍ فَقَالَ لِي: «يَا بُنَيَّ بِتِ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا» . وَفِي رِوَايَةِ حَبِيبٍ الْمَذْكُورَةِ: فَقُلْتُ لَا أَنَامُ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى مَا يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ. وَلِمُسْلِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ فَقُلْتُ لِمَيْمُونَةَ إِذَا قَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَيْقِظِينِي. فَكَأَنَّهُ عَزَمَ فِي نَفْسِهِ عَلَى السَّهَرِ لِيَطَّلِعَ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي أَرَادَهَا ثُمَّ خَشِيَ أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ فَوَصَّى مَيْمُونَةَ أَنْ تُوقِظَهُ. وَفِيهِ فَضْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقُوَّةُ فَهْمِهِ وَحِرْصُهُ عَلَى تَعْلِيمِ أَمْرِ الدِّينِ وَحُسْنِ تَأَنِّيهِ فِي ذَلِكَ. (قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ) أَيْ وَضَعْتُ جَنْبِي بِالْأَرْضِ (فِي عَرْضٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِضَمِّهَا أَيْضًا وَأَنْكَرَهُ الْبَاجِيُّ نَقْلًا وَمَعْنًى قَالَ: لِأَنَّ الْعَرْضَ هُوَ الْجَانِبُ وَهُوَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ، وَرَدَّهُ الْعَسْقَلَانِيُّ بِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي طُولِهَا تَعَيَّنَ الْمُرَادُ وَقَدْ صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ فَلَا وَجْهَ لِلْإِنْكَارِ. (الْوِسَادَةِ) مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الرَّأْسُ لِلنَّوْمِ وَلِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ وَسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ. ( «وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا» ) أَيِ الْوِسَادَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - مُضْطَجِعًا عِنْدَ أَرْجُلِهِمَا أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِمَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا لَيْسَ بِالْبَيِّنِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ تَوَسَّدْتُ عَرْضَهَا. وَقَوْلُهُ: " فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضٍ " يَقْتَضِي أَنَّ الْعَرْضَ مَحَلٌّ لِاضْطِجَاعِهِ. وَفِي رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: «ثُمَّ دَخَلَ مَعَ امْرَأَتِهِ فِي فِرَاشِهَا وَكَانَتْ لَيْلَتَئِذٍ حَائِضًا» ، وَفِيهِ مَبِيتُ الصَّغِيرِ عِنْدَ مَحْرَمِهِ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عِنْدَهَا وَالِاضْطِجَاعُ مَعَ الْحَائِضِ وَتَرْكُ الِاحْتِشَامِ فِي ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّغِيرِ وَإِنْ كَانَ مُمَيَّزًا بَلْ مُرَاهِقًا. وَلِلْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 شَرِيكٍ عَنْ كُرَيْبٍ: فَتَحَدَّثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً. وَلِأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ فِي الْعِلَلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَتَيْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبِيتَ عِنْدَكُمْ، فَقَالَتْ: كَيْفَ تَبِيتُ وَإِنَّمَا الْفِرَاشُ وَاحِدٌ؟ فَقُلْتُ لَا حَاجَةَ لِي بِفِرَاشِكُمْ أَفْرِشُ نِصْفَ إِزَارِي، وَأَمَّا الْوِسَادَةُ فَإِنِّي أَضَعُ رَأْسِي مَعَ رَأْسِكُمَا مِنْ وَرَاءِ الْوِسَادَةِ، فَجَاءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَدَّثَتْهُ مَيْمُونَةُ بِمَا قُلْتُ فَقَالَ: " هَذَا شَيْخُ قُرَيْشٍ» ، (فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ التَّحَرِّي فِي الْأَلْفَاظِ وَفِي الْمَعَانِي. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ: «حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ» . وَلَهُ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ كُرَيْبٍ الْجَزْمُ بِثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِاسْتِيقَاظَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ فِي الْأُولَى نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ تَلَا الْآيَاتِ ثُمَّ عَادَ لِمَضْجَعِهِ فَنَامَ. وَفِي الثَّالِثَةِ أَعَادَ ذَلِكَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى. وَبَيَّنَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ كُرَيْبٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فَقَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَأَتَى حَاجَتَهُ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الْقِرْبَةَ» ، الْحَدِيثَ. وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: ثُمَّ قَامَ قَوْمَةً أُخْرَى. وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ فَبَالَ بَدَلَ فَأَتَى حَاجَتَهُ. (اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) إِنْ جُعِلَتْ إِذَا ظَرْفِيَّةً فَقَبْلَهُ ظَرْفٌ لِاسْتَيْقَظَ أَيِ اسْتَيْقَظَ وَقْتَ الِانْتِصَافِ أَوْ قَبْلَهُ وَإِنْ جُعِلَتْ شَرْطِيَّةً فَمُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، وَاسْتَيْقَظَ جَوَابُ الشَّرْطِ أَيْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ اسْتَيْقَظَ (فَجَلَسَ) حَالَ كَوْنِهِ ( «يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إِزَالَةَ النَّوْمِ وَأَنَّهُ أَرَادَ إِزَالَةَ الْكَسَلِ بِمَسْحِ الْوَجْهِ (بِيَدِهِ) بِالْإِفْرَادِ أَيْ يَمْسَحُ بِيَدِهِ عَيْنَيْهِ مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ ; لِأَنَّ الْمَسْحَ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْعَيْنِ وَالنَّوْمُ لَا يُمْسَحُ، أَوِ الْمُرَادُ يَمْسَحُ أَثَرَ النَّوْمِ مِنْ إِطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، قَالَهُ الْحَافِظُ: وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَثَرَ النَّوْمِ مِنَ النَّوْمِ لِأَنَّهُ نَفْسُهُ وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَثَرَ غَيْرُ الْمُؤَثِّرِ، فَالْمُرَادُ هُنَا ارْتِخَاءُ الْجُفُونِ مِنَ النَّوْمِ وَنَحْوِهِ. (ثُمَّ قَرَأَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الْعَشْرَ الْآيَاتِ) مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، وَاللَّامُ تَدْخُلُ فِي الْعَدَدِ الْمُضَافِ نَحْوِ الثَّلَاثَةِ الْأَثْوَابِ (الْخَوَاتِمَ) بِالنَّصْبِ صِفَةُ الْعَشْرِ (مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ) أَوَّلُهَا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ الْآيَةَ 190) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ ذَلِكَ لِيَبْتَدِئَ يَقَظَتَهُ بِذِكْرِ اللَّهِ كَمَا خَتَمَهَا بِذِكْرِهِ عِنْدَ نَوْمِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ ذَلِكَ لِيَتَذَكَّرَ مَا نُدِبَ إِلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَةِ وَمَا وُعِدَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ جَامِعَةٌ لِكَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ لِيَكُونَ تَنْشِيطًا لَهُ عَلَى الْعِبَادَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 لَا يَحْجِزُهُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إِلَّا الْجَنَابَةُ» " وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَشَذَّ قَوْمٌ فَأَجَازُوا قِرَاءَتَهُ لِلْجُنُبِ وَهُمْ مَحْجُوبُونَ بِالسُّنَّةِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْ كَرِهَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ هَذِهِ الْآيَاتِ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنَيِّرِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ نَوْمَهُ نَاقِضٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: " «إِنْ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» " وَأَمَّا وُضُوءُهُ عَقِبَهُ فَلَعَلَّهُ تَجْدِيدٌ أَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَوَضَّأَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ تَعَقُّبٌ جَيِّدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قَوْلِ ابْنِ بَطَّالٍ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنَ النَّوْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّهُ أَحْدَثَ فِي النَّوْمِ، لَكِنْ لَمَّا عَقَّبَ ذَلِكَ بِالْوُضُوءِ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ أَحْدَثَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ نَوْمِهِ لَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُ حَدَثٌ وَهُوَ نَائِمٌ، نَعَمْ خُصُوصِيَّتُهُ أَنَّهُ إِنْ وَقَعَ شَعَرَ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَمَا ادَّعُوهُ مِنَ التَّجْدِيدِ وَغَيْرِهِ الْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَقَدْ سَبَقَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِلَى مَعْنَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ. (ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ النُّونِ قِرْبَةٌ خَلِقَةٌ مِنْ أَدَمٍ، وَذَكَرَ الْوَصْفَ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ أَوِ الْأَدَمِ أَوِ الْجِلْدِ أَوِ السِّقَاءِ أَوِ الْوِعَاءِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُعَلَّقَةٍ بِتَأْنِيثِ الْوَصْفِ لِإِرَادَةِ الْقِرْبَةِ (فَتَوَضَّأَ مِنْهُ) أَيِ الشَّنِّ، وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْهَا أَيِ الْقِرْبَةِ، وَلِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ كُرَيْبٍ: " «ثُمَّ اسْتَفْرَغَ مِنَ الشَّنِّ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ تَوَضَّأَ» " وَفِيهِ جَوَازُ الِاغْتِرَافِ مِنَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ لِأَنَّ الْإِنَاءَ الْمَذْكُورَ كَانَ قَصْعَةً أَوْ صَحْفَةً. ( «فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ» ) أَيْ أَتَمَّهُ بِأَنْ أَتَى بِمَنْدُوبَاتِهِ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ: «فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ» . وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ كُرَيْبٍ: «فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا» . وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِرِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ وُضُوءَيْنِ لَمْ يُكْثِرْ وَقَدْ أَبْلَغَ» . وَلِمُسْلِمٍ: «فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يَمَسَّ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا قَلِيلًا وَزَادَ فِيهَا: فَتَسَوَّكَ» . (ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي) وَلِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ: " «ثُمَّ أَخَذَ بَرْدًا لَهُ حَضْرَمِيًّا فَتَوَشَّحَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَقَامَ يُصَلِّي» " (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ» ) يَقْتَضِي أَنَّهُ صَنَعَ جَمِيعَ مَا ذَكَرَ مِنَ الْقَوْلِ وَالنَّظَرِ وَالْوُضُوءِ وَالسِّوَاكِ وَالتَّوَشُّحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَغْلَبِ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِطْلَاقِ الْمِثْلِيَّةِ الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَزَادَ سَلَمَةُ عَنْ كُرَيْبٍ فِي الدَّعَوَاتِ مِنَ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ: " «فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَرْقُبُهُ» " وَكَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ عَمَلِهِ لِمَا جَرَى مِنْ عَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ بَعْضَ الْعَمَلِ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ ( «ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ» ) أَيِ الْأَيْسَرِ وَظَاهِرُهُ الْمُسَاوَاةُ ( «فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَعْنِي أَنَّهُ أَدَارَهُ فَجَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مَالِكٌ وَفِي مُسْلِمٍ: " «فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَدَارَنِي مِنْ خَلْفِهِ حَتَّى جَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ» " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 ( «وَأَخَذَ بِأُذُنِي» ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْمُعْجَمَةِ (الْيُمْنَى) حَالَ كَوْنِهِ (يَفْتِلُهَا) أَيْ يُدَلِّكُهَا زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: " «فَعَرَفْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ لِيُؤَنِّسَنِي بِيَدِهِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ» ". وَلِمُسْلِمٍ: " «فَجَعَلْتُ إِذَا أَغْفَيْتُ أَخَذَ بِشَحْمَةِ أُذُنِي» " وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَخْذَ الْأُذُنِ إِنَّمَا كَانَ حَالَ إِدَارَتِهِ لَهُ مِنَ الْيَسَارِ إِلَى الْيَمِينِ مُتَمَسِّكًا بِرِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ بِلَفْظِ: " «فَأَخَذَ بِأُذُنِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ» " لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِدَارَتِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَنْ لَا يَعُودُ إِلَى مَسْكِ أُذُنِهِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ تَأْنِيسِهِ وَإِيقَاظِهِ لِأَنَّ حَالَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ لِصِغَرِ سِنِّهِ، وَفِيهِ جَوَازُ فَتْلِ أُذُنِ الصَّغِيرِ وَإِيقَاظِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُتَعَلِّمَ إِذَا تُعُوهِدَ فَتْلَ أُذُنِهِ كَانَ أَدْعَى لِفَهْمِهِ، وَفِيهِ أَنَّ قَلِيلَ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا. ( «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ» ) ذَكَرَهَا سِتَّ مَرَّاتٍ فَالْجُمْلَةُ ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ: «يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ التَّصْرِيحُ بِالْفَصْلِ أَيْضًا وَأَنَّهُ اسْتَاكَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ (ثُمَّ أَوْتَرَ) بِوَاحِدَةٍ، وَلِلْبُخَارِيِّ: فَتَنَامَتْ، وَلِمُسْلِمٍ: «فَتَكَامَلَتْ صَلَاتُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً» وَلِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ كُرَيْبٍ: فَصَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً (ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ) بِلَالٌ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَلَهُ فِي أُخْرَى: ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) الْفَجْرَ قَبْلَ الصُّبْحِ (ثُمَّ خَرَجَ) مِنَ الْحُجْرَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ (فَصَلَّى الصُّبْحَ) بِالْجَمَاعَةِ، وَاتَّفَقَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ كُرَيْبٍ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ. وَفِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: «فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ» فَخَالَفَ شَرِيكٌ الْأَكْثَرَ، وَرِوَايَتُهُمْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَتِهِ لِمَا مَعَهُمْ مِنَ الزِّيَادَةِ وَلِكَوْنِهِمْ أَحْفَظَ مِنْهُ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الزِّيَادَةَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَشَاءِ وَبُعْدُهُ لَا يَخْفَى لَا سِيَّمَا مَعَ رِوَايَةِ حَدِيثِ الْبَابِ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَهُمَا حَتَّى اسْتَيْقَظَ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْمِنْهَالِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا وَاخْتُلِفَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا، فَلِلْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ عَنْهُ: " «فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ صَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ» " وَحَمَلَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ عَلَى سُنَّةِ الْعِشَاءِ لِوُقُوعِهَا قَبْلَ النَّوْمِ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ هُوَ مِنْ طَرِيقِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: " «فَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُهُ ثُمَّ انْصَرَفَ» " فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى الْأَرْبَعَ فِي الْمَسْجِدِ لَا فِي الْبَيْتِ. وَرِوَايَةُ ابْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا تَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى خَمْسِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ النَّوْمِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَظَهَرَ لِي مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ، وَيُوَضِّحُ أَنَّ رِوَايَةَ الْحَكَمِ وَقَعَ فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 تَقْصِيرٌ فَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: " «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُنَّ» " فَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ رِوَايَتَيْ سَعِيدٍ وَكُرَيْبٍ، وَأَمَّا مَا فِيهِمَا مِنَ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ فَرِوَايَةُ سَعِيدٍ صَرِيحَةٌ فِي الْوَصْلِ وَرِوَايَةُ كُرَيْبٍ مُحْتَمَلَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى رِوَايَةِ سَعِيدٍ. وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ: " «يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» " يُحْتَمَلُ تَخْصِيصُهُ بِالثَّمَانِ فَيُوَافِقُ رِوَايَةَ سَعِيدٍ وَيُوَافِقُهُ رِوَايَةُ يَحْيَى الْجَزَّارُ الْآتِيَةُ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طَرِيقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ عَنْهُ لَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا، وَمَنْ ذَكَرَ الْعَدَدَ مِنْهُمْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَلَمْ يَنْقُصْ عَنْ إِحْدَى عَشْرَةَ، إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يُخَالِفُهُمْ فَإِنَّ فِيهِ: «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فِيهِمَا ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَقْرَأُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ يَعْنِي آخِرَ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ أَوْتَرَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ» ، فَزَادَ عَلَى الرُّوَاةِ تَكْرَارَ الْوُضُوءِ وَمَا مَعَهُ وَنَقَصَ عَنْهُمْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا وَلَمْ يَذْكُرْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ أَيْضًا، وَأَظُنُّ ذَلِكَ مِنَ الرَّاوِي عَنْهُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فَإِنَّ فِيهِ مَقَالًا، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْأَرْبَعَ كَمَا لَمْ يَذْكُرِ الْحَكَمَ الثَّمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْفَجْرُ فَقَدْ ثَبَتَ ذِكْرُهُ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قِصَّةَ مَبِيتِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ اتِّحَادُهَا فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الرِّوَايَاتِ فِيهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَخْذَ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَالْأَحْفَظُ أَوْلَى مِمَّا خَالَفَهُمْ فِيهِ مَنْ هُوَ دُونَهُمْ وَلَا سِيَّمَا إِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ وَالْمُحَقَّقُ مِنْ عَدَدِ صَلَاتِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ. وَأَمَّا رِوَايَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ سُنَّةَ الْعِشَاءِ، وَيُوَافَقُ ذَلِكَ رِوَايَةَ أَبِي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ عَشْرَةَ» " يَعْنِي بِاللَّيْلِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ سُنَّةُ الْفَجْرِ مِنْهَا أَوْ لَا، وَبَيَّنَهَا يَحْيَى الْجَزَّارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ: " «كَانَ يُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَيُوتِرُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ» " وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ إِلَّا ظَاهِرُ سِيَاقِ حَدِيثِ الْبَابِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ أَيْ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ وَيَكُونُ مِنْهَا سُنَّةُ الْعِشَاءِ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ. . . . . إِلَخْ، أَيْ بَعْدَ أَنْ قَامَ. وَجَمَعَ الْكِرْمَانِيُّ بَيْنَ مُخْتَلِفِ رِوَايَاتِ قِصَّةِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذِهِ بِاحْتِمَالِ أَنَّ بَعْضَ رُوَاتِهِ ذَكَرَ الْقَدْرَ الَّذِي اقْتَدَى ابْنُ عَبَّاسٍ بِهِ وَفَصَلَهُ عَمَّا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ فِيهِ، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ الْجَمِيعَ مُجْمَلًا، كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَلَا يَخْفَى مَا فِي جَمْعِهِ هُوَ مِنَ التَّكَلُّفِ الْبَعِيدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَعَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَقُتَيْبَةَ وَالتِّنِّيسِيِّ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى السَّبْعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ «لَأَرْمُقَنَّ اللَّيْلَةَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أَوْ فُسْطَاطَهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَوْتَرَ فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً»   268 - 265 الحديث: 268 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا الثِّقَةِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ سَبْعُونَ سَنَةً. (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي بَكْرٍ اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ عَابِدٌ تَقَدَّمَا غَيْرَ مَرَّةٍ. (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ الثَّانِيَةِ ابْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْمُطَّلِبِيُّ قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: إِنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ شَاهِينَ فِي الصَّحَابَةِ. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ فِي كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ، رَوَى هُوَ عَنْ أَبِيهِ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ، وَعَنْهُ ابْنَاهُ مُحَمَّدٌ وَالْمُطَّلِبُ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ وَالِدُ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ السِّيرَةِ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَعَمِلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ عَلَى الْعِرَاقِ وَاسْتَقْضَاهُ الْحَجَّاجُ عَلَى الْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ. (أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ) الْمَدَنِيِّ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ، مَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً. (أَنَّهُ قَالَ) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: لَأَرْمُقَنَّ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَهُوَ خَطَأٌ وَأَبُو أُوَيْسٍ كَثِيرُ الْوَهْمِ فَسَقَطَ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ، وَسَمَاعُ أَبِي أُوَيْسٍ كَانَ مَعَ مَالِكٍ، فَالْعُمْدَةُ عَلَى رِوَايَةِ مَالِكٍ وَهِيَ الصَّوَابُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ قَالَ: (لَأَرْمُقَنَّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالنُّونِ الثَّقِيلَةِ وَأَصْلُهُ النَّظَرُ إِلَى الشَّيْءِ شَزْرًا نَظَرَ الْعَدَاوَةِ، وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِمُطْلِقِ النَّظَرِ وَعَدَلَ عَنِ الْمَاضِي فَلَمْ يَقُلْ رَمَقْتُ اسْتِحْضَارًا لِتِلْكَ الْحَالَةِ الْمَاضِيَةِ لِيُقَرِّرَهَا لِلسَّامِعِ أَبْلَغَ تَقْرِيرَ أَيْ لَأَنْظُرَنَّ ( «اللَّيْلَةَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ» ) أَيْ عَتَبَةَ بَابِهِ أَيْ جَعَلْتُهَا كَالْوِسَادَةِ بِوَضْعِ رَأْسِي عَلَيْهَا (أَوْ فُسْطَاطَهُ) بِضَمِّ الْفَاءِ بَيْتٌ مِنَ الشَّعَرِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْخَبَرُ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ أَشْبَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حِينَ سَمِعَهُ قَامَ يُصَلِّي لَا قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنَ التَّجَسُّسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَأَمَّا تَرَقُّبُهُ لِلصَّلَاةِ فَمَحْمُودٌ. ( «فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ» ) كَذَا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى ثَلَاثًا، وَسَائِرُ أَصْحَابِ الْمُوَطَّأِ قَالُوا ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ، يَعْنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي طُولِهِمَا، كَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ. وَالَّذِي قَالَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّ يَحْيَى قَالَ طَوِيلَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَغَيْرَهُ يَقُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ثَلَاثًا. ( «ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا» ) يَعْنِي فِي الطُّولِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُتَابِعْ يَحْيَى عَلَى هَذَا أَحَدٌ مِنَ الرُّوَاةِ، وَالَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ فَأَسْقَطَ يَحْيَى ذِكْرَ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ وَذَلِكَ خَطَأٌ وَاضِحٌ، لِأَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَغَيْرِهِ كَعَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُ صَلَاةَ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، وَقَالَ أَيْضًا طَوِيلَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَغَيْرُهُ يَقُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَوَهِمَ يَحْيَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَذَلِكَ مِمَّا عُدَّ عَلَيْهِ مِنْ سَقْطِهِ وَغَلَطِهِ وَالْغَلَطُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ. (ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا) فِي الطُّولِ، (ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا) فَذَكَرَهُمَا سِتَّ مَرَّاتٍ أُولَاهُمَا خَفِيفَتَيْنِ عَلَى الصَّوَابِ ثُمَّ التَّالِيَةُ أَطُولُهَا ثُمَّ الْأَرْبَعُ الَّتِي بَعْدَهَا كُلُّ رَكْعَتَيْنِ أَقْصَرُ مِمَّا قَبْلَهُمَا. (ثُمَّ أَوْتَرَ) بِوَاحِدَةٍ (فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً) ذَكَرَ ذَلِكَ مَعَ اسْتِفَادَتِهِ مِنَ الْعَدِّ لِئَلَّا يَسْقُطَ رَكْعَتَانِ مَثَلًا، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ كُلُّهُمْ مِثْلُ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ عَنْهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ: «فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أَوْ فُسْطَاطَهُ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 [بَاب الْأَمْرِ بِالْوِتْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى»   - بَابُ الْأَمْرِ بِالْوِتْرِ اخْتُلِفَ فِيهِ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ: فِي وُجُوبِهِ وَعَدَدِهِ وَاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ وَاخْتِصَاصِهِ بِقِرَاءَةٍ وَاشْتِرَاطِ شَفْعٍ قَبْلَهُ وَفِي آخِرِ وَقْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي السَّفَرِ عَلَى الدَّابَّةِ، قَالَهُ ابْنُ التِّينِ. زَادَ غَيْرُهُ: وَفِي قَضَائِهِ وَالْقُنُوتِ فِيهِ وَفِي مَحَلِّ الْقُنُوتِ مِنْهُ وَفِيمَا يُقَالُ فِيهِ وَفِي فَصْلِهِ وَوَصْلِهِ وَهَلْ يُسَنُّ رَكْعَتَانِ بَعْدَهُ وَفِي صَلَاتِهِ عَنْ قُعُودٍ، لَكِنَّ هَذَا الْأَخِيرَ يَنْبَنِي عَلَى كَوْنِهِ مَنْدُوبًا أَمْ لَا، وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ أَيْضًا، وَفِي أَنَّهُ أَفْضَلُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَوِ الرَّوَاتِبَ أَفْضَلُ مِنْهُ أَوْ خُصُوصِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ. 269 - 266 3 الحديث: 269 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) وَكِلَاهُمَا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي إِسْنَادِهِ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ نَافِعًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ أَخْبَرَاهُ كَذَا فِي الْمُوَطَّآتِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَأَوْرَدَهُ الْبَاقُونَ بِالْعَنْعَنَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الصَّغِيرِ أَنَّهُ ابْنُ عُمَرَ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّائِلِ، الْحَدِيثَ وَفِيهِ: ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِ الْحَوَلِ وَأَنَا بِذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْهُ فَمَا أَدْرِي أَهُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ» ؟ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ السَّائِلَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ. وَلِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْوِتْرِ وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِي مُجَلَّدٍ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بِتَعَدُّدِ مَنْ سَأَلَ (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ) وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ: كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ؟» (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) أَيِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ لَا يَنْصَرِفُ لِتَكْرَارِ الْعَدْلِ فِيهِ قَالَهُ الْكَشَّافُ، وَقَالَ آخَرُونَ: لِلْعَدْلِ وَالْوَصْفِ وَإِعَادَةُ مَثْنَى مُبَالَغَةً فِي التَّأْكِيدِ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: مَا مَثْنَى مَثْنَى؟ قَالَ: يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى مَثْنَى يَتَشَهَّدُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ، وَتَفْسِيرُهُ هُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الْفَهْمِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا أَنَّهَا مَثْنَى، وَتَبَيَّنَ مِنَ الْجَوَابِ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ عَدَدِهَا أَوْ عَنِ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ، وَلِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ مِنَ اللَّيْلِ» ؟ وَقَوْلُ ابْنِ بَزِيزَةَ: جَوَابُهُ بِقَوْلِهِ مَثْنَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ السَّائِلَ طَلَبَ كَيْفِيَّةَ الْعَدَدِ لَا مُطْلَقَ الْكَيْفِيَّةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَأَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْحَدِيثُ مِنَ الْحَدِيثِ وَفِيهِ تَعَيُّنُ الْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لِحَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ لِمَا صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِهِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَيْضًا كَوْنُهُ كَذَلِكَ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِلْإِرْشَادِ إِلَى الْأَخَفِّ، إِذِ السَّلَامُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَخَفُّ عَلَى الْمُصَلِّي مِنْ أَرْبَعٍ فَمَا فَوْقَهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الرَّاحَةِ غَالِبًا وَقَضَاءِ مَا يَعْرِضُ مِنْ أَمْرٍ مُهِمٍّ، وَلَوْ كَانَ الْوَصْلُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَقَطْ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنِ ادَّعَى اخْتِصَاصَهُ بِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ الْفَصْلُ كَمَا صَحَّ عَنْهُ الْوَصْلُ، فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 يُصَلِّي مَا بَيْنَ أَنْ يَفْرَغَ مِنَ الْعَشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» " وَاحْتُجَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا وَهُوَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِسْحَاقَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الرَّاجِحِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأَخْذِ بِهِ فَلَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي الْأَرْبَعِ وَبِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَيَّدَ الْجَوَابَ بِذَلِكَ مُطَابَقَةً لِلسُّؤَالِ وَبِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ حُكْمُ الْمَنْطُوقِ بِهِ، فَفِي السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» " لَكِنْ تُعُقِّبَ هَذَا الْأَخِيرُ بِأَنَّ أَكْثَرَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَعَلُّوا زِيَادَةَ وَالنَّهَارِ بِأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَذْكُرُوهَا، وَحَكَمَ النَّسَائِيُّ عَلَى رَاوِيهَا بِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهَا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: مَنْ عَلِيٌّ الْأَزْدِيُّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ وَأَدَعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ، وَإِذَا كَانَ حَدِيثُ الْأَزْدِيِّ صَحِيحًا لَمَا خَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ يَعْنِي مَعَ شِدَّةِ اتِّبَاعِهِ، رَوَاهُ عَنْهُ مُضَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي سُؤَالَاتِهِ، لَكِنْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» " مَوْقُوفٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ فَلَعَلَّ الْأَزْدِيَّ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ الْمَوْقُوفُ بِالْمَرْفُوعِ فَلَا تَكُونُ زِيَادَتُهُ صَحِيحَةً عَلَى رَأْيِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي الصَّحِيحِ أَنْ لَا يَكُونُ شَاذًّا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَقْلِ ابْنِ مَعِينٍ. (فَإِذَا خَشِيَ أَحَدَكُمُ الصُّبْحَ) أَيْ فَوَاتَ صَلَاتِهِ (صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً) وَلِلشَّافِعِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ وَمَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ثَلَاثَتِهِمْ عَنْ مَالِكٍ: «فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً» ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ هَكَذَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْصَرِفَ فَارْكَعْ رَكْعَةً» " وَفِيهِ أَنَّ الْوِتْرَ وَاحِدَةٌ وَأَنَّ فَصْلَهُ أَوْلَى مِنْ وَصْلِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَعْنَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٌ مُضَافَةٌ إِلَى رَكْعَتَيْنِ مِمَّا مَضَى وَبُعْدُهُ لَا يَخْفَى ( «تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» ) مِنَ النَّفْلِ فَفِيهِ أَنَّ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ هِيَ الْوِتْرُ وَأَنَّ كُلَّ مَا تَقَدَّمَهَا شَفْعٌ، وَسَبْقُ الشَّفْعِ شَرْطٌ فِي الْكَمَالِ لَا فِي صِحَّةِ الْوِتْرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافًا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَوْتَرُوا بِوَاحِدَةٍ دُونَ تَقَدُّمِ نَفْلٍ قَبْلَهَا. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُثْمَانَ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَيْلَةً فِي رَكْعَةٍ لَمْ يُصَلِّ غَيْرَهَا. وَفِي الْبُخَارِيِّ: أَنَّ سَعْدًا أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ، وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ: إِنَّهُ فَقِيهٌ، وَفِي كُلِّ هَذَا رَدٌّ لِقَوْلِ ابْنِ التِّينِ: لَمْ يَأْخُذِ الْفُقَهَاءُ بِعَمَلِ مُعَاوِيَةَ، وَاعْتِذَارُ الْحَافِظِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ لَعَلَّهُ أَرَادَ فُقَهَاءَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُمْ صِحَّتُهُ بِرَكْعَةٍ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ تَعَيُّنِ الْوَصْلِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى ثَلَاثٍ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ مَوْصُولَةٌ حَسَنٌ جَائِزٌ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَاهُ، فَأَخَذْنَا بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَتَرَكْنَا مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَتَعَقَّبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ بِمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: " «لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ تُشْبِهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ» " وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَأَخْرَجَ هُوَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَأَخْرَجَ هُوَ وَالنَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ كَرَاهَةَ الْوِتْرِ بِثَلَاثٍ. وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ: وَقَالَ لَا يُشْبِهُ التَّطَوُّعُ الْفَرِيضَةَ، فَهَذَا كُلُّهُ يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ الَّذِي زَعَمَهُ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرٍ: وَلِمَ نَجِدْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرًا صَحِيحًا أَنَّهُ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ مَوْصُولَةٍ، نَعَمْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ، لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنِ الرَّاوِي هَلْ هِيَ مَوْصُولَةٌ أَوْ مَفْصُولَةٌ؟ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَقْعُدُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ» " وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَلَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ» ". وَبَيَّنَ فِي عِدَّةِ طُرُقٍ أَنَّ السُّوَرَ الثَّلَاثَ لِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا لَمْ يَثْبُتَا عِنْدَ ابْنِ نَصْرٍ، وَعَلَى الثُّبُوتِ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، فَإِذَنِ النِّزَاعُ إِنَّمَا هُوَ فِي تَعَيُّنِ الثَّلَاثِ مَوْصُولَةً وَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ تَأْبَاهُ، وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْوِتْرِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَهُوَ جَالِسٌ» " وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلُوا الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ: " «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» " مُخْتَصًّا بِمَنْ أَوْتَرَ آخِرَ اللَّيْلِ. وَأَجَابَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ بِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ هُمَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَحَمَلَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ لِبَيَانِ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَجَوَازِ التَّنَفُّلِ جَالِسًا، وَقَدْ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ شَفْعًا مَا أَرَادَ وَلَا يَنْقُضُ وِتْرَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ. وَأَخْرَجَ حَدِيثَ الْبَابِ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى الْمُخْدَجِيَّ سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ إِنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ فَقَالَ الْمُخْدَجِيُّ فَرُحْتُ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَاعْتَرَضْتُ لَهُ وَهُوَ رَائِحٌ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَقَالَ عُبَادَةُ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ»   270 - 267 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةَ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ ابْنِ مُنْقِذٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ رَوَى لَهُ الْجَمَاعَاتُ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً. (عَنْ) عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ مُحَيْرِيزٍ) بِمِيمٍ وَمُهْمَلَةٍ وَرَاءٍ وَآخِرُهُ زَايٌ مَنْقُوطَةٌ مُصَغَّرٌ ابْنِ جُنَادَةَ بْنِ وَهْبٍ الْجُمَحِيِّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمِيمِ فَمُهْمَلَةٍ الْمَكِّيِّ، كَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي مَحْذُورَةَ بِمَكَّةَ ثُمَّ نَزَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، عَابِدٌ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ السِّتَّةُ وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ قَبْلَهَا (أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى الْمُخْدَجِيَّ) بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا بَعْدَهَا جِيمٌ فَتَحْتِيَّةٌ آخِرُهُ مَنْسُوبٌ إِلَى الحديث: 270 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 مُخْدَجِ بْنِ الْحَارِثِ كَذَا فِي التَّرْتِيبِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَقَبٌ وَلَيْسَ بِنَسَبٍ فِي شَيْءٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ قَالَ: وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعَرَفُ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقِيلَ اسْمُهُ رُفَيْعٌ (سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ) الْأَنْصَارِيَّ صَحَابِيٌّ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: قِيلَ اسْمُهُ مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ، وَقِيلَ مَسْعُودُ بْنُ زَيْدِ بْنِ سَبُعٍ، وَقِيلَ اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَوْلَانِيُّ حَلِيفُ بَنِي حَارِثَةَ مِنَ الْأَوْسِ، وَقِيلَ مَسْعُودُ بْنُ يَزِيدَ عِدَادُهُ فِي الشَّامِيِّينَ وَسَكَنَ دَارِيَّا، وَقِيلَ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ، وَقِيلَ قَيْسُ بْنُ عَبَايَةَ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: شَهِدَ فَتَحَ مِصْرَ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَزَعَمَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا ثُمَّ شَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ صِفِّينَ، وَفِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ رُفَيْعٍ قَالَ: تَذَاكَرْنَا الْوِتْرَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ (يَقُولُ: إِنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ) وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَالضَّحَّاكُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمْ، وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ: الْوِتْرُ وَاجِبٌ وَلَمْ يُكْتَبْ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ أَصْبَغَ وَسَحْنُونٍ وَكَأَنَّهُمَا أَخَذَاهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: مَنْ تَرَكَهُ أُدِّبَ وَكَانَ جَرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ: قَالَ سَحْنُونٌ: يُجَرَّحُ تَارِكُ الْوِتْرِ. وَقَالَ أَصْبَغَ: يُؤَدَّبُ تَارِكُهُ فَجَعَلَاهُ وَاجِبًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْقَوْلُ بِأَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ يَكَادُ يَكُونُ إِجْمَاعًا لِشُذُوذِ الْخِلَافِ فِيهِ. (فَقَالَ الْمُخْدَجِيُّ: فَرُحْتُ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجَيِّ الْمَدَنِيِّ أَحَدِ النُّقَبَاءِ الْبَدْرِيِّ مَاتَ بِالرَّمْلَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَلَهُ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَقِيلَ عَاشَ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ: كَانَ طُولُهُ عَشَرَةَ أَشْبَارٍ. (فَاعْتَرَضْتُ) أَيْ تَصَدَّيْتُ (لَهُ) وَتَطَلَّبْتُهُ (وَهُوَ رَائِحٌ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأَخْبَرَتْهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ) أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ (فَقَالَ عُبَادَةُ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ وَهِمَ وَغَلِطَ وَالْكَذِبُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدِهَا عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ فِيمَا خَفِيَ عَلَيْهِ وَلَا إِثْمَ فِيهِ. ثَانِيهَا: أَنْ يَعْمِدَهُ فِيمَا لَا يَحِلُّ فِيهِ الصِّدْقُ كَأَنْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ يُرَادُ قَتْلُهُ ظُلْمًا فَيَجِبُ الْكَذِبُ وَلَا يُخْبِرُ بِمَوْضِعِهِ. وَالثَّالِثِ: يَأْثَمُ فِيهِ صَاحَبُهُ وَهُوَ قَصْدُ الْكَذِبِ فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ قَصْدُهُ. (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ» ) أَيْ فَرَضَهُنَّ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ عَنْ عُبَادَةَ: افْتَرَضَهُنُّ (اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى الْعِبَادِ) فَأَفَادَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ غَيْرَهُنَّ وَمِنْهُ الْوِتْرُ (فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ) قَالَ الْبَاجِيُّ: احْتِرَازًا مِنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ الِاحْتِرَازَ مِنْهُ إِلَّا مَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 خَصَّهُ اللَّهُ بِالْعِصْمَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ التَّضْيِيعَ لِلصَّلَاةِ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُنَا أَنْ لَا يُقِيمَ حُدُودَهَا مِنْ مُرَاعَاةِ وَقْتٍ وَطَهَارَةٍ وَإِتْمَامِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُصَلِّيهَا انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «خَمْسٌ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ» (كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَدْخُلَهُ الْجَنَّةَ) مَعَ السَّابِقَيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ عَذَابٍ، وَوَجْهُ اسْتِدْلَالِ عُبَادَةَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ جَعْلُهُ الْعَهْدَ لِمَنْ جَاءَ بِهِنَّ فَيُفِيدُ دُخُولَهَا وَإِنْ لَمْ يَجِئْ بِغَيْرِهِنَّ وَمِنْهُ الْوِتْرُ، وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنَ الْوَجْهِ الْآخَرِ عَنْ عُبَادَةَ: " «كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ» " وَالْجُمْلَةُ فِي هَذَا وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنْ يُدْخِلَهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُقَدَّرٍ أَيْ هُوَ أَنْ. . . . . إِلَخْ، أَوْ صِفَةُ عَهْدٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ عَهْدٍ وَهُوَ الْأَمَانُ وَالْمِيثَاقُ وَعَهْدُ اللَّهِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ. (وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ) عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا ( «فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» ) عَدْلًا ( «وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» ) بِرَحْمَتِهِ فَضْلًا، وَفِيهِ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ لَا يَكْفُرُ وَلَا يَتَحَتَّمُ عَذَابُهُ بَلْ هُوَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَجَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ بِنَحْوِهِ فِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ سَعِيدٌ فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَيْنَ كُنْتَ فَقُلْتُ لَهُ خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ «أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ فَقُلْتُ بَلَى وَاللَّهِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ»   271 - 268 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَمِنْهُمْ يَحْيَى عَلَى الصَّوَابِ وَفَتَحِ الْعَيْنَ، وَزِيَادَةُ وَاوٍ وَهْمٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ: هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَمْ يُوقَفْ لَهُ عَلَى اسْمِ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ مِنَ الثِّقَاتِ لَيْسَ لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ (عَنْ سَعِيدِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ (بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ مُخَفَّفَ السِّينِ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ الْمَدَنِيِّ، اخْتُلِفَ فِي وَلَائِهِ لِمَنْ هُوَ وَقِيلَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ وَلَا يَصِحُّ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ رَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (بِطَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ سَعِيدٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ) عَنْ مَرْكُوبِي (فَأَوْتَرْتُ) عَلَى الحديث: 271 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 الْأَرْضِ (ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: خَشِيتُ الصُّبْحَ) أَيْ خِفْتُ طُلُوعَ الْفَجْرِ بِفَوَاتِ الْوِتْرِ، وَآخِرُ وَقْتِهِ الْمُخْتَارُ الْفَجْرُ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَآخِرُ وَقْتِهِمَا الضَّرُورِيِّ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ (فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا قُدْوَةٌ، وَفِيهِ إِرْشَادُ الْعَالَمِ لِرَفِيقِهِ مَا قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنَ السُّنَنِ، (فَقُلْتُ: بَلَى، وَاللَّهِ) فِيهِ الْحَلِفُ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي يُرَادُ تَأْكِيدُهُ (فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ» ) فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِثُبُوتِ أَحْكَامِ النَّافِلَةِ فِيهِ وَهُوَ فِعْلُهُ عَلَى الْبَعِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ فِعْلَهُ عَلَى الْأَرْضِ لِتَأَكُّدِ أَمْرِهِ، فَمَنْ صَلَّى عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي اللَّيْلِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ لِلْوِتْرِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى الْفَرْضُ عَلَى الدَّوَابِّ إِلَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ خَاصَّةً أَوْ غَلَبَةِ مَطَرٍ بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ فَوْقَهُ وَتَحْتَهُ فَفِيهِ خِلَافٌ، فَلَمَّا أَوْتَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْبَعِيرِ عُلِمَ أَنَّهُ سُنَّةٌ انْتَهَى. لَكِنِ اسْتُشْكِلَ بِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُجُوبَ الْوِتْرِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ صَلَّاهُ رَاكِبًا؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ بِالْحَضَرِ بِدَلِيلِ إِيتَارِهِ رَاكِبًا فِي السَّفَرِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، قَالَ: يُحْتَمَلُ خُصُوصِيَّةً ثَانِيَةً لَهُ أَوْ أَنَّهُ تَشْرِيعٌ لِلْأُمَّةِ بِمَا يَلِيقُ بِالسُّنَّةِ فِي حَقِّهِمْ فَصَلَّاهُ عَلَى الْبَعِيرِ لِذَلِكَ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَاحْتُمِلَ الرُّكُوبُ فِيهِ لِمَصْلَحَةِ التَّشْرِيعِ وَبُعْدُهُ لَا يَخْفَى، وَالْأَوْلَى فِيهِ أَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ فِرَاشَهُ أَوْتَرَ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُوتِرُ آخِرَ اللَّيْلِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَأَمَّا أَنَا فَإِذَا جِئْتُ فِرَاشِي أَوْتَرْتُ   272 - 269 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا (أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ (الصِّدِّيقُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ فِرَاشَهُ أَوْتَرَ) قَبْلَ أَنْ يَنَامَ (وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُوتِرُ آخِرَ اللَّيْلِ) بَعْدَ تَهَجُّدِهِ، فَفِي فِعْلَيْهِمَا إِبَاحَةُ تَقْدِيمِ الْوِتْرِ وَتَأْخِيرِهِ وَهُوَ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوِتْرَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَلَا وَقْتَ لَهَا مَحْدُودٌ فَاللَّيْلُ كُلُّهُ وَقْتٌ لَهُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَبْدَأَهُ مَغِيبُ الشَّفَقِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: " «كُلَّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ» " وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهَا: " «أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ الحديث: 272 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وَأَوْسَطَهُ وَآخِرَهُ وَلَكِنِ انْتَهَى وِتْرُهُ حِينَ مَاتَ إِلَى السَّحَرِ» " فَيُحْتَمَلُ أَنَّ إِيتَارَهُ أَوَّلُهُ وَأَوْسَطُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، فَحَيْثُ أَوْتَرَ أَوَّلَهُ لَعَلَّهُ كَانَ وَجِعًا، وَفِي وَسَطِهِ مُسَافِرًا اهـ. وَكَانَ غَالِبُ أَحْوَالِهِ وِتْرَ آخِرِ اللَّيْلِ لِمَا عُرِفَ مِنْ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَكْثَرِ اللَّيْلِ. (قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَأَمَّا أَنَا فَإِذَا جِئْتُ فِرَاشِي أَوْتَرْتُ) كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ أَخَذَ بِالْحَزْمِ وَغَلَبَةِ النَّوْمِ. «وَأَوْصَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا الدَّرْدَاءِ وَأَبَا ذَرٍّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَنَامَ أَحَدُهُمْ إِلَّا عَلَى وِتْرٍ» . وَرُوِيَ أَنَّهُ «ذَكَرَ لَهُ فِعْلَ الْعُمَرَيْنِ فَقَالَ: حَذِرَ هَذَا وَقَوِيَ هَذَا» ، يَعْنِي عُمَرَ وَلَمْ يُفَضِّلْ فِعْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِكُلٍّ وَجْهٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَجَاءَ أَنَّهُ «قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: أَخَذْتَ بِالْحَزْمِ، وَلِعُمَرَ: أَخَذْتَ بِالْقُوَّةِ» ، وَلَا مُعَارَضَةَ لِهَؤُلَاءِ وَبَيْنَ قَوْلِ عَائِشَةَ: " «وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ» " لِأَنَّ الْأَوَّلَ لِإِرَادَةِ الِاحْتِيَاطِ وَالْآخَرَ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً وَوَثِقَ بِالِانْتِبَاهِ كَمَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ أَفْضَلُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ طَمِعَ مِنْكُمْ أَنْ يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ، وَمَنْ خَافَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ أَوَّلِهِ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الْوِتْرِ أَوَاجِبٌ هُوَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ   272 - 270 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الْوِتْرِ أَوَاجِبٌ هُوَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ) يُكَرِّرُ السُّؤَالَ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: يَقُولُ أَوْتَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ) فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مَعْمُولٌ بِهَا وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا عِنْدَهُ لِأَفْصَحَ لَهُ بِوُجُوبِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: خَشِيَ ابْنُ عُمَرَ إِنْ قَالَ وَاجِبٌ يَظُنُّ السَّائِلُ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ، وَإِنْ قَالَ غَيْرَ وَاجِبٍ يَتَهَاوَنُ بِهِ وَيَتْرُكُهُ. وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا: " «زَادَنِي رَبِّي صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ وَقْتُهَا مِنَ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» " وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ. وَكَذَا فِي حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ فِي السُّنَنِ وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْوِتْرِ وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْوُجُوبِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ لِلْفَرْضِ كَحَدِيثِ: " «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَكُمْ ثُلُثَ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ» " وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا هُوَ لَنَا خِلَافٌ لِمَا افْتُرِضَ عَلَيْنَا وَيُصَحِّحُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 238) وَلَوْ كَانَتْ سِتًّا لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَسَطٌ. وَقَوْلُ الْأَعْرَابِيِّ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: " لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» " وَالْآثَارُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا. انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ: " «الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يَوْتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» " وَأَعَادَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ قَبُولِهِ فَيَحْتَاجُ مَنِ احْتَجَّ بِهِ إِلَى أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ لَفْظَ حَقٍّ بِمَعْنَى وَاجِبٍ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ، وَأَنَّ لَفْظَ وَاجِبٍ بِمَعْنَى مَا ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ مَنْ خَشِيَ أَنْ يَنَامَ حَتَّى يُصْبِحَ فَلْيُوتِرْ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ وَمَنْ رَجَا أَنْ يَسْتَيْقِظَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُؤَخِّرْ وِتْرَهُ   272 - 271 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ: مَنْ خَشِيَ أَنْ يَنَامَ حَتَّى يُصْبِحَ) أَيْ يَدْخُلَ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي (فَلْيُوتِرْ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ) حَتَّى لَا يَفُوتَهُ الْوَقْتُ الِاخْتِيَارِيُّ لِلْوِتْرِ. (وَمَنْ رَجَا) بِأَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِعَادَتِهِ (أَنْ يَسْتَيْقِظَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُؤَخِّرْ وِتْرَهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ: " «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» "، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَاحْتَجَّ بِهِ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ وَرُدَّ بِأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَكَذَا آخِرُهُ، وَبِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ وَالسَّمَاءُ مُغِيمَةٌ فَخَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ الصُّبْحَ فَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ ثُمَّ انْكَشَفَ الْغَيْمُ فَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا فَشَفَعَ بِوَاحِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا خَشِيَ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ   275 - 272 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ وَالسَّمَاءُ مُغَيِّمَةٌ) مُحِيطٌ بِهَا السَّحَابُ (فَخَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ الصُّبْحَ فَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ ثُمَّ انْكَشَفَ الْغَيْمُ فَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا فَشَفَعَ بِوَاحِدَةٍ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مِنَ الْوَاحِدَةِ فَشَفَعَهَا بِأُخْرَى عَلَى رَأْيِ مَنْ قَالَ لَا يَحْتَاجُ فِي نِيَّةِ أَوَّلِ الصَّلَاةِ إِلَى اعْتِبَارِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلَا اعْتِبَارِ وِتْرٍ وَلَا شَفْعٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَلَّمَ (ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا خَشِيَ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ) رُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُسَامَةَ وَعُرْوَةَ وَمَكْحُولٍ وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِمَسْأَلَةِ نَقْضِ الْوِتْرِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ كَانَ يُوتِرُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ ثُمَّ إِنْ قَامَ صَلَّى وَلَمْ يَعُدِ الْوِتْرُ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَمَّارٍ وَعَائِشَةَ وَكَانَتْ تَقُولُ أَوِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ؟ إِنْكَارًا لِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ عَلْقَمَةَ وَأَبِي مِجْلَزٍ الحديث: 275 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 وَطَاوُسٍ وَالنَّخَعِيِّ، وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» "، فَإِنْ قَالُوا: إِنْ شَفَعَهَا بِرَكْعَةٍ لَمْ يُوتِرْ وِتْرَيْنِ، قِيلَ لَهُمْ: مُحَالٌ أَنْ يَشْفَعَ رَكْعَةً قَدْ سَلَّمَ مِنْهَا وَقَامَ مُصَلِّيًا وِتْرًا عَلَى أَثَرِهَا، هَذَا مَا لَا يَصِحُّ فِي قِيَاسٍ وَلَا نَظَرٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَّا أَنَّ مَنْ أَوْتَرَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَنَفَّلَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ شَفْعًا مَا أَرَادَ وَلَا يَنْقُضُ وِتْرَهُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» "، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ نَقْضُ الْوِتْرِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِمَشْرُوعِيَّةِ التَّنَفُّلِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ الْوِتْرِ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِذَا كُنْتَ لَا تَخَافُ الصُّبْحَ وَلَا النَّوْمَ فَاشْفَعْ ثُمَّ صَلِّ مَا بَدَا لَكَ ثُمَّ أَوْتِرْ وَإِلَّا فَصَلِّ عَلَى وِتْرِكَ الَّذِي كُنْتَ أَوْتَرْتَ. وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا انْصَرَفْتُ رَكَعْتُ وَاحِدَةً، فَقِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَوْتَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ ثُمَّ قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ فَشَفَعْتُ حَتَّى أُصْبِحَ؟ قَالَ: لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ   276 - 273 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْوِتْرَ مَوْصُولًا، فَإِنْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَصَلَ ثُمَّ بَنَى عَلَى مَا مَضَى، وَهَذَا دَفْعٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ الْوِتْرُ إِلَّا مَفْصُولًا. وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزْنِيِّ قَالَ: صَلَّى ابْنُ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: يَا غُلَامُ ارْحَلْ لَنَا ثُمَّ قَامَ فَأَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ شَفْعِهِ وَوِتْرِهِ بِتَسْلِيمَةٍ وَأَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَفْعَلُهُ، وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ، وَلَمْ يَعْتَذِرِ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ إِلَّا بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ " تَسْلِيمَةٍ " أَيِ التَّسْلِيمُ فِي التَّشَهُّدِ وَلَا يَخْفَى بُعْدَ هَذَا التَّأْوِيلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَفِي دَعْوَاهُ أَنَّ ظَاهِرَهُ وَصْلُهُ وَأَنَّ رِوَايَةَ سَعِيدٍ أَصْرَحُ فِي ذَلِكَ وَقَفَهُ، بَلْ ظَاهِرُ رِوَايَةِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ عَادَتُهُ فَصْلَهُ لِإِتْيَانِهِ بَكَانَ وَحَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَحَتَّى الْغَائِيَّةِ، نَعَمْ لَوْ عَبَّرَ بِحِينَ بَدَلِ حَتَّى لَكَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا، وَأَمَّا رِوَايَةُ سَعِيدٍ فَمُحْتَمَلَةٌ. الحديث: 276 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يُوتِرُ بَعْدَ الْعَتَمَةِ بِوَاحِدَةٍ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَنَا وَلَكِنْ أَدْنَى الْوِتْرِ ثَلَاثٌ   277 - 274 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٍ الزُّهْرِيَّ أَحَدَ الْعَشْرَةِ (كَانَ يُوتِرُ بَعْدَ الْعَتَمَةِ) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ (بِوَاحِدَةٍ) وَكَذَا صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ وَمُعَاوِيَةَ وَصَوَّبَهُ ابْنُ الحديث: 277 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 عَبَّاسٍ كَمَا مَرَّ. (قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (وَلَكِنْ أَدْنَى) أَيْ أَقَلُّ (الْوِتْرِ ثَلَاثٌ) بِرَكْعَتَيِ الشَّفْعِ الْمَفْصُولَتَيْنِ مِنْهُ، فَالْمَعْنَى يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاحِدَةِ الَّتِي هِيَ الْوِتْرُ دُونَ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَهَا الشَّفْعَ هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْمُوَطَّأِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا: " «الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ وَمَنْ شَاءَ وَمَنْ شَاءَ بِوَاحِدَةٍ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وِتْرُ صَلَاةِ النَّهَارِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ فَبَدَا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ مَثْنَى مَثْنَى فَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ   278 - 275 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وِتْرُ صَلَاةِ النَّهَارِ) أُضِيفَتْ إِلَيْهِ لِوُقُوعِهَا عَقِبِهِ فَهِيَ نَهَارِيَّةٌ حُكْمًا وَإِنْ كَانَتْ لَيْلِيَّةً حَقِيقَةً. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: سُمِّيَتِ الْمَغْرِبُ لِأَنَّهُ اسْمٌ يُشْعِرُ بِمُسَمَّاهَا وَبِابْتِدَاءِ وَقْتِهَا وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا الْعِشَاءَ الْأُولَى كَمَا يُقَالُ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، وَهَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَرْفُوعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وِتْرُ النَّهَارِ فَأَوْتِرُوا صَلَاةَ اللَّيْلِ» "، وَلِأَحْمَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «صَلَاةُ الْمَغْرِبِ أَوْتَرَتِ النَّهَارَ فَأَوْتِرُوا صَلَاةَ اللَّيْلِ» "، قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: وَالْحَدِيثُ سَنَدُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا أَيْضًا لَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ: (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ فَبَدَا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ مَثْنَى مَثْنَى فَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ) وَلَا يُعِيدُ الْوِتْرَ لِحَدِيثِ: " «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» "، وَلِأَنَّ إِعَادَتَهُ تَصِيرُ الصَّلَاةُ كُلُّهَا شَفْعًا فَيَبْطُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ. الحديث: 278 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 [بَاب الْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ الْبَصْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ لِخَادِمِهِ انْظُرْ مَا صَنَعَ النَّاسُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَذَهَبَ الْخَادِمُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ قَدْ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنْ الصُّبْحِ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَأَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ   4 - بَابُ الْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ 279 - 276 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَبِي أُمَيَّةَ الحديث: 279 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 الْمُعَلِّمِ (الْبَصْرِيِّ) نَزِيلُ مَكَّةَ وَبِهَا لَقَّبَهُ مَالِكٌ وَاسْمُ أَبِيهِ قِيسٌ وَقِيلَ طَارِقٌ، قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَكَانَ مُؤَدِّبَ كِتَابِ حُسْنِ السَّمْتِ غَرَّ مَالِكًا مِنْهُ سَمْتُهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَيَعْرِفَهُ، كَمَا غَرَّ الشَّافِعِيَّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى حِذْقُهُ وَنَبَاهَتُهُ فَرَوَى عَنْهُ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، مَاتَ عَبْدُ الْكَرِيمِ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ اهـ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ هَذَا فِي الذِّكْرِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ اللَّيْلِ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ، وَأَخْرَجَ لَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ إِنَّمَا رَوَى لَهُ قَلِيلًا. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ لِخَادِمِهِ) : لَمْ يُسَمِّ (انْظُرْ مَا صَنَعَ النَّاسُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَذَهَبَ الْخَادِمُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: قَدِ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنَ الصُّبْحِ) أَيْ صَلَاتِهِ (فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَأَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ) فَفِي هَذَا أَنَّ الْوِتْرَ يُصَلَّى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يُصَلَّ الصُّبْحُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَدْ أَوْتَرُوا بَعْدَ الْفَجْرِ   279 - 277 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنَ رَبِيعَةَ) الْعَدَوِيَّ مَوْلَاهُمُ الْعَنْزِيُّ لَهُ رِوَايَةٌ وَأَبُوهُ عَامِرٌ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ. (قَدْ أَوْتَرُوا بَعْدَ الْفَجْرِ) أَجْمَلَهُمْ فِي هَذَا الْبَلَاغِ، ثُمَّ أَسْنَدَ الرِّوَايَةَ عَنْ كُلٍّ إِلَّا ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ فَوْقَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ مَا أُبَالِي لَوْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَأَنَا أُوتِرُ   281 - 278 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا أُبَالِي لَوْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَأَنَا أُوتِرُ) لِأَنَّهُ وَقْتٌ لَهُ ضَرُورِيٌّ. الحديث: 281 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ يَؤُمُّ قَوْمًا فَخَرَجَ يَوْمًا إِلَى الصُّبْحِ فَأَقَامَ الْمُؤَذِّنُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَأَسْكَتَهُ عُبَادَةُ حَتَّى أَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ   282 - 279 الحديث: 282 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ يَؤُمُّ قَوْمًا فَخَرَجَ يَوْمًا إِلَى الصُّبْحِ فَأَقَامَ الْمُؤَذِّنُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَأَسْكَتَهُ عُبَادَةُ حَتَّى أَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ) أَتَى بِهَذَا بَيَانًا لِإِسْنَادِ مَا أَوْرَدَهُ قَبْلَهُ بَلَاغًا عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ إِنِّي لَأُوتِرُ وَأَنَا أَسْمَعُ الْإِقَامَةَ أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ يَشُكُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيَّ ذَلِكَ قَالَ   283 - 280 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: إِنِّي لَأُوتِرُ وَأَنَا أَسْمَعُ الْإِقَامَةَ) لِلصُّبْحِ (أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ يَشُكُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيْ ذَلِكَ قَالَ) وَإِنِ اتَّحَدَ الْمَعْنَى. الحديث: 283 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ إِنِّي لَأُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ مَنْ نَامَ عَنْ الْوِتْرِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ حَتَّى يَضَعَ وِتْرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ   284 - 281 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: إِنِّي لَأُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ) وَكَذَا قَالَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَحُذَيْفَةُ وَعَائِشَةُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ ضَرُورِيٌّ لَهُ، خِلَافًا لِمَكْحُولٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى بَعْدَ الْفَجْرِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ بِصَلَاتِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ، فَدَلَّ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَى حَدِيثِ: " «أَلَا لَا وِتْرَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ» " وَفِيهِ أَبُو هَارُونَ الْعَنْبَرِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ مَا لَمْ تُصَلِّ الصُّبْحَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَنْ قَصَدَهُ، وَأَمَّا مَنْ قَامَ حِينَ انْفَجَرَ الصُّبْحُ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ مَعَ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَيْسَ مِمَّنْ أُرِيدَ بِالْحَدِيثِ كَمَا (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ) بِلَا كَرَاهَةٍ (مَنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ حَتَّى يَضَعَ وِتْرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَلَمْ يُوتِرُ فَلَا وِتْرَ لَهُ» "، وَهَذَا مَحْمُولٌ الحديث: 284 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 عَلَى الْمُتَعَمَّدِ أَيْ لَا وِتْرَ لَهُ كَامِلٌ لِتَفْوِيتِهِ وَقْتَهُ الِاخْتِيَارِيَّ حَتَّى أَوْقَعَهُ فِي الضَّرُورِيِّ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ نَسِيَ الْوِتْرَ أَوْ نَامَ عَنْهُ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا ذَكَرَهُ» " أَيْ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ، وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ طَاوُسٌ فَقَالُوا: يَقْضِي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: يَقْضِي وَلَوْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْغُرُوبِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَقْضِي مِنَ الْقَابِلَةِ، وَقِيلَ: يَقْضِي مُطْلَقًا، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمْ مَالِكٌ: لَا يَقْضِي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ لَمْ نَجِدْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ قَضَى الْوِتْرَ وَلَا أَمَرَ بِقَضَائِهِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ نَوْمِهِمْ عَنِ الصُّبْحِ فِي الْوَادِي قَضَى الْوِتْرَ فَلَمْ يُصِبْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 [بَاب مَا جَاءَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ عَنْ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ»   - بَابُ مَا جَاءَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ 285 - 282 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرِ أَنَّ) أُخْتَهُ (حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تَزَوَّجَهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمَاتَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ (أَخْبَرَتْهُ) فِيهِ رِوَايَةُ صَحَابِيٍّ عَنْ مِثْلِهِ وَالْأَخِ عَنْ أُخْتِهِ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ عَنِ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ» ) زَادَ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ عَنْ مَالِكٍ: وَبَدَا الصُّبْحُ بِمُوَحَّدَةٍ بِلَا هَمْزٍ ظَهَرَ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَجَوَابُ إِذَا قَوْلُهُ: ( «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» ) لِيُبَادِرَ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوَّلَ الْوَقْتِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي حِكْمَةِ تَخْفِيفِهَا وَلِيَدْخُلَ فِي الْفَرْضِ بِنَشَاطٍ تَامٍّ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ ( «قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ» ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ قَبْلَ قِيَامِ فَرْضِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّ وَقْتَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَتَقْدِيمُهُمَا أَوَّلُ الْوَقْتِ وَتَخْفِيفُهُمَا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْكُوفِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لِلصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَذَانُ الثَّانِي، وَحَدِيثُ: إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ وَعَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ، وَلِذَا لَمَّا دَخَلَ أَبُو يُوسُفَ الْمَدِينَةَ رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَأَيُّوبُ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ كَمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا. الحديث: 285 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُخَفِّفُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ أَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا»   286 - 283 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَذَا لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَفِيهِ سَقْطُ رَاوِيَيْنِ مِنَ الْإِسْنَادِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا (قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُخَفِّفُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» ) اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قِرَاءَةً وَأَفْعَالًا (حَتَّى) ابْتِدَائِيَّةٌ (إِنِّي) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (لَأَقُولُ) بِلَامِ التَّأْكِيدِ ( «أَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا» ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا شَكَّتْ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي النَّوَافِلِ فَلَمَّا خَفَّفَ قِرَاءَةَ الْفَجْرِ صَارَ كَمَا لَمْ يَقْرَأْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ انْتَهَى. فَلَا مُتَمَسَّكَ فِيهِ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ أَصْلًا، بَلْ قَوْلُ عَائِشَةَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِرَاءَتَهَا كَانَ أَمْرًا مُقَرَّرًا عِنْدَهُمْ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ عَنِ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بِهِمَا. وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ: رَمَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا فَكَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا» . وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ بِلَا قَيْدٍ وَكَذَا الْبَزَّارُ عَنْ أَنَسٍ، وَلِابْنِ حِبَّانَ عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَكَانَ يَقُولُ: نِعْمَ السُّورَتَانِ يُقْرَأُ بِهِمَا فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] » ". وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 136] » فِي الْبَقَرَةِ. وَفِي الْأُخْرَى الَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ، وَبِهِ وَبِمَا قَبْلَهُ اسْتَدَلَّ عَلَى الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عُرِفَ بِقِرَاءَةِ بَعْضِ السُّورَةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرُّ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ» " صَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ أَنَّ إِطَالَةَ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ وَسَنَدُهُ وَاهٍ، وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ قِرَاءَتِهِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. الحديث: 286 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ «سَمِعَ قَوْمٌ الْإِقَامَةَ فَقَامُوا يُصَلُّونَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصَلَاتَانِ مَعًا أَصَلَاتَانِ مَعًا وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ»   287 - 284 - (مَالِكٌ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْمَدَنِيِّ، قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: صَالِحُ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي عِدَادِ الشُّيُوخِ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَمَاتَ الحديث: 287 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ عَنْهُ حَدِيثَانِ انْتَهَى. وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَابْنُ الْجَارُودِ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَكَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: كَانَ يُرْمَى بِالْقَدَرِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: إِذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَةٌ فَلَا بَأْسَ بِرِوَايَاتِهِ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ لِحَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مَوَاضِعَ شَاذَّةً. (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَ قَوْمٌ) مِنَ الصَّحَابَةِ (الْإِقَامَةَ فَقَامُوا يُصَلُّونَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ تَخْتَلِفْ رُوَاةُ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ إِلَّا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ فَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ وَقَالَ: قَدْ رَوَى نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسٍ وَابْنُ بُحَيْنَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَاتِ الثَّلَاثَةِ ( «فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَصَلَاتَانِ مَعًا» ؟) لِأَنَّ الْإِقَامَةَ مِنَ الصَّلَاةِ (أَصَلَاتَانِ مَعًا) قَالَ الْبَاجِيُّ: إِنْكَارٌ وَتَوْبِيخٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَوْلُهُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ: «أَتُصَلِّيهِمَا أَرْبَعًا» ؟ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ سَرْجِسٍ: «أَيَّتُهُمَا صَلَاتُكُ» ؟ كُلُّ هَذَا إِنْكَارٌ مِنْهُ لِذَلِكَ الْفِعْلِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ شَيْئًا مِنَ النَّوَافِلِ إِذَا قَامَتِ الْمَكْتُوبَةُ. (وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ) وَلَكِنْ لَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِهِمَا لِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ» " زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَدِيٍّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ؟ قَالَ: وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» " وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا يَرْكَعْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلِ الْمَسْجِدَ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ رَكْعَةٍ رَكَعَهُمَا خَارِجَهُ لَا فِي أَفْنِيَتِهِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ، وَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى دَخَلَ وَصَلَّى مَعَهُ ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الشَّمْسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ   288 - 285 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ) وَحَلَّتِ النَّافِلَةُ. الحديث: 288 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ صَنَعَ مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ ابْنُ عُمَرَ   289 - 286 الحديث: 289 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ) أَبِيهِ (الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) أَنَّهُ صَنَعَ (مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ ابْنُ عُمَرَ) مِنْ قَضَائِهِمَا بَعْدَ الشَّمْسِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ مُؤَكَّدَاتِ السُّنَنِ، وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ وَعَطَاءٌ وَعُمَرُ بْنُ دِينَارٍ قَضَاءَهُمَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مِنَ الصُّبْحِ، وَأَبَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِلنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ: " «رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلَاةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ " فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَهُمَا فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ، فَسَكَتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 [كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] [بَاب فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ] بَاب فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»   8 - كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ 1 - بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ زِيَادَةٌ، وَالْفَذُّ بِالْمُعْجَمَةِ الْمُنْفَرِدِ يُقَالُ: فَذَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذَا بَقِيَ وَحْدَهُ. 290 - 287 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ» ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَضَمِّ الضَّادِ (صَلَاةُ الْفَذِّ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَشَدِّ الْمُعْجَمَةِ أَيِ الْمُنْفَرِدِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِضَمِّ الْعَيْنِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ» (بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: عَامَّةُ مَنْ رَوَاهُ قَالُوا: خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَّا ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: سَبْعًا وَعِشْرِينَ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْعُمَرِيِّ فَقَالَ: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ لَكِنَّ الْعُمَرِيَّ ضَعِيفٌ، وَلِأَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِضَمِّ الْعَيْنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ: بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَهِيَ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ الْحُفَّاظِ مِنْ أَصْحَابِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِ نَافِعٍ وَإِنْ كَانَ رَاوِيهُمَا ثِقَةٌ، وَأَمَّا مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ فَلَا تُغَايِرُ رِوَايَةَ الْحُفَّاظِ لِصِدْقِ الْبِضْعِ بِالسَّبْعِ، وَأَمَّا غَيْرُ ابْنِ عُمَرَ فَصَحَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ أَحْمَدَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ثُمَّ ابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ وَعَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ عِنْدَ السِّرَاجِ، وَجَاءَ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ مُعَاذٍ وَصُهَيْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَكُلُّهَا عَنِ الطَّبَرَانِيِّ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سِوَى رِوَايَةِ أُبَيٍّ فَقَالَ: أَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ بِالشَّكِّ، وَسِوَى رِوَايَةٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقَالَ: بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَفِي إِسْنَادِهَا شَرِيكٌ الْقَاضِي وَفِي حِفْظِهِ ضَعْفٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي عَوَانَةَ: بِضْعًا وَعِشْرِينَ وَلَيْسَتْ مُغَايِرَةً لِصِدْقِ الْبِضْعِ عَلَى خَمْسٍ، فَرَجَعَتِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا إِلَى الْخَمْسِ وَالسَّبْعِ إِذْ لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ، وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّهَا أَرْجَحُ فَقِيلَ: الْخَمْسُ الحديث: 290 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 لِكَثْرَةِ رُوَاتِهَا، وَقِيلَ: السَّبْعُ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةً مِنْ عَدْلٍ حَافَظٍ، وَاخْتُلِفَ فِي مُمَيَّزِ الْعَدَدِ، فَفِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا التَّعْبِيرُ بِدَرَجَةٍ أَوْ حَذْفِ الْمُمَيَّزِ إِلَّا طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَفِي بَعْضِهَا ضَعْفًا، وَفِي بَعْضِهَا جُزْءًا، وَفِي بَعْضِهَا دَرَجَةً، وَفِي بَعْضِهَا صَلَاةً، وَهَذَا الْأَخِيرُ فِي بَعْضِ طُرُقٍ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنَ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْأَثِيرِ إِنَّمَا قَالَ دَرَجَةً وَلَمْ يَقُلْ جُزْءًا وَلَا نَصِيبًا وَلَا حَظًّا وَلَا نَحْوَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ مِنْ جِهَةِ الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ فَإِنَّ تِلْكَ فَوْقَ هَذِهِ بِكَذَا وَكَذَا دَرَجَةً لِأَنَّ الدَّرَجَاتِ إِلَى جِهَةِ فَوْقَ، فَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ لَفْظُ دَرَجَةٍ وَمَا عَدَاهَا مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ، لَكِنْ نَفْيُهُ وُرُودُ الْجُزْءِ مَرْدُودٌ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ وَكَذَا الضَّعْفُ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ رِوَايَتَيِ الْخَمْسِ وَالسَّبْعِ بِأَنَّ ذِكْرَ الْقَلِيلِ لَا يَنْفِيِ الْكَثِيرَ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ مَفْهُومَ الْعَدَدِ، لَكِنْ قَدْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَبِأَنَّهُ لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِالْخَمْسِ ثُمَّ أَعَلَمَهُ اللَّهُ بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ بِسَبْعٍ، وَرَدَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَارِيخٍ، وَبِأَنَّ دُخُولَ النَّسْخِ فِي الْفَضَائِلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، لَكِنْ إِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الدُّخُولِ تَعَيَّنَ تَقَدُّمُ الْخَمْسِ عَلَى السَّبْعِ، لِأَنَّ الْفَضْلَ مِنَ اللَّهِ يَقَبْلُ الزِّيَادَةَ لَا النَّقْصَ، وَجَمَعَ أَيْضًا بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَدَدَيْنِ بِاخْتِلَافِ مُمَيِّزِهِمَا، وَعَلَيْهِ فَقِيلَ: الدَّرَجَةُ أَصْغَرُ مِنَ الْجُزْءِ، وَرَدَ بِأَنَّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ الْجُزْءَ رَوَى عَنْهُ الدَّرَجَةَ، وَقِيلَ: الْجُزْءُ فِي الدُّنْيَا وَالدَّرَجَةُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغَايُرِ، وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ قُرْبِ الْمَسْجِدِ وَبُعْدِهِ، وَبِالْفَرْقِ بِحَالِ الْمُصَلِّي كَأَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ أَوْ أَخْشَعَ، وَبِإِيقَاعِهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُنْتَظِرِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهِ، وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ إِدْرَاكِهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا، وَبِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ وَقِلَّتِهِمْ، وَبِأَنَّ السَّبْعَ مُخْتَصَّةٌ بِالْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ أَوِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَالْخَمْسِ بِمَا عَدَا ذَلِكَ، وَبِأَنَّ السَّبْعَ مُخْتَصَّةٌ بِالْجَهْرِيَّةِ وَالْخَمْسَ بِالسِّرِّيَّةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ عِنْدِي أَوْجَهُهَا لِطَلَبِ الْإِنْصَاتِ ثُمَّ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَالِاسْتِمَاعِ لَهَا، وَلِتَأْمِينِهِ إِذَا سَمِعَهُ لِيُوَافِقَ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ الْحِكْمَةُ فِي هَذَا الْعَدَدِ مُحَقَّقَةُ الْمَعْنَى. وَنَقَلَ الطِّيبِيُّ عَنِ التُّورِبِشْتِيِّ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ بَلْ مَرْجِعُهُ إِلَى عِلْمِ النُّبُوَّةِ الَّتِي قَصُرَتْ عُلُومُ الْأَلِبَّاءِ عَنْ إِدْرَاكِ حَقِيقَتِهَا كُلِّهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْفَضَائِلُ لَا تُدْرَكُ بِقِيَاسٍ وَلَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلنَّظَرِ وَإِنَّمَا هِيَ بِالتَّوْقِيفِ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ لَا أَحْفَظُهُ الْآنَ: " «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ بِأَرْبَعِينَ دَرَجَةً» "، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ تَعْدِلُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ لِأَنَّهَا تُسَاوِيهَا وَتَزِيدُ عَلَيْهَا سَبْعًا وَعِشْرِينَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا»   291 - 288 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) هَكَذَا لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأَ، وَرَوَاهُ الحديث: 291 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ زِيَادٍ النَّصِيبِيُّ وَيَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ وَعَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ» ) بِالتَّاءِ وَفِي رِوَايَةٍ بِحَذْفِهَا (وَعِشْرِينَ جُزْءًا) وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ أَيْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ فِي جَمَاعَةٍ، وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ أَنَّ صَلَاةَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْوَاحِدِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، وَيَدُلُّ عَلَى التَّقْدِيرِ رِوَايَةُ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: " «فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ أَحَدِكُمْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ صَلَاةً» "، وَمَعْنَى الدَّرَجَةِ أَوِ الْجُزْءِ حُصُولُ مِقْدَارِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ بِالْعَدَدِ الْمَذْكُورِ لِلْجَمِيعِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِلَفْظِ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ» . وَفِي أُخْرَى: «صَلَاةٌ مَعَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً يُصَلِّيهَا وَحْدَهُ» . وَلِأَحْمَدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوِهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: كُلُّهَا مِثْلُ صَلَاتِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ حَيْثُ قَالَ: لَا تُضَعَّفُ لِأَنَّ الضِّعْفَ كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْمِثْلُ أَيْ مَا زَادَ وَلَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلَى الْمِثْلَيْنِ، يُقَالُ: هَذَا ضِعْفُ الشَّيْءِ أَيْ مِثْلُهُ أَوْ مِثْلَاهُ فَصَاعِدًا لَكِنْ لَا يُزَادُ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تُضَعَّفُ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى تَزِيدُ، أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تُسَاوِي صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ وَتَزِيدُ عَلَيْهَا الْعَدَدُ الْمَذْكُورَ فَيَكُونُ لِمُصَلِّي الْجَمَاعَةِ ثَوَابُ سِتٍّ أَوْ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً مِنْ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَحْتَمِلُ لَفْظُ الْحَدِيثِ صَلَاةَ النَّافِلَةِ، وَالْمُتَخَلِّفَ عَنِ الْفَرِيضَةِ لِعُذْرٍ، وَالْمُتَخَلِّفَ عَنْهَا بِلَا عُذْرٍ لَكِنْ، لَمَّا قَالَ: " «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» " عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَرُدِ النَّافِلَةَ وَلَمَّا قَالَ: مَنْ غَلَبَهُ عَلَى صَلَاتِهِ نَوَمٌ كُتِبَ لَهُ أَجْرُهَا. وَقَالَ: إِذَا كَانَ لِلْعَبْدِ عَمَلٌ يَعْمَلُهُ فَمَنَعَهُ مِنْهُ مَرَضٌ أَمَرَ اللَّهُ كَاتِبَيْهِ أَنْ يَكْتُبَا مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي صِحَّتِهِ. وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ عُلِمَ أَنَّ الْمُتَخَلِّفَ لِعُذْرٍ لَمْ يَقْصِدْ تَفْضِيلَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، فَإِذَا بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ صَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ تَخَلَّفَ بِلَا عُذْرٍ وَأَنَّهُ لَمْ يُفَاضِلْ بَيْنَهُمَا إِلَّا وَهُمَا جَائِزَانِ غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ انْتَهَى. وَمَرَّ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ بِقِيَاسٍ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَلَعَلَّ الْفَائِدَةَ هِيَ اجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ مُصْطَفِّينَ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَالِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ وَإِظْهَارُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ، لَكِنْ أَشَارَ الْكِرْمَانِيُّ إِلَى احْتِمَالِ أَنَّ أَصَلَهُ كَوْنُ الْمَكْتُوبَاتِ خَمْسًا فَأُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَكْثِيرِهَا فَضُرِبَتْ فِي مِثْلِهَا فَصَارَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ لِلسَّبْعِ مُنَاسِبَةً أَيْضًا مِنْ جِهَةِ رَكَعَاتِ عَدَدِ الْفَرَائِضِ وَرِوَايَتِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحَسَنَةُ بِعَشْرٍ لِلْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا فَإِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ آخَرُ بَلَغَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ زِيدَ بِقَدْرِ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ بِعَدَدِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 الْحَافِظُ: وَلَا يَخْفَى فَسَادُ هَذَا، وَقِيلَ: الْأَعْدَادُ عَشَرَاتٌ وَمَئِينَ وَأُلُوفٌ وَخَيْرُ الْأُمُورِ الْوَسَطُ فَاعْتُبِرَتِ الْمِائَةُ وَالْعَدَدُ الْمَذْكُورُ رُبْعَهَا وَهَذَا أَشَدُّ فَسَادًا مِمَّا قَبْلَهُ. وَقَالَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ: ظَهَرَ لِي فِي هَذَيْنِ الْعَدَدَيْنِ شَيْءٌ لَمْ أُسْبَقْ إِلَيْهِ، لِأَنَّ لَفْظَ ابْنِ عُمَرَ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ» وَمَعْنَاهُ الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ» يَعْنِي فِي بَعْضِ الْإِشَارَةِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَحْكُومِ لَهُ بِذَلِكَ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، وَأَدْنَى الْأَعْدَادِ الَّتِي يَتَحَقَّقُ فِيهَا ذَلِكَ ثَلَاثَةٌ حَتَّى يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَتَى بِحَسَنَةٍ وَهِيَ بِعَشَرَةٍ فَتَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِهِ ثَلَاثُونَ فَاقْتَصَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْفَضْلِ الزَّائِدِ وَهِيَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ دُونَ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ ذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ الْحَافِظُ: وَظَهَرَ لِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ إِمَامٌ وَمَأْمُومٌ، فَلَوْلَا الْإِمَامُ مَا سُمِّيَ الْمَأْمُومُ مَأْمُومًا وَكَذَا عَكْسُهُ، فَإِذَا تَفَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً بِزِيَادَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً حُمِلَ الْخَبَرُ الْوَارِدُ بِفَضْلِهَا عَلَى الْفَضْلِ الزَّائِدِ، وَالْخَبَرُ الْوَارِدُ بِلَفْظِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ عَلَى الْأَصْلِ وَالْفَضْلِ، وَقَدْ خَاضَ قَوْمٌ فِي تَعْيِينِ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلدَّرَجَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا جَاءُوا بِطَائِلٍ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. لَكِنْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِشَارَةٌ إِلَى بَعْضِهَا يَعْنِي: قَوْلُهُ: " «وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَيُضَافُ إِلَيْهِ أُمُورٌ أُخْرَى وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ وَقَدْ نَقَّحْتُهَا وَحَذَفْتُ مَا لَا يَخْتَصُّ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، فَأَوَّلُهَا: إِجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً، وَالتَّبْكِيرُ إِلَيْهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَالْمَشْيُ إِلَى الْمَسْجِدِ بِالسَّكِينَةِ، وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ دَاعِيًا، وَصَلَاةُ التَّحِيَّةِ ثُمَّ دُخُولُهُ كُلُّ ذَلِكَ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ، وَانْتِظَارُ الْجَمَاعَةِ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ، وَشَهَادَتُهُمْ لَهُ وَإِجَابَةُ الْإِقَامَةِ، وَالسَّلَامَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِذَا انْفَرَدَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ. حَادِي عَشَرِهَا: الْوُقُوفُ مُنْتَظِرًا إِحْرَامَ الْإِمَامِ أَوِ الدُّخُولَ مَعَهُ فِي أَيِّ هَيْئَةٍ وَجَدَهُ عَلَيْهَا. ثَانِي عَشَرِهَا: إِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِذَلِكَ. ثَالِثُ عَشَرِهَا: تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ وَسَدُّ فُرُجِهَا. رَابِعُ عَشَرِهَا: جَوَابُ الْإِمَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. خَامِسُ عَشَرِهَا: الْأَمْنُ مِنَ السَّهْوِ غَالِبًا وَتَنْبِيهُ الْإِمَامِ إِذَا سَهَا بِالتَّسْبِيحِ أَوِ الْفَتْحِ عَلَيْهِ. سَادِسُ عَشَرِهَا: حُصُولُ الْخُشُوعِ وَالسَّلَامَةِ مِمَّا يُلْهِي غَالِبًا. سَابِعُ عَشَرِهَا: تَحْسِينُ الْهَيْئَةِ غَالِبًا. ثَامِنُ عَشَرِهَا: احْتِفَافُ الْمَلَائِكَةِ بِهِ. تَاسِعُ عَشَرِهَا: التَّدَرُّبُ عَلَى تَجْوِيدِ الْقِرَاءَةِ وَتَعَلُّمِ الْأَرْكَانِ وَالْأَبْعَاضِ. الْعِشْرُونَ: إِظْهَارُ شِعَارِ الْإِسْلَامِ. الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: إِرْغَامُ الشَّيْطَانِ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الطَّاعَةِ وَنَشَاطِ الْمُتَكَاسِلِ. الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: السَّلَامَةُ مِنْ صِفَةِ النِّفَاقِ وَمِنْ إِسَاءَةِ غَيْرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 الظَّنَّ بِأَنَّهُ تَارِكُ الصَّلَاةِ رَأْسًا. الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: نِيَّةُ رَدِّ السَّلَامِ عَلَى الْإِمَامِ. الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: الِانْتِفَاعُ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَعَوْدُ بَرَكَةِ الْكَامِلِ عَلَى النَّاقِصِ. الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: قِيَامُ نِظَامِ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْجِيرَانِ وَحُصُولِ تَعَاهُدِهِمْ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ. فَهَذِهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ خَصْلَةً وَرَدَ فِي كُلٍّ مِنْهَا أَمْرٌ أَوْ تَرْغِيبٌ يَخُصُّهُ، وَبَقِيَ مِنْهَا أَمْرَانِ يَخْتَصَّانِ بِالْجَهْرِيَّةِ وَهَمَا: الْإِنْصَاتُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَالِاسْتِمَاعُ لَهَا، وَالتَّأْمِينُ عِنْدَ تَأْمِينِهِ لِيُوَافِقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ أَنَّ السَّبْعَ تَخْتَصُّ بِالْجَهْرِيَّةِ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ بَعْضَهَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً دُونَ بَعْضٍ كَالتَّبْكِيرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ، وَانْتِظَارِ إِحْرَامِ الْإِمَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِأَنَّ أَجْرَ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِقَاصِدِهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَقَعْ، وَمُقْتَضَى الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ اخْتِصَاصُ التَّضْعِيفِ بِالْمَسْجِدِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي نَظَرِي، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِالْمَسْجِدِ فَإِنَّمَا يَسْقُطُ مِمَّا ذَكَرْتُهُ ثَلَاثَةٌ: الْمَشْيُ وَالدُّخُولُ وَالتَّحِيَّةُ، فَيُمْكِنُ أَنْ تُعَوَّضَ مِنْ بَعْضِ مَا ذُكِرَ مِمَّا يُشْتَمَلُ عَلَى خَصْلَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ أُقِيمَتَا مَقَامَ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْأَخِيرَتَيْنِ، لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ غَيْرُ مَنْفَعَةِ عَوْدِ بِرْكَةِ الْكَامِلِ عَلَى النَّاقِصِ، وَكَذَا فَائِدَةُ قِيَامِ نِظَامِ الْأُلْفَةِ غَيْرُ فَائِدَةِ حُصُولِ التَّعَهُّدِ، وَكَذَا فَائِدَةُ أَمْنِ الْمَأْمُومِينَ مِنَ السَّهْوِ غَالِبًا غَيْرُ فَائِدَةِ تَنْبِيهِ الْإِمَامِ إِذَا سَهَا، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ تُعَوَّضُ بِهَا الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فَيَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ، قَالَ: وَدَلَّ حَدِيثُ الْبَابِ عَلَى تَسَاوِي الْجَمَاعَاتِ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ جَمَاعَةٍ، قَالَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَوَّاهُ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ فَهُمَا جَمَاعَةٌ لَهُمَا التَّضْعِيفُ وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي أَصْلِ الْحُصُولِ لَكِنَّهُ لَا يَنْفِي مَزِيدَ الْفَضْلِ لَمَّا كَانَ أَكْثَرَ لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ الْمُصَرَّحِ بِهِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا: " «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ» " وَلَهُ شَاهِدٌ قَوِيٌّ فِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ قَبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ الْأَلْفِ مُثَلَّثَةٍ وَأَبَوْهُ بِمُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ بِوَزْنِ أَحْمَرَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ فَعَلَى عَدَدِ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانُوا عَشَرَةَ آلَافٍ؟ قَالَ: نَعَمْ " وَهَذَا مَوْقُوفٌ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ لَكِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ بِزِيَادَةٍ عُلِمَتْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ»   292 - 289 الحديث: 292 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) قَسَمٌ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْسِمُ بِهِ كَثِيرًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ نُفُوسَ الْعِبَادِ بِيَدِ اللَّهِ أَيْ بِتَقْدِيرِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَفِيهِ جَوَازُ الْقَسَمِ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِ شَأْنِهِ وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ كَرِهَ الْحَلِفَ بِاللَّهِ مُطْلَقًا. (لَقَدْ هَمَمْتُ) اللَّامُ جَوَابُ الْقَسَمِ وَالْهَمُّ الْعَزْمُ وَقِيلَ دُونَهُ، وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ فَأَفَادَ سَبَبُ الْحَدِيثِ (أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ) بِالْفَاءِ وَالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْمَنْصُوبِ وَكَذَا الْأَفْعَالُ الْوَاقِعَةُ بَعْدَهُ، قَالَ الْحَافِظُ: أَيْ يُكْسَرُ لِيُسَهِّلَ اشْتِعَالَ النَّارِ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُتَّصَفَ بِهِ تَجَوُّزًا بِمَعْنَى أَنَّهُ سَيُتَّصَفُ بِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ مَعْنَى يَحْطِبُ يَكْسِرُ بَلِ الْمَعْنَى يَجْمَعُ. (ثُمَّ آمُرَ) بِالْمَدِّ وَضَمِّ الْمِيمِ (بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ) أَيْ آتِيهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: خَالَفَ إِلَى فُلَانٍ أَيْ أَتَاهُ إِذَا غَابَ عَنْهُ وَالْمَعْنَى أُخَالِفُ الْفِعْلَ الَّذِي أَظْهَرْتُ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَأَتْرُكُهُ وَأَسِيرُ إِلَيْهِمْ، أَوْ أُخَالِفُ ظَنَّهُمْ فِي أَنِّي مَشْغُولٌ بِالصَّلَاةِ عَنْ قَصْدِي إِلَيْهِمْ، أَوْ مَعْنَى أُخَالِفُ أَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى قَصْدِ الْمَذْكُورِينَ وَالتَّقْيِيدُ بِرِجَالٍ مُخْرِجٌ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. (فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ) بِالنَّارِ عُقُوبَةً، وَأُحَرِّقُ بِشَدِّ الرَّاءِ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّحْرِيقِ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَيْسَتْ قَاصِرَةً عَلَى الْمَالِ بَلِ الْمُرَادُ تَحْرِيقُ الْمَقْصُودِينَ وَالْبُيُوتُ تَبَعٌ لِلْقَاطِنِينَ بِهَا، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " فَأُحَرِّقَ بُيُوتًا عَلَى مَنْ فِيهَا " (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) أَعَادَ الْيَمِينَ مُبَالَغَةً فِي التَّأْكِيدِ (لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا) وَلِلتِّنِيسِي عَرَقًا سَمِينًا بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَرَقُ الْعَظْمُ بِلَا لَحْمٍ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ لَحْمٌ فَهُوَ عِرَاقٌ، وَفِي الْمُحْكَمِ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ: الْعَرْقُ بِسُكُونِ الرَّاءِ قِطْعَةُ لَحْمٍ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَاحِدُ الْعِرَاقِ وَهِيَ الْعِظَامُ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا هُبَرُ اللَّحْمِ وَيَبْقَى عَلَيْهَا لَحْمٌ رَقِيقٌ فَيُكْسَرُ وَيُطْبَخُ وَيُؤْكَلُ مَا عَلَى الْعِظَامِ مِنْ لَحْمٍ رَقِيقٍ وَيَتَمَشْمَشُ الْعِظَامُ، وَقَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ هُوَ اللَّائِقُ هُنَا. (أَوْ مِرْمَاتَيْنِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَقَدْ تُفْتَحُ تَثْنِيَةُ مِرْمَاةٌ قَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ مَا بَيْنَ ظِلْفَيِ الشَّاةِ مِنَ اللَّحْمِ حَكَاهُ أَبُو عَبِيدٍ وَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا وَجْهُهُ. وَنَقَلَ الْمُسْتَمْلِيُّ عَنِ الْفِرَبْرِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ: الْمِرْمَاةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مِثْلُ: مِنْسَاةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 وَمِيضَاةُ مَا بَيْنَ ظِلْفَتَيِ الشَّاةِ مِنَ اللَّحْمِ. قَالَ عِيَاضٌ: فَالْمِيمُ عَلَى هَذَا أَصْلِيَّةٌ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْمِرْمَاةُ لُعْبَةٌ كَانُوا يَلْعَبُونَهَا بِنِصَابٍ مُحَدَّدٍ يَرْمُونَهَا فِي كَوْمٍ مِنْ تُرَابٍ فَأَيُّهُمْ أَثْبَتَهَا فِي الْكَوْمِ غَلَبَ، وَيَبْعُدُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْحَدِيثِ لِأَجْلِ التَّثْنِيَةِ. وَحَكَى الْحَرْبِيُّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ الْمِرْمَاةَ سَهْمُ الْهَدَفِ قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا حَدَّثَنِي ثُمَّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: " «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا شَهِدَ الصَّلَاةَ مَعِي كَانَ لَهُ عَظْمٌ مِنْ شَاةٍ سَمِينَةٍ لَفَعَلَ» "، وَقِيلَ: الْمِرْمَاةُ سَهْمٌ يُتَعَلَّمُ بِهِ الرَّمْيُ وَهُوَ سَهْمٌ رَقِيقٌ مُحَدَّدٌ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّثْنِيَةِ فَإِنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِتَكْرَارِ الرَّمْيِ بِخِلَافِ السِّهَامِ الْمُحَدَّدَةِ الْحَرْبِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا يَتَكَرَّرُ مِنْهَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَفْسِيرُ الْمِرْمَاةِ بِالسَّهْمِ لَيْسَ بِوَجِيهٍ وَيَدْفَعُهُ ذَكَرُ الْعِرَاقِ مَعَهُ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ بِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْعَظْمَ السَّمِينَ وَكَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَتْبَعَهُ بِالسَّهْمَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يُتَلَهَّى بِهِ انْتَهَى. وَوَصَفَ الْعَظْمَ بِالسِّمَنِ وَالْمِرْمَاتَيْنِ بِقَوْلِهِ: (حَسَنَتَيْنِ) أَيْ مَلِيحَتَيْنِ لِيَكُونَ ثَمَّ بَاعِثٌ نَفْسَانِيٌّ عَلَى تَحْصِيلِهِمَا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى ذَمِّ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الصَّلَاةِ بِوَصْفِهِمْ بِالْحِرْصِ عَلَى الشَّيْءِ الْحَقِيرِ مِنْ مَطْعُومٍ أَوْ بِهِ مَعَ التَّفْرِيطِ فِيمَا يَحْصُلُ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ وَمُنَازِلِ الْكَرَامَةِ. (لَشَهِدَ الْعِشَاءَ) أَيْ صَلَاتَهَا فَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَسْعَى إِلَى الشَّيْءِ الْحَقِيرِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَكَيْفَ يَرْغَبُ عَنِ الصَّلَاةِ؟ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي وَقَعَ التَّهْدِيدُ بِسَبَبِهَا هِيَ الْعِشَاءُ. وَلِمُسْلِمٍ رِوَايَةٌ يَعْنِي الْعِشَاءَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ التَّصْرِيحُ بِتَعْيِينِ الْعِشَاءِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّهَا الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ، وَلِلسِّرَاجِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخَّرَ الْعِشَاءَ لَيْلَةً فَخَرَجَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَلِيلًا فَغَضِبَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَلِابْنِ حِبَّانَ يَعْنِي الْعِشَاءَ وَالْغَدَاةَ، وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْإِبْهَامِ وَمَا لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا الْجُمُعَةُ فَضَعِيفٌ لِشُذُوذِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى وَهْمِ رَاوِيهَا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لِيَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: الْجُمُعَةُ عَنَى أَوْ غَيْرَهَا؟ قَالَ: صُمَّتْ أُذُنَايَ إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَأْثِرِهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرَ جُمُعَةً وَلَا غَيْرَهَا، فَظَهَرَ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِالْجُمُعَةِ، نَعَمْ فِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْجَزْمُ بِالْجُمُعَةِ وَهُوَ حَدِيثٌ مُسْتَقِلٌّ، لِأَنَّ مَخْرَجَهُ مُغَايِرٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا يَقْدَحُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ لِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَالْمُحِبُّ الطَّبَرَيُّ، وَقَدْ وَافَقَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى ذِكْرِ الْعِشَاءِ، أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقَبْلَ النَّاسَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَقَالَ: " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آتِيَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الصَّلَاةِ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ " فَقَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا بِي وَلَيْسَ لِي قَائِدٌ "، زَادَ أَحْمَدُ: " وَإِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ شَجَرًا وَنَخْلًا وَلَا أَقْدِرُ عَلَى قَائِدٍ كُلِّ سَاعَةٍ، قَالَ: أَتَسْمَعُ الْإِقَامَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاحْضِرْهًا وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ» ". وَلِابْنِ حِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " «أَتَسْمَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 الْأَذَانَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأْتِهَا وَلَوْ حَبْوًا» " وَحَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ وَحْدَهُ كَكَثِيرٍ مِنَ الْعُمْيَانِ، وَاحْتُجَّ بِهَذَا وَبِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ، إِذْ لَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَمْ يُهَدَّدْ تَارِكُهَا بِالتَّحْرِيقِ، أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَكَانَتْ قَائِمَةً بِالرَّسُولِ وَمَنْ مَعَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبُ الْأَوْزَاعِيُّ وَعَطَاءٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حِبَّانَ، وَبَالَغَ دَاوُدُ وَأَتْبَاعُهُ فَجَعَلُوهَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَرَدَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ يَنْفَكُّ عَنِ الشَّرْطِيَّةِ وَلِذَا قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: إِنَّهَا وَاجِبَةٌ غَيْرُ شَرْطٍ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِهِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْبَاقِينَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَأَجَابُوا عَنْ ظَاهِرِ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ هَمَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، فَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ لَمَا عَفَا عَنْهُمْ وَتَرَكَهُمْ، قَالَهُ عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَضَعَّفَهُ ابْنُ دَقِيقٍ الْعِيدُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَهُمُّ بِمَا يَجُوزُ فِعْلُهُ لَوْ فَعَلَهُ، وَالتَّرْكُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمُ انْزَجَرُوا بِذَلِكَ وَتَرَكُوا التَّخَلُّفَ الَّذِي ذَمَّهُمْ بِسَبَبِهِ، عَلَى أَنَّهُ بَيَّنَ سَبَبَ التَّرْكِ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: " «لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ لَأَقَمْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَأَمَرْتُ فِتْيَانِي يَحْرِقُونَ» " الْحَدِيثَ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ الْحَدِيثَ دَالٌّ عَلَى أَنْ لَا وُجُوبَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْمُتَخَلِّفِينَ، فَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ لَمَا هَمَّ بِتَرْكِهَا إِذَا تَوَجَّهَ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِمَا هُوَ أَوْجَبُ مِنْهُ، وَبِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ قَدْ يَتَدَارَكُهَا فِي جَمَاعَةٍ آخَرِينَ، وَأَجَابَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَقَالَ لَمَا تَوَعَّدَ عَلَيْهَا بِالْإِحْرَاقِ مِنْ تَخَلُّفٍ عَنِ الصَّلَاةِ لَمْ تُجِزْهُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْبَيَانِ، وَرَدَّهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ الْبَيَانَ قَدْ يَكُونُ بِالنَّصِّ وَقَدْ يَكُونُ بِالدَّلَالَةِ، فَلَمَّا قَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ إِلَخْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْحُضُورِ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْبَيَانِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ: الْحَدِيثُ وَرَدَ مَوْرِدَ الزَّجْرِ وَحَقِيقَتُهُ لَيْسَتْ مُرَادَةٌ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ، وَيُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ وَعِيدُهُمْ بِعُقُوبَةِ الْكُفَّارِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ عُقُوبَةِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَنْعَ وَقَعَ بَعْدَ نَسْخِ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ جَائِزًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ حَمْلُ التَّهْدِيدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَهَذِهِ أَجْوِبَةٌ أَرْبَعَةٌ. خَامِسُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّهْدِيدِ قَوْمٌ تَرَكُوا الصَّلَاةَ رَأْسًا لَا مُجَرَّدَ الْجَمَاعَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ أَيْ لَا يَحْضُرُونَ، وَلِأَحْمَدَ: لَا يَشْهَدُونَ الْعِشَاءَ فِي الْجَمْعِ أَيِ الْجَمَاعَةِ، وَفِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أُسَامَةَ مَرْفُوعًا: " «لَيَنْتَهِيَّنَّ رِجَالٌ عَنْ تَرْكِهِمُ الْجَمَاعَاتِ أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ» "، سَادِسُهَا: أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَثِّ عَلَى خِلَافِ فِعْلِ الْمُنَافِقِينَ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِفِعْلِهِمْ لَا لِخُصُوصِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أَشَارَ إِلَيْهِ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ جَوَابِ الْبَاجِيِّ الْمُتَقَدِّمِ. سَابِعُهَا: أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْمُنَافِقِينَ فَلَيْسَ التَّهْدِيدُ لِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ، وَرُدَّ بِاسْتِبْعَادِ الِاعْتِنَاءِ بِتَأْدِيبِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ لَهُمْ، وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُعْرِضًا عَنْهُمْ وَعَنْ عُقُوبَتِهِمْ مَعَ عِلْمِهِ بِطَوِيَّتِهِمْ، وَقَدْ قَالَ: " «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» "، وَمَنَعَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا الرَّدَّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا كَانَ تَرْكُ عِقَابِ الْمُنَافِقِينَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فَلَيْسَ فِي إِعْرَاضِهِ عَنْهُمْ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَرْكِ عُقُوبَتِهِمْ. ثَامِنُهَا: أَنَّ فَرِيضَةَ الْجَمَاعَةِ كَانَتْ أَوَّلًا لِسَدِّ بَابِ التَّخَلُّفِ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ نُسِخَ، حَكَاهُ عِيَاضٌ، وَيُقَوِّيهِ نَسْخُ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ التَّحْرِيقُ بِالنَّارِ، وَكَذَا نَسْخُ مَا تَضَمَّنَهُ التَّحْرِيقُ وَهُوَ جَوَازُ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ، وَيَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ أَحَادِيثُ فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ لِأَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ تَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي أَصْلِ الْفَضْلِ وَمِنْ لَازَمِهِ الْجَوَازُ. تَاسِعُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الْجُمُعَةُ لَا بَاقِي الصَّلَوَاتِ، وَنَصَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَتُعُقِّبَ بِالْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْعِشَاءِ، وَبَحَثَ فِيهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِاخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هَدَّدَ بِسَبَبِهَا هَلِ الْجُمُعَةُ أَوِ الْعِشَاءُ أَوِ الصُّبْحُ وَالْعِشَاءُ مَعًا؟ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةً وَلَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا أَرْجَحَ مِنْ بَعْضٍ وَإِلَّا وَقَفَ الِاسْتِدْلَالُ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ. عَاشِرُهَا: أَنَّ التَّهْدِيدَ الْمَذْكُورَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِي حَقِّ تَارِكِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ كَمَشْرُوعِيَّةِ مُقَاتَلَةِ تَارِكِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ التَّحْرِيقَ الَّذِي قَدْ يُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ أَخَصُّ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ، وَبِأَنَّ الْمُقَاتَلَةَ إِنَّمَا تُشْرَعُ إِذَا تَمَالَأَ الْجَمِيعُ عَلَى التَّرْكِ، قَالَ الْحَافِظُ: فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي الْمُنَافِقِينَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: " «لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ» "، وَلِقَوْلِهِ: " لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ. . . إِلَخْ " لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَائِقٌ بِالْمُنَافِقِينَ لَا بِالْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ نِفَاقُ الْمَعْصِيَةِ لَا نِفَاقُ الْكُفْرِ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ: لَا يَشْهَدُونَ الْعِشَاءَ فِي الْجَمْعِ. وَفِي حَدِيثِ أُسَامَةَ: لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ. وَأَصْرَحُ مِنْهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «ثُمَّ آتِي قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ» ". فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِفَاقَهُمْ نِفَاقُ مَعْصِيَةٍ لَا كُفْرٍ، لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ إِنَّمَا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَإِذَا خَلَا فِي بَيْتِهِ كَانَ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالِاسْتِهْزَاءِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيُّ. وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْمَقْبُرِيِّ: " «لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ» " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كُفَّارًا، لِأَنَّ تَحْرِيقَ بَيْتِ الْكَافِرِ إِذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى الْغَلَبَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ وُجُودُ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ فِي بَيْتِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ نِفَاقُ الْكُفْرِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لِتَضَمُّنِهِ أَنَّ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِ، وَقَدْ نَهَيْنَا عَنِ التَّشْبِيهِ بِهِمْ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي ذَمِّ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: خُرُوجُ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّخَلُّفَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ بَلْ هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ إِلَّا مُنَافِقٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمُومَتِي مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَا يَشْهَدُهُمَا مُنَافِقٌ يَعْنِي الْعِشَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وَالْفَجْرَ» " وَهَذَا يُقَوِّي مَا ظَهَرَ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّفَاقِ نِفَاقُ الْمَعْصِيَةِ لَا نِفَاقُ الْكُفْرِ، فَعَلَى هَذَا الَّذِي خَرَجَ هُوَ الْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ لَا الْعَاصِي الَّذِي يَجُوزُ إِطْلَاقُ النِّفَاقِ عَلَيْهِ مَجَازًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إِلَّا صَلَاةَ الْمَكْتُوبَةِ   293 - 290 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضِرِ) سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ ثِقَةٌ ثَبْتٌ. (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ بْنِ مَعْمَرٍ التَّيْمِيِّ. (عَنْ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ (ابْنِ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمَدَنِيِّ الْعَابِدِ ثِقَةٌ حَافِظٌ. (أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ) بْنِ الضَّحَّاكِ الْأَنْصَارِيَّ النَّجَّارِيَّ، أَحَدُ كُتَّابِ الْوَحْيِ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ. (قَالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) لِبُعْدِهَا عَنِ الرِّيَاءِ وَلِتَحْصُلَ الْبَرَكَةُ فِي الْبُيُوتِ فَتَنْزِلَ فِيهَا الرَّحْمَةُ وَيَخْرُجَ مِنْهَا الشَّيْطَانُ، وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِقَوْلِهِ فِي بُيُوتِكُمْ بَيْتُ غَيْرِهِ وَلَوْ أَمِنَ الرِّيَاءَ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (إِلَّا صَلَاةَ الْمَكْتُوبَةِ) أَيِ الْمَفْرُوضَةِ، فَلَيْسَتْ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلَ بَلْ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُشْرَعُ لَهَا فَمَحَلُّهَا أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ كُلَّ نَفْلٍ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا يُشْرَعُ لَهُ التَّجْمِيعُ كَالتَّرَاوِيحِ وَالْعِيدَيْنِ، وَمَا تُشْرَعُ لَهُ الْجَمَاعَةُ أَوْ مَا يَفُوتُ إِذَا رَجَعَ الْمُصَلِّي إِلَى بَيْتِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ وَمَا لَا يَخُصُّ الْمَسْجِدَ كَالتَّحِيَّةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ مَا يُشْرَعُ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْمَسْجِدِ مَعًا فَلَا تَدْخُلُهُ التَّحِيَّةُ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْمَكْتُوبَةِ الْمَفْرُوضَةَ بَلْ مَا تُشْرَعُ لَهُ الْجَمَاعَةُ وَفِيمَا وَجَبَ لِعَارِضٍ كَمَنْذُورَةِ احْتِمَالٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ الْمُوَطَّآتِ عَلَى زَيْدٍ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ رَأْيًا لِأَنَّ الْفَضَائِلَ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي النَّضِرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا بِهِ وَفِيهِ قِصَّةٌ هِيَ سَبَبُ الْحَدِيثِ. وَرَوَى الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبَانَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي النَّضِرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «خَيْرُ صَلَاتِكُمْ صَلَاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إِلَّا صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ» " قَالَ ابْنُ حَوْصَا: لَمْ يُتَابِعْ أَحَدٌ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبَانَ عَلَى رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ عَنْ مَالِكٍ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ بِجَرْحٍ لَا فِي اللِّسَانِ وَلَا فِي الْمِيزَانِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا جَمَاعَةَ إِلَّا فِي الْفَرِيضَةِ وَأَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ فِي السِّرِّ أَفْضَلُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِخْفَاءُ الْعِلْمِ هَلَكَةٌ وَإِخْفَاءُ الْعَمَلِ نَجَاةٌ. وَقَالَ تَعَالَى فِي الصَّدَقَاتِ: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 271) . الحديث: 293 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا أَوْ نَحْوَ هَذَا»   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ 294 - 291 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَنَّةَ بِفَتْحِ الْمُهْمِلَةِ وَتَثْقِيلِ النُّونِ (الْأَسْلَمِيِّ) الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ، وَفِي التَّمْهِيدِ صَالِحُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، وَكَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ يَغْمِزُهُ ثُمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ سَيِّئَ الْحِفْظِ فَرَخَّصَ لِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي الْكِتَابَةِ. وَلِحَرْمَلَةَ وَالِدِهِ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَمَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي خِلَافَةِ السَّفَّاحِ، وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَلِمَالِكٍ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ خَمْسُ أَحَادِيثَ، وَاحْتَجَّ لَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ) آيَةٌ وَعَلَامَةٌ (شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا لِيَحْيَى، وَقَالَ جُمْهُورُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ: صَلَاةُ الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ عَلَى طِبْقِ التَّرْجَمَةِ، وَفِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الْعِشَاءِ عَتَمَةً، وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ: " «لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ هَذِهِ إِنَّمَا هِيَ الْعِشَاءُ» "، وَإِنَّمَا يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ لِأَنَّهُمْ يُعَتِّمُونَ بِالْإِبِلِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَحَادِيثُ فِيهَا تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ فَجَائِزٌ أَنْ تُسَمَّى بِالِاسْمَيْنِ جَمِيعًا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ الْيَوْمَ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَقَوْلُهُ: (لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا أَوْ نَحْوَ هَذَا) شَكٌّ مِنَ الْمُحَدِّثِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَوْ تَوَقٍّ فِي الْعِبَارَةِ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إِنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَهُمَا امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ وَلَا احْتِسَابًا لِلْأَجْرِ وَيَثْقُلُ عَلَيْهِمُ الْحُضُورُ فِي وَقْتِهِمَا فَيَتَخَلَّفُونَ. وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ: هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ فِي الْمُوَطَّأِ لَا يُحْفَظُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنَدًا وَمَعْنَاهُ مَحْفُوظٌ مِنْ وُجُوهٍ ثَابِتَةٍ. وَفِي الِاسْتِذْكَارِ وَهُوَ مُرْسَلٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ مُسْنَدٌ مِنْ طَرِيقٍ، وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ: " «مَا يَشْهَدُهُمَا مُنَافِقٌ» ". وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ. وَقَالَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهُ اللَّهُ مِنَ الَّذِينَ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِمُ الْعَذَابَ عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَلْيُحَافِظْ عَلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ، وَمَعْنَاهُ عِنْدِي أَنَّ مَنْ شَهِدَهُمَا فِي جَمَاعَةٍ أَحْرَى أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَفِي ذَلِكَ تَأْكِيدٌ عَلَى شُهُودِ الْجَمَاعَةِ، وَأَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ أَهْلِ الْفِسْقِ وَالنِّفَاقِ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى التَّخَلُّفِ عَنْهَا بِلَا عُذْرٍ. الحديث: 294 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ وَقَالَ الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا»   295 - 292 الحديث: 295 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ (مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْقُرَشِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَيْنَمَا) بِالْمِيمِ وَأَصْلُهُ بَيْنَ فَأُشْبِعَتْ فَتْحَةُ النُّونِ فَصَارَتْ أَلِفًا وَزِيدَتِ الْمِيمُ، ظَرْفُ زَمَانٍ مُضَافٌ إِلَى جُمْلَةٍ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ وَمُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ وَهُوَ هُنَا (رَجُلٌ) النَّكِرَةُ الْمُخَصَّصَةُ بِالصِّفَةِ وَهِيَ (يَمْشِي بِطَرِيقٍ) أَيْ فِيهَا (إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ) نَحَّاهُ عَنِ الطَّرِيقِ (فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ) قَالَ الْحَافِظُ: أَيْ رَضِيَ فِعْلَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ (فَغَفَرَ لَهُ) ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ جَازَاهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَغْفِرَةِ أَوْ أَثْنَى عَلَيْهِ ثَنَاءً اقْتَضَى الْمَغْفِرَةَ لَهُ، أَوْ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِشُكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِجَمِيلِ فِعْلِهِ، قَالَ: وَمَعْنَى تَعَلُّقِ نَزْعِ الشَّوْكِ مِنَ الطَّرِيقِ بِالتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ غَفَرَ لَهُ مَعَ نَزَارَةِ هَذَا الْفِعْلِ فَكَيْفَ بِإِتْيَانِ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، وَتَعَسُّفُهُ لَا يَخْفَى، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَمْشِيَتِهِ فِي هَذَا فَكَيْفَ يَصْنَعُ بِالْحَدِيثِ بَعْدَهُ؟ تَبِعَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي هَذَا التَّوْجِيهِ وَاعْتَرَفَ بِعَدَمِ مُنَاسَبَةِ الثَّانِي، فَإِنَّمَا أَدَّى الْإِمَامُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَمِعَهُ وَلَيْسَ غَرَضُهُ مِنْهُ إِلَّا الْحَدِيثَ الْأَخِيرَ وَهُوَ: " «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» "، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: تَرَى الْجُهَّالَ يَعْبَثُونَ فِي تَأْوِيلِهَا وَلَا تَعَلُّقَ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْهَا بِالْبَابِ أَصْلًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَأَنَّهَا تُوجِبُ الْغُفْرَانَ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ الْعَاقِلِ أَنْ يَحْتَقِرَ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَرُبَّمَا غُفِرَ لَهُ بِأَقَلِّهَا، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» "، وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] (سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ: الْآيَةُ 7) ، وَقَالَ الشَّاعِرُ: وَمَتَى تَفْعَلُ الْكَثِيرَ مِنَ الْخَيْرِ ... إِذَا كُنْتَ تَارِكًا لِأَقَلِّهِ (وَقَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ) بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: (الْمَطْعُونُ) الْمَيِّتُ بِالطَّاعُونِ وَهُوَ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ يَخْرُجُ فِي الْآبَاطِ وَالْمَرَاقِ. (وَالْمَبْطُونُ) الْمَيِّتُ بِمَرَضِ الْبَطْنِ أَوْ الِاسْتِسْقَاءِ أَوِ الْإِسْهَالِ. (وَالْغَرِقُ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَقَافٍ، الْمَيِّتُ بِالْغَرَقِ. (وَصَاحِبُ الْهَدْمِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ الْمَيِّتُ تَحْتَهُ. (وَالشَّهِيدُ) الَّذِي قُتِلَ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فَكَأَنَّهُ قَالَ الْمَقْتُولُ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالشَّهِيدِ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ ثُمَّ الْمُصَنَّفِ فِيمَا يَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ حَمْلُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ الشَّهِيدُ هُوَ الشَّهِيدُ لِأَنَّ قَوْلَهُ خَمْسَةٌ خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَأِ، وَالْمَعْدُودَ بَعْدَهُ بَيَانٌ لَهُ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ: أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي، وَبِأَنَّ الشَّهِيدَ مُكَرَّرٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَيَكُونُ مِنَ التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ وَتَقْدِيرُهُ: الشَّهِيدُ الْمَطْعُونُ وَالشَّهِيدُ كَذَا إِلَى آخِرِهِ، ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْلِمَ بِالْأَقَلِّ ثُمَّ أُعْلِمَ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ فَذَكَرَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ وَلَمْ يَقْصِدِ الْحَصْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ سَبْعَةٍ وَخَمْسَةٍ وَلَا بَيْنَ مَا وَرَدَ مِنْ نَحْوِ عِشْرِينَ خَصْلَةَ شَهَادَةٍ بِطُرُقٍ جَيِّدَةٍ وَتَبْلُغُ بِطُرُقٍ فِيهَا ضَعْفٌ أَزْيَدُ مِنْ ثَلَاثِينَ، وَسَيَكُونُ لَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَوْدَةٌ لِذِكْرِهَا فِي الْجَنَائِزِ. (وَقَالَ) أَيْضًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ) أَيِ الْأَذَانِ وَهِيَ رِوَايَةُ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ السِّرَاجِ (وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ) مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ كَمَا لِأَبِي الشَّيْخِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا) شَيْئًا مِنْ وُجُوهِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِأَنْ يَقَعَ التَّسَاوِي (إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا) أَيْ يَقْتَرِعُوا (عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا) أَيِ اقْتَرَعُوا، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ: لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِمَا، فَضَمِيرُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَائِدٌ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَذَانِ وَالصَّفِّ. (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ) الْبِدَارِ إِلَى الصَّلَاةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَقَبْلَهُ وَانْتِظَارِهَا (لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ) اسْتِبَاقًا مَعْنَوِيًّا لَا حِسِّيًّا لِاقْتِضَائِهِ سُرْعَةَ الْمَشْيِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ. (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ) أَيِ الْعِشَاءِ (وَالصُّبْحِ) أَيْ ثَوَابِ صَلَاتِهِمَا فِي جَمَاعَةٍ (لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) عَلَى الْمَرَافِقِ وَالرُّكَبِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ ثُمَّ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ فِي وَاحِدٍ، أَحَدُهَا: نَزْعُ الْغُصْنِ، وَالثَّانِي: الشُّهَدَاءُ، وَالثَّالِثُ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، هَكَذَا يَرْوِيهَا جَمَاعَةٌ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ هِيَ مَحْفُوظَةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ يَحْيَى، وَسَقَطَ الثَّالِثُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ هُنَا وَهُوَ ثَابِتٌ عِنْدَهُ فِي بَابِ النِّدَاءِ انْتَهَى. وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُ الثَّالِثِ هُنَا حَتَّى يَكُونَ فِي الْأَحَادِيثِ وَاحِدٌ مُطَابِقٌ لِلتَّرْجَمَةِ فَسَاقَهَا الْإِمَامُ كَمَا سَمِعَهَا، وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ مِنْهَا وَاحِدًا وَهُوَ الْأَخِيرُ، وَاللَّذَانِ قَبْلَهُ لَيْسَا بِمَقْصُودَيْنَ، وَكَأَنَّ ابْنَ يَحْيَى لَمَّا رَأَى الثَّالِثَ تَقَدَّمَ ظَنَّ أَنَّ ذِكْرَهُ تَكْرَارٌ مَحْضٌ فَأَسْقَطَهُ وَمَا دَرَى عَدَمَ مُطَابَقَةِ مَا ذَكَرَهُ لِلتَّرْجَمَةِ، وَلَا شَكَّ فِي تَقْدِيمِ رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ لِأَنَّهُ حَافِظٌ وَوَافَقَهُ جَمِيعُ رُوَاةِ مَالِكٍ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ بِتَمَامِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ أُمِّ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهَا لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ فَقَالَتْ إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَقَالَ عُمَرُ لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً   296 - 293 الحديث: 296 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ، ثِقَةٌ عَارِفٌ بِالنَّسَبِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ كَمَا مَرَّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ) أَبَاهُ (سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ) بْنِ غَانِمِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ الْقُرَشِيَّ الْعَدَوِيَّ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: ذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَا يَصِحُّ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: رَحَلَ مَعَ أُمِّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَصَالِحِيهِمْ، وَاسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى السُّوقِ وَجَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ. وَذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِيمَنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ أَبَاهُ فِي مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ (فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ) وَلِذَلِكَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهِ لِقُرْبِهِ (فَمَرَّ) عُمَرُ (عَلَى الشِّفَاءِ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْفَاءِ الْخَفِيفَةِ كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ نُقْطَةَ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَالْمَدُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَالْقَصْرُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ خَلَفٍ الْقُرَشِيَّةُ الْعَدَوِيَّةُ (أُمِّ سُلَيْمَانَ) الْمَذْكُورَةِ قِيلَ اسْمُهَا لَيْلَى وَالشِّفَاءُ لَقَبٌ، أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَبَايَعَتْ وَهِيَ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ، وَكَانَتْ مِنْ عُقَلَاءِ النِّسَاءِ وَفُضَلَائِهِنَّ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا فِي بَيْتِهَا وَيَقِيلُ عِنْدَهَا، وَاتَّخَذَتْ لَهُ فِرَاشًا وَإِزَارًا يَنَامُ فِيهِ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ عِنْدَ وَلَدِهَا حَتَّى أَخَذَهُ مِنْهُمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ. وَقَالَ لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمِي حَفْصَةَ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ، وَأَعْطَاهَا دَارًا عِنْدَ الْحَكَّاكِينَ بِالْمَدِينَةِ فَنَزَلَتْهَا مَعَ ابْنِهَا سُلَيْمَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يُقَدِّمُهَا فِي الرَّأْيِ وَيَرْعَاهَا وَيُفَضِّلُهَا وَرُبَّمَا وَلَّاهَا شَيْئًا مِنْ أَمْرِ السُّوقِ. رَوَى عَنْهَا ابْنُهَا سُلَيْمَانُ وَابْنَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ وَحَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرُهُمْ، (فَقَالَ لَهَا: لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ) فِيهِ تَفَقُّدُ الْإِمَامِ رَعِيَّتَهُ فِي شُهُودِ الْخَيْرِ وَلَا سِيَّمَا قَرَابَتَهُ (فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَقَالَ عُمَرُ: لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ الْكَبِيرِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ أُمِّهِ الشِّفَاءِ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعِنْدِي رَجُلَانِ نَائِمَانِ تَعْنِي زَوْجَهَا أَبَا حَثْمَةَ وَابْنَهَا سُلَيْمَانَ، فَقَالَ: أَمَا صَلَّيَا الصُّبْحَ؟ قُلْتُ: لَمْ يَزَالَا يُصَلِّيَانِ حَتَّى أَصْبَحَا فَصَلَّيَا الصُّبْحَ وَنَامَا، فَقَالَ: لَأَنْ أَشْهَدَ الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: خَالَفَ مَعْمَرٌ مَالِكًا فِي إِسْنَادِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ قَالَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّ عُمَرَ، وَمَعْمَرًا قَالَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أُمِّهِ، فَهِيَ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَسِيَاقُ مَتْنِهِ فِيهِ خُلْفٌ أَيْضًا إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتَمَلَ أَنَّ هَذِهِ مَرَّةً أُخْرَى مَعَ أَبِيهِ فَهُمَا قِصَّتَانِ فَلَا خُلْفَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَرَأَى أَهْلَ الْمَسْجِدِ قَلِيلًا فَاضْطَجَعَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ النَّاسَ أَنْ يَكْثُرُوا فَأَتَاهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ مَنْ هُوَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ مَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ وَمَنْ شَهِدَ الصُّبْحَ فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةً   297 - 294 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ) وَاسْمُهُ بَشِيرٌ وَقِيلَ: بِشْرٌ، وَقِيلَ: ثَعْلَبَةُ (الْأَنْصَارِيِّ) الْخَزْرَجِيِّ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ، وَأُمُّهُ هِنْدُ بِنْتُ الْمُقَوِّمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ صَحَابِيَّةٌ بِنْتُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَهُ مُطَيِّنٌ وَابْنُ السَّكَنِ فِي الصَّحَابَةِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا صُحْبَةَ لَهُ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَرَأَى أَهْلَ الْمَسْجِدِ قَلِيلًا فَاضْطَجَعَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ النَّاسَ أَنْ يَكْثُرُوا) قَالَ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّ مِنْ أَدَبِ الْأَئِمَّةِ بِالنَّاسِ انْتِظَارَهُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا تَأَخَّرُوا وَتَعْجِيلَهَا إِذَا اجْتَمَعُوا، وَقَدْ فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ (فَأَتَاهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ) فِيهِ الْتِفَاتٌ (فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ مَنْ هُوَ) وَالْأَصْلُ فَأَتَيْتُهُ فَجَلَسْتُ وَهَكَذَا (فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ فَأَخْبَرَهُ) بِمَا مَعَهُ (فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَنْ شَهِدَ) أَيْ صَلَّى (الْعِشَاءَ) فِي جَمَاعَةٍ (فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ وَمَنْ شَهِدَ الصُّبْحَ) أَيْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ (فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةً) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَةً لَمْ يُصَلِّ فِيهَا الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ إِذْ لَوْ صَلَّى ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ لَحَصَلَ لَهُ فَضْلُهَا وَفَضْلُ الْقِيَامِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: نَزَّلَ صَلَاةَ كُلٍّ مِنْ طَرَفَيِ اللَّيْلِ مَنْزِلَةَ نَوَافِلِ نِصْفِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَبْلُغَ ثَوَابُهُ مَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ لِأَنَّ هَذَا تَشْبِيهُ مُطْلَقِ مِقْدَارِ الثَّوَابِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَشْبِيهِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ أَخْذُهُ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَلَوْ كَانَ قَدْرُ الثَّوَابِ سَوَاءً لَمْ يَكُنْ لِمُصَلِّي - الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ جَمَاعَةً - مَنْفَعَةٌ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ غَيْرَ التَّعَبِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ وَقَدْ صَحَّ مَرْفُوعًا. أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ الحديث: 297 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: " «دَخَلَ عُثْمَانُ الْمَسْجِدَ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ» "، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: " «دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 [بَاب إِعَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ بُسْرُ بْنُ مِحْجَنٍ عَنْ أَبِيهِ مِحْجَنٍ «أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُذِّنَ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى ثُمَّ رَجَعَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ لَمْ يُصَلِّ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ فَقَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ»   3 - بَابُ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ 298 - 295 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الدِّيلِ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْيَاءِ عِنْدَ الْكِسَائِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَسِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمْ: الدُّئِلُ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ ابْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ (يُقَالُ لَهُ بُسْرٌ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ فِي رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ عَنْ مَالِكٍ، وَأَكْثَرِ الرُّوَاةِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَلِلثَّوْرِيِّ عَنْ زَيْدٍ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَمُعْجَمَةٍ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَالصَّوَابُ مَا قَالَ مَالِكٌ (ابْنُ مِحْجَنٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمِلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَنُونٍ تَابِعِيٌّ صَدُوقٌ (عَنْ أَبِيهِ مِحْجَنٍ) بْنِ أَبِي مِحْجَنٍ الدِّيلِيِّ صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ بُسْرٌ، وَيُقَالُ إِنَّهُ كَانَ فِي سَرِيَّةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى حِسْمَى فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سِتٍّ وَبِذَلِكَ جَزَمَ ابْنُ الْحَذَّاءِ فِي رِجَالِ الْمُوَطَّأِ (أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُذِّنَ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى ثُمَّ رَجَعَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ لَمْ يُصَلِّ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ؟) الَّذِينَ صَلَّوْا مَعِي (أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ الِاسْتِفْهَامُ وَيُحْتَمَلُ التَّوْبِيخُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَلَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ إِذْ هَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا هَذَا الحديث: 298 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 كَمَا تَقُولُ لِلْقُرَشِيِّ مَالَكَ لَا تَكُونُ كَرِيمًا أَلَسْتَ بِقُرَشِيٍّ؟ لَا تُرِيدُ نَفْيَهُ مِنْ قُرَيْشٍ إِنَّمَا تُوَبِّخُهُ عَلَى تَرْكِ أَخْلَاقِهِمْ (قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي) وَلَعَلَّهُ كَانَ سَمِعَ: " لَا صَلَاتَيْنِ فِي يَوْمٍ "، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِعَادَةِ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ) فِيهِ أَنَّ مَنْ قَالَ صَلَّيْتُ يُوكَلُ إِلَى قَوْلِهِ لِقَبُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ قَوْلَهُ صَلَّيْتُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ بِهِ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ مَرْفُوعًا: " «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْقَوْمُ يُصَلُّونَ فَلْيُصَلِّ مَعَهُمْ وَتَكُونُ لَهُ نَافِلَةً» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ إِنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ أَفَأُصَلِّي مَعَهُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نَعَمْ فَقَالَ الرَّجُلُ أَيَّتَهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ أَوَ ذَلِكَ إِلَيْكَ إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ   299 - 296 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: نَعَمْ) صَلِّ مَعَهُ (فَقَالَ الرَّجُلُ: أَيَّتَهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَوَ ذَلِكَ إِلَيْكَ؟ إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الَّتِي يَتَقَبَّلُهَا، فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِدَادِ بِهَا فَهِيَ الْأَوْلَى وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاتَيْنِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ، وَلَوْ صَلَّى إِحْدَاهُمَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ لَمْ يَشُكَّ فِي أَنَّ الْأُخْرَى فَرْضٌ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرُهُ: مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ فِي الْقَبُولِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْبَلُ النَّافِلَةَ دُونَ الْفَرِيضَةِ وَيَقَبْلَ الْفَرِيضَةَ دُونَ النَّافِلَةِ عَلَى حَسَبِ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَى هَذَا لَا يَتَدَافَعُ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْفَرِيضَةُ هِيَ الْأُولَى مَعَ قَوْلِهِ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ. قَالَ: وَرَوَى ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ صَلَاتَهُ هِيَ الْأُولَى، وَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ مَالِكٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَكَّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّ الْأُولَى صَلَاتُهُ فَرَجَعَ مِنْ شَكِّهِ إِلَى يَقِينِ عَمَلِهِ وَمُحَالٌ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى شَكٍّ. الحديث: 299 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ إِنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ آتِ الْمَسْجِدَ فَأَجِدُ الْإِمَامَ يُصَلِّي أَفَأُصَلِّي مَعَهُ فَقَالَ سَعِيدٌ نَعَمْ فَقَالَ الرَّجُلُ فَأَيُّهُمَا صَلَاتِي فَقَالَ سَعِيدٌ أَوَ أَنْتَ تَجْعَلُهُمَا إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ   300 - 297 الحديث: 300 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي ثُمَّ آتِي) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ (الْمَسْجِدَ فَأَجِدُ الْإِمَامَ يُصَلِّي أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: نَعَمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَأَيُّهُمَا صَلَاتِي؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: أَوَأَنْتَ تَجْعَلُهُمَا؟ إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ) فَأَجَابَ سَعِيدٌ سَائِلَهُ بِمِثْلِ جَوَابِ ابْنِ عُمَرَ لِسَائِلِهِ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْأُولَى فَرْضٌ وَالثَّانِيَةَ نَفْلٌ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى صِحَّةِ رَفْضِ الصَّلَاةِ بَعْدَ تَمَامِهَا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا تُرْتَفَضُ فَالْأُولَى فَرْضُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: تُرْتَفَضُ جَازَ أَنْ يُقَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ لَا يَؤُمُّ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الْأُولَى فَرْضُهُ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاخْتَارَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ فَرْضَهُ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَتَكُونُ لَهُ نَافِلَةٌ " أَيْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 79) أَيْ زَائِدَةٌ فِي فَرَائِضِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَؤُمَّ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا صَلَاتَهُ حَقِيقَةً فَاحْتِيطَ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَفِيفٍ السَّهْمِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ فَقَالَ إِنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ آتِ الْمَسْجِدَ فَأَجِدُ الْإِمَامَ يُصَلِّي أَفَأُصَلِّي مَعَهُ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ نَعَمْ فَصَلِّ مَعَهُ فَإِنَّ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ سَهْمَ جَمْعٍ أَوْ مِثْلَ سَهْمِ جَمْعٍ   301 - 298 - (مَالِكٌ عَنْ عَفِيفٍ) بْنِ عَمْرٍو بِفَتْحِ الْعَيْنِ (السَّهْمِيِّ) مَقْبُولٌ فِي الرِّوَايَةِ (عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا أَيُّوبَ) خَالِدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ (الْأَنْصَارِيَّ) الْبَدْرِيَّ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ مَاتَ غَازِيًا بِالرُّومِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا (فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ آتِي الْمَسْجِدَ فَأَجِدُ الْإِمَامَ يُصَلِّي أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: نَعَمْ فَصَلِّ مَعَهُ فَإِنَّ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ سَهْمَ جَمْعٍ) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَيْ يُضَعَّفُ لَهُ الْأَجْرُ فَيَكُونُ لَهُ سَهْمَانِ مِنْهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: جَمْعٌ هُنَا أَيْ جَيْشٌ قَالَ تَعَالَى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} [القمر: 45] (سُورَةُ الْقَمَرِ: الْآيَةُ 45) وَقَالَ: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} [الشعراء: 61] (سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: الْآيَةُ 61) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ لَهُ أَجْرُ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ الحديث: 301 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَأَصْوَبُ. وَأَوْصَى الْمُنْذِرِينَ الزُّبَيْرُ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ سَهْمُ جَمْعٍ، قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: فَسَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مَا مَعْنَى " سَهْمُ جَمْعٍ؟ " قَالَ: نَصِيبُ رَجُلَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ. (أَوْ مِثْلَ سَهْمِ جَمْعٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنَّ ثَوَابَهُ مِثْلُ سَهْمِ الْجَمَاعَةِ مِنَ الْأَجْرِ، وَيَحْتَمِلُ مِثْلَ سَهْمِ مَنْ يَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ فِي الْحَجِّ، لِأَنَّ جَمْعًا اسْمُ مُزْدَلِفَةَ حَكَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ مُطَرِّفٍ وَلَمْ يُعْجِبْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَهُ سَهْمَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ: صَلَاةُ الْفَذِّ وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ، وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ إِخْبَارٌ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَضِيعُ لَهُ أَجْرُ الصَّلَاتَيْنِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ يُرْوَى: فَإِنَّ لَهُ سَهْمًا جَمْعًا بِالتَّنْوِينِ أَيْ يُضَاعَفُ لَهُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالصَّحِيحُ مِنَ الرِّوَايَةِ وَالْمَعْنَى مَا قَدَّمْنَا اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ إِذْ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِرَفْعِهِ بُكَيْرٌ أَنَّهُ سَمِعَ عَفِيفَ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: يُصَلِّي أَحَدُنَا فِي مَنْزِلِهِ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَأُصَلِّي مَعَهُمْ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: فَذَلِكَ لَهُ سَهْمُ جَمْعٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَوْ الصُّبْحَ ثُمَّ أَدْرَكَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَعُدْ لَهُمَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ مَنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ إِلَّا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ إِذَا أَعَادَهَا كَانَتْ شَفْعًا   302 - 299 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَوِ الصُّبْحَ ثُمَّ أَدْرَكَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَعُدْ لَهُمَا) لِلنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَلِأَنَّ النَّافِلَةَ لَا تَكُونُ وِتْرًا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ وَلَا يَرِدُ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ، وَذَهَبَ أَبُو مُوسَى وَالنُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ وَطَائِفَةٌ إِلَى مَا (قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ مَنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ) أَوْ خُلْوَةٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ أَوْ حَانُوتٍ، فَالْمُرَادُ صَلَّى مُنْفَرِدًا جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ (إِلَّا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ) لَا يُعِيدُهَا (فَإِنَّهُ إِذَا أَعَادَهَا كَانَتْ شَفْعًا) فَيُنَافِي مَا مَرَّ أَنَّهَا وِتْرُ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَزَادَ أَصْحَابُهُ الْعِشَاءَ بَعْدَ الْوِتْرِ، وَعَلَّلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَدَمَ إِعَادَةِ الْمَغْرِبِ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ نَافِلَةٌ وَلَا تَكُونُ النَّافِلَةُ وِتْرًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذِهِ الْعِلَّةُ أَحْسَنُ مِنْ تَعْلِيلِ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُغِيرَةُ: تُعَادُ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا لِعُمُومِ حَدِيثِ مِحْجَنٍ إِذْ لَمْ يَخُصَّ صَلَاةً مِنْ غَيْرِهَا، وَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الحديث: 302 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 الْأَسْوَدِ: " «شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّتَهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الصُّبْحَ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إِذَا بِرَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ قَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ قَالَا: صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: فَلَا تَفْعَلَا إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدًا فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» ". وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُعِيدُ الصُّبْحَ وَلَا الْعَصْرَ وَلَا الْمَغْرِبَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لِأَنَّ النَّافِلَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لَا تَجُوزُ وَلَا تَكُونُ النَّافِلَةُ وِتْرًا، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ بِمُعَارَضَتِهِ بِخَبَرِ النَّهْيِ وَالْمَانِعُ مُقَدَّمٌ وَبِحَمْلِهِ عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 [بَاب الْعَمَلِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ»   4 - بَابُ الْعَمَلِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ 303 - 300 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ) إِمَامًا (فَلْيُخَفِّفْ) مَعَ التَّمَامِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: التَّطْوِيلُ وَالتَّخْفِيفُ مِنَ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ خَفِيفًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَادَةِ قَوْمٍ طَوِيلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَادَةِ آخَرِينَ، قَالَ: وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَا يُزِيدُ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ لَا يُخَالِفُ مَا وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ رَغْبَةَ الصَّحَابَةِ فِي الْخَيْرِ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ تَطْوِيلًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَأَوْلَى مَا أُخِذَ بِهِ حَدُّ التَّخْفِيفِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: أَنْتَ إِمَامُ قَوْمِكَ وَأَقْدَرُ الْقَوْمِ بِأَضْعَفِهِمْ» " إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ، (فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ) خِلْقَةً (وَالسَّقِيمَ) مِنْ مَرَضٍ (وَالْكَبِيرَ) سِنًّا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ لَا يَقُولُونَ " وَالْكَبِيرَ "، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ، وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ " وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ "، وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي: وَالْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ " وَالْعَابِرَ السَّبِيلِ "، وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ: " «إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» "، وَهِيَ أَشْمَلُ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَاتِ، ثُمَّ الْجَمِيعُ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُتَّصِفٌ بِصِفَةٍ مِنَ الْمَذْكُورَاتِ لَمْ يَضُرَّ التَّطْوِيلُ لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَنْبَغِي لِكُلِّ إِمَامٍ أَنْ يُخَفِّفَ جُهْدَهُ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث: 303 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 بِالتَّخْفِيفِ وَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ قُوَّةَ مَنْ خَلْفَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَحْدُثُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَادِثٍ وَشُغُلٍ وَعَارِضِ حَاجَةٍ وَحَدَثِ بَوْلٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْيَعْمَرِيُّ: الْأَحْكَامُ إِنَّمَا تُنَاطُ بِالْغَالِبِ لَا بِالصُّورَةِ النَّادِرَةِ فَيَنْبَغِي لِلْأَئِمَّةِ التَّخْفِيفُ مُطْلَقًا، قَالَ: وَهَذَا كَمَا شُرِعَ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ وَعُلِّلِ بِالْمَشَقَّةِ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تُشْرَعُ وَلَوْ عَمَلًا بِالْغَالِبِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ وَهُنَا كَذَلِكَ (وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ) وَلِمُسْلِمٍ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ أَيْ مُخَفِّفًا أَوْ مُطَوِّلًا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ إِطَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُعَارِضُهُ عُمُومُ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي مُسْلِمٍ، وَإِنَّمَا التَّفْرِيطُ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى، وَإِذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةُ الْمُبَالَغَةِ فِي الْكَمَالِ بِالتَّطْوِيلِ وَمَفْسَدَةِ إِيقَاعِ الصَّلَاةِ وَقْتَهَا كَانَتْ مُرَاعَاةُ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ أَوْلَى، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ قُمْتُ وَرَاءَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي فَخَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بِيَدِهِ فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ   304 - 301 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ قُمْتُ وَرَاءَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي فَخَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بِيَدِهِ فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ) بِكَسْرِ الْمُهْمِلَةِ وَمُعْجَمَةٍ مَمْدُودٍ أَيْ مُحَاذِيًا لَهُ عَنْ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مَوْقِفُ الْمَأْمُومِ الْوَاحِدِ كَمَا فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ. الحديث: 304 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ بِالْعَقِيقِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَنَهَاهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا نَهَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ   305 - 302 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ بِالْعَقِيقِ) مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ (فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَنَهَاهُ) عَنِ الْإِمَامَةِ (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا نَهَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ) فَيُكْرَهُ أَنْ يُتَّخَذَ إِمَامًا رَاتِبًا، وَعِلَّتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ يَصِيرُ مُعَرَّضًا لِكَلَامِ النَّاسِ فِيهِ فَيَأْثَمُونَ بِسَبَبِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَالِبًا مَنْ يُفَقِّهُهُ فِي الدِّينِ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِمَامَةِ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَتَقَدُّمٍ فِي أَهَمِّ أَمْرِ الدِّينِ وَهِيَ مِمَّا يَلْزَمُ الْخُلَفَاءَ وَيَقُومُ بِهِ الْأُمَرَاءُ، فَيُكْرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لَهَا مَنْ فِيهِ نَقْصٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذِهِ كِنَايَةٌ كَالتَّصْرِيحِ أَنَّهُ وَلَدُ زِنًى فَكُرِهَ أَنْ يُنَصَّبَ إِمَامًا لِخَلْقِهِ مِنْ نُطْفَةٍ خَبِيثَةٍ، كَمَا يُعَابُ مَنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمَّهُ الحديث: 305 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 حَائِضًا أَوْ مِنْ سَكْرَانَ وَلَا ذَنْبَ عَلَيْهِ هُوَ فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَاعَاةِ نَسَبٍ فِي الْإِمَامَةِ، وَإِنَّمَا فِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاحِ فِي الدِّينِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 [بَاب صَلَاةِ الْإِمَامِ وَهُوَ جَالِسٌ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ»   5 - بَابُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَهُوَ جَالِسٌ 306 - 303 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ تَخْتَلِفْ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ فِي سَنَدِهِ، وَرَوَاهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ خَطَأٌ لَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فَرَسًا) فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ أَفَادَهُ ابْنُ حِبَّانَ (فَصُرِعَ) بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ سَقَطَ عَنِ الْفَرَسِ، وَلِلتِّنِيسِيِّ وَمَعْنٍ فَصُرِعَ عَنْهُ، وَفِي أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرٍ: " وَرَكِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا بِالْمَدِينَةِ فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ "، (فَجُحِشَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ خُدِشَ، وَقِيلَ: الْجَحْشُ فَوْقَ الْخَدْشِ، وَحَسْبُكَ أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْخَدْشُ قَشْرُ الْجِلْدِ (شِقُّهُ الْأَيْمَنُ) بِأَنْ قَشَرَ جِلْدَهُ، وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: سَاقُهُ الْأَيْمَنُ وَلَيْسَتْ مُصَحَّفَةً كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ لِمُوَافَقَةِ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ مُفَسِّرَةٌ لِمَحَلِّ الْخَدْشِ مِنَ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ لِأَنَّ الْخَدْشَ لَمْ يَسْتَوْعِبْهُ، (فَصَلَّى صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اللَّامُ لِلْعَهْدِ ظَاهِرًا وَالْمُرَادُ الْفَرْضُ لِأَنَّهَا الَّتِي عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ لَهَا بِخِلَافِ النَّافِلَةِ وَحَكَى عِيَاضٌ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا كَانَتْ نَفْلًا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ جَابِرٍ الْجَزْمَ بِأَنَّهَا فَرْضٌ، قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهَا إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: فَصَلَّى بِنَا يَوْمَئِذٍ - فَكَأَنَّهَا نَهَارِيَّةٌ - الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ، (وَهُوَ قَاعِدٌ) قَالَ عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَصَابَهُ مِنَ السَّقْطَةِ رَضٌّ فِي الْأَعْضَاءِ مَنَعَهُ مِنَ الْقِيَامِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَتْ قَدَمُهُ مُنْفَكَّةً كَمَا فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَكَذَا لِأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ جَابِرٍ فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ لَا يُنَافِيهِ " جُحِشَ شِقُّهُ " لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الْأَمْرَيْنِ (وَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا) ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ بَعْدَهُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ اخْتِصَارًا وَكَأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا آلَ إِلَيْهِ الْحَالُ بَعْدَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالْجُلُوسِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: " فَصَلَّى بِهِمْ الحديث: 306 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ "، وَفِيهَا أَيْضًا اخْتِصَارٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ لَهُمُ اجْلِسُوا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمُ ابْتَدَءُوا الصَّلَاةَ قِيَامًا، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَقْعُدُوا فَقَعَدُوا، فَنَقَلَ كُلٌّ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَحُمَيْدٍ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَجَمَعَتْهُمَا عَائِشَةُ وَكَذَا جَابِرٌ فِي مُسْلِمٍ، وَجَمَعَ الْقُرْطُبِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَعَدَ مِنْ أَوَّلِ الْحَالِ وَهُوَ مَا حَكَاهُ أَنَسٌ، وَبَعْضُهُمْ قَامَ حَتَّى أَشَارَ إِلَيْهِ بِالْجُلُوسِ وَهُوَ مَا حَكَتْهُ عَائِشَةُ، وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ قُعُودِ بَعْضِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاسْتِلْزَامِهِ النَّسْخَ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّ فَرْضَ الْقَادِرِ فِي الْأَصْلِ الْقِيَامُ، وَجَمَعَ آخَرُونَ بِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ إِنْ كَانَ سَابِقًا لَزِمَ النَّسْخَ بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِعَادَةٍ، إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ. . . . إِلَخْ، لِأَنَّهُمُ امْتَثَلُوا أَمْرَهُ السَّابِقَ وَصَلَّوْا قُعُودًا لِقُعُودِهِ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ ثُمَّ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُمْ دَخَلُوا يَعُودُونَهُ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِهِمْ فِيهِمَا لَكِنْ بَيَّنَ أَنَّ الْأُولَى كَانَتْ نَافِلَةً وَأَقَرَّهُمْ عَلَى الْقِيَامِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَالثَّانِيَةُ كَانَتْ فَرِيضَةً وَابْتَدَءُوا قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِالْجُلُوسِ، وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ. (فَلَمَّا انْصَرَفَ) مِنَ الصَّلَاةِ (قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ) إِمَامًا (لِيُؤْتَمَّ) لِيُقْتَدَى (بِهِ) وَيُتَّبَعَ، وَمِنْ شَأْنِ التَّابِعِ أَنْ لَا يَسْبِقَ مَتْبُوعَهُ وَلَا يُسَاوِيَهُ وَلَا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي مَوْقِفِهِ بَلْ يُرَاقِبُ أَحْوَالَهُ وَيَأْتِي عَلَى أَثَرِهِ بِنَحْوِ فِعْلِهِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: زَادَ مَعْنٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ: " فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ "، فَفِيهِ حُجَّةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ أَنَّ مَنْ خَالَفَتْ نِيَّتُهُ نِيَّةَ إِمَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، إِذْ لَا اخْتِلَافَ أَشَدُّ مِنِ اخْتِلَافِ النِّيَّاتِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْأَعْمَالِ انْتَهَى. وَفِي التَّمْهِيدِ رَوَى الزِّيَادَةَ ابْنُ وَهْبٍ وَيَحْيَى بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، وَلَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّأِ إِلَّا بَلَاغَاتُ مَالِكٍ وَقَدْ رَوَاهَا مَعْنٌ وَأَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا انْتَهَى. وَثَبَتَتْ زِيَادَةُ مَعْنٍ هَذِهِ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأَفَادَتْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاتِّبَاعِ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكْفِي اتِّبَاعُ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ. (فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ) أَيْ أَجَابَ الدُّعَاءَ (فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) بِالْوَاوِ لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا إِلَّا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِدُونِهَا وَرَجَّحَ إِثْبَاتَهَا بِاتِّفَاقِ رُوَاةِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَبِأَنَّ فِيهَا مَعْنًى زَائِدًا لِأَنَّهَا عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: رَبَّنَا اسْتَجِبْ أَوْ رَبَّنَا أَطَعْنَاكَ وَلَكَ الْحَمْدُ، فَتَشْتَمِلُ عَلَى الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ مَعًا، وَرَجَّحَ قَوْمٌ حَذْفَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ فَتَصِيرُ عَاطِفَةً عَلَى كَلَامٍ غَيْرِ تَامٍّ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: ثَبَّتَتِ الرِّوَايَةُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا وَالْوَجْهَانِ جَائِزَانِ بِغَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 تَرْجِيحٍ، وَزَادَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهُ: وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، (فَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا) ظَاهِرُهُ صِحَّةُ إِمَامَةِ الْجَالِسِ الْمَعْذُورِ بِمِثْلِهِ وَجُلُوسُ مَأْمُومِهِ الْقَادِرِ مَعَهُ لَكِنَّ الثَّانِيَ مَنْسُوخٌ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَى سِيَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا صَلَّى جَالِسًا فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي جُلُوسِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِأَنَّهُ وَصَفَ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا فَصْلًا فَصْلًا، وَانْتَقَلَ إِلَى الِائْتِمَامِ بِهِ فِي حَالِ الْجُلُوسِ وَهُوَ مَوْضِعُ التَّشَهُّدِ فَأَمَرَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِيهَا، وَأُيِّدَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَقِبَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا تَعْظِيمًا لَهُ فَأَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ تَوَاضُعًا، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: " إِنْ «كِدْتُمْ آنِفًا تَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ فَلَا تَفْعَلُوا» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ سِيَاقَ طُرُقِ الْحَدِيثِ تَأْبَاهُ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْجُلُوسِ فِي الرُّكْنِ لَقَالَ: وَإِذَا جَلَسَ فَاجْلِسُوا لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ: وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، فَلَمَّا عَدَلَ إِلَى قَوْلِهِ: وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا كَانَ كَقَوْلِهِ: وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ جَمِيعُ الصَّلَاةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَنَسٍ: وَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا (أَجْمَعُونَ) بِالْوَاوِ فِي جَمِيعِ طُرُقٍ حَدِيثِ أَنَسٍ تَأْكِيدًا لِضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ: فَصَلُّوا، وَأَخْطَأَ مَنْ ضَعَّفَهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَجْمَعِينَ بِالْيَاءِ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ جُلُوسًا مُجْتَمِعِينَ، أَوْ عَلَى التَّأْكِيدِ لِضَمِيرٍ مُقَدَّرٍ مَنْصُوبٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَعْنِيكُمْ أَجْمَعِينَ، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَالتَّدَرُّبِ عَلَى أَخْلَاقِهَا وَالتَّأَسِّي لِمَنْ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا سُقُوطٌ وَنَحْوُهُ بِمَا اتَّفَقَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَبِهِ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْبَشَرِ مِنَ الْأَسْقَامِ وَنَحْوِهَا مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فِي مِقْدَارِهِ لِذَلِكَ، بَلْ لِيَزْدَادَ قَدْرُهُ رِفْعَةً وَمَنْصِبُهُ جَلَالَةً، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا»   307 - 304 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ شَاكٍ» ) بِخِفَّةِ الْكَافِ بِوَزْنِ قَاضٍ مِنَ الشِّكَايَةِ وَهِيَ الْمَرَضُ وَسَبَبُهُ مَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ قَبْلَهُ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْ فَرَسٍ، وَحَاصِلُ الْقِصَّةِ أَنَّ عَائِشَةَ أَبْهَمَتِ الشَّكْوَى وَبَيَّنَ أَنَسٌ وَجَابِرٌ سَبَبَهَا وَهُوَ السُّقُوطُ عَنِ الْفَرَسِ، وَعَيَّنَ جَابِرٌ كَأَنَسٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِهِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْعِلَّةَ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا وَهِيَ انْفِكَاكُ الْقَدَمِ (فَصَلَّى) حَالَ كَوْنِهِ (جَالِسًا وَصَلَّى الحديث: 307 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 وَرَاءَهُ قَوْمٌ) حَالَ كَوْنِهِمْ (قِيَامًا) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدَةَ عَنْ هِشَامٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعُودُونَهُ. الْحَدِيثَ، وَسَمَّى مِنْهُمْ أَنَسًا كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَجَابِرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَعُمَرَ كَمَا لَعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ (فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا) بِلَفْظِ إِلَى مِنَ الْإِشَارَةِ لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الطِّبِّ، وَهُوَ مَا لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقِ الْمُوَطَّأِ، وَلِبَعْضِهِمْ عَلَيْهِمْ بِلَفْظِ عَلَى مِنَ الْمَشُورَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَقَدْ رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ: فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ: فَأَخْلَفَ بِيَدِهِ يُومِيِ بِهَا إِلَيْهِمْ، وَفِي مُرْسَلِ الْحَسَنِ وَلَمْ يَبْلُغْ بِهَا الْغَايَةَ، زَادَ فِي رِوَايَةِ عَبْدَةَ عَنْ هِشَامٍ ثُمَّ مُسْلِمٍ فَجَلَسُوا (فَلَمَّا انْصَرَفَ) مِنَ الصَّلَاةِ (قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ) أَيْ نُصِّبَ أَوِ اتُّخِذَ (الْإِمَامُ) أَوِ التَّقْدِيرُ إِمَامًا (لِيُؤْتَمَّ بِهِ) لِيُقْتَدَى بِهِ (فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا) قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ رُكُوعَ الْمَأْمُومِ يَكُونُ بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ إِمَّا بَعْدَ تَمَامِ انْحِنَائِهِ، وَإِمَّا بِأَنْ يَسْبِقَهُ الْإِمَامُ بِأَوَّلِهِ فَيَشْرَعَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ يَشْرَعَ. (وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا) زَادَ فِي رِوَايَةِ عَبْدَةَ عَنْ هِشَامٍ: " وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالرَّفْعُ يَتَنَاوَلُ الرَّفْعَ مِنَ الرُّكُوعِ وَمِنَ السُّجُودِ وَجَمِيعِ السَّجَدَاتِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ لِأَنَّهُ زَادَ الْمُتَابَعَةِ فِي الْأَقْوَالِ أَيْضًا. قَالَ الْحَافِظُ: وَوَقَعَتِ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ وَهِيَ: " وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا يَعْنِي مَا فِي رِوَايَةِ أَيْضًا أَبِي ذَرٍّ وَابْنِ عَسَاكِرٍ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ هَذِهِ عَقِبَ قَوْلِهِ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكِنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَا فِي رِوَايَةٍ غَيْرِ هَذَيْنِ لِلْبُخَارِيِّ، نَعَمْ وَرَدَتْ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. (وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا) وَلَوْ قَادِرِينَ عَلَى الْقِيَامِ لَكِنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْمَاعِيلُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي مَرَضِهِ فَأَتَى فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ كَمَا أَنْتَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ وَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ»   308 - 305 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) لَمْ تَخْتَلِفْ رُوَاةُ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ وَقَدْ أَسْنَدَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي مَرَضِهِ) الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ (فَأَتَى) زَادَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَسْجِدَ، وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحديث: 308 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرَ " (فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِالنَّاسِ) كَمَا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، قَالَ الْحَافِظُ: فَصَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالظُّهْرَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا الصُّبْحُ لِرِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِرَاءَةَ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ لَمَّا قَرُبَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الْآيَةَ الَّتِي كَانَ انْتَهَى إِلَيْهَا خَاصَّةً، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِالْمَسْجِدِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ هَذِهِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا قَاعِدًا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ فِيهَا إِمَامًا ثُمَّ صَارَ مَأْمُومًا كَمَا قَالَ. (فَاسْتَأْخَرَ) أَيْ تَأَخَّرَ (أَبُو بَكْرٍ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ كَمَا أَنْتَ) أَيْ كَالَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ مِنَ الْإِمَامَةِ، وَأَنْتَ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ وَالْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ أَيْ لِيَكُنْ حَالُكَ فِي الْمُسْتَقَبْلَ مُشَابِهًا لِحَالِكَ فِي الْمَاضِي أَوْ زَائِدَةٌ أَيِ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِمَامَةُ. (فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ) لَا خَلْفَهُ وَلَا قُدَّامَهُ، وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْمَأْمُومِ إِلَّا لِضِيقِ الْمَكَانِ وَكَذَا لَوْ كَانُوا عُرَاةً، وَمَا عَدَا ذَلِكَ يَجُوزُ وَيُجْزِي وَلَكِنْ يُفَوِّتُ الْفَضِيلَةَ. (فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي) قَائِمًا (بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ وَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ) أَيْ بِتَبْلِيغِهِ لَهُمْ أَيْ يَتَعَرَّفُونَ بِهِ مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ لِضَعْفِ صَوْتِهِ عَنْ أَنْ يُسْمِعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الِانْتِقَالِ فَكَانَ الصِّدِّيقُ يُسْمِعُهُمْ ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْهَا: " فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَاعِدٌ " وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ الْقَاعِدِ الْمَعْذُورِ لِلْقَائِمِ الصَّحِيحِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجَعَلُوا ذَلِكَ نَاسِخًا لِقَوْلِهِ: وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ الصَّحَابَةَ عَلَى الْقِيَامِ خَلْفَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَالرِّوَايَةُ مَشْهُورَةٌ عَنْ مَالِكٍ عَدَمُ صِحَّةِ الِائْتِمَامِ وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَقَالَ: ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثِ جَابِرِ الْجُعْفِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ مَرْفُوعًا: " «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا» " وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ جَابِرًا ضَعِيفٌ مَعَ إِرْسَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُ الصَّلَاةِ بِالْجَالِسِ أَيْ بِإِعْرَابِ جَالِسًا مَفْعُولًا لَا حَالًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَوْ صَحَّ احْتَاجَ إِلَى تَارِيخٍ لَكِنْ قَوَّاهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّ مُوَاظَبَتَهُمْ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ تَشْهَدُ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَاحْتَجَّ عِيَاضٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِنَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْأَئِمَّةَ شُفَعَاءُ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 شَافِعًا لَهُ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ بِصَلَاتِهِ خَلَفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَبِي بَكْرٍ كَمَا قَدَّمْتُهُ سَابِقًا لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ إِذَا أَمَّهُ هُوَ أَمَّا إِذَا أَمَّ غَيْرَهُ وَجَاءَ وَأَبْقَاهُ فَلَا مَنْعَ بِدَلِيلِ قِصَّتَيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي بَكْرٍ إِذْ كَلٌّ مِنْهُمَا أَمَّ غَيْرَهُ لِغَيْبَتِهِ فَجَاءَ وَأَبْقَاهُ وَالْحَقُّ لَهُ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ أَنَّ الْحَالَ أَحَدُ وُجُوهِ التَّخْصِيصِ، وَحَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّبَرُّكُ بِهِ وَعَدَمُ الْعُرُوضِ عَنْهُ يَقْتَضِي الصَّلَاةَ مَعَهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» " لِأَنَّهُ عَامٌّ، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا دَعْوَى النَّسْخِ وَقَالُوا: إِنْ صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا صَلَّى الْمَأْمُومُ كَذَلِكَ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ، قَالَ أَحْمَدُ: وَفَعَلَهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَقَيْسُ بْنُ قَهْدٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْهَاءِ الْأَنْصَارِيُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 [بَاب فَضْلِ صَلَاةِ الْقَائِمِ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَوْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ وَهُوَ قَاعِدٌ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ»   6 - بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْقَائِمِ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ زِيَادَتِهَا. 309 - 306 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٍ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ حُجَّةٌ رَوَى لَهُ الْخَمْسَةُ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، (عَنْ مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِي أَوْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي) شَكَّ الرَّاوِي (عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا اتَّفَقَ الرُّوَاةُ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورِ فَقَالَ عَنْ أَنَسٍ وَالْقَوْلُ عِنْدَهُمْ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ لِابْنِ عَمْرٍو اهـ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ بِمُوَحَّدَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ الْمَكِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْحَذَّاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ صَلَاةِ الْقَائِمِ " فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَجَلْ وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ» ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَدَّ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هَذَا فِي خَصَائِصِهِ الحديث: 309 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلَاةُ أَحَدِكُمْ وَهُوَ قَاعِدٌ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لِمَا فِي الْقِيَامِ مِنَ الْمَشَقَّةِ أَوْ لِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ بِهِ، وَقَدْ «سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: طُولُ الْقُنُوتِ» ، وَالْمُرَادُ صَلَاةُ النَّافِلَةِ لِأَنَّ الْفَرْضَ إِنْ أَطَاقَ الْقِيَامَ فَقَعَدَ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ نِصْفُ فَضْلِ صَلَاةٍ بَلْ هُوَ عَاصٍ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَفَرْضُهُ الْجُلُوسُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا بِأَفْضَلَ مِنْهُ لِأَنَّ كُلًّا أَدَّى وَجْهَهُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَجْرَ الصَّلَاةِ لَا تَتَبَعَّضُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ عَامًّا لَكِنَّ الْمُرَادَ بِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ بِاتِّفَاقٍ فَهُوَ فِيمَنْ صَلَّى الْفَرِيضَةَ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ لِلْقِيَامِ أَوْ نَافِلَةً مُطْلَقًا. وَعَنِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ فِي الْمَرِيضِ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ لَكِنَّ الْقُعُودَ أَرْفَقُ بِهِ، فَأَمَّا مَنْ أَقْعَدَهُ الْمَرَضُ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ فَثَوَابُهُ مِثْلُ صَلَاةِ الْقَائِمِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: الْحَدِيثُ وَرَدَ فِي النَّوَافِلِ وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ انْتَهَى، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنْ إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ فَذَاكَ وَإِلَّا فَقَدْ أَبَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. وَحَكَى ابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَابْنُ شَعْبَانَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالدَّاوُدِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُمْ حَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى الْمُتَنَفِّلِ، وَكَذَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: وَأَمَّا الْمَعْذُورُ إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَشْهَدُ لَهُ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى رَفَعَهُ: " «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ صَالِحَ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ» "، وَشَوَاهِدُهُ كَثِيرَةٌ، وَيُؤَيِّدُهُ قَاعِدَةُ تَغْلِيبِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَبُولُ عُذْرِ مَنْ لَهُ عُذْرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَالَنَا وَبَاءٌ مِنْ وَعْكِهَا شَدِيدٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فِي سُبْحَتِهِمْ قُعُودًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الْقَاعِدِ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاةِ الْقَائِمِ»   310 - 307 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي) هُوَ مُنْقَطِعٌ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَابْنَ عَمْرٍو مَاتَ بَعْدَ السِتِّينَ فَلَمْ يَلْقَهُ. (أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَالَنَا وَبَاءٌ) بِالْمَدِّ سُرْعَةُ الْمَوْتِ وَكَثْرَتُهُ فِي النَّاسِ (مِنْ وَعْكِهَا) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْوَعْكُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْحُمَّى دُونَ سَائِرِ الْأَمْرَاضِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (شَدِيدٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ وَبَاءٍ ( «فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فِي سُبْحَتِهِمْ قُعُودًا» ) يَعْنِي نَافِلَتَهُمْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ: " «صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً» " أَيْ نَافِلَةً فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الحديث: 310 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 قَبْلَهُ فِي النَّافِلَةِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَاةُ الْقَاعِدِ مِثْلُ» ) أَجْرِ (نِصْفِ صَلَاةِ الْقَائِمِ) لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتَبَعَّضُ وَلَا نِصْفَهَا دُونَ سَائِرِهَا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ عَلَى النَّافِلَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا تُزَادَ صُورَةٌ ذَكَرَهَا الْخَطَّابِيُّ وَهِيَ أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى مَرِيضٍ مُفْتَرِضٍ يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَشَقَّةٍ فَجُعِلَ أَجْرُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْقِيَامِ مَعَ جَوَازِ قُعُودِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " «قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهِيَ مُحَمَّةٌ فَحُمَّ النَّاسُ فَدَخَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ مِنْ قُعُودٍ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلَاةُ الْقَاعِدِ نِصْفُ صَلَاةِ الْقَائِمِ» " رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلَهُ مُتَابِعٌ فِي النَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ وَارِدٌ فِي الْمَعْذُورِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَنْ تَكَلَّفَ الْقِيَامَ مَعَ مَشَقَّتِهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْأَحَادِيثِ صِفَةَ الْقُعُودِ فَيُؤْخَذُ مِنْ إِطْلَاقِهِ جَوَازُهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَ الْمُصَلِّي، وَاخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ فَعَنِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا وَقِيلَ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقِيلَ مُتَوَرِّكًا وَفِي كُلٍّ مِنْهَا أَحَادِيثُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 [بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْقَاعِدِ فِي النَّافِلَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا وَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا»   7 - بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْقَاعِدِ فِي النَّافِلَةِ 311 - 308 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ ابْنِ سَعِيدٍ الْكِنْدِيِّ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ أَوْ قَبْلَهَا (عَنِ الْمُطَّلَبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالدَّالِ الْحَارِثِ بْنِ صَبْرَةَ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ابْنِ سُعَيْدٍ بِالتَّصْغِيرِ (السَّهْمِيِّ) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ صَحَابِيٌّ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَنَزَلَ الْمَدِينَةَ وَمَاتَ بِهَا، وَأُمُّهُ أَرْوَى بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ بِنْتُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحَابِيَّةٌ هَاشِمِيَّةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ. (عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ مِنْ لَطَائِفِ الْأَسَانِيدِ ثَلَاثَةُ صَحَابَةٍ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ (أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي سُبْحَةٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ سُمِّيَتِ النَّافِلَةُ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى التَّسْبِيحِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ بَعْضِهِ وَخُصَّتْ بِهِ دُونَ الْفَرِيضَةِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: لِأَنَّ التَّسْبِيحَاتِ فِي الْفَرَائِضِ نَفْلٌ وَفِي النَّوَافِلِ يَلْزَمُ أَنَّهَا نَوَافِلُ فِي مِثْلِهَا. (قَاعِدًا قَطُّ) بَلْ قَامَ الحديث: 311 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ (حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا) إِبْقَاءً عَلَى نَفْسِهِ لِيَسْتَدِيمَ الصَّلَاةَ (وَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا) يَقْرَأُهَا بِتَمَهُّلٍ وَتَرَسُّلٍ لِيَقَعَ مَعَ ذَلِكَ التَّدَبُّرُ كَمَا أَمَرَهُ تَعَالَى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] (سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: الْآيَةُ 4) وَلِذَا كَانَتْ قِرَاءَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرْفًا حَرْفًا كَمَا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَغَيْرُهَا. (حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا) إِذَا قُرِئَتْ بِلَا تَرْتِيلٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا: بِعَامٍ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْ بِالشَّكِّ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْجَازِمَ مُقَدَّمٌ عَلَى الشَّاكِّ لَا سِيَّمَا وَمَالِكٌ أَثْبَتُ وَمُقَدَّمٌ خُصُوصًا فِي ابْنِ شِهَابٍ عَلَى غَيْرِهِ وَقَدْ جَزَمَ عَنْهُ بِعَامٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ «أَنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ رَكَعَ»   312 - 309 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ» ) حَالَ كَوْنِهِ (قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ) أَيْ دَخَلَ فِي السِّنِّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ حَتَّى كَبُرَ وَبَيَّنَتْ حَفْصَةُ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: قُيِّدَتْ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ لِيُخْرِجَ الْفَرِيضَةَ وَبِحَتَّى أَسَنَّ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ إِبْقَاءً عَلَى نَفْسِهِ لِيَسْتَدِيمَ الصَّلَاةَ وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَجْلِسُ عَمَّا يُطِيقُهُ مِنْ ذَلِكَ. (فَكَانَ يَقْرَأُ) فِي صَلَاتِهِ ( «قَاعِدًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ» ) آيَةً قَائِمًا (ثُمَّ رَكَعَ) وَفِي الطَّرِيقِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَوْ تَحْتَمِلُ الشَّكَّ مِنَ الرَّاوِي أَيَّهُمَا قَالَتْ عَائِشَةُ وَأَنَّهَا قَالَتْهُمَا مَعًا بِحَسَبِ وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا، أَوْ بِحَسَبِ طُولِ الْآيَاتِ وَقِصَرِهَا، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَمَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ وَوَكِيعٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الحديث: 312 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ»   313 - 310 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ) مِنَ الزِّيَادَةِ الْمَخْزُومِيِّ الْأَعْوَرِ (الْمَدَنِيِّ وَعَنْ أَبِي النَّضِرِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْقُرَشِيِّ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الحديث: 313 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ، قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: وَلَا خِلَافَ بَيْنِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَسَقَطَتِ الْوَاوُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ وَهْمٌ وَاضِحٌ لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَلَا إِلَى مِثْلِهِ. (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ) بَعْدَ أَنْ أَسَنَّ (يُصَلِّي) النَّافِلَةَ (جَالِسًا) قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ ( «فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ» ) الْمَذْكُورِ مِنْ قِرَاءَةِ مَا بَقِيَ قَائِمًا وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ جَوَازُ الْقُعُودِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ لِمَنِ افْتَتَحَهَا قَائِمًا، كَمَا يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَهَا قَاعِدًا ثُمَّ يَقُومُ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنِ اشْتَرَطَ عَلَى مَنِ افْتَتَحَ النَّافِلَةَ قَاعِدًا أَنْ يَرْكَعَ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا أَنْ يَرْكَعَ قَائِمًا. وَحُكِيَ عَنْ أَشْهَبَ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي سُؤَالِهَا عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ: إِذَا قَرَأَ قَائِمًا رَكَعَ قَائِمًا، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا، وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ مَا رَوَاهُ عُرْوَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ عَنْهَا فَيُجْمِعُ بِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ بِحَسْبِ النَّشَاطِ وَعَدَمِهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَ ذَلِكَ ابْنُ خُزَيْمَةَ ثُمَّ قَالَ: لَا مُخَالَفَةَ عِنْدِي بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، لِأَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ شَقِيقٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا قَرَأَ الْقِرَاءَةَ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا، وَرِوَايَةُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَرَأَ بَعْضَهَا جَالِسًا وَبَعْضَهَا قَائِمًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ بِزِيَادَةٍ: " «فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ نَظَرَ فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ» " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَا يُصَلِّيَانِ النَّافِلَةَ وَهُمَا مُحْتَبِيَانِ   313 - 311 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبَ كَانَا يُصَلِّيَانِ النَّافِلَةَ وَهُمَا مُحْتَبِيَانِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ فِي حَالِ الْقِيَامِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْجُلُوسَ فِي الصَّلَاةِ مَوْضِعُ الْقِيَامِ لَيْسَ لَهُ صُورَةٌ مَخْصُوصَةٌ لَا تُجْزِئُ إِلَّا عَلَيْهَا بَلْ تُجْزِي عَلَى صِفَاتِ الْجُلُوسِ مِنِ احْتِبَاءٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 وَتَرَبُّعٍ وَتَوَرُّكٍ وَغَيْرِهَا. قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَأَفْضَلُهَا التَّرَبُّعُ لِأَنَّهُ أَوْقَرُ، وَلَعَلَّ عُرْوَةُ وَسَعِيدًا كَانَا يَحْتَبِيَانِ عِنْدَ السَّآمَةِ لِلتَّرَبُّعِ اهـ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 [بَاب الصَّلَاةِ الْوُسْطَى] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ «أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا ثُمَّ قَالَتْ إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ قَالَتْ عَائِشَةُ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»   8 - بَابُ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى تَأْنِيثُ الْأَوْسَطِ وَهُوَ الْأَعْدَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ أَعْرَابِيٌّ يَمْدَحُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَوْسَطَ النَّاسِ طُرًّا فِي مَفَاخِرِهِمْ ... وَأَكْرَمَ النَّاسِ أُمًّا بَرَّةً وَأَبَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّوَسُّطُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لِأَنَّ مَعْنَى فُعْلَى التَّفْضِيلُ وَلَا يُبْنَى مِنْهُ إِلَّا مَا يَقَبْلَ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ، وَالْوَسَطُ بِمَعْنَى الْخِيَارِ وَالْعَدْلُ يَقْبَلُهُمَا بِخِلَافِ الْمُتَوَسِّطِ فَلَا يَقْبَلُهُمَا فَلَا يُبْنَى عَلَيْهِ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ. 315 - 312 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ) الْكِنَانِيِّ الْمَدَنِيِّ تَابِعٌ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ (عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ) مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ (أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا) مُثَلَّثَ الْمِيمِ وَالْأَشْهَرُ الضَّمُّ (ثُمَّ قَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي) بِالْمَدِّ وَذَالٍ مَكْسُورَةٍ وَنُونٍ ثَقِيلَةٍ أَعْلِمْنِي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] الْخَمْسِ بِأَدَائِهَا فِي أَوْقَاتِهَا {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ لِفَضْلِهَا {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] قِيلَ مَعْنَاهُ مُطِيعِينَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «كُلُّ قُنُوتٍ فِي الْقِرَاءَةِ فَهُوَ طَاعَةٌ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ سَاكِتِينَ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: «كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَقَوْلُهُ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ بِالْوَاوِ الحديث: 315 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 الْفَاصِلَةِ الَّتِي لَمْ يُخْتَلَفْ فِي ثُبُوتِهَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا بِخِلَافِ حَدِيثِ حَفْصَةَ بَعْدَهُ قَالَ: وَثُبُوتُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتِ الْوُسْطَى، قَالَ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ، قَالَ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ جَمْعِ الْقُرْآنِ فِي مُصْحَفٍ وَقَبْلَ أَنْ تُجْمَعَ الْمَصَاحِفُ عَلَى الْمَصَاحِفِ الَّتِي كَتَبَهَا عُثْمَانُ وَأَنْفَذَهَا إِلَى الْأَمْصَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْتَبْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهُ قُرْآنٌ. (قَالَتْ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا سَمِعَتْهَا عَلَى أَنَّهَا قُرْآنٌ ثُمَّ نُسِخَتْ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ، فَلَعَلَّ عَائِشَةَ لَمْ تَعْلَمْ بِنَسْخِهَا أَوِ اعْتَقَدَتْ أَنَّهَا مِمَّا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ رَسْمُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذَكَرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ لِتَأْكِيدِ فَضِيلَتِهَا فَظَنَّتْهَا قُرْآنًا فَأَرَادَتْ إِثْبَاتَهَا فِي الْمُصْحَفِ لِذَلِكَ، أَوْ أَنَّهَا اعْتَقَدَتْ جَوَازَ إِثْبَاتِ غَيْرِ الْقُرْآنِ مَعَهُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا إِثْبَاتَ الْقُنُوتِ وَبَعْضِ التَّفْسِيرِ فِي الْمُصْحَفِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ قُرْآنًا اهـ. وَاحْتِمَالُهُ الثَّانِي لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: النَّسْخُ فِي الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: نَسْخُ رَسْمٍ فَلَا يُقْرَأُ بِهِ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا جَاءَتْ مِنْهُ أَشْيَاءُ لَا يُقْطَعُ بِأَنَّهَا قُرْآنٌ. وَالثَّانِي نَسْخُ خَطِّهِ وَبَقَاءُ حُكْمِهِ كَقَوْلِهِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يُنْسَخَ حُكْمُهُ وَيَبْقَى خَطُّهُ كَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ} [البقرة: 240] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 240) نَسَخَهَا {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 234) اهـ بِاخْتِصَارٍ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُقْبَةَ عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَقَرَأْنَاهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 238) فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ شَقِيقٍ لَهُ: هِيَ إِذًا صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَقَالَ الْبَرَاءُ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ كَيْفَ نَزَلَتْ وَكَيْفَ نَسَخَهَا اللَّهُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا أَقْوَى حُجَّةً لِمَنْ قَالَ: الْعَصْرُ، لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا أُبْهِمَتْ بَعْدَمَا عُيِّنَتْ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي إِشْعَارِهِ بِذَلِكَ نَظَرٌ بَلِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهَا عُيِّنَتْ ثُمَّ وُصِفَتْ، وَلِذَا قَالَ الرَّجُلُ فَهِيَ إِذًا الْعَصْرُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْبَرَاءُ، نَعَمْ جَوَابُ الْبَرَاءِ يُشْعِرُ بِالتَّوَقُّفِ لِمَا يَطْرُقُهُ مِنَ الِاحْتِمَالِ اهـ. وَعِبَارَةُ الْمُفْهَمِ يَظْهَرُ مِنْهُ التَّرَدُّدُ لَكِنْ فِي مَاذَا هَلْ نُسِخَ تَعْيِينُهَا فَقَطْ؟ وَبَقِيَتْ هِيَ الْوُسْطَى أَوْ نُسِخَ كَوْنُهَا الْوُسْطَى؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَإِلَّا فَقَدَ أَخْبَرَ بِوُقُوعِ النَّسْخِ. وَقَالَ الْأُبَيُّ: لَا يُعْتَرَضُ عَلَى أَنَّهَا الْعَصْرُ بِقَوْلِ الْبَرَاءِ قَدْ أَخْبَرْتُكَ. . . . إِلَخْ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَنْسُوخَ النُّطْقُ بِلَفْظِ الْعَصْرِ وَقَدْ أَشَارَ الْبَرَاءُ إِلَى الِاحْتِمَالِ بِقَوْلِهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَكْتُبُ مُصْحَفًا لِحَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ   316 - 313 الحديث: 316 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ رَافِعٍ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ مَقْبُولٌ (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ مُصْحَفًا لِحَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي) أَعْلِمْنِي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْخَفِيفَةِ مِنْ أَمْلَى وَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامُ مُشَدَّدَةٌ مِنْ أَمْلَلَ يُمْلِلُ أَيْ أَلْقَتْ (عَلَيَّ) يُقَالُ: أَمْلَلْتُ الْكِتَابَ عَلَى الْكَاتِبِ إِمْلَالًا أَلْقَيْتُهُ عَلَيْهِ وَأَمْلَيْتُهُ عَلَيْهِ إِمْلَاءً، فَالْأُولَى لُغَةُ الْحِجَازِ وَبَنِي أَسَدٍ وَالثَّانِيَةُ لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَقَيْسٍ، وَمَا جَاءَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِهِمَا: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: 282] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 282) فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وَصَلَاةِ الْعَصْرِ) بِالْوَاوِ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، وَرُوِيَ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ إِثْبَاتَ الْوَاوِ وَسُقُوطَهَا سَوَاءٌ كَقَوْلِهِ: أَنَا الْمَلِكُ الْقَرْمُ وَابْنُ الْهُمَامِ ... وَلَيْثُ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمِ أَرَادَ الْقَرْمَ ابْنَ الْهُمَامِ، وَقَوْلُهُ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 98) يُرِيدُ وَمَلَائِكَتِهِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَ {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] (سُورَةُ الرَّحْمَنِ: الْآيَةُ 68) أَيْ فَاكِهَةُ نَخْلٍ وَرُمَّانٍ، وَخُولِفَ هَذَا الْقَائِلُ فِي ذَلِكَ، وَمَالِكٌ رَوَى حَدِيثَ حَفْصَةَ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عُمَرَ فَذَكَرَهُ وَزَادَ عَنْ حَفْصَةَ: هَكَذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ حَفْصَةَ أَمَرَتْ مَوْلًى لَهَا أَنْ يَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَزَادَ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهَا، قَالَ نَافِعٌ: فَقَرَأْتُ ذَلِكَ الْمُصْحَفَ فَوَجَدْتُ فِيهِ الْوَاوَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ الْحَافِظُ: وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ مِنْ حُجَجِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا غَيْرُ الْعَصْرِ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، فَتَكُونُ الْعَصْرُ غَيْرَ الْوُسْطَى، وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ الْوَاوِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ " بِغَيْرِ وَاوٍ، وَبِاحْتِمَالِ أَنَّهَا عَاطِفَةٌ لَكِنْ عَطْفَ صِفَةٍ لَا عَطْفَ ذَاتٍ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ عُرْوَةَ كَانَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 مُصْحَفِ عَائِشَةَ: وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ. وَقَالَ الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ: حَاصِلُ أَدِلَّةِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْوُسْطَى غَيْرُ الْعَصْرِ يَرْجِعُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا تَنْصِيصُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ مِمَّنْ قَالَ مِنْهُمْ إِنَّهَا الْعَصْرُ وَتَرَجَّحَ بِالنَّصِّ الْمَرْفُوعِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ فَتَبْقَى حُجَّةُ الْمَرْفُوعِ قَائِمَةً. ثَانِيهَا: مُعَارَضَةُ الْمَرْفُوعِ بِالتَّأْكِيدِ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهَا كَالْحَثِّ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ الْوَارِدُ فِي تَرْكِ الْعَصْرِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا. ثَالِثُهَا: مَا جَاءَ عَنْ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ مِنْ قِرَاءَةِ " وَصَلَاةِ الْعَصْرِ " فَإِنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ إِثْبَاتُ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْآحَادِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَكَوْنُهُ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ سَلَّمْنَا لَكِنْ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلنَّصِّ الصَّرِيحِ فَلَيْسَ الْعَطْفُ صَرِيحًا فِي اقْتِضَاءِ الْمُغَايَرَةِ لِوُرُودِهِ فِي نَفْسِ الصِّفَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] (سُورَةُ الْحَدِيدِ: الْآيَةُ 3) كَذَا قَالَ: وَيَرِدُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مَا قَالَ إِنَّهُ النَّصُّ مُحْتَمِلٌ كَمَا يَأْتِي عَنِ الْبَاجِيِّ، وَالثَّانِي بِأَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ الَّذِي تَفُوتُهُ الْعَصْرُ كَأَنَّمَا وَتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، لَكِنْ لَمْ يَرِدْ وَصْفُ تَارِكِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا بِالنِّفَاقِ كَمَا فِي الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ. وَالثَّالِثُ: بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتِ الْقُرْآنُ بِخَبَرِ الْآحَادِ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِيثِ فَيُحْتَجُّ بِهِ إِذَا صَرَّحَ الْقَارِئُ بِهِ بِرَفْعِهِ كَمَا هُنَا عَلَى الْأَصَحِّ وَحَمَلَهُ عَلَى زِيَادَةِ الْوَاوِ أَوْ جَعَلَهُ مِنْ عَطْفِ الصِّفَاتِ خِلَافَ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَا قَالَ إِنَّهُ نَصٌّ صَرِيحٌ لَمْ يَسْلَمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ ابْنِ يَرْبُوعٍ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الظُّهْرِ   317 - 314 - (مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ (عَنِ ابْنِ يَرْبُوعٍ الْمَخْزُومِيِّ) هُوَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ وَقِيلَ يَرْبُوعٌ أَبُوهُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ جَدُّهُ قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الظُّهْرَ) وَجَزَمَ زَيْدٌ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَلَمْ تَكُنْ صَلَاةٌ أَشُدُّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا فَنَزَلَتْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] الْآيَةَ» ، رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ. وَرَوَى الطَّيَالِسِيُّ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَرْسَلُوا يَسْأَلُونَهُ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَقَالَ: هِيَ الظُّهْرَ. وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَزَادَ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَجِيرِ فَلَا يَكُونُ وَرَاءَهُ إِلَّا الصَّفُّ أَوِ الصَّفَّانِ وَالنَّاسُ فِي قَائِلَتِهِمْ وَفِي تِجَارَتِهِمْ فَنَزَلَتْ» . وَكَذَا جَاءَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهَا الظُّهْرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ، فَقَوْلُ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي مَنْ قَالَ إِنَّهَا الظُّهْرُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا وَسَطُ النَّهَارِ أَوْ لَعَلَّ بَعْضَهُمْ رَوَى فِي ذَلِكَ أَثَرًا فَتَبِعَهُ تَقْصِيرٌ شَدِيدٌ لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ اعْتَمَدَ عَلَى نُزُولِ الْآيَةِ فِي الظُّهْرِ. الحديث: 317 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقُولَانِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ   317 - 315 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقُولَانِ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ) رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ الصُّبْحَ فَقَنَتَ فِيهَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى الَّتِي أُمِرْنَا أَنْ نَقُومَ فِيهَا قَانِتِينَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ أَنَّهَا الْعَصْرُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ وَمِنْ طَرِيقِ عَبِيدَةَ السُّلْمَانِيِّ عَنْهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: «قُلْنَا لِعَبِيدَةَ: سَلْ عَلِيًّا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: كُنَّا نَرَى أَنَّهَا الصُّبْحُ حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: " شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةَ الْعَصْرِ» " كَذَا فِي الْفَتْحِ وَسَبَقَهُ فِي التَّمْهِيدِ إِلَى ذَلِكَ وَزَادَ: وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ إِنَّ مَا فِي الْمُوَطَّأِ هُنَا عَنْ عَلِيٍّ أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمِيرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ، لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَذَا قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عُلِمَ أَنَّ بَلَاغَ مَالِكٍ صَحِيحٌ وَحُسَيْنٌ مِمَّنْ كَذَّبَهُ مَالِكٌ وَمُحَالٌ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَنْ كَذَّبَهُ. (قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ) أَنَّهَا الصُّبْحُ (أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) وَقَالَ بِهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَنَسٌ وَجَابِرٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمْ، نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُمْ. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: صَلَّيْتُ خَلَفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ بِالْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ صَلَاةَ الْغَدَاةِ، فَقُلْتُ لَهُمْ: مَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى؟ قَالُوا: هِيَ هَذِهِ الصَّلَاةُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ كَمَا رَأَيْتَ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ فِيهَا الْقُنُوتَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 238) وَقَالَ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] (سُورَةُ ق: الْآيَةُ 39) وَبِأَنَّهَا لَا تُقْصَرُ فِي السَّفَرِ وَبِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْ جَهْرٍ وَصَلَاتَيْ سِرٍّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُصَلَّى فِي سَوَادٍ مِنَ اللَّيْلِ وَبَيَاضٍ مِنَ النَّهَارِ وَهِيَ أَكْثَرُ الصَّلَوَاتِ تَفُوتُ النَّاسَ، رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُرْآنُ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 78) فَخُصَّتْ بِهَذَا النَّصِّ مَعَ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِوَقْتِهَا لَا يُشَارِكُهَا غَيْرُهَا فِيهِ. وَأَوْضَحَهُ الْبَاجِيُّ فَقَالَ: وَوَقْتُهَا أَوْلَى بِأَنْ يُوصَفَ بِالتَّوَسُّطِ لِأَنَّهَا لَا تُشَارَكُ، فَلَوْ جَعَلْنَاهَا الْعَصْرَ لَكُنَّا فَصَلْنَاهَا مِنْ مُشَارَكَتِهَا الظُّهْرَ وَأَضَفْنَا إِلَى الظُّهْرِ مَا لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 يُشَارِكُهَا وَهِيَ الصُّبْحُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» " فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْوُسْطَى مِنَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي شُغِلَ عَنْهَا وَهِيَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ لِأَنَّهَا وُسْطَى هَذِهِ الثَّلَاثِ لِتَأَكُّدِ فَضْلِهَا عَنِ الصَّلَاتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَعَهَا، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اهـ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْأَثَرِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى أَنَّهَا الْعَصْرُ، وَقَالَ بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ مُخَالِفِينَ نَصَّ إِمَامِهِمْ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ وَقَدْ قَالَ: إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: لَكِنْ صَمَّمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا الصُّبْحُ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كَوْنَ الْحَدِيثِ مَذْهَبَهُ مَحَلُّهُ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَمَّا إِذَا احْتَمَلَ اطِّلَاعَهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى مَحْمَلٍ فَلَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَمَلَهُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ الْبَاجِيُّ: وَقِيلَ الْمَغْرِبُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جَرِيرٍ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهَا مُعْتَدِلَةٌ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَأَنَّهَا لَا تُقْصَرُ فِي الْأَسْفَارِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ مَضَى عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا وَالتَّعْجِيلِ بِهَا فِي أَوَّلِ مَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَلِأَنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَا سِرٍّ وَبَعْدَهَا صَلَاتَا جَهْرٍ وَقِيلَ الْعِشَاءُ، نَقَلَهُ ابْنُ التِّينِ وَالْقُرْطُبِيُّ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لَا تُقْصَرَانِ وَلِأَنَّهَا تَقَعُ عِنْدَ النَّوْمِ فَلِذَا أُمِرْنَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَاخْتَارَهُ الْوَاحِدِيُّ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَصْفُ الصَّلَاةِ بِالْوُسْطَى يَحْتَمِلُ أَنَّهَا بِمَعْنَى فَاضِلَةٍ نَحْوِ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 143) أَيْ فَاضِلَةً، قَالَ: أَوْسَطُهُمْ وَأَنَّ وَقْتَهَا يَتَوَسَّطُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَنْ تُوصَفَ بِذَلِكَ لِلتَّخْصِيصِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ صَلَاةٍ وُسْطَى، وَعَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَكُلُّ صَلَاةٍ يَصِحُّ أَنْ تُوصَفَ بِأَنَّهَا وُسْطَى، لَكِنْ مِنْ جِهَةِ الْفَضِيلَةِ الصُّبْحُ أَحَقُّهَا بِذَلِكَ لِتَأَكُّدِ فَضِيلَتِهَا إِذْ لَيْسَ فِي الصَّلَوَاتِ أَشَقُّ مِنْهَا لِأَنَّهَا فِي أَلَذِّ أَوْقَاتِ النَّوْمِ وَيُتْرَكُ لَهَا كَالِاضْطِجَاعِ وَالدِّفْءِ وَيَقُومُ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ وَيَتَنَاوَلُ الْمَاءَ الْبَارِدَ وَوَقْتُهَا أَوْلَى بِأَنْ تُوصَفَ بِالتَّوَسُّطِ لِأَنَّهَا لَا تُشَارَكُ اهـ. وَقِيلَ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ مَعًا لِقُوَّةِ الْأَدِلَّةِ فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ الصُّبْحُ وَظَاهِرُ السُّنَّةِ الْعَصْرُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الِاخْتِلَافُ الْقَوِيُّ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى إِنَّمَا هُوَ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ، وَقِيلَ: جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قَالَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحُجَّةُ لَهُ أَنَّ قَوْلَهُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 238) يَتَنَاوَلُ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ فَعَطَفَ عَلَيْهِ الْوُسْطَى وَأُرِيدَ بِهَا كُلَّ الْفَرَائِضِ تَأْكِيدًا لَهَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقِيلَ: الْجُمُعَةُ ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَاحْتَجَّ بِمَا اخْتُصَّتْ بِهِ مِنَ الِاجْتِمَاعِ وَالْخُطْبَةِ، وَقِيلَ: الظُّهْرُ فِي الْأَيَّامِ وَالْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقِيلَ: الصُّبْحُ وَالْعِشَاءُ مَعًا لِحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُمَا أَثْقَلُ الصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَاخْتَارَهُ الْأَبْهَرِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقِيلَ: الصُّبْحُ أَوِ الْعَصْرُ عَلَى التَّرْدِيدِ الْمُتَقَدِّمِ الْجَازِمِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُقَالُ لَهَا الْوُسْطَى وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَوِ الْخَوْفُ أَوِ الْوِتْرُ أَوْ صَلَاةُ عِيدِ الْأَضْحَى أَوْ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ أَوْ صَلَاةُ الضُّحَى أَوْ وَاحِدَةٌ مِنَ الْخَمْسِ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ أَوِ التَّوَقُّفُ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَلِفِينَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، أَوْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَهَذِهِ عِشْرُونَ قَوْلًا، وَزَادَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَصَارَ إِلَى أَنَّهَا أُبْهِمَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَعُسْرِ التَّرْجِيحِ اهـ. فَإِنْ أَرَادَ أُبْهِمَتْ فِي الْخَمْسِ فَهُوَ الْقَوْلُ الْمَحْكِيُّ، وَإِنْ أَرَادَ أُبْهِمَتْ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْخَمْسِ فَيَكُونُ زَائِدًا، وَقَدْ ضَعَّفَ الْقُرْطُبِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى خِلَافِ عَادَةِ الْفُصَحَاءِ لِأَنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ شَيْئًا مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا ثُمَّ يَذْكُرُونَهُ مُجْمَلًا، بَلْ يَذْكُرُونَ الشَّيْءَ مُجْمَلًا أَوْ كُلِّيًّا ثُمَّ يُفَصِّلُونَهُ، وَأَيْضًا لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْجَمْعِ وَيَعْطِفُونَ عَلَيْهِ أَحَدَ أَفْرَادِهِ وَيُرِيدُونَ بِذَلِكَ الْفَرْدِ ذَلِكَ الْجَمْعَ إِذْ ذَاكَ غَايَةٌ فِي الْإِلْبَاسِ، وَأَيْضًا فَلَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ كَانَ كَأَنَّهُ قِيلَ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ وَيُرِيدُ بِالثَّانِي الْأَوَّلَ وَهَذَا لَيْسَ فَصِيحًا فِي لَفْظِهِ وَلَا صَحِيحًا فِي مَعْنَاهُ، إِذْ لَا يَحْصُلُ بِالثَّانِي تَأْكِيدُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَلَا يُفِيدُ مَعْنًى آخَرَ فَيَكُونُ حَشْوًا، فَحَمْلُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ سَائِغٍ وَلَا جَائِزٍ، كَذَا قَالَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى فَهْمِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَوَاتِ خُصُوصُ الْخَمْسِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَتَنَاوَلُ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ، فَعَطْفُ الْوُسْطَى مُرَادًا بِهَا الْفَرَائِضَ لِلتَّأْكِيدِ وَالتَّشْرِيفِ كَمَا قَدَّمْنَا وَهَذَا سَائِغٌ جَائِزٌ، وَبَعْدَ وُرُودِهِ عَنْ صَحَابِيٍّ قَالَ إِنَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَا يَلِيقُ التَّشْغِيبُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْعَقْلِيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 [بَاب الرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ»   9 - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ كَانَ الْخِلَافُ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ فِيهِ قَدِيمًا، رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا يُصَلَّيَنَّ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ أَوْسَعَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَنَسَبَ ابْنُ بَطَّالٍ ذَلِكَ لِابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْجَوَازِ. 319 - 316 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي (عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ، صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ رَبِيبُ النَّبِيِّ الحديث: 319 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمُّهُ هِنْدٌ أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَوُلِدَ فِي الْحَبَشَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّرَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ عَلَى الصَّحِيحِ بِالْمَدِينَةِ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: قُتِلَ يَوْمَ الْجُمَلِ، نَعَمْ شَهِدَهَا. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ (أَنَّهُ «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ» ) حَالَ كَوْنِهِ (مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ) ظَرْفٌ لِيُصَلِّيَ أَوْ مُشْتَمِلًا أَوَّلُهُمَا حَالَ كَوْنِهِ (وَاضِعًا طَرَفَيْهِ) بِالتَّثْنِيَةِ أَيِ الثَّوْبِ (عَلَى عَاتِقَيْهِ) صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ أَخَذَ طَرَفَ ثَوْبِهِ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى، وَأَخَذَ الطَّرَفَ الْآخَرَ تَحْتَ يَدِهِ الْيُسْرَى فَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى، وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الِاشْتِمَالِ يُسَمَّى التَّوْشِيحُ وَيُسَمَّى الِاضْطِبَاعُ وَهُوَ مُبَاحٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إِخْرَاجُ يَدِهِ لِلسُّجُودِ وَغَيْرِهِ دُونَ كَشْفِ عَوْرَتِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَيَحْيَى الْقَطَّانُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَأَبُو أُسَامَةَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَوَكِيعٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ خَمْسَتُهُمْ عَنْ هِشَامٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَ لِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ»   320 - 317 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَائِلًا) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ لَكِنْ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ السَّائِلَ ثَوْبَانُ ( «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ» ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟) اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ إِبْطَالِيٌّ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَفْظُهُ اسْتِخْبَارٌ وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ قِلَّةِ الثِّيَابِ، وَوَقَعَ فِي ضِمْنِهِ الْفَتْوَى مِنْ طَرِيقِ الْفَحْوَى كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذَا عَلِمْتُمْ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضُ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةَ لَازِمَةٌ، وَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ثَوْبَانِ، فَكَيْفَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ جَائِزَةٌ؟ أَيْ مَعَ مُرَاعَاةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَعْنَاهُ لَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ مَكْرُوهَةً فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَكَرِهْتُهُ لِمَنْ لَا يَجِدْ إِلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا اهـ. وَهَذِهِ الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْقَادِرِ وَغَيْرِهِ، وَالسُّؤَالُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الْجَوَازِ الحديث: 320 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 وَعَدَمِهِ لَا عَنِ الْكَرَاهَةِ اهـ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: فِي الْجَوَابِ مَعَ السُّؤَالِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عَدَمَ أَكْثَرِ مِنَ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ أَمْرٌ شَائِعٌ، وَالضَّرُورَةُ إِذَا كَانَتْ شَائِعَةً كَانَتِ الرُّخْصَةُ بِهَا عَامَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ غَالِبَ حَالِ السَّفَرِ الْمَشَقَّةُ؟ فَعَمَّتْ رُخْصَتُهُ مَنْ لَا تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ فِيهِ وَلَمَّا نَدَرَتْ فِي الْحَضَرِ لَمْ تُدْرِكِ الرُّخْصَةُ فِيهِ مَنْ تُدْرِكُهُ الْمَشَقَّةُ، وَلَمَّا كَانَ عَدَمُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ نَادِرًا لَمْ تَجُزِ الصَّلَاةُ دُونَهُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ وَالثَّوْبَانِ أَفْضَلُ لِمَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ لَكِنْ قَالَ فِي الْجَوَابِ: لِيَتَوَشَّحْ بِهِ ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِ. قَالَ الْحَافِظُ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا حَدِيثَيْنِ أَوْ حَدِيثًا وَاحِدًا فَرَّقَهُ الرُّوَاةُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ هَلْ يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ هَلْ تَفْعَلُ أَنْتَ ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ إِنِّي لَأُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّ ثِيَابِي لَعَلَى الْمِشْجَبِ   321 - 318 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَلْ يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ تَفْعَلُ أَنْتَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إِنِّي لَأُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّ ثِيَابِي لَعَلَى الْمِشْجَبِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ فَمُوَحَّدَةٌ عِيدَانُ تُضَمُّ رُءُوسُهَا وَيُفْرَجُ بَيْنَ قَوَائِمِهَا تُوضَعُ عَلَيْهَا الثِّيَابُ وَغَيْرُهَا. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْمِشْجَبُ خَشَبَاتٌ ثَلَاثٌ يُعَلِّقُ عَلَيْهَا الرَّاعِي دَلْوَهُ وَسِقَاءَهُ، وَيُقَالُ فِي الْمَثَلِ: فُلَانٌ مِنْ حَيْثُ قَصَدْتَهُ وَجَدْتَهُ. قَالَ الْبَاجِيُّ: اقْتَصَرَ عَلَى الْجَائِزِ دُونَ الْأَفْضَلِ لِيُبَيِّنَ جَوَازَهُ فَيُقْتَدَى بِهِ فِي قَبُولِ رُخْصَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَعَلَّ السَّائِلَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ ثَوْبَيْنِ فَأَرَادَ تَطْيِيبَ نَفْسِهِ وَإِعْلَامِهِ بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَفْعَلُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ثَوْبَيْنِ فَكَيْفَ بِمَنْ لَا يَقْدِرُ، أَوْ أَخْبَرَهُ بِفِعْلِهِ النَّادِرِ أَوْ بِفِعْلِهِ فِي مَنْزِلِهِ دُونَ الْمَسَاجِدِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: لَيْسَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ الْوَاحِدَ فِي الْجَمَاعَةِ فَكَيْفَ بِالْمَسْجِدِ؟ وَقَالَ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 31) قَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ مَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ الرِّدَاءُ أَوْ مَا يُتَجَمَّلُ بِهِ مِنَ الثِّيَابِ. الحديث: 321 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ   321 - 319 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) قَالَ مُحَمَّدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 بْنُ الْمُنْكَدِرِ: " رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ "، وَقَالَ: " «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ» "، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعِنْدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: " صَلَّى جَابِرٌ فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ وَثِيَابُهُ عَلَى الْمِشْجَبِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَتُصَلِّي فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ. وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ . وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّ الْقَائِلَ عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْحَارِثِ سَأَلَهُ وَلَعَلَّهُمَا جَمِيعًا سَأَلَاهُ. وَالْمُرَادُ بِالْأَحْمَقِ الْجَاهِلُ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " أَحْبَبْتُ أَنْ تَرَانِي الْجُهَّالُ مِثْلُكُمْ، رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي كَذَا "، وَالْحُمْقُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِقُبْحِهِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْغَرَضُ بَيَانُ جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي ثَوْبَيْنِ أَفْضَلَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: صَنْعَتُهُ عَمْدًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ إِمَّا لِيَقْتَدِيَ بِيَ الْجَاهِلُ ابْتِدَاءً أَوْ يُنْكِرَ عَلَيَّ فَأُعْلِمَهُ بِجَوَازِهِ، وَإِنَّمَا أَغْلَظَ لَهُمْ فِي الْخِطَابِ زَجْرًا عَنِ الْإِنْكَارِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَحَثًّا لَهُمْ عَلَى الْبَحْثِ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كَانَ يُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ   323 - 320 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كَانَ يُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ) مُرَادُهُ مِنْ سِيَاقٍ نَحْوِ هَذَا أَنَّ الْعَمَلَ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ. الحديث: 323 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبَيْنِ فَلْيُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ قَصِيرًا فَلْيَتَّزِرْ بِهِ قَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَجْعَلَ الَّذِي يُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ عَلَى عَاتِقَيْهِ ثَوْبًا أَوْ عِمَامَةً   323 - 321 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) وَهَذَا حَدِيثٌ مَحْفُوظٌ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَابِرٍ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي جَزَرَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبَيْنِ فَلْيُصَلِّي» ) بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ لِلْإِشْبَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي} [الزمر: 24] (سُورَةُ الزُّمَرِ: الْآيَةُ 24) (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ مَنْ قَالَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ أَنْ يُمْنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ مَنْ وَجَدَ ثَوْبَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى الْأَفْضَلِ، فَيَتَعَلَّقُ الْمَنْعُ الْمَفْهُومُ مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ بِالتَّفْضِيلِ دُونَ التَّحْرِيمِ. (مُلْتَحِفًا بِهِ) قَالَ الزُّهْرِيُّ: الْمُلْتَحِفُ الْمُتَوَشِّحُ وَهُوَ الْمُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَهُوَ الِاشْتِمَالُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ نَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ، قَالَ الْبَاجِيُّ: فَجَعَلَ الِالْتِحَافَ هُوَ التَّوَشُّحَ، وَالْمَشْهُورُ لُغَةً أَنَّ الِالْتِحَافَ هُوَ الِالْتِفَافُ فِي الثَّوْبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ التَّوَشُّحَ وَالِاشْتِمَالَ، وَقَدْ خَصَّ مِنْهُ اشْتِمَالَ الصَّمَّاءِ، وَفِي الْفَتْحِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ الْمُخَالِفُ. . . . إِلَخْ مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ. (فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ قَصِيرًا فَلْيَتَّزِرْ بِهِ) لِأَنَّ الْقَصْدَ الْأَصْلِيَّ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالِاتِّزَارِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الِانْحِنَاءِ عَلَيْهِ الْمُخَالِفِ لِلِاعْتِدَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ، هَكَذَا الرِّوَايَةُ بِإِدْغَامِ الْهَمْزَةِ الْمَدْغُومَةِ فِي التَّاءِ وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى الصَّرْفِيِّينَ حَيْثُ جَعَلُوهُ خَطَأً وَأَنَّ صَوَابَهُ فَلْيَأْتَزِرْ بِهِ بِالْهَمْزِ. (قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَجْعَلَ الَّذِي يُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ عَلَى عَاتِقَيْهِ ثَوْبًا أَوْ عِمَامَةً) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْءٌ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 [بَاب الرُّخْصَةِ فِي صَلَاةِ الْمَرْأَةِ فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ] ِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ   10 - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي صَلَاةِ الْمَرْأَةِ فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: تُرْجِمَ بِذَلِكَ لِرَدِّ قَوْلِ مُجَاهِدٍ: لَا تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ: دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ وَإِزَارٌ، وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ فِيمَا عَلِمْتُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ تَغْطِيَةُ بَدَنِهَا وَرَأْسِهَا، فَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَغَطَّتْ رَأْسَهَا بِفَضْلَةٍ جَازَ، قَالَ: وَمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: تُصَلِّي فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَإِزَارٍ، وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ مِثْلَهُ وَزَادَ: وَمِلْحَفَةٍ، فَأَظُنُّهُ مَحْمُولًا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. 326 - 322 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ) بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ الْقَمِيصُ مُذَكَّرٌ بِخِلَافِ دِرْعِ الْحَدِيدِ فَمُؤَنَّثٌ عَلَى الْأَكْثَرِ فِيهِمَا، وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ تَأْنِيثَ دِرْعِ الْمَرْأَةِ وَتَذْكِيرَ دِرْعِ الْحَدِيدِ. (وَالْخِمَارُ) بِمُعْجَمَةٍ بِزِنَةِ كِتَابٍ ثَوْبٌ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، وَجَمْعُهُ خُمُرٌ كَكُتُبٍ. الحديث: 326 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَتْ تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ إِذَا غَيَّبَ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا   326 - 323 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْفَاءِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ (عَنْ أُمِّهِ) أُمِّ حَرَامٍ بِمُهْمِلَةٍ وَرَاءٍ، قَالَ فِي التَّقْرِيبِ: يُقَالُ اسْمُهَا آمِنَةُ. (أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَتْ: تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ) الْقَمِيصِ (السَّابِغِ) السَّاتِرِ (إِذَا غَيَّبَ) سَتَرَ (ظُهُورَ قَدَمَيْهَا) كَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفٌ، وَرَفَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أُمِّهِ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ مَوْقُوفًا وَقَالَ: تَابَعَهُ عَلَى وَقْفِهِ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَابْنُ إِسْحَاقَ، يَعْنِي فَرِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَاذَّةٌ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ صَدُوقًا لَكِنَّهُ يُخْطِئُ فَلَعَلَّهُ أَخْطَأَ فِي رَفْعِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْخَوْلَانِيِّ وَكَانَ فِي حَجْرِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَيْمُونَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ   326 - 324 - (مَالِكٌ عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ) هُوَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدِ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ: هَذَا مِمَّا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ اللَّيْثِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ أَكْثَرُ مَا فِي كُتُبٍ مَالِكٍ عَنْ بُكَيْرٍ يَقُولُ أَصْحَابُهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كُتُبِ بُكَيْرٍ كَانَ أَخَذَهَا ابْنُهُ فَنَظَرَ فِيهَا اهـ. لَكِنَّ هَذَا لَا يَأْتِي هُنَا لِقَوْلِهِ عَنِ الثِّقَةِ (عَنْ بُكَيْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحِّدَةِ مُصَغَّرٌ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ) مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ الْمَدَنِيِّ نَزِيلُ مِصْرَ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ السِّتَّةُ مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَهَا. (عَنْ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمِلَةِ (ابْنِ سَعِيدٍ) الْمَدَنِيِّ الْعَابِدِ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ ابْنِ الْأَسْوَدِ وَيُقَالُ: ابْنُ الْأَسَدِ رَبِيبُ مَيْمُونَةَ (الْخَوْلَانِيِّ) ثِقَةٌ رَوَى لَهُ الشَّيْخَانِ. (وَكَانَ فِي حِجْرِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَيْمُونَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ الثَّوْبِ مِئْزَرٌ. قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً اسْتَفْتَتْهُ فَقَالَتْ إِنَّ الْمِنْطَقَ يَشُقُّ عَلَيَّ أَفَأُصَلِّي فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ فَقَالَ نَعَمْ إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا   328 - 325 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً اسْتَفْتَتْهُ فَقَالَتْ: إِنَّ الْمِنْطَقَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَقَافٍ مَا يُشَدَّ بِهِ الْوَسَطُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: الْمِنْطَقُ وَالْحَقْوُ وَالْإِزَارُ وَالسَّرَاوِيلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. (يَشُقُّ عَلَيَّ أَفَأُصَلِّي فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا) سَاتِرًا لِظُهُورِ قَدَمَيْهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا سَتْرُهُمَا. الحديث: 328 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 [كِتَابُ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ] [بَاب الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ] بَاب الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي سَفَرِهِ إِلَى تَبُوكَ»   9 - كِتَابُ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ 1 - بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ 329 - 326 - (مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ لَمْ تَثْبُتْ عَنْهُ بِدْعَةٌ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ ثِقَةٌ مِنْ خِيَارِ التَّابِعِينَ مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) هَكَذَا رُوِيَ عَنْ يَحْيَى مُسْنَدًا وَرُوِيَ عَنْهُ مُرْسَلًا كَجُمْهُورِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي، وَقَالَ فِي تَمْهِيدِهِ: رَوَاهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ مُرْسَلًا إِلَّا أَبَا مُصْعَبٍ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ وَمُحَمَّدَ بْنَ الْمُبَارَكِ الصُّورِيَّ وَمُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ دَاوُدَ فَقَالُوا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ يَحْيَى مُسْنَدًا، وَإِنَّمَا وَجَدْنَاهُ عِنْدَ شُيُوخِنَا مُرْسَلًا فِي نُسْخَةِ يَحْيَى وَرِوَايَتِهِ، وَيُمْكِنُ أَنَّ ابْنَ وَضَّاحٍ طَرَحَ أَبَا هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى لِأَنَّهُ رَأَى ابْنَ الْقَاسِمِ وَغَيْرَهُ مِمَّنِ انْتَهَتْ إِلَيْهِ رِوَايَتُهُ لِلْمُوَطَّأِ قَدْ أَرْسَلَ الْحَدِيثَ فَظَنَّ أَنَّ رِوَايَةَ يَحْيَى غَلَطٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، فَرَمَى أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَرْسَلَ الْحَدِيثَ إِنْ صَحَّ قَوْلُ ابْنِ خَالِدٍ وَإِلَّا فَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ. ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرِ فِي سَفَرِهِ إِلَى تَبُوكَ» ) جَمْعَ تَقْدِيمٍ إِنِ ارْتَحَلَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَجَمْعَ تَأْخِيرٍ إِنِ ارْتَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذٍ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَهُوَ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ التَّالِي. الحديث: 329 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ تَبُوكَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَالَ فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يَضْحَى النَّهَارُ فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ وَالْعَيْنُ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا فَقَالَا نَعَمْ فَسَبَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتْ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ فَاسْتَقَى النَّاسُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا»   330 - 327 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمِلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ الْأَسَدِيِّ مَوْلَاهُمْ (الْمَكِّيِّ) صَدُوقٌ رَوَى لَهُ الْجَمِيعُ، وَلَهُ فِي الْمُوَطَّأِ ثَمَانِيَةُ أَحَادِيثَ وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. (عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ) بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الحديث: 330 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 وَفَتْحِ الْفَاءِ (عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ) بِمُثَلَّثَةٍ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو اللَّيْثِيِّ وَرُبَّمَا سُمِّيَ عُمَرَ وُلِدَ عَامَ إِحْدَى عَشَرَ وَرَأَى النَّبِيَّ وَرَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَمَنْ بَعْدَهُ، وَعُمِّرَ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. (أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ) بْنِ عَمْرَو بْنِ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ، مَشْهُورٌ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا وَكَانَ إِلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ وَالْقُرْآنِ، مَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ. (أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ) أَيِ الصَّحَابَةُ (خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عَامَ تَبُوكَ) بِمَنْعِ الصَّرْفِ لِوَزْنِ الْفِعْلِ كَتَقَوُلُ (فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) أَيْ جَمْعَ تَأْخِيرٍ كَذَا حَمَلَهُ الْبَاجِيُّ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ فَيُصَلِّيَهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا» لَكِنْ أَعَلَّهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بِتَفَرُّدِ قُتَيْبَةَ بِهِ عَنِ اللَّيْثِ، بَلْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ بَعْضَ الضُّعَفَاءِ أَدْخَلَهُ عَلَى قُتَيْبَةَ حَكَاهُ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ، وَهِشَامٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ الزُّبَيْرِ كَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَالثَّوْرِيِّ وَقُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِي رِوَايَتِهِمْ جَمْعَ التَّقْدِيمِ، وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ أَبَى جَمْعَ التَّقْدِيمِ، وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ وَإِذَا لَمْ تَزِغْ فِي مَنْزِلِهِ رَكِبَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْعَصْرُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ» " وَفِيهِ رَاوٍ ضَعِيفٌ لَكِنَّ لَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ إِلَّا أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي رَفْعِهِ، وَالْمَحْفُوظُ وَقْفُهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ بِالْجَزْمِ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الْوَقْتِ حَدِيثٌ قَائِمٌ. (قَالَ: فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا) جَمْعَ تَأْخِيرٍ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْجَمْعِ الصُّورِيِّ بِأَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالْعَصْرَ فِي أَوَّلِهِ، وَتَعَقَّبَهُ الْخَطَّابِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ فَلَوْ كَانَ صُورِيًّا لَكَانَ أَعْظَمَ ضِيقًا مِنَ الْإِتْيَانِ بِكُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا، لِأَنَّ أَوَائِلَ الْأَوْقَاتِ وَأَوَاخِرَهَا مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ أَكْثَرُ الْخَاصَّةِ فَضْلًا عَنِ الْعَامَّةِ، وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحَرِّجَ عَلَى أُمَّتِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَأَيْضًا فَصَرِيحُ الْأَخْبَارِ أَنَّ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ لَفْظِ الْجَمْعِ. (ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا) قَالَ الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مُقِيمٌ غَيْرُ سَائِرٍ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الدُّخُولِ إِلَى الْخِبَاءِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ وَهُوَ الْغَالِبُ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ دَخَلَ إِلَى الطَّرِيقِ مُسَافِرًا ثُمَّ خَرَجَ عَنِ الطَّرِيقِ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ دَخَلَهُ لِلسَّيْرِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَكَذَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ وَاسْتَبْعَدَهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى رَدِّ مَنْ قَالَ: لَا يَجْمَعُ إِلَّا مَنْ جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَهُوَ قَاطِعٌ لِلِالْتِبَاسِ اهـ. فَفِيهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ نَازِلًا وَسَائِرًا وَكَأَنَّهُ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَكَانَ أَكْثَرَ عَادَتِهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ: " «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ» "، وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: " وَإِذَا زَالَتْ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ " وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: تَرْكُ الْجَمْعِ لِلْمُسَافِرِ أَفْضَلُ. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ بِكَرَاهَتِهِ. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَخْصِيصُ حَدِيثِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي بَيَّنَهَا جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ لِلْأَعْرَابِيِّ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِهَا: " «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» "، (ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ) تَبَرُّكًا وَامْتِثَالًا لِلْآيَةِ (عَيْنَ تَبُوكَ) الَّتِي بِهَا، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ لِوُقُوعِ هَذَا الْقَوْلِ قَبْلَ إِتْيَانِهَا بِيَوْمٍ. (وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يَضْحَى النَّهَارُ) يَرْتَفِعَ قَوِيًّا (فَمَنْ جَاءَهَا) أَيْ قَبْلِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ) بِالْمَدِّ: أَجِيءَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ الْمَنْعُ مِنَ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ كَالْمَاءِ وَالْكَلَأِ لِلْمَصْلَحَةِ (فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ وَالْعَيْنُ تَبِضُّ) بِضَادٍ مُهْمَلَةٍ رَوَاهُ يَحْيَى وَجَمَاعَةٌ أَيْ تَبْرُقُ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْقَعْنَبِيُّ بِمُعْجَمَةٍ أَيْ تَقْطُرُ وَتَسِيلُ يُقَالُ بَضَّ الْمَاءُ وَضَبَّ عَلَى الْقَلْبِ بِمَعْنًى وَالْوَجْهَانِ مَعًا صَحِيحَانِ. (بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ) يُشِيرُ إِلَى تَقْلِيلِهِ اهـ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمُوَطَّأِ تَبِضُّ بِالضَّادِ الْمَنْقُوطَةِ وَعَلَيْهَا النَّاسُ. (فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ: هَلْ مَسِسْتُمَا) بِكَسْرِ السِّينِ الْأُولَى عَلَى الْأَفْصَحِ وَتُفْتَحُ (مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟ فَقَالَا: نَعَمْ) قَالَ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْلَمَا نَهْيَهُ أَوْ حَمَلَاهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ نَسِيَاهُ إِنْ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ. وَرَوَى أَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ أَنَّهُمَا كَانَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ (فَسَبَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ) لِنِفَاقِهِمَا أَوْ عَمَلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، فَإِنْ كَانَا لَمْ يَعْلَمَا أَوْ نَسِيَا فَكَأَنَّهُ سَبَّهُمَا إِذْ كَانَا سَبَبًا لِفَوَاتِ مَا أَرَادَهُ مِنْ إِظْهَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 الْمُعْجِزَةِ كَمَا يُسَبُّ السَّاهِي وَالنَّاسِي وَيُلَامَانِ إِذَا كَانَا سَبَبًا لِفَوَاتِ مَحْرُوسٍ عَلَيْهِ اهـ. (ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا) بِالتَّكْرَارِ دَلِيلًا عَلَى نِهَايَةِ الْقِلَّةِ (حَتَّى اجْتَمَعَ) الْمَاءُ الَّذِي غَرَفُوهُ (فِي شَيْءٍ) مِنَ الْأَوَانِي الَّتِي كَانَتْ مَعَهُمْ وَلَا قَلْبَ فِيهِ، وَأَنَّ أَصْلَهُ غَرَفُوا فِي شَيْءٍ حَتَّى اجْتَمَعَ مَاءٌ كَثِيرٌ كَمَا تُوُهِّمَ (ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ فِيهِ) أَيِ الشَّيْءِ أَيِ الْإِنَاءِ (وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ) لِلْبَرَكَةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِيهِ ضَمِيرُ فِيهِ لِلْمَاءِ أَيْ بِهِ وَعَبَّرَ بِفِيِ لِمُشَاكَلَةِ قَوْلِهِ (ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ) وَفِي مُسْلِمٍ: بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ، أَوْ قَالَ: غَزِيرٍ، شَكَّ أَبُو عَلِيٍّ أَيْ رَاوِيهِ عَنْ مَالِكٍ. (فَاسْتَقَى النَّاسُ) شَرِبُوا وَسَقَوْا دَوَابَّهُمْ فَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ وَهُمْ جَيْشٌ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ. (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ يُوشِكُ) يَقْرُبُ وَيُسْرِعُ مِنْ غَيْرِ بُطْءٍ (يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ) أَيْ إِنْ أَطَالَ اللَّهُ عُمُرَكَ وَرَأَيْتَ هَذَا الْمَكَانَ (أَنْ تَرَى) بِعَيْنِكَ فَاعِلُ يُوشِكُ وَأَنَّ بِالْفَتْحِ مَصْدَرِيَّةٌ (مَا) مَوْصُولَةٌ أَيِ الَّذِي (هَاهُنَا) إِشَارَةٌ لِلْمَكَانِ (قَدْ مُلِئَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُهُ الضَّمِيرُ أَيْ هُوَ (جِنَانًا) نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جَنَّةٍ بِفَتْحِهَا أَيْ يَكْثُرُ مَاؤُهُ وَيَخْصُبُ أَرْضُهُ فَيَكُونُ بَسَاتِينَ ذَاتَ أَشْجَارٍ كَثِيرَةٍ وَثِمَارٍ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا إِخْبَارٌ بِغَيْبٍ قَدْ وَقَعَ، وَخَصَّ مُعَاذًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَوْطَنَ الشَّامَ وَبِهَا مَاتَ، فَعَلِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ أَنَّهُ سَيَرَى ذَلِكَ الْمَوْضِعَ كَمَا ذَكَرَ، وَأَنَّهُ يَمْتَلِئُ جِنَانًا بِبَرَكَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُعْجِزَةٌ غَيْرَ هَذِهِ لَتَبَيَّنَ صِدْقُهُ وَظَهَرَتْ حُجَّتُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: أَنَا رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ كُلَّهُ حَوَالَيْ تِلْكَ الْعَيْنِ جِنَانًا خَضِرَةً نَضِرَةً وَلَعَلَّهُ يَتَمَادَى إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَهَكَذَا النُّبُوَّةُ، وَأَمَّا الشَّجَرُ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ صَاحِبِهِ اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي فَضَائِلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ بِهِ سِوَى الشَّكِّ الَّذِي ذَكَرْتُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْرُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ»   331 - 328 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَجَّلَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْجِيمِ أَسْرَعَ وَحَضَرَ (بِهِ السَّيْرُ) وَنِسْبَةُ الْفِعْلِ إِلَى السَّيْرِ مَجَازٌ وَتَوَسُّعٌ (يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) جَمْعَ تَأْخِيرٍ، فَفِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: الحديث: 331 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 " «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ» " وَتَعَلَّقَ بِهِ مَنِ اشْتَرَطَ فِي الْجَمْعِ الْجِدَّ فِي السَّيْرِ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا حَكَى الْحَالَ الَّتِي رَأَى وَلَمْ يَقُلْ لَا يَجْمَعُ إِلَّا أَنْ يَجِدَّ بِهِ فَلَا يُعَارِضُ حَدِيثَ مُعَاذٍ قَبْلَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ غَايَةَ التَّأْخِيرِ، وَبَيَّنَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " بِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ " وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ: «فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ بَعْدَ ذَهَابِ الشَّفَقِ حَتَّى ذَهَبَ هَوِيٌّ مِنَ اللَّيْلِ» "، وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «حَتَّى كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا» "، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: «فَسَارَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَتَصَوَّبَتِ النُّجُومُ نَزَلَ فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا» . وَجَاءَتْ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي آخِرِ الشَّفَقِ ثُمَّ أَقَامَ الصَّلَاةَ وَقَدْ تَوَارَى الشَّفَقُ فَصَلَّى الْعِشَاءَ» " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ نَافِعٍ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي وَاقِعَةٍ أُخْرَى، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ بِنَحْوِهِ فِي مُسْلِمٍ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» قَالَ مَالِكٌ أُرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ   332 - 329 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (الْمَكِّيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ مُصَغَّرٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» . قَالَ مَالِكٌ: أُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّ (ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ) وَوَافَقَهُ عَلَى مَا ظَنَّهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، لَكِنْ رَوَى الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ، وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْأُولَى رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ فَهِيَ أَوْلَى، قَالَ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ الْجَمْعَ بِالْمَطَرِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ، وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَلَا مَطَرٌ كَثِيرٌ أَوْ وَلَا مَطَرٌ مُسْتَدَامٌ فَلَعَلَّهُ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ لِلْمَرَضِ وَقَوَّاهُ النَّوَوِيُّ، قَالَ الْحَافِظَ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ جَمَعَ لَهُ لَمَا صَلَّى مَعَهُ إِلَّا مَنْ بِهِ الْمَرَضُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بِأَصْحَابِهِ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ، وَقِيلَ: كَانَ فِي غَيْمٍ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ انْكَشَفَ فَبَانَ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ دَخَلَ فَصَلَّاهَا، الحديث: 332 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 وَأَبْطَلَهُ النَّوَوِيُّ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَدْنَى احْتِمَالٍ فِي الظُّهْرَيْنِ فَلَا احْتِمَالَ فِيهِ فِي الْعِشَاءَيْنِ، وَكَأَنَّ نَفْيَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَغْرِبِ إِلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَهُ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّ وَقْتَهَا يَمْتَدُّ إِلَى الْعِشَاءِ فَالِاحْتِمَالُ قَائِمٌ، وَقِيلَ: الْجَمْعُ صُورِيٌّ بِأَنْ يُوقِعَ الظُّهْرَ آخِرَ وَقْتِهَا وَالْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ مُخَالَفَةً لَا يَحْتَمِلُ، لَكِنَّ هَذَا الَّذِي ضَعَّفَهُ اسْتَحْسَنَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَرَجَّحَهُ قَبْلَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمِنَ الْقُدَمَاءِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالطَّحَاوِيُّ وَقَوَّاهُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ بِأَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ رَاوِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ قَالَ بِهِ، وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَزَادَ: قُلْتُ: يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ، قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّهُ، وَرَاوِي الْحَدِيثِ أَدْرَى بِالْمُرَادِ مِنْ غَيْرِهِ. قُلْتُ: لَكِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ بَلْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بِعُذْرِ الْمَطَرِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ لَكِنْ يُقَوِّي الْجَمْعَ الصُّورِيَّ أَنَّ طُرُقَ الْحَدِيثِ كُلُّهَا لَيْسَ فِيهَا صِفَةُ الْجَمْعِ، فَإِمَّا أَنْ تُحْمَلَ عَلَى مُطْلَقِهَا فَيَسْتَلْزِمَ إِخْرَاجَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ بِلَا عُذْرٍ، وَإِمَّا أَنْ تُحْمَلَ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَا يَسْتَلْزِمَ الْإِخْرَاجَ وَيُجْمَعَ بِهَا بَيْنَ مُفْتَرَقِ الْأَحَادِيثِ، وَالْجَمْعُ الصُّورِيُّ أَوْلَى. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَجَوَّزُوا الْجَمْعَ فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ مُطْلَقًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّخَذَ ذَلِكَ عَادَةً، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ ابْنُ سِيرِينَ وَرَبِيعَةُ وَأَشْهَبُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِمَا فِي مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ. وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ هَرَمٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ صَلَّى بِالْبَصْرَةِ الْأُولَى وَالْعَصْرَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ شُغُلٍ، وَفِيهِ رَفْعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ أَنَّ شُغْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ بِالْخُطْبَةِ وَأَنَّهُ خَطَبَ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ بَدَتِ النُّجُومُ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَفِيهِ تَصْدِيقُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَفْعِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ التَّعْلِيلِ بِنَفْيِ الْحَرَجِ ظَاهِرٌ فِي مُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَجَاءَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " «جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: " صَنَعْتُ هَذَا لِئَلَّا تُحْرَجَ أُمَّتِي» " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَإِرَادَةُ نَفْيِ الْحَرَجِ تَقْدَحُ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْجَمْعِ الصُّورِيِّ لِأَنَّ الْقَصْدَ إِلَيْهِ لَا يَخْلُو عَنْ حَرَجٍ انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا جَمَعَ الْأُمَرَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ جَمَعَ مَعَهُمْ   333 - 330 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا جَمَعَ الْأُمَرَاءُ) جَمْعُ أَمِيرٍ (بَيْنَ الحديث: 333 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ جَمَعَ مَعَهُمْ) لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَلَمْ تَرَ إِلَى صَلَاةِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ   334 - 331 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ تَرْكَهُ. (أَلَمْ تَرَ إِلَى صَلَاةِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ؟) بِالْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، فَقَاسَ سَالِمٌ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ أَنَّ الْعِلَّةَ السَّفَرُ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ» " وَلَوْ لَمْ يَرِدْ مِنْ فِعْلِهِ إِلَّا هَذَا لَكَانَ أَدَلَّ دَلِيلٍ عَلَى جَوَازِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ فِي السَّفَرِ، وَإِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ، ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ مَشْهُورَةٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَشْهَبُ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَمَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُخْتَصُّ بِمَنْ جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَقِيلَ: يُخْتَصُّ بِالسَّائِرِ دُونَ النَّازِلِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، وَقِيلَ: بِمَنْ لَهُ عُذْرٌ، وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لَا التَّقْدِيمُ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ مُطْلَقًا إِلَّا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ أَنَّهُمَا خَالَفَاهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ السُّرُوجِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ، وَأَجَابُوا عَنِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ جَمْعٌ صُورِيٌّ وَتَقَدَّمَ رَدُّهُ، قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: ثَبَتَ فِي الْجَمْعِ أَحَادِيثُ نُصُوصٍ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا تَأْوِيلٌ، وَدَلِيلُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الِاسْتِنْبَاطُ مِنَ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَإِنَّ سَبَبَهُ احْتِيَاجُ الْحَاجِّ إِلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمَنَاسِكِهِمْ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ، وَلَمْ تَتَقَيَّدِ الرُّخْصُ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ بِالنُّسُكِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ أَنَّ الْجَمْعَ أَرْفَقُ مِنَ الْقَصْرِ، فَإِنَّ الْقَائِمَ إِلَى الصَّلَاةِ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ يَضُمُّهُمَا إِلَى رَكْعَتَيْهِ، وَرِفْقُ الْجَمْعِ بِمَنْ جَدَّ بِهِ السَّيْرُ. الحديث: 334 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ يَوْمَهُ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ لَيْلَهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ   334 - 332 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيٍّ) زَيْنِ الْعَابِدِينَ (بْنِ حُسَيْنٍ) بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ يَوْمَهُ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ» ) جَمْعَ تَقْدِيمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 إِنْ سَارَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَتَأْخِيرٍ إِنْ سَارَ قَبْلَهُ. (وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ لَيْلَهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ يَتَّصِلُ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَابْنِ عُمَرَ مَعْنَاهُ وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مُسْنَدٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 [بَاب قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ «فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّا نَجِدُ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَصَلَاةَ الْحَضَرِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا نَجِدُ صَلَاةَ السَّفَرِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ يَا ابْنَ أَخِي إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا فَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَلُ»   2 - بَابُ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرٌ، يُقَالُ: قَصَرْتُ الصَّلَاةَ بِفَتْحَتَيْنِ مُخَفَّفًا قَصْرًا، وَقَصَّرْتُهَا بِالتَّشْدِيدِ تَقْصِيرًا وَأَقْصَرْتُهَا وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِهِ تَخْفِيفُ الرُّبَاعِيَّةِ إِلَى رَكْعَتَيْنِ وَلَا قَصْرَ فِي الصُّبْحِ وَلَا الْمَغْرِبِ إِجْمَاعًا، وَعَقَّبَهُ بِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ قَصْرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّمَانِ وَيَجْمَعُهَا الرُّخْصَةُ لِلْعُذْرِ. 336 - 333 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ) وَهُوَ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَقِيلَ: بِضَمِّهَا وَفَتْحِ السِّينِ ابْنِ أَبِي الْعِيصِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمِلَةِ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُقِمْ مَالِكٌ إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ لِإِبْهَامِ الرَّجُلِ وَلِأَنَّهُ أَسْقَطَ مِنْهُ رَجُلًا فَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ (أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَتُهُ (إِنَّا نَجِدُ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَصَلَاةَ الْحَضَرِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا نَجِدُ صَلَاةَ السَّفَرِ) أَيْ قَصْرَ الصَّلَاةِ فِي سَفَرِ الْأَمْنِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] ، ثُمَّ قَالَ: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء: 103] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 101 - 103) أَيْ أَتِمُّوهَا. (فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا فَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَلُ) الحديث: 336 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْقَصْرَ فِي سَفَرِ الْأَمْنِ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ لَا بِالْقُرْآنِ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ: «قُلْتُ لِعُمَرَ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» ، فَأَفَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْآيَةِ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ وَقْتَ النُّزُولِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " «صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَنَحْنُ آمِنُونَ لَا نَخَافُ شَيْئًا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» " قَالَ الْبَاجِيُّ: فَتَأَوَّلَ عُمَرُ وَابْنُهُ وَالسَّائِلُ لَهُمَا أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى الْقَصْرِ الَّذِي هُوَ رَدُّ الرُّبَاعِيَّةِ إِلَى رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: مَعْنَى التَّقَصُّرِ فِي الْآيَةِ فِي الْخَوْفِ التَّرْتِيبُ وَتَخْفِيفُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ   337 - 334 - (مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ الْمَدَنِيِّ، مُؤَدِّبُ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ مَاتَ بَعْدَ سَنَةِ ثَلَاثِينَ أَوْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ حَدِيثَانِ مُسْنَدَانِ، وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ عَاشَ مِائَةً وَنَيِّفًا وَسِتِّينَ سَنَةً وَلَقِيَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تُلْمِذَ لِلزَّهْرِيِّ وَتَلَقَّنَ عَنْهُ الْعِلْمَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِينَ سَنَةً، قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ: وَهَذِهِ مُجَازِفَةٌ قَبِيحَةٌ مُقْتَضَاهَا أَنْ يَكُونَ صَالِحٌ وُلِدَ قَبْلَ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ، وَلَوْ كَانَ طَلَبَ الْعِلْمِ كَمَا حَدَّدَ الْحَاكِمُ لَكَانَ قَدْ أَخَذَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَائِشَةَ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ. انْتَهَى. (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: فُرِضَتِ الصَّلَاةُ) وَلِلتِّنِيسِيِّ فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا (رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) بِالتَّكْرِيرِ لِإِفَادَةِ عُمُومِ التَّثْنِيَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ (فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ) ، زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ الْمَدَنِيُّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَّا الْمَغْرِبَ فَإِنَّهَا كَانَتْ ثَلَاثًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِهِ. (فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ) رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ (وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ) بَعْدَ الْهِجْرَةِ. فَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا "، وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «فُرِضَتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَاطْمَأَنَّ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ وَتُرِكَتْ صَلَاةُ الْفَجْرِ لِطُولِ الْقِرَاءَةِ وَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ» ، وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَنَفِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ الحديث: 337 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ عَزِيمَةٌ لَا رُخْصَةٌ وَاسْتَدَلَّ مُخَالِفُوهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 101) لِأَنَّ نَفْيَ الْجُنَاحِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَزِيمَةِ، وَالْقَصْرَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ شَيْءٍ أَطْوَلَ مِنْهُ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ» " فَالْمَفْرُوضُ الْأَرْبَعُ إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ بِأَدَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ وَبِأَنَّهَا لَمْ تَشْهَدْ زَمَانَ فَرْضِ الصَّلَاةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَمْ تُدْرِكِ الْقِصَّةَ يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ وَهُوَ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا أَخَذَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ أَدْرَكَ ذَلِكَ، وَقَوْلُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ: لَوْ ثَبَتَ لَنُقِلَ مُتَوَاتِرًا فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا، لِأَنَّ الْمُتَوَاتِرَ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَلْزَمُ، وَالَّذِي يَظْهَرُ وَبِهِ تَجْتَمِعُ الْأَدِلَّةُ أَنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمَغْرِبَ ثُمَّ زِيدَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَّا الصُّبْحَ، ثُمَّ بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ فَرْضُ الرُّبَاعِيَّةِ خُفِّفَ مِنْهَا فِي السَّفَرِ عِنْدَ نُزُولِ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ أَنَّ قَصْرَ الصَّلَاةِ كَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ أَنَّ نُزُولَ آيَةِ الْخَوْفِ كَانَ فِيهَا. وَذَكَرَ الدُّولَابِيُّ أَنَّ الْقَصْرَ كَانَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ. وَذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ بِلَفْظِ: بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِعَامٍ أَوْ نَحْوِهُ وَقِيلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا آلَ إِلَيْهِ الْأَمْرُ مِنَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّهَا اسْتَمَرَّتْ مُنْذُ فُرِضَتْ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقَصْرَ عَزِيمَةٌ كَمَا يَقُولُهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَقَدْ أُلْزِمُوا عَلَى قَاعِدَتِهِمْ إِذَا عَارَضَ رَأْيُ الصَّحَابِيِّ رِوَايَتَهُ فَالْعِبْرَةُ عِنْدَهُمْ بِرَأْيِهِ لَا بِمَرْوِيِّهِ، وَخَالَفُوا ذَلِكَ، هُنَا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُمْ أَنَّ عُرْوَةَ الرَّاوِي عَنْهَا قَالَ لَمَّا سَأَلَهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ إِتْمَامِهَا فِي السَّفَرِ: إِنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ، فَرِوَايَتُهَا صَحِيحَةٌ وَرَأْيُهَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَأَوَّلَتْ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيمَا تَأَوَّلَا فَقِيلَ: رَأَيَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَصَرَ أَخْذَا بِالْأَيْسَرِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمَّتِهِ فَأَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا بِالشِّدَّةِ، صَحَّحَهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَجَمَاعَةٌ آخِرُهُمُ الْقُرْطُبِيُّ. وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُتِمُّ فَإِذَا احْتَجُّوا عَلَيْهَا تَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حَرْبٍ وَكَانَ يَخَافُ فَهَلْ تَخَافُونَ أَنْتُمْ؟ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عُرْوَةَ: " أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا، فَقُلْتُ لَهَا: لَوْ صَلَّيْتِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي إِنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ "، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَأَوَّلَتْ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَأَنَّ الْإِتْمَامَ لِمَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ رَأَيَا الْقَصْرَ جَائِزًا وَالْإِتْمَامَ جَائِزًا فَأَخَذَا بِأَحَدِ الْجَائِزَيْنِ وَهُوَ الْإِتْمَامُ انْتَهَى. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّهُ سَافَرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَكُلُّهُمْ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي السَّيْرِ وَفِي الْمَقَامِ بِمَكَّةَ» ، وَحَدِيثُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ لِسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَا أَشَدَّ مَا رَأَيْتَ أَبَاكَ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ فِي السَّفَرِ فَقَالَ سَالِمٌ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَنَحْنُ بِذَاتِ الْجَيْشِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ بِالْعَقِيقِ   338 - 335 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ لِسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: مَا أَشَدَّ مَا رَأَيْتَ أَبَاكَ) ابْنَ عُمَرَ (أَخَّرَ الْمَغْرِبَ فِي السَّفَرِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ آخِرَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارَ. (فَقَالَ سَالِمٌ: غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَنَحْنُ بِذَاتِ الْجَيْشِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ بِالْعَقِيقِ) وَبَيْنَهُمَا اثْنَا عَشَرَ مِيلًا. وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: سَبْعَةُ أَمْيَالٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سِتَّةٌ. وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ: ذَاتُ الْجَيْشِ عَلَى بِرَيْدَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَوَقَعَ هَذَا الْأَثَرُ هُنَا وَهُوَ مِنْ مَعْنَى الْبَابِ قَبْلَهُ قَالَهُ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَفِي الْمُنْتَقَى وَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ سَيْرِ مَنْ جَدَّ. وَقَالَ الْبُونِيُّ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى: وَبَيْنَهُمَا مِيلَانِ أَوْ أَكْثَرُ قَلِيلًا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: عَشَرَةُ أَمْيَالٍ. وَفِي شَرْحَيِ الْمُوَطَّأِ لِابْنِ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَشَرْحِهِ لِابْنِ الْمَوَّازِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: إِنَّمَا أَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمَغْرِبَ لِالْتِمَاسِ الْمَاءِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَا يَتَيَمَّمُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ إِذَا رَجَا الْمَاءَ، وَمَا مَرَّ عَنْهُ أَنَّهُ تَيَمَّمَ لِلْعَصْرِ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَلِأَنَّهُ قَدَّرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ إِلَّا بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَكَانَ عَلَى وُضُوءٍ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَلَمَّا عُدِمَ الْمَاءُ تَيَمَّمَ عَلَى مَا ذَكَرَ سَحْنُونٌ أَوْ أَنَّهُ يَرَى جَوَازَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لِلرَّاجِي. الحديث: 338 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 [بَاب مَا يَجِبُ فِيهِ قَصْرُ الصَّلَاةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا قَصَرَ الصَّلَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ   6 - بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ قَصْرُ الصَّلَاةِ أَيْ يُسَنُّ مُؤَكَّدًا يَقْرُبُ مِنَ الْوَاجِبِ إِذِ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ. 339 - 336 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا قَصَرَ الصَّلَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: خَصَّ سَفَرَهُ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِي الْقَصْرِ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَبَرَّكُ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُهَا وَيَمْتَثِلُ فِعْلَهُ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُهُ، وَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ خَرَجَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَعَلَ مِثْلَهُ، وَأَمَّا سَفَرُ ابْنِ الحديث: 339 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 عُمَرَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَكَانَ يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ بُيُوتِ الْمَدِينَةِ وَيَقْصُرُ إِذَا رَجَعَ حَتَّى يَدْخُلَ بُيُوتَهَا كَمَا رَوَاهُ عَنْهُ نَافِعٌ أَيْضًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى رِيمٍ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ   340 - 337 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى رِيمٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَمِيمٍ (فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ) مِنَ الْمَدِينَةِ. وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُونَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَرَاهَا وَهْمًا بِخِلَافِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَرَوَاهُ عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَقَالَ: هِيَ ثَلَاثُونَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ رِيمٍ مَوْضِعٌ مُتَّسِعٌ كَالْإِقْلِيمِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ مَالِكٍ عِنْدَ آخِرِهِ وَعُقَيْلٍ عِنْدَ أَوَّلِهِ، وَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ الْمَدِينَةِ: فَكَمْ مِنْ حُرَّةٍ بَيْنَ الْمُنَقَّى ... إِلَى أُحُدٍ إِلَى جَنَبَاتِ رِيمٍ فَقَالَ جَنَبَاتٍ وَرُبَّمَا كَانَتْ بَعِيدَةَ الْأَقْطَارِ. الحديث: 340 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصُبِ وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ   341 - 338 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ) بِضَمِّ النُّونِ مَوْضِعٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ (فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصُبِ وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) وَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: بَيْنَهُمَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا. الحديث: 341 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ إِلَى خَيْبَرَ فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ   342 - 339 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ إِلَى خَيْبَرَ فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ) بِضَمِّ الصَّادِ وَبَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ مِيلًا. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ الحديث: 342 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ أَدْنَى مَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِيهِ مَالٌ لَهُ بِخَيْبَرَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَالِكٌ أَثْبَتُ فِي نَافِعٍ مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَالْمُقَدَّمُونَ فِي حِفْظِ حَدِيثِ نَافِعٍ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَيُّوبُ، وَأَمَّا ابْنُ جُرَيْجٍ فَبَعْدَ هَؤُلَاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ الْيَوْمَ التَّامَّ   343 - 340 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِ الْيَوْمِ التَّامِّ) وَتَقْدِيرُ ذَلِكَ بِالسَّيْرِ الْحَثِيثِ نَحْوَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَعْنَاهُ فِي الصَّيْفِ وَجَدِّ السَّيْرِ. الحديث: 343 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ   344 - 341 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: سُمِّيَ الْخُرُوجُ إِلَى الْبَرِيدِ وَنَحْوِهِ سَفَرًا مَجَازًا وَاتِّسَاعًا، وَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ حَقِيقَةً فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ سَافَرَ فُلَانٌ الْخُرُوجُ إِلَى الْمِيلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّ هَذَا لَفْظُ نَافِعٍ وَلَيْسَ مِنَ الْعَرَبِ وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي نُطْقِهِ لَكْنَةٌ. الحديث: 344 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ إِلَيَّ فِيهِ الصَّلَاةُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ   344 - 342 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ) وَبَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ مَرَاحِلَ أَوِ اثْنَانِ (وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ) وَبَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ مَرَاحِلَ، وَنُونُهُ زَائِدَةٌ وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. (وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ سَاحِلُ الْبَحْرِ بِمَكَّةَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: أَكْثَرَ مَالِكٌ مِنْ ذِكْرِ أَفْعَالِ الصَّحَابَةِ لِمَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ تَوْقِيفٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ (أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) قَالَ الْحَافِظُ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ» "، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ مِنْ أَجْلِ عَبْدِ الْوَهَّابِ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ إِلَّا فِي الْيَوْمِ وَلَا تُقْصَرُ فِيمَا دُونَ الْيَوْمِ» " وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ: " «تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِي مَسِيرِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» " وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ مَسَافَةَ بُرُدٍ يُمْكِنُ سَيْرُهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. (وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ إِلَيَّ فِيهِ الصَّلَاةُ) مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُنْتَشِرَةِ إِلَى نَحْوِ عِشْرِينَ قَوْلًا فَـ " أَحَبُّ " عَائِدٌ لِاخْتِيَارِهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُقْصِرُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ، وَعَنْ مَالِكٍ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: رَجَعَ عَنْهُ، قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَهُوَ وِفَاقٌ فَإِنَّمَا رَجَعَ عَنِ التَّحْدِيدِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَى لَفْظٍ أَبْيَنَ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُقْصَرُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: " «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» " وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمْ يُسَقْ لِبَيَانِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بَلْ لِنَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنِ الْخُرُوجِ وَحْدَهَا وَلِذَا اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُ، فَرُوِيَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَمَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَبَرِيدًا، وَأُيِّدَ بِأَنَّ الْحُكْمَ فِي نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنِ السَّفَرِ وَحْدَهَا مُتَعَلِّقٌ بِالزَّمَانِ فَلَوْ قَطَعَتْ مَسِيرَةَ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي يَوْمٍ لَتَعَلَّقَ بِهَا النَّهْيُ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ لَوْ قَطَعَ مَسِيرَةَ نِصْفِ يَوْمٍ فِي يَوْمَيْنِ مَثَلًا لَمْ يَقْصُرْ فَافْتَرَقَا عَلَى أَنَّ تَمَسُّكَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْحَدِيثِ مُخَالِفٌ لِقَاعِدَتِهِمْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِرَأْيِ الصَّحَابِيِّ لَا بِمَا رُوِيَ، فَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ عَنْهُ لِبَيَانِ أَقَلِّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمَا خَالَفَهُ وَقَصَرَ فِي مَسِيرِ الْيَوْمِ التَّامِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ: يُقْصِرُ فِي كُلِّ سَفَرٍ وَلَوْ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 101] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 101) وَلَمْ يُحَدِّدِ الْمَسَافَةَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ قَصَرَ الصَّلَاةَ» " وَهُوَ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَأَصْرَحُهُ وَقَدْ حَمَلَهُ مَنْ خَالَفَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَسَافَةُ الَّتِي يُبْتَدَأُ مِنْهَا الْقَصْرُ لَا غَايَةُ السَّفَرِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا الْحَمْلِ، مَعَ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَى أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَكُنْتُ أَخْرُجُ إِلَى الْكُوفَةِ يَعْنِي مِنَ الْبَصْرَةِ فَأُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أَرْجِعَ، فَقَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَظَهَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ جَوَازِ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ لَا عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُبْتَدَأُ مِنْهُ الْقَصْرُ، ثُمَّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَسَافَةٍ بَلْ بِمُجَاوَزَةِ الْبَلَدِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ، وَرَدَّهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ فَإِنْ أَرَادَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي التَّحْدِيدِ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَمُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي التَّحْدِيدِ بِثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ أَمْيَالٍ مُنْدَرِجَةٌ فِيهَا فَيُؤْخَذُ بِالْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ) كُلِّهَا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 وَاخْتُلِفَ فِيمَا قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنَ الْبُيُوتِ، فَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ قَصَرَ وَلَوْ فِي بَيْتِهِ. وَرَدَّهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْفَارِهِ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنِ الْمَدِينَةِ، وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ: " «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ» " دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ لِأَنَّ بَيْنَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْمَدِينَةِ سِتَّةَ أَمْيَالٍ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُنْتَهَى سَفَرِهِ بَلْ كَانَ ذَلِكَ لِخُرُوجِهِ لِحَجَّةِ الْوَدَاعِ فَنَزَلَ بِهَا فَقَصَرَ الْعَصْرَ وَاسْتَمَرَّ يَقْصُرُ حَتَّى رَجَعَ. (وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ) وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَرَوَى عَلِيٌّ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ: حَتَّى يَدْخُلَ مَنْزِلَهُ. وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَقْصُرُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْصُرُ مِنْهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 [بَاب صَلَاةِ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ يُجْمِعْ مُكْثًا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ أُصَلِّي صَلَاةَ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثًا وَإِنْ حَبَسَنِي ذَلِكَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً   4 - بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ يُجْمَعْ مُكْثًا بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مِنْ أَجْمَعَ عَلَى الْأَمْرِ عَزَمَ وَصَمَّمَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: مُكْثًا، وَبِعَلَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يونس: 71] (سُورَةُ يُونُسَ: الْآيَةُ 71) أَيْ وَادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: اجْمَعُوا شُرَكَاءَكُمْ، وَالْمَعْنَى: أَجْمِعُوا مَعَ شُرَكَائِكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ قَالَهُ الْمَجْدُ الشِّيرَازِيُّ. 346 - 343 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: أُصَلِّي صَلَاةَ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثًا) إِقَامَةً (وَإِنْ حَبَسَنِي) مَنَعَنِي (ذَلِكَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً) لِأَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ لَمْ يَنْقَطِعْ. الحديث: 346 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ لَيَالٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ إِلَّا أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ فَيُصَلِّيهَا بِصَلَاتِهِ   347 - 344 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ لَيَالٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ إِقَامَةً الحديث: 347 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 (إِلَّا أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ فَيُصَلِّيهَا) تَامَّةً (بِصَلَاتِهِ) أَيِ الْإِمَامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 [بَاب صَلَاةِ الْإِمَامِ إِذَا أَجْمَعَ مُكْثًا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ مَنْ أَجْمَعَ إِقَامَةً أَرْبَعَ لَيَالٍ وَهُوَ مُسَافِرٌ أَتَمَّ الصَّلَاةَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صَلَاةِ الْأَسِيرِ فَقَالَ مِثْلُ صَلَاةِ الْمُقِيمِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا   5 - بَابُ صَلَاةِ الْإِمَامِ إِذَا أَجْمَعَ مُكْثًا هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَفْهُومُ الَّتِي قَبْلَهَا. 348 - 345 - (مَالِكٌ عَنْ عَطَاءِ) بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ مَيْسَرَةَ وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ (الْخُرَاسَانِيِّ) أَبِي عُثْمَانَ مَوْلَى الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ مَوْلًى لِهُذَيْلٍ أَصْلُهُ مِنْ مَدِينَةِ بَلْخٍ مِنْ خُرَاسَانَ وَسَكَنَ الشَّامَ وَوُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَكَانَ فَاضِلًا عَالِمًا بِالْقُرْآنِ عَامِلًا وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَرَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُمْ، وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَأَدْخَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ لِنَقْلِ الْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَذَّبَهُ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ مِثْلَ الْقَاسِمِ لَا يُجْرَحُ بِرِوَايَتِهِ مِثْلَ عَطَاءٍ أَحَدِ الْعُلَمَاءِ الْفُضَلَاءِ، وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: رَوَى مَالِكٌ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَعَطَاءٌ ثِقَةٌ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ (أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: مَنْ أَجْمَعَ) عَزَمَ وَنَوَى (إِقَامَةَ أَرْبَعَ لَيَالٍ وَهُوَ مُسَافِرٌ أَتَمَّ الصَّلَاةَ) لِقَطْعِ ذَلِكَ حُكْمَ السَّفَرِ (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ) مِنَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ رَفَعَهُ: " «يَمْكُثُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا» " وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَكَّةَ لَا يَجُوزُ لِمُهَاجِرِيٍّ أَنْ يَتَّخِذَهَا دَارَ إِقَامَةٍ، فَأَبَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ نَوَى إِقَامَةَ ثَلَاثَ لَيَالٍ لَيْسَ بِمُقِيمٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا لَهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا نَوَى إِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ وَدُونَهَا قَصَرَ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صَلَاةِ الْأَسِيرِ فَقَالَ: مِثْلُ صَلَاةِ الْمُقِيمِ) فَيُتِمُّ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا) فَيَقْصُرُ. الحديث: 348 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 [بَاب صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إِذَا كَانَ إِمَامًا أَوْ كَانَ وَرَاءَ إِمَامٍ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ   6 - بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إِذَا كَانَ إِمَامًا أَوْ كَانَ وَرَاءَ إِمَامٍ 349 - 346 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ) أَبَاهُ (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ) إِمَامًا لِأَنَّهُ الْخَلِيفَةُ وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ (رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ جَمْعُ سَافِرٍ كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: امْتَثَلَ عُمَرُ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: " «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَتْحَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ لِأَهْلِ الْبَلَدِ: صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا سَفْرٌ» " انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ. الحديث: 349 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ   349 - 347 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ) فَلَهُ طَرِيقَانِ عَنْ عُمَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ لَفْظَ هَذِهِ الطَّرِيقِ فِي الْحَجِّ، قَالَ الْبَاجِيُّ: كَانَ عُمَرُ لَا يَسْتَوْطِنُ مَكَّةَ لِأَنَّ الْمُهَاجِرِيَّ مَمْنُوعٌ مِنِ اسْتِيطَانِهَا لِأَنَّهُ قَدْ هَجَرَهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَكَانَ عُمَرُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْتَحِقَّ لِلْإِمَامَةِ، وَمَحَلُّ كَوْنِ الْأَفْضَلِ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْمُسَافِرِ فِي الْإِمَامَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْأُمَرَاءِ وَالْإِمَامِ الرَّاتِبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ الْإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعًا فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ   350 - 348 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ الْإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعًا) لِوُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَتَرْكِ الْخِلَافِ لَهُ وَإِنِ اعْتَقَدَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ، لَكِنَّ الْجَمَاعَةَ آكَدُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا وَالِاخْتِلَافُ فِي الْقَصْرِ. (فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) عَلَى سُنَّتِهِ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ. الحديث: 350 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقُمْنَا فَأَتْمَمْنَا   351 - 349 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْقُرَشِيِّ التَّابِعِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ) بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ الْمَالِكِيَّ، وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، وَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنَ التَّابِعِينَ. (فَصَلَّى) ابْنُ عُمَرَ (لَنَا) أَيْ بِنَا إِمَامًا (رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ (ثُمَّ انْصَرَفَ) سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ (فَقُمْنَا فَأَتْمَمْنَا) لِأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي إِمَامَةِ الْمُسَافِرِ لِلْمُقِيمِ لِأَنَّ صَلَاتَهُ لَمْ تَتَغَيَّرْ بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَذَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَالْمَذْهَبُ كَرَاهَةُ الصُّورَتَيْنِ غَايَتُهُ أَنَّ عَكْسَهُ أَقْوَى فَلَعَلَّهُ أَرَادَ لَا كَرَاهَةَ أَكِيدَةٌ، وَإِنَّمَا أُمَّ ابْنُ عُمَرَ الْحَضَرِيِّينَ لِأَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ. الحديث: 351 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 [بَاب صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ بِالنَّهَارِ وَاللَّيْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي مَعَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ فِي السَّفَرِ شَيْئًا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا إِلَّا مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ   7 - بَابُ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ بِالنَّهَارِ زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ: وَاللَّيْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ. 352 - 350 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي مَعَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ فِي السَّفَرِ شَيْئًا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا) لِأَنَّ السَّفَرَ مَشَقَّةٌ فَشُرِعَ فِيهِ قَصْرُ الْفَرِيضَةِ لِلتَّخْفِيفِ فَأَوْلَى النَّافِلَةُ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ: «صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا، فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ، قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ، صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ أَيْ فَلَمْ يَزِدْ كُلٌّ عَلَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَرَأَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] » (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 21) وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ الْمَرْفُوعَ فَقَطْ. وَجَاءَتْ آثَارٌ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا تَنَفَّلَ فِي السَّفَرِ. قَالَ الْبَرَاءُ: " «سَافَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ثَمَانِ عَشَرَةَ سَفْرَةً فَمَا رَأَيْتُهُ يَتْرُكُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ جَمِيعِ السَّلَفِ جَوَازُهُ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الحديث: 352 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 الْأَرْبَعَةُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا بِأَنَّ الْفَرِيضَةَ مُحَتَّمَةٌ فَلَوْ شُرِعَتْ تَامَّةً لَتَحَتَّمَ إِتْمَامُهَا، وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَإِلَى خِيَرَةِ الْمُصَلِّي فَالرِّفْقُ بِهِ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً وَيُخَيَّرُ فِيهَا. انْتَهَى. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مُرَادَ ابْنِ عُمَرَ بِقَوْلِهِ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْإِتْمَامِ وَصَلَاةِ الرَّاتِبَةِ لَكَانَ الْإِتْمَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ، لَكِنَّهُ فَهِمْ مِنَ الْقَصْرِ التَّخْفِيفَ؛ فَلِذَا كَانَ لَا يُصَلِّي الرَّاتِبَةَ وَلَا يُتِمُّ (إِلَّا مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ) بِهِ إِلَى مَقْصِدِهِ لِلْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَصَوْبَ الطَّرِيقِ بَدَلٌ مِنَ الْقِبْلَةِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنِ الْأُمَّةِ فِي جَوَازِ التَّنَفُّلِ لِلْمُسَافِرِ بِاللَّيْلِ، قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ فِي السَّفَرِ قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ   352 - 351 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ (وَأَبَا بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ وَالثَّلَاثَةُ مِنَ الْفُقَهَاءِ (كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ فِي السَّفَرِ) ظَاهِرُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا (قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) أَيِ التَّنَفُّلَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ قَالَ بَلَغَنِي عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى ابْنَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَتَنَفَّلُ فِي السَّفَرِ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ   352 - 352 - (مَالِكٌ قَالَ: بَلَّغَنِي) زَادُ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ نَافِعٍ: (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى ابْنَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ) شَقِيقَ سَالِمٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ (يَتَنَفَّلُ فِي السَّفَرِ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَرَاهُ يَتَنَفَّلُ بِاللَّيْلِ فَلَا يُنْكِرُهُ لِأَنَّهُ مَذْهَبُهُ، وَيُحْتَمَلُ بِالنَّهَارِ فَلَا يُنْكِرُهُ لِكَثْرَةِ مَنْ خَالَفَهُ فِيهِ وَهَذَا أَشْبَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى خَيْبَرَ»   355 - 353 - (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ) الْأَنْصَارِيِّ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِي الْحُبَابِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ (سَعِيدِ) بِفَتْحِ السِّينِ (بْنِ يَسَارٍ) الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ. (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ» ) لَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى وَإِنَّمَا يَقُولُونَ عَلَى رَاحِلَتِهِ قَالَهُ النَّسَائِيُّ أَيْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَالْمَعْرُوفُ الْمَحْفُوظُ فِيهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَبَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَرْقٌ فِي التَّمَكُّنِ لَا يُجْهَلُ، وَأَمَّا غَيْرُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَى جَابِرٌ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي أَيْنَمَا كَانَ وَجْهُهُ عَلَى الدَّابَّةِ» " وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الصَّحَابَةُ يُصَلُّونَ فِي أَسْفَارِهِمْ عَلَى دَوَابِّهِمْ أَيْنَمَا كَانَتْ وُجُوهُهُمْ قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ، لَكِنْ لِرِوَايَةِ عَمْرٍو شَاهِدٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى خَيْبَرَ» " رَوَاهُ السَّرَّاجُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. (وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى خَيْبَرَ) بِمُعْجَمَةٍ أَوَّلَهُ وَرَاءَ آخِرِهِ، زَادَ الْحُنَيْنِيُّ عَنْ مَالِكٍ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ: " وَيُومِئُ إِيمَاءً " أَيْ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْهُ تَمْيِيزًا بَيْنَهُمَا وَلِيَكُونَ الْبَدَلُ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 355 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ   356 - 354 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ» ) نَاقَتِهِ الَّتِي تَصْلُحُ لِأَنَّ تَرْتَحِلَ (فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَيْهَا عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي يَرْكَبُهَا عَلَيْهَا وَيَسْتَقْبِلُ بِوَجْهِهِ مَا اسْتَقْبَلَتْهُ الرَّاحِلَةُ، فَتَقْدِيرُهُ إِلَى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ، فَقَوْلُهُ تَوَجَّهَتْ مُتَعَلِّقٌ بِيُصَلِّي، وَيُحْتَمَلُ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، لَكِنْ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةٌ لِلْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: " «وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَتْ» " قَالَهُ ابْنُ التِّينِ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " يُومِئُ بِرَأْسِهِ " (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) عَقِبَ الْمَرْفُوعِ بِالْمَوْقُوفِ مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَائِمَةٌ بِالْمَرْفُوعِ لِبَيَانِ أَنَّ الْعَمَلَ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهِ نَسْخٌ وَلَا مُعَارِضٌ رَاجِحٌ، وَقَدْ جَمَعَ ابْنُ بَطَّالٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا الحديث: 356 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 سَبَقَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يُصَلِّي الرَّوَاتِبَ وَيَقُولُ: «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ» ، بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَمْنَعُ التَّنَفُّلَ عَلَى الْأَرْضِ وَيَقُولُ بِهِ عَلَى الدَّابَّةِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ: لَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الرَّوَاتِبَ فِي رَحْلِهِ وَلَا يَرَاهُ ابْنُ عُمَرَ، أَوْ لَعَلَّهُ تَرَكَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْرِيَّةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ، وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ الثَّلَاثَةُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي السَّفَرِ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إِيمَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ وَجْهَهُ عَلَى شَيْءٍ   357 - 355 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي السَّفَرِ وَهُوَ يُصَلِّي) التَّطَوُّعَ (عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إِيمَاءً) لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ وَجْهَهُ عَلَى شَيْءٍ) بَرْدَعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، زَادَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: " لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ لَمْ أَفْعَلْهُ " قَالَ الْمُهَلَّبُ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَخُصُّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 150) وَتُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 115) فِي النَّافِلَةِ. وَقَدْ أَخَذَ بِمَضْمُونِهَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، إِلَّا أَنَّ أَحْمَدَ وَأَبَا ثَوْرٍ اسْتَحَبَّا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِالتَّكْبِيرِ حَالَ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ رِكَابُهُ» " وَاخْتُلِفَ فِي السَّفَرِ الَّذِي لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ فِي كُلِّ سَفَرٍ، وَخَصَّهُ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ بِسَفَرِ الْقَصْرِ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي أَسْفَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ سَافَرَ سَفَرًا قَصِيرًا فَصَنَعَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الحديث: 357 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 [بَاب صَلَاةِ الضُّحَى] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَامَ الْفَتْحِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ»   8 - بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى 358 - 356 - (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ) الدِّيلِيِّ بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ مَوْلَاهُمْ أَبُو الحديث: 358 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 عُرْوَةَ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ، كَانَ مَالِكٌ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيَصِفُهُ بِالْفَضْلِ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. (عَنْ أَبِي مُرَّةَ) اسْمُهُ يَزِيدُ بِتَحْتِيَّةٍ وَزَايٍ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيُّ الثِّقَةُ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ (مَوْلَى عَقِيلِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ أَبِي طَالِبٍ) الصَّحَابِيِّ الشَّهِيرِ، وَيُقَالُ مَوْلَى أُخْتِهِ أُمِّ هَانِئٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: هُوَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ حَقِيقَةً وَنُسِبَ إِلَى وَلَاءَ عَقِيلٌ مَجَازًا بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ لِأَنَّهُ أَخُوهَا أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ مُلَازَمَةَ عَقِيلٍ. (أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ) بِكَسْرِ النُّونِ فَهَمْزَةٍ (بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ) الْهَاشِمِيَّةَ اسْمُهَا فَاخِتَةُ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ فَاطِمَةُ، وَقِيلَ هِنْدُ صَحَابِيَّةٌ لَهَا أَحَادِيثُ مَاتَتْ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ. « (أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَامَ الْفَتْحِ) بِمَكَّةَ (ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ الْيَاءِ مَفْعُولُ صَلَّى (مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) » وَذَلِكَ ضُحًى كَمَا فِي الْحَدِيثِ بَعْدَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ «ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَلِكَ ضُحًى»   359 - 357 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (أَنَّ أَبَا مُرَّةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَشَدِّ الرَّاءِ (مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، وَلِلْأُوَيْسِيِّ وَالْقَعْنَبِيِّ وَالتِّنِّيسِيِّ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ. « (أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ) لِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ (فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ) » جُمْلَتَانِ حَالِيَّتَانِ، وَفِيهِ سَتْرُ الْمَحَارِمِ عِنْدَ الِاغْتِسَالِ وَذَلِكَ مُبَاحٌ حَسَنٌ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي دَلِيلٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فَلَمْ أَرَ صَلَاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ» "، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الِاغْتِسَالَ وَقَعَ فِي بَيْتِهَا، قَالَ الْحَافِظُ: وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَتَرَهُ لَمَّا اغْتَسَلَ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ فَاطِمَةَ سَتَرَتْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَزَلَ فِي بَيْتِهَا بِأَعْلَى مَكَّةَ وَكَانَتْ هِيَ فِي بَيْتٍ آخَرَ بِمَكَّةَ فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْهُ يَغْتَسِلُ فَيَصِحُّ الْقَوْلَانِ، وَأَمَّا السَّتْرُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَحَدَهُمَا سَتْرَهُ فِي ابْتِدَاءِ الْغُسْلِ وَالْآخَرَ فِي أَثْنَائِهِ، (قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ) الحديث: 359 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 بَعْدَ رَدِّ السَّلَامِ وَلَمْ تَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ جَوَازُ السَّلَامِ عَلَى مَنْ يَغْتَسِلُ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ، (مَنْ هَذِهِ؟) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّتْرَ كَانَ كَثِيفًا وَعَلِمَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِيهِ الرِّجَالُ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ رَدَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُمَيِّزْ صَوْتَ أُمِّ هَانِئٍ مَعَ عِلْمِهِ بِهَا، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ لَا يَقُولُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُسْمَعُ يُمَيَّزُ صَوْتُهُ. (فَقُلْتُ: أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ) فِيهِ إِيضَاحُ الْجَوَابِ غَايَةَ التَّوْضِيحِ كَمَا فِي ذِكْرِ الْكُنْيَةِ وَالنَّسَبِ هُنَا، (فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ) بِبَاءِ الْجَرِّ وَفِي رِوَايَةٍ يَا أُمَّ هَانِئٍ بِيَاءِ النِّدَا وَالْأُولَى رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ كَمَا فِي الْمَشَارِقِ أَيْ لَقِيتُ رَحْبًا وَسِعَةً، وَفِيهِ كَرَمُ الْأَخْلَاقِ وَتَأْنِيسُ الْأَهْلِ. (فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ) بِضَمِّ الْغَيْنِ (قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ الْيَاءِ مَفْعُولُ فَصَلَّى حَالَ كَوْنِهِ (مُلْتَحِفًا) . أَيْ مُلْتَفًّا (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) زَادَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ: يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ لِصَلَاتِهَا مَوْصُولَةً سَوَاءٌ صَلَّى ثَمَانِيَةً أَوْ أَقَلَّ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَسَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ رَكْعَتَيْنِ وَرَأَتْ أُمُّ هَانِئٍ بَقِيَّةَ الثَّمَانِ وَهَذَا يُقَوِّي أَنَّهُ صَلَّاهَا مَفْصُولَةً، (ثُمَّ انْصَرَفَ) مِنْ صَلَاتِهِ (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ) أَيْ قَالَ أَوِ ادَّعَى (ابْنُ أُمِّ عَلِيٍّ) وَهِيَ شَقِيقَتُهُ أُمُّهَمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ لَكِنْ خُصَّتِ الْأُمُّ لِأَنَّهَا آكَدُ فِي الْقَرَابَةِ، وَلِأَنَّهَا بِصَدَدِ الشِّكَايَةِ فِي إِخْفَارِ ذِمَّتِهَا فَذَكَرَتْ مَا بَعَثَهَا عَلَى الشَّكْوَى حَيْثُ أُصِيبَتْ مِنْ مَحَلٍّ يَقْتَضِي أَنْ لَا تُصَابَ مِنْهُ لَمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّ الْأُخُوَّةَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَشَدُّ فِي الْحَنَانِ وَالرِّعَايَةِ مِنْ غَيْرِهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانُوا يُسَمُّونَ كُلَّ شَقِيقٍ بِابْنِ أُمٍّ دُونَ الْأَبِ لِيَدُلُّوا عَلَى قُرْبِ الْمَحَلِّ مِنَ النَّفْسِ إِذْ جَمَعَهُمْ بَطْنٌ وَاحِدٌ قَالَ هَارُونُ: {يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} [طه: 94] (سُورَةُ طه: الْآيَةُ 94) ، {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} [الأعراف: 150] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 150) وَهُمَا شَقِيقَانِ. (أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ) بِالرَّاءِ أَيْ أَمِنَتُهُ، وَفِيهِ إِطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى مَنْ عَزَمَ عَلَى التَّلَبُّسِ بِالْفِعْلِ وَفِي تَأْخِيرِهَا سُؤَالَ حَاجَتِهَا حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ جَمِيلُ أَدَبٍ وَحُسْنُ تَنَاوُلٍ. (فُلَانُ) بَدَلٌ مِنْ رَجُلًا أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ، وَبِالرَّفْعِ بِتَقْدِيرِ هُوَ فُلَانُ (ابْنُ هُبَيْرَةَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ابْنُ أَبِي وَهْبِ بْنُ عُمَرَ الْمَخْزُومِيُّ زَوْجُ أُمِّ هَانِئٍ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا مِنْهُمْ هَانِئٌ الَّذِي كُنِّيَتْ بِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي مُرَّةَ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُ حَمَوَيْنِ لِي، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شُرَيْحٍ وَغَيْرُهُ: هُمَا جَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ مَخْزُومٍ كَانَا فِيمَنْ قَاتَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَلَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 يَقْبَلَا الْأَمَانَ فَأَجَارَتْهُمَا أُمُّ هَانِئٍ فَكَانَا مِنْ أَحْمَائِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إِنْ كَانَ ابْنُ هُبَيْرَةَ مِنْهَا فَهُوَ جَعْدَةُ كَذَا قَالَ وَجَعْدَةُ فِيمَنْ لَهُ رَوِيَّةٌ وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ صُحْبَةٌ، وَذَكَرَهُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ فِي التَّابِعِينَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا، فَكَيْفَ يَتَهَيَّأُ لِمَنْ هَذَا سَبِيلُهُ فِي صِغَرِ السِّنِّ أَنْ يَكُونَ عَامَ الْفَتْحِ مُقَاتِلًا حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى الْأَمَانِ؟ ثُمَّ لَوْ كَانَ ابْنُ أُمِّ هَانِئٍ لَمْ يَهُمَّ عَلِيٌّ بِقَتْلِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ وَهَرَبَ زَوْجُهَا وَتَرَكَ وَلَدَهَا عِنْدَهَا، وَجَوَّزَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لِهُبَيْرَةَ مِنْ غَيْرِهَا مَعَ نَقْلِهِ أَنَّ أَهْلَ النَّسَبِ لَمْ يَذْكُرُوا لِهُبَيْرَةَ وَلَدًا مِنْ غَيْرِ أُمِّ هَانِئٍ، وَجَزَمَ ابْنُ هِشَامٍ فِي تَهْذِيبِ السِّيرَةِ بِأَنَّ اللَّذَيْنِ أَجَارَتْهُمَا أُمُّ هَانِئٍ هُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّانِ، وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ الْوَاقِدِيُّ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ هَذَا أَنَّهُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُمَا الْحَارِثُ وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ هُبَيْرَةَ هَرَبَ عِنْدَ فَتْحِ مَكَّةَ إِلَى نَجْرَانَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا مُشْرِكًا حَتَّى مَاتَ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، فَلَا يَصِحُّ ذِكْرُهُ فِيمَنْ أَجَارَتْهُ أُمُّ هَانِئٍ. وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ حَذْفًا كَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ فُلَانُ ابْنُ عَمِّ هُبَيْرَةَ فَسَقَطَ لَفْظُ عَمٍّ، أَوْ كَانَ فِيهِ فُلَانٌ قَرِيبُ هُبَيْرَةَ فَتَغَيَّرَ لَفْظُ قَرِيبٍ بِلَفْظِ ابْنِ، وَكُلٌّ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَزُهَيْرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ يَصِحُّ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّ هُبَيْرَةَ وَقَرِيبَهُ لِكَوْنِ الْجَمِيعِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ. « (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ) أَيْ أَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ (يَا أُمَّ هَانِئٍ) » قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ جَوَازُ أَمَانِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُقَاتِلُ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إِنْ أَجَازَهُ الْإِمَامُ جَازَ وَإِلَّا رَدَّ لِقَوْلِهِ: أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ. وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا بِإِسْعَافِهَا وَإِنْ كَانَتْ صَادَفَتْ حُكْمَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ خَرَّجَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ: " أَتَانِي يَوْمَ الْفَتْحِ حَمَوَانِ فَأَجَرْتُهُمَا فَأَتَى عَلِيٌّ يُرِيدُ قَتْلَهُمَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَمَّنْتُ حَمَوَيْنِ لِي وَإِنَّ ابْنَ أُمِّي عَلِيًا يُرِيدُ قَتْلَهُمَا، فَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ "، وَفِي رِوَايَةٍ: " لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ "، فَفِي قَوْلِهِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: " «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» " إِذْ مَعْنَى يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ يَجُوزُ تَأْمِينُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا اهـ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ تَأْمِينِ الْمَرْأَةِ إِلَّا ابْنَ الْمَاجِشُونِ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ سَحْنُونٍ أَيْضًا. (قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَلِكَ ضُحًى) أَيْ صَلَاةُ ضُحَى فَفِيهِ إِثْبَاتُ اسْتِحْبَابِ الضُّحَى، وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ عِيَاضٌ: لِأَنَّهَا إِنَّمَا أَخْبَرَتْ عَنْ وَقْتِ صَلَاتِهِ، قَالُوا: وَإِنَّمَا هِيَ سَنَةَ الْفَتْحِ وَقَدْ صَلَّاهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي بَعْضِ فُتُوحِهِ كَذَلِكَ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: هَذِهِ الصَّلَاةُ تُعْرَفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِصَلَاةِ الْفَتْحِ وَكَانَ الْأُمَرَاءُ يُصَلُّونَهَا إِذَا فَتَحُوا بَلَدًا، قَالَ ابْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 جَرِيرٍ: صَلَّاهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ حِينَ افْتَتَحَ الْمَدَايِنَ فِي إِيوَانِ كِسْرَى، قَالَ وَهِيَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَتُصَلَّى بِإِمَامٍ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَمِنْ سُنَنِهَا أَيْضًا أَنْ لَا يُجْهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا صِلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ قَضَاءً عَمَّا شَغَلَ عَنْهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ حِزْبِهِ، وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ صِحَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ كُرَيْبٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» " وَلِمُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُرَّةَ عَنْهَا: " «ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ لِسُبْحَةِ الضُّحَى» "، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: " «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ فَنَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ فَصَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: هَذِهِ صَلَاةُ الضُّحَى» " وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الضُّحَى ثَمَانُ رَكَعَاتٍ، وَاسْتَبْعَدَهُ السُّبْكِيُّ وَلَكِنْ وُجِّهَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِبَادَةِ التَّوْقِيفُ وَهَذَا أَكْثَرُ مَا وَرَدَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عِتْبَانَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ عُدَيٍّ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا» "، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى سِتَّ رَكَعَاتٍ» "، وَوَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ كَحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشَرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ» " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ وَضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ أُطْلِقُ عَلَيْهِ الضَّعْفُ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعًا كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ صَلَّى سِتًّا كُفِيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَمَنْ صَلَّى ثَمَانِيًا كُتِبَ مِنَ الْعَابِدِينَ، وَمَنْ صَلَّى ثِنْتَيْ عَشَرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَ هُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» " وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا. وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ ثُمَّ الْبَزَّارِ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا، لَكِنْ إِذَا ضُمَّا إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَوِيَ وَصَلُحَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ أَصَحَّ شَيْءٍ وَرَدَ فِي الْبَابِ حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَلَهُ طُرُقٌ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْهَاشِمِيِّ: سَأَلْتُ وَحَرَصْتُ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يُخْبِرُنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَ أُمِّ هَانِئٍ حَدَّثَتْنِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ هُوَ ابْنُ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبَدِ الْمُطَّلِبِ ذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَقْتَ سُؤَالِهِ فَقَالَ: سَأَلْتُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَالنَّاسُ مُتَوَافِرُونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّهَا وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ»   360 - 358 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ (عَنْ عَائِشَةَ الحديث: 360 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ» ) بِضَمِّ السِّينِ أَيْ نَافِلَتَهُ وَأَصْلُهَا التَّسْبِيحُ، وَخُصَّتِ النَّافِلَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ الَّذِي فِي الْفَرِيضَةِ نَافِلَةٌ، فَقِيلَ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ سُبْحَةٌ لِأَنَّهَا كَالتَّسْبِيحِ فِي الْفَرِيضَةِ، قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: كَانَ الزُّهْرِيُّ يُفْتِي بِحَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا وَيَقُولُ: إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِ الضُّحَى قَطُّ وَإِنَّمَا كَانَ أَصْحَابُهُ يُصَلُّونَهَا بِالْهَوَاجِرِ وَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ يُصَلُّونَهَا وَلَا يَعْرِفُونَهَا. (وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّهَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: كَذَا رِوَايَةُ يَحْيَى. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ: لَأُسَبِّحُهَا أَيْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ أَيْ أَتَنَفَّلُ بِهَا، قَالَ الْحَافِظُ: وَلِكُلٍّ وَجْهٌ، لَكِنَّ الثَّانِيَةَ تَقْتَضِي الْفِعْلَ بِخِلَافِ الْأُولَى فَلَا تَسْتَلْزِمُهُ، وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ أَشْيَاءُ مُخْتَلِفَةٌ رَوَاهَا مُسْلِمٌ، فَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ «قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ: لَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ» "، وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذَةَ عَنْهَا: «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ» " فَفِي الْأَوَّلِ نَفْيُ رُؤْيَتِهَا لِذَلِكَ مُطْلَقًا، وَفِي الثَّانِي تَقْيِيدُ النَّفْيِ بِغَيْرِ الْمَجِيءِ مِنْ مَغِيبِهِ، وَفِي الثَّالِثِ الْإِثْبَاتُ مُطْلَقًا، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَجَمَاعَةٌ إِلَى تَرْجِيحِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ عَنْهَا يَعْنِي حَدِيثَ مَالِكٍ هَذَا دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ وَقَالُوا: إِنَّ عَدَمَ رُؤْيَتِهَا لِذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْوُقُوعِ فَيُقَدِّمُ مَنْ رَوَى عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْإِثْبَاتَ انْتَهَى. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُنْكَرٌ غَيْرُ صَحِيحٍ مَرْدُودٌّ بِحَدِيثِ الْبَابِ مَعْنَاهُ كَصِحَّةِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ تَضْعِيفَهُ الْحَقِيقِيُّ فَسَقَطَ تَعَجُّبُ السُّيُوطِيُّ مِنْهُ وَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ مَا فِي مُسْلِمٍ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى الْجَمْعِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا مَا رَأَيْتُهُ يُسَبِّحُهَا أَيْ يُدَاوِمُ عَلَيْهَا، وَقَوْلِهَا: وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا أَيْ أُدَاوِمُ عَلَيْهَا، وَكَذَا قَوْلُهَا: وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ شَيْئًا يَعْنِي الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهَا، قَالَ: وَفِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى ذَلِكَ قَالَ: (وَإِنْ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مُخَفَّفَةٍ مِنَ الثَّقِيلَةِ أَيْ وَإِنَّهُ « (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ يَتْرُكُ (الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ) بِالنَّصْبِ أَيْ لِأَجْلِ خَشْيَةِ (أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ) » بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى يَعْمَلُ وَلَيْسَ مُرَادُهَا تَرْكُهُ أَصْلًا وَقَدْ فَرَضَ عَلَيْهِ أَوْ نَدَبَهُ، بَلْ تَرَكَ أَمْرَهُمْ أَنْ يَعْمَلُوهُ مَعَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ لَمَّا اجْتَمَعُوا فِي رَمَضَانَ لِلتَّهَجُّدِ مَعَهُ لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَّبَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَجَمَعَ ابْنُ حِبَّانَ بَيْنَ قَوْلِهَا: مَا كَانَ يُصَلِّي إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ، وَقَوْلِهَا: كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ بِأَنَّ الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى صَلَاتِهِ إِيَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالثَّانِي عَلَى الْبَيْتِ، وَيُعَكِّرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 عَلَيْهِ حَدِيثَ الْبَابِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ صِفَةٌ مَخْصُوصَةٌ. وَقَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: قَوْلُهَا: مَا صَلَّاهَا مَعْنَاهُ مَا رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهَا، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهَا كَانَ يُصَلِّيهَا أَنَّهَا أَخْبَرَتْ فِي الْإِنْكَارِ عَنْ مُشَاهَدَتِهَا وَفِي الْإِثْبَاتِ عَنْ غَيْرِهَا، وَجُمِعَ أَيْضًا بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا نَفَتْ صَلَاةَ الضُّحَى الْمَعْهُودَةِ حِينَئِذٍ مِنْ هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يُصَلِّيهَا إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ لَا بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ كَمَا قَالَتْ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ، هَذَا وَحَدِيثُ عَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى كَانَتْ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَعَدَّهَا جَمَاعَةٌ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ. وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ: إِنَّهُ وَاظَبَ عَلَيْهَا بَعْدَ يَوْمِ الْفَتْحِ إِلَى أَنْ مَاتَ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا فِي مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّ نَفْيَ أُمِّ هَانِئٍ يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَدَمُ. لِأَنَّا نَقُولُ: يَحْتَاجُ مَنْ أَثْبَتَهُ إِلَى دَلِيلٍ وَلَوْ وَجَدَ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِأَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ أَنَّهُ كَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، فَلَا تَسْتَلْزِمُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى هَذَا الْوُجُوبِ انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ تَقُولُ لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَايَ مَا تَرَكْتُهُنَّ   361 - 359 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ) بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ (رَكَعَاتٍ ثُمَّ تَقُولُ لَوْ نُشِرَ) بِضَمِّ النُّونِ أُحْيِيَ (لِي أَبَوَايَ) أَبُو بَكْرٍ وَأُمُّ رُومَانَ (مَا تَرَكَتْهُنَّ) أَيِ الثَّمَانِ رَكَعَاتٍ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِخَبَرٍ مَنْقُولٍ عَنِ النَّبِيِّ كَخَبَرِ أُمِّ هَانِئٍ وَلِذَا اقْتَصَرَتْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ الَّذِي كَانَ يُمْكِنُهَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَلَيْسَتْ صَلَاةُ الضُّحَى مِنَ الصَّلَوَاتِ الْمَحْصُورَةِ بِالْعَدَدِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا وَلَكِنَّهَا مِنَ الرَّغَايِبِ الَّتِي يَفْعَلُ الْإِنْسَانُ مِنْهَا مَا أَمْكَنَهُ انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ أَكْثَرَهَا ثَمَانٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مَا وَرَدَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا اخْتِيَارٌ لَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْهُمُ ابْنُ جَرِيرٍ وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ الْحَلِيمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَصَوَّبَهُ السُّيُوطِيُّ قَائِلًا: فَلَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى حَصْرِهَا فِي عَدَدٍ مَخْصُوصٍ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ كَمْ أُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: كَمَا شِئْتَ. وَأُخْرِجَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ الضُّحَى؟ قَالَ: نَعَمْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُدُّ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الحديث: 361 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 الْخُدْرِيَّ قَالَ: مِنْ أَشَدِّ الصَّحَابَةِ تَوَخِّيًا لِلْعِبَادَةِ وَكَانَ يُصَلِّي عَامَّةَ الضُّحَى. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى مِائَةَ رَكْعَةٍ. وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: لَمْ أَرَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُ حَصَرَهَا فِي اثْنَتَيْ عَشَرَةَ رَكْعَةً وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ فَقَطْ فَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ انْتَهَى. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: أَفْضَلُهَا ثَمَانٌ وَأَكْثَرُهَا عَشَرَةُ رَكَعَاتٍ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَكْثَرِ وَالْأَفْضَلِ، وَلَا يَتَصَوَّرُ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَنْ صَلَّى الِاثْنَتَيْ عَشَرَةَ رَكْعَةً بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَمَّا مَنْ فَصَلَ فَيَكُونُ مَا زَادَ عَلَى ثَمَانٍ نَفْلًا مُطْلَقًا فَيَكُونُ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ مِنْ ثَمَانٍ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَفْضَلِ وَزَادَ، ثُمَّ قَالَ: وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ أَفْضَلَهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ كَحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ ثُمَّ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: «ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ» . وَوَرَدَ بِنَحْوِهِ عَنْ سِتٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَمَرَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ ثُمَّ مُسْلِمٍ وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَفَعَهُ: " «مَنْ صَلَّى الضُّحَى أَرْبَعًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» ". وَلِلْحَاكِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: " أَتَدْرُونَ قَوْلَهُ: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37] ؟ قَالَ: وَفَّى عَمَلَ يَوْمِهِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتِ الضُّحَى " وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: " «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُصَلِّيَ الضُّحَى بِسُوَرٍ مِنْهَا: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالضُّحَى» " وَمُنَاسِبَةُ ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ جِدًّا انْتَهَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 [بَاب جَامِعِ سُبْحَةِ الضُّحَى] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ»   9 - بَابُ جَامِعِ سُبْحَةِ الضُّحَى 362 - 360 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) الصَّحَابِيِّ الشَّهِيرِ (أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الصَّوَابِ، وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ عَنِ الْأَصِيلِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَهَذَا غَرِيبٌ مَرْدُودٌ قَالَهُ النَّوَوِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ: ضَمِيرُ جَدَّتِهِ يَعُودُ عَلَى إِسْحَاقَ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَعِيَاضٌ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَجَزَمَ ابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ مَنْدَهْ وَابْنُ الْحَصَّارِ بِأَنَّهَا جَدَّةُ أَنَسٍ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَكَلَامِ عَبْدِ الْغَنِيِّ فِي الْعُمْدَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَيْنَاهُ فِي فَوَائِدِ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَبِي الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى الَمُقَدَّمِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ «عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " أَرْسَلَتْنِي جَدَّتِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُهَا الحديث: 362 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 مُلَيْكَةُ فَجَاءَنَا فَحَضَرَتِ الصَّلَاةَ» " الْحَدِيثَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ فَسَاقَ نَسَبَهُمَا إِلَى عُدَيِّ بْنِ النَّجَّارِ، قَالَ: وَهِيَ الْغُمَيْصَا وَيُقَالُ الرُّمَيْصَا وَيُقَالُ اسْمُهَا سَهْلَةُ وَيُقَالُ أُنَيْفَةُ أَيْ بِنُونٍ وَفَاءٍ مُصَغَّرَةٍ وَيُقَالُ رُمَيْثَةُ وَأُمُّهَا مُلَيْكَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ عُدَيٍّ فَسَاقَ نَسَبَهَا إِلَى مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، ثُمَّ قَالَ: تَزَوَّجَ أُمَّ سُلَيْمٍ مَالِكُ بْنُ النَّضْرِ فَوَلَدَتْ لَهُ أَنَسًا وَالْبَرَاءَ ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ وَأَبَا عُمَيْرٍ انْتَهَى. وَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ وَالِدُ إِسْحَاقَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ لِأُمِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ مَنْ أَعَادَ ضَمِيرَ جَدَّتِهِ إِلَى إِسْحَاقَ أَنْ يَكُونَ اسْمَ أُمِّ سُلَيْمٍ مُلَيْكَةَ، وَمُسْتَنَدُهُمْ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صُفِفْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا، هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ طَوَّلَهَا مَالِكٌ وَاخْتَصَرَهَا سُفْيَانُ وَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُهَا فَلَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ وَكَوْنُ مُلَيْكَةَ جَدَّةَ أَنَسٍ لَا يَنْفِي كَوْنَهَا جَدَّةَ إِسْحَاقَ لِمَا بَيَّنَّاهُ، لَكِنَّ رِوَايَةَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ بِلَفْظِ: " صَنَعَتْ مُلَيْكَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَنَا مَعَهُ " ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ مُلَيْكَةَ اسْمُ أُمِّ سُلَيْمٍ نَفْسِهَا. وَقَالَ فِي الْإِصَابَةِ: قَوَّى ابْنُ الْأَثِيرِ قَوْلَ مَنْ أَعَادَ ضَمِيرَ جَدَّتِهِ إِلَى إِسْحَاقَ بِأَنَّ أَنَسًا لَمْ يَكُنْ فِي جَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَلَا أُمِّهِ مَنْ تُسَمَّى مُلَيْكَةَ، قُلْتُ: وَهَذَا نَفْيٌ مَرْدُودٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْعَدَوِّيُّ فِي نَسَبِ الْأَنْصَارِ أَنَّ اسْمَ وَالِدَةِ أُمِّ سُلَيْمٍ مُلَيْكَةُ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ ضَمِيرَ جَدَّتِهِ لِأَنَسٍ وَهِيَ أُمُّ أُمِّهِ، وَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ الضَّمِيرَ لِإِسْحَاقَ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ اسْمَ أُمِّ سُلَيْمٍ مُلَيْكَةُ انْتَهَى. (دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ) أَيْ لِأَجْلِهِ زَادَ التِّنِّيسِيُّ صَنَعَتْهُ (فَأَكَلَ مِنْهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: زَادَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ مَالِكٍ: " «وَأَكَلْتُ مَعَهُ ثُمَّ دَعَا بِوُضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: قُمْ فَتَوَضَّأْ وَمُرِ الْعَجُوزَ فَلْتَتَوَضَّأْ وَمُرْ هَذَا الْيَتِيمَ فَلْيَتَوَضَّأْ» " انْتَهَى. يَعْنِي فَلَا دَلِيلَ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِهَا، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَجْهُهُ أَنَّ اللَّامَ عِنْدَ فَتْحِ الْيَاءِ لَامُ كَيْ وَالْفِعْلُ بَعْدَهَا مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ وَاللَّامُ وَمَصْحُوبُهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ فَقِيَامُكُمْ لِأُصَلِّيَ، وَيَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ أَنَّ الْفَاءَ زَائِدَةٌ وَاللَّامَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقُومُوا، وَعَلَى رِوَايَةِ سُكُونِ الْيَاءِ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَامُ كَيْ أَيْضًا وَسَكَنَتِ الْيَاءُ تَخْفِيفًا أَوْ لَامُ الْأَمْرِ وَثَبَتَتِ الْيَاءُ فِي الْجَزْمِ إِجْرَاءً لِلْمُعْتَلِّ مَجْرَى الصَّحِيحِ كَقِرَاءَةِ قُنْبُلٍ: (مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرُ) وَرُوِيَ بِحَذْفِ الْيَاءِ فَاللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ وَأَمْرُ الْمُتَكَلِّمِ نَفْسَهُ بِفِعْلٍ مَقْرُونٍ بِاللَّامِ فَصِيحٌ قَلِيلٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12] (سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: الْآيَةُ 12) ، وَحَكَى ابْنُ قُرْقُولٍ عَنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَلِنُصَلِّ بِالنُّونِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَالْجَزْمُ وَاللَّامُ عَلَى هَذَا لَامُ الْأَمْرِ وَكَسْرُهَا لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَقِيلَ: إِنَّ فِي رِوَايَةٍ فَأُصَلِّ بِحَذْفِ اللَّامِ وَأُخْرَى فَلَأُصَلِّيَ بِفَتْحِ اللَّامِ مَعَ سُكُونِ الْيَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَامُ ابْتِدَاءٍ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لَامُ أَمْرٍ فُتِحَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 عَلَى لُغَةِ بَنِي سَلِيمٍ وَثَبَتَتِ الْيَاءُ فِي الْجَزْمِ إِجْرَاءٌ لِلْمُعْتَلِّ مَجْرَى الصَّحِيحِ أَوْ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ وَالْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ أَيْ إِنْ قُمْتُمْ فَوَاللَّهِ لَأُصَلِّيَ لَكُمْ، قَالَ ابْنُ السَّيِّدِ: وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْقَسَمِ إِذْ لَوْ أُرِيدَ الْقَسَمُ لَقَالَ لَأُصَلِّيَنَّ بِالنُّونِ، وَأَنْكَرَ الْحَافِظُ وُرُودَ الرِّوَايَةِ بِهَذَا وَبِمَا قَبْلَهُ. (لَكُمْ) أَيْ لِأَجْلِكُمْ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: الْأَمْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْخَبَرِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: 75] (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ 75) وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَمْرٌ لَهُمْ بِالِائْتِمَامِ لَكِنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ لِارْتِبَاطِ فِعْلِهِ بِفِعْلِهِمُ انْتَهَى. وَبَدَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِالطَّعَامِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَفِي قِصَّةِ عِتْبَانَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ بَدَأَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَصْلِ مَا دُعِيَ لِأَجْلِهِ (قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيِ اسْتُعْمِلَ وَلَبِسَ كُلَّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَفِيهِ أَنَّ الِافْتِرَاشَ يُسَمَّى لُبْسًا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ لِبْسِهِ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حَرِيرًا لَا يَحْنَثُ بِافْتِرَاشِهِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا الْعُرْفُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ إِنَّ مَن حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَلَا بِسَاطَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِافْتِرَاشِهِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لُبْسًا. (فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ) لِيَلِينَ لَا لِنَجَاسَةٍ قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي، وَقَالَ غَيْرُهُ: النَّضْحُ طَهُورٌ لِمَا شُكَّ فِيهِ لِتَطِيبَ النَّفْسُ كَمَا قَالَ: اغْسِلْ مَا رَأَيْتَ وَانَضَحْ مَا لَمْ تَرَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: ثَوْبُ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تَتَيَقَّنَ النَّجَاسَةُ فَالنَّضْحُ الَّذِي هُوَ الرَّشُّ لِقَطْعِ الْوَسْوَسَةِ فِيمَا شَكَّ فِيهِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا نَضَحَهُ لِمَا خَافَ أَنْ يَنَالَهُ مِنَ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَهُ وَمَعَهُمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ. وَقَالَ الْحَافِظُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ النَّضْحَ لِتَلْيِينِ الْحَصِيرِ أَوْ لِتَطْهِيرِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْجَزْمُ بِالْأَخِيرِ بَلِ الْمُتَبَادِرُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ. (فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَفِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ، وَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ «عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ: " أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَجَعَلَنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 8] (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ 75) فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لِيُصَلِّيَ عَلَى الْحَصِيرِ» ، فَفِيهِ يَزِيدُ بْنُ الْمِقْدَامِ ضَعِيفٌ، وَهَذَا الْخَبَرُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ لِمُعَارَضَتِهِ لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَحَدِيثِ الْبَابِ، وَلِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ» "، وَفِي مُسْلِمٍ «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حَصِيرٍ» ". (وَصُفِفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ وَبِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مَعَهُ أَيْ مَعَ الْيَتِيمِ (وَرَاءَهُ) أَيْ خَلْفَهُ وَهُوَ ضُمَيْرَةَ بْنُ أَبِي ضُمَيْرَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا سَمَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ، وَجَزَمَ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّ اسْمَ أَبِي ضُمَيْرَةَ سَعْدُ الْحِمْيَرِيُّ وَيُقَالُ: سَعِيدٌ وَنَسَبَهُ ابْنُ حِبَّانَ لَيْثِيًّا، وَقِيلَ اسْمُهُ رَوْحٌ وَوَهِمَ مَنْ قَالَ اسْمَ الْيَتِيمِ رَوْحٌ كَأَنَّهُ انْتَقَلَ ذِهْنُهُ مِنَ الْخِلَافِ فِي اسْمِ أَبِيهِ إِلَيْهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 وَكَذَا وَهِمَ مَنْ قَالَ اسْمُهُ سُلَيْمٌ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْفَتْحِ. (وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا) هِيَ مُلَيْكَةُ الْمَذْكُورَةُ أَوَّلًا جَزَمَ بِهِ الْحَافِظُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هِيَ أُمُّ أَنَسٍ أُمُّ سُلَيْمٍ انْتَهَى وَالْمُتَبَادِرُ الْأَوَّلُ. لَطِيفَةٌ: رَوَى السَّلَفِيُّ فِي الطِّيُورِيَّاتِ بِسَنَدِهِ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ زَوْجَ أُمِّ أَنَسٍ قَامَ إِلَيْهَا مَرَّةً يَضْرِبُهَا فَقَامَ أَنَسٌ لِيُخَلِّصَهَا، وَقَالَ لَهُ: خَلِّ عَنِ الْعَجُوزِ، فَقَالَتْ لَهُ: أَتَقُولُ الْعَجُوزَ؟ عَجَّزَ اللَّهُ رَكْبَكَ. (فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ) أَيْ إِلَى بَيْتِهِ أَوْ مِنَ الصَّلَاةِ، وَاعْتَرَضَ إِدْخَالُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي سُبْحَةِ الضُّحَى وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ أَنَسٌ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي دَارِ الْأَنْصَارِيِّ الضَّخْمِ الَّذِي دَعَاهُ لِيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ لِيَتَّخِذَ مَكَانَهُ مُصَلًّى، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَجَابَ الْبَاجِيُّ بِأَنَّ مَالِكًا لَعَلَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ حَدِيثَ مُلَيْكَةَ كَانَ ضُحًى، وَاعْتَقَدَ أَنَسٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّسْلِيمُ لَا الْوَقْتُ فَلَمْ يَعْتَقِدْهَا صَلَاةَ ضُحَى. وَأَجَابَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ بِأَنَّ مَالِكًا نَظَرَ إِلَى كَوْنِ الْوَقْتِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ هُوَ وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ أَنَسًا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوَى بِتِلْكَ الصَّلَاةِ صَلَاةَ الضُّحَى انْتَهَى. وَالْجَوَابَانِ مُتَقَارِبَانِ لَكِنَّ مَلْحَظَهُمَا مُخْتَلِفٌ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْسًا وَلَوْ كَانَ الدَّاعِي امْرَأَةً لَكِنْ حَيْثُ تُؤْمَنُ الْفِتْنَةُ وَالْأَكْلُ مِنْ طَعَامِ الدَّعْوَةِ وَصَلَاةُ النَّافِلَةِ جَمَاعَةٌ فِي الْبُيُوتِ، وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ تَعْلِيمَهُمْ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ بِالْمُشَاهَدَةِ لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهَا بَعْضُ التَّفَاصِيلِ لِبُعْدِ مَوْقِفِهَا، وَفِيهِ تَنْظِيفُ مَكَانِ الْمُصَلِّي، وَقِيَامُ الرَّجُلِ مَعَ الصَّبِيِّ صَفًّا، وَتَأْخِيرُ النِّسَاءِ عَنْ صُفُوفِ الرِّجَالِ، وَقِيَامُ الْمَرْأَةِ صَفًّا وَحْدَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا امْرَأَةٌ غَيْرُهَا، وَجَوَازُ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ سُنَّةَ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُومَ خَلْفَ الرِّجَالِ وَلَيْسَ لَهَا الْقِيَامُ مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ، وَفِي الِاقْتِصَارِ فِي نَافِلَةِ النَّهَارِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ خِلَافًا لِمَنِ اشْتَرَطَ أَرْبَعًا، وَصِحَّةُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَأَنَّ مَحَلَّ الْفَضْلِ الْوَارِدِ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ مُنْفَرِدًا حَيْثُ لَا يَكُونُ هُنَاكَ مَصْلَحَةٌ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ إِذْ ذَاكَ أَفْضَلُ وَلَا سِيَّمَا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْهَاجِرَةِ فَوَجَدْتُهُ يُسَبِّحُ فَقُمْتُ وَرَاءَهُ فَقَرَّبَنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَمَّا جَاءَ يَرْفَا تَأَخَّرْتُ فَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ   363 - 361 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيِّ ابْنِ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَاتَ بَعْدَ السَبْعِينَ. (أَنَّهُ قَالَ: الحديث: 363 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) فِي مَوْضِعٍ لَا يُسْتَأْذَنُ فِيهِ أَوْ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِعِلْمِ السَّامِعِ (بِالْهَاجِرَةِ) وَقْتَ الْحَرِّ (فَوَجَدْتُهُ يُسَبِّحُ فَقُمْتُ وَرَاءَهُ فَقَرَّبَنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الذَّالِ وَالْمَدِّ أَيْ بِمُقَابَلَتِهِ صَادِرًا (عَنْ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ مَقَامُ الْوَاحِدِ (فَلَمَّا جَاءَ يَرْفَأُ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَهَمْزٍ وَإِبْدَالِهِ حَاجِبُ عُمَرَ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَحَجَّ مَعَ عُمَرَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ مُنَازَعَةِ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ فِي صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (تَأَخَّرْتُ فَصَفَفْنَا) أَيْ فَوَقَفْنَا (وَرَاءَهُ) أَيْ خَلْفَ عُمَرَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: رَأَى مَالِكٌ حُكْمَ الْهَاجِرَةِ حُكْمَ صَلَاةِ الضُّحَى وَالْهَاجِرَةُ وَقْتُ الْحَرِّ، وَقَدْ رَأَى زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى فَقَالَ: أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ هَذَا الْوَقْتَ أَفْضَلُ، «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» "، وَفِيهِ جَوَازُ الْإِمَامَةِ فِي النَّافِلَةِ. قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ تَفْعَلَ فِي الْخَاصَّةِ وَالنَّفَرِ الْقَلِيلِ نَحْوَ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا مَشْهُورًا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي غَيْرِ نَافِلَةِ رَمَضَانَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى وَكَانَ ابْنُهُ يُنْكِرُهَا وَيَقُولُ: لِلضُّحَى صَلَاةٌ، وَكَذَا كَانَ لَا يَقْنَتُ وَلَا يَعْرِفُ الْقُنُوتَ، وَرَوَى الْقُنُوتَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ مِنْ وُجُوهٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَتَدْنُو لِلْغُرُوبِ، وَكَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَيْهَا بِالدِّرَّةِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ مِنِ اخْتِلَافِهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 [بَاب التَّشْدِيدِ فِي أَنْ يَمُرَّ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ»   10 - بَابُ التَّشْدِيدِ فِي أَنْ يَمُرَّ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي 364 - 362 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ وَمِائَةٍ وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً. (عَنْ أَبِيهِ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ، وَعَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي) زَادَ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ (فَلَا يَدَعْ) يَتْرُكُ (أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ الحديث: 364 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 يَدَيْهِ) وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي يَقْطَعُ نِصْفَ صَلَاتِهِ. (وَلْيَدْرَأْهُ) وَلِلْبُخَارِيِّ: يَدْفَعُهُ، وَلِمُسْلِمٍ: لِيَدْفَعَ فِي نَحْرِهِ (مَا اسْتَطَاعَ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ بِالْإِشَارَةِ وَلَطِيفِ الْمَنْعِ. (فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ) بِكَسْرِ اللَّامِ الْجَازِمَةِ وَسُكُونِهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ يَزِيدُ فِي دَفْعِهِ الثَّانِي أَشَدَّ مِنَ الْأَوَّلِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ لِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ لِقَاعِدَةِ الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا وَالْخُشُوعِ فِيهَا، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَحْسَبُهُ خَرَجَ عَلَى التَّغْلِيظِ فَإِنْ دَافَعَهُ مُدَافَعَةً لَا يَقْصِدُ بِهَا قَتْلَهُ فَمَاتَ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَقِيلَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقِيلَ هَدَرٌ وَلَا قَوْدَ لِأَنَّ أَصْلَهُ مُبَاحٌ اهـ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لَهُ قِتَالَهُ حَقِيقَةً، وَاسْتَبْعَدَهُ فِي الْقَبَسِ وَقَالَ: الْمُرَادُ بِالْمُقَاتَلَةِ الْمُدَافَعَةُ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فَلْيَلْعَنْهُ كَمَا قَالَ: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10] (سُورَةُ الذَّرِيَاتِ: الْآيَةُ 10) ، وَقَالَ تَعَالَى: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 30) قِيلَ مَعْنَاهُ لَعَنَهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ يُؤَاخِذُهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِ وَيُؤَنِّبُهُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَلْيَدْفَعْهُ دَفْعًا أَشَدَّ مِنَ الدَّرْءِ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ مُقَاتَلَةً مُبَالَغَةً لِلْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَهُ مُقَاتَلَةً تُفْسِدُ صَلَاتَهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اللَّعْنَ يَسْتَلْزِمُ التَّكَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُبْطِلٌ بِخِلَافِ الْفِعْلِ الْيَسِيرِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ يَلْعَنُهُ دَاعِيًا لَا مُخَاطِبًا، لَكِنَّ فِعْلَ الصَّحَابِيِّ يُخَالِفُهُ وَهُوَ أَدْرَى بِالْمُرَادِ، فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ فَأَرَادَ شَابٌّ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ فَعَادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنَ الْأُولَى، وَقَدْ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِلَفْظِ: فَإِنْ أَبَى فَلْيَجْعَلْ يَدَهُ فِي صَدْرِهِ وَلْيَدْفَعْهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الدَّفْعِ بِالْيَدِ. وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَشْيُ مِنْ مَكَانِهِ لِيَدْفَعْهُ، وَلَا الْعَمَلُ الْكَثِيرُ فِي مُدَافَعَتِهِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْمُرُورِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَرَّ وَلَمْ يَدْفَعْهُ فَلَا يَرُدُّهُ لِأَنَّ فِيهِ إِعَادَةً لِلْمُرُورِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِوُجُوبِ هَذَا الدَّفْعِ بَلْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ وَصَرَّحَ أَهْلُ الظَّاهِرِ بِوُجُوبِهِ وَكَأَنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يُرَاجِعْ كَلَامَهُمْ أَوْ لَمْ يَعْتَدْ بِخِلَافِهِمْ. (فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) أَيْ فِعْلُهُ فِعْلُ الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ أَبَى إِلَّا التَّشْوِيشَ عَلَى الْمُصَلِّي، أَوِ الْمُرَادُ شَيْطَانٌ مِنَ الْإِنْسِ، وَإِطْلَاقُ الشَّيْطَانِ عَلَى الْمَارِّ مِنَ الْإِنْسِ شَائِعٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: 112] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 112) ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ إِطْلَاقُ لَفْظِ شَيْطَانٍ عَلَى مَنْ يَفْتِنُ فِي الدِّينِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَسْمَاءِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَصِيرَ الْإِشَارَةُ شَيْطَانًا بِمُجَرَّدِ مُرُورِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ شَيْطَانٍ يُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى الْجِنِّيِّ وَمَجَازًا عَلَى الْإِنْسِيِّ وَفِيهِ بَحْثٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى فَإِنَّمَا الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ شَيْطَانٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: فَإِنَّ مَعَهُ الشَّيْطَانُ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ، وَاسْتَنْبَطَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: فَلْيُقَاتِلْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 الْمُدَافِعَةُ لَا حَقِيقَةَ الْقِتَالِ لِأَنَّ مُقَاتَلَةَ الشَّيْطَانِ إِنَّمَا هِيَ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالتَّسْمِيَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَإِنَّمَا جَازَ الْفِعْلُ الْيَسِيرُ فِي الصَّلَاةِ لِلضَّرُورَةِ، فَلَوْ قَاتَلَهُ حَقِيقَةَ الْمُقَاتَلَةِ لَكَانَ أَشَدَّ عَلَى صَلَاتِهِ مِنَ الْمَارِّ، قَالَ: وَهَلِ الْمُقَاتَلَةُ لِخَلَلٍ يَقَعُ فِي صَلَاةِ الْمُصَلِّي مِنَ الْمُرُورِ أَوْ لِدَفْعِ الْإِثْمِ عَنِ الْمَارِّ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلِ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ إِقْبَالَ الْمُصَلِّي عَلَى صَلَاتِهِ أَوْلَى لَهُ مِنَ اشْتِغَالِهِ بِدَفْعِ الْإِثْمِ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي يَقْطَعُ نِصْفَ صَلَاتِهِ. وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عُمَرَ: لَوْ يَعْلَمُ الْمُصَلِّي مَا يَنْقُصُ مِنْ صَلَاتِهِ بِالْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا صَلَّى إِلَّا إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ. فَمُقْتَضَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ الدَّفْعَ لِخَلَلٍ يَتَعَلَّقُ بِصَلَاةِ الْمُصَلِّي لَا بِالْمَارِّ، وَهُمَا وَإِنْ كَانَا مَوْقُوفَيْنِ لَفْظًا فَلَهُمَا حُكْمُ الرَّفْعِ، لِأَنَّ مِثْلَهُمَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَفِيهِ قِصَّةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» قَالَ أَبُو النَّضْرِ لَا أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً   365 - 363 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنَيْنِ (عَنْ بُسْرِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ (ابْنِ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ الْأَنْصَارِيَّ الصَّحَابِيَّ (أَرْسَلَهُ) أَيْ بُسْرٌ (إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ ابْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ، قِيلَ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ، وَقِيلَ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ، وَقِيلَ: هُوَ آخَرُ غَيْرُهُ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ بَقِيَ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ. (يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي) أَيْ أَمَامَهُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ، قَالَ الْحَافِظُ: هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُوَطَّأِ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ فِيهِ أَنَّ الْمُرْسِلَ هُوَ زَيْدٌ وَأَنَّ الْمُرْسَلَ إِلَيْهِ هُوَ أَبُو جُهَيْمٍ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي النَّضْرَةِ ثُمَّ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا، وَخَالَفَهُمَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ فَقَالَ عَنْ بُسْرٍ: أَرْسَلَنِي أَبُو جُهَيْمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَسْأَلُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَقْلُوبًا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سُئِلَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَقَالَ: هُوَ خَطَأٌ إِنَّمَا هُوَ أَرْسَلَنِي زَيْدٌ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَطَّانِ فَقَالَ: لَيْسَ خَطَأُ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِيهِ بِمُتَعَيَّنٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو جُهَيْمٍ بَعَثَ بُسْرًا إِلَى زَيْدٍ وَبَعَثَهُ زِيدٌ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْتَثَبَّتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا عِنْدَ الْآخَرِ، قُلْتُ: تَعْلِيلُ الْأَئِمَّةِ لِلْأَحَادِيثِ مَبْنِيٌّ الحديث: 365 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، فَإِذَا قَالُوا: أَخْطَأَ فُلَانٌ فِي كَذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ خَطَؤُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ وَهُوَ رَاجِحٌ فَيُعْتَمَدُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا اشْتَرَطُوا انْتِفَاءَ الشَّاذِّ وَهُوَ مَا يُخَالِفُ الثِّقَةُ فِيهِ مَنْ هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ فِي حَدِّ الصَّحِيحِ. (فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي» ) أَيْ أَمَامَهُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَعَبَّرَ بِالْيَدَيْنِ لِكَوْنِ أَكْثَرِ الشُّغْلِ بِهِمَا، وَفِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ بِمَا إِذَا مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِقْدَارِ سُجُودِهِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أَوْ قَدْرِ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ أَقْوَالٌ، وَلِأَبِي الْعَبَّاسِ السَّرَّاجِ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَالْمُصَلَّى فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا إِذَا قَصَّرَ الْمُصَلِّي فِي دَفْعِ الْمَارِّ أَوْ صَلَّى فِي الشَّارِعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْمُصَلَّى بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مِنْ دَاخِلِ سُتْرَتِهِ وَهَذَا أَظْهَرُ، (مَاذَا عَلَيْهِ) زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنَ الْإِثْمِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ غَيْرِهِ وَالْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ بِدُونِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَكَذَا رَوَاهُ بَاقِي السِّتَّةِ وَأَصْحَابُ الْمَسَانِيدِ وَالْمُسْتَخْرَجَاتِ بِدُونِهَا وَلَمْ أَرَهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ مُطْلَقًا، لَكِنْ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ يَعْنِي مِنَ الْإِثْمِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ ذُكِرَتْ حَاشِيَةً فَظَنَّهَا الْكُشْمِيهَنِيُّ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا مِنَ الْحُفَّاظِ، وَقَدْ عَزَاهَا الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْأَحْكَامِ لِلْبُخَارِيِّ وَأَطْلَقَ فَعِيبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِ الْعُمْدَةِ فِي إِيهَامِهِ أَنَّهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ انْتَهَى. وَجُمْلَةُ مَاذَا عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ سَادَّةٌ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ يَعْلَمُ، وَجَوَابُ لَوْ قَوْلُهُ: (لَكَانَ أَنْ يَقِفَ) أَيْ وُقُوفُهُ (أَرْبَعِينَ خَيْرًا) بِالنَّصْبِ خَبَرَ كَانَ، وَفِي رِوَايَةٍ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ عَدَا وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِالنَّكِرَةِ كَوْنُهَا مَوْصُوفَةً، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ اسْمَهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَالْجُمْلَةَ خَبَرُهَا (لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) حَتَّى لَا يَلْحَقُهُ ذَلِكَ الْإِثْمُ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: جَوَابُ لَوْ لَيْسَ هُوَ الْمَذْكُورُ بَلِ التَّقْدِيرُ لَوْ يَعْلَمُ مَا عَلَيْهِ لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ، وَلَوْ وَقَفَ أَرْبَعِينَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَأَبْهَمَ الْمَعْدُودَ تَفْخِيمًا لِلْأَمْرِ وَتَعْظِيمًا، قَالَ الْحَافِظُ: ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّهُ عَيَّنَ الْمَعْدُودَ لَكِنْ شَكَّ الرَّاوِي فِيهِ، ثُمَّ أَبْدَى الْكِرْمَانِيُّ لِتَخْصِيصِ الْأَرْبَعِينَ بِالذِّكْرِ حِكْمَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: كَوْنُ الْأَرْبَعَةِ أَصْلَ جَمِيعِ الْأَعْدَادِ فَلَمَّا أُرِيدَ التَّكْثِيرُ ضُرِبَتْ فِي عَشَرَةٍ. ثَانِيهُمَا: كَوْنُ كَمَالِ أَطْوَارِ الْإِنْسَانِ بِأَرْبَعِينَ كَالنُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ وَكَذَا بُلُوغُ الْأَشُدِّ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَى. وَفِي ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَكَانَ أَنْ يَقِفَ مِائَةَ عَامٍ خَيْرًا لَهُ مِنَ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَاهَا، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ إِطْلَاقَ الْأَرْبَعِينَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِ الْأَمْرِ لَا لِخُصُوصِ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ، وَجَنَحَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمِائَةِ وَقَعَ بَعْدَ التَّقْيِيدِ بِالْأَرْبَعِينَ زِيَادَةً فِي تَعْظِيمِ الْأَمْرِ عَلَى الْمَارِّ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقَعَا مَعًا، إِذِ الْمِائَةُ أَكْثَرُ مِنَ الْأَرْبَعِينَ وَالْمَقَامُ مَقَامُ زَجْرٍ وَتَخْوِيفٍ، فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 يَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمِائَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بَلِ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ، وَمُمَيِّزُ الْأَرْبَعِينَ إِنْ كَانَ هُوَ السَّنَةُ ثَبَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ مَا دُونَهَا فَمِنْ بَابِ أَوْلَى. (قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي أَقَالَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ (أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً) وَلِلْبَزَّارِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ الضَّبِّيِّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ: لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا. وَجَعَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ الْجَزْمَ فِي طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَالشَّكَّ فِي طَرِيقِ غَيْرِهِ دَالًّا عَلَى التَّعَدُّدِ. قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ بِالشَّكِّ أَيْضًا، وَيَبْعُدُ أَنَّ الْجَزْمَ وَالشَّكَّ وَقَعَا مِنْ رَاوٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: لَعَلَّهُ تَذَكَّرَ فِي الْحَالِ فَجَزَمَ وَفِيهِ مَا فِيهِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيرِ الْمُرُورِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ النَّهْيُ الْأَكِيدُ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُعَدَّ فِي الْكَبَائِرِ، وَفِيهِ أَخْذُ الْقَرِينِ عَنْ قَرِينِهِ مَا فَاتَ أَوِ اسْتِثْبَاتُهُ فِيمَا سَمِعَ مَعَهُ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ، لِأَنَّ زَيْدًا اقْتَصَرَ عَلَى النُّزُولِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعُلُوِّ اكْتِفَاءً بِرَسُولِهِ الْمَذْكُورِ، وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ لِيَعْلَمَ هَلْ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَيَلْقَاهُ فَيَأْخُذُهُ عَنْهُ، رَدَّهُ الْبَاجِيُّ بِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ وَلَمْ يُرْسِلْهُ يَسْأَلُهُ هَلْ سَمِعَ، وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ لَوْ فِي الْوَعِيدِ، وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ أَنْ يَشْعُرَ بِمَا يُعَانِدُ الْمَقْدُورَ، وَاسْتَنْبَطَ ابْنُ بَطَّالٍ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِثْمَ يَخْتَصُّ بِمَنْ يَعْلَمُ بِالنَّهْيِ وَارْتَكَبَهُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَأَخْذُهُ مِنْ ذَلِكَ فِيهِ بُعْدٌ لَكِنْ هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَعِيدَ يَخْتَصُّ بِمَنْ مَرَّ لَا بِمَنْ وَقَفَ عَامِدًا مَثَلًا بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي أَوْ قَعَدَ أَوْ رَقَدَ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ التَّشْوِيشُ عَلَى الْمُصَلِّي فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَارِّ، وَظَاهِرُهُ عُمُومُ النَّهْيِ فِي كُلِّ مُصَلٍّ، وَخَصَّهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّ سُتْرَةَ إِمَامِهِ سُتْرَةٌ لَهُ أَوْ إِمَامُهُ سُتْرَةٌ لَهُ، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى لِأَنَّ السُّتْرَةَ تُفِيدُ رَفْعَ الْحَرِجِ عَنِ الْمُصَلِّي لَا عَنِ الْمَارِّ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يُخْسَفَ بِهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ   366 - 364 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَخِفَّةٍ مُهْمَلَةٍ (أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يُخْسَفَ بِهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) لِأَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا بِالْخَسْفِ أَسْهَلُ مِنْ عَذَابِ الْإِثْمِ، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الحديث: 366 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 الْكُتُبِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ كَعْبًا حَبَّرَهَا، وَظَاهِرُ هَذَا كَالْحَدِيثِ قَبْلَهُ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْمُرُورِ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَسْلَكًا بَلْ يَقِفُ حَتَّى يَخْلُوَ الْمُصَلِّي مِنْ صَلَاتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قِصَّةُ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّ فِيهَا: فَنَظَرَ لِشَابٍّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا، وَقَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ أَحْوَالَ الْمَارِّ وَالْمُصَلِّي فِي الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: يَأْثَمُ الْمَارُّ دُونَ الْمُصَلِّي وَعَكْسُهُ يَأْثَمَانِ جَمِيعًا وَعَكْسُهُ. فَالْأُولَى: إِذَا صَلَّى إِلَى سُتْرَةٍ وَلِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ فَيَأْثَمُ دُونَ الْمُصَلِّي. الثَّانِيَةُ: إِذَا صَلَّى فِي مُشَرَّعٍ مَسْلُوكٍ بِلَا سُتْرَةٍ أَوْ مُتَبَاعِدًا عَنْهَا وَلَا يَجِدُ الْمَارُّ مَنْدُوحَةً فَيَأْثَمُ الْمُصَلِّي لَا الْمَارُّ. الثَّالِثَةُ: مِثْلُ الثَّانِيَةِ لَكِنْ يَجِدُ الْمَارُّ مَنْدُوحَةً فَيَأْثَمَانِ جَمِيعًا. الرَّابِعَةُ: مِثْلُ الْأُولَى لَكِنْ لَا يَجِدُ الْمَارُّ مَنْدُوحَةً فَلَا يَأْثَمَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ أَيْدِي النِّسَاءِ وَهُنَّ يُصَلِّينَ   366 - 365 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ أَيْدِي النِّسَاءِ وَهُنَّ يُصَلِّينَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: خَصَّ النِّسَاءَ لِأَنَّهُنَّ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ، وَكَرِهَ الْمُرُورَ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَإِنْ كُنَّ فِي طَرِيقِهِ لِدُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَخُرُوجِهِ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ كَرَاهَةُ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ تَنَالُهُ يَدُهُ؛ لِأَنَّ صُفُوفَ النِّسَاءِ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ صُفُوفِ الرِّجَالِ شَيْءٌ مِنَ الْبُعْدِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدٍ وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ   368 - 366 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدٍ) يُصَلِّي (وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ) وَهُوَ يُصَلِّي. قَالَ الْبَاجِيُّ: يَتَعَلَّقُ الْمَنْعُ مِنَ الْمُرُورِ بِالْمَارِّ لِحَدِيثِ أَبِي جُهَيْمٍ، وَبِالْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي أَمْرِهِ بِمَنْعِهِ، وَمِنَ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ مُنَاوَلَةُ الشَّيْءِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْطَعُ الْإِقْبَالَ عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِنَّمَا مَنْعُ الْمُرُورِ لِهَذَا الْمَعْنَى. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُكَلِّمَ مَنْ عَنْ يَمِينِ الْمُصَلِّي مَنْ عَلَى يَسَارِهِ. الحديث: 368 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 [بَاب الرُّخْصَةِ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الْاحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لِلنَّاسِ بِمِنًى فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ»   11 - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي قَالَ الْبَاجِيُّ: الرُّخْصَةُ فِي الشَّرْعِ الْإِبَاحَةُ لِلضَّرُورَةِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي إِبَاحَةِ نَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ مَمْنُوعٍ، فَالرُّخْصَةُ هُنَا تَنَاوَلَتْ بَعْضَ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَأْمُومًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 369 - 367 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمٍّ وَفَوْقِيَّةٍ سَاكِنَةٍ (ابْنِ مَسْعُودٍ) أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا فِيمَا عَلِمْتُ فَقِيهٌ أَشْعُرُ مِنْهُ « (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ) بِفَتْحٍ مِنَ الْحَمِيرِ (وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ) أَيْ قَارَبْتُ (الِاحْتِلَامَ) الْمُرَادُ بِهِ الْبُلُوغُ الشَّرْعِيُّ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لِلنَّاسِ بِمِنًى) » بِالصَّرْفِ أَجْوَدُ مِنْ عَدَمِهِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا يُمَنَّى أَيْ يُرَاقُ بِهَا مِنَ الدِّمَاءِ وَالْأَجْوَدُ كِتَابَتُهَا بِالْأَلْفِ، قَالَ الْحَافِظُ: كَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِعَرَفَةَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ اتِّحَادِ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ فَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ بِعَرَفَةَ شَاذٌّ، وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوِ الْفَتْحِ، وَهَذَا الشَّكُّ مِنْ مَعْمَرٍ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَزَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ أَيْ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ أَصْلًا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْرَدَهُ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبَزَّارِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ لَيْسَ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ انْتَهَى. (فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ) أَيْ قُدَّامَ فَالتَّعْبِيرُ بِالْيَدِ مَجَازٌ إِذِ الصَّفُّ لَا يَدَ لَهُ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ صَفٌّ مِنَ الصُّفُوفِ أَوْ بَعْضٌ مِنْ أَحَدِ الصُّفُوفِ انْتَهَى. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ: حَتَّى سِرْتُ بَيْنَ يَدَيِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ. (فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ) بِفَوْقِيَّتَيْنِ وَضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ تَأْكُلُ مَا تَشَاءُ وَقِيلَ تُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ، وَجَاءَ أَيْضًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ بِوَزْنِ تَفْتَعِلُ مِنَ الرَّعْيِ وَأَصْلُهُ تَرْتَعِي لَكِنَّ حَذْفَ الْيَاءِ تَخْفِيفًا، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْحَجِّ نَزَلْتُ عَنْهَا فَرَتَعَتْ. (وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: اسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِتَرْكِ الْإِنْكَارِ عَلَى الْجَوَازِ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِتَرْكِ إِعَادَتِهِمْ لِلصَّلَاةِ، لِأَنَّ تَرْكَ الْإِنْكَارِ أَكْثَرُ فَائِدَةً، قَالَ الْحَافِظُ: وَجْهُهُ أَنَّ تَرْكَ الْإِعَادَةِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا فَقَطْ لَا عَلَى جَوَازِ الْمُرُورِ، وَتَرْكُ الْإِنْكَارِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمُرُورِ وَصِحَّةِ الصَّلَاةِ مَعًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ تَرْكَ الْإِنْكَارِ حُجَّةٌ عَلَى الْجَوَازِ بِشَرْطِهِ وَهُوَ انْتِفَاءُ الْمَوَانِعِ مِنَ الْإِنْكَارِ وَثُبُوتِ الْعِلْمِ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى الْفِعْلِ، وَلَا يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِمَّا ذُكِرَ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث: 369 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 عَلَى ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الصَّفُّ حَائِلًا دُونَ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرَى فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَرَائِهِ كَمَا يَرَى مِنْ أَمَامِهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَائِلٌ دُونَ الرُّؤْيَةِ، وَلَوْ لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَكَانَ تَوَفُّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى سُؤَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحْدُثُ لَهُمْ كَافِيًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مُرُورَ الْحِمَارِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ فَهُوَ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ مُرُورَ الْحِمَارِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مُرُورَ الْحِمَارِ مُحَقَّقٌ فِي حَالِ مُرُورِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ رَاكِبُهُ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، وَأَمَّا مُرُورُهُ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ عَنْهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا يَخُصُّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدْعُ أَحَدًا بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، فَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَا نَقَلَ عِيَاضٌ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومِينَ يُصَلُّونَ إِلَى سُتْرَةٍ لَكِنِ اخْتُلِفَ هَلْ سُتْرَتُهُمْ سُتْرَةُ الْإِمَامِ أَوْ سُتْرَتُهُمُ الْإِمَامُ نَفْسُهُ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى الِاتِّفَاقِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُمَرَ الْغِفَارِيِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي سَفَرٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَمَرَّ حَمِيرٌ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ فَأَعَادَ بِهِمُ الصَّلَاةَ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: إِنَّهَا لَمْ تَقْطَعْ صَلَاتِي وَلَكِنْ قَطَعَتْ صَلَاتَكُمْ. وَحَدِيثُ سُتْرَةِ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ سُوِيدٌ عَنْ عَاصِمٍ اهـ. وَسُوِيدٌ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ. وَوَرَدَتْ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ مَوْقُوفٍ عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ الَّذِي نَقَلَهُ عِيَاضٌ فِيمَا لَوْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ أَحَدٌ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ يَضُرُّ صَلَاتَهُ وَصَلَاتَهُمْ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْإِمَامُ نَفْسُهُ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ يَضُرُّ صَلَاتَهُ وَلَا يَضُرُّ صَلَاتَهُمْ. اهـ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ شَيْخِهِ إِسْمَاعِيلَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصُّفُوفِ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَجِدْ الْمَرْءُ مَدْخَلًا إِلَى الْمَسْجِدِ إِلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ   369 - 368 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٌ أَحَدُ الْعَشَرَةِ (كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدِي) أَيْ قُدَّامَ (بَعْضِ الصُّفُوفِ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ) فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَالْعَمَلِ بِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا) أَيْ جَائِزًا (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ وَلَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 يَجِدِ الْمَرْءُ مُدْخَلًا إِلَى الْمَسْجِدِ إِلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا مَعَ التَّرْجَمَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الرُّخْصَةَ عِنْدَهُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا، وَغَيْرُهُ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِلْآثَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي   369 - 369 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي) وَهَذَا الْبَلَاغُ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ مَوْقُوفًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي   371 - 370 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي) رَوَاهُ مَالِكٌ مَوْقُوفًا، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ، وَجَاءَ أَيْضًا مَرْفُوعًا عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ، وَعَنْ أَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِي إِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعْفٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَقْطَعُهَا الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: " «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤَخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ» "، قَالَ «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ: " يَا أَبَا ذَرٍّ مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ وَالْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا سَأَلْتَنِي فَقَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «تَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ» " وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغْفَلٍ نَحْوَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْأَسْوَدِ. وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ لَكِنْ قَيَّدَ الْمَرْأَةَ بِالْحَائِضِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعَمَلِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ، فَمَالَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ وَمَا وَافَقَهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «أَنَّهُ ذَكَرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ " فَقَالَتْ: شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمْرِ وَالْكِلَابِ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةٌ» "، وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: " «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا نَائِمَةٌ إِلَى جَنْبِهِ فَإِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي ثَوْبُهُ وَأَنَا حَائِضٌ» "، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الحديث: 371 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 النَّسْخَ إِنَّمَا صَارَ إِلَيْهِ إِذَا عُلِمَ التَّارِيخُ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ، وَالتَّارِيخُ هُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ وَالْجَمْعُ لَمْ يَتَعَذَّرْ، وَمَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى تَأْوِيلِ الْقَطْعِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ بِنَقْصِ الْخُشُوعِ لَا الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ حِكْمَةِ التَّقْيِيدِ بِالْأَسْوَدِ فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ شَيْطَانٌ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَوْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَمْ يُفْسِدْ صَلَاتَهُ كَمَا سَبَقَ حَدِيثُ: " «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ» " وَفِي الصَّحِيحِ: " «أَنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَيَّ» : الْحَدِيثَ. وَلِلنَّسَائِيِّ: " فَأَخَذْتُهُ فَصَرَعْتُهُ " وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ جَاءَ لِيَقْطَعَ صَلَاتَهُ، لِأَنَّهُ بَيَّنَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ سَبَبَ الْقَطْعِ وَهُوَ أَنَّهُ أَتَى بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِهِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْمُرُورِ فَقَدْ حَصَلَ وَلَمْ تَفْسَدْ بِهِ الصَّلَاةُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ، وَفِي النَّفْسِ مِنَ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ شَيْءٌ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مَا يُعَارِضُهُ، وَوَجَدَ فِي الْحِمَارِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي الْمَرْأَةِ حَدِيثَ عَائِشَةَ، وَنَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْعِلَّةَ فِي قَطْعِ الصَّلَاةِ بِهَا مَا يَحْصُلُ مِنَ التَّشْوِيشِ وَقَدْ قَالَتْ: الْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَصَابِيحُ فَانْتَفَى الْمَعْلُولُ بِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ. ثَانِيهَا: أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مُطْلَقَةٌ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِهَا زَوْجَةً فَقَدْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَيُقَالُ بِتَقْيِيدِ الْقَطْعِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لِخَشْيَةِ الْفِتْنَةِ بِهَا بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا حَاصِلَةٌ عِنْدَهُ. ثَالِثُهَا: أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَاقِعَةُ حَالٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَإِنَّهُ مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّشْرِيعِ، وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ بَطَّالٍ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ مِنْ مِلْكِ أَرَبَهُ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: يُعَارِضُ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ وَمَا وَافَقَهُ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ غَيْرُ صَرِيحَةٍ، وَصَرِيحَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، فَلَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ بِالْمُحْتَمَلِ يَعْنِي حَدِيثَ عَائِشَةَ وَمَا وَافَقَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَارِّ وَبَيْنَ النَّائِمِ فِي الْقِبْلَةِ أَنَّ الْمُرُورَ حَرَامٌ بِخِلَافِ الِاسْتِقْرَارِ نَائِمًا كَانَ أَمْ غَيْرَهُ، فَهَكَذَا الْمَرْأَةُ يَقْطَعُ مُرُورَهَا دُونَ لُبْثِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 [بَاب سُتْرَةِ الْمُصَلِّي فِي السَّفَرِ] ِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَسْتَتِرُ بِرَاحِلَتِهِ إِذَا صَلَّى   12 - بَابُ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي فِي السَّفَرِ 372 - 371 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَسْتَتِرُ بِرَاحِلَتِهِ إِذَا صَلَّى) خِيفَةَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ أَحَدٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ الحديث: 372 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتِ الرِّكَّابُ؟ قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ فَيُصَلِّي إِلَى آخِرَتِهِ، أَوْ قَالَ: فِي مُؤَخِّرِهِ» " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ وَيُعَرِّضُ بِشَدِّ الرَّاءِ يَجْعَلُهُ عَرْضًا، وَيَعْدِلُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الدَّالِّ يُقِيمُهُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَآخِرَتِهِ بِفَتَحَاتٍ بِلَا مَدٍّ وَيَجُوزُ الْمَدُّ وَالرَّاحِلَةُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: النَّافِلَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لِأَنْ يُوضَعَ عَلَيْهَا الرَّحْلُ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الرَّاحِلَةُ الْمَرْكَبُ النَّجِيبُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ السَّتْرِ بِمَا يَسْتَقِرُّ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَلَا يُعَارِضُهُ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ لِأَنَّ الْمَعَاطِنَ مَوَاضِعُ إِقَامَتِهَا عِنْدَ الْمَاءِ، وَكَرَاهَةُ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ عِنْدَهَا إِمَّا لِشِدَّةِ نَتَنِهَا وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَخَلَّوْنَ بَيْنَهَا مُسْتَتِرِينَ بِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ كَوْنُهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ فَتُحْمَلُ صَلَاتُهُ إِلَيْهَا فِي السَّفَرِ عَلَى حَالَةِ الضَّرُورَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ   372 - 372 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ) لِأَنَّهُ لَا يَخْشَى مُرُورَ أَحَدٍ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ: " «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ فَأَتَى بِوُضُوءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 [بَاب مَسْحِ الْحَصْبَاءِ فِي الصَّلَاةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ إِذَا أَهْوَى لِيَسْجُدَ مَسَحَ الْحَصْبَاءَ لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ مَسْحًا خَفِيفًا   13 - بَابُ مَسْحِ الْحَصْبَاءِ فِي الصَّلَاةِ 373 - 373 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ) بِالْهَمْزِ الْمَدَنِيِّ الْمَخْزُومِيِّ مَوْلَاهُمُ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَقِيلَ جُنْدُبُ بْنُ فَيْرُوزٍ وَقِيلَ فَيْرُوزٌ ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةً وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ. (أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ إِذَا أَهْوَى لِيَسْجُدَ مَسَحَ الْحَصْبَاءَ لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ مَسْحًا خَفِيفًا) لِيُزِيلَ شُغْلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ وَبِمَا يَحْصُلُ عَلَى جَبْهَتِهِ مِنَ التُّرَابِ، وَإِنْ الحديث: 373 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 كَانَ الِاخْتِيَارُ تَرَكَهُ لِلتَّوَاضُعِ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ مَسْحِ الْحَصْبَاءِ وَغَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِحِكَايَةِ الْخَطَّابِّيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَكَانَ يَفْعَلُهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَالْأَوْلَى إِنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً مَسْحًا خَفِيفًا كَفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَتَرَجِّي أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ بَعِيدٌ جِدًّا أَوْ مَمْنُوعٌ مَعَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا بِقَوْلِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَقُولُ مَسْحُ الْحَصْبَاءِ مَسْحَةً وَاحِدَةً وَتَرْكُهَا خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ   374 - 374 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَقُولُ مَسْحُ الْحَصْبَاءِ) أَيْ تَسْوِيَةُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَسْجُدُ عَلَيْهِ إِنَّمَا يَجُوزُ (مَسْحَةً وَاحِدَةً) فِي الصَّلَاةِ (وَتَرْكُهَا) وَالْإِقْبَالُ عَلَى الصَّلَاةِ (خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) بِتَسْكِينِ الْمِيمِ لَا غَيْرَ هِيَ الْحُمْرُ مِنَ الْإِبِلِ وَهِيَ أَحْسَنُ أَلْوَانِهَا أَيْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِمَّا لَوْ كَانَتْ لَهُ فَتَصَدَّقَ بِهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَهُ سَحْنُونٌ وَمِنْ قَبْلِهِ الْأَوْزَاعِيُّ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الثَّوَابَ الَّذِي يَنَالُهُ بِتَرْكِ الْحَصْبَاءِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ سُرُورًا مِنْهُ بِحُمْرِ النَّعَمِ لَوْ كَانَتْ لَهُ مِلْكًا دَائِمًا مُقْتَنًى وَهَذَا وَرَدَ مَرْفُوعًا، أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا ذَرٍّ يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ فَلَا يَمْسَحُ الْحَصْبَاءَ» " وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: " «سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْتُهُ عَنْ مَسْحِ الْحَصْبَاءِ، قَالَ: " وَاحِدَةٌ أَوْ دَعْ» " وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ: " «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَسْحِ الْحَصْبَاءِ، فَقَالَ: " وَاحِدَةٌ وَلَأَنْ تُمْسِكَ عَنْهَا خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ نَاقَةٍ كُلِّهَا سُودُ الْحَدَقِ» "، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: كَانُوا يُشَدِّدُونَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْحَصْبَاءِ لِمَوْضِعِ الْجَبِينِ مَا لَا يُشَدِّدُونَ فِي مَسْحِ الْوَجْهِ مِنَ التُّرَابِ قَالَ أَجَلْ. قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: وَتَقْيِيدُ الْمَسْحِ بِالْحَصْبَاءِ غَالِبٌ لِكَوْنِهِ كَانَ فِرَاشَ مَسَاجِدِهِمْ، وَأَيْضًا هُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ، فَلَا يَدُلُّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ عَلَى نَفْيِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ رَمْلٍ وَتُرَابٍ وَطِينٍ، وَقَدَّمَ التَّعْلِيلَ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ زِيَادَةً فِي تَأْكِيدِ النَّهْيِ وَتَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِ ثَوَابِ تَرْكِ الْعَبَثِ فِي الصَّلَاةِ وَإِعْلَامًا لِلْمُصَلِّي بِعِظَمِ مَا يُوَاجِهُهُ فِيهَا، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ يَلْقَى تِلْكَ النِّعْمَةَ الْخَطِيرَةَ بِهَذِهِ الْفِعْلَةِ الْحَقِيرَةِ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: إِذَا قَامَ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُنْهَى عَنِ الْمَسْحِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا بَلِ الْأَوْلَى أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَشْتَغِلَ بَالُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ. وَقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ مُعَيْقِيبٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ قَالَ: " إِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً» الحديث: 374 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: فَمَرَّةً وَاحِدَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 [بَاب مَا جَاءَ فِي تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَإِذَا جَاءُوهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنْ قَدْ اسْتَوَتْ كَبَّرَ   14 - بَابُ مَا جَاءَ فِي تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ وَهُوَ اعْتِدَالُ الْقَامَةِ بِهَا عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ، وَيُرَادُ بِهَا أَيْضًا سَدُّ الْخَلَلِ الَّذِي فِي الصَّفِّ. وَقَدْ وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ أَجْمَعُهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلَا تَذَرُوا فُرُجِاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ. 375 - 375 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَإِذَا جَاءُوهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ كَبَّرَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ وَكُلُّ مَنْ يُسَوِّي النَّاسَ فِي الصُّفُوفِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ. رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ» ، وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا: " «مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» " حَتَّى تَوَعَّدَ عَلَيْهَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ فَإِنْ كَانَ نَقْصٌ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ» " وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيُشَوِّهُ الْوَجْهَ بِتَحْوِيلِ خُلُقِهِ عَنْ وَضْعِهِ بِجَعْلِهِ مَوْضِعَ الْقَفَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهُوَ نَظِيرُ الْوَعِيدِ لِمَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، وَفِيهِ مِنَ اللَّطَائِفِ وُقُوعُ الْوَعِيدِ مِنْ جِنْسِ الْجِنَايَةِ وَهِيَ الْمُخَالَفَةُ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: " «لَتُسَوُّنَّ الصُّفُوفَ أَوْ لَتُطْمَسَنَّ الْوُجُوهُ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ أَوْ مُجَازٌ، وَمَعْنَاهُ يُوقِعُ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَاخْتِلَافَ الْقُلُوبِ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ فِي الصُّفُوفِ مُخَالَفَةٌ فِي ظَوَاهِرِهِمْ، وَاخْتِلَافُ الظَّوَاهِرِ سَبَبٌ لِاخْتِلَافِ الْبَوَاطِنِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: " «أَقْبَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ثَلَاثًا وَاللَّهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يَلْزَقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ» " وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْنَاهُ يَفْتَرِقُونَ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ الَّذِي أَخَذَ صَاحِبَهُ، لِأَنَّ تَقَدُّمَ الشَّخْصِ عَلَى غَيْرِهِ مَظَنَّةُ الْكِبْرِ الْمُفْسِدِ لِلْقَلْبِ الدَّاعِي إِلَى الْقَطِيعَةِ. الحديث: 375 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَامَتْ الصَّلَاةُ وَأَنَا أُكَلِّمُهُ فِي أَنْ يَفْرِضَ لِي فَلَمْ أَزَلْ أُكَلِّمُهُ وَهُوَ يُسَوِّي الْحَصْبَاءَ بِنَعْلَيْهِ حَتَّى جَاءَهُ رِجَالٌ قَدْ كَانَ وَكَلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الصُّفُوفَ قَدْ اسْتَوَتْ فَقَالَ لِي اسْتَوِ فِي الصَّفِّ ثُمَّ كَبَّرَ   376 - 376 - (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَاسْمُهُ نَافِعُ (ابْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ) مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيِّ سَمِعَ مِنْ عُمَرَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ ثِقَةٌ، رَوَى لَهُ الْجَمِيعُ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ. (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَامَتِ الصَّلَاةُ وَأَنَا أُكَلِّمُهُ فِي أَنْ يَفْرِضَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الرَّاءِ (لِي) فِي الْعَطَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (فَلَمْ أَزَلْ أُكَلِّمُهُ وَهُوَ يُسَوِّي الْحَصْبَاءَ بِنَعْلَيْهِ) لِسُجُودٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (حَتَّى جَاءَهُ رِجَالٌ قَدْ كَانَ وَكَّلَهُمْ) بِخِفَّةِ الْكَافِ وَشَدِّهَا (بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الصُّفُوفَ قَدِ اسْتَوَتْ فَقَالَ لِي: اسْتَوِ فِي الصَّفِّ ثُمَّ كَبَّرَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ أَمْرٌ وَفَتْحِهَا خَبَرٌ أَيْ عُثْمَانُ، وَلِذَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْإِمَامُ أَنْ يَتَرَبَّصَ بَعْدَ الْإِقَامَةِ يَسِيرًا حَتَّى تَعْتَدِلَ الصُّفُوفُ، وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَمَنَعُوهُ، وَحُجَّةُ الْجَمَاعَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ: " «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلًا فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى قَامَ الْقَوْمُ» " قَالَ أَبُو عُمَرَ: الْآثَارُ فِي تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ مُتَوَاتِرَةٌ صِحَاحٌ. الحديث: 376 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 [بَاب وَضْعِ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَالِاسْتِينَاءُ بِالسَّحُورِ»   15 - بَابُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ أَيِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَإِحْدَى بَدَلٌ مِنَ الْيَدَيْنِ. 377 - 377 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَبِي أُمَيَّةَ الْمُعَلِّمِ (الْبَصْرِيِّ) نَزِيلُ مَكَّةَ وَاسْمُ أَبِيهِ قِيسٌ وَقِيلَ طَارِقٌ، قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَقِيَهُ مَالِكٌ بِمَكَّةَ، وَكَانَ مُؤَدِّبَ كُتَّابٍ حَسَنَ السَّمْتِ فَغَرَّهُ مِنْهُ سَمْتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَيَعْرِفُهُ فَرَوَى عَنْهُ مِنَ الْمَرْفُوعِ فِي الْمُوَطَّأِ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ مُرْسَلَةٌ يَتَّصِلُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَتِهِ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ حُكْمًا إِنَّمَا رَوَى عَنْهُ الحديث: 377 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 تَرْغِيبًا وَفَضْلًا، وَكَذَلِكَ غَرَّ الشَّافِعِيُّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى حِذْقُهُ وَنَبَاهَتُهُ فَرَوَى عَنْهُ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، لَكِنَّهُ أَيْضًا لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي حُكْمٍ أَفْرَدَهُ بِهِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ لِعَبْدِ الْكَرِيمِ هَذَا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَمُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا أَنَّ النَّسَائِيَّ مَا رَوَى لَهُ إِلَّا قَلِيلًا، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. (أَنَّهُ قَالَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ) أَيْ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ شَرَائِعُ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي أُولَاهَا ثُمَّ تَتَابَعَتْ بَقِيَّتُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُنْسَخْ فِيمَا نُسِخَ مِنْ شَرَائِعِهِمْ لِأَنَّهُ أَمْرٌ أُطْبِقَتْ عَلَيْهِ الْعُقُولُ ( «إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَفْظُهُ أَمْرٌ وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَيَاءٌ يَحْجُزُهُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَسَوَاءٌ عَلَيْهِ فِعْلُ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ بَاعَ الْخَمْرَ فَلْيَسْتَفِضِ الْخَنَازِيرَ» " وَقَالَ أَبُو دُلَفٍ: إِذَا لَمْ تَصُنْ عِرْضًا وَلَمْ تَخْشَ خَالِقًا وَتَسْتَحِي مَخْلُوقًا فَمَا شِئْتَ فَاصْنَعْ وَفِيهِ مَعْنَى التَّحْذِيرِ وَالْوَعِيدِ عَلَى قِلَّةِ الْحَيَاءِ. وَمِنْهُ أَخْذُ الْقَائِلِ: إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي وَلَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ فَلَا وَاللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ وَلَا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الْحَيَاءُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إِذَا كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا يُسْتَحَى مِنْهُ شَرْعًا فَافْعَلْهُ وَلَا عَلَيْكَ مِنَ النَّاسِ. قَالَ: وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَالْمَشْهُورُ مَخْرَجُهُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْفُصَحَاءِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» " وَرَوَاهُ بِلَفْظِ: فَافْعَلْ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْأُولَى. قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: النَّاسُ بِالرَّفْعِ فِي جَمْعِ الطُّرُقِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ أَيْ مِمَّا بَلَغَ النَّاسُ، قَالَ: وَهُوَ أَمْرٌ بِمَعْنَى الْخَبَرِ أَوْ هُوَ لِلتَّهْدِيدِ، أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِيكَ، أَوْ مَعْنَاهُ انْظُرْ إِلَى مَا تُرِيدُ فِعْلُهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَحَى مِنْهُ فَافْعَلْهُ وَإِلَّا فَدَعْهُ، أَوِ الْمَعْنَى أَنَّكَ إِذَا لَمْ تَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ يَجِبُ أَنْ لَا تَسْتَحِيَ مِنْهُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فَافْعَلْهُ وَلَا تُبَالِ بِالْخَلْقِ، أَوِ الْمُرَادُ الْحَثُّ عَلَى الْحَيَاءِ وَالتَّنْوِيهِ بِفَضْلِهِ أَيْ لَمَّا لَمْ يَجُزْ صُنْعُ جَمِيعِ مَا شِئْتَ لَمْ يَجُزْ تَرْكُ الِاسْتِحْيَاءِ. (وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ) وَقَوْلُهُ: (يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى) مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَيْسَ مِنَ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَمْرٌ مُجْمَعُ عَلَيْهِ فِي هَيْئَةِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. قَالَهُ أَبُو عُمَرَ فِي التَّقَصِّي: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَيْسَ لِذَلِكَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْمَذْهَبُ وَضْعَهُمَا تَحْتَ الصَّدْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 وَفَوْقَ السُّرَّةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: السُّنَّةُ وَضَعُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَيَقْبِضُ يُمْنَاهُ عَلَى الْكُوعِ وَبَعْضِ الْمِعْصَمِ مِنَ الْيُسْرَى وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا. قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي هَذِهِ الْهَيْئَةِ أَنَّهُ صِفَةُ السَّائِلِ الذَّلِيلِ وَهُوَ أَمْنَعُ مِنَ الْعَبَثِ وَأَقْرُبُ إِلَى الْخُشُوعِ. وَمِنَ اللَّطَائِفِ قَوْلُ بَعْضِهِمُ: الْقَلْبُ مَوْضِعُ النِّيَّةِ وَالْعَادَةُ أَنَّ مَنِ احْتَرَزَ عَلَى حِفْظِ شَيْءٍ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي النَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ، وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ الْمَدَنِيُّونَ. وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَالِكًا اسْتَحْسَنَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَأْتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ خِلَافٌ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرَهُ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْإِرْسَالَ وَصَارَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهُ إِبَاحَتُهُ فِي النَّافِلَةِ لِطُولِ الْقِيَامِ وَكُرْهِهِ فِي الْفَرِيضَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ تُمْسِكُ مُعْتَمِدًا لِقَصْدِ الرَّاحَةِ. (وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَالِاسْتِينَاءُ بِالسَّحُورِ) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا بِتَعْجِيلِ فِطْرِنَا وَتَأْخِيرِ سَحُورِنَا وَأَنْ نَضَعَ أَيْمَانَنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلَاةِ» " وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَاهُ: " «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ النُّبُوَّةِ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَوَضْعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ» " وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ رَفَعَهُ: «ثَلَاثٌ يُحِبُّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَضَرْبُ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ» قَالَ أَبُو حَازِمٍ لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ يَنْمِي ذَلِكَ   378 - 378 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ سَلَمَةَ (بْنِ دِينَارٍ) الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) بِسُكُونِ الْهَاءِ وَالْعَيْنِ ابْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ السَّاعِدِيِّ الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ. (أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ) قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ) أَبْهَمَ مَوْضِعَهُ مِنَ الذِّرَاعِ. وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: " «ثُمَّ وَضَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ مِنَ السَّاعِدِ» وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ وَالرُّسْغُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَمُعْجَمَةٍ هُوَ الْمِفْصَلُ بَيْنَ السَّاعِدِ وَالْكَفِّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا مَحَلُّهُمَا مِنَ الْجَسَدِ. وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ وَائِلٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ» " وَلِلْبَزَّارِ: ثُمَّ صَدْرِهِ وَفِي الحديث: 378 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّهُ وَضَعَهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. (قَالَ أَبُو حَازِمٍ لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ) أَيْ سَهْلًا (يَنْمِي ذَلِكَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحُكِيَ فِي الْمَطَالِعِ أَنَّ الْقَعْنَبِيَّ رَوَاهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَنْمَى قَالَ: وَهُوَ غَلَطٌ، وَرُدَّ بِأَنَّ الزَّجَّاجَ وَابْنَ دُرَيْدٍ وَغَيْرَهُمَا حَكَوْا نَمَّيْتُ الْحَدِيثَ وَأَنْمَيْتُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالَّذِي ضَبَطْنَاهُ فِي الْبُخَارِيِّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ فَلَعَلَّ الضَّمَّ رِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ فِي الْمُوَطَّأِ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ نَمَيْتُ الْحَدِيثَ رَفَعْتُهُ وَأَسْنَدْتُهُ. وَصَرَّحَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَابْنُ وَهْبٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ يَرْفَعُ ذَلِكَ. وَمِنِ اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِذَا قَالَ الرَّاوِي يُنْمِي فَمُرَادُهُ يَرْفَعُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْ. وَاعْتَرَضَ الدَّانِيُّ فِي أَطْرَافِ الْمُوَطَّأِ فَقَالَ: هَذَا مَعْلُولٌ لِأَنَّهُ ظَنٌّ مِنْ أَبِي حَازِمٍ، وَرُدَّ بِأَنَّ أَبَا حَازِمٍ لَوْ لَمْ يَقُلْ لَا أَعْلَمُ. . . . إِلَخْ، لَكَانَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نُؤْمَرُ بِكَذَا يُصْرَفُ بِظَاهِرِهِ إِلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ وَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ الشَّرْعِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَنْ صَدَرَ عَنْهُ الشَّرْعُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ عَائِشَةَ: " «كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ» " فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ بِذَلِكَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَطْلَقَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ، قِيلَ: لَوْ كَانَ مَرْفُوعًا مَا احْتَاجَ أَبُو حَازِمٍ إِلَى قَوْلِهِ لَا أَعْلَمُ. . إِلَخْ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَرَادَ الِانْتِقَالَ إِلَى التَّصْرِيحِ، فَالْأَوَّلُ لَا يُقَالُ لَهُ مَرْفُوعٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، وَقَدْ وَرَدَ مَا يُسْتَأْنَسُ بِهِ عَلَى تَعْيِينِ الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ، فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ السَّكَنِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " «رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا يَدِيَ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى فَنَزْعَهَا وَوَضْعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» " انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَاهُ عَمَّارُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: «أُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الذِّرَاعِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ» انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنَمِّي ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ يَنْمِي أَيْ قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُوَيْسٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمِيمِ بِلَفْظِ الْمَجْهُولِ، فَعَلَيْهِ الْهَاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ فَيَكُونُ مُرْسَلًا؛ لِأَنَّ أَبَا حَازِمٍ لَمْ يُعَيِّنْ مَنْ نَمَّاهُ لَهُ، وَعَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ بِفَتْحِ أَوَّلِهُ وَكَسَرِ الْمِيمِ يَكُونُ مُتَّصِلًا لِأَنَّ الضَّمِيرَ لِسَهْلٍ شَيْخِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 [بَاب الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ   16 - بَابُ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ أَيْ لَا فِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ مِنَ الْقِيَامِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى عَشَرَةِ مَعَانٍ نَظَمَهَا الْحَافِظُ زَيْنُ الدَّيْنِ الْعِرَاقِيُّ فَقَالَ: وَلَفْظُ الْقُنُوتِ اعْدُدْ مَعَانِيهِ تَجِدْ مَزِيدًا عَلَى عَشْرِ مَعَانِي مَرْضِيَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 دُعَاءُ خُشُوعٍ وَالْعِبَادَةُ طَاعَةٌ إِقَامَتُهَا إِقْرَارُهُ بِالْعُبُودِيَّه سُكُوتُ صَلَاةٍ وَالْقِيَامُ وَطُولُهُ كَذَاكَ دَوَامُ الطَّاعَةِ الرَّابِحُ الْقُنْيَه 379 - 379 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ) بَلْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ. قَالَ الْبَاجِيُّ: لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّرْجَمَةِ مَا فِيهِ قُنُوتٌ عَلَى مُعْتَقَدِهِ مِنَ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ، بَلْ أُدْخِلَ فِعْلُ ابْنُ عُمَرَ مُخَالِفًا لِمُعْتَقَدِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُذْكَرْ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى غَيْرُ ذَلِكَ، وَفِي أَكْثَرِ الْمُوَطَّآتِ بَعْدَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَا فِي الْوَتْرِ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ إِذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ انْتَهَى. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَثَبَتَ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ» . وَحَكَى الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّ مِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءُ. وَمِنَ التَّابِعِينَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَحُمَيْدُ الطَّوِيلُ وَالرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَطَاوُسٌ وَغَيْرُهُمْ. وَمِنَ الْأَئِمَّةِ: مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ مَهْدِيٍّ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَقْنُتُونَ لِأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ إِثْبَاتٌ وَنَفْيٌ قُدِّمَ الْإِثْبَاتُ عَلَى النَّفْيِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «سُئِلَ أَنَسٌ: أَقَنَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: أَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ؟ قَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا» ، وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ قَالَ: «سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْقُنُوتِ فَقَالَ: قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ، قُلْتُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ قُلْتُ: فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أَرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَغَدَرُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ، فَقَنَتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ» . وَفِي ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقُنُوتِ فَقَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتُوا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْضُهُمْ بَعْدَهُ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ جَعَلَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَيْ دَائِمًا عُثْمَانُ لِكَيْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَمَجْمُوعُ مَا جَاءَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقُنُوتَ لِلْحَاجَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَا خِلَافَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا لِغَيْرِ الْحَاجَةِ فَالصَّحِيحُ عَنْهُ أَنَّهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ، قَالَ: وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ الحديث: 379 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ أَوْ دَعَا عَلَى قَوْمٍ» " وَكَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ إِنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا أَيْ مُتَوَالِيًا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ ". وَلِمُسْلِمٍ عَنِ الْبَرَاءِ نَحْوُهُ. وَتَمَسَّكَ بِهِ الطَّحَاوِيُّ فِي تَرْكِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ قَالَ: لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى نَسْخِهِ فِي الْمَغْرِبِ فَيَكُونُ الصُّبْحُ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَعَارَضَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الصُّبْحِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ تَرَكَ فَنَتَمَسَّكُ بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 [بَاب النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ وَالْإِنْسَانُ يُرِيدُ حَاجَتَهُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأَرْقَمِ «كَانَ يَؤُمُّ أَصْحَابَهُ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ يَوْمًا فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلْيَبْدَأْ بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ»   17 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ وَالْإِنْسَانُ يُرِيدُ حَاجَتَهُ 381 - 380 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأَرْقَمِ) بْنِ عَبَدَ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زَهْرَةَ الزُّهْرِيَّ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ، وَلَّاهُ عُمَرُ بَيْتَ الْمَالِ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ. وَتَابَعَهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَشُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَوَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَالْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ كِنَانَةَ كُلُّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ هِشَامٍ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ. وَرَوَاهُ وَهِيبُ بْنُ خَالِدٍ وَأَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ، فَأَدْخَلُوا بَيْنَ عُرْوَةَ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ رَجُلًا، ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: خَرَجْنَا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا وَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلْيَبْدَأْ بِالْغَائِطِ» " فَهَذَا الْإِسْنَادُ يَشْهَدُ بِأَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مُتَّصِلَةٌ، لِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّ عُرْوَةَ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ وَأَيُّوبُ ثِقَتَانِ حَافِظَانِ. (كَانَ يَؤُمُّ أَصْحَابَهُ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ فَكَانَ يُؤَذِّنُ لِأَصْحَابِهِ وَيَؤُمُّهُمْ (فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ يَوْمًا) وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ يَوْمًا، فَقَالَ: لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ (فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ) الْخِطَابُ وَإِنْ كَانَ بِحَسَبِ الحديث: 381 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 اللَّفْظِ لِلْحَاضِرِينَ لَكِنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ لِأَنَّ حُكْمَهُ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَكَذَا حُكْمُ تَنَاوُلِهِ لِلنِّسَاءِ. (الْغَائِطُ فَلْيَبْدَأْ بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) لِيُفْرِغَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ إِذَا صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ تَشَوَّشَ خُشُوعُهُ وَاخْتَلَّ حُضُورُ قَلْبِهِ، فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ وَهُوَ حَاقِنٌ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: أُحِبُّ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا إِعَادَةَ إِنْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِهَا. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ شَغَلَ قَلْبَهُ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا لَمْ تُسْتَحَبَّ الْإِعَادَةُ فَكَذَا الْبَوْلُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ هَذَا، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يُصَلِّي أَحَدٌ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ فَأَكْمَلَ الصَّلَاةَ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ، فَكَذَلِكَ الْحَاقِنُ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ لِلْحَاقِنِ صَلَاتُهُ كَذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ وَسَلِمَتْ صَلَاتُهُ أَحْزَأَهُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ. وَمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا: " «لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَاقِنٌ جِدًّا» " لَا حُجَّةَ فِيهِ لِضَعْفِ إِسْنَادِهِ، وَلَوْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ حَاقِنٌ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ إِكْمَالُ صَلَاتِهِ عَلَى وَجْهِهَا انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ وَهُوَ ضَامٌّ بَيْنَ وَرِكَيْهِ   381 - 381 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْنِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ وَهُوَ ضَامٌّ بَيْنَ وَرِكَيْهِ) مِنْ شِدَّةِ الْحَقْنِ، وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 [بَاب انْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَالْمَشْيِ إِلَيْهَا] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى قَوْلَهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ إِلَّا الْإِحْدَاثَ الَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ   18 - بَابُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَالْمَشْيِ إِلَيْهَا 382 - 382 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَنُونٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ) الْحَفَظَةُ أَوِ السَّيَّارَةُ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، قَالَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: الحديث: 382 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِأَلْ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ ( «تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ» ) أَيْ تَسْتَغْفِرُ لَهُ، قِيلَ عَبَّرَ بِتُصَلِّي لِيَتَنَاسَبَ الْجَزَاءُ وَالْعَمَلُ ( «مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ» ) صَلَاةً تَامَّةً لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: " «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» " قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ مُصَلَّاهُ انْقَضَى ذَلِكَ، لَكِنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ بَعْدَهُ أَنَّ لِلْمُنْتَظِرِ حُكْمُ الْمُصَلِّي سَوَاءٌ بَقِيَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسْجِدِ أَمْ تَحَوَّلَ إِلَى غَيْرِهِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ: فِي مُصَلَّاهُ عَلَى الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِلصَّلَاةِ لَا الْمَوْضِعِ الْخَاصِّ الَّذِي صَلَّى فِيهِ أَوَّلًا فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، قَالَهُ فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَمُصَلَّاهُ الْمَكَانُ الَّذِي أَوْقَعَ فِيهِ الصَّلَاةَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَكَأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَوْ قَامَ إِلَى بُقْعَةٍ أُخْرَى مِنَ الْمَسْجِدِ مُسْتَمِرًّا عَلَى نِيَّةِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ كَانَ كَذَلِكَ انْتَهَى. بَلْ فِي الِاسْتِذْكَارِ مُصَلَّاهُ الْمَسْجِدُ وَهَذَا هُوَ الْأَغْلَبُ فِي مَعْنَى انْتِظَارِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ قَعَدَتِ امْرَأَةٌ فِي مُصَلَّى بَيْتِهَا تَنْتَظِرُ وَقْتَ صَلَاةٍ أُخْرَى لَمْ يَبْعُدْ أَنْ تَدَخُلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَنِ التَّصَرُّفِ رَغْبَةً فِي الصَّلَاةِ، وَمِنْ هَذَا قِيلَ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ رِبَاطٌ لِأَنَّ الْمُرَابِطَ حَبَسَ نَفْسَهُ عَنِ الْمَكَاسِبِ وَالتَّصَرُّفِ إِرْصَادًا لِلْعَدُوِّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ عَنِ الْمَبْسُوطِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى جَمَاعَةً ثُمَّ قَعَدَ بِمَوْضِعِهِ يَنْتَظِرُ صَلَاةً أُخْرَى أَتَرَاهُ فِي صَلَاةٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يُحْدِثْ فَيَبْطُلُ ذَلِكَ وَلَوِ اسْتَمَرَّ جَالِسًا. وَفِيهِ أَنَّ الْحَدَثَ فِي الْمَسْجِدِ أَشَدُّ مِنَ النُّخَامَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا كَفَّارَةً وَهِيَ دَفْنُهَا وَلَمْ يُذْكَرْ هُنَا كَفَّارَةٌ بَلْ عُومِلَ صَاحِبُهُ بِحِرْمَانِ اسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ. (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ) عَلَى إِضْمَارِ قَائِلِينَ أَوْ تَقُولُ: وَهُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تُصَلِّي، قَالَ أَبُو عُمَرَ: بَيَّنَ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةَ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ (اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5] (سُورَةُ الشُّورَى: الْآيَةُ 5) ، وَقِيلَ: السِّرُّ فِيهِ أَنَّهُمْ يَطَّلِعُونَ عَلَى أَحْوَالِ بَنِي آدَمَ وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالْخَلَلِ فِي الطَّاعَةِ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَحْفَظُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعَوَّضُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ بِمَا يُقَابِلُهَا مِنَ الثَّوَابِ، وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ لِصَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ وَدُعَائِهِمْ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالتَّوْبَةِ وَعَلَى تَفْضِيلِ صَالِحِي النَّاسِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، لِأَنَّهُمْ فِي تَحْصِيلِ الدَّرَجَاتِ بِعِبَادَتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ مَشْغُولُونَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى قَوْلَهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ إِلَّا الْإِحْدَاثَ الَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 الْقَاعِدَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَا يَكُونُ مُنْتَظِرًا لِلصَّلَاةِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ هُنَا: الْكَلَامُ الْقَبِيحُ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْقَبِيحَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَظِرًا لِلصَّلَاةِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ: الْحَدَثُ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: الْمُرَادُ الْحَدَثُ حَدَثُ الْفَرْجِ، لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اجْتِنَابَ حَدِيثِ اللِّسَانِ وَالْيَدِ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَذَى مِنْهُمَا يَكُونُ أَشَدُّ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ بَطَّالٍ. وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ( «فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ» ) أَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَنْ صَلَّى ثُمَّ انْتَظَرَ صَلَاةً أُخْرَى، وَتَتَقَيَّدُ الصَّلَاةُ الْأُولَى بِكَوْنِهَا مُجْزِيَةً، أَمَّا لَوْ كَانَ فِيهَا نَقْصٌ فَإِنَّهَا تُجْبَرُ بِالنَّافِلَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْخَبَرِ الْآخَرِ انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ بِهِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ»   383 - 383 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ) أَيْ فِي ثَوَابِهَا لَا فِي حُكْمِهَا لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْكَلَامُ وَغَيْرُهُ مِمَّا مُنِعَ فِي الصَّلَاةِ (مَا كَانَتْ) وَفِي رِوَايَةٍ مَا دَامَتِ (الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ) أَيْ مُدَّةُ دَوَامِ حَبْسِ الصَّلَاةِ لَهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: سَوَاءٌ انْتَظَرَ وَقْتَهَا أَوْ إِقَامَتَهَا فِي الْجَمَاعَةِ (لَا أَنْ يَنْقَلِبَ) يَرْجِعُ (إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ) لَا غَيْرَهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إِذَا صَرَفَ نِيَّتَهُ عَنْ ذَلِكَ صَارِفٌ آخَرُ انْقَطَعَ عَنْهُ الثَّوَابُ، وَكَذَلِكَ إِذَا شَارَكَ نِيَّةَ الِانْتِظَارِ أَمْرٌ آخَرُ وَهَلْ يَحْصُلُ ذَلِكَ لِمَنْ نِيَّتُهُ إِيقَاعُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ؟ الظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ رَتَّبَ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنَ النِّيَّةِ وَشَغْلِ الْبُقْعَةِ بِالْعِبَادَةِ لَكِنَّ لِلْمَذْكُورِ ثَوَابٌ يَخُصُّهُ، وَلَعَلَّ هَذَا سِرُّ إِيرَادِ الْبُخَارِيِّ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثِ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ» وَفِيهِ: «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسَاجِدِ» ذَكَرَهُ الْحَافِظُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَحْتَمِلُ الْحَدِيثُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ سَوَاءٌ اشْتَرَكَا فِي الْوَقْتِ كَانْتِظَارِ الْعَصْرِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِكَا كَالْبَاقِي، خِلَافًا لِلْبَاجِيِّ حَيْثُ خَصَّهُ بِالْمُشْتَرِكَتَيْنِ انْتَهَى، وَيَأْتِي لَهُ مَزِيدٌ قَرِيبًا وَهَذَا الْحَدِيثُ وَالَّذِي قَبْلَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ فَجَعَلَهُمَا حَدِيثًا وَاحِدًا، وَالْمُوَطَّأُ كَمَا تَرَى جَعَلَهُمَا حَدِيثَيْنِ وَإِنِ اتَّحَدَ إِسْنَادُهُمَا، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا حَجْرَ فِي ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الثَّانِي عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 383 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَقُولُ مَنْ غَدَا أَوْ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ لِيُعَلِّمَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَجَعَ غَانِمًا   384 - 384 - (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ (مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّ) مَوْلَاهُ (أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ (كَانَ يَقُولُ: مَنْ غَدَا) ذَهَبَ وَقْتَ الْغَدْوَةِ أَوَّلَ النَّهَارِ (أَوْ رَاحَ) مِنَ الزَّوَالِ (إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا) مِنْ غَيْرِهِ (أَوْ لِيُعَلِّمَهُ) بِشَدِّ اللَّامِ هُوَ لِغَيْرِهِ (ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَجَعَ غَانِمًا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ قَطْعٌ عَلَى غَيْبٍ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ فِي ثَوَابِهِ انْتَهَى. وَقَدْ وَرَدَ مَرْفُوعًا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «مَنْ دَخَلَ مَسْجِدِي هَذَا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ لِيُعَلِّمَهُ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» " وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: " «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ كَانَ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حَجُّهُ» " أَخْرَجَهُمَا الطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا حَسَنٌ كَذَا قَالَ السُّيُوطِيُّ. وَإِنَّمَا يُوَافِقُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ رِوَايَةَ الْمُوَطَّأِ بِقِيَاسِ بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ. وَأَمَّا الثَّانِي فَحَدِيثٌ آخَرُ جَعَلَ ثَوَابَهُ كَالْحَجِّ لَا كَالْجِهَادِ. الحديث: 384 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ ثُمَّ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ فَإِنْ قَامَ مِنْ مُصَلَّاهُ فَجَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ لَمْ يَزَلْ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ   385 - 385 - (مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ) بِضَمِّ النُّونِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ صِفَةٌ لِنَعِيمٍ وَلِأَبِيهِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا لِأَنَّ حَذْفَ الْمَفْعُولِ يُؤْذِنُ بِالْعُمُومِ وَقَدِ اسْتَظْهَرَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ (ثُمَّ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ) تَدْعُو لَهُ قَائِلِينَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، فَإِنْ قَامَ مِنْ مُصَلَّاهُ فَجَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ لَمْ يَزَلْ فِي صَلَاةٍ) حُكْمًا مِنَ الثَّوَابِ (حَتَّى يُصَلِّيَ) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مِثْلُ حَدِيثِهِ الْمَرْفُوعِ قَبْلُ، إِلَّا أَنَّ فِي هَذَا أَنَّ مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثَوَابِ الْمُصَلِّي إِذَا كَانَ مُنْتَظِرًا لِلصَّلَاةِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُقَالُ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَيْهِ كَمَا تُصَلِّي عَلَى الَّذِي فِي مُصَلَّاهُ، قَالَ: وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفٌ، وَقَدْ الحديث: 385 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 رَفَعَهُ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ابْنُ وَهْبٍ عِنْدَ ابْنِ الْجَارُودِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَمْرٍو وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ نُعَيْمٌ بِسَمَاعِهِ أَبَا هُرَيْرَةَ فَكَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ الْمَوْقُوفَ وَمِنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ الْمَرْفُوعَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ»   386 - 386 - (مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ) الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُهَنِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالتَّخْفِيفِ حَرْفُ تَنْبِيهٍ يُفِيدُ تَحْقِيقَ مَا بَعْدَهُ لِتَرَكُّبِهَا مِنَ الْهَمْزَةِ وَلَا النَّافِيَةِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّفْيِ أَفَادَتِ التَّحْقِيقَ، (أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا) قَالَ الْبَاجِيُّ: كِنَايَةٌ عَنْ غُفْرَانِهَا وَالْعَفْوِ عَنْهَا وَقَدْ يَكُونُ مَحْوُهَا مِنْ كِتَابِ الْحَفَظَةِ دَلِيلًا عَلَى عَفْوِهِ تَعَالَى عَمَّنْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ، (وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ) أَيِ الْمَنَازِلَ فِي الْجَنَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ رَفْعَ دَرَجَتِهِ فِي الدُّنْيَا بِالذِّكْرِ الْجَمِيلِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحْسَنِ مَا يُرْوَى فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَفِيهِ طَرْحُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ. زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ الْأَبِّيُّ: جَوَابُهُمْ بِبِلَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَا فِي أَلَا نَافِيَةٌ دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لِلِاسْتِفْتَاحِ (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ) أَيْ إِكْمَالُهُ وَإِتْمَامُهُ وَاسْتِيعَابُ أَعْضَائِهِ بِالْمَاءِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} [لقمان: 20] (سُورَةُ لُقْمَانَ: الْآيَةُ 20) أَيْ أَتَمَّهَا وَأَكْمَلَهَا (عِنْدَ الْمَكَارِهِ) جَمْعُ مَكْرَهَةٍ بِمَعْنَى الْكُرْهِ وَالْمَشَقَّةِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هِيَ شِدَّةُ الْبَرْدِ وَكُلُّ حَالٍ يُكْرِهُ الْمَرْءُ فِيهَا نَفْسَهُ عَلَى الْوُضُوءِ، قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: مِنْ صِدْقِ الْإِيمَانِ وَبِرِّهِ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَمِنْ صِدْقِ الْإِيمَانِ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ الْجَمِيلَةِ فَيَدَعُهَا لَا يَدَعُهَا إِلَّا لِلَّهِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَمِنَ الْمَكَارِهِ شِدَّةُ بَرْدٍ وَعِلَّةُ جِسْمٍ وَقِلَّةُ مَاءٍ وَحَاجَةٌ إِلَى النَّوْمِ وَعَجَلَةٌ إِلَى أَمْرٍ مُهِمٍّ وَغَيْرُ ذَلِكَ. (وَكَثْرَةُ الْخُطَا) بِالضَّمِّ جَمْعُ خَطْوَةٍ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَالضَّمُّ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ (إِلَى الْمَسَاجِدِ) وَهُوَ يَكُونُ بِبُعْدِ الدَّارِ عَنِ الْمَسْجِدِ، وَيَكُونُ بِكَثْرَةِ التَّكَرُّرِ عَلَيْهِ قَالَ الْيَعْمُرِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ بُعْدَ الدَّارِ عَنِ الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ لِبَنِي سَلَمَةَ وَقَدْ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ: يَا بَنِي سَلَمَةَ دِيَارُكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ. وَقَالَ الْأَبِّيُّ عَنِ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا يَمُرُّ إِلَى الْمَسْجِدِ مِنْ أَبْعَدِ طَرِيقَيْهِ لِيُكْثِرَ الْخُطَا لِأَنَّ الْغَرَضَ الْحُصُولُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْقَرِيبَةِ، قَالَ: وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ تَنْشِيطٌ لِمَنْ بَعُدَتْ الحديث: 386 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 دَارُهُ أَنْ لَا يَكْسُلَ، وَمِنْ نَحْوِ مَا ذُكِرَ أَنْ لَا يُؤْثِرَ أَبْعَدَ الْمَسْجِدَيْنِ مِنْهُ بِالصَّلَاةِ فِيهِ مَعَ مَا جَاءَ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا دَارًا» " وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ لَا يَمْنَعُهُ أَخْذُ الْمُرَتَّبِ مِنْ ثَوَابِ تَكَرُّرِهِ إِلَيْهِ انْتَهَى. (وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ) قَالَ الْمُظْهِرِيُّ: أَيْ إِذَا صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ يَنْتَظِرُ صَلَاةً أُخْرَى يَتَعَلَّقُ ذِكْرُهُ لَهَا، إِمَّا بِأَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُهَا أَوْ يَكُونُ فِي بَيْتِهِ أَوْ يَشْتَغِلُ بِكَسْبِهِ وَقَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا يَنْتَظِرُ حُضُورَهَا، فَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: " «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ» " انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي صَلَاتَيْنِ: الْعَصْرِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا انْتِظَارُ الصُّبْحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ، وَكَذَا انْتِظَارُ الظُّهْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَأَمَّا انْتِظَارُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَا أَذْكُرُ فِيهِ نَصًّا وَحُكْمُهُ عِنْدِي كَالصُّبْحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَالظُّهْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ، لِأَنَّ الَّذِي يَنْتَظِرُ صَلَاةً لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي صَلَّى اشْتِرَاكٌ فِي وَقْتٍ، قَالَ: وَفِي ظَنِّي أَنِّي رَأَيْتُهُ رِوَايَةً لِابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَا أَذْكُرُ مَوْضِعَهَا الْآنَ، وَتَعَقَّبَهُ الْأَبِّيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُشْتَرِكَتَيْنِ لَوْلَا مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ يَعْنِي بِالِانْتِظَارِ الْجُلُوسَ بِالْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَعَلُّقَ الْقَلْبِ بِالصَّلَاةِ فَيَعُمُّ الْخَمْسَ، قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ: جُلُوسُ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ يَدْفَعُ بِذَلِكَ مَشَقَّةَ الرُّجُوعِ لِبُعْدٍ أَوْ مَطَرٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ نَيْلِ الثَّوَابِ وَفِي الْمَذْكُورِ وَفِي انْتِظَارِ الْإِمَامِ ذَلِكَ بِالدُّوَيْرَةِ الَّتِي بِالْجَامِعِ نَظَرٌ انْتَهَى. (فَذَلِكُمُ) الْمَذْكُورُ مِنَ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ الطِّيبِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ أَوِ الْإِشَارَةُ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ كَمَا عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْأَبِّيُّ: إِنَّهُ الْأَظْهَرُ (الرِّبَاطُ) الْمُرَغَّبُ فِيهِ لِأَنَّهُ رَبَطَ نَفْسَهُ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ وَحَبَسَهَا عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ تَفْضِيلَ هَذَا الرِّبَاطِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الرِّبَاطِ فِي الثُّغُورِ وَلِذَا قَالَ: (فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) أَيْ إِنَّهُ أَفْضَلُ أَنْوَاعِهِ، كَمَا يُقَالُ: جِهَادُ النَّفْسِ هُوَ الْجِهَادُ أَيْ إِنَّهُ أَفْضَلُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الرِّبَاطَ الْمُمْكِنَ الْمُتَيَسِّرَ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَصْرِ. (فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) ذَكَرَهُ ثَلَاثًا عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ لِشَأْنِهِ أَوِ الْإِبْهَامِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ ثَوَابَهُ كَثَوَابِ الرِّبَاطِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَعْنِي بِهِ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 200) وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: الرِّبَاطُ هُنَا مُلَازَمَةُ الْمَسْجِدِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ، قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: الرِّبَاطُ مُلَازَمَةُ الثُّغُورِ وَالرِّبَاطُ مُوَاظَبَةُ الصَّلَاةِ. وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] لَمْ يَكُنِ الرِّبَاطُ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ نَزَلَتْ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: اصْبِرُوا عَلَى دِينِكُمْ، وَصَابِرُوا الْوَعْدَ الَّذِي وَعَدْتُكُمْ، وَرَابِطُوا عَدُوِّي وَعَدُّوَكُمُ انْتَهَى. وَقَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ: (فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) مَعْنَى حَدِيثِ " رَجَعْنَا مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ " لِإِتْيَانِهِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ الدَّالِّ عَلَى بُعْدِ مَنْزِلَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ فِي مَقَامِ التَّعْظِيمِ وَإِيقَاعِ الرِّبَاطِ الْمُحَلَّى بِلَامِ الْجِنْسِ خَبَرًا لِاسْمِ الْإِشَارَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 1 - 2] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 1، 2) إِذِ التَّعْرِيفُ فِي الْخَبَرِ لِلْجِنْسِ، وَلَمَّا أُرِيدَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ مَزِيدَ تَقْرِيرٍ وَاهْتِمَامٍ بِشَأْنِهِ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا، وَتَخْصِيصُهَا بِالثَّلَاثِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ ثَلَاثٌ، وَأَتَى بِاسْمِ الْإِشَارَةِ إِشَارَةً إِلَى تَعْظِيمِهِ بِالْبُعْدِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ وَشُعْبَةُ كِلَاهُمَا عَنِ الْعَلَاءِ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ ذِكْرُ الرِّبَاطِ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ مَرَّةً، وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ مَرَّتَيْنِ، كَذَا قَالَ مُسْلِمٌ بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ مَعْنٍ عِنْدَهُ، وَإِلَّا فَأَكْثَرُ الْمُوَطَّآتِ ثَلَاثًا، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ثَلَاثًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ يُقَالُ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إِلَّا أَحَدٌ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إِلَيْهِ إِلَّا مُنَافِقٌ   386 - 387 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: يُقَالُ لَا يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ) لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إِلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَمَنْ خَرَجَ حِينَئِذٍ فَقَصَدَ خِلَافَهُمْ وَتَفْرِيقَ جَمَاعَتِهِمْ وَهَذَا مَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ. (إِلَّا أَحَدٌ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إِلَيْهِ) وَقَدْ نَزَلَتْ بِهِ ضَرُورَةُ حَدَثٍ أَوْ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً كَرُعَافٍ مَنَعَتْ سُوءَ الظَّنِّ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بَاطِنَةً قَبَضَ عَلَى أَنْفِهِ كَالرَّاعِفِ. (إِلَّا مُنَافِقٌ) يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُنَافِقِينَ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ جَمَاعَةً وَإِلَّا خَرَجَ عِنْدَ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ، فَإِنْ كَانَ صَلَّاهَا فَذًّا فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مَا لَمْ تُقَمِ الصَّلَاةُ فَيَلْزَمُهُ إِعَادَتُهَا جَمَاعَةً قَالَهُ كُلَّهُ الْبَاجِيُّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَا يُقَالُ مِثْلُهُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ وَلَا يَكُونُ إِلَّا تَوْقِيفًا انْتَهَى، وَقَدْ صَحَّ مَرْفُوعًا. أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ فِي مَسْجِدِي هَذَا ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ إِلَّا مُنَافِقٌ» " وَفِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَدَ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: " كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدَ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " زَادَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ» " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ مَالِكٌ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ يَحُلُّ عِقَالَ نَاقَتِهِ لِيَخْرُجَ فَنَهَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَلَمْ يَنْتَهِ فَمَا سَارَتْ بِهِ غَيْرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 يَسِيرٍ حَتَّى وَقَعَتْ بِهِ فَأُصِيبَ فِي جَسَدِهِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ مَنْ خَرَجَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِغَيْرِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ يُصَابُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ»   388 - 388 - (مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ الْأَسَدِيِّ أَبِي الْحَارِثِ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ عَابِدٌ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. (عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ ابْنِ خَلْدَةَ بِسُكُونِ اللَّامِ الْأَنْصَارِيِّ (الزُّرَقِيِّ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، وَيُقَالُ لَهُ رُؤْيَةٌ. (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ) اسْمُهُ الْحَارِثُ، وَيُقَالُ عَمْرٌو أَوِ النُّعْمَانُ بْنُ رِبْعِيٍّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ السَّلَمِيُّ بِفَتْحَتَيْنِ الْمَدَنِيُّ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَلَمْ يَصِحَّ شُهُودُهُ بَدْرًا، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ) وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ (فَلْيَرْكَعْ) أَيْ فَلْيُصَلِّ مِنْ إِطْلَاقِ الْجُزْءِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ (رَكْعَتَيْنِ) هَذَا الْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ لِأَكْثَرِهِ بِاتِّفَاقٍ، وَاخْتُلِفَ فِي أَقَلِّهِ وَالصَّحِيحُ اعْتِبَارُهُ فَلَا يَتَأَدَّى هَذَا الْمُسْتَحَبُّ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ (قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ) فَإِنْ خَالَفَ وَجَلَسَ لَمْ يُشْرَعْ لَهُ التَّدَارُكُ، كَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ: " «أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: قُمْ فَارْكَعْهُمَا» " تَرْجَمَ عَلَيْهِ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ لَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ وَمِثْلُهُ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ. وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ وَقْتُهُمَا قَبْلَ الْجُلُوسِ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَبَعْدَهُ وَقْتُ جَوَازٍ، وَيُقَالُ وَقْتُهُمَا قَبْلَهُ أَدَاءٌ وَبَعْدَهُ قَضَاءٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ مَشْرُوعِيَّتَهُمَا بَعْدَ الْجُلُوسِ عَلَى مَا لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ، وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ، وَقَالَ الظَّاهِرِيَّةُ لِلْوُجُوبِ، وَمِنْ أَدِلَّةِ عَدَمِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي رَآهُ يَتَخَطَّى: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِصَلَاةٍ، كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا: الْأَوْقَاتُ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا لَيْسَ هَذَا الْأَمْرُ بِدَاخِلٍ فِيهَا، قُلْتُ: هُمَا عُمُومَانِ تَعَارَضَا، الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ لِكُلِّ دَاخِلٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَالنَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِ أَحَدِ الْعُمُومَيْنِ، فَذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى تَخْصِيصِ النَّهْيِ وَتَعْمِيمِ الْأَمْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى عَكْسِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ انْتَهَى. وَخُصَّ مِنْهُ أَيْضًا إِذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي الْفَرْضَ أَوْ شَرَعَ فِي الْإِقَامَةِ أَوْ قُرْبِهَا لِحَدِيثِ: " «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» " وَإِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيَمُرَّ فِيهِ فَقَالَ الحديث: 388 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ تَحِيَّةٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ وَهَذَا لَمْ يَرُدَّ الْجُلُوسَ، وَهَذَا فِيمَا عَدَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَتَحِيَّتُهُ الطَّوَافُ، وَتَنْدَرِجُ التَّحِيَّةُ تَحْتَ رَكْعَتِيِ الطَّوَافِ، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ يَحْيَى كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَقَدْ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ: " «أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَجَلَسَ مَعَهُمْ فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ جَالِسًا وَالنَّاسُ جُلُوسٌ، قَالَ: فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَلَمْ أَرَ صَاحِبَكَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَجْلِسُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ قَالَ أَبُو النَّضْرِ يَعْنِي بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَيَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ   389 - 389 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ (أَنَّهُ قَالَ لَهُ) أَيْ لِأَبِي النَّضْرِ (أَلَمْ أَرَ صَاحِبَكَ) أَيْ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ الْتَيْمِيِّ تَيْمِ قُرَيْشٍ (إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَجْلِسُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ؟ قَالَ أَبُو النَّضْرِ يَعْنِي بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ) الَّذِي هُوَ مَوْلَاهُ سَمَّاهُ صَاحِبُهُ (وَيَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ) التَّحِيَّةِ بَدَلًا مِنَ الْإِشَارَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّمَا عَابَ عَلَيْهِ تَقْصِيرَهُ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ فِي اسْتِعْمَالِ السُّنَّةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا لَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا عِنْدَهُ، وَلِذَا (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ (وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ، وَأَوْجَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ عَلَى كُلِّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ طَاهِرًا فِي حِينِ تَجُوزُ فِيهِ النَّافِلَةُ، وَأَوْجَبَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَقَالُوا: فِعْلُ الْخَيْرِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُعَارِضٍ لَهُ وَلَمْ يَقُولُوا بِالْمُجْمَلِ، وَدَلِيلُ مَالِكٍ وَالْجَمَاعَةُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَرْكَعَ، وَأَمَرَ الَّذِي رَآهُ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ بِالْجُلُوسِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ ارْكَعْ، وَاسْتِعْمَالُ الْأَحَادِيثِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: كَانَ الصَّحَابَةُ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَلَا يُصَلُّونَ، قَالَ: وَرَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَفْعَلُهُ وَكَذَا سَالِمٌ ابْنُهُ، وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَجْلِسُ وَلَا يُصَلِّي: " «وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَالَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: " لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» " مَا يَرُدُّ قَوْلَ أَهْلِ الظَّاهِرِ انْتَهَى. وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ الْوُجُوبَ الحديث: 389 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 وَتَوَقَّفَ الْحَافِظُ فِيهِ بِأَنَّ ابْنَ حَزْمٍ صَرَّحَ بِعَدَمِهِ. وَلَا تَوَقُّفَ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرِيًّا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُخَالِفَهُمْ فِي مَسَائِلَ كَكَثِيرٍ مِنْ مُقَلِّدِي الْأَئِمَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 [بَاب وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْوَجْهُ فِي السُّجُودِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سَجَدَ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الَّذِي يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَتَهُ قَالَ نَافِعٌ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ وَإِنَّهُ لَيُخْرِجُ كَفَّيْهِ مِنْ تَحْتِ بُرْنُسٍ لَهُ حَتَّى يَضَعَهُمَا عَلَى الْحَصْبَاءِ   19 - بَابُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْوَجْهُ فِي السُّجُودِ 390 - 390 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سَجَدَ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الَّذِي يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَتَهُ) لِأَنَّهُ السُّنَّةُ وَلِأَنَّ الْيَدَيْنِ مِمَّا يُرْفَعُ وَيُوضَعُ فِي السُّجُودِ كَالْوَجْهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَاشِرَ بِجَبْهَتِهِ الْأَرْضَ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (قَالَ نَافِعٌ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ وَإِنَّهُ لَيُخْرِجُ كَفَّيْهِ مِنْ تَحْتِ بُرْنُسٍ لَهُ حَتَّى يَضَعَهُمَا عَلَى الْحَصْبَاءِ) تَحْصِيلًا لِلْأَفْضَلِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُهُمَا وَأَنَّهُمَا لَيَقْطُرَانِ دَمًا، وَكَانَ سَالِمٌ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا يُبَاشِرُونَ بِأَكُفِّهِمُ الْأَرْضَ وَأَمَرَ بِذَلِكَ عُمَرُ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ يَسْجُدُونَ وَأَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ. وَحَدِيثُ: " «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا يَدَيْهِ فِي ثَوْبِهِ إِذَا سَجَدَ» " ضَعِيفٌ لِأَنَّ رِوَايَةَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا انْفَرَدَ لِضَعْفِهِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الحديث: 390 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ بِالْأَرْضِ فَلْيَضَعْ كَفَّيْهِ عَلَى الَّذِي يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَتَهُ ثُمَّ إِذَا رَفَعَ فَلْيَرْفَعْهُمَا فَإِنَّ الْيَدَيْنِ تَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ   391 - 391 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ بِالْأَرْضِ فَلْيَضَعْ كَفَّيْهِ عَلَى الَّذِي يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَتَهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ مَأْمُورٌ بِهِ مُرَغَّبٌ فِيهِ. (ثُمَّ إِذَا رَفَعَ فَلْيَرْفَعْهُمَا) لِأَنَّ رَفْعَهُمَا فَرْضٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ إِذْ لَا يَعْتَدِلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْهُمَا، وَالِاعْتِدَالُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالرَّفْعِ مِنْهُمَا فَرْضٌ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَفِعْلِهِ لَهُ. وَقَوْلُهُ: " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» "، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ» " وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الطُّمَأْنِينَةِ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ، وَلَمْ نَعُدَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِأَنَّهُمْ مَحْجُوجُونَ بِالْآثَارِ وَبِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: (فَإِنَّ الْيَدَيْنِ الحديث: 391 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 تَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ) تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِوَضْعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ وَلَا نَكُفُّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا الْجَبْهَةُ وَالْيَدَيْنِ» " وَلِمُسْلِمٍ: " وَالْكَفَّيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ " وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ وَلَا نَكْفِتُ الثِّيَابَ وَالشَّعْرَ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 [بَاب الْالْتِفَاتِ وَالتَّصْفِيقِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فِي الصَّلَاةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْ التَّصْفِيقِ الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ امْكُثْ مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ مِنْ التَّصْفِيحِ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ»   392 - 392 20 - بَابُ الِالْتِفَاتِ وَالتَّصْفِيقِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فِي الصَّلَاةِ - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ سَلَمَةُ (ابْنُ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ) الْخَزْرَجِيِّ الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ) بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ إِحْدَى قَبِيلَتَيِ الْأَنْصَارِ وَهُمَا الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَبَنُو عَمْرٍو وَبَطْنٍ كَبِيرٍ مِنَ الْأَوْسِ فِيهِ عِدَّةُ أَحْيَاءٍ كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ بِقُبَا (لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ) لِأَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ تَشَاجَرَا كَمَا فِي رِوَايَةِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ. وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: وَقَعَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ كَلَامٌ. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ: " «أَنَّ أَهْلَ قُبَا اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامُوا بِالْحِجَارَةِ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: " اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ» " وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ: " فَخَرَجَ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ " وَسَمَّى الطَّبَرَانِيُّ مِنْهُمْ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَسَهْلِ بْنِ بَيْضَاءَ، وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ الْخَبَرَ جَاءَ بِذَلِكَ وَقَدْ أَذَّنَ بِلَالٌ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: فِيهِ جَوَازُ إِصْلَاحِ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ بَيْنَ النَّاسِ وَأَنْ يَذْهَبَا بِأَنْفُسِهِمَا فِيمَا احْتَاجَا إِلَى مُشَاهَدَتِهِ مِنَ الْقَضَايَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: فِيهِ فَضْلُ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَجَمْعُ كَلِمَةِ الْقَبِيلَةِ وَحَسْمُ مَادَّةِ الْقَطِيعَةِ، وَتَوَجُّهُ الْإِمَامِ بِنَفْسِهِ إِلَى بَعْضِ رَعِيَّتِهِ لِذَلِكَ، وَتَقْدِيمُ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى مَصْلَحَةِ الْإِمَامِ بِنَفْسِهِ، وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ تَوَجُّهُ الْحَاكِمِ لِسَمَاعِ دَعْوَى بَعْضِ الْخُصُومِ إِذَا رَجَّحَ ذَلِكَ عَلَى اسْتِحْضَارِهِمْ. (وَحَانَتِ الصَّلَاةُ) أَيْ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ الحديث: 392 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 رِوَايَةِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ (فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ) بِلَالٌ (إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ: " «فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ: " إِنْ حَضَرَتِ الْعَصْرَ وَلَمْ آتِيكَ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ "، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ أَذَّنَ بِلَالٌ ثُمَّ أَقَامَ ثُمَّ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ» " وَنَحْوُهُ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ وَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ. (فَقَالَ: أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ؟) لِأَنَّهُ اسْتَفْهَمَهُ هَلْ يُبَادِرُ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ يَنْتَظِرُ قَلِيلًا لِيَأْتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَّحَ عَبْدُ أَبِي بَكْرٍ الْمُبَادَرَةَ لِأَنَّهَا فَضِيلَةٌ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَا تُتْرَكُ لِفَضِيلَةٍ مُتَوَهَّمَةٌ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ. (فَأُقِيمَ) بِالنَّصْبِ جَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ خَبَرٌ مَحْذُوفٌ هُوَ فَأَنَا أُقِيمُ. (قَالَ: نَعَمْ) زَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ إِنْ شِئْتَ، وَإِنَّمَا فَوَّضَ لَهُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ عِنْدَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ) أَيْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَبَّرَ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ فَاسْتَفْتَحَ أَبُو بَكْرٍ الصَّلَاةَ. (فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، قَالَ الْحَافِظُ: وَبِهَذَا يُجَابُ عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ حَيْثُ امْتَنَعَ أَبُو بَكْرٍ هُنَا أَنْ يَسْتَمِرَّ إِمَامًا، وَاسْتَمَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى خَلْفَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الصُّبْحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمُغَازِي، فَكَأَنَّهُ لَمَّا أَنْ مَضَى مُعْظَمُ الصَّلَاةِ حَسُنَ الِاسْتِمْرَارُ، وَلَمَّا لَمْ يَمْضِ مِنْهَا إِلَّا الْيَسِيرُ لَمْ يَسْتَمِرَّ، وَكَذَا وَقَعَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَيْثُ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الصُّبْحِ فَاسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ إِمَامًا لِهَذَا الْمَعْنَى فَتَخَلَّصَ. (حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ) الْأَوَّلِ فَأَلْ لِلْعَهْدِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: " «فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ» " وَلِمُسْلِمٍ: " «فَخَرَقَ الصُّفُوفَ حَتَّى قَامَ عِنْدَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ» "، وَفِيهِ جَوَازُ شَقِّ الصُّفُوفِ وَالْمَشْيِ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ لِقَصْدِ الْوُصُولِ إِلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، لَكِنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى مَنْ يَلِيقُ ذَلِكَ بِهِ كَالْإِمَامِ أَوْ مَنْ كَانَ بِصَدَدِ أَنْ يَحْتَاجَ الْإِمَامُ إِلَى اسْتِخْلَافِهِ، أَوْ مَنْ أَرَادَ سَدَّ فُرْجَةٍ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ مَا يَلِيهِ مَعَ تَرْكِ مَنْ يَلِيهِ سَدُّهَا وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنَ الْأَذَى، قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنِ التَّخَطِّي، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ كَغَيْرِهِ فِي أَمْرِ الصَّلَاةِ وَلَا غَيْرِهَا، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِسَبَبِ مَا يُنَزَّلُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي الْخَصَائِصِ، وَقَدْ أَشَارَ هُوَ إِلَى الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْأَذَى وَالْجَفَاءِ الَّذِي يَقَعُ فِي التَّخَطِّي، وَلَيْسَ كَمَنْ شَقَّ الصُّفُوفَ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخَطِّي رِقَابِهِمْ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا أَصْلُ مَنْ رَأَى فُرْجَةً فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ أَنْ يَشُقَّ الصُّفُوفَ إِلَيْهَا. رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُقَ صَفًّا إِلَى فُرْجَةٍ يَرَاهَا فِي صَفٍّ آخَرَ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي تَخَلُّلِ الصُّفُوفِ وَدَفْعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 النَّاسِ وَالتَّخَلُّصِ بَيْنَهُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهِ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَهْلُ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ بِحُدُودِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» " يُرِيدُ لِيَحْفَظُوا عَنْهُ مَا يَكُونُ مِنْهُ فِي صَلَاتِهِ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَنْ فِيهِ يَصْلُحُ لِلِاسْتِخْلَافِ إِنْ نَابَ الْإِمَامَ شَيْءٌ مِمَّنْ يَعْرِفُ إِصْلَاحَهَا. (فَصَفَّقَ النَّاسُ) وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيحِ، قَالَ سَهْلٌ: أَتَدْرُونَ مَا التَّصْفِيحُ؟ هُوَ التَّصْفِيقُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَرَادُفِهِمَا عِنْدَهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ. (وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ) لِعِلْمِهِ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ. (فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنَ التَّصْفِيقِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ صَفَّقَ مِنْهُمُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَكْثَرَ التَّصْفِيقَ. وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: فَلَمَّا رَأَى التَّصْفِيحَ لَا يُمْسَكُ عَنْهُ الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ سَبَبٍ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لِأَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَهَا لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِعَادَةِ، فَحُكْمُ مَا أَقَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُ مَا أَبَاحَهُ قَوْلًا وَعَمَلًا. (فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَغَيْرِهِمَا جَائِزَةٌ فِي الصَّلَاةِ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ» " (أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ) وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَأَشَارَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ. وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ: فَدَفَعَ فِي صَدْرِهِ لِيَتَقَدَّمَ فَأَبَى (فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ) أَيِ الْوَجَاهَةُ فِي الدِّينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِالْحَمْدِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْحَمِيدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ: فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ شُكْرًا لِلَّهِ وَرَجَعَ الْقَهْقَرِيَّ. وَادَّعَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ أَشَارَ بِالشُّكْرِ وَالْحَمْدِ بِيَدِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْحَمِيدِيِّ مَا يَمْنَعُ أَنَّهُ تَلَفَّظَ. وَيُقَوِّيهِ رِوَايَةُ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ: " يَا أَبَا بَكْرٍ لِمَ رَفَعْتَ يَدَيْكَ وَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: رَفَعْتُ يَدَيَّ لِأَنِّي حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَى مَا رَأَيْتُ مِنْكَ " وَفِيهِ رَفْعُ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ وَالْحَمْدِ لِمَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَالِالْتِفَاتِ لِلْحَاجَةِ، وَأَنَّ مُخَاطَبَةَ الْمُصَلِّي بِالْإِشَارَةِ أَوْلَى مِنَ الْعِبَارَةِ. (ثُمَّ اسْتَأْخَرَ) أَبُو بَكْرٍ أَيْ تَأَخَّرَ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْبَارٍ لِلْقِبْلَةِ وَلَا انْحِرَافٍ عَنْهَا (حَتَّى اسْتَوَى) فِي الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ، فَفِيهِ أَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ فِي الصَّلَاةِ جَائِزٌ. (وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 بِالنَّاسِ فَفِيهِ جَوَازُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِإِمَامَيْنِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ، وَأَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ إِذَا غَابَ يَسْتَخْلِفَ غَيْرَهُ، فَإِذَا حَضَرَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ نَائِبُهُ فِي الصَّلَاةِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ أَوْ يَؤُمَّ هُوَ وَيَصِيرُ النَّائِبَ مَأْمُومًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ وَلَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ صَلَاةُ أَحَدٍ مِنَ الْمَأْمُومِينَ. وَادَّعَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، وَنُوقِضَ بِأَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ، وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْجَوَازُ. وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْإِمَامِ يُحْدِثُ فَيَسْتَخْلِفُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَخْرُجُ الْمُسْتَخْلَفُ وَيُتِمُّ الْأَوَّلُ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَهُوَ تَحَامُلٌ، فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَدَعْ ذَلِكَ وَلَمْ يُطْلِقِ الْإِجْمَاعَ إِنَّمَا قَالَ: هَذَا مَوْضِعُ خُصُوصٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ خِلَافًا أَنَّ الْمَأْمُومِينَ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرِ حَدَثَ يَقْطَعُ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَيُوجِبُ اسْتِخْلَافَهُ لَا يَجُوزُ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى هَذَا دَلِيلٌ عَلَى خُصُوصِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِفَضْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ أَنْ لَا يَتَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ، وَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ فِي الصَّلَاةِ وَالْفَتْوَى وَالْأُمُورِ كُلِّهَا، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ. . . . إِلَخْ. وَفَضِيلَةُ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْهَلُهَا مُسْلِمٌ وَلَا يَلْحَقُهَا أَحَدٌ، وَأَمَّا سَائِرُ النَّاسِ فَلَا ضَرُورَةَ بِهِمْ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَالثَّانِي سَوَاءٌ مَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، وَمَوْضِعُ الْخُصُوصِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِئْخَارُ الْإِمَامِ لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ ذِكْرُ مَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْهُ فَأَنْتَ تَرَاهُ قَيْدَ الْخُصُوصِيَّةِ بِقَوْلِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ فَهُوَ نَقْلٌ لَا دَعْوَى، فَقَوْلُهُ: وَفِي إِجْمَاعِهِمْ يَعْنِي إِجْمَاعَ الْجُمْهُورِ لَا مُطْلَقًا كَمَا فَهِمَ الْمُعْتَرِضُ وَمِمَّنْ سَبَقَهُ إِلَى عَدِّ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ رَادًّا بِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّهُ الْأَظْهَرُ. (ثُمَّ انْصَرَفَ) مِنَ الصَّلَاةِ (فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ) عَلَى إِمَامَتِكَ (إِذْ) حِينَ (أَمَرْتُكَ) بِالْإِشَارَةِ، فَفِيهِ أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ لِمُعَاتَبَتِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ إِشَارَتِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِهِمْ جَازَ لِأَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ عَنِ التَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَّا بِأَمْرِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَفِيهِ إِكْرَامُ الْكَبِيرِ بِمُخَاطَبَتِهِ بِالْكُنْيَةِ. (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ) يَنْبَغِي (لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَخِفَّةِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ أَسْلَمَ فِي الْفَتْحِ، وَتُوفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَعَبَّرَ بِذَلِكَ دُونَ أَنْ يَقُولَ مَا كَانَ لِي أَوْ لِأَبِي بَكْرٍ تَحْقِيرًا لِنَفْسِهِ وَاسْتِصْغَارًا لِمَرْتَبَتِهِ (أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ) ، وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنْ يَؤُمَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَفِيهِ أَنَّ مَنْ أُكْرِمَ بِكَرَامَةٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالتَّرْكِ إِذَا فَهِمَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ عَلَى اللُّزُومِ، وَكَانَتِ الْقَرِينَةُ الَّتِي بَيَّنَتْ لِأَبِي بَكْرٍ ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَقَّ الصُّفُوفَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ فَفَهِمَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ وَأَنَّ أَمْرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 إِيَّاهُ بِالِاسْتِمْرَارِ فِي الْإِمَامَةِ لِلْإِكْرَامِ وَالتَّنْوِيهِ بِقَدْرِهِ فَسَلَكَ هُوَ طَرِيقَ الْأَدَبِ، وَلِذَا لَمْ يَرُدُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِذَارَهُ، وَفِيهِ جَوَازُ إِمَامَةِ الْمَفْضُولِ لِلْفَاضِلِ وَسُؤَالُ الرَّئِيسِ عَنْ سَبَبِ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ. (فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ مِنَ التَّصْفِيحِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيِ التَّصْفِيقِ كَمَا قَالَهُ سَهْلٌ رَاوِي الْحَدِيثِ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَبِهِ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْقَالِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ نَفْيَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَتُعُقِّبَ بِمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ أَنَّهُ بِالْحَاءِ ضَرْبُ ظَاهِرِ إِحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَبِالْقَافِ بَاطِنِهَا عَلَى بَاطِنِ الْأُخْرَى، وَقِيلَ: بِالْحَاءِ الضَّرْبُ بِأُصْبُعَيْنِ لِلْإِنْذَارِ وَالتَّنْبِيهِ، وَبِالْقَافِ لِجَمِيعِهَا لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ. وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَزَعَمَ أَنَّ الصَّحَابَةَ ضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، قَالَ عِيَاضٌ: كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَفِيهِ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ (مَنْ نَابَهُ) أَيْ أَصَابَهُ (شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ) أَيْ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَمَا لِلْبُخَارِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، وَفِيهِ جَوَازُ التَّسْبِيحِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُسَبِّحِ إِعْلَامَ غَيْرِهِ بِمَا وَقَعَ لَهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالْبُطْلَانِ، وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ جَوَازَ الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ إِذَا جَازَ جَازَتِ التِّلَاوَةُ مِنْ بَابِ أَوْلَى. (فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَّا الْتَفَتَ. (وَإِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ) أَيْ هُوَ مِنْ شَأْنِهِنَّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ قَالَهُ عَلَى جِهَةِ الذَّمِّ لَهُ فَلَا يَنْبَغِي فِي الصَّلَاةِ فِعْلُهُ لِرَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ بَلِ التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ وَلَمْ يَخُصَّ رِجَالًا مِنْ نِسَاءٍ، هَكَذَا تَأَوَّلَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى كَرَاهَةِ التَّصْفِيقِ لِلنِّسَاءِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِزِيَادَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: " «إِذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّقِ النِّسَاءُ» " قَالَ: فَهَذَا قَاطِعٌ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْقَوْلُ بِمَشْرُوعِيَّةِ التَّصْفِيقِ لِلنِّسَاءِ هُوَ الصَّحِيحُ خَبَرًا وَنَظَرًا لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِخَفْضِ صَوْتِهَا فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا لِمَا يَخْشَى مِنَ الِافْتِتَانِ، وَمَنْعِ الرِّجَالِ مِنَ التَّصْفِيقِ لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ   393 - 393 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ) لِأَنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الِاتِّبَاعِ الحديث: 393 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 لِلْمُصْطَفَى، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: لَا، وَلَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ بِإِجْمَاعٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لِلتَّنْزِيهِ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: يَحْرُمُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ: " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ " وَرَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَفَعَهُ: " لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهُ انْصَرَفَ " وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إِذَا قَلَّ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَرَائِي وَلَا أَشْعُرُ بِهِ فَالْتَفَتُّ فَغَمَزَنِي   394 - 394 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ) بِالْهَمْزِ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي اسْمِهِ وَهُوَ أَحَدُ الْقُرَّاءِ الْمَشْهُورِينَ (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَرَائِي وَلَا أَشْعُرُ بِهِ فَالْتَفَتُّ) زَادَ فِي رِوَايَةِ مُصْعَبٍ: " فَوَضَعَ يَدَهُ فِي قَفَايَ " (فَغَمَزَنِي) فَبَيَّنَ أَنَّهُ غَمَزَهُ فِي قَفَاهُ إِشَارَةً إِلَى نَهْيِهِ عَنْهُ، وَسَبَبُ كَرَاهَةِ الِالْتِفَاتِ يُحْتَمَلُ لِنَقْصِ الْخُشُوعِ أَوْ لِتَرْكِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِبَعْضِ الْبَدَنِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَسْتَدْبِرِ الْقِبْلَةَ بِصَدْرِهِ أَوْ بِعُنُقِهِ عِنْدَ قَوْمٍ. الحديث: 394 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 [بَاب مَا يَفْعَلُ مَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ دَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ النَّاسَ رُكُوعًا فَرَكَعَ ثُمَّ دَبَّ حَتَّى وَصَلَ الصَّفَّ   396 - 395 21 - بَابُ مَا يَفْعَلُ مَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ اسْمُهُ أَسْعَدُ وَقِيلَ سَعْدُ (بْنُ سَهْلٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (ابْنِ حُنَيْفٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ الْأَنْصَارِيِّ مَعْرُوفٌ بِكُنْيَتِهِ، مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ لِأَنَّ لَهُ رُؤْيَةً وَلَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ وَلَهُ اثْنَانِ وَتِسْعُونَ سَنَةً، وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ (أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ النَّاسَ رُكُوعًا فَرَكَعَ ثُمَّ دَبَّ حَتَّى وَصَلَ الصَّفَّ) رَاكِعًا. الحديث: 396 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَدِبُّ رَاكِعًا   396 - 396 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَدُبُّ رَاكِعًا) قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: لَا تَرْكَعْ حَتَّى تَأْخُذَ مَقَامَكَ مِنَ الصَّفِّ. قَالَ: وَقَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ قَالَ: فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَجَازَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ لِلرَّجُلِ وَحْدَهُ أَنْ يَرْكَعَ وَيَمْشِيَ إِلَى الصَّفِّ إِذَا كَانَ قَرِيبًا قَدْرَ مَا يَلْحَقُ رَاكِعًا، وَقَالَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لِلْوَاحِدِ وَأَجَازَهُ لِلْجَمَاعَةِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: وَالْقُرْبُ فِي ذَلِكَ نَحْوَ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 [بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا «يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»   397 - 397 22 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةُ لُغَةً الدُّعَاءُ، قَالَ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 103) أَيِ ادْعُ لَهُمْ، وَالدُّعَاءُ نَوْعَانِ: دُعَاءُ عِبَادَةٍ وَدُعَاءُ مَسْأَلَةٍ، فَالْعَابِدُ دَاعٍ كَالسَّائِلِ وَبِهِمَا فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] (سُورَةُ غَافِرٍ: الْآيَةُ 60) أَيْ أَطِيعُونِي أُثِبْكُمْ أَوْ سَلُونِي أُعْطِكُمْ، وَتَرِدُ بِمَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ لِأُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ» " فُسِّرَ فِي رِوَايَةٍ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهُمْ» ، وَبِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ فَيَخْتَلِفُ حَالُ الصَّلَاةِ بِحَسَبِ حَالِ الْمُصَلِّي وَالْمُصَلَّى لَهُ وَالْمُصَلَّى عَلَيْهِ. وَنَقَلَ الْبُخَارِيُّ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ صَلَاةُ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ مَلَائِكَتِهِ وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ. وَرَجَّحَ الشِّهَابُ الْقَرَافِيُّ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ الْمَغْفِرَةُ. وَقَالَ الرَّازِيُّ وَالْآمِدِيُّ الرَّحْمَةُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ غَايَرَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 157) وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ الرَّحْمَةُ، وَمِنَ الْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالدُّعَاءُ وَالتَّسْبِيحُ، وَمِنَ الطَّيْرِ وَالْهَوَامِّ التَّسْبِيحُ، قَالَ تَعَالَى: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: 41] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 41) . - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ نِسْبَةً لِجَدِّهِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ وَغَيْرِهِ: أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَلَى الْأَصْلِ (عَنْ أَبِيهِ) الحديث: 397 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 أَبِي بَكْرٍ اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ وَقِيلَ: يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ (عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ (الزُّرَقِيِّ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ (أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي) بِالْإِفْرَادِ (أَبُو حُمَيْدٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ (السَّاعِدِيُّ) الصَّحَابِيُّ الشَّهِيرُ اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ سَعْدِ بْنُ الْمُنْذِرِ أَوِ ابْنُ مَالِكٍ، وَقِيلَ: اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ: عَمْرٌو، شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَعَاشَ إِلَى أَوَّلِ سَنَةِ سِتِّينَ (أَنَّهُمْ) أَيِ الصَّحَابَةُ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ) قَالَ الْحَافِظُ: وَقَفْتُ مِنْ تَعْيِينِ مَنْ بَاشَرَ السُّؤَالَ عَلَى جَمَاعَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي الطَّبَرَانِيِّ، وَبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ مَالِكٍ، وَمُسْلِمٍ وَزَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ الْأَنْصَارِيِّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَشِيرٍ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ فَضْلِ الصَّلَاةِ، وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ، قَالَ: فَإِنْ ثَبَتَ تَعَدُّدُ السَّائِلِ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ وَاحِدٌ فَالتَّعْبِيرُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ السُّؤَالَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ يُرِيدُ نَفْسَهُ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ التَّعْبِيرِ عَنِ الْبَعْضِ بِالْكُلِّ بَلْ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْجَمْعِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَا ذُكِرَ. ( «كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ» ؟) أَيْ كَيْفَ اللَّفْظُ الَّذِي يَلِيقُ أَنْ نُصَلِّيَ بِهِ عَلَيْكَ كَمَا عَلَّمْتَنَا السَّلَامَ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ اللَّفْظَ اللَّائِقَ بِكَ، وَلِذَا عَبَّرَ بِكَيْفَ الَّتِي يُسْأَلُ بِهَا عَنِ الصِّفَةِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّمَا سَأَلُوهُ صِفَةَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْ جِنْسِهَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالرَّحْمَةِ وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِالدُّعَاءِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ خَبَرٌ مُحْتَمَلٌ لَا يَقْطَعُ فِيهِ بِشَيْءٍ حَتَّى يَقِفَ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ إِنْ وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَسَأَلُوهُ لِمَا احْتَمَلَ لَفْظُ الصَّلَاةِ مِنَ الْمَعَانِي. وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ} [الأحزاب: 56] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 56) قُلْنَا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا السَّلَامَ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ؟ (فَقَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) صَلَاةً تَلِيقُ بِهِ (وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ) » مَنْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِلَادَةً عَلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ ( «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَدْخُلُ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ وَآلِ مُحَمَّدٍ يَدْخُلُ فِيهِ مُحَمَّدٌ، وَمِنْ هُنَا جَاءَتِ الْآثَارُ مَرَّةً بِإِبْرَاهِيمَ وَمَرَّةً بِآلِ إِبْرَاهِيمَ وَرُبَّمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] (سُورَةُ غَافِرٍ: الْآيَةُ 46) أَنَّ فِرْعَوْنَ دَاخِلٌ مَعَهُمْ. ( «وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ» ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَى الْبَرَكَةِ هُنَا الزِّيَادَةُ مِنَ الْخَيْرِ وَالْكَرَامَةِ، وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى التَّطْهِيرِ وَالتَّزْكِيَةِ أَيْ طَهِّرْهُمْ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 33) وَقِيلَ: تَكْثِيرُ الثَّوَابِ فَالْبَرَكَةُ لُغَةً التَّكْثِيرُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَقِيلَ الْمُرَادُ ثَبَاتُ ذَلِكَ وَدَوَامُهُ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 قَوْلِهِمْ: بَرَكَتِ الْإِبِلُ أَيْ ثَبَتَتْ عَلَى الْأَرْضِ، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو الْيَمَنِ بْنُ عَسَاكِرَ فَقَالَ: وَبَارِكْ أَيْ أَثْبِتْ لَهُمْ وَأَدِمْ لَهُمْ مَا أَعْطَيْتَهُمْ مِنَ الشَّرَفِ وَالْكَرَامَةِ. قَالَ السَّخَاوِيُّ: وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ قَوْلِهِ: وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ فِيمَا عَثَرْنَا عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ ذَكَرَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ وَجُوبُهَا فِي الْجُمْلَةِ، فَقَالَ: عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُبَارِكَ عَلَيْهِ وَلَوْ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُغْنِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ وُجُوبُهَا فِي الصَّلَاةِ، قَالَ الْمَجْدُ الشِّيرَازِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ لَا يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ. ( «كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ» ) فَعِيلٌ مِنَ الْحَمْدِ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَهُوَ مَنْ تُحْمَدُ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ أَوِ الْمُسْتَحِقُّ لِذَلِكَ، أَوْ بِمَعْنَى حَامِدٍ أَيْ يَحْمَدُ أَفْعَالَ عِبَادِهِ حُوِّلَ لِلْمُبَالَغَةِ وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِزِيَادَةِ الْإِفْضَالِ وَإِعْطَاءِ الْمُرَادِ مِنَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ، (مَجِيدٌ) بِمَعْنَى مَاجِدٌ مِنَ الْمَجْدِ وَهُوَ الشَّرَفُ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْمُشَبَّهَ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَالْوَاقِعُ هُنَا عَكْسُهُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَطْلُوبَةَ لَهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ حَصَلَتْ أَوْ تَحْصُلُ لِغَيْرِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ عِلْمِهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ قَالَ: ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ» " وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لِغَيَّرَ صِفَةَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَبَيْنَ التَّغْيِيرِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَقْصًا فِيهِ بَلِ التَّغْيِيرُ قَدْ يُوهِمُ نَقْصًا لِإِبْرَاهِيمَ، أَوْ قَالَ ذَلِكَ تَوَاضُعًا وَشَرْعًا لِأُمَّتِهِ لِيَكْتَسِبُوا بِهِ الْفَضِيلَةَ، أَوِ التَّشْبِيهُ إِنَّمَا هُوَ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِأَصْلِ الصَّلَاةِ لَا لِلْقَدْرِ بِالْقَدْرِ كَقَوْلِهِ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} [النساء: 163] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 163) وَمِنْهُ {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] (سُورَةُ الْقَصَصِ: الْآيَةُ 77) وَرَجَّحَهُ فِي الْمُفْهِمِ. وَقَوْلُهُ: " «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ» " مَقْطُوعٌ عَنِ التَّشْبِيهِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَاعِدَةِ الْأُصُولِ فِي رُجُوعِ الْمُتَعَلِّقَاتِ إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ، وَبِأَنَّ التَّشْبِيهَ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْآلِ، وَبِأَنَّ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسَاوُوا الْأَنْبِيَاءَ، فَكَيْفَ يَطْلُبُ لَهُمْ صَلَاةً مِثْلَ الصَّلَاةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِإِبْرَاهِيمَ وَالْأَنْبِيَاءِ مِنْ آلِهِ؟ وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الثَّوَابُ الْحَاصِلُ لَهُمْ لَا جَمِيعَ الصِّفَاتِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبًا لِلثَّوَابِ، أَوْ أَنَّ كَوْنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَرْفَعَ مِنَ الْمُشَبَّهِ لَا يَطَّرِدُ بَلْ قَدْ يَكُونُ بِالْمِثْلِ بَلْ بِالدُّونِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: 35] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 35) وَأَيْنَ يَقَعُ نُورُ طَاقَةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ مِنْ نُورِ الْعَلِيمِ الْفَتَّاحِ؟ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا ظَاهِرًا وَاضِحًا لِلسَّامِعِ حَسُنَ تَشْبِيهُ النُّورِ بِالْمِشْكَاةِ، وَكَذَا هُنَا لَمَّا كَانَ تَعْظِيمُ إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مَشْهُورًا وَاضِحًا عِنْدَ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ حَسُنَ أَنْ يُطْلَبَ لِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا حَصَلَ لِإِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ خَتْمُ الطَّلَبِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ فِي الْعَالَمِينَ، وَلِذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْعَالَمِينَ إِلَّا فِي ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 دُونَ ذِكْرِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ التَّالِي. وَقَالَ عِيَاضٌ: أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ سَأَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ لِيُتِمَّ النِّعْمَةَ عَلَيْهِمْ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ، وَقِيلَ: بَلْ سَأَلَ ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ، وَقِيلَ: بَلْ لِيَبْقَى لَهُ ذَلِكَ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُجْعَلُ لَهُ بِهِ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ كَإِبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ: سَأَلَ صَلَاةً يَتَّخِذْهُ بِهَا خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمُرَادُ اجْعَلْ لِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلَاةً بِمِقْدَارِ الصَّلَاةِ الَّتِي لِإِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ، وَالْمَسْئُولُ مُقَابَلَةُ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ، فَإِنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْآلِ أَنَّهُمْ جَمِيعُ الْأَتْبَاعِ، وَيَدْخُلُ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ خَلَائِقٌ لَا يُحْصَوْنَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي آلِ مُحَمَّدٍ نَبِيٌّ، فَطَلَبَ إِلْحَاقَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الَّتِي فِيهَا نَبِيٌّ وَاحِدٌ بِتِلْكَ الْجُمْلَةِ الَّتِي فِيهَا خَلَائِقُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا وَكَوْنُ الْمُشَارَكَةِ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ لَا قَدْرُهَا، وَكَوْنُ الْمَسْئُولِ لَهُ مِثْلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ لَا نَفْسِهِ هِيَ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمُخْتَارَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران: 33] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 33) قَالَ: مُحَمَّدٌ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ فَكَأَنَّهُ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ خُصُوصًا بِقَدْرِ مَا صَلَّيْنَا عَلَيْهِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ عُمُومًا، فَيَحْصُلُ لِآلِهِ مَا يَلِيقُ بِهِمْ وَيَبْقَى الْبَاقِي كُلُّهُ لَهُ، وَذَلِكَ الْقَدْرُ أَزْيَدُ مِمَّا لِغَيْرِهِ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَتُظْهِرُهُ فَائِدَةُ التَّشْبِيهِ، وَأَنَّ الْمَطْلُوبَ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَفْضَلُ مِنَ الْمَطْلُوبِ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: سَبَبُ هَذَا التَّشْبِيهِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ فِي بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ: رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَجِبْ دُعَاءَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ فِي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا أَجَبْتَهَا عِنْدَمَا قَالُوهَا فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْجُودِينَ حِينَئِذٍ، وَلِذَا خَتَمَ بِمَا خَتَمَ بِهِ هَذِهِ الْآيَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي الدَّعَوَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقِ رُوحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ خَمْسَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ثُمَّ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ»   398 - 398 - (مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ) بِضَمِّ النُّونِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الْمَدَنِيِّ مَوْلَى آلِ عُمَرَ (الْمُجْمِرِ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ بَيْنَهُمَا جِيمٌ سَاكِنَةٌ، صِفَةٌ لَهُ وَلِأَبِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ ثِقَةٌ مِنْ أَوَاسِطِ التَّابِعِينَ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ) بْنِ عَبَدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ، وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَهُوَ الَّذِي كَانَ أُرِيَ الْأَذَانَ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ) عُقْبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الحديث: 398 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مَاتَ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا ( «أَنَّهُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ» ) سَيِّدِ الْخَزْرَجِ قَالَ الْبَاجِيُّ: فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَخُصُّ رُؤَسَاءَ النَّاسِ بِزِيَارَتِهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ تَأْنِيسًا لَهُمْ (فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةَ (ابْنُ سَعْدٍ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ ابْنُ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجَيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ بَدْرِيٌّ، وَالِدُ النُّعْمَانَ اسْتُشْهِدَ بِعَيْنِ التَّمْرِ ( «أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ) بُقُولِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 56) ( «فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ» ؟) أَيْ فَعَلِمْنَا كَيْفَ اللَّفْظُ اللَّائِقُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْكَ؟ زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ: إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا (قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ حَيَاءً وَتَوَاضُعًا إِذْ فِي ذَلِكَ الرِّفْعَةُ لَهُ فَأَحَبَّ أَنْ لَوْ قَالُوا هُمْ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْتَظِرَ مَا يَأْمُرُهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْقُرْآنِ قَالَهُ الْبَوْنِيُّ (حَتَّى تَمَنَّيْنَا) وَدِدْنَا (أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ) مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ كَرِهَهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ. (ثُمَّ قَالَ: قُولُوا:) الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ اتِّفَاقًا فَقِيلَ: فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقِيلَ: فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ يَعْقُبُهُ سَلَامٌ، وَقِيلَ: كُلَّمَا ذُكِرَ (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) قَالَ الْحَازِمِيُّ: أَيْ عَظِّمْهُ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَاءِ ذِكْرِهِ وَإِظْهَارِ دِينِهِ وَإِبْقَاءِ شَرِيعَتِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِإِجْزَالِ مَثُوبَتِهِ وَتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ وَأَيِّدْ فَضِيلَتَهُ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَلَمَّا كَانَ الْبَشَرُ عَاجِزًا عَنْ أَنْ يَبْلُغَ قَدْرَ الْوَاجِبِ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَرَّعَ لَنَا أَنْ نُحِيلَ أَمْرَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى نَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ أَيْ لِأَنَّكَ أَنْتَ الْعَالِمُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) أَتْبَاعِهِ قَالَهُ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} [غافر: 46] (سُورَةُ غَافِرٍ: الْآيَةُ 46) أَوْ ذُرِّيَّتِهِ. الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُمُ الْأَتْبَاعُ مِنَ الرَّهْطِ وَالْعَشِيرَةِ. ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَفْظُ آلٍ مُحْتَمَلٌ، وَقِيلَ: يُفَسَّرُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ (أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ) فَمَا أَجْمَلَهُ مَرَّةً فَسَّرَهُ أُخْرَى ( «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ» ) وَفِي رِوَايَةٍ بِدُونِ لَفْظِ آلٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَقِيلَ: هِيَ مُقْحَمَةٌ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فِيهِمَا، وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ ذِكْرَ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَذِكْرَ آلِ مُحَمَّدٍ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ ثَابِتَةٌ فِي أَصْلِ الْخَبَرِ، وَإِنَّمَا حَفِظَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ ( «فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» ) مَحْمُودٌ مَاجِدٌ وَصَرْفًا لِبِنَاءِ الْمُبَالِغَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا تَذْيِيلٌ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ وَتَقْرِيرٌ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ، أَيْ إِنَّكَ حَمِيدٌ فَاعِلٌ مَا تَسْتَوْجِبُ بِهِ الْحَمْدَ مِنَ النِّعَمِ الْمُتَكَاثِرَةِ وَالْآلَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 الْمُتَعَاقِبَةِ الْمُتَوَالِيَةِ مَجِيدٌ كَرِيمٌ كَثِيرُ الْإِحْسَانِ إِلَى جَمِيعِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، وَمِنْ مَحَامِدِكَ وَإِحْسَانِكِ أَنْ تُوَجِّهَ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى حَبِيبِكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَآلِهِ (وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ) فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، رُوِيَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُخَفَّفَةٌ وَبِضَمِّ الْعَيْنِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ عُلِّمْتُمُوهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ، قَالَ الْبَرْقِيُّ: وَالْأُولَى أَصَحُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: كِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَلَمْ يَقُلْ: كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى مُوسَى لِأَنَّهُ كَانَ التَّجَلِّي لَهُ بِالْجَلَالِ {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 143) وَالْخَلِيلُ كَانَ التَّجَلِّي لَهُ بِالْجَمَالِ، لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْخُلَّةَ مِنْ آثَارِ التَّجَلِّي بِالْجَمَالِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ التَّجَلِّي بِالْجَمَالِ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلِيلِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ التَّجَلِّي بِالْوَصْفِ الَّذِي تَجَلَّى بِهِ لِلْخَلِيلِ، فَالَّذِي تَقْتَضِيهِ الْمُشَارَكَةُ فِي الْوَصْفِ لَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ، فَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَجَلَّى لَهُ بِالْجَمَالِ لِشَخْصَيْنِ بِحَسَبِ مَقَامَيْهِمَا وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي وَصْفِ التَّجَلِّي فَتَجَلَّى لِلْخَلِيلِ بِحَسَبِ مَقَامِهِ، وَلِلْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَسَبِ مَقَامِهِ، أَفَادَهُ الْعَارِفُ الْمَرْجَانِيُّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْقَاسِمِ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَيْتُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَارْحَمْ مُحَمَّدًا فَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إِنْ كَانَتْ مِنَ اللَّهِ الرَّحْمَةُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خُصَّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 63) وَلِذَا أَنْكَرَ الْعُلَمَاءُ عَلَى يَحْيَى وَمَنْ تَابَعَهُ فِي الرِّوَايَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ   398 - 399 - (عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) قَالُوا: وَإِنَّمَا رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَسَائِرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ يُصَلِّي وَبَيْنَ وَيَدْعُو، وَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ قَدْ تَكُونُ دُعَاءً لِمَا خُصَّ بِهِ مِنْ لَفْظِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَعَلَّ إِنْكَارَ الْعُلَمَاءِ رِوَايَةَ يَحْيَى وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ الَّذِي خَالَفَهُ فِيهِ الْجُمْهُورُ فَتَكُونُ رِوَايَتُهُ شَاذَّةً وَإِلَّا فَالصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ تَجُوزُ تَبَعًا كَمَا هُنَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهَا اسْتِقْلَالًا هَلْ تُمْنَعُ أَوْ تُكْرَهُ أَوْ تَجُوزُ كَمَا حَكَاهُ فِي الشِّفَا؟ قَالَ الْأَبِّيُّ: وَالْأَصَحُّ الْكَرَاهَةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 [بَاب الْعَمَلِ فِي جَامِعِ الصَّلَاةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ»   400 - 400 الحديث: 400 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 23 - بَابُ الْعَمَلِ فِي جَامِعِ الصَّلَاةِ - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ» ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: " «كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ وَصَفَ مَا رَأَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْسَى ابْنُ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ مِنَ الْأَرْبَعِ، قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَالَيْنِ، فَتَارَةً كَانَ يُصَلِّي ثِنْتَيْنِ وَتَارَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا، وَقِيلَ: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَفِي بَيْتِهِ أَرْبَعًا، أَوْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَرَأَى ابْنُ عُمَرَ مَا فِي الْمَسْجِدِ دُونَ مَا فِي بَيْتِهِ وَاطَّلَعَتْ عَائِشَةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ، وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: " «كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ» " قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الْأَرْبَعُ كَانَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِهِ وَالرَّكْعَتَانِ فِي قَلِيلِهَا (وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ) ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا: " «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» " وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْعَصْرِ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ عَلِيٍّ: " «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» " وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» " ( «وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» ) وَقَوْلُهُ: (فِي بَيْتِهِ) لَمْ يَقُلْهُ يَحْيَى وَالْقَعْنَبِيُّ سِوَى هُنَا، فَفِيهِ أَنَّ نَوَافِلَ اللَّيْلِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ رَوَاتِبِ النَّهَارِ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَنْ عَمْدٍ، وَإِنَّمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَشَاغَلُ بِالنَّاسِ فِي النَّهَارِ غَالِبًا وَبِاللَّيْلِ يَكُونُ فِي بَيْتِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. ( «وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ» ) زَادَ ابْنُ وَهْبٍ وَجَمَاعَةٌ فِي بَيْتِهِ ( «وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ» ) مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى بَيْتِهِ (فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ) زَادَ ابْنُ بُكَيْرٍ فِي بَيْتِهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ وَهْبٍ وَجَمَاعَةٌ انْصِرَافَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُبَادِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَى الْقَائِلَةِ بِخِلَافِ الظُّهْرِ كَانَ يُبْرِدُ بِهَا فَكَانَ يُقِيلُ قَبْلَهَا. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إِنَّمَا ذَكَرَ ابْنُ عُمَرَ الْجُمُعَةَ بَعْدَ الظُّهْرِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ بِخِلَافِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 الظُّهْرِ، قَالَ: وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمَّا كَانَتْ بَدَلَ الظُّهْرِ وَاقْتُصِرَ فِيهَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ تَرَكَ التَّنَفُّلَ بَعْدَهَا فِي الْمَسْجِدِ خَشْيَةَ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهَا الَّتِي حُذِفَتْ. انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا رَكْعَتَيْنِ مُتَّصِلَتَيْنِ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ لِهَذَا الْمَعْنَى. وَلِأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَيُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ» ، وَاحْتَجَّ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى إِثْبَاتِ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَائِدٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيُصَلِّي بَعْدَهَا لِرِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ: «كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ قَالَ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ» ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: كَانَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ لِيَشْتَغِلَ بِالْخُطْبَةِ ثُمَّ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَذَلِكَ مُطْلَقُ نَافِلَةٍ لَا صَلَاةً رَاتِبَةً فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِسُنَّةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَهَا بَلْ هُوَ تَنَفُّلٌ مُطْلَقٌ، وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: ثُمَّ صَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ. وَوَرَدَ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا» " رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ الْأَثْرَمِ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ: " «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا» " وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّهْمِيُّ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْأَثْرَمُ: إِنَّهُ حَدِيثٌ وَاهٍ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ وَزَادَ: وَلَا يَفْصِلُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ مَوْقُوفًا وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي»   401 - 401 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ ( «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَرَوْنَ) » بِفَتْحِ التَّاءِ وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ أَيْ أَتَظُنُّونَ (قِبْلَتِي) أَيْ مُقَابَلَتِي وَمُوَاجَهَتِي (هَاهُنَا) فَقَطْ لِأَنَّ مَنِ اسْتَقْبَلَ شَيْئًا اسْتَدْبَرَ مَا وَرَاءَهُ، فَبَيَّنَ أَنَّ رُؤْيَتَهُ لَا تَخْتَصُّ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ ( «فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوُعُكُمْ» ) أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَرْكَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ السُّجُودَ لِأَنَّ فِيهِ غَايَةُ الْخُشُوعِ، وَصُرِّحَ بِالسُّجُودِ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَهُ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ: (وَلَا رُكُوعُكُمْ) مِنَ الْأَخَصِّ بَعْدَ الْأَعَمِّ إِمَّا لِأَنَّ التَّقْصِيرَ الحديث: 401 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 فِيهِ كَانَ أَكْثَرَ أَوْ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْأَرْكَانِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَسْبُوقَ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِتَمَامِهَا بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ (إِنِّي لَأَرَاكُمْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَدَلٌ مِنْ جَوَابِ الْقَسَمِ وَهُوَ مَا يَخْفَى أَوْ بَيَانٌ لَهُ ( «مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» ) رُؤْيَةٌ حَقِيقِيَّةٌ اخْتَصَّ بِهَا عَلَيْكُمْ وَهُوَ تَنْبِيهٌ لَهُمْ عَلَى الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ لَمَّا رَآهُمْ يَلْتَفِتُونَ وَهُوَ مُنَافٍ لِكَمَالِ الصَّلَاةِ، فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا لَا وَاجِبًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ. وَحَكَى النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي الزُّهْدِ لِابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: لَا يُكْتَبُ لِلرَّجُلِ مِنْ صَلَاتِهِ مَا سَهَا عَنْهُ. وَفِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَهُ، ثُمَّ الْخُشُوعُ تَارَةً يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْقَلْبِ كَالْخَشْيَةِ وَتَارَةً مِنْ فِعْلِ الْبَدَنِ كَالسُّكُونِ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِهِمَا، حَكَاهُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مَعْنًى يَقُومُ بِالنَّفْسِ يَظْهَرُ عَنْهُ سُكُونٌ فِي الْأَطْرَافِ يُلَائِمُ مَقْصُودَ الْعِبَادَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ حَدِيثُ عَلِيٍّ: " «الْخُشُوعُ فِي الْقَلْبِ» " أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ: " «لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا خَشَعَتْ جَوَارِحُهُ» " فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ، قَالَ الْحَافِظُ: اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الرُّؤْيَةِ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْعِلْمُ إِمَّا بِأَنْ يُوحَى إِلَيْهِ كَيْفِيَّةَ فِعْلِهِمْ وَإِمَّا بِأَنْ يُلْهَمَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ الْعِلْمُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّهُ يَرَى مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمِنْ عَنْ يَسَارِهِ مِمَّنْ تُدْرِكُهُ عَيْنُهُ مَعَ الْتِفَاتٍ يَسِيرٍ نَادِرٍ أَوْ يُوصَفُ مَنْ هُنَاكَ بِأَنَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ التَّكَلُّفِ وَفِيهِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ بِلَا دَلِيلٍ، وَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ هَذَا الْإِبْصَارَ إِدْرَاكٌ حَقِيقِيٌّ خَاصٌّ بِهِ انْخَرَقَتْ لَهُ فِيهِ الْعَادَةُ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الْبُخَارِيُّ فَأَخْرَجَ الْحَدِيثَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَكَذَا نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ ذَلِكَ الْإِدْرَاكُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِرُؤْيَةِ عَيْنٍ انْخَرَقَتْ لَهُ الْعَادَةُ فِيهِ فَكَانَ يَرَى مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ لِأَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا عَقْلًا عُضْوٌ مَخْصُوصٌ وَلَا مُقَابَلَةٌ وَلَا قُرْبٌ، وَإِنَّمَا تِلْكَ أُمُورٌ عَادِيَّةٌ يَجُوزُ حُصُولُ الْإِدْرَاكِ مَعَ عَدَمِهَا عَقْلًا، وَلِذَلِكَ حَكَمُوا بِجَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ خِلَافًا لِأَهْلِ الْبِدَعِ لِوُقُوفِهِمْ مَعَ الْعَادَةِ، وَقِيلَ: كَانَتْ لَهُ عَيْنٌ خَلْفَ ظَهْرِهِ يَرَى بِهَا مَنْ وَرَاءَهُ دَائِمًا، وَقِيلَ: كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَيْنَانِ مِثْلَ سَمِّ الْخِيَاطِ يُبْصِرُ بِهِمَا لَا يَحْجُبُهُمَا ثَوْبٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَتْ صُوَرُهُمْ تَنْطَبِعُ فِي حَائِطِ قِبْلَتِهِ كَمَا تَنْطَبِعُ فِي الْمِرْآةِ فَتَرَى أَمْثِلَتَهُمْ فِيهَا فَيُشَاهِدُ أَفْعَالَهُمْ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ الصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاقِعًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَحَكَى بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبْصِرُ فِي الظُّلْمَةِ كَمَا يُبْصِرُ فِي الضَّوْءِ انْتَهَى. وَتُعُقِّبَ تَخْصِيصُهُ بِالصَّلَاةِ بِأَنَّ جَمْعًا مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ صَرَّحَ بِالْعُمُومِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ كَانَ يُبْصِرُ مَنْ خَلْفَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: دَفَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ هَذَا قَالُوا: كَيْفَ يُقْبَلُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَيُّكُمُ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ» " فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا، فَقَالَ: " زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ " وَسَمِعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 الَّذِي انْتَهَى إِلَى الصَّفِّ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَقَالَ: " مَنِ الْمُتَكَلِّمُ؟ " الْحَدِيثَ، إِذْ لَوْ كَانَ يَرَى مَا سَأَلَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ فَضَائِلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تَزِيدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: " «كُنْتُ عَبْدًا قَبْلَ أَنْ أَكُونَ نَبِيًّا، وَكُنْتُ نَبِيًّا قَبْلَ أَنْ أَكُونَ رَسُولًا» " وَقَالَ: " «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ» ". وَقِيلَ لَهُ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، قَالَ: " ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ " حَتَّى نَزَلَ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] (سُورَةُ الْفَتْحِ: الْآيَةُ 2) وَلَمْ يَغْفِرْ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ مَا تَأَخَّرَ مِنْ ذَنْبِهِ، قَالَ: " «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» ". وَفِي أَبِي دَاوُدَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَيْهِمَا، عَنْ مَالِكٍ بِهِ إِلَّا أَنَّ لَفْظَ مُسْلِمٍ: " «فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلَا سُجُودُكُمْ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا»   402 - 402 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ) كَذَا لِيَحْيَى وَالْقَعْنَبِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ وَإِسْحَاقَ الطِّبَّاعِ، وَقَالَ جُلُّ الرُّوَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَنْهُمَا (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِي قُبَاءً» ) بِضَمِّ الْقَافِ، وَمُوَحَّدَةٍ مَمْدُودٌ عِنْدَ أَكْثَرِ اللُّغَوِيِّينَ، قَالَ الشَّاعِرُ: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَغَيَّرَ بَعْدَنَا ... قُبَاءٌ وَهَلْ زَالَ الْعَقِيقُ وَحَاضِرُهُ. وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ قَصْرَهُ لَكِنْ حَكَاهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، قَالَ الْبَكْرِيُّ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُذَكِّرُهُ فَيَصْرِفُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَنِّثُهُ فَلَا يَصْرِفُهُ، وَفِي الْمَطَالِعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَقَالَ يَاقُوتٌ: عَلَى مِيلَيْنِ عَلَى يَسَارِ قَاصِدِ مَكَّةَ، وَهُوَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ سُمِّيَ بِاسْمِ بِئْرٍ هُنَاكَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ إِتْيَانِهِ فَقِيلَ: لِزِيَارَةِ الْأَنْصَارِ، وَقِيلَ: لِلتَّفَرُّجِ فِي حِيطَانِهَا، وَقِيلَ: لِلصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهَا وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَالْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ» "، (رَاكِبًا) تَارَةً (وَمَاشِيًا) أُخْرَى بِحَسَبِ مَا تَيَسَّرَ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ: (فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَزَادَ الشَّيْخَانِ فِي الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ وَخَصَّ السَّبْتَ لِأَجْلِ مُوَاصَلَتِهِ لِأَهْلِ قُبَاءٍ وَتَفَقُّدِهِ لِحَالِ مَنْ تَأَخَّرَ مِنْهُمْ عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا يُعَارِضُهُ الحديث: 402 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 حَدِيثُ: " «لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا لِثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» " لِأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فِي النَّذْرِ إِذَا نَذَرَ أَحَدٌ الثَّلَاثَةَ لَزِمَهُ إِتْيَانُهُ، أَمَّا إِتْيَانُ مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَغَيْرُهُ تَطَوُّعًا بِلَا نَذْرٍ فَيَجُوزُ، وَإِعْمَالُ الْمَطِيِّ مَعْنَاهُ الْكُلْفَةُ وَالْمَعُونَةُ وَالْمَشَقَّةُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَيْسَ إِتْيَانُ قُبَاءٍ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ إِعْمَالِ الْمَطِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْأَسْفَارِ الْبَعِيدَةِ، وَلَا يُقَالُ لِمَنْ خَرَجَ مِنْ دَارِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ رَاكِبًا أَنَّهُ أَعْمَلَ الْمَطِيَّ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ رُكُوبِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ قَرِيبٍ مِنْهُ فِي جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَوْ أَتَى أَحَدٌ إِلَى قُبَاءٍ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ لَارْتَكَبَ النَّهْيَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ قُبَاءٍ وَمَسْجِدِهَا وَفَضْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ تَضْعِيفٌ بِخِلَافِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ. وَرَوَى عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: لَأَنْ أُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ رَكْعَتَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ آتِيَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ مَرَّتَيْنِ لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي قُبَاءٍ لَضَرَبُوا إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْإِبِلِ، انْتَهَى. رَوَى النَّسَائِيُّ وَقَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الدَّفْعَ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ مَسْجِدَ قُبَاءٍ فَيُصَلِّي فِيهِ كَانَ لَهُ عَدْلُ عُمْرَةٍ» " وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ قَاسِمٍ: " «ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ كَانَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ عُمْرَةٍ» " وَلِلتِّرْمِذِيِّ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ظُهَيْرٍ رَفَعَهُ: " «الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ» " وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} [التوبة: 108] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 108) وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِلَى أَنَّهُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَحُجَّتُهُ قَوِيَّةٌ فَقَدْ صَحَّ مَرْفُوعًا نَصًّا، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَقَالَ: " هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا» " وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " «اخْتَلَفَ رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَاهُ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هُوَ هَذَا وَفِي ذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ» " وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ نَحْوَهُ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا. وَلِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَصِحَّتُهَا جَزَمَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ بِأَنَّهُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا: إِنَّهُ الصَّحِيحُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 108) يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ. وَلِأَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَزَلَتْ: {رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] فِي أَهْلِ قُبَاءٍ. وَعَلَى هَذَا فَالسِّرُّ فِي جَوَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ مَسْجِدُهُ، رَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِمَسْجِدِ قُبَاءٍ. قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَكَذَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَزَادَ، لَكِنْ قَوْلُهُ: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 108) يَقْتَضِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ؛ لِأَنَّ تَأْسِيسَهُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ حَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَارِ الْهِجْرَةِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ دِينَارٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ فِي الْبُخَارِيِّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي مُسْلِمٍ ثَلَاثَتُهُمْ، عَنِ ابْنِ دِينَارٍ، وَتَابَعَهُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ نَافِعٍ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَجْلَانَ كِلَاهُمَا فِي مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُرَّةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا تَرَوْنَ فِي الشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزَلَ فِيهِمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هُنَّ فَوَاحِشُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَةٌ وَأَسْوَأُ السَّرِقَةِ الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ قَالُوا وَكَيْفَ يَسْرِقُ صَلَاتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا»   403 - 403 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُرَّةَ) الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَوَهِمَ مَنْ عَدَّهُ فِي الصَّحَابَةِ، قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: لَا صُحْبَةَ لَهُ. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّابِعِينَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدِيثُهُ مُرْسَلٌ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ تَخْتَلِفْ رُوَاةُ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النُّعْمَانِ. وَرَوَى النُّعْمَانُ، عَنْ عَلِيٍّ وَجَرِيرٍ وَأَنَسٍ وَعَنْهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ، وَلَيْسَ لِلنُّعْمَانِ عِنْدَ مَالِكٍ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي الشَّارِبِ) لِلْخَمْرِ (وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ) قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: إِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى السَّارِقِ وَالزَّانِي؛ لِأَنَّ الشَّارِبَ لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ شَيْءٌ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: فِيهِ إِخْبَارٌ بِمَسَائِلِ الْعِلْمِ عَلَى حَسَبِ مَا يَخْتَبِرُ بِهِ الْعَالِمُ أَصْحَابَهُ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ تَقْرِيبَ التَّعْلِيمِ عَلَيْهِمْ، فَقَصَدَ أَنْ يُعْلِّمَهُمْ عَلَى أَنَّ الْإِخْلَالَ بِإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَبِيرَةٌ وَهُوَ أَسْوَأُ مِمَّا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ، وَسُؤَالُهُ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ بِالرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا سَأَلَهُمْ لِيَقُولُوا فِيهِ (قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) فِيهِ حُسْنُ أَدَبِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَيْثُ لَمْ يُبْدُوا رَأْيًا عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ رَدُّوا الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ (قَالَ: هُنَّ فَوَاحِشُ) مَا فَحُشَ مِنَ الذُّنُوبِ كَمَا يُقَالُ خَطَأٌ فَاحِشٌ؛ أَيْ: شَدِيدٌ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. (وَفِيهِنَّ عُقُوبَةٌ) وَرُوِيَ: " «مَا تَعُدُّونَ الْكَبَائِرَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: الشِّرْكُ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ، قَالَ: هُنَّ كَبَائِرُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَاتٌ» " (وَأَسْوَأُ السَّرِقَةِ) رِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ بِكَسْرِ الرَّاءِ؛ أَيْ: سَرِقَةِ الَّذِي كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: 177] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 177) أَيْ: بِرُّ مَنْ آمَنَ، وَرُوِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ سَارِقٍ كَفَاسِقٍ وَفَسَقَةٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، " فَأَسْوَأُ " مُبْتَدَأٌ خَبَرَهُ (الَّذِي) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ؛ أَيْ: سَرِقَةُ الَّذِي (يَسْرِقُ صَلَاتَهُ، قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْرِقُ صَلَاتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا) أَعَادَ لَا دَفْعًا لِتَوَهُّمِ الِاكْتِفَاءِ بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي أَحَدِهِمَا، قَالَ الْبَاجِيُّ: خَصَّهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ غَالِبًا إِنَّمَا يَقَعُ بِهِمَا، وَسَمَّاهُ سَرِقَةً عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ خِيَانَةٌ فِيمَا اؤْتُمِنَ عَلَى أَدَائِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: جُعِلَ جِنْسُ السَّرِقَةِ نَوْعَيْنِ؛ مُتَعَارَفٌ وَغَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَهُوَ مَا يَنْقُصُ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ وَالْخُشُوعِ، ثُمَّ جُعِلَ غَيْرُ الْمُتَعَارَفِ أَسْوَأَ مِنَ الْمُتَعَارَفِ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ الحديث: 403 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 أَسْوَأَ، أَنَّ السَّارِقَ إِذَا وَجَدَ مَالَ الْغَيْرِ قَدْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ يَسْتَحِلُّ صَاحِبَهُ أَوْ يُحَدُّ فَيَنْجُو مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ سَرَقَ حَقَّ نَفْسِهِ مِنَ الثَّوَابِ وَأَبْدَلَ مِنْهُ الْعِقَابَ فِي الْعُقْبَى، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا فَهُوَ صَحِيحٌ مُسْنَدٌ مِنْ وُجُوهٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. رَوَى أَحْمَدُ وَالطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: " «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْرِقُهَا؟ قَالَ: لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا وَلَا خُشُوعَهَا» " وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ»   404 - 404 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ) مُرْسَلٌ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) » لِتَنْزِلَ الرَّحْمَةُ فِيهِ وَالْبُعْدُ عَنِ الرِّيَاءِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: قِيلَ: النَّافِلَةُ، وَقِيلَ: الْمَكْتُوبَةُ لِتَعْلِيمِ الْأَهْلِ حُدُودَ الصَّلَاةِ مُعَايَنَةً، وَهُوَ أَثْبَتُ أَحْيَانًا مِنَ التَّعْلِيمِ بِالْقَوْلِ، وَ " مِنْ " عَلَى الْأَوَّلِ زَائِدَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي تَبْعِيضِيَّةٌ؛ قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ. وَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: قِيلَ: النَّافِلَةُ، وَقِيلَ: الْفَرِيضَةُ لِيَقْتَدِيَ بِكُمْ أَهْلُوكُمْ وَمَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَنْ يَلْزَمُكُمْ تَعْلِيمُهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] (سُورَةُ التَّحْرِيمِ: الْآيَةُ 6) أَيْ: عَلِّمُوهُمْ، وَالصَّلَاةُ إِذَا أُطْلِقَتْ إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا الْمَكْتُوبَةُ فَلَا يُخْرَجُ عَنْ حَقِيقَةِ مَعْنَاهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» " وَلَمْ يَخُصَّ جَمَاعَةً مِنَ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «أَكْرِمُوا بُيُوتَكُمْ بِبَعْضِ صَلَاتِكُمْ» " انْتَهَى. فَأَوْمَأَ إِلَى تَرْجِيحِ أَنَّ الْمُرَادَ الْفَرِيضَةُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الصَّحِيحُ النَّافِلَةُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مُزَيْنٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَابْنِ نَافِعٍ؛ إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْكَرَ التَّخَلُّفَ عَنِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالنِّسَاءُ يَخْرُجْنَ إِلَيْهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَيَتَعَلَّمْنَ، وَأَيْضًا فَقَدْ يُعَلِّمُ أَهْلَهُ بِالْقَوْلِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ وَالْمُرَادُ النَّوَافِلُ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صِلَاتِهِ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ. وَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ، عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَعْنَاهُ اجْعَلُوا بَعْضَ فَرَائِضِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لِيَقْتَدِيَ بِكُمْ مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ مِنْ نِسْوَةٍ وَغَيْرِهِنَّ، وَهَذَا وَإِنْ الحديث: 404 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 كَانَ مُحْتَمَلًا لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الرَّاجِحُ. وَبَالَغَ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْفَرِيضَةِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: " «أَيُّهَا النَّاسُ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمَرِيضُ السُّجُودَ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ إِيمَاءً وَلَمْ يَرْفَعْ إِلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا   405 - 405 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ الْمَرِيضُ السُّجُودَ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ إِيمَاءً) إِلَى الْأَرْضِ (وَلَمْ يَرْفَعْ إِلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا) يَسْجُدُ عَلَيْهِ فَيُكْرَهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَجَازَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةُ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَجَدَتْ عَلَى مُرْفَقَةٍ لِرَمَدٍ كَانَ بِهَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الحديث: 405 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا جَاءَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى النَّاسُ بَدَأَ بِصَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا شَيْئًا   406 - 406 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا جَاءَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى النَّاسُ الْمَكْتُوبَةَ وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا شَيْئًا) لِأَنَّهُ رَأَى الْبَدْءَ بِالْفَرْضِ أَوْلَى، قَالَ الْبَاجِيُّ: إِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنِ الْفَرِيضَةِ وَنَافِلَةٍ قَبْلَهَا بَدَأَ بِالْفَرِيضَةِ وَلَمْ يَجُزِ النَّفْلُ قَبْلَهَا، وَإِنِ اتَّسَعَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ. الحديث: 406 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ الرَّجُلُ كَلَامًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ إِذَا سُلِّمَ عَلَى أَحَدِكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَا يَتَكَلَّمْ وَلْيُشِرْ بِيَدِهِ   407 - 407 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ الرَّجُلُ كَلَامًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: إِذَا سُلِّمَ) بِضَمِّ السِّينِ (عَلَى أَحَدِكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَا يَتَكَلَّمُ) بِرَدِّ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، (وَلْيُشِرْ بِيَدِهِ) وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَطَائِفَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ: يَجُوزُ رَدُّهُ كَلَامًا. أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمُصَلِّي، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ فَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّهُ فِي شُغْلٍ عَنْ رَدِّهِ، وَإِنَّمَا السَّلَامُ عَلَى مَنْ يُمْكِنُهُ الرَّدُّ وَلِحَدِيثِ: " «إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا» " وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ لِحَدِيثِ: " «كَانَ الْأَنْصَارُ يَدْخُلُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَيُسَلِّمُونَ فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِشَارَةً بِيَدِهِ» " الحديث: 407 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 وَتُئَوَّلُ أَنَّهُ كَانَ يُشِيرُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفْعَلُوا فِيهِ بَعْدُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُصَلِّ بَعْدَهَا الْأُخْرَى   408 - 408 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ) فَلَا يَقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَسَاجِينِ الْإِمَامِ، فَحَذَفَ جَوَابَ الشَّرْطِ لِعِلْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ: (فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ) بِاتِّفَاقٍ (ثُمَّ لِيُصَلِّ بَعْدَهَا الْأُخْرَى) الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ وَبِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْتَدُّ بِصَلَاتِهِ مَعَ الْإِمَامِ وَيَقْضِي الَّتِي ذَكَرَ. الحديث: 408 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَلَمَّا قَضَيْتُ صَلَاتِي انْصَرَفْتُ إِلَيْهِ مِنْ قِبَلِ شِقِّي الْأَيْسَرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَنْصَرِفَ عَنْ يَمِينِكَ قَالَ فَقُلْتُ رَأَيْتُكَ فَانْصَرَفْتُ إِلَيْكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَإِنَّكَ قَدْ أَصَبْتَ إِنَّ قَائِلًا يَقُولُ انْصَرِفْ عَنْ يَمِينِكَ فَإِذَا كُنْتَ تُصَلِّي فَانْصَرِفْ حَيْثُ شِئْتَ إِنْ شِئْتَ عَنْ يَمِينِكَ وَإِنْ شِئْتَ عَنْ يَسَارِكَ   409 - 409 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ ابْنِ مُنْقِذٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ، ثِقَةٌ فَقِيهٌ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً. (عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ) بْنِ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ الْمَدَنِيِّ، صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ، وَقِيلَ: بَلْ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ الثِّقَاتِ. (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى جِدَارِ الْقِبْلَةِ) فِيهِ جَوَازُ الِاسْتِنَادِ إِلَيْهَا، لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ مُوَاجِهًا غَيْرَهُ، وَأَبْصَرَ عُمَرُ رَجُلًا يُصَلِّي وَآخَرَ مُسْتَقْبِلَهُ فَضَرَبَهُمَا جَمِيعًا. (فَلَمَّا قَضَيْتُ) أَتْمَمْتُ (صَلَاتِي انْصَرَفْتُ إِلَيْهِ مِنْ قِبَلِ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ: جِهَةِ (شِقِّي الْأَيْسَرِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَنْصَرِفَ عَنْ يَمِينِكَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ فَانْصَرَفْتُ إِلَيْكَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَإِنَّكَ قَدْ أَصَبْتَ إِنَّ قَائِلًا يَقُولُ: انْصَرِفْ عَنْ يَمِينِكَ فَإِذَا كُنْتَ تُصَلِّي فَانْصَرِفْ حَيْثُ شِئْتَ إِنْ شِئْتَ عَنْ يَمِينِكَ وَإِنْ شِئْتَ عَنْ يَسَارِكَ) وَالْأَفْضَلُ عِنْدَ الحديث: 409 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 الْأَكْثَرِ الِانْصِرَافُ عَنِ الْيَمِينِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ» " وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ (كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ فِي طَهُورِهِ وَانْتِعَالِهِ) فَقَدْ حُصِرَ مَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرِ الِانْصِرَافَ وَقَدْ كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَأُصَلِّي فِي عَطَنِ الْإِبِلِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا وَلَكِنْ صَلِّ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ   410 - 410 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي) الصَّحَابِيُّ ابْنُ الصَّحَابِيِّ (أَأُصَلِّي فِي عَطَنِ الْإِبِلِ؟) بُرُوكِهَا ثُمَّ الْمَاءُ خَاصَّةً وَلَهَا شَرْبَتَانِ فَعَطَنُهَا بُرُوكُهَا بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: مَاؤُهَا مُطْلَقًا (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا) تُصَلِّ فِيهَا (وَلَكِنْ صَلِّ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ) بِضَمِّ الْمِيمِ؛ مُجْتَمَعُهَا آخِرَ النَّهَارِ، مَوْضِعُ مَبِيتِهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مِثْلُ هَذَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ. وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: " «صَلُّوا فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ» "، وَيُونُسُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، عَنْ هِشَامٍ فِيمَا خَالَفَهُ فِيهِ مَالِكٌ إِذْ لَا يُقَاسُ بِهِ وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ، وَالصَّحِيحُ فِي إِسْنَادِ هِشَامٍ رِوَايَةُ مَالِكٍ، نَعَمْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْبَرَاءِ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَكُلُّهَا بِأَسَانِيدَ حِسَانٍ، وَأَكْثَرُهَا تَوَاتُرًا وَأَحْسَنُهَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَوَاهُ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا عَنِ الْحَسَنِ، وَسَمَاعُهُ مِنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ صَحِيحٌ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجَيِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ لَحْمُهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ، وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْإِبِلَ لَا تَكَادُ تَهْدَأُ وَلَا تَقِرُّ فِي الْعَطَنِ بَلْ تَثُورُ فَرُبَّمَا قَطَعَتْ عَلَى الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ جِنٍّ فَبَيَّنَ عِلَّةَ ذَلِكَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَتِرُ بِهَا عِنْدَ الْخَلَاءِ لَا يُعْرَفُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُسْنَدَةِ بَلْ فِيهَا غَيْرُهُ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْبَرَاءِ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَقَالَ: " لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ» " وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ فَقَالَ: " «صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ» " وَلِلنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ مَرْفُوعًا: " «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ» " وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: " فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ جِنٍّ " انْتَهَى. وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي التِّرْمِذِيِّ، وَجَاءَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَفِيهَا كُلُّهَا التَّعْبِيرُ بِمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْوَاحِدِ مِنْهَا فَيَجُوزُ وَبَيْنَ كَوْنِهَا مُجْتَمِعَةً لِمَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ النِّفَارِ الْمُفْضِي إِلَى تَشْوِيشِ قَلْبِ الْمُصَلِّي الحديث: 410 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْكُوبِ مِنْهَا، لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ أَوْ إِلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَعْقُولٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ مَا صَلَاةٌ يُجْلَسُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ سَعِيدٌ هِيَ الْمَغْرِبُ إِذَا فَاتَتْكَ مِنْهَا رَكْعَةٌ وَكَذَلِكَ سُنَّةُ الصَّلَاةِ كُلُّهَا   411 - 411 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا (أَنَّهُ قَالَ: مَا صَلَاةٌ يُجْلَسُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا) فِيهِ طَرْحُ الْعَالِمِ عَلَى جُلَسَائِهِ وَيُجِيبُهُمْ عَمَّا وَقَفُوا عَنْهُ (ثُمَّ قَالَ سَعِيدٌ: هِيَ الْمَغْرِبُ إِذَا فَاتَتْكَ رَكْعَةٌ مِنْهَا) لَا خِلَافَ عِنْدِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا إِذَا أَدْرَكْتَ مِنْهَا رَكْعَةً إِلَّا أَنَّ جُنْدُبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الصَّحَابِيَّ أَدْرَكَ هُوَ وَمَسْرُوقٌ رَكْعَةً مِنَ الْمَغْرِبِ، فَأَمَّا مَسْرُوقٌ فَقَعَدَ فِيهِنَّ كُلِّهِنَّ، وَأَمَّا جُنْدُبٌ فَلَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ الْإِمَامِ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ، فَذَكَرَا ذَلِكَ لِابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ وَلَوْ كُنْتُ صَانِعًا لَصَنَعْتُ كَمَا صَنَعَ مَسْرُوقٌ، وَقَوْلُ سَعِيدٍ: (وَكَذَلِكَ سُنَّةُ الصَّلَاةِ كُلُّهَا) يُرِيدُ إِذَا فَاتَ الْمَأْمُومُ مِنْهَا رَكْعَةً أَنْ يَقْعُدَ إِذَا قَضَاهَا؛ لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ قَالَهُ كُلُّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَإِنَّمَا تَصِيرُ الرُّبَاعِيَّةُ كُلُّهَا جُلُوسًا إِذَا فَاتَتْهُ مِنْهَا رَكْعَةٌ ثُمَّ أَدْرَكَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ فَاتَتْهُ بَقِيَّةُ الصَّلَاةِ بِرُعَافٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَدْرَكَ مُقِيمٌ مِنْ صَلَاةِ مُسَافِرٍ رَكْعَةً. الحديث: 411 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 [بَاب جَامِعِ الصَّلَاةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا»   412 - 412 24 - بَابُ جَامِعِ الصَّلَاةِ. كَأَنَّ مُغَايَرَةَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِلَّتِي قَبْلَهَا الْعَمَلُ فِي جَامِعِ الصَّلَاةِ اعْتِبَارِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي أَوْرَدَهَا فِي تِلْكَ تَتَعَلَّقُ بِذَاتِ الصَّلَاةِ، وَمِنْهُ نَدَبَ إِيقَاعُهَا بِمَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَهَذِهِ تَتَعَلَّقُ بِمَا لَيْسَ مِنْ ذَاتِهَا كَحَمْلِ الصَّبِيَّةِ وَتَعَاقُبِ الْمَلَائِكَةِ وَتَقْدِيمِ الْأَفْضَلِ لِلْإِمَامَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. - (مَالِكٌ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) ابْنِ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيِّ الْأَسَدِيِّ أَبِي الْحَارِثِ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ، ثِقَةٌ عَابِدٌ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. (عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ (الزُّرَقِيِّ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَقَافٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) الحديث: 412 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 الْحَارِثِ، وَيُقَالُ: عَمْرٌو أَوِ النُّعْمَانُ بْنُ رِبْعِيٍّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَمُهْمَلَةٌ (الْأَنْصَارِيِّ) صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ» ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمَيْنِ كَانَتْ صَغِيرَةً فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَزَوَّجَهَا عَلِيٌّ بَعْدَ فَاطِمَةَ بِوَصِيَّةٍ مِنْهَا وَلَمْ تُعَقِّبْ، وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ تَنْوِينُ حَامِلٍ وَنَصْبِ أُمَامَةَ وَرُوِيَ بِالْإِضَافَةِ كَمَا قُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 3] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 3) بِالْوَجْهَيْنِ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِي قَوْلِهِ: (بِنْتَ زَيْنَبَ) فَتُفْتَحُ وَتُكْسَرُ بِالِاعْتِبَارَيْنِ (بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَكْبَرُ بَنَاتِهِ، وَالْإِضَافَةُ بِمَعْنَى اللَّامِ فَأَظْهَرَ فِي الْمَعْطُوفِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَلِأَبِي الْعَاصِي) مَا هُوَ مُقَدَّرٌ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ، وَأَشَارَ ابْنُ الْعَطَّارِ إِلَى أَنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ كَوْنُ وَالِدِ أُمَامَةَ كَانَ إِذْ ذَاكَ مُشْرِكًا فَنُسِبَتْ إِلَى أُمِّهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إِلَى أَشْرَفِ أَبَوَيْهِ دِينًا وَنَسَبًا، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهَا بِنْتَ أَبِي الْعَاصِي تَبْيِينًا لِحَقِيقَةِ نَسَبِهَا. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا السِّيَاقُ لِمَالِكٍ وَحْدَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَنَسَبُوهَا إِلَى أَبِيهَا ثُمَّ بَيَّنُوا أَنَّهَا بِنْتَ زَيْنَبَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ يَحْمِلُ أَمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِي، وَأُمُّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَاتِقِهِ، وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ فَزَادَ " عَلَى عَاتِقِهِ "، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ " عَلَى رَقَبَتِهِ ". (ابْنُ رَبِيعَةَ) كَذَا لِيَحْيَى وَجُمْهُورِ الرُّوَاةِ. وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى وَأَبُو مُصْعَبٍ وَغَيْرُهُمُ ابْنُ الرَّبِيعِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَادَّعَى الْأَصِيلِيُّ أَنَّهُ ابْنُ الرَّبِيعِ بْنِ رَبِيعَةَ فَنُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، وَرَدَّهُ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِإِطْبَاقِ النَّسَّابِينَ عَلَى خِلَافِهِ؛ نَعَمْ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ فِي قَوْلِهِ: (ابْنُ عَبْدِ شَمْسٍ) وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بِإِطْبَاقِ النَّسَّابِينَ أَيْضًا، وَاسْمُ أَبِي الْعَاصِي لَقِيطٌ، وَقِيلَ: مِقْسَمٌ، وَقِيلَ: الْقَاسِمُ، وَقِيلَ: مُهَشَّمٌ، وَقِيلَ: هُشَيْمٌ، وَقِيلَ: يَاسِرٌ، أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَهَاجَرَ، وَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبَ وَمَاتَتْ مَعَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ وَتُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ. (فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا) كَذَا لِمَالِكٍ أَيْضًا. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عِجْلَانَ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ، وَأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعُمَيْسِ، كُلُّهُمْ عَنْ عَامِرٍ شَيْخِ مَالِكٍ: إِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا (وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا) وَلِمُسْلِمٍ: فَإِذَا قَامَ أَعَادَهَا، وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عَلَى رَقَبَتِهِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ: " «حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخَذَهَا فَوَضَعَهَا ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ سُجُودِهِ وَقَامَ أَخَذَهَا فَرَدَّهَا مَكَانَهَا» " وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ فِعْلَ الْحَمْلِ وَالْوَضْعِ كَانَ مِنْهُ لَا مِنْهَا، بِخِلَافِ مَا أَوَّلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ الْفِعْلَ الصَّادِرَ مِنْهُ هُوَ الْوَضْعُ لَا الرَّافِعُ لِتَعَلُّقِهَا بِهِ إِذَا سَجَدَ فَيَنْهَضُ فَتَبْقَى مَحْمُولَةً فَيَضَعُهَا فَيَقِلُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 الْعَمَلُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ فِي النَّافِلَةِ، وَاسْتَبْعَدَهُ الْمَازِرِيُّ وَعِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ لِمَا فِي مُسْلِمٍ: " «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَؤُمُّ النَّاسَ وَأُمَامَةُ عَلَى عَاتِقِهِ» " قَالَ الْمَازِرِيُّ: إِمَامَتُهُ بِالنَّاسِ فِي النَّافِلَةِ لَيْسَتْ بِمَعْهُودَةٍ. وَلِأَبِي دَاوُدَ: " «بَيْنَا نَحْنُ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ قَدْ دَعَاهُ بِلَالٌ إِلَى الصَّلَاةِ إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا وَأُمَامَةُ عَلَى عَاتِقِهِ فَقَامَ فِي مُصَلَّاهُ فَقُمْنَا خَلْفَهُ وَكَبَّرْنَا وَهِيَ فِي مَكَانِهَا» " انْتَهَى. لَكِنْ أَعَلَّ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ فَلَمْ يَقُلْ فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ فِي فَرِيضَةٍ، انْتَهَى. وَرِوَايَةُ اللَّيْثِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ، وَالِاسْتِبْعَادُ لَا يَمْنَعُ الْوُقُوعَ وَقَدْ أَمَّ فِي النَّفْلِ فِي قِصَّتِي مُلَيْكَةَ وَعِتْبَانَ وَغَيْرِهِمَا، وَعِنْدَ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ، وَتَبِعَهُ السُّهَيْلِيُّ: الصُّبْحَ، وَوَهِمَ مَنْ عَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَرَوَى أَشْهَبُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ، حَيْثُ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَكْفِيهِ أَمْرَهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَبَكَتْ وَشَغَلَتْ سِرَّهُ فِي صَلَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ شُغْلِهِ بِحَمْلِهَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِنْ وُجِدَ مَنْ يَكْفِيهِ أَمْرَهَا جَازَ فِي النَّافِلَةِ دُونَ الْفَرِيضَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَازَ فِيهِمَا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ، قَالَ الْحَافِظُ: رَوَى ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ صَحِيحٌ، وَلَفْظُهُ: قَالَ التِّنِّيسِيُّ: قَالَ مَالِكٌ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَعَلَّهُ نُسِخَ بِتَحْرِيمِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَبِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِمُدَّةٍ مَدِيدَةٍ. وَذَكَرَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ لِعِصْمَتِهِ مِنْ أَنْ تَبُولَ وَهُوَ حَامِلُهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ، وَبِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهِ فِي أَمْرِ ثُبُوتِهِ فِي غَيْرِهِ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا دَخْلٍ لِلْقِيَاسِ فِي مِثْلِهِ، وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ مُتَوَالٍ لِوُجُودِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي أَرْكَانِ صَلَاتِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: ادَّعَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَبَعْضُهُمْ مِنَ الْخَصَائِصِ، وَبَعْضُهُمْ أَنَّهُ لِضَرُورَةٍ وَكُلُّهُ دَعَاوَى بَاطِلَةٌ مَرْدُودَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ طَاهِرٌ وَمَا فِي جَوْفِهِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَثِيَابُ الْأَطْفَالِ وَأَجْسَادُهُمْ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ النَّجَاسَةُ، وَالْأَعْمَالُ فِي الصَّلَاةِ لَا تُبْطِلُهَا إِذَا قَلَّتْ وَتَفَرَّقَتْ، وَدَلَائِلُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: كَأَنَّ السِّرَّ فِيهِ دَفْعُ مَا أَلِفَتْهُ الْعَرَبُ مِنْ كَرَاهَةِ الْبَنَاتِ وَحَمْلِهِنَّ فَخَالَفَهُمْ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي رَدْعِهِمْ، وَالْبَيَانُ بِالْفِعْلِ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِ، وَفِيهِ تَرْجِيحُ الْعَمَلِ بِالْأَصْلِ عَلَى الْغَالِبِ. وَرَدَّهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ حِكَايَاتِ الْأَحْوَالِ لَا عُمُومَ لَهَا؛ أَيْ: لِاحْتِمَالِ أَنَّ أُمَامَةَ كَانَتْ حِينَئِذٍ قَدْ غُسِّلَتْ، وَجَوَازُ إِدْخَالِ الصِّبْيَانِ الْمَسَاجِدَ وَصِحَّةُ صَلَاةِ مَنْ حَمَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 آدَمِيًّا، وَتَوَاضُعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَفَقَتُهُ عَلَى الْأَطْفَالِ وَإِكْرَامُهُ لَهُمْ جَبْرًا لَهُمْ، انْتَهَى. وَفِي التَّمْهِيدِ: حَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أُمَامَةَ كَانَتْ عَلَيْهَا ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ وَأَنَّهُ أَمِنَ مِنْهَا مَا يَحْدُثُ مِنَ الْبَوْلِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّلَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَقُتَيْبَةُ وَيَحْيَى التَّمِيمِيُّ أَرْبَعَتُهُمْ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَابْنُ عِجْلَانَ، عَنْ عَامِرٍ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ»   413 - 413 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ) أَيْ: تَأْتِي طَائِفَةٌ عَقِبَ طَائِفَةٍ ثُمَّ تَعُودُ الْأُولَى عَقِبَ الثَّانِيَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّعَاقُبُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ يَأْتِي هَذَا مَرَّةً وَيَعْقُبُهُ هَذَا وَمِنْهُ تَعْقِيبُ الْجُيُوشِ، وَتَوَارُدُ جَمَاعَةٍ مِنَ الشُّرَّاحِ، وَوَافَقَهُمُ ابْنُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ عَلَامَةُ الْفَاعِلِ الْمُذَكَّرِ الْمَجْمُوعِ عَلَى لُغَةِ بَنِي الْحَارِثِ الْقَائِلِينَ: أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ وَهِيَ فَاشِيَّةٌ حَمَلَ عَلَيْهَا الْأَخْفَشُ: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3] (سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: الْآيَةُ 3) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَتَعَسَّفَ بَعْضُ النُّحَاةِ وَرَدَّهَا لِلْبَدَلِ وَهُوَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِاشْتِهَارِ تِلْكَ اللُّغَةِ وَلَهَا وَجْهٌ مِنَ الْقِيَاسِ وَاضِحٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ: (وَأَسَرُّوا) عَائِدٌ إِلَى النَّاسِ أَوَّلًا، وَ {الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3] بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ، وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ لِمَا قِيلَ: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [طه: 62] قِيلَ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: الَّذِينَ ظَلَمُوا. وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى مَالِكٍ فِي لَفْظِ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ، وَلِلْبُخَارِيِّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ: الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ، مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ. وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظٍ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ، فَاخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى أَبِي الزِّنَادِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ تَارَةً هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا، فَيُقَوِّي قَوْلُ أَبِي حَيَّانَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ اخْتَصَرَهَا الرَّاوِي، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ غَيْرَ الْأَعْرَجِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ تَامًّا، فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ لَكِنْ بِحَذْفِ " إِنَّ " مِنْ أَوَّلِهِ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ وَالسِّرَّاجِ وَالْبَزَّارِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: " إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ " وَلِذَا شَرَحَ أَبُو حَيَّانَ فِي الْعَزْوِ لِلْبَزَّارِ بِأَنَّ الْعَزْوَ لِلطَّرِيقِ الْمُتَّحِدَةِ مَعَ الطَّرِيقِ الَّتِي وَقَعَ الْقَوْلُ فِيهَا أَوْلَى مِنْ طَرِيقِ مُغَايَرَةٍ لَهَا فَلْيَعْزُ إِلَى الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ، قَالَهُ الْحَافِظُ مُلَخَّصًا. (مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ) بِتَنْكِيرِهِمَا لِإِفَادَةِ أَنَّ الثَّانِيَةَ الحديث: 413 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 غَيْرَ الْأُولَى كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا - إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5 - 6] (سُورَةُ الشَّرْحِ: الْآيَةُ 5، 6) إِنَّهُ اسْتِئْنَافُ وَعْدِهِ تَعَالَى بِأَنَّ الْعُسْرَ مَشْفُوعٌ بِيُسْرٍ آخَرَ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» " فَالْعُسْرُ مُعَرَّفٌ لَا يَتَعَدَّدُ، سَوَاءٌ كَانَ لِلْعَهْدِ أَوْ لِلْجِنْسِ، وَالْيُسْرُ مُنْكَرٌ، فَيُرَادُ بِالثَّانِي فَرَدَّ يُغَايِرُ مَا أُرِيدَ بِالْأَوَّلِ. وَنَقَلَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ وَتَرَدَّدَ فِيهِ ابْنُ بَزِيزَةَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ، وَقَوَّاهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَنَّ الْحَفَظَةَ يُفَارِقُونَ الْعَبْدَ وَلَا أَنَّ حَفَظَةَ اللَّيْلِ غَيْرَ حَفَظَةِ النَّهَارِ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانُوا هُمُ الْحَفَظَةُ لَمْ يَقَعْ الِاكْتِفَاءُ فِي السُّؤَالِ مِنْهُمْ، عَنْ حَالَةِ التَّرْكِ دُونَ غَيْرِهَا فِي قَوْلِهِ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي، وَتَعَقَّبَهُ السُّيُوطِيُّ بِقَوْلِهِ: بَلْ نَقَلَ ذَلِكَ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ بِسَنَدِهِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْحَفَظَةُ أَرْبَعَةٌ يَعْتَقِبُونَهُ مَلَكَانِ بِاللَّيْلِ وَمَلَكَانِ بِالنَّهَارِ تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأَمْلَاكُ الْأَرْبَعَةُ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 78) ، وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: وُكِّلَ بِهِ خَمْسَةُ أَمْلَاكٍ. مَلَكَانِ بِاللَّيْلِ وَمَلَكَانِ بِالنَّهَارِ يَجِيئَانِ وَيَذْهَبَانِ وَمَلَكٌ خَامِسٌ لَا يُفَارِقُهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ قَالَ: يَلْتَقِي الْحَارِسَانِ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَتَلْبَثُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَالْحَافِظُ ذَكَرَ أَثَرَ الْأَسْوَدِ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَارِسَيْنِ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَيَأْتِي كَلَامُهُ، وَمِثْلُهُ يُحْمَلُ أَثَرُ الْحَسَنِ لِقَوْلِهِ: يَعْتَقِبُونَهُ فَهُمَا بِمَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ الْمُخْتَلِفِ فِي الْمُرَادِ بِالْمَلَائِكَةِ فِيهِ، وَكَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَثَرِ ابْنِ الْمُبَارَكِ لِقَوْلِهِ: " يَجِيئَانِ وَيَذْهَبَانِ "، عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَ الْحَافِظِ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْمَرْفُوعِ بَلْ نُقِلَ فِيهِ خِلَافُهُ، وَأَنَّ الْحَفَظَةَ إِنَّمَا تُفَارِقُ الْإِنْسَانَ حِينَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَإِفْضَائِهِ إِلَى أَهْلِهِ. (وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ) أَيِ: الصُّبْحِ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: التَّعَاقُبُ مُغَايِرٌ لِلِاجْتِمَاعِ لَكِنْ عَلَى حَالَيْنِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَعَهُمُ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِلْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّعَاقُبَ يَقَعُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَأَنْ يَقَعَ التَّعَاقُبُ بَيْنَهُمْ فِي النَّوْعِ لَا فِي الشَّخْصِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَحِكْمَةُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ وَإِكْرَامِهِ لَهُمْ بِأَنْ جَعَلَ اجْتِمَاعَ مَلَائِكَتِهِ فِي حَالِ طَاعَةِ عِبَادِهِ لِتَكُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 شَهَادَتُهُمْ لَهُمْ بِأَحْسَنِ الشَّهَادَةِ وَفِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ رَجَّحَ أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّاعِدِينَ كَانُوا مُقِيمِينَ عِنْدَهُمْ مُشَاهِدِينَ لِأَعْمَالِهِمْ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: حِكْمَةُ كَوْنِهِ تَعَالَى لَا يَسْأَلُهُمْ إِلَّا عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي تَرَكُوهُمْ عَلَيْهَا مَا ذَكَرَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ تَعَالَى يَسْتُرُ عَنْهُمْ مَا يَعْمَلُونَهُ فِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ لَكِنَّهُ بِنَاءً عَلَى الْحَفَظَةِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «الصَّلَاةُ إِلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» " فَلِذَا وَقَعَ السُّؤَالُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ عَنْ آخِرِ شَيْءٍ فَارَقُوهُمْ عَلَيْهِ. (ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ) أَيِ: الْمُصَلُّونَ (فَيَسْأَلُهُمْ) رَبُّهُمْ (وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ) أَيْ: بِالْمُصَلِّينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَحَذَفَ صِلَةَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، قَالَ الْحَافِظُ: اخْتُلِفَ فِي سُؤَالِ الَّذِينَ بَاتُوا دُونَ الَّذِينَ ظَلَمُوا، فَقِيلَ: مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ عَنِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَذَكِّرَ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى: 9] (سُورَةُ الْأَعْلَى: الْآيَةُ 9) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَنْفَعْ، وَ {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] (سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 81) أَيْ: وَالْبَرَدُ أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُ. ثُمَّ قِيلَ: حِكْمَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ يُعْلَمُ مَنْ حُكْمِ طَرَفَيِ اللَّيْلِ، فَلَوْ ذَكَرَهُ كَانَ تَكْرَارًا، وَحِكْمَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الشِّقِّ دُونَ الْآخَرِ أَنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ الْمَعْصِيَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ فِيهِ مَعَ إِمْكَانِ دَوَاعِي الْفِعْلِ مِنَ الْإِخْفَاءِ وَنَحْوِهِ وَاشْتَغَلُوا بِالطَّاعَةِ كَانَ النَّهَارُ أَوْلَى بِذَلِكَ، فَالسُّؤَالُ عَنِ اللَّيْلِ أَبْلَغُ مِنَ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِاشْتِهَارِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ إِذَا صَلُّوا الْفَجْرَ عَرَجُوا فِي الْحَالِ، وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ إِذَا صَلَّوُا الْعَصْرَ لَبِثُوا إِلَى آخِرِ النَّهَارِ لِضَبْطِ بَقِيَّةِ عَمَلِ النَّهَارِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَلَائِكَةَ النَّهَارِ لَا يَسْأَلُونَ عَنْ وَقْتِ الْعَصْرِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيلَ: بِنَاءٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ فَقَطْ وَهُمْ لَا يَبْرَحُونَ، عَنْ مُلَازَمَةِ بَنِي آدَمَ، وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ هُمُ الَّذِينَ يَعْرُجُونَ وَيَتَعَاقَبُونَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ قَالَ: يَلْتَقِي الْحَارِسَانِ؛ أَيْ: مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَتَلْبَثُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْعُرُوجَ إِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ خَاصَّةً، وَأَمَّا النُّزُولُ فَيَقَعُ فِي الصَّلَاتَيْنِ مَعًا وَفِيهِ التَّعَاقُبُ وَصُورَتُهُ أَنْ تَنْزِلَ طَائِفَةٌ عِنْدَ الْعَصْرِ وَتَبِيتُ ثُمَّ تَنْزِلُ طَائِفَةٌ عِنْدَ الْفَجْرِ فَتَجْتَمِعُ الطَّائِفَتَانِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فَقَطْ وَيَسْتَمِرُّ الَّذِينَ نَزَلُوا وَقْتَ الْفَجْرِ إِلَى الْعَصْرِ فَتَنْزِلُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيَحْصُلُ اجْتِمَاعُهُمْ ثُمَّ الْعَصْرُ أَيْضًا وَلَا يَصْعَدُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، بَلْ تَبِيتُ الطَّائِفَتَانِ أَيْضًا، ثُمَّ يَعْرُجُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ فَتَصِحُّ صُورَةُ التَّعَاقُبِ مَعَ اخْتِصَاصِ النُّزُولِ بِالْعَصْرِ وَالْعُرُوجِ بِالْفَجْرِ فَلِذَا خُصَّ السُّؤَالُ بِالَّذِينِ بَاتُوا. وَقِيلَ قَوْلُهُ: وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي طُرُقٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 فِيهِ: " «يَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 78) وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] قَالَ: تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ فِي هَذَا دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعَصْرِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الْعَصْرِ فِي الْآيَةِ، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ عَدَمُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ قَدْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِدَلِيلٍ آخَرَ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ وَقَعَ فِي الْفَجْرِ لِأَنَّهَا جَهْرِيَّةٌ، وَبَحْثُهُ الْأَوَّلُ مُتَّجِهٌ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى دَعْوَى تَوْهِيمِ الرَّاوِي الثِّقَةِ مَعَ إِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَلَا سِيَّمَا وَالزِّيَادَةُ مِنَ الْعَدْلِ الضَّابِطِ مَقْبُولَةٌ، وَلِمَ لَا يُقَالُ رِوَايَةُ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ الَّذِينَ أَقَامُوا فِي النَّهَارِ تَقْصِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ: " ثُمَّ يَعْرُجُ " الَّذِينَ بَاتُوا عَلَى أَعَمِّ مِنَ الْمَبِيتِ بِاللَّيْلِ وَالْإِقَامَةِ بِالنَّهَارِ، فَلَا يَخْلُصُ ذَلِكَ بِلَيْلٍ دُونَ نَهَارٍ وَلَا عَكْسِهِ، بَلْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ إِذَا صَعِدَتْ سُئِلَتْ، غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ بَاتَ فِي أَقَامَ مَجَازًا، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: " فَيَسْأَلُهُمْ " أَيْ: كُلًّا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَصْعَدُ فِيهِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَلَفْظُهُ: ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ كَانُوا، فَعَلَى هَذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْمَتْنِ اخْتِصَارٌ وَلَا اقْتِصَارٌ وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَجْوِبَةِ، وَقَدْ وَقَعَ لَنَا هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَاضِحًا، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِسُؤَالِ كُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالسَّرَّاجُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَتَبِيتُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي» " الْحَدِيثَ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُزِيلُ الْإِشْكَالَ وَتُغْنِي عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ، وَيُحْمَلُ مَا نَقَصَ مِنْهَا عَلَى تَقْصِيرٍ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، انْتَهَى، فَمَا أَكْثَرُ فَوَائِدَهُ. (كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي) الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] (سُورَةُ الْحِجْرِ: الْآيَةُ 42) وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ آخِرِ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِخَوَاتِيمِهَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ. قَالَ عِيَاضٌ: هَذَا السُّؤَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَبُّدِ لِلْمَلَائِكَةِ كَمَا أُمِرُوا أَنْ يَكْتُبُوا أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ أَعْلَمُ بِالْجَمِيعِ مِنَ الْجَمِيعِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحِكْمَةُ فِيهِ اسْتِدْعَاءُ شَهَادَتِهِمْ لِبَنِي آدَمَ بِالْخَيْرِ وَاسْتِعْطَافِهِمْ بِمَا يَقْتَضِي التَّعَطُّفَ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ لِإِظْهَارِ الْحِكْمَةِ فِي خَلْقِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 30) أَيْ: قَدْ وَجَدْتُمْ فِيهِمْ مَنْ يُسَبِّحُ وَيُقَدِّسُ مِثْلَكُمْ بِشَهَادَتِكُمْ (فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 فَارَقُوهُمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَشْهَدُوهَا مَعَهُمْ، وَالْخَبَرُ نَاطِقٌ بِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَهَا؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا الصَّلَاةَ مَعَ مَنْ صَلَّاهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا وَشَهِدُوا مَنْ دَخَلَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَمَنْ شَرَعَ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ التِّينِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ فَارَقُوهُمْ عِنْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ تَمَّتْ أَوْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ تَمَامِهَا، وَسَوَاءٌ شَرَعَ الْجَمِيعُ فِيهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: وَهُمْ يُصَلُّونَ؛ أَيْ: يَنْتَظِرُونَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَبَدَءُوا بِالتَّرْكِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ مُطَابَقَةً لِلسُّؤَالِ فَلَمْ يُرَاعُوا التَّرْتِيبَ الْوُجُودِيَّ، لِأَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ صَلَاةُ الْعِبَادِ، وَالْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا فَنَاسَبَ إِخْبَارُهُمْ عَنْ آخِرِ عَمَلِهِمْ قَبْلَ أَوَّلِهِ، ثُمَّ زَادُوا فِي الْجَوَابِ لِإِظْهَارِ فَضِيلَةِ الْمُصَلِّينَ وَالْحِرْصِ عَلَى ذِكْرِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ ذُنُوبِهِمْ، فَقَالُوا: (وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فَاغْفِرْ لَهُمْ يَوْمَ الدِّينِ. قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: أَجَابَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَكْثَرِ مِمَّا سُئِلُوا عَنْهُ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُ سُؤَالٌ يَسْتَدْعِي التَّعَطُّفَ فَزَادُوا فِي مُوجَبِ ذَلِكَ، قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ أَعْلَى الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا وَقَعَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ، وَإِشَارَةً إِلَى عِظَمِ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ؛ لِاجْتِمَاعِ الطَّائِفَتَيْنِ فِيهِمَا وَفِي غَيْرِهِمَا طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِلَى شَرَفِ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الرِّزْقَ يُقَسَّمُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ الْأَعْمَالَ تُرْفَعُ آخِرَ النَّهَارِ، فَمَنْ كَانَ فِي طَاعَةٍ بُورِكَ فِي رِزْقِهِ وَفِي عَمَلِهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حِكْمَةُ الْأَمْرِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَالِاهْتِمَامِ بِهِمَا، وَفِيهِ تَشْرِيفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى غَيْرِهَا، وَيَسْتَلْزِمُ تَشْرِيفَ نَبِيِّهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَالْإِخْبَارُ بِالْغُيُوبِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ وَالْإِخْبَارُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ضَبْطِ أَحْوَالِنَا حَتَّى نَتَيَقَّظَ وَنَتَحَفَّظَ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَنَفْرَحُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِقُدُومِ رُسُلِ رَبِّنَا عَنَّا، وَفِيهِ إِعْلَامُنَا بِحُبِّ الْمَلَائِكَةِ لَنَا لِنَزْدَادَ فِيهِمْ حُبًّا وَنَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِذَلِكَ، وَكَلَامُ اللَّهِ مَعَ مَلَائِكَتِهِ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي التَّوْحِيدِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُنْ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا»   414 - 414 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ، عَنْ مَالِكٍ مَوْصُولًا وَهُوَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُوَطَّأِ مُرْسَلٌ لَيْسَ فِيهِ عَائِشَةُ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:) فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عَائِشَةَ (مُرُوا) بِضَمَّتَيْنِ بِوَزْنِ كُلُوا مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ تَخْفِيفًا (أَبَا بَكْرٍ) الصِّدِّيقَ (فَلْيُصَلِّ) بِسُكُونِ اللَّامِ الْأُولَى وَيُرْوَى بِكَسْرِهَا مَعَ زِيَادَةِ يَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الثَّانِيَةِ، (لِلنَّاسِ) بِاللَّامِ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِالْبَاءِ، الحديث: 414 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 وَفِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ يَكُونُ أَمْرًا بِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْأُصُولِ، وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ بِأَنَّ الْمَعْنَى بَلِّغُوا أَبَا بَكْرٍ أَنِّي أَمَرْتُهُ، وَفَصْلُ النِّزَاعِ أَنَّ الثَّانِي إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا حَقِيقَةً، فَمُسْلِمٌ إِذْ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ أَمْرٍ لِلثَّانِي وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ فَمَرْدُودٌ. (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ) زَادَ الْأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ: رَجُلٌ أَسِيفٌ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، مِنَ الْأَسَفِ شِدَّةُ الْحُزْنِ، وَالْمُرَادُ رَقِيقُ الْقَلْبِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى فِي الصَّحِيحِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: " إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ " (إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ بِحَذْفِ " فِي " (لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ) لِرِقَّةِ قَلْبِهِ (فَمُرْ عُمَرَ) بْنَ الْخَطَّابِ (فَلِيُصَلِّيَ) بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ بَعْدَهَا يَاءٌ مَفْتُوحَةٌ، وَفِي رِوَايَةٍ بِلَا يَاءٍ وَإِسْكَانِ اللَّامِ الْأُولَى (لِلنَّاسِ) بِاللَّامِ وَالْبَاءِ (قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ) بِلَامٍ وَمُوَحَّدَةٍ بَدَلَهَا (قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ) بِنْتِ عُمَرَ (قَوْلِي لَهُ:) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ) قِرَاءَتَهُ (فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ) بِالْجَزْمِ (بِالنَّاسِ) بِمُوَحَّدَةٍ أَوْ لَامٍ (فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ) ذَلِكَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ " مَهْ " اسْمُ فِعْلٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ زَجْرٌ بِمَعْنَى اكْفُفِي ( «إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» ) جَمْعُ صَاحِبَةٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُنَّ مِثْلَهُنَّ فِي إِظْهَارِ خِلَافَ مَا فِي الْبَاطِنِ، وَالْخِطَابُ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَالْمُرَادُ بِهِ عَائِشَةُ فَقَطْ، كَمَا أَنَّ صَوَاحِبَ جَمْعٌ وَالْمُرَادُ زَلِيخَا فَقَطْ، وَوَجْهُ الْمُشَابَهَةِ أَنَّ زَلِيخَا اسْتَدْعَتِ النِّسْوَةَ وَأَظْهَرَتْ لَهُنَّ الْإِكْرَامَ بِالضِّيَافَةِ، وَمُرَادُهَا زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرْنَ إِلَى حُسْنِ يُوسُفَ وَيَعْذُرْنَهَا فِي مَحَبَّتِهِ، وَأَنَّ عَائِشَةَ أَظْهَرَتْ أَنَّ سَبَبَ إِرَادَتِهَا صَرْفِ الْإِمَامَةِ عَنْ أَبِيهَا كَوْنِهِ لَا يُسْمِعُ الْمَأْمُومِينَ الْقِرَاءَةَ لِبُكَائِهِ، وَمُرَادَهَا هِيَ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ، وَصَرَّحَتْ هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِهِ فَقَالَتْ: لَقَدْ رَاجَعْتُهُ وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إِشْكَالُ مَنْ قَالَ: لَمْ يَقَعْ مِنْ صَوَاحِبِ يُوسُفَ إِظْهَارُ مَا يُخَالِفُ مَا فِي الْبَاطِنِ. وَفِي أَمَالِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُنَّ أَتَيْنَ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ يُظْهِرْنَ فِي الْبَاطِنِ أَنْ يَدْعُونَ يُوسُفَ إِلَى أَنْفُسِهِنَّ، وَلَيْسَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ مَا يُسَاعِدُ مَا قَالَ؛ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَرَادَ أَنَّهُنَّ قَدْ دَعَوْنَ إِلَى غَيْرِ صَوَابٍ كَمَا دُعِينَ فَهُنَّ مِنْ جِنْسِهِنَّ، وَأَنْكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرَاجَعَتَهُنَّ بِأَمْرٍ تَكَرَّرَ سَمَاعُهُ وَلَمْ يَرَهُ فَذَكَرَهُمَا بِفَسَادِ رَأْيِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ جِنْسِهِنَّ، وَفِيهِ جَوَازُ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَلِذَا أَقَرَّهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 عَلَى اعْتِرَافِهِمَا بِالرَّأْيِ بَعْدَ نَصِّهِ عَلَى الْحُكْمِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَرَادَ جِنْسَ النِّسَاءِ وَأَنَّهُنَّ يَسْعَيْنَ إِلَى صَرْفِ الْحَقِّ. وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ وَدَاوُدَ وَجُرَيْجٍ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُنَّ مَائِلَاتٍ مُمِيلَاتٍ، وَفِيهِ مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ، وَخَرَجَ كَلَامُهُ عَلَى جِهَةِ الْغَضَبِ عَلَى أَزْوَاجِهِ وَهُنَّ فَاضِلَاتٌ، وَأَرَادَ غَيْرَهُنَّ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ. (مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا) لِأَنَّ كِلَاهُمَا صَادَفَ الْمَرَّةَ الثَّالِثَةَ مِنَ الْمُعَاوَدَةِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُرَاجَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَلَمَّا أَشَارَ إِلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهَا بِمَا ذَكَرَ وَجَدَتْ حَفْصَةُ فِي نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ هِيَ الَّتِي أَمَرَتْهَا بِذَلِكَ، وَلَعَلَّهَا تَذَكَّرَتْ مَا وَقَعَ لَهَا أَيْضًا مَعَهَا فِي قِصَّةِ الْمَغَافِيرِ. قَالَهُ الْحَافِظُ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ أَنَّ الْمُكْتَرِبَ رُبَّمَا قَالَ قَوْلًا يَحْمِلُهُ الْحَرَجُ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ حَفْصَةَ لَمْ تَعْدَمْ مِنْ عَائِشَةَ خَيْرًا، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي السَّلَفِ الصَّالِحِ فَأَحْرَى مَنْ دُونَهُمْ، وَزَادَ الدَّوْرَقِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُشِيرَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَأْمُرَ عُمَرَ بِالصَّلَاةِ، وَكَذَا فِي مُرْسَلِ الْحَسَنِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ. زَادَ الْأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى. وَلَهَا أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: فَأَتَاهُ الرَّسُولُ؛ أَيْ: بِلَالٌ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا: يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ يُرِدْ أَبُو بَكْرٍ بِهَذَا مَا أَرَادَتْهُ عَائِشَةُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ تَوَاضُعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَالَهُ لِلْعُذْرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّهُ رَقِيقُ الْقَلْبِ كَثِيرُ الْبُكَاءِ فَخَشِيَ أَنْ لَا يُسْمِعَ النَّاسَ، انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ الْإِمَامَةِ الصُّغْرَى الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى، وَعَلِمَ مَا فِي تَحَمُّلِهَا مِنَ الْخَطَرِ، وَعَلِمَ قُوَّةَ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ فَاخْتَارَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَشَارَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَفَهِمَ مِنَ الْأَمْرِ لَهُ بِذَلِكَ تَفْوِيضَ الْأَمْرِ لَهُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ أَوِ اسْتَخْلَفَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ لِلْمُسْتَخْلَفِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَلَا يَتَوَقَّفَ عَلَى إِذْنٍ خَاصٍّ لَهُ بِذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو عُمَرَ: اسْتَدَلَّ الصَّحَابَةُ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى بِالْخِلَافَةِ فَرَضُوا لِدُنْيَاهُمْ مَنْ رَضِيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِدِينِهِمْ، وَمَا مَنَعَهُ أَنْ يُصَرِّحَ بِخِلَافَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لَا يَنْطِقُ فِي دِينِ اللَّهِ بِهَوَاهُ بَلْ بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ فِي الْخِلَافَةِ بِشَيْءٍ، وَكَانَ لَا يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلِيفَةَ فَأَرَاهُمْ بِتَقْدِيمِهِ لِلصَّلَاةِ مَوْضِعَ اخْتِيَارِهِ فَخَارَ اللَّهُ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ، وَقَامَ بِأَمْرِ اللَّهِ. وَقَالَ عُمَرُ لِلْأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يُزِيلَهُ عَنْ مَقَامٍ أَقَامَهُ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالُوا: كُلُّنَا لَا تَطِيبُ نَفْسُهُ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَكَانَ رُجُوعُ الْأَنْصَارِ لِكَلَامِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّلَاةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 الِاعْتِصَامِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّهُ قَالَ «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّاسِ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَارَّهُ فَلَمْ يُدْرَ مَا سَارَّهُ بِهِ حَتَّى جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَهَرَ أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ الرَّجُلُ بَلَى وَلَا شَهَادَةَ لَهُ فَقَالَ أَلَيْسَ يُصَلِّي قَالَ بَلَى وَلَا صَلَاةَ لَهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْهُمْ»   415 - 415 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ) الْمَدَنِيِّ نَزِيلِ الشَّامِ، ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَمِائَةٍ وَقَدْ جَاوَزَ الثَمَانِينَ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّه) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَخِفَّةِ التَّحْتِيَّةِ ابْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيِّ النَّوْفَلِيِّ الْمَدَنِيِّ، قُتِلَ أَبُوهُ بِبَدْرٍ وَكَانَ هُوَ فِي الْفَتْحِ مُمَيَّزًا فَعُدَّ فِي الصَّحَابَةِ لِذَلِكَ، وَعَدَّهُ الْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُ فِي ثِقَاتِ كِبَارِ التَّابِعِينَ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ، وَمَاتَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَخَرَّجَ لَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، (أَنَّهُ قَالَ) أَرْسَلَهُ جَمِيعُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ إِلَّا رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ فَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ مَوْصُولًا، فَقَالَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَرَوَاهُ اللَّيْثُ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلَ رِوَايَةِ رَوْحٍ عَنْ مَالِكٍ سَوَاءً، وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَأَبُو أُوَيْسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ فَسُمِّيَ الرَّجُلُ الْمُبْهَمُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَسْنَدَ هَذِهِ الطُّرُقَ كُلَّهَا قَالَ: (بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ بَيْنَ ظَهَرَانَيِ النَّاسِ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ) هُوَ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ (فَسَارَّهُ فَلَمْ يُدْرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (مَا سَارَّهُ بِهِ حَتَّى جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ) هُوَ مَالِكُ بْنُ الدَّخْشَمِ، كَذَا ذَكَرَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ الْمَرْوِيَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي آخِرِهِ: " «فَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ فَاجْتَمَعَ رِجَالٌ، فَقَالَ قَائِلٌ: أَيْنَ مَالِكٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَقُلْ ذَلِكَ» " الْحَدِيثَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ الَّذِي سَارَ هُوَ عِتْبَانُ، وَأَغْرَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَنَقَلَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْقَائِلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذَلِكَ مُنَافِقٌ هُوَ عِتْبَانُ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَخْتَلِفْ فِي شُهُودِ مَالِكٍ بَدْرًا وَهُوَ الَّذِي أَسَرَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، ثُمَّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ: أَلَيْسَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟ وَفِي مَغَازِي ابْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مَالِكًا هَذَا وَمَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ فَحَرَقَا مَسْجِدَ الضِّرَارِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ مِمَّا اتُّهِمَ بِهِ مِنَ النِّفَاقِ أَوْ كَانَ قَدْ أَقْلَعَ عَنْ ذَلِكَ، أَوِ النِّفَاقُ الَّذِي اتُّهِمَ بِهِ لَيْسَ بِنِفَاقِ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ تَوَدُّدَهُ لِلْمُنَافِقِينَ، وَلَعَلَّ لَهُ عُذْرًا فِي ذَلِكَ كَمَا وَقَعَ الحديث: 415 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 لِحَاطِبٍ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ جَهَرَ: أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟) وَفِي الْبُخَارِيِّ: أَلَا تَرَاهُ قَدْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ فَهِمَ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ أَنْ لَا جَزْمَ بِذَلِكَ (فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلَى؛ وَلَا شَهَادَةَ لَهُ) لِأَنَّهَا بِالظَّاهِرِ فَقَطْ، وَفِي الْبُخَارِيِّ: قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّمَا اسْتَدَلُّوا عَلَى نِفَاقِهِ بِمَيْلِهِ وَنُصْحِهِ لِلْمُنَافِقِينَ فَلَمْ يَرَ الْمُصْطَفَى ذَلِكَ يُبِيحُ دَمَهُ. (فَقَالَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَلَيْسَ يُصَلِّي؟ قَالَ: بَلَى؛ وَلَا صَلَاةَ لَهُ) حَقِيقَةً (فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْهُمْ) لِئَلَّا يَقُولَ النَّاسُ: إِنَّهُ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ؛ أَيْ: فَتَنْفِرُ قُلُوبُ النَّاسِ عَنِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: يَعْنِي نَهَاهُ عَنْ قَتْلِهِمْ لِمَعْنَى الْإِيمَانِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُلْزِمَهُمُ الْقَتْلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا يَلْزَمُ سَائِرَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقَصَاصِ وَالْحُدُودِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»   416 - 416 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» ") قَالَ الْبَاجِيُّ: دُعَاؤُهُ بِذَلِكَ الْتِزَامٌ لِلْعُبُودِيَّةِ. وَرَوَى أَشْهَبُ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لِذَلِكَ كَرِهَ أَنْ يُدْفَنَ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ، عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَسْنَدَهُ الْبَزَّارُ، عَنْ عُمَرَ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ: (" «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ") مَحْفُوظٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ، وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ ثِقَاتِ أَشْرَافِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ عِنْدَ مَنْ يَحْتَجُّ بِمَرَاسِيلِ الثِّقَاتِ، وَعِنْدَ مَنْ قَالَ بِالْمُسْنَدِ لِإِسْنَادِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ لَهُ بِلَفْظِ الْمُوَطَّأِ سَوَاءً، وَهُوَ مِمَّنْ تُقْبَلُ زِيَادَتُهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ الْعَقِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» " قِيلَ: مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنِ السُّجُودِ عَلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقِيلَ: النَّهْيُ عَنِ اتِّخَاذِهَا قِبْلَةً يُصَلَّى إِلَيْهَا، وَإِذَا مَنَعَ ذَلِكَ فِي قَبْرِهِ فَسَائِرُ آثَارِهِ أَحْرَى بِذَلِكَ، وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ الحديث: 416 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 وَغَيْرُهُ طَلَبَ مَوْضِعِ شَجَرَةِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ «كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالْمَطَرُ وَالسَّيْلُ وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذْهُ مُصَلًّى فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى مَكَانٍ مِنْ الْبَيْتِ فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»   417 - 417 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ) بْنِ سُرَاقَةَ بْنِ عَمْرٍو (الْأَنْصَارِيِّ) الْخَزْرَجِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ، صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ وَجُلُّ رِوَايَتِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ أَبُو عُمَرَ، قَالَ يَحْيَى: مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ غَلَطٌ بَيِّنٌ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَلَا مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ إِلَّا عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ (أَنَّ عِتْبَانَ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ (ابْنَ مَالِكِ) بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَجْلَانِ الْأَنْصَارِيَّ السَّالِمِيَّ، صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، (كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ) أَيْ: حِينِ لَقِيَهُ مَحْمُودٌ وَسَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ لَا حِينَ سُؤَالِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ: فَجِئْتُ إِلَى عِتْبَانَ وَهُوَ شَيْخٌ أَعْمَى يَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَلَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَمَعْمَرٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَيُونُسَ فِي مُسْلِمٍ، وَالزُّبَيْدِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي الطَّبَرَانِيِّ كُلِّهِمْ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَلْلطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ: لَمَّا سَاءَ بَصَرِي. وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَمِرٍ: جُعِلَ بَصَرِي يَكِلُّ، وَكُلُّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَلَغَ الْعَمَى إِذْ ذَاكَ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلَ رِوَايَةُ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: لَمَّا أَنْكَرْتُ بَصَرِي. وَقَوْلُهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عِتْبَانَ: أَصَابَنِي فِي بَصَرِي بَعْضُ الشَّيْءِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ عَمَاهُ، لَكِنْ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ بِلَفْظٍ أَنَّهُ عَمِيَ فَأَرْسَلَ، وَجَمَعَ ابْنُ خُزَيْمَةَ بَيْنَ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ، فَقَالَ قَوْلُهُ: قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي هَذَا اللَّفْظُ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ فِي بَصَرِهِ سُوءٌ وَإِنْ كَانَ يُبْصِرُ بَصَرًا مَا، وَعَلَى مَنْ صَارَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُ شَيْئًا، انْتَهَى، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْعَمَى لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَمُشَارَفَتِهِ لَهُ فِي فَوَاتِ مَا كَانَ يَعْهَدُهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَبِهَذَا تَأْتَلِفُ الرِّوَايَاتُ. (وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ظَاهِرُهُ مُشَافَهَةً وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ رِوَايَةِ اللَّيْثِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عِتْبَانَ: أَنَّهُ بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نُسِبَ إِتْيَانُ رَسُولِهِ إِلَى نَفْسِهِ مَجَازًا، لَكِنْ فِي الطَّبَرَانِيِّ، عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِسَنَدِهِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ جُمُعَةٍ: لَوْ أَتَيْتَنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِيهِ أَنَّهُ أَتَاهُ يَوْمَ السَّبْتِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ مُخَاطَبَةَ عِتْبَانَ بِذَلِكَ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَتَاهُ مَرَّةً وَبَعَثَ إِلَيْهِ أُخْرَى إِمَّا مُتَقَاضِيًا وَإِمَّا مُذَكِّرًا. (إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالْمَطَرُ وَالسَّيْلُ) سَيْلُ الْمَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الْأَمْطَارُ سَالَ الحديث: 417 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 فِي الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّي بِهِمْ. (وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ) أَيْ: أَصَابَنِي مِنْهُ ضُرٌّ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْكَرْتُ بَصَرِي، قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَيْ نَاقِصُهُ فَإِذَا عَمِيَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ ضَرِيرٌ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْبَصَرِ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ، وَإِنْ كَفَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي عُذْرِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ؛ لِيُبَيِّنَ كَثْرَةَ مَوَانِعِهِ، وَإِنَّهُ حَرِيصٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ. (فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مَحْدُودًا لِتَوَغُّلِهِ فِي الْإِبْهَامِ فَأَشْبَهَ خَلْفَ وَنَحْوِهَا أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ؛ أَيْ: فِي مَكَانٍ (أَتَّخِذُهُ) بِالْجَزْمِ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ؛ أَيْ: إِنْ تُصَلِّ أَتَّخِذُهُ وَبِالرَّفْعِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبِ صِفَةٍ مَكَانًا أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا (مُصَلًّى) بِالْمِيمِ مَوْضِعًا لِلصَّلَاةِ (فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: " فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ " زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِالْغَدِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ غَيْرَهُ، حَتَّى أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَاسْتَأْذَنَا فَأَذِنْتُ لَهُمَا، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عِتْبَانَ فَأَتَانِي وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ الْحَافِظُ: فَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَحِبَهُ وَحْدَهُ فِي ابْتِدَاءِ التَّوَجُّهِ، ثُمَّ عِنْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَهُ اجْتَمَعَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ فَدَخَلُوا مَعَهُ، (فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟) مِنْ بَيْتِكَ (فَأَشَارَ) عِتْبَانُ (لَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ) مُعَيَّنٍ (فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: " «فَلَمْ يَجْلِسْ حِينَ دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصْلِيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَقَامَ فَكَبَّرَ فَقُمْنَا فَصَفَفْنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ» ". وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَالطَّيَالِسِيِّ: فَلَمَّا دَخَلَ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ؟ وَهِيَ أَبْيَنُ فِي الْمُرَادِ؛ لِأَنَّ جُلُوسَهُ إِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي بَيْتِ مُلَيْكَةَ جَلَسَ فَأَكَلَ ثُمَّ صَلَّى؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ دُعِيَ إِلَى طَعَامٍ فَبَدَأَ بِهِ وَهُنَا دُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فَبَدَأَ بِهَا. وَفِيهِ إِمَامَةُ الْأَعْمَى، وَإِخْبَارُ الْمَرْءِ بِعَاهَةِ نَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ مِنَ الشَّكْوَى، وَالتَّخَلُّفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ لِعُذْرٍ، وَاتِّخَاذُ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ لِلصَّلَاةِ، وَالنَّهْيُ عَنْ إِيطَانِ مَوْضِعٍ مِنَ الْمَسْجِدِ مُعَيَّنٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ؛ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا اسْتَلْزَمَ رِيَاءً وَنَحْوَهُ، وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ. حَدَّثَنِي مَالِكٌ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ بِزِيَادَاتٍ عَلَى مَا هُنَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى»   418 - 418 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ (ابْنِ تَمِيمِ) بْنِ غَزِيَّةَ الحديث: 418 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ الْمَدَنِيِّ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، وَقِيلَ: لَهُ رُؤْيَةٌ (عَنْ عَمِّهِ) - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ - أَخِي أَبِيهِ لِأُمِّهِ (أَنَّهُ رَأَى) أَبْصَرَ (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَلْقِيًا) عَلَى ظَهْرِهِ (فِي الْمَسْجِدِ) النَّبَوِيِّ حَالَ كَوْنِهِ (وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى) قَالَ الْحَافِظُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الِاسْتِرَاحَةِ لَا عِنْدَ مُجْتَمَعِ النَّاسِ لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمْ بِالْوَقَارِ التَّامِّ، فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ» " وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ النَّهْيَ حَيْثُ يُخْشَى بُدُوُّ الْعَوْرَةِ، وَالْجَوَازُ حَيْثُ يُؤْمَنُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَزْمِ ابْنِ بَطَّالٍ وَمَنْ تَبِعَهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَمِنْ تَجْوِيزِ الْمَازِرِيِّ اخْتِصَاصَهُ؛ لِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، انْتَهَى. وَكَذَا جَوَّزَهُ الْبَاجِيُّ قَالَ: لَكِنْ فِعْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِيهِ جَوَازُ الِاتِّكَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَالِاضْطِجَاعِ وَأَنْوَاعِ الِاسْتِرَاحَةِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ فِي أَنَّ الْأَجْرَ الْوَارِدَ لِلَّابِثِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَخْتَصُّ بِالْجَالِسِ بَلْ يَحْصُلُ لِلْمُسْتَلْقِي أَيْضًا. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَمُسْلِمٌ فِي اللِّبَاسِ عَنْ يَحْيَى كِلَيْهِمَا، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ كُلُّهُمْ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلَهُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ   418 - 419 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَفْعَلَانِ ذَلِكَ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَرْدَفَ الْمَرْفُوعَ بِفِعْلِهِمَا كَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ نَهْيَهُ مَنْسُوخٌ فَاسْتَدَلَّ عَلَى نَسْخِهِ بِعَمَلِهِمَا، وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَةِ أَنْ تَسْقُطَ وَيَرْجِعَ إِلَى الْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ حَتَّى يَرِدَ مَنْعٌ بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ، انْتَهَى. وَلَا يَتَعَيَّنُ مَا قَالَ بَلْ يَجُوزُ أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نَهْيَهُ لِلتَّنْزِيهِ أَوْ حَيْثُ خَشِيَ ظُهُورَ الْعَوْرَةِ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ مُطْلَقًا لَمْ يَفْعَلْهُ الْخَلِيفَتَانِ، وَزَادَ الْحُمَيْدِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لِإِنْسَانٍ إِنَّكَ فِي زَمَانٍ كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ قَلِيلٌ قُرَّاؤُهُ تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُرُوفُهُ قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ كَثِيرٌ مَنْ يُعْطِي يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَيَقْصُرُونَ الْخُطْبَةَ يُبَدُّونَ أَعْمَالَهُمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ يُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُدُودُهُ كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ قَلِيلٌ مَنْ يُعْطِي يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ وَيَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ يُبَدُّونَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ   419 - 420 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لِإِنْسَانٍ) لَمْ يُسَمِّ الحديث: 419 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 (إِنَّكَ فِي زَمَانٍ كَثِيرٌ) بِالْجَرِّ صِفَةٌ جُرَّتْ مَنْ هِيَ لَهُ، وَالرَّفْعُ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ: (فُقَهَاؤُهُ) الْمُسْتَنْبِطُونَ لِلْأَحْكَامِ مِنَ الْقُرْآنِ كَمَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ حَالِ الصَّحَابَةِ (قَلِيلٌ) بِالرَّفْعِ وَالْخَفْضِ كَسَابِقِهِ (قُرَّاؤُهُ) الْخَالُونَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَعَانِيهِ وَالْفِقْهِ فِيهِ، فَلَمْ يَرِدْ أَنَّ قُرَّاءَ الْقُرْآنِ قَلِيلٌ فِي زَمَانِهِ بَلْ مَدَحَ زَمَانَهُ بِكَثْرَةِ الْفُقَهَاءِ وَجُلُّ فِقْهِهِمْ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ وَالِاسْتِنْبَاطِ مِنْهُ، وَأَنَّ مَنْ يَقْرَأْهُ بِلَا فِقْهٍ قَلِيلٌ، وَمُحَالٌ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْهُ مَنْ لَا يَحْفَظُهُ وَأَنْ يُوصَفَ بِالْفِقْهِ مَنْ لَا يَقْرَؤُهُ، وَأَنْ يَقْصِدَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَعَ فَضْلِهِ وَمَحَلِّهِ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ أَنْ يَمْدَحَ زَمَانَ الصَّحَابَةِ بِقِلَّةِ الْقُرَّاءِ فِيهِ وَهُمْ كَانُوا أَلْهَجَ النَّاسِ بِهِ لِمَا رَأَوْا مِنْ تَفْضِيلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَعْلَّمَهُ وَعَلَّمَهُ وَتَقْدِيمِهِ فِي اللَّحْدِ مَنْ كَانَ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ، وَنِدَائِهِ أَصْحَابِهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ: " «أَيْنَ أَصْحَابُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ؟» " أَيِ: الَّتِي يُجَلُّ عَنِ الْفِرَارِ صَاحِبُهَا، وَإِنَّمَا يَدْعُو بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ، إِذْ لَا يَنْتَفِعُ فِي مَوَاطِنِ الشَّدَائِدِ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَلَا يَكَادُ يَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إِلَى مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ أَكْثَرَهُ، فَثَبَتَ أَنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَحِفْظَهُ مَنْ أَفْضَلِ الْمَنَاقِبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَابَ بِهِ، فَيَجِبُ تَأْوِيلَ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمَا قُلْنَا (تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ) بِإِقَامَتِهَا وَالْوُقُوفِ عِنْدَهَا وَإِظْهَارِ الْحَقِّ وَأَحْكَامِ الْقُرْآنِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ، وَذَلِكَ عَامٌّ بَيْنَ رَاغِبٍ فِيهِ وَمَحْمُولٌ عَلَيْهِ، مِنْ مُنَافِقٍ أَوْ مُسْرِفٍ عَلَى نَفْسِهِ مِمَّنْ لَمْ يُدْرِكِ الْمُصْطَفَى، وَأَنَّ هَذَا الصِّنْفَ لَا يَقْرَءُونَهُ وَإِنِ الْتَزَمُوا أَحْكَامَهُ خَوْفًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْفُضَلَاءِ، وَهَذَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: (وَتُضَيَّعُ حُرُوفُهُ) فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْحُرُوفِ لَا يَخْلُو أَنْ يَزِيدَ مِنْ نَحْوِ أَلِفٍ وَلَامٍ أَوْ يَزِيدَ لُغَاتُهُ، وَفِي تَضْيِيعِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مَنْعٌ مِنْ حِفْظِهِ، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ فُضَلَاءَ الصَّحَابَةِ يُضَيِّعُونَ حُرُوفَهُ إِذْ لَوْ ضَيَّعُوهَا لَمْ يَصِلْ أَحَدٌ إِلَى مَعْرِفَةِ حُدُودِهِ، إِذْ لَا يُعْرَفُ مَا تَضَمَّنَ مِنَ الْأَحْكَامِ إِلَّا مَنْ قَرَأَ الْحُرُوفَ وَعَرَفَ مَعَانِيهَا، قَالَهُ كُلُّهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: أَيِ الْمُحَافِظُونَ عَلَى حُدُودِهِ أَكْثَرُ مِنَ الْمُحَافِظِينَ عَلَى التَّوَسُّعِ فِي مَعْرِفَةِ أَنْوَاعِ الْقِرَاءَاتِ. وَقَالَ الْبَوْنِيُّ فِيهِ: إِنَّ تَعَلُّمَ حُدُودِهِ وَاجِبٌ، وَحِفْظَ حُرُوفِهِ؛ أَيِ: الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ، مُسْتَحَبٌّ (قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ) الْمَالَ لِكَثْرَةِ الْمُتَعَفِّفِينَ (كَثِيرٌ مَنْ يُعْطِي) لِكَثْرَةِ الْمُتَصَدِّقِينَ. وَقِيلَ: أَرَادَ مَنْ يَسْأَلُ الْعِلْمَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ حِينَئِذٍ كَانُوا كُلُّهُمْ فُقَهَاءَ (يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ) أَفْذَاذًا أَوْ جَمَاعَةً بِشَرْطِهِ (وَيُقَصِّرُونَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الصَّادِ مِنْ " أَقْصَرَ " وَبِفَتْحِهِ وَضَمِّهَا مِنْ قَصَرَ (الْخُطْبَةَ) أَيْ: يَعْمَلُونَ بِالسُّنَّةِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِذَلِكَ وَيَفْعَلُهُ، وَكَانَ يَخْطُبُ بِكَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ طَيِّبَةٍ وَكَرِهَ التَّشَدُّقَ، وَالْمَوْعُوظُ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ مَا حُفِظَ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ الْقِلَّةِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَخَوَّلُنَا؛ أَيْ: يَتَعَهَّدُنَا بِالْمَوْعِظَةِ مَخَافَةَ السَّآمَةِ» . قَالَ الْبَاجِيُّ: وَفِيهِ مَعْنًى آخَرُ أَنَّ الْخُطْبَةَ وَعْظٌ وَالصَّلَاةُ عَمَلٌ يُرِيدُ أَنَّ عَمَلَهُمْ كَثِيرٌ وَوَعْظَهُمْ قَلِيلٌ (يُبَدُّونَ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ يُقَدِّمُونَ (أَعْمَالَهُمْ قَبْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 أَهْوَائِهِمْ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ إِذَا عَرَضَ لَهُمْ عَمَلُ بِرٍّ وَهَوًى بَدَءُوا بِعَمَلِ الْبِرِّ وَقَدَّمُوهُ عَلَى مَا يَهْوُونَ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ} [النور: 37] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 37) الْآيَةَ، فَإِذَا كَانُوا فِي أَشْغَالِهِمْ وَسَمِعُوا نِدَاءَ الصَّلَاةِ قَامُوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوا أَشْغَالَهُمْ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: مَدَحَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِذَلِكَ زَمَانَهُ، وَقَرْنُهُ خَيْرُ الْقُرُونِ الْمَمْدُوحُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ أَنَّ تَضْيِيعَ حُرُوفِ الْقُرْآنِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، (وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ) لِاشْتِغَالِهِمْ بِحُظُوظِ أَنْفُسِهِمْ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ (كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ يُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُدُودُهُ) عَابَ آخِرَ الزَّمَانِ بِأَنَّ قُرَّاءَهُ لَا يَفْقَهُونَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهِ وَإِنَّمَا غَايَتُهُمْ مِنْهُ تِلَاوَتُهُ، وَفِيهِ أَنَّ كَثْرَةَ الْقُرَّاءِ دَلِيلٌ عَلَى تَغَيُّرِ الزَّمَانِ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا: " «أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا» " وَقَالَ مَالِكٌ: قَدْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَالْعِيَانُ فِي أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ عَلَى صِحَّةِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ كَالْبُرْهَانِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ) لِقِلَّةِ الصَّبْرِ وَالتَّعَفُّفِ (قَلِيلٌ مِنْ يُعْطِي) لِكَثْرَةِ شُحِّ الْأَغْنِيَاءِ وَمَنْعِهِمْ (يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ وَيَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ) مُخَالَفَةً لِلسُنَّةِ أَوْ وَعْظُهُمْ كَثِيرٌ وَعَمَلُهُمْ قَلِيلٌ (يُبْدُونَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ) حُبًّا لِاتِّبَاعِ الْهَوَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ الْعَبْدِ الصَّلَاةُ فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ نُظِرَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عَمَلِهِ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ لَمْ يُنْظَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ   420 - 421 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ الْعَبْدِ) أَيِ: الْإِنْسَانِ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ (الصَّلَاةَ) الْمَفْرُوضَةَ وَهِيَ الْخَمْسُ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَا فُرِضَ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَهِيَ عَلَمُهُ وَرَايَةُ الْإِسْلَامِ. (فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ نُظِرَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عَمَلِهِ) لِأَنَّهَا أُمُّ الْعِبَادَاتِ (وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ لَمْ يُنْظَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ) وَهَذَا لَا يَكُونُ رَأْيًا بَلْ تَوْفِيقًا، وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ وُجُوهٍ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَأَقْرَبُهَا إِلَى لَفْظِهِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَصَحَّحَهُ الضِّيَاءُ، عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: " «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ صَلُحَتْ صَلُحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ» "، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِنْ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، وَإِنْ الحديث: 420 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكْمِلُ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ مِثْلَ ذَلِكَ» " وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «أَوَّلُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّتِي الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَأَوَّلُ مَا يُرْفَعُ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَأَوَّلُ مَا يُسْأَلُونَ عَنِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَمَنْ كَانَ ضَيَّعَ شَيْئًا يَقُولُ اللَّهُ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي نَافِلَةً مِنْ صَلَاةٍ تُتِمُّونَ بِهَا مَا نَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ؟ وَانْظُرُوا فِي صِيَامِ عَبْدِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنْ كَانَ ضَيَّعَ شَيْئًا مِنْهُ فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي نَافِلَةً مِنْ صِيَامٍ تُتِمُّونَ بِهَا مَا نَقَصَ مِنَ الصِّيَامِ؟ وَانْظُرُوا فِي زَكَاةِ عَبْدِي فَإِنْ كَانَ ضَيَّعَ شَيْئًا مِنْهَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ نَافِلَةً مِنْ صَدَقَةٍ تُتِمُّونَ بِهَا مَا نَقَصَ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَيُؤْخَذُ ذَلِكَ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ وَذَلِكَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَعَدْلِهِ، فَإِذَا وَجَدَ فَضْلًا وُضِعَ فِي مِيزَانِهِ وَقِيلَ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ مَسْرُورًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ أُمِرَتْ بِهِ الزَّبَانِيَةُ فَأَخَذُوا بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ قُذِفَ فِي النَّارِ» "، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي فِيمَنْ سَهَا عَنْ فَرِيضَةٍ أَوْ نَسِيَهَا، أَمَّا تَرْكُهَا عَمْدًا فَلَا يُكْمَلُ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ لَا يُكَفِّرُهَا إِلَّا الْإِتْيَانُ بِهَا وَهِيَ تَوْبَتُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ»   422 - 422 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) يُرْوَى بِرَفْعِ أَحَبَّ اسْمُ كَانَ وَنَصْبُهُ خَبَرٌ، وَالِاسْمُ قَوْلُهُ (الَّذِي يَدُومُ) يُوَاظِبُ (عَلَيْهِ صَاحِبُهُ) وَإِنْ قَلَّ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنَ الْكَثِيرِ الَّذِي يُفْعَلُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يُتْرَكُ وَيُتْرَكُ الْعَزْمُ عَلَيْهِ، وَالْعَزْمُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ مِمَّا يُثَابُ عَلَيْهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: بِدَوَامِ الْقَلِيلِ تَسْتَمِرُّ الطَّاعَةُ بِالذِّكْرِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ الشَّاقِّ حَتَّى يَنْمُوَ الْقَلِيلُ الدَّائِمُ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى الْكَثِيرِ الْمُنْقَطِعِ أَضْعَافًا كَثِيرَةً. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إِنَّمَا أُحِبُّ الدَّائِمَ لِمَعْنَيَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا: أَنَّ التَّارِكَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ كَالْمُعْرِضِ بَعْدَ الْوَصْلِ وَهُوَ مُتَعَرِّضٌ لِلذَّمِّ، وَلِذَا وَرَدَ الْوَعِيدُ فِي حَقِّ مَنْ حَفِظَ آيَةً ثُمَّ نَسِيَهَا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ حِفْظِهَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ. ثَانِيهِمَا: أَنَّ مُدَاوِمَ الْخَيْرِ مُلَازِمٌ لِلْخِدْمَةِ وَلَيْسَ مَنْ لَازَمَ الْبَابَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَقْتًا مَا كَمَنَ لَازَمَ يَوْمًا كَامِلًا ثُمَّ انْقَطَعَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يُوَضِّحُ أَنَّ حَدِيثَ: «عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» ، وَكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ؛ ضَمِيرٌ إِلَيْهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ أَيْضًا: " «وَكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ وَلَا خَلَفَ بَيْنِهِمَا فَمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ كَانَ أَحَبُّ إِلَى رَسُولِهِ» " وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 422 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَجُلَانِ أَخَوَانِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَذُكِرَتْ فَضِيلَةُ الْأَوَّلِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَلَمْ يَكُنْ الْآخَرُ مُسْلِمًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَانَ لَا بَأْسَ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكُمْ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلَاتُهُ إِنَّمَا مَثَلُ الصَّلَاةِ كَمَثَلِ نَهْرٍ غَمْرٍ عَذْبٍ بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَقْتَحِمُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَمَا تَرَوْنَ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلَاتُهُ   422 - 423 - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَجُلَانِ أَخَوَانِ فَهَلَكَ) أَيْ مَاتَ وَهِيَ لَفْظَةٌ لَيْسَتْ مُسْتَنْكَرَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَالزَّمَنِ الْقَدِيمِ، قَالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} [غافر: 34] (سُورَةُ غَافِرٍ: الْآيَةُ 34) فَأَمَّا الْآنَ فَاسْتَعْمَلُوهَا فِيمَنْ مَاتَ كَافِرًا أَوْ ظَاهِرًا فُجُورُهُ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا الْآنَ فِي الْمُسْلِمِ الْمَيِّتِ. (أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَذُكِرَتْ فَضِيلَةُ الْأَوَّلِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِيهِ جَوَازُ الثَّنَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ وَالْإِخْبَارِ بِفَضْلِهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: " «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» " وَإِنَّمَا يَجُوزُ الثَّنَاءُ بِفِعْلِهِ وَلَا يُخْبِرُ بِمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَغِيبٌ عَنَّا، وَأَمَّا الْحَيُّ فَإِنْ خِيفَ فِتْنَتُهُ بِذِكْرِ مَحَاسِنِهِ مُنِعَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ سَمِعَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمَدْحِ: " «أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ» " وَإِنْ لَمْ يُخَفْ جَازَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِيهٍ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» " قَالَهُ الْبَاجِيُّ. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (" أَلَمْ يَكُنِ الْآخَرُ ") بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُتَأَخِّرِ فِي الْوَفَاةِ وَفَتْحِهَا؛ أَيِ: الْأَخِّ الَّذِي تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ، عَنْ أَخِيهِ (مُسْلِمًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَانَ لَا بَأْسَ بِهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي التَّخَاطُبِ فِيمَا يَقْرُبُ مَعْنَاهُ، وَلَا يُرَادُ الْمُبَالَغَةُ بِتَفْضِيلِهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمَا يُدْرِيكُمْ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلَاتُهُ) فِي الْأَرْبَعِينَ لَيْلَةَ الَّتِي عَاشَهَا بَعْدَ أَخِيهِ (إِنَّمَا مَثَلُ الصَّلَاةِ كَمَثَلِ نَهْرٍ غَمْرٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ؛ أَيْ: كَثِيرِ الْمَاءِ (عَذْبٍ بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَقْتَحِمُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَمَا تَرَوْنَ ذَلِكَ يُبْقِي) بِالْبَاءِ لَا بِالنُّونِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (مِنْ دَرَنِهِ) أَيْ: وَسَخِهِ (فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلَاتُهُ) أَعَادَهُ زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ فِي الْبُعْدِ عَنِ التَّفْضِيلِ بِلَا عِلْمٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْعَذْبَ أَنْقَى لِلدَّرَنِ، كَمَا أَنَّ الْكَثِيرَ أَشَدُّ إِنْقَاءً مِنَ الْيَسِيرِ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: خَطَرَ بِبَالِي تَقْصِيرِي فِي الْأَعْمَالِ فَكَبَرَ عَلَيَّ، فَرَأَيْتُ فِي مَنَامِي آتِيًا أَتَانِي فَضَرَبَ بَيْنَ كَتِفِي، وَقَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ فِي الْعِبَادَةِ؛ أَيُّ عِبَادَةٍ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي جَمَاعَةٍ. قَالَ أَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا تُحْفَظُ قِصَّةُ الْأَخَوَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ إِلَّا فِي بَلَاغِ مَالِكٍ هَذَا، وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْبَزَّارُ وَقَطَعَ بِأَنَّهُ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 يُوجَدُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ الْبَتَّةَ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَرَاسِيلَ مَالِكٍ أُصُولُهَا صِحَاحٌ وَجَائِزٌ أَنْ يَرْوُوا هَذَا الْحَدِيثَ سَعْدٌ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ حَدِيثِ مَالِكٍ سَوَاءً، وَأَظُنُّ مَالِكًا أَخَذَهُ مِنْ كُتِبِ بُكَيْرٍ أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْهُ مَخْرَمَةُ ابْنُهُ، فَإِنَّ ابْنَ وَهْبٍ انْفَرَدَ بِهِ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ فِيمَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَتُحْفَظُ قِصَّةُ الْأَخَوَيْنِ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، انْتَهَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ كَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ دَعَاهُ فَسَأَلَهُ مَا مَعَكَ وَمَا تُرِيدُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ قَالَ عَلَيْكَ بِسُوقِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هَذَا سُوقُ الْآخِرَةِ   422 - 424 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ كَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ دَعَاهُ فَسَأَلَهُ مَا مَعَكَ؟ وَمَا تُرِيدُ؟ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ قَالَ: عَلَيْكَ بِسُوقِ الدُّنْيَا فَإِنَّمَا هَذَا سُوقُ الْآخِرَةِ) أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29] (سُورَةُ فَاطِرٍ: الْآيَةُ 29) وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُهَا وَكَذَلِكَ انْتِظَارُهَا. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَنْشُدُ الضَّالَّةَ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ» ". وَقَالَ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 36) الْآيَةَ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَنَى رَحْبَةً فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ تُسَمَّى الْبُطَيْحَاءَ وَقَالَ مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَلْغَطَ أَوْ يُنْشِدَ شِعْرًا أَوْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَلْيَخْرُجْ إِلَى هَذِهِ الرَّحْبَةِ   422 - 425 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) كَذَا لِيَحْيَى وَلِغَيْرِهِ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَنَى رَحْبَةً فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ تُسَمَّى الْبُطَيْحَاءَ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَمُهْمَلَةٍ؛ تَصْغِيرُ بَطْحَاءَ. (وَقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَلْغَطَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ فِيهِ جَلَبَةٌ وَاخْتِلَاطٌ وَلَا يَتَبَيَّنُ (أَوْ يُنْشِدُ شِعْرًا أَوْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَلْيَخْرُجْ إِلَى هَذِهِ الرَّحْبَةِ) تَعْظِيمًا لِلْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وُضِعَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، قَالَ تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 36) الْآيَةَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: عَارَضَهُ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى حَسَّانَ إِنْشَادَ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ فَسَكَتَ عُمَرُ، وَمَحَلُّ هَذَا فِي الشِّعْرِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مُنْكَرٌ، وَحَسْبُكَ مَا يُنْشِدُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا مَا فِيهِ الْفَخْرُ بِآبَاءٍ كُفَّارٍ وَالتَّشْبِيبُ بِالنِّسَاءِ أَوْ شَيْءٌ مِنَ الْخَنَا فَلَا يَجُوزُ فِي مَسْجِدٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَالْمَسْجِدُ أَوْلَى بِالتَّنْزِيهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالشِّعْرُ كَلَامٌ مَوْزُونٌ فَحَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةٌ» " وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تَتَنَاشَدَ الْأَشْعَارُ فِي الْمَسْجِدِ، وَعَنِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، إِلَّا أَنَّ الشِّعْرَ وَإِنْ كَانَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْشَدَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا غِبًّا، لِأَنَّ إِنْشَادَ حَسَّانَ كَذَلِكَ كَانَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَمَّا رَأَى عُمَرُ كَثْرَةَ جُلُوسِ النَّاسِ وَتَحَدُّثَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ وَرُبَّمَا أَخْرَجَهُمْ ذَلِكَ إِلَى اللَّغَطِ، وَرُبَّمَا أَنْشَدُوا ثَنَاءَ ذَلِكَ بَنَى الْبُطَيْحَاءَ لِيُخْلِّصَ الْمَسْجِدَ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَنْزِيهِ الْمَسَاجِدِ لَا سِيَّمَا مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 [بَاب جَامِعِ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ قَالَ وَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِنْ صَدَقَ»   25 - بَابُ جَامِعِ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ. 425 - 426 - (مَالِكٌ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ) بِضَمِّ السِّينِ نَافِعِ (ابْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ) مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيِّ (أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ ابْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيَّ التَّيْمِيَّ، أَحَدُ الْعَشْرَةِ (يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ بَطَّالٍ وَعِيَاضٌ وَابْنُ الْعَزْلِيِّ وَالْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُمْ: هُوَ ضَمَانُ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَافِدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إِيرَادُ مُسْلِمٍ قِصَّتَهُ عَقِبَ حَدِيثِ طَلْحَةَ؛ وَلِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ بَدَوِيٌّ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ سِيَاقَهُمَا مُخْتَلِفٌ، وَأَسْئِلَتَهُمَا مُتَبَايِنَةٌ، قَالَ: وَدَعْوَى أَنَّهُمَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ دَعْوَى فَرْطٍ وَتَكَلُّفُ شَطَطٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَهُوَ كَمَا قَالَ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ نَجْدَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنْ تِهَامَةَ إِلَى أَرْضِ الْعِرَاقِ كَمَا فِي الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ (ثَائِرُ) بِمُثَلَّثَةٍ؛ أَيْ: مُتَفَرِّقُ شَعْرِ (الرَّأْسِ) مِنْ تَرْكِ الرَّفَاهِيَةِ، فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قُرْبِ عَهْدِهِ بِالْوِفَادَةِ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ لِلْقَرِينَةِ الْعَقْلِيَّةِ، أَوْ أَوْقَعَ اسْمَ الرَّأْسِ عَلَى الشَّعْرِ، إِمَّا مُبَالَغَةً أَوْ لِأَنَّ الشَّعْرَ مِنْهُ يَنْبُتُ وَثَائِرٌ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ وَلَا تَضُرُّ إِضَافَتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَفْظِيَّةٌ، قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ الحديث: 425 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 أَنَّ ذِكْرَ مِثْلَ هَذَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّنْقِيصِ لَيْسَ بِغَيْبَةٍ (يُسْمَعُ) بِالْيَاءِ الْمَضْمُومَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَبِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى الْجَمْعِ (دَوِيُّ) بِفَتْحِ الدَّالِّ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَشَدِّ الْيَاءِ وَالرَّفْعِ أَوِ النَّصْبِ (صَوْتِهِ) قَالَ عِيَاضٌ: وَجَاءَ عِنْدَنَا فِي الْبُخَارِيِّ بِضَمِّ الدَّالِّ، وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ (وَلَا نَفْقَهُ) بِالنُّونِ وَالْيَاءِ لَا نَفْهَمُ (مَا يَقُولُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الدَّوِيُّ صَوْتٌ مُرْتَفِعٌ مُتَكَرِّرٌ لَا يُفْهَمُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ نَادَى مِنْ بُعْدٍ (حَتَّى دَنَا) أَيْ: إِلَى أَنْ قَرُبَ فَهِمْنَاهُ (فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ) أَيْ: عَنْ أَرْكَانِهِ وَشَرَائِعِهِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ وَالتَّصْدِيقِ، أَوْ عَنْ حَقِيقَتِهِ، وَاسْتُبْعِدَ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَهُوَ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:) هُنَّ (خَمْسُ صَلَوَاتٍ) أَوْ خُذْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَيَجُوزُ الْجَرُّ بَدَلًا مِنَ الْإِسْلَامِ، فَظَهَرَ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ، وَوَقَعَ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ» ، وَلَيْسَتِ الصَّلَوَاتُ عَيْنَ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: إِقَامَةُ خَمْسِ صَلَوَاتٍ (فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ) فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ غَيْرُهَا، خِلَافًا لِمَنْ أَوْجَبَ الْوِتْرَ أَوْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ أَوْ صَلَاةَ الضُّحَى أَوْ صَلَاةَ الْعِيدِ أَوِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْلَمُهَا، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَسْأَلُ عَنِ الشَّرَائِعِ الْفِعْلِيَّةِ أَوْ ذَكَرَهَا فَلَمْ يَنْقُلْهَا الرَّاوِي لِشُهْرَتِهَا. وَأَمَّا الْحَجُّ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَرْضٌ أَوْ لِأَنَّهُ رَآهُ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ أَوِ اخْتَصَرَهُ الرَّاوِي، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي الصِّيَامِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَدَخَلَ فِيهِ بَاقِي الْمَفْرُوضَاتِ بَلْ وَالْمَنْدُوبَاتِ، كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَيَأْتِي رَدُّهُ (قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ) بِشَدِّ الطَّاءِ وَالْوَاوِ أَصْلُهُ تَتَطَوَّعُ فَأُدْغِمَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الطَّاءِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَاهُمَا، وَفِيهِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي التَّطَوُّعِ يَجِبُ إِتْمَامُهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لِأَنَّهُ نَفْيُ وُجُوبِ شَيْءٍ آخَرَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ وَلَا قَائِلَ بِوُجُوبِ التَّطَوُّعِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ إِلَّا أَنْ تُشْرِعَ فِي تَطَوُّعٍ فَيَلْزَمُكَ إِتْمَامُهُ. وَتَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهُ مُغَالَطَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُنَا مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يُقَالُ فِيهِ عَلَيْكَ وَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَجِبُ عَلَيْكَ شَيْءٌ إِلَّا إِنْ أَرَدْتَ أَنَّ تَطَّوَّعَ فَذَلِكَ لَكَ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَجِبُ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ أَصْلًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: كَذَا قَالَ، وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ دَائِرٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُتَّصِلٌ تَمَسَّكَ بِالْأَصْلِ، وَمَنْ قَالَ: مُنْقَطِعٌ احْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ، وَدَلِيلُهُ مَا لِلنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَحْيَانًا يَنْوِي صَوْمَ التَّطَوُّعِ ثُمَّ يُفْطِرُ، وَفِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ أَمَرَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَنْ تُفْطِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ أَنْ شَرَعَتْ فِيهِ» ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْعِبَادَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِتْمَامَ فِي الصَّوْمِ وَقِيَاسًا فِي الْبَاقِي، وَلَا يُرَدُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 الْحَجُّ لِأَنَّهُ امْتَازَ عَنْ غَيْرِهِ بِالْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهِ فَكَيْفَ فِي صَحِيحِهِ! انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَأَمَّا أَمْرُهُ لِجُوَيْرِيَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا صَامَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَاحْتَاجَ لَهَا، وَأَمَّا فِعْلُهُ فَلَعَلَّهُ لِعُذْرٍ وَإِذَا احْتُمِلَ ذَلِكَ سَقَطَ بِهِ الِاسْتِدْلَالُ؛ لِأَنَّ الْقِصَّتَيْنِ مِنْ وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي لَا عُمُومَ لَهَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (سُورَةُ مُحَمَّدٍ: الْآيَةُ 33) وَفِي الْمُوَطَّأِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ، عَنْ عَائِشَةَ: " «أَصْبَحْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ فَأُهْدِيَتْ لَنَا شَاةٌ فَأَكَلْنَا فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ» " وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ. ( «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ» ") بِالرَّفْعِ عَطَفَ عَلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ ( «قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرَهُ؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» ) فَيَلْزَمُكَ إِتْمَامُهُ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ الِاتِّصَالِ، وَيُؤَيِّدُهُ الْآيَةُ أَوْ فَلَا يَلْزَمُكَ إِتْمَامُهُ إِذَا شَرَعْتَ فِيهِ عَلَى الِانْقِطَاعِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي اسْتِدْلَالِ الْحَنَفِيَّةِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِفَرْضِيَّةِ الْإِتْمَامِ بَلْ بِوُجُوبِهِ، وَاسْتِثْنَاءُ الْوَاجِبِ مِنَ الْفَرْضِ مُنْقَطِعٌ لِتَبَايُنِهِمَا، وَأَيْضًا فَالِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَهُمْ مِنَ النَّفْيِ لَيْسَ لِلْإِثْبَاتِ بَلْ مَسْكُوتٌ عَنْهُ. (قَالَ) الرَّاوِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ (وَذَكَرَ) لَهُ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ) وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ فِي الْقِصَّةِ أَشْيَاءَ أُجْمِلَتْ فِيهَا بَيَانُ نَصْبِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لَمْ تُفَسَّرْ فِي الرِّوَايَتَيْنِ. (فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، قَالَ) طَلْحَةُ (فَأَدْبَرَ) مِنَ الْإِدْبَارِ أَيْ: تَوَلَّى (الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ) جُمْلَةً حَالِيَّةً (وَاللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، وَفِيهِ الْحَلِفُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَلَا ضَرُورَةٍ، وَجَوَازُ الْحَلِفِ فِي الْأَمْرِ الْمُهِمِّ (لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ) شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَفْلَحَ الرَّجُلُ " أَيْ: فَازَ، قَالَ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 8] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 8) وَالْفَلَاحُ أَيْضًا الْبَقَاءُ، وَالْمُرَادُ بِهِ شَرْعًا الْبَقَاءُ فِي الْجَنَّةِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ (إِنْ صَدَقَ) فِي كَلَامِهِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَصْدُقْ فِيمَا الْتَزَمَ لَا يُفْلِحُ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَثْبَتَ لَهُ الْفَلَاحَ بِمُجَرَّدِ مَا ذَكَرَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ وَلَا الْمَنْهِيَّاتِ؟ وَأَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ وُرُودِ فَرَائِضِ النَّهْيِ، وَتَعَجَّبَ الْحَافِظُ مِنْهُ لِجَزْمِهِ بِأَنَّ السَّائِلَ ضِمَامٌ وَقَدْ وَفَدَ سَنَةَ خَمْسٍ، وَقِيلَ: بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَأَكْثَرُ الْمَنْهِيَّاتِ وَقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ، فَأَخْبَرَهُ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 وَسَبَقَهُ لِذَلِكَ عِيَاضٌ قَائِلًا: إِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تَرْفَعُ الْإِشْكَالَ، وَتَعَقَّبَهُ الْأُبِّيُّ بِرُجُوعِ لَفْظِ شَرَائِعَ إِلَى مَا ذَكَرَ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْعَامَّ الْمَذْكُورَ عَقِبَ خَاصٍّ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ الْخَاصِّ عَلَى الصَّحِيحِ، انْتَهَى. وَأَقَرَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْحَلِفِ مَعَ وُرُودِ النَّكِيرِ عَلَى مَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ خَيْرًا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتِلِ أُولُو الْفَضْلِ} [النور: 22] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 22) وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحُطَّ عَنْ غَرِيمِهِ: " تَأَلَّى عَلَى اللَّهِ " قَالَ الْبَاجِيُّ: لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سُومِحَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ. اهـ. وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ، فَإِنْ قِيلَ: أَمَّا فَلَاحُهُ بِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا بِأَنْ لَا يَزِيدَ فَكَيْفَ يَصِحُّ؟ وَلِأَنَّ فِيهِ تَسْوِيغَ التَّمَادِي عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ وَهُوَ مَذْمُومٌ، أَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ الْفَلَاحَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا زَادَ لَا يُفْلِحُ لِأَنَّهُ إِذَا أَفْلَحَ بِالْوَاجِبِ بِالْمَنْدُوبِ مَعَ الْوَاجِبِ أَوْلَى، وَبِأَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَى غَيْرِ تَارِكِ الْفَرَائِضِ فَهُوَ مُفْلِحٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرُ فَلَاحًا مِنْهُ، وَرَدَّهُ الْأُبِّيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْإِشْكَالُ فِي ثُبُوتِ الْفَلَاحِ مَعَ تَرْكِ السُّنَنِ حَتَّى يُجَابَ بِأَنَّهُ حَاصِلٌ إِذْ لَيْسَ بِعَاصٍ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي أَنَّ ثُبُوتَهُ مَعَ عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْفَرْضِ تَسْوِيغٌ لِتَرْكِ السُّنَنِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمْ يُسَوِّغْ لَهُ تَرْكَهَا دَائِمًا وَلَكِنْ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ اكْتَفَى مِنْهُ بِالْوَاجِبَاتِ، وَأَخَّرَهُ حَتَّى يَأْنَسَ، وَيَنْشَرِحَ صَدْرُهُ، وَيَحْرِصَ عَلَى الْخَيْرِ، فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ الْمَنْدُوبَاتُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي التَّصْدِيقِ وَالْقَبُولِ، أَيْ: قَبِلْتُ كَلَامَهُ قَبُولًا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ السُّؤَالِ وَلَا نُقْصَانَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْقَبُولِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: يَحْتَمِلُ تَعَلُّقُ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ بِالْإِبْلَاغِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَافِدَ قَوْمِهِ لِيَتَعَلَّمَ وَيُعَلِّمَهُمْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَحْتَمِلُ لَا أُغَيِّرُ صِفَةَ الْفَرْضِ كَمَنْ يُنْقِصُ الظُّهْرَ مَثَلًا رَكْعَةً أَوْ يَزِيدُ الْمَغْرِبَ، وَرَدَّ الْحَافِظُ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ: لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَحْتَمِلُ لَا أَزِيدُ وُجُوبًا وَإِنْ زَادَ تَطَوُّعًا أَوْ عَلَى اعْتِقَادِ وُجُوبِ غَيْرِهِ أَوْ فِي الْبَلَاغِ، قَالَ: وَرِوَايَةُ مَالِكٍ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ، وَقَدْ تَابَعَهُ الرُّوَاةُ، وَلَعَلَّ إِسْمَاعِيلَ نَقَلَهُ بِالْمَعْنَى، وَلَوْ صَحَّ احْتَمَلَ الْمَعْنَى لَا أَتَطَوَّعُ بِشَيْءٍ الْتَزَمَهُ وَاجِبًا، انْتَهَى. هَذَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» . وَلِأَبِي دَاوُدَ مِثْلُهُ لَكِنْ بِحَذْفِ " أَوْ "، وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ، أَوْ بِأَنَّهَا كَلِمَةٌ جَارِيَةٌ عَلَى اللِّسَانِ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْحَلِفُ كَمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِمْ عَقْرِي وَحَلْقِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَوْ فِيهِ إِضْمَارُ اسْمِ الرَّبِّ كَأَنَّهُ قَالَ: وَرَبُّ أَبِيهِ، وَقِيلَ: هُوَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ إِنَّمَا هُوَ لِخَوْفِ اللَّهِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ ذَلِكَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ. وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا كَانَ: وَاللَّهِ فَقُصِّرَتِ اللَّامَانِ، وَأَنْكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ: إِنَّهُ يَخْرِمُ الثِّقَةَ بِالرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، وَغَفَلَ الْقَرَافِيُّ فَادَّعَى أَنَّ الرِّوَايَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 بِلَفْظِ: وَأَبِيهِ، لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّأِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ الْجَوَابَ فَعَدَلَ إِلَى رَدِّ الْخَبَرِ وَهُوَ صَحِيحٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَأَقْوَى الْأَجْوِبَةِ الْأَوَّلَانِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَأَدْخَلَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ أَرَادَ قَوْلَهُ: إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ؛ كَانَ تَرْغِيبًا فِي النَّافِلَةِ، وَإِنْ أَرَادَ: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ؛ كَانَ تَرْغِيبًا فِي الْخَمْسِ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَهُمَا مَعًا فَالتَّرْجَمَةُ مُطْلَقَةٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِنَحْوِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ»   426 - 427 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ) كَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ وَفَاعِلُ ذَلِكَ الْقَرِينُ وَغَيْرُهُ، وَيُحْتَمَلُ إِبْلِيسُ، وَيَجُوزُ أَنَّ نِسْبَةَ ذَلِكَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْآمِرُ بِهِ الدَّاعِي إِلَيْهِ، وَكَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صِفَةِ إِبْلِيسَ مِنْ بِدْءِ الْخَلْقِ (عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ) أَيْ: مُؤَخَّرِ عُنُقِهِ، وَقَافِيَةُ كُلِّ شَيْءٍ مُؤَخَّرُهُ وَمِنْهُ قَافِيَةُ الْقَصِيدَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ: الْقَفَا، وَقِيلَ: مُؤَخَّرُ الرَّأْسِ، وَقِيلَ: وَسَطُهُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " أَحَدِكُمْ " التَّعْمِيمُ فِي الْمُخَاطَبِينَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَخُصَّ مِنْهُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَا سِيَّمَا فِي الْجَمَاعَةِ لِمَا ثَبَتَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَمَنْ قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ» " لِأَنَّ مُسَمَّى قِيَامِ اللَّيْلِ يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ قِيَامُ بَعْضِهِ، فَيَصْدُقُ عَلَى مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ جَمَاعَةً أَنَّهُ قَامَ اللَّيْلَ، وَبِمَنْ وَرَدَ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ يُحْفَظُ مِنَ الشَّيْطَانِ كَالْأَنْبِيَاءِ، وَمِنْ تَنَاوُلِهِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] (سُورَةُ الْحِجْرِ: الْآيَةُ 42) وَكَمَنَ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ عِنْدَ نَوْمِهِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ يُحْفَظُ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُصْبِحَ (إِذَا هُوَ نَامَ) وَلِبَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ: نَائِمٌ بِوَزْنِ فَاعِلٍ، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ، قَالَهُ كُلَّهُ الْحَافِظُ (ثَلَاثَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ (عُقَدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْقَافِ جَمْعُ عُقْدَةٍ (يَضْرِبُ) بِيَدِهِ (مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ) أَيْ: عَلَيْهَا تَأْكِيدًا وَإِحْكَامًا لَهَا قَائِلًا (عَلَيْكَ) بِالرَّفْعِ، وَلِأَبِي مُصْعَبٍ بِالنَّصْبِ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ. قَالَ عِيَاضٌ: رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَمَنْ رَفَعَ فَعَلَى الِابْتِدَاءِ؛ أَيْ: بَاقٍ عَلَيْكَ، أَوْ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ؛ أَيْ: بَقِيَ عَلَيْكَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرَّفْعُ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ الْأَمْكَنُ فِي الْغُرُورِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يُخْبِرُهُ، عَنْ طُولِ اللَّيْلِ ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِالرُّقَادِ بِقَوْلِهِ: (فَارْقُدْ) وَإِذَا نَصَبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا الْأَمْرُ بِمُلَازَمَةِ طُولِ الرُّقَادِ وَحِينَئِذٍ يَضِيعُ قَوْلُهُ: فَارْقُدْ، وَمَقْصُودُ الشَّيْطَانِ تَسْوِيفُهُ بِالْقِيَامِ وَالْإِلْبَاسِ عَلَيْهِ، الحديث: 426 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِنَوْمِ اللَّيْلِ، وَلَا يَبْعُدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي نَوْمِ النَّهَارِ كَالنَّوْمِ حَالَةَ الْإِبْرَادِ مَثَلًا، لَا سِيَّمَا عَلَى تَفْسِيرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَقِيلَ مَعْنَى " يَضْرِبُ ": يَحْجُبُ الْحِسَّ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى لَا يَسْتَيْقِظَ وَمِنْهُ: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} [الكهف: 11] (سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةُ 11) أَيْ: حَجَبْنَا الْحِسَّ أَنْ يَلِجَ فِي آذَانِهِمْ فَيَنْتَبِهُوا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: " «مَا أَحَدٌ يَنَامُ إِلَّا ضُرِبَ عَلَى صِمَاخِهِ بِجَرِيرٍ مَعْقُودٍ» " أَخْرَجَهُ الْمُخْلِصُ فِي فَوَائِدِهِ، وَسِمَاخٌ: بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَيُقَالُ بِالصَّادِّ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ، وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «مَا أَصْبَحَ رَجُلٌ عَلَى غَيْرِ وُتْرٍ إِلَّا أَصْبَحَ عَلَى رَأْسِهِ جَرِيرٌ قَدْرُ سَبْعِينَ ذِرَاعًا» " وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَمَا يَعْقِدُ السَّاحِرُ مَنْ يَسْحَرُهُ، وَأَكْثَرُ مَنْ يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ تَأْخُذُ إِحْدَاهُنَّ الْخَيْطَ فَتَعْقِدُ مِنْهُ عُقْدَةً وَتَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ بِالسِّحْرِ فَيَتَأَثَّرُ الْمَسْحُورُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] (سُورَةُ الْفَلَقِ: الْآيَةُ 4) وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْقُودُ شَيْءٌ عِنْدَ قَافِيَةِ الرَّأْسِ لَا قَافِيَةُ الرَّأْسِ نَفْسُهَا، وَهَلِ الْعَقْدُ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ؟ الْأَقْرَبُ الثَّانِي إِذْ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ شَعْرٌ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنِ مَاجَهْ وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «عَلَى قَافِيَةِ أَحَدِكُمْ حَبْلٌ فِيهِ ثَلَاثُ عُقَدٍ» "، وَلِأَحْمَدَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظٍ: " «إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ عُقِدَ عَلَى رَأْسِهِ بِجَرِيرٍ» "، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ، عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «مَا مِنْ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى إِلَّا عَلَى رَأْسِهِ جَرِيرٌ مَعْقُودٌ حِينَ يَرْقُدُ» " الْحَدِيثَ، وَجَرِيرٌ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - هُوَ الْحَبْلُ، وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ لَهُ، وَيَرُدُّهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا تَحِلُّ بِالصَّلَاةِ فَيَلْزَمُ إِعَادَةُ عَقْدِهَا فَأَبْهَمَ فَاعِلَهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَفَسَّرَهُ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ، أَوْ هُوَ مَجَازٌ شَبَّهَ فِعْلَ الشَّيْطَانِ بِالنَّائِمِ بِفِعْلِ السَّاحِرِ بِالْمَسْحُورِ، فَلَمَّا كَانَ السَّاحِرُ يَمْنَعُ بِعَقْدِهِ ذَلِكَ فَصَرَفَ مَنْ يُحَاوِلُ عَقْدَهُ كَانَ هَذَا مِثْلَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ النَّائِمِ، أَوِ الْمُرَادُ بِهِ عَقْدُ الْقَلْبِ وَتَصْمِيمِهِ عَلَى الشَّيْءِ كَأَنَّهُ يُوَسْوِسُ لَهُ بِأَنَّهُ بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ قِطْعَةٌ طَوِيلَةٌ فَيَتَأَخَّرُ عَنِ الْقِيَامِ، وَانْحِلَالُ الْعُقَدِ كِنَايَةٌ عَنْ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِ فِيمَا وَسْوَسَ بِهِ، أَوِ الْعُقَدُ كِنَايَةٌ عَنْ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ لِلنَّائِمِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْهُ: عَقَدْتُ فُلَانًا عَنِ امْرَأَتِهِ؛ أَيْ: مَنَعْتُهُ عَنْهَا، أَوْ عَنْ تَثْقِيلِهِ عَلَيْهِ النَّوْمَ كَأَنَّهُ قَدْ شَدَّ عَلَيْهِ شَدًّا، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْعُقَدِ الثَّلَاثِ: الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ؛ لِأَنَّ مَنْ أَكْثَرَهُمَا كَثُرَ نَوْمُهُ، وَاسْتَبْعَدَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عِنْدَ النَّوْمِ فَهِيَ غَيْرُهُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: حِكْمَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الثَّلَاثِ أَنَّ أَغْلَبَ مَا يَكُونُ الِانْتِبَاهُ فِي السَّحَرِ، فَإِنْ رَجَعَ إِلَى النَّوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَنْقَضِ الثَّالِثَةَ إِلَّا وَقَدْ ذَهَبَ اللَّيْلُ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: التَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثِ إِمَّا لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لِأَنَّهُ يُرِيدُ قَطْعَهُ عَنْ ثَلَاثٍ: الذِّكْرِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، وَكَأَنَّهُ مَنَعَهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِعُقْدَةٍ عَقَدَهَا عَلَى رَأْسِهِ: وَكَانَ تَخْصِيصُ الْقَفَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْوَهَمِ وَمَجَالُ تَصَرُّفِهِ، وَهُوَ أَطْوَعُ الْقُوَى لِلشَّيْطَانِ وَأَسْرَعُهَا إِجَابَةً لِدَعْوَتِهِ. (فَإِنِ اسْتَيْقَظَ) مِنْ نَوْمِهِ (فَذَكَرَ اللَّهَ) بِكُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَةُ الْحَدِيثِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ (انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ) وَاحِدَةٌ مِنَ الثَّلَاثِ (فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ) ثَانِيَةٌ (فَإِنْ صَلَّى) فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً (انْحَلَّتْ عُقَدُهُ) الثَّلَاثُ كُلُّهَا بِالْجَمْعِ، رَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ، وَكَذَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَبِالْإِفْرَادِ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَالْجَمْعُ أَوْجَهُ لَا سِيَّمَا وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي الْأُولَى عُقْدَةٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ عُقْدَتَانِ، وَفِي الثَّالِثَةِ الْعُقَدُ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ، قَالَهُ فِي الْمَشَارِقِ، وَفِي الْفَتْحِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْبُخَارِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ: انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا. وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ: انْحَلَّتِ الْعُقَدُ. وَلِبَعْضِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ بِالْإِفْرَادِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ: فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ أُطْلِقَتِ الثَّانِيَةُ، فَإِنْ صَلَّى أُطْلِقَتِ الثَّالِثَةُ، وَكَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَهُوَ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى الْوُضُوءِ إِذَا انْتَبَهَ، فَيَكُونُ لِكُلِّ عُقْدَةٍ شَيْءٌ يَحِلُّهَا، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْجَمْعِ أَنَّ الْعُقَدَ تَنْحَلُّ كُلُّهَا بِالصَّلَاةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى طَهَارَةٍ، كَمَنْ نَامَ مُتَمَكِّنًا ثُمَّ انْتَبَهَ فَصَلَّى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَذْكُرَ وَيَتَطَهَّرَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ تُجْزِئُهُ فِي حَلِّ الْعُقَدِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ الطَّهَارَةَ وَتَتَضَمَّنُ الذِّكْرَ. وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ: " عُقَدُهُ كُلُّهَا " إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى وُضُوءٍ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَالْمَعْنَى انْحَلَّتْ تَكْمِلَةُ عُقَدِهِ كُلِّهَا بِانْحِلَالِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي بِهَا يَتِمُّ انْحِلَالُ الْعُقَدِ، وَقَدْ زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فَحُلُّوا عُقَدَ الشَّيْطَانِ وَلَوْ بِرَكْعَتَيْنِ. (فَأَصْبَحَ نَشِيطًا) لِسُرُورِهِ بِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ وَمَا وُعِدَ بِهِ مِنَ الثَّوَابِ وَمَا زَالَ عَنْهُ مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ، (طَيِّبَ النَّفْسِ) لِمَا بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ هَذَا التَّصَرُّفِ الْحَسَنِ كَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ سِرًّا فِي طِيبِ النَّفْسِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرِ الْمُصَلِّي شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ وَكَذَا عَكْسُهُ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6] (سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: الْآيَةُ 6) وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ - مَنْ قَامَ وَعَادَ إِلَى النَّوْمِ - لَا يَعُودُ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ بِالْعُقَدِ الْمَذْكُورِ ثَانِيًا، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِمَّنْ يَقُومُ وَيَذْكُرُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي مَنْ لَمْ يَنْهَهُ ذَلِكَ عَنِ الْفَحْشَاءِ بَلْ يَفْعَلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْلِعَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ النَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْإِقْلَاعِ وَبَيْنَ الْمُصِرِّ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَرَكَ الذِّكْرَ وَالْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ ( «أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ» ) بِتَرْكِهِ مَا كَانَ اعْتَادَهُ أَوْ أَرَادَهُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ، كَذَا قِيلَ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ (كَسْلَانَ) بِمَنْعِ الصَّرْفِ لِلْوَصْفِيَّةِ وَزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ، لِبَقَاءِ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ وَشُؤْمِ تَفْرِيطِهِ وَظُفْرِ الشَّيْطَانِ بِهِ بِتَفْوِيتِهِ الْحَظَّ الْأَوْفَرَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، فَلَا يَكَادُ يَخِفُّ عَلَيْهِ صَلَاةٌ وَلَا غَيْرُهَا مِنَ الْقُرُبَاتِ، وَخُصَّ الْوُضُوءُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، وَإِلَّا فَالْجُنُبُ لَا يَحِلُّ عُقَدَهُ إِلَّا الْغُسْلُ، وَفِي قِيَامِ التَّيَمُّمِ مَقَامُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِمَنْ سَاغَ لَهُ بَحْثٌ، وَالْأَظْهَرُ إِجْزَاؤُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْوُضُوءِ عَوْنًا كَبِيرًا عَلَى طَرْدِ النَّوْمِ لَا يَظْهَرُ مِثْلُهُ فِي التَّيَمُّمِ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ: وَإِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَجْمَعِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ دَخَلَ تَحْتَ مَنْ يُصْبِحُ خَبِيثًا كَسْلَانَ وَإِنْ أَتَى بِبَعْضِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْقُوَّةِ وَالْخِفَّةِ، فَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ مَثَلًا أَخَفَّ مِمَّنْ لَمْ يَذْكُرْ أَصْلًا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ الْمُخْلِصِ: " «فَإِنْ قَامَ فَصَلَّى حُلَّتِ الْعُقَدُ كُلُّهُنَّ وَإِنِ اسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يُصَلِّ أَصْبَحَتِ الْعُقَدُ كُلُّهَا كَهَيْئَتِهَا» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الذَّمُّ يَخْتَصُّ بِمَنْ لَمْ يَقُمْ إِلَى صَلَاتِهِ وَضَيَّعَهَا، أَمَّا مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَوِ النَّافِلَةِ بِاللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ، وَنَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كَمَا مَرَّ، قَالَ: وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُعَارِضُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي» " وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَرَدَ، عَنْ إِضَافَةِ الْمَرْءِ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ كَرَاهَةَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَقَعَ ذَمًّا لِفِعْلِهِ، وَلِكُلٍّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ وَجْهٌ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ اخْتِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ إِضَافَةِ ذَلِكَ إِلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ بِمَعْنَى فَسَادِ الدِّينِ، وَوَصْفُ بَعْضِ الْأَفْعَالِ بِذَلِكَ تَحْذِيرًا مِنْهُ وَتَنْفِيرًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَتَقْدِيرُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إِضَافَةِ ذَلِكَ إِلَى النَّفْسِ، وَكُلَّمَا نَهَى الْمُؤْمِنَ أَنْ يُضِيفَهُ إِلَى نَفْسِهِ نَهَى أَنْ يُضِيفَهُ إِلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ، وَقَدْ وَصَفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْمُؤْمِنَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيَلْزَمُ جَوَازُ وَصْفِنَا لَهُ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ التَّأَسِّي. وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَامِلٌ عَلَى الْوَصْفِ بِذَلِكَ كَالتَّنْفِيرِ وَالتَّحْذِيرِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «قَارِئَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ لَا يَقْرَبُهُ شَيْطَانٌ» ؛ لِأَنَّ الْحَلَّ إِنْ حُمِلَ عَلَى الْأَمْرِ الْمَعْنَوِيِّ وَالْقُرْبَ عَلَى الْأَمْرِ الْحِسِّيِّ أَوْ عَكْسِهِ فَلَا إِشْكَالَ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ سِحْرِهِ إِيَّاهُ مَثَلًا أَنْ يُمَاسَّهُ، كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ مُمَاسَّتِهِ أَنْ يَقْرَبَهُ بِسَرِقَةٍ أَوْ أَذًى فِي جَسَدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ حُمِلَا عَلَى الْمَعْنَوِيَّيْنِ أَوِ الْحِسِّيَّيْنِ فَيُجَابُ بِادِّعَاءِ الْخُصُوصِ فِي عُمُومِ أَحَدِهِمَا، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمَخْصُوصَ حَدِيثُ الْبَابِ كَمَا خَصَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الْقِيَامَ، فَيَخُصُّ أَيْضًا بِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لِطَرْدِ الشَّيْطَانِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 [كِتَابُ الْعِدَينِ] [بَاب الْعَمَلِ فِي غُسْلِ الْعِيدَيْنِ وَالنِّدَاءِ فِيهِمَا وَالْإِقَامَةِ] بَاب الْعَمَلِ فِي غُسْلِ الْعِيدَيْنِ وَالنِّدَاءِ فِيهِمَا وَالْإِقَامَةِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ فِي عِيدِ الْفِطْرِ وَلَا فِي الْأَضْحَى نِدَاءٌ وَلَا إِقَامَةٌ مُنْذُ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَوْمِ قَالَ مَالِكٌ وَتِلْكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا   10 - كِتَابُ الْعِيدَيْنِ. 1 - بَابُ الْعَمَلِ فِي غَسْلِ الْعِيدَيْنِ. عِيدُ الْفِطْرِ وَعِيدُ الْأَضْحَى مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَوْدِ لِتُكَرِّرِهِ كُلَّ عَامٍ، أَوْ لِعَوْدِ السُّرُورِ بِعُودِهِ، أَوْ لِكَثْرَةِ عَوَائِدِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِيهِ، وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ - بِالْيَاءِ - وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَاوَ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ أَوْ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ. (وَالنِّدَاءِ فِيهِمَا) أَيِ: الْأَذَانِ (وَالْإِقَامَةِ) فِيهِمَا. 428 - 428 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ فِي عِيدِ الْفِطْرِ وَلَا فِي الْأَضْحَى نِدَاءٌ) أَذَانٌ سُمِّيَ نِدَاءٌ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إِلَى الصَّلَاةِ لَا عِنْدَ صُعُودِ الْإِمَامِ الْمِنْبَرَ، وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ. (وَلَا إِقَامَةٌ) عِنْدَ نُزُولِهِ وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ. (مُنْذُ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْيَوْمِ) وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يُسْنِدْهُ إِلَّا أَنَّهُ يَجْرِي عِنْدَهُ مَجْرَى الْمُتَوَاتِرِ وَهُوَ أَقْوَى مِنَ الْمُسْنَدِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ: " «لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى» "، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: " «فَبَدَأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ» "، وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْعِيدَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ» " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَفِي النَّسَائِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ» " (قَالَ مَالِكٌ: وَتِلْكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ أَحْدَثَ الْأَذَانَ فِيهَا، فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ مُعَاوِيَةُ. وَلِلشَّافِعِيِّ عَنِ الثِّقَةِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلُهُ، وَزَادَ: فَأَحْدَثَهُ الْحَجَّاجُ حِينَ أٌمِّرَ عَلَى الْمَدِينَةِ. وَلِابْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ زِيَادٌ بِالْبَصْرَةِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَرْوَانُ، وَكُلُّ هَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ مُعَاوِيَةُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ هِشَامٌ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: أَوَّلُ الحديث: 428 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 مَنْ أَحْدَثَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ لَهَا - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ -، لَكِنْ فِي ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: لَا تُؤَذِّنْ لَهَا وَلَا تُقِمْ، فَلَمَّا سَاءَ مَا بَيْنَهُمَا أَذَّنَ وَأَقَامَ؛ أَيِ: ابْنُ الزُّبَيْرِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَا أَذَانَ لِصَلَاةِ يَوْمِ الْعِيدِ وَلَا إِقَامَةَ وَلَا شَيْءَ، وَبِهِ احْتَجَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ قَبْلَهَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَلَا الصَّلَاةُ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ قَوْلِ ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ عَنِ الثِّقَةِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنُ فِي الْعِيدَيْنِ فَيَقُولُ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ» " وَهَذَا مُرْسَلٌ يُعَضِّدُهُ الْقِيَاسُ عَلَى صَلَاةِ الْكُسُوفِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِيهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى   428 - 429 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى) تَابَعَ مَالِكًا عَلَى رِوَايَتِهِ، عَنْ نَافِعِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَرَوَى أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ: " مَا رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ اغْتَسَلَ لِلْعِيدِ قَطُّ كَانَ يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ ثُمَّ يَغْدُو مِنْهُ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ إِلَى الْمُصَلَّى " وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا عِنْدَ اعْتِكَافِهِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَبِيتُهُ فِي الْمَسْجِدِ. وَرِوَايَةُ مَالِكٍ فِي غَيْرِ اعْتِكَافِهِ، وَإِلَّا فَرِوَايَةُ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ أَوْلَى وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: إِنْ فَعَلَهُ فَحَسَنٌ وَالطِّيبُ يُجْزَى مِنْهُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 [بَاب الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ الْخُطْبَةِ»   429 - 430 2 - بَابُ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ. - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ الْخُطْبَةِ» ) مُرْسَلٌ مُتَّصِلٌ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ، فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ» " وَلَهُمَا، عَنْ جَابِرٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ» ". الحديث: 429 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ   429 - 431 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ) بَلَاغُهُ صَحِيحٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ» ". وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ غَيَّرَ ذَلِكَ، فَفِي مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ. وَفِي ابْنِ الْمُنْذِرِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ عُثْمَانُ صَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ خَطَبَهُمْ؛ أَيْ: عَلَى الْعَادَةِ، فَرَأَى النَّاسَ لَمْ يُدْرِكُوا الصَّلَاةَ فَفَعَلَ ذَلِكَ؛ أَيْ: صَارَ يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ غَيْرُ الَّتِي اعْتَلَّ بِهَا مَرْوَانُ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ رَاعَى مَصْلَحَةَ الْجَمَاعَةِ فِي إِدْرَاكِهِمُ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا مَرْوَانُ فَرَاعَى مَصْلَحَتَهُمْ فِي إِسْمَاعِهِمُ الْخُطْبَةَ، لَكِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ فِي زَمَنِهِ كَانُوا يَتَعَمَّدُونَ تَرْكَ سَمَاعِهِمْ لِمَا فِيهَا مِنْ سَبِّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ السَّبَّ، وَالْإِفْرَاطِ فِي مَدْحِ بَعْضِ النَّاسِ، فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا رَاعَى مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عُثْمَانَ فَعَلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا بِخِلَافِ مَرْوَانَ، فَوَاظَبَ عَلَيْهِ، وَلِذَا نُسِبَ إِلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِثْلُ فِعْلِ عُثْمَانَ، قَالَ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ: لَا يَصِحُّ عَنْهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ وَابْنَ أَبِي شَيْبَةَ رَوَيَاهُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ لَكِنْ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، فَإِنْ جُمِعَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ نَادِرًا وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَصَحُّ. وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ: حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ فَقَدَّمَ الْخُطْبَةَ. وَهَذَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَرْوَانَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَبَعًا لِمُعَاوِيَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينَ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَتِهِ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي الْعِيدِ مُعَاوِيَةُ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ زِيَادٌ بِالْبَصْرَةِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ وَأَثَرِ مَرْوَانَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ مَرْوَانَ وَزِيَادٍ كَانَ عَامِلًا لِمُعَاوِيَةَ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ ابْتَدَأَ ذَلِكَ وَتَبِعَهُ عُمَّالُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَالْآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ وَقَالَ إِنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْهَا وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ   431 - 432 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ؛ اسْمُهُ سَعْدُ - بِسُكُونِ الْعَيْنِ - ابْنُ عُبَيْدٍ الزُّهْرِيُّ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، وَيُقَالُ: لَهُ إِدْرَاكٌ (مَوْلَى) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (بْنِ أَزْهَرَ) بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ، صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ، مَاتَ قَبْلَ الْحَرَّةِ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُوَيْرِيَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَمَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مَوْلَى الحديث: 431 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَنْ قَالَ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ قَالَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدْ أَصَابَ؛ أَيْ: لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي وَلَائِهِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْآخَرُ عَلَى الْمَجَازِ بِمُلَازَمَتِهِ أَحَدُهُمَا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلْأَخْذِ عَنْهُ أَوِ انْتِقَالِهِ مِنْ مِلْكِ أَحَدِهِمَا إِلَى مِلْكِ الْآخَرِ، وَجَزَمَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ بِأَنَّهُ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَعَلَيْهِ فَنِسْبَتُهُ إِلَى ابْنِ أَزْهَرَ هِيَ الْمَجَازِيَّةُ، وَلَعَلَّهَا بِسَبَبِ انْقِطَاعِهِ إِلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ عَوْفٍ. (قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَشَكَى) زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ (ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ) زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ تَأْكُلُوا نُسُكَكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَلَا تَأْكُلُوهُ بَعْدَ هَذَا» ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَظُنُّ مَالِكًا إِنَّمَا حَذَفَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ (فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ) فِيهِ تَغْلِيبٌ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِذَاكَ، فَلَمَّا أَنْ جَمَعَهُمَا اللَّفْظُ غَلَبَ الْحَاضِرُ عَلَى الْغَائِبِ فَقَالَ: هَذَيْنِ (يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَنْ صِيَامِهِمَا) نَهْيُ تَحْرِيمٍ، (يَوْمُ) بِالرَّفْعِ إِمَّا عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: أَحَدِهِمَا أَوْ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ يَوْمَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيَوْمُ ( «فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَالْآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ» ) بِضَمِّ السِّينِ وَيَجُوزُ سُكُونُهَا؛ أَيْ: مِنْ أُضْحِيَتِكُمْ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ أَنَّ الضَّحَايَا نُسُكٌ، وَأَنَّ الْأَكْلَ مِنْهَا مُسْتَحَبٌّ كَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، قَالَ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 28) ، وَ {الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 36) انْتَهَى. وَفَائِدَةُ وَصْفِ الْيَوْمَيْنِ: الْإِشَارَةُ إِلَى الْعِلَّةِ فِي وُجُوبِ فِطَرِهِمَا، وَهِيَ الْفَصْلُ مِنَ الصَّوْمِ وَإِظْهَارِ تَمَامِهِ وَحْدَهُ بِفِطْرِ مَا بَعْدَهُ، وَالْآخَرُ لِأَجَلِ النُّسُكِ الْمُتَقَرَّبِ بِذَبْحِهِ لِيُؤْكَلَ مِنْهُ، وَلَوْ شُرِعَ صَوْمُهُ لَمْ يَكُنْ لِمَشْرُوعِيَّةِ الذَّبْحِ فِيهِ مَعْنًى، فَعَبَّرَ عَنْ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ بِالْأَكْلِ مِنَ النُّسُكِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ النَّحْرَ وَيَزِيدُ فَائِدَةَ التَّنْبِيهِ عَلَى التَّعْلِيلِ. (قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ وَقَالَ:) فِي خُطْبَتِهِ ( «إِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ» ) هِيَ الْقُرَى الْمُجْتَمِعَةُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، قَالَ مَالِكٌ: بَيْنَ أَبْعَدِهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَمَانِيَةَ أَمْيَالٍ (أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْهَا) حَتَّى يُصَلِّيَهَا (وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ) فَيَجُوزُ إِذَا أَذِنَ الْإِمَامُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَابْنِ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجَشُونِ، وَأَنْكَرُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْمَنْعِ وَبِالْجَوَازِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: وَوَجْهُهُ مَا يَلْحَقُ مِنَ الْمَشَقَّةِ، وَهِيَ صَلَاةٌ سَقَطَ فَرْضُهَا بِطُولِ الْمَسَافَةِ وَبِالْمَشَقَّةِ، وَمِنْ جِهَةِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ خَطَبَ بِذَلِكَ يَوْمَ عِيدٍ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ الْجُمُعَةَ تَلْزَمُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَالَ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا أَذِنَ لَهُمْ غَيْرُ عُثْمَانَ وَوَجْهُهُ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (سُورَةُ الْجُمُعَةِ: الْآيَةُ 9) وَأَنَّ الْفَرَائِضَ لَيْسَ لِلْأَئِمَّةِ الْإِذْنُ فِي تَرْكِهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسَبِ النَّذْرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنْكَرْ عَلَى عُثْمَانَ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ لَا يَجِبُ إِنْكَارُهُ، عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: لَيْسَ فِي كَلَامِ عُثْمَانَ هَذَا تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ الْعَوْدِ إِلَى الْمَسْجِدِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى سُقُوطِهَا إِذَا وَافَقَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ تَلْزَمُهُمُ الْجُمُعَةَ لِبُعْدِ مَنَازِلِهِمْ عَنْهَا، انْتَهَى. (قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فَجَاءَ فَصَلَّى) قَبْلَ الْخُطْبَةِ (ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِذَا كَانَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تُقَامَ صَلَاةُ الْعِيدِ بِلَا إِمَامٍ فَالْجُمُعَةُ أَوْلَى، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ مَالِكٌ: لِلَّهِ فِي أَرْضِهِ فَرَائِضُ لَا يُسْقِطُهَا مَوْتُ الْوَالِي، وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ كَالْحُدُودِ لَا يُقِيمُهَا إِلَّا السُّلْطَانُ، وَقَدْ صَلَّى بِالنَّاسِ فِي حِصَارِ عُثْمَانَ طَلْحَةُ وَأَبُو أَيُّوبَ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ وَغَيْرُهُمْ، وَصَلَّى بِهِمْ عَلِيٌّ صَلَاةَ الْعِيدِ فَقَطْ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّوْمِ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ بِهِ لَكِنَّهُمَا اقْتَصَرَا عَلَى الْمَرْفُوعِ. الْمُنْتَهِي إِلَى قَوْلِهِ: مِنْ نُسُكِكُمْ، وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ، نَعَم أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَضَاحِيِّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَمَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ تَامًّا فَهُمَا مُتَابِعَانِ لِمَالِكٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 [بَاب الْأَمْرِ بِالْأَكْلِ قَبْلَ الْغُدُوِّ فِي الْعِيدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ   3 - بَابُ الْأَمْرِ بِالْأَكْلِ قَبْلَ الْغُدُوِّ فِي الْعِيدِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ. 432 - 433 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ) إِلَى الصَّلَاةِ اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلَهُنَّ وِتْرًا» " قَالَ الْبَاجِيُّ: فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ تَمْرًا إِنْ وَجَدَهُ وَكَوْنَهُ وِتْرًا. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: الحديث: 432 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 جَعَلَهُنَّ وِتْرًا إِشَارَةً إِلَى الْوَحْدَانِيَّةِ. وَكَذَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ تَبَرُّكًا بِذَلِكَ، وَالْحِكْمَةُ فِي اسْتِحْبَابِ التَّمْرِ لِمَا فِي الْحُلْوِ مِنْ تَقْوِيَةِ الْبَصَرِ الَّذِي يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ؛ وَلِأَنَّ الْحُلْوَ مِمَّا يُوَافِقُ الْإِيمَانَ، وَيُعَبَّرُ بِهِ فِي الْمَنَامِ، وَيُرِقُّ الْقَلْبَ، وَهُوَ أَيْسَرُ مِنْ غَيْرِهِ. وَمِنْ ثَمَّ اسْتَحَبَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى الْحُلْوِ مُطْلَقًا كَالْعَسَلِ؛ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ وَابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِمَا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّهُ يَحْبِسُ الْبَوْلَ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْطِرَ وَلَوْ عَلَى الْمَاءِ؛ لِيَحْصُلَ لَهُ شِبْهُ مَا مِنْ الِاتِّبَاعِ، أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالْأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فِي الْأَضْحَى   432 - 434 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالْأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ) إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ لُزُومَ الصَّوْمِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِيدَ، وَكَأَنَّهُ أُرِيدَ سَدُّ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ، قَالَهُ الْمُهَلَّبِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمَّا وَجَبَ الْفِطْرُ عَقِبَ وُجُوبِ الصَّوْمِ اسْتَحَبَّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ مُبَادَرَةً لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُشْعَرُ بِذَلِكَ اقْتِصَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقَلِيلِ وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِ الِامْتِثَالِ لِأَكْلِ قَدْرِ الشِّبَعِ؛ أَشَارَ لَهُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: لَمَّا كَانَ الْمُعْتَكِفُ لَا يَتِمُّ اعْتِكَافُهُ حَتَّى يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى قَبْلَ انْصِرَافِهِ إِلَى بَيْتِهِ خَشِيَ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنَ النَّهَارِ بِاعْتِبَارِ اسْتِصْحَابِ الصِّيَامِ مَا يَعْتَمِدُهُ مِنِ اسْتِصْحَابِ الِاعْتِكَافِ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِمَشْرُوعِيَّةِ الْأَكْلِ قَبْلَ الْغُدُوِّ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الشَّيْطَانَ الَّذِي يُحْبَسُ فِي رَمَضَانَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، فَاسْتُحِبَّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ بَدَارًا إِلَى السَّلَامَةِ مِنْ وَسْوَسَتِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فِي الْأَضْحَى) بَلْ مَنْ شَاءَ فَعَلَ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ، هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَبَا بُرْدَةٍ أَكَلَ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ النَّحْرِ فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الَّتِي ذَبَحَهَا لَا تُجْزِئُ ضَحِيَّةً تَرَكَهَا وَأَقَرَّهُ عَلَى الْأَكْلِ مِنْهَا» ، وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْكُلَ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِهِ وَلَوْ مِنْ كَبِدِهَا، فَلَمَّا كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْفِطْرِ إِخْرَاجُ حَقٍّ قَبْلَ الْغُدُوِّ إِلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ زَكَاةُ الْفِطْرِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ إِخْرَاجِ ذَلِكَ الْحَقِّ، كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ يَوْمَ الْأَضْحَى حَقًّا يُخْرِجُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْأُضْحِيَةُ، فَاسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ، عَنْ بُرَيْدَةَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ» ، وَنَحْوُهُ لِلْبَزَّارِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَخْرُجَ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يُخْرِجَ الصَّدَقَةَ وَيَطْعَمَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ " وَفِي كُلٍّ مِنْ أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: وَقَعَ أُكُلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلٍّ مِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 الْعِيدَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ لِإِخْرَاجِ صَدَقَتِهِمَا الْخَاصَّةِ بِهِمَا، فَإِخْرَاجُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إِلَى الْمُصَلَّى، وَإِخْرَاجُ صَدَقَةِ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا، فَاجْتَمَعَا مِنْ جِهَةٍ وَافْتَرَقَا مِنْ أُخْرَى، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ تَفْصِيلًا آخَرَ فَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ ذَبْحٌ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَكْلِ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَبْحٌ يُخَيَّرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 [بَاب مَا جَاءَ فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ فَقَالَ كَانَ يَقْرَأُ بِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ»   106 - بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ. 106 - 433 435 - (مَالِكٌ، عَنْ ضَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ (ابْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (الْمَازِنِيِّ) ثِقَةٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَفَوْقِيَّةٍ سَاكِنَةٍ (ابْنِ مَسْعُودٍ) الْهُذَلِيِّ الْمَدَنِيِّ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ بِهَا (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ) بِالْقَافِ (اللَّيْثِيَّ) الصَّحَابِيَّ قِيلَ: اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ، وَقِيلَ: ابْنُ عَوْفٍ، وَقِيلَ: اسْمُهُ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثٍ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ فَفِيهِ إِرْسَالٌ لَكِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِاتِّصَالِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ فُلَيْحٍ، عَنْ ضَمْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ قَالَ: سَأَلَنِي عُمَرُ قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذِهِ مُتَّصِلَةٌ، فَإِنَّهُ أَدْرَكَ أَبَا وَاقِدٍ بِلَا شَكٍّ وَسَمِعَهُ بِلَا خِلَافٍ (مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يَحْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى الِاخْتِبَارِ أَوْ نَسِيَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَذَكَّرَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالُوا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَاسْتَثْبَتَهُ أَوْ أَرَادَ إِعْلَامَ النَّاسِ بِذَلِكَ أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنَ الْمَقَاصِدِ، قَالُوا: وَيَبْعُدُ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ مَعَ شُهُودِ صَلَاةِ الْعِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّاتٍ، وَقَرَّبَهُ مِنْهُ « (فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ بِقَافْ {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى. {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] فِي الثَّانِيَةِ» . قَالَ الْعُلَمَاءُ: حِكْمَةُ ذَلِكَ مَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْبَعْثِ وَالْإِخْبَارِ عَنِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَإِهْلَاكِ الْمُكَذِّبِينَ، وَتَشْبِيهِ بُرُوزِ النَّاسِ لِلْعِيدِ بِبُرُوزِهِمْ لِلْبَعْثِ وَخُرُوجِهِمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْعِيدِ بِسُوَرٍ شَتَّى وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 شَيْءٌ لَا يَتَعَدَّى وَكُلُّهُمْ يَسْتَحِبُّ مَا رَوَى أَكْثَرُهُمْ وَجُمْهُورُهُمْ (سَبَّحَ) (سُورَةُ الْأَعْلَى: الْآيَةُ 1) وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] (سُورَةُ الْغَاشِيَةِ: الْآيَةُ 1) لِتَوَاتُرِ الرِّوَايَاتِ بِذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَأَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ رُوِيَ قِرَاءَةُ " قَافْ، وَاقْتَرَبَتْ " مُسْنَدًا فِي غَيْرِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ فُلَيْحٌ، عَنْ ضَمْرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ شَهِدْتُ الْأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجَدَ النَّاسَ قَدْ انْصَرَفُوا مِنْ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْعِيدِ إِنَّهُ لَا يَرَى عَلَيْهِ صَلَاةً فِي الْمُصَلَّى وَلَا فِي بَيْتِهِ وَإِنَّهُ إِنْ صَلَّى فِي الْمُصَلَّى أَوْ فِي بَيْتِهِ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا وَيُكَبِّرُ سَبْعًا فِي الْأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ   434 - 436 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ الْأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أُبَيٍّ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) وَهَذَا لَا يَكُونُ رَأْيًا لَا تَوْقِيفًا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طُرُقٍ حِسَانٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا عَدَّ فِي الْأُولَى تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سِوَاهَا وَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْخَمْسَ فِي الثَّانِيَةِ غَيْرُ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي مَرْفُوعًا: " «التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ سَبْعٌ فِي الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا» " قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ: سَأَلْتُ عَنْهُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ، فَقَالَ: صَحِيحٌ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ» " وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ كَذِبٌ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: هُوَ أَقْبَحُ حَدِيثٍ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: حِكْمَةُ هَذَا الْعَدَدِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْوِتْرِيَّةِ أَثَرٌ عَظِيمٌ فِي التَّذْكِيرِ بِالْوِتْرِ الصَّمَدِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ، وَكَانَ لِلسَّبْعَةِ مِنْهَا مَدْخَلٌ عَظِيمٌ فِي الشَّرْعِ جَعَلَ تَكْبِيرَ صَلَاةِ الْعِيدِ وِتْرًا وَجَعَلَ سَبْعًا فِي الْأُولَى لِذَلِكَ، وَتَذْكِيرًا بِأَعْمَالِ الْحَجِّ السَّبْعَةِ مِنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْجِمَارِ تَشْوِيقًا إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إِلَى الْعِيدِ الْأَكْبَرِ أَكْثَرُ، وَتَذْكِيرًا بِخَالِقِ هَذَا الْوُجُودِ بِالتَّفَكُّرِ فِي أَفْعَالِهِ الْمَعْرُوفَةِ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَيَّامِ السَّبْعِ؛ لِأَنَّهُ خَلَقَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَخَلَقَ آدَمَ فِي السَّابِعِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَمَّا جَرَتْ عَادَةُ الشَّارِعِ بِالرِّفْقِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمِنْهُ تَخْفِيفُ الثَّانِيَةِ عَنِ الْأُولَى، وَكَانَتِ الْخَمْسَةُ أَقْرَبُ وِتْرًا إِلَى السَّبْعَةِ مِنْ دُونِهَا جَعَلَ تَكْبِيرَ الثَّانِيَةِ خَمْسًا لِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ زُرْقُونَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: حِكْمَةُ زِيَادَةِ التَّكْبِيرِ إِحْدَى عَشْرَةَ أَنَّهَا عَدَدُ تَكْبِيرِ رَكْعَتَيْنِ فَكَأَنَّهُ اسْتِدْرَاكُ فَضِيلَةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ كَمَا اسْتَدْرَكَ فَضِيلَةُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ بِالرُّكُوعِ الزَّائِدِ فِيهَا. الحديث: 434 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 قُلْتُ: وَاسْتِدْرَاكُ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ بِالْخُطْبَةِ، وَلِذَا جُعِلَتْ خُطْبَتَيْنِ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ. وَلَا يُقَالُ: هَلَّا جُعِلَتِ الْخُطْبَةُ فِي الْعِيدِ لِاسْتِدْرَاكِ ذَلِكَ؟ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ كَمَا هِيَ شَرْطٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، انْتَهَى. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجْدَ النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُوا مِنَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْعِيدِ أَنَّهُ لَا يَرَى عَلَيْهِ صَلَاةٌ فِي الْمُصَلَّى وَلَا فِي بَيْتِهِ) لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ سُنَّةٌ لِلْجَمَاعَةِ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ، فَمَنْ فَاتَتْهُ تِلْكَ السُّنَّةُ لَمْ يَلْزَمْهُ صَلَاتُهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (وَأَنَّهُ إِنْ صَلَّى فِي الْمُصَلَّى أَوْ فِي بَيْتِهِ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا) أَيْ: يَجُوزُ خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ قَالُوا: لَا تُصَلَّى إِذَا فَاتَتْ (وَيُكَبِّرُ سَبْعًا) بِالْإِحْرَامِ (فِي الْأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَخَمْسًا) غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ (فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) عَلَى سُنَّتِهَا جَمَاعَةً خِلَافًا لِقَوْلِ النَّوَوِيِّ وَأَحْمَدَ: إِنْ صَلَّاهَا وَحْدَهُ صَلَّى أَرْبَعًا، وَسَلَفُهُمَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ فَاتَتْهُ الْعِيدُ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى أَرْبَعًا؛ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: كَأَنَّهُمْ قَاسُوهَا عَلَى الْجُمُعَةِ لَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ يَعُودُ لِفَرْضِهِ مِنَ الظُّهْرِ بِخِلَافِ الْعِيدِ، وَخَيَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَبَيْنَ الثِّنْتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 [بَاب تَرْكِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا   - بَابُ تَرْكِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا. 435 - 437 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا) لِأَنَّهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِلْمُصْطَفَى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا» ". وَفِي ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» " قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَحْمَدَ: الْكُوفِيُّونَ يُصَلُّونَ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا، وَالْبَصْرِيُّونَ قَبْلَهَا لَا بَعْدَهَا، وَالْمَدَنِيُّونَ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَجَمَاعَةٌ، وَالثَّانِي الْحَسَنُ وَجَمَاعَةٌ، وَالثَّالِثِ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَمَنَعَهُ فِي الْمُصَلَّى. وَعَنْهُ فِي الحديث: 435 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 الْمَسْجِدِ رِوَايَتَانِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا، وَابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا كَرَاهَةَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا. قَالَ الْحَافِظُ: كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ، فَإِنْ حَمَلَ عَلَى الْمَأْمُومِ وَإِلَّا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ: يَجِبُ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَقَيَّدَهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ بِالْمُصَلَّى. وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: التَّنَفُّلُ فِي الْمُصَلَّى لَوْ فُعِلَ لَنُقِلَ، وَمَنْ أَجَازَهُ رَأَى أَنَّهُ وَقْتٌ لِلصَّلَاةِ، وَمِنْ تَرَكَهُ رَأَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ، وَمَنِ اقْتَدَى بِهِ فَقَدِ اهْتَدَى، انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا سُنَّةٌ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا خِلَافًا لِمَنْ قَاسَهَا عَلَى الْجُمُعَةِ. وَأَمَّا مُطْلَقُ النَّفْلِ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مَنْعٌ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ إِلَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ الَّذِي فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ، انْتَهَى. وَفِي الِاسْتِذْكَارِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، فَالنَّاسُ كَذَلِكَ، وَالصَّلَاةُ فِعْلُ خَيْرٍ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ   435 - 438 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبَ كَانَ يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لِلنَّاسِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ فَيَغْدُو بِقَدْرِ مَا يَبْلُغُ الْمُصَلَّى وَقَدْ حَلَّتِ الصَّلَاةُ كَمَا يَأْتِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 [بَاب الرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَبَاهُ الْقَاسِمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ   6 - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا. كَذَا تَرْجَمَ عَقِبَ الْأُولَى، وَلَيْسَتِ الرُّخْصَةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ إِذْ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ النَّفْلِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إِلَى الْمُصَلَّى لِمَنْ تَأَخَّرَ لِحَلِّ النَّافِلَةِ فَيَتَنَفَّلُ ثُمَّ يَغْدُو إِلَيْهَا، قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَأَبُو عُمَرَ. 437 - 439 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ (أَنَّ أَبَاهُ الْقَاسِمَ) أَحَدَ الْفُقَهَاءِ (كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ) فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. الحديث: 437 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ   438 - 440 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ) قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْمُصَلَّى، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَعَلَ الْقَاسِمُ وَعُرْوَةُ خِلَافَ فِعْلِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَرْكَعَانِ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَا إِلَى الْمُصَلَّى، وَالرُّكُوعُ إِنَّمَا يَكُونُ حِينَ تَبْيَضُّ الشَّمْسُ وَلَا يَكُونُ أَثَرُ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَفِعْلِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: كُلٌّ مُبَاحٌ لَا حَرَجَ فِيهِ. الحديث: 438 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 [بَاب غُدُوِّ الْإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ وَانْتِظَارِ الْخُطْبَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ مَضَتْ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا فِي وَقْتِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى أَنَّ الْإِمَامَ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ قَدْرَ مَا يَبْلُغُ مُصَلَّاهُ وَقَدْ حَلَّتْ الصَّلَاةُ قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ هَلْ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ فَقَالَ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ   7 - بَابُ غُدُوِّ الْإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ وَانْتِظَارِ الْخُطْبَةِ. مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ؛ أَيِ: انْتِظَارِ النَّاسِ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: مَضَتِ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (فِي وَقْتِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى أَنَّ الْإِمَامَ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ قَدْرَ مَا يَبْلُغُ مُصَلَّاهُ وَقَدْ حَلَّتِ الصَّلَاةُ) بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَيْدَ رُمْحٍ، وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَمَجِيءِ مَنْ بَعُدَ، وَآخِرُ وَقْتِهَا زَوَالُ الشَّمْسِ لَا وَقْتَ لَهَا غَيْرُهُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعِيدَ لَا تُصَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ طُلُوعِهَا، وَإِنَّمَا تَجُوزُ عِنْدَ جَوَازِ النَّافِلَةِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ: «خَرَجَ مَعَ النَّاسِ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى فَأَنْكَرَ إِبْطَاءَ الْإِمَامِ وَقَالَ: إِنْ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ فَرَغْنَا سَاعَتَنَا هَذِهِ؛ وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحُ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ الْحَافِظُ: وَدَلَالَتُهُ عَلَى الْمَنْعِ لَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ، وَيُعَكَّرُ عَلَى حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ إِطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَمْتَدُّ وَقْتُهَا لِلزَّوَالِ أَمْ لَا؟ (قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ هَلْ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ؟ فَقَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ) أَيْ: يُكْرَهُ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 [كِتَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] [بَاب صَلَاةِ الْخَوْفِ] بَاب صَلَاةِ الْخَوْفِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَمَّنْ صَلَّى «مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَصَفَّتْ طَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ»   11 - كِتَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ. 1 - بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ. أَيْ: صِفَتِهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهِ، وَمَنَعَهَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْحَضَرِ تَعَلُّقًا بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 101] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 101) وَأَجَازَهَا الْبَاقُونَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَصَاحِبُهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ الْلُؤْلُؤْيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عُلَيَّةَ وَالْمُزْنِيُّ: لَا تُصَلَّى بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 102) وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى فِعْلِهَا بَعْدَهُ، وَبِقَوْلِهِ: " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» " فَمَنْطُوقُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَفْهُومِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ: شَرْطُ كَوْنِهِ فِيهِمْ إِنَّمَا وَرَدَ لِبَيَانِ الْحُكْمِ لَا لِوُجُودِهِ؛ أَيْ: بَيِّنْ لَهُمْ بِفِعْلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَوْضَحُ مِنَ الْقَوْلِ، ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عُذْرٍ طَرَأَ عَلَى الْعِبَادَةِ فَهُوَ عَلَى التَّسَاوِي كَالْقَصْرِ وَالْكَيْفِيَّةِ وَرَدَتْ لِبَيَانِ الْحَذَرِ مِنَ الْعَدُوِّ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: الشَّرْطُ إِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّعْلِيمِ لَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ كَالْخَوْفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 101) ، وَجَاءَ فِي صِفَتِهَا أَوْجُهٌ كَثِيرَةٌ، قَالَ فِي الْقَبَسِ: جَاءَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً أَصَحُّهَا سِتَّ عَشْرَةَ رِوَايَةً مُخْتَلِفَةً وَلَمْ يُبَيِّنْهَا، وَبَيَّنَهَا الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَزَادَ وَجْهًا آخَرَ قَالَ: لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ تَتَدَاخَلَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهَدْيِ: أُصُولُهَا سِتُّ صِفَاتٍ وَبَلَّغَهَا بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ، وَهَؤُلَاءِ كُلَّمَا رَأَوُا اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي قِصَّةٍ جَعَلُوا ذَلِكَ وَجْهًا مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا هُوَ مِنِ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَيْخُنَا الْعِرَاقِيُّ بِقَوْلِهِ: يُمْكِنُ تَدَاخُلُهَا. وَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّهُ صَلَّاهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: صَلَّاهَا فِي أَيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَشْكَالٍ مُتَبَايِنَةٍ يَتَحَرَّى فِيهَا مَا هُوَ الْأَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَالْأَبْلَغُ لِلْحِرَاسَةِ، فَهِيَ عَلَى اخْتِلَافِ صُوَرِهَا مُتَّفِقَةُ الْمَعْنَى. 440 - 441 - (مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدِ بْنِ رُومَانَ) بِضَمِّ الرَّاءِ؛ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الْوَاوِ فَأَلِفٌ فَفَوْقِيَّةٌ؛ ابْنِ جُبَيْرِ بْنِ الحديث: 440 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ، وَقِيلَ: شَهِدَ بَدْرًا وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ. (عَنْ مَنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قِيلَ: هُوَ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ لِلْحَدِيثِ التَّالِي. قَالَ الْحَافِظُ: وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ أَبُوهُ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ مُحَقَّقٌ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَسَبَقَهُ الْغَزَالِيُّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا أُوَيْسٍ رَوَاهُ، عَنْ يَزِيدَ شَيْخِ مَالِكٍ فَقَالَ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ صَالِحًا سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَمِنْ سَهْلٍ فَأَبْهَمَهُ تَارَةً وَعَيَّنَهُ أُخْرَى لَكِنَّ قَوْلَهُ: (يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ) يُعَيِّنُ أَنَّ الْمُبْهَمَ أَبُوهُ إِذْ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، عَنْ سَهْلٍ أَنَّهُ صَلَّاهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ سَهْلًا لَمْ يَكُنْ فِي سِنِّ مَنْ يَخْرُجُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ لِصِغَرِهِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَرْوِيَهَا، فَرِوَايَتُهُ إِيَّاهَا مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ، فَبِهَذَا يَقْوَى تَفْسِيرُ الَّذِي صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخُوَّاتٍ (صَلَاةَ الْخَوْفِ) ، وَسُمِّيَتْ ذَاتُ الرِّقَاعِ؛ لِأَنَّ أَقْدَامَ الْمُسْلِمِينَ نُقِبَتْ مِنَ الْحَفَاءِ فَكَانُوا يُلْقُونَ عَلَيْهَا الْخِرَقَ، أَوْ لِأَنَّهُمْ رَاقَعُوا رَايَاتَهُمْ فِيهَا، أَوْ لِأَنَّ أَرْضَهَا ذَاتُ أَلْوَانٍ تُشْبِهُ الرِّقَاعَ، أَوْ لِشَجَرَةٍ نَزَلُوا تَحْتَهَا، أَوْ جَبَلٍ هُنَاكَ فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ وَسَوَادٌ. وَقَوْلُ ابْنِ حِبَّانَ: لِأَنَّ خَيْلَهُمْ كَانَ بِهَا سَوَادٌ وَبَيَاضٌ لَعَلَّهُ تَصَحَّفَ عَلَيْهِ جَبَلٌ بَخِيلٍ، وَرَجَّحَ السُّهَيْلِيُّ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكَذَا النَّوَوِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِالْمَجْمُوعِ لِوُجُودِ هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا فِيهَا (وَأَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ) هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا صَلَّتْ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُمَا صَحِيحَانِ (مَعَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَصَفَّتْ طَائِفَةٌ) بِالرَّفْعِ أَيِ: اصْطَفُّوا يُقَالُ: صَفَّ الْقَوْمُ إِذَا صَارُوا صَفًّا (وِجَاهَ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَضَمِّهَا؛ أَيْ: مُقَابِلِ (الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ) حَالَ كَوْنِهِ (قَائِمًا وَأَتَمُّوا) أَيِ: الَّذِينَ صَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ (لِأَنْفُسِهِمْ) رَكْعَةً أُخْرَى (ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَلُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى) الَّتِي كَانَتْ وِجَاهَ الْعَدُوِّ (فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا) لَمْ يَخْرُجْ مِنْ صَلَاتِهِ (وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمُ) الرَّكْعَةَ الْأُخْرَى (ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ بَقِيَّةُ السِّتَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ وَمَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةٌ الْعَدُوَّ فَيَرْكَعُ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِالَّذِينَ مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا ثَبَتَ وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَيَنْصَرِفُونَ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فَيَكُونُونَ وِجَاهَ الْعَدُوِّ ثُمَّ يُقْبِلُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُكَبِّرُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَيَرْكَعُ بِهِمْ الرَّكْعَةَ وَيَسْجُدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ   441 - 442 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ (عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْأَوَّلِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ مَدَنِيُّونَ فِي نَسَقِ يَحْيَى وَالْقَاسِمِ وَصَالِحٍ (أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُثَلَّثَةُ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَقِيلَ: عَامِرٌ، وَقِيلَ اسْمُ أَبِيهِ: عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو حَثْمَةَ جَدُّهُ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ (حَدَّثَهُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ) أَيْ: صِفَتَهَا (أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ) زَادَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ بِإِسْنَادِهِ هَذَا: مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ (وَمَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةٌ الْعَدُوَّ) أَيْ: مِنْ جِهَتِهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ: وَطَائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ الْعَدُوِّ وُجُوهُهُمْ إِلَى الْعَدُوِّ (فَيَرْكَعُ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِالَّذِينِ مَعَهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ: فَيُصَلِّي بِالَّذِينِ مَعَهُ رَكْعَةً (ثُمَّ يَقُومُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا) سَاكِنًا أَوْ دَاعِيًا (ثَبَتَ وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ) فِي مَكَانِهِمْ (ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَيَنْصَرِفُونَ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فَيَكُونُونَ وِجَاهَ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَضَمِّهَا؛ مُقَابِلَ (الْعَدُوِّ) ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ: ثُمَّ يَذْهَبُ هَؤُلَاءِ إِلَى مَقَامِ أُولَئِكَ (ثُمَّ يُقْبِلُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُكَبِّرُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَيَرْكَعُ بِهِمُ الرَّكْعَةَ) الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ (وَيَسْجُدُ) بِهِمْ (ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ) عَلَيْهِمْ، وَفِي نُسْخَةِ الثَّانِيَةِ: (ثُمَّ يُسَلِّمُونَ) وَفِي الطَّرِيقِ الْأُولَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ قَالَ بِحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، وَإِنَّمَا اخْتَارَهُ وَرَجَعَ إِلَيْهِ لِلْقِيَاسِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَنْتَظِرُ الْمَأْمُومَ، وَأَنَّ الْمَأْمُومَ إِنَّمَا يَقْضِي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ عِنْدَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ رَأْيًا، وَقَدْ جَاءَ مَرْفُوعًا مُسْنَدًا، انْتَهَى. وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَى وَقْفِهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَرَفَعَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ فِي رِوَايَتِهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحديث: 441 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَصَلَّى بِالَّذِينِ يَلُونَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً ثُمَّ تَقَدَّمُوا، وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ. فَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَإِنَّمَا قَالَ بَعْدَ سِيَاقِ إِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ أَسَنُّ مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَأَجَلُّ، انْتَهَى. فَهُوَ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ، قَالَ الْحَافِظُ: لِأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ سَهْلًا كَانَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَعَقَّبُوا مَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ وَلَدِ سَهْلٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ إِلَّا بَدْرًا، وَكَانَ الدَّلِيلُ لَيْلَةَ أُحُدٍ بِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لِأَبِيهِ، أَمَّا هُوَ فَمَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، وَبِهَذَا جَزَمَ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ السَّكَنِ وَغَيْرُهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ «كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلَا يُسَلِّمُونَ وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَتَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ خَوْفًا هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا» قَالَ مَالِكٌ قَالَ نَافِعٌ لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   442 - 443 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ) صِفَةِ (صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ) حَيْثُ لَا يَبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ (فَيُصَلِّي بِهِمُ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُ) أَيِ: الْإِمَامُ وَمَنْ مَعَهُ (وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا) لِحَرْسِهِمُ الْعَدُوَّ (فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا) فَيَكُونُونَ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ (وَلَا يُسَلِّمُونَ) بَلْ يَسْتَمِرُّونَ فِي الصَّلَاةِ (وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا) لِلْإِمَامِ، (فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ) مِنْ صَلَاتِهِ بِالتَّسْلِيمِ (وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَتَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً رَكْعَةً) بِالتَّكْرِيرِ (بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ) مِنَ الصَّلَاةِ (فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلُّوا رَكْعَتَيْنِ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ تَخْتَلِفِ الطُّرُقُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا عَلَى التَّعَاقُبِ وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَإِلَّا لَزِمَ ضَيَاعُ الْحِرَاسَةِ الْمَطْلُوبَةِ وَإِفْرَادُ الْإِمَامِ وَحْدَهُ، وَيُرَجِّحُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ: " «ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ هَؤُلَاءِ؛ أَيِ: الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَقَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا ثُمَّ ذَهَبُوا وَرَجَعَ أُولَئِكَ إِلَى مَقَامِهِمْ فَصَلُّوا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا» " وَظَاهِرُهُ أَنَّ الحديث: 442 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 الثَّانِيَةَ وَالَتْ بَيْنَ رَكْعَتَيْهَا ثُمَّ أَتَمَّتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بَعْدَهَا، وَاخْتَارَ هَذِهِ الصِّفَةَ أَشْهَبُ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَهُوَ مُوَافَقَةٌ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَأَخَذَ بِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا الْحَنَفِيَّةُ، وَرَجَّحَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِقُوَّةِ إِسْنَادِهَا وَلِمُوَافَقَةِ الْأُصُولِ فِي أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُتِمُّ صَلَاتَهُ قَبْلَ سَلَامِ إِمَامِهِ، (فَإِنْ كَانَ) الْأَمْرُ (خَوْفًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ) بِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ، فَخِيفَ مِنْ قَسْمِهِمْ لِذَلِكَ (صَلُّوا) بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ (رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: رِجَالًا. زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: تُومِي إِيمَاءً (أَوْ رُكْبَانًا) عَلَى دَوَابِّهِمْ - جَمْعُ رَاكِبٍ - كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 239) (مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا) وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورَ، لَكِنْ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَصْنَعُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَخْشَوْا فَوَاتَ الْوَقْتِ. (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ؛ أَيْ: لَا أَظُنُّ (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ) أَيْ: هَذَا الْحَدِيثَ (إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ عَلَى الشَّكِّ فِي رَفْعِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَشُكُّوا فِي رَفْعِهِ، مِنْهُمُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، وَكَذَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، انْتَهَى. وَرِوَايَةُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَكَذَا فِيهِمَا رِوَايَةُ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا كُلَّهُ بِغَيْرِ شَكٍّ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. قَالَ الْحَافِظُ: وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ خَوْفًا؛ هَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ أَوْ مَوْقُوفٌ؟ وَالرَّاجِحُ الرَّفْعُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ» قَالَ مَالِكٌ وَحَدِيثُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ   443 - 444 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيد بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» ) عَمْدًا لِلشُّغْلِ بِالْقِتَالِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّهُمْ شَغَلُوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ، وَصَلُّوا بَعْدَ هَوِيٍّ مِنَ اللَّيْلِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 239) وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ شَغَلُوهُ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ الحديث: 443 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 يَوْمَ الْخَنْدَقِ، حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ. وَفِي قَوْلِهِ: أَرْبَعٌ، تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ لَمْ تَفُتْ، وَمُقْتَضَى حَدِيثِ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَفُتْ غَيْرُ الْعَصْرِ، فَمَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَى التَّرْجِيحِ، فَقَالَ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ. وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ وَقْعَةَ الْخَنْدَقِ بَقِيَتْ أَيَّامًا، فَكَانَ هَذَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَهَذَا فِي بَعْضِهَا، وَقِيلَ: أَخَّرَهَا نِسْيَانًا لَا عَمْدًا، وَاسْتُبْعِدَ وُقُوعُهُ مِنَ الْجَمِيعِ، وَأَمَّا الْيَوْمُ فَلَا يَجُوزُ تَأَخُّرُ الصَّلَاةِ، عَنْ وَقْتِهَا بِسَبَبِ الْقِتَالِ، بَلَى تُصَلَّى صَلَاةُ الْخَوْفِ عَلَى حَسَبِ الْحَالِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَحَدِيثُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ: أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ سَمِعَ فِي كَيْفِيَّتِهَا صِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةً وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا صِفَاتٌ، حَمَلَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَآخَرُونَ عَلَى التَّوَسُّعِ وَالتَّخْيِيرِ، وَوَافَقَهُ عَلَى تَرْجِيحِ هَذِهِ الصِّفَةِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ، لِسَلَامَتِهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ، وَكَوْنِهَا أَحْوَطَ لِأَمْرِ الْحَرْبِ مَعَ تَجْوِيزِهِمِ الصِّفَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ امْتِنَاعُهَا. وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي رِوَايَةِ سَهْلٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ هَلْ يُسَلِّمُ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ يَنْتَظِرَهَا فِي التَّشَهُّدِ لِيُسَلِّمُوا مَعَهُ؟ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ كَوْنِ الْعَدُوِّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَمْ لَا. وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْجُمْهُورُ فَحَمَلُوا حَدِيثَ سَهْلٍ عَلَى أَنَّ الْعَدُوَّ كَانَ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، فَلِذَا صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ وَحْدَهَا رَكْعَةً، أَمَّا إِذَا كَانَ فِي جِهَتِهَا فَيُحْرِمُ الْإِمَامُ بِالْجَمْعِ وَيَرْكَعُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ، فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ وَحَرَسَ صَفٌّ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي مُسْلِمٍ، عَنْ جَابِرٍ: «صَفَّنَا صَفَّيْنِ وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ» . وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي التَّرْجِيحِ؛ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُعْمَلُ مِنْهَا بِمَا كَانَ أَشْبَهَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُجْتَهَدُ فِي طَلَبِ أَخِيرِهَا فَإِنَّهُ مَحْمُودٌ لِمَا قَبْلَهُ. وَطَائِفَةٌ: يُؤْخَذُ بِأَصَحِّهَا نَقْلًا وَأَعْلَاهَا رُوَاةً. وَطَائِفَةٌ: يُؤْخَذُ بِجَمِيعِهَا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْخَوْفِ فَإِذَا اشْتَدَّ أَخَذَ بِأَيْسَرِهَا؛ قَالَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 [كِتَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ] [بَاب الْعَمَلِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ] بَاب الْعَمَلِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَتَصَدَّقُوا ثُمَّ قَالَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا»   12 - كِتَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ. 1 - بَابُ الْعَمَلِ فِي صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ. مَصْدَرُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ؛ بِفَتْحِ الْكَافِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَهُوَ نَادِرٌ. وَفِي مُسْلِمٍ، عَنْ عُرْوَةَ: " لَا تَقُولُوا كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَلَكِنْ قُولُوا خَسَفَتْ " لَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ تُخَالِفُهُ لِثُبُوتِهَا بِلَفْظِ الْكُسُوفِ فِي الشَّمْسِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَالْمَشْهُورُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْكُسُوفَ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفَ لِلْقَمَرِ، وَاخْتَارَهُ ثَعْلَبٌ، وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ أَفْصَحُ وَقِيلَ: مُتَعَيَّنٌ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ عَكْسُهُ، وَغَلَّطَهُ عِيَاضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8] (سُورَةُ الْقِيَامَةِ: الْآيَةُ 8) وَقِيلَ: يُقَالُ بِهِمَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَبِهِ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَدْلُولَ الْكُسُوفِ لُغَةً غَيْرُ مَدْلُولِ الْخُسُوفِ؛ لِأَنَّ الْكُسُوفَ التَّغَيُّرُ إِلَى سَوَادٍ، وَالْخُسُوفَ النُّقْصَانُ أَوِ الذُّلُّ، فَإِذَا قِيلَ فِي الشَّمْسِ كَسَفَتْ أَوْ خَسَفَتْ؛ لِأَنَّهَا تَتَغَيَّرُ وَيَلْحَقُهَا النَّقْصُ سَاغَ وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَرَادُفُهُمَا، وَقِيلَ بِالْكَافِ فِي الِابْتِدَاءِ وَبِالْخَاءِ فِي الِانْتِهَاءِ، وَقِيلَ بِالْكَافِ لِذَهَابِ جَمِيعِ الضَّوْءِ وَبِالْخَاءِ لِبَعْضِهِ، وَقِيلَ بِالْخَاءِ لِذَهَابِ كُلِّ اللَّوْنِ وَبِالْكَافِ لِتَغَيُّرِهِ، وَزَعَمَ أَهْلُ الْهَيْئَةِ أَنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، فَإِنَّهَا لَا تَتَغَيَّرُ فِي نَفْسِهَا وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا وَنُورُهَا بَاقٍ، وَأَمَّا كُسُوفُ الْقَمَرِ فَحَقِيقَةٌ فَإِنَّ ضَوْءَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَكُسُوفُهُ بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَهُ بِنُقْطَةِ التَّقَاطُعِ فَلَا يَبْقَى فِيهِ ضَوْءٌ الْبَتَّةَ، فَخُسُوفُهُ ذَهَابُ ضَوْئِهِ حَقِيقَةً، وَأَبْطَلَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الشَّمْسَ أَضْعَافُ الْقَمَرِ فَكَيْفَ يَحْجِبُ الْأَصْغَرُ الْأَكْبَرَ إِذَا قَابَلَهُ؟ وَفِي الْكُسُوفِ فَوَائِدُ: ظُهُورُ التَّصَرُّفِ فِي هَذَيْنِ الْخَلْقَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ، وَإِزْعَاجُ الْقُلُوبِ الْغَافِلَةِ وَإِيقَاظُهَا، وَلِيَرَى النَّاسُ أُنْمُوذَجَ الْقِيَامَةِ، وَكَوْنُهُمَا يُفْعَلُ بِهِمَا ذَلِكَ ثُمَّ يُعَادَانِ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى خَوْفِ الْمَكْرِ وَرَجَاءِ الْعَفْوِ، وَالْإِعْلَامُ بِأَنَّهُ قَدْ يُؤْخَذُ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ فَكَيْفَ مَنْ لَهُ ذَنْبٌ؟ 444 - 445 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: خَسَفَتْ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالسِّينِ لَازِمٌ (الشَّمْسُ) ، وَيَجُوزُ الضَّمُّ وَكَسْرُ السِّينِ عَلَى أَنَّهُ مُتَعَدٍّ، وَحَكَى ابْنُ الحديث: 444 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 الصَّلَاحِ مَنْعَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ دَلِيلَهُ (فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: زَمَنِهِ ( «فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ» ) فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ فَلَمْ يَحْتَجْ لَهُ حِينَئِذٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي السِّيَاقِ حَذْفًا، فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ فِي الصَّحِيحِ: " «خَسَفَتْ فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَفَّ النَّاسَ وَرَاءَهُ» " وَفِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ: " «فَخَسَفَتْ فَرَجَعَ ضَحَّى فَمَرَّ بَيْنَ الْحَجَرِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي» " وَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ جَازَ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا حَذْفٌ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ عَلَى وُضُوءٍ. (فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ) لِطُولِ الْقِرَاءَةِ، وَفِي التَّالِي نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ: «فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً» (ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ) لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ بَيَانَ مَا قَالَ فِيهِ إِلَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الذِّكْرُ مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ وَنَحْوِهِمَا (ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ: ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَفِيهِ نَدْبُ الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ فِي الِاعْتِدَالِ، وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ قِيَامُ قِرَاءَةٍ لَا اعْتِدَالٍ لِاتِّفَاقِ مَنْ قَالَ بِزِيَادَةِ رُكُوعٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِيهِ، وَإِنْ خَالَفَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَالْجَوَابُ أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ جَاءَتْ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَا دَخْلَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا، بَلْ كُلُّ مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا فَهُوَ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ بِرَأْسِهِ قَالَهُ كُلُّهُ الْحَافِظُ. (وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ) الَّذِي رَكَعَ مِنْهُ (ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ) بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ (وَهُوَ دُونُ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ) رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ الثَّانِي (فَسَجَدَ) وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا تَطْوِيلُ السُّجُودِ، فَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا طُولَ فِيهِ قَائِلًا: لِأَنَّ الَّذِي شُرِعَ فِيهِ التَّطْوِيلُ شُرِعَ تَكْرَارُهُ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَلَمْ تُشْرَعِ الزِّيَادَةُ فِي السُّجُودِ فَلَا يُشْرَعُ تَطْوِيلٌ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَائِمَ وَالرَّاكِعَ يُمْكِنُهُ رُؤْيَةَ الِانْجِلَاءِ، بِخِلَافِ السَّاجِدِ فَإِنَّ الْآيَةَ عُلْوِيَّةٌ فَنَاسَبَ طُولَ الْقِيَامِ لَا السُّجُودِ، وَلِأَنَّ فِي تَطْوِيلِهِ اسْتِرْخَاءُ الْأَعْضَاءِ فَقَدْ يُفْضِي إِلَى النَّوْمِ. وَكُلُّ هَذَا مَرْدُودٌ بِثُبُوتِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِتَطْوِيلِهِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ: " «مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ وَلَا رَكَعْتُ رُكُوعًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " «ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ» " وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي النَّسَائِيِّ، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَ: " «وَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ» " وَلِلشَّيْخَيْنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى: " «بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ» " وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ، عَنْ سَمُرَةَ: " «كَأَطْوَلِ مَا سَجَدْنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ» " وَمِنْ ثَمَّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ: إِنَّهُ يُطِيلُ السُّجُودَ كَالرُّكُوعِ، نَعَمْ؛ لَا إِطَالَةَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إِجْمَاعًا. (ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ؛ أَيِ: الثَّانِيَةِ (مِثْلَ ذَلِكَ) وَفَسَّرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ الْآتِيَةِ، وَذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 تَقْدِيرَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بِنَحْوِ الْبَقَرَةِ، وَالثَّانِي بِنَحْوِ آلِ عِمْرَانَ، وَالثَّالِثِ بِنَحْوِ النِّسَاءِ، وَالرَّابِعِ بِنَحْوِ الْمَائِدَةِ، وَلَا يَشْكُلُ بِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْقِيَامَ الثَّالِثَ أَقْصَرُ مِنَ الثَّانِي، وَالنِّسَاءُ أَطْوَلُ مِنْ آلِ عِمْرَانَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَسْرَعَ بِقِرَاءَتِهَا وَرَتَّلَ آلَ عِمْرَانَ كَانَتْ أَطْوَلَ، لَكِنْ تُعِقِّبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يُعْرَفُ، إِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَإِنْ كَانَ أَوَّلُهُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي، نَعَمْ؛ لِلدَّارَقُطْنِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِالْعَنْكَبُوتِ وَالرُّومِ وَفِي الثَّانِي بِـ يس. (ثُمَّ انْصَرَفَ) مِنَ الصَّلَاةِ (وَقَدْ تَجَلَّتْ) بِفَوْقِيَّةٍ وَشَدِّ اللَّامِ (الشَّمْسُ) أَيْ: صَفَّتْ وَعَادَ نُورُهَا؛ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهَا قَدْ تَجَلَّتْ قَبْلَ انْصِرَافِهِ. فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ: «وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ» . وَلِلنَّسَائِيِّ: ثُمَّ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ. (فَخَطَبَ النَّاسَ) وَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ بِسَبَبِ الْكُسُوفِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِإِبْطَالِ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُهُ. (فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ) زَادَ النَّسَائِيُّ، عَنْ سَمُرَةَ: وَشَهِدَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِهِ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ كَالْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ لَا خُطْبَةَ لَهَا، نَعَمْ؛ يُسْتَحَبُّ الْوَعْظُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُرَادُ كَمَا مَرَّ؛ إِذْ لَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُمَا خُطْبَتَانِ كَالْجُمُعَةِ وَإِنِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَالْوَعْظِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ الِانْجِلَاءَ لَا يُسْقِطُ الْوَعْظَ بِخِلَافِ مَا لَوِ انْجَلَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَيُسْقِطُهَا الْوَعْظُ، فَلَوْ تَجَلَّتْ فِي أَثْنَائِهَا فَفِي إِتْمَامِهَا عَلَى صِفَتِهَا أَوْ كَالنَّوَافِلِ الْمُعْتَادَةِ قَوْلَانِ. (ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ» ) أَيْ: عَلَامَتَانِ (مِنْ آيَاتِ اللَّهِ) الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ تَعَالَى وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ، أَوْ عَلَى تَخْوِيفِ الْعِبَادِ مِنْ بَأْسِهِ وَسَطْوَتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 59) قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ بَعْضَ الْجَاهِلِيَّةِ الضُّلَّالِ كَانُوا يُعَظِّمُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، فَبَيَّنَ أَنَّهُمَا آيَتَانِ مَخْلُوقَتَانِ لِلَّهِ لَا صُنْعَ لَهُمَا بَلْ هُمَا كَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ يَطْرَأُ عَلَيْهِمَا النَّقْصُ وَالتَّغَيُّرُ كَغَيْرِهِمَا، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ. (لَا يَخْسِفَانِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَيَجُوزُ ضَمُّ أَوَّلِهِ، وَحَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ مَنْعَهُ (لِمَوْتِ أَحَدٍ) وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِبْرَاهِيمَ مَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ ذَلِكَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ. وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فَقَالَ النَّاسُ: إِنَّهَا كَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ. وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: «فَلَمَّا انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فَزَعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى حَتَّى انْجَلَتْ، فَلَمَّا انْجَلَتْ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنَ الْعُظَمَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ» . وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ: (وَلَا لِحَيَاتِهِ) مَعَ أَنَّ السِّيَاقَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنْ ظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحَيَاةَ؛ دَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْفَقْدِ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا لِلْإِيجَادِ فَعَمَّمَ لِدَفْعِ هَذَا التَّوَهُّمِ، وَفِيهِ مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 كَانَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ، وَشِدَّةِ الْخَوْفِ مِنْ رَبِّهِ، وَإِبْطَالِ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُ أَنَّ الْكُسُوفَ يُوجِبُ حُدُوثَ تَغَيُّرٍ بِالْأَرْضِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ ضَرَرٍ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ اعْتِقَادٌ بَاطِلٌ، وَأَنَّهُمَا خَلْقَانِ مُسَخَّرَانِ لَا سُلْطَانَ لَهُمَا فِي غَيْرِهِمَا وَلَا قُدْرَةَ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا. (فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ) الْكُسُوفَ فِي أَحَدِهِمَا لِاسْتِحَالَةِ كُسُوفِهِمَا مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عَادَةً، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ (فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَتَصَدَّقُوا) وَقَعَ الْأَمْرُ بِالصَّدَقَةِ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ هَذِهِ دُونَ غَيْرِهَا. قَالَ الْحَافِظُ: (ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ) فِيهِ مَعْنَى الْإِشْفَاقِ كَمَا يُخَاطِبُ الْوَاحِدُ وَلَدَهُ إِذَا أَشْفَقَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: يَا بُنَيَّ، وَكَانَ قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: يَا أُمَّتِي لَكِنْ لِعُدُولِهِ عَنِ الْمُضْمَرِ إِلَى الْمُظْهَرِ حِكْمَةٌ، وَلَعَلَّهَا أَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَحْذِيرٍ وَتَخْوِيفٍ لِمَا فِي الْإِضَافَةِ إِلَى الْمُضْمَرِ مِنَ الْإِشْعَارِ بِالتَّكْرِيمِ، وَمِثْلُهُ: «يَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ إِلَى أَنْ قَالَ: لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» . (وَاللَّهِ) أَتَى بِالْيَمِينِ لِإِرَادَةِ تَأْكِيدِ الْخَبَرِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْتَابُ فِيهِ ( «مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ» ) بِالنَّصْبِ خَبَرٌ وَ " مِنْ " زَائِدَةٌ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ أَوْ هُوَ بِالْخَفْضِ بِالْفَتْحَةِ صِفَةٌ لِـ " أَحَدٍ "، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: مَوْجُودٌ أَغْيَرَ (مِنَ اللَّهِ) أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ الْغَيْرَةِ - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ - وَهِيَ لُغَةٌ تَحْصُلُ مِنَ الْحَمِيَّةِ وَالْأَنَفَةِ، وَأَصْلُهُ فِي الزَّوْجَيْنِ وَالْأَهْلِينَ، وَذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ تَغَيُّرٍ وَنَقْصٍ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ، فَقِيلَ: لَمَّا كَانَتْ ثَمَرَةُ الْغَيْرَةِ صَوْنَ الْحَرِيمِ وَمَنْعَهُمْ وَزَجْرَ مَنْ يَقْصِدُ إِلَيْهِمْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَزَجَرَ فَاعِلَهُ وَتَوَعَّدَهُ، فَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ فُورَكَ: الْمَعْنَى مَا أَحَدٌ أَكْثَرُ زَجْرًا، عَنِ الْفَوَاحِشِ مِنَ اللَّهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: غَيْرَةُ اللَّهِ مَا يُغَيِّرُ حَالَ الْعَاصِي بِانْتِقَامِهِ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] (سُورَةُ الرَّعْدِ: الْآيَةُ 11) وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: أَهْلُ التَّنْزِيهِ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى قَوْلَيْنِ: إِمَّا سَاكِتٌ، وَإِمَّا مُئَوِّلٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرَةِ شِدَّةُ الْمَنْعِ وَالْحِمَايَةِ، فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُلَازَمَةِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ: وَجْهُ اتِّصَالِ هَذَا بِقَوْلِهِ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ. . . . إِلَخْ، مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ لَمَّا أُمِرُوا بِاسْتِدْفَاعِ الْبَلَاءِ بِالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ نَاسَبَ رَدْعِهِمْ عَنِ الْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ جَلْبُ الْبَلَاءِ، وَخُصَّ مِنْهُ الزِّنَى؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُهَا فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ مِنْ أَقْبَحِ الْمَعَاصِي وَأَشَدِّهَا تَأْثِيرًا فِي إِثَارَةِ النُّفُوسِ وَغَلَبَةِ الْغَضَبِ نَاسَبَ ذَلِكَ تَخْوِيفَهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ مُؤَاخَذَةِ رَبِّ الْعِزَّةِ (أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ) مُتَعَلِّقٌ بِأَغْيَرَ، وَحُذِفَ مِنْ قَبْلِ أَنَّ قِيَاسَهُ مُسْتَمِرٌّ وَتَخْصِيصَهُمَا بِالذِّكْرِ رِعَايَةٌ لِحُسْنِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ لِتَنَزُّهِهِ عَنِ الزَّوْجَةِ وَالْأَهْلِ مِمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمُ الْغَيْرَةُ غَالِبًا، ثُمَّ كَرَّرَ النِّدَاءَ فَقَالَ: (يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَاعِظَ يَنْبَغِي لَهُ حَالَ وَعْظِهِ أَنْ لَا يَأْتِي بِكَلَامٍ فِيهِ تَفْخِيمَ نَفْسِهِ، بَلْ يُبَالِغُ فِي التَّوَاضُعِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى انْتِفَاعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 السَّامِعِ (وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ) مِنْ عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَانْتِقَامِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَرَائِمِ وَشِدَّةِ عِقَابِهِ، وَأَهْوَالِ الْقِيَامَةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَوْ دَامَ عِلْمُكُمْ كَمَا دَامَ عِلْمِي؛ لَأَنَّ عِلْمَهُ مُتَوَاصِلٌ، بِخِلَافِ عِلْمِ غَيْرِهِ (لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) لِتَفَكُّرِكُمْ فِيمَا عَمِلْتُمُوهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَوْ عَلِمْتُمْ مِنْ سِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَحِلْمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ ذَلِكَ. قِيلَ: مَعْنَى الْقِلَّةِ هُنَا الْعَدَمُ؛ أَيْ: لَتَرَكْتُمُ الضَّحِكَ، أَوْ لَمْ يَقَعْ مِنْكُمْ إِلَّا نَادِرًا لِغَلَبَةِ الْخَوْفِ وَاسْتِيلَاءِ الْحُزْنِ. وَقَوْلُ الْمُهَلَّبِ: الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهْوِ وَالْغِنَاءِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَمِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّهُمُ الْمُخَاطَبُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَالْقِصَّةُ كَانَتْ فِي آخِرِ زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ امْتَلَأَتِ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِ مَكَّةَ وَوُفُودِ الْعَرَبِ؟ وَقَدْ بَالَغَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَالتَّشْنِيعِ. وَفِي الْحَدِيثِ تَرْجِيحُ التَّخْوِيفِ فِي الْوَعْظِ عَلَى التَّوَسُّعِ بِالتَّرْخِيصِ لِمَا فِي التَّرْخِيصِ مِنْ مُلَائَمَةِ النُّفُوسِ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّهْوَةِ، وَالطَّبِيبُ الْحَاذِقُ يُقَابِلُ الْعِلَّةَ بِضِدِّهَا لَا بِمَا يَزِيدُهَا، وَأَنَّ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ هَيْئَةً تَخُصُّهَا مِنْ زِيَادَةِ التَّطْوِيلِ عَلَى الْعَادَةِ فِي الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ وَزِيَادَةِ رُكُوعٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَوَافَقَ عَائِشَةَ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَجَابِرٌ فِي مُسْلِمٍ، وَعَلِيٌّ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي النَّسَائِيِّ، وَابْنُ عُمَرَ فِي الْبَزَّارِ وَأُمُّ سُفْيَانَ فِي الطَّبَرَانِيِّ، وَفِي رِوَايَاتِهِمْ زِيَادَةٌ رَوَاهَا الْحُفَّاظُ الثِّقَاتُ فَالْأَخْذُ بِهَا أَحَقُّ مِنْ إِلْغَائِهَا، وَبِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّهَا رَكْعَتَانِ نَحْوِ الصُّبْحِ ثُمَّ الدُّعَاءُ حَتَّى تَنْجَلِيَ، وَأَجَابَ بَعْضَ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ زِيَادَةِ الرُّكُوعِ بِحَمْلِهِ عَلَى رَفْعِ الرَّأْسِ لِرُؤْيَةِ الشَّمْسِ هَلِ انْجَلَتْ أَمْ لَا، فَإِذَا لَمْ يَرَهَا انْجَلَتْ رَجَعَ إِلَى رُكُوعٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا، فَظَنَّهُ بَعْضُ مَنْ رَوَاهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ رُكُوعًا زَائِدًا، وَتُعُقِّبَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي أَنَّهُ أَطَالَ الْقِيَامَ بَيْنَ الرُّكُوعَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الرَّفْعُ لِرُؤْيَةِ الشَّمْسِ فَقَطْ لَمْ يَجْتَمِعْ إِلَى تَطْوِيلٍ، وَلَا سِيَّمَا الْأَخْبَارُ الصَّرِيحَةُ بِأَنَّهُ قَالَ ذِكْرَ الِاعْتِدَالِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَرُدُّ هَذَا الْمَحَلَّ، وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ لَكَانَ فِيهِ إِخْرَاجُ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْعِبَادَةِ الْمَشْرُوعَةِ، أَوْ لَزِمَهُ مِنْهُ إِثْبَاتُ هَيْئَةٍ فِي الصَّلَاةِ لِأَعْهَدَ بِهَا وَهُوَ مَا فَرَّ مِنْهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِكُفْرِهِنَّ قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ»   445 - 446 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ الحديث: 445 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: خَسَفَتْ) بِفَتَحَاتٍ (الشَّمْسُ) زَادَ الْقَعْنَبِيُّ: عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَ) صَلَّى (النَّاسُ مَعَهُ) ، فَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا (فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) فِيهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ كَانَتْ سِرًّا، وَكَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِهَا: «فَحَزَرْتُ قِرَاءَتَهُ فَرَأَيْتُ أَنَّهُ قَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ» ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ صَغِيرًا، فَمَقَامُهُ آخِرُ الصُّفُوفِ فَلَمْ يَسْمَعِ الْقِرَاءَةَ، فَحَزْرُ الْمُدَّةِ مَرْدُودٌ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «قُمْتُ إِلَى جَانِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ حَرْفًا» ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (قَالَ: «ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا» ) نَحْوَ الْبَقَرَةِ (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ) مِنَ الرُّكُوعِ ( «فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونُ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ» ) بِنَحْوِ آلِ عِمْرَانَ، فَفِيهِ أَنَّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ أَقْصَرُ مِنَ الْأُولَى. (ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا) وَهُوَ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا نَحْوَ الرُّكُوعِ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ كَمَا مَرَّ، (ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا) بِنَحْوِ النِّسَاءِ (وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الرُّكُوعَ الَّذِي يَلِيهِ، وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَلَا حَرَجَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّمَا يُرِيدُ الْقِيَامَ الَّذِي يَلِيهِ لِأَنَّهُ أَبَيْنُ، وَلِأَنَّهُ انْصَرَفَ إِلَى الْقِيَامِ الْأَوَّلِ لَمْ يَعْلَمْ إِنْ كَانَ تَقْدِيرُ الثَّانِي أَكْثَرُ مِنْهُ فَإِضَافَتُهُ إِلَى مَا يَلِيهِ أَوْلَى. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِقِيَامِهَا وَرُكُوعِهَا أَطْوَلُ مِنَ الثَّانِيَةِ بِقِيَامِهَا وَرُكُوعِهَا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ الثَّانِيَ وَرُكُوعَهُ فِيهِمَا أَقْصَرُ مِنَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَرُكُوعِهِ فِيهِمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ مِنَ الثَّانِيَةِ وَرُكُوعِهِ هَلْ هُمَا أَقْصَرُ مِنَ الْقِيَامِ الثَّانِي مِنَ الْأَوَّلِ وَرُكُوعِهِ أَوْ هُمَا سَوَاءٌ؟ قِيلَ: وَسَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ فَهْمُ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، هَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْأَوَّلُ مِنَ الثَّانِيَةِ أَوْ يَرْجِعُ إِلَى الْجَمِيعِ فَيَكُونُ كُلُّ قِيَامٍ دُونَ مَا قَبْلَهُ؟ وَرِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ تُعَيَّنُ الثَّانِي وَلَفْظُهُ الْأُولَى فَالْأُولَى أَطْوَلُ، وَيُرَجِّحُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " الْقِيَامُ الْأَوَّلُ " أَوَّلُ قِيَامٍ مِنَ الْأُولَى لَكَانَ الْقِيَامُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مَسْكُوتًا عَنْ مِقْدَارِهِمَا الْأَوَّلِ أَكْثَرَ فَائِدَةً، انْتَهَى. (ثُمَّ رَفَعَ) مِنَ الرُّكُوعِ (فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا) نَحْوَ الْمَائِدَةِ (وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ) سَجْدَتَيْنِ (ثُمَّ انْصَرَفَ) مِنَ الصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 (وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (قَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ) قَبْلَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ بَيْنَ جُلُوسِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي الصَّحِيحِ: «ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ» (فَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ» ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ وَيَجُوزُ ضَمُّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ السِّينِ (لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ) بَلْ هُمَا مَخْلُوقَانِ لَا تَأْثِيرَ لَهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا فَضْلًا، عَنْ غَيْرِهِمَا، فَفِيهِ بَيَانُ مَا يُخْشَى اعْتِقَادُهُ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ، وَرْدٌ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لِلْكَوَاكِبِ تَأْثِيرًا فِي الْأَرْضِ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ، عَنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَكَيْفَ بِمَا دُونَهُمَا؟ ( «فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا» ) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: " «فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: شَيْئًا صَنَعْتَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ» " فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهِيَ قِصَّةٌ أُخْرَى. (ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ) بِتَاءٍ أَوَّلَهُ وَكَافَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَعْدَ كُلِّ عَيْنٍ سَاكِنَةٍ؛ أَيْ: تَأَخَّرْتَ وَتَقَهْقَرْتَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَعْكَعْتُهُ فَتَكَعْكَعَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَعْكَعَ مُتَعَدٍّ وَتَكَعْكَعَ لَازِمٌ، وَكَعْكَعَ يَقْتَضِي مَفْعُولًا؛ أَيْ: رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ نَفْسَكَ، وَلِمُسْلِمٍ: " «رَأَيْنَاكَ كَفَفْتَ نَفْسَكَ» " بِفَاءَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ مِنَ الْكَفِّ وَهُوَ الْمَنْعُ. (فَقَالَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ) رُؤْيَةَ عَيْنٍ بِأَنْ كُشِفَ لَهُ دُونَهَا فَرَآهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَطُوِيَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا حَتَّى أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهَا، وَهَذَا أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَسْمَاءٍ فِي الصَّحِيحِ بِلَفْظِ: " «دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا» " وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهَا مُثِّلَتْ لَهُ فِي الْحَائِطِ كَمَا تَنْطَبِعُ الصُّورَةُ فِي الْمِرْآةِ، فَرَأَى جَمِيعَ مَا فِيهَا، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ: " «لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ آنِفًا فِي عَرْضِ هَذَا الْحَائِطِ وَأَنَا أُصَلِّي» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " لَقَدْ مُثِّلَتْ "، وَلِمُسْلِمٍ: " لَقَدْ صُوِّرَتْ "، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الِانْطِبَاعَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَجْسَامِ الصَّقِيلَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ عَادِيٌّ فَيَجُوزُ أَنْ تَنْخَرِقَ الْعَادَةُ خُصُوصًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَكِنْ هَذِهِ قِصَّةٌ أُخْرَى وَقَعَتْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَرَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَرَّتَيْنِ بَلْ مِرَارًا عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: الرُّؤْيَةُ الْعِلْمُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا إِحَالَةَ فِي بَقَاءِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى ظَوَاهِرِهَا لَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ قَدْ خُلِقَتَا وَوُجِدَتَا، فَيَرْجِعُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِنَبِيِّهِ إِدْرَاكًا خَاصًّا أَدْرَكَ بِهِ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ عَلَى حَقِيقَتِهِمَا. (فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا) أَيْ: وَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ بِحَيْثُ كُنْتُ قَادِرًا عَلَى تَحْوِيلِهِ لَكِنْ لَمْ يُقَدَّرْ لِي قَطْفُهُ (وَلَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 أَخَذْتُهُ) أَيْ: لَوْ تَمَكَّنْتُ مِنْ قَطْفِهِ، وَلِلْقَعْنَبِيِّ: وَلَوْ أَصَبْتُهُ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: " «أَهْوَى بِيَدَيْهِ لِيَتَنَاوَلَ شَيْئًا» "، وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ: " «حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا» "، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاجْتِرَاءِ فَلَمْ يَجْتَرِئْ، وَبِهَذَا لَا يُشْكَلُ قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذْتُهُ، مَعَ قَوْلِهِ: تَنَاوَلْتُ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ تَنَاوَلْتُ لِنَفْسِي وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَكُمْ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَبِأَنَّ الْإِرَادَةَ مُقَدَّرَةٌ؛ أَيْ: أَرَدْتُ أَنْ أَتَنَاوَلَ ثُمَّ لَمْ أَفْعَلْ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «وَلَقَدْ مَدَدْتُ يَدِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ لَا أَفْعَلَ» ". وَمِثْلُهُ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِلَفْظٍ: " «حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ آخُذُ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ» " وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقٍ مُرْسَلَةٍ: " «أَرَدْتُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا أُرِيكُمُوهُ فَلَمْ يُقَدَّرْ» " وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: " «فَحِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ» " (لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الْعُنْقُودِ (مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا) لِأَنَّ ثِمَارَ الْجَنَّةِ لَا مَقْطُوعَةٌ وَلَا مَمْنُوعَةٌ، وَإِذَا قُطِفَتْ خَلَّفَتْ فِي الْحَالِ، فَلَا مَانِعَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا إِذَا شَاءَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ فِي وُجُوبِ الدَّوَامِ وَجَوَازِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ. وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَصَحَّهُمَا فِي نَفْسِ الْآكِلِ مِثْلُ الَّذِي أَكَلَ دَائِمًا بِحَيْثُ لَا يَغِيبُ عَنْ ذَوْقِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ رَأْيٌ فَلْسَفِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَا حَقَائِقَ لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ أَمْثَالٌ. وَبَيَّنَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ هَذَا التَّنَاوُلَ الْمَذْكُورَ كَانَ حَالَ قِيَامِهِ الثَّانِي مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَمْ يَأْخُذِ الْعُنْقُودَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ لَا يَفْنَى، وَالدُّنْيَا فَانِيَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْكَلَ فِيهَا مَا لَا يَفْنَى. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَوْ رَآهُ النَّاسُ لَكَانَ إِيمَانُهُمْ بِالشَّهَادَةِ لَا بِالْغَيْبِ، فَيُخْشَى أَنْ تُرْفَعَ التَّوْبَةُ، فَلَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْجَنَّةَ جَزَاءُ الْأَعْمَالِ، وَالْجَزَاءُ بِهَا لَا يَقَعُ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ. (وَرَأَيْتُ النَّارَ) قَبْلَ رُؤْيَةِ الْجَنَّةِ. فَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ: «عُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّارُ فَتَأَخَّرَ عَنْ مُصَلَّاهُ حَتَّى إِنَّ النَّاسَ لَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِذَا رَجَعَ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ فَذَهَبَ يَمْشِي حَتَّى وَقَفَ فِي مُصَلَّاهُ» . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: " «لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا "، وَفِيهِ: " ثُمَّ جِيءَ بِالْجَنَّةِ وَذَلِكَ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَقَدَّمْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي مَقَامِي " وَزَادَ فِيهِ: " مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلَاتِي هَذِهِ» "، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ سَمُرَةَ: " «لَقَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ قُمْتُ أُصَلِّي مَا أَنْتُمْ لَاقُونَ فِي دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ» " (فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ) أَيِ: الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ (مَنْظَرًا) نُصِبَ بِأَرَى (قَطُّ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ: " أَفْظَعَ " أَقْبَحَ وَأَشْنَعَ وَأَسْوَأَ صِفَةً لِلْمَنْصُوبِ؛ أَيْ: لَمْ أَرَ مَنْظَرًا مِثْلَ مَنْظَرٍ رَأَيْتُهُ الْيَوْمَ، فَحَذَفَ الْمَرْئِيَّ وَأَدْخَلَ التَّشْبِيهَ عَلَى الْيَوْمِ لِبَشَاعَةِ مَا رَأَى فِيهِ وَبُعْدِهِ عَنِ الْمَنْظَرِ الْمَأْلُوفِ. وَقِيلَ: الْكَافُ اسْمٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 وَالتَّقْدِيرُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَنْظَرِ هَذَا الْيَوْمِ مَنْظَرًا. (وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ) اسْتَشْكَلَ مَعَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «إِنْ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ مِنَ الدُّنْيَا» " فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ النِّسَاءَ ثُلْثَا أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَأُجِيبُ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا بَعْدَ خُرُوجِهِنَّ مِنَ النَّارِ، أَوْ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْوِيفِ وَعُورِضَ بِإِخْبَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرُّؤْيَةِ الْحَاصِلَةِ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: " «وَأَكْثَرُ مَنْ رَأَيْتُ فِيهَا النِّسَاءَ اللَّاتِي إِنِ اؤْتُمِنَّ أَفْشَيْنَ، وَإِنْ سُئِلْنَ بَخِلْنَ، وَإِنْ سَأَلْنَ أَلْحَفْنَ، وَإِنْ أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ» " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي النَّارِ مِنْهُنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِصِفَاتٍ ذَمِيمَةٍ. (قَالُوا: لِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِكُفْرِهِنَّ) بِـ " لَامٍ " هُنَا وَفِي " لَمْ "، وَلِلْقَعْنَبِيِّ: " بِمَ " بِالْبَاءِ فِيهِمَا وَأَصْلُهُ: بِمَا يَأْلَفُ؛ حُذِفَتْ تَخْفِيفًا. (قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ) تَعَالَى بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (قَالَ: وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ) أَيِ: الزَّوْجَ؛ أَيْ: إِحْسَانَهُ، كَذَا لِيَحْيَى وَحْدَهُ بِالْوَاوِ وَلَمْ يَزِدْهَا غَيْرُهُ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ سَائِرِ الرُّوَاةِ: بِلَا وَاوٍ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَكَذَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِغَيْرِ وَاوٍ، قَالَ الْحَافِظُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَاوَ غَلَطٌ مِنْ يَحْيَى، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ تَغْلِيطِهِ أَنَّهُ خَالَفَ غَيْرَهُ مِنَ الرُّوَاةِ فَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَطْلَقَ عَلَى الشُّذُوذِ غَلَطًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ فَسَادَ الْمَعْنَى فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ طَابَقَ السُّؤَالَ، وَزَادَ: وَذَلِكَ أَنَّهُ أَطْلَقَ لَفْظَ النِّسَاءِ فَعَمَّ الْمُؤْمِنَةَ مِنْهُنَّ وَالْكَافِرَةَ، فَلَمَّا قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: وَيَكْفُرْنَ. . . . إِلَخْ، كَأَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ يَقَعُ مِنْهُنَّ الْكُفْرُ بِاللَّهِ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ مِنْهُنَّ مَنْ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ، وَمِنْهُنَّ مَنْ يَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَجْهُ رِوَايَةِ يَحْيَى أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ لَمْ يَقَعْ عَلَى وُفِقِ سُؤَالِ السَّائِلِ، لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِأَنَّ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى جَوَابِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْحَدِيثِ خِلَافُهُ. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَمْ يُعَدَّ كُفْرُ الْعَشِيرِ بِالْبَاءِ كَمَا عُدِّيَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ، لِأَنَّ كُفْرَ الْعَشِيرِ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الِاعْتِرَافِ. (وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ) كَأَنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ كُفْرُ إِحْسَانِهِ لَا كُفْرَ ذَاتِهِ، فَالْجُمْلَةُ مَعَ الْوَاوِ مُبَيِّنَةٌ لِلْأُولَى نَحْوُ: أَعْجَبَنِي زَيْدٌ وَكَرَمُهُ، وَالْمُرَادُ بِكُفْرِ الْإِحْسَانِ تَغْطِيَتُهُ أَوْ جَحْدُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ) نَصَبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (كُلَّهُ) أَيْ: مُدَّةَ عُمُرِ الرَّجُلِ أَوِ الزَّمَانِ مُبَالَغَةً (ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا) قَلِيلًا لَا يُوَافِقُ غَرَضَهَا مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ، فَالتَّنْوِينُ لِلتَّقْلِيلِ (قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ) بَيَانٌ لِلتَّغْطِيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَ " لَوْ " شَرْطِيَّةٌ لَا امْتِنَاعِيَّةٌ. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا امْتِنَاعِيَّةٌ بِأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا عَلَى التَّعْيِينِ، وَالْمَظْرُوفُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى مِنَ الْمَذْكُورِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ خِطَابَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَأَتَّى أَنْ يُخَاطَبَ فَهُوَ خَاصٌّ لَفْظًا عَامٌّ مَعْنًى. وَفِي الْحَدِيثِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى الطَّاعَةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَا يُحْذَرُ مِنْهُ، وَاسْتِدْفَاعُ الْبَلَاءِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْوَاعِ طَاعَتِهِ، وَمُعْجِزَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 ظَاهِرَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ نُصْحِ أُمَّتِهِ، وَتَعْلِيمِهِمْ مَا يَنْفَعُهُمْ وَتَحْذِيرِهِمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ، وَمُرَاجَعَةُ الْمُتَعَلِّمِ لِلْعَالَمِ فِيمَا لَا يُدْرِكُهُ فَهْمُهُ، وَجَوَازُ الِاسْتِفْهَامِ عَنْ عِلَّةِ الْحُكْمِ، وَبَيَانُ الْعَالِمِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ تِلْمِيذُهُ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ كُفْرَانِ الْحُقُوقِ، وَوُجُوبُ شُكْرِ الْمُنْعِمِ، وَجَوَازُ إِطْلَاقِ الْكُفْرِ عَلَى مَا لَا يُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ، وَجَوَازُ تَعْذِيبِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي، وَالْعَمَلُ الْقَلِيلُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ مَوْجُودَتَانِ الْيَوْمَ، وَأَنَّ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ زِيَادَةُ رُكُوعَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَكَذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا كَمَا مَرَّ، وَجَاءَتْ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، فَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ، وَآخَرَ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ» . وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ» . وَلِأَبِي دَاوُدَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالْبَزَّارِ، عَنْ عَلِيٍّ: «فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسُ رُكُوعِاتٍ» . وَلَا يَخْلُو إِسْنَادٌ مِنْهَا عَنْ عِلَّةٍ كَمَا بَيَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْهَدْيِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ أَنَّهُمْ عَدُّوا الزِّيَادَةَ عَلَى رُكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ غَلَطًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ طُرُقِ الْحَدِيثِ يُمْكِنُ رَدُّ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، وَيَجْمَعُهَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِذَا اتَّحَدَتِ الْقِصَّةُ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِالرَّاجِحِ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ، وَأَنَّ الْكُسُوفَ وَقَعَ مِرَارًا فَتَجُوزُ هَذِهِ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا، وَإِلَى ذَلِكَ نَحَا إِسْحَاقُ، لَكِنْ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعِ رُكُوعَاتٍ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ اخْتِلَافُ إِبَاحَةٍ وَتَوْسِعَةٍ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْكُسُوفَ مِرَارًا، فَحَكَى كُلُّ وَاحِدٍ مَا رَأَى، وَكُلُّهُمْ صَادِقٌ جَعَلَهُمُ الْمُصْطَفَى كَالنُّجُومِ مَنِ اقْتَدَى بِأَيِّهِمُ اهْتَدَى، انْتَهَى. وَرَوَى حَدِيثَ الْبَابِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَخَسَفَتْ الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحًى فَمَرَّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْحُجَرِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»   446 - 447 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) بِهِ قَيْسٌ الْأَنْصَارِيُّ (عَنْ عَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ (بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ، مَاتَتْ قَبْلَ الْمِائَةِ، وَقِيلَ بَعْدَهَا وَأَكْثَرَتْ (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ يَهُودِيَّةً» ) ، وَفِي رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: «دَخَلَ عَجُوزَانِ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَتَا: إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ فَكَذَّبَتْهُمَا» . قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ إِحْدَاهُمَا تَكَلَّمَتْ وَأَقَرَّتْهَا الْأُخْرَى، فَنُسِبَ الْقَوْلُ إِلَيْهِمَا مَجَازًا، وَالْإِفْرَادُ عَلَى الْمُتَكَلِّمَةِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (جَاءَتْ تَسْأَلُهَا) شَيْئًا تُعْطِيهِ لَهَا (فَقَالَتْ: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) دُعَاءٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ لِعَائِشَةَ عَلَى عَادَةِ السُّؤَالِ (فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مُسْتَفْهِمَةً لِكَوْنِهَا لَمْ تَعْلَمْهُ قَبْلُ (أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ؟) بِضَمِّ الحديث: 446 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 الْيَاءِ بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِذًا بِاللَّهِ) قَالَ ابْنُ السَّيِّدِ: مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي يَجِيءُ عَلَى مِثَالِ فَاعِلٍ، كَقَوْلِهِمْ: عُوفِيَ عَافِيَةً، أَوْ عَلَى الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ النَّائِبَةِ مَنَابَ الْمَصْدَرِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ كَأَنَّهُ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ عَائِذًا وَلَمْ يَذْكُرِ الْفِعْلَ؛ لِأَنَّ الْحَالَ نَائِبَةٌ عَنْهُ، وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ؛ أَيْ: أَنَا عَائِذٌ بِاللَّهِ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَلِلْبُخَارِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ: " «فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ: نَعَمْ إِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ، قَالَتْ: فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» " وَفِي مُسْلِمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: " «دَخَلَتْ عَلَيَّ يَهُودِيَّةٌ وَهِيَ تَقُولُ: هَلْ شَعَرْتِ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ؟ فَارْتَاعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إِنَّمَا يُفْتَنُ يَهُودُ، فَلَبِثْنَا لَيَالِي، ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ، فَسَمِعْتُهُ يَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» "، وَبَيْنَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ تَخَالُفٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ أَنْكَرَ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَفِي الْأُولَى أَقَرَّهَا، وَجَمَعَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُمَا قِصَّتَانِ أَنْكَرَ قَوْلَ الْيَهُودِيَّةِ أَوَّلًا ثُمَّ أُعْلِمُ بِهِ وَلَمْ تَعْلَمْ عَائِشَةُ، فَجَاءَتِ الْيَهُودِيَّةُ مَرَّةً أُخْرَى فَذَكَرَتْ لَهَا ذَلِكَ، فَأَنْكَرَتْ عَلَيْهَا مُسْتَنِدَةً إِلَى الْإِنْكَارِ الْأَوَّلِ، فَأَعْلَمَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الْوَحْيَ نَزَلَ بِإِثْبَاتِهِ. وَقَوْلُ الْكِرْمَانِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَعَوَّذُ سِرًّا، فَلَمَّا رَأَى اسْتِغْرَابَ عَائِشَةَ حِينَ سَمِعَتْهُ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ أَعْلَنَ بِهِ، كَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ عَنْ عُرْوَةَ الْمُوَافِقَةِ لِرِوَايَةِ عَمْرَةَ هَذِهِ فِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِذَلِكَ. وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تُحَدِّثُهَا فَلَا تَصْنَعُ عَائِشَةُ إِلَيْهَا شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ إِلَّا قَالَتِ الْيَهُودِيَّةُ: وَقَاكِ اللَّهُ عَذَابَ الْقَبْرِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِلْقَبْرِ عَذَابٌ؟ قَالَ: " كَذَبَتْ يَهُودُ، لَا عَذَابَ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ نِصْفَ النَّهَارِ وَهُوَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ» " فَفِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ إِنَّمَا عَلِمَ بِعَذَابِهِ بِالْمَدِينَةِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَاسْتَشْكَلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [إبراهيم: 27] (سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: الْآيَةُ 27) ، وَبِقَوْلِهِ: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46] (سُورَةُ غَافِرٍ: الْآيَةُ 46) فَإِنَّهُمَا مَكِّيَّتَانِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ إِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْآيَةِ الْأُولَى بِالْمَفْهُومِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالْإِيمَانِ، وَبِالْمَنْطُوقِ فِي الثَّانِيَةِ فِي حَقِّ آلِ فِرْعَوْنَ وَمَنِ الْتَحَقَ بِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ لَهُ حُكْمُهُمْ، فَالَّذِي أَنْكَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا هُوَ وُقُوعُ الْعَذَابِ عَلَى الْمُوَحِّدِينَ، ثُمَّ أُعْلِمُ بِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَقَعُ عَلَى مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُ، فَجَزَمَ بِهِ وَحَذَّرَ مِنْهُ، وَبَالَغَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ وَإِرْشَادًا، فَانْتَفَى التَّعَارُضُ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَفِيهِ أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ لَيْسَ خَاصًّا بِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ السُّؤَالِ فَفِيهِ خِلَافٌ. (ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ غَدَاةٍ) مِنْ إِضَافَةِ الْمُسَمَّى إِلَى اسْمِهِ أَوْ " ذَاتَ " زَائِدَةٌ (مَرْكَبًا) بِفَتْحِ الْكَافِ بِسَبَبِ مَوْتِ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 (فَخَسَفَتْ) بِفَتَحَاتٍ (الشَّمْسُ فَرَجَعَ) مِنَ الْجِنَازَةِ (ضُحًى) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ مُنَوَّنٌ؛ ارْتِفَاعُ أَوَّلِ النَّهَارِ (فَمَرَّ بَيْنَ ظَهْرَيِ) بِالتَّثْنِيَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: ظَهَرَانَيْ؛ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ عَلَى التَّثْنِيَةِ أَيْضًا (الْحُجَرِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ حُجْرَةٍ، قِيلَ: الْمُرَادُ بَيْنَ ظَهْرٍ، وَالنُّونُ وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ: الْكَلِمَةُ كُلُّهَا زَائِدَةٌ، وَالْمُرَادُ بَيْنَ الْحُجَرِ؛ أَيْ: بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ، وَكَانَتْ لَاصِقَةً بِالْمَسْجِدِ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: فَخَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْحُجَرِ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَتَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَرْكَبِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ (ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي) صَلَاةَ الْكُسُوفِ (وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ) يُصَلُّونَ (فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا) نَحْوَ الْبَقَرَةِ (ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا) يَقْرُبُ مِنَ الْقِيَامِ (ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ) بِنَحْوِ آلِ عِمْرَانَ (ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ) يَقْرُبُ مِنَ الْقِيَامِ الَّذِي قَبْلَهُ (ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ) سَجْدَتَيْنِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، فَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُطِلْ فِي الِاعْتِدَالِ بَعْدَ الرُّكُوعِ الثَّانِي، (ثُمَّ قَامَ) مِنْ سُجُودِهِ (قِيَامًا طَوِيلًا) بِنَحْوِ سُورَةِ النِّسَاءِ (وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ) الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ الثَّانِي عَلَى مُخْتَارِ الْبَاجِيِّ وَغَيْرِهِ (ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا) يَقْرُبُ مِنْ قِيَامِهِ (وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ) الَّذِي يَلِيهِ (ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا) بِنَحْوِ الْمَائِدَةِ (وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ) رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ (ثُمَّ سَجَدَ) سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ (ثُمَّ انْصَرَفَ) مِنْ صَلَاتِهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِالسَّلَامِ (فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ) مِمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْ عَائِشَةَ، وَالثَّانِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: مُنَاسَبَةُ ذَلِكَ أَنَّ ظُلْمَةَ النَّهَارِ بِالْكُسُوفِ تُشَابِهُ ظُلْمَةَ الْقَبْرِ وَإِنْ كَانَ نَهَارًا، وَالشَّيْءُ بِالشَّيْءِ يُذْكَرُ فَيُخَافُ مِنْ هَذَا كَمَا يُخَافُ مِنْ هَذَا، فَجُعِلَ الِاتِّعَاظُ بِهَذَا فِي التَّمَسُّكِ بِمَا يُنْجِي مِنْ غَائِلَةِ الْأُخْرَى، وَفِيهِ أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي قَوْلِهِ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124] (سُورَةُ طَهَ: الْآيَةُ 124) قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ، «عَنْ عَلِيٍّ: مَا زِلْنَا فِي شَكٍّ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 حَتَّى نَزَلَتْ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ - حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: 1 - 2] » (سُورَةُ التَّكَاثُرِ: الْآيَةُ 1، 2) وَقَالَ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: 101] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 101) أَنَّ إِحْدَاهُمَا فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى عَذَابُ الْقَبْرِ. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالْأَوْسِيِّ كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَسُفْيَانُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ الثَّلَاثَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 [بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا قَالَتْ «أَتَيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي فَقُلْتُ مَا لِلنَّاسِ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ فَقُلْتُ آيَةٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ نَعَمْ قَالَتْ فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ وَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ فَحَمِدَ اللَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا فَيُقَالُ لَهُ نَمْ صَالِحًا قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ»   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ. 447 - 448 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ) زَوْجَتِهِ (فَاطِمَةَ بِنْتِ) عَمِّهِ (الْمُنْذِرِ) بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ (عَنْ) جَدَّتِهِمَا لِأَبَوَيْهِمَا (أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، زَوْجِ الزُّبَيْرِ، مَاتَتْ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَقَدْ بَلَغَتِ الْمِائَةَ، وَلَمْ يَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ لَهَا عَقْلٌ (أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالسِّينِ ذَهَبَ ضَوْءُهَا كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، (فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ) لِلْكُسُوفِ (وَإِذَا هِيَ) أَيْ: عَائِشَةُ (قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟) قَائِمِينَ مُضْطَرِبِينَ فَزِعِينَ، وَفِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ (فَأَشَارَتْ) عَائِشَةُ (بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ) تَعْنِي انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ (وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَلْتُ: آيَةٌ) بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: هَذِهِ عَلَامَةٌ لِلْعَذَابِ كَأَنَّهَا مُقَدِّمَةٌ لَهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 59) أَوْ عَلَامَةٌ لِقُرْبِ زَمَانِ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَيَجُوزُ حَذْفُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَإِثْبَاتُهَا. (فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ) بِالنُّونِ وَيُرْوَى بِالْيَاءِ، وَهُمَا حَرْفُ تَفْسِيرٍ (نَعَمْ قَالَتْ:) أَسْمَاءُ (فَقُمْتُ) فِي الصَّلَاةِ (حَتَّى تَجَلَّانِي) بِفَوْقِيَّةٍ وَجِيمٍ وَلَامٍ ثَقِيلَةٍ؛ أَيْ: غَطَّانِي (الْغَشْيُ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَخِفَّةِ الْيَاءِ، وَبِكَسْرِ الشِّينِ وَشَدِّ الْيَاءِ؛ طَرَفٌ مِنَ الْإِغْمَاءِ مِنْ طُولِ تَعَبِ الْوُقُوفِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْحَالَةُ الْقَرِيبَةُ مِنْهُ فَأَطْلَقَتْهُ مَجَازًا، وَلِذَا قَالَتْ: (وَجَعَلْتُ أَصْبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ) أَيْ: فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِيَذْهَبَ، فَإِنَّ تَوَلِّيَهَا الصَّبَّ يَدُلُّ الحديث: 447 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 عَلَى أَنَّ حَوَاسَّهَا كَانَتْ مُدْرِكَةً، وَذَلِكَ لَا يُنْقِضُ الْوُضُوءَ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: إِنَّ صَبَّهَا كَانَ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْغَشْيُ مَرَضٌ يَعْرِضُ مِنْ طُولِ التَّعَبِ وَالْوُقُوفِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِغْمَاءِ إِلَّا أَنَّهُ دُونَهُ، وَلَوْ كَانَ شَدِيدًا لَكَانَ كَالْإِغْمَاءِ وَهُوَ يُنْقِضُ الْوُضُوءَ بِالْإِجْمَاعِ، (فَحَمِدَ اللَّهَ) وَلِابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَلِابْنِ يُوسُفَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) حَمِدَ اللَّهَ (وَأَثْنَى عَلَيْهِ) عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ (ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ) مِنَ الْأَشْيَاءِ ( «كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ» ) رُؤْيَةُ عَيْنٍ حَقِيقَةٌ (فِي مَقَامِي) بِفَتْحِ الْمِيمِ (هَذَا) صِفَةٌ لِمَقَامِي، وَتَعَسَّفَ مَنْ جَعَلَهُ خَبَرٌ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: هُوَ هَذَا الْمُشَارُ إِلَيْهِ (حَتَّى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ) ضُبِطَ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ فِيهِمَا كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ، فَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّ " حَتَّى " ابْتِدَائِيَّةٌ، وَ " الْجَنَّةُ " مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ؛ أَيْ: مَرْئِيَّةٌ، وَ " النَّارُ " عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهَا عَاطِفَةٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي " رَأَيْتُهُ "، وَالْجَرُّ عَلَى أَنَّهَا جَارَّةٌ أَوْ عَاطِفَةٌ عَلَى الْمَجْرُورِ السَّابِقِ وَهُوَ شَيْءٌ، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ زِيَادَةُ " مِنْ " مَعَ الْمَعْرِفَةِ، وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ، وَلِأَنَّ الْمُقَدَّرَ لَيْسَ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ، وَمُفَادُ الْإِغْيَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُمَا قَبْلُ مَعَ أَنَّهُ رَآهُمَا لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، وَهُوَ قَبْلَ الْكُسُوفِ بِزَمَانٍ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا فِي الْأَرْضِ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فِي مَقَامِي، أَوْ بِاخْتِلَافِ الرُّؤْيَةِ. ( «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ» ) تُمْتَحَنُونَ وَتُخْتَبَرُونَ (فِي الْقُبُورِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُقَالُ إِنَّهُ أُعْلِمَ بِذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، قَالَ: وَلَيْسَ الِاخْتِبَارُ فِي الْقَبْرِ بِمَنْزِلَةِ التَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَةِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِظْهَارُ الْعَمَلِ، وَإِعْلَامٌ بِالْمَآلِ وَالْعَاقِبَةِ كَاخْتِبَارِ الْحِسَابِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ وَالتَّكْلِيفَ قَدِ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ (مِثْلَ) بِلَا تَنْوِينٍ (أَوْ قَرِيبًا) بِالتَّنْوِينِ (مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) الْكَذَّابِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْفِتْنَتَيْنِ الشِّدَّةُ وَالْهَوْلُ وَالْهُمُومُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: شَبَّهَهَا بِهَا لِشَدَّتِهَا، وَعِظَمِ الْمِحْنَةِ بِهَا، وَقِلَّةِ الثَّبَاتِ مَعَهَا. قَالَتْ فَاطِمَةُ: (لَا أَدْرِي أَيَّتُهُمَا) بِتَحْتِيَّةٍ وَفَوْقِيَّةٍ؛ أَيْ: لَفْظُ مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا (قَالَتْ أَسْمَاءُ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بِتَرْكِ تَنْوِينِ " مِثْلَ " وَتَنْوِينِ " قَرِيبًا ". وَوَجْهُهُ أَنَّ أَصْلَهُ مِثْلَ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، فَحُذِفَ مَا أُضِيفَ إِلَى مِثْلَ، وَتُرِكَ عَلَى هَيْئَتِهِ قَبْلَ الْحَذْفِ، وَجَازَ الْحَذْفُ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ: بَيْنَ ذِرَاعَيْ وَجَبْهَةِ الْأَسَدِ، تَقْدِيرُهُ: بَيْنَ ذِرَاعَيِ الْأَسَدِ وَجَبْهَةِ الْأَسَدِ. وَفِي رِوَايَةٍ: بِتَرْكِ التَّنْوِينِ فِي قَرِيبًا أَيْضًا، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى فِتْنَةٍ أَيْضًا، وَإِظْهَارُ حَرْفِ الْجَرِّ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ جَائِزٌ عِنْدَ قَوْمٍ، نَقَلَهُ الْحَافِظُ عَنِ ابْنِ مَالِكٍ. وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ، عَنْ أَسْمَاءَ: «قَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ الَّتِي يُفْتَنُ فِيهَا الْمَرْءُ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَفْهَمَ آخِرَ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا سَكَتَ ضَجِيجُهُمْ قُلْتُ لِرَجُلٍ قَرِيبٍ مِنِّي: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ مَاذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ كَلَامِهِ؟ قَالَ: قَالَ: قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» . وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ أَيْضًا أَنَّهُ لَغَطَ نِسْوَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَإِنَّهَا ذَهَبَتْ لِتُسْكِتَهُنَّ، فَاسْتَفْهَمَتْ عَائِشَةُ عَمَّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْحَافِظُ: فَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهَا احْتَاجَتْ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ مَرَّتَيْنِ، وَأَنَّهَا لَمَّا حَدَّثَتْ فَاطِمَةَ لَمْ تُبَيِّنْ لَهَا الِاسْتِفْهَامَ الثَّانِيَ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الرَّجُلِ الَّذِي اسْتَفْهَمَتْ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْآنِ (يُؤْتَى أَحَدُكُمْ) قِي قَبْرِهِ، وَالْآتِي مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ، وَالْآخَرِ: النَّكِيرُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَكَذَا ابْنُ حِبَّانَ، لَكِنْ قَالَ: يُقَالُ لَهُمَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ: أَعْيُنُهُمَا مِثْلُ قُدُورِ النُّحَاسِ، وَأَنْيَابُهُمَا مِثْلُ صَيَاصِي الْبَقَرِ، وَأَصْوَاتُهُمَا مِثْلُ الرَّعْدِ، زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: يَحْفِرَانِ بِأَنْيَابِهِمَا وَيَطَآنِ فِي أَشْعَارِهِمَا مَعَهُمَا مِرْزَبَّةٌ لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ مِنًى لَمْ يُقِلُّوهَا. وَأَوْرَدَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ حَدِيثًا فِيهِ أَنَّ فِيهِمْ رُومَانُ وَهُوَ كَبِيرُهُمْ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ اسْمَ اللَّذَيْنِ يَسْأَلَانِ الْمُذْنِبَ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، وَاسْمُ اللَّذَيْنِ يَسْأَلَانِ الْمُطِيعَ بِشْرٌ وَبَشِيرٌ ( «فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ» ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (بِهَذَا الرَّجُلِ) مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ يَقُلْ: بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِئَلَّا يَصِيرَ تَلْقِينًا لِحُجَّتِهِ، قَالَ عِيَاضٌ: قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُثِّلَ لِلْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ سُمِّيَ لَهُ، انْتَهَى. أَيْ: لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَنَسٍ: فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَعَدَلَ عَنِ الْجَمْعِ فِي إِنَّكُمْ تُفْتَنُونَ إِلَى الْمُفْرَدِ فِي مَا عِلْمُكَ؛ لِأَنَّهُ تَفْصِيلٌ؛ أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ يُقَالُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ، عَنِ الْعِلْمِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ، وَكَذَا الْجَوَابُ بِخِلَافِ الْفِتْنَةِ. (فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوِ الْمُوقِنُ) أَيِ: الْمُصَدِّقُ بِنُبُوَّتِهِ (لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ) الْمُؤْمِنُ أَوِ الْمُوقِنُ (قَالَتْ أَسْمَاءُ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، بَيَّنَتْ فَاطِمَةُ أَنَّهَا شَكَّتْ هَلْ قَالَتِ: الْمُؤْمِنُ أَوِ الْمُوقِنُ؟ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ الْمُؤْمِنُ لِقَوْلِهِ: " فَآمَنَّا " دُونَ أَيْقَنَّا، وَلِقَوْلِهِ: " لَمُؤْمِنًا " ( «فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ» ) الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ (وَالْهُدَى) الدَّلَالَةِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْبُغْيَةِ، (فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا) بِحَذْفِ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ لِلْعِلْمِ بِهِ فِي الثَّلَاثَةِ؛ أَيْ: قَبْلِنَا نُبُوَّتَهُ مُصَدِّقِينَ مُتَّبِعِينَ (فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ) حَالَ كَوْنِكَ (صَالِحًا) مُنْتَفِعًا بِأَعْمَالِكَ، إِذِ الصَّلَاحُ كَوْنُ الشَّيْءِ فِي حَدِّ الِانْتِفَاعِ (قَدْ عَلِمْنَا إِنْ) بِالْكَسْرِ؛ أَيْ: لِلشَّأْنِ (كُنْتُ لَمُؤْمِنًا) وَفِي رِوَايَةِ الْأُوَيْسِيِّ: " لَمُوقِنًا " بِالْقَافِ وَاللَّامِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إِنِ الْمُخَفَّفَةِ وَبَيْنَ النَّافِيَةِ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ " إِنَّ " بِمَعْنَى مَا، وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا؛ أَيْ: مَا كُنْتُ إِلَّا مُؤْمِنًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4] (سُورَةُ الطَّارِقِ: الْآيَةُ 4) أَيْ: مَا كَلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 وَحَكَى ابْنُ التِّينِ فَتْحَ هَمْزَةِ " أَنْ " عَلَى جَعْلِهَا مَصْدَرِيَّةً؛ أَيْ: عِلْمُنَا كَوْنَكَ مُؤْمِنًا بِهِ وَرَدَّهُ بِدُخُولِ اللَّامِ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الْمَصَابِيحِ بِأَنَّ اللَّامَ إِنَّمَا تُمْنَعُ إِذَا جُعِلَتْ لَامَ ابْتِدَاءٍ عَلَى رَأْيِ سِيبَوَيْهِ وَمَنْ تَابَعَهُ، أَمَّا عَلَى رَأْيِ الْفَارِسِيِّ وَابْنِ جِنِّيٍّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلِابْتِدَاءِ اجْتُلِبَتْ لِلْفَرْقِ، فَيَسُوغُ الْفَتْحُ بَلْ يَتَعَيَّنُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: أَرَادَ بِالنَّوْمِ الْعَوْدَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ، سَمَّاهُ نَوْمًا لِمَا صَحِبَهُ مِنَ الرَّاحَةِ وَصَلَاحِ الْحَالِ، انْتَهَى. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: " «فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ نَوْمَةَ عَرُوسٍ، فَيَكُونُ فِي أَحْلَى نَوْمَةٍ نَامَهَا أَحَدٌ حَتَّى يُبْعَثَ» " وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «وَيُقَالُ لَهُ: نَمْ، فَيَنَامُ نَوْمَةَ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ» "، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا» " وَلِابْنِ حِبَّانَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: " «وَيُقَالُ لَهُ: عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ، وَعَلَيْهِ مِتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» " وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ: " «ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَيُمْلَأُ خَضِرًا إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» " وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُنَوَّرُ لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» " وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ: " «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، أَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا فِي الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ مُدَّ بَصَرِهِ» " زَادَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا، وَيُعَادُ الْجِلْدُ إِلَى مَا بَدَا مِنْهُ، وَتُجْعَلُ رُوحُهُ فِي نَسَمَةِ طَائِرٍ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ» " (وَأَمَّا الْمُنَافِقُ) مَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِقَلْبِهِ بِنُبُوَّتِهِ (أَوِ الْمُرْتَابُ) الشَّاكُّ قَالَتْ فَاطِمَةُ: (لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُرَاعُونَ الْأَلْفَاظَ فِي الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ الْإِخْبَارَ بِالْمَعَانِي فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْأَلْفَاظِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ إِذَا كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا، رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ ( «فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقَلْتُهُ» ) زَادَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: " «فَيَقُولَانِ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ» " وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ: " «لَا دَرَيْتَ وَلَا أَفْلَحْتَ، وَيَضْرِبَانِهِ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً» " وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ: " «لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا» " وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ: " «وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ دَابَّةٌ فِي قَبْرِهِ مَعَهَا سَوْطٌ تَمْرَتُهُ جَمْرَةٌ مِثْلُ عُرْفِ الْبَعِيرِ تَضْرِبُهُ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا تَسْمَعُ صَوْتَهُ فَتَرْحَمَهُ» " وَزَادَ فِي أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَائِشَةَ: " «ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ، وَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ فَإِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَكَ هَذَا وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ» " زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَيَزْدَادُ حَسْرَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 وَثُبُورًا، وَيَضِيقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ» " وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ: " «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسُمُومِهَا» " قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي الْحَدِيثِ ذَمُّ التَّقْلِيدِ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْعِلْمِ التَّامِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَرَدَّهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ مَا حُكِيَ عَنْ حَالِ الْمُجِيبِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ تَقْلِيدٌ مُعْتَبَرٌ، وَهُوَ الَّذِي لَا وَهَنَ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَلَا شَكَّ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَعْتَقِدَ كَوْنَهُ عَالِمًا وَلَوْ شَعَرَ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ كَوْنُ النَّاسِ قَالُوا: شَيْئًا فَقَالَهُ لَمْ يَحِلَّ اعْتِقَادُهُ وَرَجَعَ شَكًّا، فَعَلَى هَذَا لَا يَقُولُ الْمُعْتَقِدُ الْمُصَمِّمُ يَوْمَئِذٍ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ؛ لِأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى مَا عَاشَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ قَدْ قَرَّرْنَا أَنَّهُ لَا يَشْعُرُ بِذَلِكَ، بَلْ عِبَارَتُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِثْلُهَا هُنَا مِنَ التَّصْمِيمِ، وَبِالْحَقِيقَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلْمُصَمِّمِ أَسْبَابٌ حَمَلَتْهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْقَوْلِ، وَرُبَّمَا لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ كَمَا نَقُولُ فِي الْعُلُومِ الْعَادِيَّةِ أَسْبَابُهَا لَا تَنْضَبِطُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، عَنْ هِشَامٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 [كِتَابُ الْاسْتِسْقَاءِ] [بَاب الْعَمَلِ فِي الْاسْتِسْقَاءِ] بَاب الْعَمَلِ فِي الْاسْتِسْقَاءِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْمَازِنِيَّ يَقُولُ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صَلَاةِ الْاسْتِسْقَاءِ كَمْ هِيَ فَقَالَ رَكْعَتَانِ وَلَكِنْ يَبْدَأُ الْإِمَامُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْطُبُ قَائِمًا وَيَدْعُو وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ حِينَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَجْهَرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِالْقِرَاءَةِ وَإِذَا حَوَّلَ رِدَاءَهُ جَعَلَ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ وَالَّذِي عَلَى شِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ وَيُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ إِذَا حَوَّلَ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ وَيَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ وَهُمْ قُعُودٌ   13 - كِتَابُ الِاسْتِسْقَاءِ. 1 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ أَيِ: الدُّعَاءِ لِطَلَبِ السُّقْيَا - بِضَمِّ السِّينِ - وَهِيَ الْمَطَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ الْجَدْبُ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. 448 - 449 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ مُحَمَّدِ (بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا (أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ (ابْنَ تَمِيمِ) بْنِ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّ (الْمَازِنِيَّ) الْمَدَنِيَّ التَّابِعِيَّ، وَيُقَالُ لَهُ رُؤْيَةٌ (يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ) بْنِ عَاصِمِ بْنِ كَعْبٍ (الْمَازِنِيَّ) مَازِنُ الْأَنْصَارِ صَاحِبُ حَدِيثِ الْوُضُوءِ، لَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ صَاحِبِ رُؤْيَا الْأَذَانِ كَمَا زَعَمَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَقَدْ وَهَّمَهُ الْبُخَارِيُّ ( «يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمُصَلَّى» ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّوَاضُعِ، وَأَوْسَعُ لِلنَّاسِ (فَاسْتَسْقَى) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ حِبَّانَ، زَادَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِإِسْنَادِهِ: وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَأَنَّهَا رَكْعَتَانِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالنَّخَعِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ: لَا يُصَلَّى لَهُ، وَإِنَّمَا فِيهِ بُرُوزٌ لِلدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ مَالِكًا وَنَحْوَهُ لَمْ يَرَوُا الصَّلَاةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَيْسَ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ رَوَاهَا، فَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ وَحَفِظَ، قَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ وَالْبُرُوزِ عَنِ الْمِصْرِ وَالضَّرَاعَةِ فِي نُزُولِ الْغَيْثِ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ (وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ) وَكَانَ طُولُهُ سِتَّةَ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ثَلَاثَةٍ، وَطُولُ إِزَارِهِ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَشِبْرَيْنِ فِي ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرٍ، كَانَ يَلْبَسُهُمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ. وَفِي شَرْحِ الْأَحْكَامِ لِابْنِ بَزِيزَةَ: دِرْعُ الرِّدَاءِ كَالَّذِي ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي ذَرْعِ الْإِزَارِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ) أَفَادَ أَنَّ الحديث: 448 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 التَّحْوِيلَ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ إِرَادَةِ الدُّعَاءِ. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادٍ: «فَقَامَ فَدَعَا اللَّهَ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَ الْقِبْلَةِ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ» . وَاخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ هَذَا التَّحْوِيلِ، فَجَزَمَ الْمُهَلَّبُ بِأَنَّهُ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْفَأْلِ أَنْ لَا يُقْصَدَ إِلَيْهِ، قَالَ: وَإِنَّمَا التَّحْوِيلُ أَمَارَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، قِيلَ لَهُ: حَوِّلْ رِدَاءَكَ لِيَتَحَوَّلَ حَالُكَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مَا جَزَمَ بِهِ يَحْتَاجُ لِنَقْلٍ، وَمَا رَدَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ، وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِالظَّنِّ. وَقِيلَ: إِنَّمَا حَوَّلَهُ لِيَكُونَ أَثْبَتَ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، فَلَا يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِي كُلِّ حَالٍ، وَرَدَ بِأَنَّ التَّحْوِيلَ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ لَا يَقْتَضِي الثُّبُوتَ عَلَى الْعَاتِقِ، فَالْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ، فَالِاتِّبَاعُ أَوْلَى مِنْ مُجَرَّدِ احْتِمَالِ الْخُصُوصِ، وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرِقِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَلَى سَبَبِ خُرُوجِهِ، وَلَا عَلَى صِفَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَ الذَّهَابِ إِلَى الْمُصَلَّى، وَلَا عَلَى وَقْتِ ذَهَابِهِ، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بْنِ حِبَّانَ: " «شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَحْطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ وُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، فَخَرَجَ حِينَ بَدَأَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ» " الْحَدِيثَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ: " «فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا، حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ» "، وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ: " «قَحَطَ الْمَطَرُ فَسَأَلْنَا نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَنَا، فَغَدَا نَبِيُّ اللَّهِ» " الْحَدِيثَ، ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِنَحْوِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ كَمْ هِيَ؟ فَقَالَ: رَكْعَتَانِ) كَمَا صَحَّ فِي الْأَحَادِيثِ (وَلَكِنْ يَبْدَأُ الْإِمَامُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ حَيْثُ قَالَ: «فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ» . وَقِيلَ: بِتَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقَيْنِ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَمَالِكٌ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيُعَضِّدُهُ مُشَابَهَتُهُمَا بِالْعِيدِ، وَكَذَا مَا تَقَرَّرَ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ أَمَامَ الْحَاجَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ مُخْتَلَفِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِالدُّعَاءِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَطَبَ فَاقْتَصَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَلَى شَيْءٍ وَبَعْضُهُمْ عَلَى شَيْءٍ. (فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) وَهُوَ إِجْمَاعٌ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِالصَّلَاةِ وَبِكَوْنِهَا فِي الْمُصَلَّى (ثُمَّ يَخْطُبُ قَائِمًا) خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي أَنَّهَا وَاحِدَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 (وَيَدْعُو) قَائِمًا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: حِكْمَتُهُ كَوْنُهُ حَالَ خُشُوعٍ وَإِنَابَةٍ فَنَاسَبَهُ الْقِيَامُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْقِيَامُ شِعَارُ الِاعْتِنَاءِ وَالِاهْتِمَامِ، وَالدُّعَاءُ أَهَمُّ أَعْمَالِ الِاسْتِسْقَاءِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي لَهُمْ، فَقَامَ فَدَعَا اللَّهَ قَائِمًا ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ فَسُقُوا» " (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) إِذَا فَرَغَ مِنَ الْخُطْبَةِ؛ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَى عَلِيٌّ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ وَاخْتَارَهُ أَصْبَغُ، وَحَمَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الِاسْتِقْبَالَ عَلَى حَالَةِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِدُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ: ( «وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ حِينَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَجْهَرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِالْقِرَاءَةِ» ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ؛ أَيْ: إِجْمَاعَ مَنْ قَالَ بِالصَّلَاةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرِقِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ صِفَةُ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَقْرَأُ فِيهَا، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِيهِمَا سَبْعًا وَخَمْسًا كَالْعِيدِ، وَأَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ " سَبِّحِ " وَ " هَلْ أَتَاكَ "، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، لَكِنْ أَصْلُهُ فِي السُّنَنِ بِلَفْظِ: ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ، فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: يُكَبِّرُ فِيهِمَا، انْتَهَى. وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ مَالِكٌ لِضَعْفِ الرِّوَايَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالتَّكْبِيرِ، وَلِمَا يَطْرُقُ الثَّانِيَةُ مِنِ احْتِمَالِ نَقْصِ التَّشْبِيهِ. ( «وَإِذَا حَوَّلَ رِدَاءَهُ جَعَلَ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ وَالَّذِي عَلَى شِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ» ) كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بِلَفْظِ: «فَجَعَلَ عِطِافَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَعِطَافَهُ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ» ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّحْوِيلِ فَقَطْ بِلَا تَنْكِيسٍ، وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ: " «اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلُهُ أَعْلَاهَا، فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ» " إِذْ مَفْهُومُهُ لَوْ لَمْ تَثْقُلْ عَلَيْهِ لَنَكَّسَ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِذَلِكَ الْجُمْهُورُ لِانْفِرَادِ رَاوِيهَا بِهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ زَيْدٍ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ لَا يُسْتَحَبُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. ( «وَيُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ إِذَا حَوَّلَ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ» ) لِمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ: " وَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " (وَيَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ وَهُمْ قُعُودٌ) وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ: يُحَوِّلُ الْإِمَامُ وَحْدَهُ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ النِّسَاءَ فَقَالَ: لَا يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِنَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْاسْتِسْقَاءِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَسْقَى قَالَ اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهِيمَتَكَ وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ»   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ أَيْ: دُعَائِهِ. 449 - 450 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ شُعَيْبِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، تَابِعِيٌّ صَدُوقٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ) رَوَاهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرٍو مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ آخَرُونَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُسْنَدًا مِنْهُمُ الثَّوْرِيُّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «كَانَ إِذَا اسْتَسْقَى قَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهِيمَتَكَ» ) كُلُّ ذَاتِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ وَكُلُّ حَيَوَانٍ لَا يُمَيِّزُ، وَفِي إِضَافَتِهِمَا إِلَيْهِ تَعَالَى مَزِيدًا لِاسْتِعْطَافٍ، فَالْعِبَادُ كَالسَّبَبِ لِلسَّقْيِ وَالْبَهِيمَةُ تُرْحَمُ فَتُسْقَى، وَفِي خَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ: «لَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ تُمْطَرُوا» ( «وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ» ) ابْسُطْ مَطَرَكَ وَمَنَافِعَهُ (عَلَى عِبَادِكَ) تَلْمِيحٌ بِقَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى: 28] (سُورَةُ الشُّورَى: الْآيَةُ 28) ( «وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ» ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ؛ لَا نَبَاتَ بِهِ كَمَا قُلْتَ: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [ق: 11] (سُورَةُ ق: الْآيَةُ 11) قَالَ الطِّيبِيُّ: يُرِيدُ بِهِ بَعْضَ الْبِلَادِ الْمُبْعَدِينَ عَنْ مَظَانِّ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَنْبُتُ فِيهِ عُشْبٌ لِلْجَدْبِ، فَسَمَّاهُ مَيْتًا عَلَى الِاسْتِعَارَةِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ. وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: " «وَاسْقِهِ مَنْ خَلَقْتَ أَنْعَامًا وَأُنَاسِيَّ كَثِيرًا» ". الحديث: 449 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَوَاشِي وَتَقَطَّعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُطِرْنَا مِنْ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ وَهَلَكَتْ الْمَوَاشِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ ظُهُورَ الْجِبَالِ وَالْآكَامِ وَبُطُونَ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتَ الشَّجَرِ قَالَ فَانْجَابَتْ عَنْ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ» قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْاسْتِسْقَاءِ وَأَدْرَكَ الْخُطْبَةَ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي بَيْتِهِ إِذَا رَجَعَ قَالَ مَالِكٌ هُوَ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ إِنْ شَاءَ فَعَلَ أَوْ تَرَكَ   450 - 451 - (مَالِكٌ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْمَدَنِيِّ، صَدُوقٌ يُخْطِئُ، مَاتَ فِي حُدُودِ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَفِي التَّمْهِيدِ: صَالِحُ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي عِدَادِ الشُّيُوخِ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، لِمَالِكٍ عَنْهُ حَدِيثَانِ. (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَرَوَى أَحْمَدُ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ: مَا يُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ هَذَا الْمُبْهَمَ بِأَنَّهُ كَعْبُ الْمَذْكُورُ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ مُرْسَلًا: مَا يُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِأَنَّهُ خَارِجَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، لَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ الحديث: 450 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ مُرَّةَ: يَا كَعْبُ حَدِّثْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا» ، فَفِي هَذَا أَنَّهُ غَيْرُ كَعْبٍ. وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَعْرَابِيٌّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسٍ: " «أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ» " وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ قَوْلَ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ سَأَلُوا بَعْدَ أَنْ سَأَلَ الرَّجُلُ أَوْ نُسِبَ إِلَيْهِمْ لِمُوَافَقَةِ سُؤَالِ السَّائِلِ مَا كَانُوا يُرِيدُونَهُ مِنْ دُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِأَحْمَدَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: إِذْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي وَاقِعَةٍ أُخْرَى قَبْلَ إِسْلَامِهِ، وَيَنْفِي زَعْمَهُ قَوْلُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيْ: لِأَنَّهُ لَا يَقُولُهَا قَبْلَ إِسْلَامِهِ. (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ» " ( «فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْمَوَاشِي» ) لِعَدَمِ وُجُودِ مَا تَعِيشُ بِهِ مِنَ الْأَقْوَاتِ لِحَبْسِ الْمَطَرِ، وَفِي رِوَايَةٍ: الْأَمْوَالُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمَوَاشِي لَا الصَّامِتُ، وَفِي لَفْظِ: الْكُرَاعُ - بِضَمِّ الْكَافِ - الْخَيْلُ وَغَيْرُهَا، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: «هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ، هَلَكَ الْعِيَالُ، هَلَكَ النَّاسُ» ، وَهُوَ مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ. (وَتَقَطَّعَتْ) بِفَوْقِيَّةٍ وَشَدِّ الطَّاءِ (السُّبُلُ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ سَبِيلٍ الطُّرُقُ؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ ضَعُفَتْ لِقِلَّةِ الْقُوتِ عَنِ السَّفَرِ، أَوْ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ فِي طَرِيقِهَا مِنَ الْكَلَأِ مَا يُقِيمُ أَوْدَهَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ نَفَادُ مَا عِنْدَ النَّاسِ مِنَ الطَّعَامِ أَوْ قِلَّتِهِ فَلَا يَجِدُونَ مَا يَحْمِلُونَهُ إِلَى الْأَسْوَاقِ. وَفِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: قَحَطَ الْمَطَرُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ، وَحُكِيَ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ. وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ: وَاحْمَرَّ الشَّجَرُ، كِنَايَةً عَنْ يَبْسِ وَرَقِهَا لِعَدَمِ شُرْبِهَا الْمَاءَ أَوْ لِانْتِثَارِهِ فَيَصِيرُ الشَّجَرُ أَعْوَادًا بِلَا وَرَقٍ. وَلِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ: وَأَمْحَلَتِ الْأَرْضُ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّجُلَ قَالَهَا كُلَّهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ رَوَى شَيْئًا مِمَّا قَالَهُ بِالْمَعْنَى، فَإِنَّهَا مُتَقَارِبَةٌ فَلَا يَكُونُ غَلَطًا كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ. (فَادْعُ اللَّهَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ: يُغِثْنَا، وَفِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ: أَنْ يَسْقِيَنَا، وَفِي أُخْرَى: فَاسْتَسْقِ رَبَّكَ. (فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جَعْفَرٍ: " «فَرَفَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» " ( «فَمُطِرْنَا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ» ) قَالَ أَنَسٌ: " «وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سِلَعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلَ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا» " وَفِي رِوَايَةٍ: «فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا» " وَفِي مُسْلِمٍ: " «فَأُمْطِرْنَا حَتَّى رَأَيْتُ الرَّجُلَ تَهُمُّهُ نَفْسُهُ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ» "، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ: " «حَتَّى أَهَمَّ الشَّابُّ الْقَرِيبُ الدَّارِ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ» " (قَالَ: فَجَاءَ) رَجُلٌ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ النَّكِرَةَ إِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 تَكَرَّرَتْ دَلَّتْ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَقَدْ قَالَ شَرِيكٌ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ: سَأَلْتُ أَنَسًا أَهْوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالتَّغَايُرِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ؛ لِأَنَّ أَنَسًا مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ. وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَشُكُّ فِيهِ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسٍ: فَجَاءَ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمِثْلُهُ لِأَبِي عِوَانَةَ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظٍ: «فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى جَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» ، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْجَزْمُ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ، فَلَعَلَّ أَنَسًا كَانَ يَتَرَدَّدُ تَارَةً، وَيَجْزِمُ أُخْرَى بِاعْتِبَارِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ. ( «فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ» ) مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ (وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ) لِتَعَذُّرِ سُلُوكِ الطَّرِيقِ مِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ فَهُوَ سَبَبٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ: هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ؛ أَيْ: لِكَثْرَةِ الْمَاءِ انْقَطَعَ الْمَرْعَى. (وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي) مِنْ عَدَمِ الْمَرْعَى أَوْ لِعَدَمِ مَا يُكِنُّهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: مِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: «وَاحْتَبَسَ الرُّكْبَانُ» ، وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ: «هُدِمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ» . «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ» ) أَيْ: يَا اللَّهُ أَنْزِلِ الْمَطَرَ (ظُهُورَ الْجِبَالِ) أَيْ: عَلَى ظُهُورٍ؛ فَنُصِبَ تَوَسُّعًا، وَقَدْ رَوَاهُ الْقِنِّيسِيُّ وَالْأَوْسِيُّ بِلَفْظٍ عَلَى (وَالْإِكَامَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَقَدْ تُفْتَحُ وَتُمَدُّ؛ جَمْعُ أَكَمَةٍ بِفَتَحَاتٍ، قَالَ ابْنُ الْبَرْقِيِّ: وَهُوَ التُّرَابُ الْمُجْتَمِعُ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْكُدْيَةِ، وَقَالَ الْقَزَّازُ: هِيَ الَّتِي مِنْ حَجَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هِيَ الْهَضْبَةُ الضَّخْمَةُ، وَقِيلَ: الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَقِيلَ: مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ، وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ: الْأَكَمَةُ أَعْلَى مِنَ الرَّابِيَةِ، (وَبُطُونَ الْأَوْدِيَةِ) أَيْ: مَا يَتَحَصَّلُ فِيهِ الْمَاءُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ، قَالُوا: وَلَمْ يُسْمَعْ أَفْعَلَةَ جَمْعِ فَاعِلٍ إِلَّا أَوْدِيَةً جَمْعُ وَادٍ وَفِيهِ نَظَرٌ. (وَمَنَابِتَ الشَّجَرِ) جَمْعُ مَنْبَتٍ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ؛ أَيْ: مَا حَوْلَهَا مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَنْبُتَ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْمَنْبَتِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْمَطَرُ، زَادَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ: وَرُءُوسَ الْجِبَالِ، فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ: " «فَرَفَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» " (قَالَ) أَنَسٌ: (فَانْجَابَتْ) بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ ( «عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ» ) أَيْ: خَرَجَتْ عَنْهَا كَمَا يُخْرَجُ الثَّوْبُ عَنْ لَابِسِهِ، وَفِي الْمُنْتَقَى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهُ تَدَوَّرَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ كَمَا يَدُورُ جَيْبُ الْقَمِيصِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي تَقَطَّعَتْ عَنْهَا كَمَا يُقْطَّعُ الثَّوْبُ الْخَلَقُ. انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ: «فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَكَلَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 تَمَزَّقَ السَّحَابُ حَتَّى مَا نَرَى مِنْهُ شَيْئً ا» ؛ أَيْ: فِي الْمَدِينَةِ، وَلِمُسْلِمٍ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَمَزَّقُ كَأَنَّهُ الْمُلَاءَيْنِ يُطْوَى - بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْقَصْرِ - وَقَدْ يَمُدُّ جَمْعَ مُلَاءَةٍ ثَوْبٌ مَعْرُوفٌ. وَلِلْبُخَارِيِّ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحَابَ يَقْتَطِعُ يَمِينًا وَشِمَالًا، يُمْطَرُونَ؛ أَيْ: أَهْلِ النَّوَاحِي وَلَا يُمْطَرُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. وَلَهُ أَيْضًا: فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَصَدَّعُ عَنِ الْمَدِينَةِ يُرِيهِمُ اللَّهُ كَرَامَةَ نَبِيِّهِ وَإِجَابَةَ دَعْوَتِهِ. وَلَهُ أَيْضًا: فَتَكَشَّطَتْ فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَلَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ بَقَاءَ الْمَطَرِ فِيمَا سِوَاهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِعِ الْإِهْلَاكُ وَلَا الْقَطْعُ وَهُوَ خِلَافٌ مَطْلُوبُ السَّائِلِ بِقَوْلِهِ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ فِيمَا حَوْلَهَا مِنْ أَكَامٍ وَظِرَابٍ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ لَا فِي الطَّرِيقِ الْمَسْلُوكَةِ وَلَا الْبُيُوتِ، وَوُقُوعُ الْمَطَرِ فِي بُقْعَةٍ دُونَ بُقْعَةٍ كَثِيرٌ وَلَوْ كَانَتْ تُجَاوِرُهَا، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُوجَدَ لِلْمَوَاشِي أَمَاكِنٌ تُكِنُّهَا وَتُرْعَى فِيهَا بِحَيْثُ لَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ الْمَطَرُ. وَفِيهِ الْأَدَبُ فِي الدُّعَاءِ حَيْثُ لَمْ يَدْعُ بِرَفْعِ الْمَطَرِ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى اسْتِمْرَارِهِ، فَاحْتَرَزَ فِيهِ بِمَا يَقْضِي رَفْعَ الضَّرَرِ وَإِبْقَاءِ النَّفْعِ، وَمِنْهُ اسْتُنْبِطَ أَنَّ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِنِعْمَةٍ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُسْخِطَهَا لِعَارِضٍ يَعْرِضُ فِيهَا، بَلْ يَسْأَلُ اللَّهَ رَفْعَ الْعَارِضِ، وَإِبْقَاءِ النِّعْمَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الدُّعَاءَ يَرْفَعُ الضُّرَّ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ وَإِنْ كَانَ مَقَامُ الْأَفْضَلِ التَّفْوِيضَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَالِمًا بِمَا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الْجَدْبِ وَآخِرُ السُّؤَالِ تَفْوِيضًا لِرَبِّهِ، ثُمَّ أَجَابَهُمْ بِمَا سَأَلُوهُ بَيَانًا لِلْجِوَارِ وَتَقْرِيرًا لِسُنَّةِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْخَاصَّةِ، أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ، وَفِيهِ قِيَامُ الْوَاحِدِ بِأَمْرِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ لِسُلُوكِهِمُ الْأَدَبَ بِالتَّسْلِيمِ وَتَرْكِ الِابْتِدَاءِ بِالسُّؤَالِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَنَسٍ: كَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنَ الْبَادِيَةِ فَيَسْأَلُهُ، وَفِيهِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فِي إِجَابَةِ دُعَائِهِ عَقِبَهُ أَوْ مَعَهُ ابْتِدَاءً فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَانْتِهَاءً فِي الِاسْتِصْحَاءِ وَامْتِثَالُ السَّحَابِ أَمْرَهُ بِمُجَرَّدِ الْإِشَارَةِ، وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ عَنْ شُيُوخِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَإِسْمَاعِيلَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ نَحْوُهُ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ وَأَدْرَكَ الْخُطْبَةَ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَفِي بَيْتِهِ إِذَا رَجَعَ قَالَ مَالِكٌ) أَعَادَهُ لِيَفْصِلَ بَيْنَ التَّصْوِيرِ وَالْحُكْمِ (هُوَ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ) بِالْفَتْحِ فُسْحَةٌ (إِنْ شَاءَ فَعَلَ أَوْ تَرَكَ) إِذَنْ شَأْنُ النَّوَافِلِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 [بَاب الْاسْتِمْطَارِ بِالنُّجُومِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ»   3 - بَابُ الِاسْتِمْطَارِ بِالنُّجُومِ 451 - 452 - (مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ تَقَدَّمَ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ (ابْنِ مَسْعُودٍ) أَحَدِ الْفُقَهَاءِ (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ، وَفَتْحِ الْهَاءِ هَكَذَا يَقُولُ صَالِحٌ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ فِيهِ، وَخَالَفَهُ الزُّهْرِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ شَيْخِهِمَا (عُبَيْدِ اللَّهِ) فَقَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَقِبَ رِوَايَةِ صَالِحٍ فَصَحَّحَ الطَّرِيقَ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ سَمِعَ مِنْ زَيْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ جَمِيعًا عِدَّةَ أَحَادِيثَ، مِنْهَا حَدِيثُ الْعَسِيفِ وَحَدِيثُ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ، فَلَعَلَّهُ سَمِعَ هَذَا مِنْهُمَا فَحَدَّثَ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا، وَتَارَةً عَنْ هَذَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْمَعْهُمَا لِاخْتِلَافِ لَفْظِهِمَا، وَقَدْ صَرَّحَ صَالِحٌ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ (أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: لِأَجْلِنَا، وَاللَّامُ بِمَعْنَى الْبَاءِ؛ أَيْ: صَلَّى بِنَا وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ ذَلِكَ مَجَازًا وَإِنَّمَا الصَّلَاةُ لِلَّهِ تَعَالَى (صَلَاةُ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالتَّصْغِيرِ مُخَفَّفَةُ الْيَاءِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مُشَدَّدَةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ، يُقَالُ: سُمِّيَتْ بِشَجَرَةٍ حَدْبَاءَ كَانَتْ هُنَاكَ، وَكَانَ تَحْتَهَا بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ (عَلَى إِثْرِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَا يَعْقِبُ الشَّيْءَ؛ أَيْ: عَلَى عَقِبِ (سَمَاءٍ) أيْ: مَطَرٍ وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا سَمَاءً لِنُزُولِهَا مِنْ جِهَةِ السَّمَاءِ، وَكُلُّ جِهَةِ عُلُوٍّ يُسَمَّى سَمَاءً (كَانَتِ) السَّمَاءُ (مِنَ اللَّيْلِ) بِالْجَمْعِ لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةٍ مِنَ اللَّيْلَةِ بِالْإِفْرَادِ (فَلَمَّا انْصَرَفَ) مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ مِنْ مَكَانِهِ (أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ) بِوَجْهِهِ الْوَجِيهِ (فَقَالَ) لَهُمْ (أَتَدْرُونَ) وَلِأُوَيْسِيٍّ هَلْ تَدْرُونَ؟ (مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ) بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ وَمَعْنَاهُ التَّنْبِيهُ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، عَنْ صَالِحٍ: «أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ رَبُّكُمُ اللَّيْلَةَ» ؟ (قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) فِيهِ طَرْحُ الْإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُدْرَكُ إِلَّا بِدِقَّةِ نَظَرٍ، وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّ لِلْوَلِيِّ الْمُتَمَكِّنِ مِنَ النَّظَرِ فِي الْإِشَارَاتِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عِبَارَاتٍ يَنْسُبُهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنِ اسْتِفْهَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحَابَةَ وَحَمَلَ الِاسْتِفْهَامَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، لَكِنَّهُمْ فَهِمُوا خِلَافَ ذَلِكَ؛ وَلِذَا لَمْ يُجِيبُوا إِلَّا بِتَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ؛ قَالَهُ الْحَافِظُ. (قَالَ: قَالَ) رَبُّكُمْ وَهَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الحديث: 451 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 الْإِلَهِيَّةِ وَهِيَ تَحْتَمِلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ بِوَاسِطَةٍ (أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي) إِضَافَةُ تَعْمِيمٍ بِدَلِيلِ تَقْسِيمِهِ لِمُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] (سُورَةُ الْحِجْرِ: الْآيَةُ 42) فَإِضَافَةُ تَشْرِيفٍ ( «مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي» ) كُفْرُ إِشْرَاكٍ لِمُقَابَلَتِهِ بِالْإِيمَانِ أَوْ كُفْرُ نِعْمَةٍ لِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ اللَّهُ: " مَا «أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ» " ( «فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ» ) بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِالْكَوَاكِبِ؛ بِالْجَمْعِ. ( «وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ» ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَالْهَمْزِ؛ أَيْ: بِكَوْكَبِ (كَذَا وَكَذَا) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ: «مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْمِجْدَحِ» ؛ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِّ وَمُهْمَلَةٍ، وَيُقَالُ: بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَهُوَ الدَّبَرَانُ - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ - قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاسْتِدْبَارِهِ الثُّرَيَّا وَهُوَ نَجْمٌ أَحْمَرُ مُنِيرٌ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: النَّوْءُ سُقُوطُ نَجْمٍ فِي الْمَغْرِبِ مِنَ النُّجُومِ الثَّمَانِيَةِ وَعِشْرِينَ الَّتِي هِيَ مَنَازِلُ الْقَمَرِ، مِنْ نَاءَ إِذَا سَقَطَ. وَقَالَ آخَرُونَ: النَّوْءُ طُلُوعُ نَجْمٍ مِنْهَا، مِنْ نَاءَ إِذَا نَهَضَ، وَلَا خُلْفَ بَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ نَجْمٍ مِنْهَا إِذَا طَلَعَ فِي الشَّرْقِ طَلَعَ آخَرُ فِي الْمَغْرِبِ إِلَى انْتِهَاءِ الثَّمَانِيَةِ وَعِشْرِينَ، وَكُلٌّ مِنَ النُّجُومِ الْمَذْكُورَةِ نَوْءٌ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهَا أَحْمَرُ وَأَغْزَرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَنَوْءُ الدَّبَرَانِ لَا يُحْمَدُ عِنْدَهُمُ، انْتَهَى. فَكَأَنَّ ذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ تَنْبِيهًا عَلَى مُبَالَغَتِهِمْ فِي نِسْبَةِ الْمَطَرِ إِلَى النَّوْءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَحْمُودًا أَوِ اتَّفَقَ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمَطَرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِنْ كَانَتِ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً، وَفِي مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ: أَنَّ الْقَائِلَ ذَلِكَ الْوَقْتُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ الشِّعْرَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ ( «فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ كُفْرُ الشِّرْكِ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِالْإِيمَانِ، وَلِأَحْمَدَ عَنْ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيِّ مَرْفُوعًا: " «يَكُونُ النَّاسُ مُجْدَبِينَ فَيُنْزِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِزْقًا مِنْ رِزْقِهِ فَيُصْبِحُونَ مُشْرِكِينَ يَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا» ) وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَيُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ عَنْ صَالِحٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرِهِمَا: " «فَأَمَّا مَنْ حَمِدَنِي عَلَى سُقْيَايَ وَأَثْنَى عَلَيَّ فَذَاكَ آمَنَ بِي» " وَقَالَ فِي آخِرِهِ: " «وَكَفَرَ بِي أَوْ كَفَرَ نِعْمَتِى» " وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «قَالَ اللَّهُ: مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ» " وَلَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ» " وَعَلَى الْأَوَّلِ حَمَلَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَعْلَاهُمْ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي الْأُمِّ: مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا؛ عَلَى مَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الشِّرْكِ يَعْنُونَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَطَرِ إِلَى أَنَّهُ مَطَرُ نَوْءِ كَذَا، فَذَلِكَ كُفْرٌ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ النَّوْءَ وَقْتٌ وَالْوَقْتُ مَخْلُوقٌ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ شَيْئًا، وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا عَلَى مَعْنَى مُطِرْنَا فِي وَقْتِ كَذَا فَلَا يَكُونُ كُفْرًا، وَغَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ؛ يَعْنِي حَسْمًا لِلْمَادَّةِ، وَكَانُوا يَظُنُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ نُزُولَ الْغَيْثِ بِوَاسِطَةِ النَّوْءِ إِمَّا بِصُنْعِهِ عَلَى زَعْمِهِمْ وَإِمَّا بِعَلَامَةٍ فَأَبْطَلَهُ الشَّرْعُ وَجَعَلَهُ كُفْرًا، وَإِنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 اعْتُقِدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ التَّجْرِبَةِ فَلَيْسَ بِكُفْرٍ، لَكِنْ تَجُوزُ فِي إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ وَإِرَادَةِ كُفْرِ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طَوْقِ الْحَدِيثِ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالشُّكْرِ وَاسِطَةٌ فَيُحْمَلُ الْكُفْرُ فِيهِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ لِيَتَنَاوَلَ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا يُرَدُّ السَّاكِتُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقِدَ قَدْ يَشْكُرُ بِقَلْبِهِ أَوْ يَكْفُرُ، فَعَلَى هَذَا لِقَوْلِهِ: " فَأَمَّا مَنْ قَالَ " لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ النُّطْقِ وَالِاعْتِقَادِ كَمَا أَنَّ الْكُفْرَ أَعَمُّ مِنْ كُفْرِ الشِّرْكِ وَكُفْرِ النِّعْمَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَدْخَلَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَنْتَظِرُ السُّقْيَا فِي الْأَنْوَاءِ فَقَطَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالْكَوَاكِبِ. الثَّانِي: أَنَّ النَّاسَ أَصَابَهُمُ الْقَحْطُ فِي زَمَانِ عُمَرَ فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: كَمْ بَقِيَ مِنْ أَنْوَاءِ الثُّرَيَّا؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: زَعَمُوا أَنَّهَا تَعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ سَبْعًا فَمَا مَرَّتْ حَتَّى نَزَلَ الْمَطَرُ، فَانْظُرْ إِلَى عُمَرَ وَالْعَبَّاسِ وَقَدْ ذَكَرَا الثُّرَيَّا وَنَوْءَهَا وَتَوَقَّعَا ذَلِكَ فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ مَنِ انْتَظَرَ الْمَطَرَ مِنَ الْأَنْوَاءِ عَلَى أَنَّهَا فَاعِلَةٌ لَهُ دُونَ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهَا فَاعِلَةٌ بِمَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا فَهُوَ كَافِرٌ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ إِلَّا لِلَّهِ كَمَا قَالَ: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 54) وَمَنِ انْتَظَرَهَا وَتَوَكَّفَ الْمَطَرَ مِنْهَا عَلَى أَنَّهَا عَادَةٌ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَجْرَى الْعَوَائِدَ فِي السَّحَابِ وَالرِّيَاحِ وَالْأَمْطَارِ لِمَعَانٍ تَتَرَتَّبُ فِي الْخِلْقَةِ وَجَاءَتْ عَلَى نَسَقٍ فِي الْعَادَةِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ نَحْوَ تَفْصِيلِهِ الْبَاجِيِّ وَزَادَ أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ لَا يُكَفِّرُ فِي الثَّالِثِ لَا يَجُورُ إِطْلَاقُ هَذَا اللَّفْظِ بِوَجْهٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ مَا ذَكَرَ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِمَنْعِهِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِيهَامِ السَّامِعِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ عَنْ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ كِلَاهُمَا عَنْ صَالِحٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ   451 - 453 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ بِوَجْهٍ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ إِلَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إِذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ اسْتَحَالَتْ شَامِيَّةً فَهُوَ أَمْطَرُ لَهَا» "، قَالَ: وَابْنُ أَبِي يَحْيَى وَإِسْحَاقُ ضَعِيفَانِ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا (كَانَ يَقُولُ: إِذَا أَنْشَأَتْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ؛ أَيْ: ظَهَرَتْ سَحَابَةٌ (بَحْرِيَّةً) أَيْ: مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِ، وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ الْغَرْبُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِالنَّصْبِ كَمَا أَفَادَهُ أَبُو عُمَرَ؛ أَيْ: عَلَى الْحَالِ (ثُمَّ تَشَاءَمَتْ) أَيْ: أَخَذَتْ نَحْوَ الشَّامِ، وَالشَّامُ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي نَاحِيَةِ الشَّمَالِ، يَعْنِي إِذَا مَالَتِ السَّحَابَةُ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ إِلَى الشَّمَالِ دَلَّتْ عَلَى الْمَطَرِ الْغَزِيرِ وَلَا تَمِيلُ كَذَلِكَ إِلَّا الرِّيحُ النَّكْبَا الَّتِي بَيْنَ الْغَرْبِ وَالْجَنُوبِ. (فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ) بِالتَّنْوِينِ فِيهِمَا مُصَغَّرُ غَدِقَةٍ قَالَ تَعَالَى: {مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16] (سُورَةُ الْجِنِّ: الْآيَةُ 16) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 أَيْ: كَثِيرًا، اهـ كَلَامُ أَبِي عُمَرَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهُ إِذَا ضَرَبَتْ رِيحٌ بَحْرِيَّةٌ فَأَنْشَأَتْ سَحَابًا، ثُمَّ ضَرَبَتْ رِيحٌ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّمَالِ فَتِلْكَ عَلَامَةُ الْمَطَرِ الْغَزِيرِ، وَالْعَيْنُ: مَطَرُ أَيَّامٍ لَا يَقْلَعُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: مَعْنَاهُ كَمَا يَقُولُ مِنَ الْعَيْنِ، قَالَ: وَأَهْلُ بَلَدِنَا يَرْوُونَ غُدَيْقَةً بِالتَّصْغِيرِ، وَقَرَأَهُ لَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ وَضَبَطَهُ لِي بِخَطِّ يَدِهِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ، وَهَكَذَا حَدَّثَنِي بِهِ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَتَّانِيِّ قَالَ: وَأَدْخَلَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ إِثْرَ الْأَوَّلِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَهُ الْقَائِلُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، كَمَا لَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَلَدٍ أَنْ تُمْطِرَ بِالرِّيحِ الْغَرْبِيَّةِ وَآخَرُ بِالرِّيحِ الشَّرْقِيَّةِ مَعَ اعْتِقَادٍ أَنَّ الرِّيحَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِيهِ وَلَا سَبْقَ، وَإِنَّمَا اللَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ لِمَا يَشَاءُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ وَقَدْ مُطِرَ النَّاسُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2]   451 - 454 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا أَصْبَحَ وَقَدْ مُطِرَ النَّاسُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ) أَيْ: فَتَحَ رَبُّنَا عَلَيْنَا فَاسْتُعْمِلَ النَّوْءُ فِي الْفَتْحِ الْإِلَهِيِّ لِلْإِشَارَةِ إِلَى رَدِّ مُعْتَقَدِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ إِسْنَادِهِ لِلْكَوَاكِبِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذَا لَمْ تَعْدِلُوا عَنْ لَفْظِ نَوْءٍ فَأَضِيفُوهُ إِلَى الْفَتْحِ. (ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: " {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} [فاطر: 2] مَطَرٍ وَرِزْقٍ {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2] أَيْ: لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْهُمْ {وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] فَكَيْفَ يَصِحُّ إِضَافَتُهُ لِلْأَنْوَاءِ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ؟ وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ مَنْ أَضَافَ الْمَطَرَ إِلَى فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ بِلَا سَبَبٍ وَلَا تَأْثِيرٍ، وَمَا يُدَّعَى مِنْ تَأْثِيرِ الْكَوَاكِبِ قِسْمَانِ: أَنْ يَكُونَ الْكَوْكَبُ فَاعِلًا وَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَيْهِ، وَإِذَا حُمِلَ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِاحْتِمَالِهِ لَهُمَا اقْتَضَى ظَاهِرُهُ تَكْفِيرَ مَنْ قَالَ بِأَحَدِهِمَا قَالَ تَعَالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] (سُورَةُ فَاطِرٍ: الْآيَةُ 3) وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان: 34] (سُورَةُ لُقْمَانَ: الْآيَةُ 34) وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] (سُورَةُ النَّمْلِ: الْآيَةُ 65) وَقَوْلُ بَعْضِ الْجُهَّالِ: لَيْسَ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْغَيْبِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُخْبِرُ بِأَدِلَّةِ النُّجُومِ بَاطِلٌ، فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا تَصَوَّرَ غَيْبٌ يَنْفَرِدُ بِهِ الْبَارِي تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سِرٍّ كَانَ وَيَكُونُ إِلَّا وَالنُّجُومُ تَدَلُّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إِنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْعَادَةَ نُزُولُ الْمَطَرِ عِنْدَ نَوْءٍ مِنَ الْأَنْوَاءِ، وَأَنَّ ذَلِكَ النَّوْءَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي نُزُولِهِ، وَأَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِإِنْزَالِهِ اللَّهُ، فَلَا يَكْفَرُ مَعَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ بِوَجْهٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ مَا ذَكَرْنَا لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِالْمَنْعِ مِنْهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِيهَامِ السَّامِعِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 [كِتَابُ الْقِبْلَةِ] [بَاب النَّهْيِ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالْإِنْسَانُ عَلَى حَاجَتِهِ] بَاب النَّهْيِ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالْإِنْسَانُ عَلَى حَاجَتِهِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ إِسْحَقَ مَوْلًى لِآلِ الشِّفَاءِ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمِصْرَ يَقُولُ «وَاللَّهِ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهَذِهِ الْكَرَابِيسِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ أَوْ الْبَوْلَ فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا بِفَرْجِهِ»   14 - كِتَابُ الْقِبْلَةِ 1 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالْإِنْسَانُ عَلَى حَاجَتِهِ 453 - 455 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ حُجَّةٌ (عَنْ رَافِعِ بْنِ إِسْحَاقَ) الْمَدَنِيِّ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ (مَوْلًى لِآلِ الشِّفَا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ وَالْمَدِّ وَالْقَصْرِ كَذَا لِيَحْيَى وَقَوْمٍ. وَقَالَ آخَرُونَ عَنْ مَالِكٍ: " مَوْلَى الشِّفَاءِ " بِحَذْفِ آلٍ، وَهَذَا إِنَّمَا جَاءَ مِنْ مَالِكٍ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ؛ أَيْ: أَنَّهُ كَانَ تَارَةً يَقُولُ: آلٌ، وَأُخْرَى لَا يَقُولُهَا، وَهِيَ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ خَالِدٍ، صَحَابِيَّةٌ (وَكَانَ يُقَالُ لَهُ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ جَدِّ إِسْحَاقَ الرَّاوِي، وَقَالَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ إِسْحَاقَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ) خَالِدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ (الْأَنْصَارِيَّ) الْبَدْرِيَّ (صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ نَزَلَ عَلَيْهِ الْمُصْطَفَى لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ، وَتُوُفِّيَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ غَازِيًا الرُّومَ سَنَةَ خَمْسِينَ، وَقِيلَ بَعْدَهَا ( «وَهُوَ بِمِصْرَ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهَذِهِ الْكَرَابِيسِ» ) الْمَرَاحِيضِ وَاحِدُهَا كِرْبَاسٌ، وَقِيلَ: تَخْتَصُّ بِمَرَاحِيضِ الْغُرَفِ، وَأَمَّا مَرَاحِيضُ الْبُيُوتِ فَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا الْكَنَفُ ( «وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ أَوِ الْبَوْلَ» ) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّوَسُّعِ وَفِي نُسْخَةٍ " لِغَائِطٍ أَوْ لِبَوْلٍ " بِلَامٍ فِيهِمَا مُنْكِّرٌ أَوْ فِي أُخْرَى " إِلَى الْغَائِطِ أَوِ الْبَوْلِ " مُعَرِّفًا فِيهِمَا، وَأَصْلُ الْغَائِطِ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ فِي الْفَضَاءِ كَانَ يُقْصَدُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ ثُمَّ كُنَّى بِهِ عَنِ الْعُذْرَةِ نَفْسِهَا كَرَاهَةً لِذِكْرِهَا بِخَاصِّ اسْمِهَا، وَعَادَةُ الْعَرَبِ اسْتِعْمَالُ الْكِنَايَاتِ صَوْنًا لِلْأَلْسِنَةِ عَمَّا تُصَانُ الْأَسْمَاعُ وَالْأَبْصَارُ عَنْهُ فَصَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً غَلَبَتْ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ. (فَلَا يَسْتَقْبِلْ) الحديث: 453 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 بِكَسْرِ اللَّامِ لِأَنَّ " لَا " نَاهِيَةٌ (الْقِبْلَةَ) أَيِ: الْكَعْبَةَ، فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ (وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا) أَيْ: لَا يَجْعَلُهَا مُقَابِلَ ظَهْرِهِ (بِفَرْجِهِ) أَيْ: حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، جَمِيعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ» إِكْرَامًا لَهَا عَنِ الْمُوَاجَهَةِ بِالنَّجَاسَةِ، وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ الْوَطْءُ عَلَى أَنَّ مَثَارَ النَّهْيِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فَيُطْرَدُ فِي كُلِّ حَالٍ تُكْشَفُ فِيهَا الْعَوْرَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: بِفَرْجِهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: وَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ أَيْ: نَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِمَنْ بَنَاهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْمُؤْمِنِينَ سُنَّةٌ أَوْ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْآتِي أَوْ لَمْ يَرَهْ مُخَصَّصًا وَحُمِلَ مَا رَوَاهُ عَلَى الْعُمُومِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ شَيْءٌ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يُثْبِتَ مَا يُخَصِّصُهُ أَوْ يَنْسَخُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ»   454 - 456 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى، وَالصَّوَابُ قَوْلُ سَائِرِ الرُّوَاةِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُسْتَقْبَلَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (الْقِبْلَةُ) بِالرَّفْعِ نَائِبُ الْفَاعِلِ (لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ) » وَاللَّامُ عَهْدِيَّةٌ، فَالْمُرَادُ الْكَعْبَةُ كَمَا مَرَّ لَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَيُحْتَمَلُ شُمُولُهُ لَهُ حِينَ كَانَ قِبْلَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الحديث: 454 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 [بَاب الرُّخْصَةِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «إِنَّ أُنَاسًا يَقُولُونَ إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ فَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَقَدْ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ» ثُمَّ قَالَ لَعَلَّكَ مِنْ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ قَالَ قُلْتُ لَا أَدْرِي وَاللَّهِ قَالَ مَالِكٌ يَعْنِي الَّذِي يَسْجُدُ وَلَا يَرْتَفِعُ عَلَى الْأَرْضِ يَسْجُدُ وَهُوَ لَاصِقٌ بِالْأَرْضِ   2 - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ الرُّخْصَةُ؛ شَرْعًا: الْإِبَاحَةُ لِلضَّرُورَةِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي إِبَاحَةِ نَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ مَمْنُوعٍ، فَالرُّخْصَةُ هُنَا تَنَاوَلَتْ بَعْضَ أَحْوَالِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَهُوَ مَا إِذَا كَانُوا فِي الْبُيُوتِ. 455 - 457 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ (عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ) وَالثَّلَاثَةُ مَدَنِيُّونَ أَنْصَارِيُّونَ تَابِعِيُّونَ لَكِنْ قِيلَ: الحديث: 455 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 لِوَاسِعٍ رُؤْيَةٌ، فَلِذَا ذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ، وَأَبَوْهُ حَبَّانُ بْنُ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ. (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ) أَيِ: ابْنَ عُمَرَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ: زَعْمُ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى وَاسِعٍ وَهْمٌ (كَانَ يَقُولُ: إِنَّ أُنَاسًا) كَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَرَى بِعُمُومِ النَّهْيِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا (يَقُولُونَ: إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ) كِنَايَةً عَنِ التَّبَرُّزِ وَنَحْوِهِ، وَذَكَرَ الْقُعُودَ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَحَالُ الْقِيَامِ كَذَلِكَ. ( «فَلَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ» ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ مُخَفَّفًا، وَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَشَدِّ الدَّالِ مَفْتُوحَةً، وَ " بَيْتَ " نُصِبَ عَطْفًا عَلَى الْقِبْلَةِ، وَالْإِضَافَةُ فِيهِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ) لَيْسَ جَوَابًا لِوَاسِعٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَوْرَدَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مُنْكَرًا لَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ سَبَبَ إِنْكَارِهِ بِمَا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ؛ فَقَالَ بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ: فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَقَدِ ارْتَقَيْتُ. . . إِلَخْ، لَكِنَّ الرَّاوِيَ عَنْهُ وَاسِعٌ أَرَادَ التَّأْكِيدَ بِإِعَادَةِ قَوْلِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ (لَقَدِ ارْتَقَيْتُ) أَيْ: صَعِدْتُ، وَاللَّامُ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ ( «عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا» ) ، وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: " عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا "، وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ يَحْيَى: " «عَلَى ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ» " كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ؛ أَيْ: أُخْتِهِ، كَمَا فِي مُسْلِمٍ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَصَعِدْتُ ظَهْرَ الْبَيْتِ، وَجَمَعَ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ حَيْثُ أَضَافَهُ إِلَيْهِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ، وَحَيْثُ أَضَافَهُ إِلَيْهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الْبَيْتُ الَّذِي أَسْكَنَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ وَاسْتَمَرَّ فِي يَدِهَا إِلَى أَنْ مَاتَتْ فَوَرِثَ عَنْهَا، وَحَيْثُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ كَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا آلَ إِلَيْهِ الْحَالُ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ حَفْصَةَ دُونَ إِخْوَتِهِ؛ لِأَنَّهَا شَقِيقَتُهُ وَلَمْ تَتْرُكْ مَنْ يَحْجُبُهُ مِنْ الِاسْتِيعَابِ. ( «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى لَبِنَتَيْنِ» ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ النُّونِ؛ تَثْنِيَةَ لَبِنَةٍ، وَهِيَ مَا يُصْنَعُ مِنَ الطِّينِ أَوْ غَيْرِهِ لِلْبِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يُحْرَقَ ( «مُسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ» ) أَيْ: لِأَجْلِ حَاجَتِهِ، أَوْ وَقْتَ حَاجَتِهِ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ: «فَأَشْرَفْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى خَلَائِهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: " «فَرَأَيْتُهُ يَقْضِي حَاجَتَهُ مَحْجُوبًا عَلَيْهِ بِلَبِنَتَيْنِ» ". وَلِلْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: " «فَرَأَيْتُهُ فِي كَنِيفٍ» " وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ النُّونِ فَتَحْتِيَّةٍ فَفَاءٍ، وَانْتَفَى بِهَذَا إِيرَادُ مَنْ قَالَ مِمَّنْ يَرَى الْجَوَازَ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْفَضَاءِ، وَكَوْنُهُ عَلَى لَبِنَتَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبِنَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَيْهِمَا لِيَرْتَفِعَ عَنِ الْأَرْضِ بِهِمَا، وَيُرَدُّ هَذَا الِاحْتِمَالُ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى الْمَنْعَ فِي الِاسْتِقْبَالِ فِي الْفَضَاءِ إِلَّا بِسَاتِرٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَمْ يَقْصِدِ ابْنُ عُمَرَ الْإِشْرَافَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَإِنَّمَا صَعِدَ السَّطْحَ لِضَرُورَةٍ لَهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: ارْتَقَيْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عَنْهُ، فَلَمَّا اتَّفَقَتْ لَهُ رُؤْيَتُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِلَا قَصْدٍ أَحَبَّ أَنْ لَا يَخْلَى ذَلِكَ مِنْ فَائِدَةٍ فَحَفِظَ هَذَا الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ، وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا رَآهُ مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهِ حَتَّى صَاغَ لَهُ تَأَمُّلَ الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَيْرِ مَحْذُورٍ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ شِدَّةُ حِرْصِهِ عَلَى تَتَبُّعِ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَتَّبِعَهَا وَكَذَا كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (ثُمَّ قَالَ) ابْنُ عُمَرَ (لَعَلَّكَ) الْخِطَابُ لِوَاسِعٍ وَغَلِطَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ ( «مِنَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ قَالَ» ) وَاسِعٌ (قُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاللَّهِ) أَنَا مِنْهُمْ أَمْ لَا (قَالَ مَالِكٌ) مُفَسِّرُ الْقَوْلَ يُصَلُّونَ. . . إِلَخْ ( «يَعْنِي الَّذِي يَسْجُدُ وَلَا يَرْتَفِعُ عَلَى الْأَرْضِ يَسْجُدُ وَهُوَ لَاصِقٌ بِالْأَرْضِ» ) وَهُوَ خِلَافُ هَيْئَةِ السُّجُودِ الْمَشْرُوعَةِ؛ وَهِيَ مُجَافَاةُ بَطْنِهِ عَنْ وِرْكَيْهِ وَالتَّجَنُّحُ تَجَنُّحًا وَسَطًا، وَاسْتَشْكَلَ ذِكْرُ ابْنِ عُمَرَ لِهَذَا مَعَ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَأَجَابَ الِكْرِمَانِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الَّذِي خَاطَبَهُ لَا يَعْرِفُ السُّنَّةَ، إِذْ لَوْ عَرَفَهَا لَعَرَفَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَضَاءِ وَغَيْرِهِ، أَوِ الْفَرْقَ بَيْنَ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَنَّى عَنْ مَنْ لَا يَعْرِفُ السُّنَّةَ بِالَّذِي يُصَلِّي عَلَى وِرْكَيْهِ؛ لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا جَاهِلًا بِالسُّنَّةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ أَنَّ وَاسِعًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَتَّى يَنْسُبَهُ إِلَى عَدَمِ مَعْرِفَتِهَا، ثُمَّ الْحَصْرُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْجُدُ عَلَى وِرْكَيْهِ مَنْ يَعْلَمُ سُنَنَ الْخَلَاءِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي الْمُنَاسَبَةِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ مُسْلِمٍ فَأَوَّلَهُ عِنْدَهُ عَنْ وَاسِعٍ قَالَ: " كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ فَلَمَّا قَضَيْتُ صَلَاتِي انْصَرَفْتُ إِلَيْهِ مِنْ شِقِّيَ الْأَيْسَرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَقُولُ نَاسٌ " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَأَى مِنْهُ فِي حَالِ سُجُودِهِ شَيْئًا لَمْ يَتَحَقَّقْهُ عِنْدَهُ فَقَدَّمَهَا عَلَى ذَلِكَ لِلْأَمْرِ الْمَظْنُونِ، وَلَا بُعْدَ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا عَهِدَ بِقَوْلِ مَنْ نَقَلَ عَنْهُمْ مَا نَقَلَ، فَأَحَبَّ أَنْ يُعَرِّفَهُ هَذَا الْحُكْمَ لِيَنْقِلَهُ عَنْهُ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ إِبْدَاءُ مُنَاسِبَةٍ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِخُصُوصِهِمَا، فَإِنَّ لِإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى تَعَلُّقًا بِأَنْ يُقَالَ: لَعَلَّ الَّذِي كَانَ يَسْجُدُ وَهُوَ لَاصِقٌ بَطْنَهُ بِوِرْكَيْهِ كَانَ يَظُنُّ امْتِنَاعَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِفَرْجِهِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَأَحْوَالُ الصَّلَاةِ أَرْبَعَةٌ: قِيَامٌ وَرُكُوعٌ وَسُجُودٌ وَقُعُودٌ، وَانْضِمَامُ الْفَرْجِ فِيهَا بَيْنَ الْوِرْكَيْنِ مُمْكِنٌ، إِلَّا إِذَا جَاءَ فِي السُّجُودِ فَرَأَى أَنَّ فِي الْإِلْصَاقِ ضَمًّا لِلْفَرْجِ فَفَعَلَهُ ابْتِدَاعًا وَتَنَطُّعًا. وَالسُّنَّةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَالسِّتْرُ بِالثِّيَابِ كَافٍ فِي ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ الْجِدَارَ كَافٍ فِي كَوْنِهِ حَائِلًا بَيْنَ الْعَوْرَةِ وَالْقِبْلَةِ إِنْ قُلْنَا: إِنَّ مَثَارَ النَّهْيِ الِاسْتِقْبَالُ بِالْعَوْرَةِ فَلَمَّا حَدَّثَ ابْنُ عُمَرَ التَّابِعِيَّ بِالْحُكْمِ الْأَوَّلِ أَشَارَ لَهُ بِالْحُكْمِ الثَّانِي مُنَبِّهًا لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 عَلَى مَا ظَنَّهُ مِنْهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي رَآهُ صَلَّاهَا. وَقَوْلُ وَاسِعٍ (لَا أَدْرِي) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا شُعُورَ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا ظَنَّهُ بِهِ، وَلِذَا لَمْ يُغْلِظْ لَهُ ابْنُ عُمَرَ فِي الزَّجْرِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ فِي الْأَبْنِيَةِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ عَلَى جَوَازِ اسْتِقْبَالِهَا، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ جَابِرٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَنْ نَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ أَوْ نَسْتَقْبِلَهَا بِفُرُوجِنَا إِذَا أَهْرَقْنَا الْمَاءَ ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ» "، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَاسِخٍ لِحَدِيثِ النَّهْيِ خِلَافًا لِزَاعِمِهِ، بَلْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ فِي بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُبَالَغَتِهِ فِي السِّتْرِ، وَرُؤْيَةُ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ لَهُ كَانَتْ بِلَا قَصْدٍ، وَدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ؛ إِذِ الْخَصَائِصُ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَلَوْلَا حَدِيثُ جَابِرٍ لَكَانَ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ لَا يَخُصُّ مِنْ عُمُومِهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِلَّا الِاسْتِدْبَارَ فَقَطْ، وَلَا يَصِحُّ إِلْحَاقُ الِاسْتِقْبَالِ بِهِ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ قَوْمٌ فَقَالُوا: يَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ. وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ مُطْلَقًا؛ قَالَ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ لِإِعْمَالِهِ جَمِيعَ الْأَدِلَّةِ. وَقَالَ قَوْمٌ بِالتَّحْرِيمِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَرَجَّحَهُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَمِنَ الظَّاهِرِيَّةِ ابْنُ حَزْمٍ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ النَّهْيَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَلَمْ يُصَحِّحُوا حَدِيثَ جَابِرٍ، وَقَالَ قَوْمٌ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَعُرْوَةَ وَرَبِيعَةَ وَدَاوُدَ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ تَعَارَضَتْ فَرَجَعَ إِلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ. وَقِيلَ: يَجُورُ الِاسْتِدْبَارُ فِي الْبُنْيَانِ فَقَطْ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ مُطْلَقًا حَتَّى فِي الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ وَهِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ لِحَدِيثِ مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ: " «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَنْ عَلَى سَمْتِهَا؛ لِأَنَّ اسْتِقْبَالَهُمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ يَسْتَلْزِمُ اسْتِدْبَارَهُمُ الْكَعْبَةَ، فَالْعِلَّةُ اسْتِدْبَارُهَا لَا اسْتِقْبَالُهُ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ عَلَى سَمْتِهَا، فَأَمَّا مَنْ قِبْلَتُهُ فِي الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ فَيَجُوزُ لَهُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ مُطْلَقًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: " «شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» " انْتَهَى. قَالَ الْبَاجِيُّ: أَدْخَلَ مَالِكٌ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي الرُّخْصَةِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَإِنَّمَا فِيهِ رَأَيْتُهُ يَسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الِاسْتِقْبَالَ وَالِاسْتِدْبَارَ، فَإِذَا اسْتَقْبَلَ بِالْمَدِينَةِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَقَدِ اسْتَدْبَرَ مَكَّةَ فَرَاعَى مَالِكٌ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْقِبْلَةُ فِي التَّرْجَمَةِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ قِبْلَةً؛ فَإِنْ نُسِخَتِ الصَّلَاةُ إِلَيْهَا فَسَائِرُ أَحْكَامِهَا وَحَرَمِهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مَا كَانَتْ قَبْلَ النَّسْخِ، وَقَدْ رُوِيَ النَّهْيُ عَنِ اسْتِقْبَالِهَا وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُهُ ضَعِيفًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْهَى عَنِ اسْتِقْبَالِهِ حِينَ كَانَ قَبْلَهُ ثُمَّ نَهَى عَنِ اسْتِقْبَالِهِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْأَدِلَّةُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ نَحْوُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 [بَاب النَّهْيِ عَنْ الْبُصَاقِ فِي الْقِبْلَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى»   3 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبُصَاقِ فِي الْقِبْلَةِ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَفِي لُغَةٍ بِالزَّايِ وَأُخْرَى بِالسِّينِ وَضُعِّفَتْ، وَالْبَاءُ مَضْمُومَةٌ فِي الثَّلَاثِ وَهُوَ مَا يَسِيلُ مِنَ الْفَمِ. 456 458 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى بُصَاقًا) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ (فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ) وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ. (فَحَكَّهُ) بِيَدِهِ، وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ: ثُمَّ نَزَلَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ رَآهُ حَالَ الْخُطْبَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَزَادَ: وَأَحْسِبُهُ دَعَا بِزَعْفَرَانٍ فَلَطَّخَهُ بِهِ، زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ: فَلِذَلِكَ صُنِعَ الزَّعْفَرَانُ فِي الْمَسَاجِدِ. (ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ) بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ (فَقَالَ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ) بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ (قِبَلَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ؛ أَيْ: قُدَّامَ (وَجْهِهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: خَصَّ بِذَلِكَ حَالَ الصَّلَاةِ لِفَضِيلَةِ تِلْكَ الْحَالِ، وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ (فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ تَوَجُّهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ مُفْضٍ لَهُ بِالْقَصْدِ مِنْهُ إِلَى رَبِّهِ، فَصَارَ بِالتَّقْدِيرِ كَانَ مَقْصُودُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ، وَقِيلَ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ؛ أَيْ: عَظَمَةُ اللَّهِ أَوْ ثَوَابُ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى التَّعْظِيمِ لِشَأْنِ الْقِبْلَةِ، وَقَدْ نَزَعَ بِهِ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَهُوَ جَهْلٌ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَبْزُقُ تَحْتَ قَدَمِهِ وَفِيهِ نَقْضُ مَا أَصَّلُوهُ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ بِذَاتِهِ، وَمَهْمَا تَأَوَّلَ بِهِ جَازَ أَنْ يَتَأَوَّلَ بِهِ ذَاكَ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْبُزَاقِ فِي الْقِبْلَةِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ لَا، وَلَا سِيَّمَا مِنَ الْمُصَلِّي، فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ كَرَاهَةَ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ هَلْ هِيَ لِلتَّنْزِيهِ أَوْ لِلتَّحْرِيمِ. وَفِي صَحِيحَيِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَفَلَ تِجَاهَ الْقِبْلَةِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُفْلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» " وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «يُبْعَثُ صَاحِبُ النُّخَامَةِ فِي الْقِبْلَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهِيَ فِي وَجْهِهِ» " وَلِأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ حِبَّانَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ: " «أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًّا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا يُصَلِّي لَكُمْ» " الْحَدِيثَ، وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: " «إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» " وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 التَّمِيمِيِّ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ بُصَاقًا أَوْ مُخَاطًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ»   457 - 459 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى) أَبْصَرَ (فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ بُصَاقًا أَوْ مُخَاطًا) مَا يَسِيلُ مِنَ الْأَنْفِ (أَوْ نُخَامَةً) بِضَمِّ النُّونِ؛ قِيلَ: هِيَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الصَّدْرِ، وَقِيلَ مِنَ الرَّأْسِ، وَالنُّخَاعَةُ بِالْعَيْنِ مِنَ الصَّدْرِ كَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ بِالشَّكِّ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ: أَوْ نُخَاعًا بَدَلَ مُخَاطًا وَهُوَ أَشْبَهُ. (فَحَكَّهُ) بِيَدِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِآلَةٍ أَمْ لَا عَلَى مَا فَهِمَ الْبُخَارِيُّ، وَنَازَعَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ: أَيْ تَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ لَا أَنَّهُ بَاشَرَ النُّخَامَةَ وَنَحْوَهَا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُ حَكَّهَا بِعُرْجُونٍ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ مَشَى عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ مَعَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ. وَفِي الْحَدِيثِ وَالَّذِي قَبْلَهُ تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ مِنْ كُلِّ مَا يُسْتَقْذَرُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا، إِذْ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَأَمَرَ بِغَسْلِهِ، وَأَبَاحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُصَلِّي أَنْ يَبْصُقَ وَيَتَنَخَّمَ فِي ثَوْبِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَقَالَ: " «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ وَإِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ فَلْيَبْصُقْ إِذَا بَصَقَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ» " وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» " رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ. قَالَ عِيَاضٌ: إِنَّمَا يَكُونُ خَطِيئَةً إِذَا لَمْ يَدْفِنُهُ، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ دَفْنَهُ فَلَا. وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ خِلَافُ صَرِيحِ الْحَدِيثِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُمَا عُمُومَانِ تَعَارَضَا، الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَقَوْلُهُ: وَلِيَبْصُقْ عَنْ يَسَارٍ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَالنَّوَوِيُّ يَجْعَلُ الْأَوَّلَ عَامًا وَيَخُصُّ الثَّانِي بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ، وَعِيَاضٌ يَجْعَلُ الثَّانِيَ عَامًّا وَيَخُصُّ الْأَوَّلَ بِمَا إِذَا لَمْ يُرِدْ دَفْنَهَا، وَقَدْ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَكِّيٌّ وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَيَشْهَدُ لَهُمْ مَا لِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَنَخَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَلْيُغَيِّبْ نَخَامَتَهُ أَنْ تُصِيبَ جِلْدَ مُؤْمِنٍ أَوْ ثَوْبَهُ فَتُؤْذِيهِ» " وَأَوْضَحَ مِنْهُ فِي الْمَقْصُودِ مَا لِأَحْمَدَ أَيْضًا وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَنَخَّعَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَدْفِنْهُ فَسَيِّئَةٌ وَإِنْ دَفْنَهُ فَحَسَنَةٌ» " فَلَمْ يَجْعَلْهُ سَيِّئَةً إِلَّا بِقَيْدِ عَدَمِ الدَّفْنِ. وَنَحْوُهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا قَالَ فِيهِ: " «وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أُمَّتِي النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ» " قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ السَّيِّئَةِ بِمُجَرَّدِ إِيقَاعِهَا فِي الْمَسْجِدِ بَلْ بِهِ وَبِتَرْكِهَا غَيْرَ مَدْفُونَةٍ. انْتَهَى. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنَّهُ تَنَخَّمَ فِي الْمَسْجِدِ لَيْلَةً فَنَسِيَ أَنْ يَدْفِنَهَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَخَذَ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ ثُمَّ جَاءَ فَطَلَبَهَا حَتَّى دَفَنَهَا ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَكْتُبْ عَلَيَّ خَطِيئَةً اللَّيْلَةَ. فَدَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْخَطِيئَةِ بِمَنْ تَرَكَهَا لَا بِمَنْ دَفَنَهَا. وَعِلَّةُ النَّهْيِ تُرْشِدُ لِذَلِكَ وَهِيَ تَأَذِّي الْمُؤْمِنَ بِهَا، الحديث: 457 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا خِلَافٍ. وَلِأَبِي دَاوُدَ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: " أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَصَقَ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ دَلَّكَهُ بِنَعْلِهِ» إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَيُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ، وَتَوَسَّطَ بَعْضُهُمْ فَحَمَلَ الْجَوَازَ عَلَى مَنْ لَهُ عُذْرٌ كَأَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَالْمَنْعُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، ثُمَّ الْمُرَادُ دَفْنُهَا فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ وَرَمْلِهِ وَحَصْبَائِهِ، قَالَهُ الْجُمْهُورُ. وَقَوْلُ الرُّويَانِيِّ: الْمُرَادُ إِخْرَاجُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ أَصْلًا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا كَمَا يَقُولُهُ النَّوَوِيُّ وَقَدْ عَرَفَ مَا فِيهِ، اهـ. وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. 4 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبَلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ»   - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ 458 - 460 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَلِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ) الْمَعْهُودُونَ فِي الذِّهْنِ وَهُمْ أَهْلُ قُبَاءٍ وَمَنْ حَضَرَ مَعَهُمْ (بِقُبَاءٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّذْكِيرِ وَالصَّرْفِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَيَجُوزُ قَصْرُهُ وَتَأْنِيثُهُ، وَمَنْعُ الصَّرْفِ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ ظَاهِرُ الْمَدِينَةِ. وَفِيهِ مَجَازُ الْحَذْفِ؛ أَيْ: بِمَسْجِدِ قُبَاءٍ (فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ) وَلِمُسْلِمٍ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَهُوَ أَحَدُ أَسْمَائِهَا وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ تَسْمِيَتَهَا بِذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا لَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْبَرَاءِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَصَلَ وَقْتَ الْعَصْرِ إِلَى مَنْ هُوَ دَاخِلُ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ، وَالْآتِي إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ عَبَّادُ بْنُ نَهْيِكَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَرَجَّحَ أَبُو عُمَرَ الْأَوَّلَ. وَقِيلَ: عَبَّادُ بْنُ نَصْرٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَالْمَحْفُوظُ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَوَصَلَ الْخَبَرُ وَقْتَ الصُّبْحِ إِلَى مَنْ هُوَ خَارِجُ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَهْلُ قُبَاءٍ، وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ) لَمْ يُسَمِّ، وَإِنْ نَقَلَ ابْنُ طَاهِرٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ بَنِي حَارِثَةَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَإِنْ كَانَ مَا نَقَلُوهُ مَحْفُوظًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ عَبَّادًا أَتَى بَنِي حَارِثَةَ أَوَّلًا، فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى أَهْلِ قُبَاءٍ فَأَعَلَمَهُمْ بِذَلِكَ فِي الصُّبْحِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِهِمَا أَنَّ فِي مُسْلِمٍ عَنْ الحديث: 458 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 أَنَسٍ: " أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ مَرَّ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ " فَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي تَعْيِينِ الصَّلَاةِ، وَبَنُو سَلَمَةَ غَيْرُ بَنِي حَارِثَةَ (فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ) بِالتَّنْكِيرِ لِإِرَادَةِ الْبَعْضِيَّةِ، فَالْمُرَادُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 144) الْآيَاتِ، وَفِيهِ إِطْلَاقُ اللَّيْلَةِ عَلَى بَعْضِ الْيَوْمِ الْمَاضِي وَمَا يَلِيهِ مَجَازًا، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَضَافَ النُّزُولَ إِلَى اللَّيْلِ عَلَى مَا بَلَغَهُ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُعْلِمْ بِنُزُولِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ لَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ بِالْوَحْيِ ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنَ اللَّيْلَةِ، انْتَهَى. (وَقَدْ أُمِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ (أَنْ) أَيْ: بِأَنْ (يَسْتَقْبِلَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (الْكَعْبَةَ) وَفِيهِ أَنَّ مَا يُؤْمَرُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْزَمُ أُمَّتَهُ، وَأَنَّ أَفْعَالَهُ يُؤْتَسَى بِهَا كَأَقْوَالِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ (فَاسْتَقْبَلُوهَا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ؛ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ؛ أَيْ: فَتَحَوَّلَ أَهْلُ قُبَاءٍ إِلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ (وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ) أَيْ: أَهْلِ قُبَاءٍ (إِلَى الشَّامِ) أَيْ: بَيْتِ الْمَقْدِسِ (فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ) فَالضَّمَائِرُ لِأَهْلِ قُبَاءٍ وَهُوَ تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي لِلتَّحَوُّلِ الْمَذْكُورِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ فَاعِلَ اسْتَقْبَلُوهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ، وَضَمِيرُ وُجُوهِهِمْ لَهُ وَلِأَهْلِ قُبَاءٍ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَاسْتَقْبِلُوهَا - بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ - أَمْرٌ. وَيَأْتِي فِي ضَمِيرِ " وُجُوهِهِمْ " الِاحْتِمَالَانِ الْمَذْكُورَانِ، وَعَوْدُهُ إِلَى أَهْلِ قُبَاءٍ أَظْهَرُ، وَيُرَجِّحُ رِوَايَةَ الْكَسْرِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِلَفْظِ: " «وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ أَلَا فَاسْتَقْبِلُوهَا» " فَدُخُولُ حَرْفِ الِاسْتِفْتَاحِ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَا بَعْدَهُ أَمْرٌ لَا بَقِيَّةُ الْخَبَرِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَوَقَعَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ التَّحْوِيلِ فِي حَدِيثِ تَوِيلَةَ بِنْتِ أَسْلَمَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ قَالَتْ فِيهِ: فَتَحَوَّلَ النِّسَاءُ مَكَانَ الرِّجَالِ وَالرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاءِ فَصَلَّيْنَا السَّجْدَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ؛ أَيِ: الرَّكْعَتَيْنِ، هُنَّ تَسْمِيَةُ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ، وَتَصْوِيرُهُ أَنَّ الْإِمَامَ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ مَنِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ اسْتَدْبَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَهُوَ لَوْ دَارَ كَمَا هُوَ فِي مَكَانِهِ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ مَكَانٌ يَسَعُ الصُّفُوفَ وَلَمَّا تَحَوَّلَ الْإِمَامُ تَحَوَّلَتِ الرِّجَالُ. وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَمَا كَانَ الْكَلَامُ قَبْلُ غَيْرَ حَرَامٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اغْتُفِرَ لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ لَمْ تَتَوَالَ الْخُطَا عِنْدَ التَّحْوِيلِ بَلْ وَقَعَتْ مُفْتَرِقَةً. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ حُكْمَ النَّاسِخِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَبْلُغَهُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَقَعَ قَبْلَ صَلَاتِهِمْ بِتِلْكَ الصَّلَوَاتِ، وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِعْلَامُ ذَلِكَ فَالْفَرْضُ لَا يَلْزَمُهُ، وَفِيهِ جِوَارُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَمَادَوْا عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَقْطَعُوهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَجَّحَ عِنْدَهُمُ التَّمَادِيَ وَالتَّحَوُّلَ عَلَى الْقَطْعِ وَالِاسْتِئْنَافِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا عَنِ اجْتِهَادٍ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ سَابِقٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 كَانَ مُتَرَقِّبًا التَّحَوُّلَ الْمَذْكُورَ فَلَا مَانِعَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا صَنَعُوا مِنَ التَّمَادِي وَالتَّحَوُّلِ، وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ، وَنَسْخُ مَا تَقَرَّرَ بِطَرِيقِ الْعِلْمِ بِهِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ قَطْعِيَّةً لِمُشَاهَدَتِهِمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى جِهَتِهِ فَتَحَوَّلُوا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ احْتَفَتْ بِهِ قَرَائِنُ وَمُقْدِمَاتٌ أَفَادَتِ الْقَطْعَ عِنْدَهُمْ بِصِدْقِ الْمُخْبِرِ فَلَمْ يُنْسَخْ عِنْدَهُمْ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ إِلَّا بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ. وَقِيلَ: كَانَ النَّسْخُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ جَائِزٌ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطْلَقًا وَإِنَّمَا مُنِعَ بَعْدَهُ وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَفِيهِ جَوَازُ إِعْلَامِ مَنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ مَنْ هُوَ فِيهَا، وَأَنَّ الْكَلَامَ لِسَمَاعِ الْمُصَلِّي لَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي التَّفْسِيرِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَيَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ»   459 - 461 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ) أَرْسَلَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَسْنَدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَكِنِ انْفَرَدَ بِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ نَجِيحٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ جَاءَ مَعْنَاهُ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَغَيْرِهِ فِي التَّمْهِيدِ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا) وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طُرُقٍ أَرْبَعَةٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا بِالشَّكِّ، وَلِلْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا سَهْلٌ بِأَنَّ مَنْ جَزَمَ بِسِتَّةَ عَشَرَ لَفَقَ مِنْ شَهْرِ الْقُدُومِ وَشَهْرِ التَّحْوِيلِ شَهْرًا وَأَلْغَى الْأَيَّامَ الزَّائِدَةَ، وَمَنْ جَزَمَ بِسَبْعَةَ عَشَرَ عَدَّهُمَا مَعًا، وَمَنْ شَكَّ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْقُدُومَ كَانَ فِي شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ، وَكَانَ التَّحْوِيلُ فِي نِصْفِ رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ جَزَمَ الْجُمْهُورُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقُدُومَ ثَانِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ، وَلِابْنِ مَاجَهْ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَهُوَ شَاذٌّ، كَرِوَايَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَرِوَايَةِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَشَهْرَيْنِ وَسَنَتَيْنِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَخِيرَةِ عَلَى الصَّوَابِ، وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَجُمْلَتُهَا تِسْعُ رِوَايَاتٍ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعُدَّ رِوَايَةِ الشَّكِّ وَإِلَّا كَانَتْ عَشَرَةً، أَوْ لَمْ يَعُدَّ قَوْلَ ابْنِ حِبَّانَ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ مُرَادًا لِقَائِلِ سَبْعَةَ عَشَرَ بِإِلْغَاءِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَذَا لَمْ يَعُدَّهَا صَاحِبُ الحديث: 459 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 النُّورِ وَعَدَّ الْأَقْوَالَ عَشَرَةً فَزَادَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَلَمْ يَعُدَّهُ الْحَافِظُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَفْسِيرُهُ بِكُلِّ مَا زَادَ عَلَى عَشَرَةٍ. (نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ لِيُجْمَعَ لَهُ بَيْنَ الْقِبْلَتَيْنِ كَمَا عُدَّ مِنْ خَصَائِصِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَتَأْلِيفًا لِلْيَهُودِ كَمَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ خِلَافًا لِقَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ بِاجْتِهَادِهِ، وَلِقَوْلِ الطَّبَرِيِّ " خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ فَاخْتَارَهُ طَمَعًا فِي إِيمَانِ الْيَهُودِ، وَرُدَّ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا هَاجَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْيَهُودُ أَكْثَرُ أَهْلِهَا يَسْتَقْبِلُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ فَاسْتَقْبَلَهَا سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ فَكَانَ يَدْعُو وَيَنْظُرَ إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ يَعْنِي: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 144) فَارْتَابَتِ الْيَهُودُ وَقَالُوا: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 115) وَظَاهِرُهُ أَنَّ اسْتِقْبَالَهُ إِنَّمَا وَقَعَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، لَكِنْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِمَكَّةَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ» " وَجَمَعَ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَمَّا هَاجَرَ أَمَرَ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الصَّلَاةِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ مَا صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ صُرِفَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى ثَلَاثَ حِجَجٍ، ثُمَّ هَاجَرَ فَصَلَّى إِلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّانِي: " وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ " يُخَالِفُ ظَاهِرَ حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَحْضًا. وَحَكَى الزُّهْرِيُّ خِلَافًا فِي أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ يَجْعَلُ الْكَعْبَةَ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَوْ يَجْعَلُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ كَانَ يَجْعَلُ الْمِيزَابَ خَلْفَهُ، وَعَلَى الثَّانِي كَانَ يُصَلِّي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ. وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ بِمَكَّةَ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ثُمَّ نُسِخَ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ دَعْوَى النَّسْخِ مَرَّتَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. اهـ. وَلَا يُخَالِفُ قَوْلَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: نَسَخَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ وَنِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَلُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، زَادَ غَيْرُهُ: وَالْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْحَافِظِ أَنَّ خُصُوصَ نَسْخِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يَتَعَدَّدْ، وَمَا أَثْبَتَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ نَسَخَ الْقِبْلَةَ فِي الْجُمْلَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِالْكَعْبَةِ ثُمَّ نَسَخَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ثُمَّ نَسَخَ بِالْكَعْبَةِ كَمَا هُوَ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ أَثَرُ ابْنِ جُرَيْجٍ (ثُمَّ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ قَبْلَ) غَزْوَةِ (بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ) لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي رَمَضَانَ وَالتَّحْوِيلُ فِي نِصْفِ رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَاخْتَلَفَ الْمَسْجِدُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّحْوِيلُ، فَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ فِي مَسْجِدِهِ بِالْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أُمِرَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَاسْتَدَارَ إِلَيْهِ وَدَارَ الْمُسْلِمُونَ، وَيُقَالُ إِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَارَ أُمَّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فِي بَنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 سَلَمَةَ فَصَنَعَتْ لَهُ طَعَامًا وَحَانَتِ الظُّهْرَ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُمِرَ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ فَسُمِّيَ مَسْجِدَ الْقِبْلَتَيْنِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هُنَا عِنْدَنَا أَثْبَتُ، انْتَهَى. وَأَفَادَ الْحَافِظُ بُرْهَانُ الدِّينِ أَنَّ التَّحْوِيلَ وَقَعَ فِي رُكُوعِ الثَّالِثَةِ فَجُعِلَتْ كُلُّهَا رَكْعَةً لِلْكَعْبَةِ مَعَ أَنَّ قِيَامَهَا وَقِرَاءَتَهَا وَابْتِدَاءَ رُكُوعِهَا لِلْقُدْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِدَادَ بِالرَّكْعَةِ إِلَّا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ وَلِذَا يُدْرِكُهَا الْمَسْبُوقُ قَبْلَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ إِذَا تُوُجِّهَ قِبَلَ الْبَيْتِ   460 - 462 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) فِيهِ إِرْسَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ عُمَرَ فَلَعَلَّهُ حَمَلَهُ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ (قَالَ: مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةً إِذَا تُوُجِّهَ) بِضَمِّ التَّاءِ وَلِابْنِ وَضَّاحٍ بِفَتْحِهَا؛ أَيِ: الْمُصَلِّي (قِبَلَ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ جِهَةَ (الْبَيْتِ) الْكَعْبَةِ، وَكَذَا قَالَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ. فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» " مَعْنَاهُ إِذَا تُوُجِّهَ قِبَلَ الْبَيْتِ وَهَذَا صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا تَضِيِقُ الْقِبْلَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهِيَ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَوْسَعُ، ثُمَّ لِأَهْلِ الْحَرَمِ أَوْسَعُ، ثُمَّ لِأَهْلِ الْآفَاقِ أَوْسَعُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. الحديث: 460 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 [بَاب مَا جَاءَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانَ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»   5 - بَابُ مَا جَاءَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَيْ: فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَأَنَّ فِيهِ رَوْضَةً مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ: وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، لِأَنَّ حَدِيثَيِ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْبَابِ لَا ذِكْرَ لَهُ فِيهِمَا، وَالْأَوَّلُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى فَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ فِي الْعُدَّةِ كَمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 461 - 463 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. (وَعُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرٌ (ابْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ) الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ كِلَاهُمَا (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (الْأَغَرِّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ؛ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى جُهَيْنَةَ، أَصْلُهُ مِنْ أَصْبَهَانَ، ثِقَةٌ. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ» ) تُصَلَّى (فِيمَا سِوَاهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي الحديث: 461 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 أَنْ يَحْرِصَ الْمُصَلِّي عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ مَا زِيدَ فِيهِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي مَسْجِدِهِ وَقَدْ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ هَذَا، بِخِلَافِ مَسْجِدِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَكَّةَ، بَلْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَعُمُّ الْحَرَمَ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَرُوِيَ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّ " إِلَّا " بِمَعْنَى غَيْرِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: إِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ مَسْجِدِهِ، وَقِيلَ إِنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفْضُلُهُ بِأَقَلِّ مِنْ أَلْفٍ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ حُكْمُهُ خَارِجٌ عَنْ أَحْكَامِ سَائِرِ الْمَوَاطِنِ فِي الْفَضِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا يُعْلَمُ حُكْمُهُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ، فَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ مَسْجِدِهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ مُسَاوِيهِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَرَجَّحَ التَّسَاوِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاضِلًا أَوْ مَفْضُولًا لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ ذَلِكَ إِلَّا بِدَلِيلٍ بِخِلَافِ الْمُسَاوَاةِ قَالَ الْحَافِظُ: دَلِيلُ كَوْنِهِ فَاضِلًا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا: " «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا» " وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ: " «وَصَلَاةٌ فِي ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ» " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتُلِفَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَمَنْ رَفَعَهُ أَحْفَظُ وَأَثْبَتُ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ. وَفِي ابْنِ مَاجَهْ، عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» " وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: " «مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» " فَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ. وَلِلْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَفَعَهُ: " «الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَالصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِي بِأَلْفِ صَلَاةٍ، وَالصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ» " قَالَ الْبَزَّارُ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، فَوَضَحَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ تَفْضِيلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهُوَ يَرُدُّ تَأْوِيلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَعْنَاهُ: الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ بِدُونِ أَلْفِ صَلَاةٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَفْظُ " دُونَ " يَشْمَلُ الْوَاحِدَ فَيَلْزَمُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ بِتِسْعِمِائَةٍ وَتِسْعٍ وَتِسْعِينَ صَلَاةً وَهُوَ بَاطِلٌ، ثُمَّ التَّضْعِيفُ الْمَذْكُورُ يَرْجِعُ إِلَى الثَّوَابِ، وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى الْإِجْزَاءِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، فَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَصَلَّى فِي أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ صَلَاةً لَمْ تُجْزِهِ إِلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ أَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ فِي تَفْسِيرِهِ خِلَافَهُ فَإِنَّهُ قَالَ: حَسِبْتُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَبَلَغَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ عُمْرُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، انْتَهَى. وَهَذَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ التَّضْعِيفِ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهَا تَزِيدُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، لَكِنْ هَلْ يَجْتَمِعُ أَوْ لَا، مَحْلُّ بِحْثٍ؟ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى تَضْعِيفِ الصَّلَاةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا فِي الْمَسْجِدِ، وَخَصَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْفَرَائِضِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» " وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا مَانِعَ مِنْ إِبْقَاءِ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ، فَتَكُونُ صَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ تُضَاعَفُ عَلَى صَلَاتِهَا فِي الْبَيْتِ بِغَيْرِهِمَا، وَكَذَا فِي الْمَسْجِدَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلَ مُطْلَقًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: " «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ مَسْجِدَهُ آخِرُ الْمَسَاجِدِ» ". قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَشُكَّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ عَنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ فَمَنَعْنَا ذَلِكَ أَنْ نَسْتَثْبِتَهُ حَتَّى إِذَا تُوُفِّيَ أَبُو هُرَيْرَةَ تَذَاكَرْنَا وَتَلَاوَمْنَا أَنْ لَا نَكُونَ كَلَّمْنَاهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى نُسْنِدَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ كَانَ سَمِعَهُ مِنْهُ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ جَالَسْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ وَالَّذِي فَرَّطْنَا فِيهِ، فَقَالَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: " «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَإِنِّي آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ مَسْجِدِي آخِرُ الْمَسَاجِدِ» " قَالَ عِيَاضٌ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي تَفْضِيلِ مَسْجِدِهِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لِأَنَّ رَبْطَ الْكَلَامِ بِفَاءِ التَّعْلِيلِ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَسْجِدَهُ إِنَّمَا فُضِّلَ عَلَى الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا، وَمَنْسُوبٌ إِلَى نَبِيٍّ مُتَأَخِّرٍ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ، فَتَدَبَّرْهُ فَإِنَّهُ وَاضِحٌ، انْتَهَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي»   462 - 464 - (مَالِكٌ، عَنْ خُبَيْبٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ مُصَغَّرٌ (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ خُبَيْبِ بْنِ يَسَافٍ الْأَنْصَارِيِّ أَبِي الْحَارِثِ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. (عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ) بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيِّ مِنَ الثِّقَاتِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا لِرُوَاةِ الْمُوَطَّأِ بِالشَّكِّ إِلَّا مَعْنَ بْنَ عِيسَى وَرَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَا: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ عَلَى الْجَمْعِ لَا الشَّكِّ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَا بَيْنَ بَيْتِي) أَيْ: قَبْرِي (وَمِنْبَرِي) لِأَنَّهُ رُوِيَ مَا بَيْنَ قَبْرِي، وَقِيلَ: بَيْتُ سُكْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ؛ لِأَنَّ قَبْرَهُ فِي بَيْتِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُرَادُ أَحَدُ بُيُوتِهِ لَا كُلُّهَا وَهُوَ بَيْتُ عَائِشَةَ الَّذِي صَارَ فِيهِ قَبْرُهُ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ: مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَبَيْتِ عَائِشَةَ. وَرِوَايَةُ: مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي أَخْرَجَهَا الحديث: 462 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 الطَّبَرَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالْبَزَّارُ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: وَنَقَلَ ابْنُ زَبَالَةَ أَنَّ ذَرْعَ مَا بَيْنَ بَيْتِهِ وَمِنْبَرِهِ ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ وَسُدْسٌ. وَقِيلَ: خَمْسُونَ إِلَّا ثُلْثَيْ ذِرَاعٍ وَهُوَ الْآنَ كَذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ نَقَصَ لَمَّا أُدْخِلَ مِنَ الْحُجْرَةِ فِي الْجِدَارِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بَيْتِي، وَيُرْوَى " قَبْرِي " وَكَأَنَّهُ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ دُفِنَ فِي بَيْتِ سُكْنَاهُ وَالْمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: (رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ) حَقِيقَةٌ بِأَنْ تَكُونَ مُقْتَطَعَةً مِنْهَا كَمَا أَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَالنِّيلَ وَالْفُرَاتَ وَسَيْحَانَ وَجَيْحَانَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَكَذَا الثِّمَارُ الْهِنْدِيَّةُ مِنَ الْوَرَقِ الَّتِي أُهْبِطَ بِهَا آدَمُ مِنْهَا، فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ مِيَاهِ الْجَنَّةِ وَتُرَابِهَا وَفَوَاكِهِهَا لِيَتَدَبَّرَ الْعَاقِلُ فَيُسَارِعُ إِلَيْهَا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، أَوْ أَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ تَنْقُلُ بَيْنَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَكُونُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ مِنْ مَجَازِ الْأَوَّلِ أَيْ: إِنَّ الْمُلَازِمَ لِلطَّاعَاتِ فِيهَا تُوَصِّلُهُ لِلْجَنَّةِ كَخَبَرِ: " «الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ» " وَنَظَرٌ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِتِلْكَ الْبُقْعَةِ عَلَى غَيْرِهَا، فَالْعِبَادَةُ فِي أَيِّ مَكَانٍ، كَذَلِكَ وَرَدَ بِأَنَّهُ سَبَبٌ قَوِيٌّ يُوصِلُ إِلَيْهَا عَلَى وَجْهٍ أَتَمَّ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَسْبَابِ، أَوْ هِيَ سَبَبٌ لِرَوْضَةٍ خَاصَّةٍ أَجَلَّ مَنْ مُطْلَقِ الدُّخُولِ وَالتَّنَعُّمِ، فَأَهْلُ الْجَنَّةِ يَتَفَاوَتُونَ فِي مَنَازِلِهَا بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، أَوْ هُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ؛ أَيْ: كَرَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِهَا فِي تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَحُصُولِ السَّعَادَةِ، وَلَا مَانِعَ مِنَ الْجَمْعِ فَهِيَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَالْعَمَلُ فِيهَا يُوجِبُ لِصَاحِبِهِ رَوْضَةً جَلِيلَةً فِي الْجَنَّةِ، وَتُنْقَلُ هِيَ أَيْضًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَإِذَا تَأَوَّلْنَا أَنَّ اتِّبَاعَ مَا يُتْلَى فِيهَا مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ يُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ لَمْ يَكُنْ لِلْبُقْعَةِ فَضِيلَةٌ، إِذْ لَا تَخْتَصُّ بِذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا مُلَازَمَتُهَا بِالطَّاعَةِ يُؤَدِّي إِلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ لِفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ خَرَجَ عَلَى تَفْضِيلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلِذَا أَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، قَالَ مُطَرِّفٌ: وَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ فِي النَّافِلَةِ أَيْضًا. (وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي) أَيْ: يُنْقَلُ الْمِنْبَرُ الَّذِي قَالَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُنْصَبُ عَلَى حَوْضِهِ، ثُمَّ تَصِيرُ قَوَائِمُهُ رَوَاتِبَ فِي الْجَنَّةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ بَدَلَ قَوْلِهِ: " «عَلَى حَوْضِي وَمِنْبَرِي» " «عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ» "، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْبَرُهُ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ التَّعَبُّدُ عِنْدَهُ يُورِثُ الْجَنَّةَ فَكَأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنْهَا، وَقِيلَ: مِنْبَرٌ يُوضَعُ لَهُ هُنَاكَ، وَرَدَّهُ الْبَاجِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَقْتَضِيهِ، وَهُوَ قَطْعٌ لِلْكَلَامِ عَمَّا قَبْلَهُ بِلَا ضَرُورَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ: " «مِنْبَرِي هَذَا عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ» " فَاسْمُ الْإِشَارَةِ ظَاهِرٌ وَصَرِيحٌ فِي أَنَّهُ مِنْبَرُهُ فِي الدُّنْيَا، وَالْقُدْرَةُ صَالِحَةٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الِاعْتِصَامِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ خُبَيْبٍ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ»   463 - 465 الحديث: 463 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (عَنْ عَبَّادِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ (ابْنِ تَمِيمِ) بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ) عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ لِأُمِّهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» ) وَفِيهِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ؛ إِذْ لَمْ يَثْبُتْ فِي خَبَرٍ عَنْ بُقْعَةٍ أَنَّهَا مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا هَذِهِ الْبُقْعَةُ الْمُقَدَّسَةُ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» " كَمَا فِي الصَّحِيحِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَا يُقَاوِمُ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي مَكَّةَ، ثُمَّ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفًا عَلَى الْحَزْوَرَةِ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» " وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ: هَذَا نَصٌّ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ، فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ قَالَهُ بَعْدَ حُصُولِ فَضْلِ الْمَدِينَةِ، أَمَّا حَيْثُ قَالَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِنَصٍّ؛ لِأَنَّ التَّفْضِيلَ إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ يَتَأَتَّى بَيْنَهُمَا تَفْضِيلٌ، وَفَضْلُ الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُنْ حَصَلَ حَتَّى يَكُونَ هَذَا حُجَّةٌ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ مَا عَدَا الْمَدِينَةَ كَمَا قَالُوا بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَدِيثِ الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ: ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ، وَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ إِلَى تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ، وَمَالَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ آخِرُهُمُ السُّيُوطِيُّ، فَقَالَ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى تَفْضِيلِ مَكَّةَ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَقَالَ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ وَمُطْرِّفٌ وَابْنُ حَبِيبٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْأَدِلَّةُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: بِالتَّسَاوِي، وَغَيْرُهُ بِالْوَقْفِ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا عَدَا الْبُقْعَةَ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ بِإِجْمَاعٍ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مَعْنَى التَّفْضِيلِ أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنَ الْآخَرِ، وَكَذَا فَضْلُ الزَّمَانِ، وَمَوْضِعُ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ لَا يُمْكِنُ فِيهِ عَمَلٌ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ حَرَامٌ وَفِيهِ عِقَابٌ شَدِيدٌ، وَأَجَابَ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ الشِّهَابُ الْقِرَافِيُّ بِأَنَّ التَّفْضِيلَ لِلْمُجَاوَرَةِ وَالْحُلُولِ كَتَفْضِيلِ جِلْدِ الْمُصْحَفِ عَلَى سَائِرِ الْجُلُودِ، فَلَا يَمَسُّهُ مُحْدِثٌ وَلَا يُلَابَسُ بِقَذَرٍ، وَإِلَّا لَزِمَهُ أَنْ لَا يَكُونَ جِلْدَ الْمُصْحَفِ، بَلْ وَلَا الْمُصْحَفُ نَفْسُهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ فِيهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَأَسْبَابُ التَّفْضِيلِ أَعَمُّ مِنَ الثَّوَابِ، فَإِنَّهَا مُنْتَهِيَةٌ إِلَى عِشْرِينَ قَاعِدَةً، وَبَيَّنَهَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 كِتَابِهِ: الْفُرُوقُ. وَقَالَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ: التَّفْضِيلُ قَدْ يَكُونُ بِكَثْرَةِ الثَّوَابِ، وَقَدْ يَكُونُ لِأَمْرٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَمَلٌ، فَإِنَّ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَلِسَاكِنِهِ مَا تَقْصُرُ عَنْهُ الْعُقُولُ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ أَفْضَلَ الْأَمْكِنَةِ؟ وَأَيْضًا فَبِاعْتِبَارِ مَا قِيلَ كُلُّ أَحَدٍ يُدْفَنُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ، وَقَدْ تَكُونُ الْأَعْمَالُ مُضَاعَفَةً فِيهِ بِاعْتِبَارِ حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ، وَأَنَّ أَعْمَالَهُ مُضَاعَفَةٌ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، قَالَ السَّمْهُودِيُّ: وَالرَّحَمَاتُ النَّازِلَاتُ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ يَعُمُّ فَيْضُهَا الْأُمَّةَ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ لِدَوَامِ تَرْقِيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مَنْبَعُ الْخَيْرَاتِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 [بَاب مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ] ِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ   6 - بَابُ مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ. بِالْجَمْعِ وَفِي نُسْخَةٍ: (الْمَسْجِدِ) بِالْإِفْرَادِ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ. 466 - 466 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَبَلَاغُهُ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ (عَنْ) أَبِيهِ بِنَحْوِهِ، وَبِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ، عَنْ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ» ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمَدِّ جَمْعُ أَمَةٍ، ذَكَرَ الْإِمَاءَ دُونَ النِّسَاءِ إِيمَاءً إِلَى عِلَّةِ نَهْيِ الْمَنْعِ عَنْ خُرُوجِهِنَّ لِلْعِبَادَةِ، يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالذَّوْقِ (مَسَاجِدَ اللَّهِ) عَامٌّ خَصَّهُ الْفُقَهَاءُ بِأَنْ لَا تَطَيُّبَ لِزِيَادَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ: " «وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» " بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ: غَيْرِ مُتَطَيِّبَاتٍ، وَلِلْحَدِيثِ بَعْدَهُ: " «فَلَا تَمَسَّ طِيبًا» " وَسَبَبُ مَنْعِ الطِّيبِ مَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيكِ دَاعِيَةِ الشَّهْوَةِ، فَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كُحْلِيٍّ يَظْهَرُ أَثَرُهُ، وَحُسْنِ مَلْبَسٍ وَزِينَةٍ فَاخِرَةٍ، وَالِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ مَا يُخَافُ مِنْهُ مَفْسَدَةٌ وَنَحْوُهَا، وَأَنْ لَا تَكُونَ شَابَّةً مَخْشِيَّةَ الْفِتْنَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إِلَّا إِنْ أُخِذَ الْخَوْفُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتِهَا؛ لِأَنَّهَا إِذَا عَرَتْ مِمَّا ذُكِرَ وَاسْتَتَرَتْ حَصَلَ الْأَمْنُ عَلَيْهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ أَنَّ صَلَاتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَفِي أَبِي دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» ". وَلِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالطَّبَرَانِيِّ، عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّةِ: " «أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتْ: إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ الحديث: 466 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكَ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ» " وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَوَجْهُ كَوْنِ صَلَاتِهَا فِي الْأَخْفَى أَفْضَلُ؛ تَحَقُّقُ الْأَمْنِ فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ بَعْدَ وُجُودِ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ مِنَ التَّبَرُّزِ بِالزِّينَةِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ مَا قَالَتْ كَمَا يَأْتِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَلَا تَمَسَّنَّ طِيبًا   466 - 467 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ بُسْرِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ (ابْنِ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَلَعَلَّهُ بَلَغَهُ مِنْ تِلْمِيذِهِ ابْنِ وَهْبٍ أَوْ مِنْ مَخْرَمَةَ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرِقٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ» ) أَيْ: أَرَادَتْ (صَلَاةَ الْعِشَاءِ) أَيْ: حُضُورَ صَلَاتِهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ بِالْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ (فَلَا تَمَسَّنَّ) بِنُونِ التَّوْكِيدِ الثَّقِيلَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِلَا نُونٍ (طِيبًا) زَادَ مُسْلِمٌ قَبْلَ الذَّهَابِ؛ أَيْ: إِلَى شُهُودِهَا أَوْ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْفِتْنَةِ بِهَا بِخِلَافِهِ بَعْدَهُ فِي بَيْتِهَا، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُنَّ كُنَّ يَحْضُرْنَ الْعِشَاءَ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَتَخْصِيصُهَا لَيْسَ لِإِخْرَاجِ غَيْرِهَا، بَلْ لِأَنَّ تَطَيُّبَ النِّسَاءِ إِنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَمَا مَرَّ، وَاقْتُصِرَ عَلَى الطِّيبِ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّ الْخُرُوجَ لَيْلًا وَالْحُلِيُّ وَثِيَابُ الزِّينَةِ مَسْتُورَةٌ بِظُلْمَتِهِ وَلَا رِيحَ لَهَا يَظْهَرُ، فَإِنْ فُرِضَ ظُهُورُهُ كَانَ كَذَلِكَ، وَنُكِّرَ " طِيبًا " لِيَشْمَلَ كُلَّ نَوْعٍ مِمَّا يَظْهَرُ رِيحُهُ فَإِنْ ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ فَكَثَوْبِ الزِّينَةِ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ لَا يُرَى لِتَلَفُّعِهَا وَظُلْمَةِ اللَّيْلِ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي النَّهْيِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ امْرَأَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَأْذِنُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَسْكُتُ فَتَقُولُ وَاللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ إِلَّا أَنْ تَمْنَعَنِي فَلَا يَمْنَعُهَا   466 - 468 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ نُفَيْلٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَلَامٍ الْعَدَوِيَّةِ الصَّحَابِيَّةِ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ، أُخْتُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدُ الْعَشَرَةِ (امْرَأَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) ابْنِ عَمِّهَا، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصِّدِّيقِ، وَكَانَتْ حَسْنَاءَ جَمِيلَةً فَأَوْلَعَ بِهَا وَشَغَلَتْهُ عَنْ مَغَازِيهِ، فَأَمَرَهُ أَبُوهُ بِطَلَاقِهَا فَامْتَنَعَ ثُمَّ عَزَمَ عَلَيْهِ حَتَّى طَلَّقَهَا، فَتَبِعَتْهَا نَفْسُهُ فَسَمِعَهُ أَبُوهُ يُنْشِدُ فِيهَا فَرَقَّ لَهُ، وَأَذِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 لَهُ فَارْتَجَعَهَا، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ مِنْ سَهْمٍ أَصَابَهُ بِالطَّائِفِ مَعَ الْمُصْطَفَى رَثَتْهُ بِأَبْيَاتٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخُو عُمَرَ عَلَى مَا قِيلَ فَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ، فَتَزَوَّجَهَا عُمَرُ ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فَرَثَتْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الزُّبَيْرُ فَقُتِلَ فَرَثَتْهُ، فَيُقَالُ: خَطَبَهَا عَلِيٌّ فَقَالَتْ: إِنْ لَأَضِنُّ بِكَ عَنِ الْقَتْلِ. وَيُقَالُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ صَالَحَهَا عَلَى مِيرَاثِهَا مِنْ أَبِيهِ بِثَمَانِينَ أَلْفًا (أَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَأْذِنُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَسْكُتُ) لِأَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ خُرُوجَهَا لِلصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ (فَتَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ إِلَّا أَنْ تَمْنَعَنِي) لِأَنَّهَا كَانَتْ تَرَى أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا، وَتُرِيدُ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَجْرُ الْخُرُوجِ وَإِنْ مُنِعَتْ مَعَ نِيَّتِهَا، قَالَهُ الْبَاجِيُّ (فَلَا يَمْنَعُهَا) لِئَلَّا يُخَالِفَ الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا خَطَبَهَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَضْرِبَهَا، وَلَا يَمْنَعَهَا مِنَ الْحَقِّ، وَلَا مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، ثُمَّ شَرَطَتْ ذَلِكَ عَلَى الزُّبَيْرِ فَتَحَيَّلَ عَلَيْهَا بِأَنْ كَمَنَ لَهَا لَمَّا خَرَجَتْ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ، فَلَمَّا مَرَّتْ بِهِ ضَرَبَ عَلَى عَجِيزَتِهَا، فَلَمَّا رَجَعَتْ قَالَتْ: إِنَّا لِلَّهِ فَسَدَ النَّاسُ فَلَمْ تَخْرُجْ بَعْدُ، ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ كَمَا مُنِعَهُ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ أَوَ مُنِعَ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمَسَاجِدَ قَالَتْ نَعَمْ   467 - 469 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ (بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ مَاتَتْ قَبْلَ الْمِائَةِ أَوْ بَعْدَهَا (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ) مِنَ الطِّيبِ وَالتَّجَمُّلِ وَقِلَّةِ التَّسَتُّرِ وَتَسَرُّعِ كَثِيرٍ مِنْهُنَّ إِلَى الْمَنَاكِرِ (لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ) وَفِي رِوَايَةٍ: الْمَسْجِدَ بِالْإِفْرَادِ (كَمَا مُنِعَهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ ثُمَّ هَاءِ ضَمِيرٍ عَائِدٍ إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَذَكَّرَهُ بِاعْتِبَارِ الْمَوْضِعِ، وَعَلَى إِفْرَادِ الْمَسْجِدِ فَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي رِوَايَةٍ كَمَا مُنِعَتْ (نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ (قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ أَوَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ (مُنِعَ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمَسَاجِدَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ) مُنِعْنَ مِنْهَا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ لِلْإِحْدَاثِ. قَالَ الْحَافِظُ: يُحْتَمَلُ أَنْ عَمْرَةَ تَلَقَّتْ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ، وَيُحْتَمَلُ عَنْ غَيْرِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «كُنَّ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَتَّخِذْنَ أَرْجُلًا مِنْ خَشَبٍ يَتَشَوَّفْنَّ لِلرِّجَالِ فِي الْمَسَاجِدِ، فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ الْمَسَاجِدَ» " أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَهَذَا الحديث: 467 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَحُكْمُهُ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ. وَرَوَى أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَحْوَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ: وَتَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: " لَوْ رَأَى. . . . إِلَخْ " فِي مَنْعِ النِّسَاءِ مُطْلَقًا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إِذْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ تَغَيُّرُ الْحُكْمِ، لِأَنَّهَا عَلَّقَتْهُ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ ظَنِّهِ، فَقَالَتْ: لَوْ رَأَى لَمَنَعَ، فَيُقَالُ عَلَيْهِ: لَمْ يَرَ وَلَمْ يَمْنَعْ فَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ، حَتَّى أَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُصَرِّحْ بِالْمَنْعِ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُهَا يُشْعِرُ بِأَنَّهَا تَرَى الْمَنْعَ، وَأَيْضًا فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا سَيُحْدِثْنَ فَمَا أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ بِمَنْعِهِنَّ، وَلَوْ كَانَ مَا أَحْدَثْنَ يَسْتَلْزِمُ مَنْعُهُنَّ مِنَ الْمَسَاجِدِ لَكَانَ مَنْعُهُنَّ مِنْ غَيْرِهَا كَالْأَسْوَاقِ أَوْلَى، وَأَيْضًا فَالْإِحْدَاثُ إِنَّمَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ النِّسَاءِ لَا مِنْ جَمِيعِهِنَّ، فَإِنْ تَعَيَّنَ الْمَنْعُ فَلْيَكُنْ لِمَنْ أَحْدَثْنَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُنْظَرَ إِلَى مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفَسَادُ فَيُجْتَنَبَ لِإِشَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى ذَلِكَ بِمَنْعِ التَّطَيُّبِ وَالزِّينَةِ، وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِاللَّيْلِ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى: " «إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» " وَرِوَايَةُ الْأَكْثَرِ بِدُونِ اللَّيْلِ. وَاسْتُنْبِطَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ أَيْضًا: أَنَّهُ يُحْدِثُ لِلنَّاسِ فَتَاوَى بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ التَّمَسُّكِ بِالْمَصَالِحِ الْمُبَايِنَةِ لِلشَّرْعِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ كَمُرَادِ عَائِشَةَ أَنْ يُحْدِثُوا أَمْرًا تَقْتَضِي أُصُولُ الشَّرِيعَةِ فِيهِ غَيْرُ مَا اقْتَضَتْهُ قَبْلَ حُدُوثِ ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَلَا غَرْوَ فِي تَبَعِيَّةِ الْأَحْكَامِ لِلْأَحْوَالِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَثَرَ عَائِشَةَ هَذَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 [كِتَابُ الْقُرْآنِ] [بَاب الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لِمَنْ مَسَّ الْقُرْآنَ] بَاب الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لِمَنْ مَسَّ الْقُرْآنَ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ «أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ» قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَحْمِلُ أَحَدٌ الْمُصْحَفَ بِعِلَاقَتِهِ وَلَا عَلَى وِسَادَةٍ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَحُمِلَ فِي خَبِيئَتِهِ وَلَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ لِأَنْ يَكُونَ فِي يَدَيْ الَّذِي يَحْمِلُهُ شَيْءٌ يُدَنِّسُ بِهِ الْمُصْحَفَ وَلَكِنْ إِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَنْ يَحْمِلُهُ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ إِكْرَامًا لِلْقُرْآنِ وَتَعْظِيمًا لَهُ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِي عَبَسَ وَتَوَلَّى قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 11]   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 15 - كِتَابُ الْقُرْآنِ 1 - بَابُ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لِمَنْ مَسَّ الْقُرْآنَ 468 - 470 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو (بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ الْأَنْصَارِيِّ، شَهِدَ الْخَنْدَقَ فَمَا بَعْدَهَا وَكَانَ عَامِلَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى نَجْرَانَ، مَاتَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ، وَقِيلَ: فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَهُوَ وَهْمٌ: (أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ) أَيْ مُتَوَضِّئٌ، قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا أَصْلٌ فِي كِتَابَةِ الْعِلْمِ وَتَحْصِينِهِ فِي الْكُتُبِ، وَصِحَّةِ الرِّوَايَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُنَاوَلَةِ ; لِأَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَفَعَهُ إِلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ صَالِحٍ، وَهُوَ كِتَابٌ مَشْهُورٌ، عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ، مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةً يُسْتَغْنَى بِهَا فِي شُهْرَتِهَا عَنِ الْإِسْنَادِ ; لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُتَوَاتِرَ فِي مَجِيئِهِ لِتَلَقِّي النَّاسِ لَهُ بِالْقَبُولِ، وَلَا يَصِحُّ عَلَيْهِمْ تَلَقِّي مَا لَا يَصِحُّ، انْتَهَى. وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَى إِرْسَالِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ، وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ فِيهِ أَحْكَامٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، مَوْصُولًا بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي الزَّكَاةِ وَالدِّيَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَنَقَصَ عَمَّا ذَكَرْنَا (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَحْمِلُ أَحَدٌ الْمُصْحَفَ بِعِلَاقَتِهِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ: حَمَالَتِهِ الَّتِي يُحْمَلُ بِهَا، (وَلَا عَلَى وِسَادَةٍ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ) ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ الحديث: 468 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 (وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَحُمِلَ فِي خَبِيئَتِهِ) جِلْدِهِ الَّذِي يُخَبَّأُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَقِيَاسُهُ مَنْعُهُ بِالْعِلَاقَةِ وَالْوِسَادَةِ إِذْ لَا فَارِقَ (وَلَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ لَأَنْ) أَيْ لَيْسَتْ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ بِمَعْنَى التَّحْرِيمِ لِأَجْلِ أَنْ (يَكُونَ فِي يَدَيِ الَّذِي يَحْمِلُهُ شَيْءٌ يُدَنِّسُ بِهِ الْمُصْحَفَ) ; إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ إِذَا كَانَتَا نَظِيفَتَيْنِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْلُولِ بِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ، (وَلَكِنْ إِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (لِمَنْ يَحْمِلُهُ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ، إِكْرَامًا لِلْقُرْآنِ وَتَعْظِيمًا لَهُ) ، فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ مَنْ فِي يَدَيْهِ دَنَسٌ وَمَنْ لَا، (قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ) الَّتِي هِيَ {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] ، إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِي عَبَسَ) : تَطْلُبُ وَجْهَهُ، (وَتَوَلَّى) : أَعْرَضَ، وَهِيَ (قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (كَلَّا) : لَا تَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ (إِنَّهَا) : أَيِ السُّورَةَ أَوِ الْآيَاتِ (تَذْكِرَةٌ) : عِظَةٌ لِلْخَلْقِ {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [عبس: 12] : حَفِظَ ذَلِكَ فَاتَّعَظَ بِهِ {فِي صُحُفٍ} [عبس: 13] : خَبَرٌ ثَانٍ ; لِأَنَّهَا وَمَا قَبْلَهُ اعْتِرَاضٌ (مُكَرَّمَةٍ) : عِنْدَ اللَّهِ (مَرْفُوعَةٍ) : فِي السَّمَاءِ (مُطَهَّرَةٍ) : مُنَزَّهَةٍ عَنْ مَسِّ الشَّيَاطِينِ (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) : كَتَبَةٍ يَنْسَخُونَهَا مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 16] : مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ قَالَ الْبَاجِيُّ: ذَهَبَ مَالِكٌ فِي تَأْوِيلِ آيَةِ {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] (سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: الْآيَةُ: 79) إِلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَصَاحِفُ الَّتِي بِأَيْدِي النَّاسِ، وَأَنَّهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ ; لِأَنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ خِلَافَهُ، وَقَدْ وُجِدَ مَنْ يَمَسُّهُ غَيْرَ طَاهِرٍ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّهْيُ، قَالَ: وَأَدْخَلَ مَالِكٌ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَيْسَ يَقْتَضِي تَأْوِيلَهُ لَهَا بِالْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَدْخَلَ أَوَّلَ الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لِمَسِّ الْقُرْآنِ، وَأَدْخَلَ فِي آخِرِهِ مَا يَحْتَجُّ بِهِ مُخَالِفُهُ، فَأَتَى بِهِ وَبَيَّنَ وَجْهَ ضَعْفِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَعْنَى الِاحْتِجَاجِ لِمَذْهَبِهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ وَصَفَ الْقُرْآنَ بِأَنَّهُ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فَعَظَّمَهُ، وَالْقُرْآنُ الْمَكْنُونُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ هُوَ الْمَكْتُوبُ فِي مَصَاحِفِنَا، فَوَجَبَ أَنْ يَمْتَثِلَ فِيهَا مَا وَصَفَ اللَّهُ الْقُرْآنَ بِهِ، انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 [بَاب الرُّخْصَةِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ فِي قَوْمٍ وَهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَسْتَ عَلَى وُضُوءٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَنْ أَفْتَاكَ بِهَذَا أَمُسَيْلِمَةُ   2 - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ 469 - 471 - (مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، كَيْسَانَ (السَّخْتِيَانِيِّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ فَوْقِيَّةٍ فَتَحْتَانِيَّةٍ فَأَلِفٍ فَنُونٍ، أَبِي بَكْرٍ الْبَصْرِيِّ، ثِقَةٍ، ثَبْتٍ، حُجَّةٍ مِنْ كِبَارِ الْفُقَهَاءِ الْعُبَّادِ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) الْأَنْصَارِيِّ الْبَصْرِيِّ، ثِقَةٍ، ثَبْتٍ، عَابِدٍ، كَبِيرِ الْقَدْرِ، لَا يَرَى الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى، مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ فِي قَوْمٍ وَهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ) فَذَهَبَ عُمَرُ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، (فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ) مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ كَانَ آمَنَ بِمُسَيْلِمَةَ ثُمَّ تَابَ وَأَسْلَمَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ الَّذِي قَتَلَ زَيْدَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَلِذَا كَانَ عُمَرُ يَسْتَثْقِلُهُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَبُو مَرْيَمَ الْحَنَفِيُّ، وَأَبَى ذَلِكَ آخَرُونَ ; لِأَنَّ عُمَرَ وَلَّى أَبَا مَرْيَمَ بَعْضَ وِلَايَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَسْتَ عَلَى وُضُوءٍ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَنْ أَفْتَاكَ بِهَذَا أَمُسَيْلِمَةُ؟ !) بِكَسْرِ اللَّامِ، الْكَذَّابُ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ وَحَارَبَ فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ فَقُتِلَ، وَأَصْلُ الْحُجَّةِ فِي الْجَوَازِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَاسْتَيْقَظَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسَحَ النُّوَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ فَتَوَضَّأَ. وَقَالَ عَلِيٌّ: كَانَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَحْجُبُهُ عَنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ إِلَّا الْجَنَابَةُ. وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ مِمَّنْ هُوَ مَحْجُوجٌ بِهِمْ الحديث: 469 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 [بَاب مَا جَاءَ فِي تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَرَأَهُ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ أَوْ كَأَنَّهُ أَدْرَكَهُ   3 - بَابُ مَا جَاءَ فِي تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ 470 - 472 - (مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ، الْأُمَوِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ إِلَّا فِي الحديث: 470 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 عِكْرِمَةَ، وَرُمِيَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ، وَرَوَى لَهُ الْجَمِيعُ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ) بِلَا إِضَافَةِ اسْمِ أَبِيهِ (الْقَارِيِّ) بِشَدِّ الْيَاءِ نِسْبَةً إِلَى الْقَارَةِ، بَطْنٍ مِنْ خُزَيْمَةَ بْنِ مَدْرَكَةَ، يُقَالُ لَهُ: رُؤْيَةُ، وَذَكَرَهُ الْعِجْلِيُّ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ فِيهِ: فَقَالَ تَارَةً لَهُ صُحْبَةٌ وَتَارَةً تَابِعِيٌّ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ. (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنَ اللَّيْلِ) بِنَحْوِ نَوْمٍ، وَالْحِزْبُ: الْوِرْدُ يَعْتَادُهُ الشَّخْصُ مِنْ قِرَاءَةٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، (فَقَرَأَهُ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ) (أَوْ) قَالَ: (كَأَنَّهُ أَدْرَكَهُ) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا وَهْمٌ مِنْ دَاوُدَ ; لِأَنَّ الْمَحْفُوظَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، عَنْ عُمَرَ: " مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ ". وَمِنْ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ مَنْ رَفَعَهُ عَنْهُ بِسَنَدِهِ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُدَ حِينَ جَعَلَهُ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ ضَيِّقٌ قَدْ لَا يَسَعُ الْحِزْبَ، وَرُبَّ رَجُلٍ حِزْبُهُ نِصْفُ الْقُرْآنِ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ رُبُعُهُ وَنَحْوُهُ، وَلِأَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَتْقَنُ حِفْظًا وَأَثْبَتُ نَقْلًا، انْتَهَى. وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِسَنَدِهِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ جَالِسَيْنِ فَدَعَا مُحَمَّدٌ رَجُلًا فَقَالَ أَخْبِرْنِي بِالَّذِي سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ فَقَالَ الرَّجُلُ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ أَتَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُ كَيْفَ تَرَى فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي سَبْعٍ فَقَالَ زَيْدٌ حَسَنٌ وَلَأَنْ أَقْرَأَهُ فِي نِصْفٍ أَوْ عَشْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ وَسَلْنِي لِمَ ذَاكَ قَالَ فَإِنِّي أَسْأَلُكَ قَالَ زَيْدٌ لِكَيْ أَتَدَبَّرَهُ وَأَقِفَ عَلَيْهِ   471 - 473 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ، ابْنِ مُنْقِذٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٍ، ثَبْتٍ، فَقِيهٍ، (جَالِسِينَ فَدَعَا مُحَمَّدٌ رَجُلًا فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِالَّذِي سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ أَتَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ) ابْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ لَوْذَانَ الْأَنْصَارِيَّ النَّجَّارِيَّ، صَحَابِيٌّ كَتَبَ الْوَحْيَ، قَالَ مَسْرُوقٌ: كَانَ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ (فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَرَى فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي سَبْعٍ؟ فَقَالَ زَيْدٌ: حَسَنٌ) لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: " «اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ» "، (وَلَأَنْ أَقْرَأَهُ فِي نِصْفٍ) مِنَ الشَّهْرِ (أَوْ عَشْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ) قَالَ ابْنُ الحديث: 471 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى، وَأَظُنُّهُ وَهْمًا، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ: " لَأَنْ أَقْرَأَهُ فِي عِشْرِينَ أَوْ نِصْفِ شَهْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ ". وَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ (وَسَلْنِي لَمْ ذَاكَ؟ قَالَ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ، قَالَ زَيْدٌ: لِكَيْ أَتَدَبَّرَهُ وَأَقِفَ عَلَيْهِ) وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] (سُورَةُ ص: الْآيَةُ 29) ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] (سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: الْآيَةُ 4) ، وَقَالَ تَعَالَى: {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 106) ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لَمْ يَفْقَهْهُ» ". وَقَالَ: " «لَا يُخْتَمُ الْقُرْآنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» ". وَقَالَ حَمْزَةُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي سَرِيعُ الْقِرَاءَةِ إِنِّي أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ، قَالَ: " لَأَنْ أَقْرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ أَتَدَبَّرُهَا وَأُرَتِّلُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ حَدْرًا كَمَا تَقُولُ، وَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاقْرَأْ مَا تَسْمَعُهُ أُذُنُكَ وَيَفْهَمُهُ قَلْبُكَ ". وَسُئِلَ مُجَاهِدٌ عَنْ رَجُلَيْنِ قَرَأَ أَحَدُهُمَا الْبَقَرَةَ وَقَرَأَ الْآخَرُ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ رُكُوعُهُمَا وَسُجُودُهُمَا وَجُلُوسُهُمَا سَوَاءً، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: الَّذِي قَرَأَ الْبَقَرَةَ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 106) قَالَ الْبَاجِيُّ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى تَفْضِيلِ التَّرْتِيلِ، وَكَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَوْصُوفَةً بِذَلِكَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: " كَانَ يَقْرَأُ السُّورَةَ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا "، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُ مَالِكٍ: مِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا حَدَرَ كَانَ أَخَفَّ عَلَيْهِ، وَإِذَا رَتَّلَ أَخْطَأَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْحَدْرَ، وَالنَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَخِفُّ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ وَاسِعٌ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مُلَازَمَةُ مَا يُوَافِقُ طَبْعَهُ وَيَخِفُّ عَلَيْهِ، فَرُبَّمَا تَكَلَّفَ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ فَيَقْطَعُهُ عَنِ الْقِرَاءَةِ أَوِ الْإِكْثَارِ مِنْهَا فَلَا يُخَالِفُ أَنَّ الْأَفْضَلَ التَّرْتِيلُ لِمَنْ تَسَاوَى فِي حَالِهِ الْأَمْرَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ «سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِيهَا فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسِلْهُ ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ يَا هِشَامُ فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ لِي اقْرَأْ فَقَرَأْتُهَا فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ»   4 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ 472 - 474 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) ابْنِ الْعَوَّامِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ) بِلَا إِضَافَةٍ (الْقَارِيِّ) بِشَدِّ الْيَاءِ، نِسْبَةً إِلَى الْقَارَةِ، بَطْنٍ مِنْ خُزَيْمَةَ بْنِ مَدْرَكَةَ، مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَعُدَّ فِي الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ أُتِيَ بِهِ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ صَغِيرٌ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الحديث: 472 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَزَايٍ، ابْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ الْأَسَدِيِّ، صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ، وَمَاتَ قَبْلَ أَبِيهِ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ اسْتُشْهِدَ بَأَجْنَادِينَ (يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ) وَغَلِطَ مَنْ قَالَ سُورَةَ الْأَحْزَابِ (عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِيهَا) وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ: " «فَإِذَا هُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» "، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيَانُ أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا كَانَ فِي حُرُوفٍ مِنَ السُّورَةِ لَا فِي السُّورَةِ كُلِّهَا وَهِيَ تَفْسِيرٌ لِرِوَايَةِ مَالِكٍ ; لِأَنَّ سُورَةً وَاحِدَةً لَا تُقْرَأُ حُرُوفُهَا كُلُّهَا عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ، بَلْ لَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَةٌ تُقْرَأُ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مِثْلَ: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: 19] (سُورَةُ سَبَأٍ: الْآيَةُ 19) وَ {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 60) وَ {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة: 70] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 70) وَ {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: 165] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 165) وَنَحْوُهُ، (فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْجِيمِ، وَفِي رِوَايَةِ " أُعَجِّلُ " بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُشَدَّدَةٍ أَيْ أُخَاصِمُهُ وَأُظْهِرُ بَوَادِرَ غَضَبِي عَلَيْهِ، (ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ) مِنَ الصَّلَاةِ فَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ: فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ. وَأُسَاوِرُهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ آخُذُ بِرَأْسِهِ أَوْ أُوَاثِبُهُ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ انْصَرِفُ مِنَ الْقِرَاءَةِ كَمَا زَعَمَ الْكَرْمَانِيُّ، (ثُمَّ لَبَّبْتُهُ) بِمُوَحَّدَتَيْنِ أُولَاهُمَا مُشَدَّدَةٌ، وَقَالَ عِيَاضٌ: التَّخْفِيفُ أَعْرَفُ (بِرِدَائِهِ) : أَيْ أَخَذْتُ بِمَجَامِعِهِ وَجَعَلْتُهُ فِي عُنُقِهِ وَجَرَرْتُهُ بِهِ لِئَلَّا يَنْفَلِتَ، مَأْخُوذٌ مِنَ اللَّبَةِ بِفَتْحِ اللَّامِ ; لِأَنَّهُ يَقْبِضُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا فَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ اعْتِنَاءً بِالْقُرْآنِ وَذَبًّا عَنْهُ وَمُحَافَظَةً عَلَى لَفْظِهِ كَمَا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ عُدُولٍ إِلَى مَا تَجَوَّزَهُ الْعَرَبُ مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الشِّدَّةِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. زَادَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ: " فَقُلْتُ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ ". وَفِيهِ إِطْلَاقُ الْكَذِبِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ اجْتِهَادًا مِنْهُ لِظَنِّهِ أَنَّ هِشَامًا خَالَفَ الصَّوَابَ، وَسَاغَ لَهُ ذَلِكَ لِرُسُوخِ قَدَمِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَسَابِقَتِهِ، بِخِلَافِ هِشَامٍ فَإِنَّهُ مِنْ مُسْلَمَةِ الْفَتْحِ فَخَشِيَ أَنْ لَا يَكُونَ أَتْقَنَ الْقِرَاءَةَ، وَلَعَلَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ سَمِعَ حَدِيثَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ قَبْلَ ذَلِكَ (فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ: " «فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا) » ، وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ: " عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا ". (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرْسِلْهُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 بِهَمْزَةِ قَطْعٍ أَيْ أَطْلِقْهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ مَمْسُوكًا مَعَهُ (ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ) يَا هِشَامُ، (فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ) بِهَا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَكَذَا أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قَالَ لِي: اقْرَأْ) يَا عُمَرُ (فَقَرَأْتُهَا) ، وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ: " فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي " (فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ) ثُمَّ قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَطْيِيبًا لِقَلْبِ عُمَرَ لِئَلَّا يُنْكِرَ تَصْوِيبَ الْأَمْرَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ) جَمْعُ حَرْفٍ مِثْلُ فَلْسٍ وَأَفْلُسٍ (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) أَيِ الْمُنَزَّلِ بِالسَّبْعَةِ، فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حِكْمَةَ التَّعَدُّدِ لِلتَّيْسِيرِ عَلَى الْقَارِئِ، وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ تَفْسِيرُ الْأَحْرُفِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا عُمَرُ وَهِشَامٌ مِنْ سُورَةِ الْفُرْقَانِ، نَعَمِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَمَنْ دُونَهُمْ فِي أَحْرُفٍ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي التَّمْهِيدِ بِمَا يَطُولُ، وَوَقَعَ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ نَظِيرُ مَا وَقَعَ لِعُمَرَ مَعَ هِشَامٍ، كَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي سُورَةِ النَّحْلِ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَعَ رَجُلٍ فِي آيَةٍ مِنَ الْفُرْقَانِ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ مَعَ رَجُلٍ فِي سُورَةٍ مِنْ آل حم، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ رَفَعَهُ " «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ» " رَوَاهُ الْحَاكِمُ قَائِلًا: تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ بِالسَّبْعَةِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ أَبُو شَامَةَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُ أُنْزِلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ كَجَذْوَةٍ وَالرَّهْبِ، أَوْ أَرَادَ أُنْزِلَ ابْتِدَاءً عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ ثُمَّ زِيدَ إِلَى سَبْعَةٍ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ، وَالْأَكْثَرُ أَنَّهَا مَحْصُورَةٌ فِي السَّبْعَةِ، وَقِيلَ: لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْعَدَدِ بَلِ التَّسْهِيلَ وَالتَّيْسِيرَ وَالشَّرَفَ وَالرَّحْمَةَ وَخُصُوصِيَّةَ الْفَضْلِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِنَّ لَفْظَ سَبْعَةٍ يُطْلَقُ عَلَى إِرَادَةِ الْكَثْرَةِ فِي الْآحَادِ كَمَا يُطْلَقُ السَّبْعُونَ فِي الْعَشَرَاتِ وَالسَّبْعُمِائَةِ فِي الْمِئِينَ وَلَا يُرَادُ الْعَدَدُ الْمُعَيَّنُ، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَرُدَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» ". وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «إِنَّ رَبِّي أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» ". وَلِلنَّسَائِيِّ: " «إِنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ أَتَيَانِي فَقَعَدَ جِبْرِيلُ عَلَى يَمِينِي وَمِيكَائِيلُ عَلَى يَسَارِي، فَقَالَ جِبْرِيلُ: اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَقَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ» ". وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ: " «فَنَظَرْتُ إِلَى مِيكَائِيلَ فَسَكَتَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدِ انْتَهَتِ الْعِدَّةُ» ". فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ حَقِيقَةِ الْعَدَدِ وَانْحِصَارِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعِينَ قَوْلًا أَكْثَرُهَا غَيْرُ مُخْتَارٍ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ نَصٌّ وَلَا أَثَرٌ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَانَ النَّحْوِيُّ: هَذَا مِنَ الْمُشْكِلِ الَّذِي لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ ; لِأَنَّ الْحَرْفَ يَأْتِي لِمَعَانٍ لِلْهِجَاءِ وَلِلْكَلِمَةِ وَلِلْمَعْنَى وَالْجِهَةِ، انْتَهَى. وَأَقْرَبُهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعُ لُغَاتٍ، وَعَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ وَثَعْلَبُ وَالزُّهْرِيُّ وَآخَرُونَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالْبَيْهَقِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ لُغَاتِ الْعَرَبِ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَفْصَحُهَا وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعَةُ أَوْجَهٍ مِنَ الْمَعَانِي الْمُتَّفِقَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ نَحْوَ أَقْبِلْ وَتَعَالَ وَهَلُمَّ وَعَجِّلْ وَأَسْرِعْ، وَعَلَيْهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ وَهْبٍ وَخَلَائِقُ، وَنَسَبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لَكِنَّ الْإِبَاحَةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تَقَعْ بِالتَّشَهِّي، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُغَيِّرُ الْكَلِمَةَ بِمُرَادِفِهَا مِنْ لُغَتِهِ، بَلْ ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُ كُلٍّ مِنْ عُمَرَ وَهِشَامٍ: أَقْرَأَنِي النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَئِنْ سَلِمَ إِطْلَاقُ الْإِبَاحَةِ بِقِرَاءَةِ الْمُرَادِفِ وَلَوْ لَمْ يُسْمَعْ، لَكِنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ زَمَنَ عُثْمَانَ الْمُوَافِقَ لِلْعُرْضَةِ الْأَخِيرَةِ يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ هَلِ السَّبْعَةُ بَاقِيَةٌ إِلَى الْآنِ يُقْرَأُ بِهَا أَمْ كَانَ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ عَلَى الْأَمْرِ بَعْضُهَا؟ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى الثَّانِي كَابْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ وَهْبٍ وَالطَّبَرِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ، وَهَلِ اسْتَقَرَّ ذَلِكَ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ أَمْ بَعْدَهُ؟ الْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ وَاخْتَارَهُ الْبَاقِلَّانِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُمْ ; لِأَنَّ ضَرُورَةَ اخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَمَشَقَّةَ نُطْقِهِمْ بِغَيْرِ لُغَتِهِمُ اقْتَضَتِ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَأُذِنَ لِكُلٍّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى حَرْفِهِ أَيْ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي اللُّغَةِ حَتَّى انْضَبَطَ الْأَمْرُ وَتَدَرَّبَتِ الْأَلْسُنُ وَتَمَكَّنَ النَّاسُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى لُغَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَارَضَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْقُرْآنَ مَرَّتَيْنِ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ وَاسْتَقَرَّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْآنَ فَنَسَخَ اللَّهُ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ الْمَأْذُونَ فِيهَا بِمَا أَوْجَبَهُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي تَلَقَّاهَا النَّاسُ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الْمُرَادَ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ وَهُوَ خِلَافُ إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا يَظُنُّ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَقَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَنْ ظَنَّ أَنَّ قِرَاءَةَ هَؤُلَاءِ كَعَاصِمٍ وَنَافِعٍ هِيَ الْأَحْرُفُ السَّبْعَةُ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا عَظِيمًا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ قِرَاءَتِهِمْ مِمَّا ثَبَتَ عَنِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَوَافَقَ خَطَّ الْمُصْحَفِ أَنْ لَا يَكُونُ قُرْآنًا، وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ، وَقَدْ بَيَّنَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْقُرَّاءِ إِنَّمَا هُوَ حَرْفٌ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ»   473 - 475 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ) : أَيِ الَّذِي أَلِفَ تِلَاوَتَهُ. وَالْمُصَاحَبَةُ الْمُؤَالَفَةُ، وَمِنْهُ فُلَانٌ صَاحِبُ فُلَانٍ، وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ وَأَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَأَصْحَابُ الصُّفَّةِ وَأَصْحَابُ إِبِلٍ وَغَنَمٍ وَأَصْحَابُ كَنْزٍ وَعِبَادَةٍ قَالَهُ عِيَاضٌ. (كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ الثَّقِيلَةِ أَيِ الْمُشَدَّدَةِ بِالْعِقَالِ، وَهُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يَشُدُّ فِي رَقَبَةِ الْبَعِيرِ (إِنْ عَاهَدَ الحديث: 473 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا) أَيِ اسْتَمَرَّ إِمْسَاكُهُ لَهَا (وَإِنْ أَطْلَقَهَا) مِنْ عَقْلِهَا (ذَهَبَتْ) أَيِ انْفَلَتَتْ، وَالْحُصْرُ فِي " إِنَّمَا " حَصْرٌ مَخْصُوصٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النِّسْيَانِ وَالْحِفْظِ بِالتِّلَاوَةِ وَالتَّرْكِ شَبَّهَ دَرْسَ الْقُرْآنِ وَاسْتِمْرَارَ تِلَاوَتِهِ بِرَبْطِ الْبَعِيرِ الَّذِي يُخْشَى مِنْهُ أَنْ يَشْرُدَ، فَمَا دَامَ التَّعَاهُدُ مَوْجُودًا فَالْحِفْظُ مَوْجُودٌ، كَمَا أَنَّ الْبَعِيرَ مَا دَامَ مَشْدُودًا بِالْعِقَالِ فَهُوَ مَحْفُوظٌ، وَخَصَّ الْإِبِلَ بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهَا أَشَدُّ الْحَيَوَانَاتِ الْإِنْسِيَّةِ نِفَارًا، وَفِيهِ حَضٌّ عَلَى دَرْسِ الْقُرْآنِ وَتَعَاهُدِهِ، وَفِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا: " «تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا» ". وَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْوَمَ» ". أَيْ مُنْقَطِعَ الْحُجَّةِ. وَقَالَ. " «عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا» ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: " «بِئْسَ مَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَكَرِهَ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ وَأَبَاحَ أَنْ يَقُولَ أُنْسِيتُ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} [الكهف: 63] (سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةُ 63) وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: النِّسْيَانُ الْمَذْمُومُ هُوَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ وَلَيْسَ مَنِ انْتَهَى حِفْظُهُ وَتَفَلَّتَ مِنْهُ بِنَاسٍ لَهُ إِذَا عَمِلَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا نَسِيَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَيْئًا مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى - إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 6 - 7] (سُورَةُ الْأَعْلَى: الْآيَةُ 6، 7) وَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: " «ذَكَّرَنِي هَذَا آيَةً أُنْسِيتُهَا» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، قَالَ تَعَالَى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 67) أَيْ تَرَكُوا طَاعَتَهُ فَتَرَكَ رَحْمَتَهُمْ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأنعام: 44] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 44) أَيْ تَرَكُوا، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا»   474 - 476 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ) الْمَخْزُومِيَّ، شَقِيقَ أَبِي جَهْلٍ، أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَاسْتُشْهِدَ فِي فُتُوحِ الشَّامِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَقَدْ تُكْتَبُ الْحَارِثُ بِلَا أَلْفٍ تَخْفِيفًا (سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،) قَالَ الْحَافِظُ: هَكَذَا رَوَاهُ الرُّوَاةُ عَنْ عُرْوَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ عَائِشَةَ حَضَرَتْ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ فَأَخْرَجُوهُ فِي مُسْنَدِ عَائِشَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَارِثَ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ بَعْدُ، فَيَكُونُ الحديث: 474 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 مِنْ مُرْسَلِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مَحْكُومٌ بِوَصْلِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: سَأَلْتُ. وَعَامِرٌ فِيهِ ضَعْفٌ لَكِنْ لَهُ مُتَابِعٌ عِنْدَ ابْنِ مَنْدَهْ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ (كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟) أَيْ صِفَةُ الْوَحْيِ نَفْسِهِ أَوْ صِفَةُ حَامِلِهِ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَإِسْنَادُ الْإِتْيَانِ إِلَى الْوَحْيِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ ; لِأَنَّ الْإِتْيَانَ حَقِيقَةٌ مِنْ وَصْفِ حَامِلِهِ، وَيُسَمَّى مَجَازًا فِي الْإِسْنَادِ لِلْمُلَابَسَةِ الَّتِي بَيْنَ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ، أَوْ هُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ ; شُبِّهَ الْوَحْيُ بِرَجُلٍ وَأُضِيفُ إِلَى الْمُشَبَّهِ الْإِتْيَانُ الَّذِي هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَفِيهِ أَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ لِطَلَبِ الطُّمَأْنِينَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الْيَقِينِ، وَجَوَازُ السُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْيَانًا) جَمْعُ حِينٍ يُطْلَقُ عَلَى كَثِيرِ الْوَقْتِ وَقَلِيلِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مُجَرَّدُ الْوَقْتِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: " أَوْقَاتًا "، وَنَصَبَ ظَرْفًا عَامُلُهُ (يَأْتِينِي) مُؤَخَّرٌ عَنْهُ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ إِذَا كَانَ ذَا أَقْسَامٍ يَذْكُرُ الْمُجِيبُ فِي أَوَّلِ جَوَابِهِ مَا يَقْتَضِي التَّفْصِيلَ، (فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ، أَصْلُهُ صَوْتُ وُقُوعِ الْحَدِيدِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى صَوْتٍ لَهُ طَنِينٌ، وَقِيلَ صَوْتٌ مُتَدَارَكٌ لَا يُدْرَكُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ. (الْجَرَسِ) بِجِيمٍ وَمُهْمَلَةٍ الْجُلْجُلُ الَّذِي يُعَلَّقُ فِي رُءُوسِ الدَّوَابِّ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْجَرْسِ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ الْحِسُّ، قِيلَ: الصَّلْصَلَةُ صَوْتُ الْمَلَكِ بِالْوَحْيِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ صَوْتٌ مُتَدَارَكٌ يَسْمَعُهُ وَلَا يُثْبِتُهُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ بَعْدُ، وَلَمَّا كَانَ الْجَرَسُ لَا تَحْصُلُ صَلْصَلَتُهُ إِلَّا مُتَدَارَكَةً وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ آلَاتٍ، وَقِيلَ: صَوْتُ حَفِيفِ أَجْنِحَةِ الْمَلَكِ، وَالْحِكْمَةُ فِي تَقَدُّمِهِ أَنْ يَقْرَعَ سَمْعَهُ الْوَحْيُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ مَكَانٌ لِغَيْرِهِ. (وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ) ; لِأَنَّ الْفَهْمَ مِنْ كَلَامٍ مِثْلِ الصَّلْصَلَةِ أَشَدُّ مِنَ الْفَهْمِ مِنْ كَلَامِ الرَّجُلِ بِالتَّخَاطُبِ الْمَعْهُودِ، وَفَائِدَةُ هَذِهِ الشِّدَّةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَشَقَّةِ مِنْ زِيَادَةِ الزُّلْفَى وَالدَّرَجَاتِ، وَأَفْهَمُ أَنَّ الْوَحْيَ كُلَّهُ شَدِيدٌ وَهَذَا أَشَدُّهُ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْقَائِلِ وَالسَّامِعِ، وَهِيَ هُنَا إِمَّا بِاتِّصَافِ السَّامِعِ بِوَصْفِ الْقَائِلِ فَغَلَبَتِ الرُّوحَانِيَّةُ، وَهُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ وَإِمَّا بِاتِّصَافِ الْقَائِلِ بِوَصْفِ السَّامِعِ، وَهُوَ الْبَشَرِيَّةُ وَهُوَ النَّوْعُ الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ أَشَدُّ بِلَا شَكٍّ، وَقَالَ السَّرَّاجُ الْبَلْقِينِيُّ: سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ الْعَظِيمَ لَهُ مُقَدَّمَاتٌ تُؤْذِنُ بِتَعْظِيمِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَكَانَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً. وَقِيلَ: كَانَ يَنْزِلُ هَكَذَا إِذَا نَزَلَتْ آيَةُ وَعِيدٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْقُرْآنِ كَمَا فِي حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فِي قِصَّةِ لَابِسِ الْجُبَّةِ الْمُتَضَمِّخِ بِالطِّيبِ فِي الْحَجِّ، فَفِيهِ أَنَّهُ رَآهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَالَةَ نُزُولِ الْوَحْيِ وَأَنَّهُ لِيَغُطُّ. (فَيَفْصِمُ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ يُقْطَعُ (عَنِّي) وَيَتَجَلَّى مَا يَغْشَانِي، وَيُرْوَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الصَّادَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَأَصْلُ الْفَصْمِ الْقَطْعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 256) ، وَقِيلَ: الْفَصْمُ بِالْفَاءِ الْقَطْعُ بِلَا إِبَانَةٍ، وَبِالْقَافِ الْقَطْعُ بِإِبَانَةٍ، فَذِكْرُهُ يَفْصِمُ بِالْفَاءِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَلَكَ فَارَقَهُ لِيَعُودَ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا بَقَاءُ الْعَلَقَةِ. (وَقَدْ وَعَيْتُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ حَفَظْتُ (مَا قَالَ) أَيِ الْقَوْلَ الَّذِي جَاءَ بِهِ، وَفِيهِ إِسْنَادُ الْوَحْيِ إِلَى قَوْلِ الْمَلَكِ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْكُفَّارِ: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] (سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ: الْآيَةُ 25) ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ الْوَحْيَ وَيُنْكِرُونَ مَجِيءَ الْمَلَكِ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ: الْمَحْمُودُ لَا يُشَبَّهُ بِالْمَذْمُومِ إِذْ حَقِيقَةُ التَّشْبِيهِ إِلْحَاقُ نَاقِصٍ بِكَامِلٍ، وَالْمُشَبَّهُ: الْوَحْيُ، وَالْمُشَبَّهُ بِهِ: صَوْتُ الْجَرَسِ، وَهُوَ مَذْمُومٌ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَالتَّنْفِيرِ مِنْ مُرَافَقَةِ مَا هُوَ مُعَلَّقٌ فِيهِ، وَالْإِعْلَامِ بِأَنَّهُمْ لَا تَصْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا، فَكَيْفَ شَبَّهَ فِعْلَ الْمَلَكِ بِأَمْرٍ تَنْفِرُ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي التَّشْبِيهِ تُسَاوِي الْمُشَبَّهِ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الصِّفَاتِ كُلِّهَا، بَلْ وَلَا فِي أَخَصِّ وَصْفِ لَهُ، بَلْ يَكْفِي اشْتِرَاكُهُمَا فِي صِفَةٍ مَا، فَالْقَصْدُ هُنَا بَيَانُ الْحِسِّ، فَذَكَرَ مَا أَلِفَ السَّامِعُونَ سَمَاعَهُ تَقْرِيبًا لِأَفْهَامِهِمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوْتَ لَهُ جِهَتَانِ: جِهَةُ قُوَّةٍ وَبِهَا وَقَعَ التَّشْبِيهُ، وَجِهَةُ طَنِينٍ وَبِهَا وَقَعَ النَّفِيرُ عَنْهُ، وَعُلِّلَ بِكَوْنِهِ مِزْمَارَ الشَّيْطَانِ، وَاحْتِمَالُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ وَقَعَ بَعْدَ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ فِيهِ نَظَرٌ، وَهَذَا النَّوْعُ شَبِيهٌ بِمَا يُوحَى إِلَى الْمَلَائِكَةِ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا: " «إِذَا قَضَى اللَّهُ فِي السَّمَاءِ أَمْرًا ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهَا سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» ". وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ أَبِي عَاصِمٍ مَرْفُوعًا: " «إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاءَ رَجْفَةٌ أَوْ رِعْدَةٌ شَدِيدَةٌ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ، فَإِذَا سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ صَعِقُوا وَخَرُّوا سُجَّدًا، فَيَكُونُ أَوَّلَهُمْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلُ فَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ بِمَا أَرَادَ فَيَنْتَهِي بِهِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ كُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ سَأَلَهُ أَهْلُهَا مَاذَا قَالَ رَبُّنَا؟ قَالَ: الْحَقَّ، فَيَنْتَهِي بِهِ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» . وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مَرْفُوعًا: " «إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ يَسْمَعُ أَهْلُ السَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَصَلْصَلَةِ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ فَيَفْزَعُونَ» ". (وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ) يَتَصَوَّرُ (لِيَ) أَيْ لِأَجْلِي، فَاللَّامُ تَعْلِيلِيَّةٌ (الْمَلَكُ) جِبْرِيلُ، كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ، فَأَلْ عَهْدِيَّةٌ (رَجُلًا) نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَيْ مِثْلَ رَجُلٍ أَوْ بِهَيْئَةِ رَجُلٍ، فَهُوَ حَالٌ، وَإِنْ لَمْ تُئَوَّلْ بِمُشْتَقٍّ لِدَلَالَةِ رَجُلٍ عَلَى الْهَيْئَةِ بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ عَلَى تَمْيِيزِ النِّسْبَةِ لَا تَمْيِيزِ الْفَرْدِ ; لِأَنَّ الْمَلَكَ لَا إِبْهَامَ فِيهِ، وَكَوْنُ تَمْيِيزِ النِّسْبَةِ مُحَوَّلًا عَنِ الْفَاعِلِ كَتَصَبَّبَ زَيْدٌ عَرَقًا أَوِ الْمَفْعُولِ كَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا، أَمْرٌ غَالِبٌ لَا دَائِمٌ بِدَلِيلِ امْتَلَأَ الْإِنَاءُ مَاءً، أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ بِتَضْمِينِ " يَتَمَثَّلُ " مَعْنَى " يَتَّخِذُ " أَيِ الْمَلَكُ رَجُلًا مِثَالًا، وَاسْتُبْعِدَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِاتِّحَادِ الْمُتَّخِذِ وَالْمُتَّخَذِ وَالْإِتْيَانِ بِمِثَالٍ بِلَا دَلِيلٍ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ: الْمَلَائِكَةُ أَجْسَامٌ عُلْوِيَّةٌ لَطِيفَةٌ تَتَشَكَّلُ أَيَّ شَكْلٍ أَرَادُوا. وَزَعَمَ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّهَا جَوَاهِرٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 رُوحَانِيَّةٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَالْحَقُّ أَنَّ تَمَثُّلَ الْمَلَكِ رَجُلًا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَاتَهُ انْقَلَبَتْ رَجُلًا، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ظَهَرَ بِتِلْكَ الصُّورَةِ تَأْنِيسًا لِمَنْ يُخَاطِبُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَدْرَ الزَّائِدَ لَا يَزُولُ وَلَا يَفْنَى بَلْ يَخْفَى عَلَى الرَّائِي فَقَطْ، وَتَقَدَّمَ مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي أَوَّلِ حَدِيثٍ (فَيُكَلِّمُنِي) بِالْكَافِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ: " فَيُعَلِّمُنِي " بِالْعَيْنِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ فَإِنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ رِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ بِالْكَافِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ وَغَيْرِهِ. (فَأَعِي مَا يَقُولُ) زَادَ أَبُو عَوَانَةَ: " «وَهُوَ أَهْوَنُهُ عَلَيَّ» "، وَعَبَّرَ هُنَا بِالِاسْتِقْبَالِ وَفِيمَا قَبْلَهُ بِالْمَاضِي ; لِأَنَّ الْوَحْيَ حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ الْفَصْمِ وَفِي الثَّانِي حَالَ الْمُكَالَمَةِ، أَوْ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَلَبَّسَ بِصِفَاتِ الْمَلَكِيَّةِ، فَإِذَا عَادَ إِلَى جِبِلَّتِهِ كَانَ حَافِظًا لِمَا قِيلَ لَهُ فَعَبَّرَ بِالْمَاضِي، بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ عَلَى حَالَتِهِ الْمَعْهُودَةِ. وَأَوْرَدَ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ حَصْرِ الْوَحْيِ فِي الْحَالَتَيْنِ حَالَاتٍ أُخْرَى، أَمَّا مِنْ صِفَةِ الْوَحْيِ بِمَجِيئِهِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ وَالنَّفْثِ فِي الرَّوْعِ وَالْإِلْهَامِ وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ وَالتَّكْلِيمِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَأَمَّا فِي صِفَةِ حَامِلِ الْوَحْيِ كَمَجِيئِهِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، وَرُؤْيَتِهِ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَقَدْ سَدَّ الْأُفُقَ، وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْحَصْرِ فِي الْحَالَيْنِ، وَحَمْلُهُمَا عَلَى الْغَالِبِ أَوْ حَمْلُ مَا يُغَايِرُهُمَا عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ السُّؤَالِ، أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِصِفَتَيْ الْمَلَكِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِنُدُورِهِمَا، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ كَذَلِكَ إِلَّا مَرَّتَيْنِ، أَوْ لَمْ يَأْتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِوَحْيٍ، أَوْ أَتَاهُ بِهِ وَكَانَ عَلَى مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، فَإِنَّهُ بَيَّنَ بِهَا صِفَةَ الْوَحْيِ لَا صِفَةَ حَامِلِهِ وَأَمَّا فُنُونُ الْوَحْيِ فَدَوِيُّ النَّحْلِ لَا يُعَارِضُ صَلْصَلَةَ الْجَرَسِ ; لِأَنَّ سَمَاعَ الدَّوِيِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَاضِرِينَ كَمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ يُسْمَعُ عِنْدَهُ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، وَالصَّلْصَلَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَبَّهَهُ عُمَرُ بَدَوِيِّ النَّحْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّامِعِينَ، وَشَبَّهَهُ هُوَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِصَلْصَلَةِ الْجَرَسِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقَامِهِ. وَأَمَّا النَّفْثُ فِي الرَّوْعِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ، فَإِذَا أَتَاهُ فِي مِثْلِ الصَّلْصَلَةِ نَفَثَ حِينَئِذٍ فِي رَوْعِهِ، وَأَمَّا الْإِلْهَامُ فَلَمْ يَقَعِ السُّؤَالُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ وَقَعَ عَنْ صِفَةِ الْوَحْيِ الَّذِي يَأْتِي بِحَامِلٍ، وَكَذَا التَّكْلِيمُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. وَأَمَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا تَرِدُ لِأَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَمَّا يَنْفَرِدُ بِهِ عَنِ النَّاسِ وَالرُّؤْيَا قَدْ يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَالرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ وَإِنْ كَانَتْ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ فَهِيَ بِاعْتِبَارِ صِدْقِهَا، وَإِلَّا لَسَاغَ أَنْ يُسَمَّى صَاحِبُهَا نَبِيًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَيُحْتَمَلَ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَمَّا فِي الْيَقَظَةِ، وَلِكَوْنِ حَالِ الْمَنَامِ لَا يَخْفَى عَلَى السَّائِلِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ ظُهُورُ ذَلِكَ لَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْمَنَامِ أَيْضًا عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا غَيْرَ، قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ أَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَأْتِيهِ عَلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ نَوْعًا فَذَكَرَهَا، وَغَالِبُهَا مِنْ صِفَاتِ الْوَحْيِ، وَمَجْمُوعُهَا يَدْخُلُ فِيمَا ذُكِرَ، انْتَهَى. (قَالَتْ عَائِشَةُ) بِالْإِسْنَادِ السَّابِقِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَتِيقِ بْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 يَعْقُوبَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْهَا، مَفْصُولًا عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ. وَكَذَا فَصَلَهُمَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، وَنُكْتَتُهُ هُنَا اخْتِلَافُ التَّحَمُّلِ ; لِأَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ أَخْبَرَتْ عَنْ مَسْأَلَةِ الْحَارِثِ، وَفِي الثَّانِي أَخْبَرَتْ عَمَّا شَاهَدَتْهُ تَأْيِيدًا لِلْخَبَرِ الْأَوَّلِ (وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ) بِوَاوِ الْقَسَمِ وَاللَّامِ لِلتَّأْكِيدِ، أَيْ وَاللَّهِ لَقَدْ أَبْصَرْتُهُ (يَنْزِلُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهُ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِضَمِّ أَوَّلِهُ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ (عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ) الشَّدِيدِ صِفَةٌ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ ; لِأَنَّهُ صِفَةُ الْبَرْدِ لَا الْيَوْمِ (فَيَفْصِمُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ أَوْ بِضَمِّهَا وَكَسْرِ الصَّادِ، مِنْ أَفْصَمَ، رُبَاعِيٌّ، وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، أَوْ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، رِوَايَاتٌ كَمَا مَرَّ، أَيْ يَقْلَعُ (عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لِيَتَفَصَّدُ) بِالْيَاءِ ثُمَّ التَّاءِ وَفَاءٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ ثَقِيلَةٍ، مِنَ الْفَصْدِ، وَهُوَ قَطْعُ الْعِرْقِ لِإِسَالَةِ الدَّمِ، شُبِّهَ جَبِينُهُ بِالْعِرْقِ الْمَفْصُودِ مُبَالَغَةً فِي الْكَثْرَةِ، أَيْ لَيَسِيلُ (عَرَقًا) تَمْيِيزٌ، زَادَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ: " وَإِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ فَتَضْرِبُ جِرَانَهَا مِنْ ثِقَلِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ "، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى كَثْرَةِ مُعَانَاةِ التَّعَبِ وَالْكَرْبِ ثُمَّ نُزُولِ الْوَحْيِ لِمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ، وَهُوَ كَثْرَةُ الْعَرَقِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ فَيَشْعُرُ بِأَمْرٍ طَارِئٍ زَائِدٍ عَلَى الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ. وَحَكَى الْعَسْكَرِيُّ فِي كِتَابِ التَّصْحِيفِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ بِالْقَافِ مِنَ التَّقْصِيدِ، قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: فَإِنْ ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِمْ تَقَصَّدَ الشَّيْءُ إِذَا تَكَسَّرَ وَتَقَطَّعَ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ، انْتَهَى. وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا التَّصْحِيفِ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ طَاهِرٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْمُؤْتَمِنُ السَّاجِيُّ بِالْفَاءِ، فَأَصَرَّ عَلَى الْقَافِ وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ عَنِ ابْنِ نَاصِرٍ أَنَّهُ رَدَّ عَلَى ابْنِ طَاهِرٍ لَمَّا قَرَأَهَا بِالْقَافِ، قَالَ: فَكَابَرَنِي، قُلْتُ: وَلَعَلَّهُ وَجَّهَهُ بِمَا قَالَ الْعَسْكَرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ هِشَامٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «أُنْزِلَتْ عَبَسَ وَتَوَلَّى فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ اسْتَدْنِينِي وَعِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ وَيَقُولُ يَا أَبَا فُلَانٍ هَلْ تَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا فَيَقُولُ لَا وَالدِّمَاءِ مَا أَرَى بِمَا تَقُولُ بَأْسًا فَأُنْزِلَتْ عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى»   475 - 477 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ) لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (أُنْزِلَتْ عَبَسَ وَتَوَلَّى فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ) الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَقِيلَ: اسْمُهُ عَمْرٌو بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ ابْنُ قَيْسِ بْنِ زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عَمْرُو بْنُ زَائِدَةَ نِسْبَةً لِجَدِّهِ، وَيُقَالُ: كَانَ اسْمُهُ الْحُصَيْنَ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ عَبْدَ اللَّهِ، حَكَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ: اسْمُهُ عَمْرٌو، وَاسْمُ أُمِّهِ أُمُّ مَكْتُومٍ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيَّةُ، أَسْلَمَ قَدِيمًا الحديث: 475 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 بِمَكَّةَ، وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ بِقَلِيلٍ وَرَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ وَالسِّيَرِ أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَخْلَفَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَلَهُ حَدِيثٌ فِي السُّنَنِ، وَخَرَجَ إِلَى الْقَادِسِيَّةِ فَشَهِدَ الْقِتَالَ فَاسْتُشْهِدَ، وَقِيلَ بَلْ شَهِدَهَا وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَاتَ بِهَا، وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ ذِكْرٌ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَفِيهِ نَزَلَ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 95) كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَ {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس: 1] (سُورَةُ عَبَسَ.: الْآيَةُ 1) (جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِمَكَّةَ (فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ) قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ نِدَائِهِ بِاسْمِهِ ; لِأَنَّهُ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ (اسْتَدْنِينِي) بِيَاءٍ بَيْنَ النُّونَيْنِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ: " اسْتَدْنِنِي " بِحَذْفِهَا، أَيْ أَشِرْ لِي إِلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْكَ أَجْلِسُ فِيهِ (وَعِنْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ) جَمْعُ عَظِيمٍ (الْمُشْرِكِينَ) وَهُوَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ، وَلِابْنِ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُنَاجِي عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأَبَا جَهِلَ وَالْعَبَّاسَ وَلَهُ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ: وَهُوَ يُنَاجِي أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَحَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَاجِيُّ خِلَافًا فِي تَفْسِيرِ الْمُبْهَمِ، وَزَادَ قَوْلًا أَنَّهُ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ (فَجَعَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُعْرِضُ عَنْهُ) ثِقَةً بِمَا فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ، لَا سِيَّمَا وَالَّذِي طَلَبَهُ مِنَ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ لَا يَفُوتُ. فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَقَالَ: " «عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ» " (وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ) رَجَاءَ إِسْلَامِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ إِسْلَامَ الْخَلْقِ، إِذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْإِنْذَارِ وَبِالدُّعَاءِ إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (وَيَقُولُ: يَا أَبَا فُلَانٍ) خَاطَبَهُ بِالْكُنْيَةِ اسْتِئْلَافًا (هَلْ تَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا؟ فَيَقُولُ: لَا وَالدِّمَاءِ) بِالْمَدِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رِوَايَةُ طَائِفَةٍ عَنْ مَالِكٍ بِضَمِّ الدَّالِّ أَيِ الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ وَيُعَظِّمُونَ وَاحِدَتُهَا دُمْيَةٌ، وَطَائِفَةٍ بِكَسْرِ الدَّالِّ أَيْ دِمَاءُ الْهَدَايَا الَّتِي كَانُوا يَذْبَحُونَهَا بِمِنًى لِآلِهَتِهِمْ، قَالَ تَوْبَةُ بْنُ الْحَيْرِ: عَلَيَّ دِمَاءُ الْبُدْنِ إِنْ كَانَ بَعْلُهَا ... يَرَى لِي ذَنَبًا غَيْرَ أَنِّي أَزُورُهَا وَقَالَ آخَرُ: أَمَا وَدِمَاءِ الْمُزْجِيَاتِ إِلَى مِنًى ... لَقَدْ كَفَرَتْ أَسْمَاءُ غَيْرَ كَفُورِ (مَا أَرَى بِمَا تَقُولُ بَأْسًا) شِدَّةً بَلْ هُوَ رُوحُ الْأَرْوَاحِ (فَأُنْزِلَتْ عَبَسَ وَتَوَلَّى) أَعْرَضَ (أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) زَادَ أَبُو يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ: " «فَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ ذَلِكَ يُكْرِمُهُ» "، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «فَكَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مُقْبِلًا بَسَطَ إِلَيْهِ رِدَاءَهُ حَتَّى يُجْلِسَهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ إِذَا خَرَجَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 مِنَ الْمَدِينَةِ اسْتَخْلَفَهُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ حَتَّى يَرْجِعَ» " وَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَاتَبَ اللَّهُ نَبِيَّهُ فِي سُورَةِ عَبَسَ قَالَتْ: وَلَوْ كَتَمَ مِنَ الْوَحْيِ شَيْئًا لَكَتَمَ هَذَا. وَإِنَّمَا حَصَلَتْ صُورَةُ الْعِتَابِ مَعَ أَنَّ فِعْلَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ طَاعَةً لِرَبِّهِ وَتَبْلِيغًا عَنْهُ وَاسْتِئْلَافًا لَهُ كَمَا شَرَعَهُ لَهُ ; لِأَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ بِسَبَبِ عَمَاهُ اسْتَحَقَّ مَزِيدَ الرِّفْقِ، وَالْمُسْتَفَادُ مِنَ الْآيَةِ إِعْلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ ذَلِكَ الْمُتَصَدِّيَ لَهُ لَا يَتَزَكَّى، وَأَنَّهُ لَوْ كُشِفَ لَهُ حَالُ الرَّجُلَيْنِ لَاخْتَارَ الْإِقْبَالَ عَلَى الْأَعْمَى، فَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى التَّرْحِيبِ بِالْفُقَرَاءِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ فِي مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ وَعَدَمِ إِيثَارِ الْأَغْنِيَاءِ عَلَيْهِمْ وَفِي الْحَدِيثِ: الِاعْتِنَاءُ بِعِلْمِ السِّيَرِ وَمَا ارْتَبَطَ بِهَا مِنْ عِلْمِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَمَتَى نَزَلَ وَفِي مَنْ نَزَلَ وَإِنَّهُ لَحَسَنٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ «يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ فَقَالَ عُمَرُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ عُمَرُ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ قَالَ عُمَرُ فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ أَمَامَ النَّاسِ وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي قَالَ فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ قَالَ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَرَأَ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا»   476 - 478 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ أَبِيهِ) أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ، ثِقَةٌ، مُخَضْرَمٌ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةِ سَنَةٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ) هُوَ سَفَرُ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ إِلَّا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ ; لِأَنَّ أَسْلَمَ رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ مَوْصُولًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا السِّيَاقُ صُورَتُهُ الْإِرْسَالُ ; لِأَنَّ أَسْلَمَ لَمْ يُدْرِكْ زَمَانَ هَذِهِ الْقِصَّةِ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ لِقَوْلِهِ فِي أَثْنَائِهِ: قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي. وَقَدْ جَاءَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى: سَمِعْتُ عُمَرَ. أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ هَكَذَا إِلَّا ابْنَ عَثْمَةَ وَابْنَ غَزْوَانَ، وَرِوَايَةُ ابْنِ غَزْوَانَ أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، وَإِسْحَاقَ الْحُنَيْنِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ عَلَى الِاتِّصَالِ (وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا) فَفِيهِ إِبَاحَةُ السَّيْرِ عَلَى الدَّوَابِّ لَيْلًا، وَحَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْ لَا يَمْشِي بِهَا نَهَارًا، أَوْ قَلَّ مَشْيُهُ بِهَا نَهَارًا ; لِأَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَ بِالرِّفْقِ بِهَا وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ) لِاشْتِغَالِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْوَحْيِ (ثُمَّ سَأَلَهُ) ثَانِيًا (فَلَمْ يَجُبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ) ثَالِثًا (فَلَمْ يَجُبْهُ) وَلَعَلَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ (فَقَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ، أَيْ فَقَدَتْكَ (أُمُّكَ) يَا (عُمَرُ) فَهُوَ مُنَادَى بِحَذْفِ الْيَاءِ، وَثَبَتَتْ فِي رِوَايَةٍ: دَعَا عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْهُ مِنَ الْإِلْحَاحِ خَوْفَ غَضَبِهِ وَحِرْمَانَ فَائِدَتِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَمَا غَضِبَ عَالِمٌ إِلَّا حُرِمَتْ فَائِدَتُهُ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ دَعَا عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَوْتِ وَالْمَوْتُ يَعُمُّ كُلَّ الحديث: 476 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 أَحَدٍ، فَإِذًا: الدُّعَاءُ كَلَا دُعَاءٍ (نَزَرْتَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالزَّايِ مُخَفَّفَةً فَرَاءٍ سَاكِنَةٍ (رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ أَلْحَحْتَ عَلَيْهِ وَبَالَغْتَ فِي السُّؤَالِ، أَوْ رَاجَعْتَهُ أَوْ أَتَيْتَهُ بِمَا يَكْرَهُ مِنْ سُؤَالِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ، وَهُوَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، أَيْ أَقْلَلْتَ كَلَامَهُ إِذْ سَأَلْتَهُ مَا لَا يُحِبُّ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ، وَالتَّخْفِيفُ هُوَ الْوَجْهُ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ: سَأَلْتُ عَنْهُ مِمَّنْ لَقِيتُ أَرْبَعِينَ فَمَا قَرَؤُهُ قَطُّ إِلَّا بِالتَّخْفِيفِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ) فَفِيهِ أَنَّ سُكُوتَ الْعَالِمِ يُوجِبُ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ تَرْكَ الْإِلْحَاحِ عَلَيْهِ، وَإِنَّ لَهُ أَنْ يَسْكُتَ عَمَّا لَا يُرِيدُ أَنْ يُجِيبَ فِيهِ (قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ أَمَامَ) بِالْفَتْحِ، قُدَّامَ (النَّاسِ وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ) بِشَدِّ الْيَاءِ (قُرْآنٌ فَمَا نَشِبْتُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَفَوْقِيَّةٍ، فَمَا لَبِثْتُ وَمَا تَعَلَّقْتُ بِشَيْءٍ (أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا) لَمْ يُسَمَّ (يَصْرُخُ بِي قَالَ) عُمَرُ (فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَرَى أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ يُؤْنِسُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ (قَالَ) عُمَرُ: (فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ) بَعْدَ رَدِّ السَّلَامِ ( «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ» ) بِلَامِ التَّأْكِيدِ ( «أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» ) لِمَا فِيهَا مِنَ الْبِشَارَةِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَفْعَلُ قَدْ لَا يُرَادُ بِهَا الْمُفَاضَلَةُ (ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَالْبَرَاءُ: هُوَ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ وَوُقُوعُ الصُّلْحِ. قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنَّ الْفَتْحَ لُغَةً فَتْحُ الْمُغْلَقِ، وَالصُّلْحُ كَانَ مُغْلَقًا حَتَّى فَتَحَهُ اللَّهُ، وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ فَتْحِهِ صَدُّ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْبَيْتِ، فَكَانَتِ الصُّورَةُ الظَّاهِرَةُ ضَيْمًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْبَاطِنَةِ عِزًّا لَهُمْ، فَإِنَّ النَّاسَ لِلْأَمْنِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِمُ اخْتَلَطَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَأَسْمَعَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ الْقُرْآنَ وَنَاظَرُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ جَهْرَةً آمِنِينَ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُونَ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ إِلَّا خُفْيَةً فَظَهَرَ مَنْ كَانَ يُخْفِي إِسْلَامَهُ، فَذَلَّ الْمُشْرِكُونَ مِنْ حَيْثُ أَرَادُوا الْعِزَّةَ وَقُهِرُوا مِنْ حَيْثُ أَرَادُوا الْغَلَبَةَ، وَقِيلَ: هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ، نَزَلَتْ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةَ عِدَةً لَهُ بِفَتْحِهَا، وَأُتِيَ بِهِ مَاضِيًا لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، وَفِيهِ مِنَ الْفَخَامَةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى عُلُوِّ شَأْنِ الْمُخْبَرِ بِهِ مَا لَا يَخْفَى، وَقِيلَ: الْمَعْنَى قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً بَيِّنًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ تَدْخُلَهَا أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ قَابِلًا مِنَ الْفُتَاحَةِ وَهِيَ الْحُكُومَةُ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُرَادِ مِنَ الْآيَاتِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} [الفتح: 1] (سُورَةُ الْفَتْحِ: الْآيَةُ 1) فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ لِمَا تَرَتَّبَ عَلَى الصُّلْحِ مِنَ الْأَمْنِ وَرَفْعِ الْحَرْبِ، وَتَمَكُّنُ مَنْ كَانَ يَخْشَى الدُّخُولَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 فِي الْإِسْلَامِ وَالْوُصُولَ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْهُ، وَتَتَابُعُ الْأَسْبَابِ إِلَى أَنْ كَمُلَ الْفَتْحُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا فَالْمُرَادُ فَتْحُ خَيْبَرَ عَلَى الصَّحِيحِ ; لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] (سُورَةُ النَّصْرِ: الْآيَةُ 1) ، وَقَوْلُهُ: " «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» " فَفَتْحُ مَكَّةَ بِاتِّفَاقٍ فَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ وَتَجْتَمِعُ الْأَقْوَالُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَدْخَلَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ تَعْرِيفًا بِأَنَّهُ يَنْزِلُ فِي الْأَحْيَانِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَمَا يَعْرِضُ، انْتَهَى. وَلِإِفَادَةِ أَنَّ مِنْهُ لَيْلِيٌّ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي التَّفْسِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَلَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ تَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا تَرَى شَيْئًا وَتَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا تَرَى شَيْئًا وَتَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا تَرَى شَيْئًا وَتَتَمَارَى فِي الْفُوقِ»   477 - 479 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ التَّابِعِيِّ، وَلِجَدِّهِ قَيْسٍ الْبَغَوِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ خَالِدٍ الْقُرَشِيِّ (التَّيْمِيِّ) تَيْمِ قُرَيْشٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ، مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَدُّهُ الْحَارِثُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيِّ، الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: يَخْرُجُ فِيكُمْ) أَنْفُسِكُمْ يَعْنِي أَصْحَابَهُ، أَيْ يَخْرُجُ عَلَيْكُمْ (قَوْمٌ) هُمُ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ فَقَتَلَهُمْ فَهُمْ أَصْلُ الْخَوَارِجِ، وَأَوَّلُ خَارِجَةٍ خَرَجَتْ، إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ طَائِفَةً كَانَتْ مِمَّنْ قَصَدَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الدَّارِ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ، وَسُمُّوا خَوَارِجَ مِنْ قَوْلِهِ يَخْرُجُ، قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ (تَحْقِرُونَ) بِكَسْرِ الْقَافِ تَسْتَقِلُّونَ ( «صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ» ) ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَ النَّهَارَ وَيَقُومُونَ اللَّيْلَ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ مُنَاظَرَتِهِ لِلْخَوَارِجِ قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فَدَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ أَرَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ (وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ كَقَوْلِهِ: {وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28] (سُورَةُ نُوحٍ: الْآيَةُ 28) (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ) آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " «يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا» " أَيْ لِمُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى تِلَاوَتِهِ، فَلَا يَزَالُ لِسَانُهُمْ رَطْبًا بِهَا أَوْ هُوَ مَنْ تَحْسِينِ الصَّوْتِ بِهَا (وَلَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ) جَمْعُ حَنْجَرَةٍ، وَهِيَ آخِرُ الْحَلْقِ مِمَّا يَلِي الْفَمَ، وَقِيلَ: أَعْلَى الصَّدْرِ عِنْدَ طَرَفِ الْحُلْقُومِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ قِرَاءَتَهُمْ لَا يَرْفَعُهَا اللَّهُ وَلَا يَقْبَلُهَا، وَقِيلَ لَا يَعْمَلُونَ بِالْقُرْآنِ فَلَا يُثَابُونَ عَلَى الحديث: 477 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 قِرَاءَتِهِمْ فَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ إِلَّا سَرْدُهُ، وَقِيلَ: لَا تَفْقَهُهُ قُلُوبُهُمْ وَيَحْمِلُونَهُ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ بِهِ، فَلَا حَظَّ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا مُرُورُهُ عَلَى لِسَانِهِمْ، لَا يَصِلُ إِلَى حُلُوقِهِمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَصِلَ إِلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يَتَدَبَّرُوهُ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ رَشِيقٍ: الْمَعْنَى لَا يَنْتَفِعُونَ بِقِرَاءَتِهِ كَمَا لَا يَنْتَفِعُ الْآكِلُ وَالشَّارِبُ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إِلَّا بِمَا يُجَاوِزُ حَنْجَرَتَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَانُوا لِتَكْفِيرِهِمُ النَّاسَ لَا يَقْبَلُونَ خَبَرَ أَحَدٍ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَعْرِفُوا بِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ سُنَّتِهِ وَأَحْكَامِهِ الْمُبَيِّنَةِ لِمُجْمَلِ الْقُرْآنِ وَالْمُخْبِرَةِ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خِطَابِهِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْمُرَادِ بِهَا إِلَّا بِبَيَانِ رَسُولِهِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] (سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 44) وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالْحَجُّ وَالصَّوْمُ وَسَائِرُ الْأَحْكَامِ إِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ مُجْمَلَةً بَيَّنَتْهَا السُّنَّةُ، فَمَنْ لَمْ يَقْبَلْ أَخْبَارَ الْعُدُولِ ضَلَّ وَصَارَ فِي عِمِّيَّا. (يَمْرُقُونَ) بِضَمِّ الرَّاءِ يَخْرُجُونَ سَرِيعًا (مِنَ الدِّينِ) قِيلَ: الْمُرَادُ الْإِسْلَامُ، فَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ كَفَّرَ الْخَوَارِجَ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْوَذِيِّ مُحْتَجًّا بِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ. " «يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ» "، وَقِيلَ: الْمُرَادُ الطَّاعَةُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِكُفْرِهِمْ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدِّينِ الْإِسْلَامُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَخَرَجَ الْكَلَامُ مَخْرَجَ الزَّجْرِ وَأَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ الْكَامِلِ (مُرُوقَ السَّهْمِ) وَفِي رِوَايَةٍ: " «كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ» " (مِنَ الرَّمِيَّةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ، وَهِيَ الطَّرِيدَةُ مِنَ الصَّيْدِ، فَعِيلَةٌ مِنَ الرَّمْيِ بِمَعْنَى مُفْعُولَةٍ، دَخَلَتْهَا الْهَاءُ إِشَارَةً إِلَى نَقْلِهَا مِنَ الْوَصْفِيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ، شَبَّهَ مُرُوقَهُمْ مِنَ الدِّينِ بِالسَّهْمِ الَّذِي يُصِيبُ الصَّيْدَ فَيَدْخُلُ فِيهِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ وَمِنْ شِدَّةِ سُرْعَةِ خُرُوجِهِ لِقُوَّةِ الرَّامِي لَا يَعْلَقُ مِنْ جَسَدِ الصَّيْدِ بِشَيْءٍ (تَنْظُرُ) أَيُّهَا الرَّامِي (فِي النَّصْلِ) بِنُونٍ فَصَادٍ، حَدِيدَةُ السَّهْمِ، هَلْ تَرَى فِيهِ شَيْئًا مِنْ أَثَرِ الصَّيْدِ دَمٍ أَوْ نَحْوِهِ؟ (فَلَا تَرَى شَيْئًا) فِيهِ (وَتَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَحَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ، خَشَبُ السَّهْمِ أَوْ مَا بَيْنَ الرِّيشِ وَالسَّهْمِ، هَلْ تَرَى أَثَرًا؟ (فَلَا تَرَى شَيْئًا) فِيهِ (وَتَنْظُرُ فِي الرِّيشِ) الَّذِي عَلَى السَّهْمِ (فَلَا تَرَى شَيْئًا) فِيهِ (وَتَتَمَارَى) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّتَيْنِ، أَيْ تَشُكُّ (فِي الْفُوقِ) بِضَمِّ الْفَاءِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْوَتَرِ مِنَ السَّهْمِ، أَيْ تَتَشَكَّكُ هَلْ عَلِقَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الدَّمِ؟ وَفِي رِوَايَةٍ: وَيَنْظُرُ وَيَتَمَارَى، بِالتَّحْتِيَّةِ أَيِ الرَّامِي، وَالْمَعْنَى أَنَّ هَؤُلَاءِ يَخْرُجُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ بَغْتَةً كَخُرُوجِ السَّهْمِ إِذَا رَمَاهُ رَامٍ قَوِيُّ السَّاعِدِ فَأَصَابَ مَا رَمَاهُ فَنَفَذَ بِسُرْعَةٍ بِحَيْثُ لَا يَعْلَقُ بِالسَّهْمِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ مِنَ الْمُرْمِيِ شَيْءٌ، فَإِذَا الْتَمَسَ الرَّامِي سَهْمَهُ لَمْ يَجِدْهُ عَلِقَ بِشَيْءٍ مِنَ الدَّمِ وَلَا غَيْرِهِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيِّ: " «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ الْإِسْلَامِ خُرُوجَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، عَرَضَتْ لِلرِّجَالِ فَرَمَوْهَا، فَانْمَرَقَ سَهْمُ أَحَدِهِمْ مِنْهَا فَخَرَجَ، فَأَتَاهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِنَصْلِهِ مِنَ الدَّمِ شَيْءٌ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْقِدْحِ» ". الْحَدِيثَ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 " «آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدٌ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى خَيْرِ فِرْقَةً مِنَ النَّاسِ» ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي نَعَتَهُ. وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " «فَلَمَّا قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ قَالَ: انْظُرُوا فَلَمْ يَنْظُرُوا شَيْئًا، فَقَالَ: ارْجِعُوا فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ وَجَدُوهُ فِي خَرِبَةٍ» ". قَالَ الْبَاجِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ، وَفِي التَّمْهِيدِ: يَتَمَارَى فِي الْفُوقِ، أَيْ يَشُكُّ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ لَا يُقْطَعَ عَلَى الْخَوَارِجِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ يُشَكَّ فِي أَمْرِهِمْ، وَكُلُّ شَيْءٍ يُشَكُّ فِيهِ فَسُبُلُهُ التَّوَقُّفُ فِيهِ دُونَ الْقَطْعِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي» " فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فَقَدْ جَعَلَهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهُ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَاهُمْ. وَقَالَ عَلِيٌّ: لَمْ نُقَاتِلْ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ عَلَى الشِّرْكِ، وَسُئِلَ عَنْهُمْ أَكُفَّارٌ هُمْ؟ قَالَ: مِنَ الْكُفْرِ فَرُّوا، قِيلَ: فَمُنَافِقُونَ؟ قَالَ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا، قِيلَ: فَمَا هُمْ؟ قَالَ: قَوْمٌ أَصَابَتْهُمْ فِتْنَةٌ فَعَمُوا فِيهَا وَصَمُّوا وَبَغَوْا عَلَيْنَا وَحَارَبُونَا وَقَاتَلُونَا فَقَتَلْنَاهُمْ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: رَأَى مَالِكٌ قَتْلَ الْخَوَارِجِ وَأَهْلَ الْقَدَرِ لِلْفَسَادِ الدَّاخِلِ فِي الدِّينِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ إِفْسَادُهُمْ بِدُونِ إِفْسَادِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالْمُحَارِبِينَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ قَتْلُهُمْ، لَكِنَّهُ يَرَى اسْتِتَابَتَهُمْ لَعَلَّهُمْ يُرَاجِعُونَ الْحَقَّ فَإِنْ تَمَادَوْا قُتِلُوا عَلَى إِفْسَادِهِمْ لَا عَلَى كُفْرِهِمْ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَرَوْنَ قَتْلَهُمْ وَاسْتِتَابَتَهُمْ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ بِاسْتِتَابَةٍ وَغَيْرِهَا مَا اسْتَتَرُوا وَلَمْ يَبْغُوا وَلَمْ يُحَارِبُوا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ: هُمْ كُفَّارٌ عَلَى ظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ، وَلَكِنْ يُعَارِضُهَا غَيْرُهَا فِي مَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا وَيُرِيدُ بِعَمَلِهِ وَجْهَهُ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي حُكْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ، وَالنَّظَرُ يَشْهَدُ أَنَّ الْكُفْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِضِدِّ الْحَالِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْإِيمَانُ فَهُمَا ضَرَّتَانِ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَبَالَغَ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْخَوَارِجَ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ فِرْقَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَجَازُوا مُنَاكَحَتَهُمْ وَأَكْلَ ذَبَائِحِهِمْ وَقَبُولَ شَهَادَتِهِمْ، وَهَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَكَثَ عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِيَ سِنِينَ يَتَعَلَّمُهَا   477 - 480 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَكَثَ عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِي سِنِينَ يَتَعَلَّمُهَا) لَيْسَ ذَلِكَ لِبُطْءٍ مَعَاذَ اللَّهِ، بَلْ لِأَنَّهُ كَانَ يَتَعَلَّمُ فَرَائِضَهَا وَأَحْكَامَهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، فَقَدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَرَاهَةُ الْإِسْرَاعِ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ دُونَ التَّفَقُّهِ فِيهِ، وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ خَلَطَ مَعَ ذَلِكَ مِنَ الْعِلْمِ أَبْوَابًا غَيْرَهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَتَأَوَّلَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي عُمَرَ لِأَنَّهُ كَانَ يَتَعَلَّمُهَا بِأَحْكَامِهَا وَمَعَانِيهَا وَأَخْبَارِهَا، وَهَذَا الْبَلَاغُ أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ مَيْمُونٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَعَلَّمَ الْبَقَرَةَ فِي ثَمَانِ سِنِينَ. وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَعَلَّمَ عُمَرُ الْبَقَرَةَ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمَّا خَتَمَهَا نَحَرَ جَزُورًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 [بَاب مَا جَاءَ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ «قَرَأَ لَهُمْ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ فِيهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِيهَا»   5 - بَابُ مَا جَاءَ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ وَهُوَ سُنَّةٌ أَوْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: 37] (سُورَةُ فُصِّلَتْ: الْآيَةُ 37) وَقَوْلِهِ: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] (سُورَةُ الْعَلَقِ: الْآيَةُ 19) وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، وَلَنَا: " «أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (وَالنَّجْمِ) فَلَمْ يَسْجُدْ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقَوْلُ عُمَرَ: " «أُمِرْنَا بِالسُّجُودِ يَعْنِي لِلتِّلَاوَةِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ، وَمِنْ أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَمِنْهَا مَا هُوَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَمِنْهَا مَا هُوَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي الَّتِي بِصِيغَةِ الْأَمْرِ: هَلْ فِيهَا سُجُودٌ أَمْ لَا؟ وَهِيَ ثَانِيَةُ الْحَجِّ وَالنَّجْمِ وَاقْرَأْ، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَ مَا وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ أَوْلَى أَنْ يُتَّفَقَ عَلَى السُّجُودِ فِيهِ مِمَّا وَرَدَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ. 478 - 481 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ) الْمَخْزُومِيِّ الصَّحَابِيِّ الْمَدَنِيِّ الْمُقْريِّ الْأَعْوَرِ، مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ) الْمَخْزُومِيِّ الصَّحَابِيِّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَرَأَ لَهُمْ) قَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي لِقَوْلِهِ: قَرَأَ لَهُمْ، وَقَوْلِهِ: فَلَمَّا انْصَرَفَ، وَجَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ: صَلَّيْتُ خَلَفَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعِشَاءَ فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] فَسَجَدَ فِيهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ) مِنَ السُّجُودِ (أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَجَدَ فِيهَا) وَبِهَذَا قَالَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَجَمَاعَةٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ الحديث: 478 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْجُمْهُورُ لَا سُجُودَ ; لِأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا سَجَدَ: لَقَدْ سَجَدْتَ فِي سُورَةٍ مَا رَأَيْتُ النَّاسَ يَسْجُدُونَ فِيهَا، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ النَّاسَ تَرَكُوهُ وَجَرَى الْعَمَلُ بِتَرْكِهِ، وَرَدَّهُ أَبُو عُمَرَ بِمَا حَاصِلُهُ أَيُّ عَمَلٍ يُدَّعَى مَعَ مُخَالَفَةِ الْمُصْطَفَى وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِنَحْوِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ فَسَجَدَ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ   479 - 482 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ، فَسَجَدَ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ) أُولَاهُمَا عِنْدَ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 17) ، وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَالثَّانِيَةُ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 77) فَلَمْ يَقُلْ بِهَا مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِيهَا السُّجُودَ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. الحديث: 479 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَسْجُدُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ   480 - 483 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَسْجُدُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ) وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا: لَوْ سَجَدْتُ فِيهَا وَاحِدَةً كَانَتِ السَّجْدَةُ الْأَخِيرَةُ أَحَبَّ إِلَيَّ. وَرُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا: «فِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا» ، يُرِيدُ لَا يَقْرَأْهُمَا إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ، وَالتَّعَلُّقُ بِهِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِضَعْفِ إِسْنَادِهِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَرَدَّهُ ابْنُ زُرْقُونَ بِأَنَّ ابْنَ حَنْبَلٍ احْتَجَّ بِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِإِسْنَادِهِ، وَهَذَا رَدٌّ بِالصَّدْرِ مِنْ فَقِيهٍ عَلَى مُحَدِّثٍ حَافِظٍ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ احْتِجَاجِهِ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ ضَعِيفًا فَالْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ مَعَ إِسْنَادِهِ الحديث: 480 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ بِالنَّجْمِ إِذَا هَوَى فَسَجَدَ فِيهَا ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى   481 - 484 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ) فِي الصَّلَاةِ الحديث: 481 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 (بِالنَّجْمِ إِذَا هَوَى فَسَجَدَ فِيهَا) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ فِيهَا فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا سَجَدَ، فَأَخَذَ رَجُلٌ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا» " (ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى) لِيَقَعَ رُكُوعُهُ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الرُّكُوعِ، وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ. رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ عُمَرَ: " أَنَّهُ قَرَأَ النَّجْمَ فِي صَلَاةٍ فَسَجَدَ فِيهَا، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ إِذَا زُلْزِلَتِ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سَجْدَةً وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ ثُمَّ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ عَلَى رِسْلِكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَشَاءَ فَلَمْ يَسْجُدْ وَمَنَعَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ إِذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيَسْجُدَ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ عَزَائِمَ سُجُودِ الْقُرْآنِ إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ يَقْرَأُ مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ شَيْئًا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَعَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَالسَّجْدَةُ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ سَجْدَةً فِي تَيْنِكَ السَّاعَتَيْنِ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ قَرَأَ سَجْدَةً وَامْرَأَةٌ حَائِضٌ تَسْمَعُ هَلْ لَهَا أَنْ تَسْجُدَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَسْجُدُ الرَّجُلُ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَّا وَهُمَا طَاهِرَانِ وَسُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ قَرَأَتْ سَجْدَةً وَرَجُلٌ مَعَهَا يَسْمَعُ أَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهَا قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهَا إِنَّمَا تَجِبُ السَّجْدَةُ عَلَى الْقَوْمِ يَكُونُونَ مَعَ الرَّجُلِ فَيَأْتَمُّونَ بِهِ فَيَقْرَأُ السَّجْدَةَ فَيَسْجُدُونَ مَعَهُ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ سَمِعَ سَجْدَةً مِنْ إِنْسَانٍ يَقْرَؤُهَا لَيْسَ لَهُ بِإِمَامٍ أَنْ يَسْجُدَ تِلْكَ السَّجْدَةَ   482 - 485 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ) فِيهِ انْقِطَاعٌ، فَعُرْوَةُ وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ فَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ (بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سَجْدَةً) أَيْ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ، وَهِيَ سُورَةُ النَّحْلِ (وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، وَهِيَ الَّتِي عِنْدَ أَبِي عُمَرَ، وَيَقَعُ فِي نُسَخٍ: وَسَجَدْنَا مَعَهُ. قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ عُرْوَةَ أَرَادَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَأَضَافَ الْخِطَابَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مَنْ جُمْلَتِهِمْ، وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. (ثُمَّ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكُمْ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ هَيْئَتِكُمْ (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا) لَمْ يَفْرِضْهَا (عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَشَاءَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَكِنَّ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إِلَى مَشِيئَةِ الْمَرْءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (فَلَمْ يَسْجُدْ وَمَنَعَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا) وَفِي عَدَمِ إِنْكَارِ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَأَنَّهُ إِجْمَاعٌ، وَلَعَلَّ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ تَعْلِيمًا لِلنَّاسِ، وَخَافَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَبَادَرَ إِلَى حَسْمِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ. " أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّجْدَةُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ " وَزَادَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ "، قَالَ الْحَافِظُ: اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ نَشَاءَ، عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ مُخَيَّرٌ فِي السُّجُودِ فَيَكُونُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَأَجَابَ مَنْ أَوْجَبَهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى إِلَّا أَنْ نَشَاءَ الحديث: 482 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 قِرَاءَتَهَا فَيَجِبُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ، وَيَرُدُّهُ تَصْرِيحُ عُمَرَ بُقُولِهِ: وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. فَإِنَّ انْتِفَاءَ الْإِثْمِ عَمَّنْ تَرَكَ الْفِعْلَ مُخْتَارًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ إِذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيَسْجُدَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: رَوَى عَلِيٌّ يُكْرَهُ أَنْ يَنْزِلَ عَنِ الْمِنْبَرِ يَسْجُدُ سَجْدَةً قَرَأَهَا. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ عَزَائِمَ سُجُودِ الْقُرْآنِ) أَيْ مَا وَرَدَتِ الْعَزِيمَةُ عَلَى فِعْلِهِ كَصِيَغِهِ الْأَمْرِ مَثَلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْوُجُوبِ (إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً) آخِرُ الْأَعْرَافِ، وَ (الْآصَالِ) فِي الرَّعْدِ، وَ (يُؤْمَرُونَ) فِي (النَّحْلِ) ، وَ (خُشُوعًا) فِي سُبْحَانَ، وَ (بُكِيًّا) فِي مَرْيَمَ، وَ (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) فِي الْحَجِّ، وَ (نُفُورًا) فِي الْفُرْقَانِ، وَ (الْعَظِيمِ) فِي النَّمْلِ، وَ (لَا يَسْتَكْبِرُونَ) فِي الم السَّجْدَةِ، وَ (أَنَابَ) فِي ص، وَ (تَعْبُدُونَ) فِي فُصِّلَتْ. (لَيْسَ فِي الْمُفَصُّلِ مِنْهَا شَيْءٌ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَ (النَّجْمِ) فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا» . وَحَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ سَجْدَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: وَأُبَيٌّ وَزَيْدٌ فِي الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ كَمَا لَا يَجْهَلُ أَحَدٌ، زَيْدٌ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ مَاتَ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّتَيْنِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أُبَيٍّ وَهُمْ مَنْ لَا يُشَكُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَهُ إِلَّا بِالْإِحَاطَةِ مَعَ قَوْلِ مَنْ لَقِينَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةَ، وَكَيْفَ يَجْهَلُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ سُجُودَ الْقُرْآنِ وَقَدْ قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ: " «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ الْقُرْآنَ» ". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ثُمَّ قَطَعَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ بِإِثْبَاتِ السُّجُودِ فِي الْمُفَصَّلِ، قَالَ غَيْرُهُ: وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَضَعَّفَهُ الْمُحَدِّثُونَ لِضَعْفٍ فِي بَعْضِ رُوَاتِهِ وَاخْتِلَافٍ فِي إِسْنَادِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَالْمُثْبَتُ مُقَدَّمٌ عَلَى الثَّانِي. وَتَقَدَّمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَجَدَ فِي إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ» " وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْجُدُ لَمْ أَسْجُدْ» ". وَلِلْبَزَّارِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَجَدَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ وَسَجَدْنَا مَعَهُ» ". وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ يَقْرَأُ مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ شَيْئًا) فَيَسْجُدُ (بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ) فَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ (وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 الشَّمْسُ وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ» ) كَمَا أَسْنَدَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ (وَالسَّجْدَةُ مِنَ الصَّلَاةِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ سَجْدَةً فِي تَيْنِكَ السَّاعَتَيْنِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: مَنَعَهَا فِي الْمُوَطَّأِ فَقَاسَهَا عَلَى صَلَاةِ النَّوَافِلِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَسْجُدُ لَهَا بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، فَرَآهَا صَلَاةً اخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَقَاسَهَا عَلَيْهَا. (سَأَلَ مَالِكٌ عَمَّنْ قَرَأَ سَجْدَةً وَامْرَأَةٌ حَائِضٌ تَسْمَعُ، هَلْ لَهَا أَنْ تَسْجُدَ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَسْجُدُ الرَّجُلُ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَّا وَهُمَا طَاهِرَانِ) أَيِ الطَّهَارَةَ الْكَامِلَةَ بِالْوُضُوءِ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ يُوَافِقِ ابْنَ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ إِلَّا الشَّعْبِيُّ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَلِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " لَا يَسْجُدُ الرَّجُلُ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ " فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ أَرَادَ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى أَوِ الثَّانِي عَلَى حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَالْأَوَّلُ عَلَى الضَّرُورَةِ. (وَسَأَلَ مَالِكٌ عَنِ امْرَأَةٍ قَرَأَتْ سَجْدَةً وَرَجُلٌ مَعَهَا يَسْمَعُ، أَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهَا؟ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهَا) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ لَا يَصِحُّ لَهُ ذَلِكَ ; إِذْ لَا يَجُوزُ الِائْتِمَامُ بِهَا، فَمَنِ اسْتَمَعَ لِقَارِئٍ فَقَدِ ائْتَمَّ بِهِ وَلَزِمَهُ حُكْمُهُ، فَإِنْ صَلَحَ لِلْإِمَامَةِ سَجَدَ الْمُسْتَمِعُ (إِنَّمَا تَجِبُ السَّجْدَةُ) أَيْ تُسَنُّ (عَلَى الْقَوْمِ يَكُونُونَ مَعَ الرَّجُلِ فَيَأْتَمُّونَ بِهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: الِائْتِمَامُ أَنْ يَجْلِسَ لِلِاسْتِمَاعِ مِنْهُ (فَيَقْرَأُ السَّجْدَةَ فَيَسْجُدُونَ مَعَهُ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ سَمِعَ) بِلَفْظِ الْمَاضِي، وَلِابْنِ وَضَّاحٍ " يَسْمَعُ " مُضَارِعٌ (سَجْدَةً مِنْ إِنْسَانٍ) أَيْ رَجُلٍ (يَقْرَؤُهَا لَيْسَ لَهُ بِإِمَامٍ أَنْ يَسْجُدَ تِلْكَ السَّجْدَةَ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْجُدُ السَّامِعُ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: " «أَنَّ غُلَامًا قَرَأَ عِنْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، السَّجْدَةَ فَانْتَظَرَ الْغُلَامُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَسْجُدَ، فَلَمَّا لَمْ يَسْجُدُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ سُجُودٌ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّكَ كُنْتَ إِمَامَنَا فِيهَا، وَلَوْ سَجَدْتَ سَجَدْنَا مَعَكَ» " مُرْسَلٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَرُوِيَ عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: بَلَغَنِي فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْقَارِئَ الْمَذْكُورَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ; لِأَنَّهُ قَرَأَ عِنْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَسْجُدْ، وَلِأَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ رَوَى الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 [بَاب مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»   6 - بَابُ مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] 483 - 486 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ) بِصَادَيْنِ قَبْلَ كُلِّ عَيْنٍ مُهْمَلَاتٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ، ثِقَةٌ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ. وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مَالِكٍ فَقَالُوا: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالُوا: الصَّوَابُ الْأَوَّلُ. (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا) هُوَ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ أَخُو أَبِي سَعِيدٍ لِأُمِّهِ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَكَانَا مُتَجَاوِرَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا فَكَأَنَّهُ أَبْهَمَ نَفْسَهُ وَأَخَاهُ (يَقْرَأُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] كُلَّهَا حَالَ كَوْنِهِ (يُرَدِّدُهَا) ; لِأَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ غَيْرَهَا أَوْ لِمَا رَجَاهُ مِنْ فَضْلِهَا وَبَرَكَتِهَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (فَلَمَّا أَصْبَحَ) أَبُو سَعِيدٍ (غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ) الَّذِي سَمِعَهُ (لَهُ وَكَانَ) فِعْلٌ مَاضٍ، وَبِشَدِّ النُّونِ (الرَّجُلَ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ الَّذِي جَاءَ وَذُكِرَ، وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ (يَتَقَالُّهَا) بِشَدِّ اللَّامِ أَيْ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا قَلِيلَةٌ فِي الْعَمَلِ لَا فِي التَّنْقِيصِ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ الطَّبَّاعِ «عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: إِنَّ لِي جَارًا يَقُومُ بِاللَّيْلِ فَمَا يَقْرَأُ إِلَّا بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إَنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) » بِاعْتِبَارِ مَعَانِيهِ ; لِأَنَّهُ أَحْكَامٌ وَأَخْبَارٌ وَتَوْحِيدٌ فَاشْتَمَلَتْ عَلَى الثَّانِي فَهِيَ ثُلُثُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ آيَاتٍ كَثِيرَةً أَكْثَرُ مِمَّا فِيهَا مِنَ التَّوْحِيدِ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآخِرِ الْحَشْرِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا ذَلِكَ. وَأَجَابَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهَا اشْتَمَلَتْ عَلَى اسْمَيْنِ مِنْ الحديث: 483 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَضَمِّنَيْنِ جَمِيعَ أَوْصَافِ الْكَمَالِ لَمْ يُوجَدَا فِي غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ وَهُمَا: الْأَحَدُ الصَّمَدُ ; لِأَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى أَحَدِيَّةِ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِجَمِيعِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ ; لِأَنَّ الْأَحَدَ يُشْعِرُ بِوُجُوبِ الْخَاصِّ الَّذِي لَا يُشَارِكُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَالصَّمَدُ يُشْعِرُ بِجَمِيعِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ ; لِأَنَّهُ الَّذِي انْتَهَى مَوْرِدُهُ، فَكَانَ يَرْجِعُ مَرْجِعَ الطَّلَبِ مِنْهُ وَإِلَيْهِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ إِلَّا لِمَنْ حَازَ جَمِيعَ فَضَائِلِ الْكَمَالِ وَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا اشْتَمَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى مَعْرِفَةِ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ كَانَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَمَامِ مَعْرِفَةِ الذَّاتِ وَصِفَاتِ الْفِعْلِ ثُلُثًا. وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهُ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي الثَّوَابِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ عُقَيْلٍ بِحَدِيثِ: " «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» ". وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ جَمِيعَهُ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ وَلَوْ قَرَأَهَا مِائَتَيْ مَرَّةٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَهُ فِي الثَّوَابِ لَا أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثًا كَمَنْ قَرَأَهُ كُلَّهُ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهَا حَتَّى بَلَغَ تَرْدِيدُهُ لَهَا بِالْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ وَالْآيَاتِ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ: السُّكُوتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَشِبْهِهَا أَفْضَلُ مِنَ الْكَلَامِ فِيهَا وَأَسْلَمُ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَإِلَى هَذَا نَحَا جَمَاعَةٌ كَابْنِ حَنْبَلٍ وَابْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَنَّهُ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ وَإِيَّاهُ أَخْتَارُ، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ السَّيِّدِ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ عَنِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ، قَالَ الْأُبِّيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ: " «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ؟ قَالَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] » " ظَاهِرٌ بَلْ نَصٌّ فِي ذَلِكَ. وَكَذَا حَدِيثُ: احْشُدُوا أَيِ اجْتَمِعُوا، قَالَ: وَلَمْ يُؤْثِرِ الْعُلَمَاءُ قِرَاءَتَهَا عَلَى السُّوَرِ الطِّوَالِ ; لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ التَّدَبُّرُ وَالِاتِّعَاظُ وَاقْتِبَاسُ الْأَحْكَامِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَهُ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ غَيْرَهَا وَمَنَعَهُ مِنْ تَعَلُّمِهِ عُذْرٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَجْرَهَا مَعَ التَّضْعِيفِ يَعْدِلُ أَجْرَ ثُلُثِ الْقُرْآنِ بِلَا تَضْعِيفٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الِاعْتِنَاءَ لِذَلِكَ الْقَارِي أَوِ الْقَارِئِ عَلَى صِفَةٍ مَا مِنَ الْخُشُوعِ وَالتَّدَبُّرِ وَتَجْدِيدِ الْإِيمَانِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ. قَالَ عِيَاضٌ: وَمَعْنَى بِلَا تَضْعِيفٍ أَيْ ثَوَابِ خَتْمَةٍ لَيْسَ فِيهَا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، قَالَ الْأُبِّيُّ: يُرِيدُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ فِيهَا تَسَلْسُلٌ. وَفِي مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «احْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ فَقَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ بَعْضٌ لِبَعْضٍ: أَرَى هَذَا خَبَرًا جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ فَقَالَ: " إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» . وَإِذَا حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَهَلْ ذَلِكَ الثُّلُثُ مُعَيَّنٌ أَوْ أَيُّ ثُلُثٍ كَانَ، فِيهِ نَظَرٌ، وَعَلَى الثَّانِي مَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثًا كَانَ كَمَنْ قَرَأَ خَتْمَةً كَامِلَةً. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى آلِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «أَقْبَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ فَسَأَلْتُهُ مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الْجَنَّةُ» فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَرَدْتُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ ثُمَّ فَرِقْتُ أَنْ يَفُوتَنِي الْغَدَاءُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآثَرْتُ الْغَدَاءَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ فَوَجَدْتُهُ قَدْ ذَهَبَ   484 - 487 - (مَالِكٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَلِلْقَعْنَبِيِّ وَمُطَرِّفٍ عَبْدِ اللَّهِ بِفَتْحِهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ السَّائِبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ (عَنْ عُبَيْدِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرٍ (بْنِ حُنَيْنٍ) بِنُونٍ مُصَغَّرٍ الْمَدَنِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، ثِقَةٌ قَلِيلُ الْحَدِيثِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ وَلَهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَيُقَالُ أَكْثَرُ (مَوْلَى آلِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ) أَخِي عُمَرَ صَحَابِيٍّ، قَدِيمِ الْإِسْلَامِ، وَشَهِدَ بَدْرًا، وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَحَزِنَ عَلَيْهِ عُمَرُ شَدِيدًا، قَالَ: سَبَقَنِي إِلَى الْحُسْنَيَيْنِ أَسْلَمَ قَبْلِي وَاسْتُشْهِدَ قَبْلِي. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: عِنْدَ ابْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ « (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَقْبَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] السُّورَةَ بِتَمَامِهَا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ، فَسَأَلْتُهُ: مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ) أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ وَجَبَتْ (فَقَالَ: الْجَنَّةُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ) » بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ الْعَظِيمَةِ الْجَنَّةِ (ثُمَّ فَرِقْتُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، خِفْتُ ( «أَنْ يَفُوتَنِي الْغَدَاءُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ) زَعَمَ ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَّهُ صَلَاةُ الْغَدَاةِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَإِنَّمَا الْغَدَاءُ مَا يُؤْكَلُ بِالْغَدَاةِ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَلْزَمُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِشِبَعِ بَطْنِهِ فَكَانَ يَتَغَذَّى مَعَهُ وَيَتَعَشَّى مَعَهُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ (فَآثَرْتُ الْغَدَاءَ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ فَدَالٍّ مُهْمَلَةٍ مَمْدُودٍ (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِئَلَّا أَضْعُفَ عَنِ الْعِبَادَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ مَا أَتَغَدَّى بِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ (ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ) لِأُبَشِّرَهُ فَأَجْمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ (فَوَجَدْتُهُ قَدْ ذَهَبَ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، يَعْنِي وَهُوَ إِمَامٌ حَافِظٌ فَلَا يَضُرُّهُ التَّفَرُّدُ. الحديث: 484 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَأَنَّ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ تُجَادِلُ عَنْ صَاحِبِهَا   485 - 488 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ) بِضَمِّ الْحَاءِ (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الحديث: 485 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ، أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، كَذَا فِي التَّقْرِيبِ، وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: سَمِعْتُ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ، وَهَذَا غَلَطٌ، وَلَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لَا فِي سِنِّهِ وَلَا فِي رِوَايَتِهِ، وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ، يَعْنِي سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ، انْتَهَى. (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ) {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) وَهَذَا لَا يُؤْخَذُ بِالرَّأْيِ بَلْ بِالتَّوْقِيفِ، وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ: (وَأَنَّ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] تُجَادِلُ عَنْ صَاحِبِهَا) أَيْ كَثْرَةُ قِرَاءَتِهَا تَدْفَعُ غَضَبَ الرَّبِّ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا، فَقَامَتْ مَقَامَ الْمُجَادَلَةِ عَنْهُ، كَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، فَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «سُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ خَاصَمَتْ عَنْ صَاحِبِهَا حَتَّى أَدْخَلَتْهُ الْجَنَّةَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] » ) "، وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «إِنَّ سُورَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ» : {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] (سُورَةُ الْمُلْكِ: الْآيَةُ 1) ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: اقْرَأْ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] فَإِنَّهَا الْمُنْجِيَةُ وَالْمُجَادِلَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّهَا لِقَارِئِهَا وَتَطْلُبُ لَهُ أَنْ يُنْجِيَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَيَنْجُو بِهَا صَاحِبُهَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَوَدِدْتُ أَنَّهَا فِي قَلْبِ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ أُمَّتِي» ". وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: كَانَ يُقَالُ إِنَّ مِنَ الْقُرْآنِ سُورَةً تُجَادِلُ عَنْ صَاحِبِهَا فِي الْقَبْرِ تَكُونُ ثَلَاثِينَ آيَةً، فَنَظَرُوا فَوَجَدُوهَا تَبَارَكَ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: فَعُرِفَ مِنْ مَجْمُوعِهَا أَنَّهَا تُجَادِلُ عَنْهُ فِي الْقَبْرِ وَفِي الْقِيَامَةِ لِتَدْفَعَ عَنْهُ الْعَذَابَ وَتُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 [بَاب مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»   7 - بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى 486 - 489 - (مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ (مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ) ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) الحديث: 486 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 ذَكْوَانَ (السَّمَّانِ) كَانَ يَجْلِبُ السَّمْنَ إِلَى الْكُوفَةِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) قِيلَ التَّقْدِيرُ لَا إِلَهَ لَنَا أَوْ فِي الْوُجُودِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ مُطْلَقَةً أَعَمُّ مِنْ نَفْيِهَا مُقَيَّدَةً لِانْتِفَائِهَا مَعَ كُلِّ قَيْدٍ، فَإِذَا نُفِيَتْ مُقَيَّدَةً دَلَّتْ عَلَى سَلْبِ الْمَاهِيَّةِ مَعَ التَّقْيِيدِ الْمَخْصُوصِ فَلَا يَلْزَمُ نَفْيُهَا مَعَ قَيْدٍ آخَرَ. وَأَجَابَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْمُرْسِيِّ فِي رَيِّ الظَّمْآنِ فَقَالَ: هَذَا كَلَامُ مَنْ لَا يَعْرِفُ لِسَانَ الْعَرَبِ فَإِنَّ " إِلَهَ " فِي مَوْضِعِ الْمُبْتَدَأِ عَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ اسْمُ " لَا "، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ خَبَرٍ لِلْمُبْتَدَأِ أَوْ لِـ (لَا) فَإِنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الْإِضْمَارِ فَاسِدٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِذَا لَمْ يُضْمَرُ كَانَ نَفْيًا لِلْإِلَهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ هِيَ نَفْيُ الْوُجُودِ، وَلَا تُتَصَوَّرُ الْمَاهِيَّةُ عِنْدَنَا إِلَّا مَعَ الْوُجُودِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ لَا مَاهِيَّةَ وَلَا وُجُودَ، هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْمَاهِيَّةَ عَرِيَّةً عَنِ الْوُجُودِ وَهُوَ فَاسِدٌ، وَقَوْلُهُ " إِلَّا اللَّهُ " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بَدَلًا مِنْ " لَا إِلَهَ " لَا خَبَرٍ ; لِأَنَّ " لَا " لَا تَعْمَلُ فِي الْمَعَارِفِ، وَلَوْ قُلْنَا الْخَبَرُ لِلْمُبْتَدَأِ أَوْ لِـ " لَا " فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَنْكِيرِ الْمُبْتَدَأِ وَتَعْرِيفِ الْخَبَرِ، لَكِنْ قَالَ السَّفَاقِسِيُّ: قَدْ أَجَازَ الشَّلَوْبِينِيُّ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ يَكُونُ مَعْرِفَةً وَيُسَوَّغُ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ، ثُمَّ أَكَّدَ الْحَصْرَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِقَوْلِهِ: (وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ) مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ وَخَبَرُ لَا مُتَعَلَّقُ قَوْلِهِ (لَهُ) مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ حَسَنَاتِ الذَّاكِرِ فَوَحْدَهُ حَالٌ مُئَوَّلَةٌ بِمُنْفَرِدٍ ; لِأَنَّ الْحَالَ لَا تَكُونُ مَعْرِفَةً وَ " لَا شَرِيكَ لَهُ " حَالٌ ثَانِيَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنَى الْأُولَى (لَهُ الْمُلْكُ) بِضَمِّ الْمِيمِ (وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْضًا، وَمَنْ مَنَعَ تَعَدُّدَ الْحَالِ جَعَلَ " لَا شَرِيكَ لَهُ " حَالًا مِنْ ضَمِيرِ " وَحْدَهُ " الْمُئَوَّلَةِ " بِـ " مُنْفَرِدًا "، وَكَذَا " لَهُ الْمُلْكُ " حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي " لَهُ " وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مَعْطُوفَاتٌ (فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ) وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ أَيِ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ لَهُ (عَدْلَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، أَيْ مِثْلَ ثَوَابِ إِعْتَاقِ (عَشْرِ رِقَابٍ) بِسُكُونِ الشِّينِ (وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنِةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالزَّايِ، حِصْنًا (مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَكِنْ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِمَّا عَمِلَ فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهِ، أَوْ مُتَّصِلٌ بِتَأْوِيلٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمِائَةَ غَايَةٌ فِي الذِّكْرِ، وَأَنَّهُ قَلَّ مَنْ يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِلَّا أَحَدٌ؛ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ مَمْنُوعٌ كَتَكْرَارِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 الْعَمَلِ فِي الْوُضُوءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْ سَائِرِ أَبْوَابِ الْبِرِّ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ذِكْرُ الْمِائَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا غَايَةٌ لِلثَّوَابِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ " إِلَّا أَحَدٌ " يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الزِّيَادَةَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ فَيَكُونُ لِقَائِلِهِ مِنَ الْفَضْلِ بِحِسَابِهِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهُ مِنَ الْحُدُودِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ اعْتِدَائِهَا، وَأَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا كَمَا فِي رَكَعَاتِ السُّنَنِ الْمَحْدُودَةِ وَأَعْدَادِ الطَّهَارَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرَادَ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْجِنْسِ مِنَ الذِّكْرِ وَغَيْرِهِ أَيْ إِلَّا أَنْ يَزِيدَ أَحَدٌ عَمَلًا آخَرَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَجْرَ يَحْصُلُ لِمَنْ قَالَ هَذَا التَّهْلِيلَ فِي الْيَوْمِ مُتَوَالِيًا أَوْ مُفَرَّقًا فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَوْ فِي آخِرِهِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مُتَوَالِيًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِيَكُونَ لَهُ حِرْزًا فِي جَمِيعِ نَهَارِهِ، وَكَذَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ لِيَكُونَ لَهُ حِرْزًا فِي جَمِيعِ لَيْلِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الدَّعَوَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَمُسْلِمٌ فِي الدَّعَوَاتِ عَنْ يَحْيَى، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ»   487 - 490 - (مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ) أَيْ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ، فَيَلْزَمُ نَفْيُ الشَّرِيكِ وَالصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَجَمِيعِ الرَّذَائِلِ، وَيُطْلَقُ التَّسْبِيحُ وَيُرَادُ بِهِ جَمِيعُ أَلْفَاظِ الذِّكْرِ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ صَلَاةُ النَّافِلَةِ، وَ " سُبْحَانَ " اسْمٌ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ سَبَّحْتُ اللَّهَ سُبْحَانًا كَسَبَّحْتُ اللَّهَ تَسْبِيحًا، وَلَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا إِلَّا مُضَافًا، وَهُوَ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ أَيْ سَبَّحْتُ اللَّهَ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مُضَافًا إِلَى الْفَاعِلِ، أَيْ نَزَّهَ اللَّهُ نَفْسَهُ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَجَاءَ غَيْرَ مُضَافٍ فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ: سُبْحَانَهُ ثُمَّ سُبْحَانًا أُنَزِّهُهُ (وَبِحَمْدِهِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ، أَيْ سُبْحَانَ اللَّهِ مُلْتَبِسًا بِحَمْدِهِ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَوْفِيقِهِ لِي لِلتَّسْبِيحِ (فِي يَوْمٍ) وَاحِدٍ. وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ عَنْ سُمَيٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ (مِائَةَ مَرَّةٍ) مُتَفَرِّقَةً بَعْضُهَا أَوَّلَ النَّهَارِ وَبَعْضُهَا آخِرَهُ أَوْ مُتَوَالِيَةً، وَهُوَ أَفْضَلُ خُصُوصًا فِي أَوَّلِهِ (حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ) الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ يَكُونُ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ لَهُ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] (سُورَةُ هُودٍ: الْآيَةُ 114) (وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) كِنَايَةً عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْكَثْرَةِ نَحْوَ: مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، قَالَ الحديث: 487 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 عِيَاضٌ: وَقَدْ يُشْعِرُ هَذَا بِفَضْلِ التَّسْبِيحِ عَلَى التَّهْلِيلِ ; لِأَنَّ عَدَدَ زَبَدِ الْبَحْرِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ الْمِائَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُقَابَلَةِ التَّهْلِيلِ، فَيُعَارِضُ قَوْلَهُ فِيهِ: " وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ " فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّهْلِيلَ أَفْضَلُ بِمَا زِيدَ مِنْ رَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَكَتْبِ الْحَسَنَاتِ، ثُمَّ مَا جُعِلَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ عِتْقِ الرِّقَابِ قَدْ يَزِيدُ عَلَى فَضْلِ التَّسْبِيحِ وَتَكْفِيرِ الْخَطَايَا ; لِأَنَّهُ جَاءَ: " «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ» ". فَحَصَلَ بِهَذَا الْعِتْقِ تَفْكِيرُ الْخَطَايَا عُمُومًا بَعْدَ حَصْرِ مَا عُدِّدَ مِنْهَا خُصُوصًا مَعَ زِيَادَةِ مِائَةِ دَرَجَةٍ، وَمَا زَادَهُ عِتْقُ الرِّقَابِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: " «أَفْضَلُ الذِّكْرِ التَّهْلِيلُ» ". وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مَا قَالَهُ هُوَ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِهِ وَهُوَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي ضِمْنِ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " الْحَدِيثُ السَّابِقُ، وَالتَّهْلِيلُ صَرِيحٌ فِي التَّوْحِيدِ، وَالتَّسْبِيحُ مُتَضَمِّنٌ لَهُ، فَمَنْطُوقُ سُبْحَانَ اللَّهِ تَنْزِيهٌ، وَمَفْهُومُهُ تَوْحِيدٌ، وَمَنْطُوقُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَوْحِيدٌ، وَمَفْهُومُهُ تَنْزِيهٌ، فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ التَّسْبِيحِ ; لِأَنَّ التَّوْحِيدَ أَصْلٌ وَالتَّنْزِيهَ يَنْشَأُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَالْفَضَائِلُ الْوَارِدَةُ فِي التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إِنَّمَا هِيَ لِأَهْلِ الشَّرَفِ فِي الدِّينِ وَالْكَمَالِ كَالطَّهَارَةِ مِنَ الْحَرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ مَنْ أَدْمَنَ الذِّكْرَ وَأَصَرَّ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ شَهَوَاتِهِ، وَانْتَهَكَ دِينَ اللَّهِ وَحُرُمَاتِهِ، أَنْ يَلْتَحِقَ بِالْمُطَهَّرِينَ الْأَقْدَسِينَ، وَيَبْلُغَ مَنَازِلَ الْكَامِلِينَ بِكَلَامٍ أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِهِ لَيْسَ مَعَهُ تَقْوَى، وَلَا عَمَلٌ صَالِحٌ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، لَكِنَّ مُسْلِمَ وَصَلَهُ بِالْحَدِيثِ قَبْلَهُ ; لِاتِّحَادِ إِسْنَادِهِمَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَقَدْ فَعَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ كَمَا مَرَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ سَبَّحَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَخَتَمَ الْمِائَةَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ   488 - 491 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، الْمَذْحِجِيِّ (مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ) وَحَاجِبِهِ، قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَقِيلَ حَيٌّ، وَقِيلَ حُيَيٌّ، وَقِيلَ حَوِيٌّ، ثِقَةٌ، مَاتَ بَعْدَ الْمِائَةِ. (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ) الْمَدَنِيِّ، نَزِيلِ الشَّامِ، ثِقَةٍ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ خَمْسٍ وَمِائَةٍ وَقَدْ جَازَ الثَّمَانِينَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ) مَوْقُوفًا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمِثْلُهُ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ، وَقَدْ صَحَّ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ثَابِتَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَغَيْرِهِمْ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (مَنْ سَبَّحَ) أَيْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ (دُبُرَ) بِضَمِّ الدَّالِّ وَالْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُسَكَّنُ، أَيْ عَقِبَ (كُلِّ صَلَاةٍ) ظَاهِرُهُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْفَرْضِ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: مَكْتُوبَةٍ فَحَمَلُوا الْمُطْلَقَاتِ عَلَيْهَا، قَالَ الْحَافِظُ: وَعَلَيْهِ، فَهَلْ تَكُونُ الرَّاتِبَةُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ فَاصِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الذِّكْرِ أَوْ لَا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، قَالَ: الحديث: 488 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّ الذِّكْرَ الْمَذْكُورَ يُقَالُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَقَلَّ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مُعَرَّضًا أَوْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ مُتَشَاغِلًا بِمَا وَرَدَ أَيْضًا بَعْدَ الصَّلَاةِ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، فَلَا يَضُرُّ (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ) أَيْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ) قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) هَكَذَا بِتَقْدِيمِ التَّكْبِيرِ عَلَى التَّحْمِيدِ، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا. وَفِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْحَكَمِ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «يُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيُسَبِّحُ» ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ تَقْدِيمُ التَّسْبِيحِ عَلَى التَّحْمِيدِ وَتَأْخِيرُ التَّكْبِيرِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ دَالٌّ عَلَى أَنْ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا، وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ: " «الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ» " لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْأَوْلَى الْبُدَاءَةُ بِالتَّسْبِيحِ لِتَضَمُّنِهِ نَفْيَ النَّقَائِصِ، ثُمَّ التَّحْمِيدِ لِتَضَمُّنِهِ إِثْبَاتَ الْكَمَالِ لَهُ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ النَّقَائِصِ إِثْبَاتُ الْكَمَالِ، ثُمَّ التَّكْبِيرِ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ الْكَمَالِ وَنَفْيِ النَّقَائِصِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ كَبِيرٌ آخَرُ، ثُمَّ يَخْتِمُ بِالتَّهْلِيلِ الدَّالِّ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ. (وَخَتَمَ الْمِائَةَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ) عَلَى الْحَالِ، أَيْ مُنْفَرِدًا (لَا شَرِيكَ لَهُ) عَقْلًا وَنَقْلًا، وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] (سُورَةُ الْإِخْلَاصِ: الْآيَةُ 1) {إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنعام: 19] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 19) وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيِ. (لَهُ الْمُلْكُ) بِضَمِّ الْمِيمِ، أَيْ أَصْنَافُ الْمَخْلُوقَاتِ. (وَلَهُ الْحَمْدُ) زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ: " «يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ» " (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، وَلِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَالنَّسَائِيِّ فِي حَدِيثَيْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عُمَرَ: يُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَيُخَالِفُهُ قَوْلُهُ وَيَخْتِمُ. . . إِلَخْ، وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَثْلِهِ لِأَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ أُمِّ الْحَكَمِ، وَلِجَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يُكَبِّرَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَيَقُولَ مَعَهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. . . إِلَخْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ يَجْمَعُ بِأَنْ يَخْتِمَ مَرَّةً بِزِيَادَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. . . إِلَخْ، عَلَى وَفْقِ مَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ. (غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ) الصَّغَائِرُ حَمْلًا عَلَى النَّظَائِرِ (وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) وَهُوَ مَا يَعْلُو عَلَيْهِ عِنْدَ هَيَجَانِهِ. وَظَاهِرُ سِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً، ثُمَّ كَذَلِكَ مَا بَعْدَهَا، وَقِيلَ: يَجْمَعُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بَيْنَ التَّسْبِيحِ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى تَمَامِ الثَّلَاثَةِ وَثَلَاثِينَ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ لِلْإِتْيَانِ فِيهِ بِوَاوِ الْعَطْفِ فَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَكِنَّ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةَ لِلْأَكْثَرِ بِالْإِفْرَادِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ أَرْجَحُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيَظْهَرُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْأَمْرَيْنِ حَسَنٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 لَكِنْ يَتَمَيَّزُ الْإِفْرَادُ بِأَنَّ الذَّاكِرَ يَحْتَاجُ إِلَى الْعَدَدِ، وَلَهُ عَلَى كُلِّ حَرَكَةٍ لِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ بِأَصَابِعِهِ أَوْ بِغَيْرِهَا ثَوَابٌ لَا يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الْجَمْعِ مِنْهُ إِلَّا الثُّلُثُ. وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ كُلًّا مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ أَحَدَ عَشَرَ، وَفِي رِوَايَاتٍ عَشْرًا عَشْرًا. وَجَمَعَ الْبَغَوِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَدَرَ فِي أَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَوَّلُهَا عَشْرًا ثُمَّ إِحْدَى عَشْرَةَ ثُمَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ أَوْ يَفْتَرِقُ بِافْتِرَاقِ الْأَحْوَالِ. وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا كُلَّ ذِكْرٍ مِنْهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَيَزِيدُوا فِيهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ» " رَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْأَعْدَادُ الْوَارِدَةُ فِي الْأَذْكَارِ كَالذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ إِذَا رُتِّبَ عَلَيْهَا ثَوَابٌ مَخْصُوصٌ فَزَادَ الْآتِي بِهَا عَلَى الْعَدَدِ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ الْمَخْصُوصُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ لِتِلْكَ الْأَعْدَادِ حُكْمًا وَخَاصِّيَّةً تُفُوتُ بِمُجَاوَزَةِ الْعَدَدِ، وَنَظَرِ فِيهِ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّهُ أَتَى بِالْقَدْرِ الَّذِي رُتِّبَ الثَّوَابُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَحَصَلَ لَهُ ثَوَابٌ، فَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ كَيْفَ تُزِيلُ الزِّيَادَةُ ذَلِكَ الثَّوَابِ بَعْدَ حُصُولِهِ؟ قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَفْتَرِقَ الْحَالُ فِيهِ بِالنِّيَّةِ، فَإِذَا نَوَى عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إِلَيْهِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ الْوَارِدِ، ثُمَّ أَتَى بِالزِّيَادَةِ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ نَوَى الزِّيَادَةَ ابْتِدَاءً بِأَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ رُتِّبَ عَلَى عَشَرَةٍ مَثَلًا فَذَكَرَ هُوَ مِائَةً فَيَتَّجِهُ الْقَوْلُ الْمَاضِي، وَبَالَغَ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ فَقَالَ: مِنَ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَةِ شَرْعًا ; لِأَنَّ شَأْنَ الْعُظَمَاءِ إِذَا حَدُّوا شَيْئًا أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ، وَيُعَدُّ الْخَارِجُ عَنْهُ مُسِيئًا لِلْأَدَبِ، انْتَهَى. وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِالدَّوَاءِ يَكُونُ فِيهِ مَثَلًا أُوقِيَّةُ سُكَّرٍ فَلَوْ زِيدَ فِيهِ أُوقِيَّةٌ أُخْرَى تَخَلَّفَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُوقِيَّةِ فِي الدَّوَاءِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ مِنَ السُّكَّرِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ فَلَمْ يَتَخَلَّفْ الِانْتِفَاعُ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَذْكَارَ الْمُتَغَايِرَةَ إِذَا وَرَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا عَدَدٌ مَخْصُوصٌ مَعَ طَلَبِ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِهَا مُتَوَالِيَةً لَمْ تَحْسُنِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ الْمُوَالَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ لِلْمُوَالَاةِ حِكْمَةً خَاصَّةً تَفُوتُ بِفَوَاتِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ صَيَّادٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ إِنَّهَا قَوْلُ الْعَبْدِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ   489 - 492 - (مَالِكٌ، عَنْ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّخْفِيفِ، ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ صَيَّادٍ) بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، فَنَسَبُهُ إِلَى جَدِّهِ الْمَدَنِيِّ أَبِي أَيُّوبَ، ثِقَةٌ، فَاضِلٌ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، وَأَبُوهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يُقَالُ أَنَّهُ الدَّجَّالُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ) أَيْ عُمَارَةَ (سَمِعَهُ) أَيْ سَعِيدًا (يَقُولُ فِي الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ) الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا} [الكهف: 46] (سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةُ 46) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى قَابَلَهَا بِالْفَانِيَاتِ الزَّائِلَاتِ فِي قَوْلِهِ: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46] (سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةُ 46) (إِنَّهَا قَوْلُ الْعَبْدِ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (اللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ الحديث: 489 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ) أَيْ لَا تَحَوُّلَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ (وَلَا قُوَّةَ) عَلَى الطَّاعَةِ (إِلَّا بِاللَّهِ) وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ لِجَمْعِهَا الْمَعَارِفَ الْإِلَهِيَّةَ، فَالتَّكْبِيرُ اعْتِرَافٌ بِالتَّصَوُّرِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَالتَّسْبِيحُ تَقْدِيسٌ لَهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ وَتَنْزِيهٌ عَنِ النَّقَائِصِ، وَالتَّحْمِيدُ مَبْنِيٌّ عَنْ مَعْنَى الْفَضْلِ وَالْإِفْضَالِ مِنَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَالْإِضَافِيَّةِ، وَالتَّهْلِيلُ تَوْحِيدٌ لِلذَّاتِ وَنَفْيُ النِّدِّ وَالضِّدِّ، وَالْحَوْقَلَةُ تَنْبِيهٌ عَلَى التَّبَرِّي عَنِ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إِلَّا بِهِ. وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ» "، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " هِيَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَاتُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ". وَقَالَ مَسْرُوقٌ: هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَهُنَّ الْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، وَمِنْ بِدَعِ التَّفْسِيرِ أَنَّهَا الْبَنَاتُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ زِيَادُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ   490 - 493 - (مَالِكٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ) مَيْسَرَةَ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ، عَابِدٌ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَخَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. (أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ) عُوَيْمِرٌ مُصَغَّرٌ وَقِيلَ عَامِرُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ، أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ، وَكَانَ عَابِدًا مَشْهُورًا بِكُنْيَتِهِ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَقِيلَ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ (أَلَا) حَرْفُ تَنْبِيهٍ يُؤَكَّدُ بِهِ الْجُمْلَةُ الْمُصَدِّرَةُ بِهِ (أَخْبِرُكُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ أُنْبِئُكُمْ (بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ) أَيْ أَفْضَلِهَا لَكُمْ (وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ) أَيْ مَنَازِلِكُمْ فِي الْجَنَّةِ (وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ) أَيْ أَنْمَاهَا وَأَطْهَرِهَا عِنْدَ رَبِّكُمْ وَمَالِكِكُمْ (وَخَيْرٍ) بِالْخَفْضِ (لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنْفَاقِ (الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، الْفِضَّةِ (وَخَيْرٍ لَكُمْ) بِالْخَفْضِ أَيْضًا عَطْفٌ عَلَى خَيْرِ أَعْمَالِكُمْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَذْلِ أَمْوَالِكُمْ وَنُفُوسِكُمْ؟ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ) الْكُفَّارَ (فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ) يَعْنِيَ تَقْتُلُوهُمْ وَيَقْتُلُوكُمْ بِسَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَالُوا: بَلَى) أَخْبِرْنَا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ: قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) ; لِأَنَّ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ مِنَ الْأَنْفَالِ وَقِتَالِ الْعَدُوِّ وَسَائِلُ وَوَسَائِطُ الحديث: 490 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالذِّكْرُ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَسْمَى، وَرَأْسُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهِيَ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا وَالْقُطْبُ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ رَحَى الْإِسْلَامِ وَالْقَاعِدَةُ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا أَرْكَانُهُ وَالشُّعْبَةُ الَّتِي هِيَ أَعْلَى شُعَبِ الْإِيمَانِ، بَلْ هِيَ الْكُلُّ وَلَيْسَ غَيْرَهُ {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء: 108] (سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: الْآيَةُ 108) أَيِ الْوَحْيُ مَقْصُورٌ عَلَى التَّوْحِيدِ ; لِأَنَّهُ الْقَصْدُ الْأَعْظَمُ مِنَ الْوَحْيِ، وَوَقَعَ غَيْرُهُ تَبَعًا وَلِذَا آثَرَهَا الْعَارِفُونَ عَلَى جَمِيعِ الْأَذْكَارِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْخَوَاصِّ الَّتِي لَا تُعْرَفُ إِلَّا بِالْوِجْدَانِ وَالذَّوْقِ، قَالُوا: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ كَانَ أَفْضَلَ لِلْمُخَاطَبِينَ بِهِ، وَلَوْ خُوطِبَ شُجَاعٌ بَاسِلٌ يَحْصُلُ بِهِ نَفْعُ الْإِسْلَامِ فِي الْقِتَالِ لَقِيلَ لَهُ الْجِهَادُ، أَوْ غَنِيٌّ يَنْتَفِعُ الْفُقَرَاءُ بِمَالِهِ لَقِيلَ الصَّدَقَةُ، أَوِ الْقَادِرُ عَلَى الْحَجِّ لَقِيلَ لَهُ الْحَجُّ، أَوْ مَنْ لَهُ أَبَوَانِ قِيلَ بَرَّهُمَا، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا الذِّكْرُ الْكَامِلُ، وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ذِكْرُ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ بِالشُّكْرِ وَاسْتِحْضَارِ عَظَمَةِ الرَّبِّ، وَهَذَا لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ، وَفَضْلُ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذِكْرِ اللِّسَانِ الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، وَهُوَ ذِكْرُهُ عِنْدَ الْأَوَامِرِ بِامْتِثَالِهَا وَالْمَعَاصِي بِاجْتِنَابِهَا، وَذِكْرُ اللِّسَانِ وَاجِبٌ كَالْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَمَنْدُوبٌ وَهُوَ سَائِرُ الْأَذْكَارِ، فَالْوَاجِبُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُفَضَّلَ عَلَى سَائِرِ أَعْمَالِ الْبَرِّ، وَالْمَنْدُوبُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُفَضَّلَ لِعِظَمِ ثَوَابِهِ وَهُدَاهُ لِطَرِيقِ الْخَيْرِ أَوْ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ، انْتَهَى. وَمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنَ التِّلَاوَةِ، وَيُعَارِضُهُ خَبَرُ: " «أَفْضَلُ عِبَادَةِ أُمَّتِي تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ» " وَجَمَعَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ الْقُرْآنَ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْخَلْقِ، وَالذِّكْرَ أَفْضُلُ لِلذَّاهِبِ إِلَى اللَّهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ فِي بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى صُنُوفِ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى الطَّرِيقِ، فَمَا دَامَ الْعَبْدُ مُفْتَقِرًا إِلَى تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَتَحْصِيلِ الْمَعَارِفِ فَالْقُرْآنُ أَوْلَى، فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ وَاسْتَوْلَى الذِّكْرُ عَلَى قَلْبِهِ فَمُدَاوَمَةُ الذِّكْرِ أَوْلَى، فَإِنَّ الْقُرْآنَ يُجَاذِبُ خَاطِرَهُ وَيَسْرَحُ بِهِ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَالذَّاهِبُ إِلَى اللَّهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى الْجَنَّةِ بَلْ يَجْعَلُ هَمَّهُ هَمًّا وَاحِدًا وَذِكْرَهُ ذِكْرًا وَاحِدًا لِيُدْرِكَ دَرَجَةَ الْفَنَاءِ وَالِاسْتِغْرَاقِ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] (سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: الْآيَةُ 45) وَأَخَذَ ابْنُ الْحَاجِّ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ تَرْكَ طَلَبِ الدُّنْيَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَخْذِهَا وَالتَّصَدُّقِ بِهَا، وَأَيَّدَهُ بِمَا فِي الْقُوتِ عَنِ الْحَسَنِ: لَا شَيْءَ أَفْضَلُ مِنْ رَفْضِ الدُّنْيَا، وَبِمَا فِي غَيْرِهِ عَنْهُ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الدُّنْيَا بِحَلَالِهَا فَأَصَابَهَا فَوَصَلَ بِهَا رَحِمَهُ وَقَدَّمَ فِيهَا نَفْسَهُ، وَتَرْكَ الْآخَرُ الدُّنْيَا. فَقَالَ: أَحَبُّهُمَا إِلَيَّ الَّذِي جَانَبَ الدُّنْيَا. (قَالَ زِيَادُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ) مَيْسَرَةُ (وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةٌ (مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ) ابْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ، شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا، وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ وَالْقُرْآنِ، مَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَهَذَا قَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ) وَفِي رِوَايَةٍ آدَمِيٌّ (مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 عَمَلٍ) وَفِي رِوَايَةٍ عَمَلًا (أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) ; لِأَنَّ حَظَّ الْغَافِلِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَارِهِمُ الْأَوْقَاتُ وَالسَّاعَاتُ الَّتِي عَمَّرُوهَا بِذِكْرِ اللَّهِ، وَسَائِرُ مَا عَدَاهُ هَدَرُ. كَيْفَ وَنَهَارُهُمْ شَهْوَةٌ وَنَوْمُهُمُ اسْتِغْرَاقٌ وَغَفْلَةٌ، فَيَقْدَمُونَ عَلَى رَبِّهِمْ فَلَا يَجِدُونَ مَا يُنْجِيهِمْ إِلَّا ذِكْرَ اللَّهِ. زَادَ فِي رِوَايَةٍ: " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا أَنْ تَضْرِبَ بِسَيْفِكَ حَتَّى يَنْقَطِعَ، ثُمَّ تَضْرِبَ بِسَيْفِكَ حَتَّى يَنْقَطِعَ، ثُمَّ تَضْرِبَ بِسَيْفِكَ حَتَّى يَنْقَطِعَ " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَضَائِلُ الذِّكْرِ كَثِيرَةٌ لَا يُحِيطُ بِهَا كِتَابٌ وَحَسْبُكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] (سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: الْآيَةُ 45) أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ الْعَبْدَ فِي الصَّلَاةِ أَكْبَرُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَمَعْنَى ذِكْرِ اللَّهِ الْعَبْدَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَدِيثِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: " إِنْ «ذَكَرَنِي عَبْدِي فِي الصَّلَاةِ فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَأَكْرَمَ» ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ الْمُتَكَلِّمُ آنِفًا فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهُنَّ أَوَّلُ»   491 - 494 - (مَالِكٌ، عَنْ نُعَيْمِ) بِضَمِّ النُّونِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ بَيْنَهُمَا جِيمٌ سَاكِنَةٌ، وَالْخَفْضُ صِفَةٌ لِنُعَيْمٍ وَأَبِيهِ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادِ بْنِ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ الزُّرَقِيِّ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ فَقَافٍ، الْأَنْصَارِيِّ، مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَفِيهِ رِوَايَةُ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ ; لِأَنَّ نُعَيْمًا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَلِيٍّ وَأَقْدَمُ سَمَاعًا (عَنْ أَبِيهِ) يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، لَهُ رُؤْيَةٌ فَذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ ; لِأَنَّهُ قِيلَ حَنَّكَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَاتَ فِي حُدُودِ التِّسْعِينَ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ، فَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ، وَهُمْ مِنْ بَنِي مَالِكٍ وَالصَّحَابِيِّ (عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ) ابْنِ مَالِكِ بْنِ عَجْلَانَ الْأَنْصَارِيِّ، مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُوهُ رَافِعٌ صَحَابِيٌّ شَهِدَ الْعَقَبَةَ (أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا يَوْمًا) مِنَ الْأَيَّامِ (نُصَلِّي وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمَغْرِبَ، كَمَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ (فَلَمَّا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأْسَهُ) أَيْ شَرَعَ فِي رَفْعِهِ (مِنَ الرَّكْعَةِ وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) ظَاهِرُهُ وُقُوعُ التَّسْمِيعِ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ فَيَكُونُ مِنْ أَذْكَارِ الِاعْتِدَالِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ ذِكْرُ الِانْتِقَالِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَجُمِعَ بِأَنَّ الْمَعْنَى: لَمَّا شَرَعَ فِي رَفْعِ رَأْسِهِ ابْتَدَأَ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ وَأَتَمَّهُ بَعْدَ أَنِ اعْتَدَلَ (قَالَ رَجُلٌ) هُوَ رِفَاعَةُ رَاوِي الْحَدِيثِ، قَالَهُ ابْنُ بَشْكُوَالٍ مُسْتَدِلًّا بِمَا لِلنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الحديث: 491 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 رِفَاعَةَ: " «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَطَسْتُ فَقُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ» ". الْحَدِيثَ، وَنُوزِعَ لِاخْتِلَافِ سِيَاقِ السَّبَبِ وَالْقِصَّةِ، وَالْجَوَابُ لَا يُعَارَضُ فَيُحْمَلُ وُقُوعُ عُطَاسِهِ عِنْدَ رَفْعِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبْهَمَ نَفْسَهُ لِقَصْدِ إِخْفَاءِ عَمَلِهِ أَوْ نَسِيَ بَعْضُ الرُّوَاةِ اسْمَهُ، وَأَمَّا مَا عَدَّا ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فَإِنَّمَا فِيهِ زِيَادَةٌ لَعَلَّ الرَّاوِيَ اخْتَصَرَهَا. (وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) بِالْوَاوِ (حَمْدًا) نُصِبَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ لَكَ الْحَمْدُ (كَثِيرًا طَيِّبًا) خَالِصًا عَنِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ (مُبَارَكًا) كَثِيرَ الْخَيْرِ (فِيهِ) زَادَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مُبَارَكًا عَلَيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، قَالَ الْحَافِظُ: فَفِي قَوْلِهِ كَمَا. . . إِلَخْ، مِنْ حُسْنِ التَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ الْغَايَةُ فِي الْقَصْدِ، وَأَمَا مُبَارَكًا عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ، وَالثَّانِي بِمَعْنَى الْبَقَاءِ. قَالَ تَعَالَى: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت: 10] (سُورَةُ فُصِّلَتْ: الْآيَةُ 10) فَهَذَا يُنَاسِبُ الْأَرْضَ ; لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ لَا الْبَقَاءُ ; لِأَنَّهُ بِصَدَدِ التَّغَيُّرِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} [الصافات: 113] (سُورَةُ الصَّافَّاتِ: الْآيَةُ 113) فَهَذَا يُنَاسِبُ الْأَنْبِيَاءَ ; لِأَنَّ الْبَرَكَةَ بَاقِيَةٌ لَهُمْ، وَلَمَّا نَاسَبَ الْحَمْدُ الْمَعْنَيَانِ جَمَعَهُمَا، كَذَا قِيلَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. (فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنَ الصَّلَاةِ (قَالَ) كَمَا فِي النَّسَائِيِّ (مَنِ الْمُتَكَلِّمُ) فِي الصَّلَاةِ لِيَعْلَمَ السَّامِعُونَ كَلَامَهُ فَيَقُولُوا مِثْلَهُ (آنِفًا) بِالْمَدِّ وَكَسْرِ النُّونِ، يَعْنِي قَبْلَ هَذَا وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا قَرُبَ، زَادَ النَّسَائِيُّ: فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ، فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ: أَنَا، قَالَ: كَيْفَ؟ قُلْتُ: فَذَكَرَهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، الْحَدِيثَ. (فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ) الْمُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ أَرْجُو الْخَيْرَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ) مُوَافِقَةً لِعَدَدِ حُرُوفِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا، وَالْبِضْعُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى تِسْعَةٍ وَلَا يَعْكِرُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ الْمَارَّةُ ; لِأَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ الثَّنَاءُ الزَّائِدُ عَلَى الْمُعْتَادِ وَهُوَ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى دُونَ مُبَارَكًا عَلَيْهِ فَإِنَّهَا لِلتَّأْكِيدِ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ اثْنَيْ عَشَرَ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِعَدَدِ الْكَلِمَاتِ عَلَى رِوَايَةِ مُبَارَكًا عَلَيْهِ. . . إِلَخْ. وَلِحَدِيثِ الْبَابِ، لَكِنْ عَلَى اصْطِلَاحِ النُّحَاةِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ كَالْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْبِضْعَ يَخْتَصُّ بِمَا دُونَ الْعِشْرِينَ (مَلَكَا) غَيْرَ الْحَفَظَةِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطَّرِيقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ» " الْحَدِيثَ. وَفِيهِ أَنَّ بَعْضَ الطَّاعَاتِ قَدْ يَكْتُبُهَا غَيْرُ الْحَفَظَةِ (يَبْتَدِرُونَهَا) أَيْ يُسَارِعُونَ إِلَى الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةِ (أَيُّهُمْ يَكْتُبُهُنَّ) وَلِلنَّسَائِيِّ: " أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا " وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ: " أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا " وَلَا تَعَارُضَ ; لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَهَا ثُمَّ يَصْعَدُونَ بِهَا (أَوَّلُ) رُوِيَ بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاءِ ; لِأَنَّهُ ظَرْفٌ قُطِعَ عَنِ الْإِضَافَةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 الْحَالِ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ، وَأَمَّا (أَيُّهُمْ) فَرُوِّينَاهُ بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يَكْتُبُهُنَّ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِأَبِي الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 44) قَالَ: وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ (يُلْقُونَ) ، وَأَيُّ اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَالتَّقْدِيرُ مَقُولٌ فِيهِمْ أَيُهِمُّ يَكْتُبُهُنَّ، وَيَجُوزُ نَصْبُ (أَيُّهُمْ) بِأَنْ يُقَدَّرَ الْمَحْذُوفُ (يَنْظُرُونَ أَيَّهُمْ) عَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ (أَيُّ) مَوْصُولَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ يَبْتَدِرُونَ الَّذِي يَكْتُبُهُنَّ أَوَّلُ، وَأَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ، وَاسْتَشْكَلَ تَأْخِيرُ رِفَاعَةَ إِجَابَةَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى كَرَّرَ سُؤَالَهُ ثَلَاثًا مَعَ أَنَّ إِجَابَتَهُ وَاجِبَةٌ، بَلْ وَعَلَى مَنْ سَمِعَ رِفَاعَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَلِ الْمُتَكَلِّمَ وَحْدَهُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَمْ تَتَعَيَّنِ الْمُبَادَرَةُ بِالْجَوَابِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ، وَلَا مِنْ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ فَكَأَنَّهُمُ انْتَظَرُوا بَعْضَهُمْ لِيُجِيبَ، وَحَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ خَشْيَةُ أَنْ يَبْدُوَ فِي حَقِّهِ شَيْءٌ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيمَا فَعَلَ، وَرَجَوْا أَنْ يُعْفَى عَنْهُ فَفَهِمَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَلِكَ فَقَالَ مَنِ الْقَائِلُ الْكَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا، فَقَالَ: أَنَا قُلْتُهَا لَمْ أُرِدْ بِهَا إِلَّا خَيْرًا كَمَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ. وَعِنْدَ ابْنِ قَانِعٍ قَالَ رِفَاعَةُ: فَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ مَالِي وَأَنِّي لَمْ أَشْهَدْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تِلْكَ الصَّلَاةَ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ: فَسَكَتَ الرَّجُلُ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ هَجَمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى شَيْءٍ كَرِهَهُ فَقَالَ: مَنْ هُوَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ إِلَّا صَوَابًا، قَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتُهَا أَرْجُو بِهَا الْخَيْرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُصَلِّينَ لَمْ يَعْرِفُوهُ بِعَيْنِهِ لِإِقْبَالِهِمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ أَوْ لِأَنَّهُ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ فِي حَقِّهِمْ، قَالَ الْبَاجِيُّ: لَمْ يَرَ مَالِكٌ الْعَمَلَ عَلَى حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَكَرِهَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُولَهُ، يُرِيدُ لَمْ يَرَهَا مِنَ الْأَقْوَالِ الْمَشْرُوعَةِ كَالتَّكْبِيرِ وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مُسْلِمٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 [بَاب مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَةِ»   8 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ هُوَ مِنْ أَشْرَفِ الطَّاعَاتِ، أَمَرَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ فَضْلًا وَكَرَمًا وَمَا تَفَضَّلَ بِالْإِجَابَةِ فَقَالَ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] (سُورَةُ غَافِرٍ: الْآيَةُ 60) . وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ غَضِبَ عَلَيْهِ» " وَلِأَبِي يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ فِي حَدِيثِ: وَأَمَّا الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَمِنْكَ الدُّعَاءُ وَعَلَيَّ الْإِجَابَةُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ الْعِبَادَةُ لِقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر: 60] (سُورَةُ غَافِرٍ: الْآيَةُ 60) وَالدُّعَاءُ بِمَعْنَى الْعِبَادَةِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} [النساء: 117] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 117) وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ هَذَا تَرْكٌ لِلظَّاهِرِ. وَقَالَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ: الْأَوْلَى حَمْلُ الدُّعَاءِ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 ظَاهِرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنْ عِبَادَتِي فَوَجْهُ الرَّبْطِ أَنَّ الدُّعَاءَ أَخَصُّ مِنَ الْعِبَادَةِ فَمَنِ اسْتَكْبَرَ عَنْهَا اسْتَكْبَرَ عَنِ الدُّعَاءِ. وَعَلَى هَذَا فَالْوَعِيدُ إِنَّمَا هُوَ حَقُّ مَنْ تَرَكَ الدُّعَاءَ اسْتِكْبَارًا وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَفَرَ، انْتَهَى. وَتَخَلُّفُ الْإِجَابَةِ إِنَّمَا هُوَ لِفَقْدِ شُرُوطِ الدُّعَاءِ الَّتِي مِنْهَا أَكْلُ الْحَلَالِ الْخَالِصِ وَصَوْنُ اللِّسَانِ وَالْفَرْجِ، وَاسْتَشْكَلَ حَدِيثُ: " «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتَيْ أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» " الْمُقْتَضِي لِفَضْلِ تَرْكِ الدُّعَاءِ حِينَئِذٍ مَعَ الْآيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْوَعِيدِ الشَّدِيدِ عَلَى تَرْكِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْلَ إِذَا اسْتَغْرَقَ فِي الثَّنَاءِ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الدُّعَاءِ ; لِأَنَّ الدُّعَاءَ طَلَبُ الْجَنَّةِ، وَالِاسْتِغْرَاقُ فِي مَعْرِفَةِ جَلَالِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنَ الْجَنَّةِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَحْصُلْ الِاسْتِغْرَاقُ فَالدُّعَاءُ أَوْلَى لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ، وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ تَرْكَهُ اسْتِسْلَامًا لِلْقَضَاءِ، وَقِيلَ: إِنْ دَعَا لِغَيْرِهِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ خَصَّ نَفْسَهُ فَلَا. وَقِيلَ: إِنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ بَاعِثًا لِلدُّعَاءِ اسْتُحِبَّ وَإِلَّا فَلَا. 492 - 495 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ أَوْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ) مُسْتَجَابَةٌ (يَدْعُو بِهَا) بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ مَقْطُوعٌ فِيهَا بِالْإِجَابَةِ وَمَا عَدَاهَا عَلَى رَجَاءِ الْإِجَابَةِ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ وَلَا وَعْدٍ. وَبِهَذَا أُجِيبَ عَنْ إِشْكَالٍ ظَاهِرُهُ بِمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الدَّعَوَاتِ الْمُجَابَةِ وَلَا سِيَّمَا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَنَّ مَعْنَاهُ أَفْضَلُ دَعَوَاتِ كُلِّ نَبِيٍّ، وَلَهُمْ دَعَوَاتٌ أُخْرَى، وَبِأَنَّ مَعْنَاهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ عَامَّةٌ مُسْتَجَابَةٌ فِي أُمَّتِهِ إِمَّا بِإِهْلَاكِهِمْ وَإِمَّا بِنَجَاتِهِمْ. وَأَمَّا الدَّعَوَاتُ الْخَاصَّةُ فَمِنْهَا مَا يُسْتَجَابُ وَمِنْهَا مَا لَا يُسْتَجَابُ. وَقِيلَ: لِكُلٍّ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ تَخُصُّهُ لِدُنْيَاهُ أَوْ لِنَفْسِهِ كَقَوْلِ نُوحٍ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] (سُورَةُ نُوحٍ: الْآيَةُ 26) ، وَقَوْلِ زَكَرِيَّا: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران: 38] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 38) ، وَقَوْلِ سُلَيْمَانَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] (سُورَةُ ص: الْآيَةُ 35) حَكَاهُ ابْنُ التِّينِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ أُمْنِيَةً يَتَمَنَّى بِهَا ; لِأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ نَبِيُّنَا أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَا يُجَابُ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا دَعْوَةً وَاحِدَةً، وَمَا يَكَادُ أَحَدٌ يَخْلُو مِنْ إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ إِذَا شَاءَ رَبُّهُ، قَالَ تَعَالَى: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} [الأنعام: 41] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 41) وَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ لَا تُرَدُّ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «مَا مِنْ دَاعٍ إِلَّا كَانَ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ فِيمَا دَعَا، وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ مِثْلُهُ، الحديث: 492 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 وَإِمَّا أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ» . وَجَاءَ فِي سَاعَةِ الْجُمُعَةِ لَا يَسْأَلُ فِيهَا عَبْدٌ رَبَّهُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ. وَقَالَ فِي الدُّعَاءِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَعِنْدَ الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعِنْدَ الْغَيْثِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ أَنَّهَا أَوْقَاتٌ تُرْجَى فِيهَا إِجَابَةُ الدُّعَاءِ. (فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ) بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ فَهَمْزَةٍ، أَيْ أَدَّخِرَ (دَعْوَتِي) الْمَقْطُوعَ بِإِجَابَتِهَا (شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَةِ) فِي أَهَمِّ أَوْقَاتِ حَاجَتِهِمْ، فَفِيهِ كَمَالُ شَفَقَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ وَرَأْفَتُهُ بِهِمْ وَاعْتِنَاؤُهُ بِالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمْ، جَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضِيلَةِ نَبِيِّنَا عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ حَيْثُ آثَرَ أُمَّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ بِدَعْوَتِهِ الْمُجَابَةِ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا أَيْضًا دُعَاءً عَلَيْهِمْ كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هَذَا مِنْ حُسْنِ تَصَرُّفِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّعْوَةَ فِيمَا يَنْبَغِي، وَمِنْ كَثْرَةِ كَرَمِهِ ; لِأَنَّهُ آثَرَ أُمَّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَمِنْ صِحَّةِ نَظَرِهِ ; لِأَنَّهُ جَعَلَهَا لِلْمُذْنِبِينَ مِنْ أُمَّتِهِ لِكَوْنِهِمْ أَحْوَجَ إِلَيْهَا مِنَ الطَّائِعِينَ، هَذَا وَقَوْلُ بَعْضِ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ: جَمِيعُ دَعَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ مُجَابَةٌ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ دَعَا عَلَى أُمَّتِهِ بِالْإِهْلَاكِ إِلَّا أَنَا فَلَمْ أَدْعُ فَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ لِلصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ. وَالْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ لَا أُمَّةُ الْإِجَابَةِ، تَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ وَعَلَى أُنَاسٍ مِنْ قُرَيْشٍ بِأَسْمَائِهِمْ، وَدَعَا عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَمُضَرَ، قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً تُسْتَجَابُ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ فَنَالَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا نَبِيُّنَا فَإِنَّهُ لَمَّا دَعَا عَلَى بَعْضِ أَمَتِهِ نَزَلَ عَلَيْهِ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: 128] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 128) فَأَبْقَى تِلْكَ الدَّعْوَةَ الْمُسْتَجَابَةَ مُدَّخَرَةً لِلْآخِرَةِ. وَغَالِبُ مَنْ دَعَا عَلَيْهِمْ لَمْ يُرِدْ إِهْلَاكَهُمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ رَدْعَهُمْ لِيَتُوبُوا. قَالَ: وَأَمَّا جَزْمُهُ أَوَّلًا بِأَنَّ جَمِيعَ أَدْعِيَةِ الْأَنْبِيَاءِ مُجَابَةٌ فَغَفْلَةٌ عَنِ الْحَدِيثِ: " سَأَلْتُ اللَّهَ ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً ". الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَفِيهِ إِثْبَاتُ الشَّفَاعَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهِيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ، قَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 79) هُوَ الشَّفَاعَةُ فِي الْمُذْنِبِينَ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ جُلُوسُهُ عَلَى الْعَرْشِ. وَرُوِيَ عَنْهُ كَالْجَمَاعَةِ فَصَارَ إِجْمَاعًا، وَقَدْ صَحَّ نَصًّا عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ مُتَوَاتِرَةٌ صِحَاحٌ مِنْهَا: " «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» ". وَقَالَ جَابِرٌ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فَمَا لَهُ وَلِلشَّفَاعَةِ وَلَا يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَهْلُ الْبِدَعِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ بِهِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِهِ فَلِمَالِكٍ فِيهِ إِسْنَادَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فَيَقُولُ اللَّهُمَّ فَالِقَ الْإِصْبَاحِ وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ حُسْبَانًا اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنْ الْفَقْرِ وَأَمْتِعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي وَقُوَّتِي فِي سَبِيلِكَ»   493 - 496 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي سَنَدِهِ وَلَا فِي مَتْنِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو شَيْبَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَدْعُو فَيَقُولُ) وَهُوَ مُرْسَلٌ، فَمُسْلِمٌ تَابِعِيٌّ (اللَّهُمَّ فَالِقَ الْإِصْبَاحِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ خَلَقَهُ وَابْتَدَأَهُ وَأَظْهَرُهُ (وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا) أَيْ يُسْكَنُ فِيهِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: الْجَعْلُ لُغَةً الْخَلْقُ وَالْحُكْمُ وَالتَّسْمِيَةُ، فَإِذَا تَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بِمَعْنَى الْخَلْقِ كَقَوْلِهِ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 1) وَإِلَى مَفْعُولَيْنِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالتَّسْمِيَةِ نَحْوُ: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: 19] (سُورَةُ الزُّخْرُفِ: الْآيَةُ 19) وَبِمَعْنَى الْخَلْقِ كَقَوْلِهِمْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي مُسْلِمًا. فَقَوْلُهُ (وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا) يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ (وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ حُسْبَانًا) قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَيْ حِسَابًا أَيْ بِحِسَابٍ مَعْلُومٍ، وَقَدْ يَكُونُ جَمْعَ حِسَابٍ كَشِهَابٍ وَشُهْبَانٍ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ يَحْسُبُ بِهِمَا الْأَيَّامَ وَالشُّهُورَ وَالْأَعْوَامَ، قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5] (سُورَةُ يُونُسَ: الْآيَةُ 5) (اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْأَظْهَرُ فِيهِ دُيُونُ النَّاسِ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ دُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْحَدِيثِ: " «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» ". (وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ) ; لِأَنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَهَذَا الْفَقْرُ هُوَ الَّذِي لَا يُدْرَكُ مَعَهُ الْقُوتُ، وَقَدْ أَغْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] (سُورَةُ الضُّحَى: الْآيَةُ 8) وَلَمْ يَكُنْ غِنَاهُ أَكْثَرَ مِنَ اتِّخَاذِ قُوتِ سَنَةٍ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَالْغِنَى كُلُّهُ فِي قَلْبِهِ ثِقَةً بِرَبِّهِ، وَقَالَ: " «اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا» ". وَلَمْ يُرِدْ بِهِمْ إِلَّا الْأَفْضَلَ. وَقَالَ: " «مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى» ". وَكَانَ يَسْتَعِيذُ مِنْ فَقْرٍ مُبْئِسٍ وَغِنًى مُطْغٍ، وَيَسْتَعِيذُ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَقَالَ: " «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ، وَلَا تَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا» ". وَالْمِسْكِينُ هُنَا الْمُتَوَاضِعُ لَا السَّائِلُ ; لِأَنَّهُ كَرِهَ السُّؤَالَ وَنَهَى عَنْهُ وَحَرَّمَهُ عَلَى مَنْ يَجِدُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ، وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، وَرُبَّمَا ظَهَرَ فِي بَعْضِهَا تَعَارُضٌ، وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ تَتَقَارَبُ مَعَانِيهَا، فَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ سَعَةً وَجَبَ شُكْرُهُ عَلَيْهَا، وَمَنِ ابْتُلِيَ بِالْفَقْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّبْرُ، إِلَّا أَنَّ الْفَرَائِضَ تَتَوَجَّهُ عَلَى الْغَنِيِّ وَهِيَ سَاقِطَةٌ عَنِ الْفَقِيرِ، وَلِلْقِيَامِ بِهَا فَضْلٌ عَظِيمٌ، وَلِلصَّبْرِ عَلَى الْفَقْرِ ثَوَابٌ جَسِيمٌ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] (سُورَةُ الزُّمَرِ: الْآيَةُ 10) وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا أَشَارَ لَهُ أَبُو عُمَرَ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الحديث: 493 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 : قِيلَ أَرَادَ فَقَرَ النَّفْسِ، وَقِيلَ الْفَقْرُ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَقِيلَ الْفَقْرُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي يُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ نِسْيَانُ الْفَرَائِضِ وَذِكْرِ اللَّهِ، وَجَاءَ فِي الْأَثَرِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فَقْرٍ يُنْسِينِي وَغِنًى يُطْغِينِي. وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَفَافَ أَفْضَلُ مِنَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى ; لِأَنَّهُمَا بَلِيَّتَانِ يَخْتَبِرُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ. (وَأَمْتِعْنِي بِسَمْعِي) لِمَا فِيهِ مِنَ التَّنَعُّمِ بِالذِّكْرِ وَسَمَاعِ مَا يَسُرُّ (وَبَصَرِي) لِمَا فِيهِ مِنْ رُؤْيَةِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ وَالتَّدَبُّرِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِيهِ لِغَيْرِهِ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ. (وَ) أَمْتِعْنِي بِـ (قُوَّتِي) بِفَوْقِيَّةٍ قَبْلَ الْيَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، الْقُوَى، وَيُرْوَى: وَقَوِّنِي، بَنُونٍ بَدَلَ الْفَوْقِيَّةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ عِنْدَ الرُّوَاةِ (فِي سَبِيلِكَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْجِهَادَ، وَأَنْ يُرِيدَ جَمِيعَ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْ تَبْلِيغٍ وَغَيْرِهَا فَذَلِكَ كُلُّهُ سَبِيلُ اللَّهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، سُبُلُ اللَّهِ تَعَالَى كَثِيرَةٌ، وَلَكِنْ يُوضَعُ فِي الْغَزْوِ فَخَصَّهُ بِالْعُرْفِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: " «إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمَتَيْ عَبْدِي فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ» " ; لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْفَرَائِضِ وَالْحَضِّ عَلَى الصَّبْرِ بَعْدَ الْوُقُوعِ، فَلَا يُنَافِي الدُّعَاءَ بِالْإِمْتَاعِ قَبْلَ وُقُوعِهِ ; لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الشُّكْرِ، قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ: لَأَنْ أُعَافَى فَأَشْكُرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْتَلَى فَأَصْبِرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ إِذَا دَعَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ»   494 - 497 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ إِذَا دَعَا) طَلَبَ مِنَ اللَّهِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ ; لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ يَتَأَتَّى إِكْرَاهُهُ عَلَى الشَّيْءِ فَيُخَفِّفُ الْأَمْرَ عَلَيْهِ وَيُعْلِمُهُ بِأَنَّهُ لَا يَطْلُبُ مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ إِلَّا بِرِضَاهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّعْلِيقِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ فِيهِ صُورَةُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْمَطْلُوبِ، وَالْمَطْلُوبِ مِنْهُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِنْ شِئْتَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا ; لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَحِيلٌ لَا وَجْهَ لَهُ إِذْ لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا يَشَاءُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَحَمَلَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَهُوَ أَوْلَى. (لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ) قَالَ الدَّاوُدِيُّ: أَيْ يَجْتَهِدُ وَيُلِحُّ، وَلَا يَقُولُ إِنْ شِئْتَ كَالْمُسْتَثْنَى، وَلَكِنْ دُعَاءَ الْبَائِسِ الْفَقِيرِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَالْمُسْتَثْنَى إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَالَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ لَا يُمْنَعُ وَهُوَ الحديث: 494 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 جَيِّدٌ قَالَهُ الْحَافِظُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ يُخَلِّي سُؤَالَهُ وَدُعَاءَهُ مِنْ لَفْظِ الْمَشِيئَةِ ; لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي مَنْ يَصِحُّ أَنْ يَفْعَلَ دُونَ أَنْ يَشَاءَ لِإِكْرَاهٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ سُؤَالَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا يَشَاءُ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّهُ) تَعَالَى (لَا مُكْرِهَ لَهُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلدَّاعِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الدُّعَاءِ، وَيَكُونَ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَابَةِ، وَلَا يَقْنَطُ مِنَ الرَّحْمَةِ فَإِنَّهُ يَدْعُو كَرِيمًا. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَا يَمْنَعْنَ أَحَدًا الدُّعَاءَ مَا يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ، يَعْنِي مِنَ التَّقْصِيرِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجَابَ دُعَاءَ شَرِّ خَلْقِهِ، وَهُوَ إِبْلِيسُ، حِينَ قَالَ: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يَبْعَثُونَ} [الحجر: 36] (سُورَةُ الْحِجْرِ: الْآيَةُ 36) وَفِي التِّرْمِذِيِّ: وَقَالَ غَرِيبٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ» ". قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَيْ كُونُوا عَلَى حَالَةٍ تَسْتَحِقُّونَ فِيهَا الْإِجَابَةَ، وَذَلِكَ بِإِتْيَانِ الْمَعْرُوفِ وَاجْتِنَابِ الْمُنْكَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُرَاعَاةِ أَرْكَانِ الدُّعَاءِ وَآدَابِهِ، حَتَّى تَكُونَ الْإِجَابَةُ عَلَى الْقَلْبِ أَغْلَبَ مِنَ الرَّدِّ، أَوِ الْمُرَادُ ادْعُوهُ مُعْتَقِدِينَ وُقُوعَ الْإِجَابَةِ ; لِأَنَّ الدَّاعِيَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَحَقِّقًا فِي الرَّجَاءِ لَمْ يَكُنْ رَجَاؤُهُ صَادِقًا، وَإِذَا لَمْ يَصْدُقْ رَجَاؤُهُ لَمْ يَكُنِ الرَّجَاءُ خَالِصًا وَالدَّاعِي مُخْلِصًا، فَإِنَّ الرَّجَاءَ هُوَ الْبَاعِثُ عَلَى الطَّلَبِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْفَرْعُ إِلَّا بِتَحْقِيقِ الْأَصْلِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي»   495 - 498 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَنْوِينِ الدَّالِّ، وَاسْمُهُ سَعْدٌ، بِسُكُونِ الْعَيْنِ، ابْنُ عَبِيدٍ، ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَقِيلَ لَهُ إِدْرَاكٌ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ (مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ بَيْنَهُمَا زَايٌ سَاكِنَةٌ آخِرُهُ رَاءٌ، عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ، صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ» ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْجِيمِ، بَيْنَهُمَا عَيْنٌ سَاكِنَةٌ، مِنْ الِاسْتِجَابَةِ بِمَعْنَى الْإِجَابَةِ، قَالَ الشَّاعِرُ: فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ ثُمَّ ذَاكَ مُجِيبُ أَيْ يُجَابُ دُعَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ; لِأَنَّ الِاسْمَ الْمُضَافَ مُفِيدٌ لِلْعُمُومِ عَلَى الْأَصَحِّ. (فَيَقُولُ) بِالْفَاءِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَعْجَلْ (قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: يُسْتَجَابُ؛ الْإِخْبَارَ عَنْ وُجُوبِ وُقُوعِ الْإِجَابَةِ أَيْ تَحَقُّقِ وُقُوعِهَا الحديث: 495 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 أَوِ الْإِخْبَارَ عَنْ جَوَازِ وُقُوعِهَا، فَإِنْ أُرِيدَ الْوُجُوبُ فَهُوَ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: تَعْجِيلُ مَا سَأَلَهُ، أَوْ يُكَفَّرُ عَنْهُ بِهِ، أَوْ يُدَّخَرُ لَهُ، فَإِذَا قَالَ دَعَوْتُ. . . إِلَخْ، بَطَلَ وُجُوبُ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَعُرِّيَ الدُّعَاءُ عَنْ جَمِيعِهَا، وَإِنْ أُرِيدَ الْجَوَازُ فَيَكُونُ الْإِجَابَةُ بِفِعْلِ مَا دَعَا بِهِ، وَمَنْعِهِ قَوْلَهُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ ; لِأَنَّهُ مِنْ ضَعْفِ الْيَقِينِ وَالتَّسَخُّطِ. وَفِي مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ» "، قِيلَ: وَمَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يُسْتَجَابُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ". وَيَسْتَحْسِرُ بِمُهْمَلَاتٍ اسْتِفْعَالٌ مِنْ حَسَرَ، إِذَا أَعْيَا وَتَعِبَ، وَتَكْرَارُ دَعَوْتُ لِلِاسْتِمْرَارِ أَيْ دَعَوْتُ مِرَارًا كَثِيرَةً. قَالَ الْمُظَهَّرِيُّ: مَنْ لَهُ مَلَالَةٌ مِنَ الدُّعَاءِ لَا يُقْبَلُ دُعَاؤُهُ ; لِأَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ حَصَلَتِ الْإِجَابَةُ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَمَلَّ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَتَأْخِيرُ الْإِجَابَةِ إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ وَقْتُهَا، وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدَّرْ فِي الْأَزَلِ قَبُولُ دُعَائِهِ فِي الدُّنْيَا لِيُعْطَى عِوَضَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُؤَخَّرَ الْقَبُولُ لِيُلِحَّ وَيُبَالِغَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِانْقِيَادِ وَالِاسْتِسْلَامِ وَإِظْهَارِ الِافْتِقَارِ، وَمَنْ يُكْثِرُ قَرْعَ الْبَابِ يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ، وَمَنْ يُكْثِرُ الدُّعَاءَ يُوشِكُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ»   496 - 499 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ) سَلْمَانَ بِسُكُونِ اللَّامِ (الْأَغَرِّ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ، الْجُهَنِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، وَأَصْلُهُ مِنْ أَصْبَهَانَ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الْقُرَشِيِّ الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا) اخْتُلِفَ فِيهِ فَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، يَقُولُونَ: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ مُنَزِّهِينَ لِلَّهِ تَعَالَى عَنِ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ. وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَالْحَمَّادَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ أَسْلَمُ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ الْمُعَيَّنَ لَا يَجِبُ فَحِينَئِذٍ التَّفْوِيضُ أَسْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: النُّزُولُ رَاجِعٌ إِلَى أَفْعَالِهِ لَا إِلَى ذَاتِهِ، بَلْ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ مَلَكِهِ الَّذِي يَنْزِلُ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَالنُّزُولُ حِسِّيٌّ صِفَةُ الْمَلَكِ الْمَبْعُوثِ بِذَلِكَ، أَوْ مَعْنَوِيٌّ بِمَعْنَى لَمْ يَفْعَلُ ثُمَّ فَعَلَ فَسُمِّيَ ذَلِكَ نُزُولًا عَنْ مَرْتَبَةٍ إِلَى مَرْتَبَةٍ فَهِيَ عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَأَوَّلَهُ بِوَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنَّ الْمَعْنَى يَنْزِلُ أَمْرُهُ أَوْ الْمَلَكُ، وَإِمَّا أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ بِمَعْنَى التَّلَطُّفِ وَالْإِجَابَةِ لَهُمْ وَنَحْوِهِ. وَكَذَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَوَّلَهُ بِنُزُولِ رَحْمَتِهِ وَأَمْرِهِ أَوْ مَلَائِكَتِهِ، كَمَا يُقَالُ فَعَلَ الْمَلِكُ كَذَا أَيْ أَتْبَاعُهُ بِأَمْرِهِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الحديث: 496 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ قَوْمٌ يَنْزِلُ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ أَمْرَهُ بِمَا يَشَاءُ مِنْ رَحْمَتِهِ وَنِعْمَتِهِ يَنْزِلُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِلَا تَوْقِيتِ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَغْلَبَ فِي الِاسْتِجَابَةِ ذَلِكَ الْوَقْتُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ إِجَابَةِ الدَّاعِي وَغُفْرَانِهِ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ وَتَنْبِيهٌ عَلَى فَضْلِ الْوَقْتِ كَحَدِيثِ: " إِذَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا. الْحَدِيثَ، لَمْ يُرِدْ قُرْبَ الْمَسَافَةِ لِعَدَمِ إِمْكَانِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَمَلَ مِنَ الْعَبْدِ وَمِنْهُ تَعَالَى الْإِجَابَةُ. وَحَكَى ابْنُ فُورَكَ أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ ضَبَطَهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ أَيْ يُنْزَلُ مَلِكًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُقَوِّيِهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ: «أَنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى يَمْضِيَ شَطْرُ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يَقُولُ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابُ لَهُ؟» " الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ عِنْدَ أَحْمَدَ: " «يُنَادِي مُنَادٍ: هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟» الْحَدِيثَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ، وَلَا يَعْكِرُ عَلَيْهِ حَدِيثُ رِفَاعَةَ الْجُهَنِيِّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ: " «يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: لَا أَسْأَلُ عَنْ عِبَادِي غَيْرِي» " ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِنْزَالِهِ الْمَلَكَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ صُنْعِ الْعِبَادِ، بَلْ يَجُوزُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمُنَادَاةِ، وَلَا يَسْأَلُ الْبَتَّةَ عَمَّا بَعْدَهَا، فَهُوَ أَعْلَمُ سُبْحَانَهُ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، انْتَهَى. وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: الْإِشْكَالُ مَدْفُوعٌ حَتَّى عَلَى أَنَّهُ يَنْزِلُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الَّذِي هُوَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ. وَكُلٌّ مِنْ حَدِيثَيِ النَّسَائِيِّ وَأَحْمَدَ يُقَوِّي تَأْوِيلَهُ بِأَنَّهُ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ أَوْ الِاسْتِعَارَةِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: لَمَّا ثَبَتَ بِالْقَوَاطِعِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ وَالتَّحَيُّزِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ النُّزُولُ عَلَى مَعْنَى الِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ أَخْفَضَ مِنْهُ، فَالْمُرَادُ دُنُوُّ رَحْمَتِهِ أَيْ يَنْتَقِلُ مِنْ مُقْتَضَى صِفَةِ الْجَلَالِ الَّتِي تَقْتَضِي الْغَضَبَ وَالِانْتِقَامَ إِلَى مُقْتَضَى صِفَةِ الْإِكْرَامِ الَّتِي تَقْتَضِي الرَّأْفَةَ وَالرَّحْمَةَ. (تَبَارَكَ وَتَعَالَى) جُمْلَتَانِ مُعْتَرِضَتَانِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَظَرْفِهِ وَهُوَ (كُلَّ لَيْلَةٍ) لَمَّا أُسْنِدَ النُّزُولُ إِلَى مَا لَا يَلِيقُ إِسْنَادُهُ حَقِيقَةً إِلَيْهِ اعْتُرِضَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّنْزِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} [النحل: 57] (سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 57) (إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ) بِرَفْعِهِ صِفَةُ (ثُلُثُ) ، وَتَخْصِيصُهُ بِاللَّيْلِ وَثُلُثُهُ الْآخِرُ ; لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّهَجُّدِ وَغَفْلَةِ النَّاسِ عَنِ التَّعَرُّضِ لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ النِّيَّةُ خَالِصَةً وَالرَّغْبَةُ إِلَى اللَّهِ وَافِرَةً وَذَلِكَ مَظِنَّةُ الْقَبُولِ وَالْإِجَابَةِ. وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ، وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ، وَيُقَوِّيِهِ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةَ لَهُ اخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى رَاوِيهَا وَانْحَصَرَتْ فِي سِتَّةٍ هَذِهِ ثَانِيهَا: إِذَا مَضَى الثُّلُثُ الْأَوَّلُ. ثَالِثُهَا: الثُّلُثُ الْأَوَّلُ أَوِ النِّصْفُ. رَابِعُهَا: النِّصْفُ. خَامِسُهَا: الثُّلُثُ الْأَخِيرُ أَوِ النِّصْفُ. سَادِسُهَا: الْإِطْلَاقُ فَجَمَعَ بَيْنَهَا بِحْمِلِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ. وَأَمَّا الَّتِي بِأَوْ فَإِنْ كَانَتْ لِلشَّكِّ فَالْجَزْمُ مُقَدَّمٌ عَلَى الشَّكِّ، وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ حَالَتَيْنِ فَيُجْمَعُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ بِحَسَبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ ; لِأَنَّ أَوْقَاتَ اللَّيْلِ تَخْتَلِفُ فِي الزِّيَادَةِ، وَفِي الْأَوْقَاتِ بِاخْتِلَافِ تَقَدُّمِ اللَّيْلِ عِنْدَ قَوْمٍ وَتَأَخُّرِهِ عِنْدَ قَوْمٍ، أَوِ النُّزُولُ يَقَعُ فِي الثُّلُثِ الْأَوَّلِ، وَالْقَوْلُ يَقَعُ فِي النِّصْفِ، وَفِي الثُّلُثِ الثَّانِي، أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى وُقُوعِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ بِهَا الْأَحَادِيثُ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُعْلِمَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ فِي وَقْتٍ، فَأَخْبَرَ بِهِ، ثُمَّ أُعْلِمَ بِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَأَخْبَرَ بِهِ، فَنَقَلَ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ عَنْهُ. (فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ) أَيْ أُجِيبَ (لَهُ) دُعَاءَهُ، فَلَيْسَتِ السِّينُ لِلطَّلَبِ (مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ) مَسْئُولَهُ (مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) ذُنُوبَهُ، بِنَصْبِ الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَبِهِمَا قُرِئَ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} [البقرة: 245] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 245) وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا أَنَّ الْمَطْلُوبَ إِمَّا رَفْعُ الْمَضَارِّ أَوْ جَلْبُ الْمَسَارِّ، وَذَلِكَ إِمَّا دُنْيَوِيٌّ أَوْ دِينِيٌّ، فَفِي الِاسْتِغْفَارِ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَوَّلِ، وَالدُّعَاءُ إِشَارَةٌ إِلَى الثَّانِي، وَالسُّؤَالُ إِشَارَةٌ إِلَى الثَّالِثِ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الدُّعَاءَ مَا لَا طَلَبَ فِيهِ، وَالسُّؤَالُ الطَّلَبُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَاحِدٌ وَإِنِ اخْتَلَفَ اللَّفْظُ، انْتَهَى. وَزَادَ سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «هَلْ تَائِبٌ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟» " وَزَادَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْهُ: " «مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي فَأَرْزُقَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ فَأَكْشِفَ عَنْهُ؟» " وَزَادَ عَطَاءٌ مَوْلَى أُمِّ صُبَيَّةَ، بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَةٍ، عَنْهُ: " أَلَا سَقِيمٌ يَسْتَشْفِي فَيُشْفَى؟ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَمَعَانِيهَا دَاخِلَةٌ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَزَادُ سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ عَنْهُ: " مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى عَمَلِ الطَّاعَةِ وَإِشَارَةٌ إِلَى جَزِيلِ ثَوَابِهَا. وَزَادَ حَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ: " حَتَّى الْفَجْرِ ". وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: " حَتَّى الْفَجْرِ ". وَعَلَيْهِ اتَّفَقَ مُعْظَمُ الرِّوَايَاتِ. وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " حَتَّى تَحُلَّ الشَّمْسُ "، وَهِيَ شَاذَّةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ تَفْضِيلُ آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى أَوَّلِهِ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 17) وَأَنَّ الدُّعَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتَ مُجَابٌ، وَلَا يُعْتَرَضُ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ بَعْضِ الدَّاعِينَ ; لِأَنَّ سَبَبَهُ وُقُوعُ الْخَلَلِ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الدُّعَاءِ كَالِاحْتِرَازِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ، أَوِ اسْتِعْجَالِ الدَّاعِي، أَوْ بِأَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، أَوْ تَحْصُلُ الْإِجَابَةُ وَيَتَأَخَّرُ وُجُودُ الْمَطْلُوبِ لِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ، أَوْ لِأَمْرٍ يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى، هَذَا وَقَدْ حَمَلَ الْمُشَبِّهَةُ الْحَدِيثَ، وَأَحَادِيثَ التَّشْبِيهِ كُلَّهَا عَلَى ظَاهِرِهَا - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ - وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ فَأَنْكَرُوا صِحَّتَهَا جُمْلَةً وَهُوَ مُكَابَرَةٌ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَوَّلُوا مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَأَنْكَرُوا الْأَحَادِيثَ جَهْلًا أَوْ عِنَادًا، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ الْمُسْتَعْمَلِ لُغَةً، وَبَيْنَ الْبَعِيدِ الْمَهْجُورِ، فَأَوَّلَ فِي بَعْضٍ وَفَوَّضَ فِي بَعْضٍ، وَجَزَمَ بِهِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَنُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: مَنَعَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 التَّحْدِيثَ بِحَدِيثِ: " «اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» "، وَحَدِيثِ: " «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» "، وَحَدِيثِ: " السَّاقِ " وَقَالَ: مَا يَدْعُو الْإِنْسَانَ إِلَى أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ وَهُوَ يَرَى مَا فِيهِ مِنَ التَّغْرِيرِ، وَلَمْ يَرَ مِثْلَهُ حَدِيثَ: " إِنَّ اللَّهَ يَضْحَكُ "، وَحَدِيثَ: " يَنْزِلُ رَبُّنَا "، فَأَجَازَ التَّحْدِيثَ بِهِمَا. قَالَ: فَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ حَدِيثَ التَّنَزُّلِ وَالضَّحِكِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ، لَمْ يُطْعَنْ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا، وَحَدِيثُ الْعَرْشِ وَالصُّورَةِ وَالسَّاقِ لَا تَبْلُغُ أَحَادِيثُهَا فِي الصِّحَّةِ دَرَجَةَ التَّنَزُّلِ وَالضَّحِكِ، وَبِأَنَّ التَّأْوِيلَ فِي حَدِيثِ التَّنَزُّلِ أَقْرَبُ وَأَبْيَنُ، وَالْعُذْرَ بِسُوءِ التَّأْوِيلِ فِيهَا أَبْعَدُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّلَاةِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَفِي الدَّعَوَاتِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيِّ، وَفِي التَّوْحِيدِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ. وَمُسْلِمٌ فِي الصَّلَاةِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «كُنْتُ نَائِمَةً إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَقَدْتُهُ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَسْتُهُ بِيَدِي فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»   497 - 500 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) تَيْمِ قُرَيْشٍ (أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ، وَهُوَ مُسْنَدٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ. وَطَرِيقُ الْأَعْرَجِ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ ( «قَالَتْ: كُنْتُ نَائِمَةً إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَقَدْتُهُ» ) بِفَتْحِ الْقَافِ، وَفِي رِوَايَةٍ افْتَقَدْتُهُ، وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنَى لَمْ أَجِدْهُ (مِنَ اللَّيْلِ) وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ: وَكَانَ مَعِيَ عَلَى فِرَاشِي (فَلَمَسْتُهُ بِيَدِي) وَفِي رِوَايَةٍ: فَالْتَمَسْتُهُ فِي الْبَيْتِ، وَجَعَلْتُ أَطْلُبُهُ بِيَدِي (فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَهُمَا مُنْتَصِبَتَانِ (وَهُوَ سَاجِدٌ) وَفِيهِ أَنَّ اللَّمْسَ بِلَا لَذَّةٍ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ كَانَ فَوْقَ حَائِلٍ خِلَافَ الْأَصْلِ فَسَمِعْتُهُ (يَقُولُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: اللَّهُمَّ إِنِّي ( «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ» ) أَيْ بِمَا يُرْضِيكَ مِمَّا يُسْخِطُكَ، فَخَرَجَ عَنْ حَظِّ نَفْسِهِ بِإِقَامَةِ حُرْمَةِ مَحْبُوبِهِ، فَهَذَا لِلَّهِ، ثُمَّ الَّذِي لِنَفْسِهِ قَوْلُهُ: ( «وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ» ) وَفِي إِضَافَتِهَا كَالسَّخَطِ إِلَيْهِ دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى جَوَازِ إِضَافَةِ الشَّرِّ إِلَيْهِ تَعَالَى كَالْخَيْرِ، وَاسْتَعَاذَ بِهَا بَعْدَ اسْتِعَاذَتِهِ بِرِضَاهُ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْضَى مِنْ جِهَةِ حُقُوقِهِ، وَيُعَاقِبَ عَلَى حُقُوقِ غَيْرِهِ (وَبِكَ مِنْكَ) قَالَ عِيَاضٌ: تَرَقٍّ مِنَ الْأَفْعَالِ إِلَى مُنْشِئِ الْأَفْعَالِ مُشَاهَدَةً لِلْحَقِّ وَغَيْبَةً عَنِ الْخَلْقِ الَّذِي هُوَ مَحْضُ الْمَعْرِفَةِ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ قَوْلٌ وَلَا يَضْبُطُهُ وَصْفٌ، فَهُوَ مَحْضُ التَّوْحِيدِ، وَقَطْعُ الحديث: 497 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِهِ وَإِفْرَادُهُ بِالِاسْتِعَانَةِ وَغَيْرِهَا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِيهِ مَعْنًى لَطِيفٌ ; لِأَنَّهُ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يُجِيرَهُ بِرِضَاهُ مِنْ سَخَطِهِ، وَبِمُعَافَاتِهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَالرِّضَا وَالسَّخَطُ ضِدَّانِ كَالْمُعَافَاةِ وَالْعُقُوبَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ مَا لَا ضِدَّ لَهُ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ لَا غَيْرَ، وَمَعْنَاهُ الِاسْتِغْفَارُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي بُلُوغِ الْوَاجِبِ مِنْ عِبَادَتِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ: ( «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ» ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: أَيْ لَا أَبْلُغُ الْوَاجِبَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْكَ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: أَيْ لَا أُحَصِّلُ ثَنَاءً لِعَجْزِي عَنْهُ إِذْ هُوَ نِعْمَةٌ تَسْتَدْعِي شُكْرًا، وَهَكَذَا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا أَعُدُّ كَمَا فِي الصِّحَاحِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْإِحْصَاءِ الْعَدُّ بِالْحَصَى كَمَا قَالَ: وَلَسْتَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى ... وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ وَعَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ نَفْيِ الْمَلْزُومِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْإِحْصَاءِ الْمُفَسَّرِ بِالْعَدِّ وَإِرَادَةِ نَفْيِ اللَّازِمِ، وَهُوَ اسْتِيعَابُ الْمَعْدُودِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: لَا أَسْتَوْعِبُ، فَالْمُرَادُ نَفْيُ الْقُدْرَةِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الثَّنَاءَاتِ، أَوْ فَرْدٌ مِنْهَا يَفِي بِنِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ لَا عَدِّهَا، إِذْ لَا يُمْكِنُ عَدُّ أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الثَّنَاءِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَعْنَاهُ: وَإِنِ اجْتَهَدْتُ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْكَ فَلَنْ أُحْصِيَ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَإِحْسَانَكَ. (أَنْتَ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (كَمَا أَثْنَيْتَ) أَيِ الثَّنَاءُ عَلَيْكَ هُوَ الْمُمَاثِلُ لِثَنَائِكَ (عَلَى نَفْسِكَ) وَلَا قُدْرَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَنْتَ تَأْكِيدٌ لِلْكَافِ مِنْ عَلَيْكَ بِاسْتِعَارَةِ الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ لِلْمُتَّصِلِ، وَالثَّنَاءُ بِتَقْدِيمِ الْمُثَلَّثَةِ، وَالْمَدُّ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ عَلَى الْمَشْهُورِ لُغَةً، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الشَّرِّ مَجَازٌ. وَقَالَ الْمَجْدُ: وَصْفٌ بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ أَوْ خَاصٌّ بِالْمَدْحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبْلَغُ وَصْفَهُ وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُوصَفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى بُلُوغِ حَقِيقَتِهِ، وَرَدُّ الثَّنَاءِ إِلَى الْجُمْلَةِ دُونَ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ، فَوَكَّلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ الْمُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَكَمَا أَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِصِفَاتِهِ لَا نِهَايَةَ لِلثَّنَاءِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الثَّنَاءَ تَابِعٌ لِلْمُثْنَى عَلَيْهِ فَكُلُّ شَيْءٍ أَثْنَى عَلَيْهِ بِهِ وَإِنْ كَثُرَ وَطَالَ وَبُولِغَ فِيهِ، فَقَدْرُ اللَّهِ أَعْظَمُ، وَسُلْطَانُهُ أَعَزُّ، وَصِفَاتُهُ أَكْثَرُ وَأَكْبَرُ، وَفَضْلُهُ أَوْسَعُ وَأَسْبَغُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ»   498 - 501 - (مَالِكٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ) مَيْسَرَةَ الْمَخْزُومِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةُ الْعَابِدُ، قَالَ مَالِكٌ: كَانَ يَلْبَسُ الصُّوفَ، وَيَكُونُ وَحْدَهُ وَلَا يُجَالِسُ أَحَدًا: لِمَالِكٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ، رَوَاهُ هُنَا وَفِي الْحَجِّ، وَنَسَبَهُ فَزَادَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنِ كَرِيزٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَزَايٍ الحديث: 498 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 مَنْقُوطَةٍ، الْخُزَاعِيِّ أَبِي الْمُطَرِّفِ الْمَدَنِيِّ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ، قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَوَهِمَ مَنْ ظَنَّهُ أَحَدَ الْعَشَرَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ، وَلَا أَحْفَظُهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ جَاءَ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَمْرٍو، وَالْفَضَائِلُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يُحْتَجُّ بِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَجَاءَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ هُوَ وَحَدِيثَ ابْنِ عَمْرٍو الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَفْضَلُ الدُّعَاءِ» ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( «دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ أَعْظَمُهُ ثَوَابًا وَأَقْرَبُهُ إِجَابَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْيَوْمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْحَاجَّ خَاصَّةً ( «وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي» ) وَلَفْظُ حَدِيثِ عَلِيٍّ: أَكْثَرُ دُعَائِي وَدُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي بِعَرَفَةَ ( «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) » زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ". وَكَذَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ بِيَدِهِ الْخَيْرُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَفِيهِ بِيَدِهِ الْخَيْرُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ الثَّنَاءَ دُعَاءٌ، وَفِي الْمَرْفُوعِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» ". وَفِيهِ تَفْضِيلُ الدُّعَاءِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَالْأَيَّامِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ الذِّكْرِ ; لِأَنَّهَا كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ وَالتَّقْوَى. وَقَالَ آخَرُونَ: أَفْضَلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ; لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الشُّكْرِ، وَفِيهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ مَا فِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَافْتَتَحَ اللَّهُ كَلَامَهُ بِهِ وَخَتَمَ بِهِ، وَهُوَ آخِرُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَرَوَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ بِمَا قَالَتْ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً، وَسَاقَ جُمْلَةً مِنْهَا فِي التَّمْهِيدِ، وَوَقَعَ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ لِرَزِينِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْأَنْدَلُسِيِّ زِيَادَةٌ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهِيَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ. . . إِلَخْ. وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ فَقَالَ: حَدِيثٌ لَا أَعْرِفُ حَالَهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ صَحَابِيَّهُ وَلَا مَنْ خَرَّجَهُ، بَلْ أَدْرَجَهُ فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ هَذَا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُوَطَّآتِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ احْتُمِلَ أَنْ يُرَادَ بِالسَّبْعِينَ التَّحْدِيدُ أَوِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْكَثْرَةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْهُمَا ثَبَتَتِ الْمَزِيَّةُ، انْتَهَى. وَفِي الْهَدْيِ لِابْنِ الْقَيِّمِ مَا اسْتَفَاضَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامِّ أَنَّ وَقْفَةَ الْجُمُعَةِ تَعْدِلُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ حَجَّةً، فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ»   499 - 502 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (الْمَكِّيِّ) الْأَسَدِيِّ، مَوْلَاهُمْ صَدُوقٌ. وَقَالَ الحديث: 499 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ، مُتْقِنٌ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَالسُّفْيَانَانِ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، لَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِ شُعْبَةَ فِيهِ، وَرَوَى لَهُ الْجَمِيعُ، مَاتَ بِمَكَّةَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ طَاوُسٍ) ابْنِ كَيْسَانَ (الْيَمَانِيِّ) الْحَضْرَمِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْفَارِسِيِّ، يُقَالُ اسْمُهُ ذَكْوَانَ وَطَاوُسٌ لَقَبٌ، ثِقَةٌ، فَقِيهٌ، فَاضِلٌ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ بَعْدَهَا (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ» ) تَشْبِيهٌ فِي تَحْفِيظِ حُرُوفِهِ وَتَرْتِيبِ كَلِمَاتِهِ وَمَنْعِ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ مِنْهُ وَالدَّرْسِ لَهُ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ (يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ» ) أَيْ عُقُوبَتِهَا، وَالْإِضَافَةُ مَجَازِيَّةٌ، أَوْ مِنْ إِضَافَةِ الْمَظْرُوفِ إِلَى ظَرْفِهِ ( «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» ) الْعَذَابُ اسْمٌ لِلْعُقُوبَةِ وَالْمَصْدَرُ التَّعْذِيبُ، فَهُوَ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ مَجَازًا، أَوِ الْإِضَافَةُ مِنْ إِضَافَةِ الْمَظْرُوفِ إِلَى ظَرْفِهِ عَلَى تَقْدِيرِ فِي، أَيْ مِنْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهُ. (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ) امْتِحَانِ وَاخْتِبَارِ (الْمَسِيحِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَخِفَّةِ السِّينِّ الْمَكْسُورَةِ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَصَحَّفَ مَنْ أَعْجَمَهَا، يُطْلَقُ عَلَى الدَّجَّالِ وَعَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَكِنْ إِذَا أُرِيدَ الْأَوَّلُ قُيِّدَ كَمَا قَالَ (الدَّجَّالِ) وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْمَسِيحُ مُثَقَّلٌ الدَّجَّالُ وَمُخَفَّفٌ عِيسَى وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. وَنَقَلَ الْمُسْتَمْلِي عَنِ الْفَرَبْرِيِّ عَنْ خَلَفِ بْنِ عَامِرٍ الْهَمْدَانِيِّ أَحَدِ الْحُفَّاظِ: الْمَسِيحُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ وَاحِدٌ يُقَالُ لِلدَّجَّالِ وَلِعِيسَى لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، بِمَعْنَى لَا اخْتِصَاصَ لِأَحَدِهِمَا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، لُقِّبَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ أَوْ لِأَنَّ أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ خُلِقَ مَمْسُوحًا لَا عَيْنَ فِيهِ وَلَا حَاجِبَ أَوْ لِأَنَّهُ يَمْسَحُ الْأَرْضَ إِذَا خَرَجَ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ مَنْ خَفَّفَهُ فَلِمَسْحِهِ الْأَرْضَ، وَمَنْ شَدَّدَ فَلِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ. وَأَمَّا عِيسَى فَقِيلَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ، أَوْ لِأَنَّ زَكَرِيَّا مَسَحَهُ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَمْسَحُ ذَا عَاهَةٍ إِلَّا بَرِئَ، أَوْ لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ بِسِيَاحَتِهِ، أَوْ لِأَنَّ رِجْلَهُ لَا أَخْمَصَ لَهَا، أَوْ لِلَبْسِهِ الْمُسُوحَ، وَقِيلَ هُوَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَاسِحٌ فَعُرِّبَ الْمَسِيحُ، وَقِيلَ: الْمَسِيحُ الصِّدِّيقُ. ( «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا» ) هِيَ مَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مِنْ الِافْتِتَانِ بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالَاتِ، وَأَعْظَمُهَا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ أَمْرُ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ (وَ) فِتْنَةِ (الْمَمَاتِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: هِيَ فِتْنَةُ الْقَبْرِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ يَحْتَمِلُ إِذَا احْتُضِرَ، وَيَحْتَمِلُ فِي الْقَبْرِ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَجُوزُ أَنَّهَا الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ أُضِيفَتْ إِلَيْهِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ، وَفِتْنَةُ الْمَحْيَا مَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنَّهَا فِتْنَةُ الْقَبْرِ، وَقَدْ صَحَّ: إِنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ: (عَذَابِ الْقَبْرِ) ; لِأَنَّ الْعَذَابَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْفِتْنَةِ وَالسَّبَبُ غَيْرُ الْمُسَبَّبِ، وَقِيلَ: فِتْنَةُ الْمَحْيَا الِابْتِلَاءُ مَعَ زَوَالِ الصَّبْرِ، وَالْمَمَاتِ: السُّؤَالُ فِي الْقَبْرِ مَعَ الْحَيْرَةِ، وَهُوَ مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ ; لِأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ دَاخِلٌ تَحْتَ فِتْنَةِ الْمَمَاتِ، وَفِتْنَةَ الدَّجَّالِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ فِتْنَةِ الْمَحْيَا. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا سُئِلَ، مَنْ رَبُّكَ؟ تَرَاءَى لَهُ الشَّيْطَانُ فَيُشِيرُ إِلَى نَفْسِهِ أَنَا رَبُّكَ، فَلِذَا وَرَدَ سُؤَالُ الثَّبَاتِ لَهُ حِينَ يُسْأَلُ، ثُمَّ رُوِيَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ أَنْ يَقُولُوا: اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنَ الشَّيْطَانِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» " قَالَ الْحَافِظُ: فَهَذَا يُعَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ التَّشَهُّدِ فَيَكُونُ سَابِقًا عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَدْعِيَةِ. وَمَا وَرَدَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ مَا شَاءَ يَكُونُ بَعْدَ هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةِ وَقَبْلَ السَّلَامِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَقَالَ مُسْلِمٌ بَعْدَهُ: بَلَغَنِي أَنَّ طَاوُسًا قَالَ لِابْنِهِ: أَدَعَوْتَ بِهَا فِي صَلَاتِكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَعِدْ صَلَاتَكَ؛ لِأَنَّ طَاوُسًا رَوَاهُ عَنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَهَذَا الْبَلَاغُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى وُجُوبَهُ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ»   500 - 503 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (الْمَكِّيِّ، عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَقُولُ) فِي مَوْضِعِ نَصْبِ خَبَرِ كَانَ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ جَوَابُ (إِذَا) ، وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ خَبَرُ كَانَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَوَّلَ مَا يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ. وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ قَالَ بَعْدَمَا يُكَبِّرُ: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ) وَالْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ عَلَى التَّفْضِيلِ وَأَلْ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ (أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أَيْ مُنَوِّرُهُمَا وَبِكَ يَهْتَدِي مَنْ فِيهِمَا، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْتَ الْمُنَزَّهُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، يُقَالُ فُلَانٌ مُنَوَّرٌ أَيْ مُبَرَّأٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَيُقَالُ هُوَ مَدْحٌ تَقُولُ: فُلَانٌ نُورُ الْبَلَدِ أَيْ مُزَيِّنُهُ. (وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ فَأَلِفٍ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ الْحَنْظَلِيِّ الْمَكِّيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ بِزِنَةِ فَعَّالٍ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ. وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ طَاوُسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: (قَيِّمُ) ، وَهُمَا وَالْقَيُّومُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. (السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: " وَمَنْ فِيهِنَّ " أَيْ أَنْتَ الَّذِي تَقُومُ الحديث: 500 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 بِحِفْظِهِمَا وَحِفْظِ مَنْ أَحَاطَتْ بِهِ وَاشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ، تُؤْتِي كُلًّا مَا بِهِ قِوَامُهُ وَتُقَوِّمُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِكَ بِمَا تَرَاهُ مِنْ تَدْبِيرِكَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ مُجَاهِدٌ: الْقَيُّومُ: الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَقَرَأَ عُمَرُ الْقَيَّامُ أَيْ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَكِلَاهُمَا مَدْحٌ أَيْ بِخِلَافِ الْقَيِّمِ، فَيُسْتَعْمَلُ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، وَقِيلَ الْقَيِّمُ: الْقَائِمُ بِأُمُورِ الْخَلْقِ وَمُدَبِّرُ الْعَالَمِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَمِنْهُ قَيِّمُ الطِّفْلِ، وَالْقَيُّومُ وَالْقَيَّامُ: الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا لَا بِغَيْرِهِ، وَيَقُومُ بِهِ كُلُّ مَوْجُودٍ حَتَّى لَا يُتَصَوَّرَ وُجُودُ شَيْءٍ وَلَا دَوَامُ وَجُودِهِ إِلَّا بِهِ، فَمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ اسْتَرَاحَ عَنْ كَدِّ التَّدْبِيرِ وَتَعَبِ الِاشْتِغَالِ وَعَاشَ بِرَاحَةِ التَّفْوِيضِ، فَلَا يَضِنُّ بِكَرِيمَةٍ وَلَا يَجْعَلُ فِي قَلْبِهِ لِلدُّنْيَا كَثِيرَ قِيمَةٍ. (وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ) عَبَّرَ بِمَنْ تَغْلِيبًا لِلْعُقَلَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَكَافِلُهُ وَمُغَذِّيهِ وَمُصْلِحُهُ الْعَوْدُ عَلَيْهِ بِنِعَمِهِ، وَتَكْرِيرُ الْحَمْدِ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ وَلِيُنَاطَ بِهِ كُلَّ مَرَّةٍ مَعْنًى آخَرُ، وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ إِفَادَةُ التَّخْصِيصِ، وَكَأَنَّهُ لَمَّا خَصَّ الْحَمْدَ بِاللَّهِ قِيلَ لَهُ: لِمَ خَصَصْتَنِي؟ قَالَ: لِأَنَّكَ الْقَائِمُ بِحِفْظِ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (أَنْتَ الْحَقُّ) أَيِ الْمُتَحَقِّقُ الْوُجُودِ الثَّابِتُ بِلَا شَكٍّ فِيهِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا الْوَصْفُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ خَاصٌّ بِهِ لَا يَنْبَغِي لِغَيْرِهِ، إِذْ وَجُودُهُ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ وَلَا يَلْحَقُهُ عَدَمٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يَحْتَمِلُ أَنْتَ الْحَقُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ إِلَهٌ، أَوْ بِمَعْنَى مَنْ سَمَّاكَ إِلَهًا فَقَدْ قَالَ الْحَقَّ. (وَقَوْلُكَ الْحَقُّ) أَيْ مَدْلُولُهُ ثَابِتٌ (وَوَعْدُكَ الْحَقُّ) لَا يَدْخُلُهُ خُلْفٌ، وَلَا شَكَّ فِي وُقُوعِهِ وَهُوَ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ. (وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ) الْمُرَادُ بِهِ الْبَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَآلِ الْخَلْقِ فِي الْآخِرَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ رُؤْيَتُكَ فِي الْآخِرَةِ حَيْثُ لَا مَانِعَ، وَقِيلَ: الْمَوْتُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ بَاطِلٌ هُنَا. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا وَمَا بَعْدَهُ دَاخِلٌ تَحْتَ الْوَعْدِ لَكِنَّ الْوَعْدَ مَصْدَرٌ وَمَا بَعْدَهُ هُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ. (وَالْجَنَّةُ حُقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَوْجُودٌ (وَالسَّاعَةُ حَقٌّ) أَيْ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَأَصْلُ السَّاعَةَ الْقِطْعَةُ مِنَ الزَّمَانِ، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْحَقِّ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْأُمُورِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا، وَأَنَّهَا مَا يَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ بِهَا، وَتَكْرَارُ لَفْظِ (حَقٌّ) مُبَالَغَةٌ فِي التَّأْكِيدِ. زَادَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ عَنْ طَاوُسٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ: " «وَالنَّبِيُّونَ حُقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ» "، وَعُرِّفَ الْحَقُّ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لِلْحَصْرِ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الثَّابِتُ وَمَا سِوَاهُ فِي مَعْرِضِ الزَّوَالِ، قَالَ لَبِيدٌ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَكَذَا وَعْدُهُ مُخْتَصٌّ بِالْإِنْجَازِ دُونَ وَعْدِ غَيْرِهِ، وَالتَّنْكِيرُ فِي الْبَوَاقِي لِلتَّعْظِيمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: التَّعْرِيفُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِهَذَا الِاسْمِ بِالْحَقِيقَةِ إِذْ هُوَ مُقْتَضَى الْأَدَاةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَوَعْدُهُ ; لِأَنَّ وَعْدَهُ كَلَامُهُ، وَتُرِكَتْ فِي الْبَوَاقِي ; لِأَنَّهَا أُمُورٌ مُحْدَثَةٌ وَالْمُحْدَثُ لَا يَجِبُ لَهُ الْبَقَاءُ مِنْ جِهَةِ ذَاتِهِ، وَبَقَاءُ مَا يَدُومُ مِنْهُ عُلِمَ بِخَبَرِ الصَّادِقِ لَا مِنْ جِهَةِ اسْتِحَالَةِ فَنَائِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهُنَا سِرٌّ دَقِيقٌ وَهُوَ أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا نَظَرَ إِلَى الْمَقَامِ الْإِلَهِيِّ وَمُقَرَّبِي حَضْرَةِ الرُّبُوبِيَّةِ عَظَّمَ شَأْنَهُ وَفَخَّمَ مَنْزِلَتَهُ حَيْثُ ذَكَرَ النَّبِيِّينَ، وَعَرَّفَهَا بِلَامِ الِاسْتِغْرَاقِ، ثُمَّ خَصَّ مُحَمَّدًا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ بَيْنِهِمْ وَعَطَفَهُ عَلَيْهِمْ إِيذَانًا بِالتَّغَايُرِ، وَأَنَّهُ فَائِقٌ عَلَيْهِمْ بِأَوْصَافٍ مُخْتَصَّةٍ بِهِ، فَإِنَّ تَغَايُرَ الْوَصْفِ بِمَنْزِلَةِ التَّغَايُرِ فِي الذَّاتِ، ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِ اسْتِقْلَالًا بِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَرَّدَهُ عَنْ ذَاتِهِ كَأَنَّهُ غَيْرُهُ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ تَصْدِيقَهُ، وَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ وَنَظَرَ إِلَى افْتِقَارِ نَفْسِهِ نَادَى بِلِسَانِ الِاضْطِرَارِ فِي مَطَاوِي الِانْكِسَارِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ) انْقَدْتُ وَخَضَعْتُ لِأَمْرِكَ وَنَهْيِكَ (وَبِكَ آمَنْتُ) أَيْ صَدَّقْتُ (وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ) أَيْ فَوَّضْتُ أُمُورِي تَارِكًا النَّظَرَ فِي الْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ (وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ) رَجَعَتْ إِلَيْكَ مُقْبِلًا بِقَلْبِي عَلَيْكَ (وَبِكَ) أَيْ بِمَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْبُرْهَانِ وَبِمَا لَقَّنْتَنِي مِنَ الْحُجَّةِ (خَاصَمْتُ) مَنْ خَاصَمَنِي مِنَ الْكُفَّارِ أَوْ بِتَأْيِيدِكَ وَنَصْرِكَ قَاتَلْتُ (وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ) كُلَّ مَنْ جَحَدَ الْحَقَّ وَمَا أَرْسَلْتَنِي بِهِ لَا إِلَى مَنْ كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَتَحَاكَمُ إِلَيْهِ مِنْ كَاهِنٍ وَنَحْوِهِ، وَقَدَّمَ جَمِيعَ صِلَاتِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ عَلَيْهَا إِشْعَارًا بِالتَّخْصِيصِ وَإِفَادَةً لِلْحَصْرِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَكَ الْحَمْدُ (فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ) قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ (وَأَخَّرْتُ) عَنْهُ (وَأَسْرَرْتُ) أَخْفَيْتُ (وَأَعْلَنْتُ) أَظْهَرْتُ، أَوْ مَا حَدَّثْتُ بِهِ نَفْسِي وَمَا تَحَرَّكَ بِهِ لِسَانِي، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: " وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي " وَهُوَ مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، وَقَالَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ إِمَّا تَوَاضُعًا وَهَضْمًا لِنَفْسِهِ وَإِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا لِرَبِّهِ، أَوْ تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ لِيُقْتَدَى بِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: كَذَا قِيلَ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لِمَجْمُوعِ ذَلِكَ إِذْ لَوْ كَانَ لِلتَّعْلِيمِ فَقَطْ لَكَفَى فِيهِ أَمْرُهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا زَادَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ عَنْ طَاوُسٍ: أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ، أَيِ الْمُقَدِّمِ لِي فِي الْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْمُؤَخِّرِ لِي فِي الْبَعْثِ فِي الدُّنْيَا. (أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: " وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ " قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ ; لِأَنَّ لَفْظَ الْقَيِّمِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ وُجُودَ الْجَوَاهِرِ وَقِوَامَهَا مِنْهُ، وَالنُّورِ إِلَى أَنَّ الْأَعْرَاضَ أَيْضًا مِنْهُ، وَالْمُلْكِ إِلَى أَنَّهُ حَاكِمٌ عَلَيْهَا إِيجَادًا وَعَدَمًا يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِهِ عَلَى عِبَادِهِ فَلِذَا قَرَنَ كُلًّا مِنْهَا بِالْحَمْدِ وَخَصَّصَ الْحَمْدَ بِهِ. ثُمَّ قَوْلُهُ: أَنْتَ الْحَقُّ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَبْدَأِ، وَالْقَوْلُ وَنَحْوُهُ إِلَى الْمَعَاشِ، وَالسَّاعَةُ وَنَحْوُهَا إِشَارَةٌ إِلَى الْمَعَادِ، وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى النُّبُوَّةِ، وَإِلَى الْجَزَاءِ ثَوَابًا وَعِقَابًا، وَوُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهِ وَالْإِسْلَامِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْإِنَابَةِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ زِيَادَةُ مَعْرِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِعَظَمَةِ رَبِّهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ، وَمُوَاظَبَتُهُ عَلَى الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ عَلَى رَبِّهِ، وَالِاعْتِرَافُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 لِلَّهِ بِحُقُوقِهِ، وَالْإِقْرَارُ بِصِدْقِ وَعْدِهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّلَاةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «فِي بَنِي مُعَاوِيَةَ وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْأَنْصَارِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِكُمْ هَذَا فَقُلْتُ لَهُ نَعَمْ وَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْهُ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا الثَّلَاثُ الَّتِي دَعَا بِهِنَّ فِيهِ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَأَخْبِرْنِي بِهِنَّ فَقُلْتُ دَعَا بِأَنْ لَا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَا يُهْلِكَهُمْ بِالسِّنِينَ فَأُعْطِيَهُمَا وَدَعَا بِأَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمُنِعَهَا» قَالَ صَدَقْتَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَلَنْ يَزَالَ الْهَرْجُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ   501 - 504 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ) وَقِيلَ جَبْرٍ (بْنِ عَتِيكِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَكَافٍ، الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، مِنَ الثِّقَاتِ (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ، هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَطَائِفَةٌ لَمْ يَجْعَلُوا بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ شَيْخِ مَالِكٍ وَبَيْنَ ابْنِ عُمَرَ أَحَدًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَدْخَلَ بَيْنَهُمَا عَتِيكَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَتِيكٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ بَيْنَهُمَا جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ وَمُطَرِّفٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرِوَايَةُ يَحْيَى أَوْلَى بِالصَّوَابِ. (فِي بَنِي مُعَاوِيَةَ، وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْأَنْصَارِ) بِالْمَدِينَةِ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا الْمُعَاوِيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ (فَقَالَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ " لِي " (هَلْ تَدْرُونَ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ مَسْجِدِكُمْ هَذَا) لِأُصَلِّيَ فِيهِ وَأَتَبَرَّكَ بِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى اقْتِفَاءِ آثَارِهِ. (فَقُلْتُ لَهُ: نَعَمْ، وَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْهُ) مِنَ الْمَسْجِدِ (فَقَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي مَا الثَّلَاثُ) دَعَوَاتٍ (الَّتِي دَعَى بِهِنَّ فِيهِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ) فِيهِ طَرْحُ الْعَالِمِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَنْ دُونَهُ لِيَعْلَمَ مَا عِنْدَهُ. (قَالَ: فَأَخْبِرْنِي بِهِنَّ، فَقُلْتُ: دَعَا بِأَنْ لَا يُظْهِرَ) اللَّهُ (عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ) أَيِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي يَسْتَأْصِلُ جَمِيعَهُمْ. (وَلَا يُهْلِكَهُمْ بِالسِّنِينَ) أَيْ بِالْمَحَلِّ وَالْجَدْبِ وَالْجُوعِ (فَأُعْطِيَهُمَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (وَدَعَا بِأَنْ لَا يَجْعَلَ بِأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) أَيِ الْحَرْبَ وَالْفِتَنَ وَالِاخْتِلَافَ (فَمَنَعَهَا، قَالَ: صَدَقْتَ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ (قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَنْ يَزَالَ الْهَرْجُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ، الْقَتْلُ (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) قَضَاءَنَا قَدْ مَنَّ اللَّهُ. فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ ثَوْبَانَ رَفْعُهُ: " «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زَوَى لِي مِنْهَا» " الْحَدِيثَ وَفِيهِ: " «وَإِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ لَا يُهْلِكُ أُمَّتِي بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَلَا يُسَلِّطَ عَلَيْهَا عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَنْ لَا يُلْبِسَهُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَقَالَ: يَا الحديث: 501 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: دَعَا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مَسْجِدِ الْفَتْحِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَعُرِفَ الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ، قَالَ جَابِرٌ: فَمَا نَزَلْ بِي أَمْرٌ يُهِمُّنِي إِلَّا تَوَخَّيْتُ تِلْكَ السَّاعَةَ فَأَعْرِفُ الْإِجَابَةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَّا كَانَ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ   502 - 505 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَّا كَانَ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ) بِعَيْنِ مَا سَأَلَ (وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَإِمَّا أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ) مِنَ الذُّنُوبِ فِي نَظِيرِ دُعَائِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَا يَكُونُ رَأْيًا بَلْ تَوْقِيفٌ وَهُوَ خَبَرٌ مَحْفُوظٌ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " «دُعَاءُ الْمُسْلِمِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعْطَى مَسْأَلَتَهُ الَّتِي سَأَلَ، أَوْ يُرْفَعَ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ يُحَطُّ بِهَا عَنْهُ خَطِيئَةً، مَا لَمْ يَدْعُ بِقَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ مَأْثَمٍ أَوْ يَسْتَعْجِلُ» ". قَالَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِ لَا تُرَدُّ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِمَّا أَنْ تُدَّخَرَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُصْرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ بِقَدْرِ مَا دَعَاهُ» ". وَهَذَا مِنَ التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] (سُورَةُ غَافِرٍ: الْآيَةُ 60) فَهَذِهِ كَلِمَةُ اسْتِجَابَةٍ وَاللَّهُ تَعَالَى لَا تَنْقَضِي حِكْمَتُهُ، وَلِذَا لَا تَقَعُ الْإِجَابَةُ فِي كُلِّ دَعْوَةٍ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَفِي الْحَدِيثِ: " «إِنَّ اللَّهَ لِيَبْتَلِيَ الْعَبْدَ وَهُوَ يُحِبُّهُ لِيَسْمَعَ تَضَرُّعَهُ» " انْتَهَى. الحديث: 502 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 [بَاب الْعَمَلِ فِي الدُّعَاءِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَدْعُو وَأُشِيرُ بِأُصْبُعَيْنِ صَبْعٍ مِنْ كُلِّ يَدٍ فَنَهَانِي   9 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الدُّعَاءِ 503 - 506 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) ابْنِ الْخَطَّابِ (وَأَنَا أَدْعُو وَأُشِيرُ بِأُصْبُعَيْنِ أُصْبُعٍ مِنْ كُلِّ يَدٍ، فَنَهَانِي) ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الدُّعَاءِ أَنْ يَكُونَ إِمَّا بِالْيَدَيْنِ الحديث: 503 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 وَبَسْطِهِمَا عَلَى مَعْنَى التَّضَرُّعِ وَالرَّغْبَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَعْنَى التَّوْحِيدِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، أَيِ الْوَاجِبُ مِنْ جِهَةِ الْأَدَبِ. وَالنَّهْيُ مَأْخُوذٌ مِنْ «قَوْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: " مَرَّ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَدْعُو بِأُصْبُعِي فَقَالَ: أَحِّدْ أَحِّدْ " وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ» ، أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ. وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. " «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَدْعُو بِأُصْبُعَيْهِ فَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحِّدْ أَحِّدْ» " بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ وَالْجَزْمِ، وَكَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ، وَلَا يُعَارِضُهُ خَبَرُ الْحَاكِمِ «عَنْ سَهْلٍ: " مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَاهِرًا يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَى مِنْبَرِهِ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا كَانَ يَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ بِحِذَاءِ مَنْكِبَيْهِ وَيَدْعُو» " ; لِأَنَّ الدُّعَاءَ لَهُ حَالَاتٌ، أَوْ لِأَنَّ هَذَا إِخْلَاصٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ فِيهِ رَفْعَ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كُلِّ يَدٍ، أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ سَعْدٍ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الرَّفْعِ فِي الِاسْتِغْفَارِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: الْمَسْأَلَةُ: رَفْعُ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ، وَالِاسْتِغْفَارُ: أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ، وَالِابْتِهَالُ: أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي التَّشَهُّدِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَقَالَ بِيَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ فَرَفَعَهُمَا   504 - 507 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَقَالَ) أَيْ أَشَارَ بِيَدَيْهِ (نَحْوَ السَّمَاءِ فَرَفَعَهُمَا) إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ يُرْفَعُ إِلَى جِهَةِ الْعُلُوِّ وَهُوَ الدَّرَجَةُ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ، وَقَدْ جَاءَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُرْفَعُ الدَّرَجَةَ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ بِمَ هَذَا؟ فَيُقَالُ لَهُ: بِدُعَاءِ وَلَدِكَ مِنْ بَعْدِكَ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " بِاسْتِغْفَارِ ابْنِكَ» ". الحديث: 504 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110] فِي الدُّعَاءِ قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِيهَا   505 - 508 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110] جِدًّا فَتَنْقَطِعَ وَتَنْبَتَّ {وَلَا تُخَافِتْ} [الإسراء: 110] وَلَا تَخْفِضْ صَوْتَكَ {بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ} [الإسراء: 110] الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ (سَبِيلًا) وَسَطًا (فِي الدُّعَاءِ) أَرْسَلَهُ مَالِكٌ وَتَابَعَهُ عَلَى إِرْسَالِهِ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْإِسْكَنْدَرِيِّ، عَنْ هِشَامٍ، وَوَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ سُعَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَتَابَعُهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هِشَامٍ، وَأَطْلَقَتْ عَائِشَةُ الدُّعَاءَ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَوْ الحديث: 505 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 خَارِجَهَا، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْمَعْمَرِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامٍ، فَزَادَ فِي التَّشَهُّدِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ قَالَ: " كَانَ أَعْرَابٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِذَا سَلَّمَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَالًا وَوَلَدًا ". وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110] » (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 110) أَيْ بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعُ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 110) عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعَهُمْ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 110) وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لِأَنَّهُ أَصَحُّ إِسْنَادًا وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ فَوَافَقَ عَائِشَةَ. وَعِنْدَهُ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدٍ وَمَكْحُولٍ مِثْلَهُ. وَأَسْنَدَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا قَالَ: يَقُولُ قَوْمٌ إِنَّهَا فِي الصَّلَاةِ وَقَوْمٌ إِنَّهَا فِي الدُّعَاءِ. وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " كَانَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا صَلَّى عِنْدَ الْبَيْتِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ فَنَزَلَتْ " وَقِيلَ الْآيَةُ فِي الدُّعَاءِ وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 55) ، انْتَهَى. وَفِي الِاسْتِذْكَارِ قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيهِ، أَيْ لَا تَجْهَرْ بِقِرَاءَتِكَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ وَلَا تُخَافِتْ بِقِرَاءَتِكَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالصُّبْحِ، وَهَذَا نَصٌّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الصُّبْحَ مِنَ النَّهَارِ. (قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِيهَا) وَأَوْلَى فِي غَيْرِهَا بِمَا شَاءَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَدْعُو إِلَّا بِمَا فِي الْقُرْآنِ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَلَنَا أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» . . . الْحَدِيثَ. وَقَالَ: «غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَلَّمَهَا اللَّهُ» ، وَغَيْرُ ذَلِكَ وَكُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَإِذَا أَرَدْتَ فِي النَّاسِ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ   505 - 509 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَطَائِفَةٍ، مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَثَوْبَانَ وَأُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَدْعُو فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ) أَيْ أَطْلُبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 مِنْكَ (فِعْلَ الْخَيْرَاتِ) الْمَأْمُورَاتِ أَيِ الْإِقْدَارَ عَلَى فِعْلِهَا وَالتَّوْفِيقَ لَهُ (وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ) أَيِ الْمَنْهِيَّاتِ (وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ) يُحْتَمَلُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْفَاعِلِ وَإِلَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ أَنْسَبُ بِمَا قَبْلَهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْقَلْبِ وَمَعَ ذَلِكَ فَيُخْتَصُّ بِالتَّوَاضُعِ، وَفِيهِ أَنَّ فِعْلَ الثَّلَاثَةِ إِنَّمَا هُوَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ (وَإِذَا أَدَرْتَ) بِتَقْدِيمِ الدَّالِّ عَلَى الرَّاءِ مِنَ الْإِدَارَةِ: أَوْقَعْتَ (فِي النَّاسِ) وَيُرْوَى بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الدَّالِ مِنَ الْإِرَادَةِ (فِتْنَةً) بَلَايَا وَمِحَنَ (فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ) الْفِتْنَةُ لُغَةً الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ وَتُسْتَعْمَلُ عُرْفًا لِكَشْفِ مَا يُكْرَهُ قَالَهُ عِيَاضٌ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَالنَّمِيمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى طَلَبِ الْعَافِيَةِ وَاسْتِدَامَةِ السَّلَامَةِ إِلَى حُسْنِ الْخَاتِمَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى هُدًى إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ اتَّبَعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى ضَلَالَةٍ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِهِمْ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا   505 - 510 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا صَحَّ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَرِيرٍ وَغَيْرِهِمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى هُدًى) أَيْ إِلَى مَا يُهْتَدَى بِهِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَنُكِّرَ لِيَشِيعَ فَيَتَنَاوَلَ الْحَقِيرَ كَإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ (إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ) سَوَاءٌ ابْتَدَعَهُ أَوْ سَبَقَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ اتِّبَاعَهُمْ لَهُ تَوَلَّدَ عَنْ فِعْلِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ (لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ) الْإِشَارَةُ إِلَى مَصْدَرِ كَانَ (مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ أَنَّ أَجْرَ الدَّاعِي إِنَّمَا يَكُونُ بِتَنْقِيصِ أَجْرِ التَّابِعِ وَضَمِّهِ إِلَى أَجْرِ الدَّاعِي، فَكَمَا يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى مَا يُبَاشِرُهُ يَتَرَتَّبُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا هُوَ سَبَبُ فِعْلِهِ كَالْإِرْشَادِ إِلَيْهِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْهُدَى إِمَّا الدَّلَالَةُ الْمُوَصِّلَةُ إِلَى الْبُغْيَةِ أَوْ مُطْلَقُ الْإِرْشَادِ، وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُهْتَدَى بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَهُوَ بِحَسَبِ التَّنْكِيرِ مُطْلَقٌ شَائِعٌ فِي جِنْسِ مَا يُقَالُ لَهُ هُدًى، يُطْلَقُ عَلَى الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَالْعَظِيمِ وَالْحَقِيرِ، فَأَعْظَمُهُ هُدًى مَنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا، وَأَدْنَاهُ هُدًى مَنْ دَعَا إِلَى إِمَاطَةِ الْأَذَى، وَلِذَا عَظُمَ شَأْنُ الْفَقِيهِ الدَّاعِي الْمُنْذِرِ حَتَّى فَضُلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَلْفِ عَابِدٍ، وَلِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُمُّ الْأَشْخَاصَ وَالْأَعْصَارَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. (وَمَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى ضَلَالَةٍ) ابْتَدَعَهَا أَوْ سَبَقَ بِهَا (إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِهِمْ) أَيْ مَنِ اتَّبَعَهُ لِتَوَلُّدِهِ عَنْ فِعْلِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ خِصَالِ الشَّيْطَانِ، وَالْعَبْدُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ عَلَى السَّبَبِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ كَمَا يُعَاقَبُ السَّكْرَانُ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 جِنَايَتِهِ حَالَ سُكْرِهِ لِمَنْعِ السَّبَبِ فَلَمْ يُعْذَرِ السَّكْرَانُ فَإِنَّ اللَّهَ يُعَاقِبُ عَلَى الْأَسْبَابِ الْمُحَرَّمَةِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا كَمَا يُثِيبُ عَلَى الْأَسْبَابِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا، وَلِذَا كَانَ عَلَى قَابِيلَ الْقَاتِلِ لِأَخِيهِ كِفْلٌ مِنْ ذَنْبِ كُلِّ قَاتِلٍ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ (لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا) ضَمِيرُ الْجَمْعِ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ عَائِدٌ عَلَى (مِنْ) بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَفْعَالُ الْعِبَادِ، وَإِنَّ كَانَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ وَلَا مُقْتَضِيَةٍ لِلثَّوَابِ وَلَا لِلْعِقَابِ بِذَاتِهَا، لَكِنَّهُ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِرَبْطِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بِهَا ارْتِبَاطَ الْمُسَبَّبَاتِ بِالْأَسْبَابِ، وَفِعْلِ مَا لَهُ تَأْثِيرٌ فِي صُدُورِهِ بِوَجْهٍ، وَلَمَّا كَانَتِ الْجِهَةُ الَّتِي اسْتَوْجَبَ بِهَا الْجَزَاءَ غَيْرَ الْجِهَةِ الَّتِي اسْتَوْجَبَ بِهَا الْمُبَاشِرُ لَمْ يَنْقُصْ أَجْرُهُ مِنْ أَجْرِهِ وَلَا مِنْ وِزْرِهِ شَيْئًا، انْتَهَى. وَأَوْرَدَ إِذَا دَعَا وَاحِدٌ إِلَى ضَلَالَةٍ فَاتَّبَعُوهُ لَزِمَ كَوْنُ السَّيِّئَةِ وَاحِدَةً وَهِيَ الدَّعْوَةُ مَعَ أَنَّ هُنَا أَوْزَارًا كَثِيرَةً، وَأُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ الدَّعْوَةَ فِي الْمَعْنَى مُتَعَدِّدَةٌ ; لِأَنَّ دَعْوَى الْجَمْعِ دَفْعَةُ دَعْوَةٍ لِكُلِّ مَنْ أَجَابَهَا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ التَّوْبَةُ مِمَّا تَوَلَّدَ وَلَيْسَ فِعْلَهُ، وَالْمَرْءُ إِنَّمَا يَتُوبُ مِمَّا فَعَلَهُ اخْتِيَارًا؟ أُجِيبَ بِحُصُولِهَا بِالنَّدَمِ وَدَفْعِهِ عَنِ الْغَيْرِ مَا أَمْكَنَ وَهُوَ إِقْنَاعِيٌّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَبْلَغُ شَيْءٍ فِي فَضْلِ تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ وَإِلَى جَمِيعِ سُبُلِ الْخَيْرِ وَالْبَرِّ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ وَغَيْرُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] (سُورَةُ الِانْفِطَارِ: الْآيَةُ: 5) أَيْ مَا قَدَّمْتَ مِنْ خَيْرٍ يُعْمَلُ بِهِ بَعْدَهَا وَمَا أَخَّرَتْ مِنْ شَرٍّ يُعْمَلُ بِهِ بَعْدَهَا. وَقَالَهُ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] (سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: الْآيَةُ 13) وَعَطَاءٌ فِي قَوْلِهِ: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة: 166] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ: 166) ، انْتَهَى. وَأُخِذَ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ أَجْرٍ حَصَلَ لِلشَّهِيدِ أَوْ لِغَيْرِهِ حَصَلَ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلُهُ زِيَادَةً عَلَى مَا لَهُ مِنَ الْأَجْرِ الْخَاصِّ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي لَا تَصِلُ جَمِيعُ الْأُمَّةِ إِلَى عِرْفِ نَشْرِهَا وَلَا تَبْلُغُ مِعْشَارَ عُشْرِهَا، فَجَمِيعُ حَسَنَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ فِي صَحَائِفِهِ زِيَادَةً عَلَى مَا لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مَعَ مُضَاعَفَةٍ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ ; لِأَنَّ كُلَّ مُهْتَدٍ وَعَامِلٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَهُ أَجْرٌ، وَلِشَيْخِهِ فِي الْهِدَايَةِ مِثْلُهُ، وَشَيْخِ شَيْخِهِ مِثْلَاهُ، وَلِلشَّيْخِ الثَّالِثِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلرَّابِعِ ثَمَانِيَةٌ، وَهَكَذَا تُضَعَّفُ كُلُّ مَرْتَبَةٍ بِعَدَدِ الْأُجُورِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَهُ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهِ يُعَرَفُ فَضْلُ السَّلَفِ عَلَى الْخَلْفِ، فَإِذَا فَرَضْتَ الْمَرَاتِبَ عَشَرَةً بَعْدَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ أَلْفٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، فَإِذَا اهْتَدَى بِالْعَاشِرِ الْحَادِي عَشَرَ صَارَ لَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلْفَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَهَكَذَا كَلَّمَا زَادَ وَاحِدٌ تَضَاعَفَ مَا كَانَ قَبْلَهُ أَبَدًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ   505 - 511 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] (سُورَةُ الْفُرْقَانِ: الْآيَةُ 74) فَإِذَا كَانَ إِمَامًا فِي الْخَيْرِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَأَجْرُ مَنِ اقْتَدَى بِهِ، وَمُعَلِّمُ الْخَيْرِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ حَتَّى الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَقُومُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَيَقُولُ نَامَتْ الْعُيُونُ وَغَارَتْ النُّجُومُ وَأَنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ   505 - 512 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَقُومُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: نَامَتِ الْعُيُونُ وَغَارَتِ النُّجُومُ) أَيْ غَرَبَتْ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حُدُوثِهَا) وَبِهِ اسْتَدَلَّ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: (لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) . (وَأَنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الَّذِي لَا يَزُولُ وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ: قَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيِ الدَّائِمُ حُكْمُهُ فِيهِمَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقَيُّومُ: الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] (سُورَةُ الرَّعْدِ: الْآيَةُ: 33) أَيْ حَافِظٌ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 [بَاب النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ»   10 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ 510 - 513 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، نِسْبَةً إِلَى صُنَابِحَ بَطْنٍ مِنْ مُرَادٍ، هَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ، عَبْدِ اللَّهِ بِلَا أَدَاةِ كُنْيَةٍ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ، مِنْهُمْ: مُطَرِّفٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ بِأَدَاةِ الْكُنْيَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، وَرَوَاهُ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ خَطَأٌ فَالصُّنَابِحِيُّ لَمْ يَلْقَهُ، كَذَا قَالَ تَبَعًا لِنَقْلِ التِّرْمِذِيِّ الحديث: 510 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ مَالِكًا وَهِمَ فِي قَوْلِهِ عَبْدُ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ تَابِعِيٌّ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الصُّنَابِحِيَّ لَا وُجُودَ لَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: عَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ رَوَى عَنْهُ الْمَدَنِيُّونَ يُشْبِهُ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً، وَقَالَ ابْنُ السَّكَنِ: يُقَالُ: لَهُ صُحْبَةٌ مَدَنِيٌّ، وَرِوَايَةُ مُطَرِّفٍ وَالطَّبَّاعِ عَنْ مَالِكٍ شَاذَّةٌ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ مَالِكٌ بَلْ تَابَعَهُ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، فَذَكَرَهُ، وَكَذَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عِنْدَ ابْنِ مَنْدَهْ قَالَ: وَكَذَا تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَخَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ الْأَرْبَعَةُ عَنْ زَيْدٍ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغِ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ بِهِ مُصَرَّحًا فِيهِ بِالسَّمَاعِ. وَرَوَى زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ حَدِيثًا آخَرَ فِي الْوِتْرِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، فَوُرُودُ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ هَذَيْنِ عَنْ شَيْخِ مَالِكٍ بِمِثْلِ رِوَايَتِهِ، وَمُتَابَعَةُ الْأَرْبَعَةِ لَهُ وَتَصْرِيحُ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا بِالسَّمَاعِ يَدْفَعُ الْجَزْمَ بِوَهْمِ مَالِكٍ فِيهِ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَفِيهِ إِفَادَةُ أَنَّ زُهَيْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَنْفَرِدْ بِتَصْرِيحِهِ بِالسَّمَاعِ فَلَيْسَ بِخَطَأٍ كَمَا زَعَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ» ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قِيلَ مَعْنَاهُ مُقَارَنَةُ الشَّيْطَانِ لَهَا عِنْدَ دُنُوِّهَا لِلطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا) وَمَا بَعْدَهُ فَنُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِذَلِكَ، وَقِيلَ مَعْنَى قَرْنِهِ قُوَّتُهُ مِنْ قَوْلِكَ: أَنَا مُقْرِنٌ لِهَذَا الْأَمْرِ أَيْ مُطِيقٌ لَهُ قَوِيٌّ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَقْوَى أَمْرُهُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ ; لِأَنَّهُ يُسَوِّلُ لِعَبَدَةِ الشَّمْسِ أَنْ يَسْجُدُوا لَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَقِيلَ قَرْنُهُ حِزْبُهُ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ، وَقِيلَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يُقَابِلُهَا عِنْدَ طُلُوعِهَا وَيَنْتَصِبُ دُونَهَا حَتَّى يَكُونَ طُلُوعُهَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ وَهُمَا جَانِبَا رَأْسِهِ فَيَنْقَلِبُ سُجُودُ الْكُفَّارِ لِلشَّمْسِ عِبَادَةً لَهُ (ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا) بِالنُّونِ (فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا) بِالْقَافِ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ: وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَلَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ: حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، وَلِأَبِي دَاوُدَ حَتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحُ ظِلَّهُ، وَلِابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: حَتَّى تَسْتَوِيَ الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِكَ كَالرُّمْحِ فَإِذَا زَالَتْ فَصَلِّ، وَلِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ بِالْجَوَازِ مَعَ رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَإِمَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ، أَوْ رَدَّهُ بِالْعَمَلِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: مَا أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْفَضْلِ إِلَّا وَهُمْ يَجْتَهِدُونَ وَيُصَلُّونَ نِصْفَ النَّهَارِ، انْتَهَى. وَالثَّانِي أَوْلَى أَوْ مُتَعَيِّنٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ إِذْ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مَشَاهِيرُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ مُرْسَلٌ فَقَدِ اعْتَضَدَ بِأَحَادِيثِ عُقْبَةَ وَعَمْرٍو وَقَدْ صَحَّحَهُمَا مُسْلِمٌ كَمَا رَأَيْتَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: (فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا) بِنُونٍ تَلِيهَا هَاءٌ (فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا) بِقَافٍ قَبْلَ الْهَاءِ (وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ) الثَّلَاثِ نَهْيَ تَحْرِيمٍ فِي الطَّرَفَيْنِ وَكَرَاهَةٍ فِي الْوَسَطِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي النَّافِلَةِ لَا الْفَرِيضَةِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ بِالْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا وَأَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ مَنْسُوخَةٌ، وَبِهِ قَالَ دَاوُدَ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ، وَحُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ الْمَنْعُ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَصَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ مَنْعُ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِجَوَازِ الْفَرَائِضِ وَمَا لَهُ سَبَبٌ مِنَ النَّوَافِلِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْرُمُ الْجَمِيعُ سِوَى عَصْرِ يَوْمِهِ، وَتَحْرُمُ الْمَنْذُورَةُ أَيْضًا، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يَحْرُمُ النَّوَافِلُ دُونَ الْفَرَائِضِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ»   511 - 514 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ) وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَغَيْرِهِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا بَدَا) بِلَا هَمْزٍ أَيْ ظَهَرَ (حَاجِبُ الشَّمْسِ) أَيْ طَرَفُهَا الْأَعْلَى مِنْ قُرْصِهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْهَا يَصِيرُ كَحَاجِبِ الْإِنْسَانِ (فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ) أَيْ تَصِيرَ بَارِزَةً ظَاهِرَةً وَمُرَادُهُ تَرْتَفِعُ بِهِ عَبَّرَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَلَهُ أَيْضًا وَلِمُسْلِمٍ كَمَا هُنَا: حَتَّى تَبْرُزَ، فَجَعَلَ ارْتِفَاعَهَا غَايَةَ النَّهْيِ وَهُوَ يُقَوِّي رِوَايَةَ مَنْ رَوَى حَدِيثَ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ» " بِضَمِّ أَوَّلِهِ، مِنْ أَشْرَقَ أَيْ أَضَاءَ أَيْ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَتُضِيءَ، وَرُوِيَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ مِنْ شَرَقَتْ أَيْ طَلَعَتْ، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ طُلُوعٌ مَخْصُوصٌ أَيْ تَطْلُعُ مُرْتَفِعَةً (وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ) زَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدَةَ عَنْ هِشَامٍ: " «فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ» ". وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتَيْنِ، وَزَادَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ: " وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ " فَالنَّهْيُ لِتَرْكِ مُشَابَهَةِ الْكُفَّارِ، وَقَدِ اعْتَبَرَ ذَلِكَ الشَّرْعُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: لَا يُدْرِكُ مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ مِنَ التَّعَبُّدِ الَّذِي يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ. الحديث: 511 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَامَ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ذَكَرْنَا تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ أَوْ ذَكَرَهَا فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ أَوْ عَلَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا»   512 - 515 - (مَالِكٌ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ يَعْقُوبَ الْمَدَنِيِّ، صَدُوقٌ. (قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ) أَيْ بَعْدَ مَا صَلَّيْنَاهَا، فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسٍ فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الظُّهْرِ وَدَارُهُ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ: أَصَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ؟ قُلْنَا لَهُ: إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِنَ الظُّهْرِ (فَقَامَ يُصَلِّي الْعَصْرَ) زَادَ إِسْمَاعِيلُ: فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا (فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ذَكَرْنَا تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ) لِلْعَصْرِ (أَوْ ذَكَرَهَا) شَكَّ الرَّاوِي (فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تِلْكَ) أَيِ الصَّلَاةُ الْمُؤَخَّرَةُ (صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ) لِخُرُوجِهَا عَنْ وَقْتِهَا، شَبَّهَ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء: 142] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 142) (تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ) ذَكَرَهُ ثَلَاثًا لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ وَالزَّجْرِ وَالتَّنْفِيرِ عَنْ إِخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِهَا (يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ) غَيْرَ مُبَالٍ بِهَا، زَادَ إِسْمَاعِيلُ: يَرْقُبُ الشَّمْسَ (حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ) أَيْ جَانِبَيْ رَأْسِهِ، يُقَالُ إِنَّهُ يَنْتَصِبُ فِي مُحَاذَاتِهَا عِنْدَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ، فَإِذَا طَلَعَتْ أَوْ غَرَبَتْ كَانَتْ بَيْنَ جَانِبَيْ رَأْسِهِ لِتَقَعَ السَّجْدَةُ لَهُ إِذَا سَجَدَ عَبَدَةُ الشَّمْسِ لَهَا، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُشَاهِدُهَا عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَوْ شَاهَدَ الشَّيْطَانَ لَرَآهُ مُنْتَصِبًا عِنْدَهَا، قَالَهُ الْحَافِظُ. (أَوْ عَلَى قَرْنِ) بِالْإِفْرَادِ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ، وَفِي نُسْخَةٍ قَرْنَيْ (الشَّيْطَانِ) شَكَّ الرَّاوِي هَلْ قَالَ بَيْنَ أَوْ عَلَى؟ قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ هُنَا يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ، وَإِلَى الْحَقِيقَةِ ذَهَبَ الدَّاوُدِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا بُعْدَ فِيهِ، وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهَا تُرِيدُ عِنْدَ الْغُرُوبِ السُّجُودَ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَأْتِي شَيْطَانٌ يَصُدُّهَا فَتَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْهِ وَيُحْرِقُهُ اللَّهُ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمَجَازُ وَالِاتِّسَاعُ وَأَنَّ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ أَوْ قَرْنَهُ الْأُمَّةُ الَّتِي تَعْبُدُ الشَّمْسَ وَتُطِيعُهُ فِي الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ يَسْجُدُ لَهَا وَيُصَلِّي مَنْ يَعْبُدُهَا مِنَ الْكُفَّارِ حِينَئِذٍ نَهَى عَنِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. (قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا) أَيْ أَسْرَعَ الْحَرَكَةَ فِيهَا كَنَقْرِ الطَّائِرِ (لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) تَصْرِيحٌ بِذَمِّ مَنْ صَلَّى مُسْرِعًا بِحَيْثُ لَا يُكْمِلُ الْخُشُوعَ وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالْأَذْكَارَ، وَتَصْرِيحٌ بِذَمِّ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ بِلَا عُذْرٍ، وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا فِي هَذَا الحديث: 512 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 الْحَدِيثِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَتَحَرَّ أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا»   513 - 516 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَتَحَرَّ) هَكَذَا بِلَا يَاءٍ عِنْدَ أَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَلَى أَنَّ لَا نَاهِيَةٌ، وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ وَالنَّيْسَابُورِيِّ: لَا يَتَحَرَّى بِالْيَاءِ عَلَى أَنَّ لَا نَافِيَةٌ، قَالَ الْحَافِظُ: كَذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: يَجُوزُ الْخَبَرُ عَنْ مُسْتَقَرِّ أَمْرِ الشَّرْعِ أَيْ لَا يَكُونُ إِلَّا هَذَا، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا وَإِثْبَاتُ الْأَلِفِ إِشْبَاعٌ (أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ) فِي جَوَابِ النَّفْيِ أَوِ النَّهْيِ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ التَّحَرِّي وَالصَّلَاةِ مَعًا، وَقَالَ ابْنُ خَرُوفٍ: يَجُوزُ الْجَزْمُ عَلَى الْعَطْفِ أَيْ لَا يَتَحَرَّ وَلَا يُصَلِّ، وَالرَّفْعُ عَلَى الْقَطْعِ أَيْ لَا يَتَحَرَّ فَهُوَ يُصَلِّي، وَالنَّصْبُ عَلَى جَوَابِ النَّفْيِ أَيْ لَا يَتَحَرَّى مُصَلِّيًا، وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ أَنْ يُصَلِّيَ وَمَعْنَاهُ لَا يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ (عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَنْعَ مِنَ النَّافِلَةِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ أَوِ الْمَنْعَ مِنْ تَأْخِيرِ الْفَرْضِ إِلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَافِظُ: اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ هُوَ تَفْسِيرٌ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ: " أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ» " فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بَعْدَهُمَا إِلَّا لِمَنْ قَصَدَ بِصَلَاتِهِ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَغُرُوبَهَا ; لِأَنَّ التَّحَرِّيَ الْقَصْدُ، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَقَوَّاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّهُ نَهْيٌ مُسْتَقِلٌّ، وَكَرِهَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتَيْنِ قَصَدَ لَهَا أَمْ لَمْ يَقْصِدْ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ: " وَهِمَ عُمَرُ إِنَّمَا نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَحَرَّى طُلُوعُ الشَّمْسِ وَغُرُوبُهَا ". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا رَأَتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَمَلَتْ نَهْيَهُ عَلَى مَنْ قَصَدَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صَلَّى حِينَئِذٍ قَضَاءً، وَأَمَّا النَّهْيُ فَثَابِتٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَمُوَاظَبَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ خَصَائِصِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: " «كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ وَيَنْهَى عَنْهَا وَيُوَاصِلُ وَيَنْهَى عَنِ الْوِصَالِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ: " «وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا» " وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 513 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَعَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»   514 - 517 - (مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، عَالِمٌ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ) الحديث: 514 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 لِلنَّافِلَةِ نَهْيَ تَنْزِيهٍ وَقِيلَ: تَحْرِيمٍ (بَعْدَ) صَلَاةِ (الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) وَالنَّهْيُ فِي وَقْتِ الْغُرُوبِ لِلتَّحْرِيمِ (وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) مُرْتَفِعَةً، فَالْمُرَادُ طُلُوعٌ مَخْصُوصٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ حَتَّى تَبْرُزَ، وَفِي رِوَايَةٍ: تَرْتَفِعَ، وَبِعُمُومِ هَذَا أَخَذَ الْجُمْهُورُ وَخَصَّهُ الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَاهُ هُوَ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا: " «لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» ". قَالَ بَعْضُهُمْ: وَبَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، فَالْأَوَّلُ عَامٌّ فِي الْمَكَانِ خَاصٌّ بِالزَّمَانِ، وَالثَّانِي بِالْعَكْسِ، فَلَيْسَ عُمُومُ أَحَدِهِمَا عَلَى خُصُوصِ الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ، وَخَصَّهُ أَيْضًا بِمَا لَا سَبَبَ لَهُ، فَلَا يُكْرَهُ نَفْلٌ فَائِتٌ وَتَحِيَّةُ مَسْجِدٍ وَسَجْدَةُ شُكْرٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ: إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ " فَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ كُلُّ مَا لَهُ سَبَبٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ كَمَا تَشْهَدُ بِهِ الْأَحَادِيثُ، وَتَقَدَّمَ بَعْضُهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَطْلُعُ قَرْنَاهُ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَغْرُبَانِ مَعَ غُرُوبِهَا وَكَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَى تِلْكَ الصَّلَاةِ   515 - 518 (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ) هَكَذَا رَوَاهُ مَوْقُوفًا، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ رَأْيًا فَحُكْمُهُ الرَّفْعُ، وَقَدْ رَفَعَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَحَرَّوْا) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا وَأَصْلُهُ لَا تَتَحَرَّوْا أَيْ لَا تَقْصِدُوا (بِصَلَاتِكُمْ) بِالْمُوَحَّدَةِ (طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَطْلُعُ قَرْنَاهُ) جَانِبَا رَأْسِهِ (مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَغْرُبَانِ) بِضَمِّ الرَّاءِ (مَعَ غُرُوبِهَا) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْتَصِبُ مُحَاذِيًا لِمَطْلَعِهَا وَمَغْرِبِهَا حَتَّى إِذَا طَلَعَتْ أَوْ غَرَبَتْ كَانَتْ بَيْنَ جَانِبَيْ رَأْسِهِ لِتَقَعَ السَّجْدَةُ لَهُ إِذَا سَجَدَ عَبَدَةُ الشَّمْسِ لَهَا، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُشَاهِدُهَا، فَلَوْ شَاهَدَ الشَّيْطَانَ لَرَآهُ مُنْتَصِبًا عِنْدَهَا، وَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ رَدَّ قَوْلَ أَهْلِ الْهَيْئَةِ إِنَّ الشَّمْسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَالشَّيَاطِينُ قَدْ مُنِعُوا مِنْ وُلُوجِ السَّمَاءِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْحَقُّ أَنَّ الشَّمْسَ فِي الْفَلَكِ الرَّابِعِ وَالسَّمَاوَاتُ السَّبْعُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ غَيْرُ الْأَفْلَاكِ خِلَافًا لِأَهْلِ الْهَيْئَةِ، هَكَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي. (وَكَانَ) عُمَرُ (يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَى) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ، أَيْ لِأَجْلِ (تِلْكَ الصَّلَاةِ) بَعْدَ الْعَصْرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَضْرِبُ النَّاسَ مَعَ عُمَرَ الحديث: 515 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَضْرِبُ الْمُنْكَدِرَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ   516 - 519 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَضْرِبُ الْمُنْكَدِرَ) بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ الْقُرَشِيَّ التَّيْمِيَّ الْمَدَنِيَّ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ (فِي) أَيْ بِسَبَبِ (الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ) وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ عُمَرَ رَآهُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ رَكَعَ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَضَرَبَهُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَقَالَ عُمَرُ يَا زَيْدُ لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُلَّمًا إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى اللَّيْلِ لَمْ أَضْرِبْ فِيهِمَا. وَرُوِيَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ وَفِيهِ: وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَكُمْ قَوْمٌ يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ حَتَّى يَمُرُّوا بِالسَّاعَةِ الَّتِي نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلَّى فِيهَا، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ نَهْيُ تَحْرِيمٍ فَلَا يُنَافِي أَحَادِيثَ نَهْيِهِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الحديث: 516 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 [كِتَاب الْجَنَائِزِ] [بَاب غُسْلِ الْمَيِّتِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْجَنَائِزِ بَاب غُسْلِ الْمَيِّتِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسِّلَ فِي قَمِيصٍ»   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 16 - كِتَابُ الْجَنَائِزِ بِفَتْحِ الْجِيمِ، جَمْعُ جَنَازَةٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ لُغَتَانِ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَجَمَاعَةُ الْكَسْرِ أَفْصَحُ، وَقِيلَ: بِالْكَسْرِ لِلنَّعْشِ وَبِالْفَتْحِ لِلْمَيِّتِ، وَقَالُوا: لَا يُقَالُ نَعْشٌ إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ. وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ هَذَا الْكِتَابَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِتَعَلُّقِهَا بِهِمَا، وَلِأَنَّ الَّذِي يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ مِنْ غُسْلٍ وَتَكْفِينٍ وَغَيْرِهِمَا أَهَمُّهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَائِدَةِ الدُّعَاءِ لَهُ بِالنَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ، وَلَا سِيَّمَا عَذَابَ الْقَبْرِ الَّذِي سَيُدْفَنُ فِيهِ. 1 - بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ 517 - 520 - (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرٍ) الصَّادِقِ لِصِدْقِهِ فِي مَقَالِهِ (ابْنِ مُحَمَّدٍ) الْبَاقِرِ ; لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْمَ أَيْ شَقَّهُ فَعَرَفَ أَصْلَهُ وَخَفِيَّهُ، ابْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَنْ أَبِيهِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرْسَلَهُ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ إِلَّا سَعِيدَ بْنَ عُفَيْرٍ فَقَالَ عَنْ عَائِشَةَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسِّلَ فِي قَمِيصٍ» ) قَالَ: وَأُسْنِدَ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ عَنْ عَائِشَةَ أَصَحُّ قَالَ: وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ أَنْ يُجَرَّدَ الْمَيِّتُ وَلَا يُغَسَّلَ فِي قَمِيصِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجَرَّدُ وَيُغَسَّلُ فِيهِ وَقَدْ «قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُهُ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَوْ نُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ؟ فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ: غَسِّلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ» . الحديث: 517 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ «دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي قَالَتْ فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ تَعْنِي بِحِقْوِهِ إِزَارَهُ»   518 - 521 - (مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ) بِفَوْقِيَّةٍ بِلَفْظِ وَاحِدَةِ التَّمَائِمِ، وَاسْمُهُ كَيْسَانُ (السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَاهُمْ (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) اسْمُهَا نُسَيْبَةُ، بِنُونٍ وَمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَعَنِ ابْنِ مَعِينٍ وَغَيْرِهِ: فَتْحُ النُّونِ وَكَسْرُ السِّينِ، بِنْتُ كَعْبٍ، وَيُقَالُ بِنْتُ الْحَارِثِ (الْأَنْصَارِيَّةِ) صَحَابِيَّةٌ فَاضِلَةٌ مَشْهُورَةٌ مَدَنِيَّةٌ، ثُمَّ سَكَنَتِ الْبَصْرَةَ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ غُسْلِ الْمَيِّتِ أَصَحُّ مِنْهُ وَلَا أَعَمُّ، وَعَلَيْهِ عَوَّلَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهَا (قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ) وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَيُّوبَ: " دَخَلَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ " وَجَمْعٌ بِأَنَّهُ دَخَلَ حِينَ شَرَعَ النِّسْوَةُ فِي الْغُسْلِ. وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ: " «مَاتَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا» " وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا زَيْنَبُ وَالِدَةُ أُمَامَةَ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَهِيَ أَكْبَرُ بَنَاتِهِ، مَاتَتْ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ: " «مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَنَا: اغْسِلْنَهَا» " الْحَدِيثَ. وَلِابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: " «دَخَلَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ» " وَفِي مُبْهَمَاتِ ابْنِ بَشْكُوَالَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ: " كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ " وَلِلدُّولَابِيِّ عَنْ أُمِّ عَمْرَةَ: " أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ كَانَتْ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَيُمْكِنُ تَرْجِيحُهُ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الدَّاوُدِيُّ، وَالْجَمْعُ بِأَنْ تَكُونَ حَضَرَتْهُمَا جَمِيعًا، فَقَدْ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ كَانَتْ غَاسِلَةَ الْمَيِّتَاتِ، وَعَزْوُ النَّوَوِيِّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ أَيْ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ تَسْمِيَتُهَا أُمَّ كُلْثُومٍ لِبَعْضِ أَهْلِ السِّيَرِ قُصُورٌ شَدِيدٌ، وَقَوْلُ الْمُنْذِرِيِّ إِنَّهَا مَاتَتْ وَالنَّبِيُّ بِبَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا غَلَطٌ، فَالْمَيِّتَةُ وَهُوَ بِبَدْرٍ رُقَيَّةُ. (فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا) أَمْرٌ لِأُمِّ عَطِيَّةَ وَمَنْ مَعَهَا، وَوَقَفْتُ مِنْ تَسْمِيَتِهِنَّ عَلَى ثَلَاثٍ، فَعِنْدَ الدُّولَابِيِّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا كَانَتْ فِيمَنْ غَسَّلَهَا، قَالَتْ: وَمَعَنَا صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ لَيْلَى بِنْتِ قَانِفٍ بِقَافٍ وَنُونٍ الثَّقَفِيَّةِ قَالَتْ: كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَهَا. وَلِلْطَبَرَانِيِّ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ مَا يُومِي إِلَى أَنَّهَا حَضَرَتْ ذَلِكَ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ (بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ) يَرْجِعُ إِلَى الْغُسْلِ أَوْ إِلَى الْعَدَدِ، وَالثَّانِي أَرْجَحُ فَيَثْبُتُ الْمُدَّعَى. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَكِنَّ قَوْلَهُ (ثَلَاثًا) لَيْسَ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ، فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى تَجْوِيزِ إِرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ لَفْظَ (ثَلَاثًا) لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ تَحْتَ الْأَمْرِ، فَيُرَادُ بِهِ الْوُجُوبُ بِالنِّسْبَةِ لِأَصْلِ الْغُسْلِ وَالنَّدْبُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِيتَارِ اهـ. وَقَوَاعِدُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْ الحديث: 518 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وَالْمَالِكِيَّةِ لَا تَأْبَى ذَلِكَ. وَذَهَبَ الْحَسَنُ وَالْكُوفِيُّونَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَالْمُزَنِيُّ إِلَى وُجُوبِ الثَّلَاثِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَهَا غُسِلَ مَوْضِعُهُ فَقَطْ، وَلَا يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ. (أَوْ خَمْسًا) وَفِي رِوَايَةِ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ: " اغْسِلْنَهَا وَتْرًا وَلْيَكُنْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا " وَأَوْ لِلتَّرْتِيبِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِيتَارَ مَطْلُوبٌ وَالثَّلَاثَةَ مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِهَا لَمْ يُشْرَعْ مَا زَادَ وَإِلَّا زِيدَ وَتْرًا حَتَّى يَحْصُلَ الْإِنْقَاءُ، وَالْوَاجِبُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ تَعُمُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْلِهِ: أَوْ خَمْسًا، إِشَارَةٌ إِلَى الْإِيتَارِ ; لِأَنَّهُ نَقَلَهُنَّ مِنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْخَمْسِ وَسَكَتَ عَنِ الْأَرْبَعِ (أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ ; لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُؤَنَّثِ. وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ بَعْدَ سَبْعًا التَّعْبِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأَمَّا سِوَاهَا فَإِمَّا سَبْعًا وَإِمَّا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكِ، فَيُحْتَمَلُ تَفْسِيرُهُ بِالسَّبْعِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَكَرِهَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِمُجَاوَزَةِ السَّبْعِ، وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ كَانَ يَأْخُذُ الْغُسْلَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ثَلَاثًا وَإِلَّا فَخَمْسًا وَإِلَّا فَأَكْثَرَ، قَالَ: فَرَأَيْنَا أَنَّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ سَبْعٌ (إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ) تَفْوِيضٌ إِلَى اجْتِهَادِهِنَّ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لَا التَّشَهِّي. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إِنَّمَا فُوِّضَ إِلَيْهِنَّ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْإِيتَارُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْأَعْدَادِ الْمَذْكُورَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ إِنْ رَأَيْتُنَّ فِعْلَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْإِنْقَاءُ يَكْفِي، قَالَهُ كُلَّهُ الْحَافِظُ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَجَمِيعُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ قَالُوا: إِنَّ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، إِلَّا يَحْيَى، وَهُوَ مِمَّا عُدَّ مِنْ سَقْطِهِ، وَفِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ مِنَ الْفِقْهِ رَدُّ عَدَدِ الْغَسْلَاتِ إِلَى الْغَاسِلِ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى بَعْدَ الثَّلَاثِ مِنْ بُلُوغِ الْوَتْرِ فِيهَا (بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ اغْسِلْنَهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ السِّدْرَ يُخْلَطُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ الْغُسْلِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُجْعَلُ السِّدْرُ فِي مَاءٍ وَيُخَضْخَضُ إِلَى أَنْ تَخْرُجَ رَغْوَتُهُ وَيُدَلَّكُ بِهِ جَسَدُهُ ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْقَرَاحُ فَهَذِهِ غَسْلَةٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَطْرَحُ وَرَقَاتِ السِّدْرِ فِي الْمَاءِ لِئَلَّا يُمَازِجَ الْمَاءَ فَيَتَغَيَّرَ عَنْ وَصْفِ الْمُطْلَقِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَحْمَدُ فَقَالَ: يُغْسَلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي التَّطْهِيرِ إِذَا لَمْ يَسْلُبِ الْمَاءَ الْإِطْلَاقَ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ تَعَبُّدِيٌّ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي بَقِيَّةِ الِاغْتِسَالَاتِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ، خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لِلتَّنْظِيفِ فَيُجْزِئُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلسَّرَفِ، وَقِيلَ: شُرِعَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ جُنُبٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ لَازِمَهُ أَنْ لَا يَشْرَعَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ (وَاجْعَلْنَ فِي) الْغَسْلَةِ (الْآخِرَةِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ (كَافُورًا) طِيبٌ مَعْرُوفٌ، يَكُونُ مِنْ شَجَرٍ بِجِبَالِ الْهِنْدِ وَالصِّينِ، يُظِلُّ خَلْقًا كَثِيرًا وَتَأْلَفُهُ النُّمُورُ، وَخَشَبُهُ أَبْيَضُ هَشٌّ، وَيُوجَدُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 أَجْوَافِهِ الْكَافُورُ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ وَلَوْنُهُ أَحْمَرُ وَإِنَّمَا يَبْيَضُّ بِالتَّصْعِيدِ (أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، قَالَ أَيَّ اللَّفْظَيْنِ وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى الثَّانِي ; لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَيَصْدُقُ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ. وَجَزَمَ فِي رِوَايَةِ الثَّقَفِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَيُّوبَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِالشِّقِّ الْأَوَّلِ، وَظَاهِرُهُ جَعْلُ الْكَافُورِ فِي الْمَاءِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ: إِنَّمَا يُجْعَلُ فِي الْحَنُوطِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْغُسْلِ وَالتَّجْفِيفِ، وَحِكْمَةُ الْكَافُورِ زِيَادَةً عَلَى تَطْيِيبِ رَائِحَةِ الْمَوْضِعِ لِلْحَاضِرِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ فِيهِ تَجْفِيفًا وَتَبْرِيدًا وَقُوَّةَ نُفُوذٍ وَخَاصِّيَّةً فِي تَصْلِيبِ بَدَنِ الْمَيِّتِ وَطَرْدِ الْهَوَامِّ عَنْهُ وَرَدِّ مَا يَتَحَلَّلُ مِنَ الْفَضَلَاتِ وَمَنْعِ إِسْرَاعِ الْفَسَادِ إِلَيْهِ، وَهُوَ أَقْوَى الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا سِرُّ جَعْلِهِ فِي الْأَخِيرَةِ ; إِذْ لَوْ كَانَ فِي الْأُولَى مَثَلًا لَأَذْهَبَهُ الْمَاءُ، وَهَلْ يَقُومُ الْمِسْكُ مَثَلًا مَقَامَهُ إِنْ نُظِرَ إِلَى مُجَرَّدِ التَّطْيِيبِ؟ نَعَمْ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُقَالُ: إِذَا عُدِمَ الْكَافُورُ قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ إِذَا مَاثَلَهُ وَلَوْ بِخَاصِّيَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَهُ الْحَافِظُ. (فَإِذَا فَرَغْتُنَّ) مِنْ غَسْلِهَا (فآذِنَّنِي) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ الْأُولَى مُشَدَّدَةً وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ، أَيْ أَعْلِمْنَنِي (قَالَتْ) أُمُّ عَطِيَّةَ (فَلَمَّا فَرَغْنَا) بِصِيغَةِ الْمَاضِي، جَمَاعَةُ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَفِي رِوَايَةٍ " فَرَغْنَ " بِصِيغَةِ الْغَائِبِ لِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ (آذَنَّاهُ) أَعْلَمْنَاهُ (فَأَعْطَانَا حَقْوَهُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلٍ بَعْدَهَا قَافٌ سَاكِنَةٌ (فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ (إِيَّاهُ) أَيِ اجْعَلْنَهُ شِعَارَهَا، أَيِ الثَّوْبَ الَّذِي يَلِي جَسَدَهَا تَبَرُّكًا، وَحِكْمَةُ تَأْخِيرِهِ مَعَهُ حَتَّى فَرَغْنَ مِنَ الْغُسْلِ دُونَ إِعْطَائِهِ لَهُنَّ لِيَكُونَ قَرِيبَ الْعَهْدِ مِنْ جَسَدِهِ الْكَرِيمِ بِلَا فَاصِلٍ مِنَ انْتِقَالِهِ مِنْ جَسَدِهِ إِلَى جَسَدِهَا، وَهُوَ أَصْلٌ فِي التَّبَرُّكِ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ (تَعْنِي) أُمُّ عَطِيَّةَ (بِحَقْوِهِ إِزَارَهُ) وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَعْقِدُ الْإِزَارِ مَجَازًا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: " فَنَزَعَ مِنْ حَقْوِهِ إِزَارَهُ " وَالْحَقْوُ فِي هَذَا عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُسْلِمٌ، وَالثَّلَاثَةُ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، الثَّلَاثَةُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ بِزِيَادَاتٍ، وَمَدَارُهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأُخْتِهِ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ تُوُفِّيَ ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ إِنِّي صَائِمَةٌ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ فَقَالُوا لَا وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إِذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ مَعَهَا نِسَاءٌ يُغَسِّلْنَهَا وَلَا مِنْ ذَوِي الْمَحْرَمِ أَحَدٌ يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا وَلَا زَوْجٌ يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا يُمِّمَتْ فَمُسِحَ بِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا مِنْ الصَّعِيدِ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إِلَّا نِسَاءٌ يَمَّمْنَهُ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَوْصُوفٌ وَلَيْسَ لِذَلِكَ صِفَةٌ مَعْلُومَةٌ وَلَكِنْ يُغَسَّلُ فَيُطَهَّرُ   519 - 522 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، قَاضِيهَا الْمُتَوَفَّى سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَلَه سَبْعُونَ سَنَةً (أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ، مُصَغَّرٌ، الْخَثْعَمِيَّةَ، صَحَابِيَّةٌ تَزَوَّجَهَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ الحديث: 519 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 عَلِيٌّ وَوَلَدَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ بَعْدَ عَلِيٍّ، وَهِيَ أُخْتُ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لِأُمِّهَا (غَسَّلَتْ) زَوْجَهَا (أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ تُوُفِّيَ) لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَغَلِطَ فِي الْإِصَابَةِ مَنْ قَالَ: مَاتَ فِي جُمَادَى الْأُولَى أَوْ لِلَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ تَغْسِيلِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَأَمَّا تَغْسِيلُهُ لَهَا فَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ; لِأَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: تُغَسِّلُهُ لِأَنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنْهُ، وَلَا يُغَسِّلُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِدَّةٍ مِنْهَا، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ لَا فِي حُكْمِ الْبَيْنُونَةِ بِدَلِيلِ الْإِرْثِ، وَاعْتَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَكَذَا لَا يُغَسِّلُهَا، وَهَذَا يَنْتَقِضُ بِغُسْلِهَا لَهُ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ ; لِأَنَّ زَوْجَ ابْنَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَاضِرًا وَأَمَرَ الْمُصْطَفَى النِّسْوَةَ بِغَسْلِهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ أَنَّهُ لَا مَانِعَ بِهِ وَلَا آثَرَ النِّسْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ، فَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ النِّسْوَةَ أَوْلَى مِنْهُ لَا عَلَى مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ لَوْ أَرَادَهُ. (ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ؟ فَقَالُوا: لَا) غُسْلَ عَلَيْكِ وَاجِبٌ وَلَا مُسْتَحَبٌّ لِعُذْرِهَا بِالصَّوْمِ وَالْبَرْدِ، وَاخْتَلَفَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي وُجُوبِ غُسْلِ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَمْ أُدْرِكِ النَّاسَ إِلَّا عَلَيْهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَمْ أَرَهُ يَأْخُذُ بِحَدِيثِ أَسْمَاءَ، وَرَوَى عَنْهُ الْمَدَنِيُّونَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، قَالُوا: وَإِنَّمَا أَسْقَطُوهُ عَنْ أَسْمَاءَ لِعُذْرِهَا بِالصَّوْمِ وَالْبَرْدِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ إِلَّا وَاحِدًا لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، لَكِنْ صَرَفَهُ عَنْهُ حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْهُنَّ بِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ ; لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَعْلِيمٍ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شُرِّعَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِوُجُوبِهِ، فَقَالَ الْحَافِظُ: كَأَنَّهُ مَا دَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ ثَابِتٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَصَارَ إِلَيْهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَالْحِكْمَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ ; لِأَنَّ الْغَاسِلَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ سَيَغْتَسِلُ لَمْ يَتَحَفَّظْ مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُهُ مِنْ أَثَرِ الْغُسْلِ فَيُبَالِغُ فِي تَنْظِيفِ الْمَيِّتِ وَهُوَ مُطْمَئِنٌّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْغَاسِلِ لِيَكُونَ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَةِ جَسَدِهِ مِمَّا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ أَصَابَهُ مِنْ رَشَاشٍ وَنَحْوِهِ، انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ مَعَهَا نِسَاءٌ يُغَسِّلْنَهَا وَلَا مِنْ ذَوِي الْمَحْرَمِ) كَأَخٍ وَعَمٍّ، وَفِي نُسْخَةٍ الْمَحَارِمِ بِالْجَمْعِ (أَحَدٌ يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا) فَيَجُوزُ لِلْمَحْرَمِ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ (وَلَا زَوْجٌ يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا يُمِّمَتْ) لِكُوعَيْهَا فَقَطْ كَمَا قَالَ (فَمُسِحَ بِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا مِنَ الصَّعِيدِ) الطَّاهِرِ (قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ) أَيْ مَاتَ (وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إِلَّا نِسَاءٌ) أَجَانِبُ (يَمَّمْنَهُ أَيْضًا) لِمِرْفَقَيْهِ فَإِنْ كُنَّ مَحَارِمَ غَسَّلْنَهُ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ: تُغَسِّلُ الْمَرْأَةُ ذَا مَحْرَمِهَا وَالرَّجُلُ ذَا مَحْرَمِهِ فِي دِرْعِهَا وَلَا يَطَّلِعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُغَسَّلُ ذُو الْمَحَارِمِ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُيَمَّمُونَ (قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَوْصُوفٌ) لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ (وَلَيْسَ لِذَلِكَ صِفَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَلَكِنْ يُغَسَّلُ فَيُطَهَّرُ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ ثُمَّ بِجَسَدِهِ وَيَبْدَأَ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَضَّأَ لِحَدِيثِ: " «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا» ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 [بَاب مَا جَاءَ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ»   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ 521 - 523 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ) فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ: إِزَارٌ وَرِدَاءٌ وَلِفَافَةٌ، وَزَادَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامٍ: يَمَانِيَةٌ بِخِفَّةِ الْيَاءِ نِسْبَةً إِلَى الْيَمَنِ (بِيضٍ) فَيُسْتَحَبُّ بَيَاضُ الْكَفَنِ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَخْتَارَ لِنَبِيِّهِ إِلَّا الْأَفْضَلَ، وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «الْبَسُوا ثِيَابَ الْبَيَاضِ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» " صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَلَهُ شَاهِدٌ الحديث: 521 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ نَحْوُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَاسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَكُونَ فِي إِحْدَاهَا ثَوْبٌ حِبَرَةٌ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ» " وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ نَزَعُوهَا عَنْهُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَتَكْفِينُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي كَفَنِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَثْبَتُ حَدِيثٍ فِي كَفَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: " «لُفَّ فِي بُرْدِ حِبَرَةٍ جُفِّفَ فِيهِ، وَنُزِعَ عَنْهُ» " وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " «كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِبَرَةُ» " وَهِيَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مَا كَانَ مِنَ الْبُرُودِ مُخَطَّطًا لَا دَلَالَةَ فِيهِ ; لِأَنَّ كَوْنَهُ أَحَبَّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَا يَقْتَضِي أَحَبِّيَّتَهُ فِي الْكَفَنِ (سُحُولِيَّةٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَلَامٍ، وَيُرْوَى بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، نِسْبَةً إِلَى سَحُولٍ قَرْيَةٌ بِالْيَمَنِ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ بِالْفَتْحِ الْمَدِينَةُ وَبِالضَّمِّ الثِّيَابُ، وَقِيلَ النِّسْبَةُ إِلَى الْقَرْيَةِ بِالضَّمِّ، وَأَمَّا الْفَتْحُ فَنِسْبَةً إِلَى الْقَصَّارِ ; لِأَنَّهُ يَسْحَلُ الثِّيَابَ أَيْ يُنَقِّيهَا قَالَهُ الْحَافِظُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ، انْتَهَى. زَاد الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامٍ مِنْ كُرْسُفٍ بِضَمِّ الْكَافِ وَالسِّينِ أَيْ قُطْنٍ، وَبِهِ رُدَّ تَفْسِيرُ ابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِ السُّحُولَ بِالْقُطْنِ (لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ) مَعْدُودَانِ مِنْ جُمْلَةِ الثَّلَاثَةِ بَلْ زَائِدَانِ عَلَيْهَا فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بِاسْتِحْبَابِهِمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ مَعَ الثَّلَاثَةِ شَيْءٌ غَيْرُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ بِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِمَا، وَإِنَّمَا هُوَ جَائِزٌ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ بِالْكَرَاهَةِ، وَالنَّفْيُ فِي الْحَدِيثِ نَحْوَ مَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: 2] (سُورَةُ الرَّعْدِ: الْآيَةُ 2) أَيْ بِغَيْرِ عَمَدٍ أَصْلًا أَوْ بِعَمَدٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ جَدِيدٌ أَوْ غُسِّلَ فِيهِ أَوْ كُفِّنَ فِيهِ أَوْ مَلْفُوفُ الْأَطْرَافِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةُ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ السُّفْيَانَانِ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ وَغَيْرُهُمْ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِنَحْوِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِعَائِشَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ خُذُوا هَذَا الثَّوْبَ لِثَوْبٍ عَلَيْهِ قَدْ أَصَابَهُ مِشْقٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ فَاغْسِلُوهُ ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِ مَعَ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَمَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْحَيُّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا هَذَا لِلْمُهْلَةِ   522 - 524 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِعَائِشَةَ) وَهَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ (وَهُوَ مَرِيضٌ) مَرَضَ الْمَوْتِ بِمَرَضِ السُّلِّ أَوْ بِسُمِّ يَهُودِيَّةٍ فِي خَزِيرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَهْدَتْهَا لَهُ، فَتَعَلَّلَ سَنَةً، أَوْ بِاغْتِسَالِهِ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ فَحُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمَاتَ، رِوَايَاتٌ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا فَقَدْ يَكُونُ أَكَلَ السُّمَّ وَتَعَلَّلَ لَكِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ وَحَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَرَضُ السُّلِّ، ثُمَّ فِي شَهْرِ الحديث: 522 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 مَوْتِهِ اغْتَسَلَ فَحُمَّ حَتَّى مَاتَ، فَجَمَعَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الزُّلْفَى وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ (فِي كَمْ) مَعْمُولٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ (كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) سَأَلَهَا وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا تَوَلَّى غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلُهُ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَابْنُهُ الْفَضْلُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي بَيْتِهَا فَشَاهَدَتْهُ، قِيلَ: ذَكَرَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ تَوْطِئَةً لَهَا لِلصَّبْرِ عَلَى فَقْدِهِ وَاسْتِنْطَاقًا لَهَا بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْظُمُ عَلَيْهَا ذِكْرُهُ لِمَا فِي بُدَاءَتِهِ لَهَا بِذَلِكَ مِنْ إِدْخَالِ الْغَمِّ الْعَظِيمِ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ نَسِيَ مَا سَأَلَهَا عَنْهُ لِقُرْبِ الْعَهْدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الْكَفَنِ عَلَى حَقِيقَتِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ لِاشْتِغَالِهِ بِأَمْرِ الْبَيْعَةِ (فَقَالَتْ: فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خُذُوا هَذَا الثَّوْبَ لِثَوْبٍ عَلَيْهِ) زَادَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ (قَدْ أَصَابَ بِهِ مِشْقٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمَغَرَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ وَبِسُكُونِ الْغَيْنِ لُغَتَانِ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ (أَوْ زَعْفَرَانٌ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بِهِ رَدْغٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ (فَاغْسِلُوهُ) لِتَزُولَ الْحُمْرَةُ الَّتِي فِيهِ أَوْ عَلِمَ فِيهِ شَيْئًا، وَإِلَّا فَالثَّوْبُ اللَّبِيسُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ (ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِ مَعَ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ) مُوَافَقَةً لِمَا فُعِلَ بِالْمُصْطَفَى (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَا هَذَا؟) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قُلْتُ: إِنَّ هَذَا خَلِقٌ (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْحَيُّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا هَذَا لِلْمُهْلَةِ) رَوَاهُ يَحْيَى بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَرُوِيَ بِضَمِّهَا، وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا، قَالَهُ عِيَاضٌ، ثُمَّ هَاءٍ سَاكِنَةٍ، ثُمَّ لَامٍ، وَهِيَ الصَّدِيدُ وَالْقَيْحُ الَّذِي يَذُوبُ فَيَسِيلُ مِنَ الْجَسَدِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلنُّحَاسِ الذَّائِبِ مُهْلٌ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَنْ ضَمَّ الْمِيمَ شَبَّهَ الصَّدِيدَ بِعَكَرِ الزَّيْتِ وَهُوَ الْمُهْلُ وَالْمُهْلَةُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمِهْلِ وَالتُّرَابِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَوْصَى بِتَكْفِينِهِ فِي هَذَا الثَّوْبِ ; لِأَنَّهُ لَبِسَهُ فِي الْحُرُوبِ وَأَحْرَمَ فِيهِ، وَفِيهِ اعْتِبَارُ وَصِيَّةِ الْمَيِّتِ فِي كَفَنِهِ وَغَيْرِهِ إِذَا وَافَقَ صَوَابًا. رَوَى عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ: " إِذَا أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ بِسَرَفٍ كُفِّنَ مِنْهُ بِالْقَصْدِ فَإِنْ لَمْ يُوصِ وَتَشَاحَّ الْوَرَثَةُ لَمْ يُنْقَصْ عَنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ مِنْ جِنْسِ مَا كَانَ يَلْبَسُ فِي حَيَاتِهِ " وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اخْتَارَ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنًى فِيهِ مِنَ التَّبَرُّكِ بِهِ لِكَوْنِهِ صَارَ إِلَيْهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ جَاهَدَ فِيهِ أَوْ تَعَبَّدَ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ اللَّذَيْنِ كُنْتُ أُصَلِّي فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَرَى عَدَمَ الْمُغَالَاةِ فِي الْكَفَنِ لِقَوْلِهِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَغَالَوْا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُهُ سَرِيعًا» "، وَلَا يُدَافِعُ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 لِحَمْلِ التَّحْسِينِ عَلَى الصِّفَةِ وَالْمُغَالَاةِ عَلَى الثَّمَنِ. وَقِيلَ: التَّحْسِينُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ فَإِذَا أَوْصَى بِتَرْكِهِ اتُّبِعَ كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: الْجَدِيدُ وَالْخَلِقُ سَوَاءٌ تُعُقِّبَ بِمَا مَرَّ مِنَ احْتِمَالِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ لِمَعْنًى فِيهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ. زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: " وَقَالَ لَهَا فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَتْ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ وَدُفِنَ مِنْ لَيْلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ " قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: حِكْمَةُ تَأَخُّرِ وَفَاتِهِ عَنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ مَعَ حُبِّهِ لِذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَامَ فِي الْأَمْرِ بَعْدَ الْمُصْطَفَى فَنَاسَبَ تَأَخُّرَ مَوْتِهِ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ الْمَيِّتُ يُقَمَّصُ وَيُؤَزَّرُ وَيُلَفُّ فِي الثَّوْبِ الثَّالِثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ كُفِّنَ فِيهِ   523 - 525 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَغَلِطَ يَحْيَى فَسَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ (ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) بِالْيَاءِ وَبِدُونِهَا، الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: الْمَيِّتُ يُقَمَّصُ) يُلْبَسُ الْقَمِيصَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَزَادَا: وَيُعَمَّمُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقَمَّصُ وَلَا يُعَمَّمُ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرَ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ قَمِيصَهُ (وَيُؤَزَّرُ) يُجْعَلُ لَهُ إِزَارٌ، وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ الْوَسَطُ (وَيُلَفُّ فِي الثَّوْبِ الثَّالِثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ كُفِّنَ فِيهِ) وَلَا يُنْتَظَرُ بِدَفْنِهِ ارْتِقَابُ شَيْءٍ آخَرَ إِذْ هُوَ الْوَاجِبُ بِاتِّفَاقٍ. الحديث: 523 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 [بَاب الْمَشْيِ أَمَامَ الْجَنَازَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجَنَازَةِ وَالْخُلَفَاءُ هَلُمَّ جَرًّا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ»   3 - بَابُ الْمَشْيِ أَمَامَ الْجَنَازَةِ 524 - 526 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ) بِالْفَتْحِ قُدَّامَ (الْجَنَازَةِ) مُرْسَلٌ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ، وَوَصَلَهُ عَنْ مَالِكٍ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ يَحْيَى بْنُ الحديث: 524 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 صَالِحٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ وَحَاتِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَغَيْرُهُمْ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِهِ، وَكَذَا وَصَلَهُ جَمَاعَةٌ ثِقَاتٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ كَابْنِ أَخِيهِ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَمُوسَى بْنِ عُتْبَةَ وَزِيَادِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبَّاسِ بْنِ الْحَسَنِ، عَلَى اخْتِلَافٍ عَلَى بَعْضِهِمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، ثُمَّ أَسْنَدَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا، وَرِوَايَةُ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَخْرَجَهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَقِبَ إِخْرَاجِهَا: كَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مَوْصُولًا. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُرْسَلَ أَصَحُّ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ مُرْسَلٌ. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الْحُفَّاظُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ثَلَاثَةٌ: مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ، فَإِذَا اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَخَالَفَهُمَا الْآخَرُ تَرَكْنَا قَوْلَهُ. (وَالْخُلَفَاءُ) بَعْدَهُمْ، وَدَخَلَ فِيهِمْ عَلِيٌّ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ مَشَى خَلْفَ جَنَازَةٍ وَالْعُمْرَيْنِ أَمَامَهُمَا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: فَضْلُ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الْمَاشِي أَمَامَهَا كَفَضْلِ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ، وَأَنَّهُمَا لَيَعْلَمَانِ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُمَا سَهَّلَا عَلَى النَّاسِ، وَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا شَهِدْتَ جَنَازَةً فَقَدِّمْهَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَإِنَّهَا مَوْعِظَةٌ وَتَذْكِرَةٌ وَعِبْرَةٌ. وَخَبَرُ أَبِي جُحَيْفَةَ مَرْفُوعًا: " «الْجَنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ وَلَيْسَ يَتْبَعُهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا» "، وَخَبَرُ: " «امْشُوا خَلْفَ الْجَنَازَةِ» " فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذِهِ أَحَادِيثُ وَفِيَّةٌ لَا يَقُومُ بِأَسَانِيدِهَا حُجَّةٌ، وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فِي ذَلِكَ، وَالْمَشْيُ أَمَامَهَا أَكْثَرُ عَنْهُمْ وَهُوَ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: الْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كُلُّ ذَلِكَ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ شَيَّعَ جَنَازَةً وَصَلَّى عَلَيْهَا كَانَ لَهُ قِيرَاطٌ مِنَ الْأَجْرِ، وَمَنْ قَعَدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ» " وَالْقِيرَاطُ كَأُحُدٍ وَلَمْ يَخُصَّ الْمَاشِيَ خَلْفَهَا أَوْ أَمَامَهَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا يَقُولُ أَحَدٌ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلِ الْمَشْيُ أَمَامَهَا مَشْرُوعٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَعَلَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ النَّاسَ شُفَعَاءُ لَهُ وَالشَّفِيعُ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الْمَشْفُوعِ لَهُ، أَوْ مَمْنُوعٌ، وَالسُّنَّةُ الْمَشْيُ خَلْفَهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. (هَلُمَّ جَرًّا) قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: مَعْنَاهُ سِيرُوا عَلَى هِينَتِكُمْ أَيْ تَثَبَّتُوا فِي سَيْرِكُمْ وَلَا تُجْهِدُوا أَنْفُسَكُمْ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَرِّ وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ تَرْعَى فِي السَّيْرِ، قَالَ: وَنَصْبُ جَرًّا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ هَلُمَّ جَارِينَ أَيْ مُتَثَبِّتِينَ أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ ; لِأَنَّ فِي هَلُمَّ مَعْنَى جَرَّ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: جُرُّوا جَرًّا، أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ، زَادَ أَبُو حَيَّانَ، وَأَوَّلُ مَنْ قَالَهُ عَابِدُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: فَإِنْ جَاوَزْتُ مُقْفِرَةً رَمَتْ بِي ... إِلَى أُخْرَى كَتِلْكَ هَلُمَّ جَرَّا وَفِي هَذَا الْبَيْتِ وَنَطَقَ ابْنُ شِهَابٍ بِهِ، وَهُوَ مِنْ قُرَيْشٍ الْفُصَحَاءِ مَا يَدْفَعُ تَوَقُّفَ ابْنِ هِشَامٍ فِي كَوْنِهِ عَرَبِيًّا مَحْضًا، وَنَقَلَ السُّيُوطِيُّ هُنَا كَلَامَهُ بِرُمَّتِهِ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) كَانَ أَيْضًا يَمْشِي أَمَامَهَا، وَكَانَ مِنْ أَتْبَعِ النَّاسِ لِلسُّنَّةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقْدُمُ النَّاسَ أَمَامَ الْجَنَازَةِ فِي جَنَازَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ   525 - 527 - (مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ بِالتَّصْغِيرِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، فَاضِلٌ، مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ أَوْ بَعْدَهَا (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ) وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ، وَيُقَالُ: بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَالْهُدَيْرِ رَبِيعَةُ، لَهُ رُؤْيَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ (أَنَّهُ) أَيْ رَبِيعَةَ (أَخْبَرَهُ) أَيْ مُحَمَّدًا (أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقْدُمُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَضَمِّ الدَّالِ، أَيْ يَتَقَدَّمُ، وَلِابْنِ وَضَّاحٍ يُقَدِّمُ، بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ مِنَ التَّقْدِيمِ (النَّاسَ أَمَامَ الْجَنَازَةِ فِي جَنَازَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ) الْأَسَدِيَّةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي زَوَّجَهَا اللَّهُ لِرَسُولِهِ بِقَوْلِهِ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 37) فَجَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِلَا إِذْنٍ، كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَأُمُّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَجَدُّهُمَا وَاحِدٌ، وَمَاتَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيِّ، وَقِيلَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَهَا خَمْسُونَ أَوْ ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً. وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ عَلَى زَيْنَبَ أَرْبَعًا، وَكَانَتْ أَوَّلَ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْتًا. الحديث: 525 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَبِي قَطُّ فِي جَنَازَةٍ إِلَّا أَمَامَهَا قَالَ ثُمَّ يَأْتِي الْبَقِيعَ فَيَجْلِسُ حَتَّى يَمُرُّوا عَلَيْهِ   526 - 528 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَبِي) عُرْوَةَ (قَطُّ فِي جَنَازَةٍ إِلَّا أَمَامَهَا) قُدَّامَهَا (قَالَ) هِشَامٌ (ثُمَّ يَأْتِي الْبَقِيعَ) مَقْبَرَةَ الْمَدِينَةِ (فَيَجْلِسُ حَتَّى يَمُرُّوا عَلَيْهِ) بِالْجَنَازَةِ. الحديث: 526 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَشْيُ خَلْفَ الْجَنَازَةِ مِنْ خَطَإِ السُّنَّةِ   527 - 529 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمَشْيُ خَلْفَ الْجَنَازَةِ مِنْ خَطَأِ السُّنَّةِ) أَيْ مِنْ مُخَالَفَتِهَا، قِيلَ لِمَالِكٍ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ: أَذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ لِلرِّجَالِ، وَكَرِهَ أَنْ يَتَقَدَّمَ النِّسَاءُ أَمَامَ النَّعْشِ وَأَمَامَ الرِّجَالِ، وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ شُهُودَ النِّسَاءِ الْجَنَائِزَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. الحديث: 527 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 [بَاب النَّهْيِ عَنْ أَنْ تُتْبَعَ الْجَنَازَةُ بِنَارٍ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِأَهْلِهَا أَجْمِرُوا ثِيَابِي إِذَا مِتُّ ثُمَّ حَنِّطُونِي وَلَا تَذُرُّوا عَلَى كَفَنِي حِنَاطًا وَلَا تَتْبَعُونِي بِنَارٍ   4 - بَابُ النَّهْيِ أَنْ تُتْبَعَ الْجَنَازَةُ بِنَارٍ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّفَاؤُلِ بِالنَّارِ، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ مِنْ فِعْلِ النَّصَارَى وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَشَبَّهَ بِهِمْ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «أَنَّ الْيَهُودَ لَا يَصْبُغُونَ أَوْ قَالَ لَا يَصْنَعُونَ فَخَالِفُوهُمْ» ". 528 - 530 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ) جَدَّتِهِ (أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِأَهْلِهَا: أَجْمِرُوا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، بَخِّرُوا (ثِيَابِي إِذَا مِتُّ، ثُمَّ حَنِّطُونِي) قَالَ الْبَاجِيُّ: الْحَنُوطُ مَا يُجْعَلُ فِي جَسَدِ الْمَيِّتِ وَكَفَنِهِ مِنْ طِيبِ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَكَافُورٍ وَكُلِّ مَا لَهُ رِيحٌ لَا لَوْنٌ، فَالْقَصْدُ صِيَانَةُ الْمَيِّتِ لِئَلَّا يَظْهَرَ مِنْهُ رِيحٌ مَكْرُوهَةٌ دُونَ التَّجَمُّلِ بِاللَّوْنِ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَجَازَ الْأَكْثَرُ الْمِسْكَ فِي الْحَنُوطِ وَكَرِهَهُ قَوْمٌ، وَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَطْيَبُ الطِّيبِ الْمِسْكُ» " (وَلَا تَذُرُّوا عَلَى كَفَنِي حِنَاطًا) بِكَسْرِ الْحَاءِ بِزِنَةِ كِتَابٍ، وَيُقَالُ أَيْضًا حَنُوطٌ بِزِنَةِ رَسُولٍ، كُلُّ طِيبٍ يُخْلَطُ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً، وَكَرِهَتْهُ لِلْمُبَاهَاةِ، وَذَلِكَ وَقْتٌ لَا يَنْبَغِي فِيهِ. (وَلَا تَتْبَعُونِي بِنَارٍ) وَكَذَا أَوْصَى أَبُو سَعِيدٍ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا رَوَاهُ فَقَالَ. الحديث: 528 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُتْبَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِنَارٍ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَكْرَهُ ذَلِكَ   529 - 531 - (مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) كَيْسَانَ (الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُتْبَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِنَارٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جَاءَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، انْتَهَى. بَلْ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَفْسِهِ. فَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُتْبَعُ الْجَنَازَةُ بِصَوْتٍ وَلَا نَارٍ وَلَا يُمْشَى بَيْنَ يَدَيْهَا أَيْ بِنَارٍ وَلَا بِصَوْتٍ» " قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا لِلْجَهْلِ بِحَالِ ابْنِ عُمَيْرٍ رَاوِيهِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. لَكِنْ حَسَّنَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ، وَلَعَلَّهُ لِشَوَاهِدِهِ. (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَكْرَهُ ذَلِكَ) أَيِ اتِّبَاعَهَا بِنَارٍ فِي مِجْمَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ; لِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّفَاؤُلِ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ يَحْرُمُ. وَقَالَ الحديث: 529 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا تَجْعَلُوا آخِرَ زَادِي إِلَى قَبْرِي نَارًا، وَهُوَ أَيْضًا مِنَ السَّرَفِ وَالْمُبَاهَاةِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ لِلْعُودِ الَّذِي يُحْرَقُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 [بَاب التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَائِزِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ لِلنَّاسِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ»   5 - بَابُ التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَائِزِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي عَدَدِهِ، فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: يُكَبَّرُ خَمْسًا، وَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَكَبَّرَ خَمْسًا. وَكَانَ عَلِيٌّ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سِتًّا، وَعَلَى الصَّحَابَةِ خَمْسًا، وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ أَرْبَعًا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ ثَلَاثًا رَوَاهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا أَرْبَعًا، وَجَمْعٍ بِأَنَّهُ كَانَ يَرَى الثَّلَاثَ مُجْزِئَةً وَالْأَرْبَعَ أَكْمَلَ مِنْهَا، أَوْ مَنْ أُطْلِقَ عَنْهُ الثَّلَاثُ لَمْ يَذْكُرِ الْأُولَى ; لِأَنَّهَا افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ، فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ التَّكْبِيرُ ثَلَاثًا فَقِيلَ لَهُ أَرْبَعٌ، قَالَ: أَجَلْ غَيْرَ أَنَّ وَاحِدَةً هِيَ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ. وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ: كَانُوا يُكَبِّرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعًا وَخَمْسًا وَسِتًّا وَأَرْبَعًا فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أَرْبَعٍ كَأَطْوَلِ الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْأَرْبَعِ وَعَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَشَذَّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فَقَالَ خَمْسًا. 530 - 532 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ) بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ بِكَسْرٍ وَخِفَّةِ الْجِيمِ، وَأَخْطَأَ مَنْ شَدَّدَهَا، وَتَشْدِيدِ آخِرِهِ، وَحَكَى الْمُطَرِّزِيُّ التَّخْفِيفَ وَرَجَّحَهُ الصَّغَانِيُّ، وَهُوَ لَقَبٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ، وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ بْنُ أَبْحَرَ، مَلِكُ الْحَبَشَةِ، أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ إِلَيْهِ، وَكَانَ رِدْءًا لِلْمُسْلِمِينَ نَافِعًا، وَأَصْحَمَةُ بِوَزْنِ أَرْبَعَةٍ وَحَاؤُهُ مُهْمَلَةٌ وَقِيلَ مُعْجَمَةٌ، وَقِيلَ بِمُوَحَّدَةٍ بَدَلَ الْمِيمِ، وَقِيلَ: صُحْمَةُ بِلَا أَلِفٍ، وَقِيلَ كَذَلِكَ لَكِنْ بِتَقْدِيمِ الْمِيمِ عَلَى الصَّادِ، وَقِيلَ بِمِيمٍ أَوَّلَهُ بَدَلَ الْأَلِفِ، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ فِي اسْمِهِ سِتَّةُ أَلْفَاظٍ لَمْ أَرَهَا مَجْمُوعَةً، وَمَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّةُ قَالَهُ فِي الْإِصَابَةِ. (لِلنَّاسِ) أَيْ أَخْبَرَهُمْ بِمَوْتِهِ (فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ) فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَجَمَاعَةٌ، وَقِيلَ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ، فَفِيهِ جَوَازُ الْإِعْلَامِ بِالْجَنَازَةِ لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ، وَالنَّعْيُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ صِيَاحٌ، خِلَافًا لِمَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْإِعْلَامِ بِالْمَوْتِ لِلِاجْتِمَاعِ لِجَنَازَتِهِ، وَفِي حَدِيثِ: " «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَذَا» "، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا يَمُوتُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ يَبْلُغُونَ مِائَةً فَيَشْفَعُونَ الحديث: 530 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 لَهُ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ» " دَلِيلٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَشُهُودُ الْجَنَائِزِ خَيْرٌ، وَالدُّعَاءُ إِلَى الْخَيْرِ خَيْرٌ إِجْمَاعًا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ: الْأُولَى: إِعْلَامُ الْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ، فَهَذَا سُنَّةٌ. الثَّانِيَةُ: دَعْوَةُ الْجَفَلَى لِلْمُفَاخَرَةِ، فَهَذَا يُكْرَهُ. الثَّالِثَةُ: الْإِعْلَامُ بِالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِهَا، فَهَذَا يَحْرُمُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَقِيلٍ وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: نُعِيَ لَنَا النَّجَاشِيُّ يَوْمَ مَاتَ فَقَالَ: " «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ» " (وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى) مَكَانٌ بِبَطْحَانَ، فَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: فَخَرَجَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْبَقِيعِ أَيْ بَقِيعِ بَطْحَانَ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْمُصَلَّى مَوْضِعٌ مُعَدٌّ لِلْجَنَائِزِ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ غَيْرُ مُصَلَّى الْعِيدَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَالَهُ الْحَافِظُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الْحَبَشِ فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ» ". وَلِلْبُخَارِيِّ: " «فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ» ". وَلِمُسْلِمٍ: " «مَاتَ عَبْدٌ لِلَّهِ صَالِحٌ أَصْحَمَةُ» ". وَفِي الْإِصَابَةِ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَصْبَحْنَا ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ أَخَاكَ أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيَّ قَدْ تُوُفِّيَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ، فَوَثَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَثَبْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ الْمُصَلَّى» " (فَصَفَّ بِهِمْ) لَازِمٌ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ صَفَّ مَعَهُمْ، أَوْ مُتَعَدٍّ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ أَيْ صَفَّهُمْ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِمَامَ مُتَقَدِّمٌ فَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ صَافٌّ مَعَهُمْ إِلَّا عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَمْ صَفَّهُمْ. وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ جَابِرٍ: " «كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي يَوْمَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيِّ» "، وَفِيهِ أَنَّ لِلصُّفُوفِ عَلَى الْجَنَازَةِ تَأْثِيرًا وَلَوْ كَثُرَ الْجَمْعُ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَالْمُصَلَّى فَضَاءٌ لَا يَضِيقُ بِهِمْ لَوْ صُفُّوا فِيهِ صَفًّا وَاحِدًا وَمَعَ ذَلِكَ صَفَّهُمْ، وَهَذَا مَا فَهِمَهُ مَالِكُ بْنُ عُمَيْرَةَ الصَّحَابِيُّ، فَكَانَ صَفُّ مَنْ يَحْضُرُ صَلَاةَ الْجَنَازَةِ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ سَوَاءٌ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا، وَيَبْقَى النَّظَرُ إِذَا تَعَدَّدَتِ الصُّفُوفُ وَالْعَدَدُ قَلِيلٌ، أَوْ كَانَ الصَّفُّ وَاحِدًا وَالْعَدَدُ كَثِيرٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، قَالَهُ الْحَافِظُ. (وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ) فَفِيهِ أَنَّ تَكْبِيرَ صَلَاةِ الْجَنَازَةِ أَرْبَعٌ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا صَلَاةٌ عَلَى غَائِبٍ لَا عَلَى الْجَنَازَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُفْهَمُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا» " وَقَالَ: لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ أَرْبَعًا إِلَّا فِي هَذَا، قَالَ: وَإِنَّمَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى النَّجَاشِيِّ أَرْبَعًا وَعَلَى قَبْرٍ أَرْبَعًا، وَأَمَّا عَلَى الْجَنَازَةِ هَكَذَا فَلَا إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ خُرُوجَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى لِقَصْدِ تَكْثِيرِ الْجَمْعِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَإِشَاعَةً لِمَوْتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: صَلَّى عَلَى عِلْجٍ مِنَ الْحَبَشَةِ، فَنَزَلَتْ: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} [آل عمران: 199] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 199) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ". وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ وَحْشِيٍّ فِي الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ، وَآخَرُ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَفِيهِ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ كَانَ مُنَافِقًا، وَفِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ السَّلَفِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: لَا تُشْرَعُ، وَنَسَبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّهُمْ قَالُوا: ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَدَلَائِلُ الْخُصُوصِيَّةِ وَاضِحَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَكَهُ فِيهَا غَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أُحْضِرَ رُوحُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ رُفِعَتْ لَهُ جِنَازَتُهُ حَتَّى شَاهَدَهَا، كَمَا رُفِعَ لَهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ حِينَ سَأَلَتْهُ قُرَيْشٌ عَنْ صِفَتِهِ، وَعَبَّرَ غَيْرُهُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كُشِفَ لَهُ حَتَّى رَآهُ. فَتَكُونُ صَلَاتُهُ كَصَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى مَيِّتٍ رَآهُ وَلَمْ يَرَهُ الْمَأْمُومُونَ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا. وَقَوْلُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ: (يَحْتَاجُ هَذَا لِنَقْلٍ) تُعُقِّبَ بِأَنَّ الِاحْتِمَالَ كَافٍ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ جِهَةِ الْمَانِعِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ بِلَا إِسْنَادٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «كُشِفَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَرِيرِ النَّجَاشِيِّ حَتَّى رَآهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ» ". وَلِابْنِ حِبَّانَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: " «فَقَامُوا وَصَفُّوا خَلْفَهُ وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ إِلَّا أَنَّ جَنَازَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ» ". وَلِأَبِي عَوَانَةَ عَنْ عِمْرَانَ: " «فَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ وَنَحْنُ لَا نَرَى إِلَّا أَنَّ الْجَنَازَةَ قُدَّامَنَا» ". وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّجَاشِيِّ لِإِشَاعَةِ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا، أَوِ اسْتِئْلَافِ قُلُوبِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي حَيَاتِهِ ; إِذْ لَمْ يَأْتِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ غَائِبٍ غَيْرِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ صَلَاتِهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيِّ فَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ لَا تَخْلُو مِنْ مَقَالٍ، وَعَلَى تَسْلِيمِ صَلَاحِيَتِهِ لِلْحُجِّيَّةِ بِالنَّظَرِ إِلَى مَجْمُوعِ طُرُقِهِ دَفْعٌ بِمَا وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَتْ لَهُ الْحُجُبُ حَتَّى شَاهَدَ جَنَازَتَهُ. وَقَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ: قَوْلُهُمْ رُفِعَ الْحِجَابُ عَنِ النَّجَاشِيِّ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ سَلِمَ فَكَانَ غَائِبًا عَنِ الصَّحَابَةِ رُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُصَلَّى كَالْمَيِّتِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَهُوَ يَرَاهُ دُونَ الْمَأْمُومِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ اتِّفَاقًا. وَأَمَّا ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِمَامُ الْمَالِكِيَّةِ فَتَحَامَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ قَوْلُهُمْ إِنَّمَا ذَلِكَ لِمُحَمَّدٍ، قُلْنَا: وَمَا عَمِلَ بِهِ مُحَمَّدٌ تَعْمَلُ بِهِ أُمَّتُهُ، قَالُوا: طُوِيَتِ الْأَرْضُ وَأُحْضِرَتِ الْجَنَازَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْنَا: إِنَّ رَبَّنَا عَلَيْهِ لَقَادِرٌ وَنَبِيَّنَا لَأَهْلٌ لِذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا تَقُولُوا إِلَّا مَا رَوَيْتُمْ، وَلَا تَخْتَرِعُوا حَدِيثًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تُحَدِّثُوا إِلَّا بِالثَّابِتَاتِ، وَدَعُوا الضِّعَافَ فَإِنَّهَا سَبِيلٌ إِلَى تَلَافِ مَا لَيْسَ لَهُ تَلَافٌ، وَقَدْ عَلِمْتُ جَوَابَهُ بِأَنَّ الِاحْتِمَالَ يَكْفِي فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ جِهَةِ الْمَانِعِ خُصُوصًا، وَقَدْ جَاءَ مَا يُؤَيِّدُهُ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ فَمَا حَدَّثَنَا إِلَّا بِالثَّابِتَاتِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: وَلَوْ فُتِحَ بَابُ الْخُصُوصِ لَانْسَدَّ كَثِيرٌ مِنْ ظَوَاهِرِ الشَّرْعِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَهُ لَتَوَفَّرَتِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّمَا جَوَّزْنَا الْخُصُوصِيَّةَ ; لِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ إِذْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى غَائِبٍ غَيْرِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَلْزَمُ تَوَفُّرُ الدَّوَاعِي عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَانَ بِأَرْضٍ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِهَا أَحَدٌ، فَتَعَيَّنَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مَاتَ غَائِبًا مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 أَصْحَابِهِ، وَبِهَذَا جَزَمَ أَبُو دَاوُدَ وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مُحْتَمَلٌ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ أَحَدٌ اهـ. وَهُوَ مُشْتَرِكُ الْإِلْزَامِ فَلَمْ يُرْوَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي بَلَدِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ وَمَحَلُّهُ فِي اتِّسَاعِ الْحِفْظِ مَعْلُومٌ، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعَيْنِ هُنَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ مِسْكِينَةً مَرِضَتْ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرَضِهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ الْمَسَاكِينَ وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَاتَتْ فَآذِنُونِي بِهَا فَخُرِجَ بِجَنَازَتِهَا لَيْلًا فَكَرِهُوا أَنْ يُوقِظُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِهَا فَقَالَ أَلَمْ آمُرْكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي بِهَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَرِهْنَا أَنْ نُخْرِجَكَ لَيْلًا وَنُوقِظَكَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَفَّ بِالنَّاسِ عَلَى قَبْرِهَا وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ»   531 - 533 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ اسْمُهُ أَسْعَدُ (ابْنِ سَهْلٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (ابْنِ حُنَيْفٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالْفَاءِ، سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وُلِدَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَتَيْنِ بِاسْمِ جَدِّهِ لِأُمِّهِ أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ وَكَنَّاهُ وَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَهُوَ صَحَابِيٌّ مِنْ حَيْثُ الرُّؤْيَةُ، تَابِعِيٌّ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ، وَمَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ، وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ بَدْرِيٌّ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ) لَمْ تَخْتَلِفْ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ فِي إِرْسَالِهِ، وَوَصَلَهُ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ مَالِكٍ فَزَادَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَمُوسَى مَتْرُوكٌ، وَوَصَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ضَعِيفٌ فِي الزُّهْرِيِّ بِاتِّفَاقٍ، فَالصَّوَابُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مُرْسَلٌ، نَعَمْ، الْحَدِيثُ صَحِيحٌ جَاءَ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَسَانِيدَ ثَابِتَةٍ (أَنَّ مِسْكِينَةً) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ، أَيْ تَجْمَعُ الْقُمَامَةَ، وَهِيَ الْكُنَاسَةُ. وَفِي لَفْظٍ: كَانَتْ تُنَقِّي الْمَسْجِدَ مِنَ الْأَذَى. وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ: كَانَتْ تَلْتَقِطُ الْخِرَقَ وَالْعِيدَانَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ بُرَيْدَةَ: أَنَّ أُمَّ مِحْجَنٍ كَانَتْ مُولَعَةً بِلَقْطِ الْقَذَى مِنَ الْمَسْجِدِ بِقَافٍ وَمُعْجَمَةٍ، مَقْصُورٌ فِي الْعَيْنِ وَالشَّرَابِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَقَعُ فِي الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ قَلِيلًا، وَفِي الْإِصَابَةِ: مِحْجَنَةَ، وَقِيلَ أُمُّ مِحْجَنٍ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ ذُكِرَتْ فِي الصَّحِيحِ بِلَا تَسْمِيَةٍ. (مَرِضَتْ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرَضِهَا) قَالَ الْبَاجِيُّ: فِيهِ اهْتِبَالُهُ بِأَخْبَارِ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِذَا كَانَ يُخْبَرُ بِمَرْضَاهُمْ وَذَلِكَ مِنْ تَوَاضُعِهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ التَّحَدُّثُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ عِنْدَ الْعَالِمِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهٌ فَيَكُونُ غِيبَةً. (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ الْمَسَاكِينَ وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ) لِمَزِيدِ تَوَاضُعِهِ وَحُسْنِ خُلُقِهِ فَفِيهِ عِيَادَةُ النِّسَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا إِنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً وَإِلَّا فَلَا إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا وَلَا يَنْظُرَ إِلَيْهَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا مَاتَتْ الحديث: 531 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 فآذِنُونِي) بِالْمَدِّ أَعْلِمُونِي (بِهَا) لِشُهُودِ جَنَازَتِهَا وَالِاسْتِغْفَارِ لَهَا ; لِأَنَّ لَهَا مِنَ الْحَقِّ فِي بَرَكَةِ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لِلْأَغْنِيَاءِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ فَمَاتَتْ (فَخُرِجَ بِجَنَازَتِهَا لَيْلًا) لِجَوَازِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ تَأْخِيرَهَا لِلنَّهَارِ لِيَكْثُرَ مَنْ يَحْضُرُهَا دُونَ مَشَقَّةٍ وَلَا تَكَلُّفٍ، فَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: فَأَتَوْهُ لِيُؤْذِنُوهُ فَوَجَدُوهُ نَائِمًا وَقَدْ ذَهَبَ اللَّيْلُ (فَكَرِهُوا أَنْ يُوقِظُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِجْلَالًا لَهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُوقَظُ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، زَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: وَتَخَوَّفُوا عَلَيْهِ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ وَهَوَامَّ الْأَرْضِ، قَالَ: فَدَفَنَّاهَا (فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِهَا) بَعْدَ سُؤَالِهِ، فَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَ عَنْهَا، وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ، وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ الَّذِي أَجَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سُؤَالِهِ عَنْهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ (فَقَالَ: أَلَمْ آمُرْكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي بِهَا؟) قَالَ ذَلِكَ تَذْكِيرًا لَهُمْ بِأَمْرِهِ وَنَهْيًا عَنِ الْعَوْدِ لِمِثْلِهِ (فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَرِهْنَا أَنْ نُخْرِجَكَ لَيْلًا وَنُوقِظَكَ) وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَقَالُوا: " «أَتَيْنَاكَ لِنُؤْذِنَكَ بِهَا فَوَجَدْنَاكَ نَائِمًا فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ وَتَخَوَّفْنَا عَلَيْكَ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ وَهَوَامَّ الْأَرْضِ» " وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: فَحَقَّرُوا شَأْنَهَا، وَلِمُسْلِمٍ: وَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، زَادَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَفْعَلُوا ادْعُونِي لِجَنَائِزِكُمْ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: " «فَلَا تَفْعَلُوا لَا يَمُوتَنَّ فِيكُمْ مَيِّتٌ مَا كُنْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إِلَّا آذَنْتُمُونِي بِهِ فَإِنَّ صَلَاتِي عَلَيْهِ لَهُ رَحْمَةٌ» "، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. (فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَفَّ بِالنَّاسِ عَلَى قَبْرِهَا) فَصَلَّى (وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْد الطَّبَرَانِيِّ: وَقَالَ: " «إِنِّي رَأَيْتُهَا فِي الْجَنَّةِ تَلْقُطُ الْقَذَى مِنَ الْمَسْجِدِ» " وَهَذَا مَقْصُودُ التَّرْجَمَةِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ فَقَالَ بِمَشْرُوعِيَّتِهِ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ: الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ مَنْعُهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالنَّخَعِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَعَنْهُمْ: إِنْ دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ شُرِعَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَجَابُوا بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَرَدَّهُ ابْنُ حِبَّانَ بِأَنَّ تَرْكَ إِنْكَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ صَلَّى مَعَهُ عَلَى الْقَبْرِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ لِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ بِالتَّبَعِيَّةِ لَا يَنْهَضُ دَلِيلًا لِلْأَصَالَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ مَا زَادَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 عَلَيْهِمْ» ". وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: " «فَإِنَّ صَلَاتِي عَلَيْهِ لَهُ رَحْمَةٌ» ". وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ السَّوْدَاءِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: يُرِيدُ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ إِنَّمَا هِيَ آثَارٌ بَصْرِيَّةٌ وَكُوفِيَّةٌ، وَلَمْ نَجِدْ عَلَى مَدَنِيٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ، انْتَهَى. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى رَدِّ التَّفْصِيلِ بَيْنَ مَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَرَدَتْ فِيمَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخُصُوصِيَّةَ تَنْسَحِبُ عَلَى ذَلِكَ. ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ مَنْ يَرَى الصَّلَاةَ عَلَى الْقَبْرِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إِلَّا بِقُرْبِ دَفْنِهِ، وَأَكْثَرُ مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ شَهْرٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: اخْتُلِفَ فِي أَمَدِ ذَلِكَ فَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِشَهْرٍ، وَقِيلَ مَا لَمْ تَبْلَ الْجُثَّةُ، وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ حِينَ مَوْتِهِ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِيلَ يَجُوزُ أَبَدًا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا عَدَا قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا لِأَنَّا لَمْ نَكُنْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: رُوِيَتِ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سِتَّةِ وُجُوهٍ حِسَانٍ كُلِّهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: بَلْ مِنْ تِسْعَةٍ كُلُّهَا حِسَانٌ، وَسَاقَهَا كُلَّهَا بِأَسَانِيدِهِ فِي تَمْهِيدِهِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالْخَمْسَةُ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْمِسْكِينَةِ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فِي صَلَاةِ الْمُصْطَفَى عَلَى أُمِّ سَعْدٍ بَعْدَ دَفْنِهَا بِشَهْرٍ، وَحَدِيثُ الْحُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحٍ فِي صِلَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى قَبْرِ طَلْحَةَ بْنِ الْبَرَاءِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: " «اللَّهُمَّ الْقَ طَلْحَةَ يَضْحَكُ إِلَيْكَ وَتَضْحَكُ إِلَيْهِ» ". وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ وَقَدْ تُوُفِّيَتْ أُمُّ أَبِي أُمَامَةَ فَصَلَّى عَلَيْهَا» ". وَحَدِيثُ أَنَسٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ بَعْدَمَا دُفِنَتْ» ". وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِلْمِسْكِينَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَدَّمْنَا، وَهُوَ فِي الْمِسْكِينَةِ فَهِيَ عَشَرَةُ أَوْجُهٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الرَّجُلِ يُدْرِكُ بَعْضَ التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ وَيَفُوتُهُ بَعْضُهُ فَقَالَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ   532 - 534 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ بَعْضَ التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ وَيَفُوتُهُ بَعْضُهُ، فَقَالَ: يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ) بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَقْضِي، وَاخْتَلَفَ الْأَوَّلُونَ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ: يَقْضِي نَسَقًا بِلَا دُعَاءٍ بَيْنَ التَّكْبِيرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَدْعُو بَيْنَ تَكْبِيرِ الْقَضَاءِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ. الحديث: 532 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 [بَاب مَا يَقُولُ الْمُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ كَيْفَ تُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا لَعَمْرُ اللَّهِ أُخْبِرُكَ أَتَّبِعُهَا مِنْ أَهْلِهَا فَإِذَا وُضِعَتْ كَبَّرْتُ وَحَمِدْتُ اللَّهَ وَصَلَّيْتُ عَلَى نَبِيِّهِ ثُمَّ أَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ   6 - بَابُ مَا يَقُولُ الْمُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ 533 - 535 - (مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِيهِمَا (الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ) وَاسْمُهُ كَيْسَانُ (أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ كَيْفَ تُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا لَعَمْرُ اللَّهِ) أَيْ حَيَاتُهُ (أُخْبِرُكَ) بِزِيَادَةِ: عَنْ سُؤَالِكَ، فَفِيهِ جَوَازُ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَ تَعْلِيمَهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّ بِهِ حَاجَةً إِلَيْهِ (أَتَّبِعُهَا) بِشَدِّ التَّاءِ، أَيْ أَسِيرُ مَعَهَا (مِنْ أَهْلِهَا) ; لِأَنِّي رَوَيْتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَلِأَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ يَتْبَعُهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ» ". رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ. (فَإِذَا وُضِعَتْ كَبَّرْتُ وَحَمِدْتُ اللَّهَ وَصَلَّيْتُ عَلَى نَبِيِّهِ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاتِهَا ثُمَّ أَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ) فِيهِ مَزِيدُ الِاسْتِعْطَافِ فَإِنَّ شَأْنَ الْكِرَامِ السَّادَاتِ الصَّفْحُ عَنْ عَبِيدِهِمْ، وَلَا أَكْرَمَ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ (كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ) وَقَدْ وَعَدْتَ مَنْ يَشْهَدُ بِذَلِكَ بِالْجَنَّةِ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، فَمِنْ كَمَالِ عَفْوِكَ لَا تُعَذِّبُهُ قَبْلَ ذَلِكَ (وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ) مِنَّا وَمِنْهُ (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ) أَيْ ضَاعِفْ لَهُ الْأَجْرَ فِيمَا أَحْسَنَ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ) فَلَا تُؤَاخِذْهُ بِهَا (اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ) أَيْ أَجْرَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَوْ شُهُودِ جَنَازَتِهِ أَوْ أَجْرَ الْمُصِيبَةِ بِمَوْتِهِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ مُصَابٌ بِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ. (وَلَا تَفْتِنَّا) بِمَا يَشْغَلُنَا عَنْكَ (بَعْدَهُ) فَإِنَّ كُلَّ شَاغِلٍ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِتْنَةٌ. وَفِيهِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ نَفْسَهُ فِي الدُّعَاءِ بِمَا شَاءَ فَهَاتَانِ الدَّعْوَتَانِ لِلْمُصَلِّي لَا لِلْمَيِّتِ. الحديث: 533 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى صَبِيٍّ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ   534 - 536 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا التَّابِعِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ (يَقُولُ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى صَبِيٍّ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ) لِمَوْتِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ: " «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ فَعَدَّ الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» ". وَقَالَ عُمَرُ: الصَّغِيرُ يُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ السَّيِّئَاتُ (فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَذَابُ الْقَبْرِ غَيْرُ فِتْنَتِهِ بِدَلَائِلَ مِنَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ، وَلَوْ عَذَّبَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَجْمَعِينَ لَمْ يَظْلِمْهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ هُنَا عُقُوبَتَهُ وَلَا السُّؤَالَ بَلْ مُجَرَّدَ الْأَلَمِ بِالْغَمِّ وَالْهَمِّ وَالْحَسْرَةِ وَالْوَحْشَةِ وَالضَّغْطَةِ وَذَلِكَ يَعُمُّ الْأَطْفَالَ وَغَيْرَهُمْ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ اعْتَقَدَهُ لِشَيْءٍ سَمِعَهُ مِنَ الْمُصْطَفَى أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ عَامٌّ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَأَنَّ الْفِتْنَةَ فِيهِ لَا تَسْقُطُ عَنِ الصَّغِيرِ بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ فِي الدُّنْيَا أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْكَبِيرِ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ كَبِيرٌ أَوْ دَعَا لَهُ عَلَى مَعْنَى الزِّيَادَةِ كَمَا كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَهَا وَتَسْتَغْفِرُهُ. الحديث: 534 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ   535 - 537 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ) وَبِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ مَشْرُوعِيَّتُهَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ، وَقَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ. وَفِي الْبَيْهَقِيِّ عَنْ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ: وَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. الحديث: 535 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 [بَاب الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الصُّبْحِ إِلَى الْإِسْفَارِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى الْاصْفِرَارِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حُوَيْطِبٍ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ تُوُفِّيَتْ وَطَارِقٌ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَأُتِيَ بِجَنَازَتِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَوُضِعَتْ بِالْبَقِيعِ قَالَ وَكَانَ طَارِقٌ يُغَلِّسُ بِالصُّبْحِ قَالَ ابْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِأَهْلِهَا إِمَّا أَنْ تُصَلُّوا عَلَى جَنَازَتِكُمْ الْآنَ وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ   7 - بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الصُّبْحِ إِلَى الْإِسْفَارِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى الِاصْفِرَارِ فَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ جَوَازَهَا كُلَّ وَقْتٍ وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ; لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي التَّطَوُّعِ لَا الْوَاجِبِ. 536 - 538 - (مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ) الْقُرَشِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حُوَيْطِبِ) بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ، وَحُوَيْطِبٌ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ (أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيَّةَ، رَبِيبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُوُفِّيَتْ) سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، وَحَضَرَ ابْنُ عُمَرَ جَنَازَتَهَا قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَيَمُوتَ بِمَكَّةَ (وَطَارِقُ) بْنُ عَمْرٍو الْمَكِّيُّ الْأُمَوِيُّ، مَوْلَاهُمْ، وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ، مَاتَ فِي حُدُودِ الثَمَانِينَ. (أَمِيرُ الْمَدِينَةِ) لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ (فَأُتِيَ بِجَنَازَتِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَوُضِعَتْ بِالْبَقِيعِ قَالَ) مُحَمَّدٌ (وَكَانَ طَارِقٌ يُغَلِّسُ بِالصُّبْحِ) أَيْ يُصَلِّيهَا وَقْتَ الْغَلَسِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا (قَالَ ابْنُ حَرْمَلَةَ: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِأَهْلِهَا: إِمَّا أَنْ تُصَلُّوا عَلَى جَنَازَتِكُمُ الْآنَ) وَقْتَ الْغَلَسِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ (وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ) لِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِسْفَارِ. الحديث: 536 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ يُصَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ إِذَا صُلِّيَتَا لِوَقْتِهِمَا   537 - 539 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: يُصَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ إِذَا صُلِّيَتَا لِوَقْتِهِمَا) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ لِوَقْتِ الْوُقُوفِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ فِي الْعَصْرِ إِلَى الِاصْفِرَارِ وَفِي الصُّبْحِ إِلَى الْإِسْفَارِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّهُمَا إِذَا أُخِّرَتَا إِلَى وَقْتِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا حِينَئِذٍ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ الَّتِي قَبْلَهَا عَنْهُ، فَكَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى اخْتِصَاصَ الْكَرَاهَةِ بِمَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا لَا مُطْلَقِ مَا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالطُّلُوعِ أَوِ الْغُرُوبِ، انْتَهَى. وَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَالظَّاهِرُ مِنْهُ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ وَحَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَ الْبَاجِيُّ. وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَنَازَةِ إِذَا طَلَعَتْ وَحِينَ تَغْرُبُ وَهَذَا يَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ ; إِذْ هُوَ لَا يُنَافِي رِوَايَةَ نَافِعٍ وَابْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ كَرَاهَتَهَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الِاصْفِرَارِ وَالْإِسْفَارِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْكُوفِيُّونَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. الحديث: 537 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 [بَاب الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْمَسْجِدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهَا أَمَرَتْ أَنْ يُمَرَّ عَلَيْهَا بِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ حِينَ مَاتَ لِتَدْعُوَ لَهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَا أَسْرَعَ النَّاسَ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ»   8 - بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْمَسْجِدِ 538 - 540 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ) سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنَيْنِ، الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَذَا لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ مُنْقَطِعًا، وَانْفَرَدَ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ فَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَانْتَقَدَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِأَنَّ حَافِظَيْنِ خَالَفَا الضَّحَّاكَ وَهَمَا مَالِكٌ وَالْمَاجِشُونُ فَرَوَيَاهُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلًا، وَقِيلَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مُرْسَلًا، وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الضَّحَّاكَ ثِقَةٌ فَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ ; لِأَنَّهُ حَفِظَ مَا نَسِيَهُ غَيْرُهُ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ (أَنَّهَا أَمَرَتْ أَنْ يُمَرَّ عَلَيْهَا بِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٍ الزُّهْرِيِّ آخِرِ الْعَشَرَةِ وَفَاةً (فِي الْمَسْجِدِ) ; لِأَنَّ حُجْرَتَهَا دَاخِلَهُ (حِينَ مَاتَ) بِالْعَقِيقِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ، الحديث: 538 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 وَحُمِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ (لِتَدْعُوَ لَهُ) بِحَضْرَتِهِ ; لِأَنَّ مُشَاهَدَتَهُ تَدْعُو إِلَى الْإِشْفَاقِ وَالِاجْتِهَادِ لَهُ، وَلِذَا يُسْعَى إِلَى الْجَنَائِزِ وَلَا يُكْتَفَى بِالدُّعَاءِ فِي الْمَنْزِلِ، وَكَانَ أَزْوَاجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجْنَ مَعَ النَّاسِ إِلَى جَنَازَةٍ، ثُمَّ الدُّعَاءُ يَحْتَمِلُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءَ خَاصَّةً، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ عَلَيْهَا) وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدٌ أَمَرَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُرُّوا بِجَنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ فَفَعَلُوا فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ، أُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَانَ إِلَى الْمَقَاعِدِ، فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: مَا كَانَتِ الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الْمَسْجِدُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى أَنْ يَعِيبُوا مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، عَابُوا عَلَيْنَا أَنْ يُمَرَّ بِجَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ) قَالَ مَالِكٌ: أَيْ مَا أَسْرَعَ مَا نَسُوا السُّنَّةَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَيْ مَا أَسْرَعَهُمْ إِلَى الطَّعْنِ وَالْعَيْبِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ إِلَى إِنْكَارِ مَا لَا يَعْلَمُونَ. وَرُوِيَ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ (مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ) بِضَمِّ السِّينِ، مُصَغَّرٌ (ابْنِ بَيْضَاءَ) هِيَ أُمُّهُ، وَاسْمُهَا دَعْدٌ، وَبَيْضَاءُ وَصْفٌ لَهَا ; لِأَنَّهَا كَانَتْ بَيْضَاءَ، وَأَبُوهُ وَهْبُ بْنُ رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ الْفِهْرِيُّ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَاخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ بَدْرًا، فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ عُقْبَةَ شَهِدَهَا، وَأَنْكَرَهُ الْكَلْبِيُّ وَقَالَ: إِنَّهُ الَّذِي أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فَشَهِدَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَدَّهُ الْوَاقِدِيُّ وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخُوهُ سَهْلٌ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ مَا لِلْطَبَرَانِيِّ قَالَ: " «قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: لَا يُفْلِتُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبِ عُنُقٍ» ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ: إِلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ، وَقَدْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ فَقَالَ: إِلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ، قَالَهُ فِي الْإِصَابَةِ. (إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: إِلَّا فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ، وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بِسَنَدِهِ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ، وَعِنْدَ ابْنِ مَنْدَهْ سَهْلٌ بِالتَّكْبِيرِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الِاسْتِيعَابِ، وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ سَهْلًا الْمُكَبَّرَ مَاتَ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: اسْمُ أَخِي سُهَيْلٍ صَفْوَانُ، وَوَهِمَ مَنْ سَمَّاهُ سَهْلًا، كَذَا قَالَ، وَلَمْ يَزِدْ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ عَلَى ذِكْرِ سُهَيْلٍ قَالَهُ فِي الْإِصَابَةِ مُلَخَّصًا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ عَنْ مَالِكٍ، وَكَرِهَهُ فِي الْمَشْهُورِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ مِنْهُمْ فَلِخَشْيَةِ التَّلْوِيثِ، وَحَمَلُوا الصَّلَاةَ عَلَى سُهَيْلٍ بِأَنَّهُ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلُّونَ دَاخِلَهُ، وَذَلِكَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ عَائِشَةَ اسْتَدَلَّتْ بِهِ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهَا أَمْرَهَا بِمُرُورِ جَنَازَةِ سَعْدٍ عَلَى حُجْرَتِهَا لِتُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْعَمَلَ اسْتَقَرَّ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمُنْكِرِينَ عَلَى عَائِشَةَ كَانُوا صَحَابَةً، وَرُدَّ بِأَنَّهَا لَمَّا أَنْكَرَتْ عَلَيْهِمْ سَلَّمُوا لَهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا حَفِظَتْ مَا نَسُوهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ تَرَ عَائِشَةُ ذَلِكَ بِنَكِيرٍ وَرَأَتِ الْحُجَّةَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ إِنْكَارَهُ جَهْلٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 بِالسُّنَّةِ، أَلَا تَرَى قَوْلَهَا: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ؟ تُرِيدُ إِلَى إِنْكَارِ مَا لَا يَعْلَمُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ   539 - 541 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ) وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَّ صُهَيْبًا صَلَّى عَلَى عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ، وَوُضِعَتِ الْجَنَازَةُ تُجَاهَ الْمِنْبَرِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَذَلِكَ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، يَعْنِي فَيَكُونُ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا، قَالَ: وَاحْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّجَاشِيِّ إِلَى الْمُصَلَّى غَفْلَةً؛ إِذْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْجَنَازَةِ أَوْ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي مَوْضِعٍ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَتِهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. الحديث: 539 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 [بَاب جَامِعِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْجَنَائِزِ بِالْمَدِينَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَيَجْعَلُونَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالنِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ   9 - بَابُ جَامِعِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ 541 - 542 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) ذَا النُّورَيْنِ (وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (وَأَبَا هُرَيْرَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْجَنَائِزِ بِالْمَدِينَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) بِخَفْضِهِمَا، بَدَلٌ مِنَ الْجَنَائِزِ (فَيَجْعَلُونَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالنِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو قَتَادَةَ هِيَ السُّنَّةُ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَسَالِمٌ وَالْقَاسِمُ: النِّسَاءُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَطَاءٍ. الحديث: 541 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ يُسَلِّمُ حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ   541 - 543 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ يُسَلِّمُ حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ) وَكَذَا كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ سِيرِينَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَانَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ يُسِرُّونَهُ، وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ، وَيَعْلَمُ الْمَأْمُومُونَ تَحَلُّلَهُ بِانْصِرَافِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ عَلَى الْجَنَازَةِ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى وَلَدِ الزِّنَا وَأُمِّهِ   542 - 544 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ عَلَى الْجَنَازَةِ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ) مِنَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ. وَفِي مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: " «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ» ". وَسَمَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَنَازَةِ صَلَاةً فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: " «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» "، وَقَوْلِهِ فِي النَّجَاشِيِّ: " فَصَلُّوا عَلَيْهِ "، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِيهَا إِلَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ ; لِأَنَّهَا دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ، فَيَجُوزُ بِلَا طَهَارَةٍ، وَوَافَقَهُ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَهُوَ مِمَّنْ يُرْغَبُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ قَوْلِهِ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّ ابْنَ جَرِيرٍ وَافَقَهُمَا وَهُوَ مَذْهَبٌ شَاذٌّ، قَالَ ابْنُ الْمُرَابِطِ: قَدْ سَمَّاهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً، وَلَوْ كَانَ الْغَرَضُ الدُّعَاءَ وَحْدَهُ مَا أَخْرَجَهُمْ إِلَى الْمُصَلَّى، وَلَدَعَا فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَرَهُمْ بِالدُّعَاءِ مَعَهُ أَوِ التَّأْمِينِ عَلَى دُعَائِهِ، وَلَمَا صَفَّهُمْ خَلْفَهُ كَمَا يَصْنَعُ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْمَسْنُونَةِ، وَكَذَا فِي الصَّلَاةِ، وَتَكْبِيرُهُ فِي افْتِتَاحِهَا وَتَسْلِيمُهُ فِي التَّحَلُّلِ مِنْهَا، كُلُّ ذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْأَبْدَانِ لَا عَلَى اللِّسَانِ وَحْدَهُ، وَكَذَا امْتِنَاعُ الْكَلَامِ فِيهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّهَا عِبَادَةٌ لِلْمَيِّتِ فَيَضِلَّ بِذَلِكَ. (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى وَلَدِ الزِّنَى وَأُمِّهِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى وَلَدِ زِنًى وَأُمِّهِ مَاتَتْ مِنْ نِفَاسِهَا. وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ قَتَادَةَ: لَا يُصَلَّى عَلَى وَلَدِ الزِّنَى. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الحديث: 542 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 [بَاب مَا جَاءَ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَصَلَّى النَّاسُ عَلَيْهِ أَفْذَاذًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ فَقَالَ نَاسٌ يُدْفَنُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَقَالَ آخَرُونَ يُدْفَنُ بِالْبَقِيعِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا دُفِنَ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا فِي مَكَانِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَحُفِرَ لَهُ فِيهِ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ غُسْلِهِ أَرَادُوا نَزْعَ قَمِيصِهِ فَسَمِعُوا صَوْتًا يَقُولُ لَا تَنْزِعُوا الْقَمِيصَ فَلَمْ يُنْزَعْ الْقَمِيصُ وَغُسِّلَ وَهُوَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   10 - بَابُ مَا جَاءَ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ 544 - 545 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ) كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. زَادَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ: " لِاثْنَتَيْ الحديث: 544 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، وَفِيهِ فَضْلُ الْمَوْتِ فِي يَوْمِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: " «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ» ". إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: تَعْيِينُ وَقْتٍ لِلْمَوْتِ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ اخْتِيَارٌ، لَكِنَّ التَّسَبُّبَ فِي حُصُولِهِ كَالرَّغْبَةِ إِلَى اللَّهِ لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ، فَمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْإِجَابَةُ أُثِيبَ عَلَى اعْتِقَادِهِ. (وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ) أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: اشْتَكَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ صَفَرٍ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ "، وَكَذَا أُخْرِجَ دَفْنُهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعِنْدَهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ دُفِنَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: الْقَوْلُ بِدَفْنِهِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ دُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ، انْتَهَى. وَلَا غَرَابَةَ فِيهِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ، وَإِنَّمَا أَخَّرُوا دَفْنَهُ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي مَوْتِهِ، أَوْ فِي مَحَلِّ دَفْنِهِ، أَوْ لِاشْتِغَالِهِمْ فِي أَمْرِ الْبَيْعَةِ بِالْخِلَافَةِ حَتَّى اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الصِّدِّيقِ، وَلِدَهْشَتِهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْهَائِلِ الَّذِي مَا وَقَعَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلُهُ، فَصَارَ بَعْضُهُمْ كَجَسَدٍ بِلَا رُوحٍ وَبَعْضُهُمْ عَاجِزًا عَلَى النُّطْقِ وَبَعْضُهُمْ عَنِ الْمَشْيِ، أَوْ لِخَوْفِ هُجُومِ عَدُوٍّ، أَوْ لِصَلَاةِ جَمٍّ غَفِيرٍ عَلَيْهِ. (وَصَلَّى النَّاسُ عَلَيْهِ أَفْذَاذًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ سَعْدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرِهِ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ: " أَنَّ النَّاسَ قَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ: أَنُصَلِّي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: وَكَيْفَ نُصَلِّي؟ قَالَ: يَدْخُلُ قَوْمٌ فَيُكَبِّرُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَدْعُونَ، ثُمَّ يُدْخَلُ قَوْمٌ فَيُصَلُّونَ فَيُكَبِّرُونَ وَيَدْعُونَ فُرَادَى ". وَلِابْنِ سَعْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " هُوَ إِمَامُكُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا فَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَكَانَ النَّاسُ تَدْخُلُ رَسَلًا فَرُسَلًا فَيُصَلُّونَ صَفًّا صَفًّا لَيْسَ لَهُمْ إِمَامٌ وَيُكَبِّرُونَ، وَعَلِيٌّ قَائِمٌ بِحِيَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ دِينَهُ وَتَمَّتْ كَلِمَتُهُ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَتَّبِعُ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ وَثَبِّتْنَا بَعْدَهُ، وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَيَقُولُ النَّاسُ: آمِينَ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ الرِّجَالُ، ثُمَّ النِّسَاءُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ " وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ فَيَدْعُونَ وَيُصَدِّقُونَ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلِهَذَا وَجْهٌ وَهُوَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَهِيدٍ، وَالشَّهِيدُ يُغْنِيهِ فَضْلُهُ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا فَارَقَ الشَّهِيدَ فِي الْغُسْلِ ; لِأَنَّهُ حَذَّرَ مَنْ غَسَّلَهُ إِزَالَةَ الدَّمِ عَنْهُ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ بَقَاؤُهُ لِطِيبِهِ وَلِأَنَّهُ عُنْوَانٌ بِشَهَادَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُكْرَهُ إِزَالَتُهُ عَنْهُ فَافْتَرَقَا، انْتَهَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَوْدُ التَّشْرِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ الْكَامِلَ يَقْبَلُ زِيَادَةَ التَّكْمِيلِ. وَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ: الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 الْجُمْهُورُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ صَلَاةً حَقِيقِيَّةً لَا مُجَرَّدَ الدُّعَاءِ فَقَطْ اهـ. نَعَمْ، لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَؤُمَّهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَقِيلَ تَعَبُّدِيٌّ وَقِيلَ لِيُبَاشِرَ كُلُّ وَاحِدٍ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْهِ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُبَاشِرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَنَا فِي ذَلِكَ أَئِمَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: وَذَلِكَ لِعِظَمِ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنَافُسِهِمْ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى خَلِيفَةٍ، وَقِيلَ لِوَصِيَّتِهِ بِذَلِكَ. رَوَى الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَمَعَ أَهْلَهُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ قَالُوا: فَمَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: إِذَا غَسَّلْتُمُونِي وَكَفَّنْتُمُونِي فَضَعُونِي عَلَى سَرِيرِي، ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّي فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ جِبْرِيلُ ثُمَّ مِيكَائِيلُ ثُمَّ إِسْرَافِيلُ ثُمَّ مَلَكُ الْمَوْتِ مَعَ جُنُودِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِأَجْمَعِهِمْ، ثُمَّ ادْخُلُوا عَلَيَّ فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ فَصَلُّوا عَلَيَّ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» ". وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الصَّلَاةِ تَكَلَّمُوا فِي مَوْضِعِ قَبْرِهِ (فَقَالَ نَاسٌ: يُدْفَنُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) ; لِأَنَّ عِنْدَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَنَاسَبَ دَفْنَهُ عِنْدَهُ (وَقَالَ آخَرُونَ: يُدْفَنُ بِالْبَقِيعِ) ; لِأَنَّهُ دُفِنَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ (فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا دُفِنَ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا فِي مَكَانِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ» . فَحُفِرَ لَهُ فِيهِ) أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا: " «مَا قَبَضَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيًّا إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ» ". وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ بِلَفْظِ: " «مَا مَاتَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ» "، وَلِذَا سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إِلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فَيُنْقَلُونَ مِنْ بُيُوتِهِمُ الَّتِي مَاتُوا فِيهَا إِلَى الْمَدَائِنِ فَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ عَدَاهُمُ الدَّفْنُ فِي الْمَقْبَرَةِ، فَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ أَنَّ يُوسُفَ نَقَلَهُ مُوسَى مِنْ مِصْرَ إِلَى آبَائِهِ بِفِلَسْطِينَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى إِنْ صَحَّ، أَيْ وَيَكُونُ مَحَبَّةُ يُوسُفَ لِدَفْنِهِ بِمِصْرَ مُوَقَّتَةً بِقَصْدِ مَنْ يَنْقُلُهُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ اخْتِلَافٍ وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ. (فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ غُسْلِهِ أَرَادُوا نَزْعَ قَمِيصِهِ) فِيهِ أَنَّهُ سُنَّةُ الْغُسْلِ عِنْدَهُمْ إِذْ لَوْ كَانَ نَزْعُهُ وَإِبْقَاؤُهُ سَوَاءً لَذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ كَمَوْضِعِ الدَّفْنِ وَاللَّحْدِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ (فَسَمِعُوا صَوْتًا يَقُولُ: لَا تَنْزِعُوا الْقَمِيصَ، فَلَمْ يُنْزَعِ الْقَمِيصُ وَغُسِّلَ وَهُوَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ بُرَيْدَةَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَعْلَمُهُ يُرْوَى عَلَى هَذَا النَّسَقِ بِوَجْهٍ غَيْرِ بَلَاغِ مَالِكٍ هَذَا، وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ مِنْ وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَحَادِيثَ شَتَّى جَمَعَهَا مَالِكٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا يَلْحَدُ وَالْآخَرُ لَا يَلْحَدُ فَقَالُوا أَيُّهُمَا جَاءَ أَوَّلُ عَمِلَ عَمَلَهُ فَجَاءَ الَّذِي يَلْحَدُ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»   544 - 546 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ) وَصَلَهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا) وَهُوَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ (يَلْحَدُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ كَنَفَعَ يَنْفَعُ مِنْ لَحَدَ وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ مِنْ أَلْحَدَ يَشُقُّ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ (وَالْآخَرُ) وَهُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ (لَا يَلْحَدُ فَقَالُوا أَيُّهُمَا جَاءَ أَوَّلُ) بِمَنْعِ الصَّرْفِ لِلْوَصْفِ وَوَزْنِ الْفِعْلِ، وَرُوِيَ أَوَّلًا بِالصَّرْفِ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ (عَمِلَ عَمَلَهُ فَجَاءَ الَّذِي يَلْحَدُ) أَوَّلُ (فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: " اخْتَلَفُوا فِي الشَّقِّ وَاللَّحْدِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: شُقُّوا كَمَا تَحْفُرُ أَهْلُ مَكَّةَ، وَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: أَلْحِدُوا كَمَا يُحْفَرُ بِأَرْضِنَا، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ قَالُوا: اللَّهُمَّ خِرْ لِنَبِيِّكَ، ابْعَثُوا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَبِي طَلْحَةَ فَأَيُّهُمَا جَاءَ قَبْلَ الْآخَرِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلَهُ، فَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ خَارَ لِنَبِيِّهِ، إِنَّهُ كَانَ يَرَى اللَّحْدَ فَيُعْجِبُهُ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلَانِ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ يَضْرَحُ كَحَفْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ هُوَ الَّذِي يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ يَلْحَدُ، فَدَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: اذْهَبْ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، وَقَالَ لِلْآخَرِ: اذْهَبْ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ، اللَّهُمَّ خِرْ لِرَسُولِكَ، فَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ فَجَاءَ بِهِ فَأَلْحَدَ لَهُ " وَيَضْرَحُ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ فِي الْأَرْضِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ وَفِيهِ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّ اللَّحْدَ أَفْضَلُ ; لِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ قَالَهُ مَالِكٌ، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْمَيِّتِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: " أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» ". قَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: أَيْ أَهْلِ الْكِتَابِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنِ الشَّقِّ غَايَتُهُ تَفْضِيلُ اللَّحْدِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِمَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَرِهَ الشَّقَّ مَنْ كَرِهَهُ وَلَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ مَا صَدَّقْتُ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْتُ وَقْعَ الْكَرَازِينِ   544 - 547 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ) هِنْدَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ (زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ: مَا صَدَّقْتُ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْتُ وَقْعَ الْكَرَازِينِ) بِكَافٍ فَرَاءٍ فَأَلِفٍ فَزَايٍ مَنْقُوطَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ فَنُونٍ، أَيِ الْمَسَاحِي، جَمْعُ كَرْزِينٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَتُكْسَرُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا أَخَذَتْهَا دَهْشَةٌ وَبَهْتَةٌ كَمَا وَقَعَ لِعُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَمُتِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَحْفَظُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مُتَّصِلًا وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ تَقْصِيرٌ، فَقَدْ رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنِ الْحُلَيْسِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ بِمِيمٍ قَبْلَ الْوَاوِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ نَحْوَهُ. وَفِي التَّقْرِيبِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَوْهَبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، كَذَا وَقَعَ فِي أَحْكَامِ عَبْدِ الْحَقِّ وَهُوَ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا الْمَسَاحِيَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ فِي السَّحَرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ «رَأَيْتُ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطْنَ فِي حُجْرَتِي فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ وَهُوَ خَيْرُهَا»   546 - 548 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ) كَذَا لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ مُرْسَلًا، وَوَصَلَهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَائِشَةَ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَائِشَةَ (زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: رَأَيْتُ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطْنَ فِي حِجْرِي) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِم عَنْهَا: فِي حُجْرَتِي (فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) ; لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالتَّعْبِيرِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يُجِبْهَا حِينَ قَصَّتْ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلْ أَنَّهُ أَجْمَلَ لَهَا الْجَوَابَ. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: " رَأَيْتُ فِي حُجْرَتِي ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: مَا أَوَّلْتِهَا؟ قُلْتُ: أَوَّلْتُهَا وَلَدًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: خَيْرُ أَقْمَارِكِ ذُهِبَ بِهِ "، ثُمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، دُفِنُوا جَمِيعًا فِي بَيْتِهَا. قَالَ الْبَاجِيُّ: أَمْسَكَ عَنْ تَعْبِيرِهَا ; لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ مِنْهَا مَوْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ الْقَمَرَ يَدُلُّ عَلَى السُّلْطَانِ وَعَلَى الْعَلَمِ الَّذِي يُهْتَدَى بِهِ وَعَلَى الزَّوْجِ وَالْوَلَدِ، وَسُقُوطُهُمْ فِي حِجْرِهَا دَلِيلٌ عَلَى دَفْنِهِمْ فِي حُجْرَتِهَا. وَسُنَّةُ الرُّؤْيَا إِذَا كَانَ فِيهَا مَا يُكْرَهُ أَنْ لَا تُعَبَّرَ (قَالَتْ: الحديث: 546 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ وَهُوَ خَيْرُهَا) وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ مُعَبِّرًا مُحْسِنًا، وَفِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الرُّؤْيَا وَاعْتِقَادِ صِحَّتِهَا وَحَسْبُكَ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ مَا لَمْ يَكُنْ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ تُوُفِّيَا بِالْعَقِيقِ وَحُمِلَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَدُفِنَا بِهَا   546 - 549 - (مَالِكٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٌ الزُّهْرِيُّ آخِرُ الْعَشَرَةِ مَوْتًا (وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ الْعَدَوِيَّ، أَحَدَ الْعَشَرَةِ مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ أَوْ بَعْدَهَا بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ (تُوُفِّيَا بِالْعَقِيقِ) مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ (وَحُمِلَا إِلَى الْمَدِينَةِ) كُلٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمَوْتُ سَعْدٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ (وَدُفِنَا بِهَا) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ نَقْلُهُمَا لِكَثْرَةِ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ لِيَتَوَلَّوُا الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا، أَوْ لِفَضْلٍ اعْتَقَدُوهُ فِي الدَّفْنِ بِالْبَقِيعِ، أَوْ لِيَقْرُبَ عَلَى أَهْلِهِمَا زِيَارَةُ قُبُورِهِمَا وَالدُّعَاءُ لَهُمَا، انْتَهَى. وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، فَقِيلَ: يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ دَفْنِهِ وَتَعْرِيضِهِ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَالْأَوْلَى تَنْزِيلُ ذَلِكَ عَلَى حَالَيْنِ فَالْمَنْعُ حَيْثُ لَا يَكُونُ هُنَاكَ غَرَضٌ رَاجِحٌ كَالدَّفْنِ فِي الْبِقَاعِ الْفَاضِلَةِ، وَتَخْتَلِفُ الْكَرَاهَةُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ تَبْلُغُ التَّحْرِيمَ وَالِاسْتِحْبَابُ حَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَاحْتَجَّ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِرَدِّ الْقَتْلَى إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَبِحَدِيثِ: " «تُدْفَنُ الْأَجْسَادُ حَيْثُ تُقْبَضُ الْأَرْوَاحُ» " وَالْإِجْمَاعُ عَلَى نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ دَارِهِ إِلَى الْمَقَابِرِ وَلِكُلِّ مَدِينَةٍ جَبَّانَةٌ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ نَقْلِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْبَلَدِ، وَحَدِيثُ: " «مَا دُفِنَ نَبِيٌّ إِلَّا حَيْثُ يُقْبَضُ» " دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالْأَنْبِيَاءِ، وَلَيْسَ فِي النَّقْلِ إِجْمَاعٌ وَلَا سُنَّةٌ فَيَجُوزُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ أُدْفَنَ بِالْبَقِيعِ لَأَنْ أُدْفَنَ بِغَيْرِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدْفَنَ بِهِ إِنَّمَا هُوَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا ظَالِمٌ فَلَا أُحِبُّ أَنْ أُدْفَنَ مَعَهُ وَإِمَّا صَالِحٌ فَلَا أُحِبُّ أَنْ تُنْبَشَ لِي عِظَامُهُ   548 - 550 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُدْفَنَ بِالْبَقِيعِ) بِالْمُوَحَّدَةِ اتِّفَاقًا مَقْبَرَةُ الْمَدِينَةِ (لِأَنْ أُدْفَنَ فِي غَيْرِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدْفَنَ بِهِ) وَبَيَّنَ وَجْهَ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ الحديث: 548 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 بِقَوْلِهِ: (إِنَّمَا هُوَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِمَّا ظَالِمٌ فَلَا أُحِبُّ أَنْ أُدْفَنَ مَعَهُ) ; لِأَنَّهُ قَدْ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِظُلْمِهِ فَأَتَأَذَّى بِذَلِكَ. (وَإِمَّا صَالِحٌ فَلَا أُحِبُّ أَنْ تُنْبَشَ لِي عِظَامُهُ) فَلَمْ يَكْرَهْ مُجَاوَرَتَهُ فَعَلَّقَ الْكَرَاهَةَ بِنَبْشِ عِظَامِهِ وَكَرِهَ مُجَاوِرَةَ الظَّالِمِ فَعَلَّقَهَا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لِعِظَامِهِ حُرْمَةٌ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ أَبِي عُمَرَ: ظَاهِرُ كَلَامِ عُرْوَةَ أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ نَبْشَ عِظَامِ الظَّالِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلِعِظَامِهِ حُرْمَةٌ، قَالَ: وَقَدْ بَنَى عُرْوَةُ قَصْرَهُ بِالْعَقِيقِ وَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ لِمَا رَأَى مِنْ تَغَيُّرِ أَهْلِهَا، فَمَاتَ هُنَاكَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 [بَاب الْوُقُوفِ لِلْجَنَائِزِ وَالْجُلُوسِ عَلَى الْمَقَابِرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ فِي الْجَنَائِزِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدُ»   11 - بَابُ الْوُقُوفِ لِلْجَنَائِزِ وَالْجُلُوسِ عَلَى الْمَقَابِرِ 549 - 551 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ وَاقِدِ) بِالْقَافِ (ابْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْأَشْهَلِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالثَّلَاثَةُ، وَمَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَثَبَتَ قَوْلُهُ ابْنُ عَمْرٍو لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ إِلَّا يَحْيَى فَقَالَ: وَاقِدُ بْنُ سَعْدٍ نِسْبَةً إِلَى جَدِّهِ سَيِّدِ الْأَوْسِ (عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ) بْنِ عَدِيٍّ الْقُرَشِيِّ النَّوْفَلِيِّ، ثِقَةٌ، فَاضِلٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ (عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ) بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ الْمَدَنِيِّ، لَهُ رَؤْيَةٌ وَرِوَايَةٌ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، فَفِي الْإِسْنَادِ أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ فِي الْجَنَائِزِ) وَأَمَرَ بِذَلِكَ أَيْضًا كَمَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ «عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: " كُنَّا مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَلَعَتْ جَنَازَةٌ فَلَمَّا رَآهَا قَامَ وَقَامَ أَصْحَابُهُ حَتَّى بَعُدَتْ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مِنْ شَأْنِهَا أَوْ مِنْ تَضَايُقِ الْمَكَانِ، وَمَا سَأَلْنَاهُ عَنْ قِيَامِهِ» " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ: " «مَرَّ بِنَا جَنَازَةٌ فَقَامَ لَهَا النَّبِيُّ وَقُمْنَا، فَقُلْنَا إِنَّهَا جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا» " زَادَ مُسْلِمٌ: " «إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ» " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَيْسَتْ نَفْسًا " وَلِلْحَاكِمِ عَنْ أَنَسٍ وَأَحْمَدَ عَنْ الحديث: 549 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: " «إِنَّمَا قُمْنَا لِلْمَلَائِكَةِ» " وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: " «إِنَّمَا قُمْنَا إِعْظَامًا لِلَّذِي يَقْبِضُ النُّفُوسَ» " وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ: " «اللَّهُ الَّذِي يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ» " وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ التَّعَالِيلِ ; لِأَنَّ الْقِيَامَ لِلْفَزَعِ مِنَ الْمَوْتِ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَعْظِيمٌ لِلْقَائِمِينَ بِأَمْرِهِ فِي ذَلِكَ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَسْتَمِرَّ الْإِنْسَانُ عَلَى الْغَفْلَةِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَيِّتِ لِإِشْعَارِهِ بِالتَّسَاهُلِ بِأَمْرِ الْمَوْتِ وَلِذَا اسْتَوَى كَوْنُ الْمَيِّتِ مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِنَّمَا قَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَذِّيًا بِرِيحِ الْيَهُودِيِّ. زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ بِتَحْتِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ: فَإِذَا رِيحُ بَخُورِهَا. وَلِلْبَيْهَقِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ: كَرَاهِيَةَ أَنْ يَعْلُوَ عَلَى رَأْسِهِ فَلَا تُعَارِضُ الْأَخْبَارَ الْأُولَى ; لِأَنَّ أَسَانِيدَ هَذِهِ لَا تُقَاوِمُ تِلْكَ فِي الصِّحَّةِ وَلِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ فَهِمَهُ الرَّاوِي وَالتَّعْلِيلُ الْمَاضِي لَفَظَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَصْرِيحَهُ بِالتَّعْلِيلِ فَعَلَّلَ بِاجْتِهَادِهِ (ثُمَّ جَلَسَ بَعْدُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ وَالْقِيَامُ وَالْجُلُوسُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ وَالثَّانِي لِمَنْ يُشَيِّعُهَا يَقُومُ لَهَا حَتَّى تُوضَعَ، وَالْجُلُوسُ نَاسِخٌ لِلْقِيَامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ بَعْدُ، أَيْ بَعْدَ أَنْ جَازَتْهُ وَبَعُدَتْ عَنْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ فِي وَقْتٍ ثُمَّ تَرَكَهُ أَصْلًا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِعْلُهُ الْأَخِيرَ قَرِينَةً فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِيَامِ لِلنَّدْبِ أَوْ نَسْخٍ لِلْوُجُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ ; لِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَجَازِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ يَدْفَعُهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى قَوْمٍ قَامُوا أَنْ يَجْلِسُوا، ثُمَّ حَدَّثَهُمْ بِالْحَدِيثِ، وَلِذَا قَالَ بِكَرَاهَةِ الْقِيَامِ جَمَاعَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ مَالِكٌ: جُلُوسُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسِخٌ لِقِيَامِهِ، وَاخْتَارَ أَنْ لَا يَقُومَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: قِيَامُهُ إِمَّا مَنْسُوخٌ أَوْ قَامَ لِعِلَّةٍ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَرَكَهُ بَعْدَ فِعْلِهِ، وَالْحُجَّةُ فِي الْآخِرِ مِنْ أَمْرِهِ وَالْقُعُودُ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: قُعُودُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ لِلنَّدْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنَّهُ نُسِخَ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ بِنَهْيٍ أَوْ تَرْكٍ مَعَهُ نَهْيٌ. قَالَ الْحَافِظُ: قَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ عُبَادَةَ، قَالَ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ لِلْجَنَازَةِ فَمَرَّ بِهِ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: هَكَذَا نَفْعَلُ، فَقَالَ: اجْلِسُوا وَخَالِفُوهُمْ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفًا لَكَانَ حُجَّةً فِي النَّسْخِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: ذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى نَسْخِهِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَهُوَ هُنَا مُمْكِنٌ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ جَلَسَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، قَالَ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقِيَامَ مُسْتَحَبٌّ، وَبِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي، انْتَهَى. وَرَدَّهُ الْأَذْرُعِيُّ بِأَنَّ الَّذِي فَهِمَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ التَّرْكُ مُطْلَقًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلِذَا أَمَرَ بِالْقُعُودِ مَنْ رَآهُ قَائِمًا وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ: قُعُودُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، فَمَنْ جَلَسَ فَهُوَ فِي سِعَةٍ، وَمَنْ قَامَ فَلَهُ أَجْرٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مُطَوَّلًا بِقِصَّةٍ، وَسَاقَهُ بَعْدَ أَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِالْقِيَامِ فَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى نَسْخِهِ، وَبِهِ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْقُبُورَ وَيَضْطَجِعُ عَلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ الْقُعُودِ عَلَى الْقُبُورِ فِيمَا نُرَى لِلْمَذَاهِبِ   549 - 552 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) بَلَاغُهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنْ عَلِيٍّ (كَانَ يَتَوَسَّدُ الْقُبُورَ وَيَضْطَجِعُ عَلَيْهَا) وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجْلِسُ عَلَى الْقُبُورِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ الْقُعُودِ عَلَى الْقُبُورِ) بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَقْعُدُوا عَلَى الْقُبُورِ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ. وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ. وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَأَنْ يَقْعُدَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (فِيمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ، أَيْ نَظُنُّ، زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ (لِلْمَذَاهِبِ) يُرِيدُ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ بِدَلِيلِ فِعْلِ عَلِيٍّ، وَالْقُعُودُ وَالْمَشْيُ مِثْلُهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ عُقْبَةَ: مَا أُبَالِي قَضَيْتُ حَاجَتِي عَلَى الْقُبُورِ أَوْ فِي السُّوقِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ يُرِيدُ: لِأَنَّ الْمَوْتَى يَجِبُ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُمْ كَالْأَحْيَاءِ لِأَنَّ أَرْوَاحَهُمْ عَلَى الْقُبُورِ، وَزَعَمَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ تَأْوِيلَ مَالِكٍ بَعِيدٌ ; لِأَنَّ الْحَدَثَ عَلَى الْقَبْرِ أَقْبَحُ مِنْ أَنْ يُكْرَهَ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ الْمُتَعَارَفُ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ تَأْوِيلُهُ بَعِيدٌ أَوْ بَاطِلٌ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ مَا ظَنَّهُ مَالِكٌ ثَبَتَ مَرْفُوعًا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: " «إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقُبُورِ لَحَدَثِ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ» " أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ، وَقَدْ وَافَقَ مَالِكًا عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ الْقُعُودِ الْحَقِيقِيِّ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ كَمَا نَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُمْ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَثَرِ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَأَسْنَدَهُمَا بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّهُ الْأَظْهَرُ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَارَ الْقُبُورَ وَأَمَرَ بِزِيَارَتِهَا، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ لِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِرِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: " «رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُتَّكِئٌ عَلَى قَبْرٍ فَقَالَ: لَا تُؤْذِ صَاحِبَ الْقَبْرِ» " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ يَقُولُ كُنَّا نَشْهَدُ الْجَنَائِزَ فَمَا يَجْلِسُ آخِرُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْذَنُوا   551 - 553 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ، رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ (أَنَّهُ سَمِعَ) عَمَّهُ (أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ) صَحَابِيٌّ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ، وَأَبُوهُ سَهْلٌ بَدْرِيٌّ شَهِيرٌ (يَقُولُ: كُنَّا نَشْهَدُ الْجَنَائِزَ فَمَا يَجْلِسُ آخِرُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْذَنُوا) بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: يُؤْذَنُ لَهُمْ بِالِانْصِرَافِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الحديث: 551 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ شَيْخِ مَالِكٍ بِلَفْظِ: فَمَا يَنْصَرِفُ النَّاسُ حَتَّى يُؤْذَنُوا، قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمِسْوَرِ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَنْصَرِفُونَ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُمْ أَوْ يَسْتَأْذِنُوا. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ يَنْصَرِفُونَ إِذَا وُورِيَتْ بِلَا إِذْنٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الصَّوَابُ لِحَدِيثِ: " «وَمَنْ قَعَدَ حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ» " قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَازَةِ لَوْ شَاءُوا أَنْ يُمْسِكُوهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْإِمْسَاكُ لَمْ يُعْتَبَرْ إِذْنُهُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 [بَاب النَّهْيِ عَنْ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ عَنْ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ أَبُو أُمِّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ عَلَيْهِ فَصَاحَ بِهِ فَلَمْ يُجِبْهُ فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ غُلِبْنَا عَلَيْكَ يَا أَبَا الرَّبِيعِ فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ فَجَعَلَ جَابِرٌ يُسَكِّتُهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُنَّ فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوُجُوبُ قَالَ إِذَا مَاتَ فَقَالَتْ ابْنَتُهُ وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا فَإِنَّكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ جِهَازَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ قَالُوا الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ»   12 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ 552 - 554 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِيهِمَا، وَهَذَا مِمَّا تَوَافَقَ فِيهِ اسْمُ الْأَبِ وَابْنِهِ (ابْنِ جَابِرِ) وَيُقَالُ جَبْرِ (ابْنِ عَتِيكٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَكَافٍ، الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ عَتِيكٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ (وَهُوَ جَدُّ) الرَّاوِي عَنْهُ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ، أَبُو أُمِّهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَتِيكِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّ، صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، اخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ بَدْرًا، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَتِسْعِينَ (أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّ الْأَوْسِيَّ، وَيُقَالُ إِنَّهُ ظَفَرِيٌّ مَاتَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَابْنُ الْكَلْبِيِّ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَفَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَمِيصِهِ، وَعَاشَ الْأَبُ إِلَى خِلَافَةِ عُمَرَ، وَكَانَا جَمِيعًا شَهِدَا أُحُدًا، وَكَذَا قَالَ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ السَّكَنِ وَآخَرُونَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ أَخُو خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَهُ فِي الْإِصَابَةِ (فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ عَلَيْهِ) أَيْ غَلَبَهُ الْأَلَمُ حَتَّى مَنَعَهُ إِجَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَصَاحَ بِهِ) أَيْ نَادَاهُ (فَلَمْ يُجِبْهُ فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ قَالَ: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) تَصْبِيرًا لِنَفْسِهِ وَإِشْعَارًا لَهَا أَنَّ الْكُلَّ لِلَّهِ وَرَاجِعٌ إِلَيْهِ (وَقَالَ: غُلِبْنَا عَلَيْكَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّصْرِيحَ بِمَعْنَى اسْتِرْجَاعِهِ وَتَأَسُّفِهِ (يَا أَبَا الرَّبِيعِ) كُنْيَتُهُ رَضِيَ اللَّهُ الحديث: 552 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 عَنْهُ وَفِيهِ تَكْنِيَةُ الرَّئِيسِ لِمَنْ دُونَهُ وَلَمْ يَسْتَكْبِرْ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الْخُلَفَاءِ إِلَّا مَنْ حُرِمَ التَّقْوَى (فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ) وَفِيهِ إِبَاحَةُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَرِيضِ بِالصِّيَاحِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ حُضُورِ وَفَاتِهِ (فَجَعَلَ جَابِرٌ يُسَكِّتُهُنَّ) ; لِأَنَّهُ سَمِعَ النَّهْيَ عَنِ الْبُكَاءِ فَحَمَلَهُ عَلَى عُمُومِهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُنَّ) يَبْكِينَ حَتَّى يَمُوتَ (فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ) أَيْ لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالْبُكَاءِ، أَمَّا دَمْعُ الْعَيْنِ وَحُزْنُ الْقَلْبِ فَالسُّنَّةُ ثَابِتَةٌ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ «بَكَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ابْنَةِ زَيْنَبَ ابْنَتِهِ، وَقَالَ: هِيَ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ» ، «وَمَرَّ بِجَنَازَةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا فَانْتَهَرَهُنَّ عُمَرُ فَقَالَ: دَعْهُنَّ فَإِنَّ النَّفْسَ مُصَابَةٌ وَالْعَيْنَ دَامِعَةٌ وَالْعَهْدَ قَرِيبٌ» ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوُجُوبُ؟) الَّذِي أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ فَإِذَا وَجَبَ (قَالَ: إِذَا مَاتَ) فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ، قَالَ الْبَاجِيُّ: أَشَارَ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، إِلَى بُكَاءٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنَ الصِّيَاحِ وَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا أَوْ يَرْحَمُ» " وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ (فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا فَإِنَّكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ) أَيْ أَتْمَمْتَ (جَهَازَكَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا، مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سَفَرِكَ لِلْغَزْوِ وَالْخِطَابُ لِأَبِيهَا، قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْجَهَازُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتُكْسَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ، وَهُوَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي السَّفَرِ، وَقَالَ فِي النُّورِ: بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا بَلْ لَحَنَ مَنْ فَتَحَ، وَالَّذِي فِي الصِّحَاحِ: وَأَمَّا جَهَازُ الْعَرُوسِ وَالسَّفَرِ فَيُفْتَحُ وَيُكْسَرُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ) أَيْ عَلَى مِقْدَارِ الْعَمَلِ الَّذِي نَوَاهُ كَمَا نَوَاهُ، فَالنِّيَّةُ بِمَعْنَى الْمَنْوِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ لِنِيَّتِهِ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّ مَا نَوَاهُ لَمْ يَفُتْهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ إِلَّا بِقَدْرِ النِّيَّةِ لَمَا كَانَ لِابْنَتِهِ فِي ذَلِكَ رَاحَةٌ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ أَنَّ الْمُتَجَهِّزَ لِلْغَزْوِ إِذَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ الْغَزْوِ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، وَالْآثَارُ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ صِحَاحٌ، مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَبُوكَ: " «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ قَوْمًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» "، انْتَهَى. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ» " أَيْ أُعْطِيَ ثَوَابَهَا وَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ: " «مَنْ سَأَلَ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَادِقًا ثُمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 مَاتَ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَ شَهِيدٍ» " وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ مِثْلُهُ، وَلِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» ". (وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟ قَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَادَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ نَفْسِهِ: أَنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذَنْ لَقَلِيلٌ (الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ، فَقِيلَ نَسِيَ بَعْضُ رُوَاتِهَا بَاقِيَ السَّبْعِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ بَعِيدٌ لَكِنْ يُقَرِّبُهُ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ شَاهِدًا لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ هَذَا، وَزَادَ فِيهِ وَنَقَصَ، فَمِنْ زِيَادَتِهِ: " «وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» " وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْلِمَ بِالْأَقَلِّ ثُمَّ عَلِمَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَذَكَرَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَلَمْ يَقْصِدِ الْحَصْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدِ اجْتَمَعَ لَنَا مِنَ الطُّرُقِ الْجَيِّدَةِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ خَصْلَةً، وَتَبْلُغُ بِطُرُقٍ فِيهَا ضَعْفٌ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ (الْمَطْعُونُ) الْمَيِّتُ بِالطَّاعُونِ (شَهِيدٌ) وَفِي الْحَدِيثِ: " أَنَّ «فَنَاءَ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَّا الطَّعْنُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ؟ قَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ تَخْرُجُ فِي الْمَرَاقِّ وَالْآبَاطِ» " (وَالْغَرِقُ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، الَّذِي يَمُوتُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ (شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ) مَرَضٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ فِي الْغِشَاءِ الْمُسْتَبْطِنِ لِلْأَضْلَاعِ، وَيُقَالُ هُوَ الشَّوْصَةُ (شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ هُوَ صَاحِبُ الْإِسْهَالِ، وَقِيلَ الْمَحْسُورُ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هُوَ الَّذِي يَمُوتُ بِمَرَضِ بَطْنِهِ كَالِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهِ. وَفِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ لِأَبِي بَكْرٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ شَيْخِهِ شُرَيْحٍ أَنَّهُ صَاحِبُ الْقُولَنْجِ (شَهِيدٌ، وَالْحَرِقُ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ، الْمَيِّتُ بِحَرْقِ النَّارِ (شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتُفْتَحُ وَتُكْسَرُ وَسُكُونِ الْمِيمِ، الْمَيِّتَةُ فِي النِّفَاسِ وَوَلَدُهَا لَمْ تَلِدْهُ وَقَدْ تَمَّ خَلْقُهُ، وَقِيلَ هِيَ الَّتِي تَمُوتُ مِنَ الْوِلَادَةِ سَوَاءٌ أَلْقَتْ وَلَدَهَا أَمْ لَا، وَقِيلَ الَّتِي تَمُوتُ عَذْرَاءَ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْحَافِظُ وَزَادَ: وَقِيلَ الْمَيِّتَةُ بِمُزْدَلِفَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ، انْتَهَى. وَفِي النِّهَايَةِ: الْجُمْعُ بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مَاتَتْ مَعَ شَيْءٍ مَجْمُوعٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا مِنْ حَمْلٍ أَوْ بَكَارَةٍ. (شَهِيدٌ) قَالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حَيٌّ فَكَأَنَّ أَرْوَاحَهُمْ شَاهِدَةٌ أَيْ حَاضِرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: لِأَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَقِيلَ لِشُهُودِهِ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ مَا أُعِدَّ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُشْهَدُ لَهُ بِالْأَمَانِ مِنَ النَّارِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 شَاهِدًا بِكَوْنِهِ شَهِيدًا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَا يَشْهَدُهُ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَّا مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ الَّذِي يَشْهَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِبْلَاغِ الرُّسُلِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُ لَهُ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ تَشْهَدُ لَهُ بِحُسْنِ الِاتِّبَاعِ لَهُمْ، وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ يَشْهَدُ لَهُ بِحُسْنِ نِيَّتِهِ وَإِخْلَاصِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُشَاهِدُ الْمَلَائِكَةَ عِنْدَ احْتِضَارِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُشَاهِدُ الْمَلَكُوتَ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا وَدَارِ الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ عَلَيْهِ عَلَامَةً شَاهِدَةً أَيْ حَاضِرَةً بِأَنَّهُ قَدْ نَجَا. وَبَعْضُ هَذِهِ يَخْتَصُّ بِمَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَبَعْضُهَا يَعُمُّ غَيْرَهُ، وَبَعْضُهَا قَدْ يُنَازَعُ فِيهِ، وَقَدْ زَادَ عَلَى هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «الْمَيِّتُ عَلَى فِرَاشِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» " وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ رَاشِدِ بْنِ حُبَيْشٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ وَالسِّلُّ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ اللَّامِ. وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» " وَقَالَ فِي الدِّينِ وَالدَّمِ وَالْأَهْلِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» " وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْحَاكِمِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا: " «مَنْ وَقَصَهُ فَرَسُهُ أَوْ بَعِيرُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لَدَغَتْهُ هَامَّةٌ، أَوْ مَاتَ عَلَى أَيِّ حَتْفٍ شَاءَ اللَّهُ فَهُوَ شَهِيدٌ» ". وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالصَّابُونِيِّ فِي الْمِائَتَيْنِ عَنْ جَابِرٍ كُلُّهُ مَرْفُوعًا: " «مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ» ". وَلِلْطَبَرَانِيِّ مِنْ «حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ اللَّدِيغَ وَالشَّرِيقَ وَالَّذِي يَفْتَرِسُهُ السَّبُعُ وَالْخَارُّ عَنْ دَابَّتِهِ شَهِيدٌ» ، وَفِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَرَامٍ: " «الْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يُصِيبُهُ الْقَيْءُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ» "، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا أَحَادِيثُ فِي مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ أَنَّهُ يُكْتَبُ شَهِيدًا. وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: " «مَنْ تَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ شَهِيدٌ» "، وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: " «لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ» "، فَهَذِهِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ خَصْلَةً زَائِدَةً عَلَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ذَكَرَ الْحَافِظُ أَنَّ طُرُقَهَا جَيِّدَةٌ، وَأَنَّهُ وَرَدَتْ خِصَالٌ أُخْرَى فِي أَحَادِيثَ لَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهَا لِضَعْفِهَا، انْتَهَى. وَرَوَى الدَّيْلَمِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: " صَاحِبُ الْحُمَّى " وَابْنُ مَنْدَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: " «الْمَيِّتُ فِي السِّجْنِ وَقَدْ حُبِسَ ظُلْمًا» "، وَالدَّيْلَمِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. " الْمَيِّتُ عِشْقًا "، وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: " «الْمَيِّتُ وَهُوَ طَالِبٌ لِلْعِلْمِ» "، قَالَ الْبَاجِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ التِّينِ: هَذِهِ مِيتَاتٌ فِيهَا شِدَّةُ الْأَلَمِ فَتَفَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ جَعَلَهَا تَمْحِيصًا لِذُنُوبِهِمْ وَزِيَادَةً فِي أُجُورِهِمْ حَتَّى يُبَلِّغَهُمْ بِهَا مَرَاتِبَ الشُّهَدَاءِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَذْكُورِينَ لَيْسُوا فِي الْمَرْتَبَةِ سَوَاءً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ، وَالدَّارِمِيُّ وَأَحْمَدُ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 قَالَ: مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ» " وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ لَهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " «كُلُّ مَوْتَةٍ يَمُوتُ بِهَا الْمُسْلِمُ فَهُوَ شَهِيدٌ» " غَيْرَ أَنَّ الشَّهَادَةَ تَتَفَاضَلُ وَتَحْصُلُ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الشُّهَدَاءَ قِسْمَانِ: شُهَدَاءُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ مَنْ قُتِلَ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ مُخْلِصًا، وَشُهَدَاءُ الْآخِرَةِ وَهُمْ مَنْ ذُكِرَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ جِنْسِ أَجْرِ الشُّهَدَاءِ وَلَا تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهُمْ فِي الدُّنْيَا. وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنِ الْعِرْبَاضِ، وَأَحْمَدَ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ عَبْدٍ مَرْفُوعًا: " «يَخْتَصِمُ الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فِرَاشِهِمْ فِي الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ زَمَنَ الطَّاعُونِ فَيَقُولُ: " انْظُرُوا إِلَى جِرَاحِهِمْ فَإِنْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَ الْمَقْتُولِينَ فَإِنَّهُمْ مَعَهُمْ، فَإِذَا جِرَاحُهُمْ قَدْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَهُمْ» " وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَإِطْلَاقُ الشَّهِيدِ عَلَى غَيْرِ الْمَقْتُولِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَجَازٌ، فَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُجِيزُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَالْمَانِعُ يُجِيبُ بِأَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ، وَقَدْ يُطْلَقُ الشَّهِيدُ عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ لَكِنْ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ لِعَارِضٍ يَمْنَعُهُ كَالِانْهِزَامِ وَفَسَادِ النِّيَّةِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ صَحِيحٌ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّيْخَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ «يَقُولُ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ إِنَّكُمْ لَتَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا»   553 - 555 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ (أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ) أَيْ أَبَا بَكْرٍ (أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ وَ) قَدْ (ذُكِرَ لَهَا) مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا فِي الصَّحِيحِ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَابِلُ الْمَيِّتِ، وَيُحْتَمَلُ الْقَبِيلَةُ، وَاللَّامُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ، أَيْ حَيِّهِ أَيْ قَبِيلَتِهِ، فَيُوَافِقُ رِوَايَةَ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «مَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ يُعَذَّبُ» " وَلَفْظُهَا أَعَمُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِالْكَافِرِ (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ ابْنِ عُمَرَ، وَهَذَا مِنَ الْآدَابِ الْحَسَنَةِ قَدَّمَتْهُ تَمْهِيدًا وَدَفْعًا لِمَا يُوحِشُ مِنْ نِسْبَتِهِ إِلَى النِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ (أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ) أَيْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ حَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْكَذِبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ: الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا، وَلَكِنَّ الْإِثْمَ يَخْتَصُّ بِالْعَامِدِ (وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ) فِي الْفَهْمِ، فَحَدَّثَ بِمَا ظَنَّهُ صَوَابًا (إِنَّمَا «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيَّةٍ الحديث: 553 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا، فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَتَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا» ) بِعَذَابِ الْكُفْرِ لَا بِسَبَبِ الْبُكَاءِ، وَلَمْ يَنْفَرِدِ ابْنُ عُمَرَ بِرِوَايَةِ ذَلِكَ، بَلْ رَوَاهُ أَبُوهُ وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» " فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ: وَاأَخَاهُ وَاصَاحِبَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَلَيَّ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ «الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ، وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ، وَقَالَتْ: حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] » (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 164) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهُ هُوَ أَضْحَكُ وَأَبْكَى. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ شَيْئًا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى: " لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ جَعَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا أَخَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ» ؟ " وَفِيهِ دَلَالَةٌ أَنْ صُهَيْبًا سَمِعَهُ مِنَ الْمُصْطَفَى أَيْضًا وَكَأَنَّهُ نَسِيَهُ حَتَّى ذَكَّرَهُ بِهِ عُمَرُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَيْسَ سُكُوتُ ابْنِ عُمَرَ لِشَكٍّ طَرَأَ لَهُ بَعْدَمَا صَرَّحَ بِرَفْعِ الْحَدِيثِ، وَلَكِنِ احْتَمَلَ عِنْدَهُ قَبُولُهُ لِلتَّأْوِيلِ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ مَحْمَلٌ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، أَوْ كَانَ الْمَجْلِسُ لَا يَقْبَلُ الْمُمَارَاةَ، وَلَمْ تَتَعَيَّنِ الْحَاجَةُ إِلَيْهَا حِينَئِذٍ، وَيُحْتَمَلُ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الكِرْمَانِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَهِمَ مِنَ اسْتِشْهَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْآيَةِ قَبُولَ رِوَايَتِهِ ; لِأَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَمَسَّكَ بِهَا فِي أَنَّ اللَّهَ لَهُ أَنْ يُعَذِّبَ بِلَا ذَنْبٍ، وَيَكُونُ بُكَاءُ الْحَيِّ عَلَامَةً عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الرِّوَايَةُ إِذَا ثَبَتَتْ لَمْ يَكُنْ إِلَى دَفْعِهَا سَبِيلٌ بِالظَّنِّ، وَقَدْ رَوَاهُ عُمَرُ وَابْنُهُ، وَلَيْسَ فِيمَا حَكَتْ عَائِشَةُ مَا يَدْفَعُ رِوَايَتَهُمَا، فَالْخَبَرَانِ مَعًا صَحِيحَانِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، فَالْمَيِّتُ إِنَّمَا يُعَذَّبُ إِذَا أَوْصَى بِذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَشْهُورًا فِي الْعَرَبِ مَوْجُودًا فِي أَشْعَارِهِمْ كَقَوْلِ طَرَفَةَ: إِذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الْجُمْهُورُ حَدِيثَ عُمَرَ وَابْنِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُكَاءِ هُنَا الْبُكَاءُ بِصَوْتٍ وَنِيَاحَةٍ لَا بِمُجَرَّدِ دَمْعِ الْعَيْنِ، انْتَهَى. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّعْذِيبَ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ بِمُجَرَّدِ صُدُورِهَا، وَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ امْتِثَالِهَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا حَصْرَ فِي السِّيَاقِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ عِنْدَ الِامْتِثَالِ أَنْ لَا يَقَعَ إِذَا لَمْ يَمْتَثِلُوا، وَحُمِلَ أَيْضًا عَلَى مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ النَّوْحَ وَالْبُكَاءَ فَمَشَى أَهْلُهُ عَلَى عَادَتِهِ، وَحُمِلَ أَيْضًا عَلَى مَنْ أَهْمَلَ نَهْيَ أَهْلِهِ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْمُرَابِطِ: إِذَا عَلِمَ الْمَرْءُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّوْحِ وَعَرَفَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِهِ فِعْلَهُ وَلَمْ يُعْلِمْهُمْ بِحُرْمَتِهِ وَلَا زَجَرَهُمْ عَنْ تَعَاطِيهِ فَإِذَا عُذِّبَ عَلَى ذَلِكَ فَبِفِعْلِ نَفْسِهِ لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِهِ، وَبِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِنَظِيرِ مَا يَبْكِيهِ بِهِ أَهْلُهُ ; الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي يُعَدِّدُونَ بِهَا عَلَيْهِ غَالِبًا مِنَ الْأُمُورِ الْمَنْهِيَّةِ، فَهُمْ يَمْدَحُونَهُ بِهَا وَهُوَ يُعَذَّبُ بِصُنْعِهِ عَيْنَ مَا مَدَحُوهُ بِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى التَّعْذِيبِ تَوْبِيخُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ بِمَا يَنْدُبُهُ أَهْلُهُ بِهِ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: " «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ إِذَا قَالَتِ النَّائِحَةُ: وَاعَضُدَاهُ، وَانَاصِرَاهُ، وَاكَاسِبَاهُ، جُبِذَ الْمَيِّتُ وَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ عَضُدُهَا، أَنْتَ نَاصِرُهَا، أَنْتَ كَاسِبُهَا» ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِنَحْوِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: " أُغْمِيَ عَلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ تَبْكِي وَتَقُولُ: وَاجَبَلَاهُ وَاكَذَا وَاكَذَا، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ، مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلَّا قِيلَ لِي أَنْتَ كَذَلِكَ " وَقِيلَ: مَعْنَى التَّعْذِيبِ تَأَلُّمُ الْمَيِّتِ بِمَا يَقَعُ مِنْ أَهْلِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ وَغَيْرِهَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُرَابِطِ وَعِيَاضٌ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ، وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِحَدِيثِ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ: " «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَلَدْتُهُ فَقَاتَلَ مَعَكَ، ثُمَّ أَصَابَتْهُ الْحُمَّى فَمَاتَ، وَنَزَلَ عَلَيَّ الْبُكَاءُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَغْلِبُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَصْحَبَ صُوَيْحِبَهُ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا فَإِذَا مَاتَ اسْتَرْجَعَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَبْكِي فَيَسْتَعْبِرُ إِلَيْهِ صُوَيْحِبُهُ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ لَا تُعَذِّبُوا مَوْتَاكُمْ» ". الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ الْمُرَابِطِ: هَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ رَشِيدٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّ الْمُرَادَ صُوَيْحِبُهُ الْمَيِّتُ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَاحِبُهُ الْحَيُّ، وَأَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ حِينَئِذٍ بِبُكَاءِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بِتَنْزِيلِ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَمَنْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُ النَّوْحُ فَمَشَى أَهْلُهُ عَلَيْهَا فَأَوْصَاهُمْ بِذَلِكَ عُذِّبَ بِصُنْعِهِ، وَمَنْ كَانَ ظَالِمًا فَنُدِبَ بِأَفْعَالِهِ الْجَائِزَةِ عُذِّبَ بِمَا نُدِبَ بِهِ، وَمَنْ عَلِمَ مِنْ أَهْلِهِ النِّيَاحَةَ وَأَهْمَلَ نَهْيَهُمْ عَنْهَا رَاضِيًا بِذَلِكَ الْتَحَقَ بِالْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَاضٍ عُذِّبَ بِالنَّوْحِ ; لِأَنَّهُ أَهْمَلَ النَّهْيَ، وَمَنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحْتَاطَ فَنَهَاهُمْ ثُمَّ خَالَفُوهُ، فَعَذَابُهُ تَأَلُّمُهُ بِمَا يَرَاهُ مِنْهُمْ مَنْ مُخَالَفَةٍ وَإِقْدَامِهِمْ عَلَى مَعْصِيَةِ رَبِّهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ، لَكِنِ اخْتَصَرَهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آخِرِهِ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ تَامًّا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 [بَاب الْحِسْبَةِ فِي الْمُصِيبَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ»   13 - بَابُ الْحِسْبَةِ فِي الْمُصِيبَةِ الْحِسْبَةُ: الصَّبْرُ وَالتَّسْلِيمُ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. 554 - 556 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بْنِ الحديث: 554 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 حَزْنٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) خَرَجَ الْكَافِرُ، قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنْ هَلْ يَحْصُلُ ذَلِكَ لِمَنْ مَاتَ لَهُ أَوْلَادٌ فِي الْكُفْرِ ثُمَّ أَسْلَمَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاتَ لِي وَلَدَانِ، فَقَالَ: مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدَانِ فِي الْإِسْلَامِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ» ". وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ» ". رَوَاهُمَا أَحْمَدُ. (ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ) بِفَتْحَتَيْنِ، وَهُوَ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الصُّلْبِيَّةَ عَلَى الظَّاهِرِ لِرِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: ثَلَاثَةٌ مِنْ صُلْبِهِ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَفِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بَحْثٌ، وَيَظْهَرُ أَنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ الصُّلْبِ يَدْخُلُونَ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ فَقْدِ الْوَسَائِطِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَبِ، وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ مِنْ صُلْبِهِ يَدُلُّ عَلَى إِخْرَاجِ وَلَدِ الْبَنَاتِ، وَزَادَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ. وَكَذَا لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَمُثَلَّثَةٍ، عَلَى الْمَحْفُوظِ أَيِ الْحُلُمَ، وَخَصَّ الصَّغِيرَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الشَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ أَعْظَمُ وَالْحُبَّ لَهُمْ أَشَدُّ وَالرَّحْمَةَ أَوْفَرُ، فَمَنْ بَلَغَ الْحِنْثَ لَا يَحْصُلُ لِفَاقِدِهِ هَذَا الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَجْرٌ، وَبِهَذَا صَرَّحَ كَثِيرٌ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْعُقُوقُ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ الرَّحْمَةِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ لِعَدَمِ خِطَابِهِ. وَقَالَ الزَّيْنُ ابْنُ الْمُنِيرِ: بَلْ يَدْخُلُ الْكَبِيرُ بِطَرِيقِ الْفَحْوَى ; لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الطِّفْلِ الَّذِي هُوَ كَلٌّ عَلَى أَبَوَيْهِ، فَكَيْفَ لَا يَثْبُتُ فِي الْكَبِيرِ الَّذِي بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ وَوَصَلَ لَهُ مِنْهُ النَّفْعُ وَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ الْخِطَابُ بِالْحُقُوقِ، وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ حَدِيثِ أَنَسٍ: بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ ; لِأَنَّ الرَّحْمَةَ لِلصِّغَارِ أَكْثَرُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْإِثْمِ مِنْهُمْ، وَهَلْ يَلْحَقُ بِالصِّغَارِ مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا مَثَلًا وَبَقِيَ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ، فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ كَوْنَهُمْ لَا إِثْمَ عَلَيْهِمْ يَقْتَضِي الْإِلْحَاقَ، وَكَوْنُ الِامْتِحَانِ بِهِمْ يَخِفُّ بِمَوْتِهِمْ يَقْتَضِي عَدَمَهُ، وَلَمْ يَقَعِ التَّقْيِيدُ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ بِشِدَّةِ الْحُبِّ وَلَا عَدَمِهِ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي ذَلِكَ لِمَا يُوجَدُ مِنْ كَرَاهَةِ بَعْضِ النَّاسِ لِوَلَدِهِ وَتَبَرُّمِهِ بِهِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ ضَيِّقَ الْحَالِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ مَظِنَّةَ الْمَحَبَّةِ وَالشَّفَقَةِ نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ وَإِنْ تَخَلَّفَ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ. (فَتَمَسَّهُ النَّارُ) بِالنَّصْبِ جَوَابًا لِلنَّفْي (إِلَّا تَحِلَّةَ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ مَا يَنْحَلُّ بِهِ (الْقَسَمِ) وَهُوَ الْيَمِينُ، أَيْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ 71) عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَقْلِيلُ أَمْرِ وُرُودِهَا، وَهَذَا لَفْظٌ يُسْتَعْمَلُ، يُقَالُ مَا ضَرَبْتُهُ إِلَّا تَحْلِيلًا، إِذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي الضَّرْبِ، أَيْ قَدْرًا يُصِيبُهُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَيْ لَا تَمَسُّهُ النَّارُ كَثِيرًا وَلَا قَلِيلًا وَلَا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، وَقَدْ جَوَّزَ الْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ مَجِيءَ إِلَّا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَجَعَلَا مِنْهُ: {لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ - إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} [النمل: 10 - 11] (سُورَةُ النَّمْلِ: الْآيَةُ 10، 11) قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يَدْخُلُ النَّارَ لِيُعَاقَبَ بِهَا وَلَكِنَّهُ يَدْخُلُهَا مُجْتَازًا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْجَوَازُ إِلَّا قَدْرَ مَا يُحِلُّ بِهِ الرَّجُلُ يَمِينَهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، يَعْنِي الْوُرُودَ، وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قِيلَ: وَمَا تَحِلَّةُ الْقَسَمِ؟ قَالَ: قَوْلُهُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] وَكَذَا حَكَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ نَحْوَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا: " «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ لَمْ يَرِدِ النَّارَ إِلَّا عَابِرَ سَبِيلٍ» " يَعْنِي الْجَوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعِ الْقَسَمِ مِنَ الْآيَةِ فَقِيلَ مُقَدَّرٌ هُوَ وَاللَّهِ وَإِنْ مِنْكُمْ، وَقِيلَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْقَسَمِ الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} [مريم: 68] (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ 68) أَيْ وَرَبِّكَ إِنْ مِنْكُمْ. وَقِيلَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ: {حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71] أَيْ قَسَمًا وَاجِبًا وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْآيَةَ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَسَمِ مَا دَلَّ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتِّ مِنَ السِّيَاقِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: (كَانَ عَلَى رَبِّكَ) (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ 71) تَذْيِيلٌ وَتَقْرِيرٌ لِقَوْلِهِ: {وَإِنْ مِنْكُمْ} [النساء: 72] فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَسَمِ أَوْ أَبْلَغُ ; لِمَجِيءِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: الْوُرُودُ الدُّخُولُ لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَرْدًا وَسَلَامًا. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا: " «يَرِدُونَهَا أَوْ يَلِجُونَهَا ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ» " وَقِيلَ الْوُرُودُ: الْمُرُورُ عَلَيْهَا، رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَقَتَادَةَ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ وَزَادَ: «سَيُورَدُ كُلٌّ عَلَى مَتْنِهَا، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَمْسِكِي أَصْحَابَكِ وَدَعِي أَصْحَابِي، فَيَخْرُجُ الْمُؤْمِنُونَ نَدِيَّةً أَبْدَانُهُمْ» " وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ أَصَحُّ مَا وَرَدَ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ مِنْ عَبَّرَ بِالدُّخُولِ تَجَوَّزَ بِهِ عَنِ الْمُرُورِ ; لِأَنَّ الْمَارَّ عَلَيْهَا فَوْقَ الصِّرَاطِ فِي مَعْنَى مَنْ دَخَلَهَا، لَكِنْ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمْ بِاخْتِلَافِ أَعْمَالِهِمْ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، كَمَا فُصِّلَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، وَيُؤَيِّدُ صِحَّةَ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا فِي مُسْلِمٍ: «أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا قَالَ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 72] (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ 72) الْآيَةَ» " وَفِي هَذَا ضُعِّفَ الْقَوْلُ إِنَّ الْوُرُودَ مُخْتَصٌّ بِالْكُفَّارِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ الدُّنُوُّ مِنْهَا، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ الْإِشْرَافُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ مَعْنَى وُرُودِهَا مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْحُمَّى عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ لَيْسَ بِبَعِيدٍ وَلَا يُنَافِيهِ بَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْبِرِّ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَائِلًا: إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ فَيَلِجَ النَّارَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ السَّلَمِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَحْتَسِبُهُمْ إِلَّا كَانُوا لَهُ جُنَّةً مِنْ النَّارِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ اثْنَانِ قَالَ أَوْ اثْنَانِ»   555 - 557 - (مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي النَضْرِ السَّلَمِيِّ) كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَالْأَكْثَرُ غَيْرُ مُسَمًّى، وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ وَالْقَعْنَبِيُّ عَنْ أَبِي النَّضْرِ بِأَدَاةِ الْكُنْيَةِ، وَلِبَعْضِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ النَّضْرِ، وَلِبَعْضِهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ، وَلَا يَصِحُّ، وَابْنُ النَّضْرِ هَذَا مَجْهُولٌ فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا الْخَبَرِ، وَلَا أَعْلَمُ فِي الْمُوَطَّأِ رَجُلًا مَجْهُولًا غَيْرَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إِنَّهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، وَكُنِّيَ تَارَةً بِأَبِي النَّضْرِ، وَهَذَا جَهْلٌ ; لِأَنَّ أَنَسًا نَجَّارِيٌّ لَيْسَ بِسَلَمِيٍّ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو حَمْزَةَ بِإِجْمَاعٍ، قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ، زَادَ الدَّانِيُّ: وَأَنَسٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ اسْمُهُ النَّضْرُ فَلَمْ يُكَنَّ بِهِ، وَجَاءَ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ الْمَعْنِيُّ هُنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَذَكَرَ كَلَامَ التَّمْهِيدِ. وَقَالَ فِي الِاسْتِيعَابِ: مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ ذَكَرُوهُ فِي الصَّحَابَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَبْدُ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مُحَمَّدٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَبُو النَّضْرِ، كُلُّ ذَلِكَ قَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ. فَأَمَّا ابْنُ وَهْبٍ فَجَعَلَ الْحَدِيثَ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ، زَادَ الدَّانِيُّ: انْفَرَدَ ابْنُ وَهْبٍ بِهَذَا، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَيُبْعِدُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْأَسْلَمِيَّ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ) قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: سَاقَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ لِقَوْلِهِ (فَيَحْتَسِبُهُمْ) فَجَعَلَهُ تَفْسِيرًا لِلْحَدِيثِ قَبْلَهُ، وَهَكَذَا شَأْنُهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُوَطَّأِ، انْتَهَى. أَيْ يَصِيرُ رَاضِيًا بِقَضَاءِ اللَّهِ رَاجِيًا فَضْلَهُ، فَمَنْ لَمْ يَحْتَسِبْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَعْدِ بَلْ مَنْ تَسَخَّطَ وَلَمْ يَرْضَ بِقَدَرِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْإِثْمِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (إِلَّا كَانُوا لَهُ جُنَّةً) بِضَمِّ الْجِيمِ وَشَدِّ النُّونِ أَيْ وِقَايَةً (مِنَ النَّارِ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «لَا يَمُوتُ لِإِحْدَاكُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَحْتَسِبُهُمْ إِلَّا دَخَلَتِ الْجَنَّةَ» " وَلِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ عُقْبَةَ: " «مَنْ أَعْطَى ثَلَاثَةً مِنْ صُلْبِهِ فَاحْتَسَبَهُمْ عَلَى اللَّهِ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ عُرِفَ مِنَ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ الثَّوَابَ إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى النِّيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الِاحْتِسَابِ، وَالْأَحَادِيثُ الْمُطْلِقَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُقَيِّدَةِ، لَكِنْ أَشَارَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِلَى اعْتِرَاضٍ لَفْظِيٍّ بِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْبَالِغِ احْتَسَبَ، وَفِي الصَّغِيرِ افْتَرَطَ، انْتَهَى. وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ أَنْ لَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا فِي مَوْضِعِ هَذَا، بَلْ ذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ احْتَسَبَ فُلَانٌ بِكَذَا طَلَبَ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِكَبِيرٍ أَوْ الحديث: 555 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 صَغِيرٍ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ حُجَّةٌ فِي صِحَّةِ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ (فَقَالَتِ امْرَأَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ الْأَنْصَارِيَّةُ وَالِدَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، كَمَا لِلطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْهَا، وَكَذَا سَأَلَتْهُ أُمُّ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيَّةُ عَنْ ذَلِكَ وَأُمُّ أَيْمَنَ، رَوَاهُمَا الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا. وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَائِشَةَ سَأَلَتْ ذَلِكَ. وَحَكَى ابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّ أُمَّ هِانِئٍ سَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ. وَأَمَّا تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ فَبَعِيدٌ ; لِأَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُمَا كَذَلِكَ يَبْعُدُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّلَاثَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، نَعَمْ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ مِمَّنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَا عُمَرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ، وَكَذَا أَبُو ذَرٍّ، وَهَذَا لَا يَبْعُدُ تَعَدُّدُهُ ; لِأَنَّ عِلْمَ النِّسَاءِ بِذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ الرِّجَالِ. (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوِ اثْنَانِ) قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَلَمْ تَعْتَبِرْهُ إِذْ لَوِ اعْتَبَرَتْهُ لَانْتَفَى الْحُكْمُ عِنْدَهَا عَمَّا عَدَا الثَّلَاثَةَ، لَكِنَّهَا جَوَّزَتْ ذَلِكَ فَسَأَلَتْ كَذَا، قَالَ: وَتَبِعَهُ ابْنُ التِّينِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا اعْتَبَرَتْ مَفْهُومَ الْعَدَدِ إِذْ لَوْ لَمْ تَعْتَبِرْهُ لَمْ تَسْأَلْ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ دَلَالَتَهُ لَيْسَتْ نَصًّا بَلْ مُحْتَمَلَةً وَلِذَا سَأَلَتْ (قَالَ أَوِ اثْنَانِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِوَحْيٍ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ، وَلَا بُعْدَ فِي نُزُولِ الْوَحْيِ فِي أَسْرَعِ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ لَكِنَّهُ أَشْفَقَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّكِلُوا ; لِأَنَّ مَوْتَ الِاثْنَيْنِ غَالِبًا أَكْثَرُ مِنْ مَوْتِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ فِي الشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ، ثُمَّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْجَوَابِ، وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ حُكْمِ الثَّلَاثَةِ وَالِاثْنَيْنِ وَيَتَنَاوَلُ الْأَرْبَعَةَ فَمَا فَوْقَهَا مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَلِذَا لَمْ تَسْأَلْ عَمَّا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُصِيبَةَ إِذَا كَثُرَتْ كَانَ الْأَجْرُ أَعْظَمَ. وَقَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ: خُصَّتِ الثَّلَاثَةُ بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ فَتَعْظُمُ الْمُصِيبَةُ بِكَثْرَةِ الْأَجْرِ، وَأَمَّا إِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَقَدْ يَخِفُّ أَمْرُ الْمُصِيبَةِ لِكَوْنِهَا تَصِيرُ كَالْعَادَةِ كَمَا قِيلَ: رُوِّعْتُ بِالْبَيْنِ حَتَّى مَا أُرَاعُ لَهُ. جُمُودٌ شَدِيدٌ فَإِنْ مَاتَ لَهُ أَرْبَعَةٌ فَقَدْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ ضَرُورَةً ; لِأَنَّهُمْ إِنْ مَاتُوا دُفْعَةً وَاحِدَةً فَقَدْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ وَزِيَادَةٌ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُصِيبَةَ بِذَلِكَ أَشَدُّ، وَإِنْ مَاتُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْأَجْرَ يَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ مَوْتِ الثَّالِثِ بِنَصِّ الصَّادِقِ، فَيَلْزَمُ عَلَى كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ إِنْ مَاتَ لَهُ أَرْبَعٌ ارْتَفَعَ لَهُ ذَلِكَ الْأَجْرُ مَعَ تَجَدُّدِ الْمُصِيبَةِ، وَكَفَى بِهَذَا فَسَادًا. وَلِابْنِ حِبَّانَ: فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: يَا لَيْتَنِي قُلْتُ وَوَاحِدٌ. وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ. وَلِأَحْمَدَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَاحْتَسَبَهُمْ دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْنَا: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: وَاثْنَانِ» " قَالَ مَحْمُودٌ لِجَابِرٍ: أَرَاكُمْ لَوْ قُلْتُمْ وَوَاحِدٌ لَقَالَ وَوَاحِدٌ، وَأَنَا أَظُنُّ ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ دَفَنَ ثَلَاثَةً فَصَبَرَ عَلَيْهِمْ وَاحْتَسَبَ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: أَوِ اثْنَيْنِ؟ قَالَ: أَوِ اثْنَيْنِ، فَقَالَتْ: وَوَاحِدٌ؟ فَسَكَتَ ثُمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 قَالَ: وَوَاحِدٌ» " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ قَدَّمَ ثَلَاثَةً مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانُوا لَهُ حِصْنًا حَصِينًا مِنَ النَّارِ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَدَّمْتُ اثْنَيْنِ؟ قَالَ: وَاثْنَيْنِ، قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: قَدَّمْتُ وَاحِدًا؟ قَالَ: وَوَاحِدًا» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ، وَعِنْدَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «مَنْ كَانَ لَهُ فَرَطَانِ مِنْ أُمَّتِي أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَنْ لَهُ فَرَطٌ؟ قَالَ: وَمَنْ لَهُ فَرَطٌ» "، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ، لَكِنْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ» ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَاحِدُ فَمَا فَوْقَهُ، وَهُوَ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ فَتْحِ الْبَارِي. وَتَعْمِيمُهُ نَفْيَ صَلَاحِيَّةِ شَيْءٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ فِيهِ شَيْءٌ، فَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَسَنٌ غَرِيبٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصَابُ فِي وَلَدِهِ وَحَامَّتِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَتْ لَهُ خَطِيئَةٌ   555 - 558 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا لِعَامَّةِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَرَوَاهُ مَعْنٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ أَبِي الْحُبَابِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ (سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصَابُ فِي وَلَدِهِ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (وَحَامَّتِهِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ فَفَوْقِيَّةٍ، أَيْ قَرَابَتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَمَنْ يُحْزِنُهُ ذَهَابُهُ وَمَوْتُهُ، جَمْعُ حَمِيمٍ (حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَتْ لَهُ خَطِيئَةٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ يَحُطُّ عَنْهُ خَطَايَاهُ بِذَلِكَ أَوْ يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مَا يَزِنُ جَمِيعَ ذُنُوبِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَهَذَا لِمَنْ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ كَمَا مَرَّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَزَالُ الْبَلَايَا بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ» ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 [بَاب جَامِعِ الْحِسْبَةِ فِي الْمُصِيبَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيُعَزِّ الْمُسْلِمِينَ فِي مَصَائِبِهِمْ الْمُصِيبَةُ بِي»   14 - بَابُ جَامِعِ الْحِسْبَةِ فِي الْمُصِيبَةِ 557 - 559 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ، قَالَ ابْنُ الحديث: 557 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 عَبْدِ الْبَرِّ: وَزَادَتْ طَائِفَةٌ عَنْ أَبِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعَائِشَةَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِيُعَزِّ) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنَ التَّعْزِيَةِ وَهِيَ الْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ وَالتَّسَلِّي، قَالَ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 155 - 156] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 155، 156) (الْمُسْلِمِينَ فِي مَصَائِبِهِمُ الْمُصِيبَةُ بِي) ; لِأَنَّ كُلَّ مُصَابٍ بِهِ دُونَهَا إِذْ كُلُّ مُصَابٍ بِهِ عَنْهُ عِوَضٌ وَلَا عِوَضَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيُّ مُصِيبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ مُصِيبَةِ مَنْ بِمَوْتِهِ انْقَطَعَ خَبَرُ السَّمَاءِ وَمَنْ هُوَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَنَهْجٌ لِلدِّينِ؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: مَا نَفَضْنَا أَيْدِينَا مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا، وَلِأَبِي الْعَتَاهِيَةِ: لِكُلِّ أَخِي ثُكْلٍ عَزَاءٌ وَأُسْوَةٌ ... إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ التُّقَى فِي مُحَمَّدِ وَقَالَ غَيْرُهُ: اصْبِرْ لِكُلِّ مُصِيبَةٍ وَتَجَلَّدِ ... وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمَرْءَ غَيْرُ مُخَلَّدِ وَإِذَا ذَكَرْتَ مُصِيبَةً تَسْلُو بِهَا ... فَاذْكُرْ مُصَابَكَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَقَالَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَعْقِبْنِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ ذَلِكَ ثُمَّ قُلْتُ وَمَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ فَأَعْقَبَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَهَا»   558 - 560 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فَرُّوخٍ الْمَدَنِيِّ الْمَعْرُوفِ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ، ثِقَةٌ، فَقِيهٌ مَشْهُورٌ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) هِنْدِ بِنْتِ أُمَيَّةَ (زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تَزَوَّجَهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثٍ وَمَاتَتْ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ، وَقِيلَ سَنَةَ إِحْدَى، وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَلَمْ يُدْرِكْهَا رَبِيعَةُ، وَلِذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا حَدِيثٌ يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى إِلَّا أَنْ بَعْضَهُمْ يَجْعَلُهُ لِأُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضَهُمْ يَجْعَلُهُ لِأُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَصَابَتْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ " (مُصِيبَةٌ) أَيُّ مُصِيبَةٌ كَانَتْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «كُلُّ شَيْءٍ سَاءَ الْمُؤْمِنَ فَهُوَ مُصِيبَةٌ» " رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ، قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا اللَّفْظُ مَوْضُوعٌ فِي أَصْلِ كَلَامِ الْعَرَبِ لِكُلِّ مَنْ نَالَهُ شَرٌّ أَوْ خَيْرٌ، وَلَكِنْ يَخْتَصُّ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ بِالرَّزَايَا وَالْمَكَارِهِ (فَقَالَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ) بِالثَّنَاءِ وَالتَّبْشِيرِ لِقَائِلِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَدْبَهُ وَالْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ فِي الْأُصُولِ (إِنَّا لِلَّهِ) مِلْكًا وَعَبِيدًا يَفْعَلُ بِنَا مَا يَشَاءُ (وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) فِي الْآخِرَةِ فَيُجَازِينَا. وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُدَ: " «إِنَّ مِصْبَاحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُفِيَ فَاسْتَرْجَعَ، فَقَالَتْ الحديث: 558 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 عَائِشَةُ: إِنَّمَا هَذَا مِصْبَاحٌ فَقَالَ: كُلُّ مَا سَاءَ الْمُؤْمِنَ فَهُوَ مُصِيبَةٌ» ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَمْ يَرِدْ لَفْظُ الْأَمْرِ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي الْقُرْآنِ بَلْ تَبْشِيرُ مَنْ قَالَهُ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ إِلَى غَيْرِ الْقُرْآنِ، فَهُوَ خَبَرٌ عَنِ الْبَارِي بِذَلِكَ وَلِذَا وَصَلَهُ بِقَوْلِهِ: (اللَّهُمَّ أْجُرْنِي) بِقَصْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، قَالَ عِيَاضٌ: يُقَالُ أَجَرَ بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ مَقْصُورٌ لَا يُمَدُّ أَيْ أَعْطِنِي أَجْرِي وَجَزَاءَ صَبْرِي وَهَمِّي (فِي مُصِيبَتِي وَأَعْقِبْنِي) بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ، بِمَعْنَى - رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ - وَأَخْلِفْ لِي بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ (خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ) وَلِمُسْلِمٍ: إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا. وَلَهُ أَيْضًا إِلَّا آجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ أَنْ يَفْزَعَ إِلَى ذَلِكَ تَأَسِّيًا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَسْتَوْجِبَ عَلَى اللَّهِ ثَلَاثَ خِصَالٍ، كُلُّ خَصْلَةٍ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ وَالْهُدَى، انْتَهَى. وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: " «أُعْطِيَتْ أُمَّتِي شَيْئًا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ: أَنْ يَقُولُوا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) » ". وَلِابْنِ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: " لَقَدْ أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ مَا لَمْ يُعْطَ الْأَنْبِيَاءُ مِثْلَهُ: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) ، وَلَوْ أُعْطِيَهُ الْأَنْبِيَاءُ لَأُعْطِيَهُ يَعْقُوبُ ; إِذْ قَالَ: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84] ". وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ قَوْلُ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَوْرًا، وَذَلِكَ فِي الْمَوْتِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى، وَخَبَرُ: إِذَا ذَكَرَهَا وَلَوْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ عَامًا فَاسْتَرْجَعَ كَانَ لَهُ أَجْرُهَا يَوْمَ وُقُوعِهَا زِيَادَةُ فَضْلٍ لَا يُنَافِي الِاسْتِحْبَابَ بِفَوْرِ وُقُوعِ الْمُصِيبَةِ. (قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ، أَخُو النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَضَاعِ ثُوَيْبَةَ، وَابْنُ عَمَّتِهِ بُرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، كَانَ مِنَ السَّابِقِينَ، شَهِدَ بَدْرًا، وَمَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ أُحُدٍ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " «دَخَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ، وَقَالَ: إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ» " (قُلْتُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ مِنْ الِاسْتِرْجَاعِ وَمَا بَعْدَهُ (ثُمَّ قُلْتُ: وَمَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ) أَيْ قَالَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَلَمْ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهَا وَلَا أَنْكَرَتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَقًّا، وَلَكِنْ هُوَ شَيْءٌ يَخْطُرُ بِالْقَلْبِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مَعْصُومًا مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ قَائِلٌ لَمُنِعَ الْعِوَضَ كَمَا يُمْنَعُ الَّذِي يَعْجَلُ بِدُعَائِهِ الْإِجَابَةَ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ. وَفِي مُسْلِمٍ: فَلَمَّا مَاتَ قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَبِّيُّ: الْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 يَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ; لِأَنَّ الْأَخِيرَ فِي ذَاتِهِ قَدْ لَا يَكُونُ خَيْرًا لَهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعْنِيَ أَنَّهُ خَيْرٌ مُطْلَقًا، فَالْإِجْمَاعُ عَلَى فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا مَنْ مَاتَ فِي زَمَنِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ، انْتَهَى. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَالْخِلَافُ شَاذٌّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ (فَأَعْقَبَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَهَا) وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ شَقِيقٍ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا مَاتَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ، قَالَ: قُولِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً» ، فَقُلْتُ فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ هَلَكَتْ امْرَأَةٌ لِي فَأَتَانِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ يُعَزِّينِي بِهَا فَقَالَ إِنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ فَقِيهٌ عَالِمٌ عَابِدٌ مُجْتَهِدٌ وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَانَ بِهَا مُعْجَبًا وَلَهَا مُحِبًّا فَمَاتَتْ فَوَجَدَ عَلَيْهَا وَجْدًا شَدِيدًا وَلَقِيَ عَلَيْهَا أَسَفًا حَتَّى خَلَا فِي بَيْتٍ وَغَلَّقَ عَلَى نَفْسِهِ وَاحْتَجَبَ مِنْ النَّاسِ فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَإِنَّ امْرَأَةً سَمِعَتْ بِهِ فَجَاءَتْهُ فَقَالَتْ إِنَّ لِي إِلَيْهِ حَاجَةً أَسْتَفْتِيهِ فِيهَا لَيْسَ يُجْزِينِي فِيهَا إِلَّا مُشَافَهَتُهُ فَذَهَبَ النَّاسُ وَلَزِمَتْ بَابَهُ وَقَالَتْ مَا لِي مِنْهُ بُدٌّ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ إِنَّ هَاهُنَا امْرَأَةً أَرَادَتْ أَنْ تَسْتَفْتِيَكَ وَقَالَتْ إِنْ أَرَدْتُ إِلَّا مُشَافَهَتَهُ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ وَهِيَ لَا تُفَارِقُ الْبَابَ فَقَالَ ائْذَنُوا لَهَا فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ إِنِّي جِئْتُكَ أَسْتَفْتِيكَ فِي أَمْرٍ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَتْ إِنِّي اسْتَعَرْتُ مِنْ جَارَةٍ لِي حَلْيًا فَكُنْتُ أَلْبَسُهُ وَأُعِيرُهُ زَمَانًا ثُمَّ إِنَّهُمْ أَرْسَلُوا إِلَيَّ فِيهِ أَفَأُؤَدِّيهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ نَعَمْ وَاللَّهِ فَقَالَتْ إِنَّهُ قَدْ مَكَثَ عِنْدِي زَمَانًا فَقَالَ ذَلِكِ أَحَقُّ لِرَدِّكِ إِيَّاهُ إِلَيْهِمْ حِينَ أَعَارُوكِيهِ زَمَانًا فَقَالَتْ أَيْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَفَتَأْسَفُ عَلَى مَا أَعَارَكَ اللَّهُ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْكَ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ فَأَبْصَرَ مَا كَانَ فِيهِ وَنَفَعَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهَا   559 - 561 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) ابْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّهُ قَالَ: هَلَكَتِ امْرَأَةٌ لِي فَأَتَانِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ) بِضَمِّ الْقَافِ، الْمَدَنِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ، فَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: إِنَّ أَبَاهُ كَانَ مِمَّنْ لَمْ يَنْبُتْ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ قَبْلَهَا (يُعَزِّينِي بِهَا فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ فَقِيهٌ عَالِمٌ عَابِدٌ مُجْتَهِدٌ) فِي الْعِبَادَةِ وَمَا قَبْلَهَا (وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَانَ بِهَا مُعْجَبًا) مُسْتَحْسِنًا لَهَا رَاضِيًا بِجَمَالِهَا (لَهَا) وَفِي نُسْخَةٍ وَلَهَا بِالْوَاوِ (مُحِبًّا، فَمَاتَتْ فَوَجَدَ) حَزِنَ (عَلَيْهَا وَجْدًا) حُزْنًا (شَدِيدًا، وَلَقِيَ عَلَيْهَا أَسَفًا) تَلَهُّفًا وَحُزْنًا (حَتَّى خَلَا فِي بَيْتٍ وَغَلَّقَ) بِالتَّشْدِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ، قَفَلَ (عَلَى نَفْسِهِ وَاحْتَجَبَ مِنَ النَّاسِ، فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ) لِمَا غَلَبَهُ مِنْ شِدَّةِ الْحُزْنِ (وَإِنَّ امْرَأَةً سَمِعَتْ بِهِ فَجَاءَتْهُ فَقَالَتْ: إِنَّ لِي إِلَيْهِ حَاجَةً أَسْتَفْتِيهِ) أَطْلُبُ فُتْيَاهُ (فِيهَا لَيْسَ يُجْزِينِي) بِضَمِّ أَوَّلِهِ، مِنْ أَجْزَأَ بِمَعْنَى أَغْنَى، أَيْ يُغْنِينِي، وَبِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ جَزَى، نَقَلَهُمَا الْأَخْفَشُ لُغَتَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَقَالَ: الثُّلَاثِيُّ بِلَا هَمْزٍ لُغَةُ الْحِجَازِ وَالرُّبَاعِيُّ الْمَهْمُوزُ لُغَةُ تَمِيمٍ (فِيهَا إِلَّا مُشَافَهَتُهُ) خِطَابُهُ بِالشِّفَاهِ بِلَا وَاسِطَةٍ (فَذَهَبَ النَّاسُ وَلَزِمَتْ بَابَهُ، وَقَالَتْ مَا لِي مِنْهُ بُدٌّ) أَيْ مَحِيدٌ (فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: الحديث: 559 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 إِنَّ هَاهُنَا امْرَأَةً أَرَادَتْ أَنْ تَسْتَفْتِيَكَ وَقَالَتْ: إِنْ) نَافِيَةٌ أَيْ مَا (أَرَدْتُ إِلَّا مُشَافَهَتَهُ، وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ وَهِيَ لَا تُفَارِقُ الْبَابَ، فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهَا فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: إِنِّي جِئْتُكَ أَسْتَفْتِيكَ فِي أَمْرٍ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: إِنِّي اسْتَعَرْتُ مِنْ جَارَةٍ لِي حَلْيًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، مُفْرَدُ حُلِيٍّ بِضَمَّتَيْنِ (فَكُنْتُ أَلْبَسُهُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ (وَأُعِيرُهُ زَمَانًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَرْسَلُوا إِلَيَّ فِيهِ أَفَأُؤَدِّيهِ إِلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ) يَلْزَمُكِ تَأْدِيَتُهُ، وَأَقْسَمَ تَأْكِيدًا لِلْفَتْوَى (فَقَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ مَكَثَ عِنْدِي زَمَانًا، فَقَالَ: ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ (أَحَقُّ لِرَدِّكِ إِيَّاهُ إِلَيْهِمْ حِينَ أَعَارُوكِيهِ زَمَانًا، فَقَالَتْ: أَيْ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، نِدَاءٌ لِلْقَرِيبِ (يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَفَتَأْسَفُ عَلَى مَا أَعَارَكَهُ) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ أَعَارَكَ (اللَّهُ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْكَ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ) قَالَ لَبِيدٌ: وَمَا الْمَالُ وَالْأَهْلُونَ إِلَّا وَدَائِعُ ... وَلَا بُدَّ يَوْمًا أَنْ تُرَدَّ الْوَدَائِعُ (فَأَبْصَرَ مَا كَانَ فِيهِ وَنَفَعَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهَا) فَفِيهِ وَعْظُ الْعَالِمِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاعِظُ دُونَهُ فِي الْعِلْمِ فَقَدَ يُخْطِئُ الْفَاضِلُ، وَيُوَفَّقُ الْمَفْضُولُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَفِي الِاسْتِذْكَارِ هَذَا خَبَرٌ حَسَنٌ عَجِيبٌ فِي التَّعَازِي وَلَيْسَ فِي كُلِّ الْمُوَطَّآتِ، وَمَا ذَكَرَتْهُ مِنَ الْعَارِيَةِ لِلْحُلِيِّ عَلَى جِهَةِ ضَرْبِ الْمَثَلِ لَا يَدْخُلُ فِي مَذْمُومِ الْكَذِبِ، بَلْ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْرِ الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَيْسَ بِالْكَاذِبِ مَنْ قَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَى خَيْرًا أَوْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ» "، انْتَهَى. وَقَدْ ضَرَبَتِ الْمَثَلَ بِالْعَارِيَةِ أُمُّ سُلَيْمٍ لِزَوْجِهَا أَبِي طَلْحَةَ وَعَلِمَ بِذَلِكَ الْمُصْطَفَى فَأَقَرَّهُ، وَذَلِكَ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ مِنْهَا أَبُو عُمَيْرٍ وَنَحَّتْهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَبُو طَلْحَةَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: كَيْفَ الْغُلَامُ؟ قَالَتْ: هَدَأَتْ نَفْسُهُ وَأَرْجُو أَنَّهُ اسْتَرَاحَ، وَقَرَّبَتْ لَهُ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى ثُمَّ تَطَيَّبَتْ وَتَعَرَّضَتْ لَهُ حَتَّى وَاقَعَهَا، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا أَهْلَ بَيْتٍ عَارِيَةً فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قَالَ: لَا، قَالَتْ: فَاحْتَسِبْ ابْنَكَ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: تَرَكْتِينِي حَتَّى تَلَطَّخْتُ ثُمَّ أَخْبَرْتِينِي بِابْنِي. وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إِنَّ الْعَارِيَةَ مُؤَدَّاةٌ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ اللَّهَ أَعَارَنَا غُلَامًا ثُمَّ أَخَذَهُ مِنَّا، فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 كَانَ مِنْهَا فَقَالَ: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا. وَفِي رِوَايَةٍ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا، فَجَاءَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ. قَالَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ: فَرَأَيْتُ لَهُ تِسْعَةَ أَوْلَادٍ، بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى السِّينِ، كُلُّهُمْ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ، كَمَا ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ عَدَّ عُلَمَاءُ الْأَنْسَابِ مِنْ أَسْمَاءِ أَوْلَادِ عَبْدِ اللَّهِ، مِمَّنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَحَمَلَ الْعِلْمَ: إِسْحَاقُ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَيَعْقُوبُ، وَعُمَيْرٌ، وَعَمْرٌو، وَمُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَزَيْدٌ، وَالْقَاسِمُ، تِسْعَةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْاخْتِفَاءِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخْتَفِيَ وَالْمُخْتَفِيَةَ يَعْنِي نَبَّاشَ الْقُبُورِ»   15 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاخْتِفَاءِ وَلِابْنِ وَضَّاحٍ الْمُخْتَفِي وَهُوَ النَّبَّاشُ. 560 - 562 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَخِفَّةِ الْجِيمِ، مَشْهُورٌ بِهَذِهِ الْكُنْيَةِ، وَهِيَ لَقَبٌ ; لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عَشَرَةُ أَوْلَادٍ رِجَالٍ، وَكُنْيَتُهُ فِي الْأَصْلِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ (مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيِّ مِنَ الثِّقَاتِ، خَرَّجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ (عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ) أَرْسَلَهُ الْمُوَطَّأُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَسْنَدَهُ يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: اللَّعْنُ لُغَةً الْإِبْعَادُ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِبْعَادِ مِنَ الْخَيْرِ (الْمُخْتَفِيَ وَالْمُخْتَفِيَةَ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فِيهِمَا اسْمُ فَاعِلٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: خَفَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَظْهَرْتُهُ وَأَخْفَيْتُهُ سَتَرْتُهُ، وَقُرِئَ: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15] (سُورَةُ طه: الْآيَةُ 15) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا، وَقِيلَ خَفَيْتُ بِمَعْنَى سَتَرْتُ وَأَظْهَرْتُ (يَعْنِي نَبَّاشَ الْقُبُورِ) تَفْسِيرٌ لِمَالِكٍ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ، وَفِيهِ تَحْرِيمُ النَّبْشِ، كَمَا لَعَنَ شَارِبَ الْخَمْرِ وَبَائِعَهَا وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُرْوَى الْمُخْتَفِي بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَالِاحْتِفَاءُ بِالْمُهْمَلَةِ اقْتِلَاعُ الشَّيْءِ وَكُلُّ مَنْ يَقْتَلِعُ شَيْئًا فَهُوَ مُحْتَفٍ، وَالَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، انْتَهَى. الحديث: 560 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ كَسْرُ عَظْمِ الْمُسْلِمِ مَيْتًا كَكَسْرِهِ وَهُوَ حَيٌّ تَعْنِي فِي الْإِثْمِ   560 - 563 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ، وَلِبَعْضِهِمْ: مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ عَنْ مَالِكٍ (أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ: كَسْرُ عَظْمِ الْمُسْلِمِ مَيِّتًا كَكَسْرِهِ وَهُوَ حَيٌّ، يَعْنِي فِي الْإِثْمِ) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى حُرْمَةِ فِعْلِ ذَلِكَ بِهِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ لَا فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ، فَمَرْفُوعَانِ عَنْ كَاسِرِ عَظْمِ الْمَيِّتِ، إِجْمَاعًا، وَهَذَا جَاءَ مَرْفُوعًا، أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ» " حَسَّنَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إِنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهَا، وَزَادَ فِي الْإِثْمِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 [بَاب جَامِعِ الْجَنَائِزِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ «أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى»   16 - بَابُ جَامِعِ الْجَنَائِزِ 562 - 564 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ) بِشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ، كَانَ قَاضِيَ مَكَّةَ زَمَنَ أَبِيهِ، وَخَلِيفَتَهُ إِذَا حَجَّ (أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا، وَأَصْغَتْ) بِإِسْكَانِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ أَمَالَتْ سَمْعَهَا (إِلَيْهِ يَقُولُ) وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ: وَهُوَ يَقُولُ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي) فِيهِ نَدْبُ الدُّعَاءِ بِهِمَا وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَإِذَا دَعَا بِذَلِكَ الْمُصْطَفَى فَأَيْنَ غَيْرُهُ مِنْهُ، وَالدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ وَالْخُضُوعِ وَالضَّرَاعَةِ وَالرَّجَاءِ، وَذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ. (وَأَلْحِقْنِي) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ (بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى) وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ: " «فَجَعَلَ يَقُولُ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ» " وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ الْمُطَّلِبِ عَنْ عَائِشَةَ: " «فَقَالَ مَعَ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ الحديث: 562 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 إِلَى قَوْلِهِ: رَفِيقًا» وَمَعْنَى كَوْنِهِمْ رَفِيقًا تَعَاوُنُهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَارْتِفَاقُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَأَفْرَدَهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَدْخُلُونَ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ، فَالْمُرَادُ بِالرَّفِيقِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ فِي الْآيَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فَقَالَ: " «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى الْأَسْعَدَ مَعَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ» " وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرَّفِيقَ الْمَكَانُ الَّذِي تَحْصُلُ الْمُرَافَقَةُ فِيهِ مَعَ الْمَذْكُورِينَ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَرُدُّ زَعْمَ أَنَّ الرَّفِيقَ تَغْيِيرٌ مِنَ الرَّاوِي وَالصَّوَابُ الرَّقِيعَ بِالْقَافِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ السَّمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ أَعْلَى الْجَنَّةِ، وَالْجَوْهَرِيُّ: الْجَنَّةُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: الرَّفِيقُ الْأَعْلَى الْجَنَّةُ، وَقِيلَ: الرَّفِيقُ الْأَعْلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ، فَفِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ مَرْفُوعًا: " «أَنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرَّفِيقَ» " وَهُوَ صِفَةُ ذَاتٍ كَالْحَلِيمِ، أَوْ صِفَةُ فِعْلٍ، وَغَلَّطَ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وَلَا وَجْهَ لَهُ ; لِأَنَّ تَأْوِيلَهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِاللَّهِ سَائِغٌ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: الْحِكْمَةُ فِي اخْتِتَامِ كَلَامِ الْمُصْطَفَى بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ تَضَمُّنُهَا التَّوْحِيدُ وَالذِّكْرُ بِالْقَلْبِ حَتَّى يُسْتَفَادَ مِنْهُ الرُّخْصَةُ لِغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ ; لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَمْنَعُهُ مِنَ النُّطْقِ مَانِعٌ فَلَا يَضُرُّهُ إِذَا كَانَ قَلْبُهُ عَامِرًا بِالذِّكْرِ. قَالَ: وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْوَاقِدِيِّ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسْتَرْضَعٌ عِنْدَ حَلِيمَةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. وَآخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، يَعْنِي فِي الصَّحِيحَيْنِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: " فَكَانَتْ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى» " وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ: " آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ «جَلَالُ رَبِّي الرَّفِيعِ وَقَدْ بَلَّغْتُ ثُمَّ قَضَى» " وَجَمْعٌ بِأَنَّ هَذَا آخِرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَعْدَمَا كَرَّرَ اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى قَبْلَ جَلَالِ، أَيْ أَخْتَارُ جَلَالَ رَبِّي الرَّفِيعِ قَدْ بَلَّغْتُ مَا أُوحِيَ إِلَيَّ. وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْمَنَاقِبِ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِهِ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمُوتُ حَتَّى يُخَيَّرَ قَالَتْ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى فَعَرَفْتُ أَنَّهُ ذَاهِبٌ   562 - 565 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ) أَرَادَ مَا يَشْمَلُ الرَّسُولَ (يَمُوتُ حَتَّى يُخَيَّرَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (قَالَتْ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ) فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ، كَمَا فِي رِوَايَةِ سَعْدٍ (اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ ذَاهِبٌ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا: " كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَحِيحٌ يَقُولُ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ، ثُمَّ يُحَيَّا أَوْ يُخَيَّرُ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْقَبْضُ غُشِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، فَقُلْتُ إِذَنْ لَا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ» "، وَفِي مَغَازِي أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَخَيَّرَهُ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ وَالْخُلْدَ ثُمَّ الْجَنَّةَ، فَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي وَالْجَنَّةِ، فَاخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي وَالْجَنَّةَ» " وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ طَاوُسٍ رَفَعَهُ: " «خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَبْقَى حَتَّى أَرَى مَا يُفْتَحُ عَلَى أُمَّتِي وَبَيْنَ التَّعْجِيلِ فَاخْتَرْتُ التَّعْجِيلَ» ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»   564 - 566 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ» ) أَيْ فِيهِمَا، قَالَ الْبَاجِيُّ: الْعَرْضُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى حَيٍّ يَعْلَمُ مَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ وَيَفْهَمُ مَا يُخَاطَبُ بِهِ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ غَدَاةً وَاحِدَةً وَعَشِيَّةً وَاحِدَةً، وَيَحْتَمِلُ كُلَّ غَدَاةٍ وَكُلَّ عَشِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يَحْتَمِلُ غَدَاةً وَاحِدَةً وَعَشِيَّةً وَاحِدَةً يَكُونُ الْعَرْضُ فِيهِمَا، وَيَكُونُ مَعْنى حَتَّى يَبْعَثَكَ أَيْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، وَيَحْتَمِلُ كُلَّ غَدَاةٍ وَعَشِيٍّ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يُحْيَا مِنْهُ جُزْءٌ لِيُدْرِكَ ذَلِكَ، فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ تُعَادَ الْحَيَاةُ إِلَى جُزْءٍ مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ أَجْزَاءٍ، وَتَصِحُّ مُخَاطَبَتُهُ وَالْعَرْضُ عَلَيْهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِأَحَادِيثِ سِيَاقِ الْمَسْأَلَةِ وَعَرْضُ الْمَقْعَدَيْنِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يَجُوزُ أَنَّ هَذَا الْعَرْضَ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَعَ جُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ، قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَقْتُهُمَا وَإِلَّا فَالْمَوْتَى لَا صَبَاحَ عِنْدَهُمْ وَلَا مَسَاءَ، قَالَ: وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَاضِحٌ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الْمُخَلِّطُ فَمُحْتَمَلٌ أَيْضًا فِي حَقِّهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ هُوَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الشُّهَدَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فَائِدَةُ الْعَرْضِ فِي حَقِّهِمْ تَبْشِيرُ أَرْوَاحِهِمْ بِاسْتِقْرَارِهَا فِي الْجَنَّةِ مُقْتَرِنَةً بِأَجْسَادِهَا فَإِنَّ فِيهِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَا هِيَ فِيهِ الْآنَ. (إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) اتَّحَدَ فِيهِ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ لَفْظًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ، قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: التَّقْدِيرُ: فَمَقْعَدٌ مِنْ مَقَاعِدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ إِذَا اتَّحَدَا لَفْظًا دَلَّ عَلَى الْفَخَامَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَرَى بَعْدَ الْبَعْثِ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ مَا يُنْسِيهِ هَذَا الْمَقْعَدَ، انْتَهَى. وَعِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَالْجَنَّةُ، أَيْ فَالْمَعْرُوضُ الْجَنَّةُ. (وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ) أَيْ فَمَقْعَدُهُ مِنْ مَقَاعِدِ أَهْلِهَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ أَوْ يَعْلَمُ بِالْعَكْسِ مِمَّا يُسَرُّ بِهِ أَهْلُ الْجَنَّةِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ طَلِيعَةُ تَبَاشِيرِ أَهْلِ السَّعَادَةِ الْكُبْرَى وَمُقَدِّمَةُ تَبَارِيحِ الشَّقَاوَةِ الْعُظْمَى، وَفِي ذَلِكَ الحديث: 564 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 تَنْعِيمٌ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتَعْذِيبٌ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِمُعَايَنَةِ مَا أُعِدَّ لَهُ، وَانْتِظَارِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ الْمَوْعُودَ (يُقَالُ) لَهُ (هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) كَذَا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بِلَفْظِ إِلَى وَلِلْأَكْثَرِ بِحَذْفِهَا، وَلِيَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ وَابْنِ الْقَاسِمِ إِلَيْهِ بِالضَّمِيرِ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: وَالْمَعْنَى حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَى هَذَا الْمَقْعَدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ، فَإِلَى اللَّهِ تَرْجِعُ الْأُمُورُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ: ثُمَّ يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ الَّذِي تُبْعَثُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَكِنْ بِحَذْفِ إِلَيْهِ كَالْأَكْثَرِينَ، وَفِيهِ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَنَّ الرُّوحَ لَا تَفْنَى بِفَنَاءِ الْجَسَدِ ; لِأَنَّ الْعَرْضَ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى حَيٍّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ عَلَى أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ; لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ بِذَلِكَ أَصَحُّ مِنْ غَيْرِهَا، وَالْمَعْنَى عِنْدِي أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عَلَى أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ لَا أَنَّهَا لَا تُفَارِقُهَا بَلْ هِيَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ الْأَرْوَاحَ تَسْرَحُ حَيْثُ شَاءَتْ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ»   565 - 567 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ) أَيْ جَمِيعَ جِسْمِهِ وَيَنْعَدِمُ بِالْكُلِّيَّةِ، أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ لَكِنْ زَالَتْ أَعْرَاضُهَا الْمَعْهُودَةُ، قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَمْ يَدُلَّ قَاطِعُ سَمْعِي عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا، وَلَا بَعْدَ أَنْ تَصِيرَ أَجْسَامُ الْعِبَادِ بِصِفَةِ أَجْسَامِ التُّرَابِ، ثُمَّ تُعَادُ بِتَرْكِيبِهَا إِلَى الْمَعْهُودِ (إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ، وَيُقَالُ بِالْمِيمِ وَهُوَ الْعُصْعُصُ أَسْفَلُ الْعَظْمِ الْهَابِطِ مِنَ الصُّلْبِ، فَإِنَّهُ قَاعِدَةُ الْبَدَنِ كَقَاعِدَةِ الْجِدَارِ فَلَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ ; لِأَنَّهُ (مِنْهُ خُلِقَ) أَيِ ابْتُدِئَ خَلْقُهُ (وَمِنْهُ يُرَكَّبُ) خَلْقُهُ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنَ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ابْتِدَاءُ الْخَلْقِ وَابْتِدَاءُ التَّرْكِيبِ، وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ الْبَاجِيُّ فَقَالَ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا خُلِقَ مِنَ الْإِنْسَانِ وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى مِنْهُ لِيُعَادَ تَرْكِيبُ الْخَلْقِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا عُمُومٌ يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ لِمَا رُوِيَ فِي أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُهُمْ، وَحَسْبُكَ مَا جَاءَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ، إِذْ أُخْرِجُوا بَعْدَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً لَيِّنَةً أَجْسَادُهُمْ، يَعْنِي أَطْرَافَهُمْ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ مَنْ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ فَلَا تَأْكُلُ مِنْهُ عَجْبَ الذَّنَبِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ لَا تَأْكُلَهُ جَازَ أَنْ لَا تَأْكُلَ الشُّهَدَاءَ، وَإِنَّمَا فِي هَذَا التَّسْلِيمُ لِمَنْ يَجِبُ لَهُ التَّسْلِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَزَادَ غَيْرُهُ: الصِّدِّيقِينَ وَالْعُلَمَاءَ الْعَامِلِينَ، وَالْمُؤَذِّنَ الْمُحْتَسِبَ، وَحَامِلَ الْقُرْآنِ الْعَامِلَ بِهِ، وَالْمُرَابِطَ، وَالْمَيِّتَ الحديث: 565 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 بِالطَّاعُونِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، وَالْمُكْثِرَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالْمُحِبِّينَ لِلَّهِ، فَتِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّثُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ»   566 - 568 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ) أَبِي الْخَطَّابِ الْمَدَنِيِّ، مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَيُقَالُ وُلِدَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ) السُّلَمِيَّ الْمَدَنِيَّ، الصَّحَابِيَّ الْمَشْهُورَ، أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالسِّينِ، أَيْ رُوحَهُ، وَفِي كِتَابِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيِّ: النَّسَمَةُ الرُّوحُ وَالنَّفْسُ وَالْبَدَنُ، وَإِنَّمَا يَعْنِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرُّوحَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا يَكُونُ فِيهِ الرُّوحُ مِنَ الْمَيِّتِ قَبْلَ الْبَعْثِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَيْءٌ مِنْ مَحَلِّ الرُّوحِ تَبْقَى فِيهِ الرُّوحُ. (طَيْرٌ يَعْلَقُ) بِالتَّحْتِيَّةِ، صِفَةُ طَيْرٍ، وَبِفَتْحِ اللَّامِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَرُوِيَ بِضَمِّهَا، قَالَ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالرَّعْيُ. (فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ) لِتَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِهَا. وَقَالَ الْبُونِيُّ: مَعْنَى رِوَايَةِ الْفَتْحِ تَأْوِي، وَالضَّمِّ تَرْعَى، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا ذُقْتُ الْيَوْمَ عَلُوقًا. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: يَعْلَقُ بِفَتْحِ اللَّامِ يَتَشَبَّثُ بِهَا وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْهَا، وَمَنْ رَوَاهُ بِضَمِّ اللَّامِ فَمَعْنَاهُ يُصِيبُ مِنْهَا الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ فَقَدْ أَصَابَ دُونَ مَا أَصَابَ غَيْرُهُ مِمَّنْ أَدْرَكَ الرَّغَدَ أَيِ الْعَيْشَ الْوَاسِعَ فَهُوَ مَثَلٌ مَضْرُوبٌ يُفْهَمُ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ أَرَادَ بِتَعَلُّقِ الْأَكْلِ نَفْسِهِ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالشَّهِيدِ، فَتَكُونُ رِوَايَةُ الضَّمِّ لِلشَّهِيدِ وَالْفَتْحِ لِمَنْ دُونَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِهِ، انْتَهَى. وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عَامٌّ فِي الشُّهَدَاءِ وَغَيْرِهِمْ إِذَا لَمْ يَحْبِسْهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ كَبِيرَةٌ وَلَا دَيْنٌ، أَوْ خَاصٌّ بِالشُّهَدَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ لَا يَدُلَّانِ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، حَكَاهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَذَكَرَ بَعْضَ أَدِلَّةِ الثَّانِي، وَقَالَ: بِحَمْلِهِ عَلَى الشُّهَدَاءِ يَزُولُ مَا ظَنَّهُ قَوْمٌ مِنْ مُعَارَضَةِ هَذَا الْحَدِيثِ لِلْحَدِيثِ قَبْلَهُ فِي عَرْضِ الْمَقْعَدِ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ يَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فَهُوَ يَرَاهَا فِي جَمِيعِ أَحْيَانِهِ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا إِنَّمَا هَذَا فِي الشُّهَدَاءِ خَاصَّةً وَمَا قَبِلَهُ فِي سَائِرِ النَّاسِ، وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ ابْنُ كَثِيرٍ فَقَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «إِنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ تَكُونُ عَلَى شَكْلِ طَيْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فَفِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ» ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، فَهِيَ كَالرَّاكِبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَرْوَاحِ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا تَطِيرُ بِأَنْفُسِهَا، فَهُوَ بُشْرَى لِكُلِّ مُؤْمِنٍ بِأَنَّ رُوحَهُ الحديث: 566 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 تَكُونُ فِي الْجَنَّةِ أَيْضًا وَتَسْرَحُ فِيهَا وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَرَى مَا فِيهَا مِنَ النُّضْرَةِ وَالسُّرُورِ. (حَتَّى يَرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَزِيزٌ عَظِيمٌ اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَئِمَّةٍ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ»   567 - 569 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْإِلَهِيَّةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّاهُ عَنِ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ بِوَاسِطَةٍ، قَالَهُ الْحَافِظُ. - (إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي) عِنْدَ حُضُورِ أَجَلِهِ إِنْ عَايَنَ مَا يُحِبُّ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، وَإِنْ عَايَنَ مَا يَكْرَهُ لَمْ يُحِبَّ الْخُرُوجَ مِنَ الدُّنْيَا، هَذَا مَعْنَاهُ كَمَا تَشْهَدُ بِهِ الْآثَارُ الْمَرْفُوعَةُ، وَذَلِكَ حِينَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمَوْتَ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ كَرَاهَتِهِ نَبِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ، وَلَكِنَّ الْمَكْرُوهَ مِنْ ذَلِكَ إِيثَارُ الدُّنْيَا وَكَرَاهَةُ أَنْ يَصِيرَ إِلَى اللَّهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ) أَيْ أَرَدْتُ لَهُ الْخَيْرَ. (وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ) زَادَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فَقَالَتْ عَائِشَةُ: " إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَكَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» ". وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ وَيُوَفِّقُهُ حَتَّى يُقَالَ مَاتَ بِخَيْرِ مَا كَانَ، فَإِذَا حُضِرَ وَرَأَى إِلَى ثَوَابِهِ اشْتَاقَتْ نَفْسُهُ، فَذَلِكَ حِينَ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ شَيْطَانًا فَأَضَلَّهُ وَفَتَنَهُ حَتَّى يُقَالَ مَاتَ بِشَرِّ مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَإِذَا حُضِرَ وَرَأَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ جَزِعَتْ نَفْسُهُ فَذَلِكَ حِينَ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» ". وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى مَحَبَّةِ لِقَاءِ اللَّهِ إِيثَارُ الْعَبْدِ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَلَا يُحِبُّ طُولَ الْقِيَامِ فِيهَا لَكِنْ يَسْتَعِدُّ لِلِارْتِحَالِ عَنْهَا، وَاللِّقَاءُ عَلَى وُجُوهٍ: مِنْهَا الرُّؤْيَةُ، وَمِنْهَا الْبَعْثُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ} [الأنعام: 31] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 31) أَيِ الْبَعْثِ، وَمِنْهَا الْمَوْتُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [العنكبوت: 5] (سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: الْآيَةُ 5) وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الحديث: 567 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 الْمُرَادُ بِاللِّقَاءِ الْمَصِيرُ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ وَطَلَبُ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ الْغَرَضُ بِهِ الْمَوْتَ ; لِأَنَّ كُلًّا يَكْرَهُهُ، فَمَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا وَأَبْغَضَهَا أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، وَمَنْ آثَرَهَا وَرَكَنَ إِلَيْهَا كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَمَحَبَّةُ اللَّهِ لِقَاءُ عَبْدِهِ إِرَادَةَ الْخَيْرِ لَهُ وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِ. وَفِي الْكَوَاكِبِ: إِنْ قِيلَ الشَّرْطُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ بَلِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ. قُلْتُ: مِثْلُهُ يُؤَوَّلُ بِالْإِخْبَارِ، أَيْ أَخْبِرْهُ بِأَنِّي أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَكَذَا الْكَرَاهَةُ. الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّوْحِيدِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لِأَهْلِهِ إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ ثُمَّ أَذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ فَغَفَرَ لَهُ»   568 - 570 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَالتَّخْفِيفِ (عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ) هَكَذَا رَفَعَهُ أَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَوَقَفَهُ الْقَعْنَبِيُّ وَمُصْعَبٌ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ فِي رَفْعِهِ ; لِأَنَّ رُوَاتَهُ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ (قَالَ رَجُلٌ) قَالَ الْحَافِظُ: قِيلَ اسْمُهُ جُهَيْنَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا. وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ لِلْخَطِيبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، يَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: عِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ ". (لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ) لَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي التَّوْحِيدَ عَنْهُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا فِي الْأَكْثَرِ مِنْ فِعْلِهِ كَحَدِيثِ: لَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ إِلَّا التَّوْحِيدَ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَفِي الصَّحِيحِ: مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يُسِيءُ الظَّنَّ بِعَمَلِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ. وَفِي ابْنِ حِبَّانَ: أَنَّهُ كَانَ نَبَّاشًا أَيْ لِلْقُبُورِ يَسْرِقُ أَكْفَانَ الْمَوْتَى. (لِأَهْلِهِ) وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: (إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ) وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ: إِذَا أَنَا مِتُّ فَأَحْرَقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي (ثُمَّ أَذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ) بِخِفَّةِ الدَّالِ وَشَدِّهَا مِنَ الْقَدَرِ وَهُوَ الْقَضَاءُ، لَا مِنَ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِطَاعَةِ كَقَوْلِهِ: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] (سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: الْآيَةُ 87) أَوْ بِمَعْنَى ضَيَّقَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 7) وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هَذَا رَجُلٌ جَهِلَ بَعْضَ صِفَاتِ اللَّهِ وَهِيَ الْقُدْرَةُ، وَلَا يَكْفُرُ جَاهِلُ بَعْضِهَا، وَإِنَّمَا يَكْفُرُ مَنْ عَانَدَ الْحَقَّ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) الْمُوَحِّدِينَ (فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ) زَادَ فِي الحديث: 568 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ: فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، وَزَادَ أَبُو عَوَانَةَ: فِي أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى رَدِّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخِطَابَ لِرُوحِهِ ; لِأَنَّ التَّحْرِيقَ وَالتَّذْرِيَةَ إِنَّمَا وَقَعَا عَلَى الْجَسَدِ وَهُوَ الَّذِي جُمِعَ وَأُعِيدَ (ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ) إِنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُهُ مِنْ خَشْيَتِكَ أَيْ خَوْفَ عِقَابِكَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى إِيمَانِهِ إِذِ الْخَشْيَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمُؤْمِنٍ بَلْ لِعَالِمٍ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] (سُورَةُ فَاطِرٍ: الْآيَةُ 28) وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَخَافَهُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ، قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ إِلَّا التَّوْحِيدَ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تَرْفَعُ الْإِشْكَالَ فِي إِيمَانِهِ، وَالْأُصُولُ تُعَضِّدُهَا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 48) وَقَدْ (قَالَ: فَغَفَرَ لَهُ) وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنِ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا. قَالَ ابْنُ التِّينِ: ذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ إِلَى أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ إِنَّمَا غُفِرَ لَهُ لِتَوْبَتِهِ الَّتِي تَابَهَا ; لِأَنَّ قَبُولَهَا وَاجِبٌ عَقْلًا عِنْدَهُمْ، وَالْأَشْعَرِيُّ قَطَعَ بِهَا سَمْعًا، وَغَيْرُهُ جَوَّزَ الْقَبُولَ كَسَائِرِ الطَّاعَاتِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: قَبُولُ التَّوْبَةِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَقْلًا، وَعِنْدَنَا وَاجِبٌ بِحُكْمِ الْوَعْدِ وَالتَّفَضُّلِ وَالْإِحْسَانِ، إِذْ لَوْ وَجَبَ الْقَبُولُ عَلَى اللَّهِ عَقْلًا لَاسْتَحَقَّ الذَّمَّ إِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَهُوَ مُحَالٌ ; لِأَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ مُسْتَكْمِلًا بِالْقَبُولِ، وَالْمُسْتَكْمِلُ بِالْغَيْرِ نَاقِصٌ بِذَاتِهِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ مُحَالٌ، وَلِأَنَّ الذَّمَّ إِنَّمَا يَمْنَعُ مِنَ الْفِعْلِ مَنْ يَتَأَذَّى لِسَمَاعِهِ وَيَنْفِرُ عَنْهُ طَبْعُهُ وَيَظْهَرُ لَهُ بِسَبَبِهِ نَقْصُ حَالٍ، أَمَّا الْمُتَعَالِي عَنِ الشَّهْوَةِ وَالنَّفْرَةِ وَالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَلَا يُعْقَلُ تَحَقُّقُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى تَمَدَّحَ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [التوبة: 104] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 104) وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا مَا تَمَدَّحَ بِهِ ; لِأَنَّ أَدَاءَ الْوَاجِبِ لَا يُفِيدُ الْمَدْحَ وَالثَّنَاءَ وَالتَّعْظِيمَ، قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: قَبُولُ التَّوْبَةِ مِنَ الْكُفْرِ يُقْطَعُ بِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إِجْمَاعًا، وَهَذَا مَحْمَلُ الْآيَةِ. وَأَمَّا الْمَعَاصِي فَيُقْطَعُ بِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْهَا مِنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْأُمَّةِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْجَمِيعِ؟ وَأَمَّا إِذَا عُيِّنَ إِنْسَانٌ تَائِبٌ فَيُرْجَى قَبُولُ تَوْبَتِهِ بِلَا قَطْعٍ، وَأَمَّا إِذَا فَرَضْنَا تَائِبًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ صَحِيحَ التَّوْبَةِ فَقِيلَ يُقْطَعُ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَعَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْهَا الْفُقَهَاءُ الْمُحَدِّثُونَ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنْ تُقْبَلَ تَوْبَةُ جَمِيعِ التَّائِبِينَ. وَذَهَبَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْطَعُ بِهِ عَلَى اللَّهِ بَلْ يَقْوَى فِي الرَّجَاءِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّوْبَةِ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّوْبَةِ مِنَ الْمَعَاصِي بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَالتَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّوْحِيدِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ رَوْحٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ كَمَا تُنَاتَجُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ»   569 - 571 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ مَوْلُودٍ) أَيْ مِنْ بَنِي آدَمَ، صَرَّحَ بِهِ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: كُلُّ بَنِي آدَمَ. وَكَذَا رَوَاهُ خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ) عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمَوْلُودِينَ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَأَصْرَحُ مِنْهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ: " «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» "، وَلِمُسْلِمٍ: " «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا وَهُوَ عَلَى الْمِلَّةِ» "، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ مَنْ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَلَهُ أَبَوَانِ غَيْرُ مُسْلِمَيْنِ نَقَلَاهُ إِلَى دِينِهِمَا، فَالتَّقْدِيرُ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَأَبَوَاهُ يَهُودِيَّانِ مَثَلًا فَإِنَّهُمَا يُهَوِّدَانِهِ ثُمَّ يَصِيرُ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى مَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ. وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «لَيْسَ مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ» ". وَأَصْرَحُ مِنْهَا رِوَايَةُ: " كُلُّ بَنِي آدَمَ "، وَأَشْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ الْإِسْلَامُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ. وَأَجْمَعَ عُلَمَاءُ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] (سُورَةُ الرُّومِ: الْآيَةُ 30) الْإِسْلَامُ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فِطْرَةَ اللَّهِ) الْآيَةَ. وَبِحَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حَمَّادٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ: " «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، فَاخْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ دِينِهِمْ» " الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ فَقَالَ: " حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ "، وَرُجِّحَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ} [الروم: 30] (سُورَةُ الرُّومِ: الْآيَةُ 30) لِأَنَّهَا إِضَافَةُ مَدْحٍ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِلُزُومِهَا فَعَلِمَ أَنَّهَا الْإِسْلَامُ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَسَحْنُونٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ الْمُرَادَ حِينَ أَخَذَ اللَّهُ الْعَهْدَ فَقَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] . قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُؤَيِّدُهُ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْفِطْرَةِ إِشَارَةٌ إِلَى مَعْهُودٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: (فِطْرَةَ اللَّهِ) وَمَعْنَى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) اثْبُتْ عَلَى الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. ثَانِيهَا: مَجِيءُ رِوَايَةٍ بِلَفْظِ الْمِلَّةِ بَدَلَ الْفِطْرَةِ وَالدِّينِ فِي قَوْلِهِ: (لِلدِّينِ حَنِيفًا) فَهُوَ عَيْنُ الْمِلَّةِ، قَالَ تَعَالَى: {دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [الأنعام: 161] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 161) . ثَالِثُهَا: التَّشْبِيهُ بِالْمَحْسُوسِ الْمُعَايَنِ لِيُفِيدَ أَنَّ ظُهُورَهُ يَقَعُ فِي الْبَيَانِ مَبْلَغَ هَذَا الْمَحْسُوسِ، قَالَ: وَالْمُرَادُ تَمَكُّنُ النَّاسِ مِنَ الْهُدَى فِي أَصْلِ الْجِبِلَّةِ وَالتَّهَيُّؤِ لِقَبُولِ الدِّينِ، فَلَوْ تُرِكَ الْمَرْءُ عَلَيْهَا لَاسْتَمَرَّ عَلَى لُزُومِهَا وَلَمْ يُفَارِقْهَا إِلَى غَيْرِهَا ; لِأَنَّ حِسَّ هَذَا الدِّينِ ثَابِتٌ فِي النُّفُوسِ وَإِنَّمَا يُعْدَلُ عَنْهُ الحديث: 569 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 لِآفَةٍ مِنَ الْآفَاتِ الْبَشَرِيَّةِ كَالتَّقْلِيدِ، انْتَهَى. وَإِلَى هَذَا مَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ فَقَالَ: الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ مُتَأَهِّلَةً لِقَبُولِ الْحَقِّ كَمَا خَلَقَ أَعْيُنَهُمْ وَأَسْمَاعَهُمْ قَابِلَةً لِلْمَرْئِيَّاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ، فَمَا دَامَتْ بَاقِيَةً عَلَى ذَلِكَ الْقَبُولِ وَعَلَى تِلْكَ الْأَهْلِيَّةِ أَدْرَكَتِ الْحَقَّ، وَدِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ الدِّينُ الْحَقُّ، وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَعْلَمُ الدِّينَ ; لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78] (سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 78) وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ فِطْرَتَهُ مُقْتَضِيَةٌ لِمَعْرِفَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَمَحَبَّتِهِ، فَنَفْسُ الْفِطْرَةِ تَسْتَلْزِمُ الْإِقْرَارَ وَالْمَحَبَّةَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ قَبُولِ الْفِطْرَةِ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَهْوِيدِ الْأَبَوَيْنِ مَثَلًا بِحَيْثُ يُخْرِجَانِ الْفِطْرَةَ عَنِ الْقَبُولِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، فَلَوْ خُلِّيَ وَعَدِمَ الْمُعَارِضُ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّهُ يُولَدُ عَلَى مَحَبَّةِ مَا يُلَائِمُ بَدَنَهُ مِنَ ارْتِضَاعِ اللَّبَنِ حَتَّى يَصْرِفَهُ عَنْهُ الصَّارِفُ، وَمِنْ ثَمَّ شُبِّهَتِ الْفِطْرَةُ بِاللَّبَنِ بَلْ كَانَتْ إِيَّاهُ فِي تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا، انْتَهَى. وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُولَدُ عَلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ شَقَاوَةٍ أَوْ سَعَادَةٍ، فَمَنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصِيرُ كَافِرًا وُلِدَ عَلَى الْكُفْرِ، فَكَأَنَّهُ أَوَّلُ الْفِطْرَةَ بِالْعِلْمِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ فَأَبَوَاهُ إِلَى آخِرِهِ مَعْنًى لِفِعْلِهِمَا بِهِ مَا هُوَ الْفِطْرَةُ الَّتِي وُلِدَ عَلَيْهَا فَيُنَافِي التَّمْثِيلَ بِحَالِ الْبَهِيمَةِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ فِيهِمُ الْمَعْرِفَةَ وَالْإِنْكَارَ، فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنَ الذُّرِّيَّةِ قَالُوا جَمِيعًا بَلَى، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَطَوْعًا، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَكَرْهًا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ هَذَا التَّفْصِيلُ عِنْدَ أَخْذِ الْمِيثَاقِ إِلَّا عَنِ السُّدِّيِّ وَلَمْ يُسْنِدْهُ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَقِيلَ: الْفِطْرَةُ الْخِلْقَةُ أَيْ يُولَدُ سَالِمًا لَا يَعْرِفُ كُفْرًا وَلَا إِيمَانًا ثُمَّ يَعْتَقِدُ إِذَا بَلَغَ التَّكْلِيفَ. وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ: إِنَّهُ يُطَابِقُ التَّمْثِيلَ بِالْبَهِيمَةِ وَلَا يُخَالِفُ حَدِيثَ عِيَاضٍ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ حُنَفَاءَ أَيْ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُقْتَصَرْ فِي أَحْوَالِ التَّبْدِيلِ عَلَى الْكُفْرِ دُونَ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ لِاسْتِشْهَادِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْآيَةِ مَعْنًى، وَقِيلَ اللَّامُ فِي الْفِطْرَةِ لِلْعَهْدِ أَيْ فِطْرَةِ أَبَوَيْهِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِمَا ذُكِرَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَحَمَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ عَلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَادَّعَى فِيهِ النَّسْخَ فَقَالَ: هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَالْأَمْرُ بِالْجِهَادِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَأَنَّهُ عَنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُولَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُهَوِّدَهُ أَبَوَاهُ مَثَلًا لَمْ يَرِثَاهُ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُمَا يَرِثَاهُ فَدَلَّ عَلَى تَغَيُّرِ الْحُكْمِ. وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ حَادَ عَنِ الْجَوَابِ، وَفِي حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ وَكَذَا رَدَّهُ غَيْرُهُ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَمْ يُرِدْ إِثْبَاتَ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ وَالْمَعْصِيَةَ لَيْسَا بِقَضَاءِ اللَّهِ بَلْ مِمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ إِحْدَاثَهُ، فَحَاوَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 الْعُلَمَاءُ مُخَالَفَتَهُمْ بِتَأْوِيلِ الْفِطْرَةِ عَلَى غَيْرِ مَعْنَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْقَدَرِيَّةِ لِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ، وَلِذَا احْتَجَّ مَالِكٌ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، انْتَهَى. رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكًا، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ يَحْتَجُّونَ عَلَيْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ مَالِكٌ: احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِآخِرِهِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ فَطَرَ الْعِبَادَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ لَا يُضِلُّ أَحَدًا فَإِنَّمَا يُضِلُّ الْكَافِرَ أَبَوَاهُ، فَأَشَارَ مَالِكٌ إِلَى رَدِّهِ بِقَوْلِهِ: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى عِلْمِهِ بِمَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ بَعْدَ إِيجَادِهِمْ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ الْعِلْمِ الَّذِي يُنْكِرُهُ غُلَاتُهُمْ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَهْلُ الْقَدَرِ إِنْ أَثْبَتُوا الْعِلْمَ خُصِمُوا (فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ) زَادَ ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَوْ يُمَجِّسَانِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ إِمَّا لِلتَّعْقِيبِ أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ جَزَاءُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَمَنْ تَغَيَّرَ كَانَ بِسَبَبِ أَبَوَيْهِ إِمَّا بِتَعْلِيمِهِمَا إِيَّاهُ أَوْ تَرْغِيبِهِمَا فِيهِ، أَوْ كَوْنِهِ تَبَعًا لَهُمَا فِي الدِّينِ يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَهُ حَكَمُهُمَا، وَخُصَّ الْأَبَوَانِ بِالذِّكْرِ لِلْغَالِبِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ حَكَمَ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ الَّذِي يَمُوتُ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ أَحْمَدَ فَقَالَ: اسْتَقَرَّ عَمَلُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى عَدَمِ التَّعَرُّضِ لِأَطْفَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَاسْتَشْكَلَ الْحَدِيثُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يَقَعُ لَهُ التَّهَوُّدُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ، مَعَ أَنَّ كَثِيرًا يَبْقَى مُسْلِمًا لَا يَقَعُ لَهُ شَيْءٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْكُفْرَ لَيْسَ مِنْ ذَاتِ الْمَوْلُودِ وَمُقْتَضَى طَبْعِهِ بَلْ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِسَبَبٍ خَارِجِيٍّ، فَإِنْ سَلِمَ مِنْهُ اسْتَمَرَّ عَلَى الْحَقِّ. (كَمَا تُنَاتَجُ) بِفَوْقِيَّةٍ فَنُونٍ فَأَلِفٍ فَفَوْقِيَّةٍ فَجِيمٍ، أَيْ يُولَدُ (الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَالْمَدِّ، نَعْتٌ لِبَهِيمَةٍ، أَيْ لَمْ يَذْهَبْ مِنْ بَدَنِهَا شَيْءٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ أَعْضَائِهَا (هَلْ تُحِسُّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ، أَيْ تُبْصِرُ، وَفِي رِوَايَةٍ: هَلْ تَرَى (فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ، أَيْ مَقْطُوعَةِ الْأَنْفِ أَوِ الْأُذُنِ وَالْأَطْرَافِ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ أَوْ حَالٌ أَيْ بَهِيمَةٍ تَقُولُ فِيهَا هَذَا الْقَوْلَ، أَيْ كُلُّ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا قَالَهُ لِظُهُورِ سَلَامَتِهَا، زَادَ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ: حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا. قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ الْمَوْلُودَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ يُغَيِّرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَوَاهُ، كَمَا أَنَّ الْبَهِيمَةَ تُولَدُ تَامَّةً لَا جَدْعَ فِيهَا مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَإِنَّمَا تُجْدَعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُغَيَّرُ خَلْقُهَا. وَقَالَ فِي الْمُفْهِمِ: يَعْنِي أَنَّ الْبَهِيمَةَ تَلِدُ الْوَلَدَ كَامِلَ الْخِلْقَةِ فَلَوْ تُرِكَ كَذَلِكَ كَانَ بَرِيًّا مِنَ الْعَيْبِ لَكِنَّهُمْ تَصَرَّفُوا فِيهِ بِقَطْعِ أُذُنِهِ مَثَلًا، فَخَرَجَ عَنِ الْأَصْلِ وَهُوَ تَشْبِيهٌ وَاقِعٌ وَوَجْهٌ وَاضِحٌ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: كَمَا حَالَ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي يُهَوِّدَانِهِ، أَيْ يُهَوِّدَانِ الْمَوْلُودَ بَعْدَ خَلْقِهِ عَلَى الْفِطْرَةِ حَالَ كَوْنِهِ شَبِيهًا بِالْبَهِيمَةِ الَّتِي جُدِعَتْ بَعْدَ أَنْ خُلِقَتْ سَلِيمَةً، أَوْ صِفَةَ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ يُغَيِّرَانِهِ مِثْلَ تَغْيِيرِهِمُ الْبَهِيمَةَ السَّلِيمَةَ، وَقَدْ تَنَازَعَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 الْأَفْعَالُ الثَّلَاثَةُ فِي كَمَا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنَا مِنْ إِطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ ; لِأَنَّ مُشَاهَدَةَ الْأَشْيَاءِ طَرِيقٌ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنْهَا، أَيْ قَدْ رَأَيْتَ (الَّذِي يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ) لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ أَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ (قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ لَوْ أَبْقَاهُمْ فَلَا تَحْكُمُوا عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَيْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَعْمَلُونَ شَيْئًا وَلَا يَرْجِعُونَ فَيَعْمَلُونَ، أَوْ أَخْبَرَ بِعِلْمِ الشَّيْءِ لَوْ وُجِدَ كَيْفَ يَكُونُ؟ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُمْ يُجَازَوْنَ بِذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ ; لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُجَازَى بِمَا لَمْ يَعْمَلْ، أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا مَا يَقْتَضِي تَعْذِيبَهُمْ ضَرُورَةَ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ لَا لِأَجْلِ الْأَعْمَالِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ ذَرَارِيُّ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ لَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، بَلِ الْمُوجِبُ لَهُمَا اللُّطْفُ الرَّبَّانِيُّ وَالْخِذْلَانُ الْإِلَهِيُّ الْمُقَدَّرُ لَهُمَا فِي الْأَزَلِ، فَالْأَوْلَى فِيهِمَا التَّوَقُّفُ وَعَدَمُ الْجَزْمِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ أَعْمَالَهُمْ مَوْكُولَةٌ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ فِيمَا يَعُودُ إِلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا، وَتَوَقَّفَ بِهِ بَعْضُ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي مُسْلِمٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعِيَ لِجِنَازَةِ صَبِيٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقُلْتُ: طُوبَى لَهُ عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ، لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ، فَقَالَ: أَوَغَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ» ". وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ نَهَاهَا عَنِ الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ، أَوْ قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إِجْمَاعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الْخِلَافُ فِي غَيْرِ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ. انْتَهَى. وَأَمَّا أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِيهِمْ عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ فِي الْمَشِيئَةِ، وَنُقِلَ عَنِ الْحَمَّادِينَ وَإِسْحَاقَ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ مَالِكٍ وَلَا نَصَّ عَنْهُ لَكِنْ صَرَّحَ أَصْحَابُهُ بِأَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ وَأَطْفَالَ الْكُفَّارِ فِي الْمَشِيئَةِ، وَالْحُجَّةُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «سُئِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» . ثَانِيهَا: أَنَّهُمْ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ، حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنِ الْأَزَارِقَةِ وَالْخَوَارِجِ، وَلِأَحْمَدَ «عَنْ عَائِشَةَ: " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وِلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ فِي الْجَنَّةِ، وَعَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ فِي النَّارِ، فَقُلْتُ: لَمْ يُدْرِكُوا الْأَعْمَالَ، قَالَ: رَبُّكِ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ لَوْ شِئْتِ أَسْمَعْتُكِ تَضَاغِيَهُمْ فِي النَّارِ» ". وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ جِدًّا ; لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ أَبَا عَقِيلٍ مَوْلَى بُهَيَّةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. ثَالِثُهَا: أَنَّهُمْ فِي بَرْزَخٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ إِذْ لَا حَسَنَاتٍ لَهُمْ يَدْخُلُونَ بِهَا الْجَنَّةَ وَلَا سَيِّئَاتٍ يَدْخُلُونَ بِهَا النَّارَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 رَابِعُهَا: أَنَّهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، رَوَى الطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرِيُّ وَالْبَزَّارُ مَرْفُوعًا: " «أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ". وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. خَامِسُهَا: يَصِيرُونَ تُرَابًا. سَادِسُهَا: فِي النَّارِ، حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ أَحْمَدَ وَغَلَّطَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ بِأَنَّهُ قَوْلٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ، وَلَا يُحْفَظُ عَنِ الْإِمَامِ أَصْلًا، وَهُوَ غَيْرُ الثَّانِي ; لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ فِي النَّارِ أَنْ يَكُونُوا مَعَ آبَائِهِمْ، كَمَا أَنَّ عُصَاةَ الْمُوَحِّدِينَ فِي النَّارِ لَا مَعَ الْكُفَّارِ. سَابِعُهَا: " «يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ بِأَنْ تُرْفَعَ لَهُمْ نَارٌ فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا وَمَنْ أَبَى عُذِّبَ» ". أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ. وَقَدْ صَحَّتْ مَسْأَلَةُ الِامْتِحَانِ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ وَمَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ، وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ، وَتُعُقِّبُ بِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ دَارَ تَكْلِيفٍ فَلَا عَمَلَ فِيهَا وَلَا ابْتِلَاءَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ. وَأَمَّا فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] (سُورَةُ الْقَلَمِ: الْآيَةُ 42) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: " «أَنَّ النَّاسَ يُؤْمَرُونَ بِالسُّجُودِ فَيَصِيرُ ظَهْرُ الْمُنَافِقِ طَبَقًا فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْجُدَ» ". ثَامِنُهَا: الْوَقْفُ. تَاسِعُهَا: الْإِمْسَاكُ. وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا دِقَّةٌ. عَاشِرُهَا: أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 15) وَإِذَا لَمْ يُعَذِّبِ الْعَاقِلَ ; لِأَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ فَأَوْلَى غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّيْخَ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمَ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ وَهُوَ عَامٌّ يَشْمَلُ أَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرَهُمْ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاذٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: " «سَأَلَتْ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ، ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدُ فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ فَنَزَلَتْ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] » (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 164) فَقَالَ: هُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَقَالَ: فِي الْجَنَّةِ ". قَالَ الْحَافِظُ: وَأَبُو مُعَاذٍ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْبَابِ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ»   570 - 572 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ) أَيْ مَيِّتًا، وَذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ الحديث: 570 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 وَخَوْفِ ذَهَابِ الدِّينِ لِغَلَبَةِ الْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ وَظُهُورِ الْمَعَاصِي، أَوْ مَا يَقَعُ لِبَعْضِهِمْ مِنَ الْمُصِيبَةِ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ أَوْ دُنْيَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِدِينِهِ. وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلَّا الْبَلَاءُ» ". وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " «سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ لَوْ وَجَدَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ يُبَاعُ لَاشْتَرَاهُ» ". وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ: وَهَذَا الْعَيْشُ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ ... أَلَا مَوْتٌ يُبَاعُ فَأَشْتَرِيهِ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَقَعُ الْبَلَاءُ وَالشِّدَّةُ حَتَّى يَكُونَ الْمَوْتُ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ أَهْوَنَ عَلَى الْمَرْءِ فَيَتَمَنَّى أَهْوَنَ الْمُصِيبَتَيْنِ فِي اعْتِقَادِهِ، وَذَكَرَ الرَّجُلَ لِلْغَالِبِ، وَإِلَّا فَالْمَرْأَةُ يُمْكِنُ أَنْ تَتَمَنَّى الْمَوْتَ لِذَلِكَ أَيْضًا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ أَنَّ الرِّجَالَ هُمُ الْمُبْتَلُونَ بِالشَّدَائِدِ، وَالنِّسَاءُ مُحَجَّبَاتٌ لَا يَصْلَيْنَ نَارَ الْفِتْنَةِ خَصَّهُمْ، كَمَا قِيلَ: كُتِبَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ عَلَيْنَا وَعَلَى الْغَانِيَاتِ جَرُّ الذُّيُولِ. قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَلَا كُلِّ زَمَنٍ وَلَا فِي جَمِيعِ النَّاسِ، بَلْ يَصْدُقُ عَلَى اتِّفَاقِهِ لِلْبَعْضِ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ وَفِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ، وَفِي تَعْلِيقِ تَمَنِّيهِ بِالْمُرُورِ إِشْعَارٌ بِشِدَّةِ مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ مِنْ فَسَادِ الْحَالِ حَالَتَئِذٍ ; إِذِ الْمَرْءُ قَدْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْضَارِ شَيْءٍ، فَإِذَا شَاهَدَ الْمَوْتَى وَرَأَى الْقُبُورَ نَشَزَ بِطَبْعِهِ وَنَفَرَ بِسَجِيَّتِهِ مِنْ تَمَنِّيهِ، فَلِقُوَّةِ الشِّدَّةِ لَمْ يَصْرِفْهُ عَنْهُ مَا شَاهَدَهُ مِنْ وَحْشَةِ الْقُبُورِ، وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا النَّهْيَ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ ; لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِخْبَارٌ عَمَّا يَكُونُ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يُعَارِضُ هَذَا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ» ". «وَقَوْلَ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ» ; لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ بِشِدَّةِ مَا يَنْزِلُ بِالنَّاسِ مِنْ فَسَادِ الدِّينِ لَا لِضَرَرٍ يُصِيبُ جِسْمَهُ يَحُطُّ خَطَايَاهُ. وَقَدْ قَالَ عَتِيقٌ الْغِفَارِيُّ زَمَنَ الطَّاعُونِ: يَا طَاعُونُ خُذْنِي إِلَيْكَ، فَقِيلَ: أَلَمْ يَأْتِ النَّهْيُ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «بَادِرُوا بِالْمَوْتِ إِمْرَةَ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ، وَبَيْعَ الْحُكْمِ وَاسْتِخْفَافًا بِالدَّمِ وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ وَنِسَاءً يَتَّخِذُونَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ الرَّجُلَ يُغَنِّيهِمْ بِالْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّهُمْ فِقْهًا» . وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وَإِذَا أَرَدْتَ بِالنَّاسِ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ» " وَقَوْلُ عُمَرَ: " اللَّهُمَّ قَدْ ضَعُفَتْ قُوَّتِي وَكَبُرَتْ سِنِّي وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي فَاقْبِضْنِي غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ "، انْتَهَى. وَهُوَ نَاظِرٌ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الْفِتَنِ، الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَقَالَ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ قَالَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ»   571 - 573 - (مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ حَلْحَلَةَ) بِحَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَلَامَيْنِ أُولَاهُمَا سَاكِنَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَفْتُوحَةٌ، زَادَ ابْنُ وَضَّاحٍ (الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، الْمَدَنِيِّ (عَنْ مَعْبَدِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَمُوَحَّدَةٍ (بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) الْأَنْصَارِيِّ السُّلَمِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) الْحَارِثِ، وَيُقَالُ: عَمْرٌو، وَيُقَالُ: النُّعْمَانُ (بْنُ رِبْعِيٍّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، السُّلَمِيِّ الْمَدَنِيِّ، شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا، وَلَمْ يَصِحَّ شُهُودُهُ بَدْرًا، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّآتِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَأَخْطَأَ فِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ (أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرَّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَشَدِّ الرَّاءِ (عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: يُقَالُ أَرَاحَ الرَّجُلُ وَاسْتَرَاحَ إِذَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ بَعْدَ الْإِعْيَاءِ، انْتَهَى. وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فَهِيَ لِلتَّنْوِيعِ أَيْ لَا يَخْلُو ابْنُ آدَمَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَلَا يَخْتَصُّ بِصَاحِبِ الْجِنَازَةِ. (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟) وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِعَادَةِ مَا (قَالَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ) الْمُتَّقِي خَاصَّةً أَوْ كُلُّ مُؤْمِنٍ (يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا) بِفَتْحَتَيْنِ تَعَبُهَا وَمَشَقَّتُهَا (وَأَذَاهَا) وَهُوَ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ (إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ) تَعَالَى. قَالَ مَسْرُوقٌ: مَا غَبَطْتُ شَيْئًا لِشَيْءٍ كَمُؤْمِنٍ فِي لَحْدِهِ أَمِنَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَاسْتَرَاحَ مِنَ الدُّنْيَا. (وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ) الْكَافِرُ أَوِ الْعَاصِي (يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ) أَيْ مِنْ ظُلْمِهِ لَهُمْ، وَقَوْلُ الدَّاوُدِيِّ لِمَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْمُنْكَرِ: فَإِنْ أَنْكَرُوا آذَاهُمْ وَإِنْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا، رَدَّهُ الْبَاجِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ تَارِكُ الْإِنْكَارِ إِذَا نَالَهُ أَذًى وَيَكْفِيهِ أَنْ يُنْكِرَ بِقَلْبِهِ. (وَالْبِلَادُ) بِمَا يَفْعَلُهُ فِيهَا مِنَ الْمَعَاصِي فَيَحْصُلُ الْجَدْبُ فَيَهْلَكُ الْحَرْثُ وَالنَّسْلُ أَوْ لِغَصْبِهَا وَمَنْعِهَا مِنْ حَقِّهَا. (وَالشَّجَرُ) لِقَلْعِهِ إِيَّاهَا غَصْبًا أَوْ غَصْبِ ثَمَرِهَا (وَالدَّوَابُّ) لِاسْتِعْمَالِهِ لَهَا فَوْقَ طَاقَتِهَا وَتَقْصِيرِهِ فِي عَلْفِهَا وَسَقْيِهَا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَمَّا اسْتِرَاحَةُ الْبِلَادِ وَالْأَشْجَارِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِفَقْدِهِ يُرْسِلُ السَّمَاءَ مِدْرَارًا وَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ وَالدَّوَابَّ بَعْدَمَا حَبَسَ بِشُؤْمِ ذُنُوبِهِ الْأَمْطَارَ، لَكِنَّ إِسْنَادَ الرَّاحَةِ إِلَيْهَا مَجَازٌ، إِذِ الرَّاحَةُ إِنَّمَا هِيَ لِمَالِكِهَا، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 571 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَمُرَّ بِجَنَازَتِهِ ذَهَبْتَ وَلَمْ تَلَبَّسْ مِنْهَا بِشَيْءٍ»   572 - 574 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ) سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنَيْنِ، الْقُرَشِيِّ (أَنَّهُ قَالَ) وَصَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ) بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ ابْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ الْقُرَشِيُّ الْجُمَحِيُّ، أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ الْهِجْرَةَ الْأُولَى. وَرَوَى ابْنُ شَاهِينَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قُلْتُ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ تَشُقُّ عَلَيَّ الْغُرْبَةُ فِي الْمَغَازِي فَتَأْذَنُ لِي فِي الْخِصَاءِ فَأَخْتَصِي، فَقَالَ: لَا وَلَكِنْ عَلَيْكَ يَا ابْنَ مَظْعُونٍ بِالصَّوْمِ» ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: " «رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا» ". تُوُفِّيَ بَعْدَ شُهُودِهِ بَدْرًا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَوَّلُ مَنْ دُفِنَ مِنْهُمْ بِالْبَقِيعِ (وَمُرَّ بِجِنَازَتِهِ) عَلَيْهِ (ذَهَبْتَ وَلَمْ تَلَبَّسْ) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَلِابْنِ وَضَّاحٍ: تَتَلَبَّسْ بِتَاءَيْنِ (مِنْهَا) أَيِ الدُّنْيَا (بِشَيْءٍ) كَثِيرٍ ; لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَا مَحَالَةَ، وَفِيهِ مَدْحُ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَذَمُّ الِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا، وَالثَّنَاءُ عَلَى الْمَرْءِ بِمَا فِيهِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: " «قَبَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ وَهُوَ يَبْكِي وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ قَالَ: الْحَقْ بِسَلَفِنَا الصَّالِحِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ» ". الحديث: 572 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ خَرَجَ قَالَتْ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي بَرِيرَةَ تَتْبَعُهُ فَتَبِعَتْهُ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَوَقَفَ فِي أَدْنَاهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقِفَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَسَبَقَتْهُ بَرِيرَةُ فَأَخْبَرَتْنِي فَلَمْ أَذْكُرْ لَهُ شَيْئًا حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ لِأُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ»   573 - 575 - (مَالِكٌ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ) بِلَالٍ الْمَدَنِيِّ، مَوْلَى عَائِشَةَ، وَهُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ أُمِّ عَلْقَمَةَ، ثِقَةٌ عَلَّامَةٌ، مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ أُمِّهِ) مَرْجَانَةَ، وَتُكْنَى بِابْنِهَا، تَابِعِيَّةٌ ثِقَةٌ، وَهِيَ مَوْلَاةُ عَائِشَةَ بِلَا خِلَافٍ (أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي بِرَيْرَةَ) بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءَيْنِ بِلَا نَقْطٍ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ هَاءٌ، صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ، عَاشَتْ إِلَى زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ (تَتْبَعُهُ) لِتَسْتَفِيدَ عِلْمًا، وَيُحْتَمَلُ غَيْرَةً مِنْهَا مَخَافَةَ أَنْ يَأْتِيَ بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (فَتَبِعَتْهُ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعُ) بِالْمُوَحَّدَةِ اتِّفَاقًا (فَوَقَفَ فِي أَدْنَاهُ) أَقْرَبِهِ (مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ الحديث: 573 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 يَقِفَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَسَبَقَتْهُ بِرَيْرَةُ فَأَخْبَرَتْنِي) بِمَا فَعَلَ (فَلَمْ أَذْكُرْ لَهُ شَيْئًا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ لِأُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الصَّلَاةَ هُنَا الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَأَنْ تَكُونَ كَالصَّلَاةِ عَلَى الْمَوْتَى خُصُوصِيَّةً لَهُ ; لِأَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ رَحْمَةٌ، فَكَأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ مَرَّتَيْنِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ مَنْ صُلِّيَ إِلَّا بِحِدْثَانِ ذَلِكَ، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، قَالَ: وَأَمَّا بَعْثُهُ وَمَسِيرُهُ إِلَيْهِمْ فَلَا يُدْرَى لِمِثْلِ هَذَا عِلَّةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِيُعْلِمَهُمْ بِالصَّلَاةِ مِنْهُ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا دُفِنَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ كَالْمِسْكِينَةِ، وَمِثْلُهَا مَنْ دُفِنَ لَيْلًا وَلَمْ يُشْعَرْ بِهِ لِيَكُونَ مُسَاوِيًا بَيْنَهُمْ فِي صَلَاتِهِ عَلَيْهِمْ وَلَا يُؤْثِرُ بَعْضَهُمْ بِذَلِكَ لِيَتِمَّ عَدْلُهُ، وَجَاءَ حَدِيثٌ حَسَنٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ حِينَ خُيِّرَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي مُوَيْهَةَ مَرْفُوعًا: " «إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهَةَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَيَّرَنِي فِي مَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدِ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةِ وَلِقَاءِ رَبِّي فَاخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي، فَأَصْبَحَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَبَدَأَهُ وَجَعُهُ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ". وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَالْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ فَإِنَّمَا هُوَ خَيْرٌ تُقَدِّمُونَهُ إِلَيْهِ أَوْ شَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ   574 - 576 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ) كَذَا وَقَفَهُ جُمْهُورُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ. وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ، وَلَكِنَّهُ مَرْفُوعٌ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (أَسْرِعُوا) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ (بِجَنَائِزِكُمْ) أَيْ بِحَمْلِهَا إِلَى قَبْرِهَا، إِسْرَاعًا خَفِيفًا فَوْقَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَالْخَبَبِ، بِحَيْثُ عَلَى ضَعْفَةِ مَنْ يَتْبَعُهَا وَلَا عَلَى حَامِلِهَا، وَلَا يَحْدُثُ مَفْسَدَةٌ بِالْمَيِّتِ، وَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَشَذَّ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ بِوُجُوبِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ شِدَّةُ الْمَشْيِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ السَّلَفِ، وَمَالَ عِيَاضٌ إِلَى نَفْيِ الْخِلَافِ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَحَبَّهُ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ، وَمَنْ كَرِهَهُ أَرَادَ الْإِفْرَاطَ كَالرَّمَلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يَنْتَهِي إِلَى شِدَّةٍ يُخَافُ مِنْهَا حُدُوثُ مَفْسَدَةٍ بِالْمَيِّتِ وَمَشَقَّةٍ عَلَى الْحَامِلِ أَوِ الحديث: 574 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 الْمُشَيِّعِ لِئَلَّا يُنَافِيَ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّظَافَةِ، وَإِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنْ لَا يُبَطَّأَ بِالْمَيِّتِ عَنِ الدَّفْنِ، وَلِأَنَّ الْبُطْءَ رُبَّمَا أَدَّى إِلَى التَّبَاهِي وَالِاحْتِفَالِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَتَأَوَّلَهُ قَوْمٌ عَلَى تَعْجِيلِ الدَّفْنِ لَا الْمَشْيِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا، وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ: تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ، وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: إِنَّهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِهَذَا، وَتَعَقَّبَهُ الْفَاكِهَانِيُّ: بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الرِّقَابِ قَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْمَعَانِي كَمَا يَقُولُ: حَمَلَ فُلَانٌ عَلَى رَقَبَتِهِ دُيُونًا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى اسْتَرِيحُوا مِنْ نَظَرِ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْكُلَّ لَا يَحْمِلُونَهُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ» ". أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحٍ مَرْفُوعًا: " «لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تَبْقَى بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ» ". (فَإِنَّمَا هُوَ خَيْرٌ تُقَدِّمُونَهُ) كَذَا فِي الْأُصُولِ، وَالْقِيَاسُ: تُقَدِّمُونَهَا، أَيِ الْجَنَائِزَ (إِلَيْهِ) أَيِ الْخَيْرِ بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ وَالْإِكْرَامِ لَهُ فِي قَبْرِهِ فَيُسْرِعُ بِهِ لِيَلْقَاهُ قَرِيبًا. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَرُوِيَ " إِلَيْهَا " بِتَأْنِيثِ الضَّمِيرِ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَيْرِ بِالرَّحْمَةِ أَوِ الْحُسْنَى (أَوْ شَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ) فَلَا مَصْلَحَةَ لَكُمْ فِي مُصَاحَبَتِهِ ; لِأَنَّهَا بَعِيدَةٌ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَرْكُ صُحْبَةِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ وَغَيْرِ الصَّالِحِينَ، وَفِيهِ نَدْبُ الْمُبَادَرَةِ بِدَفْنِ الْمَيِّتِ لَكِنْ بَعْدَ تَحَقُّقِ أَنَّهُ مَاتَ، أَمَّا مَثَلُ الْمَطْعُونِ وَالْمَسْبُوتِ وَالْمَفْلُوجِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْرِعَ بِتَجْهِيزِهِمْ حَتَّى يَمْضِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِيَتَحَقَّقَ مَوْتُهُمْ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ بَزِيزَةَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 [كِتَاب الزَّكَاةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الزَّكَاةِ   قَالَ الْإِمَامُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَبَرُّكًا وَقَدَّمَهَا عَلَى التَّرْجَمَةِ لِيَكُونَ الْبَدْءُ بِهَا حَقِيقِيًّا. 17 - كِتَابُ الزَّكَاةِ لُغَةً النَّمَاءُ، يُقَالُ: زَكَا الزَّرْعُ إِذَا نَمَا، وَبِمَعْنَى التَّطْهِيرِ، وَشَرْعًا بِالِاعْتِبَارَيْنِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ إِخْرَاجَهَا سَبَبُ النَّمَاءِ فِي الْمَالِ فَسُمِّيَتْ زَكَاةً بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ إِخْرَاجُهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 36) أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ الْأَجْرَ يَكْثُرُ بِسَبَبِهَا، أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ مُتَعَلِّقَهَا الْأَمْوَالُ ذَاتُ النَّمَاءِ كَالتِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ، وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ: " «مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ» ". وَلِأَنَّهَا يُضَاعَفُ ثَوَابُهَا كَمَا جَاءَ: إِنَّ اللَّهَ يُرَبِّي الصَّدَقَةَ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّهَا طُهْرَةُ النَّفْسِ مِنْ رَذِيلَةِ الْبُخْلِ، وَتَطْهِيرٌ مِنَ الذُّنُوبِ، وَهِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنَ الْأَرْكَانِ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ، وَلَهَا أَسْمَاءٌ: الزَّكَاةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 43) وَالصَّدَقَةُ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 103) وَالْحَقُّ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 141) وَالنَّفَقَةُ، قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 34) وَالْعُرْفُ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 199) قَالَ الْبَاجِيُّ: إِلَّا أَنَّ عُرْفَ الِاسْتِعْمَالِ فِي الشَّرْعِ جَرَى فِي الْفَرْضِ بِلَفْظِ الزَّكَاةِ، وَفِي النَّفْلِ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: تُطْلَقُ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعَفْوِ وَالْحَقِّ، وَتَعْرِيفُهَا شَرْعًا إِعْطَاءُ جُزْءٍ مِنَ النِّصَابِ الْحَوْلِيِّ إِلَى فَقِيرٍ وَنَحْوِهِ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ وَلَا مُطَّلِبِيٍّ، ثُمَّ لَهَا رُكْنٌ وَهُوَ الْإِخْلَاصُ، وَشَرْطٌ وَهُوَ السَّبَبُ، وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ الْحَوْلِيِّ، وَشَرْطُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَلَهَا حُكْمٌ وَهُوَ سُقُوطُ الْوَاجِبِ فِي الدُّنْيَا وَحُصُولُ الثَّوَابِ فِي الْأُخْرَى، وَحِكْمَةٌ وَهِيَ التَّطْهِيرُ مِنَ الْأَدْنَاسِ وَرَفْعُ الدَّرَجَةِ وَاسْتِرْقَاقُ الْأَحْرَارِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ جَيِّدٌ لَكِنْ فِي شَرْطِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِلَافٌ. وَالزَّكَاةُ أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ شَرْعًا يُسْتَغْنَى عَنْ تَكَلُّفِ الِاحْتِجَاجِ لَهُ فَمَنْ جَحَدَ فَرْضَهَا كَفَرَ، وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي بَعْضِ فُرُوعِهَا وَفُرِضَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، فَقِيلَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ رَمَضَانَ، وَقِيلَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى، وَجَزَمَ ابْنُ الْأَثِيرِ بِأَنَّهُ فِي التَّاسِعَةِ، وَادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَفِيهِمَا نَظَرٌ بَيَّنَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بِمَا فِيهِ طُولٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 [بَاب مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ] حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»   1 - بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ 575 - 577 - (مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ (الْمَازِنِيِّ) بِكَسْرِ الزَّايِ، نِسْبَةً إِلَى مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ الْأَنْصَارِيِّ، وَفِي مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ: مَالِكٌ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى حَدَّثَهُ (عَنْ أَبِيهِ) يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ (أَنَّهُ قَالَ) وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ قَالَ: (سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ) سَعْدَ بْنَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (الْخُدْرِيَّ) الصَّحَابِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ فِيمَا دُونَ) بِمَعْنَى أَقَلَّ مِنْ (خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ) زَادَ التِّنِّيسِيُّ مِنَ الْإِبِلِ، وَهُوَ بَيَانٌ لِذَوْدٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بِإِضَافَةِ خَمْسٍ إِلَى ذَوْدٍ، وَرُوِيَ بِتَنْوِينِ خَمْسٍ وَيَكُونُ بَدَلًا مِنْهُ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الذَّوْدُ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ إِنَّمَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ: بَعِيرٌ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: أَضَافَ (خَمْسِ) إِلَى (ذَوْدٍ) وَهُوَ مُذَكَّرٌ ; لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَأَضَافَهُ إِلَى الْجَمْعِ لِوُقُوعِهِ عَلَى الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ. وَقَوْلُ ابْنِ قُتَيْبَةَ: يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ فَقَطْ لَا يَدْفَعُ نَقْلَ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْجَمْعِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الذَّوْدَ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ لَا وَاحِدَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مِنِ اثْنَيْنِ إِلَى عَشَرَةٍ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْإِنَاثِ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: تَقُولُ ثَلَاثُ ذَوْدٍ لِأَنَّ الذَّوْدَ مُؤَنَّثٌ، وَأَنْكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنْ يُرَادَ بِالذَّوْدِ الْجَمْعُ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ خَمْسُ ذَوْدٍ كَمَا لَا يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ خَمْسُ ثَوْبٍ، وَغَلَّطَهُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: تَرَكُوا الْقِيَاسَ فِي الْجَمْعِ فَقَالُوا خَمْسُ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ، كَمَا قَالُوا: ثَلَاثُمِائَةٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الذَّوْدَ وَاحِدٌ فِي لَفْظِهِ، وَالْأَشْهَرُ مَا قَالَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَأَصْلُهُ ذَادَ يَذُودُ إِذَا دَفَعَ شَيْئًا، فَكَأَنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَعَرَّةَ الْفَقْرِ وَشِدَّةَ الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ. (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ) بِالتَّنْوِينِ أَيْ كَجَوَارٍ، أَيْ مِنَ الْوَرِقِ، كَمَا فِي الرِّوَايَةِ التَّالِيَةِ (صَدَقَةٌ) جَمْعُ أُوقِيَّةٍ، وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِاتِّفَاقٍ، مِنَ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ سَوَاءٌ كَانَ مَضْرُوبًا أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ أَنَّ الدِّرْهَمَ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ حَتَّى جَاءَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ فَجَمَعَ الْعُلَمَاءَ فَجَعَلُوا كُلَّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ. وَرَدَّهُ ابْنُ الحديث: 575 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 عَبْدِ الْبَرِّ وَعِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَالَ نِصَابَ الزَّكَاةِ عَلَى أَمْرٍ مَجْهُولٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَى مَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْوَزْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَدَدِ، فَعَشَرَةُ مَثَاقِيلَ وَزْنُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَعَشَرَةٌ وَزْنُ ثَمَانِيَةٍ، فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ تُنْقَشَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَيَصِيرَ وَزْنُهَا وَزْنًا وَاحِدًا، وَقَالَ ابْنُ زُرْقُونَ: إِنَّمَا أَوْجَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ فِي أَوَاقٍ مَعْلُومَةٍ وَلَمْ يُوجِبْهَا فِي دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ، فَلَا يَضُرُّ أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ مُخْتَلِفَةً ; إِذِ الِاعْتِبَارُ بِالْأُوقِيَّةِ الْمَعْلُومَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: لَمْ يَتَغَيَّرِ الْمِثْقَالُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ عَشَرَةُ دَارَهِمَ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي أَنَّ نِصَابَ الزَّكَاةِ مِائَةُ دِرْهَمٍ يَبْلُغُ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ مِثْقَالًا مِنَ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ إِلَّا ابْنُ حَبِيبٍ فَانْفَرَدَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ أَهْلَ كُلِّ بَلَدٍ يَتَعَامَلُونَ بِدَرَاهِمِهِمْ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اخْتِلَافًا فِي الْوَزْنِ بِالنِّسْبَةِ لِدَرَاهِمِ الْأَنْدَلُسِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْبِلَادِ، وَخَرَقَ بَعْضُهُمُ الْإِجْمَاعَ فَاعْتَبَرَ النِّصَابَ بِالْعَدَدِ لَا بِالْوَزْنِ. (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) جَمْعُ وَسْقٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا، وَجَمْعُهُ عَلَى الْكَسْرِ أَوْسَاقٌ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: كَحَمْلٍ وَأَحْمَالٍ، وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا بِاتِّفَاقٍ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا. (صَدَقَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ» ". قَالَ عِيَاضٌ: وَذِكْرُ الْأَوْسُقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْخُضَرِ ; لِأَنَّهَا لَا تُوسَقُ. وَلَفْظُ دُونَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بِمَعْنَى أَقَلَّ ; لِأَنَّهُ نَفَى عَنْ غَيْرِ الْخَمْسِ الصَّدَقَةَ، كَمَا زَعَمَ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ وَأَنَّ دُونَ بِمَعْنَى غَيْرِ، فَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْحَدِيثِ لِلْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى الْمَحْدُودِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا فِي الْأَوْسُقِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَقْصَ فِيهَا، وَكَذَا الْفِضَّةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَجَعَلَ لَهَا وَقْصًا كَالْمَاشِيَةِ. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ الطَّبَرِيُّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ، وَالْجَامِعُ كَوْنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُسْتَخْرَجَانِ مِنَ الْأَرْضِ بِكُلْفَةٍ وَمَؤُونَةٍ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَمَا زَادَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ جُرَيْجٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى جَمَاعَةٌ مِنْ جِلَّةِ الْعُلَمَاءِ احْتَاجُوا إِلَيْهِ فِيهِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِيهِ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَأْتِ مِنْ وَجْهٍ لَا مَطْعَنَ فِيهِ وَلَا عِلَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ عَمْرٍو عَنْهُ، وَمِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ غَيْرُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْأَغْلَبُ إِلَّا أَنِّي وَجَدْتُهُ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 عَنْ خَالِدٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَرِوَايَةُ سُهَيْلٍ فِي الْأَمْوَالِ لِأَبِي عُبَيْدٍ، وَرِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ، وَجَاءَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَائِشَةَ وَأَبِي رَافِعٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، أَخْرَجَ الْأَرْبَعَةَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ أَيْضًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِيَّ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ»   576 - 578 - (مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ) بِصَادَيْنِ بَعْدَ كُلِّ عَيْنٍ مُهْمَلَاتٍ، الْأَنْصَارِيِّ (الْمَازِنِيِّ) بِالزَّايِ، الْمَدَنِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ اللَّهِ، هَكَذَا لِيَحْيَى وَجَمَاعَةٍ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ كَالشَّافِعِيِّ، فَنُسِبَ مُحَمَّدٌ لِأَبِيهِ وَجَدِّهِ لِجَدِّهِ ; لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ: عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، فَنُسِبَ مُحَمَّدٌ إِلَى جَدِّهِ وَنُسِبَ جَدُّهُ إِلَى جَدِّهِ، هَذَا وَزَعَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ حَدِيثَ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ خَطَأٌ فِي الْإِسْنَادِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْفُوظٌ لِيَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْدُودٌ بِنَقْلِ الْبَيْهَقِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ أَنَّ الطَّرِيقَيْنِ مَحْفُوظَانِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا الْمَذْكُورَ سَمِعَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ. (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَأَنَّهُ جَوَابٌ لِسَائِلٍ سَأَلَهُ عَنْ نِصَابِ زَكَاةِ التَّمْرِ، فَلَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ بِدَلِيلِ الْآثَارِ وَالْإِجْمَاعِ. (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، جَمْعُ أُوقِيَّةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ، وَيُقَالُ أَوَاقٍ بِحَذْفِ الْيَاءِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: وَقِيَّةٌ، بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْوَاوِ (مِنَ الْوَرِقِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَبِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا، أَيِ الْفِضَّةِ مُطْلَقًا أَوِ الْمَضْرُوبَةِ دَرَاهِمَ، وَإِنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهَا مَجَازًا خِلَافٌ فِي اللُّغَةِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْفِضَّةُ مَضْرُوبُهَا وَغَيْرُهُ. (صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ) بَيَانٌ لِذَوْدٍ (صَدَقَةٌ) بِالْإِضَافَةِ، وَبَعْضُ الشُّيُوخِ يَرْوِيهِ بِالتَّنْوِينِ لَا بِالْإِضَافَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ عِيَاضٌ: رَوَيْنَاهُ فِي جَمِيعِ الْأُمَّهَاتِ بِالْإِضَافَةِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْبَدَلِ، قَالَ: وَمَعْنَى دُونَ: أَقَلُّ أَيْ لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنَ الْخَمْسِ شَيْءٌ فَتَضَمَّنَ فَائِدَتَيْنِ: سُقُوطَ الزَّكَاةِ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ، وَثُبُوتَهَا فِيهِ، وَتَعَقَّبَهُ الْأَبِيُّ بِأَنَّ الْأُولَى نَصٌّ بِالْمَنْطُوقِ وَالثَّانِيَةَ بِاللُّزُومِ أَوْ بِالْمَفْهُومِ إِنْ شِئْتَ فَفِيهِ اعْتِبَارٌ لِدَلَالَتَيْنِ، أَعْنِي دَلَالَةَ النَّصِّ وَالْمَفْهُومَ، وَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ إِنَّمَا هُوَ مَعْرِفَةُ قَدْرِ النِّصَابِ، وَفَائِدَةُ الحديث: 576 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ: فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ زَكَاةٌ، لَتُوُهِّمَ أَنَّ مَا دُونَهَا مِمَّا قَارَبَهَا كَذَلِكَ ; لِأَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ لَهُ حُكْمُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَهَا وَإِنْ قَلَّ النَّقْصُ، انْتَهَى. وَيَرِدُ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ عِيَاضٍ فَتَضَمَّنَ أَيْ بِالْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ أَيْ شَمِلَ فَائِدَتَيْنِ لَا التَّضَمُّنُ الِاصْطِلَاحِيُّ كَمَا ظَنَّهُ الْأَبِيُّ، وَإِنَّمَا ذَكَرُ الْإِمَامُ هَذَا الْحَدِيثَ عَقِبَ السَّابِقِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِهِ مِنَ التَّمْرِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ الْمُكَيَّلِ بِالْأَوْسُقِ، فَذَكَرَ هُنَا بَعْضَ مَا يُبَيَّنُ بِهِ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ» " وَلِزِيَادَةِ قَوْلِهِ مِنَ الْوَرِقِ، وَلِبَيَانِ الذَّوْدِ بِقَوْلِهِ مِنَ الْإِبِلِ، وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى صِحَّةِ إِسْنَادِهِ فَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَطَأٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَرَوَاهُ فِي بَابٍ آخَرَ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ مَالِكٍ بِنَحْوِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ عَلَى دِمَشْقَ فِي الصَّدَقَةِ إِنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْحَرْثِ وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَكُونُ الصَّدَقَةُ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فِي الْحَرْثِ وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ   576 - 579 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ) أَحَدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ عَلَى دِمَشْقَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ (فِي الصَّدَقَةِ) الزَّكَاةِ (إِنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْحَرْثِ وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا خِلَافَ فِي جُمْلَةِ ذَلِكَ، وَيُخْتَلَفُ فِي تَفْصِيلِهِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَفْظُ " إِنَّمَا " لِلْحَصْرِ فَيُحْتَمَلُ نَفْيُهَا عَمَّا عَدَا الثَّلَاثَةَ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ لَكِنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بَيَانُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَةَ عَلَى مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ; لِأَنَّهَا مُعْظَمُ مَا تَجِبُ فِيهِ كَحَدِيثِ: " «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا» " فَعَبَّرَ عَنِ الْأَرْضِ بِاسْمِ التُّرَابِ ; لِأَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْزَائِهَا. (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تَكُونُ الصَّدَقَةُ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فِي الْحَرْثِ) وَهُوَ كُلُّ مَا لَا يَنْمُو وَيَزْكُوا إِلَّا بِالْحَرْثِ (وَالْعَيْنِ) الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَالْمَاشِيَةِ) الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 [بَاب الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ مُكَاتَبٍ لَهُ قَاطَعَهُ بِمَالٍ عَظِيمٍ هَلْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ فَقَالَ الْقَاسِمُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَعْطَى النَّاسَ أَعْطِيَاتِهِمْ يَسْأَلُ الرَّجُلَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِذَا قَالَ نَعَمْ أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ وَإِنْ قَالَ لَا أَسْلَمَ إِلَيْهِ عَطَاءَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا   2 - بَابُ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ 578 - 580 - (مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ) بِالْقَافِ (مَوْلَى الزُّبَيْرِ) الْمَدَنِيِّ، أَخِي مُوسَى، ثِقَةٌ (أَنَّهُ الحديث: 578 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 سَأََلَ) كَذَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى وَلِابْنِ وَضَّاحٍ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ (الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ (عَنْ مَكَاتَبٍ لَهُ قَاطَعَهُ بِمَالٍ عَظِيمٍ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَعْنَى مُقَاطَعَةِ الْمَكَاتَبِ أَخْذُ مَالٍ مُعَجَّلٍ مِنْهُ دُونَ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ لِيُعَجِّلَ عِتْقَهُ (هَلْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ الْقَاسِمُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالِ زَكَاةٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) وَالْمُقَاطَعَةُ فَائِدَةٌ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَمُرَّ عَلَيْهَا عِنْدَ مُسْتَفِيدِهَا الْحَوْلُ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ فِي الْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدِ دُونَ الْمُعْشَرَاتِ. (قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَعْطَى النَّاسَ أَعْطِيَاتِهِمْ) جَمْعُ عَطَايَا جَمْعُ عَطِيَّةٍ (يَسْأَلُ الرَّجُلَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟) بِأَنْ كَانَ نِصَابًا مَرَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ (فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ) الَّذِي عِنْدَهُ (وَإِنْ قَالَ: لَا، أَسْلَمَ إِلَيْهِ عَطَاءَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا) لِعَدَمِ الْوُجُوبِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ إِذَا جِئْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَقْبِضُ عَطَائِي سَأَلَنِي هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ فَإِنْ قُلْتُ نَعَمْ أَخَذَ مِنْ عَطَائِي زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ وَإِنْ قُلْتُ لَا دَفَعَ إِلَيَّ عَطَائِي   579 - 581 - (مَالِكٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُمَحِيِّ، مَوْلَاهُمْ أَبِي قُدَامَةَ الْمَكِّيِّ، ثِقَةٌ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ (عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ) الْقُرَشِيَّةِ الْجُمَحِيَّةِ الصَّحَابِيَّةِ (عَنْ أَبِيهَا) قُدَامَةَ بِضَمِّ الْقَافِ وَالتَّخْفِيفِ، ابْنِ مَظْعُونٍ، بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ، الصَّحَابِيِّ الْبَدْرِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ إِذَا جِئْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) فِي خِلَافَتِهِ (أَقْبِضُ عَطَائِي سَأَلَنِي: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ قَالَ) قُدَامَةُ (فَإِنْ قُلْتُ نَعَمْ، أَخَذَ مِنْ عَطَائِي زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ قُلْتُ لَا، دَفَعَ إِلَيَّ عَطَائِي) كُلَّهُ، وَفِي سُؤَالِهِ كَأَبِي بَكْرٍ. وَقَوْلُهُمَا وَإِنْ قُلْتُ لَا. . . إِلَخْ، دَلِيلٌ عَلَى تَصْدِيقِ النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمُ الَّتِي فِيهَا الزَّكَاةُ، وَجَوَازُ إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَهَبًا عَنْ فِضَّةٍ أَوْ عَكْسَهُ فَخِلَافٌ. الحديث: 579 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا تَجِبُ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ   580 - 582 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا تَجِبُ فِي مَالٍ) عُمُومٌ خُصَّ مِنْهُ الْمُعْشَرَاتُ لِأَدِلَّةٍ أُخَرَ (زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) رَوَاهُ مَالِكٌ مَوْقُوفًا، وَأَخْرَجَهُ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» " وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ مُدَلِّسٌ، وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعَنْعَنَةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَإِسْمَاعِيلُ ضَعِيفٌ فِي غَيْرِ الشَّامِيِّينَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ مَرْفُوعًا وَضَعَّفَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَضَعَّفَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ أَعْنِي عَنْ إِسْنَادِهِ. الحديث: 580 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَعْطِيَةِ الزَّكَاةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا كَمَا تَجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا نَاقِصَةً بَيِّنَةَ النُّقْصَانِ زَكَاةٌ فَإِنْ زَادَتْ حَتَّى تَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا عِشْرِينَ دِينَارًا وَازِنَةً فَفِيهَا الزَّكَاةُ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا الزَّكَاةُ وَلَيْسَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ نَاقِصَةً بَيِّنَةَ النُّقْصَانِ زَكَاةٌ فَإِنْ زَادَتْ حَتَّى تَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَافِيَةً فَفِيهَا الزَّكَاةُ فَإِنْ كَانَتْ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ رَأَيْتُ فِيهَا الزَّكَاةَ دَنَانِيرَ كَانَتْ أَوْ دَرَاهِمَ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ سِتُّونَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ وَازِنَةً وَصَرْفُ الدَّرَاهِمِ بِبَلَدِهِ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ مِنْ فَائِدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَتَجَرَ فِيهَا فَلَمْ يَأْتِ الْحَوْلُ حَتَّى بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَنَّهُ يُزَكِّيهَا وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ إِلَّا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ بَعْدَ مَا يَحُولُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ ثُمَّ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ زُكِّيَتْ وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَتَجَرَ فِيهَا فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَقَدْ بَلَغَتْ عِشْرِينَ دِينَارًا أَنَّهُ يُزَكِّيهَا مَكَانَهَا وَلَا يَنْتَظِرُ بِهَا أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّ الْحَوْلَ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا وَهِيَ عِنْدَهُ عِشْرُونَ ثُمَّ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ زُكِّيَتْ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي إِجَارَةِ الْعَبِيدِ وَخَرَاجِهِمْ وَكِرَاءِ الْمَسَاكِينِ وَكِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الزَّكَاةُ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ صَاحِبُهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ يَكُونُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إِنَّ مَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ مِنْهُمْ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ وَمَنْ نَقَصَتْ حِصَّتُهُ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَإِنْ بَلَغَتْ حِصَصُهُمْ جَمِيعًا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَكَانَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ أَفْضَلَ نَصِيبًا مِنْ بَعْضٍ أُخِذَ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ إِذَا كَانَ فِي حِصَّةِ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ ذَهَبٌ أَوْ وَرِقٌ مُتَفَرِّقَةٌ بِأَيْدِي أُنَاسٍ شَتَّى فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْصِيَهَا جَمِيعًا ثُمَّ يُخْرِجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاتِهَا كُلِّهَا قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ أَفَادَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا إِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا   581 - 583 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَعْطِيَّةِ) جَمْعُ جَمْعٍ لِعَطِيَّةَ (الزَّكَاةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُرِيدُ أَخْذَ زَكَاتِهَا نَفْسِهَا مِنْهَا لَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهَا عَنْ غَيْرِهَا مِمَّا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ مَنْ وَافَقَهُ إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ الزُّهْرِيَّ فَلِذَا قَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَوَّلُ مَنْ أَخَذَ. قَالَ: وَهَذَا شُذُوذٌ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا قَالَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَامِرٍ مِثْلَ قَوْلِهِمَا ثُمَّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ مُعَاوِيَةُ يَأْخُذُ مِنَ الْعَطَاءِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْعَطَاءِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى حَقَّهُ وَاجِبًا قَبْلَ دَفْعِهِ إِلَيْهِ، فَكَانَ يَرَاهُ كَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ يَمُرُّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فِي حَالَةِ الِاشْتِرَاكِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَلَمْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْهَا، إِذْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِلْكُ مَنْ أُعْطِيهَا إِلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ ; لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنَّ يَصْرِفَهَا إِلَى غَيْرِهِ بِالِاجْتِهَادِ، وَنَحْوَ هَذَا التَّأْوِيلِ ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ (قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا كَمَا تَجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نِصَابِ الذَّهَبِ شَيْءٌ إِلَّا مَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «هَاتُوا زَكَاةَ الحديث: 581 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 الذَّهَبِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ» " وَابْنُ عُمَارَةَ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ لِسُوءِ وَكَثْرَةِ خَطَئِهِ. وَرَوَاهُ الْحَافِظُ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ، لَكِنْ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: " وَمَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ فَبِحِسَابِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكَثُرَ " وَإِلَيْهِ ذَهَبُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ، إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ جَعَلُوا فِي الْعَيْنِ أَوْقَاصًا كَالْمَاشِيَةِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ صَرْفُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَإِذَا بَلَغَتْهَا زُكِّيَتْ، كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ أَقَلَّ إِلَّا أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، فَفِيهَا دِينَارٌ وَلَا يُرَاعَى حِينَئِذٍ الصَّرْفُ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ دَاوُدَ. وَرِوَايَةٌ عَنِ الثَّوْرِيِّ: لَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا فَفِيهَا رُبُعُ عُشْرِهِ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا نَاقِصَةً بَيِّنَةَ النُّقْصَانِ زَكَاةٌ) لِعَدَمِ بُلُوغِ النِّصَابِ (فَإِنْ زَادَتْ حَتَّى تَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا عِشْرِينَ دِينَارًا وَازِنَةً فَفِيهَا الزَّكَاةُ) وُجُوبًا (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا الزَّكَاةُ) وَدُونَ بِمَعْنَى أَقَلَّ (وَلَيْسَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ نَاقِصَةً بَيِّنَةَ النُّقْصَانِ زَكَاةٌ، فَإِنْ زَادَتْ حَتَّى يَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَافِيَةً فَفِيهَا الزَّكَاةُ) وَفِي نُسْخَةٍ زَكَاةٌ بِالتَّنْكِيرِ (فَإِنْ كَانَتْ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوِزَانَةِ رَأَيْتُ فِيهَا الزَّكَاةَ دَنَانِيرَ كَانَتْ أَوْ دَرَاهِمَ) قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ الْقَصَّارِ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا وَازِنَةٌ فِي مِيزَانٍ وَفِي آخَرَ نَاقِصَةٌ، فَإِذَا نَقَصَتْ فِي جَمِيعِ الْمَوَازِينِ فَلَا زَكَاةَ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: مَعْنَاهُ النَّقْصُ الْقَلِيلُ فِي جَمِيعِ الْمَوَازِينِ كَحَبَّةٍ وَحَبَّتَيْنِ وَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَيُحْتَمَلُ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ فِيهَا غَالِبًا غَرَضَ الْوَازِنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَمَا سِوَاهُ تَأْوِيلٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ، وَحَمَلُوا تَفْصِيلَهُ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمُ الْمَوْزُونَةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ فِي الْمَعْدُودَةِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. قَالَ ابْنُ زَرْقُونَ: وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَصَّارِ وَالْأَبْهَرِيِّ فِي الْمَوْزُونَةِ، وَقَوْلَ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي الْمَعْدُودَةِ، فَلَا يَكُونُ خِلَافًا، كَذَا قَالَ وَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ نَصَّ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي جَمِيعِ الْمَوَازِينِ، فَكَيْفَ يُقَالُ فِي الْمَعْدُودِ؟ . (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ سِتُّونَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ وَازِنَةً وَصَرْفُ الدَّرَاهِمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 بِبَلَدِهِ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) ; لِأَنَّ الْمَالَ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ بِنِصَابِ نَفْسِهِ لَا بِقِيمَتِهِ، فَلَا الْفِضَّةُ بِقِيمَتِهَا مِنَ الذَّهَبِ وَلَا عَكْسُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ شَاةً قِيمَتُهَا أَرْبَعُونَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ قِيمَتُهَا عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ أَرْبَعُونَ دِينَارًا فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ نَقَصَ النَّقْدُ عَنِ النِّصَابِ وَبَلَغَتْ قِيمَةُ صِيَاغَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ فَلَا زَكَاةَ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ) مَثَلًا، وَالْمُرَادُ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ (مِنْ فَائِدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَتَجَرَ فِيهَا فَلَمْ يَأْتِ الْحَوْلُ حَتَّى بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، أَنَّهُ يُزَكِّيهَا وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ إِلَّا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ بَعْدَ مَا يَحُولُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ زُكِّيَتْ) هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ حَوْلَ رِبْحِ الْمَالِ حَوْلُ أَصْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ نِصَابًا قِيَاسًا عَلَى نَسْلِ الْمَاشِيَةِ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَصْحَابُهُ وَقَاسَهُ عَلَى مَا لَا يُشْبِهُهُ فِي أَصْلِهِ وَلَا فِي فَرْعِهِ، وَهُمَا أَصْلَانِ، وَالْأُصُولُ لَا يُرَدُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَإِنَّمَا يُرَدُّ الْفَرْعُ إِلَى أَصْلِهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَ رِبْحِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرَ مَالِكٍ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ لَكِنَّهُمْ شَرَطُوا أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ نِصَابًا، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ كَأَصْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ نِصَابًا، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ غَيْرُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الرِّبْحُ كَالْفَوَائِدِ يُسْتَأْنَفُ بِهَا حَوْلٌ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ) أَيْ عِنْدَهُ (عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَتَجَرَ فِيهَا فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَقَدْ بَلَغَتْ عِشْرِينَ دِينَارًا: إِنَّهُ يُزَكِّيهَا مَكَانَهَا وَلَا يَنْتَظِرُ بِهَا أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) وَهُوَ الْعِشْرُونَ (لِأَنَّ الْحَوْلَ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا وَهِيَ عِنْدَهُ عِشْرُونَ) بِالرِّبْحِ، وَهُوَ يَقَدَّرُ كَأَنَّهُ كَائِنٌ فِيهَا (ثُمَّ لَا زَكَاةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ زُكِّيَتْ) وَهَذَا بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ غَايَتُهُ أَنَّهُ فَرَضَهَا فِي الْأُولَى فِي خَمْسَةٍ وَالثَّانِيَةِ فِي عَشَرَةٍ بِحَسَبِ سُؤَالِهِ عَنْ ذَلِكَ، وَأَجَابَ فِيهِمَا بِحُكْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ ضَمُّ الرِّبْحِ لِأَصْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نِصَابًا. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (فِي إِجَارَةِ الْعَبِيدِ وَخَرَاجِهِمْ وَكِرَاءِ الْمَسَاكِنِ وَكِتَابَةِ الْمَكَاتَبِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الزَّكَاةُ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ صَاحِبُهُ) وَهُوَ نِصَابٌ ; لِأَنَّهَا فَوَائِدُ تَجَدَّدَتْ لَا عَنْ مَالٍ فَيَسْتَقْبَلُ بِهَا (وَقَالَ مَالِكٌ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ يَكُونُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ: أَنَّ مَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ مِنْهُمْ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَمَنْ نَقَصَتْ حِصَّتُهُ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَلَغَتْ حِصَصُهُمْ جَمِيعًا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَكَانَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ أَفْضَلَ نَصِيبًا مِنْ بَعْضٍ) بِأَنْ كَانَ لِوَاحِدٍ نِصَابٌ وَآخَرَ نِصَابَانِ مَثَلًا (أُخِذَ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ إِذَا كَانَ فِي حِصَّةِ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» ) وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَغَيْرِهِمْ، فَاقْتَضَى أَنَّهُ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ (قَالَ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ خِلَافَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ وَالْحَسَنَ وَالشَّعْبِيَّ قَالُوا: إِنَّ الشُّرَكَاءَ فِي الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَحَدُهُمْ مَالَهُ بِعَيْنِهِ أَنَّهُمْ يُزَكُّونَ زَكَاةَ الْوَاحِدِ قِيَاسًا عَلَى الْخُلَطَاءِ فِي الْمَاشِيَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَوَافَقَ مَالِكًا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 (قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ ذَهَبٌ أَوْ وَرِقٌ مُتَفَرِّقَةٌ بِأَيْدِي أُنَاسٍ شَتَّى فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْصِيَهَا جَمِيعًا ثُمَّ يُخْرِجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاتِهَا كُلِّهَا) هَذَا إِجْمَاعٌ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ تَكُنْ دُيُونًا فِي الذِّمَمِ وَقِرَاضًا يُنْتَظَرُ أَنْ يَنِضَّ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَفَادَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا) بِنَحْوِ مِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ إِجَارَةٍ إِلَى آخِرِهِ (إِنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ هُوَ مَقُولُ الْقَوْلِ (لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا) إِذْ هِيَ تَجَدَّدَتْ عَنْ غَيْرِ مَالٍ فَيُسْتَقْبَلُ، وَمَا هُنَا أَعَمُّ مِمَّا تَقَدَّمَ فَلَيْسَ بِتَكْرَارٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 [بَاب الزَّكَاةِ فِي الْمَعَادِنِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَى الْيَوْمِ إِلَّا الزَّكَاةُ» قَالَ مَالِكٌ أَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَعَادِنِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا قَدْرَ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ مَكَانَهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أُخِذَ بِحِسَابِ ذَلِكَ مَا دَامَ فِي الْمَعْدِنِ نَيْلٌ فَإِذَا انْقَطَعَ عِرْقُهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ نَيْلٌ فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ يُبْتَدَأُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا ابْتُدِئَتْ فِي الْأَوَّلِ قَالَ مَالِكٌ وَالْمَعْدِنُ بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّرْعِ يُؤْخَذُ مِنْهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ الْحَوْلُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّرْعِ إِذَا حُصِدَ الْعُشْرُ وَلَا يُنْتَظَرُ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ   3 - بَابُ الزَّكَاةِ فِي الْمَعَادِنِ جَمْعُ مَعْدِنٍ بِكَسْرِ الدَّالِ مِنْ عَدَنَ إِذَا أَقَامَ لِإِقَامَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِهِ، أَوْ لِإِقَامَةِ النَّاسِ فِيهَا شِتَاءً وَصَيْفًا. 582 - 584 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) وَاسْمُهُ فَرُّوخُ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ (عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ) مُرْسَلٌ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ، وَوَصَلَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ الدِّيلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ « (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ عَاصِمِ بْنِ سَعِيدٍ (الْمُزَنِيِّ) مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ مُزَيْنَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ يَسْكُنُ وَرَاءَ الْمَدِينَةِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْبَصْرَةِ» ، أَحَادِيثُهُ فِي السُّنَنِ وَصَحِيحَيِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ، قَالَ الْمَدَائِنِيُّ وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ وَلَهُ ثَمَانُونَ سَنَةً (مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: نِسْبَةً إِلَى قَبَلٍ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ، هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ فِي الْحَدِيثِ، وَفِي كِتَابِ الْأَمْكِنَةِ: الْقِلَبَةُ، بِكَسْرِ الْقَافِ وَبَعْدَهَا لَامٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ بَاءٌ (وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَالرَّاءِ كَمَا جَزَمَ بِهِ السُّهَيْلِيُّ الحديث: 582 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 وَعِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ التَّنْبِيهَاتِ: هَكَذَا قَيَّدَهُ النَّاسُ وَكَذَا رَوَيْنَاهُ. وَحَكَى عَبْدُ الْحَقِّ عَنِ الْأَحْوَلِ إِسْكَانَ الرَّاءِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ، انْتَهَى. فَاقْتِصَارُ النِّهَايَةِ وَالنَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ عَلَى الْإِسْكَانِ مَرْجُوحٌ، قَالَ فِي الرَّوْضِ: بِضَمَّتَيْنِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، يُقَالُ إِنَّهَا أَوَّلُ قَرْيَةٍ مَارَتْ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ التَّمْرَ بِمَكَّةَ، وَفِيهَا عَيْنَانِ يُقَالُ لَهُمَا الرَّبَضُ وَالتُّحَفُ يَسْقِيَانِ عِشْرِينَ أَلْفَ نَخْلَةٍ كَانَتْ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالرَّبَضُ مَنَابِتُ الْأَرَاكِ فِي الرَّمْلِ (فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَى الْيَوْمِ إِلَّا الزَّكَاةُ) فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ (قَالَ مَالِكٌ: أَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنَ الْمَعَادِنِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا قَدْرَ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا) أَيْ ذَهَبًا (أَوَ) قَدْرَ (مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) فِضَّةً وَهِيَ خَمْسُ أَوَاقٍ، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا: الْمَعْدِنُ كَالرِّكَازِ وَفِيهِ الْخُمُسُ يُؤْخَذُ مِنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «فِي الْمَعْدِنِ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» " فَغَايَرَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ لَجَمَعَهُمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَعْدِنَ يَحْتَاجُ إِلَى عَمَلٍ وَمُؤْنَةٍ وَمُعَالَجَةٍ لِاسْتِخْرَاجِهِ بِخِلَافِ الرِّكَازِ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الشَّرْعِ أَنَّ مَا عَظُمَتْ مُؤْنَتُهُ خُفِّفَ عَنْهُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَمَا خَفَّتْ زِيدَ فِيهِ (فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ) رُبُعُ الْعُشْرِ (مَكَانَهُ) يُرِيدُ عِنْدَ أَخْذِهِ مِنَ الْمَعْدِنِ وَاجْتِمَاعِهِ عِنْدَ الْعَامِلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ عِنْدَ تَصْفِيَتِهِ وَاقْتِسَامِهِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ كَالزَّرْعِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِبُدُوِّ صَلَاحِهِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أُخِذَ بِحِسَابِ ذَلِكَ مَا دَامَ فِي الْمَعْدِنِ نَيْلٌ) فَيُضَمُّ إِلَى الْأَوَّلِ الَّذِي بَلَغَ النِّصَابَ وَيُزَكَّى ; لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ عِرْقِهِ. (فَإِذَا انْقَطَعَ عِرْقُهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ نَيْلٌ) آخَرُ (فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ يُبْتَدَأُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا ابْتُدِئَتْ فِي الْأَوَّلِ) فَإِنْ زَكَّى وَإِلَّا فَلَا، وَيَضُمُّ بَقِيَّةَ عِرْقِهِ إِنْ بَلَغَ كَالْأَوَّلِ، فَلَا يُضَافُ الثَّانِي إِلَى الْأَوَّلِ بَلَغَ الْأَوَّلُ نِصَابًا أَمْ لَا، كَمَا لَا يُضَافُ زَرْعٌ عَامٌّ إِلَى زَرْعٍ عَامٍّ آخَرَ. (وَالْمَعْدِنُ) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ: وَالْمَعَادِنُ (بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ) لِأَنَّ اللَّهَ يُنْبِتُهُ فِي الْأَرْضِ كَمَا يُنْبِتُ الزَّرْعَ (يُؤْخَذُ مِنْهُ) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ مِنْهَا (مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الزَّرْعِ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِيَّةِ فِي الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ بَلْ فِي تَزْكِيَتِهِ مَكَانَهُ مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 (يُؤْخَذُ مِنْهُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْمَعْدِنِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ الْحَوْلُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الزَّرْعِ إِذَا حُصِدَ الْعُشْرُ) أَوْ نَصِفُهُ (وَلَا يُنْتَظَرُ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) فَاسْتُدِلَّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: مَكَانَهُ، وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ كَأَبِي حَنِيفَةَ: لَا زَكَاةَ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ; لِأَنَّهُ فَائِدَةٌ تُسْتَقْبَلُ بِهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 [بَاب زَكَاةِ الرِّكَازِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَهُ إِنَّ الرِّكَازَ إِنَّمَا هُوَ دِفْنٌ يُوجَدُ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا لَمْ يُطْلَبْ بِمَالٍ وَلَمْ يُتَكَلَّفْ فِيهِ نَفَقَةٌ وَلَا كَبِيرُ عَمَلٍ وَلَا مَئُونَةٍ فَأَمَّا مَا طُلِبَ بِمَالٍ وَتُكُلِّفَ فِيهِ كَبِيرُ عَمَلٍ فَأُصِيبَ مَرَّةً وَأُخْطِئَ مَرَّةً فَلَيْسَ بِرِكَازٍ   4 - بَابُ زَكَاةِ الرِّكَازِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ وَآخِرُهُ زَايٌ، مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّكْزِ بِفَتْحِ الرَّاءِ، يُقَالُ: رَكَزَهُ يَرْكُزُهُ رَكْزًا إِذَا دَفَنَهُ فَهُوَ مَرْكُوزٌ، وَتَسْمِيَةُ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ زَكَاةً مَجَازٌ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ الزَّكَاةَ. 583 - 585 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بْنِ حَزْنٍ (وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ كِلَاهُمَا (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» ) سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوِ الْحَرْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، خِلَافًا لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: فِيهِ الْخُمُسُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، وَفِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَرَّقَ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ غَيْرَهُ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، خِلَافًا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ: لَا يَجِبُ الْخُمُسُ حَتَّى يَبْلُغَ النِّصَابَ، وَلَا بَيْنَ النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَجَوَاهِرَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا رِوَايَةٌ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْعُمُومُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. لَطِيفَةٌ: وَقَعَ أَنَّ رَجُلًا رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا فَاحْفِرْهُ فَإِنَّ فِيهِ رِكَازًا فَخُذْهُ لَكَ وَلَا خُمُسَ عَلَيْكَ فِيهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَحَفَرَهُ فَوَجَدَ الرِّكَازَ فِيهِ فَاسْتَفْتَى عُلَمَاءَ عَصْرِهِ فَأَفْتَوْهُ بِأَنَّهُ لَا خُمُسَ عَلَيْهِ لِصِحَّةِ الرُّؤْيَا، وَأَفْتَى الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْخُمُسَ وَقَالَ: أَكْثَرُ مَا يَنْزِلُ مَنَامُهُ مَنْزِلَةَ حَدِيثٍ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ الحديث: 583 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 صَحِيحٍ وَقَدْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثُ: " «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» ". وَاخْتَصَرَ الْإِمَامُ هُنَا لَفْظَ هَذَا الْحَدِيثِ وَسَاقَهُ تَامًّا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» ". فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ جَوَازُ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ تَامًّا. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ أَنَّ الرِّكَازَ إِنَّمَا هُوَ دِفْنٌ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ شَيْءٌ مَدْفُونٌ، كَذِبْحٍ بِمَعْنَى مَذْبُوحٍ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَالْمَصْدَرُ وَلَا يُرَادُ هُنَا قَالَهُ الْحَافِظُ كَالزَّرْكَشِيِّ، وَرَدَّهُ الدَّمَامِينِيُّ بِأَنَّهُ يَصِحُّ الْفَتْحُ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْمَفْعُولُ مِثْلُ الدِّرْهَمِ ضَرْبُ الْأَمِيرِ وَهَذَا الثَّوْبُ نَسْجُ الْيَمَنِ. (يُوجَدُ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِهِ (لَمْ يُطْلَبْ بِمَالٍ) يُنْفَقُ عَلَى إِخْرَاجِهِ. (وَلَمْ يُتَكَلَّفْ فِيهِ نَفَقَةٌ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (وَلَا كَبِيرُ عَمَلٍ وَلَا مُؤْنَةٍ) فَهَذَا الَّذِي فِيهِ الْخُمُسُ سَاعَةَ يُوجَدُ (فَأَمَّا مَا طُلِبَ بِمَالٍ وَتُكُلِّفَ فِيهِ كَبِيرُ عَمَلٍ فَأُصِيبَ مَرَّةً وَأُخْطِئَ مَرَّةً فَلَيْسَ بِرِكَازٍ) حُكْمًا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ وَلَا يُخَمَّسُ، وَإِلَّا فَاسْمُ الرِّكَازِ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا إِفَادَةُ الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِاحْتِيَاجِ الْمَعْدِنِ إِلَى عَمَلٍ وَمُؤْنَةٍ وَمُعَالَجَةٍ لِاسْتِخْرَاجِهِ بِخِلَافِ الرِّكَازِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا جُعِلَ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ ; لِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ فَنَزَلَ وَاجِدُهُ مَنْزِلَةَ الْغَانِمِ فَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ، وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: كَأَنَّ الرِّكَازَ مَأْخُوذٌ مِنْ أَرْكَزْتُهُ فِي الْأَرْضِ إِذَا غَرَزْتَهُ فِيهَا، وَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَإِنَّهُ يَنْبُتُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ وَضْعِ وَاضِعٍ، هَذِهِ حَقِيقَتُهُمَا، فَإِذَا افْتَرَقَا فِي أَصْلِهِمَا فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِهِمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 [بَاب مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ الْحُلِيِّ وَالتِّبْرِ وَالْعَنْبَرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَلِي بَنَاتَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حَجْرِهَا لَهُنَّ الْحَلْيُ فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ   5 - بَابُ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنَ الْحُلِيِّ وَالتِّبْرِ وَالْعَنْبَرِ اخْتُلِفَ فِي الْعَنْبَرِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: أَخْبَرَنِي عَدَدٌ مِمَّنْ أَثِقُ بِخَبَرِهِ أَنَّهُ نَبَاتٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِي جَنَبَاتِ الْبَحْرِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يَأْكُلُهُ حُوتٌ فَيَمُوتُ فَيُلْقِيهِ الْبَحْرُ فَيُؤْخَذُ فَيُشَقُّ بَطْنُهُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ. وَحَكَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ نَبْتٌ فِي الْبَحْرِ بِمَنْزِلَةِ الْحَشِيشِ فِي الْبَرِّ، وَقِيلَ: هُوَ شَجَرٌ يَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ فَيَنْكَسِرُ فَيُلْقِيهِ الْمَوْجُ إِلَى السَّاحِلِ، وَقِيلَ: يَخْرُجُ مِنْ عَيْنٍ، قَالَهُ ابْنُ سَيْنَاءَ، قَالَ: وَمَا يُحْكَى أَنَّهُ رَوَثُ دَابَّةٍ أَوْ قَيْئُهَا أَوْ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ فَبَعِيدٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 584 - 586 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ) الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تَلِي بَنَاتَ أَخِيهَا) لِأَبِيهَا مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ (يَتَامَى فِي حِجْرِهَا) أَيْ مَنْعِهَا لَهُنَّ مِنَ التَّصَرُّفِ (لَهُنَّ الْحَلْيُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مُفْرَدٍ، وَبِضَمٍّ وَكَسْرِ اللَّامِ وَشَدِّ الْيَاءِ جَمْعٌ (فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ) بِالْجَمْعِ وَالْإِفْرَادِ (الزَّكَاةَ) فَفِيهِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُلِيِّ، قَالَ الْبَاجِيُّ: قَوْلُهُ لَهُنَّ يَقْتَضِي مَلِكَهُنَّ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْنَ فِيهِ لِكَوْنِهِنَّ مَحْجُورَاتٍ، فَقَدْ يَمْلِكُ مَنْ لَا يَتَصَرَّفُ كَصَغِيرٍ وَسَفِيهٍ، وَيَتَصَرَّفُ مَنْ لَا يَمْلِكُ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْإِمَامِ. الحديث: 584 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتَهُ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ قَالَ مَالِكٌ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ تِبْرٌ أَوْ حَلْيٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِلُبْسٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عَامٍ يُوزَنُ فَيُؤْخَذُ رُبُعُ عُشْرِهِ إِلَّا أَنْ يَنْقُصَ مِنْ وَزْنِ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَإِنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا كَانَ إِنَّمَا يُمْسِكُهُ لِغَيْرِ اللُّبْسِ فَأَمَّا التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ الْمَكْسُورُ الَّذِي يُرِيدُ أَهْلُهُ إِصْلَاحَهُ وَلُبْسَهُ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِهِ فَلَيْسَ عَلَى أَهْلِهِ فِيهِ زَكَاةٌ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَلَا فِي الْمِسْكِ وَلَا الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ   585 - 587 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتَهِ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُمَلِّكَهُنَّ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُزَيِّنَهُنَّ بِهِ وَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ، وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مِنَ الْأَمْوَالِ الْمُرْصَدَةِ لِلتَّنْمِيَةِ فَتَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ، وَلَا يُخْرَجُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا بِأَمْرَيْنِ: الصِّيَاغَةُ الْمُبَاحَةُ وَاللُّبْسُ الْمُبَاحُ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَكْثَرُ الْمَدَنِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ: تَجِبُ فِيهِ، وَتَأَوَّلُوا أَنَّ عَائِشَةَ وَابْنَ عُمَرَ لَمْ يُخْرِجَا زَكَاتَهُ ; لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي مَالِ يَتِيمٍ وَلَا صَغِيرٍ، وَتَأَوَّلُوا فِي الْجَوَارِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ وَلَا زَكَاةَ عَلَى عَبْدٍ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، وَابْنُ عُمَرَ كَانَ لَا يُزَكِّي مَا يُحَلِّي بِهِ بَنَاتَهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا يَتِيمٌ وَلَا عَبْدٌ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَنْكِحُ الْبِنْتَ لَهُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ يُحَلِّيهَا مِنْهُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ فَلَا يُزَكِّيهِ، وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ حَدِيثِ: " «فِي الرِّقَّةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» ". وَحَدِيثِ: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ» ". وَحَدِيثِ: " «الذَّهَبُ فِي أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ» ". وَلَمْ يَخُصَّ حُلِيًّا مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا يَرُدُّهُ الْعَمَلُ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمَدِينَةِ وَيُخَصِّصُهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الرِّقَّةُ ثُمَّ الْعَرَبُ الْوَرِقُ الْمَنْقُوشَةُ ذَاتُ السَّكَّةِ السَّائِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " أَنَّ «امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مِسْكَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ: أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكَ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سُوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ، فَخَلَعَتْهُمَا وَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ: الحديث: 585 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» ". وَعَنْ عَائِشَةَ نَحْوَ هَذَا. وَحَدِيثُ الْمُوَطَّأِ بِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ أَثْبَتُ إِسْنَادًا، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَسْمَعَ عَائِشَةُ مِثْلَ هَذَا الْوَعِيدِ وَتُخَالِفُهُ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهَا عُلِمَ أَنَّهَا عَلِمَتِ النَّسْخَ، وَالْأَصْلُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ إِنَّمَا هُوَ الْأَمْوَالُ النَّامِيَةُ أَوِ الْمَطْلُوبُ فِيهَا النَّمَاءُ بِالتَّصَرُّفِ. (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ تِبْرٌ أَوْ حُلِيٌّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَهُوَ نِصَابٌ) وَهُوَ نِصَابٌ (لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِلُبْسٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عَامٍ يُوزَنُ فَيُؤْخَذُ رُبُعُ عُشْرِهِ إِلَّا أَنْ يَنْقُصَ مِنْ وَزْنِ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا) أَيْ ذَهَبًا خَالِصًا (أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ) وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ وَزْنَهُ كُلَّ عَامٍ إِذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ أَوْ نَسِيَ وَزْنَهُ، أَمَّا إِذَا خَرَجَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَنْسَ وَزْنَهُ فَيَكْفِي عِلْمُ وَزْنِهِ أَوَّلَ عَامٍ (وَإِنَّمَا تَكُونُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا كَانَ إِنَّمَا يُمْسِكُهُ لِغَيْرِ اللُّبْسِ) كَإِعْدَادِهِ لِعَاقِبَةٍ أَوْ قِنْيَةٍ (فَأَمَّا التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ الْمَكْسُورُ الَّذِي يُرِيدُ أَهْلُهُ إِصْلَاحَهُ وَلُبْسَهُ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِهِ فَلَيْسَ عَلَى أَهْلِهِ فِيهِ زَكَاةٌ) وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ فَأَوْجَبَ فِيهِ الزَّكَاةَ (قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي اللُّؤْلُؤِ) وَهُوَ مَطَرُ الرَّبِيعِ يَقَعُ فِي الصَّدَفِ (وَلَا فِي الْمِسْكِ) الطَّيِّبِ الْمَعْرُوفِ. وَفِي مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: " «أَطْيَبُ الطِّيبِ الْمِسْكُ» ". (وَلَا الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ) لِأَنَّهَا كَسَائِرِ الْعُرُوضِ لَا زَكَاةَ فِي أَعْيَانِهَا اتِّفَاقًا. وَاخْتُلِفَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ حِينَ يَخْرُجَانِ مِنَ الْبَحْرِ، فَالْجُمْهُورُ لَا شَيْءَ فِيهِمَا خِلَافًا لِقَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيهِ الْخُمُسُ، وَرَدَّهُ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا جَعَلَ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ لَيْسَ فِي الَّذِي يُصَابُ فِي الْمَاءِ، أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لُغَةً رِكَازًا، قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ غَيْرَ الرِّكَازِ لَا خُمُسَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْعَنْبَرُ ; لِأَنَّهُمَا يَتَوَلَّدَانِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ فَأَشْبَهَا السَّمَكَ، وَبِهَذَا يُرَدُّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: فِي الْعَنْبَرِ وَكُلِّ حِلْيَةٍ تَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ الْخُمُسُ، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: " سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْعَنْبَرِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَفِيهِ الْخُمُسُ " وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَيْسَ الْعَنْبَرُ بِرِكَازٍ، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ " وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ يَشُكُّ فِيهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ مَا جَزَمَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَمَرَ اللَّهُ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَقَالَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 103) فَأَخَذَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَعْضِ الْأَمْوَالِ دُونَ بَعْضٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ فَلَا سَبِيلَ إِلَى إِيجَابِ زَكَاةٍ إِلَّا مَا أَخَذَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَقَفَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 [بَاب زَكَاةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالتِّجَارَةِ لَهُمْ فِيهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ   6 - بَابُ زَكَاةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالتِّجَارَةِ لَهُمْ فِيهَا 587 - 588 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ) إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 103) وَفَسَّرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: " «أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ» ". وَلَمْ يُخَصِّصْ كَبِيرًا مِنْ صَغِيرٍ، وَإِنَّمَا الزَّكَاةُ تَوْسِعَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَمَتَى وُجِدَ الْغِنَى وَجَبَتِ الزَّكَاةُ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي طَائِفَةٍ: لَا زَكَاةَ فِي مَالِ يَتِيمٍ وَلَا صَغِيرٍ، وَتَأَوَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ قَوْلَ عُمَرَ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ هُنَا النَّفَقَةُ كَحَدِيثِ: " «إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ عَلَى أَهْلِهِ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً» ". وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اسْمَ الزَّكَاةِ لَا يُطْلَقُ عَلَى النَّفَقَةِ لُغَةً وَلَا شَرْعًا، وَلَا يُقَاسُ عَلَى لَفْظِ صَدَقَةٍ ; لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ، وَأَيْضًا فَالصَّدَقَةُ لَا تُطْلَقُ عَلَى النَّفَقَةِ، وَإِنَّمَا وُصِفَتْ بِالصَّدَقَةِ فِي الْحَدِيثِ ; لِأَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَيْهَا، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ عُمُومُ حَدِيثِ: " تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ". وَالْقِيَاسُ عَلَى زَكَاةِ الْحَرْثِ وَالْفِطْرِ، وَالْوَلِيُّ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِالزَّكَاةِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِ إِخْرَاجِهَا لَا الطِّفْلُ. الحديث: 587 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي وَأَخًا لِي يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِهَا فَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ   587 - 589 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ (عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي) تَتَوَلَّى أَمْرِي (أَنَا وَأَخًا لِي يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِهَا) بَعْدَ قَتْلِ أَبِيهِمَا بِمِصْرَ (فَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ) وَهِيَ بِالْمَكَانِ الْعَالِي، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِهَا فِي مَالِ الْيَتَامَى، وَاحْتَجَّ لَهُ أَبُو عُمَرَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى زَكَاةِ حَرْثِ الْيَتِيمِ وَثِمَارِهِ، وَعَلَى وُجُوبِ أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَقِيمَةِ مَا يُتْلِفُهُ، وَعَلَى أَنَّ مَنْ جُنَّ أَحْيَانًا وَالْحَائِضَ لَا يُرَاعَى قَدْرَ الْجُنُونِ وَالْحَيْضِ مِنَ الْحَوْلِ، فَدَلَّ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى أَنَّهَا حَقُّ الْمَالِ لَا الْبَدَنِ كَالصَّلَاةِ، فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَمَنْ لَا تَجِبُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تُعْطِي أَمْوَالَ الْيَتَامَى الَّذِينَ فِي حَجْرِهَا مَنْ يَتَّجِرُ لَهُمْ فِيهَا   587 - 590 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تُعْطِي أَمْوَالَ الْيَتَامَى الَّذِينَ فِي حَجْرِهَا مَنْ يَتَّجِرُ لَهُمْ فِيهَا) لِئَلَّا تَأْكُلَهَا الزَّكَاةُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ اشْتَرَى لِبَنِي أَخِيهِ يَتَامَى فِي حَجْرِهِ مَالًا فَبِيعَ ذَلِكَ الْمَالُ بَعْدُ بِمَالٍ كَثِيرٍ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِالتِّجَارَةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَهُمْ إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ مَأْمُونًا فَلَا أَرَى عَلَيْهِ ضَمَانًا   589 - 591 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ اشْتَرَى لِبَنِي أَخِيهِ) عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، يَتَامَى فِي حَجْرِهِ (مَالًا) أَيْ شَيْئًا مُتَمَوَّلًا (فَبِيعَ ذَلِكَ الْمَالُ بَعْدُ) بِالضَّمِّ، أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ (بِمَالٍ كَثِيرٍ) بِمُوَحَّدَةٍ أَوْ مُثَلَّثَةٍ (قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالتِّجَارَةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَهُمْ) قَيْدٌ أَوَّلُ (إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ مَأْمُونًا) قَيْدٌ ثَانٍ فِي الْجَوَازِ، فَإِنْ خُسِرَتْ أَمْوَالُهُمْ أَوْ تَلَفَتْ (فَلَا أَرَى عَلَيْهِ ضَمَانًا) ; لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَأَمَّا إِنْ تَسَلَّفَهَا وَتَجَرَ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ ضَرُورَةٌ فِي وَقْتٍ إِلَى قَلِيلٍ مِنْهُ ثُمَّ يُسْرِعُ بِرَدِّهِ، وَلَيْسَ كَتَسَلُّفِ الْمُودِعِ مِنَ الْوَدِيعَةِ ; لِأَنَّ الْمُودِعَ تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَجَازَ لِلْمُودِعِ الِانْتِفَاعُ عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ، وَلَا كَذَلِكَ مَالُ الْيَتِيمِ ; لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَنْمِيَةِ مَالِهِ كَالْمِبْضَعِ مَعَهُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الحديث: 589 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 [بَاب زَكَاةِ الْمِيرَاثِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا هَلَكَ وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَالِهِ إِنِّي أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَا يُجَاوَزُ بِهَا الثُّلُثُ وَتُبَدَّى عَلَى الْوَصَايَا وَأَرَاهَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ تُبَدَّى عَلَى الْوَصَايَا قَالَ وَذَلِكَ إِذَا أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ الْمَيِّتُ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَهْلُهُ فَذَلِكَ حَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَهْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ ذَلِكَ قَالَ وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى وَارِثٍ زَكَاةٌ فِي مَالٍ وَرِثَهُ فِي دَيْنٍ وَلَا عَرْضٍ وَلَا دَارٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا وَلِيدَةٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَى ثَمَنِ مَا بَاعَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ اقْتَضَى الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ وَقَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَى وَارِثٍ فِي مَالٍ وَرِثَهُ الزَّكَاةُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ   7 - بَابُ زَكَاةِ الْمِيرَاثِ - (مَالِكٌ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا هَلَكَ) مَاتَ (وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَالِهِ إِنِّي أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَا يُجَاوَزُ بِهَا الثُّلُثُ) لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزَّكَاةِ لِيَحْرِمَ وَارِثَهُ مَالَهُ فَلَا يَشَاءُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَ وَارِثَهُ إِلَّا مَنَعَهُ، وَقَالَ: (وَتُبَدَّى عَلَى الْوَصَايَا) تَأْكِيدًا، وَقَدْ قَالَ: إِنَّهُ يُبَدَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 عَلَيْهَا مُدَبِّرَ الصِّحَّةِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يُبَدَّى عَلَيْهَا صَدَاقُ الْمَرِيضِ (وَأَرَاهَا بِمَنْزِلَةِ الدِّيْنِ عَلَيْهِ) لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ ; لِأَنَّ الدَّيْنَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إِجْمَاعًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَبْدِيَةَ الزَّكَاةِ عَلَى الْوَصَايَا كَتَبْدِيَةِ الدَّيْنِ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ. (فَلِذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ تُبَدَّى عَلَى الْوَصَايَا) وَلَمْ يُشْكَلْ عِنْدَهُ، فَلَمْ يَحْصُلْ فِيهِ لَفْظُهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (قَالَ: وَذَلِكَ إِذَا أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ، فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ الْمَيِّتُ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَهْلُهُ فَذَلِكَ حَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَهْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ ذَلِكَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُبَدَّى الزَّكَاةُ قَبْلَ الدُّيُونِ ; لِأَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ شَيْئًا حَتَّى يُخْرِجَهَا، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَإِنْ مَدِينًا مَا لَمْ يُوقَفْ لِلْغُرَمَاءِ (وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا) بِالْمَدِينَةِ (أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَى وَارِثٍ زَكَاةٌ فِي مَالٍ وَرِثَهُ فِي دَيْنٍ وَلَا عَرْضٍ وَلَا دَارٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا وَلِيدَةٍ) أَيْ أَمَةٍ (حَتَّى يَحُولَ عَلَى ثَمَنِ مَا بَاعَ مِنْ ذَلِكَ أَوِ اقْتَضَى) قَبَضَ (الْحَوْلُ) فَاعِلُ يَحُولُ (مِنْ يَوْمِ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ) ; لِأَنَّهُ فَائِدَةٌ. (قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَى وَارِثٍ فِي مَالٍ وَرِثَهُ الزَّكَاةُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) ; لِأَنَّهُ فَائِدَةٌ يُسْتَقْبَلُ بِهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا إِجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ إِلَّا مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، انْتَهَى. لَكِنَّ الَّذِي جَاءَ عَنْهُمَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْعَطَاءِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ ; لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَلَا شَرِكَةَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 [بَاب الزَّكَاةِ فِي الدَّيْنِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ فَتُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ   8 - بَابُ الزَّكَاةِ فِي الدَّيْنِ 591 - 592 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ) الْكِنْدِيِّ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ (أَنَّ عُثْمَانَ الحديث: 591 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ خَطِيبًا عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: (هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ) قِيلَ: الْإِشَارَةُ لِرَجَبٍ، وَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ تَمَامَ حَوْلِ الْمَالِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ. فَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ الْمَذْكُورَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يُسَمِّ لِيَ السَّائِبُ الشَّهْرَ وَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْهُ. (فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ فَتُؤَدُّونَ مِنْهُ) بِالتَّذْكِيرِ، أَيْ مِمَّا يَحْصُلُ بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ (الزَّكَاةَ) لِأَنَّ مَا قَابَلَ الدَّيْنَ لَا زَكَاةَ فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ ظُلْمًا يَأْمُرُ بِرَدِّهِ إِلَى أَهْلِهِ وَيُؤْخَذُ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ ثُمَّ عَقَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا   592 - 593 - (مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ) وَاسْمُهُ كَيْسَانُ (السَّخْتِيَانَيِّ) نِسْبَةً لِسَخْتِيَانَ بِفَتْحِ السِّينِ، الْجَلْدُ لِبَيْعٍ أَوْ عَمَلٍ، أَحَدُ الْأَعْلَامِ، يُقَالُ: حَجَّ أَرْبَعِينَ حَجَّةً. (أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ ظُلْمًا يَأْمُرُ بِرَدِّهِ إِلَى أَهْلِهِ وَيُؤْخَذُ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ) لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ يُورَثُ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ (ثُمَّ عَقَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ أَلَّا يُؤْخَذَ مِنْهُ إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ) لِمَاضِي السِّنِينَ (فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا) بِكَسْرِ الضَّادِ غَائِبًا عَنْ رَبِّهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، أَوْ لَا يُعْرَفُ مَوْضِعُهُ وَلَا يَرْجُوهُ، وَالزَّكَاةُ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَمْوَالِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَى تَنْمِيَتِهَا أَوِ النَّامِيَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقِيلَ الضِّمَارُ الَّذِي لَا يَدْرِي صَاحِبُهُ أَيُخْرِجُ أَمْ لَا، وَهُوَ أَصَحُّ، وَبِآخَرَ قَوْلَيْ عُمَرَ هَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ ابْنُ زَرْقُونَ: شَبَّهَهُ مَالِكٌ بِعَرْضِ الْمُحْتَكِرِ يَبِيعُهُ بَعْدَ سِنِينَ فَيُزَكِّيهِ لِعَامٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّيْثُ وَالْكُوفِيُّونَ: يَسْتَأْنِفُ بِهِ حَوْلًا، وَنَقَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. الحديث: 592 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ أَعَلَيْهِ زَكَاةٌ فَقَالَ لَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِي الدَّيْنِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَإِنْ أَقَامَ عِنْدَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ سِنِينَ ذَوَاتِ عَدَدٍ ثُمَّ قَبَضَهُ صَاحِبُهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ سِوَى الَّذِي قُبِضَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكَّى مَعَ مَا قَبَضَ مِنْ دَيْنِهِ ذَلِكَ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَاضٌّ غَيْرُ الَّذِي اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ وَكَانَ الَّذِي اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَكِنْ لِيَحْفَظْ عَدَدَ مَا اقْتَضَى فَإِنْ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ عَدَدَ مَا تَتِمُّ بِهِ الزَّكَاةُ مَعَ مَا قَبَضَ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ فَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَ مَا اقْتَضَى أَوَّلًا أَوْ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ مَعَ مَا اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ فَإِذَا بَلَغَ مَا اقْتَضَى عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ مَا اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِحَسَبِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى الدَّيْنِ يَغِيبُ أَعْوَامًا ثُمَّ يُقْتَضَى فَلَا يَكُونُ فِيهِ إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّ الْعُرُوضَ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لِلتِّجَارَةِ أَعْوَامًا ثُمَّ يَبِيعُهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي أَثْمَانِهَا إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ أَوْ الْعُرُوضِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ ذَلِكَ الدَّيْنِ أَوْ الْعُرُوضِ مِنْ مَالٍ سِوَاهُ وَإِنَّمَا يُخْرِجُ زَكَاةَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا يُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَيَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ النَّاضِّ سِوَى ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا بِيَدِهِ مِنْ نَاضٍّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ وَالنَّقْدِ إِلَّا وَفَاءُ دَيْنِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ النَّاضِّ فَضْلٌ عَنْ دَيْنِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ   593 - 594 - (مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ (بْنِ خُصَيْفَةَ) بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ، مُصَغَّرٌ، نِسْبَةً إِلَى جَدِّهِ فَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُصَيْفَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْكِنْدِيُّ الْمَدَنِيُّ، ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الحديث: 593 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 الْجَمِيعِ (أَنَّهُ سَأَلَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ) أَحَدَ الْفُقَهَاءِ (عَنْ رَجُلٍ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ أَعَلَيْهِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: لَا) زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرْضٌ وَلَا مَالٌ غَيْرُهُ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ ; لِأَنَّهَا فِي عَيْنِ الْمَالِ وَالدَّيْنُ فِي الذِّمَّةِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِي الدَّيْنِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَنْمِيَتِهِ (وَإِنْ أَقَامَ عِنْدَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ) أَيِ الْمَدِينِ (سِنِينَ ذَوَاتَ عَدَدٍ ثُمَّ قَبَضَهُ صَاحِبُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ) إِذْ لَوْ وَجَبَتْ لِكُلِّ عَامٍ لَأَدَّى إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَسْتَهْلِكُهُ، وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَمْ تُطْلَبْ فِي أَمْوَالِ الْقِنْيَةِ ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ فِي الْأَمْوَالِ الْمُمْكِنِ تَنْمِيَتُهَا فَلَا تُفْنِيهَا الزَّكَاةُ غَالِبًا. (فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) لِنَقْصِهِ عَنِ النِّصَابِ (فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ سِوَى الَّذِي قُبِضَ، تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكَّى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَلِابْنِ وَضَّاحٍ: يُزَكِّيهِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَهَاءُ الضَّمِيرِ (مَعَ مَا قَبَضَ مِنْ دَيْنِهِ ذَلِكَ) وَكَذَا إِنْ كَانَ مَا عِنْدَهُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، ثُمَّ قَبَضَ مَا إِذَا أَضَافَهُ إِلَيْهِ تَمَّ بِهِ نِصَابٌ فَإِنَّهُ يُزَكِّي يَوْمَ الْقَبْضِ عَنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ عَلَى مَا بِيَدِهِ لَمْ يُزَكِّ مَا قَبَضَ مِنْ دَيْنِهِ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا. (قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَاضٌّ غَيْرُ الَّذِي اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ، وَكَانَ الَّذِي اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَكِنْ لَا يَحْفَظُ عَدَدَ مَا اقْتَضَى، فَإِنِ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ عَدَدَ مَا تَتِمُّ بِهِ الزَّكَاةُ مَعَ مَا قَبَضَ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ) لِأَنَّهُ مَالٌ وَاحِدٌ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَإِذَا بَلَغَ النِّصَابَ زَكَّاهُ. (قَالَ: فَإِنْ كَانَ قَدِ اسْتَهْلَكَ مَا اقْتَضَى أَوَّلًا أَوْ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ مَعَ مَا اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ، فَإِذَا بَلَغَ مَا اقْتَضَى عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 ثُمَّ مَا اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِحَسَبِ ذَلِكَ) فَيُزَكِّي مَا قَبَضَ وَلَوْ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا (قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى الدَّيْنِ يَغِيبُ أَعْوَامًا يُقْتَضَى فَلَا يَكُونُ فِيهِ إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّ الْعُرُوضَ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ) وَصْفٌ طَرْدِيٌّ، فَالْمُرَادُ عِنْدَ التَّاجِرِ الْمُحْتَكِرِ، وَلَوْ أُنْثَى، (لِلتِّجَارَةِ أَعْوَامًا ثُمَّ يَبِيعُهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي أَثْمَانِهَا إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ) فَاسْتَدَلَّ بِقِيَاسِ الدَّيْنِ عَلَى عَرْضِ الْمُحْتَكِرِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّمَاءِ (وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ أَوِ الْعُرُوضِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ ذَلِكَ الدَّيْنِ أَوِ الْعُرُوضِ مِنْ مَالٍ سِوَاهُ) كَعَيْنٍ عِنْدَهُ (وَإِنَّمَا يُخْرِجُ زَكَاةَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يُخْرِجُ زَكَاةً مِنْ شَيْءٍ عَنْ شَيْءِ غَيْرِهِ) لَيْسَ يَقْدِرُ عَلَى نَمَائِهِ كَمَا أَفَادَهُ مَا قَبْلَهُ، أَمَّا إِنْ وَجَبَتْ بِقَبْضِ الدَّيْنِ أَوْ ثَمَنِ الْعُرُوضِ الْمُحْتَكَرَةِ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ سِوَاهَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْإِخْرَاجُ مِنْهَا كَمَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ ذَهَبًا عَنْ فِضَّةٍ وَعَكْسَهُ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ مِنَ الْعُرُوضِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَيَكُونُ عِنْدَهُ مِنَ النَّاضِّ) الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (سِوَى ذَلِكَ مَا) أَيْ قَدْرٌ (تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا بِيَدِهِ مِنْ نَاضٍّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) وَيُجْعَلُ الْعُرُوضُ فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ. (وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعُرُوضِ وَالنَّقْدِ إِلَّا وَفَاءُ دَيْنِهِ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ مِنَ النَّاضِّ فَضْلٌ) أَيْ زِيَادَةٌ (عَنْ دَيْنِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ) فَمَا قَابَلَ الدَّيْنَ وَلَوْ نَقْدًا لَا زَكَاةَ فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 [بَاب زَكَاةِ الْعُرُوضِ] حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ وَكَانَ زُرَيْقٌ عَلَى جَوَازِ مِصْرَ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ انْظُرْ مَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا وَمَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ كِتَابًا إِلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُدَارُ مِنْ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَاتِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَدَّقَ مَالَهُ ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ عَرْضًا بَزًّا أَوْ رَقِيقًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ صَدَّقَهُ وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَبِعْ ذَلِكَ الْعَرْضَ سِنِينَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْعَرْضِ زَكَاةٌ وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ فَإِذَا بَاعَهُ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي بِالذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ حِنْطَةً أَوْ تَمْرًا أَوْ غَيْرَهُمَا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ يُمْسِكُهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ يَبِيعُهَا أَنَّ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةَ حِينَ يَبِيعُهَا إِذَا بَلَغَ ثَمَنُهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَ الْحَصَادِ يَحْصُدُهُ الرَّجُلُ مِنْ أَرْضِهِ وَلَا مِثْلَ الْجِدَادِ قَالَ مَالِكٌ وَمَا كَانَ مِنْ مَالٍ عِنْدَ رَجُلٍ يُدِيرُهُ لِلتِّجَارَةِ وَلَا يَنِضُّ لِصَاحِبِهِ مِنْهُ شَيْءٌ تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ لَهُ شَهْرًا مِنْ السَّنَةِ يُقَوِّمُ فِيهِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عَرْضٍ لِلتِّجَارَةِ وَيُحْصِي فِيهِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَيْنٍ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَمَنْ تَجَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ لَمْ يَتْجُرْ سَوَاءٌ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلَّا صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ عَامٍ تَجَرُوا فِيهِ أَوْ لَمْ يَتْجُرُوا   9 - بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ 594 - 595 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ زُرَيْقِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: رَوَاهُ يَحْيَى بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ، وَالصَّوَابُ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ أَيِ الْمَنْقُوطَةِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ، وَهُوَ لَقَبٌ، وَاسْمُهُ سَعِيدُ (بْنِ حَيَّانَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمِلَةِ وَالتَّحْتِيَّةِ الثَّقِيلَةِ، وَفِي التَّقْرِيبِ فِي حَرْفِ الرَّاءِ: رُزَيْقُ بْنُ حَيَّانَ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو الْمِقْدَامِ، وَيُقَالُ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ، قِيلَ اسْمُهُ سَعِيدٌ، وَرُزَيْقٌ لَقَبٌ، صَدُوقٌ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ وَلَهُ ثَمَانُونَ سَنَةً (وَكَانَ) رُزَيْقٌ (عَلَى جَوَازِ مِصْرَ) أَيْ مَوْضِعٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَهُ الْبُونِيُّ (فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ) ابْنَيْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ (وَ) فِي زَمَانِ ابْنِ عَمِّهِمَا (عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) بْنِ مَرْوَانَ الْخَلِيفَةِ الْعَادِلِ، وَلِيَهَا بَعْدَ سُلَيْمَانَ بِاسْتِخْلَافِهِ لَهُ (فَذَكَرَ) رُزَيْقٌ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ انْظُرْ مَنْ مَرَّ بِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنَ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا) تَمْيِيزٌ (دِينَارًا) مَفْعُولُ خُذْ (فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا) فَإِنْ نَقَصَتْ أَقَلَّ فَالزَّكَاةُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِهَذَا وَقَالَ: لَا زَكَاةَ فِي النَّاقِصَةِ، وَلَوْ قَلَّ إِلَّا مِثْلَ الْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ فَالزَّكَاةُ، وَمَعْنَاهُ لَمْ يَأْخُذْ بِظَاهِرِهِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: اشْتِرَاطُهُ نَقْصَ ثُلُثِ دِينَارٍ رَأْيٌ وَاسْتِحْسَانٌ، فَهُوَ يُضَارِعُ قَوْلَ مَالِكٍ فِيمَا مَضَى نَاقِصَةً بَيِّنَةَ النُّقْصَانِ، وَالْأَوْلَى ظَاهِرُ حَدِيثِ: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» ". فَمَا صَحَّ أَنَّهُ دُونَ ذَلِكَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَا زَكَاةَ فِيهِ (وَمَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنَ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، الحديث: 594 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ كِتَابًا إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْحَوْلِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: سَلَكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ طَرِيقَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَإِنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَامِلِ أَيْلَةَ: خُذْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، ثُمَّ اكْتُبْ لَهُ بَرَاءَةً إِلَى السَّنَةِ، وَخُذْ مِنَ التَّاجِرِ الْمُعَاهَدِ مِنْ كَلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَمَنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمًا، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْخَطَّابِ أَنْ يَكْتُبَ لِلذِّمِّيِّ بِمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كِتَابٌ إِلَى الْحَوْلِ، وَهُوَ دَلِيلُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّمَا تَجَرَ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُدَارُ مِنَ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَاتِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَدَّقَ مَالَهُ) بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ دَفَعَ صَدَقَتَهُ أَيْ زَكَّاهُ (ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ عَرْضًا بَزًّا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ، نَوْعٌ مِنَ الثِّيَابِ أَوِ الثِّيَابُ خَاصَّةً مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَيْتِ أَوْ أَمْتِعَةِ التَّاجِرِ مِنَ الثِّيَابِ (أَوْ رَقِيقًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ صَدَّقَهُ) أَدَّى زَكَاتَهُ (وَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَبِعْ ذَلِكَ الْعَرْضَ سِنِينَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْعَرْضِ زَكَاةٌ، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ، فَإِذَا بَاعَهُ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ إِدَارَةَ التِّجَارَةِ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: التَّقَلُّبُ فِيهَا، وَارْتِصَادُ الْأَسْوَاقِ بِالْعُرُوضِ فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ أَقَامَ أَعْوَامًا حَتَّى يَبِيعَ فَيُزَكِّي لِعَامٍ وَاحِدٍ. وَالثَّانِي: الْبَيْعُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِلَا انْتِظَارِ سُوقٍ كَفِعْلِ أَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ فَيُزَكِّي كُلَّ عَامٍ بِشُرُوطٍ أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَاجِيُّ، وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ التَّاجِرَ يَقُومُ كُلَّ عَامٍ وَيُزَكِّي مُدِيرًا كَانَ أَوْ مُحْتَكِرًا. وَقَالَ دَاوُدُ: لَا زَكَاةَ فِي الْعَرْضِ بِوَجْهٍ كَانَ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِخَبَرٍ: " «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» ". وَلَمْ يَقُلْ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِمَا التِّجَارَةَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا نَقْضٌ لِأَصْلِهِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالظَّاهِرِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 103) فَعَلَى أَصْلِهِمْ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالٍ إِلَّا مَا خُصَّ بِسُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالٍ مَا عَدَا الرَّقِيقَ وَالْخَيْلَ وَلِأَنَّهُ لَا يَقِيسُ عَلَيْهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنَ الْعُرُوضِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْجُمْهُورُ عَلَى زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْإِدَارَةِ وَالِاحْتِكَارِ، وَالْحَجَّةُ لَهُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَمَلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 الْعُمَرَيْنِ، وَمَا نَقَلَهُ مَالِكٌ مِنْ عَمَلِ الْمَدِينَةِ، وَخَبَرُ أَبِي دَاوُدَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِمَّا نَعُدُّهُ لِلْبَيْعِ» ". قَالَ الطَّحَاوِيُّ: ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ زَكَاةُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا يَشْهَدُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ: " لَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ " إِنَّمَا هُوَ فِي عُرُوضِ الْقِنْيَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي بِالذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ حِنْطَةً أَوْ تَمْرًا أَوْ غَيْرَهُمَا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ يُمْسِكُهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ يَبِيعُهَا أَنَّ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةَ حِينَ يَبِيعُهَا إِذَا بَلَغَ ثَمَنُهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) إِذْ لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ زَكَاةٌ (وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَ الْحَصَادِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا (يَحْصُدُهُ) بِكَسْرِ الصَّادِ وَضَمِّهَا (الرَّجُلُ مِنْ أَرْضِهِ، وَلَا مِثْلَ الْجِدَادِ) بِجِيمٍ وَدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، قَطْعُ الثِّمَارِ مِنْ أُصُولِهَا كَالنَّخْلِ (وَمَا كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ يُدِيرُهُ لِلتِّجَارَةِ وَلَا يَنِضُّ) بِكَسْرِ النُّونِ، يَحْصُلُ (لِصَاحِبِهِ مِنْهُ شَيْءٌ تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ لَهُ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ يَقُومُ فِيهِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عَرْضِ التِّجَارَةِ، وَيُحْصِي فِيهِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَيْنٍ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ) وَهَذَا فِي الْمُدِيرِ (وَمَنْ تَجَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فِي مَالٍ (وَمَنْ لَمْ يَتْجُرْ سَوَاءٌ، لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلَّا صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ عَامٍ تَجَرُوا فِيهِ) أَيِ الْمَالِ (أَوْ لَمْ يَتْجُرُوا) لَكِنْ إِنْ تَجَرُوا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُدِيرِ وَالْمُحْتَكِرِ كَمَا مَرَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْكَنْزِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ الْكَنْزِ مَا هُوَ فَقَالَ هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ   10 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكَنْزِ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هُوَ كُلُّ شَيْءٍ جُمِعَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ أَوْ ظَهْرِهَا، زَادَ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ: وَكَانَ مَخْزُونًا. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هُوَ كُلُّ شَيْءٍ غَمَسْتَهُ بِيَدِكَ أَوْ رِجْلِكَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 وِعَاءٍ أَوْ أَرْضٍ، قَالَهُ عِيَاضٌ. 595 - 596 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْمَدَنِيِّ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (وَهُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْكَنْزِ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 34) (مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ) فَمَا أَدَّيْتَ مِنْهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ. وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ. وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ. وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوعًا: " «كُلُّ مَا أَدَّيْتَ زَكَاتَهُ وَإِنْ كَانَ تَحْتَ سَبْعِ أَرَضِينَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ، وَكُلُّ مَا لَا تُؤَدِّي زَكَاتَهُ فَهُوَ كَنْزٌ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ» "، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، وَالْمَشْهُورُ وَقْفُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ» ". أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَلِأَبِي دَاوُدَ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ؟ فَقَالَ: مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَيُزَكَّى فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» ". صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ الْقَطَّانِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي سَنَدِهِ مَقَالٌ، قَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: سَنَدُهُ جَيِّدٌ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ ". وَلِلْحَاكِمِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ أَذْهَبْتَ عَنْكَ شَرَّهُ» ". وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَوْقُوفًا، وَرَجَّحَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدِ اسْتَدَلَّ لَهُ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» ". قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْكَنْزَ الْمَذْمُومَ هُوَ الْمُتَوَعَّدُ عَلَيْهِ الْمُوجِبُ لِصَاحِبِهِ النَّارَ، لَا مُطْلَقَ الْكَنْزِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَا زَادَ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَمَا أُخْرِجَتْ مِنْهُ الصَّدَقَةُ لَا وَعِيدَ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَا يُسَمَّى كَنْزًا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا يُسَمَّى كَنْزًا ; لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، فَمَا أُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ بِإِخْرَاجِ الْوَاجِبِ فِيهِ فَلَا يُسَمَّى كَنْزًا. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي تَفْسِيرِ الْكَنْزِ بِذَلِكَ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي ذَرٍّ وَالضَّحَّاكِ وَقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الزُّهْدِ: إِنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ. وَجَاءَتْ آثَارٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَنْزَ مَا فَضَلَ عَنِ الْقُوتِ وَسَدَادِ الْعَيْشِ، وَأَنَّ آيَةَ الْوَعِيدِ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهَا فِي مَنْعِ الزَّكَاةِ. الحديث: 595 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يَطْلُبُهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ يَقُولُ أَنَا كَنْزُكَ   596 - 597 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السَّمَّانِ) بَائِعِ السَّمْنِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ) مَوْقُوفًا، وَرَفَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَتَابَعَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَسَاقَهُ مُطَوَّلًا، وَكَذَا رَفَعَهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَسُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَخَالَفَهُمْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَرَجَّحَهُ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رِوَايَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَطَأٌ بَيِّنٌ فِي الْإِسْنَادِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ ابْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَصْلًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ، وَمَا الْمَانِعُ أَنَّ لَهُ فِيهِ شَيْخَيْنِ، نَعَمْ، الَّذِي عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَاذَّةٌ ; لِأَنَّهُ سَلَكَ طَرِيقَ الْجَادَّةِ، وَمَنْ عَدَلَ عَنْهَا دَلَّ عَلَى مَزِيدِ حِفْظِهِ. ( «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ» ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: " «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ» ". (مُثِّلَ) بِضَمِّ الْمِيمِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، أَيْ صُوِّرَ (لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) مَالُهُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ (شُجَاعًا) بِضَمِّ الشِّينِ وَالنَّصْبِ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِمُثِّلَ، وَالضَّمِيرُ الَّذِي فِيهِ يَرْجِعُ إِلَى مَالٍ وَقَدْ نَابَ عَنِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: نُصِبَ لِجَرْيِهِ مَجْرَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي، أَيْ صُوِّرَ مَالُهُ شُجَاعًا. وَقَالَ الدَّمَامِينِيُّ: نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَهُوَ الْحَيَّةُ الذَّكَرُ. وَقِيلَ: الَّذِي يَقُومُ عَلَى ذَنَبِهِ وَيُوَاثِبُ الْفَارِسَ وَالرَّاجِلَ، وَرُبَّمَا بَلَغَتْ وَجْهَ الْفَارِسِ، تَكُونُ فِي الصَّحَارَى. (أَقْرَعَ) بِرَأْسِهِ بَيَاضٌ، وَكُلَّمَا كَثُرَ سُمُّهُ ابْيَضَّ رَأْسُهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَفِي الْفَتْحِ: الْأَقْرَعُ الَّذِي تُقْرَعُ رَأْسُهُ أَيْ تُمَعَّطُ لِكَثْرَةِ سُمِّهِ. وَفِي كِتَابِ أَبِي عُبَيْدٍ: سُمِّيَ أَقْرَعَ ; لِأَنَّ شَعْرَ رَأْسِهِ يَتَمَعَّطُ لِجَمْعِهِ السُّمَّ فِيهِ. وَتَعَقَّبَهُ الْقَزَّازُ بِأَنَّ الْحَيَّةَ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهَا فَلَعَلَّهُ يَذْهَبُ جِلْدُ رَأْسِهِ. وَفِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيِّ: سُمِّيَ أَقْرَعَ ; لِأَنَّهُ يَفْرِي السُّمَّ وَيَجْمَعُهُ فِي رَأْسِهِ حَتَّى تَتَمَعَّطَ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: فَرَى السُّمَّ حَتَّى انْمَارَ فَرْوَةُ رَأْسِهِ ... عَنِ الْعَظْمِ صِلٌّ فَاتِكُ اللَّسْعِ مَارِدُهُ. (لَهُ زَبِيبَتَانِ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَمُوَحِّدَتَيْنِ، تَثْنِيَةُ زَبِيبَةٍ، وَهُمَا الزَّبَدَتَانِ اللَّتَانِ فِي الشِّدْقَيْنِ، يُقَالُ: تَكَلَّمَ فُلَانٌ حَتَّى زَبَتْ شِدْقَاهُ، أَيْ خَرَجَ الزَّبَدُ مِنْهُمَا. وَقِيلَ: هُمَا النُّكْتَتَانِ السَّوْدَاوَانِ فَوْقَ عَيْنَيْهِ، وَهِيَ عَلَامَةُ الْحَيَّةِ الذَّكَرِ الْمُؤْذِي. وَقِيلَ: نُقْطَتَانِ يَكْتَنِفَانِ فَاهُ. وَقِيلَ: هُمَا فِي حَلْقِهِ بِمَنْزِلَةِ الحديث: 596 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 زَنَمَتَيِ الْعَنْزِ. وَقِيلَ: لَحْمَتَانِ عَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الْقَرْنَيْنِ. وَقِيلَ: نَابَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ فِيهِ (يَطْلُبُهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ) وَلِلْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ: «فَلَا يَزَالُ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُلْقِمَهُ أُصْبُعَهُ (يَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ) » وَلِلْبُخَارِيِّ: «أَقْرَعُ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلَهْزَمَتَيْهِ» يَعْنِي شِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ: «أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [آل عمران: 180] » (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 180) الْآيَةَ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْقَوْلِ زِيَادَةُ الْحَسْرَةِ فِي الْعَذَابِ حَتَّى لَا يَنْفَعَهُ النَّدَمُ، وَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ التَّهَكُّمِ. وَلِابْنِ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ يَتْبَعُهُ فَيَقُولُ: " «أَنَا كَنْزُكَ الَّذِي تَرَكْتَهُ بَعْدَكَ، فَلَا يَزَالُ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُلْقِمَهُ يَدَهُ فَيَمْضُغُهَا، ثُمَّ يَتْبَعُهُ سَائِرُ جَسَدِهِ» ". وَلِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: " يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيْثُ ذَهَبَ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ، فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ ". وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ يُصَيِّرُ نَفْسَ الْمَالِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مُثِّلَ كَمَا هُنَا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ صُوِّرَ أَوْ نُصِبَ وَأُقِيمَ مِنْ قَوْلِهِمْ مُثِّلَ قَائِمًا أَيْ مُنْتَصِبًا أَوْ ضَمِنَ مِثْلَ مَعْنَى التَّصْيِيرِ أَيْ صَيَّرَ مَالَهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ هَذَا الشُّجَاعَ لِعَذَابِهِ، وَمَعْنَى مُثِّلَ نُصِبَ كَقَوْلِهِ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ قِيَامًا» أَيْ يَنْتَصِبُونَ. وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ صُوِّرَ مَالُهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ كَقَوْلِهِ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا الْمُمَثِّلُونَ أَيِ الْمُصَوِّرُونَ» . وَيَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةُ: " «إِلَّا جَاءَ كَنْزُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا» ". ثُمَّ لَا تَنَافِي بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: " «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جَبْهَتُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ» " لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ لَهُ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا. فَحَدِيثُ الْبَابِ يُوَافِقُ الْآيَةَ وَهِيَ: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 180] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 180) وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ تُوَافِقُ الْآيَةَ: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: 35] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 35) لِأَنَّهُ جَمَعَ الْمَالَ وَلَمْ يَصْرِفْهُ فِي حَقِّهِ لِتَحْصِيلِ الْجَاهِ وَالتَّنَعُّمِ بِالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَعْرَضَ عَنِ الْفَقِيرِ وَوَلَّاهُ ظَهْرَهُ، أَوْ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسِيَّةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ الَّتِي هِيَ مُقَدَّمُ الْبَدَنِ وَمُؤَخَّرُهُ وَجَنْبَاهُ، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ. هَذَا وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّطْوِيقِ فِي الْآيَةِ الْحَقِيقَةُ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مَعْنَاهُ: سَيُطَوَّقُونَ الْإِثْمَ، وَفِي تِلَاوَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْحُمَيْدِيِّ وَالشَّافِعِيِّ، «ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَلَا يَحْسَبَنَّ} [آل عمران: 180] » (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 180) الْآيَةَ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ: ثُمَّ قَرَأَ مِصْدَاقَهُ: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ} [آل عمران: 180] دَلَالَةً عَلَى أَنَّهَا فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ الَّذِينَ كَتَمُوا صِفَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ: فِيمَنْ لَهُ قُرَابَةٌ لَا يَصِلُهُمْ، قَالَهُ مَسْرُوقٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 [بَاب صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَرَأَ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الصَّدَقَةِ قَالَ فَوَجَدْتُ فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الصَّدَقَةِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَدُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى سِتِّينَ حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ جَذَعَةٌ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى تِسْعِينَ ابْنَتَا لَبُونٍ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْإِبِلِ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى ثَلَاثِ مِائَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ تَيْسٌ وَلَا هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَّدِّقُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَفِي الرِّقَةِ إِذَا بَلَغَتْ خَمْسَ أَوَاقٍ رُبُعُ الْعُشْرِ   11 - بَابُ صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ 598 - (مَالِكٌ أَنَّهُ قَرَأَ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الصَّدَقَةِ) الْمَرْوِيَّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، «عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابَ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى عُمَّالِهِ وَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ حَتَّى قُبِضَ، فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ» ، فَذَكَرَهُ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ يُونُسُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَإِنَّمَا رَفَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ خَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ فِي الزُّهْرِيِّ فَأَرْسَلَهُ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْهُ وَقَالَ: إِنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لِرِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ ; لِأَنَّهُ قَالَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَقْرَأَنِيهَا سَالِمٌ فَوَعِيتُهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَقُلْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ بِهِ، فَتَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ بِاعْتِبَارِ شَاهِدِهِ، وَهُوَ حَدِيثُ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لِأَنَسٍ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَهُ لِأَنَسٍ وَعَلَيْهِ خَاتَمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ: فَوَجَدْتُ فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَفِيهِ طَلَبُ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ الْكِتَابِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَا الْعُرْفِيَّةُ بِابْتِدَاءِ الْمُرَاسَلَاتِ بِالْحَمْدِ، وَقَدْ جَمَعْتُ كُتُبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَقَعْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا الْبَدَاءَةُ بِالْحَمْدِ بَلْ بِالْبَسْمَلَةِ هَذَا (كِتَابُ الصَّدَقَةِ) وَلِلْبُخَارِيِّ: «هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سَأَلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ (فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ فَدُونَهَا) » الْفَاءُ بِمَعْنَى أَوْ (الْغَنَمُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ فِي أَرْبَعٍ، وَقَدَّمَ الْخَبَرَ لِأَنَّ الْغَرَضَ بَيَانُ الْمَقَادِيرِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ فَحَسُنَ التَّقْدِيمُ ( «فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ تَعَيَّنَ إِخْرَاجُ الْغَنَمِ، فَلَوْ أَخْرَجَ بَعِيرًا عَنِ الْأَرْبَعِ وَعِشْرِينَ بَعِيرًا لَمْ يُجْزِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ: يُجْزِيهِ إِنْ وَفَّتْ قِيمَتُهُ بِقِيمَةِ أَرْبَعِ شِيَاهٍ ; لِأَنَّهُ لَا يُجْزِي عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَأَوْلَى مَا دُونَهَا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ رِفْقًا بِالْمَالِكِ، فَإِذَا رَجَعَ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى الْأَصْلِ أَجْزَأَهُ، وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي الحديث: 598 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 مَعْرِضِ النَّصِّ فَهُوَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ عَلَى أَنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ. نَعَمْ، صَحَّحَ الْمَالِكِيَّةُ إِجْزَاءَ بِعِيرٍ عَنْ شَاةٍ تَفِي قِيمَتُهُ بِقِيمَتِهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. قَالَ الْبَاجِيُّ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْوَقَصِ هَلْ هُوَ مُزَكَّى؟ فَالْمَأْخُوذُ مِنَ الصَّدَقَةِ عَنِ الْجُمْلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، أَوِ الْمَأْخُوذُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَا لَزِمَ وَالزَّايِدُ وَقَصٌ لَا تَجِبُ فِيهِ وَلَا يُؤْخَذُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَصَّارِ الثَّانِيَ، قَالَ ابْنُ زَرْقُونَ: وَدَلِيلُهُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِنَّمَا جَعَلَهَا فِي الْخَمْسِ (وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ) مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ (إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ ابْنَةُ) وَفِي رِوَايَةٍ: بِنْتُ (مَخَاضٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُعْجَمَةِ الْخَفِيفَةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ، أَتَى عَلَيْهَا حَوْلٌ وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِي وَحَمَلَتْ أُمُّهَا، وَالْمَخَاضُ الْحَامِلُ، أَيْ دَخَلَ وَقْتُ حَمْلِهَا وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ، وَجَاءَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ شَاةً، فَإِذَا صَارَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ فَبِنْتُ مَخَاضٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَإِسْنَادُ الْمَرْفُوعِ ضَعِيفٌ. (فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ) وَهُوَ مَا دَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ فَصَارَتْ أُمُّهُ لَبُونًا بِوَضْعِ الْحَمْلِ (ذَكَرٌ) وَصَفَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ابْنٌ لَا يَكُونُ إِلَّا ذَكَرًا زِيَادَةً فِي الْبَيَانِ ; لِأَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانِ يُطْلَقُ عَلَى ذَكَرِهِ وَأُنْثَاهُ لَفْظُ ابْنٍ كَابْنِ عِرْسٍ وَابْنِ آوَى، فَرُفِعَ هَذَا الِاحْتِمَالُ أَوْ أُرِيدَ مُجَرَّدُ التَّأْكِيدِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] (سُورَةُ فَاطِرٍ: الْآيَةُ 27) قَالَهُ الْبَاجِيُّ، أَوْ لِيُنَبِّهَ عَلَى نَقْصِهِ بِالذُّكُورَةِ حَتَّى يَعْدِلَ بِنْتَ الْمَخَاضِ، قَالَهُ ابْنُ زَرْقُونَ، قَالَ الْحَافِظُ: أَوْ لِيُنَبِّهَ رَبَّ الْمَالِ لِيَطِيبَ نَفْسًا بِالزِّيَادَةِ، وَقِيلَ احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنِ الْخُنْثَى، وَفِيهِ بُعْدٌ. (وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ) وَالْغَايَةُ دَاخِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ إِلَى الْغَايَةِ فَلَا يَدْخُلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ ; لِأَنَّ دَلِيلَهُ قَوْلُهُ (وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ) إِذِ الْإِشَارَةُ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وَهُوَ لِخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَعُلِمَ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ مَا دُونَهَا أَوْ أَنَّ مَا دُونَهَا وَقَصٌ بِاللَّفْظِ، وَهِيَ وَقَصٌ بِالْإِجْمَاعِ فَهُمَا وَقَصَانِ مُتَّصِلَانِ، أَوْ أَنَّ الْأَعْدَادَ فِي الْغَايَاتِ تَخَالِفُ غَيْرَهَا عُرْفًا، فَلَوْ أَبَاحَ لِغُلَامِهِ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إِلَى عَشَرَةٍ فُهِمَ مِنْهُ عُرْفًا إِبَاحَةُ الْعِشْرَةِ، بِخِلَافِ: أَبَحْتُ لَكَ الْجُلُوسَ بَيْنَ هَذِهِ الدَّارِ إِلَى هَذِهِ الْأُخْرَى، فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ إِبَاحَةُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَأَوَّلُهَا أَوْلَاهَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ (إِلَى سِتِّينَ حِقَّةٌ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْقَافِ، وَالْجَمْعُ حِقَاقٌ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ (طَرُوقَةُ الْفَحْلِ) بِفَتْحِ الطَّاءِ أَيْ مَطْرُوقَةٌ، فَعُولَةٌ بِمَعْنَى مُفَعْوِلَةٍ كَحُكُومَةٍ بِمَعْنَى مَحْكُومَةٍ، أَيْ بَلَغَتْ أَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ، وَفِي رِوَايَةٍ: الْجَمَلُ وَهِيَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا ثَلَاثُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ (وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ) وَهُوَ إِحْدَى وَسِتُّونَ (إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ جَذَعَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَهِيَ الَّتِي دَخَلَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 فِي الْخَامِسَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهَا جَذَعَتْ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا أَيْ أَسْقَطَتْهُ، وَهِيَ غَايَةُ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ. (وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ) وَهُوَ سِتٌّ وَسَبْعُونَ (إِلَى تِسْعِينَ ابْنَتَا لَبُونٍ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ) وَهُوَ إِحْدَى وَتِسْعُونَ (إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ) بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ الذَّكَرُ، وَفِي رِوَايَةٍ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ (فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْإِبِلِ) بِوَاحِدَةٍ فَصَاعِدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ (فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ) وَفِي رِوَايَةٍ: ابْنَةُ (لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) فَوَاجِبُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، وَوَاجِبُ مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّتَانِ وَهَكَذَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ رَجَعَتْ إِلَى فَرِيضَةِ الْغَنَمِ، فَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَشَاةٌ، وَرُدَّ بِأَنَّ فِي أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فِي كِتَابِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ: فَإِذَا كَانَتِ الْإِبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، فَصَرَّحَ بِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ زَكَاتُهُ بِالْإِبِلِ خَاصَّةً، وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنْ لَا مَدْخَلَ لِلْغَنَمِ بَعْدَ الْخَمْسِ وَعِشْرِينَ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ. (وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ) أَيْ رَاعِيَتِهَا (إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَا قَبْلَهُ (وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ) وَهُوَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٌ (إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ: فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَشَاتَانِ إِلَى مِائَتَيْنِ (وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ) مِنْ وَاحِدَةٍ (إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ) بِالْكَسْرِ جَمْعٌ (فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ) أَيِ الثَّلَاثِمِائَةِ (فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) فَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعٌ وَهَكَذَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الرَّابِعَةَ لَا تَجِبُ حَتَّى تُوَفَّى أَرْبَعَمِائَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، قَالُوا: وَفَائِدَةُ ذِكْرِ ثَلَاثِمِائَةٍ لِبَيَانِ النِّصَابِ الَّذِي بَعْدَهُ لِكَوْنِ مَا قَبْلَهُ مُخْتَلِفًا، وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ كَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: إِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَاحِدَةً وَجَبَ أَرْبَعٌ، زَادَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ السَّائِمَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَالْعَامِلَةِ مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ: فِيهَا الزَّكَاةُ رَعَتْ أَمْ لَا ; لِأَنَّهَا سَائِمَةٌ فِي صِفَتِهَا وَالْمَاشِيَةُ كُلُّهَا سَائِمَةٌ، وَمَنْعُهَا مِنَ الرَّعْيِ لَا يَمْنَعُ تَسْمِيَتَهَا سَائِمَةً، وَالْحُجَّةُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» ". وَأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا، وَمِنْ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً، وَلَمْ يَخُصَّ سَائِمَةً مِنْ غَيْرِهَا. وَقَالَ سَائِرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ: لَا زَكَاةَ فِيهَا. وَرُوِيَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ، فَعَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 قَوْلِهِمْ مَنْ لَهُ أَرْبَعٌ مِنَ الْإِبِلِ سَائِمَةٌ وَوَاحِدٌ عَامِلٌ، أَوْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ بَقَرَةً رَاعِيَةً وَوَاحِدَةٌ عَامِلَةٌ، أَوْ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ شَاةً رَاعِيَةً وَكَبْشٌ مَعْلُوفٌ فِي دَارِهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، وَلَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِالسَّائِمَةِ ; لِأَنَّهَا عَامَّةُ الْغَنَمِ لَا تَكَادُ تُوجَدُ فِيهَا غَيْرُ سَائِمَةٍ، وَلِذَا ذَكَرَهَا فِي الْغَنَمِ دُونَ الْإِبِلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى السَّائِمَةِ لِيُكَلِّفَ الْمُجْتَهِدَ لِلِاجْتِهَادِ فِي إِلْحَاقِ الْمَعْلُوفَةِ بِهَا فَيَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الْمُجْتَهِدِينَ. (وَلَا يُخْرَجُ) وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَا يُؤْخَذُ (فِي الصَّدَقَةِ تَيْسٌ) وَهُوَ فَحْلُ الْغَنَمِ أَوْ مَخْصُوصٌ بِالْمَعْزِ ; لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِدَرٍّ وَلَا نَسْلٍ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلنَّسْلِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (وَلَا هَرِمَةٌ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، كَبِيرَةٌ سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا (وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا، وَقِيلَ بِالْفَتْحِ أَيْ مَعِيبَةٌ، وَبِالضَّمِّ الْعُوَرُ، وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهَا، فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ مَا ثَبَتَ بِهِ الرَّدُّ فِي الْبَيْعِ، وَقِيلَ: مَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الضَّحِيَّةِ، وَيَدْخُلُ فِي الْمَعِيبِ الْمَرِيضُ وَالصَّغِيرُ سِنًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى سِنٍّ أَكْبَرَ مِنْهُ (إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ) يُرِيدُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْمَسَاكِينِ فَيَأْخُذُ بِاجْتِهَادِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إِنَّ ذَا الْعَيْبِ لَا يُجْزِي وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنَ السَّلِيمَةِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ فَقَرَأَهُ بِخِفَّةِ الصَّادِ وَهُوَ السَّاعِي، وَجَعَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّيْسَ مِنَ الْخِيَارِ ; لِأَنَّهُ يَنْزُو، وَرُدَّ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ مَشِيئَةِ الْمُصَدِّقِ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِالْهَرِمَةِ وَذَاتِ الْعَوَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الشِّرَارِ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ: «وَلَا تُؤْخَذُ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ» ، قَالَ الْحَافِظُ: اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ أَيِ الْمَالِكِ وَتَقْدِيرُهُ: لَا تُؤْخَذُ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَيْبٍ أَصْلًا وَلَا تَيْسٌ إِلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ، فَأَخْذُهُ بِلَا رِضَاهُ إِضْرَارٌ بِهِ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُخْتَصٌّ بِالثَّالِثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَهُوَ السَّاعِي، وَكَأَنَّهُ أُشِيرَ إِلَى التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فَلَا يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَاعِدَتِهِ فِي تَنَاوُلِ الِاسْتِثْنَاءِ جَمِيعَ مَا قَبْلَهُ. وَعَنْ مَالِكٍ: يَلْزَمُ الْمَالِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَاةً مُجْزِيَةً تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ كَالْأَوَّلِ، انْتَهَى. (وَلَا يُجْمَعُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ (بَيْنَ مُفْتَرِقٍ) بِفَاءٍ فَفَوْقِيَّةٍ فَرَاءٍ خَفِيفَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ مُتَفَرِّقٍ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ وَشَدِّ الرَّاءِ (وَلَا يُفَرَّقُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ مُشَدَّدًا (بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ) وَفِي رِوَايَةٍ: مَخَافَةَ (الصَّدَقَةِ) وَنَصْبُ مَفْعُولٍ لِأَجْلِهِ تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يُفْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ فَيَحْصُلُ الْمُرَادُ بِلَا تَنَازُعٍ، قَالَهُ الدَّمَامِينِيُّ وَيَأْتِي مَعْنَاهُ قَرِيبًا. (وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ) تَثْنِيَةُ خَلِيطٍ بِمَعْنَى مُخَالِطٍ كَنَدِيمٍ وَجَلِيسٍ بِمَعْنَى مُنَادِمٍ وَمُجَالِسٍ (فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ) يَأْتِي تَفْسِيرُهُ (وَفِي الرِّقَةِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَخِفَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 الْقَافِ الْفِضَّةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَضْرُوبَةً أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ، قِيلَ أَصْلُهَا الْوَرِقُ فَحُذِفَتِ الْوَاوُ وَعُوِّضَتِ الْهَاءُ نَحْوَ الْعِدَةِ وَالْوَعْدِ (إِذَا بَلَغَتْ خَمْسَ أَوَاقٍ) بِالتَّنْوِينِ كَجِوَارٍ، وَهِيَ مِائَتَا دِرْهَمٍ (رُبُعُ الْعُشْرِ) خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ يَجِبُ رُبُعُ عُشْرِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَدِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَكَذَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اعْتَمَدَ مَالِكٌ وَالْعُلَمَاءُ وَالْخُلَفَاءُ قَبْلَهُمْ عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَلَمْ يَرِدْ عَنِ الصَّحَابَةِ إِنْكَارُ شَيْءٍ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي طَلَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ الْكِتَابِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَ عُمَرَ هُوَ الَّذِي كَانَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، إِذْ لَوْ كَانَ خِلَافُهُ لَطَلَبَهُ مِنْ آلِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا طَلَبَهُ مِنْ آلِ عُمَرَ وَآلِ عَمْرٍو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 [بَاب مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الْأَنْصَارِيَّ «أَخَذَ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً وَأُتِيَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا وَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْئًا حَتَّى أَلْقَاهُ فَأَسْأَلَهُ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ عَلَى رَاعِيَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ أَوْ عَلَى رِعَاءٍ مُفْتَرِقِينَ فِي بُلْدَانٍ شَتَّى أَنَّ ذَلِكَ يُجْمَعُ كُلُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَيُؤَدِّي مِنْهُ صَدَقَتَهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الذَّهَبُ أَوْ الْوَرِقُ مُتَفَرِّقَةً فِي أَيْدِي نَاسٍ شَتَّى إِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْمَعَهَا فَيُخْرِجَ مِنْهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ زَكَاتِهَا وَقَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ أَنَّهَا تُجْمَعُ عَلَيْهِ فِي الصَّدَقَةِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ صُدِّقَتْ وَقَالَ إِنَّمَا هِيَ غَنَمٌ كُلُّهَا وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَتْ الضَّأْنُ هِيَ أَكْثَرَ مِنْ الْمَعْزِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى رَبِّهَا إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ تِلْكَ الشَّاةَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ الضَّأْنِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَعْزُ أَكْثَرَ مِنْ الضَّأْنِ أُخِذَ مِنْهَا فَإِنْ اسْتَوَى الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ أَخَذَ الشَّاةَ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ الْعِرَابُ وَالْبُخْتُ يُجْمَعَانِ عَلَى رَبِّهِمَا فِي الصَّدَقَةِ وَقَالَ إِنَّمَا هِيَ إِبِلٌ كُلُّهَا فَإِنْ كَانَتْ الْعِرَابُ هِيَ أَكْثَرَ مِنْ الْبُخْتِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى رَبِّهَا إِلَّا بَعِيرٌ وَاحِدٌ فَلْيَأْخُذْ مِنْ الْعِرَابِ صَدَقَتَهَا فَإِنْ كَانَتْ الْبُخْتُ أَكْثَرَ فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا فَإِنْ اسْتَوَتْ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ تُجْمَعُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى رَبِّهَا وَقَالَ إِنَّمَا هِيَ بَقَرٌ كُلُّهَا فَإِنْ كَانَتْ الْبَقَرُ هِيَ أَكْثَرَ مِنْ الْجَوَامِيسِ وَلَا تَجِبُ عَلَى رَبِّهَا إِلَّا بَقَرَةٌ وَاحِدَةٌ فَلْيَأْخُذْ مِنْ الْبَقَرِ صَدَقَتَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ الْجَوَامِيسُ أَكْثَرَ فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا فَإِنْ اسْتَوَتْ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ فَإِذَا وَجَبَتْ فِي ذَلِكَ الصَّدَقَةُ صُدِّقَ الصِّنْفَانِ جَمِيعًا قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَفَادَ مَاشِيَةً مِنْ إِبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ قَبْلَهَا نِصَابُ مَاشِيَةٍ وَالنِّصَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ إِمَّا خَمْسُ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ وَإِمَّا ثَلَاثُونَ بَقَرَةً وَإِمَّا أَرْبَعُونَ شَاةً فَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ خَمْسُ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ ثَلَاثُونَ بَقَرَةً أَوْ أَرْبَعُونَ شَاةً ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهَا إِبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا بِاشْتِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَإِنَّهُ يُصَدِّقُهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُهَا وَإِنْ لَمْ يَحُلْ عَلَى الْفَائِدَةِ الْحَوْلُ وَإِنْ كَانَ مَا أَفَادَ مِنْ الْمَاشِيَةِ إِلَى مَاشِيَتِهِ قَدْ صُدِّقَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَرِثَهَا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُصَدِّقُهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُ مَاشِيَتَهُ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْوَرِقِ يُزَكِّيهَا الرَّجُلُ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ عَرْضًا وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي عَرْضِهِ ذَلِكَ إِذَا بَاعَهُ الصَّدَقَةُ فَيُخْرِجُ الرَّجُلُ الْآخَرُ صَدَقَتَهَا هَذَا الْيَوْمَ وَيَكُونُ الْآخَرُ قَدْ صَدَّقَهَا مِنْ الْغَدِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ لَا تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ فَاشْتَرَى إِلَيْهَا غَنَمًا كَثِيرَةً تَجِبُ فِي دُونِهَا الصَّدَقَةُ أَوْ وَرِثَهَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْغَنَمِ كُلِّهَا الصَّدَقَةُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا بِاشْتِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ مِنْ مَاشِيَةٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ مِنْ إِبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ فَلَيْسَ يُعَدُّ ذَلِكَ نِصَابَ مَالٍ حَتَّى يَكُونَ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَذَلِكَ النِّصَابُ الَّذِي يُصَدِّقُ مَعَهُ مَا أَفَادَ إِلَيْهِ صَاحِبُهُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ تَجِبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا الصَّدَقَةُ ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهَا بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً صَدَّقَهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُهَا قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْفَرِيضَةِ تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ فَلَا تُوجَدُ عِنْدَهُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ ابْنَةَ مَخَاضٍ فَلَمْ تُوجَدْ أُخِذَ مَكَانَهَا ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَ لَبُونٍ أَوْ حِقَّةً أَوْ جَذَعَةً وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ كَانَ عَلَى رَبِّ الْإِبِلِ أَنْ يَبْتَاعَهَا لَهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ بِهَا وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْإِبِلِ النَّوَاضِحِ وَالْبَقَرِ السَّوَانِي وَبَقَرِ الْحَرْثِ إِنِّي أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إِذَا وَجَبَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ   12 - بَابُ مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ وَفِي نُسْخَةٍ: زَكَاةُ الْبَقَرِ اسْمُ جِنْسٍ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، اشْتُقَّتْ مِنْ بَقَرْتُ الشَّيْءَ إِذَا شَقَقْتَهُ ; لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ بِالْحِرَاثَةِ، وَأَخَّرَ زَكَاةَ الْبَقَرِ ; لِأَنَّهَا أَقَلُّ النَّعَمِ وُجُودًا وَنُصُبًا قَالَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ، وَفِي طُرَّةٍ قَدِيمَةٍ هَذَا التَّبْوِيبُ لَيْسَ مِنَ الرِّوَايَةِ وَهُوَ فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ أَبِي عُمَرَ وَعِنْدَ الْبَاجِيِّ فِي أَصْلِ الْكِتَابِ. 598 - 599 - (مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ (ابْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ) الْأَعْرَجِ أَبِي صَفْوَانَ الْقَارِيِّ، لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَهَا (عَنْ طَاوُسِ) بْنِ كَيْسَانَ (الْيَمَانِيِّ) الْحَضْرَمِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْفَارِسِيِّ، يُقَالُ اسْمُهُ ذَكْوَانُ وَطَاوُسٌ لَقَبٌ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ فَقِيهٌ، فَاضَلٌ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَهَا (أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الْأَنْصَارِيَّ) الْخَزْرَجِيَّ الْإِمَامَ الْمُقَدَّمَ فِي عِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَكَانَ أَبْيَضَ وَضِيءَ الْوَجْهِ بَرَّاقَ الثَّنَايَا أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ، شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا مُنْقَطِعٌ فَطَاوُسٌ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا وَهُوَ فِي السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا وَإِنَّمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ لِشَوَاهِدِهِ، وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 (أَخَذَ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا) وَهُوَ مَا دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَ تَبِيعًا ; لِأَنَّهُ فُطِمَ عَنْ أُمِّهِ فَهُوَ يَتْبَعُهَا (وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً) دَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ وَقِيلَ الرَّابِعَةِ، وَلَا تُؤْخَذُ إِلَّا أُنْثَى، سَوَاءٌ كَانَتِ الْبَقَرَةُ ذُكُورًا كُلُّهَا أَوْ إِنَاثًا، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَإِنْ زَادَتْ عَلَى أَرْبَعِينَ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ فَتَبِيعَانِ وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْحَدِيثِ، وَثَمَّ أَقْوَالٌ شَاذَّةٌ عَنِ الْجُمْهُورِ وَالْآثَارِ، قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُهُ الْوَقْفُ عَلَى مُعَاذٍ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ (وَأُتِيَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ) أَيِ الثَلَاثِينَ (فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْئًا) فِيهِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ مَا عَمِلَ بِهِ فِي الثَلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ، مَعَ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ رَأْيًا وَإِنَّمَا هُوَ تَوْقِيفٌ مِمَّنْ أَمَرَ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (حَتَّى) غَايَةٌ لِمُقَدَّرٍ، أَيْ لَا آخُذُ إِلَى أَنْ (أَلْقَاهُ فَأَسْأَلَهُ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ) مِنَ الْيَمَنِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: لَمْ يَزَلْ مُعَاذٌ بِالْجُنْدِ مُنْذُ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْيَمَنِ حَتَّى تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ ثُمَّ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَرَدَّهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: تُوُفِّيَ مُعَاذٌ فِي طَاعُونِ عَمْوَاسٍ، وَكَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَمَانَ عَشْرَةَ وَالْجُنْدُ مِنَ الْيَمَنِ بَلَدِ طَاوُسٍ اه. وَالَّذِي فِي الْإِصَابَةِ: وَقَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الْيَمَنِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَتُوُفِّيَ بِالطَّاعُونِ بِالشَّامِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَعَاشَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَشَهِدَ بَدْرًا وَلَهُ إِحْدَى وَعِشْرُونَ سَنَةً. (قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ عَلَى رَاعِيَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ) بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ: مُتَفَرِّقِينَ، بِتَقْدِيمِ التَّاءِ (أَوْ عَلَى رِعَاءٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، مَمْدُودٌ، جَمْعٌ (مُفْتَرِقِينَ فِي بُلْدَانٍ شَتَّى أَنَّ ذَلِكَ يُجْمَعُ كُلُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَيُؤَدِّي صَدَقَتَهُ) وَكَذَلِكَ الْمَاشِيَةُ وَالْحَرْثُ، وَقَوْلُهُ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ، يَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ، وَالْأَصْلُ مُرَاعَاةُ مِلْكِ الرَّجُلِ النِّصَابَ وَلَا يُرَاعَى افْتِرَاقُ الْمَوْضِعِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ السُّعَاةِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الذَّهَبُ أَوِ الْوَرِقُ مُتَفَرِّقَةً فِي أَيْدِي نَاسٍ شَتَّى إِنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا (يَنْبَغِي لَهُ) أَيْ يَجِبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 عَلَيْهِ (أَنْ يَجْمَعَهَا فَيَخْرُجُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ زَكَاتِهَا) بَيَانٌ لِمَا وَجَبَ (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ: أَنَّهَا تُجْمَعُ عَلَيْهِ فِي الصَّدَقَةِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ صُدِّقَتْ) بِضَمِّ الصَّادِ وَشَدِّ الدَّالِ، أَخْرَجَ صَدَقَتَهَا (وَإِنَّمَا هِيَ غَنَمٌ كُلُّهَا، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً) تَمْيِيزٌ (شَاةٌ) مُبْتَدَأٌ، اسْتِدْلَالٌ عَلَى جَمْعِ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ ; لِأَنَّ اسْمَ الْغَنَمِ يَشْمَلُهَا (قَالَ: فَإِنْ كَانَتِ الضَّأْنُ هِيَ أَكْثَرَ مِنَ الْمَعْزِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى رَبِّهَا إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ) بِخِفَّةِ الصَّادِ أَيِ السَّاعِي (تِلْكَ الشَّاةَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنَ الضَّأْنِ) تَغْلِيبًا لِلْأَكْثَرِ (وَإِنْ كَانَ الْمَعْزُ أَكْثَرَ مِنَ الضَّأْنِ أُخِذَ مِنْهَا فَإِنِ اسْتَوَى الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ) كَخَمْسِينَ ضَأْنًا وَخَمْسِينَ مَعْزًا (أَخَذَ الشَّاةَ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ) إِذْ لَا طَرَفَ يُرَجَّحُ (وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ الْعِرَابُ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (وَالْبُخْتِ) جَمْعُ بُخْتِيٍّ مِثْلُ رُومٍ وَرُومِيٍّ ثُمَّ يُجْمَعُ عَلَى الْبَخَاتِي وَيُخَفَّفُ وَيُثَقَّلُ، وَعِنْدَ ابْنِ وَضَّاحٍ: وَالنُّجْبُ بِنُونٍ وَجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ جَمْعُ نَجِيبٍ وَنَجِيبَةٍ بِمَعْنَى الْخِيَارِ (يُجْمَعَانِ عَلَى رَبِّهِمَا فِي الصَّدَقَةِ، وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ إِبِلٌ كُلُّهَا) فَيَشْمَلُهَا اسْمُ الْإِبِلِ فِي الْحَدِيثِ (فَإِنْ كَانَتِ الْعِرَابُ هِيَ أَكْثَرُ مِنَ الْبُخْتِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى رَبِّهَا إِلَّا بَعِيرٌ وَاحِدٌ فَلْيَأْخُذْ مِنَ الْعِرَابِ صَدَقَتَهَا) أَيِ الْجَمِيعُ مِنْ بُخْتٍ وَعِرَابٍ (فَإِنْ كَانَتِ الْبُخْتُ أَكْثَرَ فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا) صَدَقَتَهَا (فَإِنِ اسْتَوَتْ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ) إِذَا كَانَتْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا السِّنُّ الْوَاجِبَةُ، فَإِنْ كَانَتْ فِي أَحَدِهِمَا خَاصَّةً أَخَذَهَا وَلَيْسَ لَهُ إِلْزَامُ الْمَالِكِ بِشِرَاءِ ذَلِكَ مِنَ الْآخَرِ (قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ) جَمْعُ جَامُوسٍ، نَوْعٌ مِنَ الْبَقَرِ، قِيلَ كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 مِنْ جَمُسَ الْوَدَكُ إِذَا جَمُدَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قُوَّةُ الْبَقَرِ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ وَالدِّيَاسَةِ (تُجْمَعُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى رَبِّهَا وَإِنَّمَا هِيَ بَقَرٌ كُلُّهَا) وَقَدْ ثَبَتَ زَكَاةُ الْبَقَرِ (فَإِنْ كَانَتِ الْبَقَرُ هِيَ أَكْثَرَ مِنَ الْجَوَامِيسِ وَ) الْحَالَةُ أَنَّهُ (لَا تَجِبُ عَلَى رَبِّهَا إِلَّا بَقَرَةٌ وَاحِدَةٌ فَلْيَأْخُذْ مِنَ الْبَقَرِ صَدَقَتَهُمَا، وَإِنْ كَانَتِ الْجَوَامِيسُ أَكْثَرَ فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا فَإِنِ اسْتَوَتْ) كَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الْجَامُوسِ وَمِثْلِهَا مِنَ الْبَقَرِ (فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ) مَعَ وُجُودِهِمَا وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْمَوْجُودُ (فَإِذَا وَجَبَتْ فِي ذَلِكَ الصَّدَقَةُ صُدِّقَ الصِّنْفَانِ جَمِيعًا) كَثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ وَمِثْلِهَا جَامُوسٍ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلٍّ تَبِيعًا (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَفَادَ مَاشِيَةً مِنْ إِبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ قَبْلَهَا نِصَابُ مَاشِيَةٍ، وَالنِّصَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ) وَهُوَ لُغَةً الْأَصْلُ، وَاسْتُعْمِلَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فِي أَقَلِّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَكَأَنَّهُ أَصْلٌ لِمَا تَجِبُ فِيهِ (إِمَّا خَمْسُ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَإِمَّا ثَلَاثُونَ بَقَرَةً، وَإِمَّا أَرْبَعُونَ شَاةً، فَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ) مَثَلًا (خُمْسُ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ أَوْ ثَلَاثُونَ بَقَرَةً أَوْ أَرْبَعُونَ شَاةً، ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهَا إِبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا بِاشْتِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَإِنَّهُ يُصَدِّقُهَا) يُعْطِي صَدَقَتَهَا (مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُهَا وَإِنْ لَمْ يَحُلْ عَلَى الْفَائِدَةِ الْحَوْلُ) فَحَاصِلُ مَذْهَبِهِ فِي فَائِدَةِ الْمَاشِيَةِ أَنَّهَا إِنَّمَا تُضَمُّ إِلَى نِصَابٍ، وَإِلَّا اسْتُؤْنِفَ بِالْجَمِيعِ حَوْلًا، فَإِنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ مِنْ نَوْعٍ مَا أَفَادَ زَكَّى الْفَائِدَةَ عَلَى حَوْلِ النِّصَابِ، وَلَوِ اسْتَفَادَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي بِيَوْمٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا تُضَمُّ الْفَوَائِدُ وَيُزَكَّى كُلٌّ عَلَى حَوْلِهِ إِلَّا نِتَاجَ الْمَاشِيَةِ فَتُزَكَّى مَعَ أُمَّهَاتِهَا إِنْ كَانَتْ نِصَابًا (وَإِنْ كَانَ مَا أَفَادَ مِنَ الْمَاشِيَةِ إِلَى مَاشِيَتِهِ قَدْ صُدِّقَتْ) أَيْ صَدَّقَهَا مَالِكُهَا الْبَائِعُ أَوِ الْوَاهِبُ أَوِ الْمُوَرِّثُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 (قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَرِثَهَا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يُصَدِّقُهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُ مَاشِيَتَهُ) فَهُوَ مَالٌ زَكَّاهُ اثْنَانِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ) قِيَاسُهُ (مَثَلُ الْوَرِقِ) الْفِضَّةِ (يُزَكِّيهَا الرَّجُلُ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ عَرْضًا، وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي عَرْضِهِ ذَلِكَ إِذَا بَاعَهُ الصَّدَقَةَ) لِتَجْرِهِ فِيهِ (فَيُخْرِجُ الرَّجُلُ الْآخَرُ صَدَقَتَهَا هَذَا الْيَوْمَ وَيَكُونُ الْآخَرُ قَدْ صَدَّقَهَا مِنَ الْغَدِ) وَلَا غَرَابَةَ فِي ذَلِكَ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ لَا تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ) لِنَقْصِهَا عَنِ النِّصَابِ (فَاشْتَرَى إِلَيْهَا غَنَمًا كَثِيرَةً تَجِبُ فِي دُونِهَا الصَّدَقَةُ أَوْ وَرِثَهَا) أَوْ وُهِبَتْ لَهُ (أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْغَنَمِ كُلِّهَا الصَّدَقَةُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا بِاشْتِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ) أَوْ هِبَةٍ (وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ مِنْ مَاشِيَةٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ) صِفَةُ مَاشِيَةٍ (مِنْ إِبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ) بَيَانٌ لِمَاشِيَةٍ (فَلَيْسَ بَعْدَ ذَلِكَ نِصَابُ مَالٍ) بَلْ هُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ (حَتَّى يَكُونَ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا) أَيِ الثَّلَاثَةِ (مَا تَجِبُ فِيهِ) بِالتَّذْكِيرِ، وَفِي نُسْخَةٍ فِيهَا بِالتَّأْنِيثِ (الصَّدَقَةُ فَذَلِكَ النِّصَابُ الَّذِي يُصَدِّقُ) يُزَكِّى (مَعَهُ مَا أَفَادَ إِلَيْهِ صَاحِبُهُ) فَاعِلُ يُصَدِّقُ (مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ) بَيَانٌ لِمَا (مِنَ الْمَاشِيَةِ) بِأَصْنَافِهَا الثَّلَاثَةِ (وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ تَجِبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا الصَّدَقَةُ) لِبُلُوغِ النِّصَابِ (ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهَا بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 صَدَّقَهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُهَا، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذَا) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَجِبُ هَذَا الْقَوْلُ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا يُقَالُ: زَيْدٌ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ حَسَّانَ: أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِنِدٍّ ... فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ قَالَ: فَشَرُّكُمَا، وَلَا شَرَّ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: لِخَيْرِكُمَا، وَلَا خَيْرَ فِي هَاجِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِأَحَبَّ أَنَّهُ أَصَحُّ وَأَرْجَحُ دَلِيلًا فَأَفْعَلُ عَلَى بَابِهَا (قَالَ مَالِكٌ فِي الْفَرِيضَةِ تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ فَلَا تُوجَدُ عِنْدَهُ: أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ بِنْتَ مَخَاضٍ فَلَمْ تُوجَدْ أُخِذَ مَكَانَهَا ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ) وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قِيمَةٍ مِنْهَا وَلَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلُهَا، فَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ: " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ " وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَجِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا: يَتَعَيَّنُ شِرَاءُ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيَّهُمَا شَاءَ (إِنْ كَانَتْ) الْفَرِيضَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ (بِنْتَ لَبُونٍ أَوْ حِقَّةً أَوْ جَذَعَةً، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ كَانَ عَلَى رَبِّ الْإِبِلِ أَنْ يَبْتَاعَهَا لَهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ بِهَا، وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا) لِأَنَّ إِخْرَاجَ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ: " «خُذِ الْحَبَّ مِنَ الْحَبِّ وَالشَّاةَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَعِيرَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرَ مِنَ الْبَقَرِ» " وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الطُّهْرَةِ فَلَمْ تُجْزِ فِيهِ الْقِيمَةُ كَالرَّقَبَةِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْإِبِلِ النَّوَاضِحِ) جَمْعُ نَاضِحٍ، وَهُوَ الَّذِي يَحْمِلُ الْمَاءَ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ لِيَسْقِيَ الزَّرْعَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَنْضَحُ الْعَطَشَ أَيْ تَبُلُّهُ بِالْمَاءِ الَّذِي تَحْمِلُهُ، هَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ بَعِيرٍ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلِ الْمَاءَ (وَالْبَقَرِ السَّوَانِي) الَّتِي يُسْنَى عَلَيْهَا أَيْ يُسْتَقَى مِنَ الْبِئْرِ (وَبَقَرِ الْحَرْثِ إِنِّي أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إِذَا وَجَبَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ) لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَرَدَتْ بِإِطْلَاقِ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَلَمْ يَخُصَّ عَامِلَةً مِنْ غَيْرِهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 [بَاب صَدَقَةِ الْخُلَطَاءِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي الْخَلِيطَيْنِ إِذَا كَانَ الرَّاعِي وَاحِدًا وَالْفَحْلُ وَاحِدًا وَالْمُرَاحُ وَاحِدًا وَالدَّلْوُ وَاحِدًا فَالرَّجُلَانِ خَلِيطَانِ وَإِنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ قَالَ وَالَّذِي لَا يَعْرِفُ مَالَهُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ لَيْسَ بِخَلِيطٍ إِنَّمَا هُوَ شَرِيكٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْخَلِيطَيْنِ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِأَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً فَصَاعِدًا وَلِلْآخَرِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى الَّذِي لَهُ الْأَرْبَعُونَ شَاةً وَلَمْ تَكُنْ عَلَى الَّذِي لَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ صَدَقَةٌ فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ جُمِعَا فِي الصَّدَقَةِ وَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفُ شَاةٍ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ شَاةً أَوْ أَكْثَرُ فَهُمَا خَلِيطَانِ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ عَلَى قَدْرِ عَدَدِ أَمْوَالِهِمَا عَلَى الْأَلْفِ بِحِصَّتِهَا وَعَلَى الْأَرْبَعِينَ بِحِصَّتِهَا قَالَ مَالِكٌ الْخَلِيطَانِ فِي الْإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيطَيْنِ فِي الْغَنَمِ يَجْتَمِعَانِ فِي الصَّدَقَةِ جَمِيعًا إِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ وَقَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَصْحَابَ الْمَوَاشِي قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ أَنْ يَكُونَ النَّفَرُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً قَدْ وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي غَنَمِهِ الصَّدَقَةُ فَإِذَا أَظَلَّهُمْ الْمُصَدِّقُ جَمَعُوهَا لِئَلَّا يَكُونَ عَلَيْهِمْ فِيهَا إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَإِذَا أَظَلَّهُمَا الْمُصَدِّقُ فَرَّقَا غَنَمَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ   13 - بَابُ صَدَقَةِ الْخُلَطَاءِ (قَالَ مَالِكٌ فِي الْخَلِيطَيْنِ إِذَا كَانَ الرَّاعِي وَاحِدًا وَالْفَحْلُ) ذَكَرُ الْمَاشِيَةِ (وَاحِدًا وَالْمُرَاحُ) بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَتُفْتَحُ، مُجْتَمَعُ الْمَاشِيَةِ لِلْمَبِيتِ أَوْ لِلْقَائِلَةِ (وَاحِدًا وَالدَّلْوُ) آلَةُ الِاسْتِقَاءِ، وَقِيلَ: كِنَايَةٌ عَنِ الْمِيَاهِ (وَاحِدًا فَالرَّجُلَانِ خَلِيطَانِ) فَيَكُونَانِ كَمَالِكٍ وَاحِدٍ بِشَرْطِ نِيَّةِ الْخَلْطِ (وَإِنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ لَا لِلْمُبَالَغَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (قَالَ: وَالَّذِي لَيْسَ يَعْرِفُ مَالَهُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ لَيْسَ بِخَلِيطٍ إِنَّمَا هُوَ شَرِيكٌ) فَقَطْ، لَا خَلِيطٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْخَلِيطَ الشَّرِيكُ وَاحِدٌ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَعْرِفُ عَيْنَ مَالِهِ لِعَدَمِ تَمَيُّزِهِ عَنْ مَالِ شَرِيكِهِ حَتَّى يَرْجِعَ بِحِصَّةِ مَا أُخِذَ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، فَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمْ يَكُنْ لِتَرَاجُعِهِمَا بِالسَّوِيَّةِ مَعْنًى، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ التَّرَاجُعَ بِحَسْبِ الْحِسَابِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَلِيطَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ} [ص: 24] (سُورَةُ ص: الْآيَةُ 24) وَقَدْ بَيَّنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [ص: 23] (سُورَةُ ص: الْآيَةُ 23) فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَلْطَةِ مُطْلَقُ الِاجْتِمَاعِ لَا الشَّرِكَةُ. (وَلَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْخَلِيطَيْنِ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ) وَكُلُّ حُرٍّ مُسْلِمٍ فَيُزَكِّي عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ الْخَلْطَةُ مِنْ تَخْفِيفٍ وَتَثْقِيلٍ وَمُسَاوَاةٍ (وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُهُ (إِذَا كَانَ لِأَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً فَصَاعِدًا وَالْآخَرِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً) وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ (كَانَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى الَّذِي لَهُ الْأَرْبَعُونَ شَاةً) لِمِلْكِهِ النِّصَابَ (وَلَمْ تَكُنْ عَلَى الَّذِي لَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ صَدَقَةٌ) لِنَقْصِهِ عَنِ النِّصَابِ (فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَجِبُ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 الصَّدَقَةُ جَمْعًا فِي الصَّدَقَةِ وَوَجَبَتِ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا) بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا، وَأَوْضَحَ ذَلِكَ بِالْمِثَالِ فَقَالَ: (فَإِنْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا أَلْفُ شَاةٍ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ شَاةً أَوْ أَكْثَرُ فَهُمَا خَلِيطَانِ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ) أَيِ الزَّائِدَ (بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ عَلَى قَدْرِ عَدَدِ أَمْوَالِهِمَا عَلَى الْأَلْفِ بِحِصَّتِهَا وَعَلَى الْأَرْبَعِينَ بِحِصَّتِهَا) فَإِذَا أَخَذَ السَّاعِي مِنَ الْأَلْفِ وَالْأَرْبَعِينَ عَشَرَةً كَانَ عَلَى ذِي الْأَلْفِ مِنْهَا تِسْعَةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ» " لِأَنَّ الشَّرِيكَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ بَيْنَهُمَا تَرَاجُعٌ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي الْخَلِيطَيْنِ إِذَا أُخِذَتِ الْفَرِيضَةُ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَأْثِيرَ لِلْخَلْطَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فِيمَا يَمْلِكُ إِلَّا مِثْلَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ خَلْطَةً، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَفْرِيقُهَا مِثْلَ جَمْعِهَا فِي الْحُكْمِ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَعَلَّ الْكُوفِيِّينَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ أَوْ رَأَوْا أَنَّ الْأَصْلَ حَدِيثُ: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» ". وَرَأَوْا أَنَّ حُكْمَ الْخَلْطَةِ يُغَايِرُ هَذَا الْأَصْلَ فَلَمْ يَقُولُوا بِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْخَلِيطَانِ فِي الْإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيطَيْنِ فِي الْغَنَمِ يَجْتَمِعَانِ فِي الصَّدَقَةِ جَمِيعًا) وَكَذَا الْخَلِيطَيْنِ فِي الْبَقَرِ (إِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ) وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مُشِيرًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ) أَيْ شَرْطُ مِلْكِ كُلِّ نِصَابٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ» ) بِالْإِضَافَةِ وَالتَّنْوِينِ (مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ) فَعُمُومُ النَّفْيِ شَامِلٌ لِلْخَلِيطَيْنِ (وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً» ) تَمْيِيزٌ (شَاةٌ) بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ، فَقَيَّدَ زَكَاتَهَا بِبُلُوغِ النِّصَابِ، وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلْخَلِيطَيْنِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِصَابٌ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَالَطَ (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) وَوَافَقَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 عَلَى هَذَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ مُخَالِطًا، أَصْلُهُ إِذَا كَانَ ذِمِّيًّا، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاةٌ فِي أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَلِيطَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ أَصْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ بِرَأْيٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ: إِذَا بَلَغَتْ مَاشَيْتُهُمَا النِّصَابَ وَجَبَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِكُلٍّ نِصَابٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِرَأْيٍ بَلْ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ فِي حَدِيثَيِ الذَّوْدِ وَالْغَنَمِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِينَ بِالْخَلْطَةِ لِمَالِكَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدِ اتَّفَقُوا فِي ثَلَاثَةِ خُلَطَاءَ لَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً لِكُلِّ أَرْبَعِينَ عَلَيْهِمْ شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَنَقَصُوا الْمَسَاكِينَ شَاتَيْنِ لِلْخَلْطَةِ فَقِيَاسُهُ: لَوْ كَانَتْ أَرْبَعُونَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ شَاةٌ لِخَلْطَتِهِمْ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. لَكِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا إِنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِتَأْثِيرِ الْخَلْطَةِ فَلَا يُعَادِلُ الْقِيَاسَ عَلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَنُصَّ فِي الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعَيْنِ بِالْخَلْطَةِ لِمَالِكَيْنِ أَوْ لِوَاحِدٍ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ لِعَوْدِهِ عَلَى الدَّلِيلِ بِالْإِبْطَالِ، إِذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَى مَالِكٍ أَقَلُّ مِنْ نِصَابِ الزَّكَاةِ، وَذَلِكَ خِلَافُ عُمُومِ السَّلْبِ فِي قَوْلِهِ: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» " وَخِلَافُ الشَّرْطِ فِي حَدِيثِ الْغَنَمِ، فَقَوْلُ مَالِكٍ أَرْجَحُ وَاسْتِدْلَالُهُ أَوْضَحُ. (وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) فِي كِتَابِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَمَرَّ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ» ) بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ عَلَى التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَخِفَّةِ الرَّاءِ، وَبِتَقْدِيمِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْفَاءِ وَشَدِّ الرَّاءِ، رِوَايَتَانِ كَمَا مَرَّ. (وَلَا يُفَرَّقُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَشَدِّ ثَالِثِهِ مَفْتُوحًا (بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَصْحَابَ الْمَوَاشِي) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ لَا السُّعَاةُ (قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ أَنْ يَكُونَ النَّفَرُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً قَدْ وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي غَنَمِهِمُ الصَّدَقَةُ فَإِذَا أَظَلَّهُمْ) بِظَاءٍ مُعْجَمَةٍ، أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ (الْمُصَدِّقُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ، أَيْ آخِذُ الصَّدَقَةِ وَهُوَ السَّاعِي (جَمَعُوهَا لِئَلَّا يَكُونَ عَلَيْهِمْ فِيهَا إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا وَاجِبُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ (فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ تَقْلِيلِ الصَّدَقَةِ (وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ: وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 فَإِذَا أَظَلَّهُمَا الْمُصَدِّقُ فَرَّقَا غَنَمَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ) وَفِي رِوَايَةٍ: مَخَافَةَ (الصَّدَقَةِ، قَالَ: فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فِي) تَفْسِيرِ (ذَلِكَ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ جِهَةٍ وَلِلسَّاعِي مِنْ جِهَةٍ، فَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ لَا يُحْدِثَ شَيْئًا مِنَ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، فَرَبُّ الْمَالِ يَخْشَى أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ فَيَجْمَعُ أَوْ يُفَرِّقُ لِتَقِلَّ، وَالسَّاعِي يَخْشَى أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ فَيَجْمَعُ أَوْ يُفَرِّقُ لِتَكْثُرَ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، أَيْ خَشْيَةَ أَنْ تَكْثُرَ أَوْ أَنْ تَقِلَّ، فَلَمَّا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَكُنِ الْحَمْلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمَا مَعًا، قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْمَالِكِ أَظْهَرُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 [بَاب مَا جَاءَ فِيمَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ السَّخْلِ فِي الصَّدَقَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ جَدِّهِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا فَكَانَ يَعُدُّ عَلَى النَّاسِ بِالسَّخْلِ فَقَالُوا أَتَعُدُّ عَلَيْنَا بِالسَّخْلِ وَلَا تَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ نَعَمْ تَعُدُّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا تَأْخُذُهَا وَلَا تَأْخُذُ الْأَكُولَةَ وَلَا الرُّبَّى وَلَا الْمَاخِضَ وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ وَتَأْخُذُ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْغَنَمِ وَخِيَارِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالسَّخْلَةُ الصَّغِيرَةُ حِينَ تُنْتَجُ وَالرُّبَّى الَّتِي قَدْ وَضَعَتْ فَهِيَ تُرَبِّي وَلَدَهَا وَالْمَاخِضُ هِيَ الْحَامِلُ وَالْأَكُولَةُ هِيَ شَاةُ اللَّحْمِ الَّتِي تُسَمَّنُ لِتُؤْكَلَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْغَنَمُ لَا تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ فَتَوَالَدُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا الْمُصَدِّقُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ فَتَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ بِوِلَادَتِهَا قَالَ مَالِكٌ إِذَا بَلَغَتْ الْغَنَمُ بِأَوْلَادِهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَعَلَيْهِ فِيهَا الصَّدَقَةُ وَذَلِكَ أَنَّ وِلَادَةَ الْغَنَمِ مِنْهَا وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا أُفِيدَ مِنْهَا بِاشْتِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْعَرْضُ لَا يَبْلُغُ ثَمَنُهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ ثُمَّ يَبِيعُهُ صَاحِبُهُ فَيَبْلُغُ بِرِبْحِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَيُصَدِّقُ رِبْحَهُ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ رِبْحُهُ فَائِدَةً أَوْ مِيرَاثًا لَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهُ أَوْ وَرِثَهُ قَالَ مَالِكٌ فَغِذَاءُ الْغَنَمِ مِنْهَا كَمَا رِبْحُ الْمَالِ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهِ مَالًا تَرَكَ مَالَهُ الَّذِي أَفَادَ فَلَمْ يُزَكِّهِ مَعَ مَالِهِ الْأَوَّلِ حِينَ يُزَكِّيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَى الْفَائِدَةِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ غَنَمٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ إِبِلٌ تَجِبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا الصَّدَقَةُ ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهَا بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً صَدَّقَهَا مَعَ صِنْفِ مَا أَفَادَ مِنْ ذَلِكَ حِينَ يُصَدِّقُهُ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ الَّذِي أَفَادَ نِصَابُ مَاشِيَةٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ   14 - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ السَّخْلِ فِي الصَّدَقَةِ السَّخْلُ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَبِاللَّامِ، جَمْعُ سَخْلَةٍ مِثْلُ تَمْرٍ وَتَمْرَةٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى سِخَالٍ. 600 - 600 - (مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (ابْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ، الْمَدَنِيُّ، ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنِ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ جَدِّهِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ الثَّقَفِيِّ الطَّائِفِيِّ، صَحَابِيٌّ، وَكَانَ عَامِلَ عُمَرَ عَلَى الطَّائِفِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا) جَابِيًا لِلصَّدَقَةِ (فَكَانَ يَعُدُّ عَلَى النَّاسِ بِالسَّخْلِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (فَقَالُوا: أَتَعُدُّ عَلَيْنَا بِالسَّخْلِ وَلَا تَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا) فِي الزَّكَاةِ (فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ) الَّذِي فَعَلَهُ وَإِنْكَارَهُمْ عَلَيْهِ (فَقَالَ) عُمَرُ (نَعَمْ تَعُدُّ عَلَيْهِمْ) مَوَاشِيَهُمْ (بِالسَّخْلَةِ) الحديث: 600 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 الْوَاحِدَةِ فَضْلًا عَنِ السَّخْلِ (يَحْمِلُهَا الرَّاعِي) لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا عَلَى الْمَشْيِ وَلَا تَأْخُذُهَا (وَلَا تَأْخُذُ الْأَكُولَةَ) السَّمِينَةَ (وَلَا الرُّبَّى) بَرَاءٍ وَمُوَحَّدَةٍ بِزِنَةِ فُعْلَى وَجَمْعُهَا رُبَابٌ كَغُرَابٍ (وَلَا الْمَاخِضَ) بِمُعْجَمَتَيْنِ (وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ، وَتَأْخُذُ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ وَذَلِكَ عَدْلٌ) أَيْ وَسَطٌ (بَيْنَ غِذَاءِ) بِمُعْجَمَتَيْنِ بِزِنَةِ كِرَامٍ جَمْعُ غَذِيٍّ وَزْنُ كَرِيمٍ، سِخَالٌ (الْغَنَمِ وَخِيَارِهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: بَيَّنَ عُمَرُ أَنَّ مَا يَتْرُكُ لَهُمْ مِنْ جَيِّدِهَا وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ فِي جَنْبِ الرَّدِيءِ الَّذِي لَا يُؤْخَذُ، فَكَمَا يَحْسِبُ الْجَيِّدَ مِنْهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَذَلِكَ يَحْسِبُ الرَّدِيءَ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ، وَلَا يُؤْخَذُ إِلَّا مِنْ وَسَطِ ذَلِكَ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ إِذَا كَانَتِ الْأُمَّهَاتُ نِصَابًا إِلَّا مَا يُرْوَى عَمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ السِّخَالُ بِحَالٍ، قَالَ مَالِكٌ: (السَّخْلَةُ الصَّغِيرَةُ حِينَ تُنْتَجُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ، أَيْ سَاعَةَ تُولَدُ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ لِأَوْلَادِ الْغَنَمِ سَاعَةَ تَضَعُهَا أُمَّهَاتُهَا مِنَ الضَّأْنِ أَوِ الْمَعْزِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى سَخْلَةً. (وَالرُّبَّى الَّتِي قَدْ وَضَعَتْ فَهِيَ تُرَبِّي وَلَدَهَا) وَقِيلَ: الَّتِي تُحْبَسُ فِي الْبَيْتِ لِلَبَنِهَا، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: وَلَيْسَ لَهَا فِعْلٌ وَهِيَ مِنَ الْمَعْزِ، وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُجَرَّدِ: إِنَّهَا فِي الْمَعْزِ خَاصَّةً، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: مِنَ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ، وَرُبَّمَا أُطْلِقَ فِي الْإِبِلِ (وَالْمَاخِضُ هِيَ الْحَامِلُ) يُقَالُ شَاةٌ مَاخِضٌ (وَالْأَكُولَةُ) بِالْفَتْحِ (هِيَ شَاةُ اللَّحْمِ الَّتِي تُسَمَّنُ لِتُؤْكَلَ) فَهِيَ مَنْ كَرَائِمِ الْمَالِ، وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: " إِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» ". (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْغَنَمُ لَا تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ فَتَوَالَدُ) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ (قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا) وَفِي نُسْخَةٍ: يَأْتِيهِ أَيِ الرَّجُلُ مَالِكُهَا (الْمُصَدِّقُ) السَّاعِي (بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، فَتَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ بِوِلَادَتِهَا، قَالَ مَالِكٌ) أَعَادَهُ لِطُولِ الْفَصْلِ بِصُورَةِ التَّصْوِيرِ (إِذَا بَلَغَتِ الْغَنَمُ بِأَوْلَادِهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَعَلَيْهِ فِيهَا الصَّدَقَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ وِلَادَةَ الْغَنَمِ مِنْهَا) كَرِبْحِ الْمَالِ كَمَا يَأْتِي (وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا أُفِيدَ مِنْهَا بِاشْتِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ) فَلَا يُضِيفُهُ لِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 عِنْدَهُ النَّاقِصُ عَنِ النِّصَابِ بَلْ يُسْتَقْبَلُ بِهِمَا (وَمِثْلُ ذَلِكَ الْعَرْضُ) أَيْ عَرْضُ التِّجَارَةِ (لَا يَبْلُغُ ثَمَنُهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ ثُمَّ يَبِيعُهُ صَاحِبُهُ فَيَبْلُغُ بِرِبْحِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَيُصَدِّقُ) أَيْ يُزَكِّي (رِبْحَهُ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ) وَلَوْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ (وَلَوْ كَانَ رِبْحُهُ فَائِدَةً) هِبَةً (أَوْ مِيرَاثًا، لَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ أَوْ وَرِثَهُ فَغِذَاءُ الْغَنَمِ) بِمُعْجَمَتَيْنِ سِخَالُهَا جَمْعُ غَذِيٍّ بِزِنَةِ كَرِيمٍ وَكِرَامٍ (مِنْهَا كَمَا رِبْحُ الْمَالِ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي وَجْهٍ آخَرَ) هُوَ (أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ) مَثَلًا (مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهِ مَالًا تَرَكَ مَالَهُ الَّذِي أَفَادَ فَلَمْ يُزَكِّهِ مَعَ مَالِهِ الْأَوَّلِ حِينَ يُزَكِّيهِ) لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفَائِدَةِ. (حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى الْفَائِدَةِ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا، وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ غَنَمٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ إِبِلٌ تَجِبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا الصَّدَقَةُ، ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهَا بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً صَدَّقَهَا) زَكَّاهَا (مَعَ صِنْفِ مَا أَفَادَ مِنْ ذَلِكَ حِينَ يُصَدِّقُهُ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ الَّذِي أَفَادَ نِصَابَ مَاشِيَةٍ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ وِلَادَةَ الْمَاشِيَةِ كَرِبْحِ الْمَالِ إِنْ تَمَّ بِهِ النِّصَابُ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي بِيَوْمٍ زُكِّيَتْ، بِخِلَافِ مَا أَفَادَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَلَا يَكْمُلُ النِّصَابُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابُ مَاشِيَةٍ ثُمَّ أَفَادَ مَاشِيَةً أَضَافَهَا إِلَى حَوْلِ الْأُولَى. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) مِنَ الْخِلَافِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُضَمُّ شَيْءٌ مِنَ الْفَوَائِدِ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا نِتَاجَ الْمَاشِيَةِ إِذَا كَانَتْ نِصَابًا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ نِصَابًا لَمْ يُعْتَدَّ بِالسِّخَالِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا كَانَ لَهُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ أَرْبَعُونَ صِغَارًا أَوْ كِبَارًا، وَفِي آخِرِهِ كَذَلِكَ فَالزَّكَاةُ فِيهِمَا وَإِنْ نَقَصَتْ فِي الْحَوْلِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 [بَاب الْعَمَلِ فِي صَدَقَةِ عَامَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَإِبِلُهُ مِائَةُ بَعِيرٍ فَلَا يَأْتِيهِ السَّاعِي حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ أُخْرَى فَيَأْتِيهِ الْمُصَدِّقُ وَقَدْ هَلَكَتْ إِبِلُهُ إِلَّا خَمْسَ ذَوْدٍ قَالَ مَالِكٌ يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْ الْخَمْسِ ذَوْدٍ الصَّدَقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَجَبَتَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ شَاتَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ شَاةٌ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يَوْمَ يُصَدِّقُ مَالَهُ فَإِنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ أَوْ نَمَتْ فَإِنَّمَا يُصَدِّقُ الْمُصَدِّقُ زَكَاةَ مَا يَجِدُ يَوْمَ يُصَدِّقُ وَإِنْ تَظَاهَرَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ صَدَقَاتٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَدِّقَ إِلَّا مَا وَجَدَ الْمُصَدِّقُ عِنْدَهُ فَإِنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَاتٌ فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا أَوْ صَارَتْ إِلَى مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَإِنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ فِيمَا هَلَكَ أَوْ مَضَى مِنْ السِّنِينَ   15 - بَابُ الْعَمَلِ فِي صَدَقَةِ عَامَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَإِبِلُهُ مِائَةُ بَعِيرٍ فَلَا يَأْتِيهِ السَّاعِي حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ أُخْرَى فَيَأْتِيهِ الْمُصَدِّقُ) السَّاعِي (وَقَدْ هَلَكَتْ إِبِلُهُ إِلَّا خَمْسَ ذَوْدٍ يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ) بِخِفَّةِ الصَّادِ (مِنَ الْخَمْسِ ذَوْدٍ الصَّدَقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَجَبَتَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ شَاتَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ شَاةٌ ; لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يَوْمَ يُصَدِّقُ مَالَهُ) أَيْ يُزَكِّيهِ، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ مَجِيءُ السَّاعِي إِنْ كَانَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْوُجُوبِ، سَوَاءٌ تَلِفَتَ بِأَمْرٍ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ أَتْلَفَهَا قَصْدَ الْفِرَارِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَتْلَفَهَا هُوَ ضَمِنَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً: مَجِيءُ السَّاعِي شَرْطُ وُجُوبٍ، وَمَرَّةٌ: شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ، قَالَ سَحْنُونٌ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاعٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كُلَّ حَوْلٍ ; لِأَنَّهُ سَاعِي نَفْسِهِ. (فَإِنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ أَوْ نَمَتَ) زَادَتْ (فَإِنَّمَا يُصَدِّقُ الْمُصَدِّقُ) يَأْخُذُ السَّاعِي (زَكَاةَ مَا يَجِدُ يَوْمَ يُصَدِّقُ، وَإِنْ تَظَاهَرَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ صَدَقَاتٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ) أَيْ أَكْثَرُ مِنْهَا (فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَدِّقَ) يُزَكِّيَ (إِلَّا مَا وَجَدَ الْمُصَدِّقُ) السَّاعِي (عِنْدَهُ فَإِنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَاتٌ) مُتَعَدِّدَةٌ لَوْ كَانَ السَّاعِي يَأْتِي كُلَّ عَامٍ، فَفِي إِطْلَاقِ الْوُجُوبِ تَجُوزُ (فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا أَوْ صَارَتْ إِلَى مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ) بِنَقْصِهَا عَنِ النِّصَابِ (فَإِنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ فِيمَا هَلَكَ أَوْ مَضَى مِنَ السِّنِينَ) سَوَاءٌ كَانَ الْهَلَاكُ بِسَمَاوِيٍّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 أَوْ إِتْلَافُهُ إِيَّاهَا بِدُونِ قَصْدِ الْفِرَارِ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَصْلَانِ: هَلِ الزَّكَاةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ أَوْ بِالْعَيْنِ؟ ، وَهَلْ مَجِيءُ السَّاعِي شَرْطُ وُجُوبٍ أَمْ لَا؟ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا إِنَّمَا تَجِبُ بِمَجِيءِ السَّاعِي، وَأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ، أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَاجِيُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 [بَاب النَّهْيِ عَنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي الصَّدَقَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ مُرَّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِغَنَمٍ مِنْ الصَّدَقَةِ فَرَأَى فِيهَا شَاةً حَافِلًا ذَاتَ ضَرْعٍ عَظِيمٍ فَقَالَ عُمَرُ مَا هَذِهِ الشَّاةُ فَقَالُوا شَاةٌ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ عُمَرُ مَا أَعْطَى هَذِهِ أَهْلُهَا وَهُمْ طَائِعُونَ لَا تَفْتِنُوا النَّاسَ لَا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ الْمُسْلِمِينَ نَكِّبُوا عَنْ الطَّعَامِ   16 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي الصَّدَقَةِ 602 - 601 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ، الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: مُرَّ) بِضَمِّ الْمِيمِ (عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِغَنَمٍ مِنَ الصَّدَقَةِ فَرَأَى فِيهَا شَاةً حَافِلًا) مُجْتَمِعًا لَبَنُهَا، يُقَالُ حَفَّلْتُ الشَّاةَ بِالتَّثْقِيلِ: تَرَكْتُ حَلْبَهَا حَتَّى اجْتَمَعَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا، فَهِيَ مُحْفَلَةٌ، وَكَأَنَّ الْأَصْلَ حَفَلْتُ لَبَنَ الشَّاةِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمَجْمُوعُ فَهِيَ مُحْفَلٌ لَبَنُهَا (ذَاتَ ضَرْعٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، ثَدْيٌ (عَظِيمٍ فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ؟ فَقَالُوا: شَاةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْطَى هَذِهِ أَهْلُهَا وَهُمْ طَائِعُونَ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِنَّمَا أُخِذَتْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، مِنْ غَنَمٍ كُلِّهَا لَبُونٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا مَوَاخِضَ أُخِذَ مِنْهَا وَلَدٌ، لَمْ يَأْمُرْ عُمَرُ بِرَدِّهَا، وَرَدَّهُ ابْنُ زَرْقُونَ بِأَنَّ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ أَنَّ السَّاعِيَ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا وَلِرَبِّهَا أَنْ يَأْتِيَهُ بِمَا فِيهِ وَفَاءٌ. الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ طَابَتْ نَفْسُهُ بِهَا (لَا تَفْتِنُوا) بِكَسْرِ التَّاءِ (النَّاسَ لَا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ الْمَنْقُوطَةِ فَرَاءٍ بِلَا نَقْطٍ، خِيَارِ أَمْوَالِ (الْمُسْلِمِينَ) جَمْعُ حَزْرَةٍ بِالسُّكُونِ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَقَدْ تُسْكَنُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى تَوَهُّمِ الصِّفَةِ، وَيُرْوَى: حَرَزَاتٌ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ، قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يُحْرِزُهَا أَيْ يَصُونُهَا عَنِ الِابْتِذَالِ (نَكِّبُوا عَنِ الطَّعَامِ) أَيْ ذَوَاتِ الدَّرِّ، قَالَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: مَا مَعْنَاهُ؟ فَقَالَ: لَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ لَبُونًا الحديث: 602 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ مِنْ أَشْجَعَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يَأْتِيهِمْ مُصَدِّقًا فَيَقُولُ لِرَبِّ الْمَالِ أَخْرِجْ إِلَيَّ صَدَقَةَ مَالِكَ فَلَا يَقُودُ إِلَيْهِ شَاةً فِيهَا وَفَاءٌ مِنْ حَقِّهِ إِلَّا قَبِلَهَا قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يُضَيَّقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي زَكَاتِهِمْ وَأَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ مَا دَفَعُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ   603 - 602 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ مِنْ أَشْجَعَ) بِالْفَتْحِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ وَجِيمٍ، قَبِيلَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنَ الْعَرَبِ (أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ) أَكْبَرُ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فِي الصَّحَابَةِ، وَكَانَ فَاضِلًا، مَاتَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ (كَانَ يَأْتِيهِمْ مُصَدِّقًا فَيَقُولُ لِرَبِّ الْمَالِ: أَخْرِجْ إِلَيَّ صَدَقَةَ مَالِكَ، فَلَا يَقُودُ إِلَيْهِ شَاةً فِيهَا وَفَاءٌ) أَيْ عَدْلٌ (مِنْ حَقِّهِ إِلَّا قَبِلَهَا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْوَفَاءُ الْعَدْلُ فِي الْوَزْنِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ هُنَا الزِّيَادَةَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إِذَا أَطَاعَ رَبَّ الْمَالِ بِأَوْفَى مِمَّا عَلَيْهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَامِلِ أَخْذُ ذَلِكَ لِلْمَسَاكِينِ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ (قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يُضَيَّقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي زَكَاتِهِمْ، وَأَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ مَا دَفَعُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) وَسُئِلَ مَالِكٌ: أَيُقَسِّمُ الْمُصَدِّقُ الْمَاشِيَةَ وَيَقُولُ لِصَاحِبِهَا آخُذُ مِنْ أَيِّهَا شِئْتُ؟ فَقَالَ: لَا يُرِيدُ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لِرَبِّهَا، وَتَجِبُ مُسَامَحَةُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فِي الزَّكَاةِ وَأَخْذُ عَفْوِهِمْ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الحديث: 603 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 [بَاب أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ» قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْاجْتِهَادِ مِنْ الْوَالِي فَأَيُّ الْأَصْنَافِ كَانَتْ فِيهِ الْحَاجَةُ وَالْعَدَدُ أُوثِرَ ذَلِكَ الصِّنْفُ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْوَالِي وَعَسَى أَنْ يَنْتَقِلَ ذَلِكَ إِلَى الصِّنْفِ الْآخَرِ بَعْدَ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ أَوْ أَعْوَامٍ فَيُؤْثَرُ أَهْلُ الْحَاجَةِ وَالْعَدَدِ حَيْثُمَا كَانَ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا أَدْرَكْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ إِلَّا عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ   17 - بَابُ أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا 604 - 603 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) مُرْسَلٌ، وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 60) (إِلَّا لِخَمْسَةٍ) فَتَحِلُّ لَهُمْ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهَا بِوَصْفٍ آخَرَ الحديث: 604 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 (لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 60) (أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 60) وَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا، قِيلَ وَلَا مُطَّلِبِيًّا. (أَوْ لِغَارِمٍ) أَيْ مَدِينٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 60) بِشُرُوطٍ فِي الْفُرُوعِ. (أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ) مِنَ الْفَقِيرِ الَّذِي أَخَذَهَا (أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْفَقِيرَ ( «فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى» ) أَيْ أَهْدَاهَا (الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ) فَتَحِلُّ لَهُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ قَدْ بَلَغَتْ مَحَلَّهَا فِيهِ وَفِيمَا قَبِلَهُ، وَلَهُ جَارٌ خَرَجَ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، فَالْمَدَارُ عَلَى إِهْدَاءِ الصَّدَقَةِ الَّتِي مَلَكَهَا الْمِسْكِينُ لِجَارٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَيَأْتِي فِي حَدِيثِ إِهْدَاءِ بَرِيرَةَ لَحْمًا تُصِدِّقَ بِهِ عَلَيْهَا إِلَى عَائِشَةَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ» ". وَكَذَلِكَ الْإِهْدَاءُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: " «أَوْ جَارٌ فَقِيرٌ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيُهْدِي لَكَ أَوْ يَدْعُوكَ» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مُفَسِّرٌ لِمُجْمَلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» ". وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورِينَ. الْبَاجِيُّ: فَإِنْ دَفَعَهَا لِغَنِيٍّ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ عَالِمًا بِغِنَاهُ لَمْ تُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ، فَإِنِ اعْتَقَدَ فَقْرَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَضْمَنُ إِنْ دَفَعَهَا لِغَنِيٍّ أَوْ كَافِرٍ، وَأَمَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْهَدِيَّةِ تَحِلُّ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنَ الْوَالِي) الْخَلِيفَةِ أَوْ نَائِبِهِ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُعْطِي، وَفِي مَنْ يُعْطِي مِنَ الْأَصْنَافِ فَلَا يَلْزَمُ تَعْمِيمُهُمْ. (فَأَيُّ الْأَصْنَافِ كَانَتْ فِيهِ الْحَاجَةُ وَالْعَدَدُ أُوثِرَ ذَلِكَ الصِّنْفُ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْوَالِي) بِاجْتِهَادِهِ (وَعَسَى أَنْ يَنْتَقِلَ ذَلِكَ إِلَى الصِّنْفِ الْآخَرِ بَعْدَ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ أَوْ أَعْوَامٍ فَيُؤْثَرُ أَهْلُ الْحَاجَةِ وَالْعَدَدِ حَيْثُمَا كَانَ) وُجِدَ (ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا أَدْرَكْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) حَمْلًا لِلْآيَةِ عَلَى أَنَّهَا إِعْلَامٌ بِمَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَقَدْ قَالَ حُذَيْفَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا وَضَعْتَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَكَ. أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 يَسْتَحِقُّ مِنْهَا، وَإِنَّمَا لَهُ بِقَدْرِ عِمَالَتِهِ، فَدَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْسُومَةً عَلَى الْأَصْنَافِ بِالسَّوِيَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ سَهْمَانِ، ثَمَانِيَةٌ لَا يُصْرَفُ مِنْهَا سَهْمٌ إِلَى غَيْرِهِ مَا وُجِدَ مِنْ أَهْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَلَّفَةٌ قَسَمَ عَلَى سَبْعَةٍ إِلَّا الْعَامِلَ فَاسْتَحَبَّ أَنْ يُعْطَى ثَمَنًا، وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ: " «مَا رَضِيَ اللَّهُ بِقِسْمَةِ أَحَدٍ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى قَسَمَهَا عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ» ". لَكِنْ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الْأَفْرِيقِيُّ، ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ وَأَثْنَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَغْرِبِ، انْتَهَى. وَالْمُرَجَّحُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ فِي حِفْظِهِ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا فَلَعَلَّ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ صَلَاحِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ إِلَّا عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ) أَنَّهُ يُجْزِيهِ فِي عِمَالَتِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 [بَاب مَا جَاءَ فِي أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَالتَّشْدِيدِ فِيهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا لَجَاهَدْتُهُمْ عَلَيْهِ   18 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالتَّشْدِيدِ فِيهَا 606 - 604 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا لَجَاهَدْتُهُمْ عَلَيْهِ) وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الْعِقَالَ هُوَ الْقَلُوصُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: وَهُوَ وَاحِدُ الْعَقْلِ الَّتِي يُعْقَلُ بِهَا الْإِبِلُ ; لِأَنَّ الَّذِي يُعْطِي الْبَعِيرَ فِي الزَّكَاةِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَ مَعَهُ عِقَالَهُ، أَيْ لَوْ أَعْطَوْنِي الْبَعِيرَ وَمَنَعُونِي مَا يُعْقَلُ بِهِ لَجَاهَدْتُهُمْ، أَوْ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَتَبُّعِ الْحَقِّ أَوِ التَّقْلِيلِ كَمَا يُقَالُ: وَاللَّهِ لَا تَرَكْتُ مِنْهَا شَعْرَةً، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعِقَالُ صَدَقَةُ عَامٍ كَمَا قَالَ: سَعَى عِقَالًا فَلَمْ يَتْرُكْ لَنَا سَيِّدًا ... فَكَيْفَ لَوْ قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْنِ. وَرُوِيَ عَنَاقًا أَرَادَ أَيْضًا التَّقْلِيلَ ; لِأَنَّ الْعَنَاقَ لَا تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ عَنَاقًا كُلُّهَا، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بِأَنَّهُ تَعَسُّفٌ وَذَهَابٌ عَنْ طَرِيقَةِ الْعَرَبِ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّضْيِيقِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ، فَيَقْتَضِي قِلَّةَ مَا عَلَقَ بِهِ الْعَقَالُ وَحَقَارَتَهُ لَا صَدَقَةَ عَامٍ، وَهَذَا الْبَلَاغُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: " «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى الحديث: 606 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لِأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ» ". وَبَسَطَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي أَنَّهُ قَالَ: عَنَاقًا أَوْ عِقَالًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ شَرِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَسَأَلَ الَّذِي سَقَاهُ مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ قَدْ سَمَّاهُ فَإِذَا نَعَمٌ مِنْ نَعَمْ الصَّدَقَةِ وَهُمْ يَسْقُونَ فَحَلَبُوا لِي مِنْ أَلْبَانِهَا فَجَعَلْتُهُ فِي سِقَائِي فَهُوَ هَذَا فَأَدْخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَدَهُ فَاسْتَقَاءَهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ مَنَعَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الْمُسْلِمُونَ أَخْذَهَا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِمْ جِهَادُهُ حَتَّى يَأْخُذُوهَا مِنْهُ   606 - 605 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: شَرِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَسَأَلَ الَّذِي سَقَاهُ: مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ قَدْ سَمَّاهُ) وَنَسِيَ اسْمَهُ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ غَرَضُهُ بِتَسْمِيَتِهِ (فَإِذَا نَعَمٌ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَهُمْ يَسْقُونَ) النِّعَمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ (فَحَلَبُوا لِي مِنْ أَلْبَانِهَا فَجَعَلْتُهُ فِي سِقَائِي) بِكَسْرِ السِّينِ، وِعَائِي (فَهُوَ هَذَا، فَأَدْخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَدَهُ فَاسْتِقَاءَهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَحْمَلُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الَّذِي سَقَاهُ لَيْسَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ ; إِذْ لَعَلَّهُ غَنِيٌّ أَوْ مَمْلُوكٌ فَاسْتِقَاءَهُ لِئَلَّا يَنْتَفِعَ بِهِ وَأَصْلُهُ مَحْظُورٌ وَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ قَصْدًا، وَهَذَا نِهَايَةُ الْوَرَعِ، وَلَعَلَّهُ أَعْطَى مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتَهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي حَلَبَ هَذَا اللَّبَنَ مُسْتَحِقًّا لِلصَّدَقَةِ لَمَا حَرُمَ عَلَى عُمَرَ قَصْدُ شُرْبِهِ كَمَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْلُ اللَّحْمِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، وَقَالَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» . وَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ; لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ بِالشُّرْبِ، وَلَا فَائِدَةَ فِي قَذْفِهِ إِلَّا الْمُبَالَغَةُ فِي الْوَرَعِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 5) وَسَأَلَ ابْنُ مُزَيْنٍ عِيسَى بْنَ دِينَارٍ: أَيَفْعَلُ ذَلِكَ رَجُلٌ أَصَابَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ مَا أَحْسَنَ ذَلِكَ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (أَنَّ كُلَّ مَنْ مَنَعَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَسْتَطِعِ الْمُسْلِمُونَ أَخْذَهَا) مِنْهُ (كَانَ حَقًّا) وَاجِبًا (عَلَيْهِمْ جِهَادُهُ حَتَّى يَأْخُذُوهَا مِنْهُ) بِقِتَالِهِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ قِتَالُ الصِّدِّيقِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ مُقِرًّا بِهَا فَمُسْلِمٌ، وَإِنْ جَحَدَهَا فَكَافِرٌ إِجْمَاعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا مَنَعَ زَكَاةَ مَالِهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنْ دَعْهُ وَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ زَكَاةً مَعَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَأَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ زَكَاةَ مَالِهِ فَكَتَبَ عَامِلُ عُمَرَ إِلَيْهِ يَذْكُرُ لَهُ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنْ خُذْهَا مِنْهُ   606 - 606 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَامِلًا) لَمْ يُسَمَّ (لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَتَبَ إِلَيْهِ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا مَنَعَ زَكَاةَ مَالِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ دَعْهُ) اتْرُكْهُ (وَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ زَكَاةً مَعَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَاشْتَدَّ) قَوِيَ وَعَظُمَ (عَلَيْهِ) ذَلِكَ (فَأَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ زَكَاةَ مَالِهِ، فَكَتَبَ عَامِلُ عُمَرَ إِلَيْهِ يَذْكُرُ لَهُ ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنْ خُذْهَا مِنْهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَ مِنَ الرَّجُلِ مَنْعَهَا مِنَ الْعَامِلِ دُونَ مَنْعِهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِمَّنْ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ، وَتَفَرَّسَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ الدَّافِعِينَ لَهَا إِلَى الْإِمَامِ فَكَانَ كَمَا ظَنَّ، وَلَوْ صَحَّ عِنْدَهُ مَنْعُهُ لِلزَّكَاةِ مَا جَازَ لَهُ تَرْكُهَا عِنْدَهُ ; لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لَهُمْ بِهِ، وَهَذَا فِيمَنْ مَنَعَهَا مُقِرًّا بِهَا، أَمَّا جَاحِدًا فَرِدَّةٌ إِجْمَاعًا، قَالَ: وَالْوَاجِبُ أَنْ يَعِظَ الْإِمَامُ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ وَيُوَبِّخَهُ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْمَنْعِ أَخَذَهَا مِنْهُ جَبْرًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 [بَاب زَكَاةِ مَا يُخْرَصُ مِنْ ثِمَارِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ   19 - بَابُ زَكَاةِ مَا يُخْرَصُ مِنْ ثِمَارِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ الْخِرْصُ بِالْكَسْرِ: حَزْرُ قَدْرِ الثِّمَارِ. 609 - 607 - (مَالِكٌ، عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الْهِلَالِيِّ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ، أَحَدِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَوَفَّى بَعْدَ الْمِائَةِ وَقِيلَ قَبْلَهَا. (وَعَنْ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ (بْنِ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمَدَنِيِّ الْعَابِدِ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، ثِقَةٌ، حَافَظٌ. وَهَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ) أَيِ الْمَطَرُ، مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِ (وَالْعُيُونُ) الْجَارِيَةُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا يُتَكَلَّفُ فِي رَفْعِ مَائِهَا لِآلَةٍ وَلَا لِحَمْلٍ وَهُوَ السَّيْحُ (وَالْبَعْلُ) بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ الحديث: 609 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ، وَهُوَ مَا شَرِبَ بِعُرُوقِهِ مِنَ الْأَرْضِ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى سَقْيِ سَمَاءٍ وَلَا آلَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِقَوْلِهِ: أَوْ كَانَ عَثْرِيًّا، بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ الْخَفِيفَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ. فَقَدْ فَسَّرَهُ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّهُ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ. (الْعُشْرُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ " فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ "، أَيِ الْعُشْرُ وَاجِبٌ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ (وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ، أَيْ بِالسَّانِيَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ (نِصْفُ الْعُشْرِ) لِثَقَلِ الْمُؤْنَةِ وَخِفَّتِهَا فِي الْأَوَّلِ، وَالنَّاضِحُ: الْإِبِلُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا لَكِنَّهَا كَالْمِثَالِ وَإِلَّا فَالْبَقَرُ وَغَيْرُهَا كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ، وَلِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّضْحِ الرَّشَّ أَوِ الصَّبَّ بِمَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ بِآلَةٍ، وَهَذَا إِنْ سَقَى بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ سَقَى بِهِمَا وَتَسَاوَى فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ بِلَا خِلَافٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ فَالْأَقَلُّ تَبَعٌ لَهُ، وَعُمُومُ الْحَدِيثِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ شَرْطِ النِّصَابِ فِي إِيجَابِ زَكَاةِ كُلِّ مَا يُسْقَى بِمُؤْنَةٍ وَبِغَيْرِ مُؤْنَةٍ، لَكِنْ خَصَّهُ الْجُمْهُورُ بِالْمَعْنَى الَّذِي سِيقَ لِأَجْلِهِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نَصِفُهُ، بِخِلَافِ حَدِيثِ: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» ". فَإِنَّهُ مُسَاقٌ لِبَيَانِ جِنْسِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ وَقَدْرِهِ، فَأَخَذَ بِهِ الْجُمْهُورُ عَمَلًا بِالدَّلِيلِ، وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِعُمُومِهِ، وَرَدَّهُ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّ الْمُفَسِّرَ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ أَيِ الْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ ; لِأَنَّ فِيمَا سَقَتْ عَامٌّ يَشْمَلُ النِّصَابَ وَدُونَهُ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ خَاصٌّ بِقَدْرِ النِّصَابِ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْبَيَانُ وَفْقَ الْمُبَيَّنِ لَا زَائِدًا عَلَيْهِ وَلَا نَاقِصًا عَنْهُ، أَمَّا إِذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ مَثَلًا فَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ كَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا، فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى النِّصَابِ فِيمَا يَقْبَلُ التَّوْسِيقَ وَسَكَتَ عَمَّا لَا يَقْبَلُهُ، فَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» . أَيْ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّوْسِيقُ فِيهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَذَا قَالَ، وَلَا يَصِحُّ لَهُ هَذَا الْجَوَابُ ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا نَقَصَ عَنِ الْخَمْسَةِ مِمَّا يُوسَقُ لَا زَكَاةَ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ بِزَكَاتِهِ وَلَوْ وَسْقًا فَأَقَلَّ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا: " «لَا زَكَاةَ فِي الْخُضْرَاوَاتِ» ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ إِلَّا مُرْسَلٌ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا هِيَ فِيمَا يُكَالُ مِمَّا يُدَّخَرُ لِلِاقْتِيَاتِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ: تَخْرُجُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُقْتَتْ، وَقَالَهُ مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَقْوَى الْمَذَاهِبِ وَأَحْوَطُهَا لِلْمَسَاكِينِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ، قَالَ: وَزَعَمَ الْجُوَيْنِيُّ أَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا جَاءَ لِتَفْصِيلِ مَا تَقِلُّ مُؤْنَتُهُ مِمَّا تَكْثُرُ مُؤْنَتُهُ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي الْوَجْهَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُؤْخَذُ فِي صَدَقَةِ النَّخْلِ الْجُعْرُورُ وَلَا مُصْرَانُ الْفَارَةِ وَلَا عَذْقُ ابْنِ حُبَيْقٍ قَالَ وَهُوَ يُعَدُّ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الصَّدَقَةِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ الْغَنَمُ تُعَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا بِسِخَالِهَا وَالسَّخْلُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الصَّدَقَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ ثِمَارٌ لَا تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْهَا مِنْ ذَلِكَ الْبُرْدِيُّ وَمَا أَشْبَهَهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ أَدْنَاهُ كَمَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ خِيَارِهِ قَالَ وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْ أَوْسَاطِ الْمَالِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُخْرَصُ مِنْ الثِّمَارِ إِلَّا النَّخِيلُ وَالْأَعْنَابُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُخْرَصُ حِينَ يَبْدُو صَلَاحُهُ وَيَحِلُّ بَيْعُهُ وَذَلِكَ أَنَّ ثَمَرَ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ يُؤْكَلُ رُطَبًا وَعِنَبًا فَيُخْرَصُ عَلَى أَهْلِهِ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى النَّاسِ وَلِئَلَّا يَكُونَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ ضِيقٌ فَيُخْرَصُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ يَأْكُلُونَهُ كَيْفَ شَاءُوا ثُمَّ يُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ عَلَى مَا خُرِصَ عَلَيْهِمْ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا مَا لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ بَعْدَ حَصَادِهِ مِنْ الْحُبُوبِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ لَا يُخْرَصُ وَإِنَّمَا عَلَى أَهْلِهَا فِيهَا إِذَا حَصَدُوهَا وَدَقُّوهَا وَطَيَّبُوهَا وَخَلُصَتْ حَبًّا فَإِنَّمَا عَلَى أَهْلِهَا فِيهَا الْأَمَانَةُ يُؤَدُّونَ زَكَاتَهَا إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ النَّخْلَ يُخْرَصُ عَلَى أَهْلِهَا وَثَمَرُهَا فِي رُءُوسِهَا إِذَا طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ صَدَقَتُهُ تَمْرًا عِنْدَ الْجِدَادِ فَإِنْ أَصَابَتْ الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ بَعْدَ أَنْ تُخْرَصَ عَلَى أَهْلِهَا وَقَبْلَ أَنْ تُجَذَّ فَأَحَاطَتْ الْجَائِحَةُ بِالثَّمَرِ كُلِّهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثَّمَرِ شَيْءٌ يَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخِذَ مِنْهُمْ زَكَاتُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَصَابَتْ الْجَائِحَةُ زَكَاةٌ وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي الْكَرْمِ أَيْضًا وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ قِطَعُ أَمْوَالٍ مُتَفَرِّقَةٌ أَوْ اشْتِرَاكٌ فِي أَمْوَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ لَا يَبْلُغُ مَالُ كُلِّ شَرِيكٍ أَوْ قِطَعُهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَكَانَتْ إِذَا جُمِعَ بَعْضُ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ يَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يَجْمَعُهَا وَيُؤَدِّي زَكَاتَهَا   609 - 608 - (مَالِكٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدِ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيِّ، نَزِيلِ مَكَّةَ ثُمَّ الْيَمَنِ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ أَثْبَتَ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: ثِقَةٌ، سَكَنَ مَكَّةَ وَقَدِمَ عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ، وَلَهُ هَيْبَةٌ وَصَلَاحٌ، لَهُ مَرْفُوعًا فِي الْمُوَطَّأِ حَدِيثَانِ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ، وَهَذَا أَيْضًا ثَالِثٌ أَصْلُهُ الرَّفْعُ، وَلِذَا سَاقَهُ فِي التَّمْهِيدِ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) شَيْخِ الْإِمَامِ، رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ (أَنَّهُ قَالَ: لَا يُؤْخَذُ فِي صَدَقَةِ النَّخْلِ الْجُعْرُورُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ، بِزِنَةِ عُصْفُورٍ، نَوْعٌ رَدِيءٌ مِنَ التَّمْرِ إِذَا جَفَّ صَارَ حَشَفًا (وَلَا مُصْرَانُ الْفَارَةِ) ضَرْبٌ مِنْ رَدِيءِ التَّمْرِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا عَلَى النَّوَى قِشْرَةٌ رَفِيعَةٌ، جَمْعُ مَصِيرٍ كَرَغِيفٍ وَرُغْفَانٍ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ مُصَارِينَ (وَلَا عَذْقُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، جِنْسٌ مِنَ النَّخْلِ، أَمَّا بِكَسْرِهَا فَالْقِنْوُ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: بِفَتْحِ الْعَيْنِ النَّخْلَةُ وَبِالْكَسْرِ الْكِبَاسَةُ أَيِ الْقِنْوُ، كَأَنَّ التَّمْرَ سُمِّيَ بِاسْمِ النَّخْلَةِ لِأَنَّهُ مِنْهَا، انْتَهَى. وَفِي الْقَامُوسِ فِي فَصْلِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ يَلِيهَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ مِنْ بَابِ الْقَافِ: الْعَذْقُ النَّخْلَةُ يَحْمِلُهَا وَبِالْكَسْرِ الْقِنْوُ مِنْهَا (ابْنِ حُبَيْقٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ، مُصَغَّرٌ، سُمِّيَ بِهِ الدَّقَلُ مِنَ التَّمْرِ لِرَدَاءَتِهِ. وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْجَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ الْيَحْصِبِيِّ، الثَّلَاثَةُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْجُعْرُورِ وَلَوْنِ الْحُبَيْقِ أَنْ يُؤْخَذَا فِي الصَّدَقَةِ» ". زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: وَفِيهِ نَزَلَتْ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 267) قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ الدَّنِيءُ فِي الصَّدَقَةِ عَنِ الْجَيِّدِ. (قَالَ) ابْنُ شِهَابٍ (وَهُوَ يُعَدُّ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الصَّدَقَةِ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ الْغَنَمِ تُعَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا بِسِخَالِهَا، وَالسَّخْلُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الصَّدَقَةِ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ كُلُّهُ رَدِيئًا فَعَلَى رَبِّهِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَسَطَ مِنَ التَّمْرِ. وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْهُ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: يُؤَدَّى مِنْهُ وَلَيْسَ هَذَا كَالْمَاشِيَةِ ; لِأَنَّهُ مَالٌ يُزَكَّى بِالْجُزْءِ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ تُخْرَجَ زَكَاتُهُ مِنْهُ كَالْعَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاشِيَةِ أَنَّ الزَّكَاةَ تُجْلَبُ إِلَى مَنْ تُدْفَعُ إِلَيْهِ وَتُنْقَلُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ لِلضَّرُورَةِ، وَالْمَاشِيَةُ لَا مُؤْنَةَ فِي حَمْلِ الْوَسَطِ مِنْهَا، فَلَوْ أُجِيرَ فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 الْمَرِيضُ وَالْأَعْرَجُ لَمَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِ. (وَقَدْ يَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ ثِمَارٌ لَا تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْهَا مِنْ ذَلِكَ الْبُرْدِيُّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَدَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَيَاءٍ، مِنْ أَجْوَدِ التَّمْرِ (وَمَا أَشْبَهَهُ) فِي الْجَوْدَةِ (لَا يُؤْخَذُ مِنْ أَدْنَاهُ كَمَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ خِيَارِهِ) أَعْلَاهُ (وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْ أَوْسَاطِ الْمَالِ) رِفْقًا بِالْمَالِكِ وَالْمِسْكِينِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ جَيِّدًا كُلَّهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ الْوَسَطَ إِنْ شَاءَ، وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: يُؤْخَذُ مِنَ الْجَيِّدِ، وَمَبْنَى الْقَوْلَيْنِ مَا تَقَدَّمَ، قَالَهُ كُلَّهُ الْبَاجِيُّ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُخْرَصُ مِنَ الثِّمَارِ إِلَّا النَّخِيلُ وَالْأَعْنَابُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُخْرَصُ حِينَ يَبْدُو صَلَاحُهُ وَيَحِلُّ بَيْعُهُ) لِحَدِيثِ عَتَّابٍ: " «أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ» ". فَلَا تَخْرِيصَ فِي غَيْرِهِمَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ. وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْ مَالِكٍ: يُخْرَصُ الزَّيْتُونُ قِيَاسًا عَلَيْهِمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ: لَا يُخْرَصُ شَيْءٌ، وَإِنَّ حَدِيثَ: كَانَ يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ وَغَيْرِهَا لِلتَّخْرِيصِ، مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَذَلِكَ شُذُوذٌ مِنْهُمَا، وَشَذَّ دَاوُدُ فَقَالَ: لَا يُخْرَصُ إِلَّا النَّخْلُ خَاصَّةً. (وَذَلِكَ أَنَّ ثَمَرَ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ يُؤْكَلُ رَطْبًا وَعِنَبًا) وَتُبَاعُ وَتُعْطَى، فَإِنْ أُبِيحَ ذَلِكَ بِلَا خَرْصٍ ضَرَّ بِالْمَسَاكِينِ، وَإِنْ مُنِعَ أَرْبَابُهُ مِنْ ذَلِكَ ضَرَّ بِهِمْ. (فَيُخْرَصُ عَلَى أَهْلِهِ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى النَّاسِ) أَيْ أَهْلِهِ وَالْمَسَاكِينِ (وَلِئَلَّا يَكُونَ عَلَى أَحَدٍ) مِنْهَا (فِي ذَلِكَ ضِيقٌ فَيُخْرَصُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ يَأْكُلُونَهُ) يَنْتَفِعُونَ بِهِ أَكْلًا أَوْ بَيْعًا أَوْ إِعْطَاءً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (كَيْفَ شَاءُوا، ثُمَّ يُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ عَلَى مَا خُرِصَ عَلَيْهِمْ) وَمَبْنَى التَّخْرِيصِ أَنْ يَحْزِرَ مَا فِي النَّخْلِ أَوِ الْعِنَبِ مِنَ التَّمْرِ الْيَابِسِ إِذَا جُذَّ عَلَى حَسَبِ جِنْسِهِ، وَمَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْإِثْمَارِ ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُ تَمْرًا، فَإِنْ لَمْ يَتَتَمَّرْ أَوْ يَتَزَبَّبْ كَبَلَحِ مِصْرَ وَعِنَبِهَا خَرَصِهَا عَلَى تَقْدِيرِ التَّتَمُّرِ وَالتَّزَبُّبِ. (قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا مَا لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا مِنَ الْفَوَاكِهِ، إِنَّمَا يُؤْكَلُ بَعْدَ حَصَادِهِ مِنَ الْحُبُوبِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 لَا يُخْرَصُ) اتِّفَاقًا ; لِأَنَّ الْخَرْصَ إِنَّمَا هُوَ لِحَاجَةِ انْتِفَاعِ أَهْلِهَا بِهَا رَطْبًا، وَلِأَنَّ تَمْرَ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ بَارِزٌ عَنْ أَكْمَامِهِ فَيُمْكِنُ خَرْصُهُ، وَهَذِهِ حُبُوبُهَا مُتَوَارِيَةٌ فَلَا يُمْكِنُ فِيهَا الْخَرْصُ. (وَإِنَّمَا عَلَى أَهْلِهَا فِيهَا إِذَا حَصَدُوهَا وَدَقُّوهَا وَطَيَّبُوهَا وَخَلُصَتْ حَبًّا، فَإِنَّمَا عَلَى أَهْلِهَا فِيهَا الْأَمَانَةُ يُؤَدُّونَ زَكَاتَهَا إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوِ اتُّهِمُوا، وَقَالَ اللَّيْثُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إِنِ اتُّهِمُوا نَصَّبَ السُّلْطَانُ أَمِينًا (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ النَّخْلَ يُخْرَصُ عَلَى أَهْلِهَا وَثَمَرُهَا فِي رُؤُوسِهَا إِذَا طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ) لَا قَبْلَ ذَلِكَ (وَتُؤْخَذُ مِنْهُ صَدَقَتُهُ تَمْرًا عِنْدَ الْجِدَادِ) لَا قَبْلَهُ ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي عَيْنِ الثَّمَرَةِ (فَإِنْ أَصَابَتِ الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ بَعْدَ أَنْ تُخْرَصَ عَلَى أَهْلِهَا وَقَبْلَ أَنْ تُجَذَّ) تُقْطَعُ مِنْ أَصْلِهَا (فَأَحَاطَتِ الْجَائِحَةُ بِالثَّمَرِ كُلِّهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ) لِوُجُوبِهَا فِي عَيْنِهَا وَقَدْ زَالَتْ. (فَإِنْ بَقِيَ مِنْ شَيْءٍ يَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا) وَذَلِكَ سِتُّونَ صَاعًا (بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُخِذَ مِنْهُمْ زَكَاتُهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَصَابَتِ الْجَائِحَةُ زَكَاةٌ، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي الْكَرْمِ أَيْضًا) أَيْ مِثْلُ الْعَمَلِ فِي النَّخْلِ (وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ قِطَعُ أَمْوَالٍ مُتَفَرِّقَةٌ أَوِ اشْتِرَاكٌ فِي أَمْوَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ لَا يَبْلُغُ مَالُ كُلِّ شَرِيكٍ أَوْ قِطَعُهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَكَانَتْ إِذَا جُمِعَ بَعْضُ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ يَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ يَجْمَعُهَا وَيُؤَدِّي زَكَاتَهَا) فَيُزَكِّي ذُو الْقِطَعِ الْمُجْتَمَعِ لَهُ مِنْهَا نِصَابٌ كَالْمَاشِيَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَكَذَا الِاشْتِرَاكُ إِنَّمَا يُرَاعَى كُلُّ مَالِهِ خَاصَّةً دُونَ مَالِ شَرِيكِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 [بَاب زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَالزَّيْتُونِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الزَّيْتُونِ فَقَالَ فِيهِ الْعُشْرُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ وَيَبْلُغَ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَمَا لَمْ يَبْلُغْ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَالزَّيْتُونُ بِمَنْزِلَةِ النَّخِيلِ مَا كَانَ مِنْهُ سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا كَانَ يُسْقَى بِالنَّضْحِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَلَا يُخْرَصُ شَيْءٌ مِنْ الزَّيْتُونِ فِي شَجَرِهِ وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا فِي الْحُبُوبِ الَّتِي يَدَّخِرُهَا النَّاسُ وَيَأْكُلُونَهَا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا سَقَتْهُ السَّمَاءُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا سَقَتْهُ الْعُيُونُ وَمَا كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِالصَّاعِ الْأَوَّلِ صَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ بِحِسَابِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَالْحُبُوبُ الَّتِي فِيهَا الزَّكَاةُ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالذُّرَةُ وَالدُّخْنُ وَالْأُرْزُ وَالْعَدَسُ وَالْجُلْبَانُ وَاللُّوبِيَا وَالْجُلْجُلَانُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي تَصِيرُ طَعَامًا فَالزَّكَاةُ تُؤْخَذُ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ تُحْصَدَ وَتَصِيرَ حَبًّا قَالَ وَالنَّاسُ مُصَدَّقُونَ فِي ذَلِكَ وَيُقْبَلُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ مَا دَفَعُوا وَسُئِلَ مَالِكٌ مَتَى يُخْرَجُ مِنْ الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ أَقَبْلَ النَّفَقَةِ أَمْ بَعْدَهَا فَقَالَ لَا يُنْظَرُ إِلَى النَّفَقَةِ وَلَكِنْ يُسْأَلُ عَنْهُ أَهْلُهُ كَمَا يُسْأَلُ أَهْلُ الطَّعَامِ عَنْ الطَّعَامِ وَيُصَدَّقُونَ بِمَا قَالُوا فَمَنْ رُفِعَ مِنْ زَيْتُونِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا أُخِذَ مِنْ زَيْتِهِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ وَمَنْ لَمْ يُرْفَعْ مِنْ زَيْتُونِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِي زَيْتِهِ الزَّكَاةُ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ زَرْعَهُ وَقَدْ صَلَحَ وَيَبِسَ فِي أَكْمَامِهِ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ زَكَاةٌ وَلَا يَصْلُحُ بَيْعُ الزَّرْعِ حَتَّى يَيْبَسَ فِي أَكْمَامِهِ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمَاءِ قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] أَنَّ ذَلِكَ الزَّكَاةُ وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ أَصْلَ حَائِطِهِ أَوْ أَرْضَهُ وَفِي ذَلِكَ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَزَكَاةُ ذَلِكَ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَإِنْ كَانَ قَدْ طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ فَزَكَاةُ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُبْتَاعِ   20 - بَابُ زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَالزَّيْتُونِ 610 - 609 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الزَّيْتُونِ، فَقَالَ: فِيهِ الْعُشْرُ) لِأَنَّهُ يُوسَقُ، فَدَخَلَ فِي الْحَدِيثِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَالثَّانِي كَابْنِ وَهْبٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: لَا زَكَاةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ إِدَامٌ لَا قُوتٌ (قَالَهُ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنَ الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ وَيَبْلُغَ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) فَيُؤْخَذُ عُشْرُ أَوْ نِصْفُ عُشْرِ زَيْتِهِ وَلَوْ قَلَّ كَرِطْلٍ (فَمَا لَمْ يَبْلُغْ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) عَمَلًا بِالْحَدِيثِ، فَإِنْ بَلَغَهَا وَكَانَ لَا زَيْتَ فِيهِ أُخِذَ مِنْ ثَمَنِهِ لَا مِنْ حَبِّهِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. (وَالزَّيْتُونُ بِمَنْزِلَةِ النَّخِيلِ مَا كَانَ مِنْهُ سَقَتْهُ السَّمَاءُ) الْمَطَرُ (وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا كَانَ يُسْقَى بِالنَّضْحِ) الرَّشِّ وَالصَّبِّ بِمَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ بِآلَةٍ (فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ) وَهَذَا بَيَانُ مَا أَجْمَلَهُ ابْنُ شِهَابٍ بِقَوْلِهِ فِيهِ الْعُشْرُ. (وَلَا يُخْرَصُ شَيْءٌ مِنَ الزَّيْتُونِ فِي شَجَرِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدِ التَّخْرِيصُ إِلَّا فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ (وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا فِي الْحُبُوبِ الَّتِي يَدَّخِرُهَا النَّاسُ وَيَأْكُلُونَهَا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا سَقَتْهُ السَّمَاءُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا سَقَتْهُ الْعُيُونُ، وَمَا كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ) الْآلَةِ (نِصْفُ الْعُشْرِ) وَشَرْطُ ذَلِكَ فِيهِمَا (إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) وَذَلِكَ سِتُّونَ صَاعًا (بِالصَّاعِ الْأَوَّلِ، صَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ (وَمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ بِحِسَابِ ذَلِكَ) وَلَوْ قَلَّ فَلَا وَقَصَ فِي الْحُبُوبِ. الحديث: 610 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 (قَالَ مَالِكٌ: وَالْحُبُوبُ الَّتِي فِيهَا الزَّكَاةُ الْحِنْطَةُ) الْقَمْحُ (وَالشَّعِيرُ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَتُكْسَرُ، (وَالسُّلْتُ) ضَرْبٌ مِنَ الشَّعِيرِ لَا قِشْرَ لَهُ يَكُونُ فِي الْغَوْرِ وَالْحِجَازِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: ضَرْبٌ مِنْهُ رَقِيقُ الْقِشْرِ، صَغِيرُ الْحَبِّ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: حَبٌّ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا قِشْرَ لَهُ، كَقِشْرِ الشَّعِيرِ فَهُوَ كَالْحِنْطَةِ فِي مَلَاسَتِهِ، وَكَالشَّعِيرِ فِي طَبْعِهِ وَبُرُودَتِهِ. (وَالذُّرَةُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ حَبٌّ مَعْرُوفٌ. (وَالدُّخْنُ) بِمُهْمَلَةٍ فَمُعْجَمَةٍ حَبٌّ مَعْرُوفٌ وَاحِدَتُهُ دُخْنَةٌ. (وَالْأُرْزُ) بِزِنَةِ قُفْلٍ، وَهُوَ لُغَةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ لِلْإِتِبَاعِ، وَأُخْرَى بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَشَدِّ الزَّايِ، وَالرَّابِعَةُ فَتْحُ الْهَمْزَةِ مَعَ التَّشْدِيدِ، وَالْخَامِسَةُ رُزٌّ بِلَا هَمْزَةٍ وِزَانُ قُفْلٍ. (وَالْعَدَسُ) بِفَتْحَتَيْنِ، (وَالْجُلْبَانُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا مُشَدَّدَةً، حَبٌّ مِنَ الْقَطَانِيِّ، (وَاللُّوبِيَا) نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ مُذَكَّرٌ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، (وَالْجُلْجُلَانُ) بِجِيمَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ، بَعْدَ كُلِّ جِيمٍ لَامٌ، السِّمْسِمُ فِي قِشْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: فَذَكَرَ عَشَرَةً، وَزَادَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ التُّرْمُسَ وَالْفُولَ وَالْحِمَّصَ وَالْبَسِيلَةَ، وَزَادَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الْعَلَسَ، وَذَلِكَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْحُبُوبِ الَّتِي تَصِيرُ طَعَامًا) فَلَا زَكَاةَ فِي الْكِرْسِنَّةِ عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهَا عَلَفٌ لَا طَعَامٌ، خِلَافًا لِرِوَايَةِ أَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيهَا الزَّكَاةُ وَأَنَّهَا قُطْنِيَّةٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: صِنْفٌ عَلَى حِدَةٍ (فَالزَّكَاةُ تُؤْخَذُ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ تُحْصَدَ وَتَصِيرَ حَبًّا، قَالَ: وَالنَّاسُ مُصَدَّقُونَ فِي ذَلِكَ) مُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ فِي مَبْلَغِ كَيْلِهِ وَفِيمَا خَرَجَ مِنْ زَيْتِهِ، (وَيُقْبَلُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ مَا دَفَعُوا) بِالدَّالِ، أَيِ: الَّذِي دَفَعُوهُ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ مَتَى يُخْرَجُ مِنَ الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ) أَوْ نِصْفُهُ (أَقَبْلَ النَّفَقَةِ أَمْ بَعْدَهَا؟ فَقَالَ: لَا يُنْظَرُ إِلَى النَّفَقَةِ وَلَكِنْ يُسْأَلُ عَنْهُ أَهْلُهُ كَمَا يُسْأَلُ أَهْلُ الطَّعَامِ) كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ (عَنِ الطَّعَامِ وَيُصَدَّقُونَ بِمَا قَالُوا) أَيْ: فِيهِ (فَمَنْ رُفِعَ مِنْ زَيْتُونِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا أُخِذَ مِنْ زَيْتِهِ الْعُشْرُ) أَوْ نِصْفُهُ (بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ، وَمَنْ لَمْ يُرْفَعْ مِنْ زَيْتُونِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِي زَيْتِهِ الزَّكَاةُ) لِنَقْصِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 النِّصَابِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ زَرْعَهُ وَقَدْ صَلَحَ وَيَبِسَ فِي أَكْمَامِهِ، فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ زَكَاةٌ) لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِطِيبِ الثَّمَرَةِ، فَإِذَا بَاعَهَا وَقَدْ وَجَبَتْ زَكَاتُهَا فَقَدْ بَاعَ حِصَّتَهُ وَحِصَّةَ الْمَسَاكِينِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ ضَمِنَ ذَلِكَ لَهُمْ (وَلَا يَصْلُحُ بَيْعُ الزَّرْعِ حَتَّى يَيْبَسَ فِي أَكْمَامِهِ) جَمْعُ كِمٍّ - بِكَسْرِ الْكَافِ - وِعَاءُ الطَّلْعِ وَغِطَاءُ النَّوْرِ، (وَيَسْتَغْنِيَ عَنِ الْمَاءِ) حَتَّى لَوْ سُقِيَ لَمْ يَنْفَعْهُ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي سُنْبُلِهِ قَائِمًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِحَدِيثِ: " «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ» "، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يُدْرَسَ وَيُصَفَّى؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْغَرَرِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ (أَنَّ ذَلِكَ الزَّكَاةُ) مِنَ الْعُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ، (قَدْ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ) وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَطَائِفَةٌ: هُوَ مَا يُعْطَى لِلْمَسَاكِينِ عِنْدَ الْحَصَادِ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالسُّدِّيُّ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ أَصْلَ حَائِطِهِ) بُسْتَانِهِ، (أَوْ أَرْضِهِ وَفِي ذَلِكَ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَزَكَاةُ ذَلِكَ عَلَى الْمُبْتَاعِ) الْمُشْتَرِي، (وَإِنْ كَانَ قَدْ طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ فَزَكَاةُ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُبْتَاعِ) الْمُشْتَرِي. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ يَحْيَى فِيمَنْ أَهْلَكَ وَخَلَّفَ زَرْعًا فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ: إِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ يَبِسَ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ يَوْمَ مَاتَ أَخْضَرَ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ عَلَيْهِمْ إِنْ كَانَ فِي حِصَّةِ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 [بَاب مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ الثِّمَارِ] قَالَ مَالِكٌ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ لَهُ مَا يَجُدُّ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ وَمَا يَقْطُفُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنْ الزَّبِيبِ وَمَا يَحْصُدُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَمَا يَحْصُدُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنْ الْقِطْنِيَّةِ إِنَّهُ لَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ وَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ زَكَاةٌ حَتَّى يَكُونَ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ التَّمْرِ أَوْ فِي الزَّبِيبِ أَوْ فِي الْحِنْطَةِ أَوْ فِي الْقِطْنِيَّةِ مَا يَبْلُغُ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَافِ مَا يَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَجُذَّ الرَّجُلُ مِنْ التَّمْرِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ وَأَلْوَانُهُ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الزَّكَاةُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ كُلُّهَا السَّمْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ كُلُّ ذَلِكَ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَإِذَا حَصَدَ الرَّجُلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ جُمِعَ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَكَذَلِكَ الزَّبِيبُ كُلُّهُ أَسْوَدُهُ وَأَحْمَرُهُ فَإِذَا قَطَفَ الرَّجُلُ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْقِطْنِيَّةُ هِيَ صِنْفٌ وَاحِدٌ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهَا وَأَلْوَانُهَا وَالْقِطْنِيَّةُ الْحِمَّصُ وَالْعَدَسُ وَاللُّوبِيَا وَالْجُلْبَانُ وَكُلُّ مَا ثَبَتَ مَعْرِفَتُهُ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّهُ قُطْنِيَّةٌ فَإِذَا حَصَدَ الرَّجُلُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِالصَّاعِ الْأَوَّلِ صَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْنَافِ الْقِطْنِيَّةِ كُلِّهَا لَيْسَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْقِطْنِيَّةِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ ذَلِكَ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ وَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ فَرَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْنَ الْقِطْنِيَّةِ وَالْحِنْطَةِ فِيمَا أُخِذَ مِنْ النَّبَطِ وَرَأَى أَنَّ الْقِطْنِيَّةَ كُلَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فَأَخَذَ مِنْهَا الْعُشْرَ وَأَخَذَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ نِصْفَ الْعُشْرِ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ يُجْمَعُ الْقِطْنِيَّةُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ حَتَّى تَكُونَ صَدَقَتُهَا وَاحِدَةً وَالرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنْهَا اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحِنْطَةِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ قِيلَ لَهُ فَإِنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يُجْمَعَانِ فِي الصَّدَقَةِ وَقَدْ يُؤْخَذُ بِالدِّينَارِ أَضْعَافُهُ فِي الْعَدَدِ مِنْ الْوَرِقِ يَدًا بِيَدٍ قَالَ مَالِكٌ فِي النَّخِيلِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَجُذَّانِ مِنْهَا ثَمَانِيَةَ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ إِنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِمَا فِيهَا وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مِنْهَا مَا يَجُذُّ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَلِلْآخَرِ مَا يَجُذُّ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي جَذَّ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا صَدَقَةٌ وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ فِي كُلِّ زَرْعٍ مِنْ الْحُبُوبِ كُلِّهَا يُحْصَدُ أَوْ النَّخْلُ يُجَدُّ أَوْ الْكَرْمُ يُقْطَفُ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَجُدُّ مِنْ التَّمْرِ أَوْ يَقْطِفُ مِنْ الزَّبِيبِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ يَحْصُدُ مِنْ الْحِنْطَةِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمَنْ كَانَ حَقُّهُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى مَنْ بَلَغَ جُدَادُهُ أَوْ قِطَافُهُ أَوْ حَصَادُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَا أُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا ثُمَّ أَمْسَكَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ أَنْ أَدَّى صَدَقَتَهُ سِنِينَ ثُمَّ بَاعَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَى ثَمَنِهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ بَاعَهُ إِذَا كَانَ أَصْلُ تِلْكَ الْأَصْنَافِ مِنْ فَائِدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ وَالْعُرُوضِ يُفِيدُهَا الرَّجُلُ ثُمَّ يُمْسِكُهَا سِنِينَ ثُمَّ يَبِيعُهَا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهَا زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ بَاعَهَا فَإِنْ كَانَ أَصْلُ تِلْكَ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَةِ فَعَلَى صَاحِبِهَا فِيهَا الزَّكَاةُ حِينَ يَبِيعُهَا إِذَا كَانَ قَدْ حَبَسَهَا سَنَةً مِنْ يَوْمَ زَكَّى الْمَالَ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ   21 - بَابُ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنَ الثِّمَارِ (قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ لَهُ مَا يَجُدُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَدَالٍّ مُهْمَلَةٍ وَمُعْجَمَةٍ يَصْرِمُ وَيَقْطَعُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 (مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي بَابِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: الْجَذُّ الْإِسْرَاعُ، وَالْقَطْعُ الْمُسْتَأْصَلُ. وَقَالَ فِي الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ جُمْلَةِ مَعَانٍ، وَالْقِطَعُ وَصِرَامُ النَّخْلِ كَالْجِدَادِ، انْتَهَى. وَالصِّرَامُ قَطْعُ الثَّمَرَةِ، قَالَ تَعَالَى: {لَيَصْرِمُنَّهَا} [القلم: 17] (سُورَةُ الْقَلَمِ: الْآيَةُ 17) أَيْ:: يَقْطَعُونَ ثَمَرَهَا (وَمَا يَقْطُفُ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا؛ يَقْطَعُ (مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنَ الزَّبِيبِ، وَمَا يَحْصُدُ) بِكَسْرِ الصَّادِ وَضَمِّهَا (مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنَ الْحِنْطَةِ وَمَا يَحْصُدُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنَ الْقِطْنِيَّةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا لُغَةً، (أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ) لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، (وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ زَكَاةٌ حَتَّى تَكُونَ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنَ التَّمْرِ) بِفَوْقِيَّةٍ، (أَوْ فِي الزَّبِيبِ أَوْ فِي الْحِنْطَةِ أَوْ فِي الْقِطْنِيَّةِ مَا يَبْلُغُ النِّصْفُ الْوَاحِدُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) سِتِّينَ صَاعًا (بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّهَا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةُ الْمَنَافِعِ، مُتَبَايِنَةُ الْأَغْرَاضِ، فَلَا يُضَافُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ لِيَكْمُلَ النِّصَابُ (كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ» ) وَمَنْ عِنْدَهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ لَيْسَ عِنْدَهُ خَمْسَةٌ مِنْ تَمْرٍ (وَإِنْ كَانَ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَافِ) عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا (مَا يَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَجُذَّ) يَقْطَعَ (الرَّجُلُ مِنَ التَّمْرِ) لِلنَّخْلِ (خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ) كَبَرْنِيٍّ وَصَيْحَانِيٍّ، (وَأَلْوَانُهُ) أَجْنَاسُهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ النَّخْلَ كُلَّهُ الْأَلْوَانَ مَا خَلَا الْبَرْنِيَّ وَالْعَجْوَةَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الْأَلْوَانُ الدَّقَلُ (فَإِنَّهُ يُجْمَعُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الزَّكَاةُ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ) أَيْ: خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَفِي نُسْخَةٍ: فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهَا (فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) لِنَقْصِ النِّصَابِ. (وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ كُلُّهَا السَّمْرَاءُ) تَأْنِيثُ أَسْمَرَ سُمِّيَتْ بِهِ لِسُمْرَتِهَا، (وَالْبَيْضَاءُ) تَأْنِيثُ الْأَبْيَضِ لِبَيَاضِهَا. (وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 كُلُّ ذَلِكَ صِنْفٌ وَاحِدٌ) لِتَقَارُبِ مَنَافِعِهَا. (فَإِذَا حَصَدَ الرَّجُلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ جُمِعَ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ وَعِكْرِمَةُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا تُضَمُّ كُلُّ حَبَّةٍ - عُرِفَتْ بَاسِمٍ مُنْفَرِدٍ دُونَ صَاحِبَتِهَا وَهِيَ خِلَافُهَا فِي الْخِلْقَةِ وَالطَّعْمِ - إِلَى غَيْرِهَا. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَا يَتَّجِهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ اخْتِلَافٌ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَاعِي النِّصَابَ فِي الْحُبُوبِ فَهُوَ يُزَكِّي الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مِنْهَا، قَالَ: وَرَأَى مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهَا مُتَقَارِبَةُ الْمَنَافِعِ؛ مِثْلَ الذَّهَبِ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالْبُخْتِ وَالْعِرَابِ، فَمَنَافِعُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ مُتَقَارِبَةٌ، وَلَا يَنْفَكُّ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فِي الْمَنْبَتِ وَالْمَحْصَدِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي تَعْلِيلُ ذَلِكَ بِتَشَابُهِ الْحِنْطَةِ وَالسُّلْتِ فِي الصُّورَةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَهُمَا أَقْرَبُ تَشَابُهًا مِنَ الْحِنْطَةِ وَالْعَلَسِ، وَقَدْ سَلَّمَ لَنَا الْمُخَالِفُ الْعَلَسَ فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ السُّلْتِ، وَيَلْحَقُ بِهِ الشَّعِيرُ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ عَلَى قَوْلَيْنِ: الثَّلَاثَةُ صِنْفٌ وَاحِدٌ أَوْ أَصْنَافٌ، فَمَنْ قَالَ: السُّلْتُ وَالْحِنْطَةُ صِنْفٌ وَالشَّعِيرُ صِنْفٌ ثَانٍ فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالزَّكَاةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُوَاسَاةِ، فَإِذَا قَصُرَ صِنْفٌ عَنِ احْتِمَالِهَا، وَعِنْدَهُ صِنْفُ مَنْفَعَتِهِ مَعَ الْمُقَصِّرِ وَاحِدَةٌ وَمَقْصُودُهُمَا سَوَاءٌ، وَبَلَغَا جَمِيعًا قَدْرًا يَحْمِلُ الْمُوَاسَاةَ - وَهُوَ النِّصَابُ - جَمْعًا، وَاحْتَمَلَا الْمُوَاسَاةَ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَى اخْتِلَافِ الْأَسْمَاءِ مَعَ اتِّفَاقِ الْمَنَافِعِ. (وَكَذَلِكَ الزَّبِيبُ كُلُّهُ وَأَسْوَدُهُ وَأَحْمَرُهُ، فَإِذَا قَطَفَ الرَّجُلُ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) لِنَقْصِهِ عَنِ النِّصَابِ (وَكَذَلِكَ الْقِطْنِيَّةُ هِيَ صِنْفٌ وَاحِدٌ) كُلُّهَا فِي الزَّكَاةِ يُجْمَعُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ (مِثْلُ الْحِنْطَةِ) كُلِّهَا صِنْفٌ (وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِنْفٌ (وَإِنِ اخْتَلَفَ أَسْمَاؤُهَا وَأَلْوَانُهَا) أَجْنَاسُهَا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ تَمْرًا إِلَى زَبِيبٍ فَصَارَ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ. (وَالْقِطْنِيَّةُ الْحِمَّصُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَشَدِّ الْمِيمِ مَكْسُورَةً عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، مَفْتُوحَةً عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ. (وَالْعَدَسُ وَاللُّوبِيَا وَالْجُلْبَانُ) وَتُرْمُسٌ وَبِسِيلَةٌ وَالْفُولُ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ مَا ثَبَتَ مَعْرِفَتُهُ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّهُ قُطْنِيَّةٌ) لِإِقَامَتِهِ وَهُوَ الْفُولُ وَالْبَسِيلَةُ وَالتُّرْمُسُ وَلَيْسَ مِنْهَا الْكِرْسِنَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا مَرَّ. (فَإِذَا حَصَدَ الرَّجُلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِالصَّاعِ الْأَوَّلِ - صَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ) الْمَحْصُودُ (مِنْ أَصْنَافِ الْقِطْنِيَّةِ) السَّبْعَةِ (كُلِّهَا لَيْسَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنَ الْقِطْنِيَّةِ فَإِنَّهُ، يُجْمَعُ ذَلِكَ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ) بَدَلٌ مِنْ ذَلِكَ (وَعَلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ) لِتَقَارُبِ الْمَنَافِعِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ فَرَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْنَ الْقِطْنِيَّةِ وَالْحِنْطَةِ فِيمَا أُخِذَ مِنَ النَّبَطِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُوَحَّدَةِ؛ النَّصَارَى التُّجَّارِ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بِالتِّجَارَةِ، (وَرَأَى أَنَّ الْقِطْنِيَّةَ كُلَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فَأَخَذَ مِنْهَا الْعُشْرَ، وَأَخَذَ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ نِصْفَ الْعُشْرِ) يُرِيدُ أَنْ يَكْثُرَ الْحَمْلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، كَمَا يَأْتِي فِي عُشُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. (قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يُجْمَعُ الْقِطْنِيَّةُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ حَتَّى تَكُونَ صَدَقَتُهَا وَاحِدَةً وَالرَّجُلُ يَأْخُذُ) أَيْ: يَشْتَرِي (مِنْهَا) مِنَ الْقَطَانِيِّ (اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ) كَأَرْدَبَّيْنِ لُوبِيَا بِأَرْدَبِّ عَدَسٍ (يَدًا بِيَدٍ) أَيْ: مُنَاجَزَةً، (وَلَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحِنْطَةِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ؟ قِيلَ لَهُ) فِي الْجَوَابِ: لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ (فَإِنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرَقَ يُجْمَعَانِ فِي الصَّدَقَةِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ بِالدِّينَارِ أَضْعَافُهُ فِي الْعَدَدِ مِنَ الْوَرَقِ يَدًا بِيَدٍ) فَلَيْسَتِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهَا حَتَّى يَأْتِيَ سُؤَالُكَ، فَقَدْ يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي أَشْيَاءَ وَلَيْسَتْ بِجِنْسٍ وَاحِدٍ فِي الزَّكَاةِ، وَقَدْ يُبَاحُ وَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَالزَّكَاةُ لَا تُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُجَانَسَةُ الْعَيْنِيَّةُ؛ بَلْ تَقَارُبُ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْعَيْنُ رِفْقًا بِالْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ وَهُمَا جِنْسَانِ فِي الْبَيْعِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ - إِلَى أَنْ قَالَ: - فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَدًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 بِيَدٍ» ". (قَالَ مَالِكٌ فِي النَّخِيلِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَجُذَّانِ مِنْهَا ثَمَانِيَةَ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِمَا فِيهَا) لَنَقْصِ كُلٍّ عَنِ النِّصَابِ (وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مِنْهَا مَا يَجُذُّ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَلِلْآخَرِ مَا يَجُذُّ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) أَوْ أَزْيَدَ وَلَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةً (فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ كَانَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ) لِبُلُوغِ النِّصَابِ (وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي جَذَّ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا صَدَقَةٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا. (وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ فِي كُلِّ زَرْعٍ مِنَ الْحُبُوبِ كُلِّهَا) الَّتِي فِيهَا الزَّكَاةُ (يُحْصَدُ أَوِ النَّخْلُ يُجَذُّ أَوِ الْكَرْمُ يُقْطَفُ) زَبِيبُهُ (فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَجُذُّ مِنَ التَّمْرِ أَوْ يَقْطِفُ مِنَ الزَّبِيبِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ يَحْصُدُ مِنَ الْحِنْطَةِ) وَمَا ضَاهَاهَا فِي أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ (خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَنْ كَانَ حَقُّهُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى مَنْ بَلَغَ جُذَاذُهُ أَوْ قِطَافُهُ أَوْ حَصَادُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) فَالْمُعْتَبَرُ مِلْكُ كُلِّ رَجُلٍ خَاصَّةً، وَبِهَذَا قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثَ: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرَقِ صَدَقَةٌ» " وَهُوَ أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الشُّرَكَاءُ فِي الزَّرْعِ وَالذَّهَبِ وَالْوَرَقِ وَالْمَاشِيَةِ يُزَكُّونَ زَكَاةَ الْوَاحِدِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ مِنَ الْحَوَائِطِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى جَمَاعَةٍ، وَلَيْسَ فِي حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَالشُّرَكَاءُ أَوْلَى بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ خُلَطَاءِ الْمَاشِيَةِ. وَأَجَابَ ابْنُ زرقُونٍ: بِأَنَّ زَكَاةَ الْحَائِطِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَهُوَ وَاحِدٌ وَلَا كَذَلِكَ الشُّرَكَاءُ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْخُلَطَاءُ فَقَدِ اشْتَرَطْنَا أَيْضًا أَنْ يَمْلُكَ كُلٌّ نِصَابًا، وَإِنَّمَا زَكُّوا كَالْوَاحِدِ تَنْزِيلًا لَهُمْ لِنَزْلَتِهِ لِنَصٍّ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ، وَظَهَرَتْ حِكْمَةُ ذَلِكَ بِالِارْتِقَاءِ فِي الرَّاعِي وَنَحْوِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 (قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَا أُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا ثُمَّ أَمْسَكَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ أَنْ أَدَّى صَدَقَتَهُ) يَوْمَ حَصَادِهِ (سِنِينَ) ظَرْفٌ لِـ " أَمْسَكَهُ " (ثُمَّ بَاعَهُ؛ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَى ثَمَنِهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ بَاعَهُ إِذَا كَانَ أَصْلُ تِلْكَ الْأَصْنَافِ مِنْ فَائِدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) يَعْنِي لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ أَصْلِهَا فَائِدَةً أَوْ غَيْرَهَا فِي أَنَّهُ يُسْتَقْبَلُ بِثَمَنِهَا (وَ) الْحَالُ (أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ وَالْعُرُوضِ يُفِيدُهَا الرَّجُلُ ثُمَّ يُمْسِكُهَا سِنِينَ ثُمَّ يَبِيعُهَا بِذَهَبٍ أَوْ وَرَقٍ فَلَا تَكُونُ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهَا زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ بَاعَهَا) وَهَذَا إِذَا كَانَ لِلْقِنْيَةِ كَمَا قَالَ وَلَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ، وَذَكَرَ مَفْهُومَهُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ كَانَ أَصْلُ تِلْكَ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَةِ فَعَلَى صَاحِبِهَا فِيهَا الزَّكَاةُ حِينَ يَبِيعُهَا إِذَا كَانَ قَدْ حَبَسَهَا سَنَةً مِنْ يَوْمَ زَكَّى الْمَالَ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ) إِنْ كَانَ مُحْتَكِرًا، فَإِنْ كَانَ مُدِيرًا قَوَّمَهُ بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمَ زَكَّاهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 [بَاب مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالْقَضْبِ وَالْبُقُولِ] قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا وَالَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفَوَاكِهِ كُلِّهَا صَدَقَةٌ الرُّمَّانِ وَالْفِرْسِكِ وَالتِّينِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمَا لَمْ يُشْبِهْهُ إِذَا كَانَ مِنْ الْفَوَاكِهِ قَالَ وَلَا فِي الْقَضْبِ وَلَا فِي الْبُقُولِ كُلِّهَا صَدَقَةٌ وَلَا فِي أَثْمَانِهَا إِذَا بِيعَتْ صَدَقَةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَى أَثْمَانِهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ بَيْعِهَا وَيَقْبِضُ صَاحِبُهَا ثَمَنَهَا وَهُوَ نِصَابٌ   22 - بَابُ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنَ الْفَوَاكِهِ وَالْقَضْبِ - بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ - وَالْبُقُولِ جَمْعُ فَاكِهَةٍ، وَهِيَ مَا يُتَفَكَّهُ؛ أَيْ: يُتَنَعَّمُ بِأَكْلِهِ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا كَالتِّينِ وَالْبِطِّيخِ وَالزَّبِيبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] (سُورَةُ الرَّحْمَنِ: الْآيَةُ 68) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: إِنَّمَا خَصَّ ذَلِكَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَذْكُرُ الْأَشْيَاءَ مُجْمَلَةً ثُمَّ تَخُصُّ مِنْهَا شَيْئًا بِالتَّسْمِيَةِ تَنْبِيهًا عَلَى فَضْلٍ فِيهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: 7] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 7) ، وَكَذَلِكَ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 98) فَكَمَا أَنَّ إِخْرَاجَ مُحَمَّدٍ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 النَّبِيِّينَ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُمْتَنَعٌ، كَذَلِكَ إِخْرَاجُ النَّخْلِ وَالرُّمَّانِ مِنَ الْفَاكِهَةِ مُمْتَنَعٌ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ قَالَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ لَيْسَا مِنَ الْفَاكِهَةِ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنَ الْفُقَهَاءِ فَلِجَهْلِهِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَبِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، وَكَمَا يَجُوزُ ذِكْرُ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِلتَّفْضِيلِ، كَذَلِكَ يَجُوزُ ذِكْرُ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِلتَّفْضِيلِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87] (سُورَةُ الْحِجْرِ: الْآيَةُ 87) (قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا وَالَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفَوَاكِهِ كُلِّهَا) سِوَى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ (صَدَقَةٌ الرُّمَّانِ وَالْفِرْسِكِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالسِّينِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ آخِرُهُ كَافٌ، الْخَوْخُ أَوْ ضَرْبٌ مِنْهُ، أَحْمَرُ أَجْوَدُ أَوْ مَا يَنْفَلِقُ عَنْ نَوَاةٍ (وَالتِّينِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: عَدَّهُ مِنَ الْفَوَاكِهِ الَّتِي لَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا شُرِعَتْ فِيمَا يُقْتَاتُ، وَلَمْ يَكُنِ التِّينُ يُقْتَاتُ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَهُ تَفَكُّهًا وَإِنْ كَانَ بِالْأَنْدَلُسِ قُوتًا، وَيُحْتَمَلُ أَصْلُهُ تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِالتِّينِ قِيَاسًا عَلَى الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَظُنُّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ وَيُقْتَاتُ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَالْأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغْرِبِ لَا زَكَاةَ فِي التِّينِ إِلَّا ابْنَ حَبِيبٍ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْبَغْدَادِيِّينَ إِسْمَاعِيلُ وَالْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ، وَكَانُوا يُفْتُونَ بِهِ وَيَرَوْنَهُ مَذْهَبَ مَالِكٍ عَلَى أُصُولِهِ وَهُوَ مَكِيلٌ يُرَاعَى فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَمَا كَانَ مِثْلُهَا وَزْنًا كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمَا لَمْ يُشْبِهْهُ إِذَا كَانَ مِنَ الْفَوَاكِهِ) كَإِجَّاصٍ وَكُمَّثْرَى وَقِثَّاءٍ وَبِطِّيخٍ وَشَبَهِهَا مِمَّا لَا يَيْبَسُ، وَجَوْزٌ وَلَوْزٌ وَبُنْدُقٌ وَشِبْهُ ذَلِكَ وَإِنِ ادَّخَرَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا زَكَاةَ بِاتِّفَاقِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، ابْنُ زرقُونٍ أَظُنُّهُ لَمْ يَرَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ فِي إِيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، انْتَهَى. أَوْ أَرَادَ بِأَصْحَابِهِ خُصُوصَ مَنْ لَقِيَهُ لَا أَهْلَ مَذْهَبِهِ، وَهَذَا أَمْثَلُ بِمَزِيدِ حِفْظِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَوُسْعِ اطِّلَاعِهِ، (قَالَ: وَلَا فِي الْقَضْبِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ؛ الْفِصْفِصَةُ: نَبَاتٌ يُشْبِهُ الْبِرْسِيمَ يُعْلَفُ لِلدَّوَابِّ، وَلَيْسَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ؛ لِأَنَّ قَصَبَ السُّكَّرِ دَاخِلٌ فِي الْفَوَاكِهِ (وَلَا فِي الْبُقُولِ) جَمْعُ بَقْلٍ، وَهُوَ كُلُّ نَبَاتٍ اخْضَرَّتْ بِهِ الْأَرْضُ؛ قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ (كُلِّهَا صَدَقَةٌ، وَلَا فِي أَثْمَانِهَا إِذَا بِيعَتْ صَدَقَةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَى أَثْمَانِهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ بَيْعِهَا، وَيَقْبِضُ صَاحِبُهَا ثَمَنَهَا وَهُوَ نِصَابٌ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 [بَاب مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ الرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ وَالْعَسَلِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ»   23 - بَابُ مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ الرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ وَالْعَسَلِ 612 - 610 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الْهِلَالِيِّ (عَنْ عِرَاكِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ الرَّاءِ فَأَلِفٌ فَكَافٌ، (ابْنِ مَالِكٍ) الْغِفَارِيِّ الْكِنَانِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٍ فَاضِلٍ، مَاتَ بَعْدَ الْمِائَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرَّ أَدْخَلَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ وَعِرَاكٌ وَاوًا فَجَعَلَ الْحَدِيثَ لِابْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ وَعِرَاكٍ وَهُوَ خَطَأٌ عُدَّ مِنْ غَلَطِهِ، وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ فِي الْمُوَطَّآتِ كُلِّهَا وَفِي غَيْرِهَا لِسُلَيْمَانَ عَنْ عِرَاكٍ، وَهُمَا تَابِعِيَّانِ نَظِيرَانِ، وَعِرَاكٌ أَسَنُّ وَسُلَيْمَانُ أَفْقَهُ، وَابْنُ دِينَارٍ تَابِعِيٌّ أَيْضًا (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ» ) رَقِيقِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَلَا فِي فَرَسِهِ) الشَّامِلُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَجَمْعُهُ الْخَيْلُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ (صَدَقَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةَ» الْفِطْرِ "، وَالْمُرَادُ بِالْفَرَسِ اسْمُ الْجِنْسِ، فَلَا زَكَاةَ فِي الْوَاحِدَةِ اتِّفَاقًا، وَخَصَّ الْمُسْلِمَ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ تَكْلِيفُ الْكَافِرِ بِالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ كَافِرًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يُسْلِمَ، وَإِذَا أَسْلَمَ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي رِقَابِ الْعَبِيدِ صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يُشْتَرُوا لِلتِّجَارَةِ فَفِيهِ حُجَّةٌ لِلْكَافَّةِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا اتُّخِذَ مِنْ ذَلِكَ لِلْقِنْيَةِ بِخِلَافِ مَا اتُّخِذَ لِلتِّجَارَةِ، وَأَوْجَبَ حَمَّادٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ إِذَا كَانَتْ إِنَاثًا وَذُكُورًا، فَإِذَا انْفَرَدَتْ زَكَّى إِنَاثَهَا لَا ذُكُورَهَا ثُمَّ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَبَيْنَ أَنْ يُقَوِّمَهَا وَيُخْرِجُ رُبْعَ الْعُشْرِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ لِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ صَاحِبَاهُ مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَوَافَقَا الْجُمْهُورَ، وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ مَنْ قَالَ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِمَا وَلَوْ كَانَا لِلتِّجَارَةِ، وَأُجِيبُوا بِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ، فَيُخَصُّ بِهِ عُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الحديث: 612 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَالُوا لِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ خُذْ مِنْ خَيْلِنَا وَرَقِيقِنَا صَدَقَةً فَأَبَى ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَبَى عُمَرُ ثُمَّ كَلَّمُوهُ أَيْضًا فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ إِنْ أَحَبُّوا فَخُذْهَا مِنْهُمْ وَارْدُدْهَا عَلَيْهِمْ وَارْزُقْ رَقِيقَهُمْ قَالَ مَالِكٌ مَعْنَى قَوْلِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَارْدُدْهَا عَلَيْهِمْ يَقُولُ عَلَى فُقَرَائِهِمْ   613 - 611 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَالُوا لِأَبِي عُبَيْدَةَ) عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ الْجَرَّاحِ) الْفِهْرِيِّ أَمِينِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالنَّصِّ النَّبَوِيِّ، أَمَّرَهُ عُمَرُ عَلَى الشَّامِ (خُذْ مِنْ خَيْلِنَا وَرَقِيقِنَا صَدَقَةً فَأَبَى) امْتَنَعَ مِنَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِيهَا (ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَبَى عُمَرُ) امْتَنَعَ، فَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ مُقَرَّرًا عِنْدَهُمْ أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهِمَا (ثُمَّ كَلَّمُوهُ أَيْضًا فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ إِنْ أَحَبُّوا فَخُذْهَا مِنْهُمْ) فَرَأَى عُمَرُ لَمَّا أَلَحُّوا عَلَيْهِ أَنَّهَا صَدَقَةٌ طَاعُوا بِهَا فَأَمَرَهُ بِأَخْذِهَا (وَارْدُدْهَا عَلَيْهِمْ وَارْزُقْ رَقِيقَهُمْ) أَيِ: الْفَقِيرَ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ ارْزُقْ عَبِيدَهُمْ وَإِمَاءَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُفْرِضُ لِلسَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مِنَ الْفَيْءِ، وَكَانَ عُمَرُ يُفْرِضُ لِلْمَنْفُوسِ وَالْعَبِيدِ، وَكَذَا فَعَلَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ. (قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَى قَوْلِهِ) أَيْ: عُمَرَ (رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَارْدُدْهَا عَلَيْهِمْ يَقُولُ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) لَا عَلَيْهِمْ نَفْسَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ طَاعُوا بِهَا، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَعُورِضَ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُمَيَّةَ إِذِ ابْتَاعَ فَرَسًا أُنْثَى بِمِائَةِ قَلُوصٍ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ الْخَيْلَ لَتَبْلُغُ هَذَا عِنْدَكُمْ؛ فَتَأْخُذُ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً وَلَا تَأْخُذُ مِنَ الْخَيْلِ شَيْئًا، خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، وَإِذَا تَعَارَضَ الْحَدِيثَانِ سَقَطَا، وَالْحُجَّةُ فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ: " «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» ". الحديث: 613 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ كِتَابٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي وَهُوَ بِمِنًى أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ الْعَسَلِ وَلَا مِنْ الْخَيْلِ صَدَقَةً   614 - 612 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ، (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ كِتَابٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) الْخَلِيفَةِ (إِلَى أَبِي) هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، وَكَانَ قَاضِي الْمَدِينَةِ، (وَهُوَ بِمِنًى أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنَ الْعَسَلِ وَلَا مِنَ الْخَيْلِ صَدَقَةً) وَقَدْ ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْعَسَلِ، وَضَعَّفَ أَحْمَدُ حَدِيثَ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ مِنْهُ الحديث: 614 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 الْعُشْرَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ يَرْوِيهِ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ نَفَرًا مِنْ شَبَابَةَ - بَطْنٌ مِنْ فِهْرٍ - كَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْلِهِمْ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ، وَكَانَ يَحْمِي وَادِيًا لَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ عَلَى مَا هُنَالِكَ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ فَأَبَوْا أَنْ يُؤَدُّوا وَقَالُوا: إِنَّمَا كُنَّا نُؤَدِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: إِنَّمَا النَّحْلُ ذُبَابُ غَيْثٍ يَسُوقُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رِزْقًا إِلَى مَنْ يَشَاءُ، فَإِنْ أَدُّوا إِلَيْكَ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْمِ لَهُمْ وَادِيَهُمْ وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَأَدُّوا إِلَيْهِ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَمَى لَهُمْ» . وَحَدِيثُ أَبِي يَسَارَةَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ الْعَسَلِ الْعُشْرُ وَكَانَ يَحْمِيهِ» ، مُنْقَطِعٌ وَأَبُو يَسَارَةَ لَا يُعَرَفُ وَلَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَرَبِيعَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَّا أَنَّ الْكُوفِيِّينَ لَا يَرَوْنَ فِيهِ زَكَاةً إِلَّا فِي أَرْضِ الْعُشْرِ دُونَ أَرْضِ الْخَرَاجِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ صَدَقَةِ الْبَرَاذِينِ فَقَالَ وَهَلْ فِي الْخَيْلِ مِنْ صَدَقَةٍ   615 - 613 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ صَدَقَةِ الْبَرَاذِينِ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ جَمْعُ بِرْذَوْنٍ التُّرْكِيِّ مِنَ الْخَيْلِ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَرُبَّمَا قَالُوا: بِرْذَوْنَةٌ فِي الْأُنْثَى قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ (فَقَالَ: وَهَلْ فِي الْخَيْلِ مِنْ صَدَقَةٍ؟) وَقَدْ صَحَّ: " «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» ". وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَّةِ» " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. الحديث: 615 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 [بَاب جِزْيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ» وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ فَارِسَ وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَخَذَهَا مِنْ الْبَرْبَرِ   24 - بَابُ جِزْيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ الْجِزْيَةُ مِنْ جَزَّأْتُ الشَّيْءَ إِذَا قَسَّمْتَهُ ثُمَّ سُهِّلَتِ الْهَمْزَةُ، وَقِيلَ: مِنَ الْجَزَاءِ لِأَنَّهَا جَزَاءُ تَرْكِهِمْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ، أَوْ مِنَ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَكْفِي مَنْ تُوضَعُ عَلَيْهِ فِي عِصْمَةِ دَمِهِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي وَضْعِ الْجِزْيَةِ أَنَّ الذُّلَّ الَّذِي يَلْحَقُهُمْ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ مَعَ مَا فِي مُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ، قِيلَ: شُرِعَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَقِيلَ: تِسْعٌ. 616 - 614 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ بَلَغَنِي) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ الحديث: 616 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ وُلِدَ السَّائِبُ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَفِظَ عَنْهُ وَحَجَّ مَعَهُ وَتُوُفِّيَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَأَشْهُرٍ. ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ» ) بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَعُمَانَ، وَهُوَ مِنْ بِلَادِ نَجْدٍ، وَيُعْرَبُ إِعْرَابَ الْمُثَنَّى، وَيَجُوزُ جَعْلُ النُّونِ مَحَلَّ الْإِعْرَابِ مَعَ لُزُومِ الْيَاءِ مُطْلَقًا، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْأَزْهَرِيُّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَلَمًا مُفْرَدًا لِدَلَالَةٍ، فَأَشْبَهَ الْمُفْرَدَاتِ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا بَحْرَانِيٌّ. (وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ فَارِسَ) لَقَبُ قَبِيلَةٍ لَيْسَ بِأَبٍ وَلَا أُمٍّ وَإِنَّمَا هُمْ أَخْلَاطٌ مِنْ تَغْلِبَ اصْطَلَحُوا عَلَى هَذَا الِاسْمِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، (وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَخَذَهَا مِنَ الْبَرْبَرِ) بِمُوَحَّدَتَيْنِ وَرَاءَيْنَ وِزَانُ جَعْفَرٍ، قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ كَالْأَعْرَابِ فِي الْقَسْوَةِ وَالْغِلْظَةِ، وَالْجَمْعُ الْبَرَابِرَةُ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»   617 - 615 - (مَالِكٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ) بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدِ الْبَاقِرِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَلْقَ عُمَرَ وَلَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، إِلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ مُتَّصِلٌ مِنْ وُجُوهٍ حِسَانٍ. وَقَالَ الْحَافِظُ: هَذَا مُنْقَطِعٌ مَعَ ثِقَةِ رِجَالِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ، عَنْ مَالِكٍ فَزَادَ فِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ جَدَّهُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَلَا عُمَرَ، فَإِنْ عَادَ ضَمِيرُ جَدِّهِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ كَانَ مُتَّصِلًا؛ لِأَنَّ جَدَّهُ الْحُسَيْنُ سَمِعَ مِنْ عُمَرَ وَمِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ الْعَلَاءِ الْحَضْرَمِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ: " «سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» " (فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» ) فِي الْجِزْيَةِ لَا فِي نِكَاحِ نِسَائِهِمْ وَأَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ، فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِذَبَائِحِ الْمَجُوسِ بَأْسًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْجِزْيَةَ أُخِذَتْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذْلَالًا لَهُمْ وَتَقْوِيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَجْرِيَ هَؤُلَاءِ مَجْرَاهُمْ فِي الذُّلِّ وَالصَّغَارِ؛ لِأَنَّهُمْ سَاوَوْهُمْ فِي الْكُفْرِ بَلْ هُمْ أَشَدُّ كُفْرًا، وَلَيْسَ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الحديث: 617 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 تَكْرُمَةً فِي الْكِتَابِيِّينَ لِمَوْضِعِ كِتَابِهِمْ، وَلَا خِلَافَ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ وَمِنْ مَجُوسِ هَجَرَ، وَفَعَلَهُ خُلَفَاؤُهُ الْأَرْبَعَةُ، وَاخْتُلِفَ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالنِّيرَانِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تُؤْخَذُ مِنْهُمْ، وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهُمْ: إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْقُرْآنِ وَمِنَ الْمَجُوسِ بِالسُّنَّةِ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ كَظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 156) أَيِ: الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ آخَرُونَ: كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَأَوَّلُوا سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُعْلَمُ كِتَابُهُمْ عِلْمَ ظُهُورٍ وَاسْتِفَاضَةٍ، أَمَّا الْمَجُوسُ فَعِلْمُ كِتَابِهِمْ عِلْمُ مَخْصُوصٍ، وَالْآيَةُ أَيْضًا مُحْتَمَلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " كَانَ الْمَجُوسُ أَهْلَ كِتَابٍ يَقْرَؤُونَهُ وَعِلْمٍ يَدْرُسُونَهُ فَشَرِبَ مَلِكُهُمُ الْخَمْرَ فَوَقَعَ عَلَى أُخْتِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا أَهْلَ الطَّمَعِ فَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ: إِنَّ آدَمَ كَانَ يُنْكِحُ أَوْلَادَهُ بَنَاتَهُ فَأَطَاعُوهُ، وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَهُ، فَأَسْرَى عَلَى كِتَابِهِمْ وَعَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ "، وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: " لَمَّا هَزَمَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ فَارِسَ قَالَ عُمَرُ: اجْتَمِعُوا إِنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَنَضَعُ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ وَلَا مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهُمْ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَكِنْ قَالَ: وَقَعَ عَلَى ابْنَتِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَوَضَعَ الْأُخْدُودَ لِمَنْ خَالَفَهُ "، وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَنَّ الصَّحَابِيَّ الْجَلِيلَ قَدْ يَغِيبُ عَنْهُ عِلْمُ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ أَقْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْكَامِهِ وَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَفِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: أَهْلُ الْكِتَابِ؛ اخْتِصَاصَهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِإِلْحَاقِ الْمَجُوسِ بِهِمْ فَرَجَعَ إِلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مَعَ ذَلِكَ أَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ وَضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ   618 - 616 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ) كَمِصْرَ وَالشَّامِ (أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ) فِي كُلِّ سَنَةٍ (وَعَلَى أَهْلِ الْوَرَقِ) كَالْعِرَاقِ (أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا) كُلَّ سَنَةٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ إِلَّا مَنْ يَضْعُفُ عَنْ ذَلِكَ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَقَلُّهَا دِينَارٌ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا إِلَّا إِذَا بَذَلَ الْأَغْنِيَاءُ دِينَارًا لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ: أَقَلُّهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمُعْتَمَلِينَ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا، وَعَلَى أَوَاسِطِ النَّاسِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارَانِ، وَعَلَى الحديث: 618 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 الْأَغْنِيَاءِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ. (مَعَ ذَلِكَ أَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ: رَفْدُ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَعَوْنُهُمْ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَقْوَاتٌ مِنْ عِنْدِهِمْ مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَدْرِ مَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ تِلْكَ الْجِهَةِ مِنَ الِاقْتِيَاتِ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنَّ عَلَيْهِمْ مِنْ أَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْحِنْطَةِ مُدَّانِ وَمِنَ الزَّيْتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَاطٍ كُلَّ شَهْرٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ، وَوَدَكٌ وَعَسَلٌ لَا أَدْرِي كَمْ هُوَ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَرْدَبٌّ كُلَّ شَهْرٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ، وَالْكُسْوَةُ الَّتِي يَكْسُوهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالنَّاسُ، وَعَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا لِكُلِّ إِنْسَانٍ كُلُّ شَهْرٍ وَوَدَكٌ لَا أَدْرِي كَمْ هُوَ. (وَضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِلْمُجْتَازِينَ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ خُبْزٍ وَشَعِيرٍ وَتِبْنٍ وَإِدَامٍ وَمَكَانٍ يَنْزِلُونَ بِهِ يُكِنُّهُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُلْزِمُهُمْ فِي مُدَّةِ الضِّيَافَةِ مَا سَهَلَ عَلَيْهِمْ وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِاقْتِيَاتِهِ دُونَ تَكَلُّفٍ وَخُرُوجٍ عَنْ عَادَةِ قُوتِهِمْ، وَقَدْ شَكَا أَهْلُ الشَّامِ إِلَى عُمَرَ لَمَّا قَدِمَهَا أَنَّهُ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَلَّفَهُمْ ذَبْحَ الدَّجَاجِ وَالْغَنَمِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ لَا تُزِيدُوهُمْ عَنْهُ. وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: يُوضَعُ عَنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوفَ لَهُمْ بِمَا عُوهِدُوا عَلَيْهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُمْ مَعَ الْوَفَاءِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِنَّ فِي الظَّهْرِ نَاقَةً عَمْيَاءَ فَقَالَ عُمَرُ ادْفَعْهَا إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَنْتَفِعُونَ بِهَا قَالَ فَقُلْتُ وَهِيَ عَمْيَاءُ فَقَالَ عُمَرُ يَقْطُرُونَهَا بِالْإِبِلِ قَالَ فَقُلْتُ كَيْفَ تَأْكُلُ مِنْ الْأَرْضِ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ أَمِنْ نَعَمْ الْجِزْيَةِ هِيَ أَمْ مِنْ نَعَمْ الصَّدَقَةِ فَقُلْتُ بَلْ مِنْ نَعَمْ الْجِزْيَةِ فَقَالَ عُمَرُ أَرَدْتُمْ وَاللَّهِ أَكْلَهَا فَقُلْتُ إِنَّ عَلَيْهَا وَسْمَ الْجِزْيَةِ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَنُحِرَتْ وَكَانَ عِنْدَهُ صِحَافٌ تِسْعٌ فَلَا تَكُونُ فَاكِهَةٌ وَلَا طُرَيْفَةٌ إِلَّا جَعَلَ مِنْهَا فِي تِلْكَ الصِّحَافِ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُونُ الَّذِي يَبْعَثُ بِهِ إِلَى حَفْصَةَ ابْنَتِهِ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ كَانَ فِي حَظِّ حَفْصَةَ قَالَ فَجَعَلَ فِي تِلْكَ الصِّحَافِ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ فَبَعَثَ بِهِ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ فَصُنِعَ فَدَعَا عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى أَنْ تُؤْخَذَ النَّعَمُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ إِلَّا فِي جِزْيَتِهِمْ   619 - 617 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّ فِي الظَّهْرِ نَاقَةً عَمْيَاءَ) أَيْ: عَمِيَتْ (فَقَالَ عُمَرُ) ظَانًّا أَنَّهَا مِنَ الصَّدَقَةِ (ادْفَعْهَا إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَنْتَفِعُونَ بِهَا قَالَ) أَسْلَمُ (فَقُلْتُ: وَهِيَ عَمْيَاءُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَقْطُرُونَهَا بِالْإِبِلِ) فَعَمَاهَا لَا يَمْنَعُ الِانْتِفَاعُ بِهَا (قَالَ: فَقُلْتُ: كَيْفَ تَأْكُلُ مِنَ الْأَرْضِ؟) لِأَنَّهَا وَإِنْ قُطِرَتْ مَعَ الْإِبِلِ إِلَى الْمَرْعَى لَا تَرَى الْأَرْضَ (قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمِنْ نَعَمُ الْجِزْيَةِ هِيَ أَمْ مِنْ نَعَمُ الصَّدَقَةِ؟ فَقُلْتُ: بَلْ مِنْ نَعَمُ الْجِزْيَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَرَدْتُمْ وَاللَّهِ أَكْلَهَا) لِأَنَّ الْجِزْيَةَ يَأْكُلُهَا الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَالصَّدَقَةَ لِلْمَسَاكِينِ، وَقَالَ ذَلِكَ إِشْفَاقًا فَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ أَسْلَمُ بِالْوَسْمِ (فَقُلْتُ: إِنَّ عَلَيْهَا وَسْمَ الْجِزْيَةِ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَنُحِرَتْ الحديث: 619 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 وَكَانَ عِنْدَهُ صِحَافٌ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ، جَمْعُ صَحْفَةٍ؛ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، إِنَاءٌ كَالْقَصْعَةِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَصْعَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ (تِسْعٌ، فَلَا تَكُونُ فَاكِهَةٌ وَلَا طُرَيْفَةٌ) بِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ، تَصْغِيرُ طُرْفَةٍ بِزِنَةِ غُرْفَةٍ، مَا يُسْتَطْرَفُ؛ أَيْ: يُسْتَمْلَحُ (إِلَّا جَعَلَ مِنْهَا فِي تِلْكَ الصِّحَافِ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حِفْظًا لَهُ فِي أَهْلِهِ بَعْدَهُ (وَيَكُونُ الَّذِي يَبْعَثُ بِهِ إِلَى حَفْصَةَ ابْنَتِهِ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ كَانَ فِي حَظِّ حَفْصَةَ) نَصِيبِهَا طَلَبًا لِمَرْضَاةِ غَيْرِهَا، وَعِلْمًا بِأَنَّهَا تَرْضَى ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ، وَلَا تَأْنَفُ مِنْ إِيثَارِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَبُوهَا يَجُوزُ لَهُ التَّبَسُّطُ عَلَيْهَا وَتَتَيَقَّنُ مَحَبَّتَهُ لَهَا (قَالَ: فَجَعَلَ فِي تِلْكَ الصِّحَافِ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ فَبَعَثَ بِهِ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِلَا طَبْخٍ لِيَصْنَعْنَ فِيهِ مَا أَحْبَبْنَ (وَأَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ فَصُنِعَ) طُبِخَ (فَدَعَا عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ) فِيهِ دَلَالَةٌ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُطْعِمُهُمْ أَمْثَالَهَا اسْتِئْلَافًا وَإِينَاسًا، وَهِيَ سُنَّةٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ وُجُوهَ أَصْحَابِهِ لِلْأَكْلِ عِنْدَهُ، وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ فَوَاكِهٌ وَطَرَفٌ مِنَ الْجِزْيَةِ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ وَالْوُجُوهُ الْمُبَاحَةُ لِلْأَغْنِيَاءِ؛ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَ عُمَرُ يُفَضِّلُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لِمَوْقِعِهِنَّ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُفَضِّلُ أَهْلَ السَّابِقَةِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مِنْ مَذْهَبِهِ وَتَلَاهُ عُثْمَانُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ يُسَوِّيَانِ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ، وَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ: ثَوَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةُ، وَأَمَّا الدُّنْيَا فَهُمْ فِيهَا سَوَاءٌ فِي الْحَاجَةِ إِلَى الْمَعِيشَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ تُؤْخَذَ النَّعَمُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ إِلَّا فِي جِزْيَتِهِمْ) أَيْ: أَهْلِ النَّعَمِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا رَاضَاهُمْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَضَعُوا الْجِزْيَةَ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ حِينَ يُسْلِمُونَ قَالَ مَالِكٌ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا عَلَى صِبْيَانِهِمْ وَأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا مِنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ قَدْ بَلَغُوا الْحُلُمَ وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا عَلَى الْمَجُوسِ فِي نَخِيلِهِمْ وَلَا كُرُومِهِمْ وَلَا زُرُوعِهِمْ وَلَا مَوَاشِيهِمْ صَدَقَةٌ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا وُضِعَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَطْهِيرًا لَهُمْ وَرَدًّا عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَوُضِعَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ صَغَارًا لَهُمْ فَهُمْ مَا كَانُوا بِبَلَدِهِمْ الَّذِينَ صَالَحُوا عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ سِوَى الْجِزْيَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْتَلِفُوا فِيهَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْعُشْرُ فِيمَا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا وُضِعَتْ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ وَصَالَحُوا عَلَيْهَا عَلَى أَنْ يُقَرُّوا بِبِلَادِهِمْ وَيُقَاتَلُ عَنْهُمْ عَدُوُّهُمْ فَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ مِنْ بِلَادِهِ إِلَى غَيْرِهَا يَتْجُرُ إِلَيْهَا فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ مَنْ تَجَرَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى الْعِرَاقِ وَمِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَوْ الْيَمَنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْبِلَادِ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ وَلَا صَدَقَةَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمَجُوسِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَلَا ثِمَارِهِمْ وَلَا زُرُوعِهِمْ مَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ وَيُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِرَارًا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِمْ كُلَّمَا اخْتَلَفُوا الْعُشْرُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا صَالَحُوا عَلَيْهِ وَلَا مِمَّا شُرِطَ لَهُمْ وَهَذَا الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا   619 - 618 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَضَعُوا الْجِزْيَةَ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ حِينَ يُسْلِمُونَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ وَضْعُهَا عَنْهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ وَضْعَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ وَهَذَا أَظْهَرُ، وَلَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ لَيْسَ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَسْقُطُ الْبَاقِي مِنَ الْجِزْيَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 وَيُؤَدِّيهَا فِي حَالِ إِسْلَامِهِ. وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] (سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 38) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَالَ أَحْمَدُ بِقَوْلِ مَالِكٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. (قَالَ مَالِكٌ مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا عَلَى صِبْيَانِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] إِلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 29) وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لَا يُقَاتِلُونَ. (وَأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ قَدْ بَلَغُوا الْحُلُمَ) بِشَرْطِ الْجِزْيَةِ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ عَبِيدِهِمْ، (وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا عَلَى الْمَجُوسِ) وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ بَاقِي الْكُفَّارِ (فِي نَخِيلِهِمْ وَلَا كُرُومِهِمْ وَلَا زُرُوعِهِمْ وَلَا مَوَاشِيهِمْ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا وُضِعَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَطْهِيرًا لَهُمْ) مِنَ الْبُخْلِ، وَلِلْمَالِ مِنَ الْخُبْثِ، قَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 103) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلَّا لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَرَدًّا عَلَى فُقَرَائِهِمْ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: " «أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. (وَوُضِعَتِ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ صَغَارًا) إِذْلَالًا (لَهُمْ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 29) ، (فَهُمْ مَا كَانُوا بِبَلَدِهِمُ الَّذِينَ صَالَحُوا عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ سِوَى الْجِزْيَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا إِجْمَاعٌ إِلَّا أَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَأَى تَضْعِيفَ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ دُونَ جِزْيَةٍ، قَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ قَالُوا: يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِثْلَا مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِ، فَفِي الرِّكَازِ خُمْسَانِ، وَمَا فِيهِ الْعُشْرُ عُشْرَانِ، وَمَا فِيهِ رُبْعُ الْعُشْرِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَكَذَلِكَ مِنْ نِسَائِهِمْ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ، وَلَا شَيْءَ عَنْ مَالِكٍ فِي بَنِي تَغْلِبَ، وَهُمْ عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّصَارَى سَوَاءٌ، وَقَدْ عَمَّ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِ بَنِي تَغْلِبَ مِنْهُمْ (إِلَّا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْتَلِفُوا فِيهَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْعُشْرُ فِيمَا يُدِيرُونَ مِنَ التِّجَارَاتِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وَأَصْلُهُ فِعْلُ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَسَكَتُوا عَلَيْهِ فَكَانَ إِجْمَاعًا (وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا وُضِعَتْ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ وَصَالَحُوا عَلَيْهَا عَلَى أَنْ يُقَرُّوا بِبِلَادِهِمْ وَيُقَاتَلُ عَنْهُمْ عَدُوُّهُمْ) لِأَنَّهُمْ بِهَا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ فَلَا يُمْنَعُوا مِنَ التَّقَلُّبِ فِي بِلَادِهِمْ فِي التِّجَارَاتِ وَالْمَكَاسِبِ، وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِمْ وَلَا غَيْرِهِ مَا دَامُوا فِيهَا. (فَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ مِنْ بِلَادِهِ إِلَى غَيْرِهَا يَتْجُرُ إِلَيْهَا فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ) وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْآفَاقُ بِقَوْلِهِ: (مَنْ تَجَرَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ) أَوْ عَكْسِهِ (وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى الْعِرَاقِ وَمِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَوِ الْيَمَنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ الْبِلَادِ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ) إِذَا أَخْرَجَ مَالَهُ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ صَرْفٍ، وَمَنْ تَجَرَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فِيهَا، وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ فِيهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (وَلَا صَدَقَةَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ) الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (وَلَا الْمَجُوسِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَلَا ثِمَارِهِمْ وَلَا زُرُوعِهِمْ) إِعَادَةٌ لِقَوْلِهِ: (مَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ) فَلَا تَكْرَارَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ أَوَّلًا بِتَعْلِيلِهِ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ أَصْلَهُ السُّنَّةُ بَيَانًا لِدَلِيلِهِ. (وَيُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ) بِالشُّرُوطِ الْمَعْلُومَةِ فِي الْفُرُوعِ (وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِرَارًا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِمْ كُلَّمَا اخْتَلَفُوا الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا صَالَحُوا عَلَيْهِ وَلَا مِمَّا شُرِطَ لَهُمْ، وَهَذَا الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 [بَاب عُشُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ النَّبَطِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ نِصْفَ الْعُشْرِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكْثُرَ الْحَمْلُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَيَأْخُذُ مِنْ الْقِطْنِيَّةِ الْعُشْرَ   25 - بَابُ عُشُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ 619 - 621 619 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْخُذُ مِنَ النَّبَطِ) بِنُونٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ (مِنَ الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ) وَفِي نُسْخَةٍ: وَالزَّبِيبُ بَدَلُ الزَّيْتِ وَصُوِّبَتْ (نِصْفَ الْعُشْرِ؛ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكْثُرَ الْحَمْلُ) أَيِ: الْمَحْمُولُ مِنْهُمَا (إِلَى الْمَدِينَةِ وَيَأْخُذُ مِنَ الْقِطْنِيَّةِ الْعُشْرَ) عَلَى الْأَصْلِ فِيمَا تَجَرُوا فِيهِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْعُشْرُ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ حِنْطَةً وَلَا زَيْتًا بِالْمَدِينَةِ وَلَا بِمَكَّةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ غُلَامًا عَامِلًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكُنَّا نَأْخُذُ مِنْ النَّبَطِ الْعُشْرَ   622 - 620 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا) أَيْ: شَابًّا، كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَرَوَاهُ مُصْعَبٌ وَمُطَرِّفٌ (عَامِلًا) قَالَهُ الْبَاجِيُّ (مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ) الْهُذَلِيِّ ابْنِ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَمَاتَ بَعْدَ السَبْعِينَ (عَلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكُنَّا نَأْخُذُ مِنَ النَّبَطِ الْعُشْرَ) ظَاهِرُهُ حَتَّى فِي الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فَعَلَهُ عُمَرُ مَرَّةً فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخَصَّ بِمَا عَدَاهُمَا بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهُ. الحديث: 622 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَأْخُذُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ النَّبَطِ الْعُشْرَ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ كَانَ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ عُمَرُ   623 - 621 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَأْخُذُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنَ النَّبَطِ الحديث: 623 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 الْعُشْرَ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) وَهِيَ مَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَقِيلَ: مَا قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، (فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ عُمَرُ) بِاجْتِهَادٍ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، فَكَانَ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 [بَاب اشْتِرَاءِ الصَّدَقَةِ وَالْعَوْدِ فِيهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَقُولُ «حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ قَدْ أَضَاعَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ»   26 - بَابُ اشْتِرَاءِ الصَّدَقَةِ وَالْعَوْدِ فِيهَا 624 - 622 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَسْلَمَ الْمُخَضْرَمِ مَوْلَى عُمَرَ، مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةِ سَنَةٍ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَقُولُ حَمَلْتُ) رَجُلًا (عَلَى فَرَسٍ) أَيْ: تَصَدَّقْتُ بِهِ وَوَهَبْتُهُ لَهُ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ (عَتِيقٍ) أَيْ: كَرِيمٍ سَابِقٍ، وَالْجَمْعُ عِتَاقٌ، وَالْعَتِيقُ الْفَائِقُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَاسْمُ هَذَا الْفَرَسِ الْوَرْدُ أَهْدَاهُ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ عُمَرَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ، وَسَاقَهُ أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فَأَعْطَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا لِأَنَّهُ يَحْمِلُ، عَلَى أَنَّ عُمَرَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فُوِّضَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتِيَارَ مَنْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ أَوِ اسْتَشَارَهُ فِي مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ الْعَطِيَّةُ لِكَوْنِهِ أَمَرَ بِهَا (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْجِهَادِ لَا الْوَقْفِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ أَجَازَ بَيْعَ الْمَوْقُوفِ إِذَا بَلَغَ غَايَةً لَا يُتَصَوَّرُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيمَا وُقِفَ لَهُ (وَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ) أَيِ: الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهِ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ (قَدْ أَضَاعَهُ) أَيْ: لَمْ يُحْسِنِ الْقِيَامَ عَلَيْهِ وَقَصَّرَ فِي مُؤْنَتِهِ وَخِدْمَتِهِ، وَقِيلَ: لَمْ يَعْرِفْ مِقْدَارَهُ فَأَرَادَ بَيْعَهُ بِدُونِ قِيمَتِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ مَا جُعِلَ لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَيَدُلُّ لَهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: فَوَجَدَهُ قَدْ أَضَاعَهُ؛ وَكَانَ قَلِيلَ الْمَالِ، فَأَشَارَ إِلَى عِلَّةِ ذَلِكَ وَإِلَى عُذْرِهِ فِي إِرَادَةِ بَيْعِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ لَمْ يُحْسِنِ الْقِيَامَ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَبْعُدُ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ إِلَّا لِعُذْرٍ، أَوْ صَيَّرَهُ ضَائِعًا مِنَ الْهُزَالِ لِفَرْطِ مُبَاشَرَةِ الْجِهَادِ وَالْإِتْعَابِ لَهُ فِيهِ. (فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ، مَصْدَرُ رَخُصَ السِّعْرُ وَأَرْخَصَهُ اللَّهُ فَهُوَ رَخِيصٌ، (فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ الحديث: 624 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا تَشْتَرِهِ) بِلَا يَاءٍ قَبْلَ الْهَاءِ جَزْمٌ عَلَى النَّهْيِ، وَلِابْنِ مَهْدِيٍّ: لَا تَبْتَعْهُ (وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ) مُبَالَغَةً فِي رُخْصِهِ وَهُوَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى شِرَائِهِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْبَائِعَ مَلَكَهُ وَلَوْ كَانَ وَقْفًا كَمَا قِيلَ، وَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ فِيمَا حُبِسَ عَلَيْهِ لِمَا كَانَ لَهُ بَيْعُهُ إِلَّا بِالْقِيمَةِ الْوَافِرَةِ، وَلَا كَانَ لَهُ أَنْ يُسَامِحَ مِنْهَا بِشَيْءٍ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُحْبِسُ. وَيُسْتَفَادُ مِنَ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ مَثَلًا يُبَاعُ بِأَغْلَى مِنْ ثَمَنِهِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّهْيُ كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ: لَا تَشْتَرِهِ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ. وَعَلَيْهَا سَأَلَ ابْنُ الْمُنِيرِ أَنَّ الْأَغْيَاءَ فِي النَّهْيِ عَادَتُهُ أَنْ يَكُونَ بِالْأَخْفَى وَالْأَدْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 23) وَلَا خَفَاءَ أَنَّ إِعْطَاءَهُ إِيَّاهُ بِدِرْهَمٍ أَقْرَبُ إِلَى الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ مِمَّا إِذَا بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ، وَكَلَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْحُجَّةُ فِي الْفَصَاحَةِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ: لَا تُغَلِّبُ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَإِنْ وَفَّرَهَا مُعْطِيهَا، فَإِذَا زَهِدَ فِيهَا وَهِيَ مُوَفَّرَةٌ فَلِأَنْ يَزْهَدَ فِيهَا وَهِيَ مُقَتَّرَةٌ أَوْلَى، فَهَذَا عَلَى وَفْقِ الْقَاعِدَةِ. (فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ؛ أَيْ: كَمَا يُقْبَحُ أَنْ يَقِيءَ ثُمَّ يَأْكُلُ، كَذَلِكَ يُقْبَحُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ ثُمَّ يَجُرُّهُ إِلَى نَفْسِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَشُبِّهَ بِأَخَسِّ الْحَيَوَانِ فِي أَخَسِّ أَحْوَالِهِ تَصْوِيرًا لِلتَّهْجِينِ وَتَنْفِيرًا مِنْهُ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ عَلَى حُرْمَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَيْءَ حَرَامٌ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْكَلْبِ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، فَالتَّشْبِيهُ لِلتَّنْفِيرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْقَيْءَ مِمَّا يُسْتَقْذَرُ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّهُ أَخْرَجَ فِي الصَّدَقَةِ أَوْسَاخَهُ وَأَدْنَاسَهُ، فَأَشْبَهَ تَغَيُّرَ الطَّعَامِ إِلَى حَالِ الْقَيْءِ، وَأَلْحَقَ بِالصَّدَقَةِ مَا شَابَهَهَا مِنْ كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْقُرُبَاتِ، وَبِالشِّرَاءِ الْهِبَةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا يَتَمَلَّكُهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَأَمَّا إِذَا وَرِثَهُ فَلَا كَرَاهَةَ، وَأَبْعَدُ مَنْ قَالَ يَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: يَخُصُّ مِنْ عُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ وَهَبَ بِشَرْطِ الثَّوَابِ، وَوَالِدٌ وَهَبَ وَلَدَهُ، وَالْهِبَةُ الَّتِي لَمْ تُقْبَضْ وَالَّتِي رَدَّهَا الْمِيرَاثُ إِلَى الْوَاهِبِ لِثُبُوتِ الْأَخْبَارِ بِاسْتِثْنَاءِ كُلِّ ذَلِكَ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ كَالْغَنِيِّ يَهِبُ الْفَقِيرَ، وَنَحْوَ مَنْ يَصِلُ رَحِمَهُ فَلَا رُجُوعَ لِهَؤُلَاءِ، وَمِمَّا لَا رُجُوعَ فِيهِ مُطْلَقًا الصَّدَقَةُ يُرَادُ بِهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ، وَاسْتَشْكَلَ ذِكْرُ عُمَرَ لِذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إِذَاعَةِ عَمَلِ الْبِرِّ وَكِتْمَانِهِ أَرْجَحُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْمَصْلَحَتَانِ؛ الْكِتْمَانُ وَتَبْلِيغُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَرَجَّحَ الثَّانِيَ فَعَمَلَ بِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: حَمَلَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى فَرَسٍ مَثَلًا، وَلَا يَقُولُ: حَمَلْتُ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ رُجْحَانِ الْكِتْمَانِ إِنَّمَا هُوَ قَبْلَ الْفِعْلِ وَعِنْدَهُ، وَأَمَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَلَعَلَّ الَّذِي أُعْطِيَهُ أَذَاعَ ذَلِكَ فَانْتَفَى الْكِتْمَانُ، وَيُضَافُ إِلَيْهِ أَنَّ فِي إِضَافَةِ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ تَأْكِيدًا لِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَقَعُ لَهُ الْقِصَّةُ أَجْدَرُ بِضَبْطِهَا مِمَّنْ لَيْسَ عِنْدَهُ إِلَّا وُقُوعُهَا بِحُضُورِهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 فَلَمَّا أَمِنَ مَا يَخْشَى مِنَ الْإِعْلَانِ بِالْقَصْدِ صَرَّحَ بِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَى نَفْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ مَحَلَّ تَرْجِيحِ الْكِتْمَانِ إِنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْإِعْلَانِ الْعُجْبُ وَالرِّيَاءُ، أَمَّا مَنْ أَمِنَ ذَلِكَ كَعُمَرَ فَلَا، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْهِبَةِ عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَالْمُهْمَلَةِ -، وَفِي الْجِهَادِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْوَصَايَا وَالصَّدَقَةِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، الْخَمْسَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ» قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَوَجَدَهَا مَعَ غَيْرِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ تُبَاعُ أَيَشْتَرِيهَا فَقَالَ تَرْكُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ   625 - 623 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ) أَيْ: جَعَلَهُ حُمُولَةً لِرَجُلٍ مُجَاهِدٍ لَيْسَ لَهُ حُمُولَةٌ. وَفِي رِوَايَةِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَيْهِ حَمْلَ تَمْلِيكٍ لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ؛ وَلِذَا سَاغَ لَهُ بَيْعُهُ، وَقِيلَ: إِنَّ عُمَرَ وَقَفَهُ، وَإِنَّمَا سَاغَ لِلرَّجُلِ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ هُزَالٌ عَجَزَ لِأَجْلِهِ عَنِ اللَّحَاقِ بِالْخَيْلِ وَضَعُفَ عَنْ ذَلِكَ، وَانْتَهَى إِلَى عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ قَوْلُهُ: (فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ) أَيْ: يَشْتَرِيَهُ إِذْ لَوْ كَانَ وَقْفًا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، ( «فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا تَبْتَعْهُ» ) بِالْجَزْمِ؛ أَيْ: لَا تَشْتَرِهِ (وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ) وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ، وَلَوْ كَانَ حَبْسًا لَقَالَ فِي وَقْفِكَ أَوْ حَبْسِكَ، وَسُمِّيَ الشِّرَاءُ عَوْدًا فِي الصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُسَامَحَةِ مِنَ الْبَائِعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فَأَطْلَقَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يُسَامِحُ بِهِ رُجُوعًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْوَصَايَا وَالصَّدَقَةِ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلِمَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِسْنَادٌ ثَالِثٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْأَحْنَفِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَوَجَدَهَا مَعَ غَيْرِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ تُبَاعُ أَيَشْتَرِيهَا؟ فَقَالَ: تَرْكُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ) إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ اشْتِرَائِهَا مِنْ نَفْسِ مَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فِي الْمَعْنَى؛ لِرُجُوعِهِ فِيمَا تَرَكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ سُكْنَى مَكَّةَ بَعْدَ هِجْرَتِهِمْ مِنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ إِنْ وَقَعَ مَعَ أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ثُبُوتِ الْبَيْعِ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لِاحْتِمَالِ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ الحديث: 625 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 عَلَى التَّنْزِيهِ وَقَطْعِ الذَّرِيعَةِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي «الْخَمْسَةِ الَّذِينَ تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ» أَوْ رَجُلٌ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ فَلَمْ يَخُصَّ الْمُتَصَدِّقَ مِنْ غَيْرِهِ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ الْخُصُوصَ قَاضٍ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَلَوْ قِيلَ: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِمَنِ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُتَصَدِّقُ لَمْ يَكُنْ مُعَارِضًا، فَيُسْتَعْمَلُ الْحَدِيثَيْنِ دُونَ رَدِّ أَحَدِهِمَا فَيُمْنَعُ الْمُتَصَدِّقُ مِنْ شِرَاءِ صَدَّقْتِهِ، انْتَهَى. وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: نَعَمِ؛ الْخُصُوصُ قَاضٍ عَلَى الْعَامِّ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ إِفَادَتَهُ الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّ غَايَةَ قَوْلِنَا مَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُتَصَدِّقُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ، وَعَدَمُ الْحِلِّ صَادِقٌ بِالْكَرَاهَةِ، وَإِنِ احْتَمَلَهَا وَاحْتَمَلَ الْحُرْمَةَ سَقَطَ بِهِ الِاسْتِدْلَالُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 [بَاب مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ غِلْمَانِهِ الَّذِينَ بِوَادِي الْقُرَى وَبِخَيْبَرَ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعْتُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنَّ الرَّجُلَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْ كُلِّ مَنْ يَضْمَنُ نَفَقَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَالرَّجُلُ يُؤَدِّي عَنْ مُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَرَقِيقِهِ كُلِّهِمْ غَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لِتِجَارَةٍ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ إِنَّ سَيِّدَهُ إِنْ عَلِمَ مَكَانَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً وَهُوَ يَرْجُو حَيَاتَهُ وَرَجْعَتَهُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ إِبَاقُهُ قَدْ طَالَ وَيَئِسَ مِنْهُ فَلَا أَرَى أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ   27 - بَابُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ ضِيفَتْ لِلْفِطْرِ لِوُجُوبِهَا بِالْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْمُرَادُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ زَكَاةُ النُّفُوسِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الْخِلْقَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْآتِي: " «فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ» "، وَعَبَّرَ فِي التَّرْجَمَةِ بِالْوُجُوبِ إِشَارَةٌ إِلَى حَمْلِ الْفَرْضِ فِي الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مُضَعِّفًا قَوْلَ مَنْ قَالَ بِالسُّنِّيَّةِ، يَعْنِي فَلَا يَقْدَحُ فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْكَافَّةُ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهَا لَمْ يُنْسَخْ خِلَافًا لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ كَيْسَانَ الْأَصَمِّ فِي قَوْلِهِمَا أَنَّهُ نُسِخَ لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: " «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ» "، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ رَاوِيًا مَجْهُولًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَلَا دَلِيلَ عَلَى النَّسْخِ لِاحْتِمَالِ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ نُزُولَ فَرْضٍ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ فَرْضٍ آخَرَ. 626 - 624 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ غِلْمَانِهِ) أَرِقَّائِهِ (الَّذِينَ بِوَادِي الْقُرَى) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مَقْصُورٌ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ (وَبِخَيْبَرَ) بِمُعْجَمَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَرَاءٍ - بِوَزْنِ جَعْفَرٍ - مَدِينَةٌ كَبِيرَةٌ، ذَاتِ حُصُونٍ وَمَزَارِعَ وَنَخْلٍ كَثِيرٍ، عَلَى نَحْوِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ. الحديث: 626 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 (مَالِكٌ أَنْ أَحْسَنَ مَا سَمِعْتُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ، أَنَّ الرَّجُلَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْ كُلِّ مَنْ يَضْمَنُ نَفَقَتَهُ) ضَمَانُ وُجُوبٍ كَمَا قَالَ (وَلَا بُدَّ لَهُ) فَلَا فِرَاقَ وَلَا مَحَالَةَ (مِنْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ) كَزَوْجَتِهِ (وَالرَّجُلُ يُؤَدِّي عَنْ مُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ السَّيِّدَ يُمَوِّنُهُ، وَلَكِنَّهُ لِكِتَابَتِهِ اشْتُرِطَ عَلَيْهِ مَا هُوَ لَازِمٌ لِلسَّيِّدِ مِنْ مُؤْنَتِهِ، فَبَقِيَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى السَّيِّدِ، وَبِهَا قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَوِّنُهُ وَجَائِزٌ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَنِيًّا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (وَمُدَبَّرِهِ) فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ كَالْقِنِّ (وَرَقِيقِهِ كُلِّهِمْ غَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ) حَاضِرِهِمْ عَطْفٌ عَامٌّ قُدِّمَ عَلَيْهِ الْخَاصُّ اهْتِمَامًا بِهِ لِفَضْلِهِ نَحْوَ: {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87] (سُورَةُ الْحِجْرِ: الْآيَةُ 87) وَقَيَّدَ الْجَمِيعَ بِقَوْلِهِ: (مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لِتِجَارَةٍ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ) وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالْجُمْهُورُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا: لَا زَكَاةَ فِطْرٍ فِي رَقِيقِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِيهِمُ الزَّكَاةَ وَلَا تَجِبُ فِي مَالٍ وَاحِدٍ زَكَاتَانِ. (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ) لِأَنَّ الْحَدِيثَ قُيَّدَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ: إِنَّ سَيِّدَهُ إِنْ عَلِمَ مَكَانَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً وَهُوَ يَرْجُو حَيَاتَهُ وَرَجْعَتَهُ) رُجُوعَهُ إِلَيْهِ (فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ) وُجُوبًا (وَإِنْ كَانَ إِبَاقُهُ قَدْ طَالَ وَيَئِسَ مِنْهُ فَلَا أَرَى أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا زَكَاةَ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهِمَا، وَالشَّافِعِيُّ: يُزَكِّي إِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْجَ رَجْعَتَهُ، وَأَحْمَدُ: إِنْ عَلِمَ مَكَانَهُ. (قَالَ مَالِكٌ: تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ) قَالَ الْجُمْهُورُ: أَيْ أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ (عَلَى النَّاسِ) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: قَدَّرَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 وَرَدَّهُ الْبَاجِيُّ: بِأَنَّ " عَلَى " تَقْتَضِي الْإِيجَابَ، فَلَا يَصِحُّ أَنَّ " فَرَضَ " بِمَعْنَى " قَدَّرَ "، وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمُوجَبِ عَنْهُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِذَلِكَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ قَدَّرَ، ( «عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ) فَعُمُومُهُ شَامِلٌ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَهَذَا نَصٌّ مِنَ الْإِمَامِ بِصِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِالْعُمُومِ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ زَكَاةُ فِطْرٍ إِنَّمَا هِيَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 [بَاب مَكِيلَةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ»   28 - بَابُ مَكِيلَةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ مَا كِيلَ بِهِ، وَكَذَا الْمِكْيَالُ وَالْمَكِيلُ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَزَكَاةُ رَمَضَانَ، وَزَكَاةُ الصَّوْمِ، وَصَدَقَةُ الرُّءُوسِ، وَزَكَاةُ الْأَبْدَانِ. 627 - 625 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ) أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (زَكَاةَ الْفِطْرِ) وَمَا أَوْجَبَهُ فَبِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: قَالَ مَالِكٌ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 43) أَيْ: فِي عُمُومِهَا، فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَاصِيلَ ذَلِكَ؛ وَمِنْ جُمْلَتِهَا زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] (سُورَةُ الْأَعْلَى: الْآيَةُ 14) نَزَلَتْ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ إِثْبَاتُ الْفَلَاحِ لِمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاجِبَاتِ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ فِي الْآيَةِ: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] (سُورَةُ الْأَعْلَى: الْآيَةُ 15) فَيَلْزَمُ وُجُوبُ صَلَاةِ الْعِيدِ لِخُرُوجِهَا بِدَلِيلِ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ: " «هُنَّ خَمْسٌ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» "، وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ اللَّبَّانِ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَأَوَّلُوا " فَرَضَ " بِمَعْنَى قَدَّرَ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هُوَ أَصْلُهُ لُغَةً، لَكِنْ نُقِلَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إِلَى الْوُجُوبِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى، اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ تَسْمِيَتُهَا زَكَاةً، وَلَفْظَةُ عَلَى، وَالْأَمْرُ بِهَا فِي حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (مِنْ رَمَضَانَ) فَتَجِبُ بِغُرُوبِ شَمْسِ لَيْلَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْفِطْرِ مِنْهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَقِيلَ: وَقْتُ وُجُوبِهَا طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ الْفِطْرُ الْحَقِيقِيُّ بِالْأَكْلِ بَعْدَ طُلُوعِ الحديث: 627 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 الْفَجْرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٍ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ» "، قَالَ الْمَازِرِيُّ: قِيلَ: مَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّ الْمُرَادَ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ فِي سَائِرِ الشَّهْرِ فَتَجِبُ بِالْغُرُوبِ، أَوِ الْفِطْرُ الطَّارِئُ بَعْدَهُ فَتَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الِاسْتِدْلَالُ لِهَذَا الْحُكْمِ بِالْحَدِيثِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْفِطْرِ لَا تَدُلُّ عَلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ فَيُطْلَبُ مِنْ أَمْرٍ آخَرَ، (عَلَى النَّاسِ صَاعًا) نُصِبَ تَمْيِيزًا أَوْ مَفْعُولًا ثَانِيًا (مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ) وَلَمْ تَخْتَلِفِ الطُرُقُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَيْنِ إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ نَافِعٍ فَزَادَ فِيهِ: السُّلْتَ وَالزَّبِيبَ، وَقَدْ حَكَمَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ التَّمْيِيزِ بِوَهْمِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيهِ (عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ) أَخَذَ بِظَاهِرِهِ دَاوُدُ وَحْدَهُ فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْعَبْدِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنَ الِاكْتِسَابِ لَهُمَا، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ وَالنَّاسُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ» "، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا عَلَى السَّيِّدِ لِلْعَبْدِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ، إِذْ لَيْسَ لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُ مَالِهِ، وَقَالُوا: إِنَّ " عَلَى " بِمَعْنَى " عَنْ " أَيْ: إِنَّ السَّيِّدَ يُخْرِجُهَا عَنْ عَبْدِهِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: أَوْ عَلَى بَابِهَا لَكِنْ يَحْمِلُهَا السَّيِّدُ عَنْهُ، أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ كَمَا تَقُولُ: يَلْزَمُكَ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ مِنْ دَوَابِّكَ دِرْهَمٌ. وَقَالَ أَبُو الطِّيِّبِ وَغَيْرُهُ: " عَلَى " بِمَعْنَى " عَنْ " لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُطَالَبُ بِأَدَائِهَا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ شَيْءٍ عَلَى شَخْصٍ مُطَالَبَتُهُ بِهِ بِدَلِيلِ الْفِطْرَةِ الْمُتَحَمَلَةِ عَنْ غَيْرِ مَنْ لَزِمَتْهُ وَالدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: الْعَبْدُ لَيْسَ أَهْلًا لِأَنْ يُكَلَّفَ بِالْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ فَجَعَلَهَا عَلَيْهِ مَجَازٌ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ عَطْفُ الصَّغِيرِ عَلَيْهِ يَعْنِي فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ. (ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) ظَاهِرُهُ وُجُوبُهَا عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ: تَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا إِلْحَاقًا بِالنَّفَقَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ أُعْسِرَ كُفِّرَتْ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً وَجَبَتْ فِطْرَتُهَا عَلَى السَّيِّدِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَافْتَرَقَا، وَاتَّفَقُوا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُخْرِجُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ مَعَ أَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ مُرْسَلًا نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَزَادَ فِيهِ: مِمَّنْ تَمُونُونَ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَزَادَ فِي إِسْنَادِهِ ذِكْرَ عَلَى؛ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ؛ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ» " (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) دُونَ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا، فَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ عَنْ نَفْسِهِ اتِّفَاقًا، وَلَا عَنْ مُسْتَوْلِدَتِهِ الْمُسْلِمَةِ بِإِجْمَاعٍ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَكِنْ فِيهِ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 أَحْمَدَ بِالْوُجُوبِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إِخْرَاجُهَا عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَنَفِيَّةِ وَإِسْحَاقَ لِعُمُومِ حَدِيثِ: " «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ» "، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْخَاصَّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ، فَعُمُومُ قَوْلِهِ " فِي عَبْدِهِ " مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ: " مِنَ الْمُسْلِمِينَ ". وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: " مِنَ الْمُسْلِمِينَ " صِفَةٌ لِلْمُخْرِجِينَ لَا الْمُخْرَجِ عَنْهُمْ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ يَأْبَاهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْعَبْدَ وَالصَّغِيرَ وَهُمَا مِمَّنْ يُخْرَجُ عَنْهُمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ الْإِسْلَامَ لَا تَخْتَصُّ بِالْمُخْرِجِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الضَّحَّاكِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظٍ: " «عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا» " الْحَدِيثَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَصَدَ بَيَانَ مِقْدَارِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقْصِدْ بَيَانَ مَنْ يُخْرِجُهَا عَنْ نَفْسِهِ مِمَّنْ يُخْرِجُهَا عَنْ غَيْرِهِ بَلْ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَعَنْ غَيْرِهِمْ لِقَوْلِهِمْ فِيهِ: عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُخْرِجِ وَبَيْنَ الْغَيْرِ مُلَابَسَةٌ، كَالصَّغِيرِ وَوَلِيِّهِ وَالْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ وَالْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ " مِنَ الْمُسْلِمِينَ " حَالٌ مِنَ الْعَبْدِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَتَنْزِيلُهَا عَلَى الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ عِلْمُ الْبَيَانِ أَنَّهَا جَاءَتْ مُزْدَوِجَةً عَنِ التَّضَادِّ لِلِاسْتِيعَابِ لَا لِلتَّخْصِيصِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّدَاخُلُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فَرْضٌ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا كَوْنُهَا فِي مَنْ وَجَبَتْ فَيُعْلَمُ مِنْ نُصُوصٍ أُخَرَ. وَقَالَ فِي الْمَصَابِيحِ: هُوَ نَصٌّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ النَّكِرَاتِ الْمُتَعَاطِفَاتِ بِـ " أَوْ "، فَيَنْدَفِعُ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ إِنَّهُ خِطَابٌ يَتَوَجَّهُ مَعْنَاهُ إِلَى السَّادَةِ قَاصِدًا بِذَلِكَ الِاحْتِجَاجَ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ، اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ بَعْضَهُمُ احْتَجَّ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ: " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُخْرِجُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ حُرِّهِمْ وَعَبْدِهِمْ، صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ مِنَ الرَّقِيقِ "، قَالَ: وَابْنُ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ عَنْهُمْ تَطَوُّعًا وَلَا مَانِعَ مِنْهُ، هَذَا وَقَدْ زَعَمَ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، وَتَبِعَهُمُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِقَوْلِهِ: " مِنَ الْمُسْلِمِينَ " دُونَ أَصْحَابِ نَافِعٍ، وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ: كُلُّ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ قَالُوا فِيهِ " مِنَ الْمُسْلِمِينَ " إِلَّا قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ وَحْدَهُ فَلَمْ يَقُلْهَا، قَالَ: وَأَخْطَأَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهَا، فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ مِنْهُمْ: عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ؛ أَيْ: عِنْدِ الْبُخَارِيِّ، وَكَثِيرُ بْنُ فَرَقَدٍ؛ أَيْ: عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ؛ أَيْ: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ؛ أَيْ: عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ؛ أَيْ: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ زَادَ الْحَافِظُ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ وَعَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ فِي زِيَادَتِهَا وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالْمُعَلَّى بْنُ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَعَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَابْنُ الْجَارُودِ، قَالَ: وَذَكَرَ شَيْخُنَا ابْنُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 الْمُلَقَّنِ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ثَلَاثَتِهِمْ عَنْ نَافِعٍ بِالزِّيَادَةِ، وَقَدْ تَتَبَّعْتُ تَصَانِيفَ الْبَيْهَقِيِّ فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، قَالَ: وَفِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ فِيمَا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَحَدٌ مِثْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَى أَيُّوبَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ فِي زِيَادَتِهَا، وَلَيْسَ فِي الْبَاقِينَ مِثْلَ يُونُسَ، لَكِنْ فِي الرَّاوِي عَنْهُ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ مَقَالٌ، ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: " وَالصَّغِيرُ " وُجُوبُهَا عَلَيْهِ لَكِنْ يُخْرِجُ عَنْهُ وَلَيُّهُ فَتَجِبُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: هِيَ عَلَى الْأَبِ مُطْلَقًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ صَامَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «صَدَقَةُ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» "، وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّطْهِيرَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، كَمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يُذْنِبْ كَمُتَحَقِّقِ الصَّلَاحِ، وَعَلَى مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ. وَفِي قَوْلِهِ: " طُهْرَةٌ " دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْفَقِيرِ كَالْغَنِيِّ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ مَلَكَ نِصَابًا لِحَدِيثِ: " «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» ". قَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ بَدَنِيَّةٌ لَا مَالِيَّةٌ، نَعَمْ؛ الشَّرْطُ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» " وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَذَلِكَ بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»   628 - 626 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ) بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ (ابْنِ أَبِي سَرْحٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ، الْقُرَشِيِّ (الْعَامِرِيِّ) الْمَكِّيِّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَاتَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ (أَنَّهُ «سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ» ) قَالَ عِيَاضٌ: مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ " كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا " مِنْ قَبِيلِ الْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ وَإِقْرَارُهُ وَهَذَا إِقْرَارُهُ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأُخْرَى فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا مُسْنَدَةٌ؛ أَيْ: مَرْفُوعَةٌ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ الَّتِي كَانَتْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ، وَيَأْمُرُ بِقَبْضِهَا وَدَفْعِهَا، اهـ. (صَاعًا مِنْ طَعَامٍ) أَيْ: حِنْطَةٍ، فَإِنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ لَهُ، وَبِدَلِيلِ ذِكْرِ الشَّعِيرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَقْوَاتِ، وَالْحِنْطَةُ أَعْلَاهَا، فَلَوْلَا الحديث: 628 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 أَنَّهُ أَرَادَهَا بِذَلِكَ لِذِكْرِهَا عِنْدَ التَّفْصِيلِ كَغَيْرِهَا، وَلَا سِيَّمَا حَيْثُ عُطِفَتْ عَلَيْهَا بِحَرْفِ " أَوِ " الْفَاصِلَةِ، وَقَدْ كَانَ الطَّعَامُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْحِنْطَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، حَتَّى إِذَا قِيلَ اذْهَبْ إِلَى سُوقِ الطَّعَامِ فُهِمَ مِنْهُ سُوقُ الْقَمْحِ، وَإِذَا غَلَبَ الْعُرْفُ نَزَلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ، خُطُورُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَغْلَبُ؛ كَذَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ، بَلْ حَكَى بَعْضُهُمُ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: غَلِطَ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ الْحِنْطَةُ؛ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَجْمَلَ الطَّعَامَ ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ وَالزَّبِيبَ وَالْأَقِطَ وَالتَّمْرَ» كَمَا فِي الصَّحِيحِ، زَادَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَا نُخْرِجُ غَيْرَهُ، قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ: " وَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ قُوتًا قَبْلَ هَذَا وَلَا كَثِيرَةً، وَلَا نَعْلَمُ فِي الْفَتْحِ خَبَرًا ثَابِتًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنِ الْبُرُّ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْهُ، فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا مَا لَمْ يَكُنْ قُوتًا مَوْجُودًا؟ وَأَيَّدَهُ الْحَافِظُ بِرِوَايَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ غَيْرُ الْحِنْطَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الذُّرَةُ فَإِنَّهُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَهِيَ قُوتٌ غَالِبٌ لَهُمْ. وَقَدْ رَوَى الْجَوْزَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " «صَاعًا مِنْ تَمْرٍ صَاعًا مِنْ سُلْتٍ أَوْ ذُرَةٍ» . وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. . . إِلَخْ، بَعْدَ قَوْلِهِ: " مِنْ طَعَامٍ " مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، لَكِنَّ مَحِلَّهُ أَنْ يَكُونَ الْخَاصُّ أَشْرَفَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ. (أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) أَوْ لِلتَّقْسِيمِ لَا لِلتَّخْيِيرِ لِاقْتِضَائِهِ أَنْ يُخْرِجَ الشَّعِيرَ مِنْ قُوتِهِ أَوِ التَّمْرَ مَعَ وُجُودِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ لَبَنٌ فِيهِ زُبْدَةٌ. (أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) فَيَخْرُجُ مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ، وَخَالَفَ فِي الْبُرِّ وَالزَّبِيبِ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ، فَقَالَ: لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا، وَرَدَّهُ الْبَاجِيُّ وَعِيَاضٌ بِالْإِجْمَاعِ السَّابِقِ عَلَيْهِمَا، وَقَاسَ عَلَيْهَا مَالِكٌ مَا فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ الْأُرْزُ وَالدُّخْنُ وَالذُّرَةُ وَالسُّلْتُ، وَأَجَازَ مَالِكٌ إِخْرَاجَهَا مِنَ الْأَقِطِ وَأَبَاهُ الْحَسَنُ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَكَيْفَ هَذَا مَعَ نَصِّ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ (وَذَلِكَ بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ عِنْدِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: الْمُدُّ رِطْلَانِ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لَمَّا تَنَاظَرَ مَعَ مَالِكٍ فَأَرَاهُ الصِّيعَانَ الَّتِي تَوَارَثَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ أَسْلَافِهِمْ مِنْ زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، زَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ ". وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ "، زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: " وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ، وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ قَالَ: أَرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ "، وَلِمُسْلِمٍ: " أَرَى مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ "، وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْقَمْحِ مُدَّانِ لَكِنْ لَمْ يُوَافِقْ مُعَاوِيَةُ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 ذَلِكَ. فَفِي مُسْلِمٍ؛ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ. وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ وَقَالَ: لَا أُخْرِجُ إِلَّا مَا كُنْتُ أُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلِأَبِي دَاوُدَ: لَا أُخْرِجُ أَبَدًا إِلَّا صَاعًا. وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمِ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ؟ فَقَالَ: لَا؛ تِلْكَ قِيمَةُ مُعَاوِيَةَ لَا أَقْبَلُهَا وَلَا أَعْمَلُ بِهَا. وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ: فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا ذَكَرَ النَّاسُ الْمُدَّيْنِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وَهَنِ مَا ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا قَالَا بِالْمُدَّيْنِ فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ إِجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ، خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ مَنْ قَالَ بِالْمُدَّيْنِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ قَدْ خَالَفَ فِيهِ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ هُوَ أَطْوَلُ صُحْبَةً مِنْهُ وَأَعْلَمُ بِحَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ صَرَّحَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الِاتِّبَاعِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْآثَارِ وَتَرْكِ الِاجْتِهَادِ مَعَ النَّصِّ. وَفِي فِعْلِ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ مَحْمُودٌ لَكِنَّهُ مَعَ النَّصِّ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ، فَالْأَشْيَاءُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مُتَسَاوِيَةٌ فِي مِقْدَارِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مُتَخَالِفَةٌ فِي الْقِيمَةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إِخْرَاجُ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ كَانَ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَمَّا جَعْلُ نِصْفِ صَاعٍ مِنَ الْحِنْطَةِ بَدَلَ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهَا، فَهُوَ اجْتِهَادٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قِيَمَ مَا عَدَا الْحِنْطَةَ مُتَسَاوِيَةٌ، وَكَانَتِ الْحِنْطَةُ غَالِيَةَ الثَّمَنِ إِذْ ذَاكَ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَيَخْتَلِفُ الْحَالُ وَلَا يَنْضَبِطُ، وَرُبَّمَا لَزِمَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ إِخْرَاجُ آصُعٍ مِنْ حِنْطَةٍ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» "، فَجَعَلَ لِنَاسٍ عَدَلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، فَمُرَادُهُ بِالنَّاسِ مُعَاوِيَةُ وَمَنْ تَبِعَهُ لَا جَمِيعُ الصَّحَابَةِ كَمَا فَهِمَ الطَّحَاوِيُّ فَلَا إِجْمَاعَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ: " «صَدَقَةُ الْفِطْرِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، فَلَمَّا كَانَ مُعَاوِيَةُ عَدَلَ النَّاسُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ» "، وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ كَثُرَتِ الْحِنْطَةُ فَجَعَلَ عُمَرُ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ " فَقَدْ حَكَمَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ التَّمْيِيزِ بِوَهَمِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَوْضَحَ الرَّدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْأَوَّلُ أَوْلَى، اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ فَتْحِ الْبَارِي. وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِزِيَادَاتٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَّا التَّمْرَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ أَخْرَجَ شَعِيرًا قَالَ مَالِكٌ وَالْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا وَزَكَاةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ الْعُشُورِ كُلُّ ذَلِكَ بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ مُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الظِّهَارَ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ بِمُدِّ هِشَامٍ وَهُوَ الْمُدُّ الْأَعْظَمُ   629 - 627 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَّا التَّمْرَ) لِأَنَّهُ أَغْلَبُ قُوتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَانِهِ (إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ شَعِيرًا) وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ الحديث: 629 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 نَافِعٍ: " فَأَعْوَزَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنَ التَّمْرِ فَأَعْطَى شَعِيرًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَعْوَزَ بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ احْتَاجَ، يُقَالُ: أَعْوَزَهُ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّمْرَ أَفْضَلُ مَا يُخْرَجُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَقَدْ رَوَى الْفِرْيَابِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: قَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ وَالْبُرُّ أَفْضَلُ مِنَ التَّمْرِ أَفَلَا يُعْطَى الْبُرُّ؟ قَالَ: لَا أُعْطِي إِلَّا كَمَا يُعْطِي أَصْحَابِي، وَاسْتُنْبِطَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ مِنْ أَعْلَى الْأَصْنَافِ الَّتِي يُقْتَاتُ بِهَا؛ لِأَنَّ التَّمْرَ أَعْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ فَهِمَ مِنْهُ خُصُوصِيَّةَ التَّمْرِ بِذَلِكَ؛ كَذَا فِي الْفَتْحِ، (قَالَ مَالِكٌ: وَالْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا) كَصِيَامٍ وَيَمِينٍ وَغَيْرِهِمَا (وَزَكَاةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ الْعُشُورِ) الْحُبُوبُ الَّتِي فِيهَا الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ (كُلُّ ذَلِكَ بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ مُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ كَمَا مَرَّ (إِلَّا الظِّهَارَ؛ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ بِمُدِّ هِشَامِ) بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَامِلِ الْمَدِينَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، (وَهُوَ الْمَدُّ الْأَعْظَمُ) أَيِ: الْأَكْبَرِ، وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ مُدٌّ وَثُلْثَانِ بِمُدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مُدَّانِ، وَذَلِكَ لِلتَّغْلِيظِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 [بَاب وَقْتِ إِرْسَالِ زَكَاةِ الْفِطْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى أَهْلَ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوا إِلَى الْمُصَلَّى قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ وَاسِعٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ الْغُدُوِّ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَبَعْدَهُ   29 - بَابُ وَقْتِ إِرْسَالِ زَكَاةِ الْفِطْرِ 630 - 628 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ) وَهُوَ مَنْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ لِقَبْضِهَا (قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ) لِجَوَازِ تَقْدِيمِهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا بِهَذَا الْقَدْرِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ» " الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: " أَنَّهُ أَمْسَكَ الشَّيْطَانَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَهُوَ يَأْخُذُ مِنَ التَّمْرِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَجِّلُونَهَا بِهَذَا الْمِقْدَارِ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ أَيُّوبَ: " قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَتَى كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي؟ قَالَ: إِذَا قَعَدَ الْعَامِلُ، قُلْتُ: مَتَى كَانَ يَقْعُدُ؟ قَالَ: قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ " فَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا؛ أَيِ: الَّذِي نَصَّبَهُ الْإِمَامُ لِقَبْضِهَا، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ بَطَّالٍ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ مَالِكٍ هَذِهِ، وَأَيُّوبَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ، فَهُوَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ: أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ التِّينِ، مَعْنَاهُ مَنْ قَالَ أَنَا فَقِيرٌ. الحديث: 630 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 (مَالِكٌ أَنَّهُ رَأَى أَهْلَ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَا إِلَى الْمُصَلَّى) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَئِمَّةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى - وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14 - 15] (سُورَةُ الْأَعْلَى: الْآيَةُ 14، 15) ، رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: " أُنْزِلَتْ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ» وَاتِّبَاعًا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ» "، وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ كَمَا (قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ وَاسِعٌ) أَيْ: جَائِزٌ، (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) لِلتَّبَرُّكِ (أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ الْغُدُوِّ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَبَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الْغُدُوِّ وَهُوَ الْعَوْدُ مِنَ الْمُصَلَّى، فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَحَرُمَ تَأْخِيرُ أَدَائِهَا عَنْهَا إِلَّا لِعُذْرٍ كَغَيْبَةِ مَالِهِ أَوِ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إِغْنَاءُ الْفُقَرَاءِ عَنِ الطَّلَبِ فِيهِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَغْنَوْهُمْ - يَعْنِي الْمَسَاكِينَ - عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ» " رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا بَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا، وَالتَّعْبِيرُ بِالصَّلَاةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ فِعْلِهَا أَوَّلَ النَّهَارِ، فَإِنْ أُخِّرَتِ الصَّلَاةُ اسْتُحِبَّ الْأَدَاءُ قَبْلَهَا أَوَّلَ النَّهَارِ تَوْسِعَةً عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 [بَاب مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبِيدِ عَبِيدِهِ وَلَا فِي أَجِيرِهِ وَلَا فِي رَقِيقِ امْرَأَتِهِ زَكَاةٌ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَخْدِمُهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي أَحَدٍ مِنْ رَقِيقِهِ الْكَافِرِ مَا لَمْ يُسْلِمْ لِتِجَارَةٍ كَانُوا أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ   30 - بَابُ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَفْهُومُ التَّرْجَمَةِ الْأُولَى أُتِيَ بِهَا وَبِمَدْخُولِهَا زِيَادَةً فِي الْبَيَانِ لِلنَّصِّ عَلَى أَعْيَانِ الْمَسَائِلِ. (قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبِيدِ عَبِيدِهِ) زَكَاةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَوِّنُهُمْ، إِذْ نَفَقَتُهُمْ عَلَى سَيِّدِهِمْ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، (وَلَا فِي أَجِيرِهِ) أَيْ: مَنَ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا وَلَوِ اسْتَأْجَرَهُ بِأَكْلِهِ، (وَلَا فِي رَقِيقِ امْرَأَتِهِ زَكَاةٌ) فَيُؤَدِّي عَنْهَا لَا عَنْ رَقِيقِهَا (إِلَّا مَنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْدِمُهُ) أَيِ: الرَّجُلُ أَوْ رَقِيقُ الْمَرْأَةِ يَخْدِمُهَا، (وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ) زَكَاةُ فِطْرِهِ، (وَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي أَحَدٍ مِنْ رَقِيقِهِ الْكَافِرِ مَا) أَيْ: مُدَّةُ كَوْنِهِ (لَمْ يُسْلِمْ) سَوَاءٌ (لِتِجَارَةٍ كَانُوا أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ) لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ " مِنَ الْمُسْلِمِينَ " وَلَمْ يَخُصَّ تَاجِرًا مِنْ غَيْرِهِ فَعُمُومُهُ نَفْيُهَا عَنِ الْكَافِرِ مُطْلَقًا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَهُ الْمِنَّةُ وَالْفَضْلُ، وَأَسْأَلُهُ الْعَوْنُ عَلَى التَّمَامِ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 [كِتَاب الصِّيَامِ] [بَاب مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِلصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الصِّيَامِ بَاب مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِلصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»   كِتَابُ الصِّيَامِ بِكَسْرِ الصَّادِ وَالْيَاءِ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، وَهُمَا مَصْدَرَانِ لِصَامَ، وَهُوَ رُبْعُ الْإِيمَانِ لِحَدِيثِ: " «الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ» "، وَحَدِيثِ: " «الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ» "، وَأَتْبَعَهُ الْإِمَامُ لِلزَّكَاةِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «بُنِي الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ. فَقَالَ رَجُلٌ: وَالْحَجُّ وَصِيَامُ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا؛ صِيَامُ رَمَضَانَ وَالْحَجُّ هَكَذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَفَادَ الْخَطِيبُ أَنَّ اسْمَ الرَّجُلِ الْقَائِلِ لِابْنِ عُمَرَ يَزِيدُ بْنُ بِشْرٍ السَّكْسَكِيُّ، وَفِيهِ إِفَادَةٌ أَنَّ رِوَايَةَ حَنْظَلَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبُخَارِيِّ بِتَقْدِيمِ الْحَجِّ مَرْوِيَّةٌ بِالْمَعْنَى، إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ رَدَّ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الرَّجُلِ لِتَعَدُّدِ الْمَجَالِسِ أَوْ حَضَرَ ذَلِكَ وَنَسِيَهُ، وَتَجْوِيزُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَنَسِيَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَدِّهِ عَلَى الرَّجُلِ بَعِيدٌ، لِأَنَّ تَطَرُّقَ النِّسْيَانِ إِلَى الرَّاوِي أَوْلَى مِنَ الصَّحَابِيِّ، كَيْفَ! وَفِيَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَنْظَلَةَ الْمَذْكُورَةِ بِتَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ بِتَقْدِيمِ الصِّيَامِ عَلَى الزَّكَاةِ فَيُقَالُ: إِنَّ الصَّحَابِيَّ سَمِعَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، هَذَا بَعِيدٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي. وَشُرِعَ الصِّيَامُ لِفَوَائِدَ؛ أَعْظَمُهَا كَسْرُ النَّفْسِ وَقَهْرُ الشَّيْطَانِ، فَالشِّبَعُ نَهْرٌ فِي النَّفْسِ يَرِدُهُ الشَّيْطَانُ، وَالْجُوعُ نَهْرٌ فِي الرُّوحِ تَرِدُهُ الْمَلَائِكَةُ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْغَنِيَّ يَعْرِفُ قَدْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِإِقْدَارِهِ عَلَى مَا مَنَعَ مِنْهُ كَثِيرًا مِنَ الْفُقَرَاءِ مِنْ فُضُولِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنِّكَاحِ، فَإِنَّهُ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَحُصُولِ الْمَشَقَّةِ لَهُ بِذَلِكَ يَتَذَكَّرُ بِهِ مَنْ مُنِعَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَيُوجِبُ ذَلِكَ شُكْرَ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْغِنَى، وَيَدْعُوهُ إِلَى رَحْمَةِ أَخِيهِ الْمُحْتَاجِ وَمُوَاسَاتِهِ بِمَا يُمْكِنُ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ آدَمَ لَمَّا تَابَ مِنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ تَأَخَّرَ قَبُولُ تَوْبَتِهِ لِمَا بَقِيَ فِي جَسَدِهِ مِنْ تِلْكَ الْأَكْلَةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَمَّا صَفَا جَسَدُهُ مِنْهَا تِيبَ عَلَيْهِ، فَفُرِضَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ صِيَامُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ السَّنَدِ فِيهِ إِلَى مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَهَيْهَاتَ وِجْدَانُ ذَلِكَ، اهـ. وَهُوَ لُغَةُ الْإِمْسَاكِ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ قَوْلًا كَقَوْلِهِ: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ 26) أَيْ: إِمْسَاكًا وَسُكُوتًا أَوْ فِعْلًا كَقَوْلِ النَّابِغَةِ: خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا أَيْ: مُمْسِكَةٌ عَنِ الْحَرَكَةِ، وَشَرْعًا: إِمْسَاكٌ عَنِ الْمُفْطِرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِمْسَاكُ الْمُكَلَّفِ بِالنِّيَّةِ مِنَ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ إِلَى الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ عَنْ تَنَاوُلِ الْأَطْيَبَيْنِ وَالِاسْتِمْنَاءِ، فَهُوَ وَصْفٌ سَلْبِيٌّ، وَإِطْلَاقُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ تَجُوزُ، انْتَهَى. وَيَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةٌ: وَالِاعْتِكَافُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَعَ أَنَّهُ تَرْجَمَ لَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ صَحَّ عَنِ الْإِمَامِ ذَلِكَ هُنَا، فَلَعَلَّهُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الصِّيَامَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ لِكَوْنِهَا غَالِبًا بِرَمَضَانَ. (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ابْتَدَأَ بِهَا تَبَرُّكًا وَتَفَنُّنًا، فَأَخَّرَهَا عَنْ تَرْجَمَةِ كِتَابِ الصِّيَامِ وَقَدَّمَهَا فِي الزَّكَاةِ، وَكَفَى بِالتَّفَنُّنِ نُكْتَةً وَفِي نُسَخٍ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّرْجَمَةِ. 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِلصَّائِمِ وَالْفِطَرِ فِي رَمَضَانَ الْأَكْثَرُ أَنَّ الْهِلَالَ الْقَمَرُ فِي حَالَةٍ خَاصَّةٍ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُسَمَّى الْقَمَرُ لِلَيْلَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ هِلَالًا، وَفِي لَيْلَةِ سِتٍّ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَيْضًا هِلَالًا، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ يُسَمَّى قَمَرًا. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْهِلَالُ لِثَلَاثِ لَيَالٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ هُوَ قَمَرٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: الْهِلَالُ هُوَ الشَّهْرُ بِعَيْنِهِ، وَتَعْبِيرُ الْإِمَامِ بِرَمَضَانَ إِيمَاءً إِلَى جَوَازِ ذِكْرِهِ بِدُونِ شَهْرٍ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ» " الْحَدِيثَ. وَكَذَا قَالَ عِيَاضٌ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَمَنَعَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ لِحَدِيثِ: " «لَا تَقُولُوا رَمَضَانَ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرَ رَمَضَانَ» " أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَضَعَّفَهُ، وَفَرَّقَ ابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ فَقَالَ: إِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى صَرْفِهِ إِلَى الشَّهْرِ كَصُمْنَا رَمَضَانَ جَازَ، وَإِلَّا امْتَنَعَ كَجَاءَ وَدَخَلَ، اهـ. وَبِالْفَرْقِ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمَذْهَبَانِ فَاسِدَانِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِنَهْيِ الشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ، وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ: أَنَّهُ اسِمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِيهِ أَثَرٌ ضَعِيفٌ، وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّةٌ لَا تُطْلَقُ إِلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ اسِمٌ لَمْ يَلْزَمْ كَرَاهَةٌ، وَالصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي إِطْلَاقِ رَمَضَانَ بِقَرِينَةٍ وَبِلَا قَرِينَةٍ. 633 - 629 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ» ) أَيْ: إِذَا لَمْ يَكْمُلْ شَعْبَانُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَظَاهِرُهُ إِيجَابُ الصَّوْمِ مَتَى الحديث: 633 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وُجِدَتِ الرُّؤْيَةُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى صَوْمِ الْيَوْمِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَفَرَّقَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ، وَخَالَفَ الشِّيعَةُ الْإِجْمَاعَ فَأَوْجَبُوهُ مُطْلَقًا، وَظَاهِرَهُ أَيْضًا النَّهْيُ عَنِ ابْتِدَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَيَدْخُلُ فِيهِ صُورَةُ الْغَيْمِ وَغَيْرُهَا. قَالَ الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَاهُ مَعَ صَوْمِ آخِرِ شَعْبَانَ يُرِيدُ عَلَى مَعْنَى التَّلَقِّي لِرَمَضَانَ أَوِ الِاحْتِيَاطِ، وَأَمَّا نَفْلًا فَيَجُوزُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عِنْدَ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ؛ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ الْفَصْلَ بَيْنَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ بِفِطْرِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَيَّامٍ، كَمَا اسْتَحَبُّوا الْفَصْلَ بَيْنَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ بِكَلَامٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ مِنَ الْمَكَانِ، وَصَحَّ مَرْفُوعًا: " «إِذَا بَقِيَ نِصْفُ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا» " وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ شَعْبَانَ كُلَّهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: " «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلًا بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ» ". وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: " «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ» ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ: صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ إِذَا صَامَ أَكْثَرَهُ. (وَلَا تُفْطِرُوا) مِنْ صَوْمِهِ (حَتَّى تَرَوْهُ) أَيِ: الْهِلَالَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ رُؤْيَةَ جَمِيعِ النَّاسِ؛ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ إِلَى رُؤْيَتِهِ، بَلِ الْمُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ الْعَدَدُ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ وَهُوَ عَدْلَانِ، وَلَا يَثْبُتُ رَمَضَانُ بِعَدْلٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي السُّنَنِ: قَالَ: " «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا غَدًا» " لَكِنْ أَعَلَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ يُرْسِلُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُونِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ، «عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» "، وَهَذَا أَشْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَأَصَحُّهُمَا، لَكِنْ آخِرُ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ، قَالَ فِي الْأُمِّ: لَا يَجُوزُ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ إِلَّا شَاهِدَانِ، وَلَا يَثْبُتُ شَوَّالٌ بِوَاحِدٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ، (فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ؛ أَيْ: حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْهِلَالِ غَيْمٌ فِي صَوْمِكُمْ أَوْ فِطْرِكُمْ (فَاقْدُرُوا لَهُ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَضَمِّ الدَّالِّ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ: " «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ» " إِذِ الْمَقْصُودُ حَاصِلٌ بِهِ، وَقَدْ أَوْرَثَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الْمُؤَكِّدَةُ عِنْدَ الْمُخَالِفِ شُبْهَةً بِحَسَبِ تَفْسِيرِهِ لِقَوْلِهِ: فَاقْدُرُوا لَهُ، فَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالْجُمْهُورُ: مَعْنَاهُ قَدِّرُوا لَهُ تَمَامَ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، يُقَالُ: قَدَّرْتُ الشَّيْءَ وَأَقْدَرْتُهُ وَقَدَّرْتُهُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ؛ أَيِ: انْظُرُوا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاحْسِبُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ اللَّاحِقِ، وَلِذَا أَتَى بِهِ الْإِمَامُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ مُفَسَّرٌ، وَلِذَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي رِوَايَةٍ بَلْ تَارَةً يَذْكُرُ هَذَا، وَتَارَةً يَذْكُرُ هَذَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَعْنَاهُ ضَيِّقُوا لَهُ وَقَدِّرُوهُ تَحْتَ السَّحَابِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُجَوِّزُ صَوْمَ لَيْلَةِ الْغَيْمِ عَنْ رَمَضَانَ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: مَعْنَاهُ قَدِّرُوهُ بِحَسَبِ الْمَنَازِلِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 وَكَذَا قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَمُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنَ التَّابِعِينَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَصِحُّ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَأَمَّا ابْنُ قُتَيْبَةَ فَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُعَرَّجُ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا، قَالَ: وَنَقَلَهُ ابْنُ خُوَيْزِمَنْدَادَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ مِثْلُ الْجُمْهُورِ. وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنِ الدَّاوُدِيِّ وَقَالَ: لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ قَالَهُ إِلَّا بَعْضَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ، وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ رَجَعَ إِلَى الرُّؤْيَةِ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِمَا صَامَ عَلَى الْحِسَابِ، فَإِنِ اقْتَضَى ذَلِكَ قَضَاءَ شَيْءٍ مِنْ صَوْمِهِ قَضَاهُ. وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ فَقَالَ: صَوْمُ يَوْمِ الثَلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا لَمْ يَرَ الْهِلَالَ مَعَ الصَّحْوِ لَا يَجِبُ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَرَاهَتُهُ هَكَذَا أُطْلِقَ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ حَاسِبٍ وَغَيْرِهِ، فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا كَانَ مَحْجُوجًا بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ. وَنَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ قَوْلَهُ: " فَاقْدُرُوا لَهُ " خِطَابٌ لِمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهَذَا الْعِلْمِ. وَأَنَّ قَوْلَهُ {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة: 185] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 185) خِطَابٌ لِلْعَامَّةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَصَارَ وُجُوبُ رَمَضَانَ عِنْدَهُ مُخْتَلِفُ الْحَالِ؛ يَجِبُ عَلَى قَوْمٍ بِحِسَابِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَعَلَى آخَرِينَ بِحِسَابِ الْعَدَدِ، وَهَذَا بَعِيدٌ عَنِ النُّبَلَاءِ، انْتَهَى. بَلْ هُوَ تَحَكُّمٌ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: مَعْرِفَةُ مَنَازِلِ الْقَمَرِ هُوَ مَعْرِفَةُ سَيْرِ الْأَهِلَّةِ، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ فَأَمْرٌ دَقِيقٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ آحَادٌ، فَمَعْرِفَةُ مَنَازِلِ الْقَمَرِ تُدْرَكُ بِأَمْرٍ مَحْسُوسٍ يُدْرِكُهُ مُرَاقِبُ النُّجُومِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَقَالَ بِهِ فِي حَقِّ الْعَارِفِ بِهَا فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِهِ بَلْ بِجَوَازِهِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: احْتَجَّ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ بِحِسَابِ الْمُنَجِّمِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] (سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 16) وَالْآيَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاهْتِدَاءِ فِي السَّيْرِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، قَالُوا: وَلَا يَصِحُّ أَنَّ الْمُرَادَ حِسَابُ الْمُنَجِّمِينَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَوْ كُلِّفُوا ذَلِكَ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفَهُ إِلَّا أَفْرَادٌ، وَالشَّرْعُ إِنَّمَا يُكَلِّفُ النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُهُ جَمَاهِيرُهُمْ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَقَالِيمَ عَلَى رَأْيِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَى فِي إِقْلِيمٍ دُونَ آخَرَ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى اخْتِلَافِ الصَّوْمِ عِنْدَ أَهْلِهَا مَعَ كَوْنِ الصَّائِمِينَ مِنْهُمْ لَا يَصُومُونَ عَلَى طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ قَوْمًا مَا ثَبَتَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ، وَالشَّهْرُ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ مَقْطُوعٌ بِهِ لِقَوْلِهِ: " «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» " فَالتِّسْعُ وَعِشْرُونَ مَقْطُوعٌ بِهَا، وَإِنَّ غُمَّ كَمُلَ ثَلَاثِينَ وَهِيَ غَايَتُهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: عَدَمُ الْبِنَاءِ عَلَى حِسَابِ الْمُنَجِّمِينَ؛ لِأَنَّهُ حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْهُ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْقِبْلَةُ وَالْوَقْتُ، قَالَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ، وَلَا يَوْمِ الثَلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ عَنْ رَمَضَانَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الثَلَاثِينَ لَيْلَةَ غَيْمٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»   634 - 630 (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» ) قَالَ عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ يَعْنِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، قَالَ الْحَافِظُ: أَوِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ شَهْرٌ بِعَيْنِهِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَمِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَعْنَاهُ حَصْرُهُ مِنْ جِهَةِ أَحَدِ طَرَفَيْهِ؛ أَيْ: أَنَّهُ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَهُوَ أَقَلُّهُ، وَيَكُونُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ أَكْثَرُهُ، فَلَا تَأْخُذُوا أَنْفُسَكُمْ بِصَوْمِ الْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا، وَلَا تَقْتَصِرُوا عَلَى الْأَقَلِّ تَخْفِيفًا، وَلَكِنِ اجْعَلُوا عِبَادَتَكُمْ مُرْتَبِطَةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً بِاسْتِهْلَالِهِ كَمَا قَالَ. ( «فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» ) قَالَ الْحَافِظُ: اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ عَلَى قَوْلِهِ: " فَاقْدُرُوا لَهُ "، وَكَذَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ الْحَرْبِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالزَّعْفَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالْمُزَنِيِّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: " «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مَحْفُوظَةً فَيَكُونُ مَالِكٌ قَدْ رَوَاهُ بِاللَّفْظَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ. قُلْتُ: وَمَعَ غَرَابَةِ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَهُ مُتَابَعَاتٌ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: بِتَعْيِينِ الثَلَاثِينَ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " «فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَكَمِّلُوا ثَلَاثِينَ» "، وَلَهُ شَوَاهِدُ عَنْ حُذَيْفَةَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى عَنْهُمْ وَعَنْ غَيْرِهِمُ، اهـ. وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ دِينَارٍ بِلَفْظِ: " فَاقْدُرُوا لَهُ " عِنْدَ مُسْلِمٍ. الحديث: 634 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِعَشِيٍّ فَلَمْ يُفْطِرْ عُثْمَانُ حَتَّى أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْسُ   635 - 631 - (مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرٍ) بِلَفْظِ الْحَيَوَانِ (ابْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ فَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَقَدْ رَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ مُتَّصِلًا، وَزَعْمُ أَنَّ مَالِكًا أَسْقَطَ عِكْرِمَةَ لِكَلَامِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرِهِ فِيهِ لَا الحديث: 635 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَالِكًا ذَكَرَهُ فِي الْحَجِّ وَصَرَّحَ بِاسْمِهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: " «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ» ) أَيِ: ارْبُطُوا عِبَادَتَكُمْ بِرُؤْيَتِهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً ( «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ» ) وَفِي رِوَايَةٍ: الْعِدَّةُ؛ أَيِ: عِدَّةُ شَعْبَانَ (ثَلَاثِينَ) ، وَهَذَا أَتَى بِهِ الْإِمَامُ مُفَسِّرًا وَمُبَيِّنًا لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ قَبْلَهُ: " فَاقْدُرُوا لَهُ "، وَخَيْرُ مَا فَسَّرَتْهُ بِالْوَارِدِ، وَلِذَا لَمَّا فَسَّرَهُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ مِنْ تَابِعِيِ الْبَصْرَةِ الْعُلَمَاءِ الْفُضَلَاءِ بِنَحْوِ قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ، أَنَّهُ إِذَا غُمَّ يُسْتَدَلُّ بِالنُّجُومِ وَيُبَيِّتُ الصَّوْمَ وَيُجْزِيهِ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانَ أَفْضَلُ لَهُ لَوْ لَمْ يَقُلْهُ؛ كَذَا فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ مُطَرِّفٍ. - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ (فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِعَشِيٍّ) مَا بَعْدَ الزَّوَالِ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ (فَلَمْ يُفْطِرْ عُثْمَانُ حَتَّى أَمْسَى وَغَابَتِ الشَّمْسُ) وَلَا خِلَافَ أَنَّ رُؤْيَتَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِلَّيْلَةِ الْقَادِمَةِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِحَدِيثِ أَبِي وَائِلٍ: " أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ أَنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلَانِ أَنَّهُمَا أَهَّلَاهُ بِالْأَمْسِ "، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَابْنُ حَبِيبٍ لِلْمَاضِيَةِ لِمَا رَوَاهُ النَّخَعِيُّ عَنْ عُمَرَ: " إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَأَفْطِرُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ بَعْدَهُ فَلَا تُفْطِرُوا " وَهَذَا مُفَصَّلٌ وَالْأَوَّلُ مُجْمَلٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: " نَهَارًا "، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَالثَّانِي مُنْقَطِعٌ، فَالنَّخَعِيُّ لَمْ يَدْرِكْ عُمَرَ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَرَاوِيهِ عَنِ النَّخَعِيِّ مَجْهُولٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الَّذِي يَرَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ أَنَّهُ يَصُومُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَّهِمُونَ عَلَى أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُمْ مَنْ لَيْسَ مَأْمُونًا وَيَقُولُ أُولَئِكَ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ قَدْ رَأَيْنَا الْهِلَالَ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نَهَارًا فَلَا يُفْطِرْ وَيُتِمُّ صِيَامَ يَوْمِهِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ هِلَالُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَأْتِي قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ إِذَا صَامَ النَّاسُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَجَاءَهُمْ ثَبْتٌ أَنَّ هِلَالَ رَمَضَانَ قَدْ رُئِيَ قَبْلَ أَنْ يَصُومُوا بِيَوْمٍ وَأَنَّ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَيَّةَ سَاعَةٍ جَاءَهُمْ الْخَبَرُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْعِيدِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ جَاءَهُمْ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ   635 - 632 - (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الَّذِي يَرَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ أَنَّهُ يَصُومُ) وُجُوبًا، (لَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ) وَبِهِ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَمَلًا بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَشَرِيكٌ وَإِسْحَاقُ: لَا يَصُومُ حَتَّى يَحْكُمَ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ أَفْطَرَ عَمْدًا كَفَّرَ وَقَضَى عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: لَا كَفَّارَةَ لِلشُّبْهَةِ. (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَّهِمُونَ عَلَى أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُمْ مَنْ لَيْسَ مَأْمُونًا) مِنْ أَهْلِ الْفِسْقِ وَالْبِدَعِ (وَيَقُولُ أُولَئِكَ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ قَدْ رَأَيْنَا الْهِلَالَ) فَمَنَعَ مِنْهُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَشْهَبُ: يُفْطِرُ وَإِنْ خَافَ التُّهْمَةَ لَمْ يُفْطِرْ، وَيَعْتَقِدُ الْفِطْرَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نَهَارًا فَلَا يُفْطِرُ وَيَتِمُّ صِيَامَ يَوْمِهِ، ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ هِلَالُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَأْتِي) اتِّفَاقًا فِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ فِيمَا قَبْلَهُ كَمَا مَرَّ. (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إِذَا صَامَ النَّاسُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَجَاءَهُمْ ثَبْتٌ) بِسُكُونِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا، (أَنَّ هِلَالَ رَمَضَانَ قَدْ رُئِيَ قَبْلَ أَنْ يَصُومُوا بِيَوْمٍ وَأَنَّ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ، فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ) وُجُوبًا (مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَيَّةَ سَاعَةٍ جَاءَهُمُ الْخَبَرُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْعِيدِ؛ إِنْ كَانَ ذَلِكَ جَاءَهُمْ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ) لَا فِي الْيَوْمِ وَلَا مِنَ الْغَدِ لِخُرُوجِ وَقْتِهَا فَلَوْ قُضِيَتْ لَأَشْبَهَتِ الْفَرَائِضَ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ سَائِرَ السُّنَنِ لَا تُقْضَى. وَقَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: يَقْضُونَهَا مِنَ الْغَدِ فِي الْفِطَرِ وَالْأَضْحَى لِمَا فِي النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ: " أُغْمِيَ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ وَأَصْبَحْنَا صِيَامًا فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَشَهِدُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ وَيَخْرُجُوا لِصَلَاتِهِمْ مِنَ الْغَدِ "، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ، وَقِيلَ: لَا تُصَلَّى فِي الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمٌ وَاحِدٌ، وَتُصَلَّى فِي الْأَضْحَى فِي الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 [بَاب مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَصُومُ إِلَّا مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ   2 - بَابُ مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ 637 - 633 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يَصُومُ إِلَّا مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ) أَيْ: عَزَمَ عَلَيْهِ وَقَصَدَ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا بِنِيَّةٍ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ لِخَبَرِ: " «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» " وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ؛ إِذْ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا فِي النِّيَّةِ سَوَاءٌ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي النَّفْلِ قَبْلَ الزَّوَالِ لِمَنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ أَنْ يَصُومَ، وَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَيُثَابُ عَلَى جَمِيعِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِمَا فِي الدَّارَقُطْنِيِّ وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ يَوْمًا: " «هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ؟ قَالَتْ: لَا. قَالَ: فَإِنِّي إِذًا أَصُومُ» "، وَالْغَدَاءُ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي سَنَدِهِ اضْطِرَابٌ، وَبَعْضُ الرُّوَاةِ يَقُولُ فِيهِ: " إِذًا "، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: " فَأَنَا صَائِمٌ " بِدُونِ " إِذًا "، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّتِهِ وَلَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ. الحديث: 637 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ   637 - 634 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «مَنْ لَمْ يَجْمَعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» "، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اضْطَرَبَ فِي إِسْنَادِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ مَا رُوِيَ مَرْفُوعًا فِي هَذَا الْبَابِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ، فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٍ ثَلَاثَتِهِمْ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصَةَ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: إِنَّهُ الصَّوَابُ وَلَمْ يَصِحَّ رَفْعُهُ؛ لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، لَكِنْ عَمَلَ بِظَاهِرِ إِسْنَادِهِ جَمَاعَةٌ فَصَحَّحُوا رَفْعَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْهُمْ: ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حَزْمٍ، وَظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي الصَّوْمِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَيَشْهَدُ لَهُ الْمَوْقُوفَاتُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَالْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 [بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الْفِطْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ»   638 - 635 الحديث: 638 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 3 - بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الْفِطْرِ أَيِ: اسْتِحْبَابِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَحَادِيثُ تَعْجِيلِهِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ صِحَاحٌ مُتَوَاتِرَةٌ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَ النَّاسِ إِفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا ". - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ؛ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ) نِسْبَةً إِلَى سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ) فِي دِينِهِمْ، فَفِي أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا (مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) عِنْدَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ، زَادَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: وَأَخَّرُوا السُّحُورَ، وَ " مَا " ظَرْفِيَّةٌ؛ أَيْ: مُدَّةَ فِعْلِهِمْ ذَلِكَ امْتِثَالًا لِلسُنَّةِ وَاقِفِينَ عِنْدَ حُدُودِهَا مُسْتَنْبِطِينَ بِعُقُولِهِمْ مَا يُغَيِّرُ قَوَاعِدَهَا، وَعَلَلَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ؛ أَيْ: إِلَى ظُهُورِ النَّجْمِ. وَلِابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلٍ أَيْضًا: " «لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى سُنَّتِي مَا لَمْ تَنْتَظِرْ بِفِطْرِهَا النُّجُومَ» "، فَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ إِنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ فِيهِ فَضِيلَةً. قَالَ الْبَاجِيُّ: أَمَّا تَأْخِيرُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ كَمَنْ عَنَّ لَهُ أَمْرٌ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ كَمُلَ مَعَ الْغُرُوبِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَتَمَامُ الصَّوْمِ غُرُوبُ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) وَهَذَا يَقْتَضِي الْإِمْسَاكُ إِلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إِمْسَاكِ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ لِتَيَقُّنِ إِكْمَالِ النَّهَارِ؛ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى، وَقَالَ هُوَ فِي الْإِيمَانِ وَهُوَ شَرْحُهُ الصَّغِيرُ: إِنَّ هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَلَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ فَقَدِ اسْتَوْفَى ذَلِكَ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ غَيْرُ هَذَا؛ انْتَهَى. قَالَ الْحَافِظُ: مِنَ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ مَا أُحْدِثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ إِيقَاعِ الْأَذَانِ الثَّانِي قَبْلَ الْفَجْرِ بِنَحْوِ ثُلُثِ سَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ، وَإِطْفَاءِ الْمَصَابِيحِ الْمَجْعُولَةِ؛ عَلَامَةً لِانْقِضَاءِ اللَّيْلِ زَعْمًا مِمَّنْ أَحْدَثَهُ أَنَّهُ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَةِ، وَجَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يُؤَذِّنُونَ إِلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ بِدَرَجَةٍ لِتَمَكُّنِ الْوَقْتِ فِيمَا زَعَمُوا، فَأَخَّرُوا الْفِطْرَ وَعَجَّلُوا السُّحُورَ فَخَالَفُوا السُّنَّةَ؛ فَلِذَا قَلَّ الْخَيْرُ عَنْهُمْ وَكَثُرَ الشَّرُّ فِيهِمْ، اهـ. وَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَشَارَ الْحَدِيثُ إِلَى أَنَّ تَغْيِيرَ هَذِهِ السُّنَّةِ عَلَمٌ عَلَى فَسَادِ الْأَمْرِ " وَلَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا دَامُوا مُحَافِظِينَ عَلَيْهَا " وَهَذَا الْحَدِيثُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَيَعْقُوبُ الْقَارِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ»   639 - 636 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ) الْمَدَنِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ، وَالتَّعْجِيلُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَيَقُّنِ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَلَا يَجُوزُ فِطْرُ الشَّاكِّ فِي غُرُوبِهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ إِذَا لَزِمَ الذِّمَّةَ بِيَقِينٍ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إِلَّا بِيَقِينٍ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِخَيْرٍ فِي دِينِهِمْ مَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى سُنَّةٍ وَسَبِيلِ بِرٍّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: لَا يَزَالُونَ أَقْوَى عَلَى صَوْمِهِمْ مَا عَجَّلُوهُ وَلَمْ يُؤَخِّرُوهُ تَأْخِيرًا يَضُرُّ بِهِمْ وَيُضْعِفُهُمْ، لَكِنْ يُؤَيِّدُ أَوْ يُعَيِّنُ احْتِمَالَهُ الْأَوَّلَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلُوا النَّاسُ الْفِطْرَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ يُؤَخِّرُونَ» ". الحديث: 639 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَا يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إِلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَا ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ   640 - 637 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ الْمَدَنِيِّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَا يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إِلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ) أَيْ: فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ؛ أَيْ: أَقْبَلَ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَأَدْبَرَ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ، (قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَا، ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ) فَكَانَا يُسْرِعَانِ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ اتِّفَاقًا، وَلَيْسَ مِنْ تَأْخِيرِ الْفِطْرِ الْمَكْرُوهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ إِلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَلَمْ يُؤَخَّرْ لِلْمُبَادَرَةِ إِلَى عِبَادَةٍ؛ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. لَكِنْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي حَتَّى يُفْطِرَ وَلَوْ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ» "، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُفْطِرُونَ قَبْلَ الصَّلَاةِ. الحديث: 640 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 [بَاب مَا جَاءَ فِي صِيَامِ الَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَنَا أَسْمَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي»   641 - 638 الحديث: 641 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 4 - بَابُ مَا جَاءَ فِي صِيَامِ الَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ) بْنِ حَزْمٍ (الْأَنْصَارِيِّ) قَاضِي الْمَدِينَةِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَيُقَالُ بَعْدَهَا (عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ) مِنَ الثِّقَاتِ (عَنْ عَائِشَةَ) هَكَذَا لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّآتِ كَيَحْيَى عِنْدَ ابْنِ وَضَّاحٍ، وَأَرْسَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى عَنْهُ فَلَمْ يَذْكُرْ عَائِشَةَ (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَنَا أَسْمَعُ) زَادَتْ فِي مُسْلِمٍ: مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ» ) فَهَلْ يَصِحُّ صِيَامِي؟ (فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ» ) فَلَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ، فَأَجَابَهُ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِمَّا لَوْ قَالَ: " «اغْتَسِلْ وَصُمْ» "، لَكِنِ اعْتَقَدَ الرَّجُلُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ، (فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا) وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ( «قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ» ) أَيْ: سَتَرَ وَحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذَّنْبِ، فَلَا يَقَعُ مِنْكَ ذَنْبٌ أَصْلًا لِأَنَّ الْغُفْرَانَ سَتْرٌ، وَهُوَ إِمَّا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالذَّنْبِ وَإِمَّا بَيْنَ الذَّنْبِ وَعُقُوبَتِهِ، فَاللَّائِقُ بِالْأَنْبِيَاءِ الْأَوَّلُ وَبِأُمَمِهِمُ الثَّانِي، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْعِصْمَةِ وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ. (فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِاعْتِقَادِهِ الْخُصُوصِيَّةَ بِلَا عِلْمٍ مَعَ كَوْنِهِ أَخْبَرَهُ بِفِعْلِهِ جَوَابًا لِسُؤَالِهِ، وَذَلِكَ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: قَوْلُ السَّائِلِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى الْخَوْفِ وَالتَّوَقِّي، لَكِنْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتِكَابَ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ غُفِرَ لَهُ، أَوْ لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ كَمَا وَرَدَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ هَذَا يَمْنَعُ الْأُمَّةَ أَنْ تَقْتَدِيَ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ، وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ فَقَالَ: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 158) أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ، وَلِذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ غَضِبَ لَمَّا مَنَعَ مِنَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 (وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي أَرْجُو) وَفِي رِوَايَةٍ: " لَأَرْجُو " بِلَامِ التَّأْكِيدِ تَقْوِيَةً لِلْقَسَمِ وَرَجَاؤُهُ مُحَقَّقٌ بِاتِّفَاقٍ ( «أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي» ) قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ وُجُوبُ الِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِهِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَهَا إِلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ مُعْظَمُ الشَّافِعِيَّةِ إِنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَحَمَلَتْهُ طَائِفَةٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَقَيَّدَ بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ وُجُوبَ اتِّبَاعِهِ بِمَا كَانَ مِنْ أَفْعَالِهِ الدِّينِيَّةِ فِي مَحَلِّ الْقِرْبَةِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمَا قَالَتَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ يَصُومُ»   642 - 639 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَلِجَدِّهِ قَيْسٍ صُحْبَةٌ وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَشُعْبَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَرَوَى لَهُ الْجَمِيعُ، وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. وَقِيلَ: سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ) بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ. قِيلَ: اسْمُهُ مُحَمَّدٌ. وَقِيلَ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ. وَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا يَرْوِيهِ مَالِكٌ، وَخَالَفَهُ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمَا قَالَتَا: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ» ) صِفَةٌ لَازِمَةٌ، قُصِدَ بِهَا الْمُبَالَغَةُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ عَمْدًا يُفْطِرُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَنَاسِي الِاغْتِسَالِ وَالنَّائِمِ عَنْهُ أَوْلَى بِذَلِكَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي هَذَا فَائِدَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كَانَ يُجَامِعُ فِي رَمَضَانَ وَيُؤَخِّرُ الْغُسْلَ إِلَى بَعْدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَحْتَلِمُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِلَامَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى جَوَازِهِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِاسْتِثْنَائِهِ مَعْنًى، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْهُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الِاحْتِلَامَ يَقَعُ عَلَى الْإِنْزَالِ وَقَدْ يَحْصُلُ بِغَيْرِ رُؤْيَةِ شَيْءٍ فِي الْمَنَامِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَجَازَ الِاحْتِلَامَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَالْأَشْهَرُ امْتِنَاعُهُ لِأَنَّهُ مِنْ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ، وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ، وَلَا يَجْنُبَ مِنَ احْتِلَامٍ لِامْتِنَاعِهِ مِنْهُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: 21] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 21) وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَتْلَهُمْ لَا يَكُونُ بِحَقٍّ (فِي رَمَضَانَ) وَأَوْلَى فِي غَيْرِهِ (ثُمَّ يَصُومُ) ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي الحديث: 642 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 يُصْبِحُ فِيهِ جُنُبًا. وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: " «ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» " بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَإِنْ كَانَ الْغُسْلُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَفْضَلَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ الْحِمْيَرِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا يَصُومُ، فَقَالَتْ: «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ لَا حُلُمٍ ثُمَّ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَقْضِي» ، فَكَأَنَّ عَبَدَ رَبِّهِ سَمِعَهُ مِنَ ابْنِ كَعْبٍ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، فَلَيْسَتْ رِوَايَةُ عَمْرٍو مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ، وَلَا رِوَايَةُ مَالِكٍ مُنْقَطِعَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ مُسْلِمًا صَحَّحَ الطَّرِيقَيْنِ فَأَخْرَجَهُمَا جَمِيعًا؛ رِوَايَةَ عَمْرٍو، وَتَلَوْهَا رِوَايَةَ مَالِكٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ يَقُولُ كُنْتُ أَنَا وَأَبِي عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَذُكِرَ لَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَالَ مَرْوَانُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَتَذْهَبَنَّ إِلَى أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَلْتَسْأَلَنَّهُمَا عَنْ ذَلِكَ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَذَهَبْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا كُنَّا عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَذُكِرَ لَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَتْ عَائِشَةُ لَيْسَ كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَتَرْغَبُ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَا وَاللَّهِ قَالَتْ عَائِشَةُ «فَأَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَ ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى» أُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَا مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا قَالَتَا فَقَالَ مَرْوَانُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَتَرْكَبَنَّ دَابَّتِي فَإِنَّهَا بِالْبَابِ فَلْتَذْهَبَنَّ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ فَلْتُخْبِرَنَّهُ ذَلِكَ فَرَكِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَرَكِبْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَتَحَدَّثَ مَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَاعَةً ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا عِلْمَ لِي بِذَاكَ إِنَّمَا أَخْبَرَنِيهِ مُخْبِرٌ   643 - 640 - (مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ (مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَوْلَاهُ أَبَا بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ يَقُولُ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي) عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيُّ، لَهُ رُؤْيَةٌ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ (عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ) الْأُمَوِيِّ، لَمْ تَصِحَّ لَهُ صُحْبَةٌ، مَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ (وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ) مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ (فَذَكَرَ لَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، فَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَلِلْبُخَارِيِّ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَانَ (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ) لِحَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي مُسْلِمٍ، وَحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ» "، وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا أَنَا قُلْتُ: مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَهُوَ جُنُبٌ فَلَا يَصُومُ، مُحَمَّدٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَهُ» ، (فَقَالَ مَرْوَانُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَتَذْهَبَنَّ إِلَى أُمَّيِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ ثَقِيلَةٍ تَثْنِيَةُ أُمِّ (الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَلْتَسْأَلَنَّهُمَا عَنْ ذَلِكَ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ: (فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) يَعْنِي أَبَاهُ، (وَذَهَبْتُ مَعَهُ) وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَرْسَلَنِي مَرْوَانُ إِلَى عَائِشَةَ فَأَتَيْتُهَا فَلَقِيتُ غُلَامَهَا ذَكْوَانَ فَأَرْسَلْتُهُ إِلَيْهَا فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا، قَالَ: فَأَتَيْتُ مَرْوَانَ فَحَدَّثْتُهُ الحديث: 643 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 فَأَرْسَلَنِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَتَيْتُهَا فَلَقِيتُ غُلَامَهَا نَافِعًا فَأَرْسَلْتُهُ إِلَيْهَا فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَبَا عِيَاضٍ مَجْهُولٌ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيُجْمَعُ بِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْغُلَامَيْنِ كَانَ وَاسِطَةً بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَبَيْنَهُمَا فِي السُّؤَالِ، وَسَمِعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ بَعْدَ الدُّخُولِ كَمَا قَالَ. (حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا كُنَّا عِنْدَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَتَرْغَبُ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ؟) أَيْ: لَا تُرِيدُهُ أَنْتَ بِذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي الرَّدِّ (قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَا وَاللَّهِ) لَا أَرْغَبُ عَنْهُ (قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: " «كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنِّي» " (ثُمَّ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ) الَّذِي أَصْبَحَ فِيهِ جُنُبًا (ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ) فَسَأَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ (عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ) ظَاهِرُ الْمِثْلِيَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ. . . إِلَخْ، لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: " «كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنِّي فَيَصُومُ وَيَأْمُرُنِي بِالصِّيَامِ» "، (قَالَ) أَبُو بَكْرٍ: (فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَا مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا قَالَتَا فَقَالَ مَرْوَانُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: الْقَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَحَدِّثْهُ بِهَذَا فَقَالَ: إِنَّهُ لَجَارِي وَإِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَسْتَقْبِلَهُ بِمَا يَكْرَهُ، وَفِي أُخْرَى: إِنَّهُ لِي صَدِيقٌ وَلَا أُحِبُّ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ) كُنْيَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (لَتَرْكَبَنَّ دَابَّتِي فَإِنَّهَا بِالْبَابِ فَلْتَذْهَبَنَّ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ فَلْتُخْبِرَنَّهُ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَتَاهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَكَانَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ هُنَاكَ أَرْضٌ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَرِوَايَةُ مَالِكٍ نَصٌّ فِي الْقَصْدِ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ مِنَ التَّقْدِيرِ لَا الِاتِّفَاقِ، وَلَا تُخَالِفُ بَيْنَ قَوْلِهِ: " بِذِي الْحُلَيْفَةِ " وَبَيْنَ قَوْلِهِ: " بِالْعَقِيقِ " لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا قَصَدَاهُ إِلَى الْعَقِيقِ فَلَمْ يَجِدَاهُ ثُمَّ وَجَدَاهُ بِذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 الْحُلَيْفَةِ وَكَانَ لَهُ بِهَا أَرْضٌ أَيْضًا. وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ مَرْوَانُ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمَا لَمَا ذَهَبْتُمَا إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: فَلَقِينَا أَبَا هُرَيْرَةَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَسْجِدُهُ بِالْعَقِيقِ لَا النَّبَوِيُّ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، أَوْ يُجْمَعُ بِأَنَّهُمَا الْتَقَيَا بِالْعَقِيقِ، فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقِصَّةَ مُجْمَلَةً وَلَمْ يَذْكُرْهَا، بَلْ شَرَعَ فِيهَا ثُمَّ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذِكْرَ تَفْصِيلِهَا وَسَمَاعَ جَوَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ قَالَهُ الْحَافِظُ، (فَرَكِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَرَكِبْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَتَحَدَّثَ مَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَاعَةً) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا وَلَوْلَا أَنَّ مَرْوَانَ أَقْسَمَ عَلَيَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ (ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ) مِنَ الْمُصْطَفَى بِلَا وَاسِطَةٍ (إِنَّمَا أَخْبَرَنِيهِ مُخْبِرٌ) عَنْهُ، فَفِي مُسْلِمٌ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: فَقَالَ: كَذَلِكَ أَخْبَرَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ؛ أَيْ: بِمَا رَوَى، وَالْعُهْدَةُ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ لَا عَلَيَّ. وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ: " وَهُنَّ أَعْلَمُ " أَيْ: أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي مُسْلِمٍ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَهُمَا قَالَتَا ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ، وَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا يُرَجِّحُ رِوَايَةَ النَّسَفِيِّ. وَلِلنَّسَائِيِّ: أَخْبَرَنِيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَلَهُ أَيْضًا: أَخْبَرَنِيهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الْفَضْلِ وَأُسَامَةَ، فَأَرْسَلَ الْحَدِيثَ أَوَّلًا ثُمَّ أَسْنَدَهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ، وَسَبَبُ رُجُوعِهِ مَعَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَلِفَ أَنَّهُ قَالَهُ لِشِدَّةِ وُثُوقِهِ بِخَبَرِهِمَا أَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَانِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ: " أَفْطِرْ أَوْ فَلَا يَصُمْ " عَلَى أَنَّهُ إِرْشَادٌ إِلَى الْأَفْضَلِ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَوْ خَالَفَ جَازَ، وَفِعْلُهُ الْمُصْطَفَى لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَيَكُونُ حِينَئِذٍ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ لِتَضَمُّنِهِ الْبَيَانَ لِلنَّاسِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْبَيَانِ، كَمَا تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَطَافَ عَلَى الْبَعِيرِ كَذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّثْلِيثَ وَالْمَشْيَ فِي الطَّوَافِ أَفْضَلُ وَهُوَ الَّذِي تَكَرَّرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ التَّصْرِيحُ فِي كَثِيرٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْأَمْرِ بِالْفِطْرِ وَبِالنَّهْيِ عَنِ الصِّيَامِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ؟ أَوْ لَعَلَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرَ مُجَامِعًا فَاسْتَدَامَ بَعْدَ طُلُوعِهِ عَالِمًا فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَلَا صَوْمَ لَهُ، وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " مَنِ احْتَلَمَ وَعَلِمَ بِاحْتِلَامِهِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى أَصْبَحَ فَلَا يَصُومُ ". وَأَجَابَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرَيْنِ كَانَ الْجِمَاعُ مُحَرَّمًا فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ، كَمَا كَانَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ مُحَرَّمًا فَنُسِخَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَكَانَ يُفْتِي بِمَا عَلِمَهُ حَتَّى بَلَغَهُ النَّاسِخُ فَرَجَعَ إِلَيْهِ، قَالَ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيهِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ " «غَفَرَ اللَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ» "، فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ، وَابْتِدَاءُ الصَّوْمِ كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَوَافَقَ عَلَى دَعْوَى النَّسْخِ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ؛ لِأَنَّهُمَا أَعْلَمُ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ غَيْرِهِمَا، وَجَاءَ عَنْهُمَا مِنْ طُرِقٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَنَّهُ صَحَّ وَتَوَاتَرَ، وَصَرَّحَ الْبُخَارِيُّ بِرُجْحَانِهِ، وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ مُرَجَّحٌ عَلَى الْقَوْلِ عِنْدَ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ، وَلِأَنَّهُ وَافَقَ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهُ أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ إِلَى الْفَجْرِ وَهِيَ الْجِمَاعُ، فَإِذَا أُبِيحَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْفَجْرَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاغْتِسَالَ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) وَلِأَنَّهُ وَافَقَ الْمَعْقُولَ وَهُوَ أَنَّ الْغُسْلَ شَيْءٌ وَجَبَ بِإِنْزَالٍ وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ شَيْءٌ مُحَرَّمٌ عَلَى الصَّائِمِ فَقَدْ يَحْتَلِمُ بِالنَّهَارِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَيَتِمُّ صَوْمَهُ إِجْمَاعًا، وَكَذَا إِذَا احْتَلَمَ لَيْلًا مِنْ بَابِ الْأَوْلَى، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ الصَّائِمُ مِنْ تَعَمُّدِ الْجِمَاعِ نَهَارًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمَا قَالَتَا «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَصُومُ»   644 - 641 - (مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ (مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ) مَوْلَاهُ (أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَى جَمَاعَةٌ الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ الْقِصَّةَ كُلَّهَا مَعَ أَبِيهِ عِنْدَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَعِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا مَحْفُوظٌ مِنْ رِوَايَةِ سُمَيٍّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُمَا قَالَتَا: (إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [النساء: 155] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 155) وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَمَّا كَانَ الِاحْتِلَامُ يَأْتِي بِلَا اخْتِيَارٍ فَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ يُرَخِّصُ لِغَيْرِ الْمُعْتَمَدِ لِلْجِمَاعِ، فَبَيَّنَتَا أَنَّهُ مِنْ جِمَاعٍ لِإِزَالَةِ هَذَا الِاحْتِمَالِ (ثُمَّ يَصُومُ) بَعْدَ الِاغْتِسَالِ، وَأَعَادَ الْإِمَامُ هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَهُ قَبْلَ الَّذِي فَوْقَهُ لِإِفَادَةِ أَنَّ لَهُ فِيهِ شَيْخَيْنِ إِذْ رَوَاهُ. . . ثَمَّةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ سُمَيٍّ، قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ صَوْمِ الْجُنُبِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى كُلِّ مُخَالِفٍ، وَلِلْأُصُولِيِّينَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الْخِلَافِ، وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ اغْتِسَالِهِمَا صَحَّ صَوْمُهُمَا وَوَجَبَ عَلَيْهِمَا إِتْمَامُهُ سَوَاءً تَرَكَتَا الْغُسْلَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ، كَالْجُنُبِ عِنْدَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِمَّنْ لَا تُعْلَمُ صِحَّتُهُ عَنْهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 644 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 [بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا فَأَرْسَلَ امْرَأَتَهُ تَسْأَلُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ فَدَخَلَتْ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهَا فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ فَرَجَعَتْ فَأَخْبَرَتْ زَوْجَهَا بِذَلِكَ فَزَادَهُ ذَلِكَ شَرًّا وَقَالَ لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ يُحِلُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ ثُمَّ رَجَعَتْ امْرَأَتُهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَوَجَدَتْ عِنْدَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَتْ قَدْ أَخْبَرْتُهَا فَذَهَبَتْ إِلَى زَوْجِهَا فَأَخْبَرَتْهُ فَزَادَهُ ذَلِكَ شَرًّا وَقَالَ لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ»   5 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ 645 - 642 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) مُرْسَلٌ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ وَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ (أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَوَجَدَ) غَضِبَ (مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا) خَوْفًا مِنَ الْإِثْمِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّهُ قَبَّلَ غَافِلًا عَنِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَأَشْفَقَ (فَأَرْسَلَ امْرَأَتَهُ تَسْأَلُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَدَخَلَتْ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ) ذَاتِ الْجَمَالِ الْبَارِعِ وَالرَّأْيِ الْمُصِيبِ (زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهَا فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ) هِنْدُ بِنْتُ أُمَيَّةَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ» ) أَيْ: يُقَبِّلُهَا كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ (وَهُوَ صَائِمٌ فَرَجَعَتْ فَأَخْبَرَتْ زَوْجَهَا بِذَلِكَ فَزَادَهُ ذَلِكَ شَرًّا) قَالَ الْبَاجِيُّ: يَعْنِي اسْتِدَامَتْهُ الْوَجْدَ إِذْ لَمْ تَأْتِهِ بِمَا يُقْنِعُهُ (وَقَالَ: لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ يُحِلُّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ مِنْ أَحَلَّ؛ أَيْ: يُبِيحُ (لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ) فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ، (ثُمَّ رَجَعَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَوَجَدَتْ عِنْدَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ؟ فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ» ) بِأَنَّهَا تَسْأَلُ عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا) بِالْفَتْحِ وَالتَّثْقِيلِ (أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْإِخْبَارِ بِأَفْعَالِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ أَنْ يُخْبِرْنَ بِهَا لِيَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ قَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 34) قَالَهُ الْبَاجِيُّ. أَبُو عُمَرَ: فِيهِ إِيجَابُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (فَقَالَتْ: قَدْ أَخْبَرْتُهَا، فَذَهَبَتْ إِلَى زَوْجِهَا فَأَخْبَرَتْهُ فَزَادَهُ ذَلِكَ شَرًّا وَقَالَ: لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث: 645 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 اللَّهُ يُحِلُّ) بِضَمِّ الْيَاءِ؛ يُبِيحُ (لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِاعْتِقَادِهِ التَّخْصِيصَ بِلَا عِلْمٍ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ عِيَاضٌ: غَضَبُهُ لِذَلِكَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ السَّائِلَ جَوَّزَ وُقُوعَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْهُ؛ لَكِنْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ إِذْ غُفِرَ لَهُ، فَأَنْكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ (وَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ» ) فَكَيْفَ تُجَوِّزُونَ وُقُوعَ مَا نَهَى عَنْهُ مِنِّي؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْقُبْلَةِ لِلشَّابِّ وَالشَّيْخِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِلْمَرْأَةِ زَوْجُكِ شَيْخٌ أَوْ شَابٌّ، فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ لَسَأَلَهَا؛ لِأَنَّهُ الْمُبِيِّنُ عَنِ اللَّهِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقُبْلَةَ لَا تُكْرَهُ لِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا كَرَّهَهَا مَنْ كَرَّهَهَا خَشْيَةَ مَا تَؤُولُ إِلَيْهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ قَبَّلَ وَسَلَّمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَمْذَى فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ يُفْطِرُ وَإِنْ أَمْنَى فَسَدَ صَوْمُهُ اتِّفَاقًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ ضَحِكَتْ»   646 - 643 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنْ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ دَخَلَتْ عَلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ وَهِيَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَيَجِبُ إِهْمَالُ إِنَّ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: (لَيُقَبِّلُ) لِلتَّأْكِيدِ وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ (بَعْضَ أَزْوَاجِهِ) عَائِشَةَ نَفْسِهَا كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْهَا: " «كَانَ يُقُبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ» " أَوْ أُمِّ سَلَمَةَ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ، أَوْ حَفْصَةَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ إِنَّمَا أَخْبَرَتْ عَنْ فِعْلِهِ مَعَهَا (وَهُوَ صَائِمٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (ثُمَّ ضَحِكَتْ) تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الثِّقَةِ بِهَا. وَقَدْ زَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: فَظَنَّنَا أَنَّهَا هِيَ أَوْ ضَحِكَتْ تَعَجُّبًا مِمَّنْ خَالَفَهَا فِي ذَلِكَ، أَوْ تَعَجَّبَتْ مِنْ نَفْسِهَا إِذْ حَدَّثَتْ بِمِثْلِ هَذَا مِمَّا يَسْتَحِي النِّسَاءُ مِنْ ذِكْرِ مِثْلِهِ لِلرِّجَالِ، لَكِنْ أَلْجَأَتْهَا ضَرُورَةُ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ إِلَى ذِكْرِ ذَلِكَ، أَوْ سُرُورًا بِتَذَكُّرِ مَكَانِهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَالِهَا مَعَهُ وَمُلَاطَفَتِهِ لَهَا وَحُبِّهِ. وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْهَا: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَيَمُصُّ لِسَانَهَا» " وَفِيهِ جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنْ مِثْلِ هَذَا مِمَّا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْجُمْلَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَأَمَّا فِي حَالٍ غَيْرِ الضَّرُورَةِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَسُفْيَانُ عِنْدَ مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ بِهِ. الحديث: 646 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَاتِكَةَ ابْنَةَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ امْرَأَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَتْ تُقَبِّلُ رَأْسَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَا يَنْهَاهَا   647 - 644 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّ عَاتِكَةَ ابْنَةَ) وَفِي رِوَايَةٍ: " بِنْتَ " (زَيْدِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ نُفَيْلٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَلَامٍ الْقُرَشِيَّةَ الْعَدَوِيَّةَ صَحَابِيَّةً مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ، وَهِيَ أُخْتُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ الْعَشَرَةِ (امْرَأَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) ابْنِ عَمِّهَا (كَانَتْ تُقَبِّلُ رَأْسَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ صَائِمٌ) تَبْجِيلًا بِلَا لَذَّةٍ (فَلَا يَنْهَاهَا) وَكَانَتْ حَسْنَاءَ جَمِيلَةً. الحديث: 647 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا هُنَالِكَ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْنُوَ مِنْ أَهْلِكَ فَتُقَبِّلَهَا وَتُلَاعِبَهَا فَقَالَ أُقَبِّلُهَا وَأَنَا صَائِمٌ قَالَتْ نَعَمْ   648 - 645 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ) سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - أَحَدِ الْعَشَرَةِ - الْقُرَشِيَّةَ التَّيْمِيَّةَ أُمَّ عِمْرَانَ، كَانَتْ فَائِقَةَ الْجَمَالِ ثِقَةً، رَوَى لَهَا السِّتَّةُ (أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا هُنَالِكَ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) التَّيْمِيُّ تَابِعِيٌّ رَوَى لَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَتْ لَهُ) عَمَّتُهُ (عَائِشَةُ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْنُوَ) تَقْرُبَ (مِنْ أَهْلِكَ) زَوْجِكَ (فَتُقَبِّلَهَا وَتُلَاعِبَهَا؟) بِمَسِّ الْبَشَرَةِ دُونَ جِمَاعٍ، وَلَعَلَّهَا قَصَدَتْ إِفَادَتَهُ الْحُكْمَ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُهَا بِحُضُورِ عَمَّتِهِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: تُرِيدُ مَا يَمْنَعُكَ إِذَا دَخَلْتُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا شَكَتْ لِعَائِشَةَ قِلَّةَ حَاجَتِهِ إِلَى النِّسَاءِ، وَسَأَلَتْهَا أَنْ تُكَلِّمَهُ فَأَفْتَتْهُ بِذَلِكَ إِذْ صَحَّ عِنْدَهَا مِلْكُهُ لِنَفْسِهِ (فَقَالَ: أُقَبِّلُهَا وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ) وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرَى تَحْرِيمَهَا وَلَا أَنَّهَا مِنَ الْخَصَائِصِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ شَابٍّ وَشَيْخٍ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ شَابًّا، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا لِلنَّسَائِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَيُبَاشِرُ الصَّائِمُ؟ قَالَتْ: لَا، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ؟ قُلْتُ: كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ، لِأَنَّ جَوَابَهَا لِلْأَسْوَدِ بِالْمَنْعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَحَرَّكَتْ شَهْوَتُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعَرُّضًا لِإِفْسَادِ الْعِبَادَةِ، كَمَا أَشْعَرَ بِهِ قَوْلُهَا: " «كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» ". فَحَاصِلُ مَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ إِبَاحَةُ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ لِمَنْ مَلَكَ إِرْبَهُ دُونَ مَنْ لَا يَمْلِكُهُ، أَوْ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي الحديث: 648 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 بِلَفْظِ: " سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَكَرِهَتْهَا " فَلَا يُنَافِي الْإِبَاحَةَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ، وَمِنْ قَوْلِهَا: " الصَّائِمُ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ " رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَا يُرَخِّصَانِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ   649 - 646 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَا يُرَخِّصَانِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ) وَكَذَا عُمَرُ وَعَائِشَةُ كَمَا مَرَّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَرْخَصَ فِيهَا إِلَّا وَهُوَ يَشْتَرِطُ السَّلَامَةَ مِمَّا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا مَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ اجْتِنَابَهَا اهـ. وَمِنْ بَدِيعِ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: " «هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا، قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنَ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قُلْتُ: لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: فَمَهْ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ: مُنْكَرٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: فَأَشَارَ إِلَى فِقْهٍ بَدِيعٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَا تُنْقِضُ الصَّوْمَ وَهِيَ أَوَّلُ الشُّرْبِ وَمِفْتَاحُهُ، كَمَا أَنَّ الْقُبْلَةَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَمِفْتَاحِهِ، وَالشُّرْبُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَمَا يُفْسِدُهُ الْجِمَاعُ، فَكَمَا ثَبَتَ أَنَّ أَوَائِلَ الشُّرْبِ لَا يُفْسِدُ الصِّيَامَ، فَكَذَلِكَ أَوَائِلُ الْجِمَاعِ فَفِيهِ اعْتِبَارُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ، قَالَ: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ حَالُ الْمُقَبِّلِ فَإِنْ أَثَارَتِ الْإِنْزَالَ حَرُمَتْ لِمَنْعِهِ مِنْهُ، فَكَذَا مَا أَدَّى إِلَيْهِ، وَإِنْ أَثَارَتِ الْمَذْيَ فَمَنْ رَأَى الْقَضَاءَ مِنْهُ قَالَ: يَحْرُمُ فِي حَقِّهِ، وَمَنْ رَأَى أَنْ لَا قَضَاءَ قَالَ: يُكْرَهُ، وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ الْقُبْلَةُ إِلَى شَيْءٍ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهَا إِلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِسَدِّ الذَّرِيعَةِ. الحديث: 649 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 [بَاب مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ إِذَا ذَكَرَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ تَقُولُ وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   6 - بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ 650 - 647 - (مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ وَعَلْقَمَةُ وَمَسْرُوقٌ الْأَرْبَعَةُ عَنْ عَائِشَةَ (زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ إِذَا ذَكَرَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ) بَعْضَ أَزْوَاجِهِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فِي مُسْلِمٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ فِي الْبُخَارِيِّ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: وَيُبَاشِرُ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ؛ أَيْ: يَلْمِسُ بَشَرَتَهُ بَشَرَةَ الْمَرْأَةِ وَنَحْوَ الحديث: 650 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 ذَلِكَ لَا الْجِمَاعَ (وَهُوَ صَائِمٌ تَقُولُ: وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمِ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَلَا تَتَوَهَّمُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ مِثْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِبَاحَتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَيَأْمَنُ الْوُقُوعَ فِي قُبْلَةٍ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا إِنْزَالٌ أَوْ شَهْوَةٌ أَوْ هَيَجَانُ نَفْسٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَأَنْتُمْ لَا تَأْمَنُونَ ذَلِكَ فَطَرِيقُكُمِ الِانْكِفَافُ عَنْهَا. وَبِرِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ هَذِهِ فَسَّرَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ الصَّحِيحَيْنِ: " أَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟ " فَقَالَ: مَعْنَاهُ نَفْسَهُ. قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ أَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْغَرِيبُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ؛ انْتَهَى. وَ " إِرْبَهُ " بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ رَوَاهُ الْأَكْثَرُ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَعِيَاضٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَرُوِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ. وَقَدَّمَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ: إِنَّهُ الْأَشْهَرُ. وَإِلَى تَرْجِيحِهِ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ وَهُمَا بِمَعْنَى وَطَرِهِ وَحَاجَتِهِ؛ أَيْ: أَغْلَبُ لِهَوَاهِ وَحَاجَتِهِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ عَلَى الْعُضْوِ الْخَاصِّ قَالَهُ عِيَاضٌ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: لَكِنْ حَمْلَهُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْعُضْوِ غَيْرُ سَدِيدٍ لَا يَغْتَرُّ بِهِ إِلَّا جَاهِلٌ؛ بِوُجُوهِ حُسْنِ الْخِطَابِ مَائِلٌ عَنْ سُنَنِ الْأَدَبِ وَنَهْجِ الصَّوَابِ. وَرَدَّهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنْوَاعَ الشَّهْوَةِ مُرْتَقِيَةً مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى فَبَدَأَتْ بِمُقَدَّمَتِهَا الَّتِي هِيَ الْقُبْلَةُ، ثُمَّ ثَنَّتْ بِالْمُبَاشِرَةِ مِنْ نَحْوِ الْمُدَاعَبَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَأَرَادَتْ أَنْ تُعَبِّرَ عَنِ الْمُجَامَعَةِ فَكَنَّتَ عَنْهَا بِالْإِرْبِ؛ وَأَيُّ عِبَارَةٍ أَحْسَنَ مِنْهَا، اهـ. وَأَخَذَ الظَّاهِرِيَّةُ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَجَعَلُوا الْقُبْلَةَ لِلصَّائِمِ سُنَّةً وَقُرْبَةً مِنَ الْقُرَبِ اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلَيْسَ كَغَيْرِهِ، وَكَيْفَمَا كَانَ لَا يَفْطِرُ إِلَّا بِإِنْزَالِ الْمَنِيِّ، فَلَوْ أَمْذَى وَجَبَ الْقَضَاءُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا: فَمُجَرَّدُ الْقُبْلَةِ يَبْطُلُ الصَّوْمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لَمْ أَرَ الْقُبْلَةَ لِلصَّائِمِ تَدْعُو إِلَى خَيْرٍ   650 - 648 - (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمْ أَرَ الْقُبْلَةَ لِلصَّائِمِ تَدْعُو إِلَى خَيْرٍ) لِمَا يُخَافُ مِنَ الْإِنْزَالِ أَوِ الْجِمَاعِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَأَرْخَصَ فِيهَا لِلشَّيْخِ وَكَرِهَهَا لِلشَّابِّ   651 - 649 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَأَرْخَصَ فِيهَا لِلشَّيْخِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ انْكِسَارُ شَهْوَتِهِ (وَكَرِهَهَا لِلشَّابِّ) لِأَنَّ الْغَالِبَ الحديث: 651 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 قُوَّتُهَا، وَبِالْفَرْقِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهَا فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ كَرَاهَتُهَا مُطْلَقًا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَظُنُّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ذَهَبَ إِلَى قَوْلِ عَائِشَةَ: " «أَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِإِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» " أَيْ: أَمَلَكُ لِنَفْسِهِ وَشَهْوَتِهِ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَصَّ فِي الْقُبْلَةِ لِلشَّيْخِ وَهُوَ صَائِمٌ وَنَهَى عَنْهَا الشَّابَّ وَقَالَ: «الشَّيْخُ يَمْلِكُ إِرْبَهُ وَالشَّابُّ يَفْسُدُ صَوْمُهُ» "، فَفُهِمَ مِنَ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ دَائِرٌ مَعَ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالشَّيْخِ وَالشَّابِّ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَحْوَالِ الشُّيُوخِ فِي انْكِسَارِ شَهْوَتِهِمْ وَأَحْوَالِ الشَّبَابِ فِي قُوَّتِهَا، فَلَوِ انْعَكَسَ الْأَمْرُ انْعَكَسَ الْحُكْمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ   652 - 650 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى عَنِ الْقُبْلَةِ) عَلَى الْفَمِ أَوِ الْخَدِّ أَوْ غَيْرِهِمَا، (وَالْمُبَاشِرَةِ) بِنَحْوِ لَمْسِ الْبَشَرَةِ بِلَا جِمَاعٍ (لِلصَّائِمِ) لِأَنَّ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ. الحديث: 652 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 [بَاب مَا جَاءَ فِي الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»   7 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ 653 - 651 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ: هَذَا مِنْ مُرْسَلَاتِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مُقِيمًا مَعَ أَبَوَيْهِ بِمَكَّةَ فَلَمْ يُشَاهِدْ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَكَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي) يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ بَعْدَ الْعَصْرِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ (رَمَضَانَ) سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ (فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى فَتَحْتِيَّةٍ فَمُهْمَلَةٍ، مَوْضِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَبْعُ مَرَاحِلَ أَوْ نَحْوُهَا، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةٌ الحديث: 653 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 أَوْ مَرْحَلَتَانِ وَهَذَا تَعْيِينٌ لِلْمَسَافَةِ، فَلَا يُنَافِي رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، الْكَدِيدُ: الْمَاءُ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ، وَلِابْنِ إِسْحَاقَ بَيْنِ عُسْفَانَ وَأَمَجَ؛ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَجِيمٍ خَفِيفَةٍ، اسْمُ وَادٍ بِقُدَيْدٍ، ( «ثُمَّ أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ» ) مَعَهُ " لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّاسَ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ لِيَرَاهُ النَّاسُ فَشَرِبَ فَأَفْطَرَ فَنَاوَلَهُ رَجُلًا إِلَى جَنْبِهِ فَشَرِبَ، «فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنْ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَرَفَعَهُ إِلَى يَدَيْهِ» "، وَفِي أَبِي دَاوُدَ: " إِلَى فِيهِ فَأَفْطَرَ "، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ فَوَضْعَهُ عَلَى رَاحَتِهِ أَوْ رَاحِلَتِهِ» " بِالشَّكِّ فِيهِمَا، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَعَا بِاللَّبَنِ مَرَّةً وَبِالْمَاءِ مَرَّةً، وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى التَّعَدُّدِ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا شَكَّ الرَّاوِي، فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مَنْ جَزَمَ بِالْمَاءِ، وَأَبْعَدَ الدَّاوُدِيُّ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: كَانَتْ قِصَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فِي الْفَتْحِ وَالْأُخْرَى فِي حُنَيْنٍ، اهـ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَاحْتَجَّ بِهِ مُطَرِّفٌ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ؛ أَيْ: لِأَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ، فَلَمَّا اخْتَارَ الصَّوْمَ وَبَيَّتَهُ لَزِمَهُ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ أَفْطَرَ لِلتَّقَوِّي عَلَى الْعَدُوِّ وَالْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ لَهُ وَلَهُمْ. (وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هُوَ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ مَنْسُوخٌ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانُوا يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ وَيَرَوْنَهُ النَّاسِخَ الْمُحْكَمَ، قَالَ عِيَاضٌ: إِنَّمَا يَكُونُ نَاسِخًا إِذَا لَمْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ، أَوْ يَكُونُ الْأَحْدَثُ مِنْ فِعْلِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، أَمَّا فِيهَا أَعْنِي قَضِيَّةَ الصَّوْمِ فَلَيْسَ بِنَاسِخٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ابْنُ شِهَابٍ مَالَ إِلَى أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ لَا يَنْعَقِدُ كَقَوْلِ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ عَنْهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّمَا يَكُونُ الْأَحْدَثُ نَاسِخًا إِذَا عُلِمَ كَوْنُهُ نَاسِخًا أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ الْأَحْدَثُ رَاجِحًا مَعَ جَوَازِهِمَا، وَإِلَّا فَقَدْ طَافَ عَلَى الْبَعِيرِ وَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ طَوَافَ الْمَاشِي وَالْوُضُوءَ ثَلَاثًا أَرْجَحُ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَدُلَّ عَلَى الْجَوَازِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَعُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ فِي سَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ بِالْفِطْرِ وَقَالَ تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ وَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ الَّذِي حَدَّثَنِي لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ مِنْ الْحَرِّ ثُمَّ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ طَائِفَةً مِنْ النَّاسِ قَدْ صَامُوا حِينَ صُمْتَ قَالَ فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَدِيدِ دَعَا بِقَدَحٍ فَشَرِبَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ»   654 - 652 - (مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ) مَوْلَاهُ (أَبِي بَكْرِ الحديث: 654 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَإِبْهَامُ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ عُدُولٌ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ فِي سَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ) بِمَكَّةَ وَكَانُوا عَشَرَةَ آلَافٍ، وَقِيلَ: اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَجَمَعَ بِأَنَّ الْعَشَرَةَ خَرَجَ بِهِمْ مِنَ الْمَدِينَةِ ثُمَّ تَلَاحَقَ بِهِ الْأَلْفَانِ (بِالْفِطْرِ وَقَالَ: تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ) بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ، كَأَنَّهُ قِيلَ لِأَجْلِ أَنْ تَقْوُوا لِمُلَاقَاةِ عَدُوِّكُمْ (وَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَفِيهِ أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 184) (قَالَ أَبُو بَكْرِ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (قَالَ الَّذِي حَدَّثَنِي: فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْجِيمِ، قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ ( «يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ مِنَ الْعَطَشِ أَوْ مِنَ الْحَرِّ» ) ، تُحْتَمَلُ " أَوْ " الشَّكُّ وَالتَّنْوِيعُ، فَتُحْمَلُ الْمَشَقَّةَ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِهَا فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، أَلَا تَرَى إِلَى قِيَامِهِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ؟ ( «ثُمَّ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ قَدْ صَامُوا حِينَ صُمْتَ» ) لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ أَمْرَهُ بِالْفِطْرِ لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ بِدَلِيلِ صِيَامِهِ هُوَ، أَوِ اخْتِصَاصِهِ بِمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ جِدًّا، وَالَّذِينَ صَامُوا لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ. « (فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَدِيدِ دَعَا بِقَدَحٍ) مِنْ مَاءٍ (فَشَرِبَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ) » زَادَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ: " «فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، قَالَ: " أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ مَرَّتَيْنِ» ". قَالَ عِيَاضٌ: وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ لِمَصْلَحَةِ التَّقَوِّي عَلَى الْعَدُوِّ فَلَمْ يَفْعَلُوا حَتَّى عَزَمَ عَلَيْهِمْ بَعْدُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ. قَالَ غَيْرُهُمَا: أَوْ عَبَّرَ بِهِ مُبَالَغَةً فِي حَثِّهِمْ عَلَى الْفِطْرِ رِفْقًا بِهِمْ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " «سَافَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ صِيَامٌ فَقَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَكَانَتْ رُخْصَةً، فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا فَكَانَتْ عَزِيمَةً» ". وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " «خَرَجْنَا عَامَ الْفَتْحِ صُوَّامًا حَتَّى بَلَغْنَا الْكَدِيدَ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِطْرِ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ مِنْهُمُ الصَّائِمُ وَمِنْهُمُ الْمُفْطِرُ، حَتَّى إِذَا بَلَغْنَا الظَّهْرَانَ آذَنَنَا بِلِقَاءِ الْعَدُوِّ وَأَمَرَنَا بِالْفِطْرِ فَأَفْطَرْنَا أَجْمَعِينَ» "، ثُمَّ لَا تَعَارُضُ بَيْنَ حَدِيثَيِ الْبَابِ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِالْكَدِيدِ، وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ، وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْطَرَ فِي عُسْفَانَ» . وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَادٍ أَمَامَ عُسْفَانَ مَعَ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ، وَهَذِهِ أَمَاكِنُ مُخْتَلِفَةٌ؛ لِأَنَّهَا كَمَا قَالَ عِيَاضٌ: أَمَاكِنُ مُتَقَارِبَةٌ، وَعُسْفَانُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَنْ عَمَلَهَا، أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِحَالِ النَّاسِ وَمَشَقَّتِهِمْ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ فِطْرُهُ بِالْكَدِيدِ لِحَدِيثِ الْمُوَطَّأِ هَذَا، وَجَمْعُهُ الثَّانِي إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الْمَشْهُودِ الْمَعْرُوفِ أَنَّ عُسْفَانَ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ، وَالْكَدِيدَ عَلَى اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِنْهَا، لَا عَلَى مَا نَقَلَهُ هُوَ أَنَّ عُسْفَانَ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ»   655 - 653 - (مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنِي أَنَسٌ (بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ) وَقَدْ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ « (سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَعِبِ) بِالْجَزْمِ وَحُرِّكَ بِالْكَسْرِ؛ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ (الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ) » لِأَنَّ كُلًّا فَعَلَ مَا يَجُوزُ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ أَبْطَلَ صَوْمَ الْمُسَافِرِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْفِطْرَ عَزِيمَةٌ مِنَ اللَّهِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ أَيَّامًا أُخَرَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ إِنْكَارَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُتَعَارَفِ الَّذِي تَجِبُ الْحُجَّةُ بِهِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " «كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ "، قَالَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ نَصٌّ رَافِعٌ لِلنِّزَاعِ. هَذَا وَزَعَمَ ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يُتَابِعْ عَلَى لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّ غَيْرَهُ يَرْوِيهِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَافِرُونَ فَيَصُومُ بَعْضُهُمْ وَيُفْطِرُ بَعْضُهُمْ، فَلَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَنَّهُ كَانَ يُشَاهِدُهُمْ فِي حَالِهِمْ هَذِهِ ". وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ قِلَّةُ اتِّسَاعٍ فِي عِلْمِ الْأَثَرِ، فَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَلَى لَفْظِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ: أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ وَأَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ حُمَيْدٍ بِهِ، قَالَ: وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ كَمَا قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ إِلَّا شَيْخَهُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْعُودٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ حُمَيْدٍ، انْتَهَى. وَهُوَ حَسَنٌ. لَكِنَّ قَوْلَهُ: " لَا أَعْلَمُ. . . إِلَخْ " تَقْصِيرٌ مِنْ مِثْلِهِ كَبِيرٌ، فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ سُلَيْمَانِ الْأَحْمَرِ عَنْ حُمَيْدٍ كَذَلِكَ فَكَأَنَّ حُمَيْدًا حَدَّثَ بِهِ بِالْوَجْهَيْنِ، وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ الحديث: 655 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ حُمَيْدٍ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَتَابَعَهُ فِي شَيْخِهِ حُمَيْدٌ مُوَرِّقٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ أَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ فَسَقَطَ الصَّوَّامُ وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةَ وَسَقَوُا الرِّكَابَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ أَصُومُ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ»   656 - 654 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حَمْزَةَ) بْنَ عَمْرِو بْنِ عُوَيْمِرٍ (الْأَسْلَمِيَّ) أَبَا صَالِحٍ وَأَبَا مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيَّ، صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَلَهُ إِحْدَى وَسَبْعِينَ، وَقِيلَ: ثَمَانُونَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا لِيَحْيَى، وَقَالَ جَمِيعُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ حَمْزَةَ "، وَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ هِشَامٍ، وَرَوَاهُ أَبُو مَعْشَرٍ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَالْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ ثَلَاثَتُهُمْ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ حَمْزَةَ، كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي مَرَاوِحٍ عَنْ حَمْزَةَ، فَهَذَا أَبُو الْأَسْوَدِ وَهُوَ ثَبْتٌ فِي عُرْوَةَ وَغَيْرِهِ قَدْ خَالَفَ هِشَامًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ يَحْيَى لَيْسَتْ بِخَطَأٍ. وَيَجُوزُ أَنَّ عُرْوَةَ سَمِعَهُ مِنْ عَائِشَةَ وَمِنْ أَبِي مَرَاوِحٍ جَمِيعًا عَنْ حَمْزَةَ، فَحَدَّثَ بِهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَرْسَلَهُ أَحْيَانًا. وَقَالَ الْحَافِظُ: رَوَاهُ الْحُفَّاظُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ حَمْزَةَ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ ثَلَاثَتُهُمْ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ عَنْ حَمْزَةَ، فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ حَمْزَةَ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ عَائِشَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَقْصِدُوا بِقَوْلِهِمْ: " عَنْ حَمْزَةَ " الرِّوَايَةَ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا الْإِخْبَارَ عَنْ حِكَايَتِهِ فَالتَّقْدِيرُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ قِصَّةِ حَمْزَةَ، لَكِنْ صَحَّ مَجِيءُ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ حَمْزَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي مَرَاوِحٍ، عَنْ حَمْزَةَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ لِعُرْوَةَ فِيهِ طَرِيقَيْنِ سَمِعَهُ مِنْ عَائِشَةَ وَسَمِعَهُ مِنْ أَبِي مَرَاوِحٍ عَنْ حَمْزَةَ أَنَّهُ (قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ أَصُومُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: أَسْرُدُ الصَّوْمَ (أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟) وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ عَنْ مَالِكٍ: " «أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ " وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ) » بِهَمْزَةِ قَطْعٍ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَرَاوِحٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَجِدُ لِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ أَخَذَ بِهَا الحديث: 656 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» "، وَهَذَا يُشْعِرُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صِيَامِ الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا تُطْلَقُ فِي مُقَابَلَةِ الْوَاجِبِ، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ أَنَّ حَمْزَةَ قَالَ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي صَاحِبُ ظَهْرٍ أُعَالِجُهُ أُسَافِرُ عَلَيْهِ وَأُكْرِيهِ، وَإِنَّهُ رُبَّمَا صَادَفَنِي هَذَا الشَّهْرُ - يَعْنِي رَمَضَانَ - وَأَنَا أَجِدُ الْقُوَّةَ وَأَجِدُنِي أَنْ أَصُومَ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤَخِّرَهُ فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيَّ؟ فَقَالَ: أَيُّ ذَلِكَ شِئْتَ يَا حَمْزَةُ» "، قَالَ عِيَاضٌ: احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ الْفِطْرُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ فِيهِ: فَحَسَنٌ. وَقَالَ فِي الصَّوْمِ فَلَا جُنَاحَ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: " هَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ " فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِحَسَنٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْجُنَاحِ أَعَمُّ مِنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافَقِيهِ؛ أَيْ: كَمَالِكٍ: أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ وَسَرْدَهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِمَنْ لَا يَخَافُ مِنْهُ ضَرَرًا، وَلَا تَفْوِيتَ حَقٍّ، بِشَرْطِ فِطْرِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِسَرْدِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ بَلْ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَأَذِنَ لَهُ فِيهِ فِي السَّفَرِ فَفِي الْحَضَرِ أَوْلَى، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُطِيقُ السَّرْدَ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا تَفْوِيتِ حَقٍّ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: أَجِدُ بِي قُوَّةً. وَأَمَّا إِنْكَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ صَوْمَ الدَّهْرِ فَلِعِلْمِهِ أَنَّهُ سَيَضْعُفُ عَنْهُ، وَقَدْ ضَعُفَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَكَانَ يَقُولُ: لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اهـ. بَلِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السَّرْدَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ سَوَّغَهُ لِحَمْزَةَ، وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ لَبَيَّنَهُ لِحَمْزَةَ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَمْرٍو خَاصٌّ بِهِ لِعِلْمِهِ بِضَعْفِ حَالِهِ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ ضَعُفَ حَالُهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ مَوْصُولًا، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَصُومُ فِي السَّفَرِ   657 - 655 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَصُومُ فِي السَّفَرِ) لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ لَا يُجْزِي؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ عَزِيمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 184) فَجَعَلَ عَلَيْهِ عِدَّةً. وَبِهِ قَالَ أَبُوهُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَقَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَيَرُدُّهُ أَحَادِيثُ الْبَابِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَاحْتَجُّوا لِذَلِكَ أَيْضًا بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ؛ أَيْ: فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ، رَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» "، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: " «لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ» "، وَزَادَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: " «عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ» "، وَرِوَايَتُهُ عَلَى لُغَةِ حِمْيَرَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالُوا: مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْبِرِّ فَهُوَ مِنَ الْإِثْمِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَامٌّ الحديث: 657 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ، فَإِنْ قَصُرَ عَلَيْهِ لَمْ تَقُمْ بِهِ حُجَّةٌ وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى مَنْ حَالُهُ مِثْلُ حَالِ الرَّجُلِ، وَبَلَغَ بِهِ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ؛ أَيْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْلُغَ هَذَا بِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ إِثْمًا لَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لَيْسَ الْبِرُّ، أَوْ لَيْسَ هُوَ الْبِرُّ؛ إِذْ قَدْ يَكُونُ الْفِطْرُ أَبَرَّ مِنْهُ فِي حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ لِيَتَقَوَّى عَلَيْهِ، وَتَكُونُ " مِنْ " زَائِدَةً كَمَا يُقَالُ: مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ، وَمَا جَاءَنِي أَحَدٌ، وَنَظِيرُهُ الْحَدِيثُ: " «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، قِيلَ: فَمَنِ الْمِسْكِينُ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَسْأَلُ وَلَا يَجِدُ مَا يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ» ". وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّوَّافَ مِسْكِينٌ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا وَقَفَ الْمِسْكِينُ بِبَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَرُدُّهُ وَلَوْ بِتَمْرَةٍ» " فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْفِطْرَ فِيهِ بِرٌّ أَيْضًا لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ بِرُخْصَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ وَنُسَافِرُ مَعَهُ فَيَصُومُ عُرْوَةُ وَنُفْطِرُ نَحْنُ فَلَا يَأْمُرُنَا بِالصِّيَامِ   658 - 656 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ وَنُسَافِرُ مَعَهُ فَيَصُومُ عُرْوَةُ) لِأَنَّهُ يَرَاهُ أَفْضَلُ كَالْجُمْهُورِ (وَنُفْطِرُ نَحْنُ فَلَا يَأْمُرُنَا بِالصَّوْمِ) لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا الْجَائِزَ. الحديث: 658 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 [بَاب مَا يَفْعَلُ مَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ أَرَادَهُ فِي رَمَضَانَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فِي رَمَضَانَ فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ الْمَدِينَةَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ وَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فِي رَمَضَانَ فَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ وَهُوَ بِأَرْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ فَإِنَّهُ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقْدَمُ مِنْ سَفَرِهِ وَهُوَ مُفْطِرٌ وَامْرَأَتُهُ مُفْطِرَةٌ حِينَ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا فِي رَمَضَانَ أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا إِنْ شَاءَ   8 - بَابُ مَا يَفْعَلُ مَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ أَرَادَهُ فِي رَمَضَانَ 657 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فِي رَمَضَانَ فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ الْمَدِينَةَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُرِيدُ دُخُولَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ فَصَوْمُهُ مُسْتَحَبٌّ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ؛ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ عَلَى أَهْلِهِ) نُصِبَ عَلَى التَّوَسُّعِ (مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ وَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ، دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ) اسْتِحْبَابًا كَمَا قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 الْإِمَامُ نَفْسُهُ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، كَمَا عُلِمَ. (وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ) لِلسَّفَرِ (فِي رَمَضَانَ، وَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ وَهُوَ بِأَرْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ فَإِنَّهُ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ) وُجُوبًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْمُزَنِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، فَإِنْ أَفْطَرَ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا كَفَّارَةَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ كِنَانَةَ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا حَظَّ لَهُ فِي أَثَرٍ وَلَا نَظَرٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقْدَمُ مِنْ سَفَرِهِ وَهُوَ مُفْطِرٌ، وَامْرَأَتُهُ مُفْطِرَةٌ حِينَ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا) أَوْ نِفَاسِهَا (فِي رَمَضَانَ أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا) يُجَامِعُهَا (إِنْ شَاءَ) ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ لِعِلَّةٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَسْتَدِيمُ الْفِطْرَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَإِنْ زَالَتِ الْعِلَّةُ كَحَائِضٍ طَهُرَتْ، وَمَرِيضٌ أَفَاقَ، وَمُسَافِرٌ قَدِمَ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَتَى زَالَتْ عِلَّةُ الْفِطْرِ وَجَبَ إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَصْحَابُهُ بِاتِّفَاقِهِمْ فِي مَنْ أَصْبَحَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ مُفْطِرًا، ثُمَّ صَحَّ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّهُ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ وَنَحْوَهُ لَهُ الْفِطْرُ، وَالْجَاهِلُ بِدُخُولِ الشَّهْرِ لَيْسَ جَهْلُهُ بِدَافِعٍ عَنْهُ لِوَاجِبٍ إِذَا عَلِمَهُ؛ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 [بَاب كَفَّارَةِ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَقَالَ لَا أَجِدُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقِ تَمْرٍ فَقَالَ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجِدُ أَحْوَجَ مِنِّي فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ كُلْهُ»   9 - بَابُ كَفَّارَةِ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ 660 - 658 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ الْحَافِظُ: هَكَذَا تَوَارَدَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ، وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ نَفْسًا جَمَعْتُهُمْ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ، مِنْهُمْ: ابْنُ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثُ وَمَنْصُورٌ وَمَعْمَرٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَشُعَيْبٌ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمَالِكٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُسَافِرٍ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ، وَعُقَيْلٌ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَيُونُسُ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ وَصَالِحُ بْنُ الحديث: 660 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 أَبِي الْأَخْضَرِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَخَالَفَهُمْ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ فَرَوَاهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَزَمَ الْبَزَّارُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ بِأَنَّ هِشَامَ بْنَ سَعْدٍ أَخْطَأَ فِيهِ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا فَقَدْ جَمَعَهُمَا عَنْهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، أَخْرَجُهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَأَبِي أُوَيْسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ التَّصْرِيحُ بِالتَّحْدِيثِ بَيْنَ حُمَيْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَجُلًا) هُوَ سَلْمَانُ، وَيُقَالُ فِيهِ: سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْجَارُودِ، وَبِهِ جَزَمَ عَبْدُ الْغَنِيِّ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سَلَمَةَ هُوَ الْمَظَاهِرُ فِي رَمَضَانَ، وَإِنَّمَا أَتَى أَهْلَهُ لَيْلًا رَأَى خَلْخَالَهَا فِي الْقَمَرِ، وَلَكِنْ رَأَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ سَلْمَانُ بْنُ صَخْرٍ أَحَدُ بَنِي بَيَاضَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَظُنُّ هَذَا وَهَمًا؛ لِأَنَّ الْمَحْفُوظَ أَنَّ سَلَمَةَ أَوْ سَلْمَانَ إِنَّمَا كَانَ مُظَاهِرًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ؛ أَيْ: لَيْلًا بَعْدَ أَنْ ظَاهَرَ فَلَا يَكُونُ وَهَمًا، وَيُحْتَمَلُ وُقُوعُ الْأَمْرَيْنِ لَهُ، قَالَ: وَسَبَبُ ظَنِّهِمْ أَنَّهُ الْمُحْتَرِقُ أَنَّ ظِهَارَهُ مِنَ امْرَأَتِهِ كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَامَعَ لَيْلًا كَمَا هُوَ صَرِيحُ حَدِيثِهِ، وَأَمَّا الْمُحْتَرِقُ فَأَعْرَابِيٌّ جَامَعَ نَهَارًا فَتَغَايَرَا، نَعَمِ؛ اشْتَرَكَا فِي قَدْرِ الْكَفَّارَةِ وَفِي الْإِتْيَانِ بِالتَّمْرِ، وَفِي الْإِعْطَاءِ وَفِي قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا: أَعْلَى أَفْقَرَ مِنَّا، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اتِّحَادُهُمَا. (أَفْطَرَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: اخْتَلَفَتْ رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي لَفْظِهِ، فَقَالَ أَصْحَابُ الْمُوَطَّأِ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ: أَفْطَرَ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: جَامَعَ (فِي رَمَضَانَ) ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ لَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا أَفْطَرَ؟ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ، فَذَكَرُوا مَا أَفْطَرَ بِهِ، فَتَمَسَّكَ بِهِ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا فِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ خَاصَّةٌ بِالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ بَرِّيَّةٌ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ فِيهِ إِلَّا بِيَقِينٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِتَعَمُّدِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَنَحْوِهِمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ شَرْعًا الِامْتِنَاعُ مِنَ الطَّعَامِ وَالْجِمَاعِ، فَإِذَا ثَبَتَ فِي وَجْهٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ثَبَتَ فِي نَظِيرِهِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الشَّهْرِ بِمَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ عَمْدًا. وَلَفْظُ حَدِيثِ مَالِكٍ: يَجْمَعُ كُلَّ فِطْرٍ، لَكِنْ قَالَ عِيَاضٌ: دَعْوَى عُمُومِ قَوْلِهِ: " أَفْطَرَ " ضَعِيفَةٌ، قَالَ الْأَبِيُّ: لِأَنَّ أَفْطَرَ فِعْلٌ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ بِعُمُومِهِ، إِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ( «فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَالِكٌ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ رُوَاتُهُ عَلَيْهِ فِيهِ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَبُو أُوَيْسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَلَى تَرْتِيبِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: " «هَلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْتِقَ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا» " الْحَدِيثَ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي طَائِفَةٍ فَقَالُوا: لَا يَنْتَقِلُ عَنِ الْعِتْقِ إِلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ وَلَا عَنِ الصَّوْمِ كَذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ: هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ الْبَابِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ بِمُرَادٍ، وَلِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِطْعَامِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا؛ وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ: الْإِطْعَامُ أَفْضَلُ وَلِأَنَّهُ سُنَّةُ الْبَدَلِ فِي الصِّيَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَالْمُفَرِّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ لَا يُؤْمَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِعِتْقٍ وَلَا صِيَامٍ، فَصَارَ الْإِطْعَامُ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الصِّيَامِ، وَنَظَائِرُهُ مِنَ الْأُصُولِ فَلِذَا فَضَّلَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ مِمَّا يُوهِمُ تَعْيِنَ الْإِطْعَامِ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَفْضَلُ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَيْسَ فِي قَوْلِهِ: " هَلْ تَسْتَطِيعُ " دَلَالَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا نَصًّا وَلَا ظَاهِرًا إِنَّمَا فِيهِ الْبُدَاءَةُ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ يَصِحُّ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّرْتِيبِ، فَبَانَ مِنْ رِوَايَةِ " أَوْ " أَنَّ الْمُرَادَ التَّخْيِيرُ، انْتَهَى. (فَقَالَ لَا أَجِدُ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: " «قَالَ: تَصَدَّقَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا لِي شَيْءٌ وَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ» "، زَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فَقَالَ: اجْلِسْ (فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَلَمْ يُسَمِّ الْآتِي لَكِنْ لِلْبُخَارِيِّ فِي الْكَفَّارَاتِ: " فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ "، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا: " فَأَتَى رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ "، قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَلِيفًا لِلْأَنْصَارِ أَوْ إِطْلَاقِ الْأَنْصَارِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ، (بِعَرَقِ تَمْرٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَقَافٍ، وَرُوِيَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ رِوَايَةً وَلُغَةً، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَكْثَرُهُمْ يَرْوِيهَا بِإِسْكَانِ الرَّاءِ، وَالصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ الْإِتْقَانِ فَتْحُ الرَّاءِ، وَكَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَفَسَّرَهُ الزُّهْرِيُّ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ بِأَنَّهُ الْمِكْتَلُ؛ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، قَالَ الْأَخْفَشُ: سُمِّيَ الْمِكْتَلُ عَرَقًا؛ لِأَنَّهُ يُضَفَّرُ عَرَقَةً عَرَقَةً، وَالْعُرُوقُ جَمْعُ عِرْقَةٍ كَعَلَقٍ وَعَلَقَةٍ، وَالْعَرَقَةُ الضَّفِيرَةُ مِنَ الْخُوصِ (فَقَالَ: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ) أَيْ: بِالتَّمْرِ الَّذِي فِيهِ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجِدُ أَحْوَجَ) ضُبِطَ بِالرَّفْعِ عَلَى جَعْلِ " مَا " تَمِيمِيَّةٌ، وَالنَّصْبِ عَلَى جَعْلِهَا حِجَازِيَّةٌ عَامِلَةٌ عَمَلَ لَيْسَ (مِنِّي) ، وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ: " «عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا - يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي» "، وَفِي أُخْرَى: " «مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَهْلِي، مَا أَحَدٌ أَحْوَجَ إِلَيْهِ مِنِّي» "، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «مَا لَنَا عَشَاءُ لَيْلَةٍ» " ( «فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ» ) جَمْعُ نَابٍ، وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُلَاصِقَةُ لِلرُّبَاعِيَّاتِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ، وَالضَّحِكُ فَوْقَ التَّبَسُّمِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ ضَحِكَهُ كَانَ تَبَسُّمًا فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ، لَكِنَّهُ تَعَجَّبَ هُنَا مِنْ حَالِ الرِّجَالِ فِي كَوْنِهِ جَاءَ أَوَّلًا هَالِكًا مُحْتَرِقًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ رَاغِبًا فِي فِدَائِهَا مَهْمَا أَمْكَنَهُ، فَلَمَّا وَجَدَ الرُّخْصَةَ طَمِعَ أَنْ يَأْكُلَ الْكَفَّارَةَ. (ثُمَّ قَالَ: كُلْهُ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: " أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ "، وَفِي أُخْرَى: " عِيَالَكَ "، وَاحْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُ بِأَنْ لَا تَجِبَ الْكَفَّارَةُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ تَأْخِيرَهَا إِلَى وَقْتِ الْيُسْرِ لَا أَنَّهُ أَسْقَطَهَا عَنْهُ جُمْلَةً، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ نَفْيُ اسْتِقْرَارِهَا عَلَيْهِ، بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِقْرَارِهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَجْزِهِ عَنِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ أَتَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّمْرِ فَأَمَرَهُ بِإِخْرَاجِهِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَلَوْ كَانَتْ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ، لَكِنْ لَمَّا احْتَاجَ إِلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى عِيَالِهِ فِي الْحَالِ أَذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ وَإِطْعَامِ عِيَالِهِ، وَبَقِيَتِ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ الْبَيَانَ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَانَ هَذَا رُخْصَةً لِهَذَا الرَّجُلِ خَاصَّةً، أَمَّا الْيَوْمُ فَلَا بُدَّ مِنَ الْكَفَّارَةِ. وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: " «كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلَكَ وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ» "، وَقَالَ عِيَاضٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ هَذَا خَاصٌّ بِهَذَا الرَّجُلِ، أَبَاحَ لَهُ الْأَكْلَ مِنْ صَدَقَةِ نَفْسِهِ لِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ لِفَقْرِهِ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْسُوخٌ، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ لِيُكَفِّرَ بِهِ وَيَجْزِيَهُ إِذَا أَعْطَاهُ، وَمَنْ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَقِيلَ: لَمَّا عَجَزَ مِنْ نَفَقَةِ أَهْلِهِ جَازَ لَهُ إِعْطَاءُ الْكَفَّارَةِ عَنْ نَفْسِهِ لَهُمْ، وَقِيلَ: لَمَّا مَلَكَهَا لَهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ جَازَ لَهُ وَلِأَهْلِهِ أَكْلُهَا لِحَاجَتِهِمْ، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِتِلْكَ الْكَفَّارَةِ. وَقِيلَ: أَطْعَمَهُ إِيَّاهُ لِفَقْرِهِ وَأَبْقَى الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يُوسِرَ، هَذَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ: حُكْمُ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَلَمْ يَجِدْهَا السُّقُوطُ كَهَذَا الرَّجُلِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا فِيمَا فِيهِ الِاجْتِهَادُ دُونَ الْحَدِّ أَنَّهُ لَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِ وَلَا عُقُوبَةَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَاقِبْهُ عَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ مَجِيئَهُ وَاسْتِفْتَاءَهُ دَلِيلُ تَوْبَتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عُوقِبَ مَنْ جَاءَ مَجِيئَهُ لَمْ يَسْتَفْتِ أَحَدٌ عَنْ نَازِلَةٍ خَوْفَ الْعُقُوبَةِ، بِخِلَافِ مَا فِيهِ الْحَدُّ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ إِلَّا الْحَرَّابَةُ إِذَا تَابَ مِنْهَا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ اسْتَنْبَطَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ نَحْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَقُولُ هَلَكَ الْأَبْعَدُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ فَقَالَ أَصَبْتُ أَهْلِي وَأَنَا صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً فَقَالَ لَا فَقَالَ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً قَالَ لَا قَالَ فَاجْلِسْ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقِ تَمْرٍ فَقَالَ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ مَا أَحَدٌ أَحْوَجَ مِنِّي فَقَالَ كُلْهُ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَ مَا أَصَبْتَ» قَالَ مَالِكٌ قَالَ عَطَاءٌ فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَمْ فِي ذَلِكَ الْعَرَقِ مِنْ التَّمْرِ فَقَالَ مَا بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إِلَى عِشْرِينَ قَالَ مَالِكٌ سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَيْسَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ بِإِصَابَةِ أَهْلِهِ نَهَارًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ الَّتِي تُذْكَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَصَابَ أَهْلَهُ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ فِيهِ إِلَيَّ   661 - 659 - (مَالِكٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ) وَقِيلَ اسْمُ أَبِيهِ مَيْسَرَةَ وَهُوَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ مَوْلَى الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ. وَقِيلَ: مَوْلَى هُذَيْلٍ، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ، أَصْلُهُ مِنْ مَدِينَةِ بَلْخٍ مِنْ خُرَاسَانَ، وَسَكَنَ الشَّامَ، كَانَ فَاضِلًا عَالِمًا بِالْقُرْآنِ عَامِلًا، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةُ الحديث: 661 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 أَئِمَّةٍ كَمَالِكٍ وَمَعْمَرٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَرُبَّمَا كَانَ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ، لِمَالِكٍ عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ، وَفِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ صَدُوقٌ يَهِمُ كَثِيرًا وَيُرْسِلُ وَيُدَلِّسُ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ، وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ لَهُ. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ) لَمْ يُسَمِّ أَوْ هُوَ سَلَمَةُ، وَيُقَالُ فِيهِ سَلْمَانُ بْنُ صَخْرٍ أَحَدُ بَنِي بَيَاضَةَ كَمَا مَرَّ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ جَمَاعَةِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ مُرْسَلًا وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِمَعْنَاهُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ إِلَّا قَوْلَهُ: " «أَنْ تَهْدِيَ بَدَنَةً» " فَغَيْرُ مَحْفُوظٍ، ( «يَضْرِبُ نَحْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ» ) زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَيَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَيَلْطِمُ وَجْهَهُ وَيَدْعُو وَيْلَهُ، قِيلَ فِيهِ جَوَازُ ذَلِكَ لِمَنْ وَقَعَتْ لَهُ مُصِيبَةٌ فِي الدِّينِ لِمَا يَشْعُرُ بِهِ حَالُهُ مِنْ شِدَّةِ النَّدَمِ وَصِحَّةِ الْإِقْلَاعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ لَطْمِ الْخُدُودِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ (وَيَقُولُ: هَلَكَ الْأَبْعَدُ) يَعْنِي نَفْسَهُ، وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ: هَلَكْتُ وَأَهْلَكْتُ؛ أَيْ: فَعَلْتُ مَا هُوَ سَبَبٌ لِهَلَاكِي وَهَلَاكِ غَيْرِي، وَهُوَ زَوْجَتُهُ الَّتِي وَطِئَهَا، أَوِ الْمَعْنَى هَلَكْتُ بِوُقُوعِي فِي شَيْءٍ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَهْلَكْتُ نَفْسِي بِفِعْلِي الَّذِي جَرَّ عَلَيَّ الْإِثْمَ، لَكِنْ زِيَادَةُ " وَأَهْلَكْتُ " حَكَمَ الْبَيْهَقِيُّ وَشَيْخُهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّهَا بَاطِلَةٌ وَغَلَطٌ مِمَّنْ قَالَهَا، كَمَا بَسَطَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فَقَالَ: " احْتَرَقْتُ احْتَرَقْتُ "، أَطْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ مَجَازًا عَنِ الْعِصْيَانِ، أَوْ أَنَّهُ يَحْتَرِقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْإِثْمِ يَسْتَحِقُّ عَذَابَ النَّارِ، وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي بِجَعْلِ الْمُتَوَقَّعِ كَالْوَاقِعِ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ؟) الَّذِي هَلَكْتَ بِهِ، وَلِأَحْمَدَ: الَّذِي أَهْلَكَكَ (قَالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي) أَيْ: جَامَعْتُ زَوْجَتِي، وَفِي رِوَايَةٍ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: " «وَطِئْتُ امْرَأَتِي» "، (وَأَنَا) أَيْ: وَالْحَالُ أَنِّي (صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ) قَالَ الْحَافِظُ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي إِطْلَاقِ اسْمِ الْمُشْتَقِّ بَقَاءُ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ حَقِيقَةً لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ صَائِمًا مُجَامِعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: " وَطِئْتُ " أَيْ: شَرَعْتُ فِي الْوَطْءِ، أَوْ أَرَادَ جَامَعْتُ بَعْدَ إِذْ أَنَا صَائِمٌ. (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ) أَيْ: تَقْدِرُ (أَنْ تَعْتِقَ رَقَبَةً؟ فَقَالَ: لَا) أَسْتَطِيعُ، وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ: " «وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ» "، وَفِي أُخْرَى فَقَالَ: " «وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا مَلَكْتُ رَقَبَةً قَطُّ» "، وَاسْتَدَلَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ إِيمَانِ الرَّقَبَةِ لِإِطْلَاقِهِ فِيهَا، وَاشْتَرَطَ إِيمَانَهَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ السَّوْدَاءِ: " «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» "، وَلِتَقْيِيدِهَا بِالْإِيمَانِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ الصَّوْمُ وَالظِّهَارُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الْأَبِيُّ بِأَنَّ حَمْلَ الْمُطَلَّقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ إِذَا اتَّحَدَ الْمُوجَبُ، فَإِنِ اخْتَلَفَ كَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ فَالَّذِي يَنْقُلُهُ الْأُصُولِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ عَدَمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 الْحَمْلِ كَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ. ( «قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً» ؟) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَحْفُوظٌ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ إِلَّا هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ. وَنَقَلَ الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: كَذَبَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ مَا حَدَّثْتُهُ، إِنَّمَا بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ تَصَدَّقْ، وَقَدِ اضْطَرَبَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَاسِمِ وَلَا يَخْرُجُ بِمِثْلِهِ عَطَاءٌ فَإِنَّهُ فَوْقَهُ فِي الشُّهْرَةِ بِحَمْلِهِ الْعِلْمَ وَشُهْرَتِهِ فِيهِ وَفِي الْخَبَرِ أَكْثَرَ مِنَ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ الْبُخَارِيُّ أَدْخَلَهُ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ بِهَذَا الْخَبَرِ فَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ أَسْنَدَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ ذِكْرَ الْبَدَنَةِ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، فَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «أَعْتِقْ رَقَبَةً، ثُمَّ قَالَ: انْحَرْ بَدَنَةً» ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَكَذَا أَسْنَدَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا، إِلَّا أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَرَوْا نَحْرَ الْبَدَنِ عَمَلًا بِحَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَفْتَى بِذَلِكَ إِلَّا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ انْتَهَى مُلَخَّصًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّ غَلَطَ الثِّقَةِ فِي لَفْظٍ لَا يَقْتَضِي طَرْحَ حَدِيثِهِ وَلَا تَكْذِيبَهُ دَائِمًا بَلْ يُحْكَمُ بِغَلَطِهِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَقَطْ، وَالَّذِي فِي الْأَحَادِيثِ قَالَ: " «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ (قَالَ: لَا) » ، وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا أَقْدِرُ "، وَلِلْبَزَّارِ: " «وَهَلْ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ إِلَّا مِنَ الصِّيَامِ» ؟ "، وَسَقَطَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: " «هَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا» "، وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ هَذِهِ كَفَّارَاتٍ لِفِطْرِ الصَّائِمِ عَمْدًا سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ أَوِ التَّخْيِيرِ أَنَّ مَنِ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ بِالْمَعْصِيَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً تَفْدِي نَفْسَهُ، وَقَدْ صَحَّ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ، وَالصِّيَامُ كَالْمُقَاصَّةِ بِجِنْسِ الْجِنَايَةِ وَكَوْنُهُ شَهْرَيْنِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِمُصَابَرَةِ النَّفْسِ فِي حِفْظِ كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ عَلَى الْوَلَاءِ، فَلَمَّا أَفْسَدَ مِنْهُ يَوْمًا كَانَ كَمَنْ أَفْسَدَ الشَّهْرَ كُلَّهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بِالنَّوْعِ فَكُلِّفَ بِشَهْرَيْنِ مُضَاعَفَةً عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ لِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ مُقَابَلَةُ كُلِّ يَوْمٍ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ، (قَالَ: فَاجْلِسْ) ، قِيلَ: أَمَرَهُ بِذَلِكَ انْتِظَارًا لِمَا يَأْتِيهِ كَمَا وَقَعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَجَاءُ فَضْلِ اللَّهِ أَوِ انْتِظَارُ وَحْيٍ يَنْزِلُ فِي أَمْرِهِ، ( «فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقِ تَمْرٍ» ) أَيْ فِيهِ تَمْرٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ: «فَجَلَسَ فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَسُوقُ حِمَارًا عَلَيْهِ طَعَامٌ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ آنِفًا؟ فَقَامَ الرَّجُلُ» (فَقَالَ: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ) ، وَعِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ فَقَالَ: إِلَى مَنْ أَدْفَعُهُ؟ فَقَالَ: إِلَى أَفْقَرَ مَنْ تَعْلَمُ (فَقَالَ: مَا أَحَدٌ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ (أَحْوَجَ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ هَكَذَا ضُبِطَ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ، (مِنِّي، فَقَالَ: كُلْهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَإِنَّمَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ لِيَتَبَلَّغَ بِهِ وَتَبْقَى الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ. وَرُوِيَ: " «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» " وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الِاحْتِمَالِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَيُجْزِي عَنْهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 خَاصٌّ بِذَلِكَ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِبَقَاءِ الْكَفَّارَةِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَهُ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ حِينَ أَمَرَهُ بِهَا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَمَرَّ لَهُ مَزِيدٌ. ( «وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَ مَا أَصَبْتَ» ) فَفِي هَذَا إِلْزَامُ الْقَضَاءِ مَعَ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْجُمْهُورِ، وَأَسْقَطَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا خَبَرِ عَائِشَةَ وَلَا فِي نَقْلِ الْحَافِظِ لَهُمَا ذِكْرُ الْقَضَاءِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ طَرِيقٍ يُعْرَفُ بِمَجْمُوعِهَا أَنَّ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَصْلًا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ. وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ: إِنْ كَفَرَ بِعِتْقٍ أَوْ إِطْعَامٍ قَضَى الْيَوْمَ، وَإِنْ صَامَ شَهْرَيْنِ دَخَلَ فِيهِمَا قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَنْكِيرِ " يَوْمًا " عِنْدَ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِيَّةِ، (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ عَطَاءٌ) الْخُرَاسَانِيُّ (فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ: كَمْ فِي ذَلِكَ الْعَرَقِ مِنَ التَّمْرِ؟ فَقَالَ: مَا بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إِلَى عِشْرِينَ) ، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: فَأُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا. وَفِي مُرْسَلِ عَطَاءٍ عِنْدَ مُسَدَّدٍ: فَأَمَرَ لَهُ بِبَعْضِهِ، وَهُوَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَمَنْ قَالَ عِشْرِينَ أَرَادَ أَصْلَ مَا كَانَ فِيهِ، وَمَنْ قَالَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَرَادَ قَدْرَ مَا تَقَعُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلْكَافَّةِ فِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ لِأَنَّ الْعَرَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ. وَفِي الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ الْكَفَّارَةِ بِالْعَمْدِ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ أَوْجَبَهَا عَلَى النَّاسِي أَيْضًا مُتَمَسِّكًا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِفْسَارَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ هَلْ كَانَ عَمْدًا أَوْ عَنْ نِسْيَانٍ؟ وَتَرْكُ الِاسْتِفْسَارِ فِي الْفِعْلِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ الْحَالُ مِنْ قَوْلِهِ احْتَرَقْتُ وَهَلَكْتُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَأَيْضًا فَدُخُولُ النِّسْيَانِ فِي الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَإِنْ أَمْكَنَ. (قَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ بِإِصَابَةِ أَهْلِهِ نَهَارًا) عَمْدًا، (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالْأَوْلَى (الْكَفَّارَةُ الَّتِي تُذْكَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَصَابَ أَهْلَهُ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ) لِأَنَّهَا لِحُرْمَةِ انْتِهَاكِهِ (وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ) فَقَطْ، (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ فِيهِ إِلَيَّ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وَعَلَى هَذَا الْكَافَّةُ إِلَّا قَتَادَةَ وَحْدَهُ فَقَالَ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إِلَّا ابْنَ وَهْبٍ وَرِوَايَةً عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَجَعَلَا عَلَيْهِ قَضَاءَ يَوْمَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 [بَاب مَا جَاءَ فِي حِجَامَةِ الصَّائِمِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدُ فَكَانَ إِذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ   10 - بَابُ مَا جَاءَ فِي حِجَامَةِ الصَّائِمِ 662 - 660 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ قَالَ) نَافِعٌ (وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدُ) لَمَّا بَلَغَهُ فِيهَا، (فَكَانَ إِذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ) وَكَانَ مِنَ الْوَرَعِ بِمَكَانٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الْبَاجِّي: لَمَّا كَبُرَ وَضَعُفَ خَافَ أَنْ تَضْطَرَّهُ الْحِجَامَةُ إِلَى الْفِطْرِ أَيْ فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي حَالِ قُوَّةٍ يَأْمَنُ فِيهَا الضَّعْفَ ثُمَّ تَرَكَ خِيفَةَ الضَّعْفِ لَمَّا أَسَنَّ. الحديث: 662 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَا يَحْتَجِمَانِ وَهُمَا صَائِمَانِ   663 - 661 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٍ أَحَدُ الْعَشْرَةِ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَا يَحْتَجِمَانِ وَهُمَا صَائِمَانِ) ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ كَمَا قَالَ نَافِعٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مُنْقَطِعٌ. ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ قَالَ: وَفِعْلُ سَعِدٍ يُضَعِّفُ حَدِيثَهُ الْمَرْفُوعَ: " «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» "، وَقَدِ انْفَرَدَ بِهِ دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَإِنْ صَحَّ حَدِيثُ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» عَنْ غَيْرِ سَعْدٍ وَعِنْدِي أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» " لِأَنَّ فِي حَدِيثِ شَدَّادٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَامَ الْفَتْحِ عَلَى مَنْ يَحْتَجِمُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» . وَابْنُ عَبَّاسٍ شَهِدَ مَعَهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَشَهِدَ حِجَامَتَهُ حِينَئِذٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ. وَحَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا مَدْفَعَ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَهُوَ نَاسِخٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ بَعْدَ ذَلِكَ رَمَضَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَفَاتِهِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ مُتَعَارِضَةٌ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا، وَالْأَصْلُ أَنَّ الصَّائِمَ عَلَى صَوْمِهِ لَا يَنْتَقِضُ إِلَّا بِسُنَّةٍ لَا مُعَارِضَ لَهَا، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَسْأَلَةُ أَثَرِيَّةٌ لَا نَظَرِيَّةٌ وَقَدْ صَحَّ النَّسْخُ فِيهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَطْعَمَ رَجُلًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ الحديث: 663 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 يُفْطِرِ الْفَاعِلُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ ذَهَبَ أَجْرُهُمَا لِمَا عَلِمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ كَخَبَرِ: " «مَنْ لَغَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» " أَيْ ذَهَبَ أَجْرُ جُمْعَتِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمَا كَانَا مُغْتَابِينَ أَوْ قَاذِفِينَ فَبَطُلَ أَجْرُهُمَا لَا حُكْمُ صَوْمِهِمَا انْتَهَى. وَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ سَيُفْطِرَانِ نَحْوَ: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] (سُورَةُ يُوسُفَ الْآيَةُ: 36) وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: مَعْنَاهُ تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ، وَأَمَّا الْحَاجِمُ فَلَا يَأْمَنُ وُصُولَ شَيْءٍ مِنَ الدَّمِ إِلَى جَوْفِهِ عِنْدَ الْمَصِّ، وَأَمَّا الْمَحْجُومُ فَلَا يَأْمَنُ ضَعْفَ قُوَّتِهِ بِخُرُوجِ الدَّمِ فَيَؤُولُ إِلَى الْفِطْرِ، وَقِيلَ: مَعْنَى أَفْطَرَا فَعَلَا مَكْرُوهًا وَهُوَ الْحِجَامَةُ فَصَارَا كَأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَلَبِّسِينَ بِالصِّيَامِ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: جَاءَ بَعْضُهُمْ بِأُعْجُوبَةٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» لِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَالْغِيبَةُ تُفَطِّرُ؟ قَالَ: لَا، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ. قَالَ الْحَافِظُ: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ وَفِيهِ مَتْرُوكٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: إِنَّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ لَا يُفْطِرُ قَالَ وَمَا رَأَيْتُهُ احْتَجَمَ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ مَالِكٌ لَا تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ إِلَّا خَشْيَةً مِنْ أَنْ يَضْعُفَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تُكْرَهْ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا احْتَجَمَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ سَلِمَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَمْ آمُرْهُ بِالْقَضَاءِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي احْتَجَمَ فِيهِ لِأَنَّ الْحِجَامَةَ إِنَّمَا تُكْرَهُ لِلصَّائِمِ لِمَوْضِعِ التَّغْرِيرِ بِالصِّيَامِ فَمَنْ احْتَجَمَ وَسَلِمَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ حَتَّى يُمْسِيَ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ   664 - 662 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ لَا يُفْطِرُ وَمَا رَأَيْتُهُ احْتَجَمَ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ صَائِمٌ) لِأَنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ الصَّوْمَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ يَحْتَجِمُ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَكَى أَكْثَرَ أَفْعَالِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: أَنَّ ثَابِتًا سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ: لَا إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ. وَالَّذِي (قَالَ مَالِكٌ لَا تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ إِلَّا خَشْيَةً مِنْ أَنْ يَضْعُفَ) فَيَلْجَأَ إِلَى الْفِطْرِ، (وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ) لِأَنَّهَا إِخْرَاجٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَإِخْرَاجُ الْمَنِيِّ فِيهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. (وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا احْتَجَمَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ سَلِمَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا) لِأَنَّ فَاعِلَ الْمَكْرُوهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، (وَلَمْ آمُرْهُ بِالْقَضَاءِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي احْتَجَمَ فِيهِ لِأَنَّ الْحِجَامَةَ إِنَّمَا تُكْرَهُ لِلصَّائِمِ لِمَوْضِعِ التَّغْرِيرِ) بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءَيْنِ (بِالصِّيَامِ فَمَنِ احْتَجَمَ وَسَلِمَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ حَتَّى يُمْسِيَ الحديث: 664 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ) وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ مَهْدِيٍّ: لَا يَجُوزُ فَإِنِ احْتَجَمَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَشَذَّ عَطَاءٌ فَقَالَ: إِنْ تَعَمَّدَ الِاحْتِجَامَ أَوِ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَإِنِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ: " «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنِ اسْتِقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ» "، وَبِحَدِيثِ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ» "، قِيلَ: هَذِهِ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ شَيْءٌ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ نَجَسٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُفْطِرُ، وَأَمَّا الْمُسْتَقِيءُ فَبِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ رُجُوعُ الْقَيْءِ بِتَرَدُّدِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ قَاءَ فَأَفْطَرَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَمَعْنَى قَاءَ اسْتِقَاءَ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ» "، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُبْلَةِ وَالْحِجَامَةِ» لِلصَّائِمِ انْتَهَى. وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «أَرْخَصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ» ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْعَزِيمَةِ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِ الْفِطْرِ بِالْحِجَامَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 [بَاب صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ وَتُرِكَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ»   11 - بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِالْمَدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ قَصْرُهُ، وَزَعَمَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَنَّهُ اسْمٌ إِسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، رَدَّهُ عَلَيْهِ ابْنُ دِحْيَةَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْبَابِ وَبِغَيْرِهِ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدِهِمْ أَنَّهُ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَهُوَ مُقْتَضَى الِاشْتِقَاقِ وَالتَّسْمِيَةِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: عَاشُورَاءُ مَصْدَرٌ مَعْدُولٌ عَنْ عَاشِرٍ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّعْظِيمِ، هُوَ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ لِلَيْلَةِ الْعَاشِرِ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَشْرِ الَّذِي هُوَ اسْمُ الْعَقْدِ وَالْيَوْمُ مُضَافٌ إِلَيْهَا، فَإِذَا قِيلَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَكَأَنَّهُ قِيلَ يَوْمُ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمَّا عَدَلُوا بِهِ عَنِ الصِّفَةِ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الِاسْمِيَّةُ فَاسْتَغْنَوْا عَنِ الْمَوْصُوفِ فَحَذَفُوا اللَّيْلَةَ فَصَارَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَمًا عَلَى الْيَوْمِ الْعَاشِرِ. وَقِيلَ هُوَ تَاسِعُ الْمُحَرَّمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: فَعَلَى الْأَوَّلِ الْيَوْمُ مُضَافٌ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ، وَعَلَى الثَّانِي مُضَافٌ لِلَّيْلَةِ الْآتِيَةِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَجِ: " «قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ؟ قَالَ، نَعَمْ» "، وَفِي الْمُصَنَّفِ عَنِ الضَّحَّاكِ: عَاشُورَاءُ يَوْمُ التَّاسِعِ قِيلَ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعِشْرِ بِالْكَسْرِ فِي أَوْرَادِ الْإِبِلِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: وَرَدَتِ الْإِبِلُ عِشْرًا إِذَا وَرَدَتِ الْيَوْمَ التَّاسِعِ لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ فِي الْإِظْمَاءِ يَوْمَ الْوُرُودِ، فَإِذَا قَامَتْ فِي الرَّعْيِ يَوْمَيْنِ ثُمَّ وَرَدَتْ فِي الثَّالِثِ قَالُوا: وَرَدَتْ رِبْعًا، وَإِنْ رَعَتْ ثَلَاثًا وَفِي الرَّابِعِ وَرَدَتْ قَالُوا: وَرَدَتْ خِمْسًا، وَإِنْ بَقِيَتْ فِيهِ ثَمَانِيَةً وَوَرَدَتْ فِي التَّاسِعِ قَالُوا: وَرَدَتْ عِشْرًا، فَيَحْسَبُونَ فِي كُلِّ هَذَا بَقِيَّةَ الْيَوْمِ الَّذِي وَرَدَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 فِيهِ وَأَوَّلَ الْيَوْمِ الَّذِي تَرِدُ فِيهِ بَعْدَهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّاسِعُ عَاشُورَاءَ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ: الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا أَنَّهُ الْعَاشِرُ وَهُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَتَقْدِيرُ أَخْذِهِ مِنَ الْإِظْمَاءِ بِعِيدٌ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّانِي يُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ: إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» "، فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ لَيْسَ هُوَ التَّاسِعَ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْعَاشِرَ، وَالتَّاسِعُ لَمْ يَبْلُغْهُ وَلَعَلَّهُ لَوْ بَلَغَهُ صَامَهُ مَعَ الْعَاشِرِ كَمَا فِي حَدِيثِ: " «فَصُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ» "، وَإِلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ حَتَّى لَا يَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ فِي إِفْرَادِ الْعَاشِرِ، وَقِيلَ: لِلِاحْتِيَاطِ فِي تَحْصِيلِ عَاشُورَاءَ لِلْخِلَافِ فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَيْهِ. 665 - 663 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُمُ اقْتَدَوْا فِي صِيَامِهِ بِشَرْعٍ سَالِفٍ وَلِذَا كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ بِكِسْوَةِ الْكَعْبَةِ فِيهِ، لَكِنْ فِي الْمَجْلِسِ الثَّالِثِ مِنْ مَجَالِسِ الْبَاغَنْدِيِّ الْكَبِيرِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ قُرَيْشٍ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: أَذْنَبَتْ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَعَظُمَ فِي صُدُورِهِمْ فَقِيلَ لَهُمْ صُومُوا عَاشُورَاءَ يُكَفِّرْهُ. وَفِي الْإِكْمَالِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ هَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ مُسَمَّيَاتُهَا لُغَةً أَوْ نَقَلَهَا الشَّارِعُ عَنْهَا وَوَضَعَهَا عَلَى مَعَانٍ أُخَرَ؟ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ سُنَنَ الْعَرَبِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ، فَعَرَفُوا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَتَقَرَّبُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فَمَا خَاطَبَهُمُ الشَّرْعُ إِلَّا بِمَا عَرَفُوهُ تَحْقِيقًا لَا أَنَّهُ أَتَاهُمْ بِأَلْفَاظٍ ابْتَدَعَهَا لَهُمْ أَوْ بِأَلْفَاظٍ لُغَوِيَّةٍ لَا يُعْرَفُ مِنْهَا الْمَقْصُودُ إِلَّا رَمْزًا كَمَا قَالَ الْمُخَالِفُ، ( «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» ) يُحْتَمَلُ بِحُكْمِ الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ كَالْحَجِّ أَوْ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِي صِيَامِهِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ. ( «فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ» ) فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِلَا رَيْبٍ (صَامَهُ) عَلَى عَادَتِهِ، (وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ رِوَايَتَانِ اقْتَصَرَ عِيَاضٌ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ كَمَا اسْتَأْلَفَهُمْ بِاسْتِقْبَالِ قِبْلَتِهِمْ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَمْ يَصُمْهُ اقْتِدَاءً بِهِمْ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ مُوَافَقَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُنْهَ الحديث: 665 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 عَنْهُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بُعِثَ تَرَكَ صَوْمَهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ وَعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ ( «فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ» ) أَيْ صِيَامُهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ (كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ) بِالنَّصْبِ ( «وَتَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَحَتَّمًا، فَعَلَى هَذَا لَمْ يَقَعِ الْأَمْرُ بِصَوْمِهِ إِلَّا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِفَرْضِيَّتِهِ فَقَدْ نُسِخَ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّدَ لِلنَّاسِ أَمْرًا بِصِيَامِهِ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ، بَلْ تَرَكَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ عَنْ صِيَامِهِ، فَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ بِصِيَامِهِ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ لِلْوُجُوبِ فَفِي نَسْخِ الِاسْتِحْبَابِ إِذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، وَإِنْ كَانَ لِلِاسْتِحْبَابِ كَانَ بَاقِيًا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ. وَفِي الْإِكْمَالِ قِيلَ: كَانَ صَوْمُهُ صَدْرَ الْإِسْلَامِ قَبْلَ رَمَضَانَ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقِيلَ: كَانَ سُنَّةً مُرَغَّبًا فِيهِ ثُمَّ خُفِّفَ فَصَارَ مُخَيَّرًا فِيهِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَمْ يَزَلْ فَرْضُهُ بَاقِيًا لَمْ يُنْسَخْ وَانْقَرَضَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا وَحَصَلَ الْإِجْمَاعُ الْيَوْمَ عَلَى خِلَافِهِ، وَكَرِهَ ابْنُ عُمَرَ قَصْدَ صِيَامِهِ بِالتَّعْيِينِ لِحَدِيثٍ جَاءَ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: فَمَنْ شَاءَ. . . إِلَخْ، وَحَدِيثُ: " «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» " ظَاهِرَانِ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جَرِيرٌ وَغَيْرُهُ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ «يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ»   666 - 664 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) ، قَالَ الْحَافِظُ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَتَابَعَهُ يُونُسُ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ كِلَاهُمَا عَنْ مُعَاوِيَةَ. قَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرِ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأُمَوِيَّ، وَهُوَ وَأَبُوهُ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَقِيلَ: أَسْلَمَ مُعَاوِيَةُ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَكَتَمَ إِسْلَامَهُ، وَكَانَ أَمِيرًا عِشْرِينَ سَنَةً وَخَلِيفَةً عِشْرِينَ، وَكَانَ يَقُولُ: أَنَا أَوَّلُ الْمُلُوكِ، (يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ) وَكَانَ أَوَّلُ حَجَّةٍ حَجَّهَا بَعْدَ الْخِلَافَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَآخِرُ حَجَّةٍ حَجَّهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَجَّةُ الْأَخِيرَةُ وَكَأَنَّهُ تَأَخَّرَ بِمَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ بَعْدَ الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَاشُورَاءَ (وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ) بِالْمَدِينَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ. وَقَالَ فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا الحديث: 666 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 (يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ) قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يُوجِبُهُ أَوْ يُحَرِّمُهُ أَوْ يَكْرَهُهُ فَأَرَادَ إِعْلَامَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَاسْتِدْعَاؤُهُ الْعُلَمَاءَ تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى الْحُكْمِ، أَوِ اسْتِعَانَةً بِمَا عِنْدَهُمْ عَلَى مَا عِنْدَهُ، أَوْ تَوْبِيخًا أَنَّهُ رَأَى أَوْ سَمِعَ مَنْ خَالَفَهُ، وَقَدْ خَطَبَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ لَهُمُ اهْتِمَامًا بِصِيَامِهِ، فَلِذَا سَأَلَ عَنْ عُلَمَائِهِمْ. ( «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ: هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ» ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (صِيَامُهُ) نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَفِي رِوَايَةٍ: " «وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ» "، ( «وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» ) هَذَا مِنَ الْمَرْفُوعِ، فَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي هَذَا الْيَوْمِ: إِنِّي صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» "، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ قَطُّ وَلَا نُسِخَ بِرَمَضَانَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ فَإِنْ كَانَ سَمِعَ هَذَا بَعْدَ إِسْلَامِهِ فَإِنَّمَا سَمِعَهُ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ وَذَلِكَ بَعْدَ نَسْخِهِ بِرَمَضَانَ، فَمَعْنَى " لَمْ يُكْتَبْ " لَمْ يُفْرَضْ بَعْدَ إِيجَابِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَدِلَّةِ الصَّرِيحَةِ فِي وُجُوبِهِ، وَإِنْ كَانَ سَمِعَهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ قَبْلَ افْتِرَاضِهِ، وَنُسِخَ عَاشُورَاءُ بِرَمَضَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي قَبْلَهُ وَكَوْنُ لَفْظِ أُمِرَ فِي قَوْلِهَا وَأُمِرَ بِصِيَامِهِ مُشْتَرِكًا بَيْنَ الصِّيغَةِ الطَّالِبَةِ نَدْبًا وَإِيجَابًا مَمْنُوعٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فَقَوْلُهَا فُرِضَ رَمَضَانُ. . . إِلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا فِي الصِّيغَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ النَّدْبِ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إِلَى الْآنِ فَكَانَ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوبِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرْسَلَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ غَدًا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَصُمْ وَأْمُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَصُومُوا   666 - 665 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرْسَلَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَكِّيِّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ وَكَانَ مِنَ الْفُضَلَاءِ سَأَلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْوَحْيِ كَمَا مَرَّ وَاسْتُشْهِدَ بِالشَّامِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ ( «أَنَّ غَدًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَصُمْ وَأْمُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَصُومُوا» ) كَأَنَّ الْإِمَامَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَصَدَ بِإِيرَادِ هَذَا بَعْدَ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَمُعَاوِيَةَ الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّ تَخْيِيرَهُ فِيهِمَا إِنَّمَا كَانَ لِسُقُوطِ وُجُوبِ صِيَامِهِ لَا أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِيهِ، فَلَمَّا سَقَطَ وُجُوبُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 صِيمَ عَلَى جِهَةِ الْفَضْلِ وَلِأَمْرِ عُمَرَ بِهِ فِي خِلَافَتِهِ وَكَذَا عَلِيٌّ رَوَى قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَقَدْ صَامَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وُجُوبِ رَمَضَانَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ تَبَرُّرًا، وَفَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَهُ أَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 [بَاب صِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَالدَّهْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى» وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَا بَأْسَ بِصِيَامِ الدَّهْرِ إِذَا أَفْطَرَ الْأَيَّامَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهَا وَهِيَ أَيَّامُ مِنًى وَيَوْمُ الْأَضْحَى وَيَوْمُ الْفِطْرِ فِيمَا بَلَغَنَا قَالَ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ   12 - بَابُ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطَرِ وَالْأَضْحَى وَالدَّهْرِ 668 - 666 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْبَاءِ الثَّقِيلَةِ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ» ) نَهْيَ تَحْرِيمٍ (يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى) فَصِيَامُهُمَا حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ مُتَطَوِّعٍ وَنَاذِرٍ وَقَاضٍ فَرْضًا وَمُتَمَتِّعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَصُومُهُمَا مَنْ نَذَرَهُمَا لِحَدِيثِ: " «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» "، قَالَ الْمَازِرِيُّ: ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ أَحَدِ الْعِيدَيْنِ لَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقْضِي وَإِنْ صَامَهُ أَجْزَأَهُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ حَدِيثُ: " «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ» "، وَقَضَاؤُهُ لَيْسَ مِنْ لَفْظِ النَّاذِرِ فَلَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْجُمْهُورَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ خَالَفَ النَّاسَ كُلَّهُمْ فِي ذَلِكَ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: أَصْلُ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّهْيَ هَلْ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؟ قَالَ الْأَكْثَرُ لَا. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: نَعَمْ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْأَعْمَى لَا يُبْصِرُ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ مُمْكِنٌ وَإِذَا أَمْكَنَ ثَبَتَتِ الصِّحَّةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِمْكَانَ الْمَذْكُورَ عَقْلِيٌّ وَالنِّزَاعُ فِي الشَّرْعِيِّ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ شَرْعًا، لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ شَرْعًا، وَمِنْ حُجَجِ الْمَانِعِينَ أَنَّ النَّفْلَ الْمُطْلَقَ إِذَا نُهِيَ عَنْ فِعْلِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ مَطْلُوبُ التَّرْكِ سَوَاءٌ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ، وَالنَّفْلَ مَطْلُوبُ الْفِعْلِ، فَلَا يَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ ذِي الْوَجْهَيْنِ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْإِقَامَةِ فِي الْمَغْصُوبِ لَيْسَتْ لِذَاتِ الصَّلَاةِ بَلْ لِلْإِقَامَةِ، وَطَلَبُ الْفِعْلِ لِذَاتِ الْعِبَادَةِ، بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ فَالنَّهْيُ فِيهِ لِذَاتِ الصَّوْمِ فَافْتَرَقَا انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَأَعَادَهُ الْإِمَامُ فِي الْحَجِّ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ. - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَا بَأْسَ بِصِيَامِ الدَّهْرِ) أَيْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى فِعْلِهِ الحديث: 668 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 بِلَا كُرْهٍ وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ إِذْ لَيْسَ ثَمَّ صِيَامٌ مُبَاحٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ (إِذَا أَفْطَرَ الْأَيَّامَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهَا وَهِيَ أَيَّامُ مِنًى) ثَلَاثَةٌ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: " لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجْدِ الْهَدْيَ " وَلِهَذَا حُكْمُ الرَّفْعِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَلِلطَّحَاوِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ: " «رَخَّصَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ» "، وَرَوَى الْإِمَامُ فِي الْحَجِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: " «إِنَّهَا الْأَيَّامُ الَّتِي نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِنَّ وَأَمَرَنَا بِفِطْرِهِنَّ» "، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ. وَفِي مُسْلِمٍ «عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَأَوْسُ بْنُ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» "، زَادَ أَصْحَابُ السُّنَنِ: وَذِكْرِ اللَّهِ فَلَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ. (وَيَوْمُ الْأَضْحَى وَالْفِطَرِ) لِحَدِيثِ الْبَابِ (فِيمَا بَلَغَنَا قَالَ) ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَفِي نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيَّامٍ ذَكَرَهَا دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ مَا عَدَاهَا، (وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ الدَّهْرِ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وَعَقَدَ بِيَدِهِ» "، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُهَا، " وَعَلَى " بِمَعْنَى " عَنْ " أَيْ ضُيِّقَتْ عَنْهُ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: لِأَنَّهُ لَمَّا ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ مَسَالِكَ الشَّهَوَاتِ بِالصَّوْمِ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ فَلَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا مَكَانٌ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ طُرُقَهَا بِالْعِبَادَةِ. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ بِكَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ، وَقَالَ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ. وَشَذَّ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: مَنْ صَامَ الدَّهْرَ أَثِمَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: " «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ مَرَّتَيْنِ» "، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ دُعَاءً فَيَا وَيْحَ مَنْ أَصَابَهُ دُعَاءُ الْمُصْطَفَى، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَيَا وَيْحَ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِهِ أَوْ فَوَّتَ بِهِ حَقًّا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ خِطَابًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَفِي مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ عَجَزَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَنَدِمَ عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يَقْبَلْ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيَعْجِزُ، وَأَقَرَّ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو لِعِلْمِهِ بِقُدْرَتِهِ بِلَا ضَرَرٍ وَبِأَنَّ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يَجِدْ مِنَ الْمَشَقَّةِ مَا يَجِدُهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ إِذَا اعْتَادَهُ لَمْ يَجِدْ فِي صَوْمِهِ مَشَقَّةً. وَتَعَقَبَّهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِسِيَاقِ الْحَدِيثِ، أَلَا تَرَاهُ نَهَاهُ أَوَّلًا عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ كُلِّهِ ثُمَّ حَثَّهُ عَلَى صَوْمِ دَاوُدَ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَ الشَّرْعِ، وَبِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِأَنْ يَصُومَ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَبِهَذَا أَجَابَتْ عَائِشَةُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ: «لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» ، وَهُوَ يُؤْذِنُ بِأَنْ لَا أَجْرَ وَلَا إِثْمَ. وَمَنْ صَامَ الْأَيَّامَ الْمُحَرَّمَةَ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عِنْدَ مَنْ أَجَازَهُ إِلَّا إِيَّاهَا يَكُونُ قَدْ فَعَلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 مُسْتَحَبًّا وَحَرَامًا، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَيَّامَ الْمُحَرَّمَةَ مُسْتَثْنَاةٌ شَرْعًا غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ اللَّيْلِ وَأَيَّامِ الْحَيْضِ فَلَمْ تَدْخُلْ فِي السُّؤَالِ عِنْدَ مَنْ عَلِمَ بِتَحْرِيمِهَا، وَلَا يَصْلُحُ الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ: " «لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» " لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَوْمِ وَفِطْرِ يَوْمٍ لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: هُوَ أَفْضَلُ مِنَ السَّرْدِ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَفْضِيلِ السَّرْدِ وَتَخْصِيصِ هَذَا الْحَدِيثِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ، وَتَقْدِيرُهُ: لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّكَ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو عَنِ السَّرْدِ وَيُرْشِدْهُ إِلَى يَوْمٍ وَيَوْمٍ، وَلَوْ كَانَ أَفْضَلَ فِي حَقِّ كُلِّ النَّاسِ لَأَرْشَدَهُ إِلَيْهِ وَبَيَّنَهُ لَهُ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 [بَاب النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوِصَالِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ فَقَالَ إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى»   13 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ بِهِ وَصْلَ صَوْمِ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ آخَرَ. 670 - 667 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ الْوِصَالِ» ) ، وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاصَلَ فَوَاصَلَ النَّاسُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَنَهَاهُمْ "، ( «فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ» ) لَمْ يُسَمِّ الْقَائِلُونَ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي لَفْظٍ: فَقَالَ رِجَالٌ بِالْجَمْعِ وَكَانَ الْقَائِلُ وَاحِدٌ وَنُسِبَ إِلَى الْجَمْعِ لِرِضَاهُمْ بِهِ، وَفِيهِ اسْتِوَاءُ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْأَحْكَامِ، وَأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ إِلَّا مَا اسْتَثْنَى فَطَلَبُوا الْجَمْعَ بَيْنَ نَهْيِهِ وَفِعْلِهِ الدَّالِّ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَأَجَابَهُمْ بِاخْتِصَاصِهِ بِهِ، ( «فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ» ) أَيْ لَيْسَ حَالِي كَحَالِكُمْ، أَوْ لَفْظُ هَيْئَةٍ زَائِدٌ، وَالْمُرَادُ لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ، وَلِلتِّنِّيسِيِّ: لَسْتُ مِثْلَكُمْ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي أَيْ لَسْتُمْ عَلَى صِفَتِي وَمَنْزِلَتِي مِنْ رَبِّي. ( «إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فِيهِمَا حَقِيقَةً فَيُؤْتَى بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَرَامَةً لَهُ فِي لَيَالِي صَوْمِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ مُوَاصِلًا، وَيَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةُ: أَظَلُّ يُطْعِمُنِي لِأَنَّ " أَظَلُّ " لَا يَكُونُ إِلَّا بِالنَّهَارِ وَالْأَكْلُ فِيهِ مَمْنُوعٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الحديث: 670 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 طَعَامَ الْجَنَّةِ وَشَرَابَهَا لَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ التَّكْلِيفِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الَّذِي يُفْطِرُ شَرْعًا إِنَّمَا هُوَ الطَّعَامُ الْمُعْتَادُ، وَأَمَّا الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ كَالْمُحْضَرِ مِنَ الْجَنَّةِ فَعَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى، وَلَيْسَ تَعَاطِيهِ مِنْ جِنْسِ الْأَعْمَالِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الثَّوَابِ كَأَكْلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَالْكَرَامَةُ لَا تُبْطِلُ الْعِبَادَةَ فَلَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ صَوْمُهُ وَلَا يَنْقَطِعُ وِصَالُهُ وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ لَازِمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ الْقُوَّةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: يُعْطِينِي قُوَّةَ الْآكِلِ وَالشَّارِبِ وَيَفِيضُ عَلَيَّ مَا يَسُدُّ مَسَدَّهُمَا وَيُقَوِّي عَلَى أَنْوَاعِ الطَّاعَةِ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ فِي الْقُوَّةِ وَلَا كَلَالٍ فِي الْإِحْسَاسِ، أَوِ الْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ فِيهِ مِنَ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ مَا يُغْنِيهِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَا يُحِسُّ بِجُوعٍ وَلَا عَطَشٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ يُعْطَى الْقُوَّةَ بِلَا شِبَعٍ وَلَا رِيٍّ بَلْ مَعَ الْجُوعِ وَالظَّمَأِ. وَعَلَى الثَّانِي: يُعْطَى الْقُوَّةَ مَعَهُمَا. وَرَجَّحَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّ الثَّانِي يُنَافِي حَالَ الصَّائِمِ وَيُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ مِنَ الصَّوْمِ وَالْوِصَالِ لِأَنَّ الْجُوعَ هُوَ رُوحُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ بِخُصُوصِهَا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيُبْعِدُهُ أَيْضًا النَّظَرُ إِلَى حَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ يَجُوعُ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْبَعُ، وَيَرْبِطُ عَلَى بَطْنِهِ الْحِجَارَةَ مِنَ الْجُوعِ، ثُمَّ النَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورُ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ إِلَى السَّحَرِ لِعُمُومِ النَّهْيِ وَلِحَدِيثِ: " «إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا عَنْهُ» "، وَقِيلَ: لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَجَازَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالُوا: النَّهْيُ عَنْهُ رَحْمَةٌ وَتَخْفِيفٌ فَمَنْ قَدَرَ فَلَا حَرَجَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: " «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ» "، وَرُدَّ بِأَنَّ الرَّحْمَةَ لَا تَمْنَعُ النَّهْيَ، فَمِنْ رَحْمَتِهِ أَنَّهُ كَرِهَهُ لَهُمْ أَوْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَعَلَى جَوَازِهِ فَإِنَّمَا يُصَامُ اللَّيْلُ تَبَعًا لِلنَّهَارِ، فَأَمَّا أَنْ يُفْرَدَ بِالصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ، وَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِلَى السَّحَرِ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: " «لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إِلَى السَّحَرِ» "، وَعَارَضَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: " «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» "، قَالَ: فَالْوِصَالُ خُصُوصٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُوَاصِلُ لَا يَنْتَفِعُ بِوِصَالِهِ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مَوْضِعًا لِلصَّوْمِ، وَلَا مَعْنَى لِطَلَبِ الْفَضْلِ فِي الْوِصَالِ إِلَى السَّحَرِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَوَاهُ لِحَدِيثِ: " «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» "، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْجَلَ النَّاسِ فِطْرًا» " انْتَهَى. وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبِ الصِّيَامَ بِاللَّيْلِ فَمَنْ صَامَ فَقَدْ تَعَنَّى وَلَا أَجْرَ لَهُ» "، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ: مَا أَرَى عُبَادَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «عَنْ لَيْلَى امْرَأَةِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ قَالَتْ: " أَرَدْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمَيْنِ مُوَاصَلَةً فَمَنَعَنِي بَشِيرٌ وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ وَقَالَ: يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى، وَلَكِنْ صُومُوا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) فَإِذَا كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 اللَّيْلُ فَأَفْطِرُوا» "، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جُوَيْرِيَةُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَأَيُّوبُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي»   671 - 668 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ» ) نُصِبَ عَلَى التَّحْذِيرِ أَيِ احْذَرُوا الْوِصَالَ ( «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ» ) ذَكَرَهُ مَرَّتَيْنِ لِلتَّأْكِيدِ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: " «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» "، (قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي) بِضَمِّ الْيَاءِ (رَبِّي وَيَسْقِينِي) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِثْبَاتِ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ كَقِرَاءَةِ يَعْقُوبَ فِي الشُّعَرَاءِ حَالَةَ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ مُرَاعَاةً لِلْأَصْلِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْوَصْلِ فَقَطْ مُرَاعَاةً لِلْأَصْلِ وَالرَّسْمِ فَإِنَّهَا رُسِمَتْ فِي الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ بِحَذْفِ الْيَاءِ، وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي فَيُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» "، وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ» "، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مُطْلَقِ الْكَوْنِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ، لِأَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ هُوَ الْإِمْسَاكُ لَيْلًا لَا نَهَارًا، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ إِنَّمَا هُوَ بِلَفْظِ " أَبِيتُ "، فَكَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ عَبَّرَ عَنْهَا بِلَفْظِ " أَظَلُّ " نَظَرًا إِلَى اشْتِرَاكِهِمَا فِي مُطْلَقِ الْكَوْنِ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: 58] (سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 58) فَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، وَلَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِنَهَارٍ دُونَ لَيْلٍ، وَآثَرَ اسْمَ الرَّبِّ دُونَ اسْمِ الذَّاتِ فَلَمْ يَقُلْ يُطْعِمُنِي اللَّهُ لِأَنَّ التَّجَلِّيَ بِاسْمِ الرُّبُوبِيَّةِ أَقْرَبُ إِلَى الْعِبَادِ مِنَ الْأُلُوهِيَّةِ لِأَنَّهَا تَجَلِّي عَظَمَةٍ لَا طَاقَةَ لِلْبَشَرِ بِهَا، وَتَجَلِّي الرُّبُوبِيَّةِ تَجَلِّي رَحْمَةٍ وَشَفَقَةٍ وَهِيَ أَلْيَقُ بِهَذَا الْمَقَامِ. نَعَمْ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: أَظَلُّ عِنْدَ اللَّهِ وَكَأَنَّهَا بِالْمَعْنَى، فَرِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا عِنْدَ رَبِّي، وَمَرَّ أَنَّ قَوْلَ الْجُمْهُورِ: إِنَّهُ مَجَازٌ عَنْ لَازِمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ الْقُوَّةُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا وَمَرَّ جَوَابُهُ، وَقِيلَ: كَانَ يُؤْتَى بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ فِي النَّوْمِ فَيَسْتَيْقِظُ وَهُوَ يَجِدُ الرِّيَّ وَالشِّبَعَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: مَعْنَاهُ وَمَحَبَّةُ اللَّهِ تَشْغَلُنِي عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْحُبُّ الْبَالِغُ يَشْغَلُ عَنْهُمَا. وَجَنَحَ إِلَيْهِ ابْنُ الْقَيِّمِ فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَشْغَلُهُ بِالتَّفَكُّرِ فِي عَظَمَتِهِ، وَالتَّمَلِّي بِمُشَاهَدَتِهِ، وَالتَّغَذِّي بِمَعَارِفِهِ، وَقُرَّةِ الْعَيْنِ الحديث: 671 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 بِمَحَبَّتِهِ، وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي مُنَاجَاتِهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَتَوَابِعِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي هِيَ غِذَاءُ الْقُلُوبِ وَنَعِيمُ الْأَرْوَاحِ وَقُرَّةُ الْعَيْنِ وَبَهْجَةُ النُّفُوسِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَلِلْقَلْبِ بِهَا وَالرُّوحِ أَعْظَمُ غِذَاءٍ وَأَنْفَعُهُ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَعْظَمَ مِنْ غِذَاءِ الْأَجْسَامِ، وَمَنْ لَهُ أَدْنَى شَوْقٍ وَتَجْرِبَةٍ يَعْلَمُ اسْتِغْنَاءَ الْجِسْمِ بِغِذَاءِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْغِذَاءِ الْجُسْمَانِيِّ، وَلَا سِيَّمَا الْفَرْحَانُ الظَّافِرُ بِمَطْلُوبِهِ الَّذِي قَرَّتْ عَيْنُهُ بِمَحْبُوبِهِ كَمَا قِيلَ: لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْرَاكِ تَشْغَلُهَا عَنِ الشَّرَابِ وَتُلْهِيهَا عَنِ الزَّادِ وَقَدْ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «فَاكْلَفُوا مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ» "، وَزَادَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ» " كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. وَبِهِ اسْتَدَلَّ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ عَلَى التَّحْرِيمِ، إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ لَمْ يُخَالِفُوهُ كَمَا لَمْ يُخَالِفُوهُ بِصَوْمِ الْعِيدَيْنِ وَلَمَا وَاصَلَ بِهِمْ، وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِالتَّحْرِيمِ بِأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ، وَأَمَّا مُوَاصَلَتُهُ بَعْدَ نَهْيِهِ فَلَيْسَتْ تَقْرِيرًا بَلْ تَقْرِيعًا وَتَنْكِيلًا، فَاحْتُمِلَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ النَّهْيِ فِي تَأْكِيدِ زَجْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ إِذَا بَاشَرُوهُ ظَهَرَتْ لَهُمْ حِكْمَةُ النَّهْيِ، فَكَانَ أَدْعَى إِلَى قَبُولِهِمْ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَلَلِ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ مِنَ الْوِصَالِ وَأَرْجَحُ، وَوَظَائِفِ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْجُوعُ الشَّدِيدُ يُنَافِي ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى تَعَسُّفُهُ إِذِ احْتِمَالُ فِعْلِ الْحَرَامِ لِمَصْلَحَةِ الزَّجْرِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ، إِذْ لَوْ قَالَ لَهُمْ حَرَامٌ لَكَانُوا أَشَدَّ النَّاسِ بُعْدًا عَنْهُ وَلَمْ يُخَالِفُوهُ كَمَا لَمْ يُخَالِفُوهُ فِي الْعِيدَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 [بَاب صِيَامِ الَّذِي يَقْتُلُ خَطَإٍ أَوْ يَتَظَاهَرُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي قَتْلِ خَطَأٍ أَوْ تَظَاهُرٍ فَعَرَضَ لَهُ مَرَضٌ يَغْلِبُهُ وَيَقْطَعُ عَلَيْهِ صِيَامَهُ أَنَّهُ إِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ وَقَوِيَ عَلَى الصِّيَامِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ وَهُوَ يَبْنِي عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ صِيَامِهِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهَا الصِّيَامُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ خَطَأً إِذَا حَاضَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ صِيَامِهَا أَنَّهَا إِذَا طَهُرَتْ لَا تُؤَخِّرُ الصِّيَامَ وَهِيَ تَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَامَتْ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنْ يُفْطِرَ إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ مَرَضٍ أَوْ حَيْضَةٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فَيُفْطِرَ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ   14 - بَابُ صِيَامِ الَّذِي يَقْتُلُ خَطَأً أَوْ يَتَظَاهَرُ (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي قَتْلِ خَطَأٍ) الْمَنْصُوصُ عَلَى تَتَابُعِهِمَا فِيهِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ (أَوْ تَظَاهُرٍ) مِنْ نِسَائِهِمْ كَذَلِكَ (فَعَرَضَ لَهُ مَرَضٌ يَغْلِبُهُ) بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ بَعْدَمَا صَامَ بَعْضَ الشَّهْرَيْنِ (وَيَقْطَعُ عَلَيْهِ صِيَامَهُ) بِالْفِطْرِ (أَنَّهُ إِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ) وَأَتَى بِقَوْلِهِ (وَقَوِيَ عَلَى الصِّيَامِ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ مِنَ الْمَرَضِ قُوَّتُهُ (فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ) أَيْ وَصْلَ صَوْمِهِ بِمَا مَضَى قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 مَرَضِهِ (وَهُوَ يَبْنِي عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ صِيَامِهِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ فَإِنْ لَمْ يَبْنِ أَخَّرَ وَاسْتَأْنَفَ الشَّهْرَيْنِ لِأَنَّ اللَّهَ قَيَّدَ بِالتَّتَابُعِ فِي الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ فَأُبِيحَ لَهُ فِطْرُ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الصَّوْمُ كَالْمَرَضِ، فَإِذَا زَالَ وَصَلَهُ، فَإِنْ أَخَّرَهُ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ. (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهَا الصِّيَامُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ خَطَأً) لِعَدَمِ وِجْدَانِهَا رَقَبَةً تُعْتِقُهَا (إِذَا حَاضَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ) تَثْنِيَةُ ظَهْرٍ (صِيَامِهَا أَنَّهَا إِذَا طَهُرَتْ لَا تُؤَخِّرُ الصِّيَامَ وَهِيَ تَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَامَتْ) فَإِنْ لَمْ تَبْنِ اسْتَأْنَفَتِ الشَّهْرَيْنِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الْحَائِضَ إِذَا وَصَلَتْ قَضَاءَ أَيَّامِ حَيْضِهَا بِصِيَامِهَا أَنَّهُ يُجْزِيهَا، وَفِي الْمَرِيضِ خِلَافٌ فَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ كَذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ: يَسْتَأْنِفُ الصِّيَامَ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنْ يُفْطِرَ إِلَّا مِنْ عِلَّةِ مَرَضٍ أَوْ حَيْضَةٍ) بِجَرِّهِمَا عَطْفُ بَيَانٍ لِعِلَّةٍ أَوْ بَدَلٌ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيَجْرِي النِّسْيَانُ مَجْرَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، ابْنُ زَرْقُونَ يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ نَاسِيًا فِي يَوْمٍ بَيَّتَ صَوْمَهُ، وَأَمَّا إِنْ بَيَّتَ الْفِطْرَ نَاسِيًا فَلَا. (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فَيُفْطِرَ) بَلْ يَصُومُ فَإِنْ أَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مَعَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ لَحِقَتْهُ فِيهِ مَشَقَّةٌ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) أَيْ لَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ إِنْ سَافَرَ فَلَيْسَ بِتَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 [بَاب مَا يَفْعَلُ الْمَرِيضُ فِي صِيَامِهِ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا أَصَابَهُ الْمَرَضُ الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْهِ الصِّيَامُ مَعَهُ وَيُتْعِبُهُ وَيَبْلُغُ ذَلِكَ مِنْهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ الَّذِي اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَبَلَغَ مِنْهُ وَمَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِعُذْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَبْدِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَا تَبْلُغُ صِفَتُهُ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ صَلَّى وَهُوَ جَالِسٌ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ وَقَدْ أَرْخَصَ اللَّهُ لِلْمُسَافِرِ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الصِّيَامِ مِنْ الْمَرِيضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَأَرْخَصَ اللَّهُ لِلْمُسَافِرِ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ مِنْ الْمَرِيضِ فَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ   15 - بَابُ مَا يَفْعَلُ الْمَرِيضُ فِي صِيَامِهِ (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْأَمْرُ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا أَصَابَهُ الْمَرَضُ الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْهِ الصِّيَامُ مَعَهُ وَيُتْعِبُهُ وَيَبْلُغُ ذَلِكَ) أَيِ الْمَشَقَّةَ وَالْإِتْعَابَ (مِنْهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: قَدْرُ الْمَرَضِ الْمُبِيحِ لِلْفِطْرِ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُقَدَّرَ بِنَفْسِهِ وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ: وَاللَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 أَعْلَمُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا شَيْءٌ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُ فَإِذَا بَلَغَ الْمَرِيضُ حَالًا لَا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الصِّيَامِ أَوْ تَيَقَّنَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ بِهِ حَتَّى يُخَافَ عَلَيْهِ جَازَ الْفِطْرُ، قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 184] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 184) ، فَإِذَا صَحَّ كَوْنُهُ مَرِيضًا صَحَّ لَهُ الْفِطْرُ، (وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ الَّذِي اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَبَلَغَ مِنْهُ وَمَا) الْوَاوُ زَائِدَةٌ (اللَّهُ أَعْلَمُ بِعُذْرِ) بِالْعَيْنِ وَالذَّالِ مُعْجَمَةٍ وَاحِدُ الْأَعْذَارِ، (ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَا تَبْلُغُ صِفَتُهُ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ صَلَّى وَهُوَ جَالِسٌ) لِلْعُذْرِ، (وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ) كَمَا قَالَ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 185) ، وَالْكَلَامُ فِي الْفَرْضِ، فَالنَّافِلَةُ يَجُوزُ الْجُلُوسُ فِيهَا بِلَا عُذْرٍ. (وَقَدْ أَرْخَصَ اللَّهُ لِلْمُسَافِرِ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الصِّيَامِ مِنَ الْمَرِيضِ) هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأُولَى. (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [البقرة: 184] أَيْ فَعَلَيْهِ عَدَدُ مَا أَفْطَرَ {مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] يَصُومُهَا بَدَلَهُ (فَأَرْخَصَ اللَّهُ لِلْمُسَافِرِ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ مِنَ الْمَرِيضِ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا احْتِجَاجٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْفِطْرَ لِلْمَرِيضِ إِلَّا لِخَوْفِ الْهَلَاكِ دُونَ الْمَشَقَّةِ الزَّائِدَةِ، وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ وَلَكِنَّهُ خَافَ اعْتِرَاضَ مُعْتَرِضٍ فَتَبَرَّعَ بِالْحُجَّةِ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَبِهِ سَقَطَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ كَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِالْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ الْمَرِيضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ قَبْلَ السَّفَرِ، لَكِنْ قَدْ يَتَأَكَّدُ قَوْلُهُ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ بِقَوْلِهِ (فَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ) فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَهُ وَمَا أَحَبَّهُ، (وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ) أَيْ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قِيلَ: لَا يُفْطَرُ لِخَشْيَةِ زِيَادَةِ الْمَرَضِ لِأَنَّهُ ظَنٌّ لَا يَقِينٌ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ بِيَقِينٍ، فَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ الْبَاجِيُّ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ، لَكِنَّهُ إِنَّمَا نَفَى عِلْمَهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهُ عَلِمَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 [بَاب النَّذْرِ فِي الصِّيَامِ وَالصِّيَامِ عَنْ الْمَيِّتِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ فَقَالَ سَعِيدٌ لِيَبْدَأْ بِالنَّذْرِ قَبْلَ أَنْ يَتَطَوَّعَ   16 - النَّذْرُ فِي الصِّيَامِ وَالصِّيَامُ عَنِ الْمَيِّتِ 669 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا (أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ؟) قَبْلَ صَوْمٍ نَذَرَهُ (فَقَالَ سَعِيدٌ: لِيَبْدَأْ بِالنَّذْرِ قَبْلَ أَنْ يَتَطَوَّعَ) ، هَذَا عَلَى الِاخْتِيَارِ وَاسْتِحْسَانِ الْبِدَارِ إِلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّطَوُّعِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ مِنْ رَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا أَوْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَأَوْصَى بِأَنْ يُوَفَّى ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ وَالْبَدَنَةَ فِي ثُلُثِهِ وَهُوَ يُبَدَّى عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ الْوَصَايَا إِلَّا مَا كَانَ مِثْلَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِنْ النُّذُورِ وَغَيْرِهَا كَهَيْئَةِ مَا يَتَطَوَّعُ بِهِ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ خَاصَّةً دُونَ رَأْسِ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ لَأَخَّرَ الْمُتَوَفَّى مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَصَارَ الْمَالُ لِوَرَثَتِهِ سَمَّى مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَتَقَاضَاهَا مِنْهُ مُتَقَاضٍ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ أَخَّرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ سَمَّاهَا وَعَسَى أَنْ يُحِيطَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ   670 - (قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلَ ذَلِكَ) فَإِنْ قَدَّمَ التَّطَوُّعَ أَسَاءَ وَصَحَّ صَوْمُهُ لِلتَّطَوُّعِ وَبَقِيَ النَّذْرُ فِي ذِمَّتِهِ هَذَا إِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا لَمْ يَجُزْ صَوْمُ غَيْرِهِ فِيهِ فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ تَرَكَ صَوْمَهُ قَادِرًا عَلَيْهِ وَكَانَ حُكْمُهُ كَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَالنَّذْرُ يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ إِنَّمَا يَلْزَمُ بِالدُّخُولِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ مِنْ رَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا أَوْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ) الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى يُهْدِيهَا، (فَأَوْصَى بِأَنْ يُوَفَّى ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ وَالْبَدَنَةَ فِي ثُلُثِهِ) لَا فِي رَأْسِ مَالِهِ، (وَهُوَ يُبَدَّى) يُقَدَّمُ (عَلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الْوَصَايَا إِلَّا مَا كَانَ مِثْلَهُ) فَسِيَّانِ، (وَذَلِكَ) أَيْ وَجْهُ تَبْدِيَةِ ذَلِكَ (أَنَّهُ لَيْسَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِنَ النُّذُورِ وَغَيْرِهَا كَهَيْئَةِ مَا يَتَطَوَّعُ بِهِ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ) لِنَقْصِهِ عَنِ الْوَاجِبِ وَلَوْ بِالنَّذْرِ، (وَإِنَّمَا يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ خَاصَّةً دُونَ رَأْسِ مَالِهِ) خِلَافًا لِقَوْمٍ قَالُوا: كُلُّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ إِذَا أَوْصَى بِهِ فَهُوَ فِي رَأْسِ مَالِهِ، (لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 رَأْسِ مَالِهِ لَأَخَّرَ الْمُتَوَفَّى) الْمَيِّتُ (مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ) أَيْ أَسْبَابُهَا، (وَصَارَ الْمَالُ لِوَرَثَتِهِ سَمَّى مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَتَقَاضَاهَا مِنْهُ مُتَقَاضٍ) بَلْ يُؤْمَرُ بِهَا بِدُونِ قَضَاءٍ، (فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ أَخَّرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ سَمَّاهَا وَعَسَى أَنْ يُحِيطَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ) لِإِضْرَارِهِ بِالْوَرَثَةِ وَاتِّهَامِهِ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ لِقَصْدِ حِرْمَانِهِمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسْأَلُ هَلْ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ أَوْ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَيَقُولُ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ   671 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسْأَلُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (هَلْ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ أَوْ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ؟ فَيَقُولُ: لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ) لِأَنَّهُمَا مِنَ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ إِجْمَاعًا فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ تَطَوُّعًا عَنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ، وَفِي الصَّوْمِ عَنِ الْحَيِّ خِلَافٌ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا. وَأَمَّا الصَّوْمُ عَنِ الْمَيِّتِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ: مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَأَحْمَدُ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِوَارِثِهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ، وَيَبْرَأُ بِهِ الْمَيِّتُ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» " وَلِحَدِيثِهِمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَتَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، فَقَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِيهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» "، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: " لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: " لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَعِنْدَهُ أَيْضًا: " أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنِ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ فَقَالَتْ: يُطْعَمُ عَنْهَا "، فَلَمَّا أَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ بِخِلَافِ مَا رَوَيَاهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّ فَتْوَى الصَّحَابِيِّ بِخِلَافِ مَرْوِيِّهِ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ لِلنَّاسِخِ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ يَدُلُّ عَلَى إِخْرَاجِ الْمَنَاطِ عَنِ الِاعْتِبَارِ، وَفِي الِاسْتِذْكَارِ لَمْ يُخَالِفْ بِفَتْوَاهُ مَا رَوَاهُ إِلَّا لِنَسْخٍ عَلِمَهُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 فِي الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَصُومَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ. انْتَهَى. وَنَقَلَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى خِلَافِهِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ يُحْمَلُ الصِّيَامُ عَلَى الْإِطْعَامِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ: " «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ كُلَّ يَوْمٍ مُدًّا مِسْكِينًا» " فَضَعِيفٌ، وَأَيْضًا فَالْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلَوْ ثَبَتَ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِالْحَمْلِ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِالصِّيَامِ يَجُوزُ عِنْدَهُ الْإِطْعَامُ أَوِ الْحَدِيثَانِ تَعَارَضَا فَيَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] (سُورَةُ النَّجْمِ: الْآيَةُ 39) ، وَقَدْ أُعِلَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالِاضْطِرَابِ، فَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ السَّائِلَ امْرَأَةٌ أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، وَفِي أُخْرَى وَعَلَيْهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَأُخْرَى أَنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَأُخْرَى قَالَ رَجُلٌ: مَاتَتْ أُمِّي وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، وَلَكِنْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ اضْطِرَابًا وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافٌ يُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَقَائِعِ لَكِنَّهُ بِعِيدٌ لِاتِّحَادِ الْمَخْرَجِ، فَالرِّوَايَاتُ كُلُّهَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 [بَاب مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَفْطَرَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ عُمَرُ الْخَطْبُ يَسِيرٌ وَقَدْ اجْتَهَدْنَا قَالَ مَالِكٌ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ الْخَطْبُ يَسِيرٌ الْقَضَاءَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَخِفَّةَ مَؤُونَتِهِ وَيَسَارَتِهِ يَقُولُ نَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ   17 - بَابُ مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ 676 - 672 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَفْطَرَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ) سَحَابٍ (وَرَأَى) اعْتَقَدَ قَبْلَ فِطْرِهِ (أَنَّهُ قَدْ أَمْسَى وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ طَلَعَتِ الشَّمْسُ) أَيْ ظَهَرَتْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ لِيَعْلَمَ الْحُكْمَ فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ لِيُمْسِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الزَّمَانَ صَوْمٌ ثُمَّ عَلِمَ أَنْ يُمْسِكَ بِخِلَافِ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ مَعَ الْعِلْمِ أَنَّهُ زَمَانُ صَوْمٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (فَقَالَ عُمَرُ: الْخَطْبُ يَسِيرٌ وَقَدِ اجْتَهَدْنَا فِي الْوَقْتِ) حَتَّى غَلَبَ عَلَيَّ الظَّنُّ أَنَّ الشَّمْسَ غَابَتْ. (قَالَ مَالِكٌ: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ الْخَطْبُ يَسِيرٌ الْقَضَاءَ فِيمَا نُرَى) نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بِمَا أَرَادَ (وَ) يُرِيدُ بِقَوْلِهِ يَسِيرٌ (خِفَّةُ مَؤُونَتِهِ وَيَسَارَتُهُ الحديث: 676 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 يَقُولُ تَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ) وَمَا ظَنَّهُ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْخَطْبُ يَسِيرٌ وَقَدِ اجْتَهَدْنَا نَقْضِي يَوْمًا. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ مَنْ كَانَ أَفْطَرَ فَإِنَّ قَضَاءَ يَوْمٍ يَسِيرٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَفْطَرَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: لَا نَقْضِي، وَالْأُولَى أَوْلَى بِالصَّوَابِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَصَرَّحَ غَيْرُهُ بِضَعْفِ رِوَايَةِ النَّفْيِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: " «أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ الْعِشَاءِ» "، قِيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: لَا بُدَّ مِنَ الْقَضَاءِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ هِشَامًا يَقُولُ: لَا أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لَا، وَالْجُمْهُورُ مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَبُو عُمَرَ بِالْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ غَمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ فَأَفْطَرُوا ثُمَّ ثَبَتَ الْهِلَالُ أَنَّ عَلَيْهِمُ الْقَضَاءَ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَقْضِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ يَصُومُ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا مَنْ أَفْطَرَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ فِي سَفَرٍ   677 - 673 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: يَصُومُ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا مَنْ أَفْطَرَهُ) فَاعِلُ يَصُومِ (مِنْ مَرَضٍ أَوْ فِي سَفَرٍ) أَيْ بِسَبَبِهِمَا فَمَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وُجُوبُ تَتَابُعِ الْقَضَاءِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ إِلَى اسْتِحْبَابِهِ فَقَطْ، وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ التَّتَابُعَ إِلْحَاقًا لِصِفَةِ الْقَضَاءِ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ وَتَعْجِيلًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَلَكِنْ لَمْ يَجِبْ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَقَالَ: " «إِنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ» ". الحديث: 677 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ اخْتَلَفَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَقَالَ الْآخَرُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ   678 - 674 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ اخْتَلَفَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يُفَرِّقُ بَيْنَهُ) جَوَازًا وَيُجْزِيهِ (وَقَالَ الْآخَرُ: لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ، لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَدْرِي عَمَّنْ أَخَذَ ابْنُ شِهَابٍ هَذَا، وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا أَجَازَا تَفْرِيقَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَقَالَا لَا بَأْسَ بِتَفْرِيقِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 184) ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: " نَزَلَتْ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ الحديث: 678 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 مُتَتَابِعَاتٍ، ثُمَّ سَقَطَتْ مُتَتَابِعَاتٍ " يُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَى سَقَطَتْ نُسِخَتْ وَلَيْسَ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ مُتَتَابِعَاتٍ فَصَحَّ سُقُوطُهَا وَرَفْعُهَا، وَفِي الْفَتْحِ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ مُنْقَطِعًا مُبْهَمًا، وَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُعَيَّنًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ قَالَ: يَقْضِيهِ مُفَرَّقًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَعْمَرٍ بِسَنَدِهِ قَالَ: " «صُمْهُ كَيْفَ شِئْتَ» "، وَرَوَيْنَاهُ فِي فَوَائِدِ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ: " «لَا يَضُرُّكَ كَيْفَ قَضَيْتَهَا إِنَّمَا هِيَ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» " فَأَخُصُّهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ قَالَا: فَرِّقْهُ إِذَا أَحْصَيْتَهُ انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ اسْتَقَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ   679 - 675 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنِ اسْتَقَاءَ) تَكَلَّفَ الْقَيْءَ (وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَمَنْ ذَرَعَهُ) بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ غَلَبَهُ وَسَبَقَهُ (الْقَيْءَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) إِلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ رُجُوعَ شَيْءٍ إِلَى حَلْقِهِ بَعْدَ أَنْ صَارَ فِي فِيهِ فَيَقْضِي، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءَ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنِ اسْتِقَاءَ فَلْيَقْضِ» " ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ. الحديث: 679 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُسْأَلُ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَقَالَ سَعِيدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لَا يُفَرَّقَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَأَنْ يُوَاتَرَ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ فَرَّقَ قَضَاءَ رَمَضَانَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَةٌ وَذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَأَحَبُّ ذَلِكَ إِلَيَّ أَنْ يُتَابِعَهُ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي رَمَضَانَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مَا كَانَ مِنْ صِيَامٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ يَوْمٍ مَكَانَهُ   680 - 676 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُسْأَلُ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ) هَلْ يَجِبُ تَتَابُعُهُ أَمْ لَا؟ (فَقَالَ سَعِيدٌ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لَا يُفَرَّقَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَأَنْ يُوَاتَرَ) بِفَتْحِ التَّاءِ يُتَابِعُهُ، يُقَالُ: تَوَاتَرَتِ الْخَيْلُ إِذَا جَاءَتْ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ فَرَّقَ قَضَاءَ رَمَضَانَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَةٌ وَذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَأَحَبُّ ذَلِكَ إِلَيَّ أَنْ يُتَابِعَهُ) إِلْحَاقًا بِأَصْلِهِ وَلِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعِبَادَةِ عَلَى الحديث: 680 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وَجْهٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ. (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي رَمَضَانَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مَا كَانَ مِنْ صِيَامٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ) كَظِهَارٍ وَكَفَّارَةٍ (أَنَّ عَلَيْهِ) وُجُوبًا (قَضَاءَ يَوْمٍ مَكَانَهُ) وَبِهَذَا قَالَ رَبِيعَةُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، فَإِنَّ الصَّوْمَ قَدْ فَاتَ رُكْنُهُ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَأْمُورَاتِ، وَالْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي أَنَّ النِّسْيَانَ يُؤَثِّرُ فِي بَابِ الْمَأْمُورَاتِ قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمَحْمُولٌ عَلَى صَوْمِ التَّطَوُّعِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ الْقِيَاسُ مُعَارِضًا لِلنَّصِّ كَمَا زَعَمَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ مُجَاهِدٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَجَاءَهُ إِنْسَانٌ فَسَأَلَهُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ الْكَفَّارَةِ أَمُتَتَابِعَاتٍ أَمْ يَقْطَعُهَا قَالَ حُمَيْدٌ فَقُلْتُ لَهُ نَعَمْ يَقْطَعُهَا إِنْ شَاءَ قَالَ مُجَاهِدٌ لَا يَقْطَعُهَا فَإِنَّهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ قَالَ مَالِكٌ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ مَا سَمَّى اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ يُصَامُ مُتَتَابِعًا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَرْأَةِ تُصْبِحُ صَائِمَةً فِي رَمَضَانَ فَتَدْفَعُ دَفْعَةً مِنْ دَمٍ عَبِيطٍ فِي غَيْرِ أَوَانِ حَيْضِهَا ثُمَّ تَنْتَظِرُ حَتَّى تُمْسِيَ أَنْ تَرَى مِثْلَ ذَلِكَ فَلَا تَرَى شَيْئًا ثُمَّ تُصْبِحُ يَوْمًا آخَرَ فَتَدْفَعُ دَفْعَةً أُخْرَى وَهِيَ دُونَ الْأُولَى ثُمَّ يَنْقَطِعُ ذَلِكَ عَنْهَا قَبْلَ حَيْضَتِهَا بِأَيَّامٍ فَسُئِلَ مَالِك كَيْفَ تَصْنَعُ فِي صِيَامِهَا وَصَلَاتِهَا قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ فَإِذَا رَأَتْهُ فَلْتُفْطِرْ وَلْتَقْضِ مَا أَفْطَرَتْ فَإِذَا ذَهَبَ عَنْهَا الدَّمُ فَلْتَغْتَسِلْ وَتَصُومُ وَسُئِلَ عَمَّنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ هَلْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ كُلِّهِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَإِنَّمَا يَسْتَأْنِفُ الصِّيَامَ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ الْيَوْمَ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ   681 - 677 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ) الْأَعْرَجِ الْقَارِيِّ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُجَاهِدِ) بْنِ جَبْرٍ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ الْمَخْزُومِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَكِّيِّ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ الْإِمَامِ فِي التَّفْسِيرِ وَالْعِلْمِ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، (وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَجَاءَهُ إِنْسَانٌ فَسَأَلَهُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ الْكَفَّارَةِ أَمُتَتَابِعَاتٍ أَمْ يَقْطَعُهَا؟ قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لَهُ نَعَمْ يَقْطَعُهَا إِنْ شَاءَ) لِأَنَّهُ جَائِزٌ، (قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَقْطَعُهَا فَإِنَّهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) فِيهِ جَوَابُ الْمُتَعَلِّمِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُعَلِّمِ وَحَسْبُ الشَّيْخِ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ خِلَافُهُ أَنْ يُفْسِدَهُ وَلَا يُعَنَّفُ، وَأَنَّ مَنْ رُدَّ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ، عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِحُجَّةٍ وَالِاحْتِجَاجُ بِمَا لَيْسَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَيَجْرِي عِنْدَهُمْ مَجْرَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْعَمَلِ بِهِ دُونَ الْقَطْعِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَاقِلَّانِيُّ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَوَاتَرْ فَلَيْسَ بِقُرْآنٍ وَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ مَا سَمَّى اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ يُصَامُ مُتَتَابِعًا) وَكَذَا اسْتَحَبَّ الْجُمْهُورُ التَّتَابُعَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَا يُوجِبُونَهُ إِلَّا فِي شَهْرَيْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَفِي الظِّهَارِ أَوِ الْوَطْءِ عَامِدًا فِي رَمَضَانَ، وَيَسْتَحِبُّونَ مَا اسْتَحَبَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ. وَسَأَلَ رَجُلٌ طَاوُسًا عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَقَالَ: صُمْ كَيْفَ شِئْتَ، الحديث: 681 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 فَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّهَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ " مُتَتَابِعَاتٍ " فَقَالَ: تَأَخَّرَ الرَّجُلُ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْمَرْأَةِ تُصْبِحُ صَائِمَةً فِي رَمَضَانَ فَتَدْفَعُ دُفْعَةً) بِضَمِّ الدَّالِّ اسْمٌ لِمَا يُدْفَعُ بِمَرَّةٍ وَبِفَتْحِهَا الْمَرَّةِ، قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الدُّفْعَةُ مِنَ الْمَطَرِ وَالدَّمِ وَغَيْرِهِ مِثْلَ الدَّفْعَةِ، (مِنْ دَمٍ عَبِيطٍ) بِمُهْمَلَةٍ أَيْ طَرِيٍّ خَالِصٍ لَا خَلْطَ فِيهِ (فِي غَيْرِ أَوَانِ حَيْضِهَا ثُمَّ تَنْتَظِرُ حَتَّى تُمْسِيَ أَنْ تَرَى مِثْلَ ذَلِكَ فَلَا تَرَى شَيْئًا ثُمَّ تُصْبِحُ يَوْمًا آخَرَ فَتَدْفَعُ دُفْعَةً أُخْرَى وَهِيَ دُونَ الْأَوْلَى) أَقَلُّ مِنْهَا (ثُمَّ يَنْقَطِعُ ذَلِكَ عَنْهَا قَبْلَ حَيْضَتِهَا بِأَيَّامٍ فَسُئِلَ مَالِكٌ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي صِيَامِهَا وَصَلَاتِهَا؟ قَالَ مَالِكٌ) مُجِيبًا: (ذَلِكَ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا (فَإِذَا رَأَتْهُ فَلْتُفْطِرْ لِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ وَلْتَقْضِ مَا أَفْطَرَتْ) وُجُوبًا (فَإِذَا ذَهَبَ عَنْهَا الدَّمُ فَلْتَغْتَسِلْ وَتَصُومُ) وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِيَ كَثِيرًا عَلَى خِلَافِ الرَّأْيِ، فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًا مِنَ اتِّبَاعِهَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَجُعِلَ ذَلِكَ تَعَبُّدًا. وَفَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بِعَدَمِ تَكَرُّرِ الصَّوْمِ فَلَا حَرَجَ فِي قَضَائِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: كُلُّ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْفُرُوقِ ضَعِيفٌ. (وَسُئِلَ عَمَّنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ هَلْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ كُلِّهِ؟ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى) حَالَ كُفْرِهِ، وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْكُفْرِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُسْقِطُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] (سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 38) (وَإِنَّمَا يَسْتَأْنِفُ الصِّيَامَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ الْيَوْمَ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ) ، وَلَا يَجِبُ خِلَافًا لِلْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الْمَاضِي، قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْكَافِرِ يُسْلِمُ أَوِ الصَّبِيِّ يَحْتَلِمُ صَوْمَ مَا مَضَى فَقَدْ كَلَّفَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لِأَنَّ الصِّيَامَ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْبَالِغِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 183) وَبِحَدِيثِ: " «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» " فَذَكَرَ مِنْهَا الْغُلَامَ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَالْجَارِيَةَ حَتَّى تَحِيضَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 [بَاب قَضَاءِ التَّطَوُّعِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ لَهُمَا طَعَامٌ فَأَفْطَرَتَا عَلَيْهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ حَفْصَةُ وَبَدَرَتْنِي بِالْكَلَامِ وَكَانَتْ بِنْتَ أَبِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصْبَحْتُ أَنَا وَعَائِشَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ إِلَيْنَا طَعَامٌ فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْضِيَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ» قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلْيُتِمَّ يَوْمَهُ الَّذِي أَكَلَ فِيهِ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يُفْطِرْهُ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ يَقْطَعُ صِيَامَهُ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ قَضَاءٌ إِذَا كَانَ إِنَّمَا أَفْطَرَ مِنْ عُذْرٍ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِلْفِطْرِ وَلَا أَرَى عَلَيْهِ قَضَاءَ صَلَاةِ نَافِلَةٍ إِذَا هُوَ قَطَعَهَا مِنْ حَدَثٍ لَا يَسْتَطِيعُ حَبْسَهُ مِمَّا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْوُضُوءِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يَتَطَوَّعُ بِهَا النَّاسُ فَيَقْطَعَهُ حَتَّى يُتِمَّهُ عَلَى سُنَّتِهِ إِذَا كَبَّرَ لَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا صَامَ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى يُتِمَّ صَوْمَ يَوْمِهِ وَإِذَا أَهَلَّ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ وَإِذَا دَخَلَ فِي الطَّوَافِ لَمْ يَقْطَعْهُ حَتَّى يُتِمَّ سُبُوعَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا مِنْ هَذَا إِذَا دَخَلَ فِيهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ إِلَّا مِنْ أَمْرٍ يَعْرِضُ لَهُ مِمَّا يَعْرِضُ لِلنَّاسِ مِنْ الْأَسْقَامِ الَّتِي يُعْذَرُونَ بِهَا وَالْأُمُورِ الَّتِي يُعْذَرُونَ بِهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] فَعَلَيْهِ إِتْمَامُ الصِّيَامِ كَمَا قَالَ اللَّهُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَهَلَّ بِالْحَجِّ تَطَوُّعًا وَقَدْ قَضَى الْفَرِيضَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْحَجَّ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهِ وَيَرْجِعَ حَلَالًا مِنْ الطَّرِيقِ وَكُلُّ أَحَدٍ دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ فَعَلَيْهِ إِتْمَامُهَا إِذَا دَخَلَ فِيهَا كَمَا يُتِمُّ الْفَرِيضَةَ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ   18 - قَضَاءُ التَّطَوُّعِ 682 - 678 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ) مُرْسَلٌ وَصَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا الْمُرْسَلُ. وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَضَعَّفْنَاهَا كُلَّهَا، وَقَالَ: النَّسَائِيُّ الصَّوَابُ، وَالتِّرْمِذِيُّ الْأَصَحُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَى إِرْسَالِهِ مَعْمَرٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ: أَحَدَّثَكَ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَكِنْ سَمِعْتُ مِنْ نَاسٍ عَنْ بَعْضِ مَنْ سَأَلَ عَائِشَةَ (زَوْجَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ لَهُمَا طَعَامٌ) أَيْ شَاةٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ، (فَأَفْطَرَتَا عَلَيْهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَتْ حَفْصَةُ بَدَرَتْنِي) سَبَقَتْنِي (بِالْكَلَامِ وَكَانَتْ بِنْتَ أَبِيهَا) أَيْ فِي الْمُسَارَعَةِ فِي الْخَيْرِ فَهُوَ غَايَةٌ فِي مَدْحِهَا لَهَا، ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصْبَحْتُ أَنَا وَعَائِشَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأَهْدِيَ لَنَا طَعَامٌ فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْضِيَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ» ) ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمَالِكٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُفْطِرَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) فَعَمَّ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 30) وَلَيْسَ مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ بِمُعَظِّمِ الْحُرْمَةِ لِلصَّوْمِ، وَحَدِيثُ: " «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ» " وَرُوِيَ: " «فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ» "، وَرُوِيَ: " «فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلَا يَأْكُلْ» " فَلَوْ جَازَ الْفِطْرُ فِي التَّطَوُّعِ لَكَانَ أَحْسَنَ فِي إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ. وَحَدِيثُ: " «لَا تَصُمِ امْرَأَةٌ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا بِإِذْنِهِ» " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَطَوِّعَ لَا الحديث: 682 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 يُفْطِرُ وَلَا يُفْطِرُهُ غَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ مُبَاحًا كَانَ إِذْنُهُ لَا مَعْنَى لَهُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: ذَلِكَ الْمُتَلَاعِبُ بِدِينِهِ أَوْ قَالَ بِصَوْمِهِ. وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِحَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ: " «دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا صَائِمَةٌ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي فَشَرِبْتُ فَقُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً وَلَكِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَرُدَّ سُؤْرَكَ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَاقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ شِئْتِ فَاقْضِي وَإِنْ شِئْتِ فَلَا تَقْضِي» "، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: " «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: " إِنَّا خَبَّأْنَا لَكَ حَيْسًا، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ» " انْتَهَى. وَالْجَوَابُ عَنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُمَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهِمَا، وَأَمَّا خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ: " «الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» " فَمَعْنَاهُ مُرِيدُ التَّطَوُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَمِنْهَا: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (سُورَةُ مُحَمَّدٍ: الْآيَةُ 33) . (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلْيُتِمَّ يَوْمَهُ الَّذِي أَكَلَ فِيهِ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يُفْطِرْهُ) حَمْلًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَلَى صَوْمِ التَّطَوُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. (وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ يَقْطَعُ صِيَامَهُ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ قَضَاءٌ إِذَا كَانَ إِنَّمَا أَفْطَرَ مِنْ عُذْرٍ) كَمَرَضٍ وَحَيْضٍ، (غَيْرُ مُتَعَمِّدٍ لِلْفِطْرِ) بِخِلَافِ مُتَعَمِّدِهِ حَرَامًا (وَلَا أَرَى عَلَيْهِ قَضَاءَ صَلَاةِ نَافِلَةٍ إِذَا هُوَ قَطَعَهَا مِنْ حَدَثٍ لَا يَسْتَطِيعُ حَبْسَهُ) مَنْعَهُ (مِمَّا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْوُضُوءِ) بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ رِيحٍ، (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (أَنْ يَدْخُلَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا) وَهُوَ الْعُمْرَةُ وَالطَّوَافُ وَالِائْتِمَامُ وَالِاعْتِكَافُ (مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ) الْمُتَوَقِّفُ أَوَّلُهَا عَلَى تَمَامِهَا (الَّتِي يَتَطَوَّعُ بِهَا النَّاسُ فَيَقْطَعَهُ) بِالنَّصْبِ فِي جَوَابِ النَّهْيِ (حَتَّى يُتِمَّهُ عَلَى سُنَّتِهِ) طَرِيقَتِهِ لِيَأْتِيَ بِأَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ بِعِبَادَةٍ كَامِلَةٍ، (إِذَا كَبَّرَ لَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) وَذَلِكَ أَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ عِبَادَةِ الصَّلَاةِ. (وَإِذَا صَامَ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 يُتِمَّ صَوْمَ يَوْمِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) ، (وَإِذَا أَهَلَّ) بِالْحَجِّ (لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ) وَكَذَا الْعُمْرَةُ وَهَذَانِ بِاتِّفَاقٍ، (وَإِذَا دَخَلَ فِي الطَّوَافِ) بِالتَّكْبِيرِ لَهُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَوِ الْمَشْيِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ، (لَمْ يَقْطَعْهُ حَتَّى يُتِمَّ سُبُوعَهُ) مَعَ مَا يَتْبَعُهُ وَهُمَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ وَذَلِكَ أَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ عِبَادَةِ الطَّوَافِ. (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا مِنْ هَذَا إِذَا دَخَلَ فِيهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ) أَيْ يُتِمَّهُ وَيُؤَدِّيَهُ وَالْقَضَاءُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: 10] (سُورَةُ الْجُمُعَةِ: الْآيَةُ 10) أَيْ أُدِّيَتْ، (إِلَّا مِنْ أَمْرٍ يَعْرِضُ لَهُ مِمَّا يَعْرِضُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، (لِلنَّاسِ مِنَ الْأَسْقَامِ) الْأَمْرَاضِ، (الَّتِي يُعْذَرُونَ بِهَا وَالْأُمُورِ الَّتِي يُعْذَرُونَ بِهَا) كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ، (وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 187] جَمِيعَ اللَّيْلِ، {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة: 187] بَيَاضُ النَّهَارِ {مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] سَوَادُ اللَّيْلِ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: شَبَّهَ أَوَّلَ مَا يَبْدُو (مِنَ الْفَجْرِ) الْمُعْتَرِضِ فِي الْأُفُقِ وَمَا يَمْتَدُّ مَعَهُ مِنْ غَبَشِ اللَّيْلِ بِخَيْطَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ، وَاكْتَفَى بِبَيَانِ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ بِقَوْلِهِ: " مِنَ الْفَجْرِ " عَنْ بَيَانِ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ خَرَجَا عَنِ الِاسْتِعَارَةِ إِلَى التَّمْثِيلِ، وَيَجُوزُ أَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ، فَإِنَّ مَا يَبْدُو بَعْضُ الْفَجْرِ. {ثُمَّ أَتَمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] فَإِنَّهُ آخِرُ وَقْتِهِ، (فَعَلَيْهِ إِتْمَامُ الصِّيَامِ كَمَا قَالَ اللَّهُ) لِعُمُومِهِ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: " لَمَّا نَزَلَتْ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) عَمَدْتُ إِلَى عِقَالَيْنِ أَسْوَدَ وَأَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَا يَتَبَيَّنُ لِي، فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ» . وَفِيهِمَا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: «لَمَّا نَزَلَتْ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] وَلَمْ يَنْزِلْ مِنَ الْفَجْرِ فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ وَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَهُ {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] » ، قَالَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ: حَدِيثُ عَدِيٍّ يَقْتَضِي نُزُولَ " مِنَ الْفَجْرِ " مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلَهُ، وَحَدِيثُ سَهْلٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا نَزَلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 مُنْفَصِلًا، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى وَاقِعَتَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ فَلَا إِشْكَالَ، وَإِلَّا احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ عَدِيٍّ مُتَأَخِّرًا عَنْ حَدِيثِ سَهْلٍ، فَكَأَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَبْلُغْهُ مَا جَرَى فِي حَدِيثِ سَهْلٍ، وَإِنَّمَا سَمِعَ الْآيَةَ مُجَرَّدَةً فَحَمَلَهَا عَلَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ فَهْمُهُ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ " مِنَ الْفَجْرِ " مُتَعَلِّقًا بِيَتَبَيَّنَ، وَعَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ سَهْلٍ يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ انْتَهَى. (وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَهَلَّ) أَحْرَمَ (بِالْحَجِّ تَطَوُّعًا وَقَدْ قَضَى الْفَرِيضَةَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، (لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْحَجَّ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهِ وَيَرْجِعَ حَلَالًا مِنَ الطَّرِيقِ) وَكَذَا الْعُمْرَةُ بِاتِّفَاقٍ فِيهِمَا، (وَكُلُّ أَحَدٍ دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ) تُقْصَدُ لِنَفْسِهَا وَلَا تَتَبَعَّضُ (فَعَلَيْهِ إِتْمَامُهَا إِذَا دَخَلَ فِيهَا كَمَا يُتِمُّ الْفَرِيضَةَ) نَصًّا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّوْمِ، وَقِيَاسًا فِي بَاقِي السَّبْعِ، وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (سُورَةُ مُحَمَّدٍ: الْآيَةُ 33) (، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) ، فَأَمَّا الْعِبَادَاتُ الَّتِي تَتَبَعَّضُ كَالْقِرَاءَةِ وَالْوَقْفِ وَالطُّهْرِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْإِتْمَامِ وَالْقَطْعِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 [بَاب فِدْيَةِ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ عِلَّةٍ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَبِرَ حَتَّى كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ فَكَانَ يَفْتَدِي قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَفْعَلَهُ إِذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَيْهِ فَمَنْ فَدَى فَإِنَّمَا يُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   19 - بَابُ فِدْيَةِ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ عِلَّةٍ 685 - 679 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَبِرَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ أَسَنَّ، (حَتَّى كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ) فِي زَمَنٍ مِنَ الْأَزْمَانِ أَصْلًا، (فَكَانَ يَفْتَدِي) يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَرُوِيَ: مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَرُوِيَ: نِصْفَ صَاعٍ، وَرُبَّمَا أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ يَتَطَوَّعُ بِذَلِكَ، وَرُبَّمَا جَمَعَ ثَلَاثَمِائَةِ مِسْكِينٍ فَأَطْعَمَهُمْ وَجْبَةً وَاحِدَةً وَكَانَ يَضَعُ لَهُمُ الْجِفَانَ وَاللَّحْمَ، حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَرَى ذَلِكَ) الْإِطْعَامَ (وَاجِبًا وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَفْعَلَهُ الحديث: 685 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 إِذَا كَانَ قَوِيًّا) أَيْ قَادِرًا عَلَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، (فَمَنْ فَدَى) لِتَحْصِيلِ الْمُسْتَحَبِّ (فَإِنَّمَا يُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، الْحَصْرُ مُنْصَبٌّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ الْمُتَعَلِّقِ بِمَنْ عَجَزَ عَنِ الصِّيَامِ أَيْ أَنَّهُ إِذَا أَطْعَمَ الْمُدَّ أَتَى بِالْمُسْتَحَبِّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ إِنْ أَطْعَمَ أَكْثَرَ أَتَى بِهِ وَزِيَادَةً، وَقِيلَ: إِطْعَامُ الْمُدِّ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الصَّوْمِ كَمَا أَلْزَمَ الْجَمِيعُ الْجَانِيَ عَلَى عُضْوٍ مَخُوفٍ الدِّيَةَ بَدَلًا مِنَ الْقِصَاصِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 45) ، وَالصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ: أَنَّ الْفِدْيَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يُطِيقُ الصِّيَامَ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَى مَنْ لَا يُطِيقُهُ، وَالْفِدْيَةُ لَمْ تَجِبْ بِكِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ، وَالْفَرَائِضُ لَا تَجِبُ إِلَّا بِهَذِهِ الْوُجُوهِ وَالذِّمَّةُ بَرِيَّةٌ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ إِذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا الصِّيَامُ قَالَ تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَرَوْنَ عَلَيْهَا الْقَضَاءَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَيَرَوْنَ ذَلِكَ مَرَضًا مِنْ الْأَمْرَاضِ مَعَ الْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا   685 - 680 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ إِذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا) هَلَاكًا وَشَدِيدَ أَذًى (وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا الصِّيَامُ، قَالَ: تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنَ الْحِنْطَةِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَبِهَذَا قَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: نِصْفَ صَاعٍ (قَالَ مَالِكٌ: وَأَهْلُ الْعِلْمِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (يَرَوْنَ عَلَيْهَا الْقَضَاءَ) فَقَطْ بِلَا إِطْعَامٍ خِلَافًا لِابْنِ عُمَرَ (كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، وَبَيَّنَ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ: (وَيَرَوْنَ ذَلِكَ مَرَضًا مِنَ الْأَمْرَاضِ مَعَ الْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا) فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَلَيْسَ فِيهَا إِطْعَامٌ بِخِلَافِ الْمُرْضِعِ الْخَائِفَةِ عَلَى وَلَدِهَا فَتَقْضِي وَتُطْعِمُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالِ مَالِكٍ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ مُرَادَهُ هُنَا أَنَّهُمْ يَرَوْنَ عَلَى الْحَامِلِ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِطْعَامِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَزَاهُ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ مَالِكٌ فِي قَوْلِ: فَهِيَ كَالْمُرْضِعِ، وَثَالِثُ أَقْوَالِهِ: يُطْعِمَانِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ: يَقْضِيَانِ وَلَا طَعَامَ، وَمَحَلُّهَا فِي خَوْفِهِمَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا، أَمَّا إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا فِدْيَةَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ إِلَّا عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى الْمَرِيضِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى صِيَامِهِ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْقَضَاءُ   685 - 681 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ (عَنْ أَبِيهِ) أَحَدِ الْفُقَهَاءِ بِالْمَدِينَةِ، (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى صِيَامِهِ) لَا إِنِ اتَّصَلَ مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ، (حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ) وُجُوبًا (مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: نِصْفَ صَاعٍ، وَأَشْهَبُ بِالْمَدِينَةِ مُدٌّ وَبِغَيْرِهَا مُدٌّ وَثُلُثٌ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي مَكَّةَ هَلْ كَالْمَدِينَةِ أَوْ كَغَيْرِهَا؟ (وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْقَضَاءُ) بِلَا نِزَاعٍ إِنَّمَا النِّزَاعُ إِذَا لَمْ يُفَرِّطْ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ فَقِيلَ: يَصُومُ الثَّانِيَ إِنْ أَدْرَكَهُ صَحِيحًا وَيُطْعِمُ عَنِ الْأَوَّلِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْجُمْهُورِ: يَصُومُ الثَّانِي ثُمَّ يَقْضِي الْأَوَّلَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ لِلْعُذْرِ جَائِزٌ فَالْقَضَاءُ أَوْلَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ   685 - 682 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَ ذَلِكَ) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا إِطْعَامَ عَلَيْهِ إِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 184) ، وَسَكَتَ عَنِ الْإِطْعَامِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ لِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ أَنْ لَا يَثْبُتَ بِالسُّنَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ مَرْفُوعٌ، نَعَمْ وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِيمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سِتَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 184) فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ حَتَّى نَزَلَتِ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا. قَالَ عِيَاضٌ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ ثُمَّ اخْتُلِفَ هَلْ بَقِيَ مِنْهَا مَا لَمْ يُنْسَخْ؟ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ حُكْمَ الْإِطْعَامِ بَاقٍ عَلَى مَنْ لَمْ يُطِقِ الصَّوْمَ لِكِبَرٍ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدَ: جَمِيعُ الْإِطْعَامِ مَنْسُوخٌ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ لَمْ يُطِقِ الصَّوْمَ وَاسْتَحَبَّهُ لَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 قَتَادَةُ: كَانَتِ الرُّخْصَةُ لِكَبِيرٍ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ ثُمَّ نُسِخَ فِيهِ وَبَقِيَ فِيمَنْ لَمْ يُطِقْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: نَزَلَتْ فِي الْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ ثُمَّ نُسِخَ فِيهِ وَبَقِيَ فِيمَنْ لَمْ يُطِقْ فَهِيَ عِنْدَهُ مُحْكَمَةٌ، لَكِنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ يَقْضِي إِذَا بَرِئَ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا إِطْعَامَ عَلَى الْمَرِيضِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَالزَّهْرِيُّ وَمَالِكٌ: هِيَ مُحْكَمَةٌ وَنَزَلَتْ فِي الْمَرِيضِ يُفْطِرُ ثُمَّ يَبْرَأُ وَلَا يَقْضِي حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ فَيَلْزَمُهُ صَوْمُهُ ثُمَّ يَقْضِي بَعْدَ مَا أَفْطَرَ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ، وَأَمَّا مَنِ اتَّصَلَ مَرَضُهُ بِرَمَضَانَ الثَّانِي فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِطْعَامٌ بَلِ الْقَضَاءُ فَقَطْ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الضَّمِيرُ فِي " يُطِيقُونَهُ " عَائِدٌ عَلَى الْإِطْعَامِ لَا عَلَى الصَّوْمِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فَهِيَ عِنْدَهُ عَامَّةٌ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْإِطْعَامِ لَكِنَّهَا فِي الْكَبِيرِ: الْهَرِمِ فَهِيَ عِنْدَهُ مُحْكَمَةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 [بَاب جَامِعِ قَضَاءِ الصِّيَامِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ إِنْ كَانَ لَيَكُونُ عَلَيَّ الصِّيَامُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَصُومُهُ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ   20 - بَابُ جَامِعِ قَضَاءِ الصِّيَامِ 686 - 683 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ الْحَافِظُ: وَوَهِمَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ الْقَطَّانُ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا سَلَمَةَ، (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ، وَفِي رِوَايَةٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، (أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: إِنْ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ (كَانَ لَيَكُونُ عَلَيَّ الصِّيَامُ مِنْ رَمَضَانَ) بِتَكْرِيرِ الْكَوْنِ لِتَحَقُّقِ الْقِصَّةِ وَتَعْظِيمِهَا، وَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الْمَاضِي أَوَّلًا وَالْمُضَارِعِ ثَانِيًا لِإِرَادَةِ الِاسْتِمْرَارِ وَتَكَرُّرِ الْفِعْلِ. (فَمَا أَسْتَطِيعُ أَصُومَهُ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ) ، زَادَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ: الشُّغْلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ يَمْنَعُنِي الشُّغْلَ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُهَيِّئَةً نَفْسَهَا لِاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهَا إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ وَلَا تَعْلَمُ مَتَى يُرِيدُهُ، وَلَمْ تَسْتَأْذِنْهُ فِي الصَّوْمِ مَخَافَةَ أَنْ يَأْذَنَ وَقَدْ يَحْتَاجُهَا فَتُفَوِّتُهَا عَلَيْهِ وَهَذَا مِنَ الْأَدَبِ، وَأَمَّا شَعْبَانُ فَكَانَ يَصُومُهُ فَتَتَفَرَّغُ فِيهِ لِقَضَاءِ صَوْمِهَا وَلِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ ضَاقَ الْوَقْتُ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ. وَفِي مُسْلِمٍ قَالَ يَحْيَى: فَظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ لِمَكَانِهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ شُغْلَ سَائِرِ أَزْوَاجِهِ كَشُغْلِهَا أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ النَّاسِ حَتَّى قَالَ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» . وَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ شُبِّهَ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَوَى أَنَّهَا قَالَتْ: مَا كُنْتُ أَقْضِي مَا عَلَيَّ مِنْ رَمَضَانَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ حَتَّى تُوُفِّيَ الحديث: 686 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ لَمْ يَأْتِ قَوْلُهَا حَتَّى تُوُفِّيَ مِنْ وَجْهٍ يُحْتَجُّ بِهِ فَإِنَّمَا أَخَّرَتْ ذَلِكَ لِلرُّخْصَةِ وَالتَّوْسِعَةِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا نَقْدِرُ أَنْ نَقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ» "، وَلِذَا قَالَ عِيَاضٌ: هَذَا نَصٌّ مِنْهَا عَلَى عِلَّةِ ذَلِكَ، وَرُدَّ عَلَى مَنْ ضَعَّفَ التَّعْلِيلَ بِهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا فَعَلَتْهُ لِلرُّخْصَةِ لَا لِلشُّغْلِ وَاسْتِشْكَالُهُ بِأَنَّهُ كَانَ يَقْسِمُ وَيَعْدِلُ وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ فَمَا تَأْتِي نَوْبَةُ الْوَاحِدَةِ إِلَّا بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، فَكَانَ يُمْكِنُ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَنْ تَقْضِيَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، أَجَابَ عَنْهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ الْقَسْمَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَهُنَّ يَتَوَقَّعْنَ حَاجَتَهُ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " مَا قَضَيْتُ شَيْئًا مِمَّا يَكُونُ عَلَيَّ مِنْ رَمَضَانَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ حَتَّى قُبِضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وَالْبَهِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ، وَكَأَنَّهُ وَجَّهَ قَوْلِ أَبِي عُمَرَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لَكِنْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ، وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: كَانَتْ لَا تَصُومُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لِاحْتِمَالِ احْتِيَاجِهِ إِلَيْهَا، وَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَذِنَ لَهَا، وَهُوَ لَا يُجْدِي لِأَنَّ احْتِمَالَ ذَلِكَ يُعْطِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ. وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ إِذْ لَوْ مُنِعَ التَّأْخِيرُ لَمْ يُقِرَّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَأَوْجَبَهُ دَاوُدُ مِنْ ثَانِي شَوَّالٍ فَإِنْ أَخَّرَهُ أَثِمَ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ يُرَدُّ عَلَيْهِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فَوْرًا فَالْمُبَادَرَةُ بِهِ مُسْتَحَبَّةٌ وَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فَإِنْ أَخَّرَهُ بِلَا عَزْمٍ عَصَى انْتَهَى. وَنَسَبَ النَّوَوِيُّ هَذَا لِلْمُحَقَّقِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَقَالَ: إِنَّهُ الْأَصَحُّ، وَكَذَا سَائِرُ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ إِنَّمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ الْعَزْمِ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ الْعَزْمُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ شَعْبَانَ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فِي تَرِكَتِهِ إِنْ تَمَكَّنَ مِنَ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَقْضِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَلَا إِطْعَامَ انْتَهَى. وَجَزَمَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَزْمُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَجَزَمَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ بِاشْتِرَاطِهِ، وَرَجَّحَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِيهِ أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ مُقَدَّمٌ عَلَى سَائِرِ الْحُقُوقِ مَا لَمْ يَكُنْ فَرْضًا مُضَيَّقًا، وَإِنَّ مَنَافِعَ الزَّوْجَةِ فِيمَا يَرْجِعُ لِلْمُتْعَةِ مُتَمَلَّكَةٌ لِلزَّوْجِ فِي عَامَّةِ الْأَحْوَالِ، وَحَقُّهَا فِي نَفْسِهَا مَقْصُورٌ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَهُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَسُفْيَانُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عِنْدَ مُسْلِمٍ الْخَمْسَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ سُفْيَانُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ كَمَالِكٍ قَوْلَ يَحْيَى الشُّغْلُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 [بَاب صِيَامِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ أَنْ يُصَامَ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا نَوَى بِهِ صِيَامَ رَمَضَانَ وَيَرَوْنَ أَنَّ عَلَى مَنْ صَامَهُ عَلَى غَيْرِ رُؤْيَةٍ ثُمَّ جَاءَ الثَّبْتُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ وَلَا يَرَوْنَ بِصِيَامِهِ تَطَوُّعًا بَأْسًا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا   21 - بَابُ صِيَامِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ أَنْ يُصَامَ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ) أَنَّهُ (مِنْ شَعْبَانَ) نَهْيُ كَرَاهَةٍ عَلَى أَرْجَحِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ حُرْمَةٍ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: " «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» "، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ جَزْمًا لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ فَحُكْمُهُ الرَّفْعُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، هُوَ مُسْنَدٌ عِنْدَهُمُ اتِّفَاقًا، وَخَالَفَهُ الْجَوْهَرِيُّ الْمَالِكِيُّ فَقَالَ: هُوَ مَوْقُوفٌ، وَجَمَعَ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إِذَا نَوَى بِهِ صِيَامَ رَمَضَانَ) احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْهُ، (وَيَرَوْنَ أَنَّ عَلَى مَنْ صَامَهُ عَلَى غَيْرِ رُؤْيَةٍ ثُمَّ جَاءَ الثَّبَتُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا، (أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، (وَلَا يَرَوْنَ بِصِيَامِهِ تَطَوُّعًا بَأْسًا) لِأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ مُنْتَفِيَةٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ إِذَا وَافَقَ عَادَتَهُ أَوْ صَادَفَ نَذْرَهُ أَوْ صَامَهُ قَضَاءً، (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى تَحَرِّيهِ مِنْ رَمَضَانَ لَا لِغَيْرِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا: " «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» "، قَالَهُ عِيَاضٌ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " إِلَّا رَجُلٌ " إِلَى أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّقْدِيمِ تَعْظِيمًا وَتَحَرِّيًا لِلشَّهْرِ، وَفِي رِوَايَةِ: " «لَا تَتَحَرَّوْا رَمَضَانَ» "، أَمَّا مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الصِّيَامُ قَبْلَهُ أَوْ صِيَامُ الِاثْنَيْنِ وَنَحْوَهُ فَلَا يَمْنَعُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 [بَاب جَامِعِ الصِّيَامِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ»   688 - 684 22 - بَابُ جَامِعِ الصِّيَامِ - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ الحديث: 688 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنَيْنِ، (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ، (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، هَكَذَا قَالَ أَبُو النَّضْرِ، وَوَافَقَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَزَيْدُ بْنُ أَبِي غِيَاثٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَخَالَفَهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَسَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ فَرَوَيَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُمَا النَّسَائِيُّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَقِبَ طَرِيقِ سَالِمٍ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ رَوَاهُ عَنْ كُلٍّ مِنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَيَّدَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ تَارَةً، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تَارَةً أُخْرَى أَخْرَجَهُمَا النَّسَائِيُّ. (أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ» ) أَيْ يَنْتَهِي صَوْمُهُ إِلَى غَايَةٍ نَقُولُ لَا يُفْطِرُ، (وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ) أَيْ يَنْتَهِي فِطْرُهُ إِلَى غَايَةٍ كَذَلِكَ. ( «وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ» ) لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ. (وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ) بِالنَّصْبِ ثَانِي مَفْعُولَيْ رَأَيْتُ (صِيَامًا) بِالنَّصْبِ وَرُوِيَ بِالْخَفْضِ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهُوَ وَهْمٌ كَأَنَّهُ كُتِبَ بِلَا أَلْفٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقِفُ عَلَى الْمَنْصُوبِ الْمُنَوَّنِ بِدُونِ أَلِفٍ فَتَوَهَّمَهُ مَخْفُوضًا أَوْ ظَنَّ بَعْضُ الرُّوَاةِ أَنَّهُ مُضَافٌ لِأَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلُ تُضَافُ كَثِيرًا فَتَوَهَّمَهَا مُضَافَةً وَهِيَ مُمْتَنِعَةٌ هُنَا قَطْعًا، (مِنْهُ فِي شَعْبَانَ) مُتَعَلِّقٌ بِ " صِيَامًا " لِرَفْعِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ فِيهِ، فَفِي النَّسَائِيِّ «عَنْ أُسَامَةَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» "، فَبَيَّنَ وَجْهَ صِيَامِهِ دُونَ غَيْرِهِ بِرَفْعِ الْأَعْمَالِ فِيهِ وَأَنَّهُ يُغْفَلُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا اكْتَنَفَهُ شَهْرَانِ عَظِيمَانِ الشَّهْرُ الْحَرَامِ وَشَهْرُ الصِّيَامِ اشْتَغَلَ النَّاسُ بِهِمَا فَصَارَ مَغْفُولًا عَنْهُ، وَنَحْوَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى لَكِنْ قَالَ فِيهِ: " «إِنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ كُلَّ نَفْسِ مَيِّتَةٍ تِلْكَ السَّنَةَ فَأُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَ أَجَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» "، وَلَا يُعَارِضَهُ النَّهْيُ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي صِيَامٍ اعْتَادَهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ صِيَامَ رَجَبٍ أَفْضَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ شَهَرٌ حَرَامٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَالَ: أَكْثَرُ فِيهِ تَعْظِيمًا لِرَمَضَانَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ: " «سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الصَّوْمِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ قَالَ: شَعْبَانُ لِتَعْظِيمِ رَمَضَانَ» "، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ. وَيُعَارِضُهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ الْآتِي، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرُبَّمَا مَنَعَهُ مِنْ صَوْمِهَا عُذْرٌ، وَكَانَ يَقْضِيهَا فِي شَعْبَانَ قَبْلَ تَمَامِ عَامِهِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَرُبَّمَا أَخَّرَ ذَلِكَ حَتَّى يَجْمَعَ عَلَيْهِ صَوْمَ السَّنَةِ فَيَصُومُ شَعْبَانَ» "، وَحَدِيثُ الْبَابِ دَالٌّ عَلَى ضَعْفِهِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَكَيْفَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَهُ؟ أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إِلَّا فِي آخِرِ حَيَاتِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ لَهُ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إِكْثَارِ الصَّوْمِ فِيهِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدْ عُورِضَ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ» "، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِ " كُلِّهِ " غَالِبُهُ لِحَدِيثِ الْبَابِ فَهُوَ مُفَسِّرٌ لِهَذَا فَأَطْلَقَ الْكُلَّ عَلَى الْأَكْثَرِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِذَا صَامَ أَكْثَرَ الشَّهْرِ أَنْ يَقُولَ: صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَيُقَالُ: قَامَ فُلَانٌ لَيْلَتَهُ أَجْمَعَ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَعَشَّى وَاشْتَغَلَ بِبَعْضِ أَمْرِهِ نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: كَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِذَلِكَ، فَالْمُرَادُ بِالْكُلِّ الْأَكْثَرُ وَهُوَ مَجَازٌ قَلِيلُ الِاسْتِعْمَالِ، وَاسْتَبْعَدَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ كُلَّ تَأْكِيدٍ لِإِرَادَةِ الشُّمُولِ وَدَفْعِ التَّجَوُّزِ مِنَ احْتِمَالِ الْبَعْضِ فَتَفْسِيرُهُ بِالْبَعْضِ مُنَافٍ لَهُ انْتَهَى. لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ هُنَا لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْحَدِيثَ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا خُصُوصًا وَالْمَخْرَجُ مُتَّحِدٌ، وَيَكْفِي نَقْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ لَهُ عَنِ الْعَرَبِ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ. وَفِي مُسْلِمٍ: مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا: " «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ» "، قَالَ: يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا وَلَمْ يُعَيَّنْ فَاعِلٌ، قَالَ: وَاسْتَبْعَدَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّ فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: " «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ» "، فَعَطْفُ رَمَضَانَ عَلَيْهِ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِشَعْبَانَ أَكْثَرَهُ إِذْ لَا يَجُوزُ أَنَّ الْمُرَادَ بِرَمَضَانَ بَعْضُهُ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِيمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَشَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَمْشِي عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ يُحْمَلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَهْلِ الْأُصُولِ، قَالَ غَيْرُهُ: بَلْ لَا يَمْشِي ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا لِأَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ قَالَهُ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ وَمَا هُنَا لَفْظَانِ شَعْبَانُ وَرَمَضَانُ انْتَهَى. وَهُوَ أَيْضًا اسْتِبْعَادٌ لَا يَمْنَعُ إِرَادَتَهُ لِلْقَرِينَةِ، وَجَمَعَ الطِّيبِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ فِي وَقْتٍ وَيَصُومُ مُعْظَمَهُ فِي آخَرَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ وُجُوبُهُ كُلُّهُ كَرَمَضَانَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهَا كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْفِعْلِ وَأَنَّ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي دَلَالَةِ " كَانَ " عَلَى التَّكْرَارِ فَصَحَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهَا تَقْتَضِيهِ، قَالَ: وَهَذَا اسْتَفَدْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: كَانَ حَاتِمٌ يَقْرِي الضَّيْفَ، وَصَحَّحَ الرَّازِيُّ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِيهِ لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّهُ الْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ. وَذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: أَنَّهَا تَقْتَضِيهِ عُرْفًا فَالتَّعَقُّبُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَجَمَعَ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَانَ يَصُومُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَأُخْرَى مِنْ وَسَطِهِ وَأُخْرَى مِنْ آخِرِهِ وَمَا يُخَلِّي مِنْهُ شَيْئًا بِلَا صِيَامٍ، لَكِنْ فِي أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَسْمَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 الشُّهُورِ إِذَا ذُكِرَتْ غَيْرُ مُضَافٍ إِلَيْهَا لَفْظُ شَهْرٍ كَانَ الْعَمَلُ عَامًّا لِجَمِيعِهَا، لَا تَقُولُ: سِرْتُ الْمُحَرَّمَ وَقَدْ سِرْتُ بَعْضًا مِنْهُ، وَلَا تَقُولُ: صُمْتُ رَمَضَانَ وَإِنَّمَا صُمْتُ بَعْضَهُ، فَإِنْ أَضَفْتَ الشَّهْرَ إِلَيْهِ لَمْ يَلْزَمِ التَّعْمِيمُ، هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَتَبِعُوهُ عَلَيْهِ، قَالَ الصَّفَّارُ: وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا الزَّجَّاجُ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ عَائِشَةَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالْمُرَادُ الْأَكْثَرُ، وَإِمَّا أَنْ يُجْمَعَ بِأَنَّ قَوْلَهَا الثَّانِيَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ قَوْلِهَا الْأَوَّلِ فَأَخْبَرَتْ عَنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَكْثَرَهُ، وَأَخْبَرَتْ ثَانِيًا عَنْ آخِرِ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ عَائِشَةَ فِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ: " «وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ غَيْرَ رَمَضَانَ» "، وَهُوَ مِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَجَمَعَ أَيْضًا بِأَنَّ قَوْلَهَا: " «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ» " مَحْمُولٌ عَلَى حَذْفِ أَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُسْتَثْنَى أَيْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ: " «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ إِلَّا قَلِيلًا» ، وَهَذَا يَرْجِعُ فِي الْمَعْنَى إِلَى الْجَمْعِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ»   689 - 685 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَشَدِّ النُّونِ أَيْ وِقَايَةٌ وَسُتْرَةٌ، قِيلَ مِنَ الْمَعَاصِي لِأَنَّهُ يَكْسِرُ الشَّهْوَةَ وَيُضْعِفُهَا، وَلِذَا قِيلَ: إِنَّهُ لِجَامُ الْمُتَّقِينَ وَجُنَّةُ الْمُحَارِبِينَ وَرِيَاضَةُ الْأَبْرَارِ وَالْمُقَرَّبِينَ، وَقِيلَ: جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَنَّهُ إِمْسَاكٌ عَنِ الشَّهَوَاتِ وَالنَّارُ مَحْفُوفَةٌ بِهَا، وَقَدْ زَادَ التِّرْمِذِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: مِنَ النَّارِ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: جُنَّةٌ وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ، وَلِلنِّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي جُنَّةٌ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ: جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْهُ: جُنَّةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا، زَادَ الدَّارِمِيُّ بِالْغِيبَةِ، وَالتَّفْسِيرَانِ مُتَلَازِمَانِ لِأَنَّهُ إِذَا كَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الْمَعَاصِي فِي الدُّنْيَا كَانَ سِتْرًا لَهُ مِنَ النَّارِ، وَفِي الْإِكْمَالِ: مَعْنَاهُ يَسْتُرُ مِنَ الْآثَامِ أَوْ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَبِالْأَخِيرِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ، وَأَشَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى تَرْجِيحِ الصِّيَامِ عَلَى غَيْرِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ لِكَوْنِهِ جُنَّةً مِنَ النَّارِ فَضْلًا. وَرَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِأَمْرٍ آخُذُهُ عَنْكَ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا عِدْلَ لَهُ "، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ تَرْجِيحُ الحديث: 689 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 الصَّلَاةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ» "، ( «فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ» ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَتَثْلِيثِ الْفَاءِ أَيْ لَا يُفْحِشْ وَيَتَكَلَّمْ بِالْكَلَامِ الْقَبِيحِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْجِمَاعِ وَمُقَدَّمَاتِهِ وَعَلَى ذِكْرِهِ مَعَ النِّسَاءِ أَوْ مُطْلَقًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّهْيَ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا. (وَلَا يَجْهَلْ) أَيْ لَا يَفْعَلْ فِعْلَ الْجُهَّالِ كَصِيَاحٍ وَسَفَهٍ وَسُخْرِيَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " وَلَا يُجَادِلْ "، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَمْنُوعَةٌ مُطْلَقًا لَكِنَّهَا تَتَأَكَّدُ بِالصَّوْمِ، وَلِذَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا إِبَاحَةُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّوْمِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ يَتَأَكَّدُ بِالصَّوْمِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: الْجَهْلُ ضِدُّ الْعِلْمِ يَتَعَدَّى بِغَيْرِ حَرْفِ جَرِّ، وَالْجَهْلُ ضِدُّ الْحِلْمِ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ، قَالَ الشَّاعِرُ: أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا (فَإِنْ) بِتَخْفِيفِ النُّونِ وَفِي رِوَايَةٍ: " وَإِنْ " بِالْوَاوِ، (امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ) ، قَالَ عِيَاضٌ: قَاتَلَهُ دَافَعَهُ وَنَازَعَهُ وَيَكُونُ بِمَعْنَى شَاتَمَهُ وَلَاعَنَهُ، وَقَدْ جَاءَ الْقَتْلُ بِمَعْنَى اللَّعْنِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ: فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ مَارَاهُ يَعْنِي جَادَلَهُ، وَلِأَحْمَدَ: فَإِنْ شَاتَمَكَ أَحَدٌ فَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ وَإِنْ كُنْتَ قَائِمًا فَاجْلِسْ، وَاسْتُشْكِلَ ظَاهِرُهُ بِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ تَقْتَضِي وُقُوعَ الْفِعْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مَعَ أَنَّ الصَّائِمَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ. وَأَجَابَ الْبَاجِيُّ بِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ هُنَا لِلْوَاحِدِ كَسَافَرَ، أَوِ الْمَعْنَى: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُشَاتِمَهُ أَوْ يُقَاتِلَهُ أَوْ إِنْ وُجِدَتْ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَلْيَذْكُرِ الصَّوْمَ وَلَا يَسْتَدِمْ ذَلِكَ. وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُفَاعَلَةِ التَّهَيُّؤُ لَهَا أَيْ أَنْ يَتَهَيَّأَ أَحَدٌ لِقِتَالِهِ أَوْ مُشَاتَمَتِهِ. (فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ) مَرَّتَيْنِ تَأْكِيدًا لِلِانْزِجَارِ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ يُخَاطِبُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ: يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ لِلْمُشَاتِمِ وَالْمُقَاتِلِ أَيْ وَصَوْمِي يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ، وَمَعْنَى الْمُقَاتِلَةِ مُقَاتَلَتُهُ بِلِسَانِهِ، وَقِيلَ: يَقُولُهُ فِي نَفْسِهِ أَيْ فَلَا سَبِيلَ إِلَى شِفَاءِ غَيْظِكَ، وَلَا يَنْطِقُ بِأَنِّي صَائِمٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّيَاءِ وَإِطْلَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصَّوْمَ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي لَا يَظْهَرُ، وَلِذَا يَجْزِي اللَّهُ الصَّائِمَ أَجْرَهُ بِغَيْرِ حِسَابٍ انْتَهَى. وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنِ الْأَئِمَّةِ، وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ الْأَوَّلَ فِي الْأَذْكَارِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّبِ: كُلٌّ مِنْهُمَا حَسَنٌ وَالْقَوْلُ بِاللِّسَانِ أَقْوَى وَلَوْ جَمَعَهُمَا كَانَ حَسَنًا، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ: إِنَّ ذِكْرَهَا فِي الْحَدِيثِ مَرَّتَيْنِ إِشَارَةٌ لِذَلِكَ فَيَقُولُهَا بِقَلْبِهِ لِيَكُفَّ نَفْسَهُ وَبِلِسَانِهِ لِيَكُفَّ خَصْمَهُ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: إِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ فَبِلِسَانِهِ وَإِلَّا فَفِي نَفْسِهِ وَادَّعَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي النَّفْلِ أَمَّا الْفَرْضُ فَبِلِسَانِهِ قَطْعًا، وَقَالَ فِي الْمَصَابِيحِ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ عِلَّةٌ لِتَأْكِيدِ الْمَنْعِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لِخَصْمِهِ: إِنِّي صَائِمٌ تَحْذِيرًا وَتَهْدِيدًا بِالْوَعِيدِ الْمُتَوَجِّهِ عَلَى مَنِ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الصَّائِمِ، وَتَذَرَّعَ إِلَى تَنْقِيصِ أَجْرِهِ بِإِيقَاعِهِ فِي الْمُشَاتَمَةِ أَوْ بِذِكْرِ نَفْسِهِ تَشْدِيدَ الْمَنْعِ الْمُعَلَّلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 بِالصَّوْمِ، وَيَكُونُ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ ظَاهِرُ كَوْنِ الصَّوْمِ جُنَّةً أَنْ يَقِيَ صَاحِبَهُ مِنْ أَنْ يُؤْذَى كَمَا يَقِيهِ أَنْ يُؤْذِيَ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ إِنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي فَالصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»   690 - 686 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) إِنْ شَاءَ أَبْقَاهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا، وَهُوَ قَسَمٌ كَانَ يُقْسِمُ بِهِ كَثِيرًا وَأَقْسَمَ تَأْكِيدًا، (لَخُلُوفُ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِالْفَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ، قَالَ عِيَاضٌ: الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَثِيرٌ مِنَ الشُّيُوخِ يَرْوُونَهُ بِفَتْحِهَا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ خَطَأٌ وَحَكَى الْقَابِسِيُّ فِيهِ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ، وَقَالَ: أَهْلُ الْمَشْرِقِ يَقُولُونَهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ الضَّمُّ أَيْ تَغَيُّرِ رَائِحَةٍ (فَمِ الصَّائِمِ) لِخُلُوِّ الْمَعِدَةِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ، وَقَالَ الْبَرْقِيُّ: هُوَ تَغَيُّرِ طَعْمِ الْفَمِ وَرِيحِهِ بِتَأْخِيرِ الطَّعَامِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا التَّفْسِيرُ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ مَالِكٌ تَغَيُّرَ رَائِحَةِ الْفَمِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا تَثْبُتُ الْمِيمُ فِي الْفَمِ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ لِثُبُوتِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ. (أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ) زَادَ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، (مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ) فَتَعَلَّقَ بِهِ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ: هَذَا الطِّيبُ فِي الْآخِرَةِ خَاصَّةً، وَلِأَبِي الشَّيْخِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «يَخْرُجُ الصَّائِمُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ يُعْرَفُونَ بِرِيحِ أَفْوَاهِهِمْ، أَفْوَاهُهُمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» "، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: هُوَ عَامٌّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِرِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ: " «لَخُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ حِينَ يَخْلُفُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» "، وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «أُعْطِيَتْ أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا، قَالَ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» "، حَسَّنَهُ أَبُو بَكْرِ بْنِ السَّمْعَانِيِّ فِي أَمَالِيهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ صَرِيحٌ بِأَنَّهُ فِي وَقْتِ وُجُودِ الْخُلُوفِ فِي الدُّنْيَا يَتَحَقَّقُ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ أَطْيَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: طِيبُهُ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وَثَنَاؤُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْنَاهُ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْرَبُ إِلَيْهِ عِنْدَهُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: مَعْنَاهُ الثَّنَاءُ عَلَى الصَّائِمِ وَالرِّضَا بِفِعْلِهِ، وَقَالَ الْقَدُورِيُّ إِمَامُ الْحَنَفِيَّةِ: مَعْنَاهُ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ، وَمِثْلُهُ قَالَ الْبُونِيُّ مِنْ قُدَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَأَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ وَأَبُو حَفْصٍ الشَّافِعِيُّونَ وَأَبُو بَكْرٍ الْعَرَبِيُّ فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا لَمْ يَذْكُرُوا سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَجْهًا بِتَخْصِيصِهِ بِالْآخِرَةِ، مَعَ أَنَّ الحديث: 690 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 كُتُبَهُمْ جَامِعَةٌ لِلْوُجُوهِ الْمَشْهُورَةِ وَالْغَرِيبَةِ، وَمَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحِ بَلْ جَزَمُوا بِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الرِّضَا وَالْقَبُولِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَأَمَّا ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَلِأَنَّهُ يَوْمُ الْجَزَاءِ، وَفِيهِ يَظْهَرُ رُجْحَانُ الْخُلُوفِ فِي الْمِيزَانِ عَلَى الْمِسْكِ الْمُسْتَعْمَلِ لِدَفْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ طَلَبًا لِرِضَا اللَّهِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِاجْتِنَابِهَا، وَاجْتِلَابُ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ كَمَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ، فَخُصَّ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فِي رِوَايَةٍ لِذَلِكَ كَمَا خُصَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات: 11] (سُورَةُ الْعَادِيَاتِ: الْآيَةُ 11) ، وَأُطْلِقَ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ أَصْلَ أَفْضَلِيَّتِهِ ثَابِتٌ فِي الدَّارَيْنِ انْتَهَى. وَهَذِهِ إِحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الْمُتَعَاصِرَانِ الْمَذْكُورَانِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْعِزُّ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ اسْتِطَابَةَ الرَّوَائِحِ مِنْ صِفَاتِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَهُ طَبْعٌ يَمِيلُ إِلَى الشَّيْءِ فَيَسْتَطِيبُهُ أَوْ يَنْفِرُ عَنْهُ فَيَسْتَقْذِرُهُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: هُوَ مَجَازٌ لِأَنَّهُ جَرَتِ الْعَادَةُ بِتَقْرِيبِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ مِنَّا فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِتَقْرِيبِ الصَّوْمِ مِنَ اللَّهِ، فَالْمَعْنَى أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَكُمْ أَيْ يُقَرِّبُ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيبِ الْمِسْكِ إِلَيْكُمْ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ حُكْمَ الْخُلُوفِ وَالْمِسْكِ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى ضِدِّ مَا هُوَ عِنْدَكُمْ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُهُ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى تَكُونَ نَكْهَتُهُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ كَمَا يَأْتِي الْمَكْلُومُ وَرِيحُ جُرْحِهِ يَفُوحُ مِسْكًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَنَالُ مِنَ الثَّوَابِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لَاسِيَّمَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْخُلُوفِ حَكَاهُمَا عِيَاضٌ. وَقَالَ الدَّاوُدُيُّ وَجَمَاعَةٌ: الْمَعْنَى أَنَّ الْخُلُوفَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنَ الْمِسْكِ الْمَنْدُوبِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالْخَيْرِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَحَاصِلُهُ حَمْلُ مَعْنَى الطِّيبِ عَلَى الْقَبُولِ وَالرِّضَا. وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ لِلطَّاعَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِيحًا يَفُوحُ قَالَ: فَرِيحُ الصِّيَامِ فِيهَا بَيْنَ الْعِبَادَاتِ كَالْمِسْكِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَطْيَبُ عِنْدَ مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَأَنَّهُمْ يَسْتَطِيبُونَ الْخُلُوفَ، أَكْثَرُ مَنْ كَانَ عِنْدَنَا بِصَدَدِ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَيْ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ إِذْ هُوَ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِالشَّمِّ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: لَكِنَّهُ يُوصَفُ بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْإِدْرَاكِ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْمُدْرَكَاتِ الْمَحْسُوسَاتِ يَعْلَمُهَا تَعَالَى عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَالِقُهَا أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ؟ وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ كَانَ أَطْيَبَ وَدَمُ الشَّهِيدِ رِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ بِالنَّفْسِ وَبَذْلِ الرُّوحِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّوْمَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْجِهَادِ، أَوْ نَظَرًا إِلَى أَصْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَأَصْلُ الْخُلُوفِ طَاهِرٌ بِخِلَافِ الدَّمِ، فَكَانَ مَا أَصْلُهُ طَاهِرٌ أَطْيَبَ رِيحًا، وَبِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالصَّوْمُ فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْكِفَايَةِ. وَرَوَى أَحْمَدُ مَرْفُوعًا: " «دِينَارٌ تُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِكَ وَدِينَارٍ تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُهُمَا الَّذِي تُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِكَ» "، فَفَضَّلَ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَهْلِ لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى النَّفَقَةِ فِي الْجِهَادِ لِأَنَّهُ كِفَايَةٌ. وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 الطَّيَالِسِيُّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: " «خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْجِهَادَ وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ الْمَكْتُوبَةِ» " لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ وُجُوبِ الصِّيَامِ. وَقَوْلُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَطَائِفَةٍ: فَرْضُ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ ضَعِيفٌ، فَنَصُّ الشَّافِعِيِّ: فَرْضُ الْعَيْنِ أَفْضَلُ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ» . (إِنَّمَا يَذَرُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ بِتَرْكِ الصَّائِمِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِنِسْبَتِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلْعِلْمِ بِهِ وَعَدَمِ الْإِشْكَالِ فِيهِ. وَلِأَحْمَدَ عَنْ «إِسْحَاقَ بْنِ الطَّبَّاعِ» عَنْ مَالِكٍ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " إِنَّمَا يَذَرُ (شَهْوَتَهُ) أَيِ الْجِمَاعَ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ زَوْجَتَهُ، (وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) فَالْعَطْفُ مُغَايِرٌ وَإِنْ جَعَلْتَ شَهْوَتَهُ عَامَّةً فَهُوَ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، وَفِي فَوَائِدَ سَمُّوَيْهِ: يَتْرُكُ شَهْوَتَهُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ (مِنْ أَجْلِي) لِامْتِثَالِ شَرْعِي ذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ: قَدْ يُفْهِمُ الْحَصْرُ التَّنْبِيهَ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الصَّائِمُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْإِخْلَاصُ الْخَاصُّ بِهِ حَتَّى لَوْ صَامَ لِغَرَضٍ آخَرَ كَتُخَمَةٍ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ الْفَضْلُ لَكِنَّ الْمَدَارَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَعَلَى الدَّاعِي الْقَوِيِّ الَّذِي يَدُورُ مَعَهُ الْفِعْلُ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَلَا يُشَكُّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ فِي خَاطِرِهِ شَهْوَةُ شَيْءٍ طُولَ نَهَارِهِ لَيْسَ فِي الْفَضْلِ كَمَنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فَجَاهَدَ نَفْسَهُ فِي تَرْكِهِ، (فَالصِّيَامُ لِي) بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ، (وَأَنَا أَجْزِي) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (بِهِ) صَاحِبَهُ، وَلَمَّا أَفَادَ سِعَةَ الْجَزَاءِ وَفَخَامَتَهُ لِتَوَلِّيهِ بِنَفْسِهِ دَفَعَ تَوَهُّمَ أَنَّ لَهُ غَايَةً يَنْتَهِي إِلَيْهِمَا كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ بِقَوْلِهِ: (كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) بِلَا عَدَدٍ وَلَا حِسَابٍ، وَأَعَادَهُ لِلتَّأْكِيدِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] (سُورَةُ الزُّمَرِ: الْآيَةُ 10) ، وَالصَّابِرُونَ الصَّائِمُونَ فِي أَكْثَرِ الْأَقْوَالِ لِأَنَّهُمْ يُصَبِّرُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَعِنْدَ سَمُّوَيْهِ: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا فِيهِ. وَلِلْبَيْهَقِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي حَدِيثِ: " «وَأَمَّا الْعَمَلُ الَّذِي لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ ثَوَابِ عَامِلِهِ إِلَّا اللَّهُ فَالصِّيَامُ» "، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّائِمِ هُنَا مَنْ سَلِمَ صِيَامُهُ مِنَ الْمَعَاصِي قَوْلًا وَفِعْلًا. وَنَقَلَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ الزُّهَّادِ تَخْصِيصَهُ بِصَوْمِ خَوَاصِّ الْخَوَاصِّ فَإِنَّهُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: صِيَامُ الْعَوَّامِ وَهُوَ الصَّوْمُ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ، وَصِيَامُ خَوَاصِّ الْعَوَامِّ وَهُوَ هَذَا مَعَ اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَصِيَامُ الْخَوَاصِّ وَهُوَ الصَّوْمُ عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ، وَصِيَامُ خَوَاصِّ الْخَوَاصِّ وَهُوَ الصَّوْمُ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ فَلَا فِطْرَ لَهُمْ إِلَى يَوْمِ لِقَائِهِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا مَقَامٌ عَالٍ، لَكِنْ فِي حَصْرِ الْمُرَادِ مِنَ الْحَدِيثِ فِي هَذَا النَّوْعِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ مَعَ أَنَّ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا لِلَّهِ وَهُوَ الَّذِي يُجْزِي بِهَا عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الصِّيَامَ لَا يَقَعُ فِيهِ رِيَاءٌ كَغَيْرِهِ حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: " «الصِّيَامُ لَا رِيَاءَ فِيهِ» " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 مُرْسَلًا، وَلَوْ صَحَّ لَرُفِعَ النِّزَاعُ. وَكَوْنُهُ لَا رِيَاءَ فِيهِ مَعْنَاهُ فِي فِعْلِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ الرِّيَاءُ بِالْقَوْلِ كَمَنْ يُخْبِرُ بِأَنَّهُ صَائِمٌ رِيَاءً فَإِنَّمَا يَقَعُ الرِّيَاءُ فِيهِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ قَدْ يَدْخُلُهَا بِمُجَرَّدِ فِعْلَهَا، وَحَاوَلَ بَعْضُهُمْ إِلْحَاقَ الذِّكْرِ بِالصَّوْمِ لِإِمْكَانِ فِعْلِهِ بِحَرَكَةِ اللِّسَانِ وَلَا يَشْعُرُ الْحَاضِرُونَ. ثَانِيهَا: مَعْنَاهُ أَنَا الْمُنْفَرِدُ بِعِلْمِ مِقْدَارِ ثَوَابِهِ وَتَضْعِيفِ حَسَنَاتِهِ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَظْهَرَ سُبْحَانَهُ بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ عَلَيْهَا وَلَا يُبْطِلُهُ كَمَا ادَّعَى الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا قَدْرُ ثَوَابِهِ فَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. ثَالِثُهَا: مَعْنَاهُ أَحَبُّ الْعِبَادَاتِ إِلَيَّ وَالْمُقَدَّمُ عِنْدِي، وَلِذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَفَى بِهِ فَضْلًا لِلصِّيَامِ عَلَى سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَلِلنَّسَائِيِّ: عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: " «وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ» ". رَابِعُهَا: الْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيفِ وَالتَّعْظِيمِ كَمَا يُقَالُ: بَيْتُ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتِ الْبُيُوتُ كُلُّهَا لِلَّهِ، وَنَاقَةُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ، مَعَ أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ لِلَّهِ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: التَّخْصِيصُ فِي مَوْضِعِ التَّعْمِيمِ فِي مِثْلِ هَذَا السِّيَاقِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا التَّشْرِيفُ وَالتَّعْظِيمُ. خَامِسُهَا: أَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا تَقَرَّبَ إِلَيْهِ الصَّائِمُ بِمَا يُوَافِقُ صِفَاتِهِ أَضَافَهُ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ صِفَاتُ اللَّهِ لَا يُشْبِهُهَا شَيْءٌ. سَادِسُهَا: الْمَعْنَى كَذَلِكَ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِهِمْ. سَابِعُهَا: أَنَّهُ خَاصٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ حَظٌّ فِيهِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْحَظِّ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ لِلْعِبَادَةِ رَجَعَ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَبِهِ أَفْصَحَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَقَالَ: لَا حَظَّ فِيهِ لِلصَّائِمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَهُ فِيهِ حَظٌّ لِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ، أَيْ وَإِنْ أَرَادَ عَدَمَ انْبِسَاطِ نَفْسِهِ بِهِ أَصْلًا غَالِبًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ، فَيُوجَدُ لِلنَّفْسِ فِيهَا حَظٌّ كَالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فَلَهُ فِيهِ حَظُّ التَّبَرُّدِ أَوِ التَّدَفِّي، وَكَالْحَجِّ فَلَهُ فِيهِ حَظُّ التَّنَفُّلِ وَالتَّفَرُّجِ عَلَى الْأَمْكِنَةِ وَهَكَذَا، فَلَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بَلْ يَكُونُ غَيْرُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. ثَامِنُهَا: سَبَبُ إِضَافَتِهِ إِلَى اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ بِهِ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالطَّوَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ عُبَّادَ النُّجُومِ وَأَصْحَابَ الْهَيَاكِلِ وَالِاسْتِخْدَامَاتِ يَتَعَبَّدُونَ لَهَا بِالصِّيَامِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ إِلَهِيَّةَ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّمَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا فَعَّالَةٌ بِنَفْسِهَا، وَلَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ بِطَائِلٍ لِأَنَّهُمْ طَائِفَتَانِ: إِحْدَاهُمَا تَعْتَقِدُ إِلَهِيَّةَ الْكَوَاكِبِ وَهُمْ مَنْ كَانَ قَبْلَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَبَقِيَ مِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ عَلَى كُفْرِهِ، وَالْأُخْرَى مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَبَقِيَ عَلَى تَعْظِيمِ الْكَوَاكِبِ وَهُمُ الَّذِينَ أُشِيرَ إِلَيْهِمْ. تَاسِعُهَا: أَنَّ جَمِيعَ الْعِبَادَاتِ يُوَفَّى مِنْهَا مَظَالِمُ الْعِبَادِ إِلَّا الصِّيَامُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُ اللَّهُ عَبْدَهُ وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ مِنْ عَمَلِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ إِلَّا الصَّوْمُ فَيَتَحَمَّلُ اللَّهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ، وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ الْمُقَاصَّةِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ كَبَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ لِأَنَّ فِيهِ «الْمُفْلِسَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وَصِيَامٍ وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا وَأَخَذَ مَالَ هَذَا فَيُؤْخَذُ لِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَلِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ مَا عَلَيْهِ طُرِحَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُمْ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» . قُلْتُ: إِنْ ثَبَتَ قَوْلُ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَمْكَنَ تَخْصِيصُ الصِّيَامِ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ يَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «كُلُّ الْعَمَلِ كَفَّارَةٌ إِلَّا الصَّوْمَ الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ: " «قَالَ رَبُّكُمْ: كُلُّ الْعَمَلِ كَفَّارَةٌ إِلَّا الصَّوْمَ» " فَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ شَاهِدٌ لِذَلِكَ، لَكِنْ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ» "، وَيُجَابُ بِحَمْلِ الْإِثْبَاتِ عَلَى كَفَّارَةِ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، وَالنَّفْيِ عَلَى كَفَّارَةِ شَيْءٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِفِتْنَةِ الْمَالِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ لَكِنْ حَمَلَهُ الْبُخَارِيُّ عَلَى تَكْفِيرِ مُطْلَقِ الْخَطِيئَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُسْلِمٍ: " «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» "، وَلِابْنِ حِبَّانَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَعَرَفَ حُدُودَهُ كَفَّرَ مَا قَبْلَهُ» "، وَلِمُسْلِمٍ: " «صِيَامُ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ وَصِيَامُ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً» "، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: " «كُلُّ الْعَمَلِ كَفَّارَةٌ إِلَّا الصِّيَامُ» " أَيْ فَإِنَّهُ كَفَّارَةٌ وَزِيَادَةُ ثَوَابٍ عَلَى الْكَفَّارَةِ بِشَرْطِ خُلُوصِهِ مِنَ الرِّيَاءِ وَالشَّوَائِبِ. عَاشِرُهَا: أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَظْهَرُ فَتَكْتُبُهُ الْحَفَظَةُ كَمَا لَا تُكْتَبُ سَائِرُ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، وَاسْتَنَدَ قَائِلُهُ إِلَى حَدِيثٍ وَاهٍ جِدًّا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْمُسَلْسَلَاتِ وَلَفْظُهُ: قَالَ اللَّهُ الْإِخْلَاصُ سِرٌّ مِنْ سِرِّي اسْتَوْدَعْتُهُ قَلْبَ مَنْ أُحِبُّ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكْتُبَهُ وَلَا شَيْطَانٌ فَيُفْسِدَهُ. وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي كِتَابِهِ: " «الْحَسَنَةُ لِمَنْ هَمَّ بِهَا وَلَمْ يَعْمَلْهَا» "، فَهَذَا مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَجْوِبَةِ وَأَقْرَبُهَا إِلَى الصَّوَابِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَيَقْرُبُ مِنْهُمَا الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ. وَبَلَغَنِي أَنَّ الطَّالِقَانِيَّ بَلَّغَهَا أَكْثَرَ فِي حَظَائِرِ الْقُدْسِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَقَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّوْمَ لِي لَا لَكَ، أَيْ أَنَا الَّذِي يَنْبَغِي لِي أَنْ لَا أَطْعَمَ وَلَا أَشْرَبَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَكَانَ دُخُولُكُ فِيهِ لِأَنِّي شَرَعْتُهُ لَكَ فَأَنَا أَجْزِي بِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا جَزَاؤُهُ لِأَنَّ صِفَةَ التَّنْزِيهِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالشَّهْوَةِ تَطْلُبُنِي، وَقَدْ تَلَبَّسْتَ بِهَا وَلَيْسَتْ لَكَ لَكِنَّكَ اتَّصَفْتَ بِهَا حَالَ صَوْمِكَ فَهِيَ تُدْخِلُكَ عَلَيَّ، فَإِنَّ الصَّبْرَ حَبْسُ النَّفْسِ وَقَدْ حَبَسْتَهَا بِأَمْرِي عَمَّا تَقْتَضِيهِ، وَحَقِيقَتُهَا مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالشَّهْوَةِ، فَلِذَا قَالَ «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفَرْحَةُ الْفِطْرِ لِرُوحِهِ الْحَيَوَانِيِّ لَا غَيْرَ، وَالثَّانِيَةُ لِنَفْسِهِ النَّاطِقَةِ لَطِيفَةٌ رَبَّانِيَّةٌ فَأَوْرَثَهُ الصَّوْمُ لِقَاءَ اللَّهِ وَهُوَ الْمُشَاهَدَةُ انْتَهَى، وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ لَكِنَّهُ وَصَلَهُ بِالْحَدِيثِ قَبْلَهُ لِاتِّحَادِ إِسْنَادِهِمَا وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْتُهُ عَنِ الْحَافِظِ لَكِنَّهُ قَالَ هُنَا هُمَا حَدِيثَانِ أَفْرَدَهُمَا الْمُوَطَّأُ وَجَمَعَهُمَا عَنْهُ الْقَعْنَبِيُّ وَعَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَكْرَهُونَ السِّوَاكَ لِلصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ فِي سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ لَا فِي أَوَّلِهِ وَلَا فِي آخِرِهِ وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا يَنْهَى عَنْهُ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فِي صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ إِنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ يَصُومُهَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ وَأَنْ يُلْحِقَ بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْلُ الْجَهَالَةِ وَالْجَفَاءِ لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ وَقَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصِيَامُهُ حَسَنٌ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ وَأُرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ   691 - 687 الحديث: 691 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 - (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ) نَافِعِ (بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ) مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْمَدَنِيِّ الْأَصْبَحِيِّ، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:) كَذَا وَقَعَ مَوْقُوفًا فِي الْمُوَطَّآتِ إِلَّا مُوَطَّأِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى فَرَفَعَهُ وَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا تَوْقِيفًا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَدْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيِّ وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ) بِتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا (أَبْوَابُ الْجَنَّةِ) حَقِيقَةً لِمَنْ مَاتَ فِيهِ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا لَا يَفْسُدُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ عَلَامَةٌ لِلْمَلَائِكَةِ لِدُخُولِ الشَّهْرِ وَتَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ: أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَقِيلَ إِنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَأَصْلُهُ الْجَنَّةُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْمُرَادُ مِنَ السَّمَاءِ الْجَنَّةُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: (وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ) حَقِيقَةً أَيْضًا لِذَلِكَ، (وَصُفِّدَتْ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْفَاءِ غُلَّتِ (الشَّيَاطِينُ) أَيْ شُدَّتْ بِالْأَصْفَادِ وَهِيَ الْأَغْلَالُ الَّتِي يُغَلُّ بِهَا الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَتُرْبَطُ فِي الْعُنُقِ وَهِيَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ " حَقِيقَةً أَيْضًا مَنْعًا لَهُمْ مِنْ أَذَى الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّشْوِيشِ عَلَيْهِمْ، أَوْ مَجَازٌ عَنْ كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالْعَفْوِ. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ: " فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ " إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الرَّحْمَةُ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَنَّةِ أَوْ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ، وَأَنَّ الشَّيَاطِينَ يَقِلُّ إِغْوَاؤُهُمْ وَإِيذَاؤُهُمْ فَيَكُونُونَ كَالْمُصَفَّدِينَ وَيَكُونُ تَصْفِيدُهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ لِنَاسٍ دُونَ نَاسٍ لِحَدِيثِ: " صُفِّدَتْ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ "، أَوْ فَتْحُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ عِبَارَةٌ عَمَّا يَفْتَحُهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الَّتِي لَا تَقَعُ فِي غَيْرِهِ عُمُومًا كَالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَفِعْلِ الْخَيِّرَاتِ وَالِانْكِفَافِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ، وَهَذِهِ أَسْبَابٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَأَبْوَابٌ لَهَا، وَكَذَلِكَ تَغْلِيقُ أَبْوَابِ النَّارِ، وَتَصْفِيدُ الشَّيَاطِينِ عِبَارَةٌ عَمَّا يَنْكَفُّونَ عَنْهُ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ، هَكَذَا أَبْدَى الْقَاضِي عِيَاضٌ احْتِمَالَيِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَلَى السَّوَاءِ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَأَقَرَّهُ، وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ الْمُنِيرِ الْحَقِيقَةَ إِذْ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا تَمْتَنِعُ الْحَقِيقَةُ لِأَنَّهُمْ ذُرِّيَّةُ إِبْلِيسَ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَطَئُونَ وَيَمُوتُونَ وَيُعَذَّبُونَ وَلَا يُنَعَّمُونَ، وَقَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّصْفِيدَ حَقِيقَةٌ مَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّهَا تُصَفَّدُ وَتُرْمَى فِي الْبَحْرِ، وَرَجَّحَ التُّورِبِشْتِيُّ الْمَجَازَ فَقَالَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَنْزِيلِ الرَّحْمَةِ وَإِزَالَةِ الْغَلْقِ عَنْ مَصَاعِدَ أَعْمَالِ الْعِبَادِ تَارَةً بِبَذْلِ التَّوْفِيقِ وَأُخْرَى بِحُسْنِ الْقَبُولِ، وَغَلْقُ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ عِبَارَةٌ عَنْ تَنَزُّهِ أَنْفُسِ الصُّوَّامِ عَنْ رِجْسِ الْفَوَاحِشِ وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الْبَوَاعِثِ عَلَى الْمَعَاصِي بِقَمْعِ الشَّهَوَاتِ، وَيُمْنَعُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْمَنِّ عَلَى الصُّوَّامِ وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ وَنُدِبُوا إِلَيْهِ حَتَّى صَارَتِ الْجِنَانُ فِي هَذَا الشَّهْرِ كَأَنَّ أَبْوَابَهَا فُتِّحَتْ وَنَعِيمَهَا هُيِّئَ وَالنِّيرَانُ كَأَنَّ أَبْوَابَهَا غُلِّقَتْ وَأَنْكَالَهَا عُطِّلَتْ، وَإِذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 ذَهَبْنَا إِلَى الظَّاهِرِ لَمْ تَقَعِ الْمِنَّةُ مَوْقِعَهَا وَتَخْلُو عَنِ الْفَائِدَةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا غَيْرُ مُيَسَّرٍ لِدُخُولِ إِحْدَى الدَّارَيْنِ، وَرَدَّهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ فَائِدَةَ الْفَتْحِ تَوْقِيفُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى اسْتِحْمَادِ فِعْلِ الصَّائِمِينَ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَعَالَى بِمَنْزِلَةٍ عَظِيمَةٍ، وَأَيْضًا إِذَا عَلِمَ الْمُكَلَّفُ الْمُعْتَقِدُ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ الصَّادِقِ يَزِيدُ ذَلِكَ فِي نَشَاطِهِ وَيَتَلَقَّاهُ بِمَزِيدِ الْقَبُولِ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ عُمَرَ: " «إِنَّ الْجَنَّةَ لَتُزَخْرَفُ لِرَمَضَانَ» "، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَدِ اسْتَرَابَ مُرِيبٌ فَقَالَ: نَرَى الْمَعَاصِيَ فِي رَمَضَانَ كَمَا هِيَ فِي غَيْرِهِ فَمَا هَذَا التَّصْفِيدُ؟ وَمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ؟ وَقَدْ كَذِبَ وَجَهِلَ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَدْ يَكُونُ مِنَ النَّفْسِ وَشَهَوَاتِهَا، سَلَّمْنَا أَنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ وَسْوَسَتِهِ الَّتِي يَجِدُهَا الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ اتِّصَالُهَا بِالنَّفْسِ إِذْ قَدْ يَكُونُ مَعَ بُعْدِهِ عَنْهَا لِأَنَّهَا مِنْ فِعْلِ اللَّهِ، فَكَمَا يُوجَدُ الْأَلَمُ فِي جَسَدِ الْمَسْحُورِ وَالْمَعْيُونِ عِنْدَ تَكَلُّمِ السَّاحِرِ أَوِ الْعَايِنِ فَكَذَلِكَ يُوجَدُ عِنْدَ وَسْوَسَتِهِ مِنْ خَارِجٍ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيَاطِينِ الْمَرَدَةُ لِأَنَّهُمْ فِي الْكُفْرِ وَالتَّمَرُّدِ طَبَقَاتٌ فَتُصَفَّدُ الْمَرَدَةُ لَا غَيْرَ فَتَقِلُّ الْمُخَالَفَاتُ، وَلَا شَكَّ فِي قِلَّتِهَا فِي رَمَضَانَ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا فِيهِ كَغَيْرِهِ فَقَدْ بَاهَتْ وَسَقَطَتْ مُكَالَمَتُهُ. انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ هَذَا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: " صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينِ مَرَدَةُ الْجِنِّ "، وَأَجَابَ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهَا إِنَّمَا تُغَلُّ عَنِ الصَّائِمِينَ الصَّوْمَ الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيَاطِينِ مُسْتَرِقُو السَّمْعِ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُنِعُوا فِي زَمَنِ نُزُولِ الْقُرْآنِ مِنَ اسْتِرَاقِهِ فَزِيدُوا التَّسَلْسُلَ فِي رَمَضَانَ مُبَالَغَةً فِي الْحِفْظِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ لَا يَخْلُصُونَ مِنِ افْتِتَانِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالصِّيَامِ الَّذِي فِيهِ قَمْعُ الشَّهَوَاتِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرُ انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ بَعْضُهُمْ وَهُمُ الْمَرَدَةُ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينِ مَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، فَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلُّ لَيْلَةٍ» ". (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَكْرَهُونَ السِّوَاكَ لِلصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ فِي سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ لَا فِي أَوَّلِهِ) ، وَهُوَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، (وَلَا فِي آخِرِهِ) مِنَ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ (وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا يَنْهَى عَنْهُ) بَلْ يَسْتَحِبُّونَهُ لِظَاهِرِ الْأَدِلَّةِ كَحَدِيثِ: " «أَفْضَلُ خِصَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» " وَلَمْ يَخُصَّ وَقْتًا، وَخَبَرُ: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ» " وَلَمْ يَخُصَّ صَائِمًا مِنْ غَيْرِهِ وَلَا وَقْتًا. وَقَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَا أَعُدُّ وَلَا أُحْصِي» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ. وَبِهَذَا قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعَيْنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إِنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَكَرِهَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ السِّوَاكَ لِلصَّائِمِ آخِرَ النَّهَارِ لِحَدِيثِ: " خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ " لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْخُلُوفَ الَّذِي هَذِهِ صَفَتُهُ وَفَضِيلَتُهُ وَإِنْ كَانَ فِي السِّوَاكِ فَضْلٌ لَكِنَّ فَضْلَ الْخُلُوفِ أَعْظَمُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخُلُوفَ لَا يَنْقَطِعُ مَا دَامَتِ الْمَعِدَةُ خَالِيَةً غَايَتُهُ أَنَّهُ يَخِفُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ فَلَا يُكْرَهُ كَالْمَضْمَضَةِ لِلصَّائِمِ لَاسِيَّمَا وَهِيَ رَائِحَةٌ تَتَأَذَّى بِهَا الْمَلَائِكَةُ فَلَا تُتْرَكُ هُنَالِكَ. وَأَمَّا الْخَبَرُ فَفَائِدَتُهُ عَظِيمَةٌ بَدِيعَةٌ وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا مَدَحَ الْخُلُوفَ نَهْيًا لِلنَّاسِ عَنْ تَقَذُّرِ مُكَالَمَةِ الصَّائِمِينَ بِسَبَبِ الْخُلُوفِ لَا نَهْيًا لِلصَّائِمِينَ عَنِ السِّوَاكِ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ وُصُولِ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ إِلَيْهِ، فَعَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالنَّهْيِ بَقَاءَ الرَّائِحَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ نَهْيَ النَّاسِ عَنْ كَرَاهَتِهَا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ إِكْرَامَ الصَّائِمِ وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِلسِّوَاكِ فَيُذْكَرُ أَوْ يُتَأَوَّلُ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ بِهَذَا الْوَقْتِ يَخُصُّ بِهِ عُمُومَ " عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ "، وَفِي رِوَايَةٍ: عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ، وَحَدِيثُ الْخُلُوفِ لَا يُخَصِّصُهُ انْتَهَى. وَتُعُقِّبَ قِيَاسُهُ عَلَى دَمِ الشَّهِيدِ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الصَّائِمَ مُنَاجٍ لِرَبِّهِ فَنُدِبَ لَهُ تَطْيِيبَ فَمِهِ، وَالشَّهِيدُ لَيْسَ بِمُنَاجٍ وَهُوَ جِيفَةٌ أَشَدُّ مِنَ الدَّمِ فَزَوَالُهُ لَا يُؤَثِّرُ شَيْئًا بَلْ بَقَاؤُهُ يُوجِبُ مَزِيدَ الرَّحْمَةِ لَهُ، وَلِأَنَّهُ أَثَرُ الظُّلْمِ الَّذِي يَنْتَصِفُ بِهِ مِنْ خَصْمِهِ، وَسَبِيلُ الْخُصُومَةِ الظُّهُورُ وَلِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَأْمَنُ فِيهِ الرِّيَاءَ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ مُنَاجَاةَ الصَّائِمِ لِرَبِّهِ مَعَ دَوَامِ الْخُلُوفِ أَوْلَى لِقَوْلِهِ: أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِأَنَّ مَدْحَهُ يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ لَا عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا الْوِتْرُ أَفْضَلُ مِنَ الْفَجْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» "، وَكَمْ مِنْ عِبَادَةٍ أَثْنَى عَلَيْهَا مَعَ فَضْلِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ قَاعِدَةِ ازْدِحَامِ الْمَصَالِحِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، فَالسِّوَاكُ إِجْلَالًا لِلَّهِ حَالَ مُنَاجَاتِهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ تَطْهِيرَ الْفَمِ لِلْمُنَاجَاةِ تَعْظِيمٌ لَهَا، وَالْخُلُوفُ مُنَافٍ لِذَلِكَ فَقَدَّمَ السِّوَاكَ لِخَبَرِ: " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ ". (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ) الِاجْتِهَادِ (يَصُومُهَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ) الَّذِينَ لَمْ أُدْرِكُهُمْ كَالصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ. (وَأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ وَأَنْ يُلْحِقَ) بِضَمٍّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 (بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْلُ الْجَهَالَةِ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يُلْحِقُ، (وَالْجَفَاءِ) الْغِلْظَةِ وَالْفَظَاظَةِ، (لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ) ، قَالَ مُطَرِّفٌ: فَإِنَّمَا كُرِهَ صِيَامُهَا لِذَلِكَ، فَأَمَّا مَنْ صَامَهَا رَغْبَةً لِمَا جَاءَ فِيهَا فَلَا كَرَاهَةَ. وَفِي مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعُهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» "، قَالَ عِيَاضٌ: لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةٍ وَالسِّتَّةَ تَمَامُ السَّنَةِ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، قَالَ شُيُوخُنَا: إِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ صَوْمَهَا مَخَافَةَ أَنْ يُلْحِقَ الْجَهَلَةُ بِرَمَضَانَ غَيْرَهُ. أَمَّا صَوْمُهَا عَلَى مَا أَرَادَهُ الشَّرْعُ فَلَا يُكْرَهُ، وَقِيلَ: لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ، أَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَوْ وَجَدَ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ وَصْلَ صَوْمِهَا بِيَوْمِ الْفِطْرِ، فَلَوْ صَامَهَا أَثْنَاءَ الشَّهْرِ فَلَا كَرَاهَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ سِتَّةُ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَ مَالِكًا مُتَحَفِّظًا كَثِيرَ الِاحْتِيَاطِ فِي الدِّينِ، ـ وَالصِّيَامُ عَمَلُ بِرٍّ ـ فَلَمْ يَرَهُ مِنْ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى الْجَهَلَةِ كَمَا أَوْضَحَهُ انْتَهَى. وَوَجْهُ كَوْنِهِ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ فِيهِ سَعْدَ بْنَ سَعِيدٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ قَلِيلُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي أَيُّوبَ أَيْ وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُ قَوْلُهُ رَأَيَا إِذِ الْحَسَنَةُ بِعَشَرَةٍ فَلَهُ عِلَّتَانِ الِاخْتِلَافُ فِي رَاوِيهِ وَالْوَقْفُ. (وَقَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصِيَامُهُ حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَقَلَّمَا رَأَيْتُهُ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفْطِرًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَطُّ» وَحَدِيثُ: " «مَنْ صَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كُتِبَ لَهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ غُرٍّ زُهْرٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ لَا تُشَاكِلُهُنَّ أَيَّامُ الدُّنْيَا» "، (وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ) ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: قِيلَ إِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَقِيلَ: صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، (يَصُمْهُ وَأُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَظُنُّهُ (كَانَ يَتَحَرَّاهُ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: أَتَى بِهِ إِخْبَارًا لَا اخْتِيَارًا لِفِعْلِهِ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَرَاهَةَ صَوْمِ يَوْمٍ مُوَقَّتٍ أَوْ شَهْرٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ لَهُ بِكَرَاهَةِ قَصْدِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ» "، وَفِيهِمَا عَنْ جَابِرٍ: " «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» "، زَادَ مُسْلِمٌ: وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ، وَلِلنَّسَائِيِّ: وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَلِذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى كَرَاهَةِ إِفْرَادِهِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَلَعَلَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 قَوْلَ مَالِكٍ يَرْجِعُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ: صَوْمُهُ حَسَنٌ وَمَذْهَبُهُ كَرَاهَةَ تَخْصِيصِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ بِالصَّوْمِ، وَإِنَّمَا حَكَى صَوْمَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَظَنُّهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ، وَلَمْ يَقُلْ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنَا أَرَاهُ وَأُحِبُّهُ. وَأَشَارَ الْبَاجِيُّ إِلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ لَهُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَمْ يَبْلُغْهُ وَلَوْ بَلَغَهُ لَمْ يُخَالِفْهُ. قَالَ الْأَبِيُّ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَازِرِيَّ والدَّاوُدِيَّ فَهِمَا مِنَ الْمُوَطَّأِ الْجَوَازَ، وَعِيَاضٌ رَدَّهُ إِلَى مَا عُلِمَ مِنْ مَذْهَبِهِ مِنْ كَرَاهَةِ تَخْصِيصِ يَوْمٍ بِالصَّوْمِ، وَعَضَّدَ ذَلِكَ بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَاجِيُّ مِنِ احْتِمَالِ أَنَّ مَا فِي الْمُوَطَّأِ قَوْلٌ آخَرُ لَهُ بِالْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَأَكْثَرُ الشُّيُوخِ إِنَّمَا يَحْكِي عَنْ مَالِكٍ الْجَوَازَ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 [كِتَاب الْاعْتِكَافِ] [بَاب ذِكْرِ الْاعْتِكَافِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْاعْتِكَافِ بَاب ذِكْرِ الْاعْتِكَافِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ»   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 19 - كِتَابُ الِاعْتِكَافِ هُوَ لُغَةً: لُزُومُ الشَّيْءِ وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ خَيْرًا أَوْ شَرًّا: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) ، {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 138) ، وَشَرْعًا: لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِلْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ إِجْمَاعًا، أَوْ قَطْعُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ عِنْدَ قَوْمٍ. 1 - بَابُ ذِكْرِ الِاعْتِكَافِ 693 - 688 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ) كَذَا لِلْجُمْهُورِ، وَلِابْنِ مَهْدِيٍّ وَجَمَاعَةٍ: مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ لَمْ يَذْكُرُوا عَمْرَةَ كَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَرَوَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ الْحَافِظُ: جَمَعَ بَيْنَهُمَا اللَّيْثُ، وَرَوَاهُ يُونُسُ وَالْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَحْدَهُ، وَمَالِكٌ عَنْهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ: لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَابَعَهُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ أَبَا أُوَيْسٍ تَابَعَهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَأَنَّ الْبَاقِينَ اخْتَصَرُوا ذِكْرَ عَمْرَةَ، وَأَنَّ ذِكْرَهَا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْهُ فَوَافَقَ اللَّيْثَ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَلَهُ أَصْلٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحِ، وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ الحديث: 693 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 (زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي) يُقَرِّبُ (إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ) أُمَشِّطُ شَعْرَهُ وَأُنَظِّفُهُ وَأُحَسِّنُهُ، فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ لِأَنَّ التَّرْجِيلَ لِلشَّعْرِ لَا لِلرَّأْسِ، أَوْ مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: التَّرْجِيلُ أَنْ يُبَلَّ الشَّعْرُ ثُمَّ يُمَشَّطُ، وَفِيهِ أَنَّ إِخْرَاجَ الْبَعْضِ لَا يَجْرِي مَجْرَى الْكُلِّ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: " وَأَنَا حَائِضٌ "، وَفِيهِ: أَنَّ الْحَائِضَ طَاهِرَةٌ، وَأَنَّ يَدَيِ الْمَرْأَةِ لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ إِذْ لَوْ كَانَا عَوْرَةً مَا بَاشَرَتْهُ بِهِمَا فِي اعْتِكَافِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: فِيهِ إِبَاحَةُ تَنَاوُلِ الْمَرْأَةِ رَأْسَ زَوْجِهَا وَتَرْجِيلِهِ وَلَمْسِ جِلْدِهِ بِغَيْرِ لَذَّةٍ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مُبَاشَرَتُهَا بِلَذَّةٍ. (وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) أَيِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ كَمَا فَسَّرَهَا الزُّهْرِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَى اسْتِثْنَائِهِمَا. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ مِمَّا تَدْعُو إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ وَلَا يُفْعَلُ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَّا الْأَكْلُ فَيُبَاحُ فِيهِ فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ كَرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ إِذَا اعْتَكَفَتْ لَا تَسْأَلُ عَنْ الْمَرِيضِ إِلَّا وَهِيَ تَمْشِي لَا تَقِفُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَأْتِي الْمُعْتَكِفُ حَاجَتَهُ وَلَا يَخْرُجُ لَهَا وَلَا يُعِينُ أَحَدًا إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَلَوْ كَانَ خَارِجًا لِحَاجَةِ أَحَدٍ لَكَانَ أَحَقَّ مَا يُخْرَجُ إِلَيْهِ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ وَاتِّبَاعُهَا قَالَ مَالِكٌ لَا يَكُونُ الْمُعْتَكِفُ مُعْتَكِفًا حَتَّى يَجْتَنِبَ مَا يَجْتَنِبُ الْمُعْتَكِفُ مِنْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَدُخُولِ الْبَيْتِ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ قَالَ مَالِكٌ لَا يَأْتِي الْمُعْتَكِفُ حَاجَتَهُ وَلَا يَخْرُجُ لَهَا وَلَا يُعِينُ أَحَدًا إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَلَوْ كَانَ خَارِجًا لِحَاجَةِ أَحَدٍ لَكَانَ أَحَقَّ مَا يُخْرَجُ إِلَيْهِ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ وَاتِّبَاعُهَا قَالَ مَالِكٌ لَا يَكُونُ الْمُعْتَكِفُ مُعْتَكِفًا حَتَّى يَجْتَنِبَ مَا يَجْتَنِبُ الْمُعْتَكِفُ مِنْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَدُخُولِ الْبَيْتِ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَان   694 - 689 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةِ (أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ إِذَا اعْتَكَفَتْ لَا تَسْأَلُ عَنِ الْمَرِيضِ إِلَّا وَهِيَ تَمْشِي لَا تَقِفُ) لِأَنَّ الْوُقُوفَ مِنْ مَعْنَى الْعِيَادَةِ وَلَا تَجُوزُ كَحُضُورِ جِنَازَةٍ وَطَلَبِ دَيْنٍ وَاسْتِيفَاءِ حَدٍّ وَجَبَ لَهُ فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ أَوِ الدَّيْنُ عَلَيْهِ فَأُخْرِجَ لِذَلِكَ كُرْهًا بَطُلَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ سَبَبَهُ مِنْ جِهَتِهِ، وَلِابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَبْطُلُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَأْتِي الْمُعْتَكِفُ حَاجَتَهُ وَلَا يَخْرُجُ لَهَا) مِنَ الْمَسْجِدِ، (وَلَا يُعَيِّنُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) وَنَحْوَهَا كَغُسْلٍ وَجَبَ أَوْ لِجُمْعَةٍ أَوْ عِيدٍ أَوْ حَرٍّ أَصَابَهُ، فَيَجُوزُ لَهُ قَصُّ ظُفُرِهِ أَوْ شَارِبِهِ أَوْ هُمَا وَنَتْفُ إِبِطٍ وَإِزَالَةُ عَانَةٍ تَبَعًا لِخُرُوجِهِ لِلْحَاجَةِ وَنَحْوَهَا وَلَا يَخْرُجُ لِذَلِكَ اسْتِقْلَالًا. (وَلَوْ كَانَ خَارِجًا لِحَاجَةِ أَحَدٍ لَكَانَ أَحَقَّ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ (مَا يُخْرَجُ إِلَيْهِ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ (وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ وَاتِّبَاعُهَا) مَعَ الحديث: 694 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِذَلِكَ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: " السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدَ جَنَازَةً، وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرَهَا، وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا يَقُولُ فِيهِ السُّنَّةُ، وَجَزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ: بِأَنَّ الَّذِي مِنْ قَوْلِهَا لَا يَخْرُجُ إِلَّا لِحَاجَةٍ وَمَا عَدَاهُ مِمَّنْ دُونَهَا. وَجَاءَ عَنْ عَلِيٍّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: إِنْ شَهِدَ الْمُعْتَكِفُ جَنَازَةً أَوْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ خَرَجَ لِلْجُمْعَةِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَبِهِ (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ الْمُعْتَكِفُ مُعْتَكِفًا حَتَّى يَجْتَنِبَ الْمُعْتَكِفُ مِنْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ) وَلَوْ أَبَوَيْهِ إِذَا مَاتَا مَعًا، (وَدُخُولِ الْبُيُوتِ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) ثُمَّ تَارَةً تَجِبُ الْعِيَادَةُ وَالْخُرُوجُ لِلْجِنَازَةِ وَذَلِكَ إِذَا مَرِضَ أَوْ مَاتَ أَبَوَيْهِ وَالْآخَرُ حَيٌّ وَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَتَارَةً يَحْرُمُ الْخُرُوجُ إِذَا مَاتَا مَعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الرَّجُلِ يَعْتَكِفُ هَلْ يَدْخُلُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقْفٍ فَقَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ يُجَمَّعُ فِيهِ وَلَا أُرَاهُ كُرِهَ الْاعْتِكَافُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا يُجَمَّعُ فِيهَا إِلَّا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَخْرُجَ الْمُعْتَكِفُ مِنْ مَسْجِدِهِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ أَوْ يَدَعَهَا فَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا لَا يُجَمَّعُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَلَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إِتْيَانُ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدٍ سِوَاهُ فَإِنِّي لَا أَرَى بَأْسًا بِالْاعْتِكَافِ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَعَمَّ اللَّهُ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ فَمِنْ هُنَالِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا يُجَمَّعُ فِيهَا الْجُمُعَةُ إِذَا كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إِلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي تُجَمَّعُ فِيهِ الْجُمُعَةُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَبِيتُ الْمُعْتَكِفُ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ خِبَاؤُهُ فِي رَحَبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَضْرِبُ بِنَاءً يَبِيتُ فِيهِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي رَحَبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيتُ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ قَوْلُ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَلَا يَعْتَكِفُ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ وَلَا فِي الْمَنَارِ يَعْنِي الصَّوْمَعَةَ وَقَالَ مَالِكٌ يَدْخُلُ الْمُعْتَكِفُ الْمَكَانَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهَا حَتَّى يَسْتَقْبِلَ بِاعْتِكَافِهِ أَوَّلَ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهَا وَالْمُعْتَكِفُ مُشْتَغِلٌ بِاعْتِكَافِهِ لَا يَعْرِضُ لِغَيْرِهِ مِمَّا يَشْتَغِلُ بِهِ مِنْ التِّجَارَاتِ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْمُرَ الْمُعْتَكِفُ بِضَيْعَتِهِ وَمَصْلَحَةِ أَهْلِهِ وَأَنْ يَأْمُرَ بِبَيْعِ مَالِهِ أَوْ بِشَيْءٍ لَا يَشْغَلُهُ فِي نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ خَفِيفًا أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ مَنْ يَكْفِيهِ إِيَّاهُ قَالَ مَالِكٌ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ فِي الْاعْتِكَافِ شَرْطًا وَإِنَّمَا الْاعْتِكَافُ عَمَلٌ مِنْ الْأَعْمَالِ مِثْلُ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً فَمَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَعْمَلُ بِمَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَا مَضَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ لَا مِنْ شَرْطٍ يَشْتَرِطُهُ وَلَا يَبْتَدِعُهُ وَقَدْ اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ سُنَّةَ الْاعْتِكَافِ قَالَ مَالِكٌ وَالْاعْتِكَافُ وَالْجِوَارُ سَوَاءٌ وَالْاعْتِكَافُ لِلْقَرَوِيِّ وَالْبَدَوِيِّ سَوَاءٌ   695 - 690 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الرَّجُلِ يَعْتَكِفُ هَلْ يَدْخُلُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقْفٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إِنْ دَخَلَ تَحْتَهُ بَطَلَ (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ يُجَمَّعُ فِيهِ) بِالتَّشْدِيدِ يُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ، (وَلَا أُرَاهُ كَرِهَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا يُجَمَّعُ فِيهَا إِلَّا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَخْرُجَ الْمُعْتَكِفُ مِنْ مَسْجِدِهِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ) وُجُوبًا، وَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، (أَوْ يَدَعَهَا) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَفِي بُطْلَانُ اعْتِكَافِهِ قَوْلَانِ: (فَإِنْ كَانَ) الْمَسْجِدُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ (مَسْجِدًا لَا يُجَمَّعُ فِيهِ الْجُمُعَةُ) وَهُوَ مُبَاحٌ لِعُمُومِ النَّاسِ (وَلَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إِتْيَانُ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدٍ سِوَاهُ) لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْجُمُعَةِ الحديث: 695 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 (فَإِنِّي لَا أَرَى بَأْسًا بِالِاعْتِكَافِ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ) وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ، فَعَمَّ اللَّهُ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْهَا) ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنَ الْإِمَامِ بِالْقَوْلِ بِالْعُمُومِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِ، وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الِاعْتِكَافِ الْمَسْجِدُ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَخْتَصَّ تَحْرِيمُ الْمُبَاشَرَةِ بِهِ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ إِجْمَاعًا، فَعُلِمَ مِنْ ذِكْرِ الْمَسَاجِدِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِيهَا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاشِرَةِ الْجِمَاعُ. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنْ قَتَادَةَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: كَانُوا إِذَا اعْتَكَفُوا فَخَرَجَ رَجُلٌ لِحَاجَتِهِ فَلَقِيَ امْرَأَتَهُ جَامَعَهَا إِنْ شَاءَ (قَالَ مَالِكٌ: فَمِنْ هُنَالِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا يُجَمَّعُ فِيهَا الْجُمُعَةُ إِذَا كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إِلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ فِيهِ الْجُمْعَةُ) لِانْقِضَاءِ مَا نَوَاهُ مِنَ الِاعْتِكَافِ قَبْلَ مَجِيئِهَا، وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوطِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِلِاعْتِكَافِ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ فَأَجَازَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ لِلْمَرْأَةِ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ. وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ: يَجُوزُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إِلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْمَسَاجِدِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الصَّلَوَاتُ وَخَصَّهُ أَبُو يُوسُفَ بِالْوَاجِبِ، وَأَمَّا النَّفْلُ فَفِي كُلِّ مَسْجِدٍ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِعُمُومِهِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ إِلَّا لِمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ فَاسْتَحَبَّهُ لَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ، وَشَرَطَهُ مَالِكٌ لِانْقِطَاعِ الِاعْتِكَافِ عِنْدَهُمَا بِالْجُمُعَةِ، وَخَصَّهُ طَائِفَةٌ كَالزُّهْرِيِّ بِالْجَامِعِ مُطْلَقًا، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِيِّ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَعَطَاءٌ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُبَيِّتُ الْمُعْتَكِفُ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ خِبَاؤُهُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَةٍ خَيْمَتُهُ (فِي رَحَبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ) وَهِيَ صَحْنُهُ، وَأَمَّا خَارِجُهُ فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَضْرِبُ بِنَاءً يَبِيتُ فِيهِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي رَحَبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيتُ إِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 فِي الْمَسْجِدِ قَوْلُ عَائِشَةَ) الَّذِي رَوَاهُ أَوَّلًا: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) فَحَصْرُهَا فِي الْحَاجَةِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ بَيَاتَهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، (وَلَا يَعْتَكِفُ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَلِذَا لَا تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ فَلَا يُعْتَكَفُ فِيهِ، (وَلَا فِي الْمَنَارِ) الْعَلَمُ الَّذِي يُهْتَدَى بِهِ أَطْلَقَهُ عَلَى الْمَنَارَةِ الَّتِي يُؤَذَّنُ عَلَيْهَا بِجَامِعِ الِاهْتِدَاءِ فَلِذَا قَالَ (يَعْنِي الصَّوْمَعَةَ) لِأَنَّهَا مَوْضِعٌ مُتَّخَذٌ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَبَيْتِ الْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ وَلَهَا اسْمٌ تَخْتَصُّ بِهِ عَنِ الْمَسْجِدِ. (وَقَالَ مَالِكٌ: يَدْخُلُ الْمُعْتَكِفُ الْمَكَانَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهَا حَتَّى) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ (يَسْتَقْبِلَ بِاعْتِكَافِهِ أَوَّلَ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهَا) اسْتِحْبَابًا، فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ تَبَعٌ، إِذِ الِاعْتِكَافُ إِنَّمَا يَكُونُ بِصَوْمٍ وَلَيْسَ اللَّيْلُ بِزَمَانِهِ، وَبِهَذَا قَالَ بَاقِي الْأَئِمَّةِ وَطَائِفَةٌ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ: يَدْخُلُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ» "، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ دَخَلَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَلَكِنْ إِنَّمَا تَخَلَّى بِنَفَسِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَعَدَّهُ لِاعْتِكَافِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. (وَالْمُعْتَكِفُ مُشْتَغِلٌ بِاعْتِكَافِهِ لَا يَعْرِضُ لِغَيْرِهِ مِمَّا يَشْتَغِلُ بِهِ مِنَ التِّجَارَاتِ) وَيَجُوزُ مَا خَفَّ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ (أَوْ غَيْرِهَا) كَقِيَامِهِ لِرَجُلٍ يُهَنِّيهِ أَوْ يُعَزِّيهِ أَوْ شُهُودِ عَقْدِ نِكَاحٍ يَقُومُ لَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَاشْتِغَالٌ بِعِلْمٍ وَكِتَابَةٍ. (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْمُرَ الْمُعْتَكِفُ بِضَيْعَتِهِ وَمَصْلَحَةِ أَهْلِهِ وَأَنْ يَأْمُرَ بِبَيْعِ مَالِهِ أَوْ) يَأْمُرَ (بِشَيْءٍ لَا يَشْغَلُهُ فِي نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ خَفِيفًا أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ مَنْ يَكْفِيهِ إِيَّاهُ) إِذِ الْمَدَارُ عَلَى عَدَمِ اشْتِغَالِهِ عَمَّا هُوَ فِيهِ وَالْأَمْرُ بِمَا خَفَّ لَا يَشْغَلُهُ. (قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ فِي الِاعْتِكَافِ شَرْطًا) يُخْرِجُهُ عَنْ سُنَّتِهِ كَمَنْ شَرَطَ أَنَّهُ مَتَى أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 يَنْفَعُهُ. (وَإِنَّمَا الِاعْتِكَافُ عَمَلٌ مِنَ الْأَعْمَالِ) الْمُتَّصِلَةِ (مِثْلَ: الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ) وَهِيَ الْعُمْرَةُ وَالطَّوَافُ وَالِائْتِمَامُ، (مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً) أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (فَمَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَعْمَلُ بِمَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِتْمَامُهُ وَلَا يَنْفَعُهُ شَرْطُ الْخُرُوجِ. (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَا مَضَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ لَا مِنْ شَرْطٍ يَشْتَرِطُهُ) أَيْ لِسَبَبِهِ أَوْ لِأَجْلِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ (وَلَا يَبْتَدِعُهُ) يُحْدِثُهُ بَعْدَ الدُّخُولِ، (وَقَدِ اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ سُنَّةَ الِاعْتِكَافِ) عَنْهُ فَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ الشَّرْطَ فِي الِاعْتِكَافِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصِّيَامَ وَالصَّلَاةَ لَا شَرْطَ فِيهِمَا، وَفِي الْحَجِّ خِلَافٌ وَكَذَا الِاعْتِكَافِ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ: لَا يَجُوزُ وَلَا يَنْفَعُهُ شَرْطُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ: إِنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ اعْتِكَافِهِ، إِنْ عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ خَرَجَ جَازَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَنْ إِسْحَاقَ أَيْضًا يَجُوزُ فِي التَّطَوُّعِ لَا الْوَاجِبِ، وَفِي الْمُنْتَقَى: مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا، وَشَرَطَ الْخُرُوجَ مِنْهُ مَتَى أَرَادَ، لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ نَذَرَ اعْتِكَافًا غَيْرَ شَرْعِيٍّ؛ فَإِنْ دَخَلَ لَزِمَهُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخُرُوجِ لِعِيَادَةٍ وَشُهُودِ جَنَازَةٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَوَائِجِهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقُرْبَةَ إِذَا دَخَلَ فِيهَا لَزِمَتْ بِالدُّخُولِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافٌ أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ لِأَنَّ شَرْطَهُ الصَّوْمُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ، وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: يَصِحُّ اعْتِكَافُ سَاعَةٍ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالِاعْتِكَافُ وَالْجِوَارُ) بِكَسْرِ الْجِيمِ (سَوَاءٌ) لِمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ: " «كَانَ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ» "، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مَالِكٌ الْجِوَارَ الَّذِي بِمَعْنَى الِاعْتِكَافِ فِي التَّتَابُعِ، وَأَمَّا الْجِوَارُ الَّذِي يَفْعَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ فَإِنَّمَا هُوَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ بِالنَّهَارِ وَالِانْقِلَابُ بِاللَّيْلِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا، وَلَهُ الْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهِ وَوَطْءُ أَهْلِهِ مَتَى شَاءَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. (وَالِاعْتِكَافُ لِلْقَرَوِيِّ وَالْبَدَوِيِّ سَوَاءٌ) فِي الْأَحْكَامِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 [بَاب مَا لَا يَجُوزُ الْاعْتِكَافُ إِلَّا بِهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَنَافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَا لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصِيَامٍ بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ الْاعْتِكَافَ مَعَ الصِّيَامِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصِيَامٍ   2 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ إِلَّا بِهِ 691 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ (وَنَافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) شَيْخَ مَالِكٍ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ فَأَوْرَدَهُ بَلَاغًا (قَالَا: لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصِيَامٍ، يَقُولُ) أَيْ بِسَبَبِ قَوْلِ (اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة: 187] بَيَاضُ الصُّبْحِ {مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] سَوَادُ اللَّيْلِ {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] بَيَانٌ لِلْخَيْطِ الْأَبْيَضِ، {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ - وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] لَا تُجَامِعُوهُنَّ لِقَوْلِهِ قَبْلَ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) ، ثُمَّ قَالَ {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تُلَامِسُوهُنَّ بِشَهْوَةٍ (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ) مُعْتَكِفُونَ (فِي الْمَسَاجِدِ، فَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ الِاعْتِكَافَ مَعَ الصِّيَامِ) فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِهِ، نَعَمْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ لِلِاعْتِكَافِ بَلْ يَصِحُّ بِصِيَامِ رَمَضَانَ وَبِنَذْرٍ وَغَيْرِهِ، وَتُعُقِّبَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَلَازُمِهِمَا، وَإِلَّا لَكَانَ لَا صَوْمَ إِلَّا بِاعْتِكَافٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْقَاسِمَ وَنَافِعًا لَمْ يَدَّعِيَا التَّلَازُمَ حَتَّى يُقَالَ لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ إِذْ مُفَادُ كَلَامِهِمَا إِنَّمَا هُوَ مَلْزُومِيَّةُ الِاعْتِكَافِ لِلصَّائِمِ، وَاللَّازِمُ إِذَا كَانَ أَعَمَّ كَالصَّوْمِ هُنَا يَنْفَرِدُ عَنِ الْمَلْزُومِ أَيْ يُوجَدُ بِدُونِهِ فَسَقَطَ قَوْلُهُ: لَا صَوْمَ إِلَّا بِاعْتِكَافٍ بِخِلَافِ الْمَلْزُومِ الَّذِي هُوَ الِاعْتِكَافُ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِلَازِمِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ فَصَحَّ الِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصِيَامٍ) وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ عَنْهُمَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَعَائِشَةُ وَعُرْوَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَإِسْحَاقُ بْنُ عُلَيَّةَ وَدَاوُدُ: يَصِحُّ بِغَيْرِ الصَّوْمِ. وَعَنْ أَحْمَدَ الْقَوْلَانِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «أَنَّ عُمَرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ» " وَاللَّيْلُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ، فَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَأَمَرَهُ بِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " يَوْمًا " بَدَلَ " لَيْلَةٍ "، وَجَمَعَ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَمَنْ أَطْلَقَ لَيْلَةً أَرَادَ بِيَوْمِهَا، وَمَنْ أَطْلَقَ يَوْمًا أَرَادَ بِلَيْلَتِهِ، وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالصَّوْمِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَلَفْظُهُ: " قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اعْتَكِفْ وَصُمْ "، وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِمَا رَاوٍ ضَعِيفٌ فَقَدِ انْجَبَرَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَدَعْوَى أَنَّ رِوَايَةَ يَوْمًا شَاذَّةٌ لَا تُسْمَعُ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 [بَاب خُرُوجِ الْمُعْتَكِفِ لِلْعِيدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ زِيَاد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِك عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اعْتَكَفَ فَكَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقِيفَةٍ فِي حُجْرَةٍ مُغْلَقَةٍ فِي دَارِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَشْهَدَ الْعِيدَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ زِيَاد عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا اعْتَكَفُوا الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى أَهَالِيهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا الْفِطْرَ مَعَ النَّاسِ قَالَ زِيَاد قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْفَضْلِ الَّذِينَ مَضَوْا وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِك   3 - بَابُ خُرُوجِ الْمُعْتَكِفِ إِلَى الْعِيدِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مِنْ هُنَا إِلَى آخِرِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ لَمْ يَسْمَعْهُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ مِنْ مَالِكٍ أَوْ شَكَّ فِي سَمَاعِهِ فَرَوَاهُ. 697 - 692 - (عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْدَلُسِيِّ الْقُرْطُبِيِّ الْمَعْرُوفِ بِشَبْطُونَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَكَانَ ثِقَةً وَاحِدَ زَمَانِهِ زُهْدًا وَوَرَعًا، سَمِعَ الْمُوَطَّأَ مِنْ مَالِكٍ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَدْخَلَهُ الْأَنْدَلُسَ مُثَقَّفًا بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَلَهُ رِحْلَتَانِ إِلَى مَالِكٍ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَقِيلَ: أَرْبَعٍ، وَقِيلَ: تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَأَنْجَبَ وَلَدَهُ بِقُرْطُبَةَ، وَكَانَ فِيهِمْ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَلَالَةِ وَالْفَضْلِ وَالْقَضَاءِ وَالْعِلْمِ وَالْخَيْرِ، وَكَأَنَّ يَحْيَى سَمِعَ مِنْهُ الْمُوَطَّأَ بِالْأَنْدَلُسِ فِي حَيَاةِ مَالِكٍ ثُمَّ رَحَلَ فَسَمِعَهُ مِنْ مَالِكٍ سِوَى هَذِهِ الْوَرَقَةِ أَوْ شَكَّ فِيهَا فَرَوَاهَا عَنْ زِيَادٍ (قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ (مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْقُرَشِيَّ، أَحَدُ الْفُقَهَاءِ (اعْتَكَفَ فَكَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقِيفَةٍ فِي حُجْرَةٍ مُغْلَقَةٍ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ أَيْ مُقْفَلَةٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ عَالِيَةٍ، (فِي دَارِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ) بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، سَيْفُ اللَّهِ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، أَسْلَمَ بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْفَتْحِ، وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَغَيْرِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى أَوِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ. (ثُمَّ لَا يَرْجِعُ) أَبُو بَكْرٍ مِنْ مُعْتَكَفِهِ (حَتَّى يَشْهَدَ الْعِيدَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ) عَمَلًا الحديث: 697 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 بِالْمُسْتَحَبِّ، وَمَرَّ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ دُخُولِ الْمُعْتَكِفِ تَحْتَ سَقْفٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ، وَلَمْ يَمْنَعِ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا اتَّفَقَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ يَعْنِي فَالْأَرْجَحُ جَوَازُهُ. (حَدَّثَنَا زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا اعْتَكَفُوا الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى أَهَالِيهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا الْفِطْرَ مَعَ النَّاسِ) تَحْصِيلًا لِلْمُسْتَحَبِّ لِيَصِلَ اعْتِكَافَهُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ فَيَكُونُونَ قَدْ وَصَلُوا نُسُكًا بِنُسُكٍ. (قَالَ زِيَادٌ: قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي) ذَلِكَ (عَنْ أَهْلِ الْفَضْلِ الَّذِينَ مَضَوْا) ، قَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ، (وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُمِعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ: إِنَّهُ سُنَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا الْخِلَافُ مَوْجُودٌ فَلَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا، وَقَدْ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَخْرُجُ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِهِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: إِنْ خَرَجَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَتَيْنِ جَرَى عُرْفُ الشَّرْعِ بِاتِّصَالِهِمَا، فَإِنَّ اتِّصَالَهُمَا عَلَى الْوُجُوبِ كَالطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ. لَمْ يَقُلْ بِهَذَا أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُهُ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 [بَاب قَضَاءِ الْاعْتِكَافِ] حَدَّثَنِي زِيَاد عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ وَجَدَ أَخْبِيَةً خِبَاءَ عَائِشَةَ وَخِبَاءَ حَفْصَةَ وَخِبَاءَ زَيْنَبَ فَلَمَّا رَآهَا سَأَلَ عَنْهَا فَقِيلَ لَهُ هَذَا خِبَاءُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ» وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِعُكُوفٍ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَقَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ مَرِضَ فَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَشْرِ إِذَا صَحَّ أَمْ لَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَفِي أَيِّ شَهْرٍ يَعْتَكِفُ إِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ يَقْضِي مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ عُكُوفٍ إِذَا صَحَّ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْعُكُوفَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ رَمَضَانُ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ وَالْمُتَطَوِّعُ فِي الْاعْتِكَافِ فِي رَمَضَانَ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْاعْتِكَافُ أَمْرُهُمَا وَاحِدٌ فِيمَا يَحِلُّ لَهُمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اعْتِكَافُهُ إِلَّا تَطَوُّعًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ إِنَّهَا إِذَا اعْتَكَفَتْ ثُمَّ حَاضَتْ فِي اعْتِكَافِهَا إِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهَا فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ أَيَّةَ سَاعَةٍ طَهُرَتْ ثُمَّ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنَ اعْتِكَافِهَا وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَتَحِيضُ ثُمَّ تَطْهُرُ فَتَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهَا وَلَا تُؤَخِّرُ ذَلِكَ   4 - بَابُ قَضَاءِ الِاعْتِكَافِ 699 - 693 - (حَدَّثَنَا زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا غَلَطٌ وَخَطَأٌ مُفْرِطٌ لَا أَدْرِي هَلْ هُوَ مِنْ يَحْيَى أَمْ مِنْ زِيَادٍ؟ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ لِابْنِ شِهَابٍ لَا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَصِلُهُ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ) ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرْسِلُهُ فَلَا يَذْكُرُ عَائِشَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُهُ فَلَا يَذْكُرُ عَمْرَةَ انْتَهَى. الحديث: 699 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 وَبِهِ يُتَعَقَّبُ قَوْلُ فَتْحِ الْبَارِي: إِنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ عَمْرَةَ فِي الْمُوطَآتِ كُلِّهَا، (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ) فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، وَلَهُمَا عَنْ عَائِشَةَ: " فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً "، (فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ) وَهُوَ الْخِبَاءُ، (وَجَدَ أَخْبِيَةً) ثَلَاثَةً، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " «فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الْغَدَاةِ أَبْصَرَ أَرْبَعَ قِبَابٍ» " يَعْنِي قُبَّةً لَهُ وَثَلَاثَةً لِلثَّلَاثَةِ، (خِبَاءَ عَائِشَةَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَمْدُودٍ، أَيْ خَيْمَةً مِنْ وَبَرٍ أَوْ صُوفٍ عَلَى عَمُودَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، (وَخِبَاءَ حَفْصَةَ) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ فَأَذِنَ لَهَا فَسَأَلَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَسْتَأْذِنَ لَهَا فَفَعَلَتْ "، وَلَهُ فِي أُخْرَى: " فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ تَعْتَكِفَ فَأَذِنَ لَهَا فَضَرَبَتْ قُبَّةً فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ فَضَرَبَتْ قُبَّةً لِتَعْتَكِفَ مَعَهُ "، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهَا ضَرَبَتْهَا بِلَا إِذْنٍ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ. فَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: ثُمَّ اسْتَأْذَنَتْهُ حَفْصَةُ فَأَذِنَ لَهَا، وَظَهَرَ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ اسْتِئْذَانَهَا كَانَ عَلَى لِسَانِ عَائِشَةَ. (وَخِبَاءَ زَيْنَبَ) بِنْتِ جَحْشٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ضَرَبَتْ لَهَا خِبَاءً آخَرَ "، وَلَهُ فِي أُخْرَى: " وَسَمِعَتْ بِهَا زَيْنَبُ فَضَرَبَتْ قُبَّةً أُخْرَى "، وَعِنْدَ أَبِي عِوَانَةَ: " فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ضَرَبَتْ مَعَهُنَّ، وَكَانَتِ امْرَأَةً غَيُورًا "، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَلَى أَنَّ زَيْنَبَ اسْتَأْذَنَتْ، وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ أَحَدُ مَا بَعَثَ عَلَى الْإِنْكَارِ الْآتِي، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ: " فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ، وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ "، وَهَذَا يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْأَزْوَاجِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ لِتَفْسِيرِهَا فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى بِالثَّلَاثَةِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: " أَرْبَعَ قِبَابٍ "، وَلِلنَّسَائِيِّ إِذَا هُوَ بِأَرْبَعَةِ أَبْنِيَةٍ. (فَلَمَّا رَآهَا سَأَلَ عَنْهَا فَقِيلَ لَهُ: هَذَا خِبَاءُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آلْبِرَّ) بِهَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ مَمْدُودَةٍ وَبِغَيْرِ مَدٍّ وَالنَّصْبِ، مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ: (تَقُولُونَ) أَيْ تَظُنُّونَ، وَالْقَوْلُ يُطْلَقُ عَلَى الظَّنِّ، قَالَ الْأَعْشَى: أَمَّا الرَّحِيلُ فَدُونَ بَعْدَ غَدٍ ... فَمَتَى تَقُولُ الدَّارُ تَجْمَعُنَا (بِهِنَّ) أَيْ مُلْتَبِسًا بِهِنَّ، وَهُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِيَقُولُونَ، وَالْخِطَابُ لِلْحَاضِرِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ: آلْبِرَّ يَرَوْنَ (ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ ثَقِيلَةٍ فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ نُقِضَ. قَالَ عِيَاضٌ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلَامَ إِنْكَارًا لِفِعْلِهِنَّ، وَقَدْ كَانَ أَذِنَ لِبَعْضِهِنَّ فِي ذَلِكَ، وَسَبَبُ إِنْكَارِهِ أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُنَّ غَيْرَ مُخْلِصَاتٍ فِي الِاعْتِكَافِ، بَلْ أَرَدْنَ الْقُرْبَ مِنْهُ لِغَيْرَتِهِنَّ عَلَيْهِ أَوْ لِغَيْرَتِهِ عَلَيْهِنَّ فَكَرِهَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 مُلَازَمَتَهُنَّ الْمَسْجِدَ مَعَ أَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ وَتَحْضُرُهُ الْأَعْرَابُ وَالْمُنَافِقُونَ وَهُنَّ مُحْتَاجَاتٌ إِلَى الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ لِمَا يَعْرِضُ لَهُنَّ فَيَبْتَذِلْنَ بِذَلِكَ، أَوْ لِأَنَّهُ رَآهُنَّ عِنْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ فِي مُعْتَكَفِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ لِحُضُورِهِ مَعَ أَزْوَاجِهِ، وَذَهَبَ الْمُهِمُّ مِنْ مَقْصُودِ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ التَّخَلِّي عَنِ الْأَزْوَاجِ وَمُتَعَلِّقَاتِ الدُّنْيَا وَشِبْهِ ذَلِكَ، أَوْ لِأَنَّهُنَّ ضَيَّقْنَ الْمَسْجِدَ بِأَبْنِيَتِهِنَّ، زَادَ الْحَافِظُ: أَوْ لَمَّا أَذِنَ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَوَّلًا خَشِيَ تَوَارُدَ بَقِيَّةِ النِّسْوَةِ عَلَى ذَلِكَ فَيَضِيقُ الْمَسْجِدُ عَلَى الْمُصَلِّينَ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ. (حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " «فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ» "، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " «حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ» "، وَجَمَعَ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ آخِرُ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ انْتِهَاءُ اعْتِكَافِهِ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ صَوْمٍ لِأَنَّ أَوَّلَ شَوَّالٍ هُوَ يَوْمُ الْعِيدِ وَصَوْمُهُ حَرَامٌ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى كَانَ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ وَهُوَ صَادِقٌ بِمَا إِذَا ابْتَدَأَ بِالْيَوْمُ الثَّانِي فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَا قَالَهُ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ النَّفْلِ لِمَنْ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَبْطَلَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: يُقْضَى نَدْبًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَدْخَلَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي قَضَاءِ الِاعْتِكَافِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى اعْتِكَافِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَلَمَّا رَأَى تَنَافُسَ زَوْجَاتِهِ فِي ذَلِكَ، وَخَشِيَ أَنْ يَدْخُلَ نِيَّاتِهِنَّ دَاخِلَةٌ انْصَرَفَ ثُمَّ وَفَى لِلَّهِ بِمَا نَوَاهُ، وَفِيهِ صِحَّةُ اعْتِكَافِ النِّسَاءِ لِإِذْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُنَّ، وَإِنَّمَا مَنْعُهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَارِضٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَطَعْتُ بِأَنَّ اعْتِكَافَهُنَّ فِي الْمَسَاجِدِ لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَسْجِدَ شَرْطٌ لِلِاعْتِكَافِ لِأَنَّ النِّسَاءَ شُرِعَ لَهُنَّ الْحِجَابُ فِي الْبُيُوتِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَسْجِدُ شَرْطًا مَا وَقَعَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْإِذْنِ وَالْمَنْعِ وَلَاكْتُفِيَ لَهُنَّ بِالِاعْتِكَافِ فِي مَسَاجِدَ بُيُوتِهِنَّ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَسَقَطَ عَنْ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَالْكُشْمِيهَنِيِّ وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوطَآتِ كُلِّهَا. وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ مُرْسَلًا، وَجَزَمَ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ عَنْهُ مَوْصُولًا. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ يَحْيَى مُرْسَلًا. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: تَابَعَ مَالِكًا عَلَى إِرْسَالِهِ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى خِلَافٍ عَنْهُ، زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: وَرَوَاهُ النَّاسُ عَنْ يَحْيَى مَوْصُولًا، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ مَوْصُولًا انْتَهَى. وَمَرَّ التَّعَقُّبَ عَلَى قَوْلِهِ مُرْسَلٌ فِي الْمُوطَآتِ كُلِّهَا، وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بِهَؤُلَاءِ فَلَمْ يُرَاجِعْ أَبَا عُمَرَ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِعُكُوفٍ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَقَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ مَرِضَ) مَرَضًا يَشُقُّ عَلَيْهِ فِيهِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ، (فَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ أَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 مَا بَقِيَ مِنَ الْعَشْرِ إِذَا صَحَّ أَمْ لَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ؟ وَفِي أَيِّ شَهْرٍ يَعْتَكِفُ إِنْ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ عُكُوفٍ) بِنَذْرِهِ أَوِ الدُّخُولِ فِيهِ، (إِذَا صَحَّ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ) ، لَكِنْ إِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ فَبِأَيِّ وَجْهٍ أَفْطَرَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَعَ رَمَضَانَ كَالْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ، وَكَذَا إِنْ وَجَبَ صَوْمُ الِاعْتِكَافِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ صَوْمُ الِاعْتِكَافِ تَطَوُّعًا فَأَفْطَرَ نَاسِيًا قَضَى عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَا قَضَاءَ. وَأَمَّا الْمَنْذُورُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ قَضَائِهِ وَبِمُعَيَّنٍ فَحُكْمُ رَمَضَانَ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَفِي غَيْرِهِ وَاسْتَغْرَقَهُ الْمَانِعُ فَلَا قَضَاءَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهُ وَكَانَ فِي آخِرِ الِاعْتِكَافِ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَقَالَ سَحْنُونُ: لَا قَضَاءَ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْعُكُوفَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ رَمَضَانُ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ) ، هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي أَسْنَدَهُ أَوَّلًا صَحِيحًا، فَمِنْ هُنَا وَنَحْوَهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ يُطْلَقُ الْبَلَاغُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلِذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ: بَلَاغَاتُ مَالِكٍ صَحِيحَةٌ. (وَالْمُتَطَوِّعُ فِي الِاعْتِكَافِ وَالَّذِي عَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ أَمْرُهُمَا وَاحِدٌ فِيمَا يَحِلُّ لَهُمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اعْتِكَافُهُ إِلَّا تَطَوُّعًا) ، وَقَدْ قَضَاهُ لَمَّا قَطَعَهُ لِلْعُذْرِ فَيُفِيدُ وُجُوبَ قَضَاءِ الِاعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ لِمَنْ قَطَعَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّمَا قَضَاهُ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ نِسَاءَهُ اعْتَكَفْنَ مَعَهُ فِي شَوَّالٍ مَدْفُوعٌ، فَعَدَمُ النَّقْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْفِعْلِ وَقَدْ يَتَأَخَّرْنَ عَنْ شَوَّالٍ لِعُذْرٍ كَحَيْضٍ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ إِنَّهَا إِذَا اعْتَكَفَتْ ثُمَّ حَاضَتْ فِي اعْتِكَافِهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهَا) وُجُوبًا لِحُرْمَةِ مُكْثِهَا فِي الْمَسْجِدِ بِالْحَيْضِ، (فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ أَيَّةَ سَاعَةٍ طَهُرَتْ ثُمَّ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنَ اعْتِكَافِهَا) قَبْلَ الْحَيْضِ حَتَّى تُتِمَّ مَا نَوَتْ أَوْ نَذَرَتْ، (وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا صِيَامُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) لِكَفَّارَةِ قَتْلٍ أَوْ فِطْرٍ فِي رَمَضَانَ، (فَتَحِيضُ ثُمَّ تَطْهُرُ فَتَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهَا وَلَا تُؤَخِّرُ ذَلِكَ) فَإِنْ أَخَّرَتْهُ اسْتَأْنَفَتْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 وَحَدَّثَنِي زِيَاد عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْبُيُوتِ» قَالَ مَالِكٌ لَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ مَعَ جَنَازَةِ أَبَوَيْهِ وَلَا مَعَ غَيْرِهَا   700 - 694 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْبُيُوتِ) ، أَرْسَلَهُ هُنَا وَقَدَّمَهُ مَوْصُولًا أَوَّلَ الْكِتَابِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ مَعَ جَنَازَةِ أَبَوَيْهِ) إِذَا مَاتَا مَعًا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ حَيٌّ خَرَجَ وُجُوبًا وَبَطَلَ اعْتِكَافُهُ، (وَلَا مَعَ غَيْرِهَا) فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ. الحديث: 700 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 [بَاب النِّكَاحِ فِي الْاعْتِكَافِ] قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِنِكَاحِ الْمُعْتَكِفِ نِكَاحَ الْمِلْكِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ وَالْمَرْأَةُ الْمُعْتَكِفَةُ أَيْضًا تُنْكَحُ نِكَاحَ الْخِطْبَةِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ مِنْ أَهْلِهِ بِاللَّيْلِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْهُنَّ بِالنَّهَارِ قَالَ يَحْيَى قَالَ زِيَاد قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ وَلَا يَتَلَذَّذُ مِنْهَا بِقُبْلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ وَلَا لِلْمُعْتَكِفَةِ أَنْ يَنْكِحَا فِي اعْتِكَافِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ فَيُكْرَهُ وَلَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَنْكِحَ فِي صِيَامِهِ وَفَرْقٌ بَيْنَ نِكَاحِ الْمُعْتَكِفِ وَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَلَا يَتَطَيَّبُ وَالْمُعْتَكِفُ وَالْمُعْتَكِفَةُ يَدَّهِنَانِ وَيَتَطَيَّبَانِ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ شَعَرِهِ وَلَا يَشْهَدَانِ الْجَنَائِزَ وَلَا يُصَلِّيَانِ عَلَيْهَا وَلَا يَعُودَانِ الْمَرِيضَ فَأَمْرُهُمَا فِي النِّكَاحِ مُخْتَلِفٌ وَذَلِكَ الْمَاضِي مِنْ السُّنَّةِ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَالْمُعْتَكِفِ وَالصَّائِمِ   5 - بَابُ النِّكَاحِ فِي الِاعْتِكَافِ (قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِنِكَاحِ الْمُعْتَكِفِ نِكَاحَ الْمِلْكِ) أَيِ الْعَقْدِ، (مَا لَمْ يَكُنِ الْمَسِيسُ) أَيِ الْجِمَاعُ، فَلَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) ، (وَالْمَرْأَةُ الْمُعْتَكِفَةُ أَيْضًا تُنْكَحُ) تُخْطَبُ وَيُعْقَدُ عَلَيْهَا كَمَا أَفَادَ بِقَوْلِهِ: (نِكَاحَ الْخِطْبَةِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، (مَا لَمْ يَكُنِ الْمَسِيسُ) فَيُمْنَعُ، (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكَفِ مِنْ أَهْلِهِ) حَلِيلَتُهُ مِنْ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ (بِاللَّيْلِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْهُنَّ بِالنَّهَارِ) مِنَ الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّائِمِ بِلَا عُكُوفٍ. (وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ) مَسَّ الْتِذَاذٍ لَا كَتَفْلِيَةٍ أَوْ تَرْجِيلٍ أَوْ غَسْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 رَأْسٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ بِلَا لَذَّةٍ فَلَا مَنْعَ لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُرَجِّلُ وَتَغْسِلُ رَأْسَ الْمُصْطَفَى وَمَرَّ حَدِيثُ التَّرْجِيلِ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهَا: " «كَانَ يَأْتِينِي وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ فَيَتَّكِي عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَأَغْسِلُ رَأْسَهُ وَسَائِرَهُ فِي الْمَسْجِدِ» "، ( «وَلَا يَتَلَذَّذُ مِنْهَا بِشَيْءٍ بِقُبْلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا» ) كَجِسَّةٍ فَإِنْ فَعَلَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُبْطِلُهُ إِلَّا الْإِيلَاجُ. وَعَنْهُ أَيْضًا كَمَالِكٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَفْسُدُ بِالتَّلَذُّذِ إِلَّا إِنْ أَنْزَلَ. (وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ) الذَّكَرِ (لَا لِلْمُعْتَكِفَةِ) الْأُنْثَى (أَنْ يَنْكِحَهَا فِي اعْتِكَافِهِمَا) أَيْ يَعْقِدَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (مَا لَمْ يَكُنِ الْمَسِيسُ فَيُكْرَهُ) بِمَعْنَى يَحْرُمُ لِإِبْطَالِ الِاعْتِكَافِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (سُورَةُ مُحَمَّدٍ: الْآيَةُ 33) ، (وَلَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَنْكِحَ فِي صِيَامِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَكِفًا. (وَفَرْقٌ بَيْنَ نِكَاحِ الْمُعْتَكِفِ وَبَيْنَ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ لِافْتِرَاقِ أَحْكَامِهِمَا فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: (إِنَّ الْمُحْرِمَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ وَيَشْهَدُ) يَحْضُرُ (الْجَنَائِزَ وَلَا يَتَطَيَّبُ) لِحُرْمَتِهِ عَلَيْهِ، (وَالْمُعْتَكِفُ وَالْمُعْتَكِفَةُ يَدَّهِنَانِ وَيَتَطَيَّبَانِ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ شَعْرِهِ) حَلْقًا وَغَيْرِهِ، وَيَتَنَظَّفَانِ وَيَتَزَيَّنَانِ إِلْحَاقًا لِكُلِّ ذَلِكَ بِالتَّرْجِيلِ وَغَسْلِ الرَّأْسِ الْوَارِدَيْنِ فِي الْحَدِيثِ. (وَلَا يَشْهَدَانِ الْجَنَائِزَ وَلَا يُصَلِّيَانِ عَلَيْهَا، وَلَا يَعُودَانِ الْمَرْضَى) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَأَمْرُهُمَا فِي النِّكَاحِ مُخْتَلِفٌ) ، فَيَجُوزُ نِكَاحُ الْمُعْتَكِفِ دُونَ الْمُحْرِمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» "، وَلِذَا قَالَ: (وَذَلِكَ الْمَاضِي مِنَ السُّنَّةِ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَالْمُعْتَكِفِ وَالصَّائِمِ) بِلَا اعْتِكَافٍ فَيَجُوزُ لَهُمَا دُونَ الْمُحْرِمِ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْإِحْرَامِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَوَازُ فِيهِمَا خَرَجَ الْمُحْرِمُ بِالْحَدِيثِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْجَوَازِ، وَلِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَهُ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِنَ النِّسَاءِ وَهُوَ لُزُومُهُ لِلْمَسْجِدِ، وَالْمُحْرِمُ غَيْرُ مُنْعَزِلٍ عَنِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ يَنْزِلُ مَعَهُنَّ فِي الْمَنَاهِلِ وَيُخَالِطُهُنَّ فَيُخَافُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 [بَاب مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ] حَدَّثَنِي زِيَاد عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْوُسُطَ مِنْ رَمَضَانَ فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ فِيهَا مِنْ صُبْحِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ قَالَ مَنْ اعْتَكَفَ مَعِيَ فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ وَقَدْ رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ مِنْ صُبْحِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأُمْطِرَتْ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ»   6 - بَابُ مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ قَدْرِهَا، أَيْ ذَاتُ الْقَدْرِ الْعَظِيمِ لِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهَا وَلِوَصْفِهَا بِأَنَّهَا {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] ، (سُورَةُ الْقَدْرِ: الْآيَةُ 3) ، أَوْ لِتَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا أَوْ لِنُزُولِ الْبَرَكَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ فِيهَا، أَوْ لِمَا يَحْصُلُ لِمَنْ أَحْيَاهَا بِالْعِبَادَةِ مِنَ الْقَدْرِ الْجَسِيمِ، وَقِيلَ: الْقَدْرُ هُنَا التَّضْيِيقُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 7) ، وَمَعْنَى التَّضْيِيقِ إِخْفَاؤُهَا عَنِ الْعِلْمِ بِتَعْيِينِهَا أَوْ لِضِيقِ الْأَرْضِ فِيهَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: الْقَدْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْقَدَرِ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُوَاخِي لِلْقَضَاءِ، أَيْ يُقَدَّرُ فِيهَا أَحْكَامُ السَّنَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] (سُورَةُ الدُّخَانِ: الْآيَةُ 4) ، وَبِهِ صَدَّرَ النَّوَوِيُّ وَنَسَبَهُ لِلْعُلَمَاءِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ التُّورِبِشَتِيُّ: إِنَّمَا جَاءَ الْقَدْرُ بِسُكُونِ الدَّالِ وَإِنْ كَانَ الشَّائِعُ فِي الْقَدَرِ مُوَاخِي الْقَضَاءِ فَتْحَهَا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ تَفْصِيلُ مَا جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ وَإِظْهَارُهُ وَتَحْدِيدُهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِيَحْصُلَ مَا يُلْقَى إِلَيْهِمْ فِيهَا مِقْدَارٌ بِمِقْدَارٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْقَدْرُ بِسُكُونِ الدَّالِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا مَصْدَرُ قَدَّرَ اللَّهُ الشَّيْءَ قَدْرًا وَقَدَرًا كَالنَّهْرِ وَالنَّهَرِ. 701 - 695 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الزَّايِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ) بِلَا يَاءٍ بَعْدَ الدَّالِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ الْمَدَنِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) تَيْمِ قُرَيْشٍ الْمَدَنِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْوُسُطَ» ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَالسِّينِ جَمْعُ " وُسْطَى "، وَيُرْوَى بِفَتْحِ السِّينِ مِثْلُ: كَبَرَ وَكَبُرَ، وَرَوَاهُ الْبَاجِيُّ بِإِسْكَانِهَا جَمْعُ " وَاسِطٍ " كَبَازِلٍ وَبُزْلٍ، قَالَهُ الْحَافِظُ. وَتَعَقَّبَهُ السُّيُوطِيُّ بِأَنَّ الَّذِي فِي مُنْتَقَى الْبَاجِيِّ وَقَعَ فِي كِتَابِي مُقَيَّدًا بِضَمِّ الْوَاوِ وَالسِّينِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَمْعُ " وَاسِطٍ "، قَالَ فِي الْعَيْنِ: وَاسِطُ الرَّحْلِ مَا بَيْنَ قَادِمَتِهِ وَآخِرَتِهِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَسَطَ الْبُيُوتَ بَسَطَهَا إِذَا نَزَلَ وَسَطَهَا، وَاسْمُ الْفَاعِلِ وَاسِطٌ، وَيُقَالُ فِي جَمْعِهِ وُسْطٌ كَبَازِلٍ وَبُزْلٌ. وَأَمَّا الْوَسَطُ بِفَتْحِ الحديث: 701 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 الْوَاوِ وَالسِّينِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَمْعُ أَوْسَطَ وَهُوَ جَمْعُ وَسِيطٍ، كَمَا يُقَالُ: كَبِيرًا وَأَكْبَرًا وَأَكْبَرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْمٌ لِجَمْعِ الْوَقْتِ عَلَى التَّوْحِيدِ كَوَسَطِ الدَّارِ وَوَسَطِ الْوَقْتِ وَالشَّهْرِ، فَإِنْ كَانَ قُرِئَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالسِّينِ فَهَذَا عِنْدِي مَعْنَاهُ (مِنْ رَمَضَانَ) فِيهِ مُدَاوَمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَالِاعْتِكَافُ فِيهِ سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ رَمَضَانُ لَا بِقَيْدِ وَسَطِهِ إِذْ هُوَ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ. (فَاعْتَكَفَ عَامًا) مَصْدَرُ عَامَ إِذَا سَبَحَ فَالْإِنْسَانُ يَعُومُ فِي دُنْيَاهُ عَلَى الْأَرْضِ طُولَ حَيَاتِهِ فَإِذَا مَاتَ غَرِقَ فِيهَا أَيِ اعْتَكَفَ فِي رَمَضَانَ فِي عَامٍ، (حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةً) بِالنَّصْبِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالرَّفْعِ فَاعِلُ " كَانَ " التَّامَّةِ بِمَعْنَى ثَبَتَ نَحْوَهُ، (إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ فِيهَا) ، وَقَوْلُهُ: (مِنْ صُبْحِهَا) رِوَايَةُ يَحْيَى وَابْنِ بُكَيْرٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَجَمَاعَةٌ يَخْرُجُ فِيهَا (مِنِ اعْتِكَافِهِ) لَمْ يَقُولُوا مِنْ صُبْحِهَا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ: مَنِ اعْتَكَفَ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ وَسَطَهُ خَرَجَ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ آخِرَ يَوْمٍ مِنَ اعْتِكَافِهِ، وَمَنِ اعْتَكَفَ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَلَا يَنْصَرِفُ إِلَى بَيْتِهِ حَتَّى يَشْهَدَ الْعِيدَ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِأَنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهُ خَطَبَ أَوَّلَ الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ فَأَوَّلُ لَيَالِي اعْتِكَافِهِ الْآخِرِ لَيْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ فَيُخَالِفُ قَوْلَهُ آخِرَ الْحَدِيثِ: " «فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ» "، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ فِي صُبْحِ الْيَوْمِ الْعِشْرِينَ، وَوُقُوعُ الْمَطَرِ فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِبَقِيَّةِ الطُّرُقِ، فَكَانَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَجُوُّزًا أَيْ مِنَ الصُّبْحِ الَّذِي قَبْلَهَا فَنِسْبَةُ الصُّبْحِ إِلَيْهَا مَجَازٌ. وَحَكَى الْمُطَرِّزُ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَجْعَلُ لَيْلَةَ الْيَوْمِ الْآتِيَةِ بَعْدَهُ وَمِنْهُ: {عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46] (سُورَةُ النَّازِعَاتِ: الْآيَةُ 46) فَأَضَافَهُ إِلَى الْعَشِيَّةِ وَهُوَ قَبْلَهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمْسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةٍ تَمْضِي وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ رَجَعَ إِلَى مَسْكَنِهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْإِيضَاحِ. وَقَالَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ: الْمَعْنَى حَتَّى إِذَا كَانَ الْمُسْتَقْبَلُ مِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَوْلُهُ: وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ (قَالَ مَنِ اعْتَكَفَ مَعِي) الْعَشْرَ الْوَسَطَ (فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ) لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِإِدْخَالِهِ اللَّيْلَةَ الْأُولَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " «فَخَطَبَنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ» "، وَفِي أُخْرَى لَهُمَا: " «فَخَطَبَ النَّاسَ فَأَمَرَهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ» ". وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ فَأَخَذَهُ فَنَحَّاهُ فِي نَاحِيَةِ الْقُبَّةِ ثُمَّ كَلَّمَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأُوَلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ ثُمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 أُوتِيتُ فَقِيلَ لِي إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ» "، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ» فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ أَيْ قُدَّامَكَ "، (وَقَدْ رَأَيْتُ) وَفِي رِوَايَةٍ أُرِيِتُ بِهَمْزَةِ أَوَّلِهِ مَضْمُومَةٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أُعْلِمْتُ، (هَذِهِ اللَّيْلَةَ) نَصِبَ مَفْعُولٌ بِهِ لَا ظَرْفٌ أَيْ أُرِيتَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. وَجَوَّزَ الْبَاجِيُّ أَنَّ الرُّؤْيَةَ بِمَعْنَى الْبَصَرِ أَيْ رَأَى عَلَامَتَهَا الَّتِي أُعْلِمَتْ لَهُ بِهَا وَهِيَ السُّجُودُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، (ثُمَّ أُنْسِيتُهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، قَالَ الْقَفَّالُ: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ رَأَى الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْوَارَ عِيَانًا ثُمَّ نَسِيَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ رَأَى ذَلِكَ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا قَلَّ أَنْ يُنْسَى، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ كَذَا وَكَذَا فَنَسِيَ كَيْفَ قِيلَ لَهُ. (وَقَدْ رَأَيْتُنِي) بِضَمِّ التَّاءِ، وَفِيهِ عَمَلُ الْفِعْلِ فِي ضَمِيرَيِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ، وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ أَيْ رَأَيْتُ نَفْسِي، (أَسْجُدُ مِنْ صُبْحَتِهَا) بِمَعْنَى فِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] (سُورَةُ الْجُمُعَةِ: الْآيَةُ 9) ، أَوْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ الزَّمَانِيَّةِ، (فِي مَاءٍ وَطِينٍ) عَلَامَةٌ جُعِلَتْ لَهُ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَيْهَا، ثُمَّ الْمُرَادُ أَنَّهُ نَسِيَ عِلْمَ تَعْيِينِهَا تِلْكَ السَّنَةِ لَا رَفْعَ وَجُودِهَا لِأَمْرِهِ بِطَلَبِهَا بِقَوْلِهِ: ( «فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» ) مِنْ رَمَضَانَ، ( «وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» ) مِنْهُ أَيْ أَوْتَارِ لَيَالِيهِ، وَأَوَّلُهَا لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ إِلَى آخَرِ لَيْلَةِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلُهُ الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَدِّثْ بِمَا هُنَا جَازِمًا بِهِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الْأَغْلَبُ فِي كُلِّ عَامٍ، وَيَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُهَا فَنُسِّيتُهَا وَهِيَ لَيْلَةُ مَطَرٍ وَرِيحٍ، أَوْ قَالَ قَطْرٍ وَرِيحٍ» . (قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ) ، يُقَالُ فِي اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ اللَّيْلَةُ إِلَى الزَّوَالِ فَيُقَالُ الْبَارِحَةَ. وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ» " (وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ) أَيْ عَلَى مِثْلِ الْعَرِيشِ، وَإِلَّا فَالْعَرِيشُ هُوَ السَّقْفُ، أَيْ أَنَّهُ كَانَ مُظَلَّلًا بِالْخُوصِ وَالْجَرِيدِ وَلَمْ يَكُنْ مُحْكَمَ الْبِنَاءِ بِحَيْثُ يَكِنُّ مِنَ الْمَطَرِ. وَفِي رِوَايَةٍ: " «وَكَانَ السَّقْفُ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ» "، (فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ) أَيْ سَالَ مَاءُ الْمَطَرِ مِنْ سَقْفِهِ فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِ. (قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ) تَوْكِيدٌ كَقَوْلِكَ: أَخَذْتُ بِيَدِي، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي أَمْرٍ يَعِزُّ الْوُصُولُ إِلَيْهِ إِظْهَارًا لِلتَّعَجُّبِ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ الْغَرِيبَةِ. (رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: جَبِينِهِ (وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ) صَلَاةِ (صُبْحِ لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ انْصَرَفَ، وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 رِوَايَةٍ: " «فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَقَدِ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَوَجْهُهُ وَأَنْفُهُ فِيهِمَا الْمَاءُ وَالطِّينُ» " تَصْدِيقُ رُؤْيَاهُ، وَفِيهِ السُّجُودُ عَلَى الطِّينِ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الْخَفِيفِ وَالسُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا، فَإِنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَحْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَحْدَهَا أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ قَالَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِئُهُ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ أَوْ ذَقَنِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَجْزَأَ لِخَبَرِ: " «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ» " وَذَكَرَ مِنْهَا الْوَجْهَ، فَأَيُّ شَيْءٍ وُضِعَ مِنَ الْوَجْهِ أَجْزَأَهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ذَكَرَ فِيهِ جَمْعٌ مِنَ الْحُفَّاظِ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 وَحَدَّثَنِي زِيَاد عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»   702 - 696 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) مُرْسَلًا وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَعَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ نُمَيْرٍ وَوَكِيعٍ، الْأَرْبَعَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَحَرَّوْا) اطْلُبُوا، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدَةَ وَوَكِيعٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ وَالْقَطَّانِ: " الْتَمِسُوا "، وَهُمَا بِمَعْنَى الطَّلَبِ لَكِنْ مَعْنَى التَّحَرِّي أَبْلَغُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الطَّلَبَ بِالْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ، وَزَادَ عَبْدَةُ فِي أَوَّلِهِ قَالَتْ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقُولُ: تَحَرَّوْا " (لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) » وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ هِشَامٍ هَذَا التَّقْيِيدُ بِالْوِتْرِ وَلَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي وِتْرِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» " فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ. الحديث: 702 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 وَحَدَّثَنِي زِيَاد عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ»   703 - 697 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ) مَوْلَاهُ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَحَرَّوْا) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ مِنَ التَّحَرِّي، أَيِ اطْلُبُوا بِالْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ، ( «لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» ) مِنْ رَمَضَانَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ بِلَفْظِ لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، قَالَ: وَالْمُرَادُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِيمَا قَبْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَيَكُونُ قَالَهُ وَقَدْ مَضَى مِنَ الشَّهْرِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ، الحديث: 703 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 أَوْ أَعْلَمَ أَوَّلًا أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ ثُمَّ أَعْلَمَ أَنَّهَا فِي السَّبْعِ، أَوْ حَضَّ عَلَى الْعَشْرِ مَنْ بِهِ بَعْضُ الْقُوَّةِ، وَعَلَى السَّبْعِ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَشْرِ انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 وَحَدَّثَنِي زِيَاد عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَاسِعُ الدَّارِ فَمُرْنِي لَيْلَةً أَنْزِلُ لَهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ»   704 - 698 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضِرِ) سَالِمِ بْنِ أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيَّ) أَبَا يَحْيَى الْمَدَنِيِّ حَلِيفَ الْأَنْصَارِ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَأُحُدًا وَمَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَوَهَمَ مَنْ قَالَ سَنَةَ ثَمَانِينَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ أَبَا النَّضِرِ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ وَلَا رَآهُ انْتَهَى. وَقَدْ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي النَّضِرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَوَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِ حَدِيثِهِ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ (قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَاسِعُ الدَّارِ) أَيْ بِعِيدُهَا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: إِنِّي أَكُونُ فِي بَادِيَتِي وَأَنَا بِحَمْدِ اللَّهِ أُصَلِّي بِهَا، (فَمُرْنِي لَيْلَةً أَنْزِلُ لَهَا) ، وَلِأَبِي دَاوُدَ: «فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ أَنْزِلُهَا بِهَذَا الْمَسْجِدِ أُصَلِّيهَا فِيهِ» ، (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ» ) ، زَادَ أَبُو دَاوُدَ: فَصَلِّهَا فِيهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: يُقَالُ إِنَّ لَيْلَةَ الْجُهَنِيِّ مَعْرُوفَةٌ بِالْمَدِينَةِ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَحَدِيثُهُ هَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ وَخَاصَّتِهِمْ. وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ هَذَا الْخَبَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَكَانَ الْجُهَنِيُّ يُمْسِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ يَعْنِي لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَلَا يَشْهَدُ شَيْئًا مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَلَا يَوْمَ الْفِطْرِ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْضَحُ الْمَاءَ عَلَى أَهْلِهِ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَقَامَ مَلَأُ الْقَوْمِ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ يَعْنِي فِي ذَلِكَ الْعَامِ. الحديث: 704 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 وَحَدَّثَنِي زِيَاد عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ إِنِّي أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي رَمَضَانَ حَتَّى تَلَاحَى رَجُلَانِ فَرُفِعَتْ فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ»   705 - 699 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ) الْخُزَاعِيِّ الْبَصْرِيِّ، قِيلَ: كَانَ قَصِيرًا طَوِيلَ الْيَدَيْنِ، وَكَانَ يَقِفُ عَلَى الْمَيِّتِ فَيَصِلُ إِحْدَى يَدَيْهِ إِلَى رَأْسِهِ وَالْأُخْرَى إِلَى رِجْلَيْهِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: رَأَيْتُهُ وَلَمْ يَكُنْ بِذَاكَ الطُّولِ، وَكَانَ لَهُ جَارٌ يُقَالُ لَهُ حُمَيْدٌ الْقَصِيرُ فَقِيلَ لِهَذَا الطَّوِيلُ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا. الحديث: 705 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ حُجْرَتِهِ (فِي رَمَضَانَ) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: «لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ» أَيْ بِتَعْيِينِهَا، (فَقَالَ: إِنِّي أُرِيتُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، (هَذِهِ اللَّيْلَةَ) ، قَالَ الْحَافِظُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ رَأَى الْعِلْمِيَّةِ أَوِ الْبَصَرِيَّةِ (فِي رَمَضَانَ) ، وَلِلْبُخَارِيِّ فَقَالَ: خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ (حَتَّى تَلَاحَى) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ تَنَازَعَ وَتَخَاصَمَ وَتَشَاتَمَ (رَجُلَانِ) مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَلِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ أَنَّهُمَا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَزَعَمَ ابْنُ دِحْيَةَ أَنَّهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حَدْرَدٍ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَلَمْ يَذْكُرْ لِذَلِكَ مُسْتَنَدًا قَالَهُ الْحَافِظُ، (فَرُفِعَتْ) أَيْ رُفِعَ بَيَانُهَا أَوْ عِلْمُ تَعْيِينِهَا مِنْ قَلْبِي فَنَسِيتُهُ لِلِاشْتِغَالِ بِالْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَفِي مُسْلِمٍ: فَنَسِيتُهَا، وَقِيلَ: رُفِعَتْ بَرَكَتُهَا تِلْكَ السَّنَةَ، وَقِيلَ: التَّاءُ فِي " رُفِعَتْ " لِلْمَلَائِكَةِ لَا لِلَّيْلَةِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: قَدْ يُذْنِبُ الْبَعْضُ فَتَتَعَدَّى عُقُوبَتُهُ إِلَى غَيْرِهِ فَيُجْزَى بِهِ مَنْ لَا سَبَبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، أَمَّا الْآخِرَةُ فَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «فَجَاءَ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ» . وَعِنْدَ ابْنِ رَاهَوَيْهِ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُمَا عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجِدِ فَحَجَزَ بَيْنَهُمَا» . وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي فَنَسِيتُهَا» "، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ سَبَبَ النِّسْيَانِ الْإِيقَاظُ لَا الْمُلَاحَاةُ، وَجُمِعَ عَلَى اتِّحَادِ الْقِصَّةِ بِاحْتِمَالِ وُقُوعِ النِّسْيَانِ عَلَى سَبَبَيْنِ، وَالْمَعْنَى: أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي فَسَمِعْتُ تَلَاحِيَ الرَّجُلَيْنِ فَقُمْتُ لِأَحْجِزَ بَيْنَهُمَا فَنَسِيتُهَا لِلِاشْتِغَالِ بِهِمَا، وَعَلَى تَعَدُّدِهَا بِاحْتِمَالِ أَنَّ الرُّؤْيَا فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنَامَيَّةٌ فَيَكُونُ سَبَبُ النِّسْيَانِ الْإِيقَاظَ، وَالْأُخْرَى يَقَظَةٌ فَسَبَبُ النِّسْيَانِ الْمُلَاحَاةُ، وَيُقَوِّيهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا: " «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ قَالُوا: بَلَى، فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ قُلْتُ لَكُمْ وَأَنَا أَعْلَمُهَا ثُمَّ أُنْسِيتُهَا» "، فَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ النِّسْيَانِ، وَهَلْ أُعْلِمَ بِهَا بَعْدَ هَذَا النِّسْيَانِ؟ قَالَ الْحَافِظُ: فِيهِ احْتِمَالٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ رُفِعَ عِلْمُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ عَنْهُ فَأُنْسِيَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ عَلِمَهَا بِسَبَبِ التَّلَاحِي، وَقَدْ قِيلَ: الْمِرَاءُ وَالْمُلَاحَاةُ شُؤْمٌ وَمِنْ شُؤْمِهَا حُرِمُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَلَمْ يُحْرَمُوهَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ لِقَوْلِهِ: ( «فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» ) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ الْمُرَادُ بِالتَّاسِعَةِ تَاسِعَةٌ تَبْقَى فَتَكُونُ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَالسَّابِعَةِ سَابِعَةٌ تَبْقَى فَتَكُونُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَالْخَامِسَةِ خَامِسَةٌ تَبْقَى فَتَكُونُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ عَلَى الْأَغْلَبِ فِي أَنَّ الشَّهْرَ ثَلَاثُونَ لِقَوْلِهِ: " «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» " يَعْنِي وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ تَاسِعَةٌ وَسَابِعَةٌ وَخَامِسَةٌ تَبْقَى بَعْدَ اللَّيْلَةِ تُلْتَمَسُ فِيهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، قَالَ: وَقِيلَ تَاسِعَةٌ تَمْضِي فَتَكُونُ لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَجَزَمَ الْبَاجِيُّ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ: «تَاسِعَةٌ تَبْقَى سَابِعَةٌ تَبْقَى خَامِسَةٌ تَبْقَى» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 وَرَجَّحَ الْحَافِظُ الثَّانِي لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ: «الْتَمِسُوهَا فِي التِّسْعِ وَالسَّبْعِ وَالْخَمْسِ» أَيْ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى كَذَا قَالَ. وَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مُحْتَمَلَةٌ، وَرِوَايَةُ أَحْمَدَ نَصٌّ فِيمَا قَالَ مَالِكٌ، وَقَدْ قَالَ أَبُو عُمَرَ: كِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «تَاسِعَةٍ تَبْقَى وَسَابِعَةٍ تَبْقَى وَخَامِسَةٍ تَبْقَى» " يَقْتَضِي الْقَوْلَ الْأَوَّلَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: إِنَّكُمْ أَعْلَمُ بِالْعَدَدِ مِنَّا، قَالَ: أَجَلْ، قُلْتُ: مَا التَّاسِعَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ؟ قَالَ: إِذَا مَضَتْ إِحْدَى وَعِشْرُونَ فَالَّتِي تَلِيهَا التَّاسِعَةُ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ، فَإِذَا مَضَتْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ انْتَهَى. وَزَعَمَ الرَّوَافِضُ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ أَنَّ الْمَعْنَى رُفِعَتْ أَصْلًا، أَيْ وُجُودُهَا وَهُوَ غَلَطٌ، فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْتِمَاسِهَا. وَلِلْبُخَارِيِّ: «فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا» لَكُمْ أَيْ لِأَنَّ إِخْفَاءَهَا مِمَّا يَسْتَدْعِي قِيَامَ كُلَّ شَهْرٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَقِيَ مَعْرِفَتُهَا بِعَيْنِهَا، وَأَخَذَ مِنْهُ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ اسْتِحْبَابَ كَتْمِهَا لِمَنْ رَآهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ لِنَبِيِّهِ أَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ بِهَا وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِيمَا قَدَّرَهُ لَهُ وَيُسْتَحَبُّ اتِّبَاعُهُ فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهَا كَرَامَةٌ، وَالْكَرَامَةُ يَنْبَغِي كَتْمُهَا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الطَّرِيقِ لِرُؤْيَةِ النَّفْسِ فَلَا يَأْمَنُ السَّلْبَ وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الرِّيَاءَ، وَلِلْأَدَبِ فَلَا يَتَشَاغَلُ عَنْ شُكْرِ اللَّهِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا وَذِكْرِهَا لِلنَّاسِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْحَسَدَ فَيُوقِعَ غَيْرَهُ فِي الْمَحْذُورِ وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِقَوْلِ يَعْقُوبَ: {يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف: 5] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 5) الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِأَنَسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: خَالَفَ مَالِكًا أَكْثَرُ أَصْحَابِ حُمَيْدٍ فَرَوَوْهُ عَنْهُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ عُبَادَةَ، وَصَوَّبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِثْبَاتَ عُبَادَةَ وَأَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 وَحَدَّثَنِي زِيَاد عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ»   706 - 700 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ) هَكَذَا رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَالْأَكْثَرُونَ، وَرَوَاهُ يَحْيَى وَقَوْمٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ (أَنَّ رِجَالًا) لَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ (مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرُوا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ) الْوَاقِعِ أَوِ الْكَائِنِ (فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ جَمْعٌ فَلَيْسَ ظَرْفًا لِلْإِرَاءَةِ بَلْ صِفَةً لِقَوْلِهِ " فِي الْمَنَامِ " كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ مُتَعَقِّبًا قَوْلَ الْحَافِظِ أَيْ قِيلَ لَهُمْ فِي الْمَنَامِ أَنَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ بِاقْتِضَائِهِ أَنَّ نَاسًا قَالُوا ذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ رُؤْيَتَهُمْ، بَلْ تَفْسِيرُهُ أَنَّ نَاسًا أَرُوهُمْ إِيَّاهَا فَرَأَوْهَا. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ رُؤْيَاهُمْ كَانَتْ قَبْلَ دُخُولِ السَّبْعِ الحديث: 706 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 لِقَوْلِهِ: فَلْيَتَحَرَّهَا إِلَى آخِرِهِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ آخِرَ الشَّهْرِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ السَّبْعُ الَّتِي أَوَّلُهَا لَيْلَةُ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ وَآخِرُهَا لَيْلَةُ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَدْخُلُ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَا ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَعَلَى الثَّانِي تَدْخُلُ الثَّانِيَةُ فَقَطْ وَلَا يَدْخُلُ لَيْلَةَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي» " انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا وَعَظَمَتَهَا وَأَنْوَارَهَا وَنُزُولَ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي لَيْلَةٍ مِنَ السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُمْ هِيَ فِي كَذَا وَعَيَّنَ لَيْلَةً مِنَ السَّبْعِ وَنُسِيَتْ، أَوْ قَالَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَرَى) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ أَعْلَمُ، وَالْمُرَادُ أُبْصِرُ مَجَازًا، (رُؤْيَاكُمْ) بِالْإِفْرَادِ وَالْمُرَادُ الْجِنْسُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رُؤْيَا وَاحِدَةً فَهُوَ مِمَّا عَاقَبَ الْإِفْرَادُ فِيهِ الْجَمْعَ لِأمْنِ اللَّبْسِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَهُوَ جَائِزٌ، وَأَفْصَحُ مِنْهُ رُؤْيَاكُمْ جَمْعُ رُؤْيَا لِيَكُونَ جَمْعًا فِي مُقَابَلَةِ جَمْعٍ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ بِإِضَافَتِهِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَمْعِ يُعْلَمُ مِنْهُ التَّعَدُّدُ ضَرُورَةً، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِأَرَى لِيُجَانِسَ رُؤْيَاكُمْ وَهِيَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لِأَرَى وَالثَّانِي قَوْلُهُ: (قَدْ تَوَاطَأَتْ) بِالْهَمْزِ أَيْ تَوَافَقَتْ، وَيُوجَدُ فِي نُسَخٍ بِطَاءٍ ثُمَّ يَاءٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ بِالْأَلِفِ وَلَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ مَهْمُوزًا، قَالَ تَعَالَى: {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 37] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 37) ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: رُوِيَ بِلَا هَمْزٍ وَالصَّوَابُ الْهَمْزُ، وَفِي الْمَصَابِيحَ: يَجُوزُ تَرْكُ الْهَمْزِ، (فِي) رُؤْيَتِهَا فِي لَيَالِي (السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرَّيَهَا) أَيْ طَالَبَهَا وَقَاصِدَهَا ( «فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» ) مِنْ رَمَضَانَ، وَلِلْبُخَارِيِّ فِي التَّعْبِيرِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: " «أَنَّ أُنَاسًا أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، وَأَنَّ نَاسًا أُرُوا أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» ". قَالَ الْحَافِظُ: وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنَ الرُّؤْيَتَيْنِ فَأَمَرَ بِهِ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: " «إِنْ غُلِبْتُمْ فَلَا تُغْلَبُوا فِي السَّبْعِ الْبَوَاقِي» "، وَلِمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي» " انْتَهَى. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ: إِنَّ طَلَبَهَا فِي السَّبْعِ مُسْتَنَدُهُ الرُّؤْيَا وَهُوَ مُشْكِلٌ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُ قِيلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ هِيَ فِي السَّبْعِ فَشَرْطُ التَّحَمُّلِ التَّمْيِيزُ وَهُمْ كَانُوا نِيَامًا، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ رَأَى الْحَوَادِثَ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا فِي مَنَامِهِ فِي السَّبْعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ فِي السَّبْعِ، كَمَا لَوْ رَأَيْتَ حَوَادِثَ الْقِيَامَةِ فِي الْمَنَامِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تِلْكَ اللَّيْلَةُ مَحَلًّا لِقِيَامِهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِسْنَادَ إِلَى الرُّؤْيَا إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى أَمْرٍ وُجُودِيٍّ غَيْرِ مُخَالِفٍ لِقَاعِدَةِ الِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّهُ اسْتَنَدَ إِلَيْهَا فِي أَمْرٍ ثَبَتَ اسْتِحْبَابُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ طَلَبُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ لَا أَنَّهَا أُثْبِتَ بِهَا حُكْمٌ، وَإِنَّمَا تُرَجَّحُ السَّبْعُ الْأَوَاخِرُ لِسَبَبِ الْمَرَائِي الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 فِيهَا وَهُوَ اسْتِدْلَالُ عَلَى أَمْرٍ وُجُودِيٍّ لَزِمَهُ اسْتِحْبَابٌ شَرْعِيٍّ مَخْصُوصٌ بِالتَّأْكِيدِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِهِ اللَّيَالِي، أَوْ أَنَّ الْإِسْنَادَ إِلَى الرُّؤْيَا إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إِقْرَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا كَأَحَدِ مَا قِيلَ فِي رُؤْيَا الْأَذَانِ ذَكَرَهُ الْأَبِيُّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 وَحَدَّثَنِي زِيَاد عَنْ مَالِك أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنْ الْعَمَلِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»   706 - 701 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْ أَرَاهُ اللَّهُ (أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ) الصَّالِحِ (مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمُرِ) لِقِصَرِ أَعْمَارِهِمْ إِذْ هِيَ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَقَلِيلٌ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا وَرَدَ. (فَأَعْطَاهُ اللَّهُ) أَنْزَلَ عَلَيْهِ {لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ لَا مُسْنَدًا وَلَا مُرْسَلًا. وَالثَّانِي: «إِنِّي لَا أَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ» . وَالثَّالِثُ: «إِذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةً» ، وَتَقَدَّمَا. وَالرَّابِعُ: «قَوْلُهُ لِمُعَاذٍ: " حَسِّنْ خُلُقَكَ لِلنَّاسِ» "، قَالَ: وَلَيْسَ مِنْهَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَلَا مَا يَدْفَعُهُ أَصْلٌ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَلِهَذَا شَوَاهِدُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مُرْسَلَةٌ، فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: " «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَرْبَعَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبَدُوا اللَّهَ ثَمَانِينَ عَامًا لَمْ يَعْصُوهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ: أَيُّوبُ وَزَكَرِيَّا وَحِزْقِيلُ وَيُوشَعُ بْنُ نُونٍ، فَعَجِبَ الصَّحَابَةُ مِنْ ذَلِكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: عَجِبَتْ أُمَّتُكَ مِنْ عِبَادَةِ أَرْبَعَةٍ ثَمَانِينَ سَنَةً لَمْ يَعْصُوهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] (سُورَةُ الْقَدْرِ: الْآيَةُ 3) هَذَا أَفْضَلُ مِمَّا عَجِبَتْ أُمَّتُكَ، فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ» "، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ حَتَّى يُصْبِحَ ثُمَّ يُجَاهِدُ الْعَدُوَّ حَتَّى يُمْسِيَ، فَعَلَ ذَلِكَ أَلْفَ شَهْرٍ فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] قِيَامُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَلْفَ شَهْرٍ» "، وَفِيهِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَاصَّةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمْ تَكُنْ لِمَنْ قَبْلَهُمْ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 بِهِ أَصْحَابُنَا كُلُّهُمْ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَعَمْدَتُهُمْ أَثَرُ الْمُوَطَّأِ هَذَا، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَلَا يَدْفَعُ الصَّرِيحَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ: " قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَكُونُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مَاتُوا رُفِعَتْ أَمْ هِيَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: بَلْ هِيَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» "، وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ السُّيُوطِيُّ بِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُ السُّؤَالُ هَلْ تَخْتَصُّ بِزَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تُرْفَعُ بَعْدَهُ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَمْ هِيَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ فَلَا يَكُونُ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِأَثَرِ الْمُوَطَّأِ، وَقَدْ وَرَدَ مَا يُعَضِّدُهُ، فَفِي فَوَائِدِ أَبِي طَالِبٍ الْمُزَكَّى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ اللَّهَ وَهَبَ لِأُمَّتِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَلَمْ يُعْطِهَا مَنْ كَانَ قَبْلَهُمُ» انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 وَحَدَّثَنِي زِيَاد عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا   706 - 702 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ: مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ) حَضَرَهَا وَصَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ (مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا) نَصِيبِهِ مِنْ ثَوَابِهَا الْمُنَوِّهِ بِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَفِي نَحْوِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» "، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَزَادَ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى: " وَمَا تَأَخَّرَ ". وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَوْلُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ لَا يَكُونُ رَأْيًا وَلَا يُؤْخَذُ إِلَّا تَوْقِيفًا وَمَرَاسِيلُهُ أَصَحُّ الْمَرَاسِيلَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: " «مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ» "، وَخَصَّهَا لِأَنَّهَا مِنَ اللَّيْلِ دُونَ الصُّبْحِ فَلَيْسَ مِنْهُ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالطَّبَرَانَيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» "، وَرَوَى الْخَطِيبُ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: " «مَنْ صَلَّى لَيْلَةَ الْقَدْرِ الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ فَقَدْ أَخَذَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالنَّصِيبِ الْوَافِرِ» ". وَفِي مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَيُوَافِقُهَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» "، وَلِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا: " «فَمَنْ قَامَهَا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ثُمَّ وُفِّقَتْ لَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» ". قَالَ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ: مَعْنَى تَوْفِيقِهَا لَهُ أَوْ مُوَافَقَتِهِ لَهَا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ أَنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي قَامَ فِيهَا بِقَصْدِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ ذَلِكَ. وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ مَعْنَى الْمُوَافَقَةِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَرْدُودٌ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِيهِ وَلَا الْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ. وَقَالَ الْحَافِظُ: الَّذِي يَتَرَجَّحُ فِي نَظَرِي مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَلَا أُنْكِرُ حُصُولَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ لِمَنْ قَامَ لِابْتِغَائِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا وَلَمْ تُوَفَّقْ لَهُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عَلَى حُصُولِ الثَّوَابِ الْمُعَيَّنِ الْمَوْعُودِ بِهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى وُجُودِهَا وَبَقَائِهَا إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ لِتَظَاهُرِ الْأَحَادِيثِ وَكَثْرَةِ رُؤْيَةِ الصَّالِحِينَ لَهَا، وَشَذَّ الرَّوَافِضُ وَالشِّيعَةُ وَالْحَجَّاجُ الظَّالِمُ الثَّقَفِيُّ فَقَالُوا: رُفِعَتْ رَأْسًا، وَكَذَا مَنْ قَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ سَنَةً وَاحِدَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ هَذَانِ قَوْلَانِ أَوْ قَوْلٌ، ثُمَّ اخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَرْبَعِينَ قَوْلًا فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُمْ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ مَشْهُورٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَزَيَّفَهُ الْمُهَلَّبُ وَقَالَ: لَعَلَّهُ بُنِيَ عَلَى دَوَرَانِ الزَّمَانِ لِنُقْصَانِ الْأَهِلَّةِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي غَيْرِهِ حَتَّى تَنْتَقِلَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ عَنْ رَمَضَانَ، وَرُدَّ بِأَنَّ مَأْخَذَ ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ. وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي أَبِي دَاوُدَ وَمَوْقُوفًا عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِرَمَضَانَ مُمْكِنَةٌ فِي غَيْرِهِ، وَبِهِ جَزَمَ شَارِحُ الْهِدَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ الْحَاجِبِ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ وَأَبِي رَزِينٍ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَحَكَى ابْنُ الْمُلَقِّنِ لَيْلَةَ نِصْفِهِ، وَالَّذِي فِي الْمُفْهِمِ وَغَيْرِهِ لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ فَإِنْ ثَبَتَا فَهُمَا قَوْلَانِ. وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ مِنْ رَمَضَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُبْهَمَةٌ عَلَيْنَا. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَابْنِ مَسْعُودٍ لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ. وَلِلطَّحَاوِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ تِسْعَ عَشْرَةَ. وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ ثَمَانِ عَشْرَةَ، أَوْ مُبْهَمَةً فِي الْعَشْرِ الْوَسَطِ أَوْ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ وَمَالَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، أَوْ إِنْ كَانَ الشَّهْرُ تَامًّا فَلَيْلَةُ عِشْرِينَ وَنَاقِصًا فَإِحْدَى وَعِشْرِينَ، أَوْ لَيْلَةُ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ لَيْلَةُ الثَّلَاثِينَ. قَالَ عِيَاضٌ: مَا مِنْ لَيْلَةٍ مِنَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ إِلَّا وَقِيلَ إِنَّهَا فِيهِ أَوْ فِي أَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا فِي هَذَا الْبَابِ، قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ: أَوْ فِي أَوْتَارِهِ بِزِيَادَةِ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ، أَوْ تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ كُلِّهِ نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَزَعَمَ الْمَاوَرْدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِهَا مِنْهُ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الصَّحِيحِ «أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ» . ثُمَّ اخْتَلَفَ قَائِلُوهُ هَلْ هِيَ مُحْتَمَلَةٌ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ أَوْ بَعْضُ لَيَالِيهِ أَرْجَى؟ فَفِي أَنَّهَا إِحْدَى أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ سَبْعٌ أَقْوَالٌ، أَوْ تَنْتَقِلُ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، أَوْ تَنْتَقِلُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ أَوْ لَيْلَةُ سِتَّ عَشْرَةَ أَوْ سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَنَسٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. أَوْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ أَوْ تَاسِعُ لَيْلَةٍ أَوْ سَابِعَ عَشْرَةَ أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ آخِرُ لَيْلَةٍ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. أَوْ لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى عَشْرَةَ أَوْ ثَلَاثٌ وَعِشْرِينَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَائِشَةَ بِسَنَدَيْنِ مُنْقَطِعَيْنِ، أَوْ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَبْعٌ يَبْقَيْنَ أَوْ سَبْعٌ يَمْضِينَ. وَلِأَحْمَدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ «سَابِعَةٌ تَمْضِي أَوْ سَابِعَةٌ تَبْقَى» ، قَالَ النُّعْمَانُ: فَنَحْنُ نَقُولُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ لَيْلَةَ إِحْدَى أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ مُنْحَصِرَةٌ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ، أَوْ لَيْلَةُ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، «أَوْ فِي أَشْفَاعِ الْعَشْرِ الْوَسَطِ وَالْعَشْرِ الْأَخِيرِ أَوْ لَيْلَةُ الثَّالِثَةِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ أَوِ الْخَامِسَةِ مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ مُعَاذٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الثَّالِثَةَ تَحْتَمِلُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَتَحْتَمِلُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَيَنْحَلُّ إِلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَبِهَذَا غَايَرَ مَا مَضَى، أَوْ فِي سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ مِنْ أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي. رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ: " «أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ: تَحَرَّهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ» " ثُمَّ عَادَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: " إِلَى ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ "، «فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحْيِي لَيْلَةَ سِتَّ عَشْرَةَ إِلَى ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ يُقَصِّرُ، أَوْ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ أَوِ الْوَتْرِ مِنَ اللَّيَالِي» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مُرْسَلًا أَوْ «لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» نَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى إِمْكَانِ حُصُولِهَا وَالْحَثِّ عَلَى الْتِمَاسِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُعْلَمُ وَهَذَا يَصْلُحُ عَدُّهُ قَوْلًا. وَأَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: قَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِإِمْكَانِ الْعِلْمِ بِهَا وَأَخْبَرَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهِ. قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَبَعْضُهَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إِلَى بَعْضٍ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا التَّغَايُرَ وَأَرْجَحُهَا كُلُّهَا أَنَّهَا فِي وَتْرٍ مِنَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ كَمَا يُفْهَمُ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَأَرْجَى أَوْتَارِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَأَرْجَاهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَبِهِ جَزَمَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَحَلَفَ عَلَيْهِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ، وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّكُمْ يَذْكُرُ حِينَ طَلَعَ الْقَمَرُ كَأَنَّهُ شِقُّ جَفْنَةٍ» "، قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْفَارِسِيُّ: أَيْ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَإِنَّ الْقَمَرَ يَطْلُعُ فِيهَا بِتِلْكَ الصِّفَةِ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَذْكُرُ لَيْلَةَ الصَّهْبَاوَاتِ؟ قُلْتُ: أَنَا وَذَلِكَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» ". وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «رَأَى رَجُلٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» "، وَلِأَحْمَدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا: " «لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» "، وَلِابْنِ الْمُنْذِرِ: " «مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» "، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَنَحْوِهِ، وَحُكِيَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " دَعَا عُمَرُ الصَّحَابَةَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَقُلْتُ لِعُمْرَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَوْ أَظُنُّ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ، قَالَ عُمَرُ: أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ؟ فَقُلْتُ: سَابِعَةٌ تَمْضِي أَوْ سَابِعَةٌ تَبْقَى مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَسَبْعَ أَرَضِينَ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالدَّهْرُ يَدُورُ فِي سَبْعٍ، وَالْإِنْسَانُ خُلِقَ مِنْ سَبْعٍ وَيَسْجُدُ عَلَى سَبْعٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 وَالطَّوَافُ سَبْعٌ، وَالْجِمَارُ سَبْعٌ، وَإِنَّا نَأْكُلُ مِنْ سَبْعٍ، قَالَ تَعَالَى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا - وَعِنَبًا وَقَضْبًا} [عبس: 27 - 28] (سُورَةُ عَبَسَ: الْآيَةُ 27، 28) الْآيَةَ، قَالَ: فَالْأَبُّ لِلْأَنْعَامِ وَالسَّبْعَةُ لِلْإِنْسِ، فَقَالَ عُمَرُ: تَلُومُونِي فِي تَقْرِيبِ هَذَا الْغُلَامِ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ أَدْرَكَ أَسْنَانَنَا مَا عَاشَرَهُ مِنَّا رَجُلٌ وَنِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ "، وَرَوَى ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَالْحَكَمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَعَا الْأَشْيَاخَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَتَكَلَّمْ حَتَّى يَتَكَلَّمُوا، فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وِتْرًا» أَيِ الْوِتْرَ، فَقَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ تَاسِعَةً سَابِعَةً خَامِسَةً ثَالِثَةً، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ قُلْتُ: أَتَكَلَّمُ بِرَأْيِي؟ قَالَ: عَنْ رَأْيِكَ أَسْأَلُكَ، فَقُلْتُ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ عُمَرُ: أَعَجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ هَذَا الْغُلَامِ الَّذِي مَا اسْتَوَتْ شُئُونُ رَأْسِهُ، وَقَالَ: إِنِّي لَأَرَى الْقَوْلَ كَمَا قُلْتَ "، وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ النَّسَبَ فِي سَبْعٍ ثُمَّ تَلَا: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] (سُورَةَ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23) الْآيَةَ، وَقِيلَ اسْتَنْبَطَ ذَلِكَ مِنْ عَدَدِ كَلِمَاتِ السُّورَةِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ هِيَ سَابِعُ كَلِمَةٍ بَعْدَ عِشْرِينَ نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَبَالَغَ فِي رَدِّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِنَّهُ مِنْ مُلَحِ التَّفْسِيرِ لَا مِنْ مَتِينِ الْعِلْمِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: حِكْمَةُ إِخْفَائِهَا لِيُجْتَهَدَ فِي الْتِمَاسِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ عُيِّنَتْ لَهَا لَيْلَةٌ لَاقْتُصِرَ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ تَطَّرِدُ عِنْدَ الْقَائِلِ أَنَّهَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ أَوْ جَمِيعِ رَمَضَانَ أَوِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ أَوْ أَوْتَارِهِ خَاصَّةً، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ ثُمَّ الثَّانِي أَلْيَقَ بِهِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهَا عَلَامَةٌ تَظْهَرُ لِمَنْ وُفِّقَتْ لَهُ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: يَرَى كُلَّ شَيْءٍ سَاجِدًا، وَقِيلَ: يَرَى الْأَنْوَارَ فِي كُلِّ مَكَانٍ سَاطِعَةً حَتَّى الْأَمَاكِنِ الْمُظْلِمَةِ، وَقِيلَ: يَسْمَعُ سَلَامًا أَوْ خِطَابًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: عَلَامَتُهَا اسْتِجَابَةُ دُعَاءِ مَنْ وُفِّقَتْ لَهُ. وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِحُصُولِهَا رُؤْيَةُ شَيْءٍ وَلَا سَمَاعُهُ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا لِمَنْ قَامَهَا وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ؟ وَذَهَبَ إِلَيْهِ الطَّبَرِيُّ وَالْمُهَلَّبُ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَجَمَاعَةٌ، أَوْ يَتَوَقَّفُ عَلَى كَشْفِهَا لَهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَيُوَافِقُهَا» ، قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَهُوَ أَرْجَحُ فِي نَظَرِي. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ ذَلِكَ، وَفَرَّعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهَا شَخْصٌ دُونَ آخَرَ وَإِنْ كَانَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: فِي إِخْفَائِهَا دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَظْهَرُ لِلْعُيُونِ لَيْلَتَهَا مَا لَا يَظْهَرُ فِي سَائِرِ السَّنَةِ، إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا لَمْ يَخْفَ عَنْ مَنْ قَامَ لَيَالِيَ السَّنَةِ فَضْلًا عَنْ لَيَالِي رَمَضَانَ، تَعَقَّبَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي إِطْلَاقُ التَّكْذِيبِ لِذَلِكَ، فَيَجُوزُ أَنَّهَا كَرَامَةٌ لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ فَيُخْتَصُّ بِهَا قَوْمٌ دُونَ قَوْمٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْصُرِ الْعَلَامَةَ وَلَمْ يَنْفِ الْكَرَامَةَ، وَكَانَتْ فِي السَّنَةِ الَّتِي حَكَاهَا أَبُو سَعِيدٍ نُزُولَ الْمَطَرِ، وَنَحْنُ نَرَى كَثِيرًا مِنَ السِّنِينَ يَنْقَضِي رَمَضَانُ دُونَ مَطَرٍ مَعَ اعْتِقَادِنَا أَنَّهُ لَا يَخْلُو رَمَضَانُ مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَلَا يُعْتَقَدُ أَنَّهُ لَا يَرَاهَا إِلَّا مَنْ رَأَى الْخَوَارِقَ، بَلْ فَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا إِلَّا عَلَى الْعِبَادَةِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ خَارِقٍ، وَآخَرُ رَأَى الْخَوَارِقَ بِلَا عِبَادَةٍ، وَالَّذِي حَصَلَ لَهُ الْعِبَادَةُ أَفْضَلُ، وَالْعِبْرَةُ إِنَّمَا هِيَ بِالِاسْتِقَامَةِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ تَكُونَ إِلَّا كَرَامَةً بِخِلَافِ الْخَارِقِ فَقَدْ يَقَعُ كَرَامَةً وَقَدْ يَقَعُ فِتْنَةً انْتَهَى. وَقَدْ وَرَدَ لَهَا عَلَامَاتٌ أَكْثَرُهَا لَا تَقَعُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ، مِنْهَا مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: " أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ فِي صَبِيحَتِهَا لَا شُعَاعَ لَهَا "، وَلِأَحْمَدَ عَنْهُ: مِثْلَ الطَّسْتِ. وَلَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مِثْلَ الطَّسْتِ صَافِيَةً. وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " لَيْلَةُ الْقَدْرِ طَلْقَةٌ لَا حَارَةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، تُصْبِحُ الشَّمْسُ يَوْمَهَا حَمْرَاءَ ضَعِيفَةً "، وَلِأَحْمَدَ عَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا: " أَنَّهَا صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا صَاحِيَةٌ لَا حَرَّ فِيهَا وَلَا بَرْدَ، وَلَا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ يُرْمَى بِهِ فِيهَا، وَإِنَّ أَمَارَاتِهَا أَنَّ الشَّمْسَ فِي صَبِيحَتِهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً لَيْسَ فِيهَا شُعَاعٌ مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَلَا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ "، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمٍ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ إِلَّا صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ "، وَلَهُ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " لَيْلَةُ الْقَدْرِ طَلْقَةٌ بَلْجَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، تُضِيءُ كَوَاكِبُهَا، وَلَا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يُضِيءَ فَجْرُهَا "، وَلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَكْثَرُ فِي الْأَرْضِ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى "، وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: " لَا يُرْسَلُ فِيهَا شَيْطَانٌ وَلَا يَحْدُثُ فِيهَا دَاءٌ "، وَعَنِ الضَّحَّاكِ: " يَقْبَلُ اللَّهُ التَّوْبَةَ فِيهَا مِنْ كُلِّ تَائِبٍ، وَهِيَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِهَا "، وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ الْأَشْجَارَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ تَسْقُطُ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ تَعُودُ إِلَى مَنَابِتِهَا، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَسْجُدُ فِيهَا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّ الْمِيَاهَ الْمَالِحَةَ تَعْذُبُ لَيْلَتَهَا. وَلِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ نَحْوَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَسْأَلُهُ الْعَوْنَ عَلَى التَّمَامِ خَالِصًا لِوَجْهِهِ، مُقَرِّبًا إِلَى دَارِ السَّلَامِ، مُتَوَسِّلًا بِحَبِيبِهِ خَيْرِ الْأَنَامِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 [كِتَاب الْحَجِّ] [بَاب الْغُسْلِ لِلْإِهْلَالِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْحَجِّ بَاب الْغُسْلِ لِلْإِهْلَالِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ «أَنَّهَا وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالْبَيْدَاءِ فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتُهِلَّ»   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 20 - كِتَابُ الْحَجِّ خَتَمَ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِخَامِسِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْمَوْجُودِ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ الْمَقْرُوءَةِ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ تَقْدِيمُ كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَكِتَابِ الْجِهَادِ عَلَى الْحَجِّ، فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ وَلَا مُنَاسَبَةٌ وَلَا حُسْنُ تَصْنِيفٍ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُتَعَسَّفَ تَوْجِيهٌ لِذَلِكَ بِأَنَّ لِلْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ تَعَلُّقًا مَا بِالصِّيَامِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَدْ يَحْلِفُ بِهِ أَوْ يَنْذِرَهُ فَأَلْحَقَهُمَا بِهِ وَلِلْجِهَادِ بِهِ نَوْعُ تَعَلُّقٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصِّيَامَ جِهَادٌ لِلنَّفْسِ عَلَى تَرْكِ شَهَوَاتِهَا كَمَا أَنَّ فِي جِهَادِ الْكُفَّارِ ذَلِكَ، إِذْ هِيَ لَا تَرْضَى بِالتَّعَبِ لَا سِيَّمَا الْمُؤَدِّي لِلْعَطَبِ. وَالْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ لِنَجْدٍ وَالْفَتْحُ لِغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: الْفَتْحُ الِاسْمُ وَالْكَسْرُ الْمَصْدَرُ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَوُجُوبُهُ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ إِجْمَاعًا إِلَّا لِعَارِضٍ كَالنَّذْرِ، وَفِي أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي لِخَوْفِ الْفَوَاتِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، وَالْقَوْلُ بِفَرْضِهِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ شَاذٌّ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ لِنُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ابْتِدَاءُ الْفَرْضِ، وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَلْقَمَةَ وَمَسْرُوقٍ وَالنَّخْعِيِّ: " وَأَقِيمُوا "، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْهُمْ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِتْمَامِ الْإِكْمَالُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَ فَرْضِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي قِصَّةِ ضِمَامٍ ذِكْرُ الْحَجَّ وَقَدِمَ سَنَةَ خَمْسٍ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ فَإِنْ ثَبَتَ دَلَّ عَلَى تَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا أَوْ وُقُوعِهِ فِيهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ، إِذْ لَوِ اخْتَصَّتْ لَلَزِمَ أَنْ يَشُدَّ عَلَى الرَّاحِلَةِ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ جِدًّا، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ حَدِيثُ تَفْسِيرِهَا بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةِ عَامَّةٌ لَيْسَتْ مُجْمَلَةٌ فَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى بَيَانٍ، فَكَلَّفَ كُلَّ مُسْتَطِيعٍ قَدَرَ بِمَالٍ أَوْ بَدَنٍ. 1 - بَابُ الْغُسْلِ لِلْإِهْلَالِ أَيِ التَّلْبِيَةِ، وَأَصْلُهُ رَفْعُ الصَّوْتِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 - 709 703 (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ آخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَتَيْنِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا لِيَحْيَى وَمَعْنٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَقُتَيْبَةَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ بِكْرٍ وَابْنُ مَهْدِيٍّ وَيَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ: أَنَّ أَسْمَاءَ، وَعَلَى كُلٍّ هُوَ مُرْسَلٌ فَالْقَاسِمُ لَمْ يَلِقَ أَسْمَاءَ، وَقَدْ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ (وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالْبَيْدَاءِ) بِالْمَدِّ بِطَرَفِ ذِي الْحُلَيْفَةِ، (فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتُهِلَّ» ) تُحْرِمْ وَتُلَبِّي، فَفِيهِ صِحَّةُ إِحْرَامِ النُّفَسَاءِ وَمِثْلُهَا الْحَائِضُ وَأَوْلَى مِنْهُمَا الْجُنُبُ لِأَنَّهُمَا شَارَكَتَاهُ فِي شُمُولِ اسْمِ الْحَدَثِ، وَزَادَتَا عَلَيْهِ بِسَيَلَانِ الدَّمِ وَلِذَا صَحَّ صَوْمُهُ دُونَهُمَا، وَالِاغْتِسَالُ لِلْإِحْرَامِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ النُّفَسَاءَ إِذَا أُمِرَتْ بِهِ مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلطَّهَارَةِ كَالْحَائِضِ فَغَيْرُهُمَا أَوْلَى. وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ إِذَا أَمَرَ الشَّارِعُ شَخْصًا أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِفِعْلٍ أَيَكُونُ أَمْرًا لِذَلِكَ الْغَيْرِ أَمْ لَا؟ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، فَأَمْرُهُ لِأَبِي بَكْرٍ أَنْ يَأْمُرَهَا لَيْسَ أَمْرًا لَهَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهَا بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ مُبَلِّغٌ لِأَمْرِهِ، وَجُعِلَ أَمْرًا لِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «نَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِمُحَمَّدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» "، بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَجَّهَ الْخِطَابَ إِلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّبْلِيغِ، وَفِيهِ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ: إِنَّ عَادَةَ الصَّحَابَةِ تَحَمُّلُ السُّنَنِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَاكْتِفَاؤُهُمْ بِذَلِكَ عَنْ سَمَاعِهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ الْأَمْرُ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِهَا إِلَّا لِعُذْرٍ، وَهُوَ آكَدُ اغْتِسَالَاتِ الْحَجِّ. وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ: أَنَّهُ آكَدُ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَأَوْجَبَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى مُرِيدِ الْإِحْرَامِ طَاهِرًا أَمْ لَا، وَفِيهِ أَنَّ رَكْعَتَيِ الْإِحْرَامِ لَيْسَتَا شَرْطًا فِي الْحَجِّ لِأَنَّ أَسْمَاءَ لَمْ تُصَلِّهِمَا. وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: " «أَنَّهُ خَرَجَ حَاجًّا مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ فَوَلَدَتْ مُحَمَّدًا بِالشَّجَرَةِ، فَأَخْبَرَ أَبُو بَكْرٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ بِالْحَجِّ وَتَصْنَعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ» "، وَرَوَاهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَرَوِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي إِسْنَادِهِ أَرْسَلَهُ مَالِكٌ فَكَثِيرًا مَا كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ انْتَهَى. لَكِنَّهُ اخْتِلَافٌ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ وَلَا فِي وَصْلِهِ، لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 فِيهِ إِسْنَادَيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَنَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَمُرْسَلَةٌ، إِذْ مُحَمَّدٌ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَمَرَهَا أَبُو بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تُهِلَّ   710 - 704 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) لَا يُنَافِيهِ الرِّوَايَتَانِ السَّابِقَتَانِ بِالشَّجَرَةِ وَبِالْبَيْدَاءِ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْبَيْدَاءُ بِطَرَفِهَا. قَالَ عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِطَرَفِ الْبَيْدَاءِ لِتَبْعُدَ عَنِ النَّاسِ وَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَقِيقَةً وَهُنَاكَ بَاتَ وَأَحْرَمَ فَسَمَّى مَنْزِلَ النَّاسِ كُلِّهِمْ بَاسِمِ مَنْزِلِ إِمَامِهِمْ، قَالَ: وَالشَّجَرَةُ كَانَتْ سَمُرَةً، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُهَا مِنَ الْمَدِينَةِ وَيُحْرِمُ مِنْهَا، وَهِيَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ. (فَأَمَرَهَا أَبُو بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تُهِلَّ) بَعْدَ سُؤَالِهِ لِلْمُصْطَفَى وَأَمْرِهِ أَنْ يَأْمُرَهَا بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا وَقَفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَفَعَهُ الزُّهْرِيُّ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَكَانَتْ عَارِكًا - أَيْ نُفَسَاءَ - أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تُهِلَّ بِالْحَجِّ» "، وَمَعْنَاهُ: أَمَرَهَا عَلَى لِسَانِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا فِي الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّشَبُّهِ مِنْ أَهْلِ التَّقْصِيرِ بِأَهْلِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ وَالِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِهِمْ طَمَعًا فِي دَرْكِ مَرَاتِبِهِمْ وَرَجَاءً لِمُشَارَكَتِهِمْ فِي نَيْلِ الْمَثُوبَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اغْتِسَالَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قَبْلَ أَوَانِ الطُّهْرِ لَا يُطَهِّرُهُمَا وَلَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ حُكْمِ الْحَدَثِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِفَضِيلَةِ الْمَكَانِ وَالْوَقْتِ، وَمِنْ هَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسْلَمِيِّينَ أَنْ يُمْسِكُوا بَقِيَّةَ نَهَارِ عَاشُورَاءٍ عَنِ الطَّعَامِ، وَكَذَا الْقَادِمُ فِي بَعْضِ نَهَارِ الصَّوْمِ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ نَهَارِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَعَادِمُ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَالْمَصْلُوبُ عَلَى خَشَبَةٍ وَالْمَحْبُوسُ فِي الْحُشِّ وَالْمَكَانِ الْقَذِرِ يُصَلُّونَ عَلَى حَسَبِ الطَّاقَةِ عِنْدَ بَعْضٍ، وَهَذَا بَابٌ غَرِيبٌ مِنَ الْعِلْمِ. قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ فِي اغْتِسَالِهِمَا التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكَمَالِ وَهُنَّ الطَّاهِرَاتُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ لِشُمُولِ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ الْغَسْلُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ التَّنْظِيفُ وَقَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ لِدَفْعِ أَذَاهَا عَنِ النَّاسِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ وَبِذَلِكَ عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً أَوْ عَجَزَ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ تَيَمَّمَ كَمَا فِي الْأُمِّ، إِذْ لَا تَنْظِيفَ فِي التُّرَابِ لِأَنَّ التَّنْظِيفَ هُوَ أَصْلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ لِلْإِحْرَامِ، فَلَا يُنَافِي قِيَامُ التُّرَابِ مَقَامَهُ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ، فَأَوْلَى الْمَسْنُونُ وَبَعْدَ اسْتِمْرَارِ الْحُكْمِ قَدْ لَا تُوجَدُ عِلَّتُهُ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ. الحديث: 710 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِدُخُولِهِ مَكَّةَ وَلِوُقُوفِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ   711 - 705 الحديث: 711 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِدُخُولِهِ مَكَّةَ) ، وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ: «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَيِ ابْنُ عُمَرَ ذَا طُوًى بَاتَ بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ اغْتَسَلَ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، (وَلِوُقُوفِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 [بَاب غُسْلِ الْمُحْرِمِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ «يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ» وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ قَالَ فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ اصْبُبْ فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ   2 - بَابُ غُسْلِ الْمُحْرِمِ 712 - 706 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَى عُمَرَ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ الْأُولَى، الْهَاشِمِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ أَبِي إِسْحَاقَ، مَاتَ بَعْدَ الْمِائَةِ، (عَنْ أَبِيهِ) مَوْلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْمَدَنِيِّ، مَاتَ فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَدْخَلَ يَحْيَى بْنُ زَيْدٍ وَإِبْرَاهِيمُ نَافِعًا وَهُوَ خَطَأٌ - لَا شَكَّ فِيهِ - مِمَّا يُحْفَظُ مِنْ خَطَأِ يَحْيَى وَغَلَطِهِ فِي الْمُوَطَّأِ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ مِنْ رُوَاتِهِ وَقَدْ طَرَحَهُ ابْنُ وَضَّاحٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ، (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ الْوَاوِ، (ابْنَ مَخْرَمَةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، ابْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِيِّ لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، (اخْتَلَفَا) وَهُمَا نَازِلَانِ (بِالْأَبْوَاءِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ، جَبَلٌ قُرْبَ مَكَّةَ وَعِنْدَهُ بَلْدَةٌ تُنْسَبُ إِلَيْهِ، قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوَبَائِهِ، وَهُوَ عَلَى الْقَلْبِ وَإِلَّا لَقِيلَ الْأَوْبَاءُ، وَقِيلَ: لِأَنَّ السُّيُولَ تَتَبَوَّؤُهُ أَيْ تَحُلُّهُ. (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ) بْنُ عَبَّاسٍ (يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأَسَهُ، وَقَالَ الْمِسْوَرَ بْنُ مَخْرَمَةَ: لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ) ، قَالَ الْأَبِيُّ: الظَّنُّ بِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ إِلَّا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَنَدٌ، قَالَ عِيَاضٌ: وَدَلَّ كَلَامُهُمَا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي تَحْرِيكِ الشَّعْرِ إِذْ لَا خِلَافَ فِي غَسْلِ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ، فَخَافَ الْمِسْوَرُ أَنْ يَكُونَ فِي تَحْرِيكِهِ بِالْيَدِ قَتْلُ بَعْضِ دَوَابٍّ أَوْ طَرْحُهَا، وَعَلِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ عِلْمُ ذَلِكَ. (قَالَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ (فَأَرْسَلَنِي الحديث: 712 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ) خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ (الْأَنْصَارِيِّ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ) بِفَتْحِ الْقَافِ تَثْنِيَةُ قَرْنٍ، وَهُمَا الْخَشَبَتَانِ الْقَائِمَتَانِ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ وَشِبْهُهُمَا مِنَ الْبِنَاءِ وَيُمَدُّ بَيْنَهُمَا خَشَبَةٌ يُجَرُّ عَلَيْهَا الْحَبْلُ الْمُسْتَقَى بِهِ وَيُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْبَكَرَةُ، وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: هُمَا مَنَارَتَانِ تُبْنَيَانِ مِنْ حِجَارَةٍ أَوْ مَدَرٍ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ مِنْ جَانِبَيْهَا فَإِنْ كَانَتَا مِنْ خَشَبٍ فَهُمَا نُوقَانِ، (وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ) فَفِيهِ التَّسَتُّرُ فِي الْغُسْلِ، (فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ) ، قَالَ عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا: فِيهِ جَوَازُ السَّلَامِ عَلَى الْمُتَطَهِّرِ فِي حَالِ طَهَارَتِهِ بِخِلَافِ مَنْ هُوَ عَلَى الْحَدَثِ، وَتَعَقَّبَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدْ لِقَوْلِهِ: (فَقَالَ: مَنْ هَذَا) بِفَاءِ التَّعْقِيبِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ سَلَامِهِ وَبَيْنَهَا بِشَيْءٍ فَيَدُلُّ عَلَى عَكْسِ مَا اسْتُدِلَّ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَدَّ السَّلَامَ وَتَرْكَ ذِكْرَهُ لِوُضُوحِهِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلِ وُقُوعِهِ، وَأَمَّا الْفَاءُ فَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [الشعراء: 63] (سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: الْآيَةُ 63) أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ، فَالِانْفِلَاقُ مُعْقِبٌ لِلضَّرْبِ لَا لِلْأَمْرِ بِالضَّرْبِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْآيَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ هُنَا أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى الْمُسِيءِ صِلَاتَهُ فِي أَكْثَرِ الطُّرُقِ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ، قُلْتُ: لَمَّا لَمْ يُصَرِّحُ بِذِكْرِ رَدِّ السَّلَامِ احْتُمِلَ الرَّدُّ وَعَدَمُهُ فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ لِلْجَانِبَيْنِ، انْتَهَى وَفِيهِ وَقْفَةٌ. (فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُكَ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَسْأَلُكَ (كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمُ غَسْلِ رَأْسِ الْمُحْرِمِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْبَأَهُ أَبُو أَيُّوبَ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَنِ الصَّحَابَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: كَيْفَ كَانَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ؟ وَلَمْ يَقُلْ: هَلْ كَانَ يَغْسِلُ؟ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِأَصْلِ الْغَسْلِ، فَإِنَّ السُّؤَالَ عَنْ كَيْفِيَّةِ الشَّيْءِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَصْلِهِ، وَأَنَّ غَسْلَ الْبَدَنِ كَانَ عِنْدَهُ مُتَقَرِّرُ الْجَوَازِ إِذْ لَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ وَإِنَّمَا سَأَلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ غَسْلِ الرَّأْسِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ، إِذِ الشَّعَرُ عَلَيْهِ وَتَحْرِيكُ الْيَدِ يُخَافُ مِنْهُ نَتْفُ الشَّعَرِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النِّزَاعَ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا وَقَعَ فِي غَسْلِ الرَّأْسِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: لَمْ يَقُلْ: هَلْ كَانَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ لِيُوَافِقَ اخْتِلَافَهُمَا بَلْ سَأَلَ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمَّا رَآهُ يَغْتَسِلُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَهِمَ مِنْ ذَلِكَ الْجَوَابَ، ثُمَّ أَحَبَّ أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَّا بِفَائِدَةٍ أُخْرَى فَسَأَلَهُ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ. (قَالَ: فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ) أَيْ خَفَضَ الثَّوْبَ وَأَزَالَهُ عَنْ رَأْسِهِ، (حَتَّى بَدَا) بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ ظَهَرَ (لِي رَأْسُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ) لَمْ يُسَمَّ، (يَصُبُّ عَلَيْهِ) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ: الْمَاءَ، (اصْبُبْ فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ حَرَّكَ) أَبُو أَيُّوبَ (رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ) بِالتَّثْنِيَةِ، (فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ) فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى نَتْفِ الشَّعْرِ، وَالْبَيَانُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْقَوْلِ. (ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ) ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: فَأَمَرَّ أَبُو أَيُّوبَ بِيَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ جَمِيعًا عَلَى جَمِيعِ رَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ. وَزَادَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمَا فَأَخْبَرْتُهُمَا، فَقَالَ الْمِسْوَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لَا أُمَارِيكَ أَبَدًا أَيْ لَا أُجَادِلُكَ، وَفِيهِ رُجُوعُ الْمُخْتَلِفَيْنِ إِلَى مَنْ يَظُنَّانِ أَنَّ عِنْدَهُ عِلْمَ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ، وَقَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرْسَلَ ابْنَ حُنَيْنٍ لِيَسْأَلَ أَبَا أَيُّوبَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ قَبُولُ خَبَرِ أَبِي أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَبُولُ خَبَرِ ابْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، وَالرُّجُوعُ إِلَى النَّصِّ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ، وَتَرْكُ الِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ عِنْدَ النَّصِّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ إِذَا اخْتَلَفُوا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا حُجَّةٌ عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَأَنَّ حَدِيثَ: " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ " مَحَلُّهُ فِي النَّقْلِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ أَهْلُ النَّظَرِ كَالْمُزْنِيِّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عَدْلٌ رَضِيٌّ لَا فِي الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ وَإِلَّا لَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِلْمَسْوَرِ: أَنْتَ نَجْمٌ وَأَنَا نَجْمٌ فَبِأَيِّنَا اقْتُدِيَ اهْتُدِيَ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى طَلَبِ الْبُرْهَانِ مِنَ السُّنَّةِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ، وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ الصَّحَابَةِ إِذَا اخْتَلَفُوا، وَفِيهِ الِاسْتِعَانَةُ فِي الطِّهَارَةِ لِقَوْلِهِ اصْبُبْ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالْأَوْلَى تَرْكُهَا إِلَّا لِحَاجَةٍ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَرَدَ فِي الِاسْتِعَانَةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ، وَفِي تَرْكِهَا شَيْءٌ لَا يُقَابِلُهَا فِي الصِّحَّةِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِيَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ وَهُوَ يَصُبُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَاءً وَهُوَ يَغْتَسِلُ اصْبُبْ عَلَى رَأْسِي فَقَالَ يَعْلَى أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَهَا بِي إِنْ أَمَرْتَنِي صَبَبْتُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اصْبُبْ فَلَنْ يَزِيدَهُ الْمَاءُ إِلَّا شَعَثًا   713 - 707 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ) الْمَكِّيِّ، (عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَسْلَمَ الْقُرَشِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَكِّيِّ، فَقِيهٌ ثِقَةٌ فَاضِلٌ لَكِنَّهُ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِيَعْلَى ابْنِ مُنْيَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ، وَهِيَ أُمُّهُ، وَاسْمُ أَبِيهِ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ هَمَّامٍ التَّمِيمِيُّ حَلِيفُ قُرَيْشٍ صَحَابِيٌّ، مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ، (وَهُوَ يَصُبُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَاءً وَهُوَ يَغْتَسِلُ) وَهُوَ مُحْرِمٌ الحديث: 713 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 (اصْبُبْ عَلَى رَأْسِي، فَقَالَ يَعْلَى: أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَهَا بِي) ، قَالَ الْبَوْنِيُّ: أَيْ تَجْعَلَنِي أُفْتِيكَ وَتُنَحِّي الْفُتْيَا عَنْ نَفْسِكَ إِنْ كَانَ فِي هَذَا شَيْءٌ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَعْنَاهُ إِنَّمَا أَفْعَلُهُ طَوْعًا لَكَ لِفَضْلِكَ وَأَمَانَتِكَ وَلَا أَرَى لِي فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَيِ الْفِدْيَةَ إِنْ مَاتَ شَيْءٌ مِنْ دَوَابِّ رَأْسِكَ أَوْ زَالَ شَيْءٌ مِنَ الشَّعَرِ لَزِمَتْنِي الْفِدْيَةُ فَإِنْ أَمَرْتَنِي كَانَتْ عَلَيْكَ، (إِنْ أَمَرْتَنِي صَبَبْتُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اصْبُبْ فَلَنْ يَزِيدَهُ الْمَاءُ إِلَّا شَعَثًا) لِأَنَّ الْمَاءَ يُلَبِّدُ الشَّعَرَ وَيَدْخُلُهُ مَعَ ذَلِكَ الْغُبَارُ، فَأَخْبَرَهُ عُمَرُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى الْفَاعِلِ وَلَا عَلَى الْآمِرِ بِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غُسْلَهُ لَمْ يَكُنْ لِجَنَابَةٍ، إِذِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا كَانَ جُنُبًا أَوِ الْمَرْأَةَ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَطَهُرَتْ يَغْسِلُ رَأْسَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي غُسْلِ الْمُحْرِمِ تَبَرُّدًا أَوْ غَسْلِ رَأْسِهِ فَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ بِلَا كَرَاهَةٍ كَمَا قَالَ عُمَرُ: لَا يَزِيدُهُ الْمَاءُ إِلَّا شَعَثًا. قَالَ عِيَاضٌ: وَتُئُوِّلَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ وَتُئُوِّلَ عَلَيْهِ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا وَقَدْ كَرِهَ غَمْرَ الْمُحْرِمِ رَأَسَهُ فِي الْمَاءِ، وَعُلِّلَتِ الْكَرَاهَةُ بِأَنَّهُ فِي تَحْرِيكِ يَدِهِ عَلَيْهِ فِي غَسْلِهِ أَوْ فِي غَمْسِهِ قَدْ يَقْتُلُ بَعْضَ الدَّوَابِّ أَوْ يُسْقِطُ بَعْضَ الشَّعَرِ، وَقِيلَ: لَعَلَّهُ رَآهُ مِنْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَكَرِهَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ غَسْلَ الرَّأْسِ بِالْخَطْمِيِّ وَالسِّدْرِ، وَأَوْجَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ الْفِدْيَةَ، وَأَجَازَهُ بَعْضُ السَّلَفِ إِذَا كَانَ مُلَبَّدًا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَنْتِفِ الشَّعَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بَاتَ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ حَتَّى يُصْبِحَ ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ وَلَا يَدْخُلُ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا حَتَّى يَغْتَسِلَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ إِذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بِذِي طُوًى وَيَأْمُرُ مَنْ مَعَهُ فَيَغْتَسِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا   714 - 708 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَنَا) قَرُبَ (مِنْ مَكَّةَ بَاتَ بِذِي طَوًى) مُثَلَّثُ الطَّاءِ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ، مَقْصُورٌ، مُنَوَّنٌ وَقَدْ لَا يُنَوَّنُ، وَادٍ بِقُرْبِ مَكَّةَ يُعْرَفُ الْيَوْمَ بِبِئْرِ الزَّاهِدِ (بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ حَتَّى يُصْبِحَ) أَيْ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّبَاحِ (ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ) ، وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ: فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ اغْتَسَلَ وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا أَيِ الْمَذْكُورَ مِنَ الْبَيَاتِ وَالصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ. (ثُمَّ يَدْخُلُ) مَكَّةَ (مِنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ) الَّتِي يُنْزَلُ مِنْهَا إِلَى الْمُعَلَّى وَمَقَابِرِ مَكَّةَ بِجَنْبِ الْمُحَصَّبِ، وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: الْحَجُونُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ، وَكَانَتْ صَعْبَةَ الْمُرْتَقَى فَسَهَّلَهَا مُعَاوِيَةُ ثُمَّ عَبْدُ الْمَلِكِ ثُمَّ الْمَهْدِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَزْرَقَيُّ، ثُمَّ سُهِّلَ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَمَانِمِائَةٍ مَوْضِعٌ ثُمَّ سُهِّلَتْ الحديث: 714 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 كُلُّهَا فِي زَمَنِ سُلْطَانِ مِصْرَ الْمَلِكِ الْمُؤَيَّدِ فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ، وَكُلُّ عَقَبَةٍ فِي جَبَلٍ أَوْ طَرِيقٍ تُسَمَّى ثَنِيَّةً بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالنُّونِ وَالتَّحْتِيَّةِ الثَّقِيلَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، وَابْنُ عُمَرَ اقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِالْمُصْطَفَى. فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» "، قَالَ الْحَافِظُ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَا رَأَيْتُهُ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، وَقَدْ عَزَّ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيِّ اسْتِخْرَاجُهُ فَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ نَاجِيَةَ عَنِ الْبُخَارِيِّ مِثْلَهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخْلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» "، وَكَدَاءٌ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَمْدُودٌ مُنَوَّنٌ، وَقِيلَ: لَا يُصْرَفُ عَلَى إِرَادَةِ الْبُقْعَةِ لِلْعَلَمَيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ، (وَلَا يَدْخُلُ) مَكَّةَ ( «إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا حَتَّى يَغْتَسِلَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ إِذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بِذِي طُوًى» ) اقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَانَ مِنْ أتْبَعِ النَّاسِ لَهُ، (وَيَأْمُرُ مَنْ مَعَهُ فَيَغْتَسِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا) تَحْصِيلًا لِلْمُسْتَحَبِّ، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لِغَيْرِ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ لِأَنَّهُ لِلطَّوَافِ، وَهُمَا لَا يَدْخُلَانِ الْمَسْجِدَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «وَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» "، وَيَغْتَسِلَانِ لِلْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ إِلَّا مِنْ الْاحْتِلَامِ قَالَ مَالِكٌ سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَا بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ الرَّجُلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِالْغَسُولِ بَعْدَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ قَتْلُ الْقَمْلِ وَحَلْقُ الشَّعْرِ وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ وَلُبْسُ الثِّيَاب   715 - 709 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ «كَانَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ إِلَّا مِنَ الِاحْتِلَامِ» ) ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ غُسْلَهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ كَانَ لِجَسَدِهِ دُونَ رَأْسِهِ قَالَهُ الْحَافِظُ. (قَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ الرَّجُلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِالْغَسُولِ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بِوَزْنِ صَبُورٍ، وَهُوَ كَالْغِسْلِ بِالْكَسْرِ مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ سِدْرِ وَخَطْمِيٍّ وَنَحْوِهِمَا، (بَعْدَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) يَوْمَ النَّحْرِ (فَقَدْ حَلَّ لَهُ قَتْلُ الْقَمْلِ وَحَلْقُ الشَّعْرِ وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ) بِفَوْقِيَّةٍ فَفَاءٍ فَمُثَلَّثَةٍ الْوَسَخِ، (وَلُبْسُ الثِّيَابِ) الحديث: 715 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ سِوَى النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَكُرِهَ الطِّيبُ حَتَّى يَطُوفَ لِلْإِفَاضَةِ فَيَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 [بَاب مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ» قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا ذُكِرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا وَلَا أَرَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ سَرَاوِيلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ السَّرَاوِيلَاتِ فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِيهَا كَمَا اسْتَثْنَى فِي الْخُفَّيْنِ   3 - بَابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْإِحْرَامُ الدُّخُولُ فِي أَحَدِ النُّسُكَيْنِ وَالتَّشَاغُلُ بِأَعْمَالِهِمَا، وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَسْتَشْكِلُ مَعْرِفَةَ حَقِيقَةِ الْإِحْرَامِ وَيَبْحَثُ فِيهِ كَثِيرًا، وَإِذَا قِيلَ إِنَّهُ النِّيَّةُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الْحَجِّ الَّذِي الْإِحْرَامُ رُكْنُهُ، وَشَرْطُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ، وَيَعْتَرِضُ عَلَى أَنَّهُ التَّلْبِيَةُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَالْإِحْرَامُ هُنَا رُكْنٌ، وَكَانَ يُحْرِمُ عَلَى تَعْيِينِ فِعْلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ النِّيَّةُ فِي الِابْتِدَاءِ انْتَهَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَحْرَمَ بِمَعْنَى دَخَلَ فِي الْحُرْمَةِ أَيْ أَدْخَلَ نَفْسَهُ وَصَيَّرَهَا مُتَلَبِّسَةً بِالسَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي عِبَادَةِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةُ أَوْ هُمَا مَعًا، فَحَرُمَ عَلَيْهِ الْأَنْوَاعُ السَّبْعَةُ: لُبْسُ الْمَخِيطِ، وَالطِّيبُ، وَدَهْنُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، وَإِزَالَةُ الشَّعَرِ وَالظُّفُرِ، وَالْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ، وَالصَّيْدُ، فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ النِّيَّةَ مُغَايِرَةٌ لَهُ لِشُمُولِهَا لَهُ وَلِغَيْرِهِ لِأَنَّهَا قَصْدُ فِعْلِ الشَّيْءِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ، فَأَرْكَانُ الْحَجِّ مَثَلًا: الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ وَالسَّعْيُ، وَالنِّيَّةُ: فِعْلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَبِهَذَا يَزُولُ الْإِشْكَالُ، وَكَانَ الَّذِي كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ. 716 - 710 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا) ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ، (سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟) وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ: " مَا نَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا أَحْرَمْنَا؟ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ السُّؤَالَ كَانَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ. وَحَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَاللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَنْهُمَا، نَعَمْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَادَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ بِذَلِكَ الْمَكَانِ، وَأَشَارَ نَافِعٌ إِلَى مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَظَهَرَ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ. وَلِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بِذَلِكَ فِي عَرَفَاتٍ» فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ابْتَدَأَ بِهِ فِي الْخُطْبَةِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَجَابَ بِهِ السَّائِلَ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ» ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْمِيمِ جَمْعُ قَمِيصٍ، وَفِي رِوَايَةِ الحديث: 716 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 التِّنِّيسِيِّ: لَا يَلْبَسُ بِالرَّفْعِ عَلَى الْأَشْهَرِ خَبَرٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ إِذْ هُوَ جَوَابُ السُّؤَالِ أَوْ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَبِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ وَكُسِرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. (وَلَا الْعَمَائِمَ) جَمْعُ عِمَامَةٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَعُمُّ جَمِيعَ الرَّأْسِ، (وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ) جَمْعُ سِرْوَالٍ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَالسَّرَاوِينُ بِالنُّونِ لُغَةٌ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لُغَةٌ أَيْضًا. (وَلَا الْبَرَانِسَ) جَمْعُ بُرْنُسٍ بِضَمِّ النُّونِ، قَالَ الْمَجْدُ: قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ، دُرَّاعَةٌ كَانَ أَوْ جُبَّةٌ. (وَلَا الْخِفَافَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، جَمْعُ خُفٍّ، فَنَبَّهَ بِالْقَمِيصِ عَلَى كُلِّ مَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْمَخِيطُ، وَالْمَخِيطُ الْمَعْمُولُ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ، وَبِالسَّرَاوِيلِ عَلَى الْمَخِيطِ الْمَعْمُولِ عَلَى قَدْرِ عُضْوٍ مِنْهُ كَالتُّبَّانِ وَالْقُفَّازِ وَغَيْرِهِمَا، وَبِالْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِسِ عَلَى كُلِّ مَا يُغَطِّي الرَّأْسَ مَخِيطًا أَوْ غَيْرَهُ، وَبِالْخِفَافِ عَلَى كُلِّ مَا يَسْتُرُ الرِّجْلَ مِنْ مَدَاسٍ وَجَوْرَبٍ وَغَيْرِهِمَا. وَالْمُرَادُ بِتَحْرِيمِ الْمَخِيطِ مَا يُلْبَسُ عَلَى الْوَضْعِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْبَدَنِ، فَلَوِ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ مَثَلًا فَلَا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: ذَكَرَ الْعِمَامَةَ وَالْبُرْنُسَ مَعًا لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ لَا بِالْمُعْتَادِ وَلَا بِالنَّادِرِ وَمِنْهُ الْمِكْتَلُ يَحْمِلُهُ عَلَى رَأْسِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: إِنْ أَرَادَ لَبِسَهُ كَالْقُبَّعِ صَحَّ مَا قَالَ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ وَضْعِهِ عَلَى رَأْسِهِ عَلَى هَيْئَةِ الْحَامِلِ لَهُ لَا يَضُرُّ فِي مَذْهَبِهِ كَالِانْغِمَاسِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَابِسًا، وَكَذَا سَتْرُ الرَّأْسِ بِالْيَدِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى اخْتِصَاصِ النَّهْيِ بِالرَّجُلِ، فَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. فَإِنْ قِيلَ: السُّؤَالُ وَقَعَ عَمَّا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَالْجَوَابُ وَقَعَ عَمَّا لَا يَجُوزُ فَمَا حِكْمَتُهُ؟ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ: بِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ وَجَزْلِهِ لِأَنَّ مَا لَا يُلْبَسُ مُنْحَصِرٌ فَصَرَّحَ بِهِ، وَأَمَّا الْجَائِزُ فَغَيْرُ مُنْحَصِرٍ فَقَالَ: لَا يُلْبَسُ كَذَا أَيْ يُلْبَسُ مَا سِوَاهُ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَجَابَ بِمَا لَا يُلْبَسُ لِيَدُلَّ بِالِالْتِزَامِ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنِ الْجَوَابِ لِأَنَّهُ أَحْصَرُ وَأَخْصَرُ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حَقَّ السُّؤَالِ أَنْ يَكُونَ عَمَّا لَا يُلْبَسُ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْعَارِضَ فِي الْإِحْرَامِ الْمُحْتَاجَ لِبَيَانِهِ، إِذِ الْجَوَازُ ثَابِتٌ بِالْأَصْلِ الْمَعْلُومِ بِالِاسْتِصْحَابِ فَكَانَ اللَّائِقُ السُّؤَالُ عَمَّا لَا يُلْبَسُ، قَالَ: وَهَذَا يُشْبِهُ أُسْلُوبَ الْحَكِيمِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: 215] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 215) الْآيَةَ، فَعَدَلَ عَنْ جِنْسِ الْمُنْفَقِ وَهُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ إِلَى جِنْسِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجَوَابِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ كَيْفَ كَانَ وَلَوْ بِتَغْيِيرٍ أَوْ زِيَادَةٍ وَلَا تُشْتَرَطُ الْمُطَابَقَةُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْ نَافِعٍ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: " «مَا يَتْرُكُ الْمُحْرِمُ» وَهِيَ شَاذَّةٌ وَالِاخْتِلَافُ فِيهَا عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ لَا عَلَى نَافِعٍ. وَرَوَاهُ سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ» ؟ "، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو عُوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ نَافِعٍ، فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ مَرَّةً مَا يَتْرُكُ وَمَرَّةً مَا يَلْبَسُ، وَأَخْرَجَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ نَافِعٍ، فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ يُشْعِرُ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى فَاسْتَقَامَتْ رِوَايَةُ نَافِعٍ لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاتَّجَهَ الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ وَطَعَنَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، بِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِمَا يَحْصُرُ أَنْوَاعَ مَا يُلْبَسُ كَأَنْ يُقَالَ مَا لَيْسَ بِمَخِيطٍ، وَلَا عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ كَالْقَمِيصِ أَوْ بَعْضِهِ كَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفِّ وَلَا يَسْتُرُ الرَّأْسَ أَصْلًا وَلَا يُلْبَسُ مَا مَسُّهُ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ (إِلَّا أَحَدًا) بِالنَّصْبِ عَرَبِيٌّ جَيِّدٌ، وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بَعْدَ النَّفْيِ وَشِبْهِهِ (لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ) زَادَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ زِيَادَةً حَسَنَةً تُفِيدُ ارْتِبَاطَ ذِكْرِ النَّعْلَيْنِ بِمَا سَبَقَ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ (فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ) ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ لَكِنَّهُ لَمَّا شُرِعَ لِلتَّسْهِيلِ لَمْ يُنَاسِبِ التَّثْقِيلَ وَإِنَّمَا هُوَ لِلرُّخْصَةِ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ أَحَدٍ فِي الْإِثْبَاتِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِضَرُورَةِ الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ: وَقَدْ ظَهَرْتَ فَلَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ... إِلَّا عَلَى أَحَدٍ لَا يَعْرِفُ الْقَمَرَا قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ أَحَدًا لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِثْبَاتِ إِلَّا أَنْ يَعْقُبَهُ النَّفْيُ وَكَانَ الْإِثْبَاتُ حِينَئِذٍ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَنَظِيرُ هَذَا زِيَادَةُ الْبَاءِ فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ فِي النَّفْيِ، وَقَدْ زِيدَتْ فِي الْإِثْبَاتِ الَّذِي هُوَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الأحقاف: 33] (سُورَةُ الْأَحْقَافِ: الْآيَةُ 33) ، ( «وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» ) وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ، وَفِيهِ أَنَّ وَاجِدَ النَّعْلَيْنِ لَا يَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنْ صَارَا كَالنَّعْلَيْنِ جَازَ وَإِلَّا فَمَتَى سَتَرَا مِنْ ظَاهِرِ الرِّجْلِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ إِلَّا لِلْفَاقِدِ، وَهُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ لِفَقْدِهِ أَوْ تَرْكِ بَذْلِ الْمَالِكِ لَهُ أَوْ عَجْزِهِ عَنِ الثَّمَنِ إِنْ وُجِدَ مَعَهُ، أَوْ عَنِ الْأُجْرَةِ وَلَوْ بِيعَ بِغَبْنٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ، أَوْ وُهِبَ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ إِلَّا إِنْ أُعِيرَ لَهُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ لَبِسَهُمَا إِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: تَجِبُ كَمَا إِذَا احْتَاجَ لِحَلْقِ رَأْسِهِ يَحْلِقُ وَيَفْتَدِي، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ، وَأَيْضًا لَوْ وَجَبَتْ فَدِيَةٌ لَمْ يَكُنْ لِلْقَطْعِ فَائِدَةٌ لِأَنَّهَا تَجِبُ إِذَا لَبِسَهُمَا بِلَا قَطْعٍ فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعَ وُجُودِ نَعْلَيْنِ افْتَدَى عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا فِدْيَةَ، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ قَطْعَهُمَا شَرْطٌ فِي جَوَازِ لُبْسِهِمَا خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ فِي إِجَازَةِ لُبْسِهِمَا بِلَا قَطْعٍ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ: " «وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ» "، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يُوَافِقُ عَلَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيِّدِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِهِ هُنَا فَإِنَّ حَمْلَهُ عَلَيْهِ جَيِّدٌ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَذَلِكَ زِيَادَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 عَلَى الصُّوَرِ الْمُطْلَقَةِ، فَلَوْ عَمِلَ بِالْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَلْغَى الْأَمْرَ وَذَلِكَ لَا يَسُوغُ، وَزَعَمَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ نَسْخَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ - وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَيْنِ -: انْظُرُوا أَيُّهُمَا قَبْلُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ قَالَ: حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ قَبْلُ لِأَنَّهُ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَرَفَاتٍ. وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا فِي الْأُمِّ فَقَالَ: كِلَاهُمَا صَادِقٌ حَافِظٌ، وَزِيَادَةُ ابْنِ عُمَرَ لَا تُخَالِفُ ابْنَ عَبَّاسٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ عَزَبَتْ عَنْهُ أَوْ شَكَّ أَوْ قَالَهَا فَلَمْ يَنْقُلْهَا عَنْهُ بَعْضُ رُوَاتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُوَافَقَتَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: " «وَإِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلِيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» " وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَبَعْضُهُمْ سَلَكَ التَّرْجِيحَ فَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي رَفْعِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ فَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فِي رَفْعِ الْأَمْرِ بِالْقَطْعِ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ، عَلَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ مَوْقُوفًا، وَلَا يَرْتَابُ أَحَدٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ جَاءَ بِإِسْنَادٍ وُصِفَ بِأَنَّهُ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ نَافِعٌ وَسَالِمٌ، بِخِلَافِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَأْتِ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْهُ حَتَّى قَالَ الْأَصِيلِيُّ: إِنَّهُ شَيْخٌ بَصْرِيٌّ لَا يُعْرَفُ مَعَ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ مَوْصُوفٌ بِالْفِقْهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَلَّ بِقَوْلِ عَطَاءٍ: الْقَطْعُ فَسَادٌ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْفَسَادَ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ لَا فِيمَا أَذِنَ فِيهِ، وَحَمْلُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْأَمْرَ بِالْقَطْعِ عَلَى الْإِبَاحَةِ لَا عَلَى الِاشْتِرَاطِ عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ لَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ، (وَلَا تَلْبَسُوا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ (مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ) بِالتَّعْرِيفِ، وَلِيَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ " زَعْفَرَانٌ " بِالتَّنْكِيرِ مُنَوَّنٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَلِفٌ وَنُونٌ فَقَطْ، وَهُوَ لَا يُمْنَعُ الصَّرْفَ. (وَلَا الْوَرْسُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ، نَبْتٌ أَصْفَرُ طَيِّبُ الرِّيحِ يُصْبَغُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَ الْوَرْسُ بِطِيبٍ، وَلَكِنَّهُ نَبَّهَ بِهِ عَلَى اجْتِنَابِ الطِّيبِ وَمَا يُشْبِهُهُ فِي مُلَايَمَةِ الشَّمِّ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَحْرِيمُ أَنْوَاعِ الطِّيبِ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّطَيُّبُ، وَهَذَا الْحُكْمُ شَامِلٌ لِلنِّسَاءِ، قِيلَ: فَعَدَلَ عَمَّا تَقَدَّمَ إِشَارَةً إِلَى اشْتِرَاكِهِمَا وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ نُكْتَةَ الْعُدُولِ أَنَّ الَّذِي يُخَالِطُهُ الزَّعْفَرَانُ وَالْوَرْسُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ أَوْ لَا يَلْبَسُهُ قَالَهُ الْحَافِظُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ النُّكْتَتَيْنِ. وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: نَبَّهَ بِهِمَا عَلَى مَا هُوَ أَطْيَبُ رَائِحَةً مِنْهُمَا كَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَنَحْوِهِمَا، وَإِذَا حَرُمَ فِي الثَّوْبِ فَفِي الْبَدَنِ أَوْلَى، وَفِي مَعْنَاهُ تَحْرِيمُهُ فِي الْمَأْكُولِ لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ تَطْيِيبَ طَعَامِهِمْ كَمَا يَقْصِدُونَ تَطْيِيبَ لِبَاسِهِمْ، وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا فِيمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 يُقْصَدُ لِلتَّطَيُّبِ بِهِ، أَمَّا الْفَوَاكِهُ كَالْأُتْرُجِّ وَالتُّفَّاحِ وَأَزْهَارِ الْبَرِّ كَالشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ وَنَحْوِهِمَا فَلَيْسَ بِحَرَامٍ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ لِلتَّطَيُّبِ انْتَهَى. لَكِنْ فِي حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ فِي الْمَأْكُولِ الْمُطَيَّبِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يَحْرُمُ لِأَنَّ الْوَارِدَ اللُّبْسُ وَالتَّطَيُّبُ وَالْأَكْلُ لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالْحِكْمَةُ فِي مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنَ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ أَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجِمَاعِ وَلِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلْحَجِّ، فَإِنَّ الْحَاجَّ أَغْبَرُ، وَالْقَصْدُ عَنْ أَنْ يَبْعُدَ عَنِ التَّرَفُّهِ وَزِينَةِ الدُّنْيَا وَمَلَاذِّهَا وَيَنْجَمِعَ هَمُّهُ لِمَقَاصِدِ الْآخِرَةِ وَالِاتِّصَافِ بِصِفَةِ الْخَاشِعِ، وَلِيَتَذَكَّرَ الْقُدُومَ عَلَى رَبِّهِ فَيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى مُرَاقَبَتِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنِ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ، وَلِيَتَذَكَّرَ بِهِ الْمَوْتَ وَلُبْسَ الْأَكْفَانِ، وَيَتَذَكَّرَ الْبَعْثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً وَلِيَتَفَاءَلَ بِتَجَرُّدِهِ عَنْ ذُنُوبِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ، السِّتَّةُ عَنْ مَالِكٍ وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَهُمْ. (قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا ذُكِرَ) فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ) مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، ( «وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ» ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَا يَجِدُ الْإِزَارَ وَالْخُفُّ لِمَنْ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ» "، (فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا وَلَا أَرَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ سَرَاوِيلَ) عَلَى صِفَةِ لُبْسِهَا بِلَا فَتْقٍ (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (عَنْ لُبْسِ السَّرَاوِيلَاتِ فِيمَا نَهَى عَنْهُ مَنْ لُبِسَ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِيهَا كَمَا اسْتَثْنَى فِي الْخُفَّيْنِ) فَيُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ عَلَى مَا إِذَا فَتَقَهُ وَجَعَلَ مِنْهُ شِبْهَ إِزَارٍ فَيَجُوزُ كَمَا جَازَ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ أَوْ عَلَى حَالِهِ لِضَرُورَةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَلَكِنْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَوِ اضْطُرَّ إِلَى تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ فَيُغَطِّيهَا وَيَفْتَدِي جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَشَارَ إِلَيْهِمَا عِيَاضٌ، وَقَوْلُ الْخَطَّابِيِّ: الْأَصْلُ أَنَّ تَضْيِيعَ الْمَالِ حَرَامٌ، وَالرُّخْصَةُ جَاءَتْ فِي اللُّبْسِ، فَظَاهِرُهَا إِبَاحَةُ اللُّبْسِ الْمُعْتَادِ إِبَاحَةً لَا تَقْتَضِي غَرَامَةً، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ، فَإِذَا فَتَقَ السِّرْوَالَ وَاتَّزَرَ بِهِ لَمْ يَسْتُرْهَا وَالْخُفُّ لَا يُغَطِّي عَوْرَةً إِنَّمَا هُوَ لِبَاسُ رِفْقٍ وَزِينَةٍ فَلَا يَشْتَبِهَانِ فِيهِ نَظَرٌ، فَالْمَانِعُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ الَّذِي قَالَ بِهِ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَأَنَّهُ لَا فِدْيَةَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْهَا، وَزَعْمُهُ أَنَّهَا لَا تَسْتُرُ الْعَوْرَةَ إِنْ فُتِقَتْ وَاتَّزَرَ بِهَا مُكَابَرَةٌ، وَالْغَرَامَةُ لِلْمُحْرِمِ بِالْفِدْيَةِ مَعْهُودَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 كَثِيرًا وَتَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْفَتْقِ وَالِاتِّزَارِ وَبَيْنَ لُبْسِهَا كَمَا هِيَ وَالْفِدْيَةِ تَنْفِي ضَرَرَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 [بَاب لُبْسِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ فِي الْإِحْرَامِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ»   4 - بَابُ لُبْسِ الثِّيَابِ الْمَصَبَّغَةِ فِي الْإِحْرَامِ 717 - 711 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ) مَوْلَاهُ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) نَهْيَ تَحْرِيمٍ (أَنْ يَلْبَسَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ (الْمُحْرِمُ) رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً (ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ) نَبْتٌ أَصْفَرُ مِثْلُ نَبَاتِ السِّمْسِمِ طَيِّبُ الرِّيحِ يُصْبَغُ بِهِ بَيْنَ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ أَشْهَرُ طِيبٍ فِي بِلَادِ الْيَمَنِ (وَقَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَغُلُوِّهِ فَاحِشًا (فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ) بِالتَّنْكِيرِ وَلِيَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ الْخُفَّيْنِ (وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ) أَيْ إِنَّ قَطْعَهُمَا شَرْطٌ فِي جَوَازِ لُبْسِهِمَا خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ وَلَا فِدْيَةَ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَالْكَعْبَانِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: إِذَا اضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إِلَى الْخُفَّيْنِ خَرَقَ ظُهُورَهُمَا وَتَرَكَ فِيهِمَا قَدْرَ مَا يَسْتَمْسِكُ رَجْلَاهُ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ فِي كُلِّ قَدَمٍ كَعْبَيْنِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمَا هُنَا الْعَظْمُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لُغَةً وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ، لَكِنْ قَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: إِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى عَدَمِ الْإِحَاطَةِ عَلَى الْقَدَمِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْقَوْلُ بِهِ إِلَى مُخَالَفَةِ اللُّغَةِ، بَلْ يُوجَدُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ: " «فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» "، فَقَوْلُهُ " مَا أَسْفَلَ " بَدَلٌ مِنْ " الْخُفَّيْنِ " فَيَكُونُ اللُّبْسُ لَهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ وَالْقَطْعُ مِنْهُمَا فَمَا فَوْقُ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ (وَلِيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ) مَا يَدُلُّ عَلَى قَصْرِ الْقَطْعِ عَلَى مَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ، بَلْ يُرَادُ مَعَ الْأَسْفَلِ مَا يُخْرِجُ الْقَدَمَ عَنْ كَوْنِهِ مَسْتُورًا بِإِحَاطَةِ الْخُفِّ عَلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إِلَى مُخَالَفَةِ أَهْلِ اللُّغَةِ انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي اللِّبَاسِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ هُنَا عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 717 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ عُمَرُ مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ فَقَالَ طَلْحَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا هُوَ مَدَرٌ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمْ النَّاسُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ   718 - 712 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) حَبَشِيٌّ مِنَ الثِّقَاتِ الحديث: 718 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 الْمُخَضْرَمِينَ عَاشَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةِ سَنَةً، وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَيُقَالُ: بَعْدَ سَنَةِ سِتِّينَ، (يُحَدِّثُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) التَّيْمِيِّ أَحَدِ الْعَشَرَةِ (ثَوْبًا مَصْبُوغًا) بِغَيْرِ زَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ (وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا هُوَ مَدَرٌ) بِمِيمٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ مَغْرَةٌ، (فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي) يَأْتَمُّ (بِكُمُ النَّاسُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ: إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الْإِحْرَامِ، فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ) فَإِنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ جَاهِلٌ فَيَظُنُّ جَوَازَ لُبْسِ الْمُورَّسِ وَالْمُزَعْفَرِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْعُصْفُرَ طِيبٌ وَفِيهِ الْفِدْيَةُ قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَدْ أَجَازَ الْجُمْهُورُ لُبْسَ الْمُعَصْفَرِ لِلْمُحْرِمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَاتِ الْمُشَبَّعَاتِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ لَيْسَ فِيهَا زَعْفَرَانٌ قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ثَوْبٍ مَسَّهُ طِيبٌ ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ هَلْ يُحْرِمُ فِيهِ فَقَالَ نَعَمْ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صِبَاغٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ   719 - 713 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ) أُمِّهِ (أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَاتِ الْمُشَبَّعَاتِ) الَّتِي لَا يُنْفَضُ صَبْغُهَا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، فَإِذَا نُفِضَ كُرِهَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّ مَا يُنْفَضُ مِنْهُ يُشْبِهُ الطِّيبَ (وَهِيَ مُحْرِمَةٌ لَيْسَ فِيهَا زَعْفَرَانٌ) وَكَذَا جَاءَ عَنْ أُخْتِهَا. رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: " كَانَتْ عَائِشَةُ تَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَةَ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ثَوْبٍ مَسَّهُ طِيبٌ ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ هَلْ يُحْرَمُ فِيهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صِبَاغُ زَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ) فَيَحْرُمُ وَلَوْ ذَهَبَ رِيحُهُ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ» "، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيَّةُ إِذَا صَارَ بِحَيْثُ لَوْ بُلَّ لَمْ تَفُحْ مِنْهُ رَائِحَةٌ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ الحديث: 719 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الثِّيَابِ إِلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ الْجِلْدَ بِمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ تُلَطِّخُ، وَأَمَّا الْمَغْسُولُ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ أَيْضًا، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِذَا أَذْهَبَ الْغَسْلُ الرَّائِحَةَ جَازَ لِمَا رَوَاهُ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي حَدِيثِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ قَالَ فِيهِ: " «وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا» "، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْحِمَّانِيَّ ضَعِيفٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَإِنْ كَانَ مُتْقِنًا لَكِنْ فِي حَدِيثِهِ عَنْ غَيْرِ الْأَعْمَشِ مَقَالٌ، فَقَالَ أَحْمَدُ: أَبُو مُعَاوِيَةَ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ فِي عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَجِئْ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ غَيْرُهُ، وَتَابَعَ الْحِمَّانِيَّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ، وَفِيهِ مَقَالٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 [بَاب لُبْسِ الْمُحْرِمِ الْمِنْطَقَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ لُبْسَ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ   5 - بَابُ لُبْسِ الْمُحْرِمِ الْمِنْطَقَةَ 720 - 714 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ لُبْسَ الْمِنْطَقَةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، مَا يُشَدُّ بِهِ الْوَسَطُ، وَهُوَ اسْمٌ خَاصٌّ لِمَا يُسَمِّيهِ النَّاسُ الْحِيَاصَةَ، (لِلْمُحْرِمِ) وَرُوِيَ عَنْهُ الْجَوَازُ فَكَأَنَّهُ رَجَعَ عَنِ الْكَرَاهَةِ. الحديث: 720 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ فِي الْمِنْطَقَةِ يَلْبَسُهَا الْمُحْرِمُ تَحْتَ ثِيَابِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا جَعَلَ طَرَفَيْهَا جَمِيعًا سُيُورًا يَعْقِدُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ   721 - 715 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ فِي الْمِنْطَقَةِ يَلْبَسُهَا الْمُحْرِمُ تَحْتَ ثِيَابِهِ إِنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، (لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ (إِذَا جَعَلَ طَرَفَيْهَا جَمِيعًا سُيُورًا) جَمْعُ سَيْرٍ مِنَ الْجُلُودِ، (يَعْقِدُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ) أَيْ يُدْخِلُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَلَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَأَجَازُوا عَقْدَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ إِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ وَلَمْ يُنْقَلْ كَرَاهَتُهُ إِلَّا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْهُ جَوَازُهُ، وَمَنَعَ إِسْحَاقُ عَقْدَهُ وَكَذَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ. الحديث: 721 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 [بَاب تَخْمِيرِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي الْفُرَافِصَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ   6 - بَابُ تَخْمِيرِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ تَغْطِيَتُهُ. 722 - 716 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) بْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْفُرَافِصَةُ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ فَأَلِفٌ فَفَاءٌ فَصَادٌ مُهْمَلَةٌ (ابْنُ عُمَيْرٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (الْحَنَفِيُّ) الْيَمَانِيُّ الْمَدَنِيُّ، رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرِ، وَعَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاسِمُ وَيَحْيَى أَيْضًا الرَّاوِي عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ، (أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ، قَرْيَةٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ، (يُغَطِّي وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ) ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ الْآتِيَةِ بَعْدَ أَبْوَابٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بِالْعَرْجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ جَائِزًا، وَكَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عَوْفٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَسَعِيدٌ وَجَابِرٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَحْرُمُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَفِيهِ الْفِدْيَةُ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَأَنْكَرَ مَا يُخَالِفُهُ، وَلَا يَجُوزُ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ إِجْمَاعًا. الحديث: 722 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ فَلَا يُخَمِّرْهُ الْمُحْرِمُ   723 - 717 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَا فَوْقَ الذَّقَنِ) بِفَتْحِ الذَّالِ وَالْقَافِ مُجْتَمَعُ لَحْيَيِ الْإِنْسَانِ، (مِنَ الرَّأْسِ فَلَا يُخَمِّرْهُ) لَا يُغَطِّيهِ (الْمُحْرِمُ) ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ. الحديث: 723 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَفَّنَ ابْنَهُ وَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَاتَ بِالْجُحْفَةِ مُحْرِمًا وَخَمَّرَ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَقَالَ لَوْلَا أَنَّا حُرُمٌ لَطَيَّبْنَاهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ انْقَضَى الْعَمَلُ   724 - 718 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَفَّنَ ابْنَهُ وَاقِدَ) بِالْقَافِ (بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الحديث: 724 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 وَمَاتَ بِالْجُحْفَةِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، (مُحْرِمًا وَخَمَّرَ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ) غَطَّاهُمَا، (وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّا حُرُمٌ) بِضَمَّتَيْنِ مُحْرِمُونَ (لَطَيَّبْنَاهُ) بِالْحَنُوطِ وَنَحْوِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ) بِالتَّكَالِيفِ (مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَقَدِ انْقَضَى الْعَمَلُ) فَلَا يُمْتَنَعُ تَطْيِيبُ الْمَيِّتِ الْمُحْرِمِ وَلَا تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعُهُمَا، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا» " بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا لِأَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا، وَهَذَا الْأَمْرُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِهِ وُجُودُهُ فَيَكُونُ خَاصًّا بِذَلِكَ الرَّجُلِ، وَلَوِ اسْتَمَرَّ بَقَاؤُهُ عَلَى إِحْرَامِهِ لَأَمَرَ بِقَضَاءِ بَقِيَّةِ مَنَاسِكِهِ، وَلَوْ أُرِيدَ التَّحْرِيمُ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ لَقَالَ: فَإِنَّ الْمُحْرِمَ كَمَا قَالَ: «إِنَّ الشَّهِيدَ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا» ، وَجَوَابُ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ لِوَاحِدٍ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ ثَبَتَ لِغَيْرِهِ حَتَّى يَظْهَرَ التَّخْصِيصَ فِيهِ تَعَسُّفٌ، إِذِ التَّخْصِيصُ ظَاهِرٌ مِنَ التَّعْلِيلِ، وَالْعُدُولُ عَنْ أَنْ يَقُولَ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ سَلَّمْنَا عَدَمَ ظُهُورِهِ فَوَقَائِعُ الْعَيْنِ لَا عُمُومَ لَهَا لِمَا يَطْرُقُهَا مِنَ الِاحْتِمَالِ وَذَلِكَ كَافٍ فِي إِبْطَالِ الِاسْتِدْلَالِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ   725 - 719 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا تَنْتَقِبِ) بِفَوْقِيَّتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ قَافٌ مَكْسُورَةٌ، مَجْزُومٌ عَلَى النَّهْيِ فَتُكْسَرُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ خَبَرًا عَنِ الْحُكْمِ (الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ) أَيْ لَا تَلْبَسِ النِّقَابَ، وَهُوَ الْخِمَارُ الَّذِي تَشُدُّهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْأَنْفِ أَوْ تَحْتَ الْمَحَاجِرِ، وَإِنْ قَرُبَ مِنَ الْعَيْنِ حَتَّى لَا يَبْدُوَ أَجْفَانُهَا فَهُوَ الْوَصْوَاصُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْأَوْلَى، فَإِنْ نَزَلَ إِلَى طَرَفٍ الْأَنْفِ فَهُوَ اللِّفَافُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ، فَإِنْ نَزَلَ إِلَى الْفَمِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَرْنَبَةِ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ اللِّثَامُ بِالْمُثَلَّثَةِ. (وَلَا تَلْبَسِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ (الْقُفَّازَيْنِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَشَدِّ الْفَاءِ، تَثْنِيَةُ قُفَّازٍ بِوَزْنِ رُمَّانٍ، شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ يُحْشَى بِقُطْنٍ تَلْبَسُهُمَا الْمَرْأَةُ لِلْبَرْدِ أَوْ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فِي يَدَيْهَا فَتُغَطِّي أَصَابِعَهَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَ مُعَانَاةِ الشَّيْءِ فِي غَزْلٍ وَنَحْوِهِ، فَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا بِقُفَّازَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، بِأَحَدِهِمَا أَوْ بِغَيْرِهِمَا، وَهَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ مَوْقُوفًا وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ مَوْقُوفًا كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ فَجَعَلَهُ مِنْ جُمْلَةِ الحديث: 725 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 الْمَرْفُوعِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ (وَلَا وَرْسَ) : " «وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» "، وَتَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَجُوَيْرِيَّةُ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنُ عُقْبَةَ، لَكِنْ بَيَّنَتْ رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ وَابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَأَيَّدَهُ بِرِوَايَةِ مَالِكٍ هَذِهِ، وَاسْتُشْكِلَ الْحُكْمُ بِالْإِدْرَاجِ لِأَنَّهُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ النِّقَابِ وَالْقُفَّازِ مَرْفُوعًا مُفْرَدًا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَدِينِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «الْمُحْرِمَةُ لَا تَنْتَقِبُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» "، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: إِبْرَاهِيمُ شَيْخٌ مَدَنِيٌّ لَيْسَ لَهُ كَثِيرُ حَدِيثٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَلِأَنَّهُ ابْتَدَأَ بِالنَّهْيِ عَنْهُمَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى النِّسَاءَ فِي إِحْرَامِهِنَّ عَنِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّ الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ مِنَ الثِّيَابِ، وَتَلْبَسُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ» "، قَالَ فِي الِاقْتِرَاحِ: دَعْوَى الْإِدْرَاجِ فِي أَوَّلِ الْمَتْنِ ضَعِيفَةٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الثِّقَاتِ إِذَا اخْتَلَفُوا وَكَانَ مَعَ أَحَدِهِمْ زِيَادَةٌ قُدِّمَتْ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ حَافِظًا خُصُوصًا إِنْ كَانَ أَحْفَظَ وَالْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي نَافِعٍ أَحْفَظُ مِنْ جَمِيعِ مَنْ خَالَفَهُ، وَقَدْ فَصَلَ الْمَرْفُوعَ مِنَ الْمَوْقُوفِ، وَتَقَوَّى بِرِوَايَةِ مَالِكٍ وَهُوَ أَحْفَظُ أَصْحَابِ نَافِعٍ، وَأَمَّا الَّذِي ابْتَدَأَ فِي الْمَرْفُوعِ بِالْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى فَكَأَنَّهُ رَأَى أَشْيَاءَ مُتَعَاطِفَةً فَقَدَّمَ وَأَخَّرَ لِجَوَازِ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَمَعَ الَّذِي فَصَلَ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَهُوَ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ وَنَحْوُهُ لِشَيْخِهِ الزَّيْنِ الْعِرَاقِيِّ الْحَافِظِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّهَا قَالَتْ كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ   726 - 720 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ) زَوْجَتِهِ (فَاطِمَةَ بِنْتِ) عَمِّهِ (الْمُنْذِرِ) بْنِ الزُّبَيْرِ (أَنَّهَا قَالَتْ: كُنَّا نُخَمِّرُ) نُغَطِّي (وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) جَدَّتِهَا وَجَدَّةِ زَوْجِهَا، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَلَا تُنْكِرُهُ عَلَيْنَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا بِقَصْدِ السَّتْرِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، بَلْ يَجِبُ إِنْ عَلِمَتْ أَوْ ظَنَّتِ الْفِتْنَةَ بِهَا أَوْ يُنْظَرُ لَهَا بِقَصْدِ لَذَّةٍ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَلْبَسُ الْمَخِيطَ كُلَّهُ وَالْخِفَافَ وَأَنَّ لَهَا أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا وَتَسْتُرَ شَعْرَهَا إِلَّا وَجْهَهَا فَتُسْدِلُ عَلَيْهِ الثَّوْبَ سَدْلًا خَفِيفًا تُسْتَرُ بِهِ عَنْ نَظَرِ الرِّجَالِ وَلَا تُخَمِّرُ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ فَذَكَرَ مَا هُنَا ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّخْمِيرُ سَدْلًا كَمَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ بِنَا سَدَلْنَا الثَّوْبَ عَلَى وُجُوهِنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا جَاوَزَنَا رَفَعْنَاهُ» " انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ هُوَ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْهَا. الحديث: 726 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 [بَاب مَا جَاءَ فِي الطِّيبِ فِي الْحَجِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ»   7 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الطِّيبِ فِي الْحَجِّ 727 - 721 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ (عَنْ أَبِيهِ عَنْ) عَمَّتِهِ (عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» ) ، وَلِلتِّنِّيسِيِّ: حِينَ يُحْرِمُ، وَمَعْنَاهَا كَمَا هُنَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْإِحْرَامِ هُنَا فِعْلُ الْإِحْرَامِ لِمَنْعِ التَّطَيُّبِ فِي الْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إِرَادَةُ الْإِحْرَامِ لِرِوَايَةِ النَّسَائِيِّ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، وَالْمُرَادُ تَطْيِيبُ بَدَنِهِ لَا ثِيَابِهِ لِحَدِيثِ: " «كُنْتُ أَجِدُ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ» "، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَطْيِبُ الثِّيَابِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْإِحْرَامِ اتِّفَاقًا، وَشَذَّ الْقَائِلُ بِاسْتِحْبَابِهِ. (وَلِحِلِّهِ) بَعْدَ أَنْ يَرْمِيَ (قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَفِيهِ أَنَّ كَانَ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ لِأَنَّهَا لَمْ تَفْعَلْهُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُدَّعَى تَكْرَارُهُ إِنَّمَا هُوَ التَّطَيُّبُ لَا الْإِحْرَامُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَكَرُّرِ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مَعَ كَوْنِ الْإِحْرَامِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَمَرَّ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الرَّازِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِيهِ، وَعِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ تَقْتَضِيهِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: تَقْتَضِيهِ ظُهُورًا وَقَدْ تَدُلُّ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِهِ لَكِنْ يُسْتَفَادُ مِنْ كَانَ الْمُبَالَغَةُ فِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ تُكَرِّرُ فِعْلَ التَّطْيِيبِ لَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فِعْلُ الْإِحْرَامِ لِمَا عَلِمَتْهُ مِنْ حُبِّهِ لَهُ، عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ " كُنْتُ " لَمْ تَتَّفِقِ الرُّوَاةُ عَلَيْهَا فَرَوَاهَا مَالِكٌ وَتَابَعَهُ مَنْصُورٌ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِلَفْظِ " كُنْتُ ". وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِلَفْظِ " طَيَّبْتُ " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَكَذَا سَائِرُ الطُّرُقِ لَيْسَ فِيهَا " كُنْتُ ". وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّطَيُّبِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْإِحْرَامِ، وَجَوَازُ اسْتِدَامَتِهِ بَعْدَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنِهِ وَرَائِحَتِهِ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْإِحْرَامِ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالْجُمْهُورُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: يَحْرُمُ التَّطَيُّبُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِطِيبٍ يَبْقَى لَهُ رَائِحَةٌ بَعْدَهُ. قَالَ عِيَاضٌ: وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ طِيبٌ لَا يَبْقَى لَهُ رِيحٌ، أَوْ أَنَّهُ أَذْهَبَهُ غُسْلُ الْإِحْرَامِ، وَيُعَضِّدُ الثَّانِي رِوَايَةُ مُسْلِمٍ: " «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ إِحْرَامِهِ ثُمَّ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا» "، فَقَدْ ظَهَرَتْ عِلَّةُ تَطْيِيبِهِ أَنَّهَا كَانَتْ لِمُبَاشَرَةِ نِسَائِهِ، وَأَنَّ غُسْلَهُ بَعْدَهُ لِجِمَاعِهِنَّ وَغُسْلَهُ لِلْإِحْرَامِ أَذْهَبَهُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَهَّرُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ الحديث: 727 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 قَبْلَ مُعَاوَدَتِهِ لِلْأُخْرَى، وَأَيُّ طِيبٍ يَبْقَى بَعْدَ اغْتِسَالَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَيَكُونُ قَوْلُهَا: ثُمَّ أَصْبَحَ يَنْضَخُ طِيبًا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قَبْلَ غُسْلِهِ وَإِحْرَامِهِ. وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " ثُمَّ «أَصْبَحَ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا» " أَيْ يُصْبِحُ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ، فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ يَنْضَخُ طِيبًا ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا. وَفِي مُسْلِمٍ أَيْ وَالْبُخَارِيِّ أَنَّ الطِّيبَ الَّذِي طَيَّبَتْهُ بِهِ زُرَيْرَةٌ، وَهِيَ مِمَّا يُذْهِبُهَا الْغُسْلُ وَلَا يَبْقَى رِيحُهَا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهَا: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ الْمُرَادُ أَثَرُهُ لَا جِرْمُهُ. انْتَهَى بِمَعْنَاهُ. وَرَدَّ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ بِلَا دَلِيلٍ عَجِيبٍ، فَإِنَّ عِيَاضًا ذَكَرَ دَلِيلَ التَّأْوِيلِ كَمَا تَرَى. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ عَيْنَهُ بَقِيَتْ، وَتُعُقِّبَ بِمَا لِأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «كُنَّا نَنْضَخُ وُجُوهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيَّبِ قَبْلَ أَنْ نُحْرِمَ فَنَعْرَقُ فَيَسِيلُ عَلَى وُجُوهِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَنْهَانَا» "، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي بَقَاءِ عَيْنِ الطِّيبِ، وَلَا صَرَاحَةَ فِيهِ لِأَنَّهُنَّ اغْتَسَلْنَ وَالْغُسْلُ يُذْهِبُ عَيْنَهُ، وَمَنْشَأُ هَذَا الْخِلَافِ اللَّامُ فِي " لِإِحْرَامِهِ " وَ " لِحِلِّهِ " هَلْ هِيَ لِلتَّأْقِيتِ؟ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 78) ، أَوْ لِلتَّعْلِيلِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَأَبْطَلَهُ فِي الْمُفْهِمِ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لَهُ لَكَانَ الْحِلُّ وَالْإِحْرَامُ عِلَّتَيْنِ لِلتَّطَيُّبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ خِلَافُ مَقْصُودِ الشَّرْعِ مِنَ الْمُحْرِمِ قَطْعًا. وَذَهَبَ الْبَاجِيُّ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الطِّيبَ لِلْإِحْرَامِ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِقَاءِ الْمَلَائِكَةِ، وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ إِنَّمَا مُنِعَ مِنَ الطِّيبِ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي النِّكَاحِ، فَنَهَى النَّاسَ عَنْهُ وَكَانَ هُوَ أَمْلَكُ النَّاسِ لِإِرْبِهِ فَفَعَلَهُ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِكَثْرَةِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنَ الْخَصَائِصِ فِي النِّكَاحِ، وَقَدْ قَالَ: " «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ» " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّا لَمْ نُثْبِتْهَا بِالْقِيَاسِ بَلْ بِمُخَالَفَةِ فِعْلِهِ لِنَهْيِهِ عَنِ الطِّيبِ، فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْخُصُوصِيَّةِ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْقِيَاسَ سَنَدًا لِلِاسْتِدْلَالِ. وَأَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّخْصِيصَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلنَّاسِ عَامَّةً مَا جَهِلَهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِالْمَنَاسِكِ وَغَيْرِهَا وَجَلَالَتِهِمْ فِي الصَّحَابَةِ، وَمَوْضِعُ عَطَاءٍ مَنْ عَلْمِ الْمَنَاسِكِ مَوْضِعُهُ، وَمَوْضِعُ الزُّهْرِيِّ مِنْ عَلْمِ الْأَثَرِ مَوْضِعُهُ، وَفِيهِ إِبَاحَةُ الطِّيبِ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ وَالْحَلْقِ وَقَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَقَالَهُ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا كَرِهَهُ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَاللَّيْثُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِحُنَيْنٍ وَعَلَى الْأَعْرَابِيِّ قَمِيصٌ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْزَعْ قَمِيصَكَ وَاغْسِلْ هَذِهِ الصُّفْرَةَ عَنْكَ وَافْعَلْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَفْعَلُ فِي حَجِّكَ»   728 - 722 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ) الْمَكِّيِّ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ) الْمَكِّيِّ التَّابِعِيِّ فَهُوَ الحديث: 728 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 مُرْسَلٌ، وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ. (أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ لَكِنْ فِي تَفْسِيرِ الطَّرْطُوشِيِّ أَنَّ اسْمَهُ عَطَاءُ بْنُ أُمَيَّةَ. قَالَ ابْنُ فَتْحُونَ: إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَهُوَ أَخُو يَعْلَى رَاوِي الْخَبَرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَطَأً مِنَ اسْمِ الرَّاوِي فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَ عَطَاءٍ وَيَعْلَى أَحَدًا. وَقَوْلُ شَيْخِنَا ابْنِ الْمُلَقِّنِ: يَجُوزُ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ لِأَنَّ فِي الشِّفَاءِ عَنْهُ: " «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُتَخَلِّقٌ فَقَالَ: وَرْسٌ وَرْسٌ حُطَّ حُطَّ، وَغَشِيَنِي بِقَضِيبٍ فِي بَطْنِي فَأَوْجَعَنِي» " الْحَدِيثَ، لَكِنَّ عَمْرَو هَذَا لَا يُدْرِكُ ذَا فَإِنَّهُ صَاحِبُ ابْنِ وَهْبٍ، مُعْتَرَضٌ، فَأَمَّا أَوَّلًا فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ شَبِيهَةٌ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ حَتَّى يُفَسِّرَ صَاحِبَهَا بِهَا. وَأَمَا ثَانِيًا فَفِي الِاسْتِدْرَاكِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ لَا يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ صَاحِبُ صَاحِبِ مَالِكٍ بَلْ إِنْ ثَبَتَ فَهُوَ آخَرُ اتِّفَاقًا فِي الِاسْمِ وَاسْمِ الْأَبِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ عَلَى شَيْخِنَا، وَإِنَّمَا الَّذِي فِي الشِّفَاءِ سَوَادُ بْنُ عَمْرٍو، وَقِيلَ: سَوَادَةُ بْنُ عَمْرٍو، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَالْبَغْوَيُّ فِي مُعْجَمِهِ، (وَهُوَ بِحُنَيْنٍ) أَيْ مُنْصَرِفٌ مِنْ غَزْوَتِهَا، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي لَقِيَهُ فِيهِ هُوَ الْجِعْرَانَةُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: " أَنَّ يَعْلَى قَالَ لِعُمَرَ: «أَرِنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ؟ فَسَكَتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ الْوَحْيُ وَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى فَجَاءَ يَعْلَى وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ وَهُوَ يَغِطُّ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ» ". (وَعَلَى الْأَعْرَابِيِّ قَمِيصٌ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ (وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ) مِنْ زَعْفَرَانٍ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ؟) فِي عُمْرَتِي (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَعْدَ سُكُوتِهِ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ: (انْزِعْ قَمِيصَكَ، وَاغْسِلْ هَذِهِ الصُّفْرَةَ) ، وَلِمُسْلِمٍ: اخْلَعْ هَذِهِ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ هَذَا الزَّعْفَرَانَ، (عَنْكَ) ، زَادَ الصَّحِيحَانِ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ نَصًّا فِي تَكْرَارِ الْغَسْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الصَّحَابِيِّ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَادَ لَفْظَ اغْسِلْ مَرَّةً ثُمَّ مَرَّةً عَلَى عَادَتِهِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا لِتُفْهَمَ عَنْهُ. (وَافْعَلْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَفْعَلُ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ (فِي حَجِّكَ) مُطَابَقَةً لِقَوْلِهِ: أَنِ اصْنَعْ، وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ أَعْمَالَ الْحَجِّ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَأَنَّهُمْ كَانُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُخَلِّقُونَ الثِّيَابَ وَيَجْتَنِبُونَ الطِّيبَ فِي الْإِحْرَامِ إِذَا حَجُّوا وَيَتَسَاهَلُونَ فِي الْعُمْرَةِ، فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَجْرَاهُمَا وَاحِدٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: قَوْلُهُ " وَاصْنَعْ " مَعْنَاهُ " اتْرُكْ " لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ أَنَّ التُّرْكَ فِعْلٌ. قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ بَطَّالٍ أَرَادَ الْأَدْعِيَةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ التُّرُوكَ مُشْتَرَكَةٌ بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ فِي الْحَجِّ أَشْيَاءَ زَائِدَةً عَلَى الْعُمْرَةِ كَالْوُقُوفِ وَمَا بَعْدَهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْحَجُّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْمَأْمُورُ بِهِ غَيْرُ نَزْعِ الثَّوْبِ وَغَسْلِ الْخَلُوقِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ لَهُ بِهِمَا فَلَمْ تَبْقَ إِلَّا الْفِدْيَةُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْحَصْرِ بَلِ الْمَأْمُورُ بِهِ الْغَسْلُ وَالنَّزْعُ. فَفِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ فَقَالَ: «مَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ؟ قَالَ: أَنْزِعُ عَنِّي هَذِهِ الثِّيَابَ، وَأَغْسِلُ عَنِّي هَذِهِ الْخَلُوقَ، فَقَالَ: مَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ» . وَفِيهِ مَنْعُ اسْتِدَامَةِ الطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِلْأَمْرِ بِغَسْلِهِ مِنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ. وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بِالْجِعْرَانَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ بِاتِّفَاقٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ مِنَ الْأَمْرِ وَسَبَقَ أَجْوِبَةٌ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ طِيبٌ فِي إِحْرَامِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ثُمَّ عَلِمَ فَبَادَرَ إِلَى إِزَالَتِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ تَجِبُ مُطْلَقًا، وَإِنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا صَارَ عَلَيْهِ مَخِيطٌ نَزَعَهُ وَلَا يُمَزِّقُهُ وَلَا يَشُقُّهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِقَوْلِ النَّخَعِيِّ يَشُقُّهُ، وَالشَّعْبِيِّ يُمَزِّقُهُ، قَالَا: وَلَا يَنْزِعُهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُغَطِّيًا لِرَأْسِهِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمَا. وَعَنْ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَأَبِي قِلَابَةَ نَحْوَهُ، وَرُدَّ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ فَخَلَعَهَا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ. وَقَدْ نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَتَمْزِيقِ الثَّوْبِ إِضَاعَةً لَهُ فَلَا يَجُوزُ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُفْتِيَ أَوِ الْحَاكِمَ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْحُكْمَ يُمْسِكُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ، وَأَنَّ بَعْضَ الْأَحْكَامِ بُيَّنَتْ بِالْوَحْيِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّا يُتْلَى، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَحْكُمُ بِالِاجْتِهَادِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَحْضُرْهُ الْوَحْيُ، وَلَا دِلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَنْعِ اجْتِهَادِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْحُكْمُ، أَوْ أَنَّ الْوَحْيَ بَدَرَهُ قَبْلَ تَمَامِ الِاجْتِهَادِ، وَلَا يَلْزَمُ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ مَنْعِ مَا سِوَاهُ مِنْ طُرُقِ مَعْرِفَتِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ فَقَالَ مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ مِنْكَ لَعَمْرُ اللَّهِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ طَيَّبَتْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَتَرْجِعَنَّ فَلْتَغْسِلَنَّهُ   729 - 723 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ) سَمُرَةٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، (فَقَالَ: مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ: مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ) ، زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الحديث: 729 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ عُمَرُ، (فَقَالَ: مِنْكَ لَعَمْرُ اللَّهِ) لِأَنَّكَ تُحِبُّ الرَّفَاهِيَةَ وَكَانَ عُمَرُ يُسَمِّيهِ كِسْرَى الْعَرَبِ، (فَقَالَ مُعَاوِيَةُ) مُعْتَذِرًا: (إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ) رَمَلَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَشْهُورَةٌ بِكُنْيَتِهَا، (طَيَّبَتْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَتَرْجِعَنَّ فَلْتَغْسِلَنَّهُ) ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: " أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتَرْجِعَنَّ إِلَى أُمِّ حَبِيبَةَ فَلْتَغْسِلَنَّهُ عَنْكَ كَمَا طَيَّبَتْكَ "، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ قَالَ: " فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ إِلَيْهَا حَتَّى لَحِقَهُمْ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ "، فَهَذَا عُمَرُ مَعَ جَلَالَتِهِ لَمْ يَأْخُذْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُهُ بِمَا مَرَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الصَّلْتِ بْنِ زُيَيْدٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ وَإِلَى جَنْبِهِ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَقَالَ عُمَرُ مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَبَّدْتُ رَأْسِي وَأَرَدْتُ أَنْ لَا أَحْلِقَ فَقَالَ عُمَرُ فَاذْهَبْ إِلَى شَرَبَةٍ فَادْلُكْ رَأْسَكَ حَتَّى تُنْقِيَهُ فَفَعَلَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ مَالِكٌ الشَّرَبَةُ حَفِيرٌ تَكُونُ عِنْدَ أَصْلِ النَّخْلَةِ   730 - 724 - (مَالِكٌ عَنِ الصَّلْتِ بْنِ زُيَيْدٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَتَحْتَيَّتَيْنِ، تَصْغِيرُ زَيْدٍ الْكِنْدِيِّ، وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَفَى بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُ (عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ) أَيِ الصَّلْتِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَإِلَى جَنْبِهِ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ) بْنُ مَعْدِ يكَرِبَ الْكَنَدِيُّ الْمَدَنِيُّ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لَهُ شَرَفٌ وَحَالٌ جَمِيلَةٌ، وَوَهَمَ مِنْ عَدَّهُ فِي الصَّحَابَةِ، (فَقَالَ عُمَرُ: مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ؟ فَقَالَ كَثِيرٌ: مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَبَّدْتُ رَأْسِي) أَيْ جَعَلْتُ فِيهِ شَيْئًا نَحْوَ الصَّمْغِ لِيَجْتَمِعَ شَعْرُهُ لِئَلَّا يَتَشَعَّثَ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ يَقَعَ فِيهِ الْقَمْلُ، (وَأَرَدْتُ أَنْ لَا أَحْلِقَ، فَقَالَ عُمَرُ: فَاذْهَبْ إِلَى شَرَبَةٍ فَادْلُكْ رَأْسَكَ حَتَّى تُنْقِيَهُ) بِضَمِّ التَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِالْقَافِ مِنَ الطِّيبِ، (فَفَعَلَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ) مَا أَمَرَهُ بِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: الشَّرَبَةُ حَفِيرٌ تَكُونُ عِنْدَ أَصْلِ النَّخْلَةِ) ، وَفِي التَّمْهِيدِ: الشَّرَبَةُ مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ عِنْدَ أُصُولِ الشَّجَرِ حَوْضٌ يَكُونُ مِقْدَارُ رَيِّهَا. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: هُوَ الْحَوْضُ حَوْلَ النَّخْلَةِ يُجْمَعُ فِيهَا الْمَاءُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ: " لَمَّا أَحْرَمُوا وَجَدَ عُمَرُ رِيحَ طِيبٍ فَقَالَ: مِمَّنْ هَذِهِ الرِّيحُ؟ فَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ امْرَأَتَكَ عَطِرَةٌ أَوْ عَطَّارَةٌ إِنَّمَا الْحَاجُّ الْأَدْفَرُ الْأَغْبَرُ "، فَهَذَا عُمَرُ قَدْ أَنْكَرَ عَلَى صَحَابِيَّيْنِ وَتَابِعِيٍّ الحديث: 730 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 كَبِيرٍ الطِّيبَ بِمَحْضَرِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنَ النَّاسِ صَحَابَةٍ وَغَيْرِهُمْ وَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى تَأْوِيلِ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى رَجُلًا قَدْ تَطَيَّبَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ بِطِينٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بَعْدَ أَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ عَنْ الطِّيبِ فَنَهَاهُ سَالِمٌ وَأَرْخَصَ لَهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَدَّهِنَ الرَّجُلُ بِدُهْنٍ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ مِنْ مِنًى بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ طَعَامٍ فِيهِ زَعْفَرَانٌ هَلْ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ أَمَّا مَا تَمَسُّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ الْمُحْرِمُ وَأَمَّا مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ   731 - 725 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فُرُّوخٍ الْمَعْرُوفِ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ (أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ) بْنِ مَرْوَانَ الْأُمَوِيِّ (سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عُمَرَ (وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيَّ الْمَدَنِيَّ أَبَا زَيْدٍ أَحَدَ الْفُقَهَاءِ، مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ، وَأَبُوهُ الصَّحَابِيُّ الشَّهِيرُ (بَعْدَ أَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ) يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، (عَنِ الطِّيبِ فَنَهَاهُ سَالِمٌ) لِكَرَاهَتِهِ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ، (وَأَرْخَصَ لَهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) إِمَّا لِأَنَّهُ يَرَى جَوَازَهُ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مِنَ الْجَائِزِ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدَّهِنَّ الرَّجُلُ بِدُهْنٍ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ) كَالزَّيْتِ، (قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ مِنْ مِنًى بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ) لِلْعَقَبَةِ، (قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ طَعَامٍ فِيهِ زَعْفَرَانٌ هَلْ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا تَمَسُّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ) بِحَيْثُ أَمَاتَهُ الطَّبْخُ وَإِنْ بَقِيَ لَوْنُهُ لِأَنَّهُ لَا يَذْهَبُ بِالطَّبْخِ، (فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ الْمُحْرِمُ، وَأَمَّا مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ) أَيْ يَحْرُمُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. الحديث: 731 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 [بَاب مَوَاقِيتِ الْإِهْلَالِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ»   8 - بَابُ مَوَاقِيتِ الْإِهْلَالِ جَمْعُ مِيقَاتٍ كَمَوَاعِيدٍ وَمِيعَادٍ، وَأَصْلُهُ أَنْ يُجْعَلَ لِلشَّيْءِ وَقْتٌ يَخْتَصُّ بِهِ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ فَأُطْلِقَ عَلَى الْمَكَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: التَّوْقِيتُ وَالتَّأْقِيتُ أَنْ يُجْعَلَ لِلشَّيْءِ وَقْتٌ يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ بَيَانُ مِقْدَارِ الْمُدَّةِ، يُقَالُ: وَقَّتَ الشَّيْءَ بِالتَّشْدِيدِ يُوَقِّتُهُ، وَوَقَتَ بِالتَّخْفِيفِ يَقِتُهُ إِذَا بَيَّنَ مُدَّتَهُ، ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ فَقِيلَ لِلْمَوْضِعِ مِيقَاتٌ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: قِيلَ: التَّوْقِيتُ لُغَةً التَّحْدِيدُ وَالتَّعْيِينُ، فَعَلَى هَذَا فَالتَّحْدِيدُ مِنْ لَوَازِمِ الْوَقْتِ، وَأَصْلُ الْإِهْلَالِ رَفْعُ الصَّوْتِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ اتِّسَاعًا أَيْضًا. 732 - 726 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ) وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ؟» قَالَ: (يُهِلُّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ يُحْرِمُ (أَهْلُ الْمَدِينَةِ) بِصِيغَةِ الْخَبَرِ مُرَادًا بِهِ الْأَمْرُ أَيْ مَدِينَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ مُصَغَّرُ حَلْفَةٍ نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ، وَهِيَ قَرْيَةٌ خَرِبَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مِائَتَا مِيلٍ قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَيْنَهُمَا عَشْرُ مَرَاحِلَ أَوْ تِسْعٌ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الصَّبَّاغِ مِيلٌ وَاحِدٌ وَهْمٌ يَرُدُّهُ الْحِسُّ، وَبِهَا مَسْجِدٌ يُعْرَفُ بِمَسْجِدِ الشَّجَرَةِ خَرَابٌ، وَبِهَا بِئْرٌ يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ عَلِيٍّ، وَهِيَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ، فَقِيلَ: حِكْمَةُ ذَلِكَ أَنْ يُعَظِّمَ أُجُورَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: رِفْقًا بِأَهْلِ الْآفَاقِ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ أَقْرَبُ الْآفَاقِ إِلَى مَكَّةَ أَيْ مَنْ لَهُ مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ. (وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ) زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: وَمِصْرَ. وَزَادَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: وَالْمَغْرِبَ (مِنَ الْجُحْفَةِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَهِيَ قَرْيَةٌ خَرِبَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ خَمْسُ مَرَاحِلَ أَوْ سِتٌّ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: ثَلَاثُ مَرَاحِلَ فِيهِ نَظَرٌ، وَهِيَ مَهْيَعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ بِوَزْنِ عَلْقَمَةَ، وَقِيلَ: بِوَزْنِ لَطِيفَةَ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَسُمِّيَتِ الْجُحْفَةَ لِأَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَ بِهَا، قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: كَانَ الْعَمَالِيقُ يَسْكُنُونَ يَثْرِبَ فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي عَبِيلٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسَرَ الْمُوَحَّدَةِ وَهُمْ إِخْوَةُ عَادٍ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ يَثْرِبَ فَنَزَلُوا مَهْيَعَةَ فَجَاءَ سَيْلٌ فَأَجْحَفَهُمْ أَيِ اسْتَأْصَلَهُمْ فَسُمِّيَتِ الْجُحْفَةَ، وَالْمِصْرِيُّونَ الْآنَ يُحْرِمُونَ مِنْ رَابِغٍ بَرَاءٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ قُرْبَ الْجُحْفَةِ لِكَثْرَةِ حُمَّاهَا فَلَا يَنْزِلُهَا أَحَدٌ إِلَّا حُمَّ. (وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ) كُلِّ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ وَهُوَ اسْمٌ لِعَشَرَةِ مَوَاضِعَ، وَالْمُرَادُ هُنَا الَّتِي أَعْلَى تِهَامَةِ وَالْيَمَنِ الحديث: 732 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 وَأَسْفَلُهَا الشَّامُ وَالْعِرَاقُ (مِنْ قَرْنٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فَنُونٌ بِلَا إِضَافَةٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَرْنُ الْمَنَازِلِ بِلَفْظِ جَمْعِ الْمَنْزِلِ، وَالْمُرَكَّبُ الْإِضَافِيُّ هُوَ اسْمُ الْمَكَانِ، وَضَبَطَ الْجَوْهَرِيُّ " قَرْنَ " بِفَتْحِ الرَّاءِ وَغَلَّطُوهُ، وَبَالَغَ النَّوَوِيُّ فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى تَخْطِئَتِهِ فِي ذَلِكَ وَفِي نِسْبَةِ أُوَيْسٍ الْقَرْنِيِّ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى قَبِيلَةِ بَنِي قَرْنٍ، بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ، لَكِنْ حَكَى عِيَاضٌ عَنِ الْقَابِسِيِّ أَنَّ مَنْ سَكَّنَ الرَّاءَ أَرَادَ الْجَبَلَ، وَمَنْ فَتَحَ أَرَادَ الطَّرِيقَ، وَالْجَبَلُ الْمَذْكُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ مُرْحَلَتَانِ، وَفِي أَخْبَارِ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ أَنَّ قَرْنَ الثَّعَالِبِ جَبَلٌ مُشْرِفٌ عَلَى أَسْفَلِ مِنًى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْجِدِ مِنًى أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ سُمِّيَ قَرْنُ الثَّعَالِبِ لِكَثْرَةِ مَا كَانَ يَأْوِي إِلَيْهِ مِنَ الثَّعَالِبِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَوَاقِيتِ. (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ رَاوِي الْحَدِيثِ: ( «وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ» ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ، مَكَانٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثُونَ مِيلًا، وَيُقَالُ: أَلَمْلَمُ بِالْهَمْزَةِ، وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْيَاءُ تَسْهِيلٌ لَهَا، وَحَكَى ابْنُ السَّيِّدِ فِيهِ يَرَمْرَمَ بِرَاءَيْنِ بَدَلَ اللَّامَيْنِ. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: وَزَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ، وَهُوَ مِنَ اسْتِعْمَالِ الزَّعْمِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُحَقَّقِ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ الَّذِي بَلَّغَ ابْنَ عُمَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَجَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَحْسَبُهُ رَفَعَهُ، وَعَائِشَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَالْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مُرْسَلَ الصَّاحِبِ صَحِيحٌ حُجَّةٌ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلَ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَأَهْلَ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَمَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثُ فَسَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ»   734 - 727 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» ) فَفِي هَذَا أَنَّ الْخَبَرَ فِي رِوَايَةِ نَافِعٍ مُرَادٌ بِهِ الْأَمْرُ، وَلِذَا أَتَى بِهِ الْإِمَامُ تِلْوَهُ فَهُوَ مِنْ حُسْنِ التَّأْلِيفِ، (وَأَهْلَ الشَّامِ) وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ (مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلَ الحديث: 734 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ) أَيْ قَرْنِ الْمَنَازِلِ لَا قَرْنِ الثَّعَالِبِ، (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «أَمَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثُ فَسَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ» ) وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ. وَحَكَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ أَيُّ سَنَةٍ وَقَّتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمَوَاقِيتَ؟ فَقَالَ: عَامَ حَجَّ. وَفِي الْحَدِيثَيْنِ حُرْمَةُ مُجَاوَزَةِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ لِمُرِيدِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ بِلَا إِحْرَامٍ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَالْجُمْهُورُ، وَقَالُوا عَلَيْهِ الدَّمُ لَكِنْ بِدَلِيلٍ آخَرَ. وَذَهَبَ عَطَاءٌ وَالنَّخْعِيُّ إِلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَا يَصِحُّ حَجُّهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِلْمِيقَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى تَمَّ حَجُّهُ رَجَعَ لِلْمِيقَاتِ وَأَهَلَّ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذِهِ الْأَقَاوِيلُ الثَّلَاثَةُ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ، فَلَوْ رَجَعَ لِلْمِيقَاتِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالنُّسُكِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، قَالَ مَالِكٌ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يُبْعِدَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ بِشَرْطِ أَنْ يَعُودَ مُلَبِّيًا، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَسْقُطُ، وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِيقَاتُهُ. فَأَمَّا كَمِصْرِيٍّ وَشَامِيٍّ أَرَادَ النُّسُكَ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ فَمِيقَاتُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِاجْتِيَازِهِ عَلَيْهَا، وَلَا يُؤَخِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْجُحْفَةَ الَّتِي هِيَ مِيقَاتُهُ الْأَصْلِيُّ، فَإِنْ أَخَّرَ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: بِلَا خِلَافٍ. قَالَ الْأَبِيُّ وَالْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَالْحَافِظُ: لَعَلَّهُ أَرَادَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَإِلَّا فَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الشَّامِيَّ مَثَلًا إِذَا جَاوَزَ ذَا الْحُلَيْفَةِ بِلَا إِحْرَامٍ إِلَى مِيقَاتِهِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْجُحْفَةُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ خِلَافُهُ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَذَا قَالُوا، وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِذَارُ مَعَ وُجُودِ قَوْلِ هَذَيْنِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ رِفْقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ فِي تَوْقِيتِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ، فَجَعَلَ الْأَمْرَ لِأَهْلِ الْآفَاقِ بِالْقُرْبِ، وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَبْعَدَ الْمَوَاقِيتِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْآفَاقِ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فِي الْمَوَاقِيتِ حُجَّةٌ لَنَا أَنَّ أَقَلَّ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ سَفَرُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِأَنَّهُ أَقَلَّ مَقَادِيرَ الْمَوَاقِيتِ لِأَهْلِ الْآفَاقِ وَالْمُسَافِرِينَ حَتَّى يَمُرَّ بِهِمْ سَفَرٌ وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ قَرْنَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَا تَضَمَّنَهُ تَوْقِيتُ الْجُحْفَةِ لِأَهْلِ الشَّامِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى فَتْحِهَا، وَأَنَّهَا تَصِيرُ دَارَ الْإِسْلَامِ تَحُجُّ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا، وَلَمْ تَكُنْ ذَلِكَ الْوَقْتَ فُتِحَتْ وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ تَابَعَ فِيهِ مَالِكًا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الِاعْتِصَامِ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ دِينَارٍ بِهِ وَزَادَ فَذَكَرَ: الْعِرَاقَ، فَقَالَ - أَيِ: ابْنُ عُمَرَ: لَمْ يَكُنْ عِرَاقٌ يَوْمَئِذٍ، وَلِأَحْمَدَ عَنْ صَدُقَةَ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: فَأَيْنَ الْعِرَاقُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ عِرَاقٌ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: لَمْ يُوَقِّتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ عِرْقٍ، وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ أَهْلُ الْمَشْرِقِ، وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، فَمِيقَاتُ ذَاتِ عِرْقٍ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أُجْمِعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 عَلَيْهِ، وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَتَوْا عُمَرَ فَوَقَّتَ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ، وَصَحَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: «وَمَهِلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ» إِلَّا أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي رَفْعِهِ لِأَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: سَمِعْتُ أَحْسَبُهُ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: قَوْلُهُ أَحْسَبُهُ أَيْ أَظُنُّهُ، وَالظَّنُّ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ فَلَيْسَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي رَفْعِهِ، وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِرَفْعِهِ لَا يَقِينًا وَلَا ظَنًّا فَهُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ تَوْقِيفًا مِنَ الشَّارِعِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ ضَمَّهُ جَابِرٌ إِلَى الْمَوَاقِيتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ فَلَمْ يَشُكَّا فِي رَفْعِهِ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ قَالَا: " «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» "، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا، فَلَعَلَّ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ لَمْ يَبْلُغْهُ، أَوْ رَأَى ضَعْفَ الْحَدِيثِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ طَرِيقٍ مِنْهَا لَا تَخْلُو عَنْ مَقَالٍ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: رُوِيَ فِي ذَاتِ عِرْقٍ أَخْبَارٌ لَا يَثْبُتُ مِنْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ نَجِدْ فِيهَا حَدِيثًا ثَابِتًا لَكِنَّ الْحَدِيثَ بِمَجْمُوعِ الطُّرُقِ يَقْوَى كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا مَنْ أَعَلَّهُ بِأَنَّ الْعِرَاقَ لَمْ تَكُنْ فُتِحَتْ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هِيَ غَفْلَةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ لِأَهْلِ النَّوَاحِي قَبْلَ الْفُتُوحِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا سَتُفْتَحُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ. وَبِهَذَا أَجَابَ الْمَاوَرْدَيُّ وَآخَرُونَ، لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ ابْنِ عُمَرَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَكُنْ عِرَاقٌ يَوْمَئِذٍ، أَيْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ نَاسٌ مُسْلِمُونَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ رَوَى الْحَدِيثَ بِلَفْظِ: " «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ؟ فَأَجَابَهُ: وَكُلُّ جِهَةٍ عَيَّنَهَا كَانَ مِنْ قِبَلِهَا نَاسٌ مُسْلِمُونَ بِخِلَافِ الْمَشْرِقِ» "، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ» "، فَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ حَفِظَهُ فَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ مِيقَاتُ الْوُجُوبِ، وَالْعَقِيقُ مِيقَاتُ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، وَبِأَنَّ الْعَقِيقَ مِيقَاتُ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُمْ أَهْلُ الْمُدَايِنِ، وَالْعَقِيقُ مِيقَاتٌ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَبِأَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ الْعَقِيقِ الْآنَ ثُمَّ حُوِّلَتْ وَقَرُبَتْ إِلَى مَكَّةَ، فَعَلَى هَذَا فَذَاتُ عِرْقٍ وَالْعَقِيقُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَيَتَعَيَّنُ الْإِحْرَامُ مِنَ الْعَقِيقِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا قَالُوا يُسْتَحَبُّ احْتِيَاطًا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِيقَاتٌ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إِذَا حَاذَى مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ مُحِيطَةٌ بِالْحَرَمِ، فَذُو الْحُلَيْفَةِ شَامِيَّةٌ، وَيَلَمْلَمُ يَمَانِيَّةٌ، فَهِيَ تُقَابِلُهُ وَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 كَانَتْ إِحْدَاهُمَا أَقْرَبُ إِلَى مَكَّةَ مِنَ الْأُخْرَى، وَقَرْنٌ شَرْقِيَّةٌ وَالْجُحْفَةُ غَرْبِيَّةٌ فَهِيَ تُقَابِلُهَا وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا كَذَلِكَ، وَذَاتُ عِرْقٍ تُحَاذِي قَرْنًا، فَعَلَى هَذَا لَا تَخْلُو بُقْعَةٌ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ تُحَاذِيَ مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ، ثُمَّ الْمُحَاذَاةُ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ لَيْسَ مِيقَاتُهُ أَمَامَهُ كَالْمِصْرِيِّ يَمُرُّ بِبَدْرٍ وَهِيَ تُحَاذِي ذَا الْحُلَيْفَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهَا بَلْ يُؤَخِّرُ إِلَى الْجُحْفَةِ، وَالْعَقِيقُ الْمَذْكُورُ هُنَا وَادٍ يَتَدَفَّقُ مَاؤُهُ فِي غَوْرِ تِهَامَةَ، وَهُوَ غَيْرُ الْعَقِيقِ الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ: " «أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ» " يَعْنِي الْعَقِيقَ، وَهُوَ بِقُرْبِ الْبَقِيعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ الْفُرُعِ   735 - 728 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ) أَحْرَمَ (مِنَ الْفُرُعِ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَبِإِسْكَانِهَا، مَوْضِعٌ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، يُقَالُ: هِيَ أَوَّلُ قَرْيَةٍ مَارَتْ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ التَّمْرَ بِمَكَّةَ، وَفِيهَا عَيْنَانِ يُقَالُ لَهُمَا الرُّبُضُ وَالتُّحُفُ كَانَتَا يَسْقِيَانِ عِشْرِينَ أَلْفَ نَخْلَةٍ كَانَتْ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالرُّبُضُ مَنَابِتُ الْأَرَاكِ فِي الْأَرْضِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَحْمَلُهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مَرَّ بِمِيقَاتٍ لَا يُرِيدُ إِحْرَامًا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَهَلَّ مِنْهُ، أَوْ جَاءَ إِلَى الْفَرْعِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي الْإِحْرَامِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ الْمَوَاقِيتِ وَمُحَالٌ أَنْ يَتَعَدَّاهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ فَيُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ دَمًا هَذَا لَا يَظُنُّهُ عَالِمٌ انْتَهَى. الحديث: 735 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ إِيلِيَاءَ   735 - 729 - (مَالِكٌ عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ) قِيلَ: هُوَ نَافِعٌ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ إِيلِيَاءَ) بِالْمَدِّ، أَيْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَامَ الْحَكَمَيْنِ لَمَّا افْتَرَقَ أَبُو مُوسَى وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِي عَنْ غَيْرِ اتِّفَاقٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ نَهَضَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا مَعَ كَوْنِهِ رَوَى حَدِيثَ الْمَوَاقِيتِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُ مُجَاوَزَتِهَا حَلَالًا لَا مَنْعُ الْإِحْرَامِ قَبْلَهَا، وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَقَدْرٌ آخَرُ لِعِلَّةٍ أُخْرَى هِيَ خَوْفُ أَنْ يَعْرِضَ لِلْمُحْرِمِ إِذَا بَعُدَتْ مَسَافَتُهُ مَا يُفْسِدُ إِحْرَامَهُ، وَأَمَّا قَصِيرُهَا فَلِمَا فِيهِ مِنَ الْتِبَاسِ الْمِيقَاتِ وَالتَّضْلِيلِ عَنْهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ، فَأَنْكَرَ عُمَرُ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إِحْرَامَهُ مِنَ الْبَصْرَةَ، وَأَنْكَرَ عُثْمَانُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ إِحْرَامَهُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَرَاهَةَ أَنْ يُضَيِّقَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ مَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَتَعَرَّضَ لِمَا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَحْدُثَ فِي إِحْرَامِهِ وَكُلُّهُمْ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ إِذَا فَعَلَ لِأَنَّهُ زَادَ وَلَمْ يَنْقُصْ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى جَوَازِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» "، وَرَوَاهُ ابْنَ مَاجَهْ بِلَفْظِ: " «مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ كَفَّارَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ» "، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: " «مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ» " فَحَدِيثٌ مَعْلُولٌ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي مَتْنِهِ وَإِسْنَادِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ مِنْ الْجِعِرَّانَةِ بِعُمْرَةٍ»   735 - 730 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ) فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ بَعْدَ قَسْمِهِ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ ( «مِنَ الْجِعْرَانَةِ بِعُمْرَةٍ» ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ الْخُزَاعِيِّ، عِدَادُهُ فِي أَهْلِ مَكَّةَ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مُعْجَمَةٌ وَكَسْرِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ، ضَبَطَهُ الْأَمِيرُ ابْنُ مَاكُولَا تَبَعًا لِهِشَامِ بْنِ يُوسُفَ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَيُقَالُ بِسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ السَّكَنِ تَبَعًا لِابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَلَفْظُهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ لَيْلَةً فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ فَاعْتَمَرَ وَأَصْبَحَ بِهَا كَبَائِتٍ» ". وَلَفْظُهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا مُعْتَمِرًا فَدَخَلَ مَكَّةَ لَيْلًا فَقَضَى عُمْرَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ بِالْجِعْرَانَةِ كَبَائِتٍ، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْغَدِ خَرَجَ فِي بَطْنِ سَرِفَ حَتَّى جَامَعَ الطَّرِيقَ طَرِيقَ جَمْعٍ بِبَطْنِ سَرِفَ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ خَفِيَتْ عُمْرَتُهُ عَلَى النَّاسِ» "، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلَا يُعْرَفُ لِمُحَرِّشٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 [بَاب الْعَمَلِ فِي الْإِهْلَالِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ   9 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الْإِهْلَالِ هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَكُلُّ رَافِعٍ صَوْتَهِ بِشَيْءٍ فَهُوَ مُهِلٌ بِهِ. 738 - 731 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَصْدَرُ لَبَّى، أَيْ قَالَ لَبَّيْكَ، وَلَا يَكُونُ عَامِلُهُ إِلَّا مُضْمَرًا. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ فَقَالَ» " وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ الحديث: 738 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّيًا» يَقُولُ (لَبَّيْكَ) لَفْظٌ مُثَنَّى عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَقَالَ يُونُسُ: اسْمٌ مُفْرَدٌ وَأَلِفُهُ إِنَّمَا انْقَلَبَتْ يَاءً لِاتِّصَالِهَا بِالضَّمِيرِ كَلَدَيَّ وَعَلَيَّ وَرُدَّ بِأَنَّهَا قُلِبَتْ يَاءً مَعَ الْمُظْهَرِ. وَعَنِ الْفَرَّاءِ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَأَصْلُهُ لَبَّا لَكَ فَثُنِّيَ عَلَى التَّأْكِيدِ أَيْ إِلْبَابًا بَعْدَ إِلْبَابٍ، وَهَذِهِ التَّثْنِيَةُ لَيْسَتْ حَقِيقِيَّةٌ بَلْ لِلتَّكْثِيرِ أَوْ لِلْمُبَالَغَةِ وَمَعْنَاهُ إِجَابَةٌ بَعْدَ إِجَابَةٍ لَازِمَةٍ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَمِثْلُهُ حَنَانَيْكَ أَيْ تَحَنُّنًا بَعْدَ تَحَنُّنٍ. وَقِيلَ: مَعْنَى لَبَّيْكَ اتِّجَاهِي وَقَصْدِي إِلَيْكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تُلَبِّ دَارَكَ أَيْ تُجَاهَهَا، وَقِيلَ: مَحَبَّتِي لَكَ مِنْ قَوْلِهِمُ امْرَأَةٌ لَبَّةٌ أَيْ مُحِبَّةٌ، وَقِيلَ: إِخْلَاصِي لَكَ مِنْ قَوْلِهِمْ حَسَبٌ لُبَابٌ أَيْ خَالِصٌ، وَمِنْهُ لُبُّ الطَّعَامِ وَلُبَابُهُ، وَقِيلَ: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ مِنْ لَبَّ الرَّجُلُ بِالْمَكَانِ أَقَامَ، وَقِيلَ: قُرْبًا مِنْكَ مِنَ الْإِلْبَابِ وَهُوَ الْقُرْبُ، وَقِيلَ: خَاضِعًا لَكَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مُسْتَجِيبٌ لِدُعَائِهِ تَعَالَى إِيَّاهُ فِي حَجِّ بَيْتِهِ. (اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) أَيْ يَا اللَّهُ أَجَبْنَاكَ فِيمَا دَعَوْتَنَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَى التَّلْبِيَةِ إِجَابَةُ دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفَاسِيرِهِمْ بِأَسَانِيدَ قَوِيَّةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَأَقْوَى مَا فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قِيلَ لَهُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: يَا رَبِّ وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قَالَ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ، قَالَ: فَنَادَى إِبْرَاهِيمُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَسَمِعَهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَفَلَا تَرَوْنَ النَّاسَ يُجِيبُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ؟» "، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ: " «فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ» "، وَأَوَّلُ مَنْ أَجَابَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ فَلَيْسَ حَاجٌّ يَحُجُّ مِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ إِلَّا مَنْ كَانَ أَجَابَ إِبْرَاهِيمَ يَوْمَئِذٍ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: وَفِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّلْبِيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى إِكْرَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ بِأَنَّ وُفُودَهُمْ عَلَى بَيْتِهِ إِنَّمَا كَانَ بِاسْتِدْعَاءٍ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، (لَبَّيْكَ) فِي ذِكْرِهِ ثَلَاثًا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّأْكِيدَ اللَّفْظِيَّ لَا يُزَادُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبُلَغَاءُ، وَأَمَّا تَكْرِيرُ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] (سُورَةُ الرَّحْمَنِ: الْآيَةُ 13) وَ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 15] (سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ: الْآيَةُ 15) فَلَيْسَ مِنَ التَّأْكِيدِ فِي شَيْءٍ. ( «لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ» ) رُوِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ اسْتِئْنَافٌ وَفَتْحِهَا تَعْلِيلٌ وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، قَالَ ثَعْلَبٌ: لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَعْنَى الْفَتْحِ لِهَذَا السَّبَبِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَهِجَ الْعَامَّةُ بِالْفَتْحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْمَعْنَى عِنْدِي وَاحِدٌ لِأَنَّ مَنْ فَتَحَ أَرَادَ لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَرُدَّ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ لَيْسَ فِي الْحَمْدِ بَلْ فِي التَّلْبِيَةِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْكَسْرُ أَجْوَدُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِجَابَةَ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ، وَأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 كُلِّ حَالٍ، وَالْفَتْحُ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيلِ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَجَبْتُكَ لِهَذَا السَّبَبِ، وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ فَهُوَ أَكْثَرُ فَائِدَةً. وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ الْكَسْرَ وَهُوَ خِلَافٌ. نَقَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اخْتَارَ الْفَتْحَ، وَأَبَا حَنِيفَةَ اخْتَارَ الْكَسْرَ، وَابْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَحْمَدَ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ اخْتِيَارِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، لَكِنْ قَالَ فِي اللَّامِعِ وَالْعُدَّةِ أَنَّهُ إِذَا كُسِرَ صَارَ لِلتَّعْلِيلِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ اسْتِئْنَافٌ جَوَابًا عَنِ السُّؤَالِ عَنِ الْعِلَّةِ عَلَى مَا قَرَّرَ فِي الْبَيَانِ. (وَالنِّعْمَةَ لَكَ) بِكَسْرِ النُّونِ، الْإِحْسَانُ وَالْمِنَّةِ مُطْلَقًا، وَبِالْفَتْحِ وَالتَّنْعِيمَ قَالَ تَعَالَى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ} [المزمل: 11] (سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: الْآيَةُ 11) أَيِ التَّنَعُّمِ فِي الدُّنْيَا وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ مُسْتَقِرَّةٌ لَكَ، وَجَوَّزَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّ الْمَوْجُودَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرُ إِنَّ هُوَ الْمَحْذُوفُ. (وَالْمُلْكَ) بِالنَّصْبِ أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ أَيْ كَذَلِكَ أَوْ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: قَرَنَ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ وَأَفْرَدَ الْمُلْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ مُتَعَلَّقُ النِّعْمَةِ وَلِهَذَا يُقَالُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا حَمْدَ إِلَّا لَكَ، وَأَمَّا الْمُلْكُ فَهُوَ مَعْنًى مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ ذُكِرَ لِتَحْقِيقِ أَنَّ النِّعْمَةَ كُلَّهَا لِلَّهِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمُلْكِ، (لَا شَرِيكَ لَكَ) فِي مُلْكِكَ (قَالَ) نَافِعٌ: (وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا) فَيَقُولُ: (لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَمَا فِي الْمَرْفُوعِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ الْفَصْلَ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ، (وَسَعْدَيْكَ) قَالَ عِيَاضٌ: إِفْرَادُهَا وَتَثْنِيَتُهَا كَلَبَّيْكَ، وَمَعْنَاهُ سَاعَدْتُ طَاعَتَكَ مُسَاعَدَةً بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ وَإِسْعَادًا بَعْدَ إِسْعَادٍ وَلِذَا ثَنَّى، وَهُوَ مِنَ الْمَصَادِرِ الْمَنْصُوبَةِ بِفِعْلٍ لَا يَظْهَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ، قَالَ الْجِرْمِيُّ: لَمْ يُسْمَعْ سَعْدَيْكَ مُفْرَدًا، (وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ) أَيِ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللَّهِ وَمِنْ فَضْلِهِ أَيْ بِقُدْرَتِهِ وَكَرَمِهِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهَذَا مِنْ إِصْلَاحِ الْمُخَاطَبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] (سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: الْآيَةُ 80) (لَبَّيْكَ وَالرُّغْبَى إِلَيْكَ) ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: يُرْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ وَبِضَمِّ الرَّاءِ مَعَ الْقَصْرِ، قَالَ: وَنَظِيرُهُ الْعَلْيَاءُ وَالْعُلْيَا وَالنَّعْمَاءُ وَالنُّعْمَى، قَالَ عِيَاضٌ: وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ فِيهِ أَيْضًا الْفَتْحَ مَعَ الْقَصْرِ مِثْلَ: سَكْرَى، وَمَعْنَاهَا الطَّلَبُ وَالْمَسْأَلَةُ إِلَى مَنْ بِيَدِهِ الْأَمْرُ وَالْمَقْصُودُ بِالْعَمَلِ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ. (وَالْعَمَلُ) إِلَيْكَ أَيِ الْقَصْدُ بِهِ وَالِانْتِهَاءُ بِهِ إِلَيْكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَدَّرَ وَالْعَمَلُ لَكَ قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ زَادَ ابْنُ عُمَرَ فِي التَّلْبِيَةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا مَعَ أَنَّهُ كَانَ شَدِيدَ التَّحَرِّي لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَفِي حَدِيثٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَيِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا، أَجَابَ الْأَبِيُّ بِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ لَيْسَتْ نَسْخًا، وَأَنَّ الشَّيْءَ وَحْدَهُ كَذَلِكَ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ فَزِيَادَتُهُ لَا تَمْنَعُ مِنْ إِتْيَانِهِ بِتَلْبِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ فَهِمَ عَدَمَ الْقَصْرِ عَلَى أُولَئِكَ الْكَلِمَاتِ، وَأَنَّ الثَّوَابَ يَتَضَاعَفُ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ، وَاقْتِصَارُ الْمُصْطَفَى بَيَانٌ لِأَقَلِّ مَا يَكْفِي. وَأَجَابَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خَلْطُ السُّنَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 بِغَيْرِهَا، بَلْ لَمَّا أَتَى بِمَا سَمِعَهُ ضَمَّ إِلَيْهِ ذِكْرًا آخَرَ فِي مَعْنَاهُ، وَبَابُ الْأَذْكَارِ لَا تَحْجِيرَ فِيهِ إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى تَحْرِيفِ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الذِّكْرَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ وَالِاسْتِكْثَارَ مِنْهُ حَسَنٌ، عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ هَذَا الَّذِي زَادَهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ فِي دُعَاءِ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ: " «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» "، انْتَهَى. وَالْجَوَابَانِ مُتَقَارِبَانِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: كَانَ عُمَرُ يُهِلُّ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَيَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ إِلَى آخِرِ مَا زَادَهُ هُنَا. قَالَ الْحَافِظُ: فَعُرِفَ أَنَّهُ اقْتَدَى بِأَبِيهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: كَانَتْ تَلْبِيَةُ عُمَرَ فَذَكَرَ مِثْلَ الْمَرْفُوعِ، وَزَادَ: لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إِلَيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ انْتَهَى. وَقَدِ اسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ الِاقْتِصَارَ عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَكَرَاهَتِهَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُمُ التَّلْبِيَةَ كَمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ ثُمَّ فَعَلَهَا هُوَ، وَلَمْ يَقُلْ: لَبُّوا بِمَا شِئْتُمْ مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِ هَذَا، بَلْ عَلَّمَهُمْ كَمَا عَلَّمَهُمُ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَدَّى فِي ذَلِكَ شَيْئًا مِمَّا عَلِمَهُ. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَذُو الْمَعَارِجِ وَمَا هَكَذَا كُنَّا نُلَبِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ لِفِعْلِ عُمَرَ وَابْنِهِ. وَفِي النَّسَائِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُلَبِّي بِغَيْرِهَا وَلَهُ وَلِابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ» ". وَلِلْحَاكِمِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَلَمَّا قَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ: إِنَّمَا الْخَيْرُ خَيْرُ الْآخِرَةِ» "، وِلِلدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: " «لَبَّيْكَ حَجًّا حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا» "، وَفِي مُسْلِمٍ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ عَنْ جَابِرٍ «حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ» إِلَى آخِرِهِ. قَالَ: وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ تَلْبِيَتَهُ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوَهُ مِنَ الْكَلَامِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا» ، وَفِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ. وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ بِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ أَفْضَلُ لِمُدَاوَمَتِهِ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا عَدَمُ نَهْيِهِمْ عَنِ الزِّيَادَةِ فَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ الْمَنْعُ، كَمَا أَنَّ زِيَادَتَهُ هُوَ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّلْبِيَةِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ، وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَيَجْزِي عِنْدَهُ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ كَمَا قَالَهُ هُوَ أَنَّ التَّسْبِيحَ وَغَيْرَهُ يَقُومُ فِي الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ مَقَامَ التَّكْبِيرِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: سُنَّةٌ ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَأَوْجَبُ مَالِكٌ فِي تَرْكِهَا الدَّمَ وَلَمْ يُوجِبْهُ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ بِوُجُوبِهَا ابْنُ حَبِيبٍ وَالْبَاجِيُّ، وَقَالَ: قَوْلُ أَصْحَابِنَا سُنَّةٌ مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْحَجِّ وَإِلَّا فَهِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 وَاجِبَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ فِي تَرْكِهَا الدَّمَ فَهِيَ وَاجِبَةٌ غَيْرُ شَرْطٍ فَهُوَ فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ وَاجِبَةٌ شَرْطًا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ عِنْدَهُ لَفْظُهَا بَلْ يَكْفِي مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ ذِكْرٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، إِلَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةَ ابْنِ عُمَرَ، وَتَابَعَ مَالِكًا اللَّيْثُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ»   739 - 732 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) مُرْسَلٌ وَصَلَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ» ) سُنَّةَ الْإِحْرَامِ، فَفِيهِ صَلَاتُهُمَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَأَنَّهَا نَافِلَةٌ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ سَلَفًا وَخَلَفًا، وَاسْتَحَبَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الْإِحْرَامَ بَعْدَ صَلَاةِ فَرْضٍ لِأَنَّهُ رَوَى أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ كَانَتَا الصُّبْحَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَمْ يَثْبُتْ. ( «فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ» ) ، وَلِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً» ، (أَهَلَّ) أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْإِحْرَامِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُهِلَّ إِذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَتَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ مَاشِيًا. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْأَفْضَلُ عَقِبَ الصَّلَاةِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّهُ «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ» "، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالْمُنْذِرِيُّ وَإِنْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ لِأَنَّ فِيهِ خُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ. الحديث: 739 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ «بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ»   740 - 733 - (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ بَيْدَاؤُكُمْ) بِالْمَدِّ، (هَذِهِ) الَّتِي فَوْقَ عَلَمَيْ ذِي الْحُلَيْفَةِ لِمَنْ صَعِدَ الْوَادِي قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَضَافَهَا إِلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ كَذَبُوا بِسَبَبِهَا كَذِبًا يَحْصُلُ لَهَا بِهِ الشَّرَفُ، (الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا) أَيْ بِسَبَبِهَا فَفِي لِلتَّعْلِيلِ نَحْوَ: {لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 32) ، {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} [النور: 14] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 14) ، وَحَدِيثِ: " «دَخَلَتِ النَّارَ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ» "، فَتَقُولُونَ: إِنَّهُ أَحْرَمَ مِنْهَا وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهَا، (مَا أَهَلَّ) وَلِلْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الحديث: 740 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 بْنِ عُيَيْنَةَ بِسَنَدِهِ: «وَاللَّهِ مَا أَهَلَّ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ) » ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُوسَى: " «مَا أَهَلَّ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ حِينَ قَامَ بِهِ بِعِيرُهُ وَلَا خُلْفَ فَالشَّجَرَةُ عِنْدَ الْمَسْجِدِ» "، قَالَ الْحَافِظُ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُنْكِرُ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: " «رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ» "، وَقَدْ أَزَالَ الْإِشْكَالَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: عَجِبْتُ لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِهْلَالِهِ فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا، «خَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْهُمَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ قَوْمٌ فَحَفِظُوهُ، ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ قَوْمٌ لَمْ يَشْهَدُوا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَسَمِعُوهُ حِينَ ذَاكَ فَقَالُوا: إِنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءَ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ قَوْمٌ لَمْ يُشْهَدُوهُ فَنَقَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا سَمِعَ، وَإِنَّمَا كَانَ إِهْلَالُهُ فِي مُصَلَّاهُ وَأَيْمُ اللَّهِ ثُمَّ أَهَلَّ ثَانِيًا وَثَالِثًا» . فَعَلَى هَذَا كَانَ إِنْكَارُ ابْنِ عُمَرَ عَلَى مَنْ يَخُصُّ الْإِهْلَالَ بِالْقِيَامِ عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، وَقَدِ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى جَوَازِ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ انْتَهَى. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنْ زَالَ بِهِ الْإِشْكَالُ لَكِنْ فِيهِ خُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الرَّاوِي عَنْهُ مُدَلِّسٌ، وَفِيهِ مَقَالٌ وَإِنْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ، وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْمُنْذِرِيُّ: حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ. وَعَلَى تَسْلِيمِ تَوْثِيقِ خُصَيْفٍ وَتِلْمِيذِهِ فَقَدْ عَارَضَهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ إِنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ قَائِمَةً. وَقَالَ عِيَاضٌ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِنَا الْكَذِبُ الْعَمْدُ، فَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُمْ سَهْوًا إِذْ لَا يُظَنُّ بِهِ نِسْبَةُ الصَّحَابَةِ إِلَى الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَحِلُّ، وَبَسَطَ هَذَا الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فَقَالَ: إِنْ قُلْتَ كَيْفَ جَعَلَهُمْ كَاذِبِينَ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُمْ بِاجْتِهَادٍ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمُ الْكَذِبُ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ الْخَطَأُ. قُلْتُ: الْكَذِبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ: الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَ أَوْ غَلَطًا أَوْ سَهْوًا وَالْعَمْدُ شَرْطٌ لِلْإِثْمِ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي جَعْلِهِ شَرْطًا فِي صِدْقِ اسْمِ الْكَذِبِ. فَإِنْ قُلْتَ: كَانَ يَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ عَنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهَا الذَّمُّ، وَالْقَائِلُونَ بِذَلِكَ غَيْرُ مَذْمُومِينَ بَلْ مَشْكُورُونَ لِصُدُورِهِ عَنِ اجْتِهَادٍ. قُلْتُ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ التَّنْفِيرَ مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَتَشْنِيعَهَا عَلَى قَائِلِهَا لِيَحْذَرَ مَعَ صِدْقِ اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ. فَإِنْ قُلْتَ: يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ بِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى إِنْكَارِ كَوْنِهِ أَهَلَّ أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ بَعْدَ وُصُولِهِ إِلَى الْبَيْدَاءِ إِذْ هُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْإِحْرَامِ السَّابِقِ. قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادَ إِنْكَارَ كَوْنِ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ وَقَعَ عِنْدَ الْبَيْدَاءِ لَا لِكَوْنِهِ أَهَلَّ عِنْدَهَا، فَقَوْلُهُ: مَا أَهَلَّ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ إِهْلَالًا مَخْصُوصًا وَهُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ بِهِ الْإِحْرَامَ انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 دُوَيْرَةِ الْأَهْلِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ مَسْجِدِهِ مَعَ شَرَفِهِ الْمَعْلُومِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَحَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا قَالَ وَمَا هُنَّ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إِلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْهِلَالَ وَلَمْ تُهْلِلْ أَنْتَ حَتَّى يَكُونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَمَّا الْأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ»   741 - 734 - (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) كَيْسَانَ (الْمَقْبُرِيِّ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا (عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ) بِتَصْغِيرِهِمَا التَّيْمِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ الْمَكِّيِّ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ نَسَبٌ فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ هَذَا عَمُّهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ لِأَنَّ عُبَيْدًا وَسَعِيدًا تَابِعِيَّانِ مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ، (أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ ابْنِ عُمَرَ، (رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا) مِنَ الْخِصَالِ (لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ) أَيْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بَعْضُهُمْ (يَصْنَعُهَا) مُجْتَمِعَةً، وَإِنْ كَانَ يَصْنَعُ بَعْضَهَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ. وَظَاهِرُ السِّيَاقِ انْفِرَادُ ابْنِ عُمَرَ بِمَا كَانَ ذَكَرَ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ رَآهُمْ عُبَيْدٌ، (قَالَ: وَمَا هُنَّ يِابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنَ الْأَرْكَانِ) الْأَرْبَعَةِ لِلْكَعْبَةِ (إِلَّا) الرُّكْنَيْنِ (الْيَمَانِيَّيْنِ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ لِأَنَّ الْأَلْفَ بَدَلٌ مِنْ إِحْدَى يَائَيِ النَّسَبِ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ تَشْدِيدُهَا عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ زَائِدَةٌ لَا بَدَلٌ وَالْمُرَادُ بِهِمَا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ وَالرُّكْنُ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَهُوَ الْعِرَاقِيُّ لِأَنَّهُ إِلَى جِهَتِهِ تَغْلِيبًا، وَلَمْ يَقَعِ التَّغْلِيبُ بِاعْتِبَارِ الْأَسْوَدِ خَوْفَ الِاشْتِبَاهِ عَلَى جَاهِلٍ، وَلَمْ يَقَعْ بِاعْتِبَارِ الْعِرَاقِيَّيْنِ لِخِفَّةِ الْيَمَانِيَّيْنِ، وَالتَّخْفِيفُ مِنْ مُحَسِّنَاتِ التَّغْلِيبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ ابْنِ عُمَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَآهُمْ عُبَيْدٌ كَانُوا يَسْتَلِمُونَ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَجَابِرٍ. (وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ، (النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَفَوْقِيَّةٍ أَيِ الَّتِي لَا شَعَرَ فِيهَا مُشْتَقٌّ مِنَ السِّبْتِ وَهُوَ الْحَلْقُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، أَوْ لِأَنَّهَا سُبِتَتْ بِالدِّبَاغِ أَيْ لَانَتْ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: السِّبْتُ كُلُّ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ، وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: جُلُودُ الْبَقَرِ مَدْبُوغَةً أَمْ لَا، أَوْ نَوْعٌ مِنَ الدِّبَاغِ يَقْلَعُ الشَّعَرَ، أَوْ جِلْدُ الْبَقَرِ الْمَدْبُوغُ بِالْقَرَظِ، وَقِيلَ: بِالسُّبْتِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ نَبْتٌ يُدْبَغُ بِهِ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: سُوقُ السِّبْتِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كَانَتْ سَوْدَاءَ لَا شَعَرَ فِيهَا، وَقِيلَ هِيَ الَّتِي لَا شَعَرَ عَلَيْهَا أَيَّ لَوْنٍ كَانَتْ، وَمِنْ أَيِّ جِلْدٍ كَانَتْ، وَبِأَيِّ دِبَاغٍ الحديث: 741 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 دُبِغَتْ. وَقَالَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ اشْتِقَاقَهَا وَإِضَافَتَهَا إِلَى السِّبْتِ الَّذِي هُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ أَوْ إِلَى الدِّبَاغَةِ لِأَنَّ السِّينَ مَكْسُورَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ مِنَ السَّبْتِ الَّذِي هُوَ الْحَلْقُ كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ لَكَانَتِ النِّسْبَةُ سَبْتَيَّةٌ بِالْفَتْحِ، وَلَمْ يَرْوِهَا أَحَدٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا فِي الشِّعْرِ فِيمَا عَلِمْتُ إِلَّا بِالْكَسْرِ، قَالَ: وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ لُبْسُ النِّعَالِ بِشَعَرِهَا غَيْرَ مَدْبُوغَةٍ، وَكَانَتِ الْمَدْبُوغَةُ تُعْمَلُ بِالطَّائِفِ وَغَيْرِهِ، وَيَلْبَسُهَا أَهْلُ الرَّفَاهِيَةِ. (وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَكَسْرُهَا، (بِالصُّفْرَةِ) ثَوْبَكَ أَوْ شَعَرَكَ، (وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ) مُسْتَقِرًّا (بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ) أَيْ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ لِلْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، (إِذَا رَأَوُا الْهِلَالَ) أَيْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، (وَلَمْ تُهْلِلْ) بِلَامَيْنِ بِفَكِّ الْإِدْغَامِ (أَنْتَ حَتَّى يَكُونَ) أَيْ يُوجَدَ، وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ أَيْ وُجِدَ (يَوْمُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يَكُونُ التَّامَّةِ وَالنَّصْبِ خَبَرٌ عَلَى أَنَّهَا نَاقِصَةٌ، (التَّرْوِيَةِ) ثَامِنُ ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَرْوُونَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ أَيْ يَحْمِلُونَهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عَرَفَاتٍ لِيَسْتَعْمِلُوهُ شُرْبًا وَغَيْرَهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (فَتُهِلَّ أَنْتَ) وَتَبَيَّنَ مِنْ جَوَابِهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُهِلُّ حَتَّى يَرْكَبَ قَاصِدًا إِلَى مِنًى (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا الْأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَسْتَلِمُ مِنْهَا (إِلَّا) الرُّكْنَيْنِ (الْيَمَانِيَّيْنِ) بِالتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُمَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ وَمَسُّهُمَا وَاسْتِلَامُهُمَا مُخْتَلِفٌ، فَالْعِرَاقِيُّ مِنْهُ وَهُوَ اسْتِلَامُهُ بِالتَّقْبِيلِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إِنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَبِيَدِهِ أَوْ بِعُودٍ ثُمَّ وَضْعِهِ عَلَى فِيهِ بِلَا تَقْبِيلٍ، وَالْيَمَانِيُّ مَسُّهُ بِيَدِهِ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ بِلَا تَقْبِيلٍ، وَلَا يَمَسُّهُ بِفِيهِ بِخِلَافِ الشَّامِيَّيْنِ فَلَيْسَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَلَمْ يَمَسَّهُمَا فَالْعِلَّةُ ذَلِكَ، قَالَ الْقَابِسِيُّ: لَوْ أُدْخِلَ الْحَجَرُ فِي الْبَيْتِ حَتَّى عَادَ الشَّامِيَّانِ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ اسْتُلِمَا، قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: وَلِذَا لَمَّا بَنَى ابْنُ الزُّبَيْرِ الْكَعْبَةَ عَلَى قَوَاعِدِهِ اسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، وَالَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ سَلَفًا وَخَلَفًا أَنَّ الشَّامِيَّيْنِ لَا يُسْتَلَمَانِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ وَالْفُقَهَاءُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَبَعْضِ التَّابِعِينَ ثُمَّ ذَهَبَ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: اخْتِصَاصُ الرُّكْنَيْنِ بُيِّنَ بِالسُّنَّةِ وَمُسْتَنَدُ التَّعْمِيمِ الْقِيَاسُ، وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا بِأَنَّا لَمْ نَدَعِ اسْتِلَامَهُمَا هَجْرًا لِلْبَيْتِ، وَكَيْفَ يَهْجُرُهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِهِ؟ وَلَكِنَّا نَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا، وَلَوْ كَانَ تَرْكُ اسْتِلَامِهِمَا هَجْرًا لَهُمَا لَكَانَ تَرْكُ اسْتِلَامِ مَا بَيْنَ الْأَرْكَانِ هَجْرًا لَهَا وَلَا قَائِلَ بِهِ. (وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ» ) أَشَارَ إِلَى تَفْسِيرِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 بِذَلِكَ وَهَكَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَالْحَدِيثِ أَنَّهَا الَّتِي لَا شَعَرَ فِيهَا. (وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا) أَيِ النِّعَالِ أَيْ يَتَوَضَّأُ وَيَلْبَسُهَا وَرِجْلَاهُ رَطْبَتَانِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ. (فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهُمَا) اقْتِدَاءً بِهِ، ( «وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا» ) ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: قِيلَ: الْمُرَادُ صَبْغُ الشَّعَرِ، وَقِيلَ: صَبْغُ الثَّوْبِ، قَالَ: وَالْأَشْبَهُ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبَغَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَبَغَ شَعَرَهُ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بَيَّنَ فِيهَا تَصْفِيرَ ابْنِ عُمَرَ لِحْيَتَهُ، وَاحْتَجَّ «بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَذَكَرَ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ احْتِجَاجَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ حَتَّى عِمَامَتَهُ، وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مِمَّا يَتَطَيَّبُ بِهِ لَا أَنَّهُ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا شَعَرَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ إِلَّا ثِيَابَهُ، وَأَمَّا الْخِضَابُ فَلَمْ يَكُنْ يَخْضِبُ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الْمُفْهِمِ بِأَنَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: " «انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ ذُو وَفْرَةٍ وَفِيهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ» "، قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَكَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ الْخِضَابِ فِي لِحْيَتِهِ فَقَطْ. (وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ) أَيْ تَسْتَوِي قَائِمَةً إِلَى طَرِيقِهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَابَاتِهِ نَصٌّ فِي عَيْنِ مَا سُئِلَ عَنْهُ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَصٌّ فِي الرَّابِعِ أَجَابَ بِضَرْبٍ مِنَ الْقِيَاسِ، وَوَجَّهَ أَنَّهُ لَمَّا رَآهُ فِي حَجِّهِ مِنْ غَيْرِ مَكَّةَ إِنَّمَا يُهِلُّ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ أَخَّرَ هُوَ إِلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُبْتَدَأُ فِيهِ بِأَعْمَالِ الْحَجِّ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى مِنًى وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَبْعَدَ مَنْ قَالَ هَذَا قِيَاسٌ بَلْ هُوَ تَمَسُّكٌ بِنَوْعِ الْفِعْلِ الَّذِي رَآهُ يَفْعَلُهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَا رَآهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ كَمَا رَآهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ فَقَطْ، بَلْ رَآهُ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَاسَ الْإِحْرَامَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهَا مِيقَاتُ الْكَائِنِ بِمَكَّةَ فَأَحْرَمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهُ يَوْمُ التَّوَجُّهِ إِلَى مِنًى وَالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ قِيَاسًا عَلَى إِحْرَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِيقَاتِ حِينَ تَوَجَّهَ إِلَى مَكَّةَ، فَالظَّاهِرُ قَوْلُ الْمَازِرِيُّ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جَاءَ ابْنُ عُمَرَ بِحُجَّةٍ قَاطِعَةٍ نَزَعَ بِهَا فَأَخَذَ بِالْعُمُومِ فِي إِهْلَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَخُصَّ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يُهِلُّ الْحَاجُّ إِلَّا فِي وَقْتٍ يَتَّصِلُ لَهُ عَمَلُهُ وَقَصْدُهُ إِلَى الْبَيْتِ وَمَوَاضِعِ الْمَنَاسِكِ وَالشَّعَائِرِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ وَاتَّصَلَ لَهُ عَمَلُهُ. وَوَافَقَ ابْنَ عُمَرَ عَلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَحَمَلَ شُيُوخُنَا رِوَايَةَ اسْتِحْبَابِ الْإِهْلَالِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ، وَرِوَايَةَ اسْتِحْبَابِهِ أَوَّلَ الشَّهْرِ عَلَى مَنْ كَانَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 مَكَّةَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ لِيَحْصُلَ لَهُ مِنَ الشَّعَثِ مَا يُسَاوِي مَنْ أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالْمَذَاهِبِ كَانَ مَوْجُودًا فِي الصَّحَابَةِ، وَهُوَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَصَحُّ مَا يَكُونُ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا بِالتَّأْوِيلِ الْمُحْتَمَلِ فِيمَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ وَفِيمَا انْفَرَدَ بَعْضُهُمْ بِعِلْمِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ مَنْ بَعْدَهُمْ فَلَيْسَ اخْتِلَافُهُمْ بِشَيْءٍ، وَفِيهِ أَنَّ الْحُجَّةَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ السُّنَّةُ وَأَنَّهَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا وَلَيْسَ مَنْ خَالَفَهَا حُجَّةٌ عَلَيْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَسْتَوْحِشْ مِنْ مُفَارَقَةِ أَصْحَابِهِ إِذْ كَانَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عِلْمٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْجَمَاعَةُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ، وَلَعَلَّكَ وَهِمْتَ، كَمَا يَقُولُ الْيَوْمَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بَلِ انْقَادَ لِلْحَقِّ إِذْ سَمِعَهُ وَهَكَذَا يَلْزَمُ الْجَمِيعَ انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي اللِّبَاسِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْحَجِّ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَكُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَرْكَبُ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَحْرَمَ   742 - 735 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ) رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الْإِحْرَامِ، (ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَرْكَبُ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ) قَائِمَةً (أَحْرَمَ) اتِّبَاعًا لِمَا رَآهُ مِنْ فِعْلِ الْمُصْطَفَى لِذَلِكَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ» ". الحديث: 742 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَهَلَّ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَأَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ   742 - 736 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ) بْنِ الْحَكَمِ الْأُمَوِيَّ أَحَدُ مُلُوكِ بَنِي أُمَيَّةَ (أَهَلَّ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَأَنَّ أَبَانَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ فَأَلِفٌ فَنُونٌ (ابْنَ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ الْأُمَوِيَّ الْمَدَنِيَّ التَّابِعِيَّ الثِّقَةَ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ، (أَشَارَ عَلَيْهِ) بِالْإِفْرَادِ، وَفِي نُسْخَةٍ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَنْ مَعَهُ (بِذَلِكَ) فَاتَّبَعُوهُ، وَالْقَصْدُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْعَمَلَ اسْتَمَرَّ عَلَى فِعْلِ الْمُصْطَفَى فَيُرَدُّ عَلَى مَنْ قَالَ يَحْرُمُ مِنَ الْبَيْدَاءِ أَوْ عَقِبَ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 [بَاب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْإِهْلَالِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَوْ مَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ بِالْإِهْلَالِ يُرِيدُ أَحَدَهُمَا» وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ لِتُسْمِعْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا قَالَ مَالِكٌ لَا يَرْفَعُ الْمُحْرِمُ صَوْتَهُ بِالْإِهْلَالِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ لِيُسْمِعْ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ مِنًى فَإِنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِيهِمَا قَالَ مَالِكٌ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ وَعَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْض   10 - بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْإِهْلَالِ أَيِ التَّلْبِيَةِ، وَقَوْلُ عِيَاضٍ: هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ بِالْإِهْلَالِ مَعَ قَوْلِهِ رَفْعِ الصَّوْتِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَاسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ رَفَعَ صَوْتَهُ وَكُلُّ شَيْءٍ ارْتَفَعَ صَوْتُهُ فَقَدِ اسْتَهَلَّ وَبِهِ سُمِّيَ الْهِلَالُ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ لِأَنَّ الْعَرَبَ مَا كَانَتْ تَعْتَنِي بِالْأَهِلَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُؤَرِّخُ بِهَا، وَالْهِلَالُ يُسَمَّى بِذَلِكَ قَبْلَ الْعِنَايَةِ بِالتَّارِيخِ، وَبِأَنَّ جَعْلَ الْإِهْلَالِ مَأْخُوذًا مِنَ الْهِلَالِ أَوْلَى لِقَاعِدَةٍ تَصْرِيفِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ الْأَمْرُ فِي اللَّفْظَيْنِ أَيُّهُمَا أُخِذَ مِنَ الْآخَرِ جُعِلَتِ الْأَلْفَاظُ الْمُتَنَاوِلَةُ لِلَذَّاتٍ أَصْلًا لِلْأَلْفَاظِ الْمُتَنَاوِلَةِ لِلْمَعَانِي وَالْهِلَالُ ذَاتٌ فَهُوَ الْأَصْلُ، وَالْإِهْلَالُ مَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِهِ فَهُوَ الْفَرْعُ انْتَهَى. 744 - 737 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ هِشَامٍ (عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ الْأَنْصَارِيِّ) الْخَزْرَجِيِّ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ (عَنْ أَبِيهِ) السَّائِبِ بْنِ خَلَّادِ بْنِ سُوِيدٍ أَبِي سَهْلٍ الْمَدَنِيِّ لَهُ صُحْبَةٌ، وَعَمِلَ عَلَى الْيَمَنِ، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِينَ، (أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي» ) عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرَ نَدْبٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَوُجُوبٍ عِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ، (أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَوْ مَنْ مَعِي) بِالشَّكِّ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الرَّاوِي إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمُصْطَفَى قَالَ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْآخَرِ، وَتَجْوِيزُ ابْنِ الْأَثِيرِ أَنَّ الشَّكَّ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ نَوْعُ سَهْوٍ وَلَا يُعْصَمُ عَنْهُ رَكِيكٌ مُتَعَسَّفٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ: وَمَنْ مَعِي بِالْوَاوِ، قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ زِيَادَةُ إِيضَاحٍ وَبَيَانٍ فَإِنَّ الَّذِينَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِأَصْحَابِهِ الْمُلَازِمِينَ لَهُ الْمُقِيمِينَ مَعَهُ فِي بَلَدِهِ وَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَبِمَنْ مَعَهُ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ قَدِمَ لِيَحُجَّ مَعَهُ وَلَمْ يَرَهُ إِلَّا فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: عَطَفَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ مُرَادَهُ الَّذِينَ صَحِبُوهُ وَعَرِفُوا بِهِ لِطُولِ الْمُلَازَمَةِ لَهُ دُونَ مَنْ رَافَقَهُ وَاتَّبَعَهُ فِي وَقْتٍ مَا فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيُفِيدَ أَنَّ مُرَادَهُ كُلُّ مَنْ صَحِبَهُ وَلَوْ فِي وَقْتٍ مَا حَتَّى مَنْ لَمْ يَرَهُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَمْ يُكَلِّمْهُ فَعَطَفَهُمْ عَلَيْهِمْ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ تَعْلِيمِهِمْ، إِذْ مَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوِ الْهِجْرَةِ أَحَقُّ بِتَأْكِيدِ الحديث: 744 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 التَّعْرِيفِ بِالسُّنَّةِ. وَأَمَّا الْخَاصَّةُ فَمَظِنَّةُ الِاطِّلَاعِ عَلَى خَفَايَا الشَّرِيعَةِ وَدَقَائِقِهَا، (أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ) إِظْهَارًا لِشِعَارِ الْإِحْرَامِ وَتَعْلِيمًا لِلْجَاهِلِ مَا يُسْتَحَبُّ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، (أَوْ بِالْإِهْلَالِ) وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ كَمَا مَرَّ فَالتَّصْرِيحُ بِالرَّفْعِ مَعَهُ زِيَادَةُ بَيَانٍ، (يُرِيدُ أَحَدَهُمَا) يَعْنِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ أَحَدَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، لَكِنَّ الرَّاوِيَ شَكَّ فِيمَا قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَتَى بَأَوِ الَّتِي لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ ثُمَّ زَادَ ذَلِكَ بَيَانًا بِقَوْلِهِ يُرِيدُ أَحَدَهُمَا. وَفِي النَّسَائِيِّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِالتَّلْبِيَةِ. وَفِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْهُ بِالْإِهْلَالِ. وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مَرْفُوعًا: " أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْمُرَ أَصْحَابَكَ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ فَإِنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ» "، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: " كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَلَبَّى حَتَّى أَسْمَعَ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ "، وَلَهُ أَيْضًا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ حَتَّى تُبَحَّ أَصْوَاتُهُمْ "، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، كَمَا أَفَادَهُ الْمِزِّيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِنَحْوِهِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَإِنِ اخْتُلِفَ عَلَى التَّابِعِيِّ فِي صَحَابِيِّهِ، فَقِيلَ: أَبُوهُ كَمَا هُنَا، وَقِيلَ: زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، وَقِيلَ: عَنْ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ خَلَّادٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَأَرْجُو أَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ أَصَحُّ انْتَهَى. وَهُوَ اخْتِلَافٌ لَا يَضُرُّ. أَمَّا فِي الصَّحَابِيِّ فَلَا مَانِعَ أَنَّ خَلَّادًا سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَمِنْ زَيْدٍ، كَمَا أَنَّ أَبَاهُ قَدْ يَكُونُ سَمِعَهُ مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ مِنَ الْمُصْطَفَى فَحَدَّثَ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ، أَوْ كَانَ السَّائِبُ يُرْسِلُهُ تَارَةً، وَأَمَّا رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ فَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ خَلَّادٍ الرَّجُلَانِ وَلِهَذَا لَمْ يَلْتَفِتِ التِّرْمِذِيُّ وَمَنْ عُطِفَ عَلَيْهِ إِلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَصَحَّحُوهُ كَمَا مَرَّ. (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ) لِأَنَّهُ يُخْشَى مِنْ صَوْتِهَا الْفِتْنَةُ (لِتُسْمِعَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا) فَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ مَعِي فَلَيْسَ لَهُنَّ ذَلِكَ، (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْفَعُ الْمَحْرِمُ صَوْتَهُ بِإِهْلَالٍ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ) لِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَيْهِمْ (لِيُسْمِعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ مِنًى فَإِنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِيهِمَا) ، وَوَجْهُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ جُعِلَ لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ وَغَيْرِهِمَا فَكَانَ الْمُلَبِّي إِنَّمَا يَقْصِدُ إِلَيْهِ فَكَانَ وَجْهُ الْخُصُوصِيَّةِ وَكَذَلِكَ مَسْجِدُ مِنًى. (قَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ) وَلَوْ نَافِلَةً، (وَعَلَى كُلِّ شَرَفٍ) مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ (مِنَ الْأَرْضِ) ، وَكَذَا يُنْدَبُ لِقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَنُزُولٍ وَرُكُوبٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَمُلَاقَاةِ رِفَاقٍ وَسَمَاعِ مُلَبٍّ، وَفِي تَلْبِيَةِ مَنْ رَجَعَ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ فِي رُجُوعِهِ رِوَايَتَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 [بَاب إِفْرَادِ الْحَجِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَّلَ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يُحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ»   11 - بَابُ إِفْرَادِ الْحَجِّ هُوَ الْإِهْلَالُ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ فِي أَشْهُرِهِ اتِّفَاقًا وَفِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ عِنْدَ مُجِيزِهِ، وَالِاعْتِمَارُ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لِمَنْ شَاءَ. 746 - 738 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ نَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْأَسَدِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ عَلَّامَةٌ بِالْمَغَازِي، مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَادَتْ عَمْرَةُ عَنْهَا، لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الْمُوَطَّأِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْهَا فِي شَهْرِ الْحَجِّ، وَفِيهِمَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا مُوَافِينَ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، (عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ) سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا، وَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ غَيْرَهَا، (فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ) فَقَطْ، (وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَكَانَ قَارِنًا، (وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ) مُفْرِدًا، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا رِوَايَةَ عَمْرَةَ الْآتِيَةَ عَنْهَا وَالْأَسْوَدِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا: " «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ» "، وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الحديث: 746 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا: " مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ "، وَلِمُسْلِمٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْهَا: " لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ "، وَلَهُ أَيْضًا: " مُلَبِّينَ بِالْحَجِّ "، فَظَاهِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا مُحْرِمِينَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا ذَكَرَتْ مَا كَانُوا يَعْهَدُونَهُ مِنْ تَرْكِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَخَرَجُوا لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا الْحَجَّ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَ الْإِحْرَامِ وَجَوَّزَ لَهُمُ الِاعْتِمَارَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَمَّا عَائِشَةُ نَفْسُهَا فَفِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ وَابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَتْ: " وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ "، فَادَّعَى إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ عُرْوَةَ وَأَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ الْأَسْوَدِ وَالْقَاسِمِ وَعَمْرَةَ عَنْهَا أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَ عُرْوَةَ عَنْهَا أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ صَرِيحٌ، وَقَوْلُ الْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ عَنْهَا لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ لَيْسَ صَرِيحًا فِي إِهْلَالِهَا بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَغْلِيطِ عُرْوَةَ وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيثِهَا وَقَدْ وَافَقَهُ جَابِرٌ الصَّحَابِيُّ كَمَا فِي مُسْلِمٍ، وَكَذَا رَوَاهُ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ عَنْ عَائِشَةَ، وَجُمِعَ أَيْضًا بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا كَمَا صَنَعَ غَيْرُهَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَلَى هَذَا يُنَزَّلُ حَدِيثُ الْأَسْوَدِ وَمَنْ وَافَقَهُ، ثُمَّ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْسَخُوا الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ مَا صَنَعُوا فَصَارَتْ مُتَمَتَّعَةً، وَعَلَى هَذَا يُنَزَّلُ حَدِيثُ عُرْوَةَ ثُمَّ لَمَّا دَخَلَتْ مَكَّةَ وَهِيَ حَائِضٌ، وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى الطَّوَافِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ، أَمَرَهَا أَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلَافِ. ( «وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ» ) عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ، (فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةِ فَحَلَّ) لَمَّا وَصَلَ مَكَّةَ وَأَتَى بِأَعْمَالِهَا وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَسُقْ مَعَهُ هَدْيًا، أَمَّا مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ هُوَ كَذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ لَا يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ. (وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ) مُفْرِدًا (أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) قَارِنًا (فَلَمْ يُحِلُّوا) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِ الْحَاءِ، يُقَالُ: حَلَّ الْمُحْرِمُ وَأَحَلَّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، (حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ) فَحَلُّوا، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ خَمْسَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ»   747 - 739 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ) عَمَّتِهِ (عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ الحديث: 747 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ» ) ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي مُسْلِمٍ، وَرَوَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا عُمَرُ فِي الْبُخَارِيِّ، وَأَنَسٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعِمْرَانُ بْنُ حَصِينٍ فِي مُسْلِمٍ، وَالْبَرَاءُ فِي أَبِي دَاوُدَ، وَعَلِيُّ فِي النَّسَائِيِّ، وَسُرَاقَةُ وَأَبُو طَلْحَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبُو سَعِيدٍ وَقَتَادَةُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَابْنُ أَبِي أَوْفَى عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي الْبُخَارِيِّ، وَجُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلًا مُفْرِدًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَدْخَلَهَا عَلَى الْحَجِّ، فَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْإِفْرَادِ أَوَّلُ الْإِحْرَامِ، وَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْقِرَانِ آخِرُهُ. وَأَمَّا مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا كَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعِمْرَانَ فِي مُسْلِمٍ فَأَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ وَقَدِ انْتَفَعَ بِالِاكْتِفَاءِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، وَبِهَذَا الْجَمْعِ تَنْتَظِمُ الْأَحَادِيثُ وَيَأْتِي زِيَادَةٌ فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي أَيِّهَا أَفْضَلُ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذْهَبِهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمِ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: الْقِرَانُ أَفْضَلُ وَرُجِّحَ الْإِفْرَادُ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ، وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ مَزِيَّةٌ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَأَمَّا جَابِرٌ فَهُوَ أَحْسَنُ الصَّحَابَةِ سِيَاقًا لِحَدِيثِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا مِنْ حِينِ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى آخِرِهَا فَهُوَ أَضْبَطُ لَهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ آخِذًا بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ رَجَّحَ قَوْلَ أَنَسٍ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَ: كَانَ أَنَسٌ يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ وَهُنَّ مُكَشَّفَاتُ الرُّءُوسِ وَإِنِّي كُنْتُ تَحْتَ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّنِي لُعَابُهَا أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ. وَأَمَّا عَائِشَةُ فَقُرْبُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرُوفٌ وَكَذَلِكَ اطِّلَاعُهَا عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِ وَظَاهِرِهِ وَفِعْلِهِ فِي خَلْوَتِهِ وَعَلَانِيَتِهِ مَعَ كَثْرَةِ فِقْهِهَا وَعَظِيمِ فِطْنَتِهَا. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَمَحَلُّهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَالْفَهْمِ الثَّاقِبِ مَعْرُوفٌ مَعَ كَثْرَةِ بَحْثِهِ وَتَحَفُّظِهِ أَحْوَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لَمْ يَحْفَظْهَا غَيْرُهُ وَأَخْذُهُ إِيَّاهَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَبِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَاظَبُوا عَلَى الْإِفْرَادِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَاخْتُلِفَ عَنْ عَلِيٍّ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ وَعَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ مُفْرِدًا لَمْ يُوَاظِبُوا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُمُ الْأَئِمَّةُ الْمُقْتَدَى بِهِمْ فِي عَصْرِهِمْ وَبَعْدَهُمْ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِمُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى خِلَافِ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا الْخِلَافُ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّمَا فَعَلُوهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ وَعَمِلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِأَحَدِهِمَا وَتَرَكَا الْآخَرَ دَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْحَقَّ فِيمَا عَمِلَا بِهِ، وَبِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ كَرَاهَةُ الْإِفْرَادِ وَكَرِهَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَغَيْرُهُمَا التَّمَتُّعَ حَتَّى فَعَلَهُ عَلِيٌّ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَبِأَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ بِإِجْمَاعٍ بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَفِيهِمَا الدَّمُ لِجُبْرَانِ النَّقْصِ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّ الصِّيَامَ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَوْ كَانَ دَمَ نُسُكٍ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ كَالْأُضْحِيَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ بِأَنَّهَا مُئَوَّلَةٌ بِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِمَا فَنُسِبَا إِلَيْهِ لِذَلِكَ نَحْوَ: بَنَى الْأَمِيرُ الْمَدِينَةَ. وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْأَمْرُ بِإِتْمَامِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ قَرْنُهُمَا بِالْفِعْلِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [النور: 56] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 56) ، وَبَسْطُ الْجِدَالِ يَطُولُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ سَتَّتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ وَكَانَ يَتِيمًا فِي حَجْرِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ» وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُهِلَّ بَعْدَهُ بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا   748 - 740 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ) مَالِكٌ (وَكَانَ يَتِيمًا فِي حَجْرِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) وَلِذَا اشْتُهِرَ بِيَتِيمِ عُرْوَةَ، (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ (عَنْ) خَالَتِهِ (عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ» ) ، وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ تَحَلَّلَ مِنْهُ بِمِنًى، وَلَمْ يَعْتَمِرْ تِلْكَ السَّنَةَ كَمَا قِيلَ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَنْ رَجَّحَ أَنَّهُ كَانَ مُفْرِدًا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَأَعَادَ الْإِمَامُ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا كَأَنَّهُ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الْأَسْوَدِ بِالْوَجْهَيْنِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ مُخْتَصَرًا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي صِفَةِ حَجِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ مُشَاهَدَةٍ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ عِيَاضٌ: أَجَابَ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ ثُمَّ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ ثُمَّ الْمُهَلَّبُ أَخُوهُ وَابْنُ الْمُرَابِطِ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ بِمَا مُلَخَّصُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ لِلنَّاسِ فِعْلَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِيَدُلَّ عَلَى جَوَازِ جَمِيعِهَا، إِذْ لَوْ أَمَرَ بِوَاحِدٍ لَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يَجْزِي، فَأُضِيفَ الْجَمِيعُ إِلَيْهِ وَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَأَبَاحَهُ لَهُ وَنَسَبَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا لِأَمْرِهِ بِهِ وَإِمَّا لِتَأْوِيلِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إِحْرَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ فَأَخْذٌ بِالْأَفْضَلِ فَأَحْرَمَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَبِهِ تَظَاهُرُ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ. وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَمَعْنَاهَا أَمَرَ بِهِ. وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنْ كَانَ قَارِنًا فَلَيْسَ إِخْبَارًا عَنِ ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ بَلْ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ حِينَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّحَلُّلِ مِنَ حَجِّهِمْ وَقَلْبِهِ إِلَى عُمْرَةٍ لِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ فِي آخِرِ إِحْرَامِهِمْ قَارِنِينَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ، وَفَعَلَ ذَلِكَ مُوَاسَاةً لِأَصْحَابِهِ وَتَأْنِيسًا لَهُمْ فِي فِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُنْكَرَةً عِنْدَهُمْ فِي أَشْهُرِهِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَلُّلُ مَعَهُمْ بِسَبَبِ الْهَدْيِ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ فِي تَرْكِ مُوَاسَاتِهِمْ الحديث: 748 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 فَصَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِنًا فِي آخِرِ أَمْرِهِ. وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَشَذَّ بَعْضُ النَّاسِ فَمَنَعَهُ وَقَالَ: لَا يَدْخُلُ إِحْرَامٌ عَلَى إِحْرَامٍ كَمَا لَا تَدْخُلُ صَلَاةٌ عَلَى صَلَاةٍ. وَاخْتُلِفَ فِي إِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فَجَوَّزَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَمَنَعَهُ آخَرُونَ وَجَعَلُوا هَذَا خَاصًّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِضَرُورَةِ الِاعْتِمَارِ حِينَئِذٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَمَنْ قَالَ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَيْ تَمَتَّعَ بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَعَلَهَا مَعَ الْحَجِّ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ فَانْتَظَمَتِ الْأَحَادِيثُ وَاتَّفَقَتْ، وَلَا يَبْعُدُ رَدُّ مَا وَرَدَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ فِعْلٍ مِثْلِ ذَلِكَ إِلَى مِثْلِ هَذَا مَعَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَالْإِفْرَادُ إِخْبَارٌ عَنْ فِعْلِهِمْ أَوَّلًا، وَالْقِرَانُ إِخْبَارٌ عَنْ إِحْرَامِ الَّذِينَ مَعَهُمْ هَدْيٌ بِالْعُمْرَةِ ثَانِيًا، وَالتَّمَتُّعُ لِفَسْخِهِمُ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ ثُمَّ إِهْلَالِهِمْ بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا كَمَا فَعَلَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، وَقَوْلُ بَعْضِ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا مُنْتَظِرًا مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ إِفْرَادٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ تَمَتُّعٍ ثُمَّ أُمِرَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أُمِرَ بِالْعُمْرَةِ مَعَهُ فِي وَادِي الْعَقِيقِ بِقَوْلِهِ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ صَرِيحَةٌ بِخِلَافِهِ مَعَ صِحَّتِهَا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ أَنْعَمَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَأَجَادَ فَقَالَ مَا مُلَخَّصُهُ: مَعْلُومٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ جَوَازُ إِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْآمْرِ كَالْفَاعِلِ لِحَدِيثِ رَجَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا، وَقَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ مِنْهُمُ الْمُفْرِدُ وَالْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَنْهُ أَمْرَ نُسُكِهِ وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ، فَجَازَ أَنْ تُضَافَ كُلُّهَا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا وَأَذِنَ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُمْ سَمِعَهُ يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ، فَحَكَى أَنَّهُ أَفْرَدَ وَخَفِيَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَعُمْرَةٍ فَلَمْ يَحْكِ إِلَّا مَا سَمِعَ، وَسَمِعَ أَنَسٌ وَغَيْرُهُ الزِّيَادَةَ وَلَا يُنْكَرُ قَبُولُهَا، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التَّنَاقُضُ لَوْ كَانَ الزَّائِدُ نَافِيًا لِقَوْلِ صَاحِبِهِ، فَأَمَّا إِذَا أَثْبَتَهُ وَزَادَ عَلَيْهِ فَلَا تَنَاقُضَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّاوِيَ سَمِعَهُ يَقُولُ لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ فَيَقُولُ لَهُ قُلْ: لَبَّيْكَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّلْقِينِ، فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ ظَاهِرًا لَيْسَ فِيهَا تَنَاقُضٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا سَهْلٌ كَمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى. وَقِيلَ: أَهَلَّ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مُفْرِدًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِأَنْ يَفْسَخُوا حَجَّهُمْ فَيَجْعَلُوهُ عُمْرَةً وَفَسَخَ مَعَهُمْ وَمَنَعَهُ مِنَ التَّحَلُّلِ مِنْ عُمْرَتِهِ الْمَذْكُورَةِ سَوْقُ الْهَدْيِ فَاسْتَمَرَّ مُعْتَمِرًا حَتَّى أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا حَتَّى تَحَلَّلَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا وَآخِرًا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ مَنْ أَهَلَّ) أَحْرَمَ (بِحَجٍّ مُفْرَدٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُهِلَّ بَعْدَهُ بِعُمْرَةٍ) يُرْدِفُهَا عَلَيْهِ، (فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) لِضَعْفِهَا وَقُوَّتِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ لِأَنَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ دَاخِلَةٌ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 أَعْمَالِ الْحَجِّ فَلَا فَائِدَةَ فِي إِرْدَافِهَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَيَسْتَفِيدُ بِهِ الْوُقُوفَ وَالرَّمْيَ وَالْمَبِيتَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 [بَاب الْقِرَانِ فِي الْحَجِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ دَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِالسُّقْيَا وَهُوَ يَنْجَعُ بَكَرَاتٍ لَهُ دَقِيقًا وَخَبَطًا فَقَالَ هَذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَلَى يَدَيْهِ أَثَرُ الدَّقِيقِ وَالْخَبَطِ فَمَا أَنْسَى أَثَرَ الدَّقِيقِ وَالْخَبَطِ عَلَى ذِرَاعَيْهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ أَنْتَ تَنْهَى عَنْ أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَقَالَ عُثْمَانُ ذَلِكَ رَأْيِي فَخَرَجَ عَلِيٌّ مُغْضَبًا وَهُوَ يَقُولُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَعَرِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَهُ وَيَحِلَّ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْر   12 - بَابُ الْقِرَانِ فِي الْحَجِّ مَصْدَرُ قَرَنَ، وَهُوَ الْإِهْلَالُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، أَوِ الْإِهْلَالُ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ أَوْ عَكْسُهُ وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ. 750 - 741 - (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ) الصَّادِقِ (ابْنِ مُحَمَّدٍ) الْبَاقِرِ (عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُدْرِكِ الْمِقْدَادَ وَلَا عَلِيًّا لَكِنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ بِنَحْوِهِ، (أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ) الصَّحَابِيَّ الشَّهِيرَ الْبَدْرِيَّ (دَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِالسُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ مَقْصُورٍ، قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِعُسْفَانَ، (وَهُوَ يَنْجَعُ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَعَيْنٍ مُهْمِلَةٍ مِنْ نَجَعَ كَمَنَعَ، وَبِضَمِّ أَوَّلِهُ وَكَسْرِ الْجِيمِ مِنْ أَنْجَعَ أَيْ يَسْقِي، (بَكَرَاتٍ لَهُ) جَمْعُ بَكْرَةٍ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، وَلَدُ النَّاقَةِ أَوِ الْفَتِيُّ مِنْهَا أَوِ الثَّنِيُّ إِلَى أَنْ يُجْذِعَ، أَوِ ابْنُ الْمَخَاضِ إِلَى أَنْ يُثَنِّيَ، أَوِ ابْنُ اللَّبُونِ أَوِ الَّذِي لَمْ يَبْزُلْ (دَقِيقًا وَخَبَطًا) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَرَقٌ يُنْفَضُ بِالْمَخَابِطِ وَيُجَفَّفُ وَيُطْحَنُ وَيُخْلَطُ بِدَقِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيُوخَفُ بِالْمَاءِ وَيُسْقَى لِلْإِبِلِ، وَيُقَالُ: نَجَعْتُ الْبَعِيرَ إِذَا سَقَيْتَهُ الْمَدِيدَ وَهُوَ أَنْ يَسْقِيَهُ الْمَاءَ بِالْبَزْرِ أَوِ السِّمْسِمِ أَوِ الدَّقِيقِ، وَاسْمُ الْمَدِيدِ النَّجُوعُ. (فَقَالَ) الْمِقْدَادُ لَعَلِيٍّ: (هَذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ) أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (يَنْهَى عَنْ أَنْ يُقْرَنَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ أَيِ الْإِنْسَانُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، أَوْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَالنَّائِبُ قَوْلُهُ (بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَلَى يَدَيْهِ أُثَرُ الدَّقِيقِ وَالْخَبَطِ) لِاسْتِعْجَالِهِ لِأَنَّهُ كَبُرَ عَلَيْهِ نَهْيُهُ عَنْ أَمْرٍ أَبَاحَهُ الْمُصْطَفَى، (فَمَا أَنْسَى أَثَرَ الدَّقِيقِ وَالْخَبَطِ عَلَى ذِرَاعَيْهِ) فَأَطْلَقَ الْيَدَيْنِ أَوَّلًا عَلَى مَا يَشْمَلُ الذِّرَاعَيْنِ (حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ: أَنْتَ تَنْهَى عَنْ أَنْ يُقْرَنَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَوِ الْفَاعِلِ أَيِ الْإِنْسَانُ (بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؟) ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ الحديث: 750 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ عَلِيٌّ: " مَا تُرِيدُ إِلَى أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: دَعْنَا عَنْكَ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَكَ "، (فَقَالَ عُثْمَانُ: ذَلِكَ رَأْيِي فَخَرَجَ عَلِيٌّ مُغْضَبًا) لِأَنَّ مُعَارَضَةَ النَّصِّ بِالرَّأْيِ شَدِيدَةٌ عِنْدَهُمْ، (وَهُوَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا) ، وَلِلنَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَالَ عُثْمَانُ: " تَرَانِي أَنْهَى النَّاسَ وَأَنْتَ تَفْعَلُهُ؟ قَالَ: مَا كُنْتُ أَدَعُ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أَحَدٍ "، وَلِلنَّسَائِيِّ أَيْضًا: مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ عُثْمَانَ رَجَعَ عَنِ النَّهْيِ وَلَفْظُهُ، فَلَبَّى عَلِيٌّ فَلَمْ يَنْهَهُمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَتَّعَ؟ قَالَ: بَلَى. وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِهِمَا جَمِيعًا. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ أَيْ عُثْمَانُ: بَلَى وَلَكِنْ كُنَّا خَائِفِينَ. قَالَ الْحَافِظُ: هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، فَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَهُمَا أَعْلَمُ مِنِ ابْنِ شَقِيقٍ فَلَمْ يَقُولَا ذَلِكَ، وَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ إِنَّمَا كَانَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَا خَوْفَ فِيهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: كُنَّا آمَنَ مَا يَكُونُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَوْلُهُ " خَائِفِينَ " أَيْ: مِنْ أَنْ يَكُونَ مَنْ أَفْرَدَ أَكْثَرَ أَجْرًا مِمَّنْ تَمَتَّعَ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ عَلَى بُعْدِهِ انْتَهَى. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ قَالَ: مَا كُنْتُ أَدَعُ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أَحَدٍ، فَفِيهِ أَنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ مَعًا، أَوْ عَطْفٌ مُسَاوٍ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَى الْقِرَانِ تَمَتُّعًا لِأَنَّ الْقَارِنَ يَتَمَتَّعُ بِتَرْكِ السَّفَرِ مَرَّتَيْنِ، وَفِي قِصَّةِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِنَ الْفَوَائِدِ إِشَاعَةُ الْعَالِمِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ وَإِظْهَارُهُ، وَمُنَاظَرَةُ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَغَيْرِهِمْ فِي تَحْقِيقِهِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ لِقَصْدِ مُنَاصَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْبَيَانُ بِالْفِعْلِ مَعَ الْقَوْلِ، وَجَوَازُ الِاسْتِنْبَاطِ مِنَ النَّصِّ، لِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ جَوَازُ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُمَا لِيُعْمَلَ بِالْأَفْضَلِ كَمَا وَقَعَ لِعُمْرَ، لَكِنْ خَشِيَ عَلِيٌّ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرُهُ النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ فَأَشَاعَ جَوَازَ ذَلِكَ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُجْتَهِدٌ مَأْجُورٌ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُلْزِمُ مُجْتَهِدًا آخَرَ بِتَقْلِيدِهِ لِعَدَمِ إِنْكَارِ عُثْمَانَ مَعَ أَنَّهُ الْإِمَامُ حِينَئِذٍ عَلَى عَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا أَوْ أَرْدَفَهُ بِطَوَافِهَا (لَمْ يَأْخُذْ مَنْ شَعَرِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَحْلِلْ) بِكَسْرِ اللَّامِ (مِنْ شَيْءٍ) لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ (حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَهُ وَيَحِلَّ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ) بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَرَجَ إِلَى الْحَجِّ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَقَطْ فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحْلِلْ وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلُّوا» وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ مَعَهَا فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَدْ صَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ حِينَ قَالَ إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ أَهَلَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا   751 - 742 الحديث: 751 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ نَوْفَلٍ أَبِي الْأَسْوَدِ يَتِيمِ عُرْوَةَ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) أَحَدِ الْفُقَهَاءِ التَّابِعِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ) أَرْسَلَهُ سُلَيْمَانُ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ وَصَلَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَرَجَ إِلَى الْحَجِّ) » فِي تِسْعِينَ أَلْفًا، وَيُقَالُ: مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَيُقَالُ: أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا فِي عِدَّةِ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ، وَأَمَّا الَّذِينَ حَجُّوا مَعَهُ فَأَكْثَرُ الْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ وَالَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الْيَمَنِ مَعَ عَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى وَفِي حَدِيثٍ: " «إِنَّ اللَّهَ وَعَدَ هَذَا الْبَيْتَ أَنْ يَحُجَّهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ فَإِنْ نَقَصُوا كَمَّلَهُمُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ» "، قَالَ الْحَافِظُ فِي تَسْدِيدِ الْقَوْسِ: هَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَلَمْ يُخْرِجْهُ شَيْخُنَا الْعِرَاقِيُّ. (فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ) مُفْرَدٍ وَهُمْ أَكْثَرُهُمْ، (وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) قَرَنَ بَيْنَهُمَا، (وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ) فَقَطْ، (فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحْلِلْ) حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، (وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلُّوا) لَمَّا طَافُوا وَسَعَوْا وَحَلَقُوا أَوْ قَصَّرُوا مَنْ لَمْ يَسُقْ هَدْيًا بِإِجْمَاعٍ، وَمَنْ سَاقَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ قِيَاسًا عَلَى مَنْ لَمْ يَسُقْهُ، وَلِأَنَّهُ يُحِلُّ مِنْ نُسُكِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ: لَا يُحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيَتَحَلَّلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلَا يُحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ» "، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا قَالُوهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُخْتَصَرَةٌ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْآتِيَةِ فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» "، فَهَذِهِ مُفَسِّرَةٌ لِلْمَحْذُوفِ مِنْ تِلْكَ، وَتَقْدِيرُهَا: وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ لِاتِّحَادِ الْقِصَّةِ وَالرَّاوِي. (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ مَعَهَا فَذَلِكَ) جَائِزٌ (لَهُ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَ) يَسْعَى (بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) ، فَإِنْ طَافَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 فَلَيْسَ لَهُ الْإِرْدَافُ وَلَا يَنْعَقِدُ وَأَوْلَى إِنْ سَعَى لَهَا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ لِأَنَّهُ كَالْعَدَمِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْإِهْلَالُ بِالْحَجِّ بَعْدَ سَعْيِ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ حِلَاقِهَا، لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الْحَجِّ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، فَلَوْ حَلَقَ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَفِدْيَةٌ. (وَقَدْ صَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ حِينَ قَالَ) كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ: (إِنْ صُدِدْتَ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنَ التَّحَلُّلِ حِينَ حُصِرْنَا بِالْحُدَيْبِيَةِ، زَادَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ: فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ نَظَرَ عَبْدُ اللَّهِ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ. (ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ) مُخْبِرًا لَهُمْ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ نَظَرُهُ (مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ) بِالرَّفْعِ أَيْ فِي حُكْمِ الْحَصْرِ فَإِذَا جَازَ التَّحَلُّلُ فِي الْعُمْرَةِ مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مَحْدُودَةٍ بِوَقْتٍ فَهُوَ فِي الْحَجِّ أَجْوَزُ، وَفِيهِ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ، (أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ) فَأَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهَا وَهُوَ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ وَإِنَّمَا أَشْهَدَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْإِعْلَامَ لِمَنْ يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، (قَالَ) ابْنُ عُمَرَ مُحْتَجًّا عَلَى إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، (وَقَدْ أَهَلَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ بَعْضُهُمْ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: (عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ قَالَ) لَهُمْ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ) الَّتِي أَهَلَّ بِهَا أَيْ يُدْخِلُهَا عَلَيْهَا، (ثُمَّ لَا يَحِلُّ) مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ (حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا) يَوْمَ النَّحْرِ بِتَمَامِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 [بَاب قَطْعِ التَّلْبِيَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ «وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ يُهِلُّ الْمُهِلُّ مِنَّا فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ»   13 - بَابُ قِطْعِ التَّلْبِيَةِ 753 - 743 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَوْفٍ الثَّقَفِيِّ) الْحِجَازِيِّ الثِّقَةِ، وَلَيْسَ لَهُ عَنْ الحديث: 753 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 أَنَسٍ وَلَا غَيْرِهِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ (أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ ذَاهِبَانِ غَدْوَةً (مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ) أَيْ مِنَ الذِّكْرِ طُولَ الطَّرِيقِ (فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟) وَأَسْلَمُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قُلْتُ لِأَنَسٍ غَدَاةَ عَرَفَةَ: مَا تَقُولُ فِي التَّلْبِيَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ؟ (قَالَ: كَانَ يُهِلُّ الْمُهِلُّ مِنَّا) أَيْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، (فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ. وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: لَا يَعِيبُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ مِنَّا الْمُلَبِّي وَمِنَّا الْمُكَبِّرُ» . (وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ فِيهِمَا أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَاقْتَصَرَ الْحَافِظُ عَلَى الثَّانِي. قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْغُدُوِّ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ التَّلْبِيَةُ فَقَطْ. وَحَكَى الْمُنْذِرِيُّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ لَكِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ التَّكْبِيرِ عَلَى التَّلْبِيَةِ بَلْ عَلَى جَوَازِهِ فَقَطْ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ تَقْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّكْبِيرِ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، فَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ الصَّرِيحُ عَلَى أَنَّ التَّلْبِيَةَ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ لِمُدَاوَمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ تَكْبِيرَهُ هَذَا كَانَ ذِكْرًا يَتَخَلَّلُ التَّلْبِيَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ لَهَا وَفِيهِ بُعْدٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْعِيدِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَدَاةِ عَرَفَةِ فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهِلُّ، فَأَمَّا نَحْنُ فَنُكَبِّرُ» ، قَالَ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَعَجَبًا مِنْكُمْ كَيْفَ لَمْ تَقُولُوا لَهُ مَاذَا رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ يَصْنَعُ؟ وَأَرَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بِذَلِكَ الْوُقُوفَ عَلَى الْأَفْضَلِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالتَّلْبِيَةِ مِنْ تَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ فَأَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ مَا كَانَ يَصْنَعُ هُوَ لِيَعْرِفَ الْأَفْضَلَ مِنْهُمَا وَالَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ هُوَ التَّلْبِيَةُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يُلَبِّي فِي الْحَجِّ حَتَّى إِذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا   754 - 744 - (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) جَدَّهُ الْأَعْلَى وَفِيهِ الحديث: 754 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 انْقِطَاعٌ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا (كَانَ يُلَبِّي فِي الْحَجِّ حَتَّى إِذَا زَاغَتْ) زَالَتْ (الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) أَيْ فِعْلُ عَلِيٍّ (الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ) أَيِ اسْتَمَرَّ (عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَقَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَجَمَاعَةٌ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى بَلَغَ الْجَمْرَةَ» " ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: يَقْطَعُهَا مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: حَتَّى بَلَغَ الْجَمْرَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يُلَبِّي إِلَى فَرَاغِ رَمْيِهَا لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ حَدِيثَ الْفَضْلِ: " «لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» "، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ عَنِ الْفَضْلِ: " «أَفَضْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ» " قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُفَسِّرٌ لِمَا أُبْهِمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ أَيْ أَتَمَّ رَمْيَهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ إِذَا رَجَعَتْ إِلَى الْمَوْقِفِ   755 - 745 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ) عَمَّتِهِ (عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ إِذَا رَجَعَتْ إِلَى الْمَوْقِفِ) بِعَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَفِي فِعْلِهَا وَفِعْلِ عَلِيٍّ ذَلِكَ - وَهُمَا بِالْمَكَانَةِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِحَدِيثِ الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ التَّلْبِيَةَ إِجَابَةٌ فَهُوَ يُجِيبُ إِلَى الْأَخْذِ فِي انْتِهَاءِ الْمَنَاسِكِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ عَلَى مَا بَيَّنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. الحديث: 755 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ إِذَا انْتَهَى إِلَى الْحَرَمِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ فَإِذَا غَدَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ وَكَانَ يَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ   756 - 746 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ إِذَا انْتَهَى إِلَى الْحَرَمِ) وَيَسْتَمِرُّ عَلَى ذَلِكَ (حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَ) يَسْعَى (بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ) بَعْدَ السَّعْيِ (يُلَبِّي حَتَّى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ فَإِذَا غَدَا) أَيْ ذَهَبَ (تَرَكَ التَّلْبِيَةَ) ، هَذَا فِي الْحَجِّ الحديث: 756 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 (وَكَانَ يَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ) ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُحْرِمِ مِنَ الْمِيقَاتِ كَمَا يَأْتِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يُلَبِّي وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ   757 - 747 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يُلَبِّي وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ) لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا فِي الطَّوَافِ، وَلِذَا كَرِهَهَا ابْنُهُ سَالِمٌ وَمَالِكٌ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُقْتَدَى بِهِ يُلَبِّي حَوْلَ الْبَيْتِ إِلَّا عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ سِرًّا وَأَحْمَدُ، وَكَانَ رَبِيعَةُ يُلَبِّي إِذَا طَافَ، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: لَا يَزَالُ الرَّجُلُ مُلَبِّيًا حَتَّى يَبْلُغَ الْغَايَةَ الَّتِي يَكُونُ إِلَيْهَا اسْتَجَابَتُهُ وَهِيَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الحديث: 757 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَنْزِلُ مِنْ عَرَفَةَ بِنَمِرَةَ ثُمَّ تَحَوَّلَتْ إِلَى الْأَرَاكِ قَالَتْ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُهِلُّ مَا كَانَتْ فِي مَنْزِلِهَا وَمَنْ كَانَ مَعَهَا فَإِذَا رَكِبَتْ فَتَوَجَّهَتْ إِلَى الْمَوْقِفِ تَرَكَتْ الْإِهْلَالَ قَالَتْ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَعْتَمِرُ بَعْدَ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ ثُمَّ تَرَكَتْ ذَلِكَ فَكَانَتْ تَخْرُجُ قَبْلَ هِلَالِ الْمُحَرَّمِ حَتَّى تَأْتِيَ الْجُحْفَةَ فَتُقِيمَ بِهَا حَتَّى تَرَى الْهِلَالَ فَإِذَا رَأَتْ الْهِلَالَ أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ   758 - 748 - (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ) بِلَالٍ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ عَلَّامَةٌ (عَنْ أُمِّهِ) مَرْجَانَةَ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ تُكَنَّى أُمَّ عَلْقَمَةَ، مَقْبُولَةٌ الرِّوَايَةِ، (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَنْزِلُ مِنْ عَرَفَةَ بِنَمِرَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، مَوْضِعٌ قِيلَ: مِنْ عَرَفَاتٍ، وَقِيلَ: بِقُرْبِهَا خَارِجٌ عَنْهَا، (ثُمَّ تَحَوَّلَتْ إِلَى الْأَرَاكِ) مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ (قَالَتْ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُهِلُّ) تُلَبِّي (مَا كَانَتْ فِي مَنْزِلِهَا) الْمَوْضِعِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، (وَ) يُهِلُّ (مَنْ كَانَ مَعَهَا فَإِذَا رَكِبَتْ فَتَوَجَّهَتْ إِلَى الْمَوْقِفِ) بِعَرَفَةَ (تَرَكَتِ الْإِهْلَالَ) التَّلْبِيَةَ، (قَالَتْ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَعْتَمِرُ بَعْدَ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ) كَمَا فَعَلَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (ثُمَّ تَرَكَتْ ذَلِكَ فَكَانَتْ تَخْرُجُ قَبْلَ هِلَالِ الْمُحَرَّمِ حَتَّى تَأْتِيَ الْجُحْفَةَ فَتُقِيمَ بِهَا حَتَّى تَرَى الْهِلَالَ فَإِذَا رَأَتِ الْهِلَالَ أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ) فَتَأْتِي مَكَّةَ تَفْعَلُ الْعُمْرَةَ، ثُمَّ تَعُودُ إِلَى الْمَدِينَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 197) فَيُسْتَحَبُّ الحديث: 758 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 تَخْلِيصُ أَشْهُرِهِ كُلِّهَا لِلْحَجِّ، وَخُرُوجُهَا لِلْجُحْفَةِ لِفَضْلِ الْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَالْإِحْرَامُ مِنَ التَّنْعِيمِ إِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ وَالْمِيقَاتُ أَفْضَلُ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ غَدَا يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ مِنًى فَسَمِعَ التَّكْبِيرَ عَالِيًا فَبَعَثَ الْحَرَسَ يَصِيحُونَ فِي النَّاسِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهَا التَّلْبِيَةُ   759 - 749 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ) الْإِمَامَ الْعَادِلَ (غَدَا يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ مِنًى فَسَمِعَ التَّكْبِيرَ عَالِيًا فَبَعَثَ الْحَرَسَ) بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ حَارِسٍ أَيِ الْأَعْوَانَ (يَصِيحُونَ) يَصْرُخُونَ (فِي النَّاسِ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهَا التَّلْبِيَةُ) فَلَا تُبَدِّلُوهَا بِالتَّكْبِيرِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَى مَنْ كَبَّرَ يَوْمَئِذٍ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. الحديث: 759 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 [بَاب إِهْلَالِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ مَا شَأْنُ النَّاسِ يَأْتُونَ شُعْثًا وَأَنْتُمْ مُدَّهِنُونَ أَهِلُّوا إِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ   14 - بَابُ إِهْلَالِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ 760 - 750 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ مَا شَأْنُ النَّاسِ يَأْتُونَ شُعْثًا) مُغْبَرِّينَ مُتَلَبِّدِينَ لِعَدَمِ التَّعَاهُدِ بِالدُّهْنِ وَنَحْوِهِ لِأَجْلِ إِحْرَامِهِمْ، (وَأَنْتُمْ مُدَّهِنُونَ) عِبَارَةً عَنْ عَدَمِ إِحْرَامِهِمْ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِذَا كَانَ بَعِيدُ الدَّارِ أَشْعَثَ لِأَجْلِ الْقُدُومِ عَلَى الدَّارِ فَأَوْلَى أَهْلُهَا كَمَا قَالَ (أَهِلُّوا إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ) أَيْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ عُمَرَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ فَكَانَ يُهِلُّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَبِكُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ إِذْ يَجُوزُ كُلٌّ بِإِجْمَاعٍ كَمَا مَرَّ. الحديث: 760 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَقَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَ سِنِينَ وَهُوَ يُهِلُّ بِالْحَجِّ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يُهِلُّ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ بِالْحَجِّ إِذَا كَانُوا بِهَا وَمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَرَمِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ فَلْيُؤَخِّرْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى وَكَذَلِكَ صَنَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ مَكَّةَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ كَيْفَ يَصْنَعُ بِالطَّوَافِ قَالَ أَمَّا الطَّوَافُ الْوَاجِبُ فَلْيُؤَخِّرْهُ وَهُوَ الَّذِي يَصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيَطُفْ مَا بَدَا لَهُ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ كُلَّمَا طَافَ سُبْعًا وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ فَأَخَّرُوا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَفَعَلَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَكَانَ يُهِلُّ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَيُؤَخِّرُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَلْ يُهِلُّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ قَالَ بَلْ يَخْرُجُ إِلَى الْحِلِّ فَيُحْرِمُ مِنْه   761 - 751 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ (أَقَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَ الحديث: 761 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 سِنِينَ وَهُوَ) خَلِيفَةٌ (يُهِلُّ بِالْحَجِّ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ) لِيَحْصُلَ لَهُ مِنَ الشَّعَثِ مَا يُسَاوِي مَنْ أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ (وَ) شَقِيقُهُ (عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ) ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يُهِلُّ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ بِالْحَجِّ إِذَا كَانُوا بِهَا) ، فَإِذَا كَانُوا بِغَيْرِهَا وَأَرَادُوا الْحَجَّ أَحْرَمُوا مِنَ الْمِيقَاتِ الَّذِي يَمُرُّونَ بِهِ إِنْ كَانَ، وَإِلَّا فَمِنَ الْمَحَلِّ الَّذِينَ هُمْ فِيهِ، (وَ) إِنَّمَا يُهِلُّ (مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ) مُتَعَلِّقٌ بِـ يُهِلُّ أَيْ مِنْ أَيِّ مَكَانٍ مِنْهَا، وَنُدِبَ الْمَسْجِدُ، (لَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ) لِلْحِلِّ لِأَنَّهُ سَيَخْرُجُ لَهُ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فِي إِحْرَامِهِ، (وَمَنْ أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ فَلْيُؤَخِّرِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ) أَيْ طَوَافَ الْحَجِّ الْفَرْضِ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ (وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) لِيُوقِعَهُ عَقِبَ الطَّوَافِ (حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى) يَوْمَ النَّحْرِ، (وَكَذَلِكَ صَنَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ) مِنَ الْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ (مِنْ مَكَّةَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ كَيْفَ يَصْنَعُ بِالطَّوَافِ؟ قَالَ: أَمَّا الطَّوَافُ الْوَاجِبُ) وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ (فَلْيُؤَخِّرْهُ، وَهُوَ الَّذِي يَصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أَيْ يَأْتِي بِهِ عَقِبَهُ بِلَا فَصْلٍ، (وَلْيَطُفْ مَا بَدَا لَهُ) مِنَ الطَّوَافِ النَّفْلِ، (وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ كُلَّمَا طَافَ سُبْعًا) بِضَمِّ السِّينِ، (وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ) مِنْ مَكَّةَ (فَأَخَّرُوا الطَّوَافَ) الْوَاجِبَ (بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى رَجَعُوا مِنْ مِنًى) بَيَانٌ لِمَا أَفَادَهُ اسْمُ الْإِشَارَةِ، (وَفَعَلَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَكَانَ يُهِلُّ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ) لَا يُعَارِضُهُ مَا مَرَّ عَنْهُ مُسْنَدًا أَنَّهُ كَانَ يُهِلُّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 أَيْ ثَامِنَ الْحَجَّةِ، وَاحْتُجَّ لَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْفِعْلِ النَّبَوِيِّ، لِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الْأَمْرَيْنِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ كَانَ لَا تُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ. وَفِي الْفَتْحِ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى التَّوْسِعَةَ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ نَافِعٍ: " أَهَلَّ ابْنُ عُمَرَ مَرَّةً بِالْحَجِّ حِينَ رَأَى الْهِلَالَ، وَمَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ الْهِلَالِ مِنْ جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَمَرَّةً أُخْرَى حِينَ رَاحَ إِلَى مِنًى "، وَرَوَى أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ: " قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: أَهْلَلْتَ فِينَا إِهْلَالًا مُخْتَلِفًا، قَالَ: أَمَّا أَوَّلُ عَامٍ، فَأَخَذْتُ مَأْخَذَ أَهْلِ بَلَدِي، ثُمَّ نَظَرْتُ، فَإِذَا أَنَا أَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي حَرَامًا، وَأَخْرُجُ حَرَامًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كُنَّا نَفْعَلُ، قُلْتُ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ تَأْخُذُ؟ قَالَ: نُحْرِمُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ " (وَيُؤَخِّرُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى) ، فَيَطُوفُ، وَيَسْعَى. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، هَلْ يُهِلُّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ؟ قَالَ: بَلْ يَخْرُجُ إِلَى الْحِلِّ، فَيُحْرِمُ مِنْهُ) ; لِأَنَّ شَرْطَ الْإِحْرَامِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَامِ، وَلِأَنَّ الْعُمْرَةَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَإِنَّمَا يُزَارُ الْحَرَمُ مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ، كَمَا يُزَارُ الْمَزُورُ فِي بَيْتِهِ مِنْ غَيْرِ بَيْتِهِ. قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 [بَاب مَا لَا يُوجِبُ الْإِحْرَامَ مِنْ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ الْهَدْيُ «وَقَدْ بَعَثْتُ بِهَدْيٍ فَاكْتُبِي إِلَيَّ بِأَمْرِكِ أَوْ مُرِي صَاحِبَ الْهَدْيِ قَالَتْ عَمْرَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ»   15 - بَابُ مَا لَا يُوجِبُ الْإِحْرَامَ مِنْ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ 762 - 752 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ، (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةِ، (أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ) ، أَيْ عَبْدَ اللَّهِ، (أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) بْنِ حَرْبٍ، قَالَ الْحَافِظُ: كَانَ شَيْخُ مَالِكٍ حَدَّثَ بِهِ كَذَلِكَ فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَأَمَّا بَعْدَهُمْ فَمَا كَانَ يُقَالُ لَهُ إِلَّا زِيَادُ بْنُ أَبِيهِ، وَقِيلَ: اسْتِلْحَاقُ مُعَاوِيَةَ لَهُ، كَانَ يُقَالُ لَهُ: زِيَادُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَكَانَتْ أُمُّهُ سُمَيَّةُ - مَوْلَاةُ الْحَارِثِ بْنِ كَلْدَةَ الثَّقَفِيِّ - تَحْتَ عُبَيْدٍ الْمَذْكُورِ، فَوَلَدَتْ لَهُ زِيَادًا عَلَى فِرَاشِهِ، فَكَانَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، شَهِدَ جَمَاعَةٌ عَلَى إِقْرَارِ أَبِي سُفْيَانَ بِأَنَّ زِيَادًا وَلَدَهُ، فَاسْتَلْحَقَهُ مُعَاوِيَةُ لِذَلِكَ، وَزَوَّجَ ابْنَهُ وَابْنَتَهُ، وَأَمَّرَ زِيَادًا عَلَى الْعِرَاقَيْنِ: الْبَصْرَةِ، وَالْكُوفَةِ، جَمَعَهُمَا لَهُ، وَمَاتَ فِي خِلَافَتِهِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ. وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ زِيَادٍ، الحديث: 762 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 وَهُوَ وَهْمٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْغَسَّانِيُّ، وَمَنْ تَبِعَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَجَمِيعُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى مُسْلِمٍ، وَالصَّوَابُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ عِنْدَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ أَنَّ زِيَادًا (كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَيُرْوَى بِكَسْرِهَا (قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا) ، أَيْ بَعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ، (حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ) مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ (حَتَّى يُنْحَرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، (الْهَدْيُ) بِالرَّفْعِ، نَائِبُ الْفَاعِلِ، (وَقَدْ بَعَثْتُ بِهَدْيٍ، فَاكْتُبِي إِلَيَّ بِأَمْرِكِ، أَوْ مُرِي صَاحِبَ الْهَدْيِ) ، أَيِ الَّذِي مَعَهُ الْهَدْيُ بِمَا يَصْنَعُ، وَكَأَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهَا لَمَّا بَلَغَهُ إِنْكَارُهَا عَلَيْهِ. رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَقِيلَ لَهَا إِنَّ زِيَادًا إِذَا بَعَثَ بِالْهَدْيِ أَمْسَكَ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ، حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَوَلَهُ كَعْبَةٌ يَطُوفُ بِهَا؟ (قَالَتْ عَمْرَةُ) بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ (قَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ) - بِفَتْحِ الدَّالِ وَشَدِّ الْيَاءِ - وَفِي رِوَايَةٍ بِالْإِفْرَادِ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ، وَفِيهِ رَفْعٌ مَجَازٌ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ أَنَّهَا فَتَلَتْ بِأَمْرِهَا، (ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ) الشَّرِيفَةِ، (ثُمَّ بَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَبِي) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ - تُرِيدُ أَبَاهَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَأَفَادَتْ أَنَّ وَقْتَ الْبَعْثِ كَانَ سَنَةَ تِسْعٍ عَامَ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ بِذَلِكَ عِلْمَهَا بِجَمِيعِ الْقِصَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ أَنَّهُ آخِرُ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ حَجَّ فِي الْعَامِ الَّذِي يَلِيهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ، لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ، فَأَرَادَتْ إِزَالَةَ هَذَا اللَّبْسِ، وَأَكْمَلَتْ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا: (فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، فَأَصْبَحَ فِينَا حَلَالًا يَأْتِي مَا يَأْتِي الْحَلَالُ مِنْ أَهْلِهِ، (حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ وَانْقَضَى أَمْرُهُ وَلَمْ يُحْرِمْ، وَبُعْدُ ذَلِكَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ إِذَا انْتَفَى فِي وَقْتِ الشُّبْهَةِ، فَلَأَنْ تَنْتَفِيَ عِنْدَ انْتِفَائِهَا أَوْلَى، وَحَاصِلُ اعْتِرَاضِهَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَاسَ التَّوْلِيَةَ فِي أَمْرِ الْهَدْيِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ لَهُ، فَبَيَّنَتْ أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ لَا اعْتِبَارَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ السُّنَّةِ الظَّاهِرَةِ، وَقَدْ وَافَقَ ابْنَ عَبَّاسٍ ابْنُ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ الْمُنْذِرِ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَآخَرُونَ لِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ، وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدَّ قَمِيصَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 مِنْ جَيْبِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ رِجْلَيْهِ، وَقَالَ: إِنِّي أَمَرْتُ بِبُدْنِي الَّتِي بَعَثْتُ بِهَا أَنْ تُقَلَّدَ الْيَوْمَ، وَتُشْعَرَ عَلَى مَكَانِ كَذَا فَلَبِسْتُ قَمِيصِي، وَنَسِيتُ، فَلَمْ أَكُنْ لِأَخْرُجَ مِنْ قَمِيصِي مِنْ رَأْسِي» " وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ. وَقَدْ جَاءَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ اسْتَقَرَّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَوَّلُ مَنْ كَشَفَ الْعَمَاءَ عَنِ النَّاسِ، وَبَيَّنَ لَهُمُ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ عَائِشَةُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْهَا، وَقَالَ: لَمَّا بَلَغَ النَّاسَ قَوْلُهَا أَخَذُوا بِهِ، وَتَرَكُوا فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ تَنَاوُلُ الْكَبِيرِ الشَّيْءَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَكْفِيهِ إِذَا كَانَ مِمَّا يُهْتَمُّ بِهِ، وَلَا سِيَّمَا مَا كَانَ مِنْ إِقَامَةِ الشَّرَائِعِ، وَأُمُورِ الدِّيَانَةِ، وَفِيهِ تَعَقَّبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى بَعْضٍ، وَرُدَّ الِاجْتِهَادُ بِالنَّصِّ، وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي أَفْعَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّأَسِّي بِهِ حَتَّى تَثْبُتَ الْخُصُوصِيَّةُ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْوَكَالَةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الَّذِي يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ وَيُقِيمُ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَأَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ لَا يَحْرُمُ إِلَّا مَنْ أَهَلَّ وَلَبَّى   763 - 753 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الَّذِي يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ، وَيُقِيمُ، هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؟ فَأَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: «لَا يَحْرُمُ إِلَّا مَنْ أَهَلَّ وَلَبَّى» ) ، وَإِلَى ذَلِكَ صَارَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ إِلَّا الْجِمَاعَ لَيْلَةَ جَمْعٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْفَتْوَى إِلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ النُّسُكَ، صَارَ بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ مُحْرِمًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَأَمَّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَلَّدَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَصِيرُ بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ مُحْرِمًا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ خَطَأٌ عَلَيْهِمْ، فَالطَّحَاوِيُّ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْهُ، وَلَعَلَّ الْخَطَّابِيَّ ظَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. الحديث: 763 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا مُتَجَرِّدًا بِالْعِرَاقِ فَسَأَلَ النَّاسَ عَنْهُ فَقَالُوا إِنَّهُ أَمَرَ بِهَدْيِهِ أَنْ يُقَلَّدَ فَلِذَلِكَ تَجَرَّدَ قَالَ رَبِيعَةُ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ بِدْعَةٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ خَرَجَ بِهَدْيٍ لِنَفْسِهِ فَأَشْعَرَهُ وَقَلَّدَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَمْ يُحْرِمْ هُوَ حَتَّى جَاءَ الْجُحْفَةَ قَالَ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ وَلَمْ يُصِبْ مَنْ فَعَلَهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ الْهَدْيَ وَلَا يُشْعِرَهُ إِلَّا عِنْدَ الْإِهْلَالِ إِلَّا رَجُلٌ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ فَيَبْعَثُ بِهِ وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ وَسُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يَخْرُجُ بِالْهَدْيِ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَقَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَسُئِلَ أَيْضًا عَمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ الْإِحْرَامِ لِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ مِمَّنْ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ فَقَالَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي نَأْخُذُ بِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِهَدْيِهِ ثُمَّ أَقَامَ فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ هَدْيُهُ   764 - 754 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ، (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) ، تَيْمِ قُرَيْشٍ، (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ) - بِضَمِّ الْهَاءِ، وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - (أَنَّهُ الحديث: 764 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 رَأَىَ رَجُلًا) ، هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ (مُتَجَرِّدًا بِالْعِرَاقِ) ، أَيِ الْبَصْرَةِ، (فَسَأَلَ النَّاسَ عَنْهُ، فَقَالُوا: إِنَّهُ أَمَرَ بِهَدْيِهِ أَنْ يُقَلَّدَ، فَلِذَلِكَ تَجَرَّدَ، قَالَ رَبِيعَةُ: فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: بِدْعَةٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ) ، أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ خَالَتُهُ، إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسِمَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ إِلَّا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ السُّنَّةَ خِلَافُهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ اعْتَمَدَ الْقِيَاسَ، وَهُوَ لَا يُعْتَبَرُ فِي مُقَابَلَةِ السُّنَّةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الثَّقَفِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ رَبِيعَةَ، أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ مُتَجَرِّدًا عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ، فَذَكَرَهُ، فَعُرِفَ اسْمُ الْمُبْهَمِ، وَتُعُيِّنَ خُصُوصُ الْمَحَلِّ مِنَ الْعِرَاقِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ خَرَجَ بِهَدْيٍ لِنَفْسِهِ، فَأَشْعَرَهُ، وَقَلَّدَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) - مِيقَاتُ الْمَدِينَةِ - (وَلَمْ يُحْرِمْ هُوَ حَتَّى جَاءَ الْجُحْفَةَ) - مِيقَاتُ الشَّامِ وَمِصْرَ - وَنَحْوِهِمَا، (قَالَ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ، وَلَمْ يُصِبْ مَنْ فَعَلَهُ) ، أَيْ أَخْطَأَ، لِأَنَّ إِنْ كَانَ مِيقَاتُهُ الْمَدِينَةَ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَعَدِّيهِ حِلًّا، وَإِنْ كَانَ مِيقَاتُهُ الْجُحْفَةَ، فَقَدَ أَفَاتَ نَفْسَهُ الْفَضِيلَةَ، (وَ) أَخْطَأَ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ (لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ الْهَدْيَ، وَلَا يُشْعِرَهُ إِلَّا عِنْدَ الْإِهْلَالِ) اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، (إِلَّا رَجُلٌ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ، فَيَبْعَثُ بِهِ، وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ) ، كَفِعْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ: هَلْ يَخْرُجُ بِالْهَدْيِ غَيْرُ مُحْرِمٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) ، أَيْ يَجُوزُ، لَكِنْ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمِيقَاتَ إِلَّا وَهُوَ مُحْرِمٌ، إِلَّا أَنْ لَا يُرِيدَ دُخُولَ مَكَّةَ. (وَسُئِلَ أَيْضًا عَمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْإِحْرَامِ) ، أَيِ: التَّجَرُّدِ (لِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ مِمَّنْ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ) ، كَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُوَافِقِيهِ، (فَقَالَ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (الَّذِي نَأْخُذُ بِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ عَائِشَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بِهَدْيِهِ، ثُمَّ أَقَامَ، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ، حَتَّى نُحِرَ هَدْيُهُ» ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَالْفَاعِلِ، أَيْ: نَحَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَإِنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْحُجَّةُ، عِنْدَ الِاخْتِلَافِ خُصُوصًا، وَقَدْ صَحِبَهَا عَمَلُ الْمَدِينَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 [بَاب مَا تَفْعَلُ الْحَائِضُ فِي الْحَجِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ الَّتِي تُهِلُّ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ إِنَّهَا تُهِلُّ بِحَجِّهَا أَوْ عُمْرَتِهَا إِذَا أَرَادَتْ وَلَكِنْ لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهِيَ تَشْهَدُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا مَعَ النَّاسِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا تَقْرَبُ الْمَسْجِدَ حَتَّى تَطْهُرَ   16 - بَابُ مَا تَفْعَلُ الْحَائِضُ فِي الْحَجِّ 765 - 755 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ) ، أَوِ النُّفَسَاءُ، (الَّتِي تُهِلُّ) ، تُحْرِمُ (بِالْحَجِّ، أَوِ الْعُمْرَةِ إِنَّهَا) - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ - (تُهِلُّ بِحَجِّهَا، أَوْ عُمْرَتِهَا، إِذَا أَرَادَتْ، وَلَكِنْ لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ) ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، (وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) ، أَيْ وَلَا تَسْعَى، فَهُوَ مِنْ بَابِ عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَا تَطُوفُ مَجَازًا، (وَهِيَ تَشْهَدُ) : تَحْضُرُ (الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا) عَرَفَةَ، وَغَيْرَهَا (مَعَ النَّاسِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) ، لِأَنَّ السَّعْيَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقَدُّمِ طَوَافٍ قَبْلَهُ، فَإِذَا امْتَنَعَ الطَّوَافُ امْتَنَعَ السَّعْيُ لِأَجْلِهِ، لَا لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي السَّعْيِ، إِذْ لَا تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْكَافَّةِ إِلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالْمَجْدِ بْنِ تَيْمِيَةَ، رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عَطَاءٍ قَوْلَيْنِ، فِي مَنْ بَدَأَ بِالسَّعْيِ قَبْلَ الطَّوَافِ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ لِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ: " «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ، قَالَ: طُفْ وَلَا حَرَجَ» " وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يُجْزِيهِ، وَأَوَّلُوا حَدِيثَ أُسَامَةَ عَلَى مَنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَقَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ. (وَلَا تَقْرَبَ الْمَسْجِدَ حَتَّى تَطْهُرَ) - بِسُكُونِ الطَّاءِ، أَوْ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالطَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ، وَشَدِّ الْهَاءِ أَيْضًا عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ - أَيْ: حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهَا، وَتَغْتَسِلَ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا سَيَأْتِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: " «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى تَطْهُرِي» ". الحديث: 765 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 [بَاب الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ ثَلَاثًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعَامَ الْقَضِيَّةِ وَعَامَ الْجِعِرَّانَةِ   17 - بَابُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ 767 - 756 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) ، وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ جَابِرٍ، ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ ثَلَاثًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ» ) - بِالتَّخْفِيفِ أَفْصَحُ مِنَ التَّشْدِيدِ - فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ، حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَنَحَرَ الْهَدْيَ بِهَا، وَحَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَفِي عَدِّهِمْ لَهَا عُمْرَةً دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا عُمْرَةٌ تَامَّةٌ. (وَعَامَ الْقَضِيَّةِ) ، وَتُسَمَّى: عُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ، وَالْقَضَاءِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاضَى قُرَيْشًا فِيهَا عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مَكَّةَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَيُقِيمَ ثَلَاثًا، لَا أَنَّهَا وَقَعَتْ قَضَاءً عَنِ الْعُمْرَةِ الَّتِي صُدَّ عَنْهَا، إِذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكَانَتَا عُمْرَةً وَاحِدَةً، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُجِبِ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: هِيَ قَضَاءٌ عَنْهَا، وَتَسْمِيَةُ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعُ السَّلَفِ إِيَّاهَا بِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ. (وَعَامَ الْجِعْرَانَةِ) - بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَخِفَّةِ الرَّاءِ - عِنْدَ الْأَصْمَعِيِّ، وَصَوَّبَهُ الْخَطَّابِيُّ - وَبِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَشَدِّ الرَّاءِ - بَيْنَ الطَّائِفِ، وَمَكَّةَ حِينَ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ. الحديث: 767 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَمِرْ إِلَّا ثَلَاثًا إِحْدَاهُنَّ فِي شَوَّالٍ وَاثْنَتَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ»   767 - 757 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) ، مُرْسَلٌ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ، مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، كِلَاهُمَا، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْتَمِرْ إِلَّا ثَلَاثًا» ) ، لَا يُخَالِفُ هَذَا الْحَصْرُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْهَا، أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَرْبَعًا، وَفِيهِمَا عَنْ أَنَسٍ اعْتَمَرَ أَرْبَعًا: عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ حَيْثُ رَدُّوهُ، وَمِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ، وَعُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. وَلِأَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ: اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، لِأَنَّهَا لَمْ تَعُدَّ الَّتِي فِي حَجَّتِهِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، بَلْ فِي ذِي الْحِجَّةِ، (إِحْدَاهُنَّ فِي شَوَّالٍ) ، هَذَا مُغَايِرٌ لِقَوْلِهَا، وَلِقَوْلِ أَنَسٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَجَمَعَ الْحَافِظُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي آخِرِ شَوَّالٍ، وَأَوَّلِ ذِي الْقَعْدَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ: " «لَمْ يَعْتَمِرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا فِي ذِي الْقَعْدَةِ» " وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الزُّهْرِيِّ: " «اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ عُمَرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَهَذِهِ عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ» "، (وَاثْنَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ) : عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 وَعُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْبَرَاءِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «اعْتَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ» " فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعُدَّ الَّتِي فِي حَجَّتِهِ، لِكَوْنِهَا فِي ذِي الْحَجَّةِ، وَحَدِيثُهُ مُقَيَّدٌ بِذِي الْقَعْدَةِ، وَلَمْ يَعُدَّ الَّتِي صُدَّ عَنْهَا، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْقَعْدَةِ أَوْ عَدَّهَا، وَلَمْ يَعُدَّ عُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ لِخَفَائِهَا عَلَيْهِ، كَمَا خَفِيَتْ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَرَّشٌ الْكَعْبِيُّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «اعْتَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ: إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ» . قَالَتْ عَائِشَةُ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ إِلَّا وَهُوَ شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ "، زَادَ مُسْلِمٌ: وَابْنُ عُمَرَ يَسْمَعُ، فَمَا قَالَ لَا، وَلَا نَعَمْ، سَكَتَ فَسُكُوتُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوْ نَسِيَ، أَوْ شَكَّ، وَأَنَّهُ رَجَعَ لِصَوَابِهَا، فَلَا يُشْكِلُ بِأَنَّ تَقْدِيمَ قَوْلِ عَائِشَةَ - النَّافِي - عَلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - الْمُثْبِتِ - خِلَافُ الْقَاعِدَةِ، وَتَعَسَّفَ مَنْ قَالَ: مُرَادُ ابْنِ عُمَرَ بِقَوْلِهِ: فِي رَجَبٍ قَبْلَ هِجْرَتِهِ، لِأَنَّهُ وَإِنِ احْتَمَلَ، لَكِنَّ قَوْلَهَا: مَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ، يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ مُطَابَقَةِ رَدِّهَا عَلَيْهِ، وَسُكُوتِهِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَتِ الْأَرْبَعَ، وَأَنَّهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَمَا الَّذِي يَمْنَعُهُ أَنْ يُفْصِحَ بِمُرَادِهِ، فَيَرْتَفِعَ الْإِشْكَالُ، وَقَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ: لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا يَعْتَمِرُونَ فِي رَجَبٍ، يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ، فَمِنْ أَيْنَ أَنَّهُ وَافَقَهُمْ؟ وَهَبْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَافَقَهُمْ فَكَيْفَ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ؟ وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، عَنْ عَائِشَةَ: " «خَرَجَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ، فَأَفْطَرَ وَصُمْتُ، وَقَصَرَ وَأَتْمَمْتُ» " الْحَدِيثَ، فَقَالَ فِي الْهَدْيِ: إِنَّهُ غَلِطَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْتَمِرْ فِي رَمَضَانَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ أَنَّ قَوْلَهَا: فِي رَمَضَانَ، مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهَا: خَرَجْتُ، وَالْمُرَادُ: سَفَرُ مَكَّةَ، وَاعْتَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنَ الْجِعْرَانَةِ، لَكِنْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، فَلَمْ يَقُلْ فِي رَمَضَانَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ «أَعْتَمِرُ قَبْلَ أَنْ أَحُجَّ فَقَالَ سَعِيدٌ نَعَمْ قَدْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ»   768 - 758 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ) ، الْمَدَنِيِّ، الصَّدُوقِ، (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، فَقَالَ: أَعْتَمِرُ) - بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ - (قَبْلَ أَنْ أَحُجَّ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: نَعَمْ، قَدِ «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ» ) ثَلَاثَ عُمَرٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَتَّصِلُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ، وَهُوَ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ لِمَنْ شَاءَ. وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ. وَلِأَحْمَدَ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَعْتَمِرَ قَبْلَ الْحَجِّ. وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَلَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ، فَقُلْتُ: إِنَّا لَمْ نَحُجَّ قَطُّ، أَفَنَعْتَمِرُ مِنَ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَمَا الحديث: 768 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟ قَدِ اعْتَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَهُ كُلَّهَا قَبْلَ حَجِّهِ، فَاعْتَمَرْنَا. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ كَانَ قَدْ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ اعْتِمَارِهِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ، هَلِ الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ، أَوِ التَّرَاخِي؟ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، إِذْ لَوْ كَانَ وَقْتُهُ مُضَيَّقًا لَوَجَبَ إِذَا أَخَّرَهُ إِلَى سَنَةٍ أُخْرَى، أَنْ يَكُونَ قَضَاءً، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْقَضَاءَ خَاصٌّ بِمَا وُقِّتَ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ مُضَيَّقٍ، كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَا يُعَدُّ تَأْخِيرُهُ قَضَاءٌ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ عَلَى التَّرَاخِي، كَمَا فِي الزَّكَاةِ يُؤَخِّرُهَا بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا فَوْرًا، فَإِنَّهُ إِثْمٌ، وَلَا يُعَدُّ أَدَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَاءً، بَلْ هُوَ أَدَاءٌ، وَمِنْ ذَلِكَ الْإِسْلَامُ وَاجِبٌ عَلَى الْكُفَّارِ فَوْرًا، فَلَوْ تَرَاخَى عَنْهُ كَافِرٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يُعَدُّ ذَلِكَ قَضَاءً، وَنُوزِعَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ تَقْدِيمِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ نَفْيُ الْفَوْرِيَّةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي شَوَّالٍ فَأَذِنَ لَهُ فَاعْتَمَرَ ثُمَّ قَفَلَ إِلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَحُجَّ   769 - 759 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ) بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيَّ - رَبِيبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمُّهُ أُمُّ سَلَمَةَ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ عَلَى الصَّحِيحِ - (اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي شَوَّالٍ، فَأَذِنَ لَهُ، فَاعْتَمَرَ، ثُمَّ قَفَلَ) - رَجَعَ - (إِلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَحُجَّ) تِلْكَ السَّنَةِ، وَفِي هَذَا، وَمَا سَبَقَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانُوا، أَيْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَهَذَا مِنْ مُبْتَدَعَاتِهِمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا. وَلِابْنِ حِبَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " «وَاللَّهِ مَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ فِي ذِي الْحَجَّةِ، إِلَّا لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ أَمْرَ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ» "، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. الحديث: 769 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 [بَاب قَطْعِ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَحْرَمَ مِنْ التَّنْعِيمِ إِنَّهُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَرَى الْبَيْتَ قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَعْتَمِرُ مِنْ بَعْضِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ مَتَى يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ قَالَ أَمَّا الْمُهِلُّ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إِذَا انْتَهَى إِلَى الْحَرَمِ قَالَ وَبَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ   18 - بَابُ قِطْعِ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ 770 - 760 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ) الحديث: 770 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُعْتَمِرِ مِنَ الْمَوَاقِيتِ كَمَا تَرَى بَعْدُ، لِأَنَّ عُرْوَةَ كَانَ يُحْرِمُ مِنْ مِيقَاتِ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّهُ مَدَنِيٌّ. (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَحْرَمَ مِنَ التَّنْعِيمِ) ، زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَوِ الْجِعْرَانَةِ، أَوْ نَحْوِهِمَا (أَنَّهُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَرَى الْبَيْتَ) ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: يَقْطَعُ إِذَا دَخَلَ بُيُوتَ مَكَّةَ، أَوِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَرْفُوعًا: «يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ» . وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى، تَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ أَعَلَّهُ أَبُو دَاوُدَ، فَقَالَ: رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَهَمَّامٌ، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَرْفُوعًا. (قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَعْتَمِرُ مِنْ بَعْضِ الْمَوَاقِيتِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ غَيْرِهِمْ، مَتَى يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ؟ قَالَ: أَمَّا الْمُهِلُّ مِنَ الْمَوَاقِيتِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إِذَا انْتَهَى إِلَى الْحَرَمِ) ، زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ثُمَّ لَا يُعَاوِدُهَا، (قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ) ، تَقَدَّمَ قَرِيبًا رِوَايَتُهُ لِذَلِكَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ، وَعَادَتُهُ إِطْلَاقُ الْبَلَاغِ عَلَى الصَّحِيحِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 [بَاب مَا جَاءَ فِي التَّمَتُّعِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ عَامَ حَجَّ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَهُمَا يَذْكُرَانِ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ سَعْدٌ بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أَخِي فَقَالَ الضَّحَّاكُ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ «فَقَالَ سَعْدٌ قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ»   19 - بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّمَتُّعِ هُوَ عَلَى الْمَعْرُوفِ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ التَّحَلُّلُ مِنْ تِلْكَ الْعُمْرَةِ، وَالْإِهْلَالُ بِالْحَجِّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ: 196) . الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ الْحَجِّ، قَالَ: وَمِنَ التَّمَتُّعِ أَيْضًا الْقِرَانُ، لِأَنَّهُ تَمَتُّعٌ بِسُقُوطِ سَفَرٍ لِلنُّسُكِ الْآخَرِ مِنْ بَلَدِهِ، وَمِنْهُ أَيْضًا: فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، انْتَهَى. 771 - 761 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) ، مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) ، الْهَاشِمِيِّ الْمَدَنِيِّ مَقْبُولٌ (أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ الحديث: 771 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 أَبِي وَقَّاصٍ) ، مَالِكٍ الزُّهْرِيِّ، (وَالضِّحَاكَ بْنَ قَيْسِ) بْنِ خَالِدِ بْنِ وَهْبٍ الْفِهْرَيَّ، الْأَمِيرَ الْمَشْهُورَ، صَحَابِيٌّ قُتِلَ فِي وَقْعَةِ مَرْجِ رَاهِطٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، (عَامَ حَجِّ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) ، وَكَانَ أَوَّلُ حَجَّةٍ حَجَّهَا بَعْدَ الْخِلَافَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَآخِرُ حَجَّةٍ حَجَّهَا، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْمُرَادُ الْأُولَى، لِأَنَّ سَعْدًا مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الصَّحِيحِ. (وَهُمَا يَذْكُرَانِ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) ، أَيِ الْإِحْرَامَ، بِأَنْ يُحْرِمَ بِهَا فِي أَشْهُرِهِ، (فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ: لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ) ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ: 196) ، فَأَمْرُهُ بِالْإِتْمَامِ يَقْتَضِي اسْتِمْرَارَ الْإِحْرَامِ إِلَى فَرَاغِ الْحَجِّ، وَمَنْعَ التَّحَلُّلِ، وَالْمُتَمَتِّعُ يَتَحَلَّلُ وَيَسْتَمْتِعُ بِمَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ، (فَقَالَ سَعْدٌ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أَخِي) ، مُلَاطَفَةً، وَتَأْنِيسًا، (فَقَالَ الضَّحَّاكُ: فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ) ، أَيِ التَّمَتُّعِ، رَوَى الشَّيْخَانِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى: كُنْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ، أَيْ بِجَوَازِ التَّمَتُّعِ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ لَمَّا قَدِمَ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ قَالَ: أَنْ نَأْخُذَ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ، قَالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] ، وَأَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ. وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ فَعَلَهُ، وَأَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ تَظَلُّوا مُعَرِّسِينَ بِهِنَّ، أَيِ النِّسَاءِ فِي الْأَرَاكِ، ثُمَّ تُرَوِّحُونَ فِي الْحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ، فَبَيَّنَ عُمَرُ الْعِلَّةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا كَرِهَ التَّمَتُّعَ، وَكَانَ مِنْ رَأْيِهِ، عَدَمُ التَّرَفُّهِ لِلْحَاجِّ بِكُلِّ طَرِيقٍ، فَكَرِهَ قُرْبَ عَهْدِهِمْ بِالنِّسَاءِ ; لِئَلَّا يَسْتَمِرَّ الْبَلَلُ إِلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَنْ بَعُدَ عَهْدُهُ بِهِ، وَمَنْ يَنْفَطِمُ. (فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ) ، وَهُوَ الْحُجَّةُ الْمُقَدَّمَةُ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ بِالرَّأْيِ، فَإِنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ إِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَذَلِكَ صَادِقٌ بِأَنْوَاعِ الْإِحْرَامِ الثَّلَاثَةِ. وَأَمَّا فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ أَجَابَ هُوَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْإِحْلَالِ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: قِيلَ: الْمُتْعَةُ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُمَرُ، فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَقِيلَ: الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ الْحَجُّ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَلِذَا كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَيْهَا كَمَا فِي مُسْلِمٍ، بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدِهِ أَنَّ الْفَسْخَ كَانَ خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ فِي سَنَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَطْ. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [البقرة: 196] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ الثَّانِي، وَهُوَ لِلتَّنْزِيهِ تَرْغِيبًا فِي الْإِفْرَادِ، ثُمَّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ التَّمَتُّعِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَبَقِيَ الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ - وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ - عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: " «نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ، وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُهَا، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى مَاتَ» "، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، يَعْنِي: عُمَرَ، وَوَقَعَ ذَلِكَ مِنْ عُثْمَانَ أَيْضًا كَمَا مَرَّ، وَلِمُعَاوِيَةَ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قِصَّةٌ فِي ذَلِكَ، عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَذَلِكَ يُعَكِّرُ عَلَى اسْتِظْهَارِ عِيَاضٍ وَغَيْرِهُ أَنَّ الْمُتْعَةَ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، هِيَ فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، لَا الْعُمْرَةُ الَّتِي يُحَجُّ بَعْدَهَا، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ أَتَى عُمَرَ، فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ يَنْهَى عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ ; فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَمُنْقَطِعٌ كَمَا بَيَّنَهُ الْحُفَّاظُ، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: صَحِيحٌ، وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ وَاللَّهِ لَأَنْ أَعْتَمِرَ قَبْلَ الْحَجِّ وَأُهْدِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَمِرَ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ   772 - 762 - (مَالِكٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ) الْجَزَرِيِّ، نَزِيلُ مَكَّةَ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ، قَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ أَعْتَمِرَ قَبْلَ الْحَجِّ) فِي أَشْهُرِهِ، (وَأُهْدِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَمِرَ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ) ، مُبَالَغَةٌ فِي جَوَازِ التَّمَتُّعِ، وَرَدٌّ عَلَى أَبِيهِ، وَعُثْمَانَ فِي كَرَاهَتِهِ. وَفِي الْمُوَازِيَةِ: عَنْ مَالِكٍ مَا يُعْجِبُنِي قَوْلُ ابْنُ عُمَرَ هَذَا، وَإِفْرَادُ الْحَجِّ مِنَ الْمِيقَاتِ، أَحَبُّ إِلَيَّ صَرُورَةً كَانَ أَوْ غَيْرَ صَرُورَةٍ قِيلَ: كَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ عِنْدَهُ مِنَ الْإِفْرَادِ، وَكَذَا تَأَوَّلَهُ أَبُو عَبِيدٍ، وَقِيلَ: أَرَادَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ إِلَى الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ، لِيَأْتِيَ أَوَّلًا بِمَا عَنَى اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج: 27] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 27) ، وَتَكُونُ الْعُمْرَةُ تَبَعًا، وَلَا يَكُونُ الْحَجُّ تَبَعًا. الحديث: 772 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْحَجُّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إِنْ حَجَّ وَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ إِذَا أَقَامَ حَتَّى الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ انْقَطَعَ إِلَى غَيْرِهَا وَسَكَنَ سِوَاهَا ثُمَّ قَدِمَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْهَا إِنَّهُ مُتَمَتِّعٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصِّيَامُ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ مِثْلَ أَهْلِ مَكَّةَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهُوَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُنْشِئَ الْحَجَّ أَمُتَمَتِّعٌ هُوَ فَقَالَ نَعَمْ هُوَ مُتَمَتِّعٌ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ أَهْلِ مَكَّةَ وَإِنْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنَّمَا الْهَدْيُ أَوْ الصِّيَامُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ وَلَا يَدْرِي مَا يَبْدُو لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ   773 - 763 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ) مَوْلَاهُ، (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ، أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ الْحَجِّ) ، لَا بَعْدَهُ فِي ذِي الحديث: 773 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 الْحِجَّةِ، (ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْحَجُّ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إِنْ حَجَّ، وَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ) - تَيَسَّرَ - (مِنَ الْهَدْيِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ) : الْهَدْيَ، لِفَقْدِهِ، أَوْ فَقْدِ ثَمَنِهِ، (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) ، أَيْ أَيَّامِهِ، وَلَوْ أَيَّامَ مِنًى، (وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ) مِنْ مِنًى، أَوْ إِلَى بَلَدِهِ عَلَى الْخِلَافِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ إِذَا أَقَامَ حَتَّى الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ) مِنْ عَامِهِ، فَلَوْ لَمْ يَحُجَّ مِنْهُ، أَوْ عَادَ لِبَلَدِهِ، ثُمَّ حَجَّ فِي عَامِهِ، لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ انْقَطَعَ إِلَى غَيْرِهَا، وَسَكَنَ سِوَاهَا) - تَفْسِيرٌ لِلِانْقِطَاعِ بِغَيْرِهَا -: (ثُمَّ قَدِمَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْهَا، أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ) ، إِذْ لَيْسَ مِنْ سَاكِنِي مَكَّةَ، وَمَا فِي حُكْمِهَا حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنْهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ذَلِكَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، (يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، أَوِ الصِّيَامُ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، وَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مِثْلَ أَهْلِ مَكَّةَ) ; لِانْقِطَاعِهِ بِغَيْرِهَا. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهُوَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ، حَتَّى يُنْشِئَ الْحَجَّ أَمُتَمَتِّعٌ هُوَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، هُوَ مُتَمَتِّعٌ) ، فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، أَوْ بَدَلُهُ إِنْ لَمْ يَجِدْهُ، (وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ أَهْلِ مَكَّةَ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ) بِهَا، (وَ) بَيَانُ (ذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا الْهَدْيُ، أَوِ الصِّيَامُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ) وَقْتَ الْفِعْلِ، (وَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ وَلَا يَدْرِي مَا يَبْدُو لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ) ، هَلْ يُقِيمُ، أَوْ يَرْجِعُ بَعْدَ الْحَجِّ؟ (وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ) حِينَ الِاعْتِمَارِ، فَدَخَلَ فِي الْآيَةِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، أَوِ الصِّيَامُ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ مَنْ اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقِعْدَةِ أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْحَجُّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إِنْ حَجَّ وَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ   774 - 764 الحديث: 774 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ، (أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، يَقُولُ: مَنِ اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ، أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ) - بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا - (أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ، ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْحَجُّ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إِنْ حَجَّ) ، لَا إِنْ لَمْ يَحُجَّ، (وَ) عَلَيْهِ (مَا اسْتَيْسَرَ) - تَيَسَّرَ - (مِنَ الْهَدْيِ) شَاةٌ، فَأَعْلَى، (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِلَى أَمْصَارِكُمْ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ إِلَى أَهْلِهِ، رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: مَعْنَاهُ الرُّجُوعُ إِلَى مَكَّةَ، وَعَبَّرَ عَنْهُ مَرَّةً بِالْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَمَعْنَى الرُّجُوعِ: التَّوَجُّهُ مِنْ مَكَّةَ، فَيَصُومُهَا فِي الطَّرِيقِ - إِنْ شَاءَ - وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 [بَاب مَا لَا يَجِبُ فِيهِ التَّمَتُّعُ] قَالَ مَالِكٌ مَنْ اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ إِنَّمَا الْهَدْيُ عَلَى مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ وَكُلُّ مَنْ انْقَطَعَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ وَسَكَنَهَا ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَلَا صِيَامٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ إِذَا كَانَ مِنْ سَاكِنِيهَا سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ خَرَجَ إِلَى الرِّبَاطِ أَوْ إِلَى سَفَرٍ مِنْ الْأَسْفَارِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ وَهُوَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ بِهَا كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ أَوْ لَا أَهْلَ لَهُ بِهَا فَدَخَلَهَا بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَنْشَأَ الْحَجَّ وَكَانَتْ عُمْرَتُهُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا مِنْ مِيقَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ دُونَهُ أَمُتَمَتِّعٌ مَنْ كَانَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ مِنْ الْهَدْيِ أَوْ الصِّيَامِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]   20 - بَابُ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ التَّمَتُّعُ أَيْ دَمُهُ، أَوْ صَوْمُهُ، (قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ، أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ، أَوْ ذِي الْحِجَّةِ) ، أَيْ فِي أَوَائِلِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ) ، أَوْ بَدَلُهُ (إِنَّمَا الْهَدْيُ عَلَى مَنِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ) ، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، لِأَنَّ شَرْطَ التَّمَتُّعِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ تُقَدَّمَ الْعُمْرَةُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَكِّيًّا، فَمَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ، لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إِذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ عَادَ لِبَلَدِهِ، ثُمَّ حَجَّ مِنْهَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ: إِيقَاعُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَطْ. (وَكُلُّ مَنِ انْقَطَعَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ، وَسَكَنَهَا، ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 الْحَجِّ، ثُمَّ أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْهَا، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ، وَلَا صِيَامٌ) ، إِيضَاحٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ، إِذَا كَانَ مِنْ سَاكِنِيهَا، لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) . (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ خَرَجَ إِلَى الرِّبَاطِ) ، بِثَغْرٍ، (أَوْ إِلَى سَفَرٍ مِنَ الْأَسْفَارِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، وَهُوَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ بِهَا) ، سَوَاءٌ (كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ، أَوْ لَا أَهْلَ لَهُ بِهَا، فَدَخَلَهَا بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَنْشَأَ الْحَجَّ) مِنْ عَامِهِ، (وَكَانَتْ عُمْرَتُهُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا مِنْ مِيقَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ دُونَهُ) مِنْ بَقِيَّةِ الْمَوَاقِيتِ، (أَمُتَمَتِّعٌ مَنْ كَانَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ) أَمْ لَا؟ (فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ مِنَ الْهَدْيِ، أَوِ الصِّيَامِ) إِنْ لَمْ يَجِدْهُ، (وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يَقُولُ فِي كِتَابِهِ) الْعَزِيزِ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] ، وَهَذَا مِنْ حَاضِرِيهِ غَابَ عَنْهُ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 [بَاب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الْعُمْرَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ»   21 - بَابُ جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الْعُمْرَةِ هِيَ لُغَةً الزِّيَارَةُ. قَالَ الشَّاعِرُ: تُهِلُّ بِالْغَرْقَدِ رُكْبَانُهَا ... كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ الْمُعْتَمِرُ وَقِيلَ: هِيَ الْقَصْدُ، قَالَ آخَرُ: لَقَدْ سَمَا ابْنُ مَعْمَرٍ حِينَ اعْتَمَرَهُ، أَيْ: قَصَدَ، وَشَرْعًا: قَصْدُ الْبَيْتِ عَلَى كَيْفِيَّةٍ خَاصَّةٍ، قِيلَ: إِنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. 776 - 765 - (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ) - بِضَمِّ السِّينِ، وَفَتْحِ الْمِيمِ - (مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ الحديث: 776 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَفَرَّدَ سُمَيٌّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهِ، وَهُوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ حُجَّةٌ، فَرَوَاهُ عَنْهُ مَالِكٌ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَغَيْرُهُمَا حَتَّى أَنَّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ حَدَّثَ بِهِ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ مِنْ طَرِيقِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: فَكَأَنَّ سُهَيْلًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِيهِ، وَتَحَقَّقَ بِذَلِكَ تَفَرُّدُ سُمَيٍّ بِهِ، فَهُوَ مِنْ غَرَائِبِ الصَّحِيحِ، (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السِّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ) ، يَحْتَمِلُ كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ التِّينِ: أَنَّ إِلَى بِمَعْنَى مَعَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 52) ، أَيْ مَعَ الْعُمْرَةِ، (كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مِنَ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ، وَذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ عَصْرِنَا إِلَى تَعْمِيمِ ذَلِكَ ثُمَّ بَالَغَ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ يَعْنِي: الْبَاجِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ، فَتَقْتَضِي مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ تَكْفِيرَ جَمِيعِ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا، إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ الْعُمْرَةِ كَفَّارَةً، مَعَ أَنَّ اجْتِنَابَ الْكَبَائِرِ يُكَفِّرُ، فَمَاذَا تُكَفِّرُهُ الْعُمْرَةُ؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّ تَكْفِيرَ الْعُمْرَةِ مُقَيَّدٌ بِزَمَنِهَا، وَتَكْفِيرُ الِاجْتِنَابِ عَامٌّ لِجَمِيعِ عُمُرِ الْعَبْدِ، فَتَغَايَرَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْعُمْرَةَ الْأُولَى هِيَ الْمُكَفِّرَةُ، لِأَنَّهَا الَّتِي وَقَعَ الْخَبَرُ عَنْهَا أَنَّهَا تُكَفِّرُ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْعُمْرَةَ الثَّانِيَةَ هِيَ الْمُكَفِّرَةُ، لِمَا قَبْلَهَا إِلَى الْعُمْرَةِ السَّابِقَةِ، فَإِنَّ التَّكْفِيرَ قَبْلَ وُقُوعِ الذَّنْبِ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَقَالَ الْأُبِّيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْحَثِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا، لِأَنَّهُ إِذَا حُمِلَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ يُشْكِلُ بِمَا إِذَا اعْتَمَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، إِذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا فَائِدَةَ لَهَا، لِأَنَّ فَائِدَتَهَا - وَهُوَ التَّكْفِيرُ - مَشْرُوطٌ بِفِعْلِهَا ثَانِيَةً، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمْ تَنْحَصِرْ فَائِدَةُ الْعِبَادَةِ فِي تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ، بَلْ يَكُونُ فِيهَا، وَفِي ثُبُوتِ الْحَسَنَاتِ، وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ، كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: مَنْ فَعَلَ كَذَا، كُتِبَ لَهُ كَذَا كَذَا حَسَنَةً، وَمُحِيَتْ عَنْهُ كَذَا كَذَا سَيِّئَةً، وَرُفِعَتْ لَهُ كَذَا كَذَا دَرَجَةً، فَتَكُونُ فَائِدَتُهَا إِذَا لَمْ تُكَرَّرْ ثُبُوتَ الْحَسَنَاتِ، وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ. وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ: إِذَا لَمْ تُكَرَّرْ كُفِّرَ بَعْضُ مَا وَقَعَ بَعْدَهَا، لَا كُلُّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْبَعْضِ. (وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا رِيَاءَ فِيهِ، وَلَا سُمْعَةَ، وَلَا رَفَثَ، وَلَا فُسُوقَ، وَيَكُونُ بِمَالٍ حَلَالٍ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ صَاحِبُهُ عَلَى الْبِرِّ، وَقِيلَ: هُوَ الْمَقْبُولُ، وَعَلَامَتُهُ أَنْ يَرْجِعَ خَيْرًا مِمَّا كَانَ، وَلَا يُعَاوِدَ الْمَعَاصِيَ، وَقِيلَ: الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنَ الْإِثْمِ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ فِي تَفْسِيرِهِ مُتَقَارِبَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ الْحَجُّ الَّذِي وُفِّيَتْ أَحْكَامُهُ، وَوَقَعَ مَوْقِعًا لِمَا طُلِبَ مِنَ الْمُكَلَّفِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ. وَلِأَحْمَدَ، وَالْحَاكِمِ، عَنْ جَابِرٍ: " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بِرُّ الْحَجِّ؟ قَالَ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ "، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَالَ الْأَبِّيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ بَعْدَهُ، لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " مَنْ حَجَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ " إِذِ الْمَعْنَى: حَجَّ، ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا عَطَفَهُ بِالْفَاءِ الْمُشْعِرَةِ بِالتَّعْقِيبِ، وَإِذَا فُسِّرَ بِذَلِكَ كَانَ الْحَدِيثَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَتَفْسِيرُ الْحَدِيثِ بِالْحَدِيثِ أَوْلَى، وَيَكُونُ الرُّجُوعُ بِلَا ذَنْبٍ، كِنَايَةً عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ مَعَ السَّابِقِينَ. (لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ) ، أَيْ لَا يَقْتَصِرُ لِصَاحِبِهِ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى تَكْفِيرِ بَعْضِ ذُنُوبِهِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، مَرْفُوعًا: " «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ مُتَابَعَةً بَيْنَهُمَا تَنْفِي الذُّنُوبَ، وَالْفَقْرَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجِّ الْمَبْرُورِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةَ» "، قَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: شَرْطُ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ طِيبُ النَّفَقَةِ فِيهِ، قِيلَ لِمَالِكٍ: رَجُلٌ سَرَقَ مَالًا، فَتَزَوَّجَ بِهِ أَيُضَارِعُ الزِّنَى؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَسُئِلَ عَمَّنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ، قَالَ: حَجُّهُ مُجْزٍ، وَيَأْثَمُ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ، وَبِالْحَقِيقَةِ لَا يَرْقَى إِلَى الْعَالَمِ الْمُطَهَّرِ إِلَّا الْمُطَهَّرُ، فَالْقَبُولُ أَخَصُّ مِنَ الْإِجْزَاءِ، لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ سُقُوطِ الْقَضَاءِ، وَالْقَبُولُ عِبَارَةٌ عَنْ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ فَلِذَا قَالَ: يُجْزِي، وَهُوَ إِثْمٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ سُمَيٍّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ كُنْتُ تَجَهَّزْتُ لِلْحَجِّ فَاعْتَرَضَ لِي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ كَحِجَّةٍ»   777 - 766 - (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ، مَوْلَاهُ (يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَهُوَ مُرْسَلٌ ظَاهِرًا، لَكِنْ صَحَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سَمِعَهُ مِنْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَصَارَ بِذَلِكَ مُسْنَدًا، فَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، يُقَالُ لَهَا: أُمُّ مَعْقِلٍ، هَكَذَا سَمَّاهَا الزُّهْرِيُّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ تَسْمِيَتُهَا أُمُّ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيَّةُ، وَرَجَّحَ الْحَافِظُ أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ وَقَعَتَا لِلْمَرْأَتَيْنِ، لِتُغَايُرِ قِصَّتَيْهِمَا، وَلِأَنَّ أُمَّ مَعْقِلٍ أَسَدِيَّةٌ، وَأُمَّ سِنَانٍ أَنْصَارِيَّةٌ، وَفِي أَبِي دَاوُدَ، عَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ: أَنَّ مَجِيئَهَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: مَا مَنَعَكِ أَنْ تَخَرُجِي مَعَنَا فِي وَجْهِنَا هَذَا؟ (فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ كُنْتُ تَجَهَّزْتُ لِلْحَجِّ، فَاعْتَرَضَ لِي) ، أَيْ عَاقَنِي عَائِقٌ مَنَعَنِي، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: فَأَصَابَتْنَا هَذِهِ الْقُرْحَةُ - الْحَصْبَةُ، أَوِ الْجُدَرِيُّ - فَهَلَكَ فِيهَا أَبُو مَعْقِلٍ الحديث: 777 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 وَأَصَابَنِي فِيهَا مَرَضِي هَذَا حَتَّى صَحِحْتُ مِنْهَا، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ هُوَ الَّذِي نُرِيدُ أَنْ نَخْرُجَ عَلَيْهِ، فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: فَهَلَّا خَرَجْتِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَدْتُ الْحَجَّ، فَضَّلَ جَمَلِي، أَوْ قَالَتْ بِعِيرِي "، وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ ضَلَّ، ثُمَّ وُجِدَ، فَحَصَلَتْ لَهُمُ الْقُرْحَةُ، أَوْ ضَلَّ بَعْدَ حُصُولِهَا، ثُمَّ وُجِدَ، فَذَكَرَتْ لَهُ الْوَجْهَيْنِ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَلَى أَحَدِهِمَا. (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ، كَحِجَّةٍ» ) ، وَفِي لَفْظٍ: تَعْدِلُ حِجَّةً. وَاعْتَمَرَ هُوَ فِي شَوَّالٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الِاعْتِمَارُ فِي رَمَضَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ قَدْ تَفْضُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي أَوْقَاتٍ، وَأَنَّ الشُّهُورَ بَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَالْعَمَلَ فِي بَعْضِهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مِمَّا يَتَضَاعَفُ فِيهِ عَمَلُ الْبِرِّ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ فَضْلِهِ، وَأَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ مِنَ الْعُمْرَةِ، لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ وَالْعَمَلِ، وَوَقَعَتْ لِأُمِّ طُلَيْقٍ قِصَّةٌ مِثْلُ هَذِهِ، أَخْرَجَهَا ابْنُ السَّكَنِ، وَابْنُ مِنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ، وَالدُّولَابِيُّ فِي الْكُنَى مِنْ طَرِيقِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ: «أَنَّ أَبَا طُلَيْقٍ حَدَّثَهُ أَنَّ امْرَأَتَهُ أُمُّ طُلَيْقٍ قَالَتْ لَهُ - وَكَانَ لَهُ جَمَلٌ يَغْزُو عَلَيْهِ، وَنَاقَةٌ يَحُجُّ عَلَيْهَا -: أَعْطِنِي جَمَلَكَ أَحُجُّ عَلَيْهِ، قَالَ: إِنَّ جَمَلِي حُبِسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: إِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَعْطِنِي النَّاقَةَ، وَحُجَّ أَنْتَ عَلَى الْجَمَلِ، قَالَ: لَا أَوَثِرُكِ عَلَى نَفْسِي، قَالَتْ: فَأَعْطِنِي مِنْ نَفَقَتِكَ، قَالَ: مَا عِنْدِي فَضْلٌ عَنِّي، وَعَنْ عِيَالِي مَا أَخْرُجُ بِهِ، وَمَا أَتْرُكُهُ لَكُمْ، قَالَتْ: إِنَّكَ لَوْ أَعْطَيْتَنِي أَخْلَفَهَا اللَّهُ، فَلَمَّا أَبَيْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: إِذَا لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ بِالَّذِي قُلْتُ لَكَ، فَأَتَيْتُهُ، وَأَقْرَيْتُهُ مِنْهَا السَّلَامَ، وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَتْ، فَقَالَ: صَدَقَتْ أُمُّ طُلَيْقٍ، لَوْ أَعْطَيْتَهَا الْجَمَلَ، لَكَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَوْ أَعْطَيْتَهَا النَّاقَةَ، لَكَانَتْ، وَكُنْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَوْ أَعْطَيْتَهَا مِنْ نَفَقَتِكَ، لَأَخْلَفَهَا اللَّهُ، قَالَ: فَإِنَّهَا تَسْأَلُكَ مَا يَعْدِلُ الْحَجَّ، قَالَ: عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ» ، وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَزَعَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أُمَّ مَعْقِلٍ هِيَ أُمُّ طُلَيْقٍ، لَهَا كُنْيَتَانِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أَبَا مَعْقِلٍ مَاتَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا طُلَيْقٍ عَاشَ حَتَّى سَمِعَ مِنْهُ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ، وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، فَدَلَّ عَلَى تَغَايُرِ الْمَرْأَتَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَغَايُرُ السِّيَاقَيْنِ أَيْضًا. وَفِي الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَجَّتِهِ، قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيَّةِ: مَا مَنَعَكِ مِنَ الْحَجِّ؟ قَالَتْ: كَانَ لَنَا نَاضِحَانِ، فَرَكِبَ أَبُو فُلَانٍ - تَعْنِي: زَوْجَهَا - وَابْنُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا، قَالَ: فَإِذَا كَانَ رَمَضَانَ اعْتَمِرِي فِيهِ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حِجَّةً مَعِي» " وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: خَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ، وَابْنُهُ، وَتَرَكَانِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِابْنَ أَنَسٌ مَجَازًا، لِأَنَّهُ رَبِيبُهُ لِأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ كَبِيرٌ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهِيَ وَقَائِعُ مُتَعَدِّدَةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ افْصِلُوا بَيْنَ حَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِهِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ   778 - 767 الحديث: 778 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: افْصِلُوا) - فَرِّقُوا - (بَيْنَ حَجِّكُمْ، وَعُمْرَتِكُمْ) بِأَنْ تُحْرِمُوا بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَحْدَهُ، (فَإِنَّ ذَلِكَ أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ، وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِهِ أَنْ يَعْتَمِرَ أَشْهُرَ الْحَجِّ) ، فَكَرِهَ عُمَرُ التَّمَتُّعَ، لِئَلَّا يَتَرَفَّهَ الْحَاجُّ، وَكَانَ مِنْ رَأْيِهِ عَدَمُ التَّرَفُّهِ لِلْحَاجِّ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَهَذَا رَوَاهُ جَابِرٌ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ، ثُمَّ مُسْلِمٌ، وَمَرَّ قَرِيبًا مَا فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ إِذَا اعْتَمَرَ رُبَّمَا لَمْ يَحْطُطْ عَنْ رَاحِلَتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ قَالَ مَالِكٌ الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَرْخَصَ فِي تَرْكِهَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُعْتَمِرِ يَقَعُ بِأَهْلِهِ إِنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْهَدْيَ وَعُمْرَةً أُخْرَى يَبْتَدِئُ بِهَا بَعْدَ إِتْمَامِهِ الَّتِي أَفْسَدَهَا وَيُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ بِعُمْرَتِهِ الَّتِي أَفْسَدَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ مِنْ مَكَانٍ أَبْعَدَ مِنْ مِيقَاتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إِلَّا مِنْ مِيقَاتِهِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ وَقَعَ بِأَهْلِهِ ثُمَّ ذَكَرَ قَالَ يَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَعُودُ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَعْتَمِرُ عُمْرَةً أُخْرَى وَيُهْدِي وَعَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الْعُمْرَةُ مِنْ التَّنْعِيمِ فَإِنَّهُ مَنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ يُحْرِمَ فَإِنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَكِنْ الْفَضْلُ أَنْ يُهِلَّ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ التَّنْعِيمِ   778 - 768 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ إِذَا اعْتَمَرَ رُبَّمَا لَمْ يَحْطُطْ عَنْ رَاحِلَتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ) إِلَى الْمَدِينَةِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، كَمَا مَرَّ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا أَرْخَصَ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا، أَيْ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، فَرَأَى عُثْمَانُ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنِ الرُّخْصَةِ، فَعَجَّلَ الْأَوْبَةَ إِلَى دَارِ مَقَامِهِ، لِقِيَامِهِ بِأُمُورِ الْعَامَّةِ، وَالْخَاصَّةِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ آكَدُ مِنَ الْوَتْرِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، (وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَرْخَصَ فِي تَرْكِهَا) ، حُمِلَ عَلَى السُّنِّيَّةِ لِأَنَّ تَرْكَهَا لَا يُرَخَّصُ فِيهِ، بَلْ ثَمَّةُ سُنَّةٌ يُقَاتَلُ عَلَيْهَا، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْوُجُوبِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَابْنُ الْجَهْمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، عَنْ أَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ، احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) ، لِعَطْفِهَا عَلَى الْحَجِّ الْوَاجِبِ، وَبِأَنَّ الْإِتْمَامَ إِذَا وَجَبَ وَجَبَ الِابْتِدَاءُ، وَبِأَنَّ مَعْنَى أَتِمُّوا: أَقِيمُوا، كَمَا أَنَّ مَعْنَى أَقِيمُوا: أَتِمُّوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء: 103] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 103) ، وَتُعُقِّبَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الِاقْتِرَانِ بِالْحَجِّ وُجُوبُ الْعُمْرَةِ، فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ، لِضَعْفِ دَلَالَةِ الِاقْتِرَانِ، وَالثَّانِي بِأَنَّ غَيْرَ الْوَاجِبِ يَلْزَمُ إِتْمَامُهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ، وَالثَّالِثُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَقِيمُوا بِمَعْنَى أَتِمُّوا، أَنْ يَكُونَ أَتِمُّوا بِمَعْنَى أَقِيمُوا، لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تَثْبُتُ بِالْعَكْسِ، مَعَ أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى أَتِمُّوا، هَلْ هُوَ كَمَالُهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَتَرَكِ قَطْعِهَا؟ وَهُوَ أَظْهَرُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَمَنْ تَمَتَّعَ الْآيَةَ، أَوْ إِتْمَامُهَا أَنْ يُحْرِمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ فِي سَفَرَيْنِ وَقِيلَ غَيْرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 هَذَا وَقَرَأَ الشَّعْبِيُّ: وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ، بِرَفْعِ الْعُمْرَةِ، فَفَصَلَ بِهَذَا، لِقِرَاءَةِ عَطْفِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَصَارَ مِنْ أَدِلَّةِ السُّنِّيَّةِ. وَلِلْتِرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " «أَتَى أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ فَقَالَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ» " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: لَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، فَقَدْ تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِطَرِيقٍ آخَرَ، عَنْ جَابِرٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَضَعَّفَهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا: " «الْحَجُّ جِهَادٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» "، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «الْحَجُّ فَرِيضَةٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ: " «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» "، فَذَكَرَ الْحَجَّ دُونَ الْعُمْرَةِ، وَزِيَادَتُهَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَدِيٍّ عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوعًا: " «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ» "، ضَعِيفٌ، لِأَنَّ فِيهِ ابْنَ لَهِيعَةَ. وَلِلْحَاكِمِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ» "، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، مَعَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَالثَّابِتُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا. وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقَرِينَتُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتِنْبَاطٌ لَهُ مِنَ الْآيَةِ، وَاجْتِهَادٌ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِرَانِ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا) مِنْ إِطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، فَتُكْرَهُ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ فَأَكْثَرَ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ أَرْبَعًا كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي سَنَةٍ، مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنَ التَّكْرِيرِ، نَعَمْ، إِنْ شَرَعَ فِي الْمَكْرُوهِ لَزِمَهُ إِتْمَامُهَا، لِأَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الْجَائِزِ، وَأَجَازَ الْجُمْهُورُ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ التَّكْرَارَ بِلَا كَرَاهَةٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ: " «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» " حَتَّى بَالَغَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ لِمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ حُجَّةً مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لِمِثْلِهَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهَا فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَلَبِّسًا بِالْحَجِّ، إِلَّا مَا نُقِلَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا تُكْرَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالنَّحْرِ، وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُعْتَمِرِ: يَقَعُ بِأَهْلِهِ) - يُجَامِعُهَا - (إِنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْهَدْيَ، وَعُمْرَةً أُخْرَى) قَضَاءً عَنِ الَّتِي أَفْسَدَ، (يَبْتَدِئُ بِهَا) عَاجِلًا (بَعْدَ إِتْمَامِهِ الَّتِي أَفْسَدَهَا) بِالْوِقَاعِ (وَيُحْرِمُ) فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، (مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ بِعُمْرَتِهِ الَّتِي أَفْسَدَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ) ، فِي الَّتِي أَفْسَدَ، (مِنْ مَكَانٍ أَبْعَدَ مِنْ مِيقَاتِهِ) ، كَمِصْرِيٍّ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ بِعُمْرَةٍ، فَأَفْسَدَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 (فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ) فِي قَضَائِهَا، (إِلَّا مِنْ مِيقَاتِهِ) ، كَالْجُحْفَةِ، (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهُوَ جُنُبٌ، أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) ، نَاسِيًا، (ثُمَّ وَقَعَ بِأَهْلِهِ) مُعْتَقِدًا تَمَامَ عُمْرَتِهِ، (ثُمَّ ذَكَرَ) ذَلِكَ، (قَالَ: يَغْتَسِلُ، أَوْ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَعُودُ، فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ) ، لِبُطْلَانِ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ بِعَدَمِ الطَّهَارَةِ، (وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) ، لِأَنَّ صِحَّةَ السَّعْيِ بِتَقَدُّمِ الطَّوَافِ، وَقَدْ عُدِمَ بِعَدَمِ شَرْطِهِ، وَهَذَا إِتْمَامٌ لِلْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ بِالْوِقَاعِ. (وَيَعْتَمِرُ عُمْرَةً أُخْرَى) قَضَاءً عَنْهَا سَرِيعًا، (وَيَهْدِي) ; لِلْفَسَادِ، (وَعَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ) ، إِذِ النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ. (قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا الْعُمْرَةُ مِنَ التَّنْعِيمِ فَإِنَّهُ) ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ لَا يَتَعَيَّنُ، وَ (مَنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ) إِلَى أَيِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْحِلِّ، (فَإِنَّ ذَلِكَ مَجْزِيٌّ عَنْهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ) - لِلتَّبَرُّكِ، إِذْ شَرْطُ الْإِحْرَامِ: أَنْ يَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَامِ، (وَلَكِنَّ الْفَضْلَ: أَنْ يُهِلَّ مِنَ الْمِيقَاتِ الَّذِي وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنَ التَّنْعِيمِ) ، كَالْجِعْرَانَةِ، وَالْحُدَيْبِيَةِ لِإِحْرَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمَا بِالْعُمْرَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 [بَاب نِكَاحِ الْمُحْرِمِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ»   22 - بَابُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ 779 - 769 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) ، هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ، وَوَصَلَهُ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ، عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ الحديث: 779 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 أَبِي رَافِعٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا لِسَنَدِهِ غَيْرَ مَطَرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا غَلَطٌ مِنْ مَطَرٍ، لِأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ، وَقِيلَ: سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَمَاتَ أَبُو رَافِعٍ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ عُثْمَانَ بِقَلِيلٍ، وَقُتِلَ عُثْمَانُ فِي الْحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْمَعَ سُلَيْمَانُ مِنْ أَبِي رَافِعٍ، انْتَهَى. وَهُوَ مُمْكِنٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي وِلَادَتِهِ، لِأَنَّهُ أَدْرَكَ نَحْوَ ثَمَانِ سِنِينَ مِنْ حَيَاةِ أَبِي رَافِعٍ، فَلَا يُسْتَغْرَبُ سَمَاعُهُ مِنْهُ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ) ، اسْمُهُ عَلَى أَشْهَرِ الْأَقْوَالِ الْعَشَرَةِ: أَسْلَمُ (مَوْلَاهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ) ، هُوَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ، كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ، (فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ) الْهِلَالِيَّةَ، آخِرَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا مِمَّنْ دَخَلَ بِهِنَّ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَزَوَّجَاهُ أَنَّهُ وَكَلَّهُمَا فِي قَبُولِ النِّكَاحِ لَهُ، لَكِنْ، رَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «لَمَّا خَطَبَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ، فَأَنْكَحَهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَبِلَ النِّكَاحَ بِنَفْسِهِ، وَيُقَوِّيهِ رِوَايَةُ ابْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَلَمَّا حَلَّ تَزَوَّجَهَا، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: فَزَوَّجَاهُ عَلَى مَعْنَى خَطَبَا لَهُ فَقَطْ مَجَازًا. (وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ) إِلَى عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ. وَفِي مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، عَنْ مَيْمُونَةَ: «تَزَوَّجَنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفٍ» . زَادَ الْبَرْقَانِيُّ: " وَبَنَى بِي حَلَالًا "، فَأَفَادَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وُقُوعَ الْعَقْدِ، وَهُوَ حَلَالٌ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: " «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ، وَهُوَ حَلَالٌ وَبَنَى بِهَا، وَهُوَ حَلَالٌ، وَكُنْتُ أَنَا الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا» "، وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مَهْرَانَ، قَالَ: " «دَخَلْتُ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، وَهِيَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ، فَسَأَلْتُهَا: أَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَتْ: لَا، وَاللَّهِ لَقَدْ تَزَوَّجَهَا وَإِنَّهُمَا لَحَلَالَانِ» "، وَأَخْرَجَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي زِيَادَاتِ الْمَغَازِي وَغَيْرِهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: " «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ، وَهُوَ حَلَالٌ وَبَنَى بِهَا بِسَرِفٍ فِي قُبَّةٍ لَهَا، وَمَاتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهَا» "، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الرِّوَايَةُ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ حَلَالٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ مَيْمُونَةَ نَفْسِهَا، وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، مَوْلَاهَا، وَعَنْ يَزِيدَ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا، وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ رَوَى أَنَّهُ نَكَحَهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ. وَرِوَايَةُ مَنْ ذَكَرَ مُعَارِضَةٌ لِرِوَايَتِهِ، وَالْقَلْبُ إِلَى رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ أَمْيَلُ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ أَقْرَبُ إِلَى الْغَلَطِ، انْتَهَى. وَفِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: وَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَزْوِيجِ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَإِنْ كَانَتْ خَالَتُهُ مَا تَزَوَّجَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا بَعْدَمَا حَلَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَأَبَانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ وَهُمَا مُحْرِمَانِ إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَرَدْتُ أَنْ تَحْضُرَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبَانُ وَقَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ»   780 - 770 الحديث: 780 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، (عَنْ نُبَيْهِ) - بِضَمِّ النُّونِ - مُصَغَّرٌ (ابْنِ وَهْبِ) بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدَرِيِّ، (أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) بْنِ قُصَيٍّ، أَيْ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْمَدَنِيُّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، وَمَاتَ قَبْلَ نَافِعٍ الرَّاوِي عَنْهُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، (أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ) - بِضَمِّ الْعَيْنَيْنِ - ابْنِ مَعْمَرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ، وَجَدُّهُ: مَعْمَرٌ صَحَابِيٌّ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ أَبِي قُحَافَةَ وَالِدِ الصِّدِّيقِ، رَوَى عُمَرُ، عَنْ أَبَانٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَعَنْهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَكَانَ أَحَدَ وُجُوهِ قُرَيْشٍ، وَأَشْرَافِهَا، جَوَادًا، مُمَدَّحًا، شُجَاعًا، مَاتَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ، (أَرْسَلَ) نُبَيْهًا الرَّاوِيَ الْمَذْكُورَ - كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ - (إِلَى أَبَانِ) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ - (ابْنِ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ الْأُمَوِيِّ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ، (وَأَبَانٌ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ) مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ، (وَهُمَا مُحْرِمَانِ: إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُنْكِحَ) - بِضَمٍّ فَسُكُونٍ - أُزَوِّجَ ابْنِي (طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ) الْقُرَشِيَّ التَّيْمِيَّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَنْصَارِيَّ، وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ، فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهٍ: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَكَانَ يَخْطُبُ بِنْتَ شَيْبَةَ عَلَى ابْنِهِ (بِنْتَ شَيْبَةَ) اسْمُهَا: أَمَةُ الْحُمَيْدِ كَمَا ذَكَرَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، وَغَيْرُهُ (ابْنِ جُبَيْرِ) بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: بَنَتَ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَزَعَمَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَإِنَّ مَالِكًا، وَهِمَ فِيهِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: بَلْ قَوْلُ مَالِكٍ هُوَ الصَّوَابُ، فَإِنَّهَا بِنْتُ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ الْحَجَبِيِّ كَمَا حَكَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَعَلَّ مَنْ قَالَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ فَلَا يَكُونُ خَطَأٌ، بَلِ الرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ إِحْدَاهُمَا: حَقِيقَةٌ، وَالْأُخْرَى مَجَازٌ. (وَأَرَدْتُ أَنْ تَحْضُرَ) فِيهِ نَدْبُ الِاسْتِئْذَانِ، لِحُضُورِ الْعَقْدِ، (فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبَانُ) ، فَقَالَ: أَلَا أَرَاهُ عِرَاقِيًّا جَافِيًا، كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، وَلَهُ فِي أُخْرَى: أَعْرَابِيًّا، أَيْ جَاهِلًا بِالسُّنَّةِ كَالْأَعْرَابِ، وَمَعْنَى رِوَايَةِ الْقَافِ: آخِذًا بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ. (وَقَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) ، يَعْنِي: أَبَاهُ، وَفِي تَصْرِيحِهِ بِسَمِعْتُ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ، فَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ، (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْكِحُ) - بِفَتْحِ أَوَّلِهِ - أَيْ لَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ (الْمُحْرِمُ) بِحَجٍّ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا، (وَلَا يُنْكِحُ) - بِضَمِّ أَوَّلِهِ - أَيْ لَا يَعْقِدُ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ، وَلَا وِكَالَةٍ، وَهُوَ بِالْجَزْمِ فِيهِمَا عَلَى النَّهْيِ، كَمَا ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ. (وَلَا يَخْطُبُ) ، فَيُمْنَعُ مِنَ الْخِطْبَةِ أَيْضًا، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، كَمَا فِي الْمُفْهِمِ، وَحَمَلَ الشَّافِعِيَّةُ النَّهْيَ فِي الْخِطْبَةِ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ السِّفَارَةَ فِي النِّكَاحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْخِطْبَةَ حَالَةَ النِّكَاحِ، فَأَمَّا السِّفَارَةُ فِيهِ فَمَمْنُوعَةٌ، فَإِنْ سَفَرَ، وَعَقَدَ سِوَاهُ، أَوْ سَفَرَ لِنَفْسِهِ، وَعَقَدَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، أَسَاءَ وَلَمْ يُفْسَخْ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، انْتَهَى. وَفِيهِ حُرْمَةُ الْعَقْدِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَلَوْ عَقَدَ لَمْ يَصِحَّ، وَيُفْسَخْ أَيْضًا بِطَلْقَةٍ عِنْدَ مَالِكٍ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، فَيُزَالُ الِاخْتِلَافُ بِالطَّلَاقِ احْتِيَاطًا لِلْفَرْجِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بِلَا طَلَاقٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْكُوفِيُّونَ: يَصِحُّ نِكَاحُهُ، وَإِنْكَاحُهُ، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، بَلْ هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ، وَأَنَّهُ لِاشْتِغَالِهِ بِنُسُكِهِ لَا يَتَّسِعُ زَمَانُهُ لِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهُ، وَبِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ هُنَا: الْوَطْءُ، لَا الْعَقْدُ، فَقَوْلُهُ: لَا يَنْكِحُ، أَيْ لَا يَطَأُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ، لَا عَلَى حِكَايَةِ الْحَالِ، وَحَمْلُهُ عَلَيْهَا لَا يَكُونُ إِخْبَارًا عَنْ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ، بَلْ عَنْ قَضِيَّةٍ يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهَا الْخَاصُّ، وَالْعَامُّ، وَحَمْلُ كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى الشَّرْعِيَّاتِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ أَوْلَى. وَأَيْضًا فَإِنَّ أَبَانَ رَاوِي الْحَدِيثَ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ: النَّهْيَ، وَأَنْكَرَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةَ بِالْحَدِيثِ، وَحَمْلُ النِّكَاحَ عَلَى الْوَطْءِ، لَا فَائِدَةَ فِيهِ، إِذْ هُوَ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ يَعْلَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَأَيْضًا، فَهُوَ خِلَافُ فَهْمِ رَاوِيهِ، وَلَوْ صَحَّ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى لَمْ يَصِحَّ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يُنْكِحُ، نَهْيٌ عَنِ التَّزْوِيجِ بِلَا شَكٍّ، وَإِذَا مُنِعَ مِنَ الْعَقْدِ لِغَيْرِهِ، فَأَوْلَى لِنَفْسِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مَحْرِمٌ» "، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، لِأَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ، وَغَيْرَهُ وَهَّمُوهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ، وَخَالَفَتْهُ مَيْمُونَةُ، وَأَبُو رَافِعٍ، فَرَوَيَا أَنَّهُ نَكَحَهَا، وَهُوَ حَلَالٌ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، لِأَنَّ مَيْمُونَةَ هِيَ الزَّوْجَةُ، وَأَبُو رَافِعٍ هُوَ السَّفِيرُ بَيْنَهُمَا، فَهُمَا أَعْرَفُ بِالْوَاقِعَةِ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنَ التَّعَلُّقِ بِالْقِصَّةِ مَا لَهُمَا، وَلِصِغَرِهِ حِينَئِذٍ عَنْهُمَا، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي سِنِّهِمَا، وَلَا يَقْرُبُ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَهْمًا، فَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ بِأَنَّ مَعْنَى وَهُوَ مُحْرِمٌ: فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: أَحْرَمَ، وَأَنْجَدَ، وَأَتْهَمَ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ، وَنَجَدًا، وَتِهَامَةَ، أَوْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، كَقَوْلِهِ: قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا. أَيْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ، وَلَا بِعُمْرَةٍ، أَوْ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ مَنْ قَلَّدَ هَدْيَهُ صَارَ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ، فَلَعَلَّ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلِمَ بِنِكَاحِهِ بَعْدَ أَنْ قَلَّدَ هَدْيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَنَّ عَقْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِغْضَاءِ عَنْ هَذَا كُلِّهِ، فَقَدْ تَعَارَضَ هُوَ وَحَدِيثُ مَيْمُونَةَ، وَأَبِي رَافِعٍ، فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِالْخَبَرَيْنِ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 إِلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ، لِأَنَّ لَا مُعَارِضَ لَهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَغَيْرُهُ، وَيُرَجِّحُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ إِذَا تَعَارَضَ هُوَ وَالْفِعْلُ، لِقُوَّةِ الْقَوْلِ، لِدَلَالَتِهِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْفِعْلِ، فَإِنَّمَا يُدَلُّ بِوَاسِطَةِ الْقَوْلِ، وَلِتَعَدِّي الْقَوْلِ إِلَى الْغَيْرِ، وَالْفِعْلُ يَحْتَمِلُ قَصْرَهُ عَلَيْهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ حَدِيثَ عُثْمَانَ هَذَا مُسْلِمٌ فِي النِّكَاحِ، عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْحَجِّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا، عَنِ النَّسَائِيِّ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَابْنِ حِبَّانَ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ، وَيَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ، وَأَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَتَابَعَ نَافِعًا عَلَيْهِ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ عَنْ نُبَيْهٍ فِي مُسْلِمٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِكَاحَهُ   781 - 771 - (مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الصَّادِ - الْأُمَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، (أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ) - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ - (ابْنَ طَرِيفٍ) - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ - وَقِيلَ: ابْنَ مَالِكٍ (الْمُرِّيَّ) - بِالرَّاءِ - الْمَدَنِيِّ، قِيلَ: اسْمُهُ سَعْدٌ ثِقَةٌ تَابِعِيٌّ، (أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِكَاحَهُ) ، لِفَسَادِهِ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ. الحديث: 781 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ   782 - 772 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى غَيْرِهِ) ، مُوَافَقَةً لِلْحَدِيثِ إِذْ لَفْظُهُ عَامٌّ. الحديث: 782 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلُوا عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَقَالُوا لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ إِنَّهُ يُرَاجِعُ امْرَأَتَهُ إِنْ شَاءَ إِذَا كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ   782 - 773 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ) ، وَالثَّلَاثَةُ مِنَ الْفُقَهَاءِ، (سُئِلُوا عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، فَقَالُوا: لَا يَنْكِحُ) - بِفَتْحِ أَوَّلِهِ - (الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحُ) - بِضَمِّهِ - وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ بَعْدَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أَنَّ الْعَمَلَ اتَّصَلَ بِهِ وَالْفَتْوَى، فَلَا يُمْكِنُ دَعْوَى نَسْخِهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ: أَنَّهُ يُرَاجِعُ امْرَأَتَهُ - إِنْ شَاءَ - إِذَا كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ، فَلَمْ تَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ، فَأَمَّا إِنْ خَرَجَتْ مِنْ عِدَّتِهَا، فَلَا يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فَدَخَلَ فِيهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ، لِأَنَّ الْمُرَاجَعَةَ لَا تَحْتَاجُ إِلَى وَلِيٍّ، وَلَا صَدَاقٍ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَعَنْ أَحْمَدَ مَنَعَهُ مِنَ الرَّجْعَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 [بَاب حِجَامَةِ الْمُحْرِمِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَوْقَ رَأْسِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِلَحْيَيْ جَمَلٍ مَكَانٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ»   23 - بَابُ حِجَامَةِ الْمُحْرِمِ 784 - 774 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) ، مُرْسَلٌ وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ) » ، أَيْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْحَازِمِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (فَوْقَ رَأْسِهِ) ، وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: وَسَطَ رَأْسِهِ، وَقُيِّدَ بِالظَّرْفِ، لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ، وَلَا بِالْقَفَا، بَلْ تَكُونُ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ، لُغَةً، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَصِّ، قَالَ فِي الْمُحْكَمِ: الْحَجْمُ الْمَصُّ، وَالْحَجَّامُ: الْمَصَّاصُ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ: مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ، وَهِيَ نَوْعٌ مِنَ الصُّدَاعِ يَعْرِضُ فِي مُقَدَّمِ الرَّأْسِ، وَإِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ - بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ، وَالْهَمْزِ - وَقَدْ يُتْرَكُ رَضُّ الْعَظْمِ بِلَا كَسْرٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ بِهِ الْأَمْرَانِ، (وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِلَحْيَيْ) - بِفَتْحِ اللَّامِ، وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَحْتِيَّتَيْنِ: أُولَاهُمَا: مَفْتُوحَةٌ - (جَمَلٍ) - بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَالْمِيمِ - (مَكَانٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ) ، وَهُوَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَقْرَبُ، وَقِيلَ: عَقَبَةٌ، وَقِيلَ: مَاءٌ، وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالْحَاكِمِ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ» "، وَلَفْظُ الْحَاكِمِ: عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمَيْنِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَهَذَا يُبَيِّنُ تَعَدُّدَهَا مِنْهُ فِي الْإِحْرَامِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا فِي إِحْرَامٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ الثَّانِيَ فِي عُمْرَةٍ، وَالْأَوَّلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَفِيهِ الْحِجَامَةُ فِي الرَّأْسِ، وَغَيْرِهِ لِلْعُذْرِ، وَهُوَ إِجْمَاعٌ، وَلَوْ أَدَّتْ إِلَى قَلْعِ الشَّعْرِ لَكِنْ يَفْتَدِي إِذَا قَلَعَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) ، الْآيَةَ، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّدَاوِي، وَاسْتِعْمَالُ الطِّبِّ وَالتَّدَاوِي بِالْحِجَامَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «إِنَّ أَنْفَعَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ، وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ» "، وَفِيهِ أَيْضًا: " «إِنْ كَانَ الشِّفَاءُ فِي شَيْءٍ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيٍّ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ» . الحديث: 784 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إِلَّا مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إِلَّا مِنْ ضَرُورَة   785 - 775 الحديث: 785 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إِلَّا) أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ، أَيْ الِاحْتِجَامِ (مِمَّا) ، أَيْ أَمْرٍ (لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ) ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْتَجِمْ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، فَإِنِ احْتَجَمَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ حَرُمَتْ، إِنْ لَزِمَ مِنْهَا قَلْعُ الشَّعْرِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا شَعْرَ فِيهِ، فَأَجَازَهَا الْجُمْهُورُ، وَلَا فِدْيَةَ، وَأَوْجَبَهَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَكَرِهَهَا ابْنُ عُمَرَ، وَبِهِ (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ) ، أَيْ يُكْرَهُ، لِأَنَّهَا قَدْ تُؤَدِّي لِضَعْفِهِ، كَمَا كُرِهَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ، مَعَ أَنَّ الصَّوْمَ أَخَفُّ مِنَ الْحِجَامَةِ، فَبَطَلَ اسْتِدْلَالُ الْمُجِيزِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ إِخْرَاجِ الدَّمِ فِي الْإِحْرَامِ، لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ بِالْحُرْمَةِ، بَلْ بِالْكَرَاهَةِ لِعِلَّةٍ أُخْرَى عُلِمَتْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 [بَاب مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنْ الصَّيْدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ»   24 - بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنَ الصَّيْدِ 786 - 776 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) - بِفَتْحِ النُّونِ، وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ - سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ تَيْمِ قُرَيْشٍ، (عَنْ نَافِعِ) بْنِ عَبَّاسٍ - بِمُوَحَّدَةٍ، وَمُهْمَلَةٍ، أَوْ تَحْتَانِيَّةٍ، وَمُعْجَمَةٍ - أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَقْرَعِ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ (مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ) ، حَقِيقَةً كَمَا ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ، وَالْعِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ، وَغَيْرُهُ، قِيلَ: لَهُ ذَلِكَ، لِلُزُومِهِ لَهُ إِنَّمَا هُوَ مَوْلَى عَقِيلَةَ بِنْتِ طَلْقٍ الْغِفَارِيَّةِ، (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) الْحَارِثِ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ السُّلَمِيِّ: (أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ: " «انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ، وَلَمْ أُحْرِمْ» " (حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ) ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ بِسَنَدِهِ: " «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَاحَةِ» " قَالَ عَمْرٌو: فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَلَفْظُ صَالِحٍ: مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ الحديث: 786 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 أَمْيَالٍ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، وَغَيْرِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ ذَلِكَ بِعُسْفَانَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالصَّحِيحُ بِالْقَاحَةِ، وَهِيَ بِالْقَافِ، وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْخَفِيفَةِ. (تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ) ، وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ: " وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وَأَنَا رَجُلٌ حِلٌّ عَلَى فَرَسِي، وَكُنْتُ رَقَّاءً عَلَى الْجِبَالِ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ، إِذْ رَأَيْتُ النَّاسَ مُتَشَوِّقِينَ، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ، (فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ) فِي رِوَايَةِ عَمْرٍو: " وَكُنْتُ نَسِيتُ سَوْطِيَ " وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ: " ثُمَّ رَكِبْتُهُ، فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي "، فَلَعَلَّهُ أَطْلَقَ النِّسْيَانَ عَلَى السُّقُوطِ، أَوْ عَكْسِهِ تَجُوُّزًا، (فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ) ، فِي رِوَايَةِ عَمْرٍو: " قَالُوا: لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ "، (فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ، فَأَبَوْا، فَأَخَذَهُ، ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ، فَقَتَلَهُ) ، فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ: " قُلْتُ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ، قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَنَزَلْتُ، فَتَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ، فَأَدْرَكْتُ الْحِمَارَ مِنْ خَلْفِهِ، وَهُوَ وَرَاءَ أَكَمَةٍ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي فَعَقَرْتُهُ "، أَوْ فِي رِوَايَةِ عَمْرٍو: " فَأَتَيْتُ إِلَيْهِمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: قُومُوا فَاحْتَمِلُوا، قَالُوا: لَا نَمَسُّهُ، فَحَمَلْتُهُ حَتَّى جِئْتُهُمْ بِهِ "، (فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَى بَعْضُهُمْ) مِنَ الْأَكْلِ، وَفِيهِ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي الْفُرُوعِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهَا إِذَا اسْتَنَدَ كُلٌّ إِلَى دَلِيلٍ فِي ظَنِّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: " ثُمَّ أَنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ "، وَفِي أُخْرَى: " فَقُلْنَا: إِنَّا نَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ "، (فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ) ، أَيْ ذَكَرُوا لَهُ الْقِصَّةَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ أَصْحَابَهُ لَمْ يُعِينُوهُ بِمُنَاوَلَةِ سَوْطٍ، وَلَا رُمْحٍ، وَلَا غَيْرِهِمَا، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرٍو: " وَأَبَى بَعْضُهُمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَنَا أَسْتَوْقِفُ لَكُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَدْرَكْتُهُ، فَحَدَّثْتُهُ "، الْحَدِيثَ. وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ: " فَقُلْنَا: نَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ؟ وَفِي أُخْرَى: أَوْ أَعَانَهُ؟ قَالُوا: لَا، (فَقَالَ) : فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا (إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ) - بِضَمِّ الطَّاءِ، وَسُكُونِ الْعَيْنِ - أَيْ طَعَامٌ (أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ) ، عَزَّ وَجَلَّ. وَفِيهِ جَوَازُ أَكْلِ الْمُحْرِمِ لَحْمَ الصَّيْدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ دَلَالَةٌ، أَوْ إِعَانَةٌ عَلَيْهِ، أَوْ إِشَارَةٌ إِلَيْهِ، فَإِنْ صَادَهُ، أَوْ صِيدَ لِأَجْلِهِ بِإِذْنِهِ، أَمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ حَرُمَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ، مَرْفُوعًا: " «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ، أَوْ يُصَادَ لَكُمْ» "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٌ: يَجُوزُ أَكْلُ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ صَادَهُ لِأَجْلِهِمْ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ أَنَّهُ صَادَهُ لِأَجْلِهِمْ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ بِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَوْلَى مِنْ طَرْحِ حَدِيثِ جَابِرٍ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ لَمْ يُحْرِمْ أَبُو قَتَادَةَ مَعَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؟ أَجَابَ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ، وَرُفْقَتَهُ لِكَشْفِ عَدُوٍّ لَهُمْ بِجِهَةِ السَّاحِلِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ، وَلَمْ يَنْوِ حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا بَعِيدٌ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمَدِينَةِ، بَلْ بَعَثَهُ أَهْلُهَا إِلَيْهِ لِيُعْلِمَهُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقْصِدُونَ الْإِغَارَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَرُدَّ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي كِتَابِ الصَّيْدِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ الْخَمْسَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ مُتَابَعَاتٌ وَطُرُقٌ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا تَخْتَلِفُ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ فِي ثُبُوتِهِ، وَصِحَّتِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَ يَتَزَوَّدُ صَفِيفَ الظِّبَاءِ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ مَالِكٌ وَالصَّفِيفُ الْقَدِيدُ   787 - 777 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ) أَبَاهُ (الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ) الْحِوَارِيَّ، (كَانَ يَتَزَوَّدُ صَفِيفَ الظِّبَاءِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَالَ مَالِكٌ: وَالصَّفِيفُ) - بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ، وَفَاءَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ، بِزِنَةِ أَمِيرٍ -: (الْقَدِيدُ) ، قَالَ الْقَامُوسُ: الصَّفِيفُ كَأَمِيرٍ، مَا صُفَّ فِي الشَّمْسِ، لِيَجِفَّ، وَعَلَى الْجَمْرِ لِيَنْشَوِيَ. الحديث: 787 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ»   788 - 778 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَى عُمَرَ: (أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ) - بِفَتْحٍ، فَسُكُونٍ - مَا كَانَ مِنْ دَوَابِّ الْبَرِّ، وَيُجْمَعُ عَلَى وُحُوشٍ، وَيُقَالُ: حِمَارُ وَحْشٍ بِالْإِضَافَةِ وَالتَّنْوِينِ (مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ) السَّابِقِ، (إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) زِيَادَةٌ، (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ؟) ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ: " قَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلَهَا "، وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْهِبَةِ: " فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ، فَأَكَلَهَا حَتَّى تَعَرَّقَهَا "، وَفِي رِوَايَةٍ: " قَدْ رَفَعْنَا لَهُ الذِّرَاعَ، فَأَكَلَ مِنْهُ " الحديث: 788 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 وَجُمِعَ بِأَنَّهُ أَكَلَ مِنَ الْأَمْرَيْنِ. وَلِأَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَأَبِي عَوَانَةَ، فَقَالَ: كُلُوا وَأَطْعِمُونِي "، وَوَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَالْبَيْهَقِيِّ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا اصْطَدْتُهُ لَكَ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ، فَأَكَلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حِينَ أَخْبَرْتُهُ أَنِّي اصْطَدْتُهُ لَهُ قَالَ " الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَعْنِي: النَّيْسَابُورِيَّ، قَوْلُهُ: اصْطَدْتُهُ لَكَ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ غَيْرَ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذِهِ لَفْظَةٌ غَرِيبَةٌ لَمْ نَكْتُبْهَا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ: تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ مَعْمَرٌ، وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ جَرَى لِأَبِي قَتَادَةَ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ قَضِيَّتَانِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَحَدِيثُ زَيْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ، وَالصَّيْدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَإِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ هُنَا عَنْ قُتَيْبَةَ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ تِلْوَ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ عَنْ الْبَهْزِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ إِذَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ عَقِيرٌ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعُوهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُهُ فَجَاءَ الْبَهْزِيُّ وَهُوَ صَاحِبُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَأْنَكُمْ بِهَذَا الْحِمَارِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْأُثَابَةِ بَيْنَ الرُّوَيْثَةِ وَالْعَرْجِ إِذَا ظَبْيٌ حَاقِفٌ فِي ظِلٍّ فِيهِ سَهْمٌ فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ لَا يَرِيبُهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يُجَاوِزَهُ»   789 - 779 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ) الْقُرَشِيُّ (عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - التَّيْمِيِّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ، مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ، وَالثَّلَاثَةُ مِنَ التَّابِعِينَ، (عَنْ عُمَيْرٍ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - (ابْنِ سَلَمَةَ) بْنِ مَنْتَابَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ جُدَيِّ بْنِ ضَمْرَةَ (الضَّمْرِيِّ) ، نَسَبَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِنَّهُ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي صُحْبَتِهِ (عَنِ الْبَهْزِيِّ) - بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَإِسْكَانِ الْهَاءِ، وَبِالزَّايِ - زَيْدِ بْنِ كَعْبٍ السُّلَمِيِّ الصَّحَابِيِّ، هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِي إِسْنَادِهِ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ أَبُو أُوَيْسٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَغَيْرُهُمْ، عَنْ يَحْيَى، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَهُشَيْمٌ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَلَمْ يَقُولُوا عَنِ الْبَهْزِيِّ، قَالَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ يَزِيدِ بْنِ الْهَادِ، وَعَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ، لِأَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ عَنْ يَحْيَى، كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ مِنْ يَحْيَى كَانَ أَحْيَانًا يَقُولُ عَنِ الْبَهْزِيِّ، وَأَحْيَانًا لَا يَقُولُهُ، وَأَظُنُّ الْمَشْيَخَةَ الْأُولَى كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عِنْدَهُمْ، وَلَيْسَ هُوَ رِوَايَةً عَنْ فُلَانٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ قِصَّةِ فُلَانٍ، هَذَا كَلَامُ مُوسَى بْنِ هَارُونَ نَقَلَهُ فِي التَّمْهِيدِ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْعِلَلِ. قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَيُونُسَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: إِنَّ الْبَهْزِيَّ حَدَّثَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُمَا غَيَّرَا الحديث: 789 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 قَوْلَهُ عَنِ الْبَهْزِيِّ إِلَى قَوْلِهِ: أَنَّ الْبَهْزِيَّ ظَنًّا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، لِكَوْنِ الرَّاوِي غَيْرَ مُدَلِّسٍ، فَيَسْتَوِي فِي حَقِّهِ الصِّيغَتَانِ، انْتَهَى. وَلَا يَظْهَرُ جَوَابُهُ مَعَ قَوْلِهِ حَدَّثَهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ) - بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَإِسْكَانِ الْوَاوِ، وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَالْمَدِّ - مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، (إِذَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ عَقِيرٌ) ، أَيْ مَعْقُورٌ، (فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا حِمَارٌ عَقِيرٌ، كَمَا فِي رِوَايَةٍ، (فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُهُ، فَجَاءَ الْبَهْزِيُّ، وَهُوَ صَاحِبُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَأْنُكُمْ بِهَذَا الْحِمَارِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ) الصِّدِّيقَ، (فَقَسَّمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ) - بِكَسْرِ الرَّاءِ، مَصْدَرٌ كَالْمُرَافَقَةِ - قَالَهُ فِي الْمَشَارِقِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جَمْعُ رُفْقَةٍ - بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا - الْقَوْمُ الْمُتَرَافِقُونَ فِي السَّفَرِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ جَوَازُ هِبَةِ الْمُشَارِعِ، وَأَنَّ الصَّائِدَ إِذَا أَثْبَتَ الصَّيْدَ بِرُمْحِهِ، أَوْ نُبْلِهِ فَقَدْ مَلَكَهُ، لِأَنَّهُ سَمَّاهُ صَاحِبَهُ، وَأَنَّ صَيْدَ الْحَلَالِ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ إِذَا لَمْ يُصَدْ لَهُ، وَرَدٌّ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ فِي اشْتِرَاطِهِمُ التَّرَاخِيَ فِي الطَّلَبِ، لِأَنَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ لِلْبَهْزِيِّ: هَلْ تَرَاخَيْتَ فِي الطَّلَبِ؟ وَأَبَاحَ أَكْلَهُ لِأَصْحَابِهِ الْمُحْرِمِينَ. (ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْأُثَايَةِ) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَمُثَلَّثَةٍ، فَأَلِفٍ، فَتَحْتِيَّةٍ فِيهَا - مَوْضِعٌ، أَوْ بِئْرٌ (بَيْنَ الرُّوَيْثَةِ) - بِضَمِّ الرَّاءِ، وَفَتْحِ الْوَاوِ، وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ، وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ، وَالْهَاءِ - مَوْضِعٌ، (وَالْعَرْجِ) - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَإِسْكَانِ الرَّاءِ، وَبِالْجِيمِ - مَوْضِعٌ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ، (إِذَا ظَبْيٌ حَاقِفٌ) - بِمُهْمَلَةٍ، فَأَلِفٍ، فَقَافٍ، فَفَاءٍ، أَيْ وَاقِفٌ مُنْحَنٍ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى رِجْلَيْهِ، وَقِيلَ: الْحَاقِفُ الَّذِي لَجَأَ إِلَى حِقْفٍ، وَهُوَ مَا انْعَطَفَ مِنَ الرَّمْلِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَاقِفٌ يَعْنِي: قَدِ انْحَنَى، وَتَثَنَّى فِي نَوْمِهِ، (فِي ظِلٍّ فِيهِ سَهْمٌ) زَادَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِسَنَدٍ، عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: " «فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ظَبْيٌ حَاقِفٌ فِي ظِلٍّ فِيهِ سَهْمٌ، فَقَالَ: لَا يَعْرِضُ لَهُ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُ النَّاسِ» "، (فَزَعَمَ) ، أَيْ قَالَ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا) لَمْ يُسَمَّ (أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ، لَا يَرِيبُهُ) - بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ، فَتَحْتِيَّةٍ، فَمُوَحَّدَةٍ - قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَيْ لَا يَمَسُّهُ، وَلَا يُحَرِّكُهُ، وَلَا يُهَيِّجُهُ (أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يُجَاوِزَهُ) ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُنَفِّرَ الصَّيْدَ، وَلَا يُعِينَ عَلَيْهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ، وَغَيْرُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّبَذَةِ وَجَدَ رَكْبًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مُحْرِمِينَ فَسَأَلُوهُ عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدُوهُ عِنْدَ أَهْلِ الرَّبَذَةِ فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ إِنِّي شَكَكْتُ فِيمَا أَمَرْتُهُمْ بِهِ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ مَاذَا أَمَرْتَهُمْ بِهِ فَقَالَ أَمَرْتُهُمْ بِأَكْلِهِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَوْ أَمَرْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَفَعَلْتُ بِكَ يَتَوَاعَدُهُ   790 - 780 الحديث: 790 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ) ، بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ بَحْرٍ، مَوْضِعٌ بَيْنَ الْبَصْرَةِ، وَعُمَانَ (حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّبَذَةِ) - بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَالْمُوَحَّدَةِ، وَالْمُعْجَمَةِ - قُرْبَ الْمَدِينَةِ، (وَجَدَ رَكْبًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مُحْرِمِينَ، فَسَأَلُوهُ عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدُوهُ عِنْدَ أَهْلِ الرَّبَذَةِ، فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهِ، قَالَ) أَبُو هُرَيْرَةَ: (ثُمَّ إِنِّي شَكَكْتُ فِيمَا أَمَرْتُهُمْ بِهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَاذَا أَمَرْتَهُمْ بِهِ؟ فَقَالَ) فِيهِ الْتِفَاتٌ، وَالْأَصْلُ، فَقُلْتُ: (أَمَرْتُهُمْ بِأَكْلِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَوْ أَمَرْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ) ، أَيْ بِمَنْعِ أَكْلِهِ، (لَفَعَلْتُ بِكَ يَتَوَاعَدُهُ) بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: لَأَوْجَعْتُكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِهِ قَوْمٌ مُحْرِمُونَ بِالرَّبَذَةِ فَاسْتَفْتَوْهُ فِي لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدُوا نَاسًا أَحِلَّةً يَأْكُلُونَهُ فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ بِمَ أَفْتَيْتَهُمْ قَالَ فَقُلْتُ أَفْتَيْتُهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَأَوْجَعْتُكَ   791 - 781 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ: أَنَّهُ) ، أَيْ أَبَا هُرَيْرَةَ (مَرَّ بِهِ قَوْمٌ مُحْرِمُونَ بِالرَّبَذَةِ) - بِفَتْحَاتٍ - وَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِي السَّابِقَةِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّبَذَةِ وَجَدَ رَكْبًا، لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَجَدَهُمْ مَارِّينَ بِهِ لَمَّا اسْتَقَرَّ بِالرَّبَذَةِ فَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ، (فَاسْتَفْتَوْهُ فِي لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدُوا نَاسًا أَحِلَّةً) ، جَمْعُ حَلَالٍ مِنِ أَهْلِ الرَّبَذَةِ، (يَأْكُلُونَهُ فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ، قَالَ: ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ) ، لِشَكِّي فِي فَتْوَايَ، (فَقَالَ: بِمَ أَفْتَيْتَهُمْ) ؟ بِهِ (قَالَ: فَقُلْتُ أَفْتَيْتُهُمْ بِأَكْلِهِ، قَالَ: فَقَالَ لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَأَوْجَعْتُكَ) بِالضَّرْبِ، أَوِ التَّقْرِيعِ، فَفِي هَذَا أَنَّ حِلَّ مَا لَمْ يَصِدْهُ الْمُحْرِمُ، وَلَا صِيدَ الحديث: 791 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 لَهُ بَلْ صَادَهُ الْحَلَالُ لِنَفْسِهِ كَانَ أَمْرًا مُقَرَّرًا عِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي الْإِفْتَاءِ بِخِلَافِهِ، وَإِلَّا فَالْمُجْتَهِدُ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ فِيمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادًا وَفَضْلًا عَنِ الْإِيجَاعِ بِضَرْبٍ، أَوْ غَيْرِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ أَقْبَلَ مِنْ الشَّامِ فِي رَكْبٍ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَدُوا لَحْمَ صَيْدٍ فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ بِأَكْلِهِ قَالَ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْمَدِينَةِ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ مَنْ أَفْتَاكُمْ بِهَذَا قَالُوا كَعْبٌ قَالَ فَإِنِّي قَدْ أَمَّرْتُهُ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا ثُمَّ لَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ مَرَّتْ بِهِمْ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ أَنْ يَأْخُذُوهُ فَيَأْكُلُوهُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تُفْتِيَهُمْ بِهَذَا قَالَ هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ قَالَ وَمَا يُدْرِيكَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ هِيَ إِلَّا نَثْرَةُ حُوتٍ يَنْثُرُهُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّتَيْنِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا يُوجَدُ مِنْ لُحُومِ الصَّيْدِ عَلَى الطَّرِيقِ هَلْ يَبْتَاعُهُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ أَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يُعْتَرَضُ بِهِ الْحَاجُّ وَمِنْ أَجْلِهِمْ صِيدَ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ وَأَنْهَى عَنْهُ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ رَجُلٍ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُحْرِمِينَ فَوَجَدَهُ مُحْرِمٌ فَابْتَاعَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَحْرَمَ وَعِنْدَهُ صَيْدٌ قَدْ صَادَهُ أَوْ ابْتَاعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي صَيْدِ الْحِيتَانِ فِي الْبَحْرِ وَالْأَنْهَارِ وَالْبِرَكِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إِنَّهُ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَصْطَادَهُ   792 - 782 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ) ، أَيْ مَلْجَأَ الْعُلَمَاءِ الْحِمْيَرِيَّ التَّابِعِيَّ الْمَشْهُورَ، (أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ فِي رَكْبٍ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، وَجَدُوا لَحْمَ صَيْدٍ) ، صَادَهُ حَلَالٌ، (فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ بِأَكْلِهِ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) بِالْمَدِينَةِ (ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: مَنْ أَفْتَاكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا: كَعْبٌ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أَمَّرْتُهُ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا) مِنْ نُسُكِكُمْ، لِعِلْمِهِ، فَتَقْتَدُوا فِيمَا عَرَضَ لَكُمْ، (ثُمَّ لَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ مَرَّتْ بِهِمْ رِجْلٌ) - بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَسُكُونِ الْجِيمِ - قَطِيعٌ (مِنْ جَرَادٍ، فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ أَنْ يَأْخُذُوهُ، فَيَأْكُلُوهُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تُفْتِيَهُمْ بِهَذَا؟) أَكْلِ الْجَرَادِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ، (قَالَ: هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ) ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} [المائدة: 96] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 96) ، (قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟) ; يُعْلِمُكَ، (قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ) - أَيْ مَا - (هِيَ إِلَّا نَثْرَةُ حُوتٍ،) قَالَ الْهَرَوِيُّ، وَغَيْرُهُ: أَيْ عَطْسَتُهُ. وَفِي الصِّحَاحِ، وَغَيْرِهِ: النَّثْرَةُ لِلْبَهَائِمِ كَالْعَطْسَةِ لَنَا. (يَنْثُرُ) - بِضَمِّ الثَّاءِ وَكَسْرِهَا مِنْ بَابَيْ قَتَلَ وَضَرَبَ، أَيْ يَرْمِيهِ مُتَفَرِّقًا، (فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّتَيْنِ) ، وَبِذَلِكَ وَرَدَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ الْجَرَادَ: نَثْرَةُ الْحُوتِ مِنَ الْبَحْرِ» "، وَفِي أَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا: " «الْجَرَادُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " «إِنَّمَا هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ» " لَكِنَّهَا أَحَادِيثُ ضَعَّفَهَا أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ أَجَازَ لِلْمُحْرِمِ صَيْدَهُ، وَلِذَا قَالَ الْأَكْثَرُ، كَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ، فَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ، وَفِيهِ قِيمَتُهُ، وَقَدْ جَاءَ مَا يَدُلُّ عَلَى الحديث: 792 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 رُجُوعِ كَعْبٍ عَنْ هَذَا، فَرَوَى الشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، أَوْ حَسَنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ: " أَقْبَلْنَا مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي أُنَاسٍ مُحْرِمِينَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، وَكَعْبٌ عَلَى نَارٍ يَصْطَلِي، فَمَرَّتْ بِهِ رِجْلُ جَرَادٍ، فَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ فَقَتَلَهُمَا، وَكَانَ قَدْ نَسِيَ إِحْرَامَهُ، ثُمَّ ذَكَرَهُ فَأَلْقَاهُمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ عَلَى عُمَرَ، قَصَّ عَلَيْهِ كَعْبٌ قِصَّةَ الْجَرَادَتَيْنِ، فَقَالَ: مَا جَعَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ؟ قَالَ: دِرْهَمَيْنِ، قَالَ: بَخٍ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ جَرَادَةٍ " نَعَمْ، لَوْ عَمَّ الْجَرَادُ الْمَسَالِكَ، وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ وَطْئِهِ، فَلَا ضَمَانَ وَلْيَتَحَفَّظْ مِنْهُ. وَقَدْ تَوَقَّفَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي أَنَّهُ مِنْ نَثْرَةِ حُوتٍ بِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تَدْفَعُهُ. وَقَدْ رَوَى السَّاجِيُّ عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: خَرَجَ أَوَّلُهُ مِنْ مَنْخَرِ حُوتٍ، فَأَفَادَ أَنَّ أَوَّلَ خَلْقِهِ مِنْ ذَلِكَ، لَا تُعْلَمُ صِحَّتُهُ، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ عُمَرُ، وَلَا صَدَّقَهُ، لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَالسُّنَّةُ فِيمَا حَدَّثُوا بِهِ أَنْ لَا يُصَدَّقُوا، وَلَا يُكَذَّبُوا لِئَلَّا يُكَذَّبُوا فِي حَقٍّ جَاءُوا بِهِ، أَوْ يُصَدَّقُوا فِي بَاطِلٍ اخْتَلَقَهُ أَوَائِلُهُمْ وَحَرَّفُوهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا يُوجَدُ مِنْ لُحُومِ الصَّيْدِ عَلَى الطَّرِيقِ هَلْ يَبْتَاعُهُ) ; يَشْتَرِيهِ (الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يَعْتَرِضُ) - يَقْصِدُ (بِهِ - الْحَاجُّ وَمِنْ أَجْلِهِمْ صِيدَ، فَإِنِّي أَكْرَهُهُ) تَحْرِيمًا، (وَأَنْهَى عَنْهُ) تَحْرِيمًا، وَكَأَنَّهُ أَتَى بِهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْكَرَاهَةِ: التَّحْرِيمُ، (فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ رَجُلٍ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُحْرِمِينَ) بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، (فَوَجَدَهُ مُحْرِمٌ، فَابْتَاعَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ) ، أَيْ يَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهُ، (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَحْرَمَ وَعِنْدَهُ صَيْدٌ صَادَهُ، أَوِ ابْتَاعَهُ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ) إِذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ) ، أَيْ يُبْقِيهِ عِنْدَهُمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَبْعَثُ بِهِ بَعْدَ إِحْرَامِهِ، وَهُوَ مَعَهُ إِلَى أَهْلِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا لِيَحْيَى وَطَائِفَةٍ. وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ، وَطَائِفَةٌ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَحْرَمَ، وَعِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الصَّيْدِ قَدِ اسْتَأْنَسَ وَدَجَنَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ تَرَكَهُ فِي أَهْلِهِ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنِ الْحَلَالِ يَصِيدُ الصَّيْدَ، أَوْ يَشْتَرِيهِ، ثُمَّ يُحْرِمُ وَهُوَ مَعَهُ فِي قَفَصٍ، فَقَالَ: يُرْسِلُهُ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ وَلَا يُمْسِكَهُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ. فَتَحْصِيلُ قَوْلِ مَالِكٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ الصَّيْدُ حِينَ إِحْرَامِهِ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَأَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 قَوْلَيْهِ، وَالْآخَرُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِرْسَالُهُ كَانَ فِي يَدِهِ، أَوْ أَهْلِهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي صَيْدِ الْحِيتَانِ) ، وَغَيْرِهَا مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، (فِي الْبَحْرِ، وَالْأَنْهَارِ، وَالْبِرَكِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) ، كَالْغَدِيرِ: (إِنَّهُ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَصْطَادَهُ) بِنَصِّ الْقُرْآنِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْبَحْرُ كُلُّ مَاءٍ مُجْتَمِعٍ مِنْ مِلْحٍ أَوْ عَذْبٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12] (سُورَةُ فَاطِرٍ: الْآيَةُ 12) ، فَكُلُّ مَا كَانَ أَغْلَبُ عَيْشِهِ فِي الْمَاءِ، فَمِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 [بَاب مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنْ الصَّيْدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ «أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي وَجْهِي قَالَ إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ»   25 - بَابُ مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنَ الصَّيْدِ 793 - 783 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) - بِفَتْحِهَا - (ابْنِ عُتْبَةَ) - بِضَمِّهَا - (ابْنِ مَسْعُودٍ) الْهُذَلِيِّ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ، (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) الْحَبْرِ التَّرْجُمَانِ، (عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ) - بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَالْمُثَلَّثَةِ الثَّقِيلَةِ، فَأَلِفٍ، فَمِيمٍ - ابْنِ قَيْسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْمَرَ اللَّيْثِيِّ، حَلِيفِ قُرَيْشٍ، أُمُّهُ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَاسْمُهَا: فَاخِتَةُ، وَقِيلَ: زَيْنَبُ، وَيُقَالُ: هُوَ أَخُو مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ، وَكَانَ الصَّعْبُ يَنْزِلُ وَدَّانَ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُقَالُ: فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ وَيُقَالُ: الصِّدِّيقِ، وَهُوَ غَلَطٌ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ السَّكَنِ بِإِسْنَادٍ صَالِحٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ إِصْطَخْرُ نَادَ مُنَادٍ: أَلَا إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، فَقَالَ الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ: لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «لَا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَذْهَلَ النَّاسُ عَنْ ذِكْرِهِ» ، وَفَتْحُهَا فِي خِلَافَةِ عُمَرَ. وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمَّا رَكِبَ أَهْلُ الْعِرَاقِ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، أَيْ يَشْكُونَهُ لِعُثْمَانَ، كَانُوا خَمْسَةً: مِنْهُمُ: الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ، وَلَهُ أَحَادِيثُ، وَآخَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ الصَّعْبِ، وَوَقَعَ فِي مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الصَّعْبَ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمَحْفُوظُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ الْأَوَّلُ، يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ الصَّعْبِ الحديث: 793 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 بْنِ جَثَّامَةَ ( «أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارًا وَحْشِيًّا» ) لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا فِي هَذَا، وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَاللَّيْثُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَيُونُسُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ كُلُّهُمْ، قَالُوا: " حِمَارًا وَحْشِيًّا " كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَخَالَفَهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: " «أَهْدَيْتُ لَهُ مِنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ» "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَهُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " رِجْلَ حِمَارِ وَحْشٍ "، وَلَهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ: " عَجُزَ حِمَارِ وَحْشٍ يَقْطُرُ دَمًا "، وَفِي أُخْرَى لَهُ: " شِقَّ حِمَارِ وَحْشٍ "، فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ عَقِيرٌ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَهْدَى بَعْضَهُ، لَا كُلَّهُ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ رِجْلٍ، وَعَجُزٍ، وَشِقٍّ، لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَهْدَى رِجْلًا مَعَهَا الْفَخِذُ، وَبَعْضُ جَانِبِ الذَّبِيحَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ رِوَايَةَ مَالِكٍ، وَمُوَافِقِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: حَدِيثُ مَالِكٍ أَنَّ الصَّعْبَ أَهْدَى حِمَارًا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ أَهْدَى لَحْمَ حِمَارٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ (لَحْمَ حِمَارِ وَحْشٍ) وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَضْطَرِبُ فِيهِ، فَرِوَايَةُ الْعَدَدِ الَّذِينَ لَمْ يَشُكُّوا فِيهِ أَوْلَى، وَقَدْ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِابْنِ شِهَابٍ: الْحِمَارُ عَقِيرٌ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بِحَمْلِ رِوَايَةِ أَهْدَى حِمَارًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ، وَيَمْتَنِعُ عَكْسُهُ، إِذْ إِطْلَاقُ الرِّجْلِ عَلَى كُلِّ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مَعْهُودٍ، إِذْ لَا يُطْلَقُ عَلَى زَيْدٍ أُصْبُعٌ، وَنَحْوُهُ، إِذْ شَرْطُ إِطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ التَّلَازُمُ، كَالرَّقَبَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالرَّأْسِ، فَإِنَّهُ لَا إِنْسَانَ دُونَهُمَا بِخِلَافِ نَحْوِ الرِّجْلِ، وَالظُّفْرِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الصَّعْبَ أَحْضَرَ الْحِمَارَ مَذْبُوحًا، ثُمَّ قَطَعَ مِنْهُ عُضْوًا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدَّمَهُ لَهُ، فَمَنْ قَالَ أَهْدَى حِمَارًا، أَرَادَ بِتَمَامِهِ مَذْبُوحًا، لَا حَيًّا، وَمَنْ قَالَ لَحْمَ حِمَارٍ، أَرَادَ مَا قَدَّمَهُ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحْضَرَهُ لَهُ حَيًّا، فَلَمَّا رَدَّهُ عَلَيْهِ ذَكَّاهُ، وَأَتَاهُ بِعُضْوٍ مِنْهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ إِنَّمَا رَدَّهُ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِجُمْلَتِهِ، فَأَعْلَمَهُ بِامْتِنَاعِهِ أَنَّ حُكْمَ الْجُزْءِ حُكْمُ الْكُلِّ، انْتَهَى. وَهَذَا الْجَمْعُ قَرِيبٌ، وَفِيهِ إِبْقَاءُ اللَّفْظِ عَلَى الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ الَّذِي تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ إِذَا أَهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لَمْ يُقْبَلْ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيثِ: حَيًّا، فَكَأَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ حِمَارًا. وَفِي التَّمْهِيدِ قَالَ إِسْمَاعِيلُ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ يَتَأَوَّلُ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَرَدَّهُ يَقْطُرُ دَمًا كَأَنَّهُ صِيدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَجَازَ أَكْلُهُ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: وَإِنَّمَا تَأَوَّلَ رِوَايَةَ لَحْمِ حِمَارٍ لِاحْتِيَاجِهَا لِلتَّأْوِيلِ، فَأَمَّا رِوَايَةُ حِمَارِ وَحْشٍ فَلَا تَحْتَاجُ لِتَأْوِيلٍ، لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ مَسْكُ صَيْدٍ حَيًّا، وَلَا يُذَكِّهِ، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ. (وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْمَدِّ - جَبَلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُحْفَةِ مِمَّا يَلِي الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ مَيْلًا، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَبَوُّءِ السُّيُولِ بِهِ لَا لِمَا فِيهِ مِنَ الْوَبَاءِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ: الْأَوْبَاءُ، أَوْ هُوَ مَقْلُوبٌ مِنْهُ. (أَوْ بِوَدَّانَ) - بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَشَدِّ الدَّالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 الْمُهْمَلَةِ، فَأَلِفٍ، فَنُونٍ - مَوْضِعٌ قُرْبَ الْجُحْفَةِ، أَوْ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ أَقْرَبُ إِلَى الْجُحْفَةِ مِنَ الْأَبْوَاءِ بَيْنَهُمَا ثَمَانِيَةُ أَمْيَالٍ، وَالشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي، وَجَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِوَدَّانَ، وَجَزَمَ مَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو بِالْأَبْوَاءِ، (فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ رَدَّ الْحِمَارَ عَلَى الصَّعْبِ، وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَةُ كُلُّهَا عَلَى رَدِّهِ إِلَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: " «أَنَّ الصَّعْبَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَجُزَ حِمَارِ وَحْشٍ وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ، فَأَكَلَ مِنْهُ، وَأَكَلَ الْقَوْمُ» " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنْ كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا، فَلَعَلَّهُ رَدَّ الْحَيَّ، وَقِيلَ: اللَّحْمَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ كَانَتِ الطُّرُقُ كُلُّهَا مَحْفُوظَةً، فَلَعَلَّهُ رَدَّهُ حَيًّا، لِكَوْنِهِ صِيدَ لِأَجْلِهِ، وَرَدَّ اللَّحْمَ تَارَةً لِذَلِكَ، وَقِيلَ: تَارَةً أُخْرَى حَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُصَدْ لِأَجْلِهِ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ كَانَ الصَّعْبُ أَهْدَى حِمَارًا حَيًّا فَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَذْبَحَ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا، وَإِنْ كَانَ أَهْدَى لَحْمًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهُ صِيدَ لَهُ. وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَدَّهُ ظَنُّهُ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ، فَتَرَكَهُ عَلَى وَجْهِ التَّنَزُّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ الْقَبُولُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى حَالِ رُجُوعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ جَازِمٌ فِيهِ بِوُقُوعِ ذَلِكَ فِي الْجُحْفَةِ، وَفِي غَيْرِهَا مِنَ الرِّوَايَاتِ بِالْأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ. (فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فِي وَجْهِي) مِنَ الْكَرَاهَةِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْكَسْرِ بِرَدِّ هَدِيَّتِهِ قَالَ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ: (إِنَّا) - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ لِوُقُوعِهَا فِي الِابْتِدَاءِ - (لَمْ نَرُدَّهُ) - بِفَتْحِ الدَّالِ - رَوَاهُ الْمُحَدِّثُونَ، وَقَالَ مُحَقِّقُو النُّحَاةِ: إِنَّهُ غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ: ضَمُّ الدَّالِ كَآخِرِ الْمُضَاعَفِ مِنْ كُلِّ مُضَاعَفٍ مَجْزُومٍ اتَّصَلَ بِهِ ضَمِيرُ الْمُذَكَّرِ مُرَاعَاةً لِلْوَاوِ الَّتِي تُوجِبُهَا ضَمَّةُ الْهَاءِ بَعْدَهَا، لِخَفَاءِ الْهَاءِ فَكَأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَلِيَ الْوَاوَ، وَلَا يَكُونُ مَا قَبْلَ الْوَاوِ إِلَّا مَضْمُومًا هَذَا فِي الْمُذَكَّرِ، أَمَّا الْمُؤَنَّثُ مِثْلَ: رَدَّهَا، فَمَفْتُوحُ الدَّالِ مُرَاعَاةً لِلْأَلِفِ، ذَكَرَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَجَوَّزَ الْكَسْرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَضْعَفُ مِنَ الْفَتْحِ، وَإِنْ أَوْهَمَ ثَعْلَبٌ فَصَاحَةَ الْفَتْحِ، وَقَدْ غَلَّطُوهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْفَصِيحِ، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى ضَعْفِهِ، (عَلَيْكَ) لِعِلَّةٍ مِنَ الْعِلَلِ (إِلَّا أَنَّا) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - أَيْ لِأَجْلِ أَنَّا، (حُرُمٌ) - بِضَمِّ الْحَاءِ وَالرَّاءِ - جَمْعُ حَرَامٍ، وَالْحَرَامُ: الْمُحْرِمُ، أَيْ مُحْرِمُونَ، وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِهِ مَنْ حَرَّمَ لَحْمَ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ مُطْلَقًا صَادَهُ الْمُحْرِمُ، أَوْ صَادَهُ حِلٌّ لَهُ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ بِهِ، وَقَالَ بِهِ عَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ رَدَّهُ بِأَنَّهُ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يَقُلْ بِأَنَّكَ صِدْتَهُ لَنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ، الْآيَةُ 96) وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إِلَى أَنَّ مَا صَادَهُ حَلَالٌ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَقْصِدِ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ أَكْلُهُ لِلْمُحْرِمِ بِخِلَافِ مَا قُصِدَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِجَوَازِ مَا صِيدَ لَهُ بِلَا إِعَانَةٍ مِنْهُ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ، وَحَدِيثِ جَابِرٍ، مَرْفُوعًا: «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادَ لَكُمْ» " الرِّوَايَةُ يُصَادَ - بِالْأَلِفٍ - عَلَى لُغَةٍ كَقَوْلِهِ: أَلَمْ يَأْتِيكَ. وَحَمَلُوا حَدِيثَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 الصَّعْبِ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَهُمْ بِاصْطِيَادِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِهِ فَصَادَهُ لِأَجْلِهِ، وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى الِاصْطِيَادِ، وَعَلَى لَحْمِ مَا صِيدَ لِلْمُحْرِمِ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ الْمَبْنِيَّةِ لِلْمُرَادِ مِنَ الْآيَةِ، وَتَعْلِيلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلصَّعْبِ بِأَنَّهُ مُحْرِمٌ، لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ صِيدَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ بَيَّنَ الشَّرْطَ الَّذِي يُحَرِّمُ الصَّيْدَ عَلَى الْإِنْسَانِ إِذَا صِيدَ لَهُ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ، وَقَبِلَ حِمَارَ الْبَهْزِيِّ، وَفَرَّقَهُ عَلَى الرِّفَاقِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَتَكَسَّبُ بِالصَّيْدِ، فَحَمَلَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يُصَدْ لِأَجْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، وَدَعْوَى نَسْخِهِ لِأَنَّهُ كَانَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِحَدِيثِ الصَّعْبِ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهَا إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ، كَيْفَ وَالْحَدِيثُ الْمُتَأَخِّرُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْحُرْمَةِ الْعَامَّةِ صَرِيحًا، وَلَا ظَاهِرًا حَتَّى يُعَارِضَ الْأَوَّلَ فَيَنْسَخَهُ، هَذَا عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ أَهْدَى لَحْمًا، أَمَّا عَلَى أَنَّهُ أَهْدَاهُ حَيًّا، فَوَاضِحٌ، فَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ قَبُولُ صَيْدٍ وُهِبَ لَهُ وَشِرَاؤُهُ وَاصْطِيَادُهُ وَاسْتِحْدَاثُ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَأَصْلُ الْإِجْمَاعِ: الْآيَةُ، وَحَدِيثُ الصَّعْبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ، وَفِيهِ كَرَاهِيَةُ رَدِّ هَدِيَّةِ الصَّدِيقِ لِمَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَيَّبَ نَفْسَهُ بِذِكْرِ عُذْرِ الرَّدِّ، وَفِيهِ رَدُّ مَا لَا يَجُوزُ - لِلْمُهْدَى - الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ أَيْضًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ ثُمَّ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا فَقَالُوا أَوَ لَا تَأْكُلُ أَنْتَ فَقَالَ إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي   794 - 784 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) الْعَدَوِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْعَنَزِيِّ، وُلِدَ عَلَى الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ، وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ، (قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَبِالْجِيمِ - (وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةٍ) ; كِسَاءٌ لَهُ خَمْلٌ (أُرْجُوَانٍ) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَالْجِيمِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ، ثُمَّ وَاوٍ مَفْتُوحَةٍ، فَأَلِفٍ، فَنُونٍ - صُوفٌ أَحْمَرُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَرَى حِلَّ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ لِلْمُحْرِمِ، كَجَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَغَيْرِهِمْ كَمَا مَرَّ، (ثُمَّ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، فَقَالُوا: أَوَلَا تَأْكُلُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ) ; كَصِفَتِكُمْ، (إِنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي) ، وَأَنَا مُحْرِمٌ، وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا صِيدَ لِمُحْرِمٍ بِعَيْنِهِ، هَلْ لِغَيْرِ مَنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ مِنْ سَائِرِ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُحْرِمِينَ؟ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مَا صِيدَ لِمُحْرِمٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَلَمْ يَأْخُذُوا بِقَوْلِ عُثْمَانَ هَذَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الحديث: 794 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ يَاابْنَ أُخْتِي إِنَّمَا هِيَ عَشْرُ لَيَالٍ فَإِنْ تَخَلَّجَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ تَعْنِي أَكْلَ لَحْمِ الصَّيْدِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ يُصَادُ مِنْ أَجْلِهِ صَيْدٌ فَيُصْنَعُ لَهُ ذَلِكَ الصَّيْدُ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِهِ صِيدَ فَإِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ ذَلِكَ الصَّيْدِ كُلِّهِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَيَصِيدُ الصَّيْدَ فَيَأْكُلُهُ أَمْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ فَقَالَ بَلْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُرَخِّصْ لِلْمُحْرِمِ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ وَلَا فِي أَخْذِهِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَقَدْ أَرْخَصَ فِي الْمَيْتَةِ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ قَالَ مَالِكٌ وَأَمَّا مَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ أَوْ ذَبَحَ مِنْ الصَّيْدِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِحَلَالٍ وَلَا لِمُحْرِمٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَكِيٍّ كَانَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَأَكْلُهُ لَا يَحِلُّ وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَالَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ ثُمَّ يَأْكُلُهُ إِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ مَنْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ   795 - 785 الحديث: 795 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: يَا ابْنَ أُخْتِي) أَسْمَاءِ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، (إِنَّمَا هِيَ) ، أَيْ مُدَّةُ الْإِحْرَامِ (عَشْرُ لَيَالٍ، فَإِنْ تَخَلَّجَ) - بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ، وَجِيمٍ - أَيْ تَحَرَّكَ، وَيُرْوَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ: دَخَلَ (فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ) شَكَكْتَ فِيهِ، (فَدَعْهُ) مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ إِثْمًا، أَوْ خَطَأً (تَعْنِي) عَائِشَةُ: (أَكَلَ لَحْمِ الصَّيْدِ) بِقَوْلِهَا الْمَذْكُورِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِنَّمَا خَاطَبَتْ بِهَذَا مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ أَنْ يَكُفَّ عَنْ لَحْمِ الصَّيْدِ جُمْلَةً مَا صَادَهُ حَلَالٌ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِغَيْرِهِ، فَيَدَعُ مَا يُرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يُرِيبُهُ، وَيَتْرُكُ مَا شَكَّ فِيهِ، وَحَاكَ فِي صَدْرِهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ: يُصَادُ مِنْ أَجْلِهِ صَيْدٌ، فَيُصْنَعُ لَهُ ذَلِكَ الصَّيْدُ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مِنْ أَجْلِهِ صِيدَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ ذَلِكَ الصَّيْدِ كُلَّهُ) ، لَا بِقَدْرِ أَكْلِهِ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَقِيلَ: بِقَدْرِ أَكْلِهِ، وَقِيلَ: لَا جَزَاءَ، لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا جَعَلَهُ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ وَهَذَا لَمْ يَقْتُلْهُ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَيَصِيدُ الصَّيْدَ، فَيَأْكُلَهُ، أَمْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ؟ فَقَالَ: بَلْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُرَخِّصْ لِلْمُحْرِمِ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ، وَلَا فِي أَخْذِهِ عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ) ، بَلْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ، فَقَالَ: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) ، وَقَالَ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 96) ، (وَقَدْ أَرْخَصَ فِي الْمَيْتَةِ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ) بِنَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 173) . (قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا مَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 نَفْسُهُ، (أَوْ ذَبَحَ مِنَ الصَّيْدِ، فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِحَلَالٍ، وَلَا لِمُحْرِمٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَكِيٍّ) ، أَيْ مُذَكًّى، بَلْ مَيْتَةٌ سَوَاءٌ (كَانَ خَطَأً، أَوْ عَمْدًا، فَأَكْلُهُ لَا يَحِلُّ) لِأَحَدٍ، (وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ) مِنَ الْعُلَمَاءِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ، لَا تَقْلِيدًا لَهُمْ، وَزِيَادَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ مِمَّنْ كُنْتُ أَقْتَدِي بِهِ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْهُ، فَمُرَادُهُ أَنَّهُمْ مِنْ شُيُوخِهِ إِذْ لَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ. (وَالَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ، ثُمَّ يَأْكُلُهُ، إِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ) ، أَيْ جَزَاءٌ (وَاحِدَةٌ، مِثْلُ مَنْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْهُ) ، فَلَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، خِلَافًا لِقَوْلِ عَطَاءٍ وَطَائِفَةٍ: إِنْ ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ، ثُمَّ أَكَلَهُ، فَكَفَّارَتَانِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ زَنَى مِرَارًا قَبْلَ الْحَدِّ، إِنَّمَا عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَكَذَا الْمُحْرِمُ يَقْتُلُ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ، وَحُرْمَةُ الْحَرَمِ إِنَّمَا عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، عِنْدَ الْجُمْهُورِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 [بَاب أَمْرِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ] قَالَ مَالِكٌ كُلُّ شَيْءٍ صِيدَ فِي الْحَرَمِ أَوْ أُرْسِلَ عَلَيْهِ كَلْبٌ فِي الْحَرَمِ فَقُتِلَ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَزَاءُ الصَّيْدِ فَأَمَّا الَّذِي يُرْسِلُ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يَصِيدَهُ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ جَزَاءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْحَرَمِ فَإِنْ أَرْسَلَهُ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُه   26 - بَابُ أَمَرِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ (قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ صِيدَ فِي الْحَرَمِ) مِنَ الصَّيْدِ، وَإِنْ كَانَ الصَّائِدُ حِلَّا، (أَوْ أُرْسِلَ عَلَيْهِ كَلْبٌ) ، وَنَحْوُهُ (فِي الْحَرَمِ) مِنَ الْحِلِّ، فَأَخْرَجَهُ الْكَلْبُ مِنَ الْحَرَمِ، (فَقَتَلَ ذَلِكَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) لِأَحَدٍ، (وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَزَاءُ الصَّيْدِ، فَأَمَّا الَّذِي يُرْسِلُ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يَصِيدَهُ فِي الْحَرَمِ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ) أَيْضًا كَالْأَوَّلِ، (وَ) لَكِنْ (لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ جَزَاءٌ) ، لِأَنَّ دُخُولَ الْكَلْبِ الْحَرَمَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، وَلَا مَقْدُورِهِ، (إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْحَرَمِ، فَإِنْ أَرْسَلَهُ قَرِيبًا مِنَ الْحَرَمِ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ) لِأَنَّ الْقُرْبَ صَيَّرَ دُخُولَهُ كَأَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 [بَاب الْحُكْمِ فِي الصَّيْدِ] قَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] قَالَ مَالِكٌ فَالَّذِي يَصِيدُ الصَّيْدَ وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ يَقْتُلُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَبْتَاعُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ يَقْتُلُهُ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ أَصَابَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ فِيهِ أَنْ يُقَوَّمَ الصَّيْدُ الَّذِي أَصَابَ فَيُنْظَرَ كَمْ ثَمَنُهُ مِنْ الطَّعَامِ فَيُطْعِمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا أَوْ يَصُومَ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَيُنْظَرَ كَمْ عِدَّةُ الْمَسَاكِينِ فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانُوا عِشْرِينَ مِسْكِينًا صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا عَدَدَهُمْ مَا كَانُوا وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ مَالِكٌ سَمِعْتُ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَى مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ بِمِثْلِ مَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ الَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ مُحْرِمٌ   27 - بَابُ الْحُكْمِ فِي الصَّيْدِ (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) ، أَيْ مُحْرِمُونَ، اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ: وَقَدْ أَحْرَمْتُمْ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، وَقِيلَ: دَخَلْتُمْ فِي الْحَرَمِ، وَقِيلَ: هُمَا مَرَادَانِ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ: أَحْرَمَ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ: الدُّخُولُ فِي حُرُمَاتِ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ، وَأَنْجَدَ، وَأَتْهَمَ، وَأَصْبَحَ، وَأَمْسَى، إِذَا دَخَلَ نَجْدَ، أَوْ تِهَامَةَ، وَفِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ. وَالثَّالِثُ اعْتَمَدَهُ الْفُقَهَاءُ، وَلَعَلَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْقَتْلَ دُونَ الذَّبْحِ لِلتَّعْمِيمِ، وَأُرِيدَ بِالصَّيْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا، إِلَّا الْمُسْتَثْنَيَاتِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَا يُؤْكَلُ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِيهِ عُرْفًا، (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا) ، ذَاكِرًا، عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ، (فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) بِرَفْعِ جَزَاءٌ بِلَا تَنْوِينٍ، وَخَفْضِ مِثْلٍ، عَلَى أَنَّ جَزَاءَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ تَخْفِيفًا، وَالْأَصْلُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْزِيَ الْمَقْتُولَ مِنَ الصَّيْدِ مِثْلَهُ مِنَ النَّعَمِ، فَحُذِفَ الْأَوَّلُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَأُضِيفَ الْمَصْدَرُ إِلَى الثَّانِي، أَوْ أَنَّ مِثْلَ مُقْحَمَةٌ، كَقَوْلِهِمْ: مِثْلُكَ لَا يَبْخَلُ أَيْ أَنْتَ، وَهَذِهِ قِرَاءَةُ نَافِعٍ، وَابْنِ كَثِيرٍ، وَابْنِ عَامِرٍ، وَأَبِي عَمْرٍو، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: فَجَزَاءٌ بِالرَّفْعِ مُنَّوَنًا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ فَالْوَاجِبُ جَزَاءٌ، أَوْ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ فَيَلْزَمُهُ، أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِجَزَاءٍ، أَيْ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ مِثْلٌ أَيْ مُمَاثِلٌ مِمَّا قَتَلَهُ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ سَلَفًا وَخَلَفًا إِلَى أَنَّ الْعَامِدَ وَالنَّاسِيَ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ، فَالْقُرْآنُ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْعَامِدِ، وَعَلَى إِثْمِهِ بِقَوْلِهِ: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) ، وَجَاءَتْ السُّنَّةُ مِنْ أَحْكَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ بِوُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي الْخَطَأِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فِي الْعَمْدِ، وَأَيْضًا فَقَتْلُ الصَّيْدِ إِتْلَافٌ، وَالْإِتْلَافُ مَضْمُونٌ فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ، لَكِنَّ الْمُتَعَمِّدَ آثِمٌ، وَالْمُخْطِئَ غَيْرُ مَلُومٍ، وَهَذِهِ الْمُمَاثَلَةُ بِاعْتِبَارِ الْخِلْقَةِ وَالْهَيْئَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَالْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (يَحْكُمُ بِهِ) بِالْجَزَاءِ (ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ، أَيْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْأَنْوَاعَ تَتَشَابَهُ، فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَالْفِيلِ بَدَنَةٌ لَهَا سَنَامَانِ، وَحِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ إِلَى آخِرِ مَا بُيِّنَ فِي الْفُرُوعِ، (هَدْيًا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرٍ بِهِ (بَالِغُ الْكَعْبَةِ) صِفَةُ هَدْيًا، وَالْإِضَافَةُ لَفْظِيَّةٌ، أَيْ وَاصِلًا إِلَيْهَا بِأَنْ يُذْبَحَ، وَيُتَصَدَّقَ بِهِ، (أَوْ كَفَّارَةٌ) عَطْفٌ عَلَى جَزَاءٍ، (طَعَامُ مَسَاكِينَ) بَدَلٌ مِنْهُ، أَوْ تَقْدِيرُهُ: هِيَ طَعَامُ، وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ بِإِضَافَةِ كَفَّارَةٍ إِلَى طَعَامٍ، لِأَنَّهَا لَمَّا تَنَوَّعَتْ إِلَى تَكْفِيرٍ بِالطَّعَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 وَبِالْجَزَاءِ الْمُمَاثِلِ، وَبِالصِّيَامِ حَسُنَتْ إِضَافَتُهَا لِأَحَدِ أَنْوَاعِهَا تَبْيِينًا لِذَلِكَ، وَالْإِضَافَةُ تَكُونُ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، وَلَا خِلَافَ فِي جَمْعِ مَسَاكِينَ هُنَا، لِأَنَّهُ لَا يُطْعَمُ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ مِسْكِينٌ وَاحِدٌ، بَلْ جَمَاعَةٌ، وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي الْبَقَرَةِ، لِأَنَّ التَّوْحِيدَ يُرَادُ بِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَالْجُمَعُ يُرَادُ بِهِ عَنْ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) ، أَيْ أَوْ مَا سِوَاهُ مِنَ الصِّيَامِ، فَيَصُومُ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا، أَوْ حِينًا، {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] : ثِقَلَهُ وَجَزَاءَ مَعْصِيَتِهِ {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) ، أَيْ قَبْلَ التَّحْرِيمِ، {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) ، أَيْ فِي الْآخِرَةِ، وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْجَزَاءُ. (قَالَ مَالِكٌ: فَالَّذِي يَصِيدُ الصَّيْدَ وَهُوَ حَلَالٌ، ثُمَّ يَقْتُلُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَبْتَاعُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، ثُمَّ يَقْتُلُهُ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِ) بِقَوْلِهِ: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) ، فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إِذَا صَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ، أَوِ ابْتَاعَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، (فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ) بِمَا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ. (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ أَصَابَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ حُكِمَ عَلَيْهِ) بِالْجَزَاءِ. (قَالَ مَالِكٌ) بَيَانًا لِكَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ: (أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ فِيهِ، أَنْ يُقَوِّمَ الصَّيْدَ الَّذِي أَصَابَ، فَيَنْظُرَ كَمْ ثَمَنُهُ مِنَ الطَّعَامِ، فَيُطْعِمُ) - بِالرَّفْعِ، وَالنَّصْبِ (كُلَّ) ، بَالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ - (مِسْكِينٍ مُدًّا، أَوْ يَصُومَ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَيَنْظُرَ) - بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ - (كَمْ عِدَّةُ الْمَسَاكِينِ، فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانُوا عِشْرِينَ مِسْكِينًا صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا عَدَدُهُمْ مَا كَانُوا) ، قَلُّوا، أَوْ كَثُرُوا، (وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) ، (قَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَى مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 وَهُوَ حَلَالٌ بِمِثْلِ مَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ الَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ مُحْرِمٌ) ، لِتَنَاوُلِ الْآيَةِ لَهُمَا عَلَى مَا مَرَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 [بَاب مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ»   28 - بَابُ مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ جَمْعُ دَابَّةٍ: اسْمٌ لِكُلِّ حَيَوَانٍ، لِأَنَّهُ يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، ثُمَّ نَقَلَهُ الْعُرْفُ الْعَامُّ إِلَى ذَاتِ الْقَوَائِمِ الْأَرْبَعِ مِنَ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَيُسَمَّى هَذَا مَنْقُولًا عُرْفِيًّا، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْحَيَوَانِ لَشَمِلَ الْغُرَابَ، وَالْحِدَأَةَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْحَدِيثِ، لَكِنَّهُ نَظَرَ إِلَى جَانِبِ الْأَكْثَرِ، وَقَدْ تَبِعَهُ عَلَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَبُو دَاوُدَ، وَالْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. 798 - 786 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: خَمْسٌ) ، مُبْتَدَأٌ نَكِرَةٌ لِتَخْصِيصِهِ بِقَوْلِهِ: (مِنَ الدَّوَابِّ) ، وَخَبَرُهُ: (لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ) بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، أَوْ فِي الْحَرَمِ (فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ) ، أَيْ إِثْمٌ أَوْ حَرَجٌ - بِالرَّفْعِ - اسْمُ لَيْسَ مُؤَخَّرًا، (الْغُرَابُ) وَهُوَ يَخْتَلِسُ وَيَنْقُرُ ظَهْرَ الْبَعِيرِ، وَيَنْزَعُ عَيْنَيْهِ، زَادَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: الْأَبْقَعُ، وَهُوَ الَّذِي فِي ظَهْرِهِ، أَوْ بَطْنِهِ بَيَاضٌ، وَأَخَذَ بِهَذَا الْقَيْدِ قَوْمٌ، وَرَجَّحَ الْأَكْثَرُ الْإِطْلَاقَ، لِأَنَّ رِوَايَاتِهِ أَصَحُّ، (وَالْحِدَأَةُ) - بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مَهْمُوزَةٌ - وَجَمْعُهَا حِدَا - بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَالْقَصْرِ، وَالْهَمْزَةِ، كَعِنَبٍ، وَعِنَبَةٍ - وَهِيَ أَخَسُّ الطَّيْرِ يَخْطِفُ أَطْعِمَةَ النَّاسِ. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: وَالْحُدَيَّا - بِضَمِّ الْحَاءِ، وَفَتْحِ الدَّالِ، وَشَدِّ الْيَاءِ، مَقْصُورٌ - تَصْغِيرُ الْحِدَأَةِ. (وَالْعَقْرَبُ) وَاحِدَةُ الْعَقَارِبِ مُؤَنَّثَةٌ، وَالْأُنْثَى عَقْرَبَةٌ، وَعَقْرَبَاءٌ بِالْمَدِّ بِلَا صَرْفٍ، وَلَهَا ثَمَانِيَةُ أَرْجُلٍ، وَعَيْنَاهَا فِي ظَهْرِهَا تَلْدَغُ، وَتُؤْلِمُ إِيلَامًا شَدِيدًا، وَرُبَّمَا مَاتَتْ بِلَسْعَتِهَا الْأَفْعَى، وَتَقْتُلُ الْفِيلَ وَالْبَعِيرَ بِلَسْعَتِهَا، وَلَا تَضْرِبُ الْمَيِّتَ، وَلَا النَّائِمَ حَتَّى يَتَحَرَّكَ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ، فَتَضْرِبَهُ، وَتَأْوِي إِلَى الْخَنَافِسِ، وَتُسَالِمُهَا. وَفِي ابْنِ مَاجَهْ: عَنْ عَائِشَةَ: «لَدَغَتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقْرَبٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْعَقْرَبَ مَا تَدَعُ مُصَلِّيًا، وَلَا غَيْرَهُ اقْتُلُوهَا فِي الْحِلِّ وَالْحَرِمِ» ، (وَالْفَأْرَةُ) - بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ، وَتُسَهَّلُ - وَهِيَ الْفُوَيْسِقَةُ، رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ: " «أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ لِمَ سُمِّيَتِ الْفَأْرَةُ الْفُوَيْسِقَةُ؟ قَالَ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ الحديث: 798 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 لَيْلَةٍ، وَقَدْ أَخَذَتْ فَأْرَةٌ فَتِيلَةً لِتَحْرِقَ عَلَيْهِ الْبَيْتَ، فَقَامَ إِلَيْهَا وَقَتَلَهَا، وَأَحَلَّ قَتْلَهَا لِلْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ» ". وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ، فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا، فَاحْتَرَقَ مِنْهَا مَوْضِعُ دِرْهَمٍ " زَادَ الْحَاكِمُ: " «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتُحْرِقَكُمْ» " قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ أَفْسَدُ مِنَ الْفَأْرِ، لِأَنَّهُ لَا يُبْقِي عَلَى حَقِيرٍ وَلَا جَلِيلٍ إِلَّا أَهْلَكَهُ وَأَتْلَفَهُ. (وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) بِمَعْنَى عَاقِرٍ، أَيْ جَارِحٌ، وَهُوَ كُلُّ سَبُعٍ وَجَارِحٍ يَعْقِرُ، وَيَفْتَرِسُ، كَمَا أَفَادَهُ الْإِمَامُ بَعْدُ، وَفِيهِ جَوَازُ قَتْلِ الْمَذْكُورَاتِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَحُكِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ: لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُ الْفَأْرَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ خَارِجٌ عَنْ أَقَاوِيلِ الْعُلَمَاءِ. وَعَنْ عَلِيٍّ، وَمُجَاهِدٍ: " «لَا يَقْتُلُ الْغُرَابَ، وَلَكِنْ يَرْمِيهِ» "، قَالَ عِيَاضٌ: لَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، لَكِنْ يُوَافِقُهُ مَا لِأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ. وَقَالَ حَسَنٌ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَرْفُوعًا: " «وَيَرْمِي الْغُرَابَ، وَلَا يَقْتُلُهُ» " قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغُرَابُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَأْكُلُ الْحَبَّ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مَالِكٌ مِنْ جُمْلَةِ الْغِرْبَانِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: فِيهِ الْفِدْيَةُ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَاللَّيْثُ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَأَيُّوبُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ كُلُّ هَؤُلَاءِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا ابْنُ جُرَيْجٍ وَحْدَهُ، وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ»   799 - 787 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ» ) ، أَوْ فِي الْحَرَمِ، (فَلَا جُنَاحَ) - لَا إِثْمَ - (عَلَيْهِ، الْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْغُرَابُ) ، سُمِّيَ بِهِ لِسَوَادِهِ {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] (سُورَةُ فَاطِرٍ: الْآيَةُ 27) ، وَهُمَا لَفْظَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِهِ ; فَلِذَا اشْتَقُّوا الْغُرْبَةَ، وَالِاغْتِرَابَ، وَغُرَابُ الْبَيْنِ: هُوَ الْأَبْقَعُ، قَالَ صَاحِبُ الْمُجَالَسَةِ: سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ بَانَ مِنْ نُوحٍ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْمَاءِ، فَذَهَبَ وَلَمْ يَرْجِعْ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَ فَاسِقًا لِتَخَلُّفِهِ عَنْ نُوحٍ حِينَ أَرْسَلَهُ لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ أَرْضٍ، فَتَرَكَ أَمَرَهُ، وَسَقَطَ عَلَى جِيفَةٍ، وَقِيلَ: سُمِّيَ غُرَابًا لِأَنَّهُ نَأَى، وَاغْتَرَبَ لَمَّا نَفَّذَهُ نُوحٌ لِيَخْتَبِرَ أَمْرَ الطُّوفَانِ. (وَالْحِدَأَةُ) الحديث: 799 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 بِزِنَةِ عِنَبَةٍ، (وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ، أَيِ الْجَارِحُ الْمُفْتَرِسُ كَأَسَدٍ وَذِئْبٍ، سَمَّاهَا كِلَابًا لِاشْتِرَاكِهَا فِي السَّبْعِيَّةِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ فِي دُعَائِهِ عَلَى عُتَيْبَةَ: " «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ، فَافْتَرَسَهُ الْأَسَدُ» " وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ، وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلٌ بِقِصَاصٍ، أَوْ رَجْمٌ بِزِنًا، أَوْ مُحَارَبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِقَامَةُ سَائِرِ الْحُدُودِ فِيهِ سَوَاءٌ جَرَى مُوجِبُ الْقَتْلِ وَالْحَدِّ فِي الْحَرَمِ، أَوْ خَارِجَهُ، ثُمَّ لَجَأَ صَاحِبُهُ إِلَى الْحَرَمِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَآخَرُونَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٌ: مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ، وَمَا فَعَلَهُ خَارِجَهُ، ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ إِتْلَافُ نَفْسٍ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ، بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ، وَلَا يُكَلَّمُ، وَلَا يُجَالَسُ، وَلَا يُبَايَعُ حَتَّى يُضْطَرَّ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ خَارِجَهُ، وَمَا كَانَ دُونَ النَّفْسِ يُقَامُ فِيهِ. قَالَ عِيَاضٌ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَكَمِ نَحْوُهُ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 97) ، وَحُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لِمُشَارَكَةِ فَاعِلِ الْجِنَايَةِ لِهَذِهِ الدَّوَابِّ فِي اسْمِ الْفِسْقِ، بَلْ فِسْقُهُ أَفْحَشُ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا، وَلِأَنَّ التَّضْيِيقَ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَا يَبْقَى لِصَاحِبِهِ أَمَانٌ، فَقَدْ خَالَفُوا ظَاهِرَ مَا فَسَّرُوا بِهِ الْآيَةَ، قَالَ: وَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَمَّا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَعَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْآيَاتِ، وَقِيلَ: آمِنٌ مِنَ النَّارِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 5) ، وَقِيلَ: الْآيَةُ فِي الْبَيْتِ، لَا فِي الْحَرَمِ، وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَامُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا فِي الْبَيْتِ وَيَخْرُجُ مِنْهُمَا، فَيُقَامُ عَلَيْهِ خَارِجَهُ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُنَزَّهُ عَنْ مِثْلِ هَذَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُخْرَجُ وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَحَمَّادٍ، وَأَعَادَ الْإِمَامُ الْحَدِيثَ لِإِفَادَةِ أَنَّ لَهُ فِيهِ شَيْخًا آخَرَ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عند مُسْلِمٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ»   800 - 788 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) ، مُرْسَلٌ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: خَمْسٌ فَوَاسِقُ) ، رُوِيَ بِالْإِضَافَةِ وَبِالتَّنْوِينِ، كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَبِالثَّانِي جَزَمَ النَّوَوِيُّ، وَزَعْمُ أَنَّهُ قَالَ بِإِضَافَةِ خَمْسٍ لَا بِتَنْوِينِهِ الحديث: 800 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 وَهْمٌ، فَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: " «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» " قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَبَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّنْوِينِ فَرْقٌ دَقِيقٌ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي الْحُكْمَ عَلَى خَمْسٍ مِنَ الْفَوَاسِقِ بِالْقَتْلِ، وَرُبَّمَا أَشْعَرَ التَّخْصِيصُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِهَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ. وَأَمَّا التَّنْوِينُ فَيَقْتَضِي وَصْفَ الْخَمْسِ بِالْفِسْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَقَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى ذَلِكَ ; وَهُوَ الْقَتْلُ مُعَلَّلٌ بِمَا جُعِلَ وَصْفًا ; وَهُوَ الْفِسْقُ، فَيَقْتَضِي ذَلِكَ التَّعْمِيمَ لِكُلِّ فَاسِقٍ مِنَ الدَّوَابِّ، وَهُوَ ضِدُّ مَا اقْتَضَاهُ الْأَوَّلُ مِنَ الْمَفْهُومِ، وَهُوَ التَّخْصِيصُ. (يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ) - بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالرَّاءِ، كَمَا ضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ - أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ - وَبِضَمِّ الْحَاءِ، وَالرَّاءِ، وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ فِي الْمَشَارِقِ - قَالَ: وَهُوَ جَمْعُ حَرَامٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 1) ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَوَاضِعُ الْمُحَرَّمَةُ، وَالْفَتْحُ أَظْهَرُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ، (الْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَائِشَةَ: " الْحَيَّةُ "، وَأَسْقَطَ الْعَقْرَبَ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: " «سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَمَّا يَقْتُلُ الرَّجُلُ مِنَ الدَّوَابِّ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَالَ: " حَدَّثَتْنِي إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْحُدَيَّا، وَالْغُرَابِ، وَالْحَيَّةِ» ، قَالَ: وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا فَهِيَ سِتَّةٌ. قَالَ عِيَاضٌ: سُمُّوا فَوَاسِقَ لِخُرُوجِهِمْ عَنِ السَّلَامَةِ مِنْهُمْ إِلَى الْإِضْرَارِ، وَالْأَذَى، فَخَرَجَتْ بِالْإِذَايَةِ عَنْ جِنْسِهَا مِنَ الْحَيَوَانِ، وَقِيلَ: لِخُرُوجِهَا عَنِ الْحُرْمَةِ الَّتِي لِغَيْرِهَا، وَالْأَمْرِ بِقَتْلِهَا فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَأَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِيهَا، وَقِيلَ: لِخُرُوجِهَا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَقِيلَ: لِتَحْرِيمِ أَكْلِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 121) ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُحَرَّمَاتِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ، وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسِقًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: سُمِّيَتِ الْفَأْرَةُ بِذَلِكَ، لِخُرُوجِهَا عَنْ جُحْرِهَا، وَاغْتِيَالِهَا أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْفَسَادِ، وَأَصْلُ الْفِسْقِ: الْخُرُوجُ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ الْغُرَابُ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ نُوحٍ، وَفِيهِمَا نَظَرٌ، إِذْ لَا يُسَمَّى كُلُّ خَارِجٍ، وَلَا مُتَخَلِّفٍ فَاسِقًا فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ. قَالَ الْأَبِّيُّ: قَيَّدَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بِذَلِكَ لُغَةً، وَلَكِنَّ عُرْفَ الِاسْتِعْمَالِ خَصَّصَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَرَ بِالْقَتْلِ، وَعَلَّلَ بِالْفِسْقِ، فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إِلَى كُلِّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ، وَنَبَّهَ بِالْخَمْسَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْفِسْقِ، فَنَبَّهَ بِالْغُرَابِ عَلَى مَا يُجَانِسُهُ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ، وَكَذَا بِالْحِدَأَةِ، وَيَزِيدُ الْغُرَابَ بِحَلِّ سُفْرَةِ الْمُسَافِرِ، وَنَقْبِ جِرَابِهِ، وَبِالْحَيَّةِ عَلَى كُلِّ مَا يَلْسَعُ، وَالْعَقْرَبِ كَذَلِكَ - وَالْحَيَّةُ تَلْسَعُ وَتَفْتَرِسُ، وَالْعَقْرَبُ تَلْدَغُ، وَلَا تَفْتَرِسُ - وَبِالْفَأْرَةِ عَلَى مَا يُجَانِسُهَا مِنْ هَوَامِّ الْمَنْزِلِ الْمُؤْذِيَةِ، وَبِالْكَلْبِ الْعَقُورِ عَلَى كُلِّ مُفْتَرِسٍ، قَالَ: وَمَعْنَى فِسْقِهِنَّ: خُرُوجُهُنَّ عَنْ حَدِّ الْكَفِّ إِلَى الْأَذِيَّةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ فِي الْحَرَمِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ الَّذِي أُمِرَ بِقَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ إِنَّ كُلَّ مَا عَقَرَ النَّاسَ وَعَدَا عَلَيْهِمْ وَأَخَافَهُمْ مِثْلُ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ فَهُوَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ السِّبَاعِ لَا يَعْدُو مِثْلُ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَالْهِرِّ وَمَا أَشْبَهَهُنَّ مِنْ السِّبَاعِ فَلَا يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ فَإِنْ قَتَلَهُ فَدَاهُ وَأَمَّا مَا ضَرَّ مِنْ الطَّيْرِ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَقْتُلُهُ إِلَّا مَا سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنْ الطَّيْرِ سِوَاهُمَا فَدَاهُ   801 - 789 الحديث: 801 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ فِي الْحَرَمِ) ، إِمَّا لِأَنَّهُ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ الْحَيَّةُ، وَإِمَّا لِأَنَّهَا أَوْلَى مِنَ الْعَقْرَبِ. قَالَ الْأَبِّيُّ: وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ بِلَا إِنْذَارٍ، فَهُوَ مُخَصَّصٌ لِهَذَا الْعُمُومِ، وَالْإِنْذَارُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي حَيَّاتِ بُيُوتِ الْمَدِينَةِ آكَدُ مِنْ حَيَّاتِ بُيُوتِ غَيْرِهَا. (قَالَ مَالِكٌ فِي) تَفْسِيرِ (الْكَلْبِ الْعَقُورِ الَّذِي أُمِرَ بِقَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ: أَنَّ كُلَّ مَا عَقَرَ النَّاسَ) جَرَحَهُمْ، (وَعَدَا عَلَيْهِمْ، وَأَخَافَهُمْ مِثْلَ الْأَسَدِ،) يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَيُجْمَعُ عَلَى أُسُودٍ، وَرُبَّمَا قِيلَ أَسَدَةٌ لِلْأُنْثَى. (وَالنَّمِرِ) - بِفَتْحِ النُّونِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ، وَيَجُوزُ التَّخْفِيفُ - بِكَسْرِ النُّونِ، وَسُكُونِ الْمِيمِ - سَبُعٌ أَخْبَثُ، وَأَجْرَأُ مِنَ الْأَسَدِ. (وَالْفِهْدِ) - بِكَسْرِ الْفَاءِ، وَسُكُونِ الْهَاءِ - سَبُعٌ مَعْرُوفٌ، وَالْأُنْثَى فِهْدَةٌ. (وَالذِّيبِ) - بِالْهَمْزِ، وَعَدَمِهِ - يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَرُبَّمَا قِيلَ: ذِيبَةٌ - بِالْهَاءِ - (فَهُوَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ) ، وَبِهَذَا قَالَ السُّفْيَانَانِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالْجُمْهُورُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: الْمُرَادُ الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ خَاصَّةً، وَأَلْحَقُوا بِهِ الذِّئْبَ، وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: وَالسَّبُعُ الْعَادِيُّ، فَكُلُّ مَا كَانَ هَذَا نَعْتًا لَهُ مِنْ أَسَدٍ، وَنَمِرٍ، وَنَحْوِهِمَا هَذَا الْحُكْمُ. وَحَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا عَلَى عُتَيْبَةَ بِالتَّصْغِيرِ ابْنِ أَبِي لَهَبٍ: اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ، فَعَدَا عَلَيْهِ الْأَسَدُ، فَقَتَلَهُ» ". (وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ السِّبَاعِ لَا يَعْدُو مِثْلُ الضَّبُعِ) - بِضَمِّ الْبَاءِ، لُغَةُ قَيْسٍ، وَسُكُونِهَا، لُغَةُ تَمِيمٍ - وَهِيَ أُنْثَى، وَقِيلَ: يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَرُبَّمَا قِيلَ فِي الْأُنْثَى: ضَبُعَةٌ. (وَالثَّعْلَبِ) يَقَعُ عَلَى الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ، وَيُخْتَصُّ بِثُعْلُبَانِ - بِضَمِّ الثَّاءِ، وَاللَّامِ - قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ فِي الْأُنْثَى: ثَعْلَبَةٌ بِالْهَاءِ. (وَالْهِرِّ) ذَكَرُ الْقِطِّ، وَالْأُنْثَى هِرَّةٌ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْهِرُّ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَرُبَّمَا دَخَلَتْ فِيهَا الْهَاءُ، وَتَصْغِيرُهَا هُرَيْرَةُ. (وَمَا أَشْبَهَهُنَّ مِنَ السِّبَاعِ) ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يَقَعُ السَّبُعُ عَلَى كُلِّ مَا لَهُ نَابٌ يَعْدُو بِهِ، وَيَفْتَرِسُ، كَالذِّئْبِ، وَالْفَهْدِ، وَالنَّمِرِ، وَأَمَّا الثَّعْلَبُ، فَلَيْسَ بِسَبُعٍ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَابٌ، لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو بِهِ، وَلَا يَفْتَرِسُ، وَكَذَا الضَّبُعُ، وَعَلَى هَذَا فَعَدُّهُمَا فِي السِّبَاعِ تَجَوُّزٌ عَلَاقَتُهُ الْمُشَابَهَةُ لِلسِّبَاعِ فِي النَّابِ وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِسْ بِهِ، (فَلَا يَقْتُلُهُنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 الْمُحْرِمُ فَإِنْ قَتَلَهُ فَدَاهُ) ، وَفِي نُسْخَةٍ: وَدَاهُ، فَالْعِلَّةُ فِي قَتْلِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْحَدِيثِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَوْنُهُنَّ مُؤْذِيَاتٌ، فَكُلُّ مُؤْذٍ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ، وَفِي الْحَرَمِ قَتْلُهُ، وَلَا فِدْيَةَ، وَمَا لَا فَلَا، وَعِلَّتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَوْنُهُنَّ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ عِنْدَهُ، فَكُلُّ مَا لَا يُؤْكَلُ، وَلَا تُولَدُ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ جَازَ قَتْلُهُ، وَلَا فِدْيَةَ. وَأَمَّا (مَا ضَرَّ) آذَى (مِنَ الطَّيْرِ، فَإِنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَقْتُلُهُ إِلَّا مَا سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُرَابَ، وَالْحِدَأَةَ، وَإِنْ قَتَلَ الْمَحْرِمُ شَيْئًا مِنَ الطَّيْرِ سِوَاهُمَا فَدَاهُ) ، كَرَخْمٍ، وَنَسْرٍ إِلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْهُ، وَلَا يَنْدَفِعَ إِلَّا بِقَتْلِهِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ سِبَاعِ الطَّيْرِ غَيْرِ مَا فِي الْحَدِيثِ ابْتِدَاءً، وَمَنْ قَتَلَهَا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، فَإِنِ ابْتَدَأَتْ بِالضَّرَرِ، فَلَا جَزَاءَ عَلَى قَاتِلِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ عَدَتْ عَلَيْهِ سِبَاعُ الطَّيْرِ، وَغَيْرُهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 [بَاب مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُقَرِّدُ بَعِيرًا لَهُ فِي طِينٍ بِالسُّقْيَا وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ مَالِكٌ وَأَنَا أَكْرَهُهُ   29 - بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ 802 - 790 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) الْقُرَشِيِّ (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ) - بِضَمِّ الْهَاءِ، وَفَتْحِ الدَّالِ - (أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُقَرِّدُ بَعِيرًا لَهُ) ، أَيْ يُزِيلُ عَنْهُ الْقُرَادَ، وَيُلْقِيهِ (فِي طِينٍ بِالسُّقْيَا) - بِضَمِّ السِّينِ، وَسُكُونِ الْقَافِ، وَالْقَصْرِ - قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، (وَهُوَ مُحْرِمٌ) ، لِأَنَّهُ يَرَى حَلَّهُ، (قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَكْرَهُهُ) ، لِأَنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْبَعِيرِ، كَالْحَلَمِ، وَالْحُمْنَانِ، فَلَا يُلْقِيهِ الْمُحْرِمُ عَنِ الْبَعِيرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ هَلَاكِهِ، إِلَّا أَنْ يَضُرَّ بِالْبَعِيرِ فَيُزِيلُهَا، وَيُطْعِمُ حَفْنَةً مِنْ طَعَامٍ. الحديث: 802 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسْأَلُ عَنْ الْمُحْرِمِ أَيَحُكُّ جَسَدَهُ فَقَالَتْ نَعَمْ فَلْيَحْكُكْهُ وَلْيَشْدُدْ وَلَوْ رُبِطَتْ يَدَايَ وَلَمْ أَجِدْ إِلَّا رِجْلَيَّ لَحَكَكْتُ   803 - 791 - (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ) بِلَالٍ (عَنْ أُمِّهِ) مَرْجَانَةَ: (أَنَّهَا قَالَتْ: «سَمِعْتُ الحديث: 803 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْأَلُ عَنِ الْمُحْرِمِ أَيَحُكُّ جَسَدَهُ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَلْيَحْكُكْهُ، وَلْيَشْدُدْ» ) زِيَادَةً فِي بَيَانِ الْإِبَاحَةِ، (وَلَوْ رُبِطَتْ يَدَايَ، وَلَمْ أَجِدْ إِلَّا رِجْلَيَّ) - بِالتَّثْنِيَةِ، أَوِ الْإِفْرَادِ - (لَحَكَكْتُ) زَادَتْ عَلَى الْمَسْئُولِ عَنْهُ، لَكِنَّ مَحْمَلَ قَوْلِهَا، وَيَشْدُدْ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَا إِذَا كَانَ يَرَى مَا يَحُكَّهُ، فَإِنْ لَمْ يَرَهُ، كَرَأْسِهِ، وَظَهْرِهِ، فَإِنَّمَا يَجُوزُ الْحَكُّ بِرِفْقٍ، لِأَنَّهُ إِذَا شَدَّدَ مَعَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ رُبَّمَا أَتَى عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدَّوَابِّ، وَلَا يَشْعُرُ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ لِشَكْوٍ كَانَ بِعَيْنَيْهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ   804 - 792 - (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي الْأُمَوِيِّ الْمَكِّيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ: (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ) - مَعْرُوفَةٌ، وَجَمْعُهَا مَرَاءٍ كَجَوَارٍ وَغَوَاشٍ - (لِشَكْوٍ) - بِالتَّنْوِينِ - مَصْدَرُ شَكَا، وَفِي رِوَايَةٍ: لِشَكْوَى - بِالْقَصْرِ - مَصْدَرٌ أَيْضًا، أَيْ وَجَعٍ (كَانَ بِعَيْنَيْهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ) لِضَرُورَةِ الْوَجَعِ، لَا لِرَفَاهِيَةٍ، وَلَا زِينَةٍ، وَلَا دَفْعِ شَعَثٍ، وَيُكْرَهُ عِنْدَ مَالِكٍ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى شَعَثًا فَيُصْلِحَهُ. الحديث: 804 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْزِعَ الْمُحْرِمُ حَلَمَةً أَوْ قُرَادًا عَنْ بَعِيرِهِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ   812 - 793 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْزِعَ الْمُحْرِمُ حَلَمَةً) - بِفَتْحَتَيْنِ - قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الصَّغِيرَةُ مِنَ الْقِرْدَانِ، أَوِ الضَّخْمَةُ ضِدٌّ، وَحَلَمُ الْبَعِيرِ كَفَرَحٍ: كَثُرَ حَلَمُهُ، فَهُوَ حَلَمٌ. (أَوْ قُرَادًا) - بِزِنَةِ غُرَابٍ - مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَعِيرِ وَنَحْوُهُ، وَهُوَ كَالْقَمْلِ لِلْإِنْسَانِ، وَالْجَمْعُ قِرْدَانُ بِوَزْنِ غِرْبَانَ، (عَنْ بَعِيرِهِ) ، وَأَمَّا عَنْ نَفْسِهِ فَيَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ دَوَابِّ الْإِنْسَانِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) ، لِأَنَّ تَقْرِيدَهُ سَبَبٌ لِإِهْلَاكِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ ابْنُ عُمَرَ أَبَاهُ فِيهِ. الحديث: 812 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ ظُفْرٍ لَهُ انْكَسَرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ سَعِيدٌ اقْطَعْهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَكِي أُذُنَهُ أَيَقْطُرُ فِي أُذُنِهِ مِنْ الْبَانِ الَّذِي لَمْ يُطَيَّبْ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَلَوْ جَعَلَهُ فِي فِيهِ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبُطَّ الْمُحْرِمُ خُرَاجَهُ وَيَفْقَأَ دُمَّلَهُ وَيَقْطَعَ عِرْقَهُ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ   805 - 794 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ: أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ ظُفْرٍ لَهُ انْكَسَرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ سَعِيدٌ: اقْطَعْهُ) - قَلِّمْهُ - وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَكِي أُذُنَهُ) ، أَيِ الْوَجَعَ بِهَا (أَيَقْطُرُ) - يُنْقِطُ - (فِي أُذُنِهِ مِنَ الْبَانِ الَّذِي لَمْ تُطَيَّبْ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَقَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا) ، فَيَجُوزُ، (وَلَوْ جَعَلَهُ فِي فِيهِ لَمْ أَرَ بَأْسًا) ، إِذْ لَا خِلَافَ فِي إِبَاحَةِ مَا لَمْ يُطَيَّبْ، (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبُطَّ) - بِضَمِّ الْبَاءِ - يَشُقَّ (الْمُحْرِمُ خُرَاجَهُ) - بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، بِزِنَةِ غُرَابٍ - بَثْرَةَ الْوَاحِدَةِ: خُرَاجَةٌ، (وَيَفْقَأَ) - بِالْهَمْزَةِ - يَشُقَّ (دُمَّلَهُ) عَرَبِيٌّ مَعْرُوفَةٌ مُذَكَّرٌ جَمْعُهُ دَمَامِيلُ، (وَيَقْطَعَ عِرْقَهُ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ) ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ مِنْ أَذًى كَانَ بِهِ كَمَا مَرَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 [بَاب الْحَجِّ عَمَّنْ يُحَجُّ عَنْهُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ»   30 - بَابُ الْحَجِّ عَمَّنْ يُحَجُّ عَنْهُ 806 - 795 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الْهِلَالِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ) أَكْبَرُ وَلَدِهِ، وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى أَبُوهُ، اسْتُشْهِدَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بَأَجْنَادِينَ، هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ، وَخَالَفَهُمُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَقَالَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ: أَنَّ امْرَأَةً، فَذَكَرَهُ، فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ الْفَضْلِ، وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلَتْ مُحَمَّدًا - يَعْنِي الْبُخَارِيَّ - عَنْ هَذَا، فَقَالَ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَمِعَهُ مِنَ الْفَضْلِ، وَغَيْرِهِ، ثُمَّ رَوَاهُ بِلَا وَاسِطَةٍ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 رَجَّحَ هَذَا لِأَنَّ الْفَضْلَ كَانَ رَدِيفَ الْمُصْطَفَى حِينَئِذٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ تَقَدَّمَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى مَعَ الضَّعَفَةِ، فَكَأَنَّ الْفَضْلَ حَدَّثَ أَخَاهُ بِمَا شَاهَدَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، لَكِنْ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ: أَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ حَاضِرًا، فَلَا مَانِعَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ مَعَهُ، فَحَمَلَهُ تَارَةً عَنْ أَخِيهِ، وَتَارَةً حَدَّثَ بِهِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ، فَقَالَ: كَانَ الْفَضْلُ (رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: عَلَى عَجُزِ رَاحِلَتِهِ، وَفِيهِ جَوَازِ الْإِرْدَافِ، وَهُوَ مِنَ التَّوَاضُعِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ إِذَا أَطَاقَتْهُ الدَّابَّةُ، وَالرَّجُلُ الْجَلِيلُ جَمِيلٌ بِهِ الِارْتِدَافُ، وَالْأَنَفَةُ مِنْهُ تَجَبُّرٌ وَتَكَبُّرٌ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ) ، قَالَ: الْحَافِظُ: لَمْ تُسَمَّ (مِنْ خَثْعَمَ) - بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ، وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ - غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ، وَالتَّأْنِيثِ بِاعْتِبَارِ الْقَبِيلَةِ لَا الْعَلَمِيَّةِ، وَوَزْنُ الْفِعْلِ، قَبِيلَةٌ مَشْهُورَةٌ سُمِّيَتْ بِاسْمِ جَدِّهَا، وَاسْمُهُ أَفْتَلُ بْنُ أَنْمَارٍ، قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ إِنَّمَا سُمِّيَ خَثْعَمَ بِجَمَلٍ يُقَالُ لَهُ: خَثْعَمُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمَّا تَحَالَفَ وَلَدُ أَفْتَلَ عَلَى إِخْوَتِهِ نَحَرُوا بَعِيرًا، ثُمَّ تَخَثْعَمُوا بِدَمِهِ، أَيْ تَلَطَّخُوا بِهِ بِلُغَتِهِمْ، (تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ) الْمَرْأَةُ (إِلَيْهِ) ، وَكَانَ جَمِيلًا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا النَّظَرُ هُوَ بِمُقْتَضَى الطِّبَاعِ، فَإِنَّهَا مَجْبُولَةٌ عَلَى النَّظَرِ إِلَى الصُّورَةِ الْحَسَنَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: وَكَانَ الْفَضْلُ أَبْيَضُ وَسِيمًا. ( «فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ» ) الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الْمَرْأَةُ، مَنْعًا لَهُ عَنْ مُقْتَضَى الطَّبْعِ وَرَدًّا إِلَى مُقْتَضَى الشَّرْعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عِيَاضٌ: فِيهِ مَا يَلْزَمُ الْأَئِمَّةَ مِنْ تَغْيِيرِ مَا يُخْشَى فِتْنَتُهُ، وَمَنْعُهُ مَا يُنْكَرُ فِي الدِّينِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ حُرْمَةُ النَّظَرِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ، وَتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَبِّيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّ صَرْفَهُ وَجْهَ الْفَضْلِ لَيْسَ لِلْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ، كَمَا يُعْطِيهِ كَلَامُ عِيَاضٍ وَالنَّوَوِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ لِخَوْفِ الْوُقُوعِ، كَمَا يُعْطِيهِ كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ، انْتَهَى. وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: إِنْ أَرَادَ النَّوَوِيُّ تَحْرِيمَ النَّظَرِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، فَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ أَرَادَ الْأَعَمَّ مِنْ خَوْفِهَا وَأَمْنِهِ، فَفِي حَالَةِ أَمْنِهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلْعُلَمَاءِ، وَهُمَا وَجْهَانِ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصْطَفَى خَشِيَ عَلَيْهِمَا الْفِتْنَةَ، وَبِهِ صَرَّحَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً، فَلَمْ آمَنِ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا» ، قَالَ النَّوَوِيُّ نَفْسُهُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَضْعَ يَدِهِ عَلَى الْفَضْلِ كَانَ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ عَنْهُ وَعَنْهَا. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: وَضَعَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَكَأَنَّهُ صَرَفَ وَجْهَهُ، بَلْ عُنُقَهُ، وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ مُبَالَغَةٌ فِي مَنْعِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْوَلِيِّ: فَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا فِي وَقْتٍ، فَلَوَى عُنُقَهُ تَارَةً، وَوَضْعَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ تَارَةً، وَبَيَّنَ اسْتِفْتَاءَ مَا يَقُولُهُ، (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي) - لَمْ يُسَمَّ أَيْضًا - (شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ) ، صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ، أَوْ مِنَ الْأَحْوَالِ الْمُتَدَاخِلَةِ، أَوْ شَيْخًا بَدَلٌ لِكَوْنِهِ مَوْصُوفًا، أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِأَنْ أَسْلَمَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَحَصَلَ لَهُ الْمَالُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، (أَفَأَحُجُّ) أَيْ: أَيَصِحُّ أَنْ أَنُوبَ عَنْهُ، فَأَحُجَّ (عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ) ، أَيْ حُجِّي عَنْهُ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ كَالشَّافِعِيِّ: تَجِبُ الِاسْتِنَابَةُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنِ الْحَجِّ الْفَرْضِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ قَوْلَهَا: إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ إِلَى آخِرِهِ، لَا يُوجِبُ دُخُولَ أَبِيهَا فِي هَذَا الْفَرْضِ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ بِالِاسْتِطَاعَةِ نَزَلَ وَأَبُوهَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ، فَسَأَلَتْ هَلْ يُبَاحُ لَهَا أَنْ تَحُجَّ عَنْهُ، وَيَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ، وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ: فَحُجِّي عَنْهُ، لِأَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ وَإِرْشَادٍ، وَرُخْصَةٌ لَهَا أَنْ تُعَلَّ لِمَا رَأَى مِنْ حِرْصِهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْخَيْرِ لِأَبِيهَا. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ خَاصٌّ بِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 97) ، وَكَانَ أَبُوهَا مِمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فَكَانَتِ ابْنَتُهُ مَخْصُوصَةٌ بِذَلِكَ الْجَوَابِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ، مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ، قَالَ الْمَارِي لِلْآيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ أَنَّهَا الْبَدَنِيَّةُ، إِذْ لَوْ كَانَتِ الْمَالِيَّةَ، لَقَالَ: أَحُجَّاجُ الْبَيْتِ، وَالْحَجُّ فَرْعٌ بَيْنَ أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَمَلٌ بِدُونِ صَرْفٍ كَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، فَلَا اسْتِنَابَةَ فِيهِ. وَالثَّانِي: مَالُ صَرْفٍ كَالصَّدَقَةِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: الِاسْتِطَاعَةُ عِنْدَ مَالِكٍ هِيَ الْقُدْرَةُ وَلَوْ عَلَى رِجْلَيْهِ دُونَ مَشَقَّةٍ فَادِحَةٍ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: هِيَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ، لَكِنْ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ، وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ أَحَدُ أَنْوَاعِ الِاسْتِطَاعَةِ لَا كُلُّهَا، وَلَعَمْرِي إِنَّهُ بَيِّنٌ إِنْ صَحَّ، فَإِنْ كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ هِيَ السَّبَبُ فَقَدْ تَضَمَّنَ الزَّادَ، وَالرَّاحِلَةَ، أَمْنَ الطَّرِيقِ، وَصِحَّةَ الْجِسْمِ. (وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) ، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، يَوْمَ النَّحْرِ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَأَحْمَدَ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عِنْدَ الْمَنْحَرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الرَّمْيِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَشُعَيْبٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَأَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ سَبْعَتُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 [بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ قَالَ مَنْ حُبِسَ بِعَدُوٍّ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ حَيْثُ حُبِسَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ   31 - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أَيْ مُنِعَ، يُقَالُ: حَصَرَهُ الْعَدُوُّ، وَأَحْصَرَهُ: إِذَا حَبَسَهُ، وَمَنَعَهُ عَنِ الْمُضِيِّ، مِثْلُ: صَدَّهُ، وَأَصَدَّهُ. - (مَالِكٌ: مَنْ حُبِسَ بِعَدُوٍّ، فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ، (وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ حَيْثُ حُبِسَ) ، أَيْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ، فَلَا يَلْزَمُهُ إِذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ، أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيِهِ إِلَى الْحَرَمِ. (وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ) لِمَا أُحْصِرَ عَنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَنَحَرُوا الْهَدْيَ وَحَلَقُوا رُءُوسَهُمْ وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ الْهَدْيُ ثُمَّ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا يَعُودُوا لِشَيْءٍ   808 - 796 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَّ هُوَ، وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ) لَمَّا صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ، (فَنَحَرُوا الْهَدْيَ، وَحَلَقُوا رُءُوسَهُمْ، وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) مِنْ مَمْنُوعِ النُّسُكِ (قَبْلَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ، وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ الْهَدْيُ) ، أَيْ بِلَا طَوَافٍ، وَلَا وُصُولِ هَدْيٍ إِلَى الْبَيْتِ، (ثُمَّ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ) الْمُتَقَدِّمِينَ فِي صُحْبَتِهِ الْمُلَازِمِينَ لَهُ، (وَلَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ) مِنَ الْخَارِجِينَ لِلْحُدَيْبِيَةِ مَعَهُ، الْمُتَأَخِّرِينَ فِي صُحْبَتِهِ عَنْ أُولَئِكَ (أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا، وَلَا) أَمْرَهُمْ أَنْ (يَعُودُوا لِشَيْءٍ) يَفْعَلُونَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ نَفَذَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا وَرَأَى ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ وَأَهْدَى» قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ كَمَا أُحْصِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَأَمَّا مَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ   808 - 797 (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ حِينَ خَرَجَ) : أَيْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ (إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ) ، حِينَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ لِقِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَذَكَرَ أَصْحَابُ الْأَخْبَارِ، أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ بَقِيَ النَّاسُ بِلَا خَلِيفَةٍ شَهْرَيْنِ، وَأَيَّامًا، فَأَجْمَعَ أَهْلُ الْحَلِّ، وَالْعَقْدِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَبَايَعُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 الزُّبَيْرِ وَتَمَّ لَهُ مُلْكُ الْحِجَازِ، وَالْعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَأَعْمَالِ الْمَشْرِقِ، وَبَايَعَ أَهْلُ الشَّامِ، وَمِصْرَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، فَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ مَرْوَانُ، وَوَلِيَ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، فَمَنَعَ النَّاسَ الْحَجَّ خَوْفًا أَنْ يُبَايِعُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ بَعَثَ جَيْشًا أَمَّرَ عَلَيْهِ الْحَجَّاجَ، فَقَاتَلَ أَهْلَ مَكَّةَ، وَحَاصَرَهُمْ حَتَّى غَلَبَهُمْ، وَقَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَصَلَبَهُ، وَذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ جَوَابًا لِقَوْلِ وَلَدَيْهِ: عُبَيْدُ اللَّهِ، وَسَالِمٌ: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ إِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 21) . (إِنْ صُدِدْتُ) - بِضَمِّ الصَّادِ - مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ مُنِعْتُ (عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا) أَنَا، وَمَنْ مَعِي (كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مِنَ التَّحَلُّلِ حَيْثُ مَنَعُوهُ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ بِالْحُدَيْبِيَةِ. وَفِي رِوَايَةِ تَأْخِيرِ تِلَاوَةِ الْآيَةِ إِلَى هُنَا، قَالَ عِيَاضٌ: تَوَقَّعَ الْحَصْرَ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْهُ إِذْ لَوْ تَحَقَّقَهُ، لَمْ تَثْبُتْ لَهُ رُخْصَةُ الْحَصْرِ، لِأَنَّهُ غَرَّرَ بِإِحْرَامِهِ، بِالْإِجْمَاعِ، وَتَعَقَّبَهُ الْأَبِّيُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِهِ أَنْ لَا يَتَرَخَّصَ؛ لِجَوَازِ أَنَّهُ تَحَقَّقَ وَاشْتَرَطَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ضُبَاعَةَ، (فَأَهَلَّ) ابْنُ عُمَرَ (بِعُمْرَةٍ) زَادَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ: مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الدَّارِ، أَيِ الْمَنْزِلِ الَّذِي نَزَلَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، أَوِ الْمُرَادُ دَارَهُ بِالْمَدِينَةِ، فَيَكُونُ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ دَاخِلِ بَيْتِهِ، ثُمَّ أَظْهَرَهَا بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ (مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ) سَنَةَ سِتٍّ، لِيَحْصُلَ لَهُ الْمُوَافَقَةُ، (ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ، فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا) ، أَيِ الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ، (إِلَّا وَاحِدٌ) فِي حُكْمِ الْحَصْرِ، فَإِذَا جَازَ التَّحَلُّلُ فِي الْعُمْرَةِ مَعَ أَنَّهَا مَحْدُودَةٌ بِوَقْتٍ، فَهُوَ فِي الْحَجِّ أَجْوَزُ، وَفِيهِ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ، (ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ) ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ نَظَرُهُ، (فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ) - بِالرَّفْعِ - وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ: " ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ "، (أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ) ، وَعَبَّرَ بَأُشْهِدُكُمْ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِالنِّيَّةِ، لِيَعْلَمَ مَنِ اقْتَدَى بِهِ أَنَّهُ انْتَقَلَ نَظَرُهُ لِلْقِرَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي حُكْمِ الْحَصْرِ، (ثُمَّ نَفَذَ) - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ - مَضَى وَلَمْ يُصَدَّ، (حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ، فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا) لِقِرَانِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْكُوفِيُّونَ عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَانِ، وَسَعْيَانِ، وَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: طَوَافًا وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ طَافَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا طَوَافًا يُشْبِهُ الطَّوَافَ الَّذِي لِلْآخَرِ وَلَا يَخْفَى مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 فِيهِ وَرَدَّهُ قَوْلُهُ (وَرَأَى ذَلِكَ مُجْزِيًا) - بِضَمِّ الْمِيمِ، وَسُكُونِ الْجِيمِ، وَكَسْرِ الزَّايِ بِلَا هَمْزٍ - كَافِيًا (عَنْهُ) ، إِذْ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ يَضِيعُ، إِذْ كُلُّ مَنْ طَافَ طَوَافَيْنِ لَا يُقَالُ إِنَّهُ مَجْزِيٌّ، وَيُمْنَعُ التَّأْوِيلُ عَلَى بُعْدِهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، كَفَاهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ» "، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمُرَادِ. (وَأَهْدَى) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ الْإِهْدَاءِ زَادَ الْقَعْنَبِيُّ شَاةً، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقَدِيدٍ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَوْلُهُ مُجْزِيًا بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ رَأَى، وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِيًا بِزِيَادَةِ أَنَّ، وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهَا تَنْصِبُ الْجُزْأَيْنِ، أَوْ خَبَرُ كَانَ مَحْذُوفَةً، وَلِبَعْضِ رُوَاتِهِ مُجْزِئٌ - بِالرَّفْعِ، وَالْهَمْزِ - خَبَرُ أَنَّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ النَّصْبَ خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الْمُوَطَّأِ اتَّفَقُوا عَلَى رِوَايَتِهِ بِالرَّفْعِ عَلَى الصَّوَابِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ حِكَايَتَهُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى ذَلِكَ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَبِتَقْدِيرِ اتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ النَّصْبَ خَطَأٌ، مَعَ أَنَّ لَهُ وَجْهًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، انْتَهَى. وَلَعَلَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى، وَمَنْ وَافَقَهُ، فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ، فَنَصْبُ مُجْزِيًا مُتَعَيَّنٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بِتَمَامِهِ، وَقَبْلَهُ بِقَلِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ مُخْتَصَرًا بِدُونِ قَوْلِهِ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ نَظَرَ إِلَى آخِرِهِ، وَفِي الْمَغَازِي عَنْ قُتَيْبَةَ مُخْتَصَرًا كَذَلِكَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، تَامًّا الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ أَيُّوبُ وَاللَّيْثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَجُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِنَحْوِهِ، (قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ) ، يَفْعَلُ (كَمَا أُحْصِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ) ، أَيْ كَفِعْلِهِ مِنَ التَّحَلُّلِ، وَنَحْرِ هَدْيِهِ، وَلَا قَضَاءَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً، وَقَدْ تَخَلَّفَ جَمَاعَةٌ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحُدَيْبِيَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ فِي نَفْسٍ، وَلَا مَالٍ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمُ الْمُصْطَفَى بِعَدَمِ التَّخَلُّفِ، وَلَا بِالْقَضَاءِ، (فَأَمَّا مَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ) كَمَرَضٍ، (فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ) ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَجَمَاعَةٌ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، كَكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَغَيْرِهِمْ فِي أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ حَابِسٍ مِنْ عَدُوٍّ وَمَرَضٍ، وَغَيْرِهِمَا، حَتَّى أَفْتَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَجُلًا لُدِغَ أَنَّهُ مُحْصَرٌ، رَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ وَالطَّحَاوِيُّ لَنَا أَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي حُكْمِ إِحْصَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، وَكَانَ بِالْعَدُوِّ، وَقَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ: " إِذَا أَمِنْتُمْ " فَعُلِمَ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْإِحْلَالِ فِي الْعَدُوِّ كَانَ لِتَحْصِيلِ الْأَمْنِ مِنْهُ، وَالْإِحْلَالُ لَا يَجُوزُ مِنَ الْمَرَضِ، فَلَا يَكُونُ الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 مَعْنَاهُ فَلَا يَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْعَدُوِّ وَارِدًا فِي الْمَرَضِ، فَلَا يُلْحِقُ بِهِ دَلَالَةً وَلَا قِيَاسًا لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ التَّحَلُّلِ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 [بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ الْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِذَا اضْطُرَّ إِلَى لُبْسِ شَيْءٍ مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا أَوْ الدَّوَاءِ صَنَعَ ذَلِكَ وَافْتَدَى   32 - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ 809 - 798 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ) أَبِيهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ، (فَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى لُبْسِ شَيْءٍ مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا) لِأَجْلِ الْمَرَضِ، (أَوِ الدَّوَاءِ) الْمُطَيَّبِ، (صَنَعَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ، (وَافْتَدَى) ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِلْعُذْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ الْمُحْرِمُ لَا يُحِلُّهُ إِلَّا الْبَيْتُ   810 - 799 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِنْ عَمْرَةَ أَوْ غَيْرِهَا، (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: الْمُحْرِمُ لَا يُحِلُّهُ إِلَّا الْبَيْتَ) مَا لَمْ يُحْصَرْ بِعَدُوٍّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْنَاهُ الْمُحْرِمُ يَمْرَضُ مَرَضًا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ، فَيَبْقَى عَلَى حَالِهِ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى لُبْسٍ، أَوْ دَوَاءٍ فَعَلَ، وَافْتَدَى، فَإِذَا بَرِئَ أَتَى الْبَيْتَ، وَطَافَ، وَسَعَى، فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ سَوَاءٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ كَانَ قَدِيمًا أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ كُسِرَتْ فَخِذِي فَأَرْسَلْتُ إِلَى مَكَّةَ وَبِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَالنَّاسُ فَلَمْ يُرَخِّصْ لِي أَحَدٌ أَنْ أَحِلَّ فَأَقَمْتُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ حَتَّى أَحْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ   811 - 800 - (مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ) كَيْسَانَ (السَّخْتَيَانِيِّ) - بِفَتْحِ السِّينِ، وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ - الْبَصْرِيِّ الثِّقَةِ الْحُجَّةِ مِنْ كِبَارِ الْعُبَّادِ، (عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 - بِتَثْلِيثِ الْمُوَحَّدَةِ - الْبَلَدِ الْمَشْهُورَةِ (كَانَ قَدِيمًا أَنَّهُ) ، أَيِ الرَّجُلُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ أَبُو قِلَابَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْحَرَمِيُّ شَيْخُ أَيُّوبَ، وَمُعَلِّمُهُ كَمَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، (قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ) مُعْتَمِرًا (حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ) زَادَ جَمَاعَةٌ، وَقَعْتُ عَنْ رَاحِلَتِي (كُسِرَتْ فَخِذِي، فَأَرْسَلْتُ إِلَى مَكَّةَ وَبِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَالنَّاسُ) الْفُقَهَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَسْتَفْتِهِمْ فِي التَّحَلُّلِ، (فَلَمْ يُرَخِّصْ لِي أَحَدٌ أَنْ أَحِلَّ) ، وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ: فَأَرْسَلْتُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَا: الْعُمْرَةُ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ كَوَقْتِ الْحَجِّ يَكُونُ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ، (فَأَقَمْتُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ) الَّذِي كُسِرَتْ فَخِذُهُ عِنْدَهُ (سَبْعَةَ أَشْهُرٍ حَتَّى أَحْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ) بَعْدَ أَنْ صَحَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ   812 - 801 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) ، أَيْ وَيَسْعَى نَحْوَ: وَزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبِ وَالْعَيُونَا. وَاسْتُعْمِلَ الطَّوَافُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْمَشْيُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ حُزَابَةَ الْمَخْزُومِيَّ صُرِعَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَسَأَلَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَوَجَدَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَذَكَرَ لَهُمْ الَّذِي عَرَضَ لَهُ فَكُلُّهُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَدَاوَى بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَيَفْتَدِيَ فَإِذَا صَحَّ اعْتَمَرَ فَحَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ وَيُهْدِي مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ وَهَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حِينَ فَاتَهُمَا الْحَجُّ وَأَتَيَا يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَحِلَّا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَرْجِعَا حَلَالًا ثُمَّ يَحُجَّانِ عَامًا قَابِلًا وَيُهْدِيَانِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَنْ حُبِسَ عَنْ الْحَجِّ بَعْدَ مَا يُحْرِمُ إِمَّا بِمَرَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ بِخَطَإٍ مِنْ الْعَدَدِ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ الْهِلَالُ فَهُوَ مُحْصَرٌ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْصَرِ قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِك عَمَّنْ أَهَلَّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَصَابَهُ كَسْرٌ أَوْ بَطْنٌ مُتَحَرِّقٌ أَوْ امْرَأَةٌ تُطْلَقُ قَالَ مَنْ أَصَابَهُ هَذَا مِنْهُمْ فَهُوَ مُحْصَرٌ يَكُونُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ إِذَا هُمْ أُحْصِرُوا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَدِمَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى إِذَا قَضَى عُمْرَتَهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ كُسِرَ أَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْضُرَ مَعَ النَّاسِ الْمَوْقِفَ قَالَ مَالِك أَرَى أَنْ يُقِيمَ حَتَّى إِذَا بَرَأَ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَحِلُّ ثُمَّ عَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ مَرِضَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَحْضُرَ مَعَ النَّاسِ الْمَوْقِفَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنْ اسْتَطَاعَ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ فَدَخَلَ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ نَوَاهُ لِلْعُمْرَةِ فَلِذَلِكَ يَعْمَلُ بِهَذَا وَعَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَصَابَهُ مَرَضٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَلَّ بِعُمْرَةٍ وَطَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافًا آخَرَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ وَسَعْيَهُ إِنَّمَا كَانَ نَوَاهُ لِلْحَجِّ وَعَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ وَالْهَدْي   812 - 802 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ حُزَابَةَ) - بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الزَّايِ، فَأَلِفٍ، فَمُوَحَّدَةٍ، فَهَاءٍ - (الْمَخْزُومِيِّ صُرِعَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَسَأَلَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ) عَنِ الْعُلَمَاءِ، (فَوَجَدَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، فَذَكَرَ لَهُمُ الَّذِي عَرَضَ لَهُ، فَكُلُّهُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَدَاوَىَ بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَيَفْتَدِي) لِلتَّدَاوِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 (فَإِذَا صَحَّ اعْتَمَرَ فَحَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ) بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ، (ثُمَّ عَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ، وَيَهْدِي مَا اسْتَيْسَرَ) - تَيَسَّرَ - (مِنَ الْهَدْيِ، قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى هَذَا الْأَمْرِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ) ، أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ، وَقَالَ بِهِ جُمْلَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ مَكَّةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، فَأَيْنَ الْمَعْدِلُ عَنْ هَذَا؟ وَزَادَ ذَلِكَ تَقْوِيَةً بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا أَيُّوبَ) خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ الْبَدْرِيَّ (الْأَنْصَارِيَّ) أَحَدَ كِبَارِ الصَّحَابَةِ الْفُقَهَاءِ، كَمَا يَأْتِي مَوْصُولًا، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ فَذَكَرَهُ، (وَهَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ) الصَّحَابِيَّ، كَمَا يَأْتِي مَوْصُولًا أَيْضًا، عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ هَبَّارًا (حِينَ فَاتَهُمَا الْحَجُّ، وَأَتَيَا يَوْمَ النَّحْرِ، أَنْ يَحِلَّا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يَرْجِعَا حَلَالًا) مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِمَا، (ثُمَّ يَحُجَّانِ عَامًا قَابِلًا) - بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَالصِّفَةِ - (وَيَهْدِيَانِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ) ، وَفِي الْبُخَارِيِّ: عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: " «كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا، فَيُهْدِيَ، أَوْ يَصُومَ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا» " وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ: السُّنَّةُ كَذَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، فَهُوَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَنْ حُبِسَ عَنِ الْحَجِّ بَعْدَمَا يُحْرِمُ إِمَّا بِمَرَضٍ، أَوْ بِغَيْرِهِ، أَوْ بِخَطَأٍ مِنَ الْعَدَدِ، أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ الْهِلَالُ، فَهُوَ مُحْصَرٌ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْصَرِ) يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ دَمٌ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ أَصَابَهُ كَسْرٌ) لِبَعْضِ أَعْضَائِهِ، (أَوْ بَطْنٌ مُتَحَرِّقٌ) ، أَيْ إِسْهَالُ بَطْنٍ مَنَعَهُ، (أَوِ امْرَأَةٍ تُطْلِقُ) أَخَذَهَا الْمَخَاضُ - وَهُوَ وَجَعُ الْوِلَادَةِ - (قَالَ: مَنْ أَصَابَهُ هَذَا مِنْهُمْ، فَهُوَ مُحْصَرٌ يَكُونُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ إِذَا هُمْ أُحْصِرُوا) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِّيِّينَ، وَغَيْرِهِمْ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَدِمَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى إِذَا قَضَى عُمْرَتَهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ كُسِرَ) - بِضَمٍّ فَكَسْرٍ - مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، (أَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْضُرَ مَعَ النَّاسِ الْمَوْقِفَ) بِعَرَفَةَ، (قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُقِيمَ حَتَّى إِذَا بَرَأَ) - بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَالرَّاءِ مِنْ بَابِ نَفَعَ، وَبِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْضًا مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَفِي لُغَةٍ: بِضَمِّ الرَّاءِ مِنْ بَابِ قَرُبَ - صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ، (خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ) لِيَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ، (ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَكَّةَ، فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ) ، وَفِي نُسْخَةٍ: وَيَسْعَى بَيْنَ (الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّ، ثُمَّ عَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ) جَبْرًا لِذَلِكَ، (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) : إِخْبَارٌ مِنَ السَّائِلِ عَنْ فِعْلِهِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ جَهْلًا، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْمُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ إِنَّمَا يَطُوفُ، وَيَسْعَى بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، (ثُمَّ مَرِضَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَحْضُرَ مَعَ النَّاسِ الْمَوْقِفَ) بِعَرَفَةَ، (قَالَ مَالِكٌ) : أَعَادَهُ لِيَفْصِلَ بَيْنَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ (إِذَا فَاتَهُ الْحَجُّ) بِكَوْنِهِ لَمْ يَأْتِ مِنْهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا بِالْإِحْرَامِ، وَطَوَافُهُ، وَسَعْيُهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ، (فَإِنِ اسْتَطَاعَ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ، فَدَخَلَ بِعُمْرَةٍ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) ، وَعَلَّلَ إِعَادَتَهُمَا دَفْعًا لِتَوَهُّمِ السَّائِلِ أَنَّهُ فَعَلَهُمَا، فَيُجْزِيهِ عَنْ طَوَافِ وَسَعْيِ الْعُمْرَةِ الَّتِي لَزِمَتْهُ وَإِنْ لَمْ تُجْزِهِ عَنْ حَجِّهِ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ نَوَاهُ لِلْعُمْرَةِ) الَّتِي يَأْتِي بِهَا لِلْإِحْلَالِ، (فَلِذَلِكَ يَعْمَلُ بِهَذَا) ، أَيْ يَأْتِي بِالطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، (وَعَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ، وَالْهَدْيُ) ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَبَلَ وَأَقْبَلَ بِمَعْنًى يُقَالُ: عَامٌ قَابِلٌ، أَيْ مُقْبِلٌ، (فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَصَابَهُ مَرَضٌ حَالَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْحَجِّ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، حَلَّ بِالْعُمْرَةِ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافًا آخَرَ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 لِأَنَّ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ، وَسَعْيَهُ إِنَّمَا كَانَ نَوَاهُ لِلْحَجِّ) الَّذِي فَاتَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ لَا فَرْقَ فِيمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بَيْنَ مَنْ بِمَكَّةَ، وَغَيْرِهِمْ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا يَحِلُّ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، إِلَّا أَنَّ مَنْ بِهَا يَخْرُجُ إِلَى الْحِلِّ، لِيَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ بِخِلَافِ مَنْ أَتَى مُحْرِمًا مِنَ الْحِلِّ، (وَعَلَيْهِ حَجُّ) عَامٍ (قَابِلٍ، وَالْهَدْيُ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 [بَاب مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ] قَالَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ» قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ   813 - 803 33 - بَابُ مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ اخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ بَنَاهَا، فَحَكَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: أَنَّ اللَّهَ وَضَعَهَا أَوَّلًا لَا بِبِنَاءِ أَحَدٍ. وَلِلْأَزْرَقِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَتْهَا قَبْلَ آدَمَ. وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ: أَوَّلُ مَنْ بَنَى الْبَيْتَ آدَمُ. وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ شِيثُ بْنُ آدَمَ. وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ كَثِيرٍ زَاعِمًا أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ مُطْلَقًا، إِذَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْ مَعْصُومٍ أَنَّهُ كَانَ مَبْنِيًّا قَبْلَهُ، وَيُقَالُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ مَعْصُومٍ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِصَّةَ بِنَاءِ آدَمَ لَهَا، وَرَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحُكْمُهُ الرَّفْعُ، إِذْ لَا يُقَالُ رَأْيًا. وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: " حَجَّ آدَمَ، فَلَقِيَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، فَقَالُوا: بِرَّ نُسُكَكَ يَا آدَمُ "، وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ الْبَيْتَ رُفِعَ فِي الطُّوفَانِ، فَكَانَ الْأَنْبِيَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ يَحُجُّونَهُ، وَلَا يَعْلَمُونَ مَكَانَهُ حَتَّى بَوَّأَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ، فَبَنَاهُ عَلَى أَسَاسِ آدَمَ، وَجَعَلَ طُولَهُ فِي السَّمَاءِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِهِمْ، وَذَرَعَهُ فِي الْأَرْضِ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِهِمْ، وَأَدْخَلَ الْحَجَرَ فِي الْبَيْتِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ سَقْفًا، وَجَعَلَ لَهُ بَابًا، وَحَفَرَ لَهُ بِئْرًا عِنْدَ بَابِهِ يُلْقَى فِيهَا مَا يُهْدَى لِلْبَيْتِ "، فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ وَإِنْ كَانَتْ مُفْرَدَاتُهَا ضَعِيفَةٌ، لَكِنْ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ رَاهَوَيْهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ: " أَنَّ بِنَاءَ إِبْرَاهِيمَ لَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ انْهَدَمَ، فَبَنَتْهُ الْعَمَالِقَةُ، ثُمَّ انْهَدَمَ، فَبَنَتْهُ جُرْهُمُ، ثُمَّ بَنَاهُ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ " نَقَلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، ثُمَّ قُرَيْشٌ، فَجَعَلُوا ارْتِفَاعَهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا. وَفِي رِوَايَةٍ: عِشْرِينَ، وَلَعَلَّ رَاوِيَهَا جَبَرَ الْكَسْرَ، وَنَقَّصُوا مِنْ طُولِهَا، وَمِنْ عَرْضِهَا أَذْرُعًا أَدْخَلُوهَا فِي الْحَجَرِ، لِضِيقِ النَّفَقَةِ بِهِمْ، ثُمَّ لَمَّا حُوصِرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ جِهَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ تَضَعْضَعَتْ مِنَ الرَّمْيِ بِالْمَنْجَنِيقِ، فَهَدَمَهَا فِي خِلَافَتِهِ، وَبَنَاهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، فَأَعَادَ طُولَهَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْآنَ، وَأَدْخَلَ مِنَ الْحَجَرِ تِلْكَ الْأَذْرُعِ، وَجَعَلَ لَهَا بَابًا آخَرَ، فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، شَاوَرَ الْحَجَّاجُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ فِي نَقْضِ بِنَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا مَا زَادَهُ فِي طُولِهَا، فَأَقِرَّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِي الْحَجَرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ، وَسُدَّ الْبَابَ الَّذِي فَتَحَهُ، فَفَعَلَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءٍ. وَذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ نَدِمَ عَلَى إِذْنِهِ لِلْحَجَّاجِ فِي هَدْمِهَا، وَلَعَنَ الْحَجَّاجَ، وَبَقِيَ بِنَاءُ الْحَجَّاجِ إِلَى الْآنِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الحديث: 813 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 وَتَبِعَهُ بْنُ عِيَاضٍ، وَغَيْرُهُ أَنَّ الرَّشِيدَ، أَوْ أَبَاهُ الْمَهْدِيَّ، أَوْ جَدَّهُ الْمَنْصُورَ أَرَادَ أَنْ يُعِيدَ الْكَعْبَةَ عَلَى مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَنَاشَدَهُ مَالِكٌ وَقَالَ: أَخْشَى أَنْ تَصِيرَ مِلْعَبَةً لِلْمُلُوكِ، فَتَرَكَ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ خَشْيَةُ جَدِّهِمُ الْأَعْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ أَشَارَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ لَمَّا أَرَادَ هَدْمَهَا، وَتَجْدِيدَ بِنَائِهَا بِأَنْ يَرُمَّ مَا وَهِيَ مِنْهَا، وَلَا يَتَعَرَّضَ لَهَا بِزِيَادَةٍ، وَلَا نَقْصٍ، وَقَالَ: لَا آمَنُ مَنْ يَجِيءُ بَعْدَكَ، فَيُغَيِّرُ الَّذِي صَنَعْتَ، أَخْرَجَهُ الْفَاكِهِيُّ. وَلَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ، وَلَا غَيْرِهِمْ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِمَّا صَنَعَهُ الْحَجَّاجُ إِلَى الْآنِ، إِلَّا فِي الْمِيزَابِ، وَالْبَابِ، وَعَتَبَتِهِ، وَكَذَا وَقَعَ تَرْمِيمُ الْجِدَارِ وَالسَّقْفِ، وَسُلَّمِ السَّطْحِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَجُدِّدَ فِيهَا الرُّخَامُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَوَّلُ مَنْ فَرَشَهَا بِالرُّخَامِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَتَحَصَّلَ مِنَ الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهَا بُنِيَتْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بَنَاهَا بَعْدَ قُصَيٍّ، وَقَبْلَ بِنَاءِ قُرَيْشٍ، قَالَ الْفَاسِيُّ: وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهْمًا، قَالَ: وَاسْتَمَرَّ بِنَاءُ الْحَجَّاجِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَسَيَبْقَى عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ تُخَرِّبَهَا الْحَبَشَةُ، وَتُقِلَّهَا حَجَرًا حَجَرًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ. وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ هَذَا الْبِنَاءَ لَا يُغَيَّرُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَافِظُ: مِمَّا تَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقْ الِاحْتِيَاجُ فِي الْكَعْبَةِ إِلَّا فِيمَا صَنَعَهُ الْحَجَّاجُ، إِمَّا مِنَ الْجِدَارِ الَّذِي بَنَاهُ فِي الْجِهَةِ الشَّامِيَّةِ، وَإِمَّا فِي السُّلَّمِ الَّذِي جَدَّدَهُ لِلسَّطْحِ، أَوْ لِلْعَتَبَةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ لِزِيَادَةٍ مَحْضَةٍ، كَالرُّخَامِ، أَوْ لِتَحْسِينٍ كَالْبَابِ، وَالْمِيزَابِ، وَكَذَا مَا رَوَاهُ الْفَاكِهِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ بَكْرِ بْنِ حَبِيبٍ السَّهْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ - قَالَ: جَاوَرْتُ بِمَكَّةَ، فَعَابَتْ - بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَمُوَحَّدَةٍ - أُسْطُوَانَةٌ مِنْ أَسَاطِينِ الْبَيْتِ، فَأُخْرِجَتْ، وَجِيءَ بِأُخْرَى، لِيُدْخِلُوهَا مَكَانَهَا فَطَالَتْ عَنِ الْمَوْضِعِ، وَأَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ، وَالْكَعْبَةُ لَا تُفْتَحُ لَيْلًا، فَتَرَكُوهَا لِيَعُودُوا مِنْ غَدٍ، فَيُصْلِحُوهَا، فَجَاءُوا مِنْ غَدٍ، فَأَصَابُوهَا أَقْوَمَ مِنْ قِدْحٍ - بِكَسْرِ الْقَافِ - أَيْ سَهْمٍ. (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) التَّيْمِيَّ الْمَدَنِيَّ أَخَا الْقَاسِمِ، مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ قُتِلَ بِوَقْعَةِ الْحِرَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، (أَخْبَرَ) هُوَ (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) ، قَالَ الْحَافِظُ: بِنَصْبِ " عَبْدَ " عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ سَالِمًا كَانَ حَاضِرًا لِذَلِكَ، فَتَكُونُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ أَبُو أُوَيْسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، لَكِنَّهُ سَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَوَهِمَ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَغْرَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، فَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ، وَالْمَحْفُوظُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، لَكِنَّهُ اخْتَصَرَهُ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 فَتَابَعَ سَالِمًا فِيهِ. (عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ) ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِعَائِشَةَ: (أَلَمْ تَرَيْ) - مَجْزُومٌ بِحَذْفِ النُّونِ - أَيْ أَلَمْ تَعْرِفِي؟ (أَنَّ قَوْمَكِ) : أَيْ قُرَيْشًا، (حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ) قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِينَ، كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: كَانَتِ الْكَعْبَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَبْنِيَّةً بِالرَّضْمِ لَيْسَ فِيهَا مَدَرٌ، وَكَانَتْ قَدْرَ مَا تَفْتَحُهَا الْعَنَاقُ، وَكَانَتْ ثِيَابُهَا تُوضَعُ عَلَيْهَا تُسْدَلُ سَدْلًا، وَكَانَتْ ذَاتَ رُكْنَيْنِ كَهَيْئَةِ هَذِهِ الْحَلْقَةِ، فَأَقْبَلَتْ سَفِينَةٌ مِنَ الرُّومِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْ جُدَّةَ انْكَسَرَتْ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ، لِيَأْخُذُوا خَشَبَهَا، فَوَجَدُوا الرُّومِيَّ الَّذِي فِيهَا نَجَّارًا، فَقَدِمُوا بِهِ، وَبِالْخَشَبِ لِيَبْنُوا بِهِ الْبَيْتَ، فَكُلَّمَا أَرَادُوا هَدْمَهُ بَدَتْ لَهُمْ حَيَّةٌ فَاتِحَةً فَاهَا، فَبَعَثَ اللَّهُ طَيْرًا أَعْظَمَ مِنَ النَّسْرِ، فَغَرَزَ مَخَالِبَهُ فِيهَا، فَأَلْقَاهَا نَحْوًا مِنْ جِيَادٍ، فَهَدَمَتْ قُرَيْشٌ الْكَعْبَةَ، وَبَنَوْهَا بِحِجَارَةِ الْوَادِي، فَرَفَعُوهَا فِي السَّمَاءِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْمِلُ الْحِجَارَةَ مِنْ جِيَادٍ وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ، فَضَاقَتْ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ يَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَبَدَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ صِغَرِهَا، فَنُودِيَ يَا مُحَمَّدُ خَمِّرْ عَوْرَتَكَ، فَلَمْ يُرَ عُرْيَانًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَبَيْنَ الْمَبْعَثِ خَمْسُ سِنِينَ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحُلُمَ أَجْمَرَتِ امْرَأَةٌ الْكَعْبَةَ، فَطَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْ مِجْمَرِهَا فِي ثِيَابِ الْكَعْبَةِ، فَاحْتَرَقَتْ، فَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ فِي هَدْمِهَا وَهَابُوهُ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُهْلِكُ مَنْ يُرِيدُ الْإِصْلَاحَ، ثُمَّ هُدِمَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ سَالِمًا، تَابَعُوهُ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَبِهِ جَزَمَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ الْحَرِيقُ تَقَدَّمَ وَقْتُهُ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْبِنَاءِ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ السَّيْلَ كَانَ يُصِيبُ الْكَعْبَةَ، فَتَسَاقَطَ مِنْ بِنَائِهَا، وَكَانَتْ رَضْمًا فَوْقَ الْقَامَةِ، فَأَرَادَتْ قُرَيْشُ رَفْعَهَا، وَتَسْقِيفَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ نَفَرًا سَرَقُوا كَنْزَهَا وَجَمَعَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ سَبَبَ الْبِنَاءِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَنَّ اسْمَ النَّجَّارِ الَّذِي بَنَاهَا لِقُرَيْشٍ بَاقُومَ، بِمُوَحَّدَةٍ فَأَلِفٍ فَقَافٍ مَضْمُومَةٍ فَوَاوٍ سَاكِنَةٍ فَمِيمٍ. وَعِنْدَ ابْنِ رَاهَوَيْهِ «عَنْ عَلِيٍّ: " فَلَمَّا أَرَادُوا رَفْعَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ اخْتَصَمُوا فِيهِ، فَقَالُوا: يَحْكُمُ بَيْنَنَا أَوَّلُ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ السِّكَّةِ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ، فَحَكَمَ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ» "، وَلِلطَّيَالِسِيِّ: " قَالُوا: نُحَكِّمُ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ مِنْهُ، فَأَخْبَرُوهُ، فَأَمَرَ بِثَوْبٍ، فَوَضَعَ الْحَجَرَ فِي وَسَطِهِ وَأَمَرَ كُلَّ فَخْذٍ أَنْ يَأْخُذُوا بِطَائِفَةٍ مِنَ الثَّوْبِ، فَرَفَعُوهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ) جَمْعُ قَاعِدَةٍ، وَهِيَ الْأَسَاسُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ عَائِشَةَ: " «سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْجِدَارِ مِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: إِنَّ قَوْمَكِ قَصُرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ، قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ، لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا، وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا» " زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " «فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا، يَدَعُونَهُ يَرْتَقِي، حَتَّى إِذَا كَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا دَفَعُوهُ، فَسَقَطَ» "، أَيْ قَصُرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي أَخْرَجُوهَا لِبِنَائِهِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْأَزْرَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيُوَضِّحُهُ مَا لِابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ، أَنَّ أَبَا وَهَبِ بْنِ عَايِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ، قَالَ لِقُرَيْشٍ: لَا تُدْخِلُوا مِنْ كَسْبِكُمْ إِلَّا طَيِّبًا، وَلَا تُدْخِلُوا فِيهِ مَهْرَ بَغِيٍّ، وَلَا بَيْعَ رِبًا، وَلَا مَظْلَمَةَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَعِنْدَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: لَا تَجْعَلُوا فِيهَا مَالًا أُخِذَ غَصْبًا، وَلَا قُطِعَتْ فِيهِ رَحِمٌ، وَلَا انْتُهِكَتْ فِيهِ حُرْمَةٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَا تُدْخِلُوا فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ إِلَّا طَيِّبَ أَمْوَالِكُمْ، وَتَجَنَّبُوا الْخَبِيثَ فَإِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، فَلَعَلَّهُمَا جَمِيعًا قَالَا ذَلِكَ. وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ: " أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى شَيْخٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، فَسَأَلَهُ عَنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا تَقَرَّبَتْ لِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ، أَيْ بِالنَّفَقَةِ الطَّيِّبَةِ فَعَجَزَتْ، فَتَرَكُوا بَعْضَ الْبَيْتِ فِي الْحِجْرِ، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ ". (قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟) أَيْ أُسُسِهِ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لَوْلَا حِدْثَانُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ، فَأَلِفٍ فَنُونٍ، مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ وُجُوبًا، أَيْ مَوْجُودٌ يَعْنِي قُرْبَ عَهْدِ (قَوْمِكَ بِالْكُفْرِ، لَفَعَلْتُ) أَيْ: لَرَدَدْتُهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ» "، وَفِيهِ تَرْكُ مَا هُوَ صَوَابٌ خَوْفَ وُقُوعِ مَفْسَدَةٍ أَشَدَّ، وَاسْتِئْلَافُ النَّاسِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَاجْتِنَابُ وَلِيِّ الْأَمْرِ مَا يَتَسَارَعُ النَّاسُ إِلَى إِنْكَارِهِ، وَمَا يُخْشَى مِنْهُ تَوَلُّدُ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا، وَتَأَلُّفَ قُلُوبِهِمْ بِمَا لَا يُتْرَكُ فِيهِ أَمْرٌ وَاجِبٌ، كَمُسَاعَدَتِهِمْ عَلَى تَرْكِ الزَّكَاةِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ، وَجَلْبِ الْمَصْلَحَةِ، وَأَنَّهُمَا إِذَا تَعَارَضَا بُدِئَ بِرَفْعِ الْمَفْسَدَةِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ مَعَ أَهْلِهِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ، وَفِيهِ سَدُّ الذَّرَائِعِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " «أَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجِدَارَ فِي الْبَيْتِ، وَأَنْ أَلْصَقَ بَابَهُ إِلَى الْأَرْضِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " تَنْفِرُ " الْفَاءُ بَدَلَ الْكَافِ. وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّفْرَةَ الَّتِي خَشِيَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْسِبُوهُ إِلَى الِانْفِرَادِ بِالْفَخْرِ دُونَهُمْ. وَفِيهِ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إِذَا أَمِنَ وُقُوعَهَا، عَادَ اسْتِحْبَابُ الْمَصْلَحَةِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: " «سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدِهِمْ بِكُفْرٍ، وَلَيْسَ عِنْدِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يُقَوِّينِي عَلَى بِنَائِهِ، لَكُنْتُ أَدْخَلْتُ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ» ، قَالَ: أَيْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: فَأَنَا أَجِدُ مَا أُنْفِقَ وَلَسْتُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 أَخَافُ النَّاسَ، فَزَادَ فِيهِ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ حَتَّى أَبْدَى أُسًّا نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَبَنَى عَلَيْهِ، وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَزَادَهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، وَجَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ: بَابًا يُدْخَلُ مِنْهُ، وَالْآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ، فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَ الْبِنَاءَ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ إِلَيْهِ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي شَيْءٍ، أَمَّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ، فَأَقَرَّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحَجَرِ، فَرَدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ، وَسَدَّ الْبَابَ الَّذِي فَتَحَهُ فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ. وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَفَدَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ: مَا أَظُنُّ أَبَا خُبَيْبٍ سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ مَا كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهَا، قَالَ الْحَارِثُ: بَلَى أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْهَا، قَالَتْ: " «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْبَيْتِ، وَلَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ، أَعَدْتُ مَا تَرَكُوا مِنْهُ فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ مِنْ بَعْدِي أَنْ يَبْنُوهُ، فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ، فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ» ، فَنَكَتَ عَبْدُ الْمَلِكِ سَاعَةً بِعَصَاهُ، ثُمَّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهُ وَمَا تَحَمَّلَ، (قَالَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ عِيَاضٌ: لَيْسَ هَذَا شَكًّا فِي رِوَايَتِهَا، فَإِنَّهَا مِنَ الْحِفْظِ وَالضَّبْطِ بِحَيْثُ لَا يُسْتَرَابُ فِيمَا تَنْقُلُهُ، وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ مَا يَأْتِي بِصُورَةِ الشَّكِّ مُرَادًا بِهِ الْيَقِينُ وَالتَّقْرِيرُ، وَمِنْهُ: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} [الأنبياء: 111] (سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: الْآيَةُ 111) ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ} [سبأ: 50] (سُورَةُ سَبَإٍ: الْآيَةُ 50) الْآيَةُ (مَا أُرَى) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - أَيْ أَظُنُّ (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ) افْتِعَالٌ مِنَ السَّلَامِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَسَّهُمَا بِالْقُبْلَةِ، أَوِ الْيَدِ (اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَقْرُبَانِ مِنَ الْحِجْرِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ عَلَى صِفَةِ نِصْفِ الدَّائِرَةِ، وَقَدْرُهَا: تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، وَزَادَ مَعْمَرٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: وَلَا طَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ (إِلَّا أَنَّ الْبَيْتَ) الْكَعْبَةَ (لَمْ يُتَمَّمْ) مَا نَقُصَ مِنْهُ، وَهُمَا الرُّكْنَانِ اللَّذَانِ كَانَا فِي الْأَصْلِ (عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ) ، فَالْمَوْجُودُ الْآنَ فِي جِهَةِ الْحِجْرِ نَقْصُ الْجِدَارِ الَّذِي بَنَتْهُ قُرَيْشٌ، فَلِذَا لَمْ يَسْتَلِمْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَبِيُّ: هَذَا مِنْ فِقْهِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ تَعْلِيلِ الْعَدَمِ بِالْعَدَمِ، عَلَّلَ عَدَمَ الِاسْتِلَامِ بِعَدَمِ أَنَّهُمَا مِنَ الْبَيْتِ، قَالَ غَيْرُهُ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَ عَائِشَةَ بِذَلِكَ، فَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى بَعْضَهَا، وَبَنَاهَا ابْنُ اخْتِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ لَهَا: فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكَ أَنْ يَبْنُوهُ، فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ. . . إِلَخْ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَفِي أَحَادِيثِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 الْأَنْبِيَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي التَّفْسِيرِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى عَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ مُتَابَعَاتٌ، وَطُرُقٌ كَثِيرَةٌ بِزِيَادَاتٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ مَا أُبَالِي أَصَلَّيْتُ فِي الْحِجْرِ أَمْ فِي الْبَيْتِ   814 - 804 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: مَا أُبَالِي أَصَلَّيْتُ فِي الْحِجْرِ أَمْ فِي الْبَيْتِ) ، لِأَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْجِدَارِ أَيِ الْحِجْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحِجْرَ كُلَّهُ مِنَ الْبَيْتِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ابْنُ عَبَّاسٍ، كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَأَبِي عَوَانَةَ بِطُرُقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ فَأَخَذَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِي، وَأَدْخَلَنِي الْحِجْرَ، فَقَالَ: صَلِّي فِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنَ الْبَيْتِ، وَلَكِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوهُ حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ، فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْبَيْتِ» "، وَلِأَحْمَدَ عَنْهَا: " أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى شَيْبَةَ الْحَجَبِيِّ لِيَفْتَحَ لَهَا الْبَيْتَ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ: مَا فَتَحْنَاهُ فِي جَاهِلِيَّةٍ، وَلَا إِسْلَامٍ بِلَيْلٍ "، وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُطْلَقَةٌ، وَجَاءَتْ رِوَايَاتٌ أَصَحُّ مِنْهَا مُقَيَّدَةً مِنْهَا: لِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ حَتَّى أُزِيدَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، وَلَهُ أَيْضًا: أَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ. وَلَهُ أَيْضًا: وَزِدْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ. وَلِلْبُخَارِيِّ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ حَزَرَهُ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا. وَفِي جَامِعِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: فِيهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ. وَفِي رِوَايَةٍ: سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَشَيْءٍ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَدَدٍ لَقِيَهُمْ مِنْ عُلَمَاءَ قُرَيْشٍ، كَمَا فِي الْمَعْرِفَةِ لِلْبَيْهَقِيِّ، وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا تَجْتَمِعُ عَلَى أَنَّهَا فَوْقَ السِّتِّ وَدُونَ السَّبْعَةِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، مَرْفُوعًا عِنْدَ مُسْلِمٍ: لَكُنْتُ أُدْخِلُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ، فَهِيَ شَاذَّةٌ وَالرِّوَايَاتُ السَّابِقَةُ أَرْجَحُ لِمَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ عَنِ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ لِرِوَايَةِ عَطَاءٍ وَجْهًا، وَهُوَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا مَا عَدَا الْفُرْجَةِ الَّتِي بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْحِجْرِ، فَيَجْتَمِعُ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ الَّذِي عَدَّ الْفُرْجَةَ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَشَيْءٍ، وَلِهَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْفَاكِهِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: " وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ "، فَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى إِلْغَاءِ الْكَسْرِ، وَرِوَايَةُ عَطَاءٍ عَلَى جَبْرِهِ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا بِذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَنِي إِلَى ذَلِكَ، وَهَذَا الْجَمْعُ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الِاضْطِرَابِ وَالطَّعْنِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمُقَيَّدَةِ لِأَجْلِ الِاضْطِرَابِ، كَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِاضْطِرَابِ أَنْ تَتَسَاوَى الْوُجُوهُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ التَّرْجِيحُ، أَوِ الْجَمْعُ، وَلَمْ يَتَعَذَّرْ هُنَا فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا هِيَ قَاعِدَةُ مَذْهَبِهِمَا، فَإِنَّ إِطْلَاقَ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ سَائِغٌ مَجَازًا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُطْلَقَةَ مُتَوَارِدَةٌ عَلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ قُرَيْشًا قَصَّرُوا عَنْ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ الحديث: 814 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 أَعَادَهُ عَلَى بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَّ الْحَجَّاجَ أَعَادَهُ عَلَى بِنَاءِ قُرَيْشٍ، وَلَمْ تَأْتِ رِوَايَةٌ قَطُّ صَرِيحَةٌ أَنَّ جَمِيعَ الْحِجْرِ مِنْ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْبَيْتِ، انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ سَمِعْتُ بَعْضَ عُلَمَائِنَا يَقُولُ مَا حُجِرَ الْحِجْرُ فَطَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهِ إِلَّا إِرَادَةَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّاسُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ كُلِّهِ   815 - 805 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ بَعْضَ عُلَمَائِنَا يَقُولُ: مَا حُجِرَ) بِالتَّخْفِيفِ بُنِيَ لِلْمَجْهُولِ، أَيْ مُنِعَ (الْحِجْرُ، فَطَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهِ إِلَّا إِرَادَةَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّاسُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ كُلِّهِ) ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ الطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ طَافَ مِنْ دَاخِلِ الْحِجْرِ، وَكَانَ عَمَلًا مُسْتَمِرًّا، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِيجَابِ الطَّوَافِ مِنْ وَرَائِهِ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ مِنَ الْبَيْتِ، فَلَعَلَّ إِيجَابَ الطَّوَافِ مِنْ وَرَائِهِ احْتِيَاطًا، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ فَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُ فَعَلُوهُ اسْتِحْبَابًا لِلرَّاحَةِ مِنْ تَسَوُّرِ الْحِجْرِ، لَا سِيَّمَا وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَطُوفُونَ جَمِيعًا، فَلَا يُؤْمَنُ عَلَى الْمَرْأَةِ التَّكَشُّفُ، فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا حَسْمَ هَذِهِ الْمَادَّةِ. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْمُهَلَّبُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ: أَنَّ حَائِطَ الْحِجْرِ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَبَنَاهُ، وَوَسَّعَهُ قَطْعًا لِلشَّكِّ، وَإِنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَتْ حَوْلَ الْبَيْتِ فَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ أَشَارَ الْمُهَلَّبُ إِلَى أَنَّ عُمْدَتَهُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ لَمْ يَكُنْ حَوْلَ الْبَيْتِ حَائِطٌ، كَانُوا يُصَلُّونَ حَوْلَ الْبَيْتِ حَتَّى كَانَ عُمَرُ، فَبَنَى حَوْلَهُ حَائِطًا جِدَارُهُ قَصِيرٌ، فَبَنَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، انْتَهَى. وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ، لَا فِي الْحِجْرِ، فَدَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى قَائِلِهِ مِنْ هُنَا، وَلَمْ يَزَلِ الْحِجْرُ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، نَعَمْ، فِي الْحُكْمِ بِفَسَادِ طَوَافِ مَنْ طَافَ دَاخِلَ الْحِجْرِ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ نَظَرٌ، وَقَدْ قَالَ بِصِحَّتِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ كَأَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ، وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ عَرْضَ مَا بَيْنَ الْمِيزَابِ، وَمُنْتَهَى الْحِجْرِ سَبْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْهَا عَرْضُ جِدَارِ الْحِجْرِ ذِرَاعَانِ وَثُلُثٌ، وَفِي بَطْنِ الْحِجْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَعَلَى هَذَا فَنِصْفُ الْحِجْرِ لَيْسَ مِنَ الْبَيْتِ، فَلَا يَفْسُدُ طَوَافُ مَنْ طَافَ دُونَهُ. وَقَوْلُ الْمُهَلَّبِ: الْفَضَاءُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا إِنَّمَا الْبَيْتُ الْبُنْيَانُ؛ لِأَنَّ شَخْصًا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا، فَانْهَدَمَ ذَلِكَ الْبَيْتُ، لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ مَكَانَ ذَلِكَ الْبَيْتِ لَيْسَ بِوَاضِحٍ، فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ مِنَ الطَّوَافِ مَا شُرِعَ لِلْخَلِيلِ اتِّفَاقًا، فَعَلَيْنَا أَنْ نَطُوفَ حَيْثُ طَافَ، وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِانْهِدَامِ جِرْمِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا يَسْقُطُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْهَا بِفَوَاتِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ، فَحُرْمَةُ الحديث: 815 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 الْبُقْعَةِ ثَابِتَةٌ وَلَوْ فُقِدَ الْجِدَارُ، وَأَمَّا الْيَمِينُ فَمُتَعَلِّقَةٌ بِالْعُرْفِ، وَيُؤَيِّدُهُ لَوِ انْهَدَمَ مَسْجِدٌ، فَنُقِلَتْ حِجَارَتُهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ بَقِيَتْ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ بِالْبُقْعَةِ الَّتِي كَانَ بِهَا، وَلَا حُرْمَةَ لِتِلْكَ الْحِجَارَةِ الْمَنْقُولَةِ إِلَى غَيْرِ مَسْجِدٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبُقْعَةَ أَصْلُ الْجِدَارِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ، كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 [بَاب الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ» قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا   34 - بَابُ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ أَيْ فِي بَعْضِهِ، وَبَقَاءُ مَشْرُوعِيَّتِهِ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ هُوَ بِسُنَّةٍ، مَنْ شَاءَ رَمَلَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَرْمُلْ، وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَالْمِيمِ: الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَا. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هُوَ شَبِيهٌ بِالْهَرْوَلَةِ، وَأَصْلُهُ أَنْ يُحَرِّكَ الْمَاشِي مَنْكِبَيْهِ فِي مِشْيَتِهِ. 816 - 806 - (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ) الصَّادِقِ (بْنِ مُحَمَّدٍ) فَقِيهٌ صَدُوقٌ إِمَامٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، (عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدِ الْبَاقِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ الثِّقَةِ الْفَاضِلِ مِنْ سَادَاتِ آلِ الْبَيْتِ، (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ» ) بِفَتْحَتَيْنِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: ( «مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ» ) وَهِيَ الْأُوَلُ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا طَافَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدُمُ، فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ يَمْشِي أَرْبَعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: " «كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ» ، فَالرَّمَلُ سُنَّةٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، فَلَوْ تَرَكَهُ فِيهَا وَلَوْ عَمْدًا، لَمْ يَرْمُلْ فِيمَا بَقِيَ كَتَارِكِ السُّورَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا يَقْرَأُهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ؛ لِأَنَّ هَيْئَةَ الطَّوَافِ فِي الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ السَّكِينَةُ فَلَا تُغَيَّرُ، وَلَا فَرْقَ فِي سُنِّيَّةِ الرَّمَلِ بَيْنَ مَاشٍ وَرَاكِبٍ، أَوْ مَحْمُولٍ لِمَرَضٍ أَوْ صَبِيٍّ، وَلَا دَمَ بِتَرْكِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ "، وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِيعَابُ الرَّمَلِ فِي جَمِيعِ الطَّوْفَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءَ عَلَيْهِمْ» "، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الِاسْتِيعَابِ، فَيُعَارِضُ حَدِيثَ جَابِرٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ لِكَوْنِهِ الحديث: 816 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي سَنَةِ عَشْرٍ، فَهُوَ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ سَنَةَ سَبْعٍ، وَكَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ فِي الْبَدَنِ، فَرَمَلُوا إِظْهَارًا لِلْقُوَّةِ، وَاحْتَاجُوا إِلَى ذَلِكَ فِيمَا عَدَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا جُلُوسًا فِي الْحِجْرِ فَلَا يَرَوْنَهُمْ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا حَجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ عَشْرٍ رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ، فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهِ لِأَنَّهُ الْآخِرُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَدِيثُ الْبَابِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَيَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ بِلَفْظِ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ الثَّلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ» " (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ) أَيِ اسْتَمَرَّ (عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) ، وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَأَتْبَاعِهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ. فَفِي مُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ: «قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ هَذَا الرَّمَلَ بِالْبَيْتِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشْيَ أَرْبَعَةٍ أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قُلْتُ: مَا قَوْلُكَ صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ مَكَّةَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ مِنَ الْهُزَالِ، وَكَانُوا يَحْسُدُونَهُ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثًا، وَيَمْشُوا أَرْبَعًا» ، أَيْ صَدَقُوا فِي أَنَّ الْمُصْطَفَى فَعَلَهُ، وَكَذَبُوا فِي أَنَّهُ سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ سُنَّةً مَطْلُوبَةً عَلَى تَكَرُّرِ السِّنِينَ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهِ تِلْكَ السَّنَةَ لِإِظْهَارِ الْقُوَّةِ لِلْكُفَّارِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى "، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ. وَكَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَحَظَ هَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: " «مَا لَنَا وَالْمُرْمِلَ إِنَّمَا كُنَّا رَأَيْنَا الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ» "، زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: " ثُمَّ رَمَلَ فَهَمَّ بِتَرْكِهِ لِفَقْدِ سَبَبِهِ، ثُمَّ رَجَعَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَهُ حِكْمَةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا فَرَأَى الِاتِّبَاعَ أَوْلَى "، وَقَدْ يَكُونُ فِعْلُهُ بَاعِثًا عَلَى تَذَكُّرِ سَبَبِهِ فَيَذْكُرُ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إِعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، ثُمَّ لَا يُشَكِّلُ قَوْلُهُ رَأْيَنَا، مَعَ أَنَّ الرُّؤْيَا بِالْعَمَلِ مَذْمُومٌ لِأَنَّ صُورَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ صُورَةَ الرِّيَاءِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مَذْمُومَةً؛ لِأَنَّ الْمَذْمُومَ أَنْ يُظْهِرَ الْعَمَلَ، لِيُقَالَ: إِنَّهُ عَامِلٌ، وَلَا يَعْمَلُهُ إِذَا لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، وَمَا وَقَعَ لَهُمْ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْمُخَادَعَةِ فِي الْحَرْبِ، لِأَنَّهُمْ أَوْهَمُوا الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ أَقْوِيَاءٌ، لِئَلَّا يَطْمَعُوا فِيهِمْ، وَقَدْ صَحَّ: الْحَرْبُ خُدْعَةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْمُلُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَيَمْشِي أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ   817 - 807 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْمُلُ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ) ، أَيِ الْأَوَّلُ، (وَيَمْشِي أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ) ، أَيِ الْأَخِيرَةُ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمِ بْنِ أَخْضَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، وَذَكَرَ، أَيِ: ابْنُ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ، وَلَهُ مِنْ الحديث: 817 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " «رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا» " فَكَأَنَّ نَافِعًا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، مَرْفُوعًا، وَمَوْقُوفًا، وَتَارَةً يَجْمَعُهُمَا مَعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ يَسْعَى الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَا ... وَأَنْتَ تُحْيِي بَعْدَ مَا أَمَتَّا يَخْفِضُ صَوْتَهُ بِذَلِكَ   818 - 808 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ يَسْعَى) ، أَيْ يُسْرِعُ الْمَشْيَ، أَيْ يَرْمُلُ (الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ) الْأُوَلَ، جَمْعُ شَوْطٍ - بِفَتْحِ الشِّينِ - وَهُوَ الْجَرْيُ مَرَّةً إِلَى الْغَايَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الطَّوْفَةُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَفِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الطَّوْفَةِ شَوْطًا، وَنُقِلَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالشَّافِعِيِّ كَرَاهَتُهُ (يَقُولُ) : اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَا وَأَنْتَ تُحْيِي بَعْدَمَا أَمَتَّا هَذَا بَيْتٌ فِيهِ زِحَافُ الْخَزْمِ بِمُعْجَمَتَيْنِ، وَهُوَ زِيَادَةُ سَبَبٍ خَفِيفٍ فِي أَوَّلِهِ، (يَخْفِضُ صَوْتَهُ بِذَلِكَ) كَيْ لَا يَشْتَغِلَ النَّاسُ بِسَمَاعِهِ عَمَّا هُمْ فِيهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا مِنَ الشِّعْرِ الْجَارِي مَجْرَى الذِّكْرِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَإِنَّمَا الشِّعْرُ كَلَامٌ؛ فَحَسَنُهُ حَسَنٌ، وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ، وَكَانَ عُرْوَةُ شَاعِرًا، وَالشِّعْرُ دِيوَانُ الْعَرَبِ، وَأَلْسِنَتُهُمْ بِهِ رَطْبَةٌ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا: يَا فَالِقَ الْإِصْبَاحِ أَنْتَ رَبِّي وَأَنْتَ مَوْلَايَ وَأَنْتَ حَسْبِي فَأَصْلِحَنَّ بِالْيَقِينِ قَلْبِي وَنَجِّنِي مِنْ كَرْبِ يَوْمِ الْكَرْبِ الحديث: 818 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ التَّنْعِيمِ قَالَ ثُمَّ رَأَيْتُهُ يَسْعَى حَوْلَ الْبَيْتِ الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ   819 - 809 (مالكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ رَأَى) أَخَاهُ (عَبْدَ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنَ التَّنْعِيمِ) الْمَعْرُوفِ الْآنَ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ، (قَالَ) عُرْوَةُ: (ثُمَّ رَأَيْتُهُ) عَبْدَ اللَّهَ (يَسْعَى) يَرْمُلُ (حَوْلَ الْبَيْتِ الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ) الْأُوَلَ لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنَ التَّنْعِيمِ وَالْجُعْرَانَةِ وَنَحْوِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ، فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ، وَلِذَا عَقَّبَهُ بِهِ فَقَالَ. الحديث: 819 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى وَكَانَ لَا يَرْمُلُ إِذَا طَافَ حَوْلَ الْبَيْتِ إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ   820 - 810 الحديث: 820 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ) مُفْرَدًا، أَوْ قَارِنًا، (لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ) طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، (وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى) ، فَيَطُوفُ وَيَسْعَى بَعْدُ، (وَكَانَ لَا يَرْمُلُ) بِضَمِّ الْمِيمِ مُضَارِعُ رَمَلَ بِفَتْحِهَا، وَالِاسْمُ الرَّمَلُ بِالْفَتْحِ أَيْضًا، كَطَلَبَ يَطْلُبُ طَلَبًا (إِذَا طَافَ حَوْلَ الْبَيْتِ إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ) لِأَنَّهُ لَا يَشْرَعُ عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْهُ أَيْضًا نَدْبُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 [بَاب الْاسْتِلَامِ فِي الطَّوَافِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ وَرَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ»   35 - بَابُ الِاسْتِلَامِ فِي الطَّوَافِ افْتِعَالٌ مِنَ السَّلَامِ - بِالْفَتْحِ - أَيِ التَّحِيَّةِ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَقِيلَ مِنَ السِّلَامِ بِالْكَسْرِ، أَيِ الْحِجَارَةِ. 822 - 811 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا صَحَّ فِي مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَغَيْرِهِمَا فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ الْحَجَّةِ النَّبَوِيَّةِ، عَنْ جَابِرٍ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ» ) ، أَيْ أَدَّاهُ وَفَرَغَ مِنْهُ، فَالْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 200) ، أَيْ أَدَّيْتُمُوهَا، وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الْعِبَادَةِ الْمَفْعُولَةِ خَارِجَ وَقْتِهَا لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، ( «وَرَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ» ) إِلَى السَّعْيِ، فَيُسَنُّ تَقْبِيلُهُ إِنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَبِيَدِهِ، ثُمَّ عَوَّدَ وَوَضَعَهُمَا عَلَى فِيهِ. فَفِي مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: " «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمَجَنَّتِهِ، ثُمَّ يُقَبِّلُهُ» "، زَادَ أَبُو دَاوُدَ: " «ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَطَافَ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ» ". الحديث: 822 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَيْفَ صَنَعْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فِي اسْتِلَامِ الرُّكْنِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ اسْتَلَمْتُ وَتَرَكْتُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَبْتَ»   822 - 812 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلٌ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ أَحَدِ الْعَشْرَةِ: (كَيْفَ صَنَعْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ) كُنْيَتُهُ (فِي اسْتِلَامِ الرُّكْنِ) ، وَكَذَا لِيَحْيَى، وَأَبِي مُصْعَبٍ، وَغَيْرِهِمَا لَمْ يُقَبِّلُوا الْأَسْوَدَ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُهُ عَنْ هِشَامٍ، وَزَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ، وَالْقَعْنَبِيُّ: وَالْأَكْثَرُ الْأَسْوَدُ، وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ: فِي اسْتِلَامِكَ الْحَجَرَ، فَزَعَمَ ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَّ يَحْيَى سَقَطَ مِنْ كِتَابِهِ الْأَسْوَدُ، وَأَمَرَهُ بِإِلْحَاقِهَا فِي كِتَابِ يَحْيَى، وَهُوَ مِمَّا تَسَوَّرَ فِيهِ عَلَى رِوَايَتِهِ، وَهِيَ صَوَابٌ تُوبِعَ عَلَيْهَا، وَالْأَمْرَانِ جَائِزَانِ، أَيْ إِثْبَاتُ لَفْظِ الْأَسْوَدِ، وَحَذْفُهَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ مُلَخَّصًا. (فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اسْتَلَمْتُ) حِينَ قَدَرْتُ، (وَتَرَكْتُ) حِينَ عَجَزْتُ، فَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَى الرُّكْنَ، فَوَجَدَهُمْ يَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَهُ، وَكَبَّرَ وَدَعَا، ثُمَّ طَافَ فَإِذَا وَجَدَ خَلْوَةً اسْتَلَمَهُ. (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصَبْتَ) ، فَفِي تَصْوِيبِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْمُزَاحَمَةُ. وَقَدْ رَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَرَاهَتُهَا، وَقَالَ: لَا تُؤْذِي وَلَا تُؤْذَى، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: " قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ: «يَا أَبَا حَفْصٍ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ فَلَا تُزَاحِمْ عَلَى الرُّكْنِ، فَإِنَّكَ تُؤْذِي الضَّعِيفَ، وَلَكِنْ إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَكَبِّرْ وَامْضِ» " مُرْسَلٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: " «سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَنِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُهُ، وَيُقَبِّلُهُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ زَحَمْتُ، أَرَأَيْتَ إِنْ غَلَبْتُ، قَالَ: اجْعَلْ أَرَأَيْتَ بِالْيَمِينِ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ» "، فَظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَرَ الزِّحَامَ عُذْرًا فِي تَرْكِ الِاسْتِلَامِ. وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنِ حَتَّى يُدْمَى. وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: هَوِيَتِ الْأَفْئِدَةُ إِلَيْهِ، فَأُرِيدُ أَنْ يَكُونَ فُؤَادِي مَعَهُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا وَكَانَ لَا يَدَعُ الْيَمَانِيَ إِلَّا أَنْ يُغْلَبَ عَلَيْهِ   823 - 813 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا) الحديث: 823 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: كَانَ إِذَا بَدَأَ اسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، وَإِذَا خَتَمَ، (وَكَانَ لَا يَدَعُ الْيَمَانِيَّ) لَا يَتْرُكُ اسْتِلَامَهُ (إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ) ، فَيُكَبِّرُ وَيَمْضِي، وَكَذَا أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ كَمَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ رَأَى أَبَاهُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ مَهْجُورًا. وَمَرَّ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: «إِنَّمَا تَرَكَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ» . وَعَلَى هَذَا حَمَلَ ابْنُ الْقَصَّارِ ابْنَ التِّينِ اسْتِلَامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَمَرَ الْكَعْبَةَ أَتَمَّهُ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ: أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَائِهِ، وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَرَدَّ الرُّكْنَيْنِ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، خَرَجَ إِلَى التَّنْعِيمِ، وَاعْتَمَرَ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَاسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ الْأَرْبَعَةَ، فَلَمْ يَزَلِ الْبَيْتُ عَلَى بِنَائِهِ إِذَا طَافَ الطَّائِفُ اسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ جَمِيعَهَا حَتَّى قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ. وَعِنْدَهُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: بَلَغَنِي أَنَّ آدَمَ لَمَّا حَجَّ اسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا. وَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ لَمَّا فَرَغَا مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، طَافَا بِهِ سَبْعًا يَسْتَلِمَانِ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا. وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ: أَنَّهُ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْأَسْوَدَ، وَالْيَمَانِيَّ. وَرُوِيَ اسْتِلَامُ الْكُلِّ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَمُعَاوِيَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَسُوِيدِ بْنِ غَفْلَةَ مِنَ التَّابِعِينَ. وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: " «كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ فَكَانَ مُعَاوِيَةُ لَا يَمُرُّ بِرُكْنٍ إِلَّا اسْتَلَمَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَلِمْ إِلَّا الْحَجَرَ، وَالْيَمَانِيَّ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا» "، زَادَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ. " «فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقْتَ» "، وَقَدْ أَجَابَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّا لَمْ نَدَعِ اسْتِلَامَهُمَا هَجْرًا لِلْبَيْتِ، وَكَيْفَ يَهْجُرُهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِهِ وَلَكِنَّا نَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا، وَلَوْ كَانَ تَرْكُ اسْتِلَامِهِمَا هَجْرًا لَكَانَ تَرْكُ اسْتِلَامِ مَا بَيْنَ الْأَرْكَانِ هَجْرًا لَهَا، وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حِفْظُ الْمَرَاتِبِ، وَإِعْطَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ، وَتَنْزِيلُ كُلِّ أَحَدٍ مَنْزِلَتَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 [بَاب تَقْبِيلِ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ فِي الْاسْتِلَامِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ «قَالَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ لِلرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إِنَّمَا أَنْتَ حَجَرٌ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ ثُمَّ قَبَّلَهُ» قَالَ مَالِكٌ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّ إِذَا رَفَعَ الَّذِي يَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَدَهُ عَنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِي أَنْ يَضَعَهَا عَلَى فِيهِ   36 - بَابُ تَقْبِيلِ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ فِي الِاسْتِلَامِ 824 - 814 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مُرْسَلٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِلَا خِلَافٍ يَسْتَنِدُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ ثَابِتَةٍ، وَزَعَمَ الْبَزَّارُ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ مُسْنَدًا أَرْبَعَةَ عَشَرَ الحديث: 824 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 رَجُلًا، انْتَهَى. وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ مِنْهَا: طَرِيقُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ (ابْنَ الْخَطَّابِ قَالَ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ لِلرُّكْنِ الْأَسْوَدِ) مُخَاطِبًا لَهُ، لِيُسْمِعَ الْحَاضِرِينَ: (إِنَّمَا أَنْتَ حَجَرٌ) مَخْلُوقٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: " «أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لِأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ، وَلَا تَنْفَعُ "، (وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ، ثُمَّ قَبَّلَهُ) » عُمَرُ، لِأَنَّ مُتَابَعَتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَشْرُوعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ مَعْنَاهَا، وَفِيهَا نَفْعٌ بِالْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ، فَمَعْنَاهُ إِنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ضُرٍّ، وَلَا نَفْعٍ كَبَاقِي الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي لَا تَضُرُّ، وَلَا تَنْفَعُ، فَأَشَاعَ عُمَرُ هَذَا فِي الْمَوْسِمِ، لِيَشْتَهِرَ فِي الْبُلْدَانِ، وَيَحْفَظَهُ أَهْلُ الْمَوْسِمِ الْمُخْتَلِفُو الْأَوْطَانِ، لِئَلَّا يَغْتَرَّ بَعْضُ قَرِيبِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ الَّذِينَ أَلِفُوا عِبَادَةَ الْأَحْجَارِ وَتَعْظِيمَهَا، وَرَجَاءَ نَفْعِهَا، وَخَوْفِ الضَّرَرِ بِالتَّقْصِيرِ فِي تَعْظِيمِهَا، وَالْعَهْدُ بِذَلِكَ قَرِيبٌ، فَخَافَ عُمَرُ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَرَاهُ يُقَبِّلُهُ فَيُفْتَنُ بِهِ وَيَشْتَبِهُ عَلَيْهِ. وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ، فَلَمَّا طَافَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ ثُمَّ قَبَّلَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: بَلَى إِنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 172) ، خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، وَمَسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ، وَأَنَّهُمُ الْعَبِيدُ وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ، وَكَتَبَ ذَلِكَ فِي رَقٍّ، وَكَانَ لِهَذَا الْحَجَرِ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ، فَقَالَ: افْتَحْ فَفَتَحَ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ ذَلِكَ الرَّقَّ، وَقَالَ: اشْهَدْ لِمَنْ وَافَاكَ بِالْمُوَافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ: يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنْ يَسْتَلِمُهُ بِالتَّوْحِيدِ، فَهُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَضُرُّ، وَيَنْفَعُ، فَقَالَ عُمَرُ: " أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ لَسْتُ فِيهِمْ يَا أَبَا حَسَنٍ» "، قَالَ الْحَاكِمُ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَحْتَجَّا بِأَبِي هَارُونَ عِمَارَةَ بْنِ جُوَيْنٍ الْعَبْدِيِّ، قَالَ غَيْرُهُ: وَلَا مِنْ شَرْطِ غَيْرِهِمَا، فَأَبُو هَارُونَ ضَعَّفَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَنَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ جَوَازَ تَقْبِيلِ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ مِنْ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ. وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ: لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرِهِ، وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ صِحَّةَ ذَلِكَ عَنْهُ. وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَانِيِّ الشَّافِعِيِّ جَوَازَ تَقْبِيلِ الْمُصْحَفِ، وَقُبُورِ الصَّالِحِينَ. (قَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يُسْتَحَبُّ إِذَا رَفَعَ الَّذِي يَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَدَهُ عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، أَنْ يَضَعَهَا عَلَى فِيهِ) ، هَكَذَا قَالَ يَحْيَى وَابْنُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ بَكِيرٍ، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَجَمَاعَةُ الْيَمَانِيِّ، زَادَ ابْنُ وَهْبٍ: مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، فَعَجِبَ مِنِ ابْنِ وَضَّاحٍ وَقَدْ رَوَى مُوَطَّأُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَهِيَ بِأَيْدِي أَهْلِ بِلَادِنَا فِي الشُّهْرَةِ كَرِوَايَةِ يَحْيَى، وَفِيهِمَا جَمِيعًا الْيَمَانِيُّ كَيْفَ أَنْكَرَهُ عَلَى يَحْيَى، وَأَمَرَهُ بِطَرْحِهِ، وَلَكِنَّ الْغَلَطَ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَكَأَنَّهُ رَأَى رِوَايَةَ الْقَعْنَبِيِّ، وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى قَوْلِهِ: الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ، فَأَنْكَرَ الْيَمَانِيُّ عَلَى أَنَّ ابْنَ وَضَّاحٍ لَمْ يَرْوِ مُوَطَّأِ الْقَعْنَبِيِّ فَهَذَا مِمَّا تَسَوَّرَ فِيهِ عَلَى رِوَايَةِ يَحْيَى، وَهِيَ صَوَابٌ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 [بَاب رَكْعَتَا الطَّوَافِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ السُّبْعَيْنِ لَا يُصَلِّي بَيْنَهُمَا وَلَكِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ كُلِّ سُبْعٍ رَكْعَتَيْنِ فَرُبَّمَا صَلَّى عِنْدَ الْمَقَامِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الطَّوَافِ إِنْ كَانَ أَخَفَّ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ فَيَقْرُنَ بَيْنَ الْأُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ يَرْكَعُ مَا عَلَيْهِ مِنْ رُكُوعِ تِلْكَ السُّبُوعِ قَالَ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ يُتْبِعَ كُلَّ سُبْعٍ رَكْعَتَيْنِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ فِي الطَّوَافِ فَيَسْهُو حَتَّى يَطُوفَ ثَمَانِيَةَ أَوْ تِسْعَةَ أَطْوَافٍ قَالَ يَقْطَعُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ زَادَ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَعْتَدُّ بِالَّذِي كَانَ زَادَ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى التِّسْعَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ سُبْعَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الطَّوَافِ أَنْ يُتْبِعَ كُلَّ سُبْعٍ رَكْعَتَيْنِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ شَكَّ فِي طَوَافِهِ بَعْدَمَا يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَلْيَعُدْ فَلْيُتَمِّمْ طَوَافَهُ عَلَى الْيَقِينِ ثُمَّ لِيُعِدْ الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ لِطَوَافٍ إِلَّا بَعْدَ إِكْمَالِ السُّبْعِ وَمَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ يَنْقُضُ وُضُوءَهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَوْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوْ بَيْنَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَنْ أَصَابَهُ ذَلِكَ وَقَدْ طَافَ بَعْضَ الطَّوَافِ أَوْ كُلَّهُ وَلَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَسْتَأْنِفُ الطَّوَافَ وَالرَّكْعَتَيْنِ وَأَمَّا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَا أَصَابَهُ مِنْ انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ وَلَا يَدْخُلُ السَّعْيَ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ بِوُضُوءٍ   37 - بَابٌ رَكْعَتَا الطَّوَافِ 825 - 815 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ السُّبْعَيْنِ) حَالَ كَوْنِهِ (لَا يُصَلِّي بَيْنَهُمَا) الرَّكْعَتَيْنِ، (وَلَكِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ كُلِّ سُبْعٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ - أَيْ سَبْعِ طَوْفَاتٍ (رَكْعَتَيْنِ) اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، (فَرُبَّمَا صَلَّى عِنْدَ الْمَقَامِ) ، أَيْ خَلْفَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَمَلًا بِالْمُسْتَحَبِّ، (أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ) ، لِجَوَازِهِ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الطَّوَافِ، إِنْ كَانَ أَخَفَّ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَطَوَّعَ) بِهِ، (فَيَقْرُنَ) - بِالنَّصْبِ - (بَيْنَ الْأُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ يَرْكَعُ مَا عَلَيْهِ مِنْ رُكُوعِ تِلْكَ السُّبُوعِ) - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمُوَحَّدَةِ - لُغَةٌ قَلِيلَةٌ فِي الْأُسْبُوعِ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: هُوَ جَمْعُ سُبْعٍ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، كَبَرْدٍ، وَبُرُودٍ، وَفِي حَاشِيَةِ الصِّحَاحِ مَضْبُوطٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ كَضَرْبٍ، وَضُرُوبٍ، (قَالَ: لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ) ، أَيْ يُكْرَهُ، (وَإِنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ يُتْبِعَ كُلَّ سُبْعٍ رَكْعَتَيْنِ) ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبُوعًا قَطُّ، إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ، وَقَدْ قَالَ: " «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» "، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ قَرْنَ الطَّوَافِ، وَيَقُولُ: عَلَى كُلِّ سُبْعٍ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا الحديث: 825 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 يَقْرُنُ. وَقَالَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَبُو يُوسُفَ: إِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَعِنْدَ ابْنِ السَّمَّاكِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ ثَلَاثَةَ أَسَابِيعَ جَمِيعًا، ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ، فَصَلَّى خَلْفَهُ سِتَّ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» "، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ فِي الطَّوَافِ، فَيَسْهُو حَتَّى يَطُوفَ ثَمَانِيَةً، أَوْ تِسْعَةَ أَطْوَافٍ، قَالَ: يَقْطَعُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ زَادَ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ الزِّيَادَةَ، وَلَوْ قُلْتَ: كَبَعْضِ شَوْطٍ بَطَلَ طَوَافُهُ، (وَلَا يُعْتَدُّ بِالَّذِي كَانَ زَادَ) سَهْوًا، (وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى التِّسْعَةِ، حَتَّى يُصَلِّيَ سُبْعَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الطَّوَافِ أَنْ يُتْبِعَ كُلَّ سَبْعٍ رَكْعَتَيْنِ) ، فَإِذَا بَنَى خَالَفَ السُّنَّةَ الْوَارِدَةَ عَنْهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ شَكَّ فِي طَوَافِهِ بَعْدَمَا يَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ) ، أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ السُّبْعَ، (فَلْيَعُدْ فَلْيُتَمِّمْ طَوَافَهُ عَلَى الْيَقِينِ) ، وَيُلْغِي مَا شَكَّ فِيهِ لِحَدِيثِ: " «مَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى، أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، وَالطَّوَافُ صَلَاةٌ» "، (ثُمَّ لِيُعِدِ الرَّكْعَتَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ لِطَوَافٍ إِلَّا بَعْدَ إِكْمَالِ السُّبْعِ) بِلَا خِلَافٍ، (وَمَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ بِنَقْضِ وُضُوئِهِ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، أَوْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَوْ بَيْنَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مَنْ أَصَابَهُ ذَلِكَ) الْحَالُ أَنَّهُ (وَقَدْ طَافَ بَعْضَ الطَّوَافِ، أَوْ كُلَّهُ وَلَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ، وَيَسْتَأْنِفُ الطَّوَافَ وَالرَّكْعَتَيْنِ) ، فَلَا يَبْنِي إِذَا أَحْدَثَ، (وَأَمَّا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَا أَصَابَهُ) ، فَاعِلُ يَقْطَعُ (مِنِ انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ) ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطِ صِحَّةٍ لَهُ، (وَلَا يَدْخُلُ السَّعْيَ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ بِوُضُوءٍ) ، أَيْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 [بَاب الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فِي الطَّوَافِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمَّا قَضَى عُمَرُ طَوَافَهُ نَظَرَ فَلَمْ يَرَ الشَّمْسَ طَلَعَتْ فَرَكِبَ حَتَّى أَنَاخَ بِذِي طُوًى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الطَّوَافِ   38 - بَابُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فِي الطَّوَافِ 826 - 816 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (عَنْ حُمَيْدِ) بِضَمِّ الْحَاءِ (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ أَحْمَدُ: أَخْطَأَ فِيهِ سُفْيَانُ، قَالَ الْأَثْرَمُ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بِهِ نُوحُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا قَالَ سُفْيَانُ، انْتَهَى. فَإِنْ صَحَّ احْتَمَلَ أَنَّ لِابْنِ شِهَابٍ فِيهِ شَيْخَيْنِ. (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ) بِلَا إِضَافَةٍ (الْقَارِيَّ) - بِشَدِّ الْيَاءِ - نِسْبَةً إِلَى الْقَارَّةِ: بَطْنٌ مِنْ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَيُقَالُ لَهُ: رُؤْيَةٌ، وَذَكَرَهُ الْعِجْلِيُّ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ. (أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ) طَوَافَ الْوَدَاعِ، (فَلَمَّا قَضَى عُمَرُ طَوَافَهُ نَظَرَ، فَلَمْ يَرَ الشَّمْسَ طَلَعَتْ، فَرَكِبَ) بِدُونِ صَلَاةِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى النَّفْلَ بَعْدَ الصُّبْحِ مُطْلَقًا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، (حَتَّى أَنَاخَ) بِتَرْكِ رَاحِلَتِهِ (بِذِي طُوًى، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) سُنَّةَ الطَّوَافِ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ: " ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي طُوًى، وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ. الحديث: 826 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَطُوفُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَدْخُلُ حُجْرَتَهُ فَلَا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ   827 - 817 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (الْمَكِّيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَطُوفُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ يَدْخُلُ حُجْرَتَهُ) بَيْتَهُ وَالْجَمْعُ حُجُرٌ، وَحُجُرَاتٌ، (فَلَا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ) ، هَلْ يُصَلِّيهِمَا فِي حُجْرَتِهِ؟ أَوْ يَنْتَظِرُ غُرُوبَ الشَّمْسِ؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: خَالَفَ مَالِكٌ بْنَ عُيَيْنَةَ، رَوَى ابْنُ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: " رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَلَا أَدْرِي أَصَلَّى، أَمْ لَا؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو الزُّبَيْرِ: أَلَمْ تَرَهُ صَلَّى؟ قَالَ لَا، قَالَ: لَكِنِّي رَأَيْتُهُ صَلَّى " انْتَهَى. وَإِنَّمَا يَكُونُ خِلَافًا إِذَا كَانَتْ رُؤْيَةً وَاحِدَةً، أَمَّا إِذَا تَعَدَّدَتْ وَهُوَ الحديث: 827 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 ظَاهِرُ سِيَاقِهِمَا، فَلَا خِلَافَ، بَلْ صُدِّقَ كُلٌّ مِنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ الْبَيْتَ يَخْلُو بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا يَطُوفُ بِهِ أَحَدٌ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ بَعْضَ أُسْبُوعِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ أَوْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا طَافَ حَتَّى يُكْمِلَ سُبْعًا ثُمَّ لَا يُصَلِّي حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَوْ تَغْرُبَ قَالَ وَإِنْ أَخَّرَهُمَا حَتَّى يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَطُوفَ الرَّجُلُ طَوَافًا وَاحِدًا بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ لَا يَزِيدُ عَلَى سُبْعٍ وَاحِدٍ وَيُؤَخِّرُ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ كَمَا صَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَيُؤَخِّرُهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ صَلَّاهُمَا إِنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُمَا حَتَّى يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ   828 - 818 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الْبَيْتَ يَخْلُو بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا يَطُوفُ بِهِ أَحَدٌ) ، هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ مِنْ ثِقَةٍ، لَا إِخْبَارٌ عَنْ حُكْمٍ، فَسَقَطَ قَوْلُ أَبِي عُمَرَ، هَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ رَفَعَهُ مَنْ رَأَى الطَّوَافَ بَعْدَهُمَا، وَتَأْخِيرَهُ الصَّلَاةَ كَمَالِكٍ وَمُوَافَقِيهِ، وَمَنْ رَأَى الطَّوَافَ وَالصَّلَاةَ مَعًا بَعْدَهُمَا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَرِهَ الثَّوْرِيُّ، وَالْكُوفِيُّونَ الطَّوَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَالصُّبْحِ، فَإِنْ فُعِلَ فَلْتُؤَخَّرِ الصَّلَاةُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَعَلَّ هَذَا عِنْدَ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ، وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الطَّوَافَ لَا يُكْرَهُ، وَإِنَّمَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرْ: رَخَّصَ بِالصَّلَاةِ بَعْدَ الطَّوَافِ فِي كُلِّ وَقْتٍ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ أَخْذًا بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٌ. وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " «كُنَّا نَطُوفُ فَنَمْسَحُ الرُّكْنَ الْفَاتِحَةَ وَالْخَاتِمَةَ، وَلَمْ نَكُنْ نَطُوفُ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ» "، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا، فَلَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ» "، وَبَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عُمُومٌ، وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، فَهَذَا عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوْقَاتِ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَكَانِ، وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ عَامَّةٌ فِي الْمَكَانِ خَاصَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ، وَمَتَى كَانَ الدَّلِيلَانِ كَذَلِكَ لَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَحَدِيثُ: إِلَّا بِمَكَّةَ ضَعَّفَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: حَدِيثٌ سَاقِطٌ لَا يُشْتَغَلُ بِهِ، وَلَمْ يُورِدْهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ بَعْضَ أُسْبُوعِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، أَوْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ) يَقْطَعُ وُجُوبًا، وَيُسْتَحَبُّ كَمَالُ الشَّوْطِ (يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا طَافَ) فَيُتِمُّهُ (حَتَّى يُكْمِلَ سُبْعًا، ثُمَّ لَا يُصَلِّي) رَكْعَتَيْهِ (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) ، وَيَرْتَفِعَ قَدْرَ رُمْحٍ، (أَوْ) حَتَّى (تَغْرُبَ) الحديث: 828 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 فَيُصَلِّيهِمَا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. (قَالَ: وَإِنْ أَخَّرَهُمَا حَتَّى يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) قَبْلَ أَنْ يَتَنَقَّلَ، وَإِلَّا ابْتَدَأَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَقْدِيمَهُمَا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَفْضَلُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إِنَّهُ الْأَظْهَرُ لِاتِّصَالِهِمَا حِينَئِذٍ بِالطَّوَافِ، وَلَا يُفَوِّتَانِهِ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِخِفَّتِهِمَا، وَفِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ خِيرَةٌ، وَهِيَ: (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَطُوفَ الرَّجُلُ طَوَافًا وَاحِدًا بَعْدَ الصُّبْحِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ لَا يَزِيدُ عَلَى سُبْعٍ وَاحِدٍ) ، لِكَرَاهَةِ جَمْعِ أُسْبُوعَيْنِ فَأَكْثَرَ قَبْلَ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُمَا بَعْدَ عَصْرٍ وَصُبْحٍ، وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِمَا مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ؛ وَلِذَا قَالَ: (وَيُؤَخِّرُ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) ، وَتَحِلَّ النَّافِلَةُ (كَمَا صَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) فِيمَا مَرَّ عَنْهُ مُسْنَدًا، (وَيُؤَخِّرُهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ صَلَّاهُمَا إِنْ شَاءَ) قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، (وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُمَا حَتَّى يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) فَخَيَّرَهُ فِي ذَلِكَ، وَفِيمَا قَبْلَ ظَاهِرِهِ أَفْضَلِيَّةُ التَّقْدِيمِ، فَهُوَ اخْتِلَافُ قَوْلٍ، وَفِي الِاسْتِذْكَارِ، وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، عَنْ مَالِكٍ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَرْكَعَهُمَا بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، انْتَهَى. فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورُهَا الثَّالِثُ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ، وَفِي الِاسْتِذْكَارِ أَيْضًا جَوَازُ الطَّوَافِ بَعْدَ صُبْحٍ وَعَصْرٍ وَتَأْخِيرِ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، أَوْ تَغْرُبَ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَمُعَاذِ بْنِ عَفْرٍ أَوْ جَمَاعَةٍ، انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 [بَاب وَدَاعِ الْبَيْتِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا يَصْدُرَنَّ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ إِنَّ ذَلِكَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] وَقَالَ {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] فَمَحِلُّ الشَّعَائِرِ كُلِّهَا وَانْقِضَاؤُهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ   39 - بَابُ وَدَاعِ الْبَيْتِ وَيُسَمَّى طَوَافُ الصَّدْرِ - بِفَتْحِ الدَّالِ - لِأَنَّهُ يَصْدُرُ عَنِ الْبَيْتِ، أَيْ يَرْجِعُ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ مَالِكٍ وَدَاوُدَ، وَغَيْرِهِمَا لَا شَيْءَ فِي تَرْكِهِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: وَاجِبٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى تَارِكِهِ. 829 - 819 الحديث: 829 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا يَصْدُرَنَّ) لَا يَنْصَرِفَنَّ (أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ) ، فَسَمَّاهُ نُسُكًا لِكَوْنِهِ عِبَادَةً، كَمَا (قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، إِنَّ ذَلِكَ فِيمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ نَظُنُّ، (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بِمَا أَرَادَ (لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} [الحج: 32] جَمْعُ شَعِيرَةٍ، أَوْ شِعَارَةٍ بِالْكَسْرِ، وَهُوَ أَعْلَامُ الْحَجِّ وَأَفْعَالُهُ، (فَإِنَّهَا) أَيْ فَإِنَّ تَعْظِيمَهَا {مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] مِنَ الْمُعَظَّمِينَ. وَسُمِّيَتِ الْبُدْنُ: شَعَائِرُ لِإِشْعَارِهَا فِي سَنِمِهَا بِمَا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّهَا هَدْيٌ: (وَقَالَ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا} [الحج: 33] أَيْ مَكَانُ حِلِّ نَحْرِهَا {إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] أَيْ عِنْدَهُ، (فَمَحِلُّ الشَّعَائِرِ كُلِّهَا وَانْقِضَاؤُهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) فَلِذَا جَعَلَهُ آخِرَ النُّسُكِ لِأَنَّ أَصْلَ مَعْنَاهُ الْعِبَادَةُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّ رَجُلًا مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ لَمْ يَكُنْ وَدَّعَ الْبَيْتَ حَتَّى وَدَّعَ   830 - 820 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّ رَجُلًا مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ) بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ: اسْمُ وَادٍ بِقُرْبِ مَكَّةَ، وَنُسِبَ إِلَيْهِ قَرْيَةٌ هُنَاكَ يُقَالُ لَهَا مَرُّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: يَقُولُونَ بَيْنَ مَرِّ الظَّهْرَانِ، وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا، وَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَا يَرَوْنَ رَدَّهُ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ مِنْ مِثْلِهِ. (لَمْ يَكُنْ وَدَّعَ الْبَيْتَ حَتَّى وَدَّعَ) لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ أَصْحَابِهِ، أَوْ لِأَنَّ عُمَرَ يَرَى وُجُوبَهُ. الحديث: 830 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَفَاضَ فَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّهُ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَبَسَهُ شَيْءٌ فَهُوَ حَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَإِنْ حَبَسَهُ شَيْءٌ أَوْ عَرَضَ لَهُ فَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَهِلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ حَتَّى صَدَرَ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا فَيَرْجِعَ فَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يَنْصَرِفَ إِذَا كَانَ قَدْ أَفَاضَ   831 - 821 الحديث: 831 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَفَاضَ) طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ (فَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّهُ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَبَسَهُ شَيْءٌ فَهُوَ حَقِيقٌ) بِمَعْنَى: خَلِيقٌ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَقِّ الثَّابِتِ، (أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَإِنْ حَبَسَهُ شَيْءٌ، أَوْ عَرَضَ لَهُ) شَيْءٌ مَنَعَهُ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ، (فَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّهُ) ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي عَدَمِهِ، (قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَهِلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ حَتَّى صَدَرَ) رَجَعَ (لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا) لِأَنَّهُ تَرَكَ مُسْتَحَبًّا، وَلَا شَيْءَ فِي تَرْكِهِ، (إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا فَيَرْجِعُ) اسْتِحْبَابًا، إِنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَ رُفْقَتِهِ، (فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِذَا كَانَ قَدْ أَفَاضَ) أَيْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 [بَاب جَامِعِ الطَّوَافِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ قَالَتْ فَطُفْتُ رَاكِبَةً بَعِيرِي وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ»   40 - بَابُ جَامِعِ الطَّوَافِ 832 - 822 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلِ) بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ الْقُرَشِيِّ الْأَسَدِيِّ يَتِيمِ عُرْوَةَ، (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ، (عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ) ، وَفِي نُسْخَةٍ: ابْنَةِ (أَبِي سَلَمَةَ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ الصَّحَابِيِّ، وَبِنْتُهُ صَحَابِيَّةٌ رَبِيبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَنْ) أُمِّهَا (أُمِّ سَلَمَةَ) هِنْدٍ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ، (زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: لَمْ يَذْكُرْ زَيْنَبَ، وَتَعَقَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ التَّتَبُّعِ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، فَقَدْ رَوَاهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا وَلَمْ يَسْمَعْهُ عُرْوَةُ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ سَمَاعَهُ مِنْهَا مُمْكِنٌ، فَإِنَّهُ أَدْرَكَ مِنْ حَيَاتِهَا نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ الحديث: 832 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 سَنَةً وَهُوَ مَعَهَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، أَيْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا، ثُمَّ سَمِعَهُ مِنَ الْأُمِّ، فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، فَلَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا، قَالَ: وَقَدْ زَادَ الْأَصِيلِيُّ فِي طَرِيقِ هِشَامٍ زَيْنَبَ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ السَّكَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ لَيْسَ فِيهِ زَيْنَبٌ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ، فَأَمَّا أَبُو الْأَسْوَدِ فَبِإِثْبَاتِ زَيْنَبَ، (أَنَّهَا قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي أَشْتَكِي) ، أَيْ أَتَوَجَّعُ، وَهُوَ مَفْعُولُ شَكَوْتُ، أَيْ أَنِّي مَرِيضَةٌ، ( «فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ» ) ، لِأَنَّ سُنَّةَ النِّسَاءِ التَّبَاعُدُ عَنِ الرِّجَالِ فِي الطَّوَافِ، وَلِأَنَّ بِقُرْبِهَا يُخَافُ تَأَذِّي النَّاسِ بِدَابَّتِهَا، وَقَطْعِ صُفُوفِهِمْ، (وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ: بَعِيرَكِ، وَبَيَّنَ فِيهَا أَنَّهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ، وَلَفْظُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ الْخُرُوجَ، وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ، فَقَالَ لَهَا: «إِذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ» ، (قَالَتْ: فَطُفْتُ) رَاكِبَةً بَعِيرِي، (وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَئِذٍ يُصَلِّي) الصُّبْحَ بِالنَّاسِ (إِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ) الْكَعْبَةِ (وَهُوَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ) أَيْ بِسُورَةِ الطُّورِ، وَلِذَا حُذِفَتْ وَاوُ الْقَسَمِ، لِأَنَّهُ صَارَ عَلَمًا عَلَيْهَا، {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 2] {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: 3] (سُورَةُ الطُّورِ: الْآيَةُ 23) ، وَفِيهِ جَازَ طَوَافُ الرَّاكِبِ لِعُذْرٍ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْمَحْمُولُ لِلْعُذْرِ، أَمَّا بِلَا عُذْرٍ، فَمَنَعَهُ مَالِكٌ، وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 29) وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا، لَمْ يَطُفْ بِهِ إِنَّمَا طَافَ بِهِ غَيْرُهُ وَرُكُوبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا كَانَ لِلْعُذْرِ، فَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ، وَهُوَ يَشْتَكِي، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ» ". وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ رَاكِبًا، لِيَرَاهُ النَّاسُ وَلِيَسْأَلُوهُ» ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِلْأَمْرَيْنِ، وَكَذَا رُكُوبُ أُمِّ سَلَمَةَ لِلْعُذْرِ، زَادَ هِشَامٌ فِي رِوَايَتِهِ: فَفَعَلَتْ ذَلِكَ فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ، أَيْ مِنَ الْمَسْجِدِ، أَوْ مِنْ مَكَّةَ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ، إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا لَازِمًا لَمَا أَقَرَّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ حَسَّانِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَتْ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، وَلَمْ أُصَلِّ حَتَّى خَرَجْتُ، فَصَلَّيْتُ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَكْمَلَتْ طَوَافَهَا قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَدْرَكَتْهُمْ فَصَلَّتْهَا مَعَهُمْ، وَرَأَيْتُ أَنَّهَا تَجْزِيهَا عَنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَسِيَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ قَضَاهُمَا حَيْثُ ذَكَرَ مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ تَبَاعَدَ، وَرَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ أَكْبَرَ مِنْ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا غَيْرُ قَضَائِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ لِلْحَجِّ، وَتَعَلُّقَاتِهِ أَحْكَامًا تَخُصُّهُ لَا دَخْلَ فِيهَا بِالْقِيَاسِ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ بَطَّالٍ، وَغَيْرُهُ عَلَى جَوَازِ إِدْخَالِ الدَّوَابِّ الَّتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 يُؤْكَلُ لَحْمُهَا الْمَسْجِدَ لِلْحَاجَةِ، لِأَنَّ بَوْلَهَا لَا يُنَجِّسُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنَ الدَّوَابِّ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ، بَلْ ذَلِكَ دَائِرٌ مَعَ التَّلْوِيثِ، وَعَدَمِهِ فَحَيْثُ يُخْشَى التَّلْوِيثُ مُنِعَ الْإِدْخَالُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ نَاقَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ مُنَوَّقَةً، أَيْ مُدَرَّبَةً مُعَلَّمَةً، فَيُؤْمَنُ مِنْهَا مَا يُحْذَرُ مِنَ التَّلْوِيثِ وَهِيَ سَائِرَةٌ، وَلَعَلَّ بَعِيرَ أُمِّ سَلَمَةَ كَانَ كَذَلِكَ كَذَا قِيلَ، وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ الْبَعِيرِ وَبَعْرِهِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ النَّاقَةَ مُنَوَّقَةٌ لَمْ يَثْبُتْ إِنَّمَا أَبْدَاهُ الْحَافِظُ احْتِمَالًا، وَتَرَجَّى أَنَّ بَعِيرَ أُمِّ سَلَمَةَ كَذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَالْقَعْنَبِيِّ وَالتِّنِّيسِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ أَبَا مَاعِزٍ الْأَسْلَمِيَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْتَفْتِيهِ فَقَالَتْ إِنِّي أَقْبَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ هَرَقْتُ الدِّمَاءَ فَرَجَعْتُ حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ عَنِّي ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ هَرَقْتُ الدِّمَاءَ فَرَجَعْتُ حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ عَنِّي ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ هَرَقْتُ الدِّمَاءَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِنَّمَا ذَلِكِ رَكْضَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ اسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ ثُمَّ طُوفِي   833 - 823 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (الْمَكِّيِّ: أَنَّ أَبَا مَاعِزٍ الْأَسْلَمِيَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سُفْيَانَ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْتَفْتِيهِ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَقْبَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِبَابِ) ، وَفِي نُسْخَةٍ: عِنْدَ بَابِ (الْمَسْجِدِ هَرَقْتُ) - بِفَتْحَتَيْنِ، وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَكَسْرِ ثَانِيهِ - وَصُوِّبَ الْأَوَّلُ صَبَبْتُ (الدِّمَاءَ) بِالنَّصْبِ جَمْعُ دَمٍ، (فَرَجَعْتُ حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ عَنِّي، ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ عِنْدَ) وَفِي نُسْخَةٍ: بِبَابِ (الْمَسْجِدِ هَرَقْتُ الدِّمَاءَ، فَرَجَعْتُ حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ عَنِّي، ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ هَرَقْتُ الدِّمَاءَ) ثَالِثَ مَرَّةٍ، (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِنَّمَا ذَلِكِ) - بِكَسْرِ الْكَافِ - لِأُنْثَى (رَكْضَةٌ) - ضَرْبَةٌ - قَالَ الْهَرَوِيُّ: أَيْ دَفْعَةٌ، وَحَرَكَةٌ (مِنَ الشَّيْطَانِ) بِأَنْ يَكُونَ دَفَعَ الْعَرَقَ فَسَالَ مِنْهُ الدَّمُ، لِيَمْنَعَهَا مِنَ الطَّوَافِ، وَيُوَسْوِسُ إِلَيْهَا بِبُطْلَانِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَجَازٌ نُسِبَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُحِبُّهُ لِمَا يُدْخِلُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِلْبَاسِ. (فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ اسْتَثْفِرِي) بِإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، وَمُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ، وَكَسْرِ الْفَاءِ - أَيْ شُدِّي فَرْجَكِ (بِثَوْبٍ) ، أَيْ بِخِرْقَةٍ عَرِيضَةٍ بَعْدَ أَنْ تُحْتَشَى قُطْنًا، وَتُوثِقِي طَرَفَيِ الْخِرْقَةِ فِي شَيْءٍ تَشُدِّيهِ عَلَى وَسَطِكِ، فَيَمْنَعُ بِذَلِكَ سَيْلَ الدِّمَاءِ، مَأْخُوذٌ مِنْ الحديث: 833 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 ثَفَرِ الدَّابَّةِ - بِفَتْحِ الْفَاءِ - الَّذِي يُجْعَلُ تَحْتَ ذَنَبِهَا، وَقِيلَ: مِنَ الثَّفْرِ - بِإِسْكَانِ الْفَاءِ - وَهُوَ الْفَرْجُ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِلسِّبَاعِ فَاسْتُعِيرَ لِغَيْرِهَا. (ثُمَّ طُوفِي) بِالْبَيْتِ، قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ تَفْسِيرِ الْغَرِيبِ: سَأَلْتُ ابْنَ نَافِعٍ أَذَلِكَ مِنَ الْمَرْأَةِ بَعْدَمَا تَلَوَّمَتْ أَيَّامَ الْحَيْضِ، ثُمَّ شَكَتْ طُولَ ذَلِكَ بِهَا وَمُعَاوَدَتَهُ إِيَّاهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ فِيمَا نَرَى فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ذَهَبَتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ وَذَهَبَتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ، ثُمَّ سَأَلَتْ، فَرَآهُ ابْنُ عُمَرَ مِنَ الشَّيْطَانِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِمَّنْ قَعَدَتْ عَنِ الْمَحِيضِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَمَ حَيْضٍ، وَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ احْتِيَاطًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَآهَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَالْحَيْضُ لَهُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إِلَيْهَا. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَفْتَاهَا ابْنُ عُمَرَ فَتْوَى مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ بِلَفْظِ: إِنَّ عَجُوزًا اسْتَفْتَتْ. . . إِلَخْ، وَدَلَّ جَوَابُهُ أَنَّهَا مِمَّنْ لَا تَحِيضُ، لِقَوْلِهِ: رَكْضَةٌ يُرِيدُ الِاسْتِحَاضَةَ، وَلِذَا قَالَ لَهَا: طُوفِي، وَإِنَّمَا يَحِلُّ الطَّوَافُ لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّلَاةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: اغْتَسِلِي، فَعَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ نَدْبِ الِاغْتِسَالِ لِلطَّوَافِ، لَا أَنَّهُ اغْتِسَالٌ لِلْحَيْضِ، وَلَا لَازِمٌ، انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ مُرَاهِقًا خَرَجَ إِلَى عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَطُوفُ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ قَالَ مَالِك وَذَلِكَ وَاسِعٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَسُئِلَ مَالِك هَلْ يَقِفُ الرَّجُلُ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ يَتَحَدَّثُ مَعَ الرَّجُلِ فَقَالَ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَطُوفُ أَحَدٌ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ   833 - 824 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٌ الزُّهْرِيُّ، (كَانَ إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ مُرَاهَقًا) - بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَكَسْرِهَا - يَعْنِي ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ حَتَّى يَخَافَ فَوْتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (خَرَجَ إِلَى عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) طَوَافَ الْقُدُومِ، (وَ) يَسْعَى (بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) بَعْدَهُ، (ثُمَّ يَطُوفُ) لِلْإِفَاضَةِ (بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ) وَيَسْقُطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ، لِأَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِهِ لِغَيْرِ الْمُرَاهِقِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ وَاسْعٌ) جَائِزٌ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) لِلتَّبَرُّكِ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يَقِفُ الرَّجُلُ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ) ، وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ لِمَنْ لَمْ يُرَاهِقْ، وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ (يَتَحَدَّثُ مَعَ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ لَهُ) لِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَوْقُوفًا، وَمَرْفُوعًا: " «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ، فَمَنْ نَطَقَ، فَلَا يَنْطِقُ إِلَّا بِخَيْرٍ» "، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 أَعْمَالِ الْحَجِّ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنَ الْحَجِّ، فَيَكُونُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَفْضَلُ، قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ «الْحَجُّ عَرَفَةُ» ، فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنَّ التَّقْدِيرَ مُعْظَمُ الْحَجِّ عَرَفَةُ، بَلْ يَجُوزُ إِدْرَاكُ الْحَجِّ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَوْ سَلِمَ فَمَا لَا يَقُومُ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَنْجَبِرُ، وَالْوُقُوفُ، وَالطَّوَافُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَلَا تَفْضِيلَ، فَالْكَلَامُ وَإِنْ جَازَ لِلطَّائِفِ لَكِنْ يَنْبَغِي تَجَنُّبُهُ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ الطَّائِفُ خَاضِعًا حَاضِرَ الْقَلْبِ مُلَازِمًا لِلْأَدَبِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ، قَالَ: كُنْتُ فِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ، فَسَمِعْتُ مِنْ تَحْتِ الْأَسْتَارِ: إِلَى اللَّهِ أَشْكُو، وَإِلَيْكَ يَا جِبْرِيلُ مَا أَلْقَى مِنَ النَّاسِ مِنْ تَفَكُّهِهِمْ حَوْلِي فِي الْكَلَامِ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَطُوفُ أَحَدٌ بِالْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ) مُتَوَضٍّ وُجُوبًا فِي الطَّوَافِ، وَاسْتِحْبَابًا فِي السَّعْيِ، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ، فَقَالُوا: لَا يَجِبُ فِي الطَّوَافِ، وَمِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ لَمَّا حَاضَتْ: " «غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطَّهَّرِي» " - بِفَتْحِ التَّاءِ، وَالطَّاءِ، وَالْهَاءِ - الْمُشَدَّدَتَيْنِ بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَأَصْلُهُ: تَتَطَهَّرِي، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ: " حَتَّى تَغْتَسِلِي "، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي نَهْيِ الْحَائِضِ عَنِ الطَّوَافِ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهَا وَتَغْتَسِلَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الطَّوَافِ لَوْ فَعَلَتْهُ، وَفِي مَعْنَى الْحَائِضِ الْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 [بَاب الْبَدْءِ بِالصَّفَا فِي السَّعْيِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّفَا وَهُوَ يَقُولُ نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا»   41 - بَابُ الْبَدْءِ بِالصَّفَا فِي السَّعْيِ 835 - 825 - (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ) الصَّادِقِ (بْنِ مُحَمَّدِ) الْبَاقِرِ (بْنِ عَلِيِّ) زَيْنِ الْعَابِدِينَ بْنِ الْحُسَيْنِ، (عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ) بَعْدَ أَنْ طَافَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَرَأَ فِيهِمَا بِـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] كَمَا فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ، (وَهُوَ يُرِيدُ الصَّفَا وَهُوَ يَقُولُ) ، وَفِي مُسْلِمٍ: " «فَلَمَّا دَنَا إِلَى الصَّفَا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] » (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 158) ، ( «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ) بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ الحديث: 835 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ "، وَفِي رِوَايَةٍ: " ابْدَأْ " بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ أَيْضًا، (فَبَدَأَ بِالصَّفَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ: إِنَّهُ اعْتَبَرَ تَقْدِيمَ الْمَبْدُوءِ بِهِ فِي التِّلَاوَةِ فَقَدَّمَهُ، وَأَنَّ الظَّاهِرَ فِي حَقِّ الْكَلَامِ أَنَّ الْمَبْدُوءَ مُقَدَّمٌ فِي الْحُكْمِ عَلَى مَا بَعْدَهُ، وَأَنَّ السَّاعِيَ إِذَا بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْجُمْهُورُ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ فِي الدَّلَالَةِ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ: " «ابْدَأُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» " هَكَذَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ لِلْجَمْعِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: الْوَاوُ تُرَتِّبُ لِامْتِثَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: لَا تُرَتِّبُ لِأَنَّهَا لَوْ رَتَّبَتْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا التَّوْجِيهِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَأَسِّيًا لَا الْتِزَامًا، انْتَهَى، أَيْ لَا إِلْزَامًا، لِأَنَّ الْوَاوَ تُرَتِّبُ. وَهَذَا قِطْعَةٌ مِنَ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ الْمَرْوِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي الْحَجَّةِ النَّبَوِيَّةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَغَيْرِهِمَا، وَالْإِمَامُ رَوَى مِنْهُ جُمْلَةً فَرَّقَهَا تَحْتَ التَّرَاجِمِ، وَرُبَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْبَلَاغِ كَمَا مَرَّ، وَرُبَّمَا ذَكَرَ إِسْنَادَهُ كَهَذَا الْحَدِيثِ وَتَالِيهِ وَهُوَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَصْنَعُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَدْعُو وَيَصْنَعُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ»   836 - 826 - (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ) بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا» ) ، وَفِي مُسْلِمٍ، عَنْ جَابِرٍ فَرَقَى عَلَيْهِ، أَيِ الصَّفَا حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ (يُكَبِّرُ) ، أَيْ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ (ثَلَاثًا) مِنَ الْمَرَّاتِ، (وَيَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ) نَصْبُ حَالٍ، أَيْ مُنْفَرِدًا، (لَا شَرِيكَ لَهُ) عَقْلًا وَسَمْعًا، {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] ، {إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ - قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 19 - 1] فِي آيٍ أُخَرَ، (لَهُ الْمُلْكُ) - بِضَمِّ الْمِيمِ - أَصْنَافُ الْمَخْلُوقَاتِ، (وَلَهُ الْحَمْدُ) فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ: يُحْيِي وَيُمِيتُ، (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْضًا، زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» ، (يَصْنَعُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَدْعُو) بَيْنَ ذَلِكَ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، أَيْ بَيْنَ الثَّلَاثِ مَرَّاتٍ، (وَيَصْنَعُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ) الَّذِي فَعَلَهُ عَلَى الصَّفَا مِنَ الْوُقُوفِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، فَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الرُّقِيِّ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَا وَاجِبٍ فَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّ سَعْيُهُ، لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ، وَقَدِ اسْتَحَبَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَصْعَدَ أَعْلَاهُمَا بِحَيْثُ الحديث: 836 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 يَرَى الْبَيْتَ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصْعَدُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ الْبَيْتُ» "، قَالَ أَبُو عُمَرَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ: وَلَا حَدَّ فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمَرْءُ، وَيَحْضُرُهُ، وَقَدْ زَادَ اللَّيْثُ فِي رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ، ذَكَرَ اللَّهَ، وَحَمِدَهُ، وَدَعَا بِمَا قُدِّرَ لَهُ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَنَّ الْمَرْوَةَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّفَا، قَالَ: لِأَنَّهَا تُقْصَدُ بِالذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِخِلَافِ الصَّفَا فَإِنَّهَا تُقْصَدُ ثَلَاثًا، وَأَمَّا الْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا فَلَيْسَ بِوَارِدٍ، لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الصَّفَا تُقْصَدُ أَرْبَعًا أَيْضًا، أَوَّلُهَا: عِنْدَ الْبُدَاءَةِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ بِذَلِكَ، وَتَمْتَازُ الصَّفَا بِالِابْتِدَاءِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ يَتَعَادَلَانِ، ثُمَّ مَا ثَمَرَةُ هَذَا التَّفْضِيلِ، مَعَ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهِمَا مَعًا، انْتَهَى. وَجَزَمَ الشِّهَابُ الْقَرَافِيُّ تِلْمِيذُ الْعِزِّ بِأَنَّ الصَّفَا أَفْضَلُ، قَالَ: لِأَنَّ السَّعْيَ مِنْهُ أَرْبَعًا، وَمِنَ الْمَرْوَةِ ثَلَاثًا، وَمَا كَانَتِ الْعِبَادَةُ فِيهِ أَكْثَرَ، فَهُوَ أَفْضَلُ، انْتَهَى. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ عَلَى الْعِزِّ أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ لِهَذَا التَّفْضِيلِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا يَدْعُو يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَإِنِّي أَسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنِي لِلْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ   837 - 827 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا يَدْعُو، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] ) ، فَحَمَلَ الدُّعَاءَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الطَّلَبِ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعِبَادَةُ، وَوَجْهُ الرَّبْطِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر: 60] أَنَّ الدُّعَاءَ أَخَصُّ مِنَ الْعِبَادَةِ، فَمَنِ اسْتَكْبَرَ عَنْهَا اسْتَكْبَرَ عَنِ الدُّعَاءِ، فَالْوَعِيدُ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ تَرَكَهُ اسْتِكْبَارًا، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَفَرَ، (وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) كَمَا قُلْتَ، (وَإِنِّي أَسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنِي لِلْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ) ، تَتْمِيمًا لِنِعْمَتِكَ الْعَظِيمَةِ، لِأَفُوزَ بِالْجَنَّةِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ التَّأَسِّي بِإِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35] (سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: الْآيَةُ 35) ، وَبِيُوسُفَ فِي قَوْلِهِ: {تَوَفَنِّي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 101) ، وَبِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: " «وَإِذَا أَرَدْتَ، أَوْ أَدَرْتَ بِالنَّاسِ فِتْنَةً، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ» " قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: لَا يَأْمَنُ الْفِتْنَةَ وَالِاسْتِدْرَاجَ إِلَّا مَفْتُونٌ، وَلَا نِعْمَةً أَفْضَلُ مِنْ نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ فِيهِ تَزْكُو الْأَعْمَالُ، انْتَهَى. وَأَرَدْتُ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الدَّالِ مِنَ الْإِرَادَةِ، وَبِتَأْخِيرِهَا عَنِ الدَّالِ مِنَ الْإِدَارَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الدُّعَاءِ لَا أَنَّهَا شَكٌّ. الحديث: 837 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 [بَاب جَامِعِ السَّعْيِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ «أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] فَمَا عَلَى الرَّجُلِ شَيْءٌ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَلَّا لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] »   42 - بَابُ جَامِعِ السَّعْيِ 838 - 828 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] ، (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 6) ، وَهَلْ يُقَالُ لَهُنَّ أَيْضًا أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنَاتِ؟ قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ، (وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ) ، أَيْ صَغِيرٌ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: كِنَايَةٌ عَنِ الشَّبَابِ وَأَوَّلِ الْعُمُرِ، وَالْحَدِيثُ ضِدُّ الْقَدِيمِ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ عُذْرِهِ فِي السُّؤَالِ، وَأَنَّ الْتِبَاسَهُ عَلَيْهِ نَشَأَ مِنَ الْحَدَاثَةِ، (أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ) ، أَيْ أَخْبِرِينِي عَنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [البقرة: 158] جَبَلَيِ السَّعْيِ اللَّذَيْنِ يُسْعَى مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، وَالصَّفَا فِي الْأَصْلِ جَمْعُ صَفَاةٍ، وَهِيَ الصَّخْرَةُ، وَالْحَجَرُ الْأَمْلَسُ، وَالْمَرْوَةُ فِي الْأَصْلِ حَجَرٌ أَبْيَضُ بَرَّاقٌ، {مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] ، أَيِ الْمَعَالِمِ الَّتِي نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهَا، وَأَمَرَ بِالْقِيَامِ عَلَيْهَا، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشَّعَائِرُ أَعْمَالُ الْحَجِّ وَكُلُّ مَا جُعِلَ عِلْمًا لِطَاعَةِ اللَّهِ. {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ} [البقرة: 158] : لَا إِثْمَ {عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ} [البقرة: 158] بِشَدِّ الطَّاءِ أَصْلُهُ يَتَطَوَّفُ أُبْدِلَتِ التَّاءُ طَاءً لِقُرْبِ مَخْرَجِهِ، وَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الطَّاءِ، (بِهِمَا) أَيْ يَسْعَى بَيْنَهُمَا، (فَمَا عَلَى الرَّجُلِ) وَصْفٌ طَرْدِيٌّ، وَالْمُرَادُ الْحَاجُّ أَوِ الْمُعْتَمِرُ (شَيْءٌ) ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ، وَابْنِ وَهْبٍ وَالتِّنِّيسِيِّ: فَمَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَظُنُّ - وَبِفَتْحِهَا أَعْتَقِدُ، وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ: " فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ "، (أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا) ، إِذْ مَفْهُومُهَا أَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى رَفْعِ الْجُنَاحِ، وَهُوَ الْإِثْمُ عَنْ فَاعِلِهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَتِهِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا قِيلَ فِيهِ ذَلِكَ، لِأَنَّ رَفْعَ الْإِثْمِ عَلَّامَةُ الْإِبَاحَةِ، وَيُزَادُ الْمُسْتَحَبُّ بِإِثْبَاتِ الْأَجْرِ وَالْوُجُوبِ بِعِقَابِ التَّارِكِ. (فَقَالَتْ عَائِشَةُ) رَدًّا عَلَيْهِ: (كَلَّا) رَدْعٌ لَهُ، وَزَجْرٌ عَنِ اعْتِقَادِهِ ذَلِكَ وَفَهْمِهِ مِنَ الْآيَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ: " بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي "، (لَوْ كَانَ) الْأَمْرُ وَالشَّأْنُ (كَمَا تَقُولُ) ، وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ: كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ (لَكَانَتِ) الْآيَةُ: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا) ، أَيْ لَا جُنَاحَ فِي تَرْكِ الطَّوَافِ بِهِمَا، فَكَانَتْ تَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الحديث: 838 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 الْإِثْمِ عَنِ التَّارِكِ، وَذَلِكَ حَقِيقَةُ الْمُبَاحِ، أَمَّا وَلَفْظُهَا بِدُونِ لَا، فَهِيَ سَاكِتَةٌ عَنِ الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ مُصَرِّحَةٌ بِعَدَمِ الْإِثْمِ عَنِ الْفَاعِلِ، وَحِكْمَتُهُ مُطَابِقَةٌ جَوَابَ السَّائِلِينَ، لِأَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا مِنْ فِعْلِهِمْ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ لَا يَسْتَمِرَّ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ، فَجَاءَ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لِسُؤَالِهِمْ، وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَمُسْتَفَادٌ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخَرَ كَفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ وَمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نُسُكٍ مَعَ قَوْلِهِ: " «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» "، قَالَ الْمَازِرِيُّ: هَذَا مِنْ بَدِيعِ فِقْهِ عَائِشَةَ، وَمَعْرِفَتِهَا بِأَحْكَامِ الْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا اقْتَضَى ظَاهِرُهَا رَفْعَ الْحَرَجِ مِنَ الطَّائِفِ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ نَصًّا فِي سُقُوطِ الْوُجُوبِ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ، وَلَوْ كَانَ نَصًّا لَقَالَ أَنْ لَا يَطُوفَ، وَقَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ وَاجِبًا، وَيَعْتَقِدُ إِنْسَانٌ أَنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ مِنْ إِيقَاعِهِ عَلَى صِفَةٍ كَمَنْ عَلَيْهِ الظُّهْرُ، فَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَشْرَعُ لَهُ صَلَاتُهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ، فَسَأَلَ فَقِيلَ: لَا حَرَجَ عَلَيْكَ إِنْ صَلَّيْتَهُ، فَالْجَوَابُ صَحِيحٌ، وَلَا يَقْتَضِي نَفْيَ وُجُوبِ الظُّهْرِ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَيَّنَتْ لَهُ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِنَفْيِ الْجُنَاحِ لِوُرُودِهِ عَلَى سَبَبٍ فَقَالَتْ: (إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ) بِالرَّاءِ كَمَا عَزَاهُ الْخَطَّابِيُّ لِأَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَأَنَّ فِي بَعْضِهَا الْأَنْصَابَ - بِالْمُوَحَّدَةِ - بَدَلَ الرَّاءِ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ جَمْعُ نُصُبٍ، وَهُوَ مَا يُنْصَبُ مِنَ الْأَصْنَامِ لِيُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَقَدْ حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَغَيْرُهُمَا: عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ قَرَأُوا الْآيَةَ أَنْ لَا يَطُوفَ، وَأَجَابَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالطَّحَاوِيُّ بِحَمْلِهَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا زَائِدَةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: لَا حُجَّةَ فِي الشَّوَاذِّ إِذَا خَالَفَتِ الْمَشْهُورَ، (كَانُوا يُهِلُّونَ) ، أَيْ يَحُجُّونَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمُوا، (لِمَنَاةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَالنُّونِ الْخَفِيفَةِ، فَأَلِفٍ، ثُمَّ تَاءٍ مَخْفُوضٌ بِالْفَتْحَةِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّسَائِكَ كَانَتْ تُمَنَّى، أَيْ تُرَاقُ عِنْدَهَا وَهِيَ صَنَمٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: كَانَتْ صَخْرَةً نَصَبَهَا عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ لِهُذَيْلٍ، فَكَانُوا يَعْبُدُونَهَا. (وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ - أَيْ مُقَابِلَ (قُدَيْدٍ) بِضَمِّ الْقَافِ، وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ، ثُمَّ مُهْمَلَةٌ، قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ كَثِيرَةُ الْمِيَاهِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِالْمُشَلَّلِ مِنْ قُدَيْدٍ - بِضَمِّ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ اللَّامِ الْأُولَى - ثَنْيَةٌ مُشْرِفَةٌ عَلَى قُدَيْدٍ. (وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ) - بِالْمُهْمَلَةِ، وَالْجِيمِ، أَيْ يَتَحَرَّزُونَ، (أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) ، أَيْ يَتْرُكُونَ ذَلِكَ خَشْيَةَ الْحَرَجِ، وَهُوَ الْإِثْمُ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: يَتَحَنَّثُ، وَيَتَأَثَّمُ، أَيْ يَنْفِي الْحِنْثَ وَالْإِثْمَ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا، وَيَقْتَصِرُونَ عَلَى الطَّوَافِ بِمَنَاةَ. (فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ) ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ أَهْلٍ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ لَا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمُوا هُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 وَغَسَّانُ يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَ ذَلِكَ سُنَّةً فِي آبَائِهِمْ مَنْ أَحْرَمَ لِمَنَاةَ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَهَذَا كُلُّهُ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظٍ: إِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانُوا إِذَا أَهَلُّوا لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَخَالَفَهُمَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عِنْدَهُ عَنْ هِشَامٍ، وَخَالَفَ جَمِيعَ الرِّوَايَاتِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا يُهِلُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِصَنَمَيْنِ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ، يُقَالُ: لَهُمَا إِسَافٌ وَنَائِلَةُ، ثُمَّ يَجِيئُونَ فَيَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحْلِقُونَ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَرِهُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَهُمَا لِلَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَحَرُّجَهُمْ إِنَّمَا كَانَ لِئَلَّا يَفْعَلُوا فِي الْإِسْلَامِ شَيْئًا فَعَلُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَبْطَلَ أَفْعَالَهَا إِلَّا مَا أَذِنَ فِيهِ الشَّارِعُ، فَخَشَوْا أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا أَبْطَلَهُ، وَجَمَعَ الْحَافِظُ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْأَنْصَارَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا فَرِيقَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَطُوفُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَطُوفُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ بَاقِي الرِّوَايَاتِ، وَاشْتَرَكَ الْفَرِيقَانِ فِي الْإِسْلَامِ فِي التَّوَقُّفِ عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا، لِكَوْنِهِ كَانَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى نَحْوِ هَذَا الْجَمْعِ الْبَيْهَقِيُّ، إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ لِصَنَمَيْنِ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ وَهْمٌ، فَإِنَّهُمَا مَا كَانَا قَطُّ عَلَى شَطِّهِ، وَإِنَّمَا كَانَا عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مَنَاةُ مِمَّا يَلِي جِهَةَ الْبَحْرِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ عِيَاضٌ، وَلِلنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ: كَانَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ صَنَمَانِ مِنْ نُحَاسٍ يُقَالُ لَهُمَا إِسَافٌ وَنَائِلَةُ، كَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا طَافُوا يَمْسَحُونَ بِهِمَا. وَسَقَطَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَتِهِ: إِهْلَالُهُمْ أَوَّلًا لِمَنَاةَ، فَكَأَنَّهُمْ يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ يَبْدَءُونَ بِهَا، ثُمَّ يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَجْلِ إِسَافٍ وَنَائِلَةَ، فَمِنْ ثَمَّ تَحَرَّجُوا عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَاصِمٍ: " قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ "، (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] ، أَعْلَامُ مَنَاسِكِهِ جَمْعُ شَعِيرَةٍ وَهِيَ الْعَلَامَةُ. {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ} [البقرة: 158] : إِثْمَ (عَلَيْهِ) فِي {أَنْ يَطَوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] ، زَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: قَالَتْ: فَطَافُوا. وَزَادَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: " فَلَعَمْرِي مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ "، أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ: قَالَتْ عَائِشَةُ: " «وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا» "، وَالْمُرَادُ فَرْضُهُ بِالسُّنَّةِ، لَا نَفْيَ الْفَرِيضَةِ لِقَوْلِهَا: مَا أَتَمَّ اللَّهُ. . . إِلَخْ. وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ، وَلَا يُجْبَرُ بِدَمٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَقَالَ بِهِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَهُ عَصَى، وَجَبَرَ بِالدَّمِ، وَصَحَّ حَجُّهُ. وَقَالَ بِهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَقَالَ أَنَسٌ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إِنَّهُ تَطَوُّعٌ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا حُجَّةَ لِمَنْ قَالَ إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: 184] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 184) ، لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى أَصْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، لَا إِلَى خُصُوصِ السَّعْيِ، لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ التَّطَوُّعَ بِالسَّعْيِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " قَالَتِ الْأَنْصَارُ: إِنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ "، وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ صَنَمٌ بِالصَّفَا يُدْعَى إِسَافٌ، وَوَثَنٌ بِالْمَرْوَةِ يُدْعَى نَائِلَةَ، فَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْعَوْنَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ رَمَى بِهِمَا، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَصْنَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَجْلِ أَوْثَانِهِمْ، فَأَمْسَكُوا عَنِ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ. وَذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: يَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُمَا زَنَيَا فِي الْكَعْبَةِ، فَمُسِخَا حَجَرَيْنِ، فَوُضِعَا عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُعْتَبَرَ بِهِمَا، فَلَمَّا طَالَتِ الْمُدَّةُ عُبِدَا. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِمُبَاحَثَةِ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ، وَاسْتِنْبَاطِهِ بِحُضُورِهِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَتَعْبِيرِهِ بِلَفْظِ: أَرَأَيْتَ، وَلَفْظِ: مَا أَرَى؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُنْكِرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَبُو دَاوُدَ هُنَا عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِنَحْوِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَتَابَعَهُ فِي شَيْخِهِ هِشَامُ بْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا بِنَحْوِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَتْ عِنْدَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فَخَرَجَتْ تَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مَاشِيَةً وَكَانَتْ امْرَأَةً ثَقِيلَةً فَجَاءَتْ حِينَ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنْ الْعِشَاءِ فَلَمْ تَقْضِ طَوَافَهَا حَتَّى نُودِيَ بِالْأُولَى مِنْ الصُّبْحِ فَقَضَتْ طَوَافَهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَكَانَ عُرْوَةُ إِذَا رَآهُمْ يَطُوفُونَ عَلَى الدَّوَابِّ يَنْهَاهُمْ أَشَدَّ النَّهْيِ فَيَعْتَلُّونَ بِالْمَرَضِ حَيَاءً مِنْهُ فَيَقُولُ لَنَا فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ لَقَدْ خَابَ هَؤُلَاءِ وَخَسِرُوا قَالَ مَالِكٌ مَنْ نَسِيَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي عُمْرَةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى يَسْتَبْعِدَ مِنْ مَكَّةَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَيَسْعَى وَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ فَلْيَرْجِعْ فَلْيَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يُتِمَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى وَالْهَدْيُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَلْقَاهُ الرَّجُلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَيَقِفُ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ نَسِيَ مِنْ طَوَافِهِ شَيْئًا أَوْ شَكَّ فِيهِ فَلَمْ يَذْكُرْ إِلَّا وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ سَعْيَهُ ثُمَّ يُتِمُّ طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ثُمَّ يَبْتَدِئُ سَعْيَهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ   839 - 829 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَتْ عِنْدَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَخَرَجَتْ تَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) ، شَكَّ الرَّاوِي (مَاشِيَةً، وَكَانَتِ امْرَأَةً ثَقِيلَةً) ضِدَّ خَفِيفَةٍ كِنَايَةٌ عَنْ سِمَنِهَا، أَوْ بُطْئِهَا فِي الْمَشْيِ، (فَجَاءَتْ حِينَ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنْ) صَلَاةِ (الْعِشَاءِ) لِتَطُوفَ، وَتَسْعَى لَيْلًا لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، (فَلَمْ تَقْضِ) تُتِمَّ (طَوَافَهَا حَتَّى نُودِيَ بِالْأَوَّلِ) ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْأُولَى (مِنَ الصُّبْحِ، فَقَضَتْ طَوَافَهَا فِيمَا بَيْنَهَا) ، أَيِ الْأُولَى، (وَبَيْنَهُ) أَيِ الِانْصِرَافِ مِنَ الْعِشَاءِ، أَوْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ، وَبَيْنَ الْبَدْءِ بِالْأُولَى، فَحَاصِلُهُ أَنَّهَا لِثِقَلِهَا أَقَامَتْ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ مِنَ الْعِشَاءِ إِلَى الْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلصُّبْحِ. (وَكَانَ عُرْوَةُ إِذَا رَآهُمْ يَطُوفُونَ عَلَى الحديث: 839 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 الدَّوَابِّ يَنْهَاهُمْ أَشَدَّ النَّهْيِ فَيَعْتَلُّونَ) ، أَيْ يَتَمَسَّكُونَ لَهُ بِالْمَرَضِ حَيَاءً مِنْهُ لَا حَقِيقَةً، يُقَالُ: اعْتَلَّ إِذَا تَمَسَّكَ بِحُجَّةٍ ذَكَرَ مَعْنَاهُ الْفَارَابِيُّ. (فَيَقُولُ لَنَا فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ: لَقَدْ خَابَ هَؤُلَاءِ، وَخَسِرُوا) لِمُخَالَفَةِ الْمُصْطَفَى لِأَنَّهُ سَعَى مَاشِيًا كَمَا يَأْتِي، (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَسِيَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي عُمْرَةٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى يَسْتَبْعِدَ مِنْ مَكَّةَ) ، أَيْ يُجَاوِزُهَا بِبُعْدٍ (أَنَّهُ يَرْجِعُ) وُجُوبًا مُجْتَنِبًا مَا يُحَرَّمُ عَلَى الْمُحْرِمِ فَيَسْعَى، وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ رُجُوعِهِ لَهُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لَمْ تَفْسَدْ أَمْ لَا، (وَ) لَكِنْ (إِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ) ، فَفَسَدَتْ، (فَلْيَرْجِعْ فَلْيَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يُتِمَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْعُمْرَةِ) ، الَّتِي فَسَدَتْ لِوُجُوبِ إِتْمَامِهَا، (ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى) قَضَاءً عَنِ الَّتِي أَفْسَدَ، (وَالْهَدْيُ) فِي الْقَضَاءِ لِلْفَسَادِ. (سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَلْقَاهُ الرَّجُلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَيَقِفُ مَعَهُ فَيُحَدِّثُهُ، فَقَالَ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ حِينَئِذٍ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ. (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ نَسِيَ مِنْ طَوَافِهِ شَيْئًا، أَوْ شَكَّ فِيهِ فَلَمْ يَذْكُرْ) ذَلِكَ، (إِلَّا وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ سَعْيَهُ، ثُمَّ يُتِمُّ طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ) ، فَيَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ إِنْ شَكَّ، (وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ سَعْيَهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) ، وَلَا يَعْتَدُّ بِمَا سَعَى لِأَنَّ صِحَّتَهُ بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَزَلَ مِنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَشَى حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ» قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ جَهِلَ فَبَدَأَ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ قَالَ لِيَرْجِعْ فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لْيَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ وَيَسْتَبْعِدَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنْ كَانَ أَصَابَ النِّسَاءَ رَجَعَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يُتِمَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى وَالْهَدْيُ   840 - 830 - (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ( «أَنَّ الحديث: 840 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا نَزَلَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» ) كَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ، وَلِابْنِ يَحْيَى بِإِسْقَاطِ قَوْلِهِ: وَالْمَرْوَةُ، وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بِلَفْظِ بَيْنَ الْمُفِيدَةِ؛ لِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا لِيَحْيَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ: إِذَا نَزَلَ مِنَ الصَّفَا مَشَى، وَلَا أَعْلَمُ لِرِوَايَةِ يَحْيَى وَجْهًا إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ عَلَى مَا رَوَاهُ النَّاسُ، لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ نَزَلَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا فَنَزَلَ بَيْنَهُمَا، وَرِوَايَةُ غَيْرِهِ مِنَ الصَّفَا، وَالصَّفَا جَبَلٌ لَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ، (مَشَى) الْمَشْيُ الْمُعْتَادُ (حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ) ، قَالَ عِيَاضٌ: مَجَازٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: صَبَّ الْمَاءَ وَانْصَبَّ، أَيِ انْحَدَرَتْ، وَمِنْهُ إِذَا مَشَى كَأَنَّهُ يَنْحَطُّ فِي صَبَبٍ، أَيْ مَوَاضِعِ مُنْحَدَرٍ (فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى) ، أَيْ مَشَى بِقُوَّةٍ، أَيْ أَسْرَعَ فِي الْمَشْيِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: رَمَلَ (حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ) ، أَيْ بَطْنِ الْوَادِي، فَيَمْشِي عَلَى الْعَادَةِ بَاقِيَ السَّعْيِ، فَيُسَنُّ الْإِسْرَاعُ بِبَطْنِ الْوَادِي، وَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: أَخْبَرَتْنِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّهُنَّ «رَأَيْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْعَى وَإِنَّ مِئْزَرَهُ لَيَدُورُ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ، وَيَقُولُ: اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ» ، فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمِّلِ فِيهِ ضَعْفٌ، لَكِنْ لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ مُخْتَصَرَةٌ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَالْأَوَّلِ، وَإِذَا انْضَمَّتْ إِلَى الْأُولَى قَوِيَتْ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ جَهِلَ فَبَدَأَ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ; قَالَ: لِيَرْجِعَ) وُجُوبًا، (فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لِيَسْعَ) ، وَفِي نُسْخَةٍ: (ثُمَّ يَسْعَى) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، (وَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ) ، أَيِ اسْتَمَرَّ جَهْلُهُ (حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ، وَيَسْتَبْعِدَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَكَّةَ، فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ) وَبَعْدَهُ (يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) ، لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ أَوَّلًا كُلَّ فِعْلٍ (وَإِنْ كَانَ أَصَابَ النِّسَاءَ رَجَعَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، حَتَّى يُتِمَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْعُمْرَةِ) الَّتِي فَسَدَتْ لِوُجُوبِ إِتْمَامِ الْمُفْسَدِ، (ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى) قَضَاءً، (وَالْهَدْيُ) فِي الْقَضَاءِ جَبْرًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 [بَاب صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ «أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَ»   43 - بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ 841 - 831 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) سَالِمِ بْنِ أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - (ابْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِتَصْغِيرِ عَبْدٍ، (عَنْ عُمَيْرٍ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَفَتْحِ الْمِيمِ - مُصَغَّرٌ، عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهِلَالِيِّ الْمَدَنِيِّ (مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ، وَلَا مُنَافَاةَ فَهَذَا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، وَالْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ مَا آلَ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أُمِّهِ، وَلِمُلَازَمَتِهِ لَهُ، وَأَخْذُهُ عَنْهُ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، (عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ) لُبَابَةَ - بِضَمِّ اللَّامِ، وَخِفَّةِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ - (بِنْتِ الْحَارِثِ) الْهِلَالِيَّةِ أُمِّ بَنِي الْعَبَّاسِ السِّتَّةِ النُّجَبَاءِ كُنِّيَتْ كَأَبِيهِمْ بِاسْمِ أَكْبَرِهِمْ: (أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا) ، أَيِ اخْتَلَفُوا كَمَا فِي رِوَايَةٍ: (عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ) ، وَهُمْ بِهَا (فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِعَرَفَةَ، (فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ) عَلَى عَادَتِهِ فِي صِيَامِ عَرَفَةَ، (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ) ، لِكَوْنِهِ مُسَافِرًا، فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ، مُعْتَادًا لَهُمْ فِي الْحَضَرِ، فَمَنْ قَالَ صَائِمٌ أَخَذَ بِمَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ، وَمَنْ نَفَاهُ أَخَذَ بِأَنَّهُ مُسَافِرٌ، (فَأَرْسَلْتُ) - بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ بِلَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ (إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ) ، وَلَمْ يُسَمِّ الرَّسُولُ بِذَلِكَ، نَعَمْ فِي النَّسَائِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الرَّسُولُ بِذَلِكَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا أَرْسَلَتْ، فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ بِأَنْ يَكُونَ الْأُخْتَانِ أَرْسَلَتَا مَعًا، أَوْ أَرْسَلَتَا قَدَحًا وَاحِدًا، وَنُسِبَ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ مَيْمُونَةَ أَرْسَلَتْ بِسُؤَالِ أُمِّ الْفَضْلِ لَهَا ذَلِكَ، لِكَشْفِ الْحَالِ أَوْ عَكْسِهِ، وَفِيهِ التَّحْلِيلُ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِ سُؤَالِ وَفِطْنَةِ الْمُرْسِلَةِ لِاسْتِكْشَافِهَا عَنِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِهَذِهِ الْوَسِيلَةِ اللَّطِيفَةِ اللَّائِقَةِ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ بَعْدَ الظَّهِيرَةِ، (وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ، خِلَافَ مَا فِي نُسَخٍ سَقِيمَةٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، وَإِنْ صَحَّ الْمَعْنَى، لَكِنَّ الْمَدَارَ عَلَى الرِّوَايَةِ، (فَشَرِبَ) زَادَ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ: وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ: وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِعَرَفَةَ، أَيْ لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُفْطِرٌ؛ لِأَنَّ الْعِيَانَ أَقْوَى مِنَ الْخَبَرِ، فَفِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ وَلِلتَّقَوِّي عَلَى الحديث: 841 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 عَمَلِ الْحَجِّ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْعَوْنِ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ، وَالتَّضَرُّعِ الْمَطْلُوبِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ وَلِذَا قَالَ الْجُمْهُورُ: يُسْتَحَبُّ فِطْرُهُ لِلْحَاجِّ، وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ صَوْمُهُ مَكْرُوهٌ؟ وَصَحَّحَهُ الْمَالِكِيَّةُ، أَوْ خِلَافَ الْأُولَى، وَصَحَّحَهُ الشَّافِعِيَّةُ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ فِعْلَهُ الْمُجَرَّدَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِهِ، إِذْ قَدْ يَتْرُكُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَيَكُونُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ لِمَصْلَحَةِ التَّبْلِيغِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ» "، وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ قَوْمٌ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَجِبُ فِطْرُهُ لِلْحَاجِّ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، حَتَّى قَالَ عَطَاءٌ: كُلُّ مَنْ أَفْطَرَهُ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الذِّكْرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ. وَفِي الْحَدِيثِ: قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْقَرَابَةِ، وَالْأَصْهَارِ، وَتَرْكُ السُّؤَالِ عَمَّا وُجِدَ بِأَيْدِي الْفُضَلَاءِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ وَلَمْ يَسْأَلْ هَلْ هُوَ مِنْ مَالِهَا، أَوْ مِنْ مَالِ الْعَبَّاسِ زَوْجِهَا، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا مِمَّا أُذِنَ لِلنِّسَاءِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ، أَوْ عَلِمَ أَنَّ الْعَبَّاسَ يُسِرُّ بِذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ الْوُقُوفَ رَاكِبًا أَفْضَلُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ رَاكِبًا. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْمَوْقِفِ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ» "، وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرِ أَنَّ فِي الرُّكُوبِ عَوْنًا عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ، وَالتَّضَرُّعِ الْمَطْلُوبِ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرُوا مِثْلَهُ فِي الْفِطْرِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ اسْتِحْبَابَ الرُّكُوبِ يَخْتَصُّ بِمَنْ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى التَّعَلُّمِ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ، وَفِيهِ أَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى ظَهْرِ الدَّوَابِّ مُبَاحٌ إِذَا لَمْ يُجْحَفْ بِهَا، وَذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنَ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ ظُهُورِهَا مَنَابِرَ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا أُجْحِفَ بِهَا لَا مُطْلَقًا، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَفِي الصِّيَامِ عَنِ التِّنِّيسِيِّ، وَيَحْيَى الْقَطَّانِ، وَمُسْلِمٍ فِي الصَّوْمِ، عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عِنْدَ مُسْلِمٍ الثَّلَاثَةُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ قَالَ الْقَاسِمُ وَلَقَدْ رَأَيْتُهَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَدْفَعُ الْإِمَامُ ثُمَّ تَقِفُ حَتَّى يَبْيَضَّ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ تَدْعُو بِشَرَابٍ فَتُفْطِرُ   842 - 832 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ، (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ) عَمَّتَهُ (عَائِشَةَ كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ) ، وَهِيَ حَاجَّةٌ، لِأَنَّهَا كَانَتْ لَا تَرَى اسْتِحْبَابَ فِطْرِهِ، (قَالَ الْقَاسِمُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَدْفَعُ الْإِمَامُ، ثُمَّ تَقِفُ) هِيَ (حَتَّى يَبْيَضَّ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْأَرْضِ) لِخُلُوِّهَا بِذَهَابِهِمْ، (ثُمَّ تَدْعُو بِشَرَابٍ) مَا (فَتُفْطِرُ) عَلَيْهِ، قَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا أَرَادَتْ أَنْ يَخْلُوَ لَهَا الْمَوْضِعُ مِنَ النَّاسِ، وَلَا يُرَى شَيْءٌ مِنْهَا غَيْرُ فِطْرِهَا، وَلَمْ تَرِدْ بِهَا شَيْئًا مِنْ طُلُوعِ قَمَرٍ، وَلَا غَيْرِهِ، قَالَ: وَالدَّفْعُ مَعَ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ، يُرِيدُ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ كَعُذْرِ عَائِشَةَ، فَالْأَحَبُّ مَا فَعَلَتْ الحديث: 842 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 لِأَنَّ النَّاسَ يَقْتَدُونَ بِهَا، وَلَا يَعْلَمُونَ الْعُذْرَ كَذَا قَالَهُ الْبَوْنِيُّ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِي، وَابْنُ رَاهَوَيْهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا لَمْ يُضْعِفْ عَنِ الدُّعَاءِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: أَصُومُهُ فِي الشِّتَاءِ، وَلَا أَصُومُهُ فِي الصَّيْفِ، أَيْ لِئَلَّا يُضْعِفَهُ مَعَ الْحَرِّ عَنِ الدُّعَاءِ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " «حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَمَعَ عُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ كَانَ لَا يَصُومُهُ، وَأَنَا لَا أَصُومُهُ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 [بَاب مَا جَاءَ فِي صِيَامِ أَيَّامِ مِنًى] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ مِنًى»   44 - بَابُ مَا جَاءَ فِي صِيَامِ أَيَّامِ مِنًى 843 - 833 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) سَالِمٍ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) - بِضَمِّ الْعَيْنَيْنِ - (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) : لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَقَدْ وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ، وَقَاسِمُ بْنُ أَصْبُغٍ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ مِنًى» ) ، أَيْ أَيَّامِ رَمْيِ الْجِمَارِ بِهَا، وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الَّتِي يَتَعَجَّلُ الْحَاجُّ مِنْهَا فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ، وَالْمَعْدُودَاتُ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ قَوْلُ الْعَرَجِيِّ: مَا نَلْتَقِي إِلَّا ثَلَاثُ مِنًى حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَنَا النَّفَرُ، وَقَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ نَزَلُوا ثَلَاثَ مِنًى بِمَنْزِلِ غِبْطَةٍ وَهَمُّو عَلَى غَرَضٍ لَعَمْرُكَ مَا هَمُّو وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ صِيَامَهَا لَا يَجُوزُ تَطَوُّعًا. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ جَوَازُهُ، وَلَا يَصِحُّ، وَفِي جَوَازِهَا لِمُتَمَتِّعٍ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا خَلَا مَا قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الحديث: 843 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ أَيَّامَ مِنًى يَطُوفُ يَقُولُ إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ»   844 - 834 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) ، مُرْسَلًا عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ وَتَابَعَهُ يُونُسُ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ) - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، فَأَلِفٍ، فَفَاءٍ - ابْنَ الحديث: 844 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سُعَيْدٍ - بِضَمِّ السِّينِ - ابْنِ سَهْمٍ السَّهْمِيِّ مِنْ قُدَمَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، مَاتَ بِمِصْرَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ (أَيَّامَ مِنًى يَطُوفُ) فِي النَّاسِ، (يَقُولُ: «إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» ) ، بِضَمِّ الشِّينِ وَفَتْحِهَا، رِوَايَتَانِ بِمَعْنًى كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَحَكَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْغَنَائِمِ: أَنَّهُ بِالْفَتْحِ فَقَطْ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة: 55] (سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: الْآيَةُ) ، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: إِنَّهُ الْأَفْصَحُ الْأَقْيَسُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالْأَكْلِ، وَعَقَّبَهُمَا بِقَوْلِهِ: (وَذِكْرِ اللَّهِ) ، لِئَلَّا يَسْتَغْرِقَ الْعَبْدُ فِي حُظُوظِ نَفْسِهِ، وَيَنْسَى حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا مِنْ بَابِ التَّتْمِيمِ، فَإِنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْأَكْلَ، وَالشُّرْبَ إِلَى الْأَيَّامِ أُوهِمَ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُمَا، لِأَنَّ النَّاسَ أَضْيَافُ اللَّهِ فِيهَا فَتَدَارَكَ بِقَوْلِهِ: وَذِكْرِ اللَّهِ لِئَلَّا يَسْتَغْرِقُوا أَوْقَاتَهُمْ بِاللَّذَّاتِ النَّفْسَانِيَّةِ، فَيَنْسَوْا نَصِيبَهُمْ مِنَ الرُّوحَانِيَّةِ، وَنَظِيرُهُ فِي التَّتْمِيمِ لِلصِّيَانَةِ، أَيِ الِاحْتِرَاسِ قَوْلُ الشَّاعِرِ: فَسَقَى دِيَارَكَ غَيْرُ مُفْسِدِهَا ... صَوْبَ الرَّبِيعِ وَدِيمَةً تَهْمَى وَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الْقَوْمَ زَارُوا اللَّهَ وَهُمْ فِي ضِيَافَتِهِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَلَيْسَ لِلضَّيْفِ أَنْ يَصُومَ دُونَ إِذْنِ مَنْ أَضَافَهُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ مَقْبُولٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: جَمْعُ سِرِّ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى دَعَا عِبَادَهُ إِلَى زِيَارَةِ بَيْتِهِ، فَأَجَابُوهُ، وَقَدْ أَهْدَى كُلٌّ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ، وَذَبَحُوا هَدْيَهُمْ، فَقَبِلَهُ مِنْهُمْ، وَجَعَلَ لَهُمْ ضِيَافَةً، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَأَوْسَعَ زُوَّارَهُ طَعَامًا وَشَرَابًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَسُنَّةُ الْمُلُوكِ إِذَا أَضَافُوا أَطْعَمُوا مَنْ عَلَى الْبَابِ كَمَا يُطْعِمُونَ مَنْ فِي الدَّارِ، وَالْكَعْبَةُ هِيَ الدَّارُ، وَسَائِرُ الْأَقْطَارِ بَابُ الدَّارِ، فَعَمَّ اللَّهُ الْكُلَّ بِضِيَافَتِهِ، فَمَنَعَ صِيَامَهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ - وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا - فَقَدْ وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ وَمَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا، قَالَ: عَنْ سَعِيدٍ غَيْرِ صَالِحٍ، وَهُوَ كَثِيرُ الْخَطَأِ ضَعِيفٌ يَعْنِي أَنَّ الصَّوَابَ الْأَوَّلَ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ نُبَيْشَةَ، مَرْفُوعًا: " «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَذِكْرِ اللَّهِ» " وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ، «فَنَادَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» "، زَادَ أَصْحَابُ السُّنَنِ: " وَذِكْرِ اللَّهِ فَلَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ " فَقَدْ عَدَّدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُنَادَى لِكَثْرَةِ النَّاسِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى»   845 - 835 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ) - بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ - (عَنِ الْأَعْرَجِ) الحديث: 845 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ» ) تَحْرِيمًا، (يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ الْأَضْحَى) ، فَيَحْرُمُ صِيَامُهُمَا عَلَى مُتَطَوِّعٍ، وَنَاذِرٍ وَقَاضٍ فَرْضًا، وَمُتَمَتِّعٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ إِجْمَاعًا، وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ صَوْمِ أَحَدِهِمَا، وَلَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْضَى وَإِنْ صَامَهُ أَجْزَأَهُ، وَمَرَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي الصِّيَامِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِي عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أُخْتِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَوَجَدَهُ يَأْكُلُ قَالَ فَدَعَانِي قَالَ فَقُلْتُ لَهُ إِنِّي صَائِمٌ فَقَالَ هَذِهِ الْأَيَّامُ الَّتِي نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِنَّ وَأَمَرَنَا بِفِطْرِهِنَّ» قَالَ مَالِكٌ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ   846 - 836 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ) - بِتَحْتِيَّةٍ، فَزَايٍ - (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِي) - بِالْيَاءِ، وَحَذْفِهَا - اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ أَبِي مُرَّةَ) ، مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ مُرَّةَ، وَقِيلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ (مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا يَقُولُ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ، وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، زَادَ فِي نُسْخَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ: أُخْتُ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَفِي نُسْخَةٍ: بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَوَابٌ، وَفِي نُسْخَةٍ: امْرَأَةُ عَقِيلٍ خَطَأٌ. (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي) الْقُرَشِيِّ السَّهْمِيِّ أَحَدِ الْمُكْثِرِينَ وَالْعَبَادِلَةِ الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ: (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْقَعْنَبِيِّ، وَرُوحِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَذَا رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ شَيْخِ مَالِكٍ، (عَنْ أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، فَوَجَدَهُ يَأْكُلُ قَالَ، فَدَعَانِي) لِلْأَكْلِ مَعَهُ (قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي صَائِمٌ فَقَالَ: هَذِهِ الْأَيَّامُ الَّتِي نَهَانَا) مُعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِهِنَّ) نَهْيَ تَحْرِيمٍ، (وَأَمَرَنَا بِفِطْرِهِنَّ) أَمْرَ إِيجَابٍ، (قَالَ مَالِكٌ: هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِيهَا يَجِبُ بَعْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ الْأَضَاحِي إِذَا قُدِّدَتْ، قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشَرِّقُونَ لِلشَّمْسِ فِي غَيْرِ بُيُوتٍ وَلَا أَبْنِيَةٍ لِلْحَجِّ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ، وَهُوَ ثَالِثُ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ فِي الْمُوَطَّأِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. الحديث: 846 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 [بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ الْهَدْيِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى جَمَلًا كَانَ لِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ»   45 - بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الْهَدْيِ 847 - 837 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ بَيْنِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ لِمَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَلَطَ يَحْيَى، فَقَالَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يَرْوِ نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا، بَلْ عَبْدُ اللَّهِ مِمَّنْ يَصْلُحُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ نَافِعٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُ، وَلِسُوِيدِ بْنِ سَعِيدٍ، مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ مِنْ خَطَأِ سُوِيدٍ وَغَلَطِهِ، وَلَمْ يَرْوِهِ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ يَحْيَى، إِلَّا كَمَا رَوَاهُ سَائِرُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ مُرْسَلٌ يَسْتَنِدُ مِنْ وُجُوهٍ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى جَمَلًا» ) : ذَكَرَ الْإِبِلَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَنَقَلَ الْجَوْهَرِيُّ عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ أَنَّهُ إِنَّمَا يُسَمَّى جَمَلًا إِذَا أَرْبَعَ، أَيْ دَخَلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ: أَنَّ اسْمَ هَذَا الْجَمَلِ: عُصَيْفِيرٌ، (كَانَ لِأَبِي جَهْلٍ) عَمْرِو (بْنِ هِشَامٍ) الْمَخْزُومِيِّ - فِرْعَوْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ - الْأَحْوَلِ كَنَّتْهُ الْعَرَبُ أَبَا الْحَكَمِ، وَكَنَّاهُ الشَّارِعُ بِأَبِي جَهْلٍ (فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) شَكَّ الرَّاوِي، وَوَرَدَ أَنَّهُ فِي عُمْرَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي هَدَايَاهُ جَمَلًا كَانَ لِأَبِي جَهْلٍ فِي رَأْسِهِ بُرَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ "، وَفِي رِوَايَةٍ: " مِنْ ذَهَبٍ يَغِيظُ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ» "، وَابْنُ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّحْدِيثِ، لَكِنَّ لَهُ شَاهِدٌ فِي ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُقْسِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى فِي بُدْنِهِ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ بُرَّتُهُ مِنْ فِضَّةٍ» "، وَبُرَّةٌ - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ الْخَفِيفَةِ، وَهَاءٍ - حَلْقَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ، وَفِيهِ إِهْدَاءُ الذَّكَرِ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَرَاهَتُهُ فِي الْإِبِلِ، وَإِنَّمَا أَغَاظَهُمْ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفًا بِأَبِي جَهْلٍ، فَحَازَهُ الْمُصْطَفَى فَغَاظَهُمْ أَنْ يَرُوهُ فِي يَدِهِ، وَصَاحِبُهُ قَتِيلٌ سَلِيبٌ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، أَوْ بِسَبَبِ حِلْيَتِهِ أَوْ بِالْأَمْرَيْنِ مَعًا. الحديث: 847 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ فَقَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ»   848 - 838 الحديث: 848 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا) ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ، (يَسُوقُ بَدَنَةً) زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: مُقَلَّدَةٌ، وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: مُقَلَّدَةٌ نَعْلًا، وَالْبَدَنَةُ تَقَعُ عَلَى الْجَمَلِ، وَالنَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ، وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا كَانَ هَدْيًا. وَفِي الْبُخَارِيِّ: قَالَ مُجَاهِدٌ: سُمِّيَتِ الْبُدْنَ بِبَدَنِهَا، بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْمُهْمَلَةِ لِلْأَكْثَرِ، وَبِضَمِّهَا، وَسُكُونِ الدَّالِ. وَفِي رِوَايَةٍ: لِبَدَانَتِهَا، أَيْ سِمَنِهَا. وَلِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: إِنَّمَا سَمِّيَتِ الْبُدْنَ مِنْ قِبَلِ السِّمَانَةِ، (فَقَالَ: ارْكَبْهَا) لِضَرُورَتِكَ، فَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ وَقَدْ أُجْهِدَ، فَقَالَ لَهُ: ارْكَبْهَا» . (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ) ، أَيْ: هَدْيٌّ، (فَقَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ فِي الثَّانِيَةِ، أَوِ الثَّالِثَةِ) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي، وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " وَيْلَكَ ارْكَبْهَا وَيْلَكَ ارْكَبْهَا " وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَالثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عِجْلَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " «ارْكَبْهَا وَيْحَكَ قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ارْكَبْهَا وَيْحَكَ» "، زَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا» "، وَهَذِهِ الطُّرُقُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ أَطْلَقَ الْبَدَنَةَ عَلَى الْوَاحِدَةِ مِنَ الْإِبِلِ الْمُهْدَاةِ إِلَى الْبَيْتِ، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَدْلُولَهَا اللُّغَوِيَّ لَمْ يَحْسُنِ الْجَوَابُ بِأَنَّهَا بَدَنَةٌ لَأَنَّ كَوْنَهَا مِنَ الْإِبِلِ مَعْلُومٌ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّجُلَ ظَنَّ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ كَوْنُهَا هَدْيًا، فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْفَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهَا كَانَتْ مُقَلَّدَةً، وَلِذَا قَالَ لَمَّا زَادَ فِي مُرَاجَعَتِهِ: وَيْلَكَ تَأْدِيبًا لِمُرَاجَعَتِهِ مَعَ عَدَمِ خَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِ، وَبِهِ جَزْمُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَبَالَغَ فَقَالَ: الْوَيْلُ لِمَنْ رَاجَعَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا، وَلَوْلَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّهِ مَا اشْتَرَطَ لَهَلَكَ الرَّجُلُ لَا مَحَالَةَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَهِمَ عَنْهُ تَرْكَ رُكُوبِهَا عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي السَّائِبَةِ، وَغَيْرِهَا، فَزَجَرَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَعَلَى الْحَالَتَيْنِ فَهِيَ دُعَاءٌ، وَرَجَّحَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ قَالُوا: وَالْأَمْرُ هُنَا وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لِلْإِرْشَادِ; لَكِنَّهُ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ لِتَوَقُّفِهِ عَنِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مَا تَرَكَ الِامْتِثَالَ عِنَادًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ غُرْمٌ بِرُكُوبِهَا، أَوْ إِثْمٌ، وَأَنَّ الْإِذْنَ بِرُكُوبِهَا إِنَّمَا هُوَ لِلشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَغْلَظَ لَهُ بَادَرَ إِلَى الِامْتِثَالِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَى هَلَكَةٍ مِنَ الْجُهْدِ، وَوَيْلٌ يُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ، فَالْمَعْنَى أَشْرَفَتْ عَلَى الْهَلَكَةِ فَارْكَبْ، فَعَلَى هَذَا هِيَ إِخْبَارٌ، وَقِيلَ: هِيَ كَلِمَةٌ تُدَعِّمُ بِهَا الْعَرَبُ كَلَامَهَا، وَلَا تَقْصِدُ مَعْنَاهَا كَقَوْلِهِمْ: لَا أُمَّ لَكَ، وَيُقَوِّيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 بِلَفْظِ وَيْحَكَ بَدَلَ وَيْلَكَ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: وَيْلَكَ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ يَسْتَحِقُّهَا، وَوَيْحٌ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا. وَفِي الْحَدِيثِ تَكْرِيرُ الْفَتْوَى، وَالنَّدْبُ إِلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ، وَزَجْرُ مَنْ لَمْ يُبَادِرْ، وَتَوْبِيخُهُ، وَجَوَازُ مُسَايَرَةِ الْكِبَارِ فِي السَّفَرِ، وَأَنَّ الْكَبِيرَ إِذَا رَأَى مَصْلَحَةً لِلصَّغِيرِ لَا يَأْنَفُ عَنْ إِرْشَادِهِ إِلَيْهَا، وَاحْتَجَّ بِإِطْلَاقِهِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} [الحج: 33] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 33) ، مَنْ أَجَازَ رُكُوبَ الْهَدْيِ اخْتِيَارًا حَيْثُ لَا يَضُرُّهَا. وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، وَكَرِهَهُ الْجُمْهُورُ، وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوعًا: " «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» "، قَالَ الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ وَالْمُقَيَّدُ يَقْضِي عَلَى الْمُطْلَقِ، وَلِأَنَّهُ شَيْءٌ خَرَجَ عَنْهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ، وَلَوْ أُبِيحَ النَّفْعُ بِلَا ضَرُورَةٍ أُبِيحَ إِجَارَتُهُ، وَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ، ثُمَّ إِذَا رَكِبَ لِلْعُذْرِ لَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ بَعْدَ الرَّاحَةِ اسْتِصْحَابًا لِإِبَاحَةِ الرُّكُوبِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَعَنْهُ أَيْضًا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى وُجُودِ غَيْرِهَا، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ: يَجِبُ رُكُوبُهَا تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَلِمُخَالَفَةِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ. وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ الَّذِينَ سَاقُوا الْهَدْيَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا كَثِيرًا، وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِذَلِكَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ: " «أَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ هَلْ يَرْكَبُ الرَّجُلُ هَدْيَهُ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ قَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِالرِّجَالِ يَمْشُونَ، فَيَأْمُرُهُمْ يَرْكَبُونَ هَدْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» "، إِسْنَادُهُ صَالِحٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: " «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِالْبَدَنَةِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهَا سَيِّدُهَا أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا وَيَرْكَبَهَا غَيْرُ مُنْهِكِهَا» " قُلْتُ: هَذَا الْمُرْسَلُ مُقَيَّدٌ بِالْحَاجَةِ، وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ حَدِيثُ عَلِيٍّ، فَلَا يُرَدُّ عَلَى أَبِي عُمَرَ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَدْيِ التَّطَوُّعِ، وَالْوَاجِبِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَفْصِلْ صَاحِبَ الْبَدَنَةِ عَنْ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابِعِهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يُهْدِي فِي الْحَجِّ بَدَنَتَيْنِ بَدَنَتَيْنِ وَفِي الْعُمْرَةِ بَدَنَةً بَدَنَةً قَالَ وَرَأَيْتُهُ فِي الْعُمْرَةِ يَنْحَرُ بَدَنَةً وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي دَارِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ وَكَانَ فِيهَا مَنْزِلُهُ قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ طَعَنَ فِي لَبَّةِ بَدَنَتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ الْحَرْبَةُ مِنْ تَحْتِ كَتِفِهَا   849 - 839 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَهْدِي فِي الْحَجِّ بَدَنَتَيْنِ بَدَنَتَيْنِ) بِالتَّكْرِيرِ لِإِفَادَةِ عُمُومِ التَّثْنِيَةِ (وَفِي الْعُمْرَةِ بَدَنَةٌ بَدَنَةٌ) بِالتَّكْرِيرِ لِذَلِكَ أَيْضًا، وَفِيهِ إِيمَاءٌ لِفَضْلِ الْحَجِّ عَلَيْهَا، (قَالَ: وَرَأَيْتُهُ فِي الْعُمْرَةِ يَنْحَرُ بَدَنَةً) ، مُفْرَدُ بُدْنٍ - بِسُكُونِ الدَّالِ - وَبِهِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ، وَبِضَمِّهَا، وَبِهِ قَرَأَ الْأَعْرَجُ - وَرِوَايَةٌ عَنْ عَاصِمٍ: وَأَصْلُهَا مِنَ الْإِبِلِ، (وَهِيَ قَائِمَةٌ) الحديث: 849 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ (فِي دَارِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ) - بِفَتْحِ الْأَلِفِ، وَكَسْرِ السِّينِ - ابْنِ أَبِي الْعَاصِي بْنِ أُمَيَّةَ، وَهُوَ أَخُو عَتَّابٍ أَمِيرِ مَكَّةَ، وَجَدُّ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ: أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: كَانَ جَزَّارًا. وَرَوَى ابْنُ مَنْدَهْ عَنْ خَالِدٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ حِينَ رَاحَ إِلَى مِنًى» "، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَقِيلَ: إِنَّهُ فُقِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وَقِيلَ: مَاتَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، (وَكَانَ فِيهَا) ، أَيِ الدَّارُ، (مَنْزِلُهُ) ، أَيِ ابْنِ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ (قَالَ) ابْنُ دِينَارٍ: (وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ) ، أَيِ ابْنِ عُمَرَ (طَعَنَ فِي لَبَّةِ) - بِفَتْحِ اللَّامِ، وَالْمُوَحَّدَةِ - (بَدَنَتِهِ حَتَّى خَرَجَتِ الْحَرْبَةُ مِنْ تَحْتِ كَتِفِهَا) مِنْ قُوَّةِ الطَّعْنَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَهْدَى جَمَلًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ   850 - 840 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدَ الْعَزِيزِ أَهْدَى جَمَلًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) ، اقْتِدَاءً بِفِعْلِ الْمُصْطَفَى فَلَا كَرَاهَةَ فِي إِهْدَاءِ الذُّكُورِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَهُ. الحديث: 850 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ أَهْدَى بَدَنَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا بُخْتِيَّةٌ   851 - 841 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ) - بِالْهَمْزَةِ - الْمَخْزُومِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، وَقِيلَ جُنْدُبُ بْنُ فَيْرُوزَ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ) - بِشَدِّ التَّحْتِيَّةِ، وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ - (ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ) ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيُّ (الْمَخْزُومِيُّ) الصَّحَابِيُّ ابْنُ الصَّحَابِيِّ، وُلِدَ بِالْحَبَشَةِ، وَحَفِظَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى عَنْ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ، وَأَبُوهُ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ. (أَهْدَى بَدَنَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا بُخْتِيَّةٌ) - بِضَمِّ الْبَاءِ، وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ، فَتَحْتِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ - أُنْثَى بَخْتِيٍّ، قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: إِبِلٌ غِلَاظٌ لَهَا سَنَامَانِ. وَفِي النِّهَايَةِ: جِمَالٌ طِوَالُ الْأَعْنَاقِ. وَفِي رِوَايَةٍ: نَجِيبَةٌ - بِفَتْحِ النُّونِ، وَكَسْرِ الْجِيمِ، وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ، وَمُوَحَّدَةٍ - مُؤَنَّثُ نَجِيبٍ وَاحِدِ النُّجُبِ، قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: وَهُوَ مَا اتُّخِذَ لِلسَّيْرِ وَالرَّحَائِلِ. وَفِي النِّهَايَةِ: هُوَ الْقَوِيُّ مِنَ الْإِبِلِ الْخَفِيفُ السَّرِيعُ. الحديث: 851 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا نُتِجَتْ النَّاقَةُ فَلْيُحْمَلْ وَلَدُهَا حَتَّى يُنْحَرَ مَعَهَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَحْمَلٌ حُمِلَ عَلَى أُمِّهِ حَتَّى يُنْحَرَ مَعَهَا   852 - 842 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا نُتِجَتْ) - بِضَمِّ النُّونِ، وَكَسْرِ التَّاءِ - أَيِ (الْبَدَنَةُ، فَلْيُحْمَلْ وَلَدُهَا) عَلَى غَيْرِهَا، (حَتَّى يُنْحَرَ مَعَهَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَحْمَلٌ، حُمِلَ عَلَى أُمِّهِ حَتَّى يُنْحَرَ مَعَهَا) . الحديث: 852 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ إِذَا اضْطُرِرْتَ إِلَى بَدَنَتِكَ فَارْكَبْهَا رُكُوبًا غَيْرَ فَادِحٍ وَإِذَا اضْطُرِرْتَ إِلَى لَبَنِهَا فَاشْرَبْ بَعْدَ مَا يَرْوَى فَصِيلُهَا فَإِذَا نَحَرْتَهَا فَانْحَرْ فَصِيلَهَا مَعَهَا   853 - 843 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: إِذَا اضْطُرِرْتَ إِلَى بَدَنَتِكَ: فَارْكَبْهَا رُكُوبًا غَيْرَ فَادِحٍ) بِالْفَاءِ، وَالدَّالِ، وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ؛ أَيْ ثَقِيلٍ صَعْبٍ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَى ظَهْرِهَا» "، (وَإِذَا اضْطُرِرْتَ إِلَى لَبَنِهَا، فَاشْرَبْ بَعْدَمَا يَرْوَى فَصَيْلُهَا) ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ، وَلَوْ فَضَلَ عَنْ رِيِّهِ، لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ، وَلْيَتَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ، وَإِلَّا غَرُمَ إِنْ أَضَرَّهَا، أَوْ فَصَيْلَهَا بِشُرْبِهِ أَرْشَ النَّقْصِ، أَوِ الْبَدَلِ إِنْ حَصَلَ تَلَفٌ، (فَإِذَا نَحَرْتَهَا فَانْحَرْ فَصَيْلَهَا مَعَهَا) وُجُوبًا. الحديث: 853 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 [بَاب الْعَمَلِ فِي الْهَدْيِ حِينَ يُسَاقُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنْ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ يُقَلِّدُهُ قَبْلَ أَنْ يُشْعِرَهُ وَذَلِكَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُوَجَّهٌ لِلْقِبْلَةِ يُقَلِّدُهُ بِنَعْلَيْنِ وَيُشْعِرُهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يُسَاقُ مَعَهُ حَتَّى يُوقَفَ بِهِ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ يَدْفَعُ بِهِ مَعَهُمْ إِذَا دَفَعُوا فَإِذَا قَدِمَ مِنًى غَدَاةَ النَّحْرِ نَحَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَكَانَ هُوَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ بِيَدِهِ يَصُفُّهُنَّ قِيَامًا وَيُوَجِّهُهُنَّ إِلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ   46 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الْهَدْيِ حِينَ يُسَاقُ 854 - 844 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَهْدَى هَدَيًا مِنَ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ) ، أَيِ الْهَدْيُ بِأَنْ يُعَلِّقَ فِي عُنُقِهِ نَعْلَيْنِ، (وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَتْبَعِ النَّاسِ لِلْمُصْطَفَى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَلَّدَ الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ» "، (يُقَلِّدُهُ قَبْلَ الحديث: 854 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 أَنْ يُشْعِرَهُ، وَذَلِكَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَهُوَ) أَيِ: الْهَدْيُ (مُوَجَّهٌ لِلْقِبْلَةِ) فِي حَالَتَيِ التَّقْلِيدِ، وَالْإِشْعَارِ (يُقَلِّدُهُ بِنَعْلَيْنِ) مِنَ النِّعَالِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الْإِحْرَامِ، (وَيُشْعِرُهُ) مِنَ الْإِشْعَارِ - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ - وَهُوَ لُغَةُ الْإِعْلَامِ، وَشَرْعًا شَقُّ سَنَامِ الْهَدْيِ (مِنَ الشِّقِّ) - بِكَسْرِ الشِّينِ - أَيِ الْجَانِبِ (الْأَيْسَرِ) ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَإِلَى الْإِشْعَارِ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ. (ثُمَّ يُسَاقُ مَعَهُ حَتَّى يُوقَفَ بِهِ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، ثُمَّ يَدْفَعُ بِهِ مَعَهُمْ إِذَا دَفَعُوا، فَإِذَا قَدِمَ مِنًى غَدَاةَ النَّحْرِ نَحَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكَمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) ، (وَكَانَ هُوَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ بِيَدِهِ) ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ (يَصُفُّهُنَّ) بِالْفَاءِ (قِيَامًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 36) ، (وَيُوَجِّهُهُنَّ إِلَى الْقِبْلَةِ) اتِّبَاعًا لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يَسْتَقْبِلُ بِذَبِيحَتِهِ الْقِبْلَةَ، فَيُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُهَا بِالْأَعْمَالِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا اللَّهُ تَعَالَى تَبَرُّكًا، وَاتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، (ثُمَّ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج: 36] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 36) ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ: " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُشْعِرُ بُدْنَهُ مِنَ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ ضِعَافًا، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُدْخِلَ بَيْنَهَا أَشْعَرَ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ "، وَبِهَذَا بَانَ أَنَّهُ كَانَ يُشْعِرُ مِنَ الْأَيْمَنِ تَارَةً، وَمِنَ الْأَيْسَرِ أُخْرَى بِحَسَبِ مَا تَهَيَّأَ لَهُ، وَلَمْ أَرَ فِي حَدِيثِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ ذَلِكَ عَلَى إِحْرَامِهِ. وَفِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ مَالِكٍ: لَا يُشْعَرُ الْهَدْيُ إِلَّا عِنْدَ الْإِهْلَالِ يُقَلِّدُهُ ثُمَّ يُشْعِرُهُ ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ يُحْرِمُ قَالَهُ الْحَافِظُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا طَعَنَ فِي سَنَامِ هَدْيِهِ وَهُوَ يُشْعِرُهُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ   855 - 845 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا طَعَنَ) ، أَيْ ضَرَبَ (فِي سَنَامِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ (هَدْيِهِ وَهُوَ يُشْعِرُهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ) امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 185) . الحديث: 855 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ   856 - 846 الحديث: 856 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ) ، فَغَيْرُهُ لَيْسَ بِهَدْيٍ إِنِ اشْتَرَاهُ بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى، وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ إِلَى الْحِلِّ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ، فَإِنْ سَاقَهُ مِنَ الْحِلِّ اسْتَحَبَّ وُقُوفَهُ بِعَرَفَةَ بِهِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ كَمَا فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْإِشْعَارَ سُنَّةٌ، وَفَائِدَتُهُ الْإِعْلَامُ بِأَنَّهَا صَارَتْ هَدْيًا لِيَتَّبِعَهَا مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ، وَحَتَّى لَوِ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا تَمَيَّزَتْ، أَوْ ضَلَّتْ عُرِفَتْ، أَوْ عَطِبَتْ عَرَفَهَا الْمَسَاكِينُ بِالْعَلَامَةِ، فَأَكَلُوهَا مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِعَارِ الشَّرْعِ، وَحَثِّ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا وَعَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، وَكَانَ مَشْرُوعًا قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ بِالِاحْتِمَالِ، بَلْ وَقَعَ الْإِشْعَارُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَذَلِكَ بَعْدَ النَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ بِزَمَانٍ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَغَيْرُهُ: الِاعْتِلَالُ بِأَنَّهُ مِنَ الْمُثْلَةِ مَرْدُودٌ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابٍ آخَرَ كَالْكَيِّ، وَشَقِّ أُذُنِ الْحَيَوَانِ لِيَصِيرَ عَلَامَةً، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوَسْمِ، وَكَالْخِتَانِ وَالْحِجَامَةِ، وَشَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى مَالِهِ عَادَةً، فَلَا يُتَوَهَّمُ سَرَيَانُ الْجُرْحِ حَتَّى يُفْضِيَ إِلَى الْهَلَاكِ، وَقَدْ كَثُرَ تَشْنِيعُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي إِطْلَاقِ كَرَاهَةِ الْإِشْعَارِ حَتَّى قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: هَذِهِ طَامَّةٌ مِنْ طَوَامِّ الْعَالَمِ أَنْ تَكُونَ مُثْلَةً شَيْءٌ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُفٍّ لِكُلِّ عَاقِلٍ يَتَعَقَّبُ حُكْمَهُ، قَالَ: وَهَذِهِ قَوْلَةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ لَا يُعْلَمُ لَهُ فِيهَا مُتَقَدِّمٌ مِنَ السَّلَفِ، وَلَا مُوَافِقٌ مِنْ فُقَهَاءِ عَصْرِهِ إِلَّا مَنْ قَلَّدَهُ، وَلِذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَقَالَا بِقَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ النَّخَعِيَّ وَافَقَهُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا السَّائِبِ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ وَكِيعٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الْإِشْعَارَ مُثْلَةٌ، فَقَالَ وَكِيعٌ: أَقُولُ لَكَ أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ، وَتَقُولُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ! مَا أَحَقَّكَ بِأَنْ تُحْبَسَ، وَقَدِ انْتَصَرَ الطَّحَاوِيُّ، فَقَالَ: لَمْ يَكْرَهْ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلَ الْإِشْعَارِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَا يُفْعَلُ عَلَى وَجْهٍ يُخَافُ مِنْهُ هَلَاكُ الْبُدْنِ لِسَرَايَةِ الْجُرْحِ لَا سِيَّمَا مَعَ الطَّعْنِ بِالشَّفْرَةِ، فَأَرَادَ سَدَّ الْبَابِ عَنِ الْعَامَّةِ، لِأَنَّهُمْ لَا يُرَاعُونَ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَارِفًا بِالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ فَلَا، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ التَّخْيِيرَ فِي الْإِشْعَارِ، وَتَرْكِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ مَكْرُوهٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِثُبُوتِ فِعْلِهِ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُجَلِّلُ بُدْنَهُ الْقُبَاطِيَّ وَالْأَنْمَاطَ وَالْحُلَلَ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْكَعْبَةِ فَيَكْسُوهَا إِيَّاهَا   857 - 847 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُجَلِّلُ بُدْنَهُ) ، أَيْ يَكْسُوهَا الْجِلَالَ - بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَخِفَّةِ اللَّامِ - جَمْعُ جُلٍّ - بِضَمِّ الْجِيمِ - مَا يُجْعَلُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ (الْقَبَاطِيِّ) - بِالْقَافِ - جَمْعُ الحديث: 857 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 الْقُبْطِيِّ - بِالضَّمِّ - ثَوْبٌ رَقِيقٌ مِنْ كِتَّانٍ يُعْمَلُ بِمِصْرَ نِسْبَةً إِلَى الْقِبْطِ - بِالْكَسْرِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ - فُرِّقَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالثَّوْبِ. (وَالْأَنْمَاطَ) جَمْعُ نَمَطٍ - بِفَتْحَتَيْنِ - ثَوْبٌ مِنْ صُوفٍ ذُو لَوْنٍ مِنْ أَلْوَانٍ، وَلَا يَكَادُ يُقَالُ لِلْأَبْيَضِ نَمَطٌ، (وَالْحُلَلَ) جَمْعُ حُلَّةٍ - بِضَمِّ الْحَاءِ - لَا يَكُونُ إِلَّا ثَوْبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، (ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْكَعْبَةِ فَيَكْسُوهَا إِيَّاهَا) ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لِأَنَّ كِسْوَتَهَا مِنَ الْقُرَبِ، وَكَرَائِمِ الصَّدَقَاتِ، وَكَانَتْ تُكْسَى مِنْ زَمَنِ تُبَّعٍ الْحِمْيَرِيِّ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ كَسَاهَا، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُجَمِّلُ بِهَا بُدْنَهُ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لِلَّهِ فَتَعْظِيمُهُ وَتَجْمِيلُهُ مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ، ثُمَّ يَكْسُوهَا الْكَعْبَةَ فَيَحْصُلُ عَلَى فَضِيلَتَيْنِ، وَعَمَلَيْنِ مِنَ الْبِرِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ مَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ بِجِلَالِ بُدْنِهِ حِينَ كُسِيَتْ الْكَعْبَةُ هَذِهِ الْكِسْوَةَ قَالَ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِهَا   858 - 848 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ مَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ بِجِلَالِ) - بِجِيمٍ مَكْسُورَةٍ، وَلَامٍ خَفِيفَةٍ - (بُدْنِهِ حِينَ كُسِيَتِ الْكَعْبَةُ هَذِهِ الْكِسْوَةَ؟ قَالَ: كَانَ يَتَصَدَّقُ بِهَا) ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: لَيْسَ التَّصَدُّقُ بِجِلَالِ الْبُدْنِ فَرْضًا، وَإِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ أَهْدَاهُ لِلَّهِ، وَلَا فِي شَيْءٍ أُضِيفَ إِلَيْهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ عَلِيٍّ: " «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلَالِ الْبُدْنِ الَّتِي نُحِرَتْ، وَبِجُلُودِهَا» "، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّجْلِيلِ، وَالتَّصَدُّقِ بِذَلِكَ الْجِلِّ، وَلَفْظُ أَمَرَ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي صِيغَةِ أَفْعَلَ، لَا لَفْظِ أَمَرَ. الحديث: 858 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ الثَّنِيُّ فَمَا فَوْقَهُ   859 - 849 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ) ، أَيِ الْهَدَايَا (الثَّنِيُّ فَمَا فَوْقَهُ) لَا مَا دُونَهُ. الحديث: 859 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَشُقُّ جِلَالَ بُدْنِهِ وَلَا يُجَلِّلُهَا حَتَّى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ   860 - 850 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَشُقُّ جِلَالَ بُدْنِهِ، وَلَا يُجَلِّلُهَا حَتَّى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ) ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ بَكِيرٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: زَادَ فِيهِ الحديث: 860 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 غَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا مَوْضِعَ السَّنَامِ، وَإِذَا نَحَرَهَا نَزَعَ جِلَالَهَا مَخَافَةَ أَنْ يُفْسِدَهَا الدَّمُ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا، أَيْ لِئَلَّا تَسْقُطَ، وَلِيَظْهَرَ الْإِشْعَارُ لِئَلَّا يَسْتَتِرَ تَحْتَهَا. وَنَقَلَ عِيَاضٌ: أَنَّ التَّجْلِيلَ يَكُونُ بَعْدَ الْإِشْعَارِ، لِئَلَّا يَتَلَطَّخَ بِالدَّمِ، وَإِنْ شُقَّ الْجِلَالُ مِنَ الْأَسْنِمَةِ، قُلْتُ: قِيمَتُهَا، فَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةً لَمْ تُشَقُّ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُجَلِّلُ بُدْنَهُ الْأَنْمَاطَ وَالْبُرُودَ وَالْحُبُرَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ يَنْزِعُهَا فَيَطْوِيهَا حَتَّى يَكُونَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَيُلْبِسُهَا إِيَّاهَا، حَتَّى يَنْحَرَهَا، ثُمَّ يَتَصَدَّقَ بِهَا، قَالَ نَافِعٌ: وَرُبَّمَا دَفَعَهَا إِلَى بَنِي شَيْبَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي هَذَا كُلِّهِ اسْتِحْبَابُ التَّقْلِيدِ وَالتَّجْلِيلِ وَالْإِشْعَارِ؛ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ إِظْهَارَ التَّقَرُّبِ بِالْهَدْيِ أَفْضَلُ مِنْ إِخْفَائِهِ، وَالْمُقَرَّرُ إِخْفَاءُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ غَيْرِ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ إِظْهَارِهِ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الظُّهُورِ كَالْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ، فَكَانَ الْإِشْعَارُ وَالتَّقْلِيدُ كَذَلِكَ، فَيُخَصُّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ الْإِخْفَاءِ، وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ وَغَيْرِهِمَا إِظْهَارُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَهْدِيهَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْعَثَهَا مَعَ مَنْ يُقَلِّدُهَا وَيُشْعِرُهَا، وَلَا يَقُولُ أَنَّهَا لِفُلَانٍ، فَتَحْصُلُ سُنَّةُ التَّقْلِيدِ مَعَ كِتْمَانِ الْعَمَلِ، وَأَبْعَدُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ إِذَا شَرَعَ فِيهِ صَارَ فَرْضًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ: إِنَّ التَّقْلِيدَ جُعِلَ عِلْمًا لِكَوْنِهَا هَدْيًا حَتَّى لَا يَطْمَعَ صَاحِبُهَا فِي الرُّجُوعِ فِيهَا، انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْجَوَابَ بِالتَّخْصِيصِ أَوْلَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِبَنِيهِ يَا بَنِيَّ لَا يُهْدِيَنَّ أَحَدُكُمْ مِنْ الْبُدْنِ شَيْئًا يَسْتَحْيِي أَنْ يُهْدِيَهُ لِكَرِيمِهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ وَأَحَقُّ مَنْ اخْتِيرَ لَهُ   861 - 851 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِبَنِيهِ: يَا بَنِيَّ لَا يُهْدِيَنَّ أَحَدُكُمْ لِلَّهِ مِنَ الْبُدْنِ شَيْئًا يَسْتَحِي أَنْ يُهْدِيَهُ لِكَرِيمِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ، وَأَحَقُّ مَنِ اخْتِيرَ لَهُ) ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 32) ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِالشَّعَائِرِ: الْهَدْيُ، وَالْأَنْعَامُ الْمُشْعَرَةُ، وَمَعْنَى تَعْظِيمِهَا: التَّسْمِينُ وَالِاهْتِبَالُ بِأَمْرِهَا، وَالْمُغَالَاةُ بِهَا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ آخَرُونَ: الشَّعَائِرُ جَمْعُ شَعِيرَةٍ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ أَمْرٌ أَشْعَرَ بِهِ، وَأَعْلَمَ، وَعَلَى هَذَا فَالْهَدْيُ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ، فَالْآيَةُ مُتَنَاوِلَةٌ لَهُ إِمَّا عَلَى انْفِرَادِهِ، وَإِمَّا مَعَ غَيْرِهِ. الحديث: 861 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 [بَاب الْعَمَلِ فِي الْهَدْيِ إِذَا عَطِبَ أَوْ ضَلَّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ بَدَنَةٍ عَطِبَتْ مِنْ الْهَدْيِ فَانْحَرْهَا ثُمَّ أَلْقِ قِلَادَتَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا»   47 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الْهَدْيِ إِذَا عَطِبَ، أَوْ ضَلَّ 862 - 852 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُرْسَلٌ صُورَةً لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَصْلِ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْ نَاجِيَةَ - بِالنُّونِ وَالْجِيمِ - الصَّحَابِيِّ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي نَاجِيَةُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ خَمْسَتُهُمْ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ، وَكَذَا رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، وَرُوحُ بْنُ الْقَاسِمِ، وَغَيْرُهُمْ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: فِي الْإِصَابَةِ: وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالِدَ نَاجِيَةَ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْخُزَاعِيُّ، وَبَعْضُهُمْ: الْأَسْلَمِيُّ، وَلَا يَبْعُدُ التَّعَدُّدُ، فَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذُؤَيْبًا الْخُزَاعِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْبُدْنِ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ نَاجِيَةَ الْخُزَاعِيَّ عَيْنًا فِي فَتْحِ مَكَّةَ» "، وَقَدْ جَزَمَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيِّ، وَأَبُو صَالِحٍ الْمُؤَذِّنُ بِأَنَّ عُرْوَةَ تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ نَاجِيَةَ الْخُزَاعِيِّ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ الْأَسْلَمِيِّ، انْتَهَى. لَكِنَّ جَزْمَهَا بِذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَكَذَا بَعَثَهُ عَيْنًا فِي الْفَتْحِ. وَكَوْنُ ذُؤَيْبٍ مَعَ الْبُدْنِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ السَّائِلُ، فَلَعَلَّ الصَّوَابَ، وَرِوَايَةُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ الْأَسْلَمِيُّ لَا سِيَّمَا، وَهُمْ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيُّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ اخْتَلَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَطَائِفَةٌ رَوَتْ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَاجِيَةُ الْأَسْلَمِيُّ، وَطَائِفَةٌ رَوَتْ: أَنَّ ذُؤَيْبًا الْخُزَاعِيَّ وَالِدَ قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ، وَرُبَّمَا بَعَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا مَعَهُ هَدْيًا، فَسَأَلَهُ كَمَا سَأَلَهُ نَاجِيَةُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَسْلَمَ: أَنَّ نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيَّ صَاحِبَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ) - بِكَسْرِ الطَّاءِ - أَيْ هَلَكَ (مِنَ الْهَدْيِ) ؟ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ، وَالنِّهَايَةِ: وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالْعَطَبِ عَنْ آفَةٍ تَعْتَرِيهِ تَمْنَعُهُ عَنِ السَّيْرِ، وَيُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ بَدَنَةٍ عَطِبَتْ مِنَ الْهَدْيِ فَانْحَرْهَا» ) وُجُوبًا، (ثُمَّ أَلْقِ قِلَادَتَهَا فِي دَمِهَا) ، قَالَ مَالِكٌ مَرَّةً أَمْرَهُ بِذَلِكَ، لِيَعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ، فَلَا يُسْتَبَاحُ إِلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي الحديث: 862 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 يَنْبَغِي، وَتَأَوَّلَهُ مَرَّةً عَلَى أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْهَا بِشَيْءٍ حَتَّى لَا تُحْبَسَ قِلَادَتُهَا لِتُقَلَّدَ بِهَا غَيْرُهَا، (ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا) ، زَادَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ، وَلَا أَهْلَ رُفْقَتِكَ» "، قَالَ الْمَازِرِيُّ: قِيلَ: نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ حِمَايَةً أَنْ يَتَسَاهَلَ، فَيَنْحَرَهُ قَبْلَ أَوَانِهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ أَمْكَنَ أَنْ يُبَادِرَ بِنَحْرِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَهُوَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي الشَّرْعِ، وَحَمَلَهَا مَالِكٌ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ، وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ غَيْرُ مَالِكٍ، لِدِقَّةِ نَظَرِهِ، قَالَ عِيَاضٌ: فَمَا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ صَاحِبُهُ، وَلَا سَائِقُهُ، وَلَا رُفْقَتُهُ لِنَصِّ الْحَدِيثِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْجُمْهُورُ، وَقَالُوا: لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ بَيَانٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ إِذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَالْأَغْنِيَاءُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَضْمَنُهُ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ، وَأَجَازَ الْجُمْهُورُ بَيْعَهُ، وَمَنَعَهُ مَالِكٌ، فَإِنْ بَلَّغَهُ مَحِلَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ جَزَاءٍ وَفِدْيَةٍ، وَنُذُرِ مَسَاكِينَ وَأَكْلٍ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ سَاقَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا فَعَطِبَتْ فَنَحَرَهَا ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَمَرَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا غَرِمَهَا   863 - 853 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّهُ قَالَ مَنْ سَاقَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا فَعَطِبَتْ) بِكَسْرِ الطَّاءِ (فَنَحَرَهَا، ثُمَّ خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا يَأْكُلُونَهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) أَيْ لَا بَدَلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَقْتِ الْبَيَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ، (وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا، أَوْ أَمَرَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا) غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، (غَرِمَهَا) - بِكَسْرِ الرَّاءِ - دَفَعَ بَدَلَهَا هَدْيًا كَامِلًا، لَا قَدْرَ أَكْلِهِ، أَوْ مَا أُمِرَ بِأَكْلِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ. الحديث: 863 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ   863 - 854 - (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ) - بِمُثَلَّثَةٍ - (ابْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) - بِكَسْرِ الدَّالِ، وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلُ ذَلِكَ) الْمَرْوِيُّ عَنْ سَعِيدٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً جَزَاءً أَوْ نَذْرًا أَوْ هَدْيَ تَمَتُّعٍ فَأُصِيبَتْ فِي الطَّرِيقِ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ   865 - 855 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً جَزَاءً) عَنْ صَيْدٍ لَزِمَهُ، (أَوْ نَذْرًا) أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ، (أَوْ هَدْيَ تَمَتُّعٍ) ، أَوْ قِرَانَ، (فَأُصِيبَتْ فِي الطَّرِيقِ، فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ) وَلَهُ الْأَكْلُ، وَإِطْعَامُ الْغَنِيِّ، وَالْقَرِيبِ لِضَمَانِهِ بَدَلَهُ. الحديث: 865 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً ثُمَّ ضَلَّتْ أَوْ مَاتَتْ فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ نَذْرًا أَبْدَلَهَا وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَإِنْ شَاءَ أَبْدَلَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَا يَأْكُلُ صَاحِبُ الْهَدْيِ مِنْ الْجَزَاءِ وَالنُّسُكِ   866 - 856 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً) مَثَلًا، (ثُمَّ ضَلَّتْ، أَوْ مَاتَتْ) قَبْلَ بُلُوغِ الْمَحِلِّ، (فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ نَذْرًا أَبْدَلَهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَإِنْ شَاءَ أَبْدَلَهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا) ، أَيْ لَمْ يُبْدِلْهَا. (مَالِكٌ: أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَا يَأْكُلُ صَاحِبُ الْهَدْيِ مِنَ الْجَزَاءِ) لِلصَّيْدِ (وَالنُّسُكِ) ، وَهُوَ مَا كَانَ لِإِلْقَاءِ تَفَثٍ، أَوْ رَفَاهِيَةٍ يَمْنَعُهُمَا الْإِحْرَامُ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُ أَكْلِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ لِنَقْصٍ فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ مُطْلَقًا مِنْهُ، حَتَّى هَدْيِ الْفَسَادِ عَنِ الْمَشْهُورِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنَ الْأَكْلِ مِنَ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ. الحديث: 866 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 [بَاب هَدْيِ الْمُحْرِمِ إِذَا أَصَابَ أَهْلَهُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَقَالُوا يَنْفُذَانِ يَمْضِيَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجُّ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ قَالَ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا   48 - بَابُ هَدْيِ الْمُحْرِمِ إِذَا أَصَابَ أَهْلَهُ 869 - 857 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ) عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ صَخْرٍ، أَوْ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ (سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ) جَامَعَ (أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ) الحديث: 869 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 وَمِثْلِهِ الْعُمْرَةُ، (فَقَالُوا: يَنْفُذَانِ) بِضَمِّ الْفَاءِ، وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (يَمْضِيَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا) يُتِمَّا (حَجَّهُمَا) ، أَيِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ لِوُجُوبِ إِتْمَامِ فَاسِدِ الْحَجِّ، وَكَذَا الْعُمْرَةُ. (ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجُّ قَابِلٍ) عَاجِلًا قَضَاءً عَنْ هَذَا الْفَاسِدِ، (وَالْهَدْيُ) فِي الْقَضَاءِ جَبْرًا لِفِعْلِهِمَا، (قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: وَإِذَا أَهَلَّا) أَحْرَمَا (بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا) وُجُوبًا، (حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا) ، لِئَلَّا يَتَذَكَّرَا مَا كَانَ مِنْهُمَا أَوَّلًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ مَا تَرَوْنَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ الْقَوْمُ شَيْئًا فَقَالَ سَعِيدٌ إِنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَبَعَثَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِلَى عَامٍ قَابِلٍ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ لِيَنْفُذَا لِوَجْهِهِمَا فَلْيُتِمَّا حَجَّهُمَا الَّذِي أَفْسَدَاهُ فَإِذَا فَرَغَا رَجَعَا فَإِنْ أَدْرَكَهُمَا حَجٌّ قَابِلٌ فَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ وَالْهَدْيُ وَيُهِلَّانِ مِنْ حَيْثُ أَهَلَّا بِحَجِّهِمَا الَّذِي أَفْسَدَاهُ وَيَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا قَالَ مَالِكٌ يُهْدِيَانِ جَمِيعًا بَدَنَةً بَدَنَةً قَالَ مَالِكٌ يُهْدِيَانِ جَمِيعًا بَدَنَةً بَدَنَةً قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي الْحَجِّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ عَرَفَةَ وَيَرْمِيَ الْجَمْرَةَ إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَحَجُّ قَابِلٍ قَالَ فَإِنْ كَانَتْ إِصَابَتُهُ أَهْلَهُ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيُهْدِيَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ قَالَ مَالِكٌ وَالَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْهَدْيُ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاءٌ دَافِقٌ قَالَ وَيُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا الْمَاءُ الدَّافِقُ إِذَا كَانَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ فَأَمَّا رَجُلٌ ذَكَرَ شَيْئًا حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ دَافِقٌ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ مَاءٌ دَافِقٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الْقُبْلَةِ إِلَّا الْهَدْيُ وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ مِرَارًا فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَهِيَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُطَاوِعَةٌ إِلَّا الْهَدْيُ وَحَجُّ قَابِلٍ إِنْ أَصَابَهَا فِي الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ أَصَابَهَا فِي الْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْهَا قَضَاءُ الْعُمْرَةِ الَّتِي أَفْسَدَتْ وَالْهَدْيُ   869 - 858 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبَ) الْقُرَشِيَّ (يَقُولُ: مَا تَرَوْنَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ) : جَامَعَهَا، (وَهُوَ مُحْرِمٌ) بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، (فَلَمْ يَقُلْ لَهُ الْقَوْمُ شَيْئًا) ، لِأَنَّهُ سُؤَالُ تَنْبِيهٍ لِيُفِيدَهُمُ الْحُكْمَ، (فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَبَعَثَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا) مِنْ وُقُوعِ الْوِقَاعِ (إِلَى عَامٍ قَابِلٍ) ، وَهَذَا حَرَجٌ شَدِيدٌ لَمْ يَرْضَهُ، (فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ) : وَلَمْ يَقُلْ: فَقُلْتُ: لِأَنَّهُمْ لَا يُحِبُّونَ نِسْبَةَ شَيْءٍ إِلَيْهِمْ: فَكَأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ (لِيَنْفُذَا لِوَجْهِهِمَا) : لِقَصْدِهِمَا، (فَلْيُتِمَّا حَجَّهُمَا الَّذِي أَفْسَدَاهُ) ، لِوُجُوبِ ذَلِكَ، فَإِذَا فَرَغَا رَجَعَا، (فَإِنْ أَدْرَكَهُمَا حَجٌّ قَابِلٌ) بِأَنْ عَاشَا إِلَيْهِ، (فَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ وَالْهَدْيُ، وَيُهِلَّانِ مِنْ حَيْثُ أَهَلَّا بِحَجِّهِمَا الَّذِي أَفْسَدَاهُ وَيَتَفَرَّقَانِ) مِنْ إِهْلَالِهِمَا (حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا) ، أَيْ يُتِمَّاهُ. (قَالَ مَالِكٌ: يُهْدِيَانِ جَمِيعًا بَدَنَةً بَدَنَةً) بِالتَّكْرِيرِ أَيْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ هَدْيٌ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ) ، أَيْ: جَامَعَهَا (فِي الْحَجِّ: مَا بَيْنَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ عَرَفَةَ، وَيَرْمِيَ الْجَمْرَةَ) لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ (أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ) إِتْمَامُ حَجِّهِ هَذَا الْفَاسِدِ، وَ (الْهَدْيُ، وَحَجُّ قَابِلٍ، فَإِنْ كَانَتْ إِصَابَتُهُ أَهْلَهُ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ) ، وَقَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، (فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيَهْدِيَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ) ؛ لِأَنَّ حَجَّهُ الْأَوَّلَ لَمْ يَفْسَدْ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ غَايَتُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهِ نَقْصُ جَبْرٍ بِالْعُمْرَةِ وَالْهَدْيِ. (وَالَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ، أَوِ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْهَدْيُ فِي الْحَجِّ، أَوِ الْعُمْرَةِ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ) خِتَانُ الرَّجُلِ، وَخِفَاضُ الْمَرْأَةِ، فَهُوَ تَغْلِيبٌ، (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاءٌ دَافِقٌ) ذُو انْدِفَاقٍ مِنَ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ فِي رَحِمِهَا، (قَالَ: وَيُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا الْمَاءُ الدَّافِقُ إِذَا كَانَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ) لِلْجَسَدِ اسْتِدْعَاؤُهَا نُزُولَهُ، وَكَذَا بِإِدَامَةِ نَظَرٍ، أَوْ إِدَامَةِ فِكْرٍ. (فَأَمَّا رَجُلٌ ذَكَرَ شَيْئًا حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ دَافِقٌ) بِدُونِ إِدَامَةٍ، وَلَوْ قَصَدَ اللَّذَّةَ، (فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا) ، أَيْ فَسَادًا، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْهَدْيُ عِنْدَ الْأَبْهَرَيِّ، وَرَجَّحَ غَيْرُهُ وُجُوبَهُ. (وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ امْرَأَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ مَاءٌ دَافِقٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الْقُبْلَةِ إِلَّا الْهَدْيُ) ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ بِالْقُبْلَةِ مَذْيٌ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ، (وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ مِرَارًا فِي الْحَجِّ، أَوِ الْعُمْرَةِ وَهِيَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُطَاوِعَةٌ) ، وَأَوْلَى مُكْرَهَةٌ (إِلَّا الْهَدْيُ، وَحَجُّ قَابِلٍ إِنْ أَصَابَهَا فِي الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ أَصَابَهَا فِي الْعُمْرَةِ; فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَضَاءُ الْعُمْرَةِ الَّتِي أُفْسِدَتْ) فَوْرًا بَعْدَ إِتْمَامِ الْفَاسِدَةِ، (وَالْهَدْيُ) لِلْجَبْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 [بَاب هَدْيِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالنَّازِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ وَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَوْمَ النَّحْرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ فَإِذَا أَدْرَكَكَ الْحَجُّ قَابِلًا فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ   49 - بَابُ هَدْيِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ 870 - 859 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ، وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ (أَنَّ أَبَا أَيُّوبٍ) خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ (الْأَنْصَارِيَّ خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالنَّازِيَةِ) بِنُونٍ فَأَلِفٍ فَزَايٍ مَنْقُوطَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ فَهَاءٍ - عَيْنٍ قُرْبَ الصَّفْرَاءِ (مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ، أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ، وَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَوْمَ النَّحْرِ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ) ، أَيْ تَحَلَّلْ مِنْ حَجِّكِ هَذَا الَّذِي فَاتَكَ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، (ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ، فَإِذَا أَدْرَكَكَ الْحَجُّ قَابِلًا، فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) شَاةً فَأَعْلَى. الحديث: 870 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ عُمَرُ اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ وَانْحَرُوا هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا وَارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا وَيَقْرُنُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيُهْدِي هَدْيَيْنِ هَدْيًا لِقِرَانِهِ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ وَهَدْيًا لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْحَجِّ   871 - 860 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الْهِلَالِيِّ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ: (أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ) بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيَّ الْأَسَدِيَّ أَسْلَمَ بِالْجُعْرَانَةِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ، وَلِلْبُخَارِيِّ فِي التَّارِيخِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ هَبَّارٍ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ (جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ) الَّذِي هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ (يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ، فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ) ، وَكَانَ هَبَّارٌ قَدْ حَجَّ مِنَ الشَّامِ كَمَا فِي رِوَايَةِ: (وَانْحَرُوا هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ احْلِقُوا، أَوْ قَصِّرُوا، وَارْجِعُوا) ، وَقَدْ أَحْلَلْتُمْ، (فَإِذَا كَانَ عَامٌ الحديث: 871 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 قَابِلٌ، فَحُجُّوا، وَأَهْدُوا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ) إِلَى أَهْلِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: عَنْ سَالِمٍ قَالَ: " «كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا، فَيُهْدِي، أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا» "، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ: السُّنَّةُ كَذَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، وَهُوَ قَدْ صَرَّحَ بِإِضَافَتِهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِلَا رَيْبٍ. (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا، وَيَقْرُنَ) - بِضَمِّ الرَّاءِ مِنْ بَابِ نَصَرَ، وَفِي لُغَةٍ بِكَسْرِهَا كَضَرَبَ - (بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَيُهْدِي هَدْيَيْنِ هَدْيًا لِقِرَانِهِ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ، وَهَدْيًا لِمَا فَاتَهُ مِنَ الْحَجِّ) ، فَلَوْ أَفْسَدَهُ مَعَ الْفَوَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيٌ ثَالِثٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 [بَاب هَدْيِ مَنْ أَصَابَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً   50 - بَابُ هَدْيِ مَنْ أَصَابَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ 872 - 861 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (الْمَكِّيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ) - بِرَاءٍ، وَمُوَحَّدَةٍ خَفِيفَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ، وَهُوَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ) ، أَيْ يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، (فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ) ، وَحَجُّهُ صَحِيحٌ لِوُقُوعِ الْخَلَلِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِرَمْيِ الْجَمْرَةِ. الحديث: 872 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَا أَظُنُّهُ إِلَّا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي   873 - 862 - (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ) - بِمُثَلَّثَةٍ - (ابْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ (عَنْ عِكْرِمَةَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الحديث: 873 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 الْبَرْبَرِيِّ (مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ) ثِقَةٌ حُجَّةٌ عِنْدَ رُؤَسَاءِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، كَأَحْمَدَ وَابْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ رَاهَوَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ كَذِبٌ، وَلَا بِدْعَةٌ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ فِي حَدِيثِ: " «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ» "، وَقَالَ: إِنَّهُ نَزَلَ الْمَغْرِبَ، وَمَكَثَ بِالْقَيْرَوَانِ مُدَّةً، قِيلَ: وَبِهَا مَاتَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ. (قَالَ) ثَوْرٌ: (لَا أَظُنُّهُ) ، أَيْ عِكْرِمَةُ قَالَ: (إِلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ) ، وَقَدْ رَمَى الْجَمْرَةَ (يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي) ، لِجَبْرِ الْخَلَلِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الْإِفَاضَةَ حَتَّى خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَرَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ فَقَالَ أَرَى إِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ النِّسَاءَ فَلْيَرْجِعْ فَلْيُفِضْ وَإِنْ كَانَ أَصَابَ النِّسَاءَ فَلْيَرْجِعْ فَلْيُفِضْ ثُمَّ لْيَعْتَمِرْ وَلْيُهْدِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ هَدْيَهُ مِنْ مَكَّةَ وَيَنْحَرَهُ بِهَا وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَهُ مَعَهُ مِنْ حَيْثُ اعْتَمَرَ فَلْيَشْتَرِهِ بِمَكَّةَ ثُمَّ لْيُخْرِجْهُ إِلَى الْحِلِّ فَلْيَسُقْهُ مِنْهُ إِلَى مَكَّةَ ثُمَّ يَنْحَرُهُ بِهَا   873 - 863 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: فِي ذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَنْحَرُ بَدَنَةً، يَعْنِي، وَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ، فَمَالَ إِلَى رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ دُونَ رِوَايَةِ عَطَاءٍ، مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَجَلِّ التَّابِعِينَ فِي الْمَنَاسِكِ وَالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ، وَذَلِكَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ عِكْرِمَةَ عِنْدَهُ ثِقَةٌ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الْإِفَاضَةَ حَتَّى خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ، وَرَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ، قَالَ: أَرَى إِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ النِّسَاءَ) ، أَيْ جَامَعَ وَلَوْ وَاحِدَةً، فَالْجَمْعُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، (فَلْيَرْجِعْ) وُجُوبًا حَلَالًا إِلَّا مِنْ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ وَكُرْهِ الطِّيبُ، (فَلْيُفِضْ ثُمَّ لِيَعْتَمِرْ وَلِيُهْدِ) ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ رُجُوعِهِ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَطَوَّعَ بِطَوَافٍ، فَيُجْزِيهِ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ الْمَنْسِيِّ، كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ نَفْسُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَطَوُّعَاتِ الْحَجِّ تُجْزِئُ عَنْ وَاجِبَاتِهِ. (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ هَدْيَهُ مِنْ مَكَّةَ، وَيَنْحَرَهُ بِهَا) ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، (وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَهُ مَعَهُ مِنْ حَيْثُ اعْتَمَرَ فَلْيَشْتَرِهِ بِمَكَّةَ، ثُمَّ لِيَخْرُجَ إِلَى الْحِلِّ فَلْيَسُقْهُ مِنْهُ إِلَى مَكَّةَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 ثُمَّ يَنْحَرُهُ بِهَا) ، لِيَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَمَا هُوَ سُنَّةُ الْهَدْيِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 [بَاب مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ {مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] شَاةٌ   51 - بَابُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ 875 - 864 - (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ) الصَّادِقِ (بْنِ مُحَمَّدٍ) الْبَاقِرِ، (عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ) فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ} [البقرة: 196] : تَيَسَّرَ (مِنَ الْهَدْيِ: شَاةٌ) تُذْبَحُ. الحديث: 875 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] فَمِمَّا يُحْكَمُ بِهِ فِي الْهَدْيِ شَاةٌ وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ هَدْيًا وَذَلِكَ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَكَيْفَ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِبَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَالْحُكْمُ فِيهِ شَاةٌ وَمَا لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِشَاةٍ فَهُوَ كَفَّارَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ إِطْعَامِ مَسَاكِينَ   875 - 865 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ) فِي تَفْسِيرِ (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: شَاةٌ) ، فَوَافَقَ عَلِيًّا عَلَى تَفْسِيرِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) أَيْ مُحْرِمُونَ، وَدَاخِلَ الْحَرَمِ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَ الْقَتْلَ دُونَ الذَّبْحِ لِلتَّعْمِيمِ، فَشَمِلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَمَا لَا، إِلَّا الْفَوَاسِقَ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا، {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا، فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] ، وَلَفْظُهُ يَشْمَلُ الشَّاةَ، وَجَاءَتِ السُّنَّةُ مِنْ أَحْكَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ بِوُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي الْخَطَأِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فِي الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ إِتْلَافٌ وَالْإِتْلَافُ مَضْمُونٌ فِي الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ لَكِنَّ الْمُتَعَمِّدَ آثِمٌ وَالْمُخْطِئَ غَيْرُ مَلُومٍ {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] بِالْجَزَاءِ {ذَوَا عَدْلٍ} [المائدة: 95] رَجُلَانِ صَالِحَانِ، فَإِنَّ الْأَنْوَاعَ تَتَشَابَهُ، فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَالْفِيلِ بِذَاتِ سَنَامَيْنِ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ، وَبَقَرَةٍ بَقَرَةٌ، (مِنْكُمْ) : مِنَ الْمُسْلِمِينَ، (هَدْيًا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ بِهِ {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] صِفَةُ هَدْيًا، وَالْإِضَافَةُ لَفْظِيَّةٌ، أَيْ وَاصِلًا إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 بِأَنْ يَذْبَحَ فِيهِ، وَيَتَصَدَّقَ بِهِ، (أَوْ كَفَّارَةٌ) عَطْفٌ عَلَى جَزَاءٍ (طَعَامُ مَسَاكِينَ) بَدَلَ مِنْهُ، أَوْ تَقْدِيرُهُ هِيَ طَعَامٌ، وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ: (كَفَّارَةُ) بِلَا تَنْوِينٍ، وَ (طَعَامِ) بِالْخَفْضِ عَلَى الْإِضَافَةِ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَمَّا تَنَوَّعَتْ إِلَى تَكْفِيرٍ بِالطَّعَامِ، وَتَكْفِيرٍ بِالْجُزْءِ الْمُمَاثِلِ، وَتَكْفِيرٍ بِالصِّيَامِ حَسُنَتْ إِضَافَتُهَا لِأَحَدِ أَنْوَاعِهَا تَبْيِينًا لِذَلِكَ، وَالْإِضَافَةُ تَكُونُ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] ، أَيْ أَوْ مَا سَاوَاهُ مِنَ الصَّوْمِ، فَيَصُومُ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا، (فَمِمَّا يُحْكَمُ بِهِ فِي الْهَدْيِ شَاةٌ) ، لِأَنَّ النَّعَمَ اسْمٌ لِلْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، (وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ هَدْيًا) بِقَوْلِهِ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) ، وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالْفِقْهِ. (وَذَلِكَ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ، (وَكَيْفَ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ، وَكُلُّ شَيْءٍ) مِنَ الْجَزَاءِ (لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِبَعِيرٍ، أَوْ بَقَرَةٍ، فَالْحُكْمُ فِيهِ شَاةٌ) ، إِذْ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَزْيَدَ مِمَّا لَزِمَهُ، فَهِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُقَوِّيَةٌ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ، أَوِ التَّعَجُّبِيِّ، (وَمَا لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِشَاةٍ، فَهُوَ كَفَّارَةٌ مِنْ صِيَامٍ، أَوْ إِطَعَامِ مَسَاكِينَ) ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَحْسَنَ مَالِكٌ فِي احْتِجَاجِهِ هَذَا، وَأَتَى بِمَا لَا مَزِيدَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حُسْنًا، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ   877 - 866 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَا اسْتَيْسَرَ) : تَيَسَّرَ (مِنَ الْهَدْيِ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ) لِأَهْلِ الْجِدَّةِ اسْتِحْبَابًا، فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ شَاةً يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: " لَوْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا شَاةً لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ "، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَعْلَى الْهَدْيِ بَدَنَةٌ، فَكَيْفَ تَكُونُ مَا اسْتَيْسَرَ. الحديث: 877 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ مَوْلَاةً لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقَالُ لَهَا رُقَيَّةُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مَعَ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى مَكَّةَ قَالَتْ فَدَخَلَتْ عَمْرَةُ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَأَنَا مَعَهَا فَطَافَتْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ دَخَلَتْ صُفَّةَ الْمَسْجِدِ فَقَالَتْ أَمَعَكِ مِقَصَّانِ فَقُلْتُ لَا فَقَالَتْ فَالْتَمِسِيهِ لِي فَالْتَمَسْتُهُ حَتَّى جِئْتُ بِهِ فَأَخَذَتْ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ ذَبَحَتْ شَاةً   878 - 867 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّ الحديث: 878 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 مَوْلَاةً لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةِ (يُقَالُ لَهَا: رُقَيَّةُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مَعَ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) مَوْلَاتِهَا (إِلَى مَكَّةَ قَالَتْ: فَدَخَلَتْ عَمْرَةُ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) ثَامِنَ الْحَجَّةِ، (وَأَنَا مَعَهَا، فَطَافَتْ بِالْبَيْتِ، وَ) سَعَتْ (بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ دَخَلَتْ صُفَةَ الْمَسْجِدِ) - بِضَمِّ الصَّادِ - مُفْرَدَةُ صُفَفٍ كَغُرْفَةٍ، وَغُرَفٍ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مُؤَخَّرُ الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ: سَقَائِفُ الْمَسْجِدِ، (فَقَالَتْ: أَمَعَكَ مِقَصَّانِ؟) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الْقَافِ، وَالصَّادِ الْمُشَدَّدَةِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمِقَصُّ الْمِقْرَاضُ، وَهُمَا مِقَصَّانِ: (فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَتْ: فَالْتَمِسِيهِ) : اطْلُبِيهِ، (فَالْتَمَسْتُهُ حَتَّى جِئْتُ بِهِ) إِلَيْهَا، (فَأَخَذَتْ) بِهِ (مِنْ قُرُونِ) ، أَيْ ضَفَائِرِ (رَأْسِهَا) فِي الْمَسْجِدِ إِرَادَةً لِلسَّتْرِ، وَالْمُبَادَرَةِ بِالتَّقْصِيرِ، وَالْإِحْرَامِ مِنَ الْمَسْجِدِ بِالْحَجِّ، (فَلَمَّا كَانَ) وُجِدَ (يَوْمُ النَّحْرِ ذَبَحَتْ شَاةً) عَنْ تَمَتُّعِهَا، زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِلْمُوَطَّأِ، قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهَا كَانَتْ مُعْتَمِرَةً، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَأْخُذْ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهَا بِمَكَّةَ، يَعْنِي أَنَّهَا دَخَلَتْهَا بِعُمْرَةٍ، وَحَلَّتْ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَوَجَبَ تَقْصِيرُ شَعْرِهَا لِلْعُمْرَةِ، وَالْهَدْيُ لِلتَّمَتُّعِ لِإِحْرَامِهَا بِالْحَجِّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: أُدْخِلَ هَذَا هُنَا شَاهِدًا عَلَى أَنَّ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ شَاةٌ، لِأَنَّ عَمْرَةَ كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً، وَالْمُتَمَتِّعُ لَهُ تَأْخِيرُ الذَّبْحِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 [بَاب جَامِعِ الْهَدْيِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ الْمَكِّيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَدْ ضَفَرَ رَأْسَهُ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي قَدِمْتُ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ كُنْتُ مَعَكَ أَوْ سَأَلْتَنِي لَأَمَرْتُكَ أَنْ تَقْرِنَ فَقَالَ الْيَمَانِي قَدْ كَانَ ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ خُذْ مَا تَطَايَرَ مِنْ رَأْسِكَ وَأَهْدِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَا هَدْيُهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ هَدْيُهُ فَقَالَتْ لَهُ مَا هَدْيُهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا أَنْ أَذْبَحَ شَاةً لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ   52 - بَابُ جَامِعِ الْهَدْيِ 879 - 868 - (مَالِكٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ) - بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ، وَالْمُهْمَلَةِ الْخَفِيفَةِ - الْجَزَرِيِّ (الْمَكِّيِّ) نَزِيلِ مَكَّةَ مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ: (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَدْ ضَفَرَ رَأْسَهُ) - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْفَاءِ الْخَفِيفَةِ (فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ ابْنِ عُمَرَ (إِنِّي الحديث: 879 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 قَدِمْتُ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَوْ كُنْتُ مَعَكَ، أَوْ سَأَلْتَنِي لَأَمَرْتُكَ أَنْ تَقْرِنَ) - بِضَمِّ الرَّاءِ، وَكَسْرِهَا - أَيْ لَأَعْلَمْتُكَ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْقِرَانَ مِثْلُ التَّمَتُّعِ، (فَقَالَ الْيَمَانِيُّ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ) الَّذِي أَخْبَرْتُكَ مِنَ التَّمَتُّعِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: مَعْنَاهُ قَدْ فَاتَنِي الَّذِي تَقُولُ، لِأَنِّي طُفْتُ وَسَعَيْتُ لِلْعُمْرَةِ، فَمَاذَا عَلَيَّ الْحِلَاقُ، أَوِ التَّقْصِيرُ؟ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: خُذْ مَا تَطَايَرَ) ، أَيِ ارْتَفَعَ (مِنْ) شَعْرِ (رَأْسِكَ) ، أَيْ قَصِّرْ، (وَأَهْدِ) لِلتَّمَتُّعِ، (فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: مَا هَدْيُهُ) بِفَتْحٍ، فَسُكُونٍ فَتَحْتِيَّةٍ خَفِيفَةٍ، وَبِكَسْرِ الدَّالِ، وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ - قَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ مِمَّا يُهْدَى لِلَّهِ تَعَالَى، (يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: هَدْيُهُ، فَقَالَتْ لَهُ: مَا هَدْيُهُ) بِالتَّثْقِيلِ وَالتَّخْفِيفِ فِيهِمَا أَيْضًا، وَاحِدَةُ الْهَدْيِ مَا يُهْدَى إِلَى الْحَرَمِ مِنَ النَّعَمِ بِالتَّثْقِيلِ، وَالْخِفَّةِ أَيْضًا، وَقِيلَ: الْمُثْقَلُ جَمْعُ الْمُخَفَّفِ، أَجْمَلَ الْهَدْيَ أَوَّلًا، وَثَانِيًا رَجَاءَ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالْأَفْضَلِ، فَلَمَّا اضْطُرَّ لِلْكَلَامِ صَرَّحَ، (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَوْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا أَنْ أَذْبَحَ شَاةً، لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ) ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ أَوَّلًا مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً، إِمَّا لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، أَوْ لِأَنَّهُ قُيِّدَ بِعَدَمِ الْوُجُودِ، فَمَنْ وَجَدَ الْبَقَرَةَ، أَوِ الْبَدَنَةَ فَهُوَ أَفْضَلُ لَهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ: الصِّيَامُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الشَّاةِ، لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ تَفْضِيلُ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ إِذَا حَلَّتْ لَمْ تَمْتَشِطْ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا هَدْيٌ لَمْ تَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْحَرَ هَدْيَهَا وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ لَا يَشْتَرِكُ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ فِي بَدَنَةٍ وَاحِدَةٍ لِيُهْدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةً بَدَنَةً وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ بُعِثَ مَعَهُ بِهَدْيٍ يَنْحَرُهُ فِي حَجٍّ وَهُوَ مُهِلٌّ بِعُمْرَةٍ هَلْ يَنْحَرُهُ إِذَا حَلَّ أَمْ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ وَيُحِلُّ هُوَ مِنْ عُمْرَتِهِ فَقَالَ بَلْ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ وَيُحِلُّ هُوَ مِنْ عُمْرَتِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالَّذِي يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْهَدْيِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَدْيَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَكَّةَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَأَمَّا مَا عُدِلَ بِهِ الْهَدْيُ مِنْ الصِّيَامِ أَوْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِ مَكَّةَ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَعَلَهُ   880 - 869 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ) بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ (إِذَا حَلَّتْ) مِنْ إِحْرَامِهَا. (لَمْ تَمْتَشِطْ) تُسَرِّحْ شَعْرَهَا، (حَتَّى تَأْخُذَ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا) لِلتَّحَلُّلِ بِذَلِكَ. (وَإِنْ كَانَ لَهَا هَدْيٌ لَمْ تَأْخُذْ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْحَرَ هَدْيَهَا) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) . الحديث: 880 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: لَا يَشْتَرِكُ الرَّجُلُ، وَامْرَأَتُهُ فِي بَدَنَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَنْحَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَدَنَةً بَدَنَةً) بِالتَّكْرِيرِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَجَازَ الْأَكْثَرُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْهَدْيِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَمَّنِ اعْتَمَرَ مِنْ نِسَائِهِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ» " وَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدٌ قَرِيبًا. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ بُعِثَ مَعَهُ بِهَدْيٍ يَنْحَرُهُ فِي حَجٍّ وَهُوَ) ، أَيِ الْمَبْعُوثِ مَعَهُ (مُهِلٌ بِعُمْرَةٍ هَلْ يَنْحَرُهُ إِذَا حَلَّ مِنَ الْعُمْرَةِ، أَمْ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ، وَيُحِلُّ هُوَ مِنْ عُمْرَتِهِ) ، قَبْلَ نَحْرِهِ؟ (فَقَالَ: بَلْ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 33) ، وَقَالَ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) ، أَيْ يَوْمَ النَّحْرِ، وَسَائِرَ أَيَّامِ مِنًى. (وَيُحِلُّ هُوَ مِنْ عُمْرَتِهِ) قَبْلَ نَحْرِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فَلَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِعُمْرَتِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالَّذِي يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْهَدْيِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ، أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ) ، كَتَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ، (فَإِنَّ هَدْيَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَكَّةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] ، وَيُسْتَحَبُّ الْمَرْوَةُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْسُ الْكَعْبَةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحٌ وَلَا نَحْرٌ فِيهَا، وَلَا فِي الْمَسْجِدِ. (فَأَمَّا مَا عُدِلَ بِهِ الْهَدْيُ مِنَ الصِّيَامِ، أَوِ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِ مَكَّةَ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَعَلَهُ) ، لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِي الصِّيَامِ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَلَا أَهْلِ الْحَرَمِ، وَعَلَى هَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّدَقَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَخَرَجَ مَعَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَمَرُّوا عَلَى حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ مَرِيضٌ بِالسُّقْيَا فَأَقَامَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَتَّى إِذَا خَافَ الْفَوَاتَ خَرَجَ وَبَعَثَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ فَقَدِمَا عَلَيْهِ ثُمَّ إِنَّ حُسَيْنًا أَشَارَ إِلَى رَأْسِهِ فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِرَأْسِهِ فَحُلِّقَ ثُمَّ نَسَكَ عَنْهُ بِالسُّقْيَا فَنَحَرَ عَنْهُ بَعِيرًا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَكَانَ حُسَيْنٌ خَرَجَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ إِلَى مَكَّةَ   882 - 870 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ يَعْقُوبِ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ الحديث: 882 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ الْجَوَادِ ابْنِ الْجَوَادِ: (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَخَرَجَ مَعَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَمَرُّوا عَلَى حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ، (وَهُوَ مَرِيضٌ بِالسُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَإِسْكَانِ الْقَافِ، وَتَحْتِيَّةٍ، وَالْقَصْرِ (فَأَقَامَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَتَّى إِذَا خَافَ الْفَوَاتَ) لِلْحَجِّ، (خَرَجَ وَبَعَثَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - الصَّحَابِيَّةِ زَوْجَةِ عَلِيٍّ يَوْمَئِذٍ، (وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، فَقَدِمَا عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ حُسَيْنًا أَشَارَ إِلَى رَأْسِهِ) يَشْكُو وَجَعَهُ (فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِرَأْسِهِ فَحُلِّقَ، ثُمَّ نَسَكَ عَنْهُ بِالسُّقْيَا فَنَحَرَ) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) ، (قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَكَانَ حُسَيْنٌ خَرَجَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) - أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - (فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ إِلَى مَكَّةَ) ، وَلَمْ يَخْرُجْ أَبُوهُ عَلِيٌّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 [بَاب الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ   53 - بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ 884 - 871 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ) ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُوَطَّآتِهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، مُرْسَلًا بِلَفْظِ الْمُوَطَّأِ، وَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» ) ، أَيْ أَنَّ الْوَاقِفَ بِأَيِّ جُزْءٍ مِنْهَا آتٍ بِسُنَّةِ إِبْرَاهِيمَ مُتَّبِعٌ لِطَرِيقَتِهِ، وَإِنْ بَعُدَ مَوْقِفِهِ عَنْ مَوْقِفِي أَرَادَ بِهِ رَفَعَ تَوَهُّمِ تَعَيُّنِ الْمَوْقِفِ الَّذِي اخْتَارَهُ هُوَ لِلْوُقُوفِ، (وَارْتَفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَنُونٍ، وَفِي لُغَةٍ بِضَمَّتَيْنِ - مَوْضِعٌ بَيْنَ مِنًى وَعَرَفَاتٍ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ الْكَبِيرَيْنِ الحديث: 884 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 جِهَةَ عَرَفَةَ، وَالْعَلَمَيْنِ الْكَبِيرَيْنِ جِهَةَ مِنًى. (وَالْمُزْدَلِفَةُ) الْمَكَانُ الْمَعْرُوفُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُتَقَرَّبُ فِيهَا مِنْ زَلَفَ إِذَا تَقَرَّبَ، وَقِيلَ: لِمَجِيءِ النَّاسِ إِلَيْهَا فِي زَلَفٍ مِنَ اللَّيْلِ: أَيْ سَاعَاتٍ، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مِنَ الْحَرَمِ (كُلُّهَا مَوْقِفٌ) ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: " «قَدْ وَقَفْتُ هَهُنَا وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» " (وَارْتَفَعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرِ) - بِكَسْرِ السِّينِ مُشَدَّدَةٌ - بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيلَ أَبْرَهَةَ كَلَّ فِيهِ وَأَعْيَا، فَحُسِرَ أَصْحَابُهُ بِفِعْلِهِ، وَأَوْقَفَهُمْ فِي الْحَسَرَاتِ، وَإِضَافَتُهُ لِلْبَيَانِ كَشَجَرِ أَرَاكٍ، وَبَقِيَّةُ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمَذْكُورَةِ عَقِبَ هَذَا: وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ; فَفِي أَيِّ مَحِلٍّ وَقَفَ أَجْزَأَ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخْرَاتِ الَّتِي وَقَفَ عِنْدَهَا صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا مَا اشْتُهِرَ عِنْدَ الْعَوَامِّ مِنْ الِاعْتِنَاءِ بِصُعُودِ الْجَبَلِ، وَتَوَهُّمِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ إِلَّا فِيهِ فَغَلَطٌ، بَلِ الصَّوَابُ جَوَازُ الْوُقُوفِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ، وَأَنَّ الْفَضِيلَةَ فِي مَوْقِفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الصَّخْرَاتِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ، فَلْيَقْرُبْ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ جَاءَ أَيْضًا مَوْصُولًا، عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: " «وَقَفْتُ هَهُنَا وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَوَقَفْتُ هَهُنَا وَجَمْعُ كُلِّهَا مَوْقِفٌ» "، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، وَالدَّيْلَمِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَرْفُوعًا: " «عَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفَعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اعْلَمُوا أَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ وَأَنَّ الْمُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ قَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] قَالَ فَالرَّفَثُ إِصَابَةُ النِّسَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] قَالَ وَالْفُسُوقُ الذَّبْحُ لِلْأَنْصَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] قَالَ وَالْجِدَالُ فِي الْحَجِّ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَقِفُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِقُزَحَ وَكَانَتْ الْعَرَبُ وَغَيْرُهُمْ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ فَكَانُوا يَتَجَادَلُونَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ نَحْنُ أَصْوَبُ وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ نَحْنُ أَصْوَبُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ} [الحج: 67] فَهَذَا الْجِدَالُ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ   884 - 872 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ) عَمِّهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اعْلَمُوا أَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) - بِالنُّونِ - لِكَوْنِهَا فِي الْحَرَمِ، (وَأَنَّ الْمُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) ، عَقَّبَ الْمَرْفُوعَ بِالْمَوْقُوفِ إِشَارَةً إِلَى اسْتِمْرَارِ الْعَمَلِ بِهِ، فَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ احْتِمَالُ النَّسْخِ. (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] بِالْفَتْحِ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّ لَا لِلتَّبْرِئَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا فَتْحَةُ بِنَاءٍ، وَقِيلَ: إِعْرَابٌ، وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى إِلْغَاءِ لَا، وَمَا بَعْدَهَا مُبْتَدَأٌ، سَوَّغَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ تَقَدُّمَ النَّفْيِ عَلَيْهَا، وَفِي الْحَجِّ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الثَّالِثِ، وَحَذْفُ خَبَرِ الْأَوَّلَيْنِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِمَا. (قَالَ: فَالرَّفَثُ إِصَابَةُ النِّسَاءِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ) - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 بِدَلِيلِ أَنَّهُ (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] أَيْ جِمَاعِهِنَّ بِلَا شَكٍّ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا الرَّفَثُ فِي آيَةِ الْحَجِّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ الْفُحْشُ فِي الْكَلَامِ، وَقِيلَ: التَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْجِمَاعِ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هِيَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرَّجُلُ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَخَصَّهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَا خُوطِبَ بِهِ النِّسَاءُ، قَالَ عِيَاضٌ: يَعْنِي مَنْ ذَكَرَ الْجِمَاعَ، وَمَا يُوَصِّلُ إِلَيْهِ لَا كُلَّ كَلَامٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: الرَّفَثُ: إِتْيَانُ النِّسَاءِ، وَالتَّكَلُّمُ بِذَلِكَ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ. (قَالَ: وَالْفُسُوقُ: الذَّبْحُ لِلْأَنْصَابِ) جَمْعُ نُصُبٍ - بِضَمَّتَيْنِ - حِجَارَةٌ تُنْصَبُ، وَتُعْبَدُ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] فَسَمَّى ذَلِكَ فِسْقًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ فِي الْحَجِّ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: الْفُسُوقُ: الْمَعَاصِي فِي الْحَرَمِ، وَلِذَا قِيلَ الْمُرَادُ: مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ التَّرْكُ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالْعِصْيَانُ، وَالْخُرُوجُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَالْفُجُورُ. قَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّمَا خَصَّ مَالِكٌ الْفُسُوقَ بِمَا ذُكِرَ، لِأَنَّ الْحَجَّ شُرِعَ فِيهِ الذَّبْحُ، فَخُصَّ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نُهِيَ عَنِ الْمَعَاصِي جُمْلَةً، وَلَا يَمْتَنِعُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْحَجِّ، وَغَيْرُهُ لَكِنَّهُ يَتَأَكَّدُ فِي الْحَجِّ. (قَالَ: وَالْجِدَالُ فِي الْحَجِّ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَقِفُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: بِكَسْرِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ أَكْثَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَكَرَ الْقَعْنَبِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا أَحَدٌ، وَذَكَرَ الْهُذَلِيُّ أَنَّ أَبَا السَّمَّاكِ قَرَأَ بِالْكَسْرِ - جَبَلٌ (بِالْمُزْدَلِفَةِ بِقَزَحٍ) - بِفَتْحِ الْقَافِ، وَفَتْحِ الزَّايِ، وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَقِيلَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ: كُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا بَيْنَ الْمُزْدَلِفَةِ وَمَأْزِمَيْ عَرَفَاتٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلَمٌ لِلْعِبَادَةِ، وَمَوْضِعٌ لَهَا، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الشَّعَائِرُ الْمَعَالِمُ الَّتِي نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهَا، وَأَمَرَ بِالْقِيَامِ عَلَيْهَا. (وَكَانَتِ الْعَرَبُ، وَغَيْرُهُمْ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ) عَلَى أَصْلِ شَرْعِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا قُرَيْشٌ فَقَالَ سُفْيَانُ: كَانَ الشَّيْطَانُ قَدِ اسْتَهْوَاهُمْ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ عَظَّمْتُمْ غَيْرَ حَرَمِكُمُ اسْتَخَفَّ النَّاسُ بِحَرَمِكُمْ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تُجَاوِزُ الْحَرَمَ، وَتَقُولُ: نَحْنُ أَهْلُ اللَّهِ لَا نَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ، وَكَانَ سَائِرُ النَّاسِ يَقِفُ بِعَرَفَةَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 199) ، رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: عَنْ عَائِشَةَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ، وَمَنْ دَانَ بِدِينِهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتَ، فَيَقِفُ بِهَا، ثُمَّ يَفِيضُ مِنْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ رَاهَوَيْهِ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: " «كَانَتْ قُرَيْشٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 إِنَّمَا تَدْفَعُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ، وَتَقُولُ نَحْنُ الْحُمْسُ فَلَا نَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ، وَقَدْ تَرَكُوا الْمَوْقِفَ بِعَرَفَةَ، قَالَ. فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، ثُمَّ يُصْبِحُ مَعَ قَوْمِهِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَيَقِفُ مَعَهُمْ، وَيَدْفَعُ إِذَا دَفَعُوا تَوْفِيقًا مِنَ اللَّهِ لَهُ» "، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُبَيْرٍ: " «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفًا بِعَرَفَةَ فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ مِنَ الْحُمْسِ، فَمَا شَأْنُهُ هَهُنَا» "، وَالْحُمْسُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِالْمِيمِ السَّاكِنَةِ، وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ هُمْ قُرَيْشٌ، وَمَنْ أَخَذَ مَأْخَذَهَا مِنَ الْقَبَائِلِ مِنَ التَّحَمُّسِ، وَهُوَ التَّشَدُّدُ. (فَكَانُوا يَتَجَادَلُونَ) : يَتَخَاصَمُونَ، (يَقُولُ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَصْوَبُ) لِأَنَّا لَمْ نَخْرُجْ مِنَ الْحَرَمِ، (وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَصْوَبُ) لِأَنَّا اتَّبَعْنَا الشَّرَائِعَ الْقَدِيمَةَ، وَلَمْ نَبْتَدِعْ، (فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} [الحج: 34]- بِفَتْحِ السِّينِ، وَكَسْرِهَا - شَرِيعَةً، {هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67] : عَامِلُونَ بِهِ، {فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ} [الحج: 67] ، {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} [الحج: 67] إِلَى دِينِهِ، {إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى} [الحج: 67] : دِينٍ (مُسْتَقِيمٍ فَهَذَا الْجِدَالُ فِيمَا نَرَى) : نَظُنُّ، (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بِمَا أَرَادَ، (وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: " «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» "، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْجِدَالَ لِارْتِفَاعِهِ بَيْنَ الْعَرَبِ، وَقُرَيْشٍ بِالْإِسْلَامِ، وَوَقَفَ الْكُلُّ بِعَرَفَةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 [بَاب وُقُوفِ الرَّجُلِ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ وَوُقُوفِهِ عَلَى دَابَّتِهِ] سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يَقِفُ الرَّجُلُ بِعَرَفَةَ أَوْ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَوْ يَرْمِي الْجِمَارَ أَوْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ فَقَالَ كُلُّ أَمْرٍ تَصْنَعُهُ الْحَائِضُ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ فَالرَّجُلُ يَصْنَعُهُ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ ثُمَّ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ الْفَضْلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ طَاهِرًا وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِلرَّاكِبِ أَيَنْزِلُ أَمْ يَقِفُ رَاكِبًا فَقَالَ بَلْ يَقِفُ رَاكِبًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ عِلَّةٌ فَاللَّهُ أَعْذَرُ بِالْعُذْرِ   54 - بَابُ وُقُوفِ الرَّجُلِ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ، وَوُقُوفِهِ عَلَى دَابَّتِهِ (سُئِلَ مَالِكٌ: هَلْ يَقِفُ الرَّجُلُ بِعَرَفَةَ، أَوْ بِالْمُزْدَلِفَةِ، أَوْ يَرْمِي الْجِمَارَ) يَوْمَ النَّحْرِ، وَغَيْرِهِ، (أَوْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ؟) ، أَيْ غَيْرُ مُتَوَضٍّ، (فَقَالَ) مُعْطِيًا الْحُكْمَ بِدَلِيلِهِ مِنَ الْقِيَاسِ: (كُلُّ أَمْرٍ تَصْنَعُهُ الْحَائِضُ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ، فَالرَّجُلُ يَصْنَعُهُ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ، ثُمَّ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ) ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْحَائِضِ: " «اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» " فَأَبَاحَ لَهَا الْفِعْلَ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهَا شَيْئًا، فَكَذَلِكَ الرَّجُلُ، (وَلَكِنِ الْفَضْلُ) ، أَيِ الْمُسْتَحَبُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 (أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ فِي ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ (كُلِّهِ طَاهِرًا) مُتَوَضِّئًا، لِفِعْلِهِ كَذَلِكَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ) ، أَيْ عَدَمَ الطَّهَارَةِ فِي تِلْكَ الْأَمَاكِنِ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِلرَّاكِبِ: أَيَنْزِلُ أَمْ يَقِفُ رَاكِبًا؟) أَيْ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ (فَقَالَ: بَلْ يَقِفُ رَاكِبًا) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ، أَوْ بِدَابَّتِهِ عِلَّةٌ فَاللَّهُ أَعْذَرُ بِالْعُذْرِ) ، أَيْ بِسَبَبِهِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ: أَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ لِمَنَافِعَ وَأَغْرَاضٍ لِرَاكِبِهَا جَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُجْحِفًا بِالدَّابَّةِ، أَوْ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ، وَأَنَّ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ وَالْأَكْثَرِ وَلِمَنْ يَتَّخِذُ ذَلِكَ عَادَةً لِلتَّحَدُّثِ عَلَيْهَا، كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ رَاكِبًا عَلَيْهَا فَأَخَذَهُ الْحَدِيثُ مَعَ جَمَاعَةٍ، وَلَمْ يَطُلْ ذَلِكَ كَثِيرًا حَتَّى يَضُرَّ بِهَا فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَاصِدًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَبْلِيغِ كَلَامِهِ، أَوْ لِخَوْفٍ عَلَى الدَّابَّةِ إِنْ تَرَكَهَا، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ، فَيَرْكَبُهَا لِيُحْرِزَهَا وَيُحْرِزَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 [بَاب وُقُوفِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِعَرَفَةَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ   55 - بَابُ وُقُوفِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِعَرَفَةَ 886 - 873 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ مِنْ) ، أَيْ بَعْضُ (لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ) ، وَهِيَ لَيْلَةُ الْعِيدِ (قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) ، وَلَوْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الزَّوَالِ عَلَى ظَاهِرِهِ، (وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا بِنَحْوِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوعًا، وَزَادَ فِيهِ: " «وَلِيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ قَابِلًا» "، وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدَّيْلَمِيِّ، قَالَ: " «شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَةَ، وَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الْحَجِّ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجُّ عَرَفَةُ مَنْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» . الحديث: 886 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يُعْتَقُ فِي الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِي عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُحْرِمْ فَيُحْرِمُ بَعْدَ أَنْ يُعْتَقَ ثُمَّ يَقِفُ بِعَرَفَةَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ إِذَا لَمْ يُدْرِكْ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ وَيَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ يَقْضِيهَا   887 - 874 - الحديث: 887 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ، وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) ، فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ. (وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) فَفِي فَحْوَى كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْوُقُوفَ نَهَارًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَنَّ الْوُقُوفَ الرُّكْنَ إِنَّمَا هُوَ الْوُقُوفُ بِاللَّيْلِ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا وَقَفَ أَيَّ جُزْءٍ مِنْ زَوَالِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَفِي التِّرْمِذِيِّ صَحِيحًا مَرْفُوعًا: " «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ؛ أَيِ الصُّبْحَ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَوَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» ". قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ: لَيْسَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ مِنَ الْغُرُوبِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَمَا قَبْلَهُ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْغُرُوبِ تُطَوُّعًا، وَيُكَلِّفُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّتَهُ الْوُقُوفَ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْمَغْرِبِ، مَعَ كَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ فِيمَا لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَكُونُ حَظُّهُ مِنَ الْفَرْضِ لِمَا دَخَلَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ الِانْصِرَافَ لَا مَا سِوَاهُ، فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ جَاءَتْ أَنَّهُ لَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ دَفَعَ وَلَمْ يَقِفْ، وَيَكُونُ الْفَرْضُ الْمَشْيُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْمَحِلِّ، وَالْوُقُوفُ عِبَادَةٌ يُؤْتَى بِهَا عَلَى صِفَةِ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَتَى بِالنَّاسِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ، وَأَتَوْا لِامْتِثَالِ مَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ الْمُبَيِّنُ لِلْأُمَّةِ، فَلَوْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ وَالْفَرْضُ مِنَ الْغُرُوبِ لَبَيَّنَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ يُفْهَمُ مِنْ مُجَرَّدِ فِعْلِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ، بَلِ الْمَفْهُومُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي امْتِثَالِ مَا أُمِرُوا بِهِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يُعْتَقُ فِي الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ: فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ مِنْ) ، أَيْ بَدَلِ (حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) ؛ لِأَنَّ إِحْرَامَهُ فِي وَقْتِ عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ، فَهُوَ نَفْلٌ يَجِبُ عَلَيْهِ إِتْمَامُهُ، (إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُحْرِمْ فَيُحْرِمُ بَعْدَ أَنْ يُعْتَقَ، ثُمَّ يَقِفُ بِعَرَفَةَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأَ عَنْهُ) حَجَّةَ الْإِسْلَامِ إِذَا نَوَاهَا، (وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ إِذَا لَمْ يُدْرِكِ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ) ، فَيَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 عُمْرَةٍ، (وَيَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ) الْمَذْكُورِ الَّذِي عُتِقَ (حَجَّةُ الْإِسْلَامِ يَقْضِيهَا) ، أَيْ يَفْعَلُهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 [بَاب تَقْدِيمِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَدِّمُ أَهْلَهُ وَصِبْيَانَهُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ بِمِنًى وَيَرْمُوا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ   56 - بَابُ تَقْدِيمِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ 888 - 875 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمٍ وَعَبْدِ اللَّهِ) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - وَفِي نُسْخَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - وَلَهُ، وَلَدَانِ بِتَكْبِيرِ الْعَبْدِ، وَتَصْغِيرِهِ (ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَدِّمُ أَهْلَهُ) : نِسَاءَهُ، (وَصِبْيَانَهُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى) خَوْفَ التَّأَذِّي بِالْعَجَلَةِ، وَالزِّحَامِ (حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ بِمِنًى، وَيَرْمُوا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ) ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ، وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى مِنًى، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدُمُ مِنًى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدُمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا الْجَمْرَةَ "، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الحديث: 888 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ مَوْلَاةً لِأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ جِئْنَا مَعَ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ مِنًى بِغَلَسٍ قَالَتْ فَقُلْتُ لَهَا لَقَدْ جِئْنَا مِنًى بِغَلَسٍ فَقَالَتْ قَدْ كُنَّا نَصْنَعُ ذَلِكَ مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكِ   889 - 876 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّ مَوْلَاةً) لَمْ تُسَمَّ لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ: أَنَّ مَوْلًى بِالتَّذْكِيرِ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (لِأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ) - ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ - (أَخْبَرَتْهُ: قَالَتْ: جِئْنَا مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ (مِنًى) - بِالصَّرْفِ - (بِغَلَسٍ) - بِفَتْحَتَيْنِ - ظُلْمَةِ آخِرِ اللَّيْلِ، (قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: لَقَدْ جِئْنَا مِنًى بِغَلَسٍ) ، يَعْنِي تَقَدَّمْنَا عَلَى الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ، (فَقَالَتْ: قَدْ كُنَّا نَصْنَعُ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: نَفْعَلُ (ذَلِكَ مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكِ) - بِكَسْرِ الْكَافِ خِطَابُ الْمُؤَنَّثِ - وَهَذَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ عَلَى قَوْلٍ ثُمَّ الحديث: 889 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 هُوَ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِبْهَامُ الْمَوْلَاةِ، وَقَدْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ مَوْلَى أَسْمَاءَ: " أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لَا، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَارْتَحَلُوا فَارْتَحَلْنَا، وَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتِ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا، فَقُلْتُ لَهَا: مَا أَرَانَا إِلَّا قَدْ غُلِسْنَا، فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ لِلظَّعْنِ "، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِ السَّائِلِ هُنَا ذَكَرٌ، أَوْ فِي رِوَايَةٍ أُنْثَى لِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُمَا جَمِيعًا سَأَلَاهَا فِي عَامٍ، أَوْ عَامَيْنِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَجِبِ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ، إِذْ لَوْ وَجَبَ لَمْ يَسْقُطْ بِالْعُذْرِ كَوُقُوفِ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ النُّزُولِ بِهَا وَاجِبًا بِقَدْرِ حَطِّ الرَّحْلِ، فَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ فَالدَّمُ عَلَى الْأَشْهَرِ وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَبِيتَ، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يُقَدِّمُ نِسَاءَهُ وَصِبْيَانَهُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ رَمْيَ الْجَمْرَةِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَمَنْ رَمَى فَقَدْ حَلَّ لَهُ النَّحْرُ   889 - 877 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - أَحَدَ الْعَشْرَةِ (كَانَ يُقَدِّمُ نِسَاءَهُ، وَصِبْيَانَهُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى) عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ. (مَالِكٌ: أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ رَمْيَ الْجَمْرَةِ) لِلْعَقَبَةِ (حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَمَنْ رَمَى فَقَدْ حَلَّ لَهُ النَّحْرُ) ، وَهُوَ فِي اللِّبَّةِ كَالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ تَأْمُرُ الَّذِي يُصَلِّي لَهَا وَلِأَصْحَابِهَا الصُّبْحَ يُصَلِّي لَهُمْ الصُّبْحَ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ ثُمَّ تَرْكَبُ فَتَسِيرُ إِلَى مِنًى وَلَا تَقِفُ   892 - 878 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ) زَوْجَتِهِ (فَاطِمَةَ بِنْتِ) عَمِّهِ (الْمُنْذِرِ) بْنِ الزُّبَيْرِ، (أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى) جَدَّتَهَا (أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ تَأْمُرُ الَّذِي يُصَلِّي لَهَا، وَلِأَصْحَابِهَا) ، أَيْ بِهِمَا إِمَامًا (الصُّبْحَ يُصَلِّي لَهُمُ الصُّبْحَ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، ثُمَّ تَرْكَبُ فَتَسِيرُ إِلَى مِنًى، وَلَا تَقِفُ) عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ. الحديث: 892 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 [بَاب السَّيْرِ فِي الدَّفْعَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ «وَأَنَا جَالِسٌ مَعَهُ كَيْفَ كَانَ يَسِيرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ قَالَ كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» قَالَ مَالِكٌ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ   57 - بَابُ السَّيْرِ فِي الدُّفْعَةِ 893 - 879 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ) الْحِبُّ ابْنُ الْحِبِّ (وَأَنَا جَالِسٌ مَعَهُ) ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ: " سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا شَاهِدٌ "، أَوْ قَالَ: " سَأَلْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ " ( «كَيْفَ كَانَ يَسِيرُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ» ؟) زَادَ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ عَرَفَةَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَلَعَلَّهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ يَحْيَى، وَإِلَّا فَرِوَايَةُ ابْنِهِ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ كَأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَيْهَا، أَيِ انْصَرَفَ مِنْهَا إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ سُمِّيَ دَفْعًا لِازْدِحَامِهِمْ إِذَا انْصَرَفُوا، فَيَدْفَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (قَالَ) أُسَامَةُ: (كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ، سَيْرٌ بَيْنَ الْإِبْطَاءِ وَالْإِسْرَاعِ، قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: وَهُوَ سَيْرٌ سَهْلٌ فِي سُرْعَةٍ، وَقَالَ الْقَزَّازُ: سَيْرٌ سَرِيعٌ، وَقِيلَ: الَّذِي يَتَحَرَّكُ بِهِ عُنُقُ الدَّابَّةِ، وَفِي الْفَائِقِ: الْعَنَقُ الْخَطْوُ الْفَسِيحُ وَانْتَصَبَ الْمُؤَكَّدُ مِنْ لَفْظِ الْفِعْلِ، وَفِي التَّمْهِيدِ: سَيْرٌ مَعْرُوفٌ لِلدَّوَابِّ، وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي غَيْرِهَا، قَالَ: يَا جَارَتِي يَا طَوِيلَةَ الْعُنُقْ أَخْرَجَتْنِي بِالصُّدُودِ عَنْ عَنَقْ (فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ فَوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ، أَيْ مَكَانًا مُتَّسِعًا، كَذَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَالْقَعْنَبِيُّ، وَالتِّنِّيسِيُّ، وَطَائِفَةٌ، وَرَوَاهُ يَحْيَى، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، وَجَمَاعَةٌ فُرْحَةً، بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الرَّاءِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ بِمَعْنَى فَجْوَةٍ (نَصَّ) بِفَتْحِ النُّونِ، وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ، أَيْ أَسْرَعَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: النَّصُّ تَحْرِيكُ الدَّابَّةِ حَتَّى تَسْتَخْرِجَ بِهِ أَقْصَى مَا عِنْدَهَا، وَأَصْلُهُ غَايَةُ الشَّيْءِ يُقَالُ: نَصَصْتُ الشَّيْءَ: رَفَعْتُهُ، قَالَ الشَّاعِرُ: وَنُصَّ الْحَدِيثَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّ الْوَثِيقَةَ فِي نَصِّهِ أَيِ ارْفَعْهُ إِلَيْهِمْ وَانْسُبْهُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي ضَرْبٍ سَرِيعٍ مِنَ السَّيْرِ. الحديث: 893 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ) أَيْ أَرْفَعُ مِنْهُ فِي السُّرْعَةِ، وَكَذَا بَيَّنَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَأَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ: أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِهِ، وَأَدْرَجَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَسُفْيَانُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَوَكِيعٌ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَعِنْدَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ وَكِيعٍ، وَعِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ مِنْ سُفْيَانَ، وَهُمَا إِنَّمَا أَخَذَاهُ عَنْ هِشَامٍ فَرَجَعَ التَّفْسِيرُ إِلَيْهِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ فَلَمْ يَذْكُرُوا التَّفْسِيرَ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَكْثَرُ مِنْ مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ السَّيْرِ فِي الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، وَهُوَ مِمَّا يَلْزَمُ أَئِمَّةَ الْحَاجِّ فَمَنْ دُونَهُمْ فِعْلَهُ لِأَجْلِ الِاسْتِعْجَالِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ لَا تُصَلَّى إِلَّا مَعَ الْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، أَيْ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ الْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ عِنْدَ الزَّحْمَةِ، وَبَيْنَ الْإِسْرَاعِ عِنْدَ عَدَمِهَا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ نَاقَتَهُ رَافِعَةً يَدَيْهَا حَتَّى أَتَى جَمْعًا مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الزِّحَامِ دُونَ غَيْرِهِ، يُشِيرُ إِلَى مَا رَوَاهُ هُوَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْدَفَهُ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيجَافِ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ نَاقَتَهُ رَافِعَةً يَدَيْهَا حَتَّى أَتَى جَمْعًا» "، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ فِيهِ أُسَامَةُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ قَالَ: فَمَا زَالَ يَسِيرُ عَلَى هَنِيَّتِهِ حَتَّى أَتَى جَمْعًا، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ أُسَامَةَ، وَرُجِّحَ فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَحْرِصُونَ عَلَى السُّؤَالِ عَنْ كَيْفِيَّةِ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ حَرَكَاتِهِ وَسُكُونِهِ لِيَقْتَدُوا بِهِ فِي ذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَوَكِيعٌ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عِنْدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ، الْعَشَرَةُ عَنْ هِشَامٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَرِّكُ رَاحِلَتَهُ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ   894 - 880 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَرِّكُ رَاحِلَتَهُ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ) بِلَفْظِ اسْمِ الْفَاعِلِ قَدْرَ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ عَمَلًا بِالسُّنَّةِ. الحديث: 894 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 [بَاب مَا جَاءَ فِي النَّحْرِ فِي الْحَجِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِمِنًى هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ وَقَالَ فِي الْعُمْرَةِ هَذَا الْمَنْحَرُ يَعْنِي الْمَرْوَةَ وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ وَطُرُقِهَا مَنْحَرٌ   58 - بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّحْرِ فِي الْحَجِّ 896 - 881 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بِمِنًى) هَذَا الْمَكَانُ الَّذِي نَحَرْتُ فِيهِ (الْمَنْحَرُ) الْأَفْضَلُ (وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ) يَجُوزُ النَّحْرُ فِيهِ، زَادَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: " فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ "، وَهُوَ أَمْرُ إِبَاحَةٍ لَا إِيجَابٍ، وَلَا نَدْبٍ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: مَنْحَرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى الَّتِي تَلِي الْمَسْجِدَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا رَوَاهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: كَانَ مَنْزِلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِنًى عَنْ يَسَارِ الْمُصَلَّى. قَالَ: وَقَالَ غَيْرُ طَاوُسٍ مِنْ أَشْيَاخِنَا مِثْلَهُ، وَزَادَ: فَأَمَرَ بِنِسَائِهِ أَنْ يَنْزِلْنَ حَيْثُ الدَّارُ بِمِنًى، وَأَمَرَ الْأَنْصَارَ أَنْ يَنْزِلُوا بِالشِّعْبِ وَرَاءَ الدَّارِ، قُلْتُ: وَالشِّعْبُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْمَذْكُورَةِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: فَلِلنَّحْرِ فِيهِ فَضِيلَةٌ عَلَى غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ: هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ. (وَقَالَ فِي الْعُمْرَةِ: هَذَا الْمَنْحَرُ) الْأَفْضَلُ (يَعْنِي الْمَرْوَةَ) بَيَانٌ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ (وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَجِيمَيْنِ، جَمْعُ فَجٍّ، بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ (وَطُرُقُهَا مَنْحَرٌ) يَجُوزُ النَّحْرُ فِيهَا، قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: يُرِيدُ: كُلُّ مَا قَارَبَ بُيُوتَ مَكَّةَ مِنْ فِجَاجِهَا وَطُرُقِهَا مَنْحَرٌ، وَمَا تَبَاعَدَ مِنَ الْبُيُوتِ فَلَيْسَ بِمَنْحَرٍ. الحديث: 896 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلَا نُرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ عَائِشَةُ فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالُوا نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ» قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ أَتَتْكَ وَاللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ   896 - 882 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ (قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ: (أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنَ الْمَدِينَةِ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ (لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْعُدُونَ فِيهِ عَنِ الْقِتَالِ، وَمِثْلُ هَذَا التَّارِيخِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَاحْتَجَّ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى أَنَّ خُرُوجَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ يَوْمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 الْخَمِيسِ قَالَ: لِأَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ الْوَقْفَةَ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ يَقْتَضِي أَنَّ خُرُوجَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِنَاءً عَلَى تَرْكِ عَدِّ يَوْمِ الْخُرُوجِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ الْخَمِيسِ بِإِلْغَاءِ يَوْمِ الْخُرُوجِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّ الْمُتَعَيِّنَ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ السَّبْتِ بِنَاءً عَلَى عَدِّ يَوْمِ الْخُرُوجِ، أَوْ عَلَى تَرْكِ عَدِّهِ، وَيَكُونُ ذُو الْقِعْدَةِ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، أَيَّدَهُ الْحَافِظُ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ وَالْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ: أَنَّ خُرُوجَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْعِ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ فِي التَّارِيخِ لِئَلَّا يَكُونَ الشَّهْرُ نَاقِصًا، فَلَا يَصِحُّ الْكَلَامُ، فَيَقُولُ مَثَلًا: إِنْ بَقِينَ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَكُونُ عَلَى الْغَالِبِ. (وَلَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ، أَيْ: نَظُنُّ (إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ) لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَفِي الْبُخَارِيِّ رِوَايَةُ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ عَنْهَا: لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ، وَلَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا أَوَّلًا مُحْرِمِينَ بِالْحَجِّ، لَكِنَّ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ السَّابِقَةِ فِي الْمُوَطَّأِ: فَمِنَّا مَنْ أَهَّلَ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَّلَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَّلَ بِالْحَجِّ، فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهَا ذَكَرَتْ مَا كَانُوا يَعْهَدُونَهُ مِنْ تَرْكِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَخَرَجُوا لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا هُوَ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُجُوهَ الْإِحْرَامِ وَجَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، تَقَدَّمَ مَزِيدٌ لِذَلِكَ. (فَلَمَّا دَنَوْنَا) قَرُبْنَا (مِنْ مَكَّةَ) بِسَرِفَ كَمَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ، أَوْ بَعْدَ طَوَافِهِمْ بِالْبَيْتِ، وَسَعْيِهِمْ كَمَا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ، وَيَحْتَمِلُ تَكْرِيرُهُ الْأَمْرَ بِذَلِكَ مَرَّتَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَأَنَّ الْعَزِيمَةَ كَانَتْ آخِرًا حِينَ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ. ( «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ أَنْ يَحِلَّ» ) بِفَتْحِ أَوَّلَهُ وَكَسْرِ ثَانِيهِ، أَيْ يَصِيرُ حَلَالًا بِأَنْ يَتَمَتَّعَ، وَهَذَا فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ تِلْكَ السَّنَةِ خَاصَّةً أَوْ مَنْسُوخٌ. (قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدُخِلَ) بِضَمِّ الدَّالِ، وَكَسْرِ الْخَاءِ، مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ (عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ) بِالنَّصْبِ ظَرْفًا، أَيْ فِي يَوْمِ النَّحْرِ (بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: نَحَرَ) وَلِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: ذَبَحَ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ) فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ ذَبْحِ الْبَقَرِ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، إِلَّا أَنَّ الذَّبْحَ يُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 67) وَخَالَفَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، فَاسْتَحَبَّ نَحْرَهَا، وَأَخَذَ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ عَنِ اللَّحْمِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ، إِذْ لَوْ كَانَ بِعِلْمِهَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ، لَكِنْ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ احْتِمَالَ أَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 اسْتَأْذَنَهُنَّ، وَلَمَّا رَأَتِ اللَّحْمَ احْتَمَلَ عِنْدَهَا أَنَّهُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الِاسْتِئْذَانُ، وَأَنَّهُ غَيْرُهُ، فَاسْتَفْهَمَتْ عَنْهُ لِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَخَذَ بِظَاهِرِهِ جَمَاعَةٌ فَأَجَازُوا الِاشْتِرَاكَ فِي الْهَدْيِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ بَقَرَةٌ. وَأَمَّا رِوَايَةُ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ عَنْ أَزْوَاجِهِ بَقَرَةً وَاحِدَةً» "، فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: تَفَرَّدَ يُونُسُ بِذَلِكَ، وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَرِوَايَةُ يُونُسَ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُمَا، وَيُونُسُ ثِقَةٌ حَافِظٌ، وَقَدْ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَلَفْظٌ أَصْرَحُ مِنْ لَفْظِ يُونُسَ، قَالَ: مَا ذَبَحَ عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَّا بَقَرَةً. وَلِلنَّسَائِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " «ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّنِ اعْتَمَرَ مِنْ نِسَائِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ» "، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَهُوَ شَاهِدٌ قَوِيٌّ لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ عَمَّارٌ الذُّهْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " «ذَبَحَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ حَجِّنَا بَقَرَةً بَقَرَةً» "، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، فَهُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ، انْتَهَى. وَلَا شُذُوذَ فَإِنَّ عَمَّارًا الذُّهْنِيَّ، بِضَمِّ الذَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَنُونٍ، ثِقَةٌ صَدُوقٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، فَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ، فَإِنَّهُ قَدْ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْ غَيْرُهُ، وَزِيَادَتُهُ لَيْسَتْ مُخَالِفَةً لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ قَوْلَ مَعْمَرٍ: مَا ذَبَحَ إِلَّا بَقَرَةً، الْمُرَادُ بِهَا جِنْسُ بَقَرَةٍ، أَيْ لَا بَعِيرَ، وَلَا غَنَمَ، فَلَا يُنَافِي الرِّوَايَةَ الصَّرِيحَةَ: أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ بَقَرَةٌ، فَمِنْ شَرْطِ الشُّذُوذِ أَنْ يَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ، وَقَدْ أَمْكَنَ فَلَا تَأْيِيدَ فِيهَا لِرِوَايَةِ يُونُسَ الَّتِي حَكَمَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي بِشُذُوذِهَا، لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِقَوْلِهِ: وَاحِدَةً، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا شَاهِدَ فِيهِ فَضْلًا عَنْ قُوَّتِهِ، إِذْ قَوْلُهُ: ذَبَحَ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ، لَا صَرَاحَةَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْبَحْ سِوَاهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ ذَلِكَ، فَتُعَارِضُهُ الرِّوَايَةُ الصَّرِيحَةُ فِي التَّعَدُّدِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَضَاحِيِّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بِلَفْظِ: " «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرَةِ» "، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَكِنْ بِلَفْظِ أَهْدَى بَدَلَ ضَحَّى، قَالَ الْحَافِظُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّصَرُّفَ مِنَ الرُّوَاةِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ النَّحْرِ، فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ، لَكِنَّ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ كَانَ عَمَّنِ اعْتَمَرَ مِنْ نِسَائِهِ فَقَوِيَتْ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ أَهْدَى، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ هَدْيٌ لِلتَّمَتُّعِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: لَا ضَحَايَا عَلَى أَهْلِ مِنًى، قِيلَ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَلْحَقُهُ مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ مَا عَمِلَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَا عِلْمِهِ، وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ الِاسْتِئْذَانِ كَمَا مَرَّ، وَفِيهِ جَوَازُ الْأَكْلِ مِنَ الْهَدْيِ. (قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ) الَّذِي أَخْبَرَتْنِي بِهِ عَمْرَةُ (لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ (فَقَالَ أَتَتْكَ) عَمْرَةُ (وَاللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ) أَيْ سَاقَتْهُ لَكَ سِيَاقًا تَامًّا لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 تَخْتَصِرْ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى رِوَايَتِهِ هُوَ عَنْ عَائِشَةَ، فَإِنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا، رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ هُنَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْجِهَادِ: عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ ثَلَاثَتُهُمْ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَسُفْيَانُ عَنْ مُسْلِمٍ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ، خَمْسَتُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ فَقَالَ إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ»   897 - 883 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ) أُخْتِهِ (حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَأْنُ) أَيْ أَمْرُ وَحَالُ (النَّاسِ حَلُّوا) هَكَذَا لِيَحْيَى اللَّيْثِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ وَابْنِ بُكَيْرٍ وَالْقَعْنَبِيِّ وَأَبِي مُصْعَبٍ وَغَيْرِهِمْ، وَزَادَ التِّنِّيسِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَابْنُ وَهْبٍ: بِعُمْرَةٍ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، أَيْ أَنَّ إِحْرَامَهُمْ بِعُمْرَةٍ كَانَ سَبَبًا لِسُرْعَةِ حَلِّهِمْ (وَلَمْ تَحْلِلْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَكَسْرِ ثَالِثِهِ (أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ، مِنَ التَّلْبِيدِ، وَهُوَ جَعْلُ شَيْءٍ فِيهِ مِنْ نَحْوِ صَمْغٍ لِيَجْتَمِعَ الشَّعْرُ وَلَا يَدْخُلَ فِيهِ قَمْلٌ (وَقَلَّدْتُ هَدْيِي) : عَلَّقْتُ شَيْئًا فِي عُنُقِهِ لِيُعْلَمَ (فَلَا أَحِلُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَالرَّفْعِ، مِنْ إِحْرَامِي (حَتَّى أَنْحَرَ) الْهَدْيَ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا عَلَى أَنَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَحِلُّ مِنَ الْعُمْرَةِ حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَيَفْرَغَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ جَعَلَ عِلَّةَ بَقَائِهِ عَلَى إِحْرَامِهِ كَوْنَهُ أَهْدَى، وَكَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ، وَالْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ مُتَظَاالفِرَةٌ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي عَدَمِ تَحَلُّلِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ، كَوْنُهُ أَدْخَلَهَا عَلَى الْحَجِّ، وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ لِمَنْ قَالَ كَانَ مُفْرِدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ انْفِصَالٌ، لِأَنَّهُ إِنْ قَالَ بِهِ أُشْكِلَ عَلَيْهِ بِتَعْلِيلِهِ عَدَمُ التَّحَلُّلِ بِسَوْقِ الْهَدْيِ، لِأَنَّ التَّحَلُّلَ يَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ كَانَ قَارِنًا عِنْدَهُ، وَجَنَحَ الْأَصِيلِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى تَوْهِيمِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: " «وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ» "، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ غَيْرُهُ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ انْفِرَادِهِ بِأَنَّهَا زِيَادَةُ حَافِظٍ، فَيَجِبُ قَبُولُهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ، فَقَدْ تَابَعَهُ أَيُّوبُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَهُمَا مَعَ مَالِكٍ حُفَّاظُ أَصْحَابِ نَافِعٍ، انْتَهَى. وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُسْلِمٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِدُونِهَا. وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ: " «فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ» ، وَلَا تُنَافِي هَذِهِ الحديث: 897 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 رِوَايَةَ مَالِكٍ، لِأَنَّ الْقَارِنَ لَا يَحِلُّ مِنَ الْعُمْرَةِ، وَلَا مِنَ الْحَجِّ حَتَّى يَنْحَرَ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ قَالَ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ قَوْلَ حَفْصَةَ: وَلَمْ تَحْلِلْ عُمْرَتَكَ، وَقَوْلُهُ: حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ ; ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا. وَأَجَابَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا: مِنْ عُمْرَتِكَ: مِنْ إِحْرَامِكَ الَّذِي ابْتَدَأْتَهُ مَعَهُمْ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» "، أَيْ فَأَطْلَقْتُ اسْمَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِنِيَّةِ الْحَجَّةِ الْوَاحِدَةِ تَجَوُّزًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَمْ تَحْلِلْ مِنْ حَجِّكِ بِعُمْرَةٍ كَمَا أَمَرْتَ أَصْحَابَكَ، وَمِنْ تَأْتِي بِمَعْنَى الْبَاءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] (سُورَةُ الرَّعْدِ: الْآيَةُ 11) أَيْ بِأَمْرِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ بِعُمْرَةٍ مِنْ إِحْرَامِكَ وَقِيلَ: ظَنَّتْ أَنَّهُ فَسَخَ حَجَّهُ بِعُمْرَةٍ كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُهُ بِأَمْرِهِ، فَقَالَتْ: لِمَ لَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ عُمْرَتِكَ؟ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعُمْرَةِ هُنَا الْحَجُّ، لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي كَوْنِهِمَا قَصْدًا. وَجَزَمَ بِهِ الْمُنْذِرِيُّ، وَأَيَّدَهُ بِأَنَّهُ رُوِيَ حَلُّوا، وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ حَجَّتِكَ، وَهَذَا نَحْوُ جَوَابِ الشَّافِعِيِّ، وَضُعِّفَتْ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ بِمَا فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ. وَعَنْ أَنَسٍ: " ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ ". وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: جَمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ، مَرْفُوعًا: " «إِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ» ". وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِثْلُهُ، وَلِأَحْمَدَ عَنْ سُرَاقَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» "، وَلَهُ عَنْ طَلْحَةَ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَالْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» "، وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا نُصْرَةً لِمَنْ قَالَ: كَانَ مُفْرِدًا، فَنَقَلَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ سَمِعَهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا، أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّ قَتَادَةَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْحُفَّاظِ رَوَوْهُ عَنْ أَنَسٍ كَذَلِكَ، فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ عَلَى أَنَسٍ نَفْسِهِ، قَالَ: فَلَعَلَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُ غَيْرَهُ كَيْفَ يُهِلُّ بِالْقِرَانِ، فَظَنَّ أَنَّهُ أَهَّلَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ بِمَا تَقَدَّمَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَعَنْ حَدِيثِ عُمَرَ بِأَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ بِلَفْظِ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ، وَهَؤُلَاءِ أَكْثَرُ عَدَدًا مِمَّنْ رَوَاهُ وَقُلْ، فَقَالَ ذَلِكَ لِيَكُونَ إِذْنًا فِي الْقِرَانِ لَا أَمْرًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَالِ نَفْسِهِ. وَعَنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بِأَنَّ الْمُرَادَ إِذْنُهُ لِأَصْحَابِهِ فِي الْقِرَانِ بِدَلِيلِ رِوَايَتِهِ الْأُخْرَى: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَتَّعَ، فَإِنَّ مُرَادَهُ بِكُلِّ ذَلِكَ إِذْنُهُ. وَعَنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ: بِأَنَّهُ سَاقَهُ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ، وَقَدْ رَوَاهَا أَنَسٌ، يَعْنِي فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَجَابِرٌ فِي مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ فِيهَا لَفْظُ: وَقَرَنْتُ. وَأَجَابَ عَنْ بَاقِيهَا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ أَذِنَ فِي ذَلِكَ، لَا أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي نَفْسِهِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيمَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ مُحْرِمًا، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ، وَأَنَّ كُلًّا أَضَافَ إِلَيْهِ مَا أَمَرَ بِهِ اتِّسَاعًا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَمَرَّ لَهُ مَزِيدٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بَعْدَ الْحَجِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْرَادِ الَّذِي لَمْ يَعْتَمِرْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 فِي سَنَتِهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَانِ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، أَمَّا قَدِيمًا فَالثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَتَمَّ لِحَجِّكُمْ وَلِعُمْرَتِكُمْ أَنْ تُنْشِئُوا لِكُلٍّ مِنْهُمَا سَفَرًا. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُهُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَأَمَّا حَدِيثًا، فَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي بِتَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ فِي مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 [بَاب الْعَمَلِ فِي النَّحْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ بَعْضَ هَدْيِهِ وَنَحَرَ غَيْرُهُ بَعْضَهُ»   59 - بَابُ الْعَمَلِ فِي النَّحْرِ 898 - 884 - (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ) الصَّادِقِ (بْنِ مُحَمَّدٍ) الْبَاقِرِ (عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا لِيَحْيَى وَالْقَعْنَبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَالشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ، فَقَالُوا عَنْ جَابِرٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْهُ، وَأَرْسَلَهُ ابْنُ وَهْبٍ، لَمْ يَقُلْ عَنْ جَابِرٍ، وَلَا عَنْ عَلِيٍّ، وَالْمَتْنُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ عَنْ جَابِرٍ وَعَلِيٍّ، انْتَهَى. وَعَلَى رِوَايَةِ يَحْيَى وَمُوَافِقِهِ فِيهِ انْقِطَاعٌ، لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ) بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ (بَعْضَ هَدْيِهِ) وَكَانَ مِائَةَ بَدَنَةٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَلِيٍّ (وَنَحَرَ غَيْرُهُ بَعْضَهُ) هُوَ عَلِيٌّ، فَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَلِيٍّ: " «لَمَّا نَحَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُدْنَهُ نَحَرَ ثَلَاثِينَ بِيَدِهِ، وَأَمَرَنِي فَنَحَرْتُ سَائِرَهَا» "، وَفِي مُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ: " «ثُمَّ انْصَرَفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ» "، وَهَذَا أَصَحُّ، وَفِي أَبِي دَاوُدَ، عَنْ غَرَفَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْكِنْدِيِّ: " «شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَى بِالْبُدْنِ فَقَالَ: ادْعُوا لِي أَبَا الْحَسَنِ، فَدُعِيَ لَهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ: خُذْ بِأَسْفَلِ الْحَرْبَةِ، وَأَخَذَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَعْلَاهَا، ثُمَّ طَعَنَا بِهَا الْبُدْنَ، فَلَمَّا فَرَغَ رَكِبَ بَغْلَتَهُ، وَأَرْدَفَ عَلِيًّا» "، وَجَمَعَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْفَرَدَ بِنَحْرِ ثَلَاثِينَ بَدَنَةٍ، وَهِيَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَاشْتَرَكَ هُوَ وَعَلِيٌّ فِي نَحْرِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ غَرَفَةَ، بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، وَقِيلَ مُهْمَلَةٍ. وَقَوْلُ جَابِرٍ: نَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، مُرَادُهُ كُلُّ مَا لَهُ دَخْلٌ فِي نَحْرِهِ، إِمَّا مُنْفَرِدًا بِهِ، أَوْ مَعَ مُشَارَكَةِ عَلِيٍّ، وَجُمِعَ بَيْنَ حَدِيثَيْ عَلِيٍّ الحديث: 898 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 وَجَابِرٍ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ أَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَنْحَرَ فَنَحَرَ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ نَحَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، قَالَ: فَإِنْ سَاغَ هَذَا وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ، أَيْ مَعَ مُشَارَكَةِ عَلِيٍّ لِيَلْتَئِمَ مَعَ حَدِيثِ غَرَفَةَ وَإِنْ لَمْ يَعَرِّجِ الْحَافِظُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ حِكْمَةَ نَحْرِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهَا سِنِي عُمْرِهِ، وَهِيَ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ عَلَى كُلِّ سَنَةٍ بَدَنَةٌ نَقَلَهُ عِيَاضٌ، ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ الْبُدْنَ الَّتِي جَاءَتْ مَعَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، وَأَعْطَى عَلِيًّا الْبُدْنَ الَّتِي جَاءَتْ مَعَهُ مِنَ الْيَمَنِ، وَهِيَ تَمَامُ الْمِائَةِ، انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا: «نَحَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ» ، فَلَعَلَّهَا الَّتِي اطَّلَعَ هُوَ عَلَيْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَإِنَّهُ يُقَلِّدُهَا نَعْلَيْنِ وَيُشْعِرُهَا ثُمَّ يَنْحَرُهَا عِنْدَ الْبَيْتِ أَوْ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ لَيْسَ لَهَا مَحِلٌّ دُونَ ذَلِكَ وَمَنْ نَذَرَ جَزُورًا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ فَلْيَنْحَرْهَا حَيْثُ شَاءَ   899 - 885 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَإِنَّهُ يُقَلِّدُهَا نَعْلَيْنِ) يَجْعَلُهُمَا فِي عُنُقِهَا عَلَامَةً (وَيُشْعِرُهَا) فِي سَنَامِهَا (ثُمَّ يَنْحَرُهَا عِنْدَ الْبَيْتِ أَوْ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ لَيْسَ لَهَا مَحِلٌّ دُونَ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَمَّا عَبَّرَ بِبَدَنَةٍ عُلِمَ أَنَّهَا هَدْيٌ (وَمَنْ نَذَرَ جَزُورًا مِنَ الْإِبِلِ، أَوِ الْبَقَرِ، فَلْيَنْحَرْهَا حَيْثُ شَاءَ) أَيْ فِي أَيِّ مَكَانٍ، لِأَنَّهُ أَرَادَ إِطْعَامَ لَحْمِهِ مَسَاكِينَ مَوْضِعِهِ، أَوْ مَا نَوَى مِنَ الْمَوَاضِعِ. الحديث: 899 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَنْحَرُ بُدْنَهُ قِيَامًا قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَنْحَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَإِنَّمَا الْعَمَلُ كُلُّهُ يَوْمَ النَّحْرِ الذَّبْحُ وَلُبْسُ الثِّيَابِ وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ وَالْحِلَاقُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُفْعَلُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ   900 - 886 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَنْحَرُ بُدْنَهُ قِيَامًا) حَالٌ سَوَّغَ وُقُوعَهَا مِنَ النَّكِرَةِ مَعَ تَأَخُّرِهَا عَنْهَا تَخْصِيصُ النَّكِرَةِ بِالْإِضَافَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ: " رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بِبَدَنَتِهِ يَنْحَرُهَا، قَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَهَذَا مَرْفُوعٌ لِقَوْلِهِ: سُنَّةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 36) قَالَ: قِيَامًا، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ. وَ (صَوَافَّ) بِالتَّشْدِيدِ، جَمْعُ صَافَّةٍ، أَيْ مُصْطَفَّةً فِي قِيَامِهَا. وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: صَوَافَّ، أَيْ قِيَامًا عَلَى ثَلَاثَةِ قَوَائِمَ مَعْقُولَةٍ. وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (صَوَافِنَ) بِكَسْرِ الْفَاءِ بَعْدَهَا نُونٌ، جَمْعُ صَافِنَةٍ، وَهِيَ الَّتِي رَفَعَتْ إِحْدَى يَدَيْهَا بِالْعَقْلِ لِئَلَّا تَضْطَرِبَ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَظُنُّ اخْتِيَارَ الْعُلَمَاءِ نَحْرَ الْبُدْنِ قِيَامًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 36) وَالْوُجُوبُ الحديث: 900 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 لُغَةً: السُّقُوطُ إِلَى الْأَرْضِ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ) لِنَهْيِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ عَنْ ذَلِكَ. (وَلَا يَنْبَغِي) : لَا يَجُوزُ (لِأَحَدٍ أَنْ يَنْحَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَإِنَّمَا الْعَمَلُ كُلُّهُ يَوْمَ النَّحْرِ الذَّبْحُ وَلُبْسُ الثِّيَابِ وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ) إِزَالَةُ الْأَوْسَاخِ، وَالشَّعَثِ كَطُولِ الظُّفْرِ (وَالْحِلَاقُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، مَصْدَرُ حَلَقَ (لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ) لِأَنَّهُ فِعْلٌ لَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ كَمَنْ صَلَّى قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 [بَاب الْحِلَاقِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ»   60 - بَابُ الْحِلَاقِ 901 - 887 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْإِمَامِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الْحَجِّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " «حَلَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ» "، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا) أَيِ الصَّحَابَةُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ عَلَى الَّذِي تَوَلَّى السُّؤَالَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الْبَحْثِ الشَّدِيدِ (وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أَيْ قُلْ وَارْحَمِ الْمُقَصِّرِينَ (قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا) : قُلْ (وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) فَالْعَطْفُ عَلَى مَحْذُوفٍ وَهُوَ يُسَمَّى الْعَطْفُ التَّلْقِينِيُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 124) (قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ) قَالَ الْحَافِظُ: فِيهِ إِعْطَاءُ الْمَعْطُوفِ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا السُّكُوتُ بِلَا عُذْرٍ، ثُمَّ هُوَ هَكَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ الدُّعَاءُ لِلْمُحَلِّقِينَ مَرَّتَيْنِ، وَعَطَفَ الْمُقَصِّرِينَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ، وَانْفَرَدَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ دُونَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ بِإِعَادَةِ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي، وَأَغْفَلَهُ فِي التَّمْهِيدِ، بَلْ قَالَ فِيهِ: إِنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا عَلَى مَالِكٍ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ رَاجَعْتُ أَصْلَ الحديث: 901 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 سَمَاعِي مِنْ مُوَطَّأِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، فَوَجَدْتُهُ كَمَا قَالَ فِي التَّقَصِّي، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَعَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ: " ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ "، وَالشَّكُّ فِيهِ مِنَ اللَّيْثِ، وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمْ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ مَالِكٍ وَلِمُسْلِمٍ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: فِي الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ مَالِكٍ سَوَاءٌ، وَبَيَانُ كَوْنِهَا فِي الرَّابِعَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالْمُقَصِّرِينَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ وَارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ، وَإِنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ دُعَائِهِ لَهُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ لِلْمُقَصِّرِينَ فِي الرَّابِعَةِ. وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ: قَالَ فِي الثَّالِثَةِ، وَالْمُقَصِّرِينَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ بِأَنَّ مَنْ قَالَ الرَّابِعَةَ فَعَلَى مَا شَرَحْنَاهُ، وَمَنْ قَالَ الثَّالِثَةَ أَرَادَ أَنَّ الْمُقَصِّرِينَ عَطْفٌ عَلَى الدَّعْوَةِ الثَّالِثَةِ، أَوْ أَرَادَ بِالثَّالِثَةِ مَسْأَلَةَ السَّائِلِينَ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَا يُرَاجَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَلَوْ لَمْ يَدْعُ لَهُمْ ثَالِثَ مَسْأَلَةٍ مَا سَأَلُوهُ. وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: " «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَلِلْمُقَصِّرِينَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ» "، وَرِوَايَةُ مَنْ جَزَمَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَنْ شَكَّ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ فِيهِ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهُوَ تَقْصِيرُ حَذْفٍ، وَإِنَّمَا جَرَى ذَلِكَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ، وَهَذَا مَحْفُوظٌ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَغْفِرُ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً» " وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: " «حَلَّقَ رِجَالٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَصَّرَ آخَرُونَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ» " الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ، بَلْ قَالَ وَذَكَرَ مَعْنَاهُ، وَتَجَوَّزَ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ، وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ وَقَعَ لَقَطَعْنَا بِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِأَنَّهُ شَهِدَهَا، وَلَمْ يَشْهَدِ الْحُدَيْبِيَةَ، وَلَمْ يَسُقِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَنْهُ، بَلْ صَرَّحَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِأَنَّهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَإِلَيْهِ يُومِي صَنِيعُ الْبُخَارِيِّ وَمَالِكٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَلَمْ يُعَيِّنِ الْمَكَانَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ حَبَشِيٍّ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ فِيهَا. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِمْ فَقَدْ وَرَدَ تَعْيِينُ الْحُدَيْبِيَةِ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَكَذَا جَزَمَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، وَوَرَدَ تَعْيِينُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَرْيَمَ السَّلُولِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 شَيْبَةَ وَأُمِّ الْحُصَيْنِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَقَارَبَ الثَّقَفِيُّ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأُمُّ عُمَارَةَ عِنْدَ الْحَارِثِ، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا تَعْيِينُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَكْثَرُ عَدَدًا، وَأَصَحُّ إِسْنَادًا، وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: كَانَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إِنَّهُ الْأَقْرَبُ، قُلْتُ: بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِتَظَافُرِ الرِّوَايَاتِ بِذَلِكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِلَّا أَنَّ السَّبَبَ فِيهِمَا مُخْتَلِفٌ، فَالَّذِي فِي الْحُدَيْبِيَةِ سَبَبُهُ تَوَقُّفُ مَنْ تَوَقَّفَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ الْإِحْلَالِ لِمَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُزْنِ، لِكَوْنِهِمْ مُنِعُوا مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ مَعَ اقْتِدَارِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، فَخَالَفَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى أَنْ يَرْجِعَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَلَمَّا أَمَرَهُمْ بِالْإِحْلَالِ تَوَقَّفُوا، فَأَشَارَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنْ يَحِلَّ هُوَ، فَفَعَلَ، فَحَلَقَ بَعْضٌ، وَقَصَّرَ بَعْضٌ، فَكَانَ مَنْ بَادَرَ إِلَى الْحَلْقِ أَسْرَعَ إِلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ مِمَّنْ قَصَّرَ، وَصَرَّحَ بِهَذَا السَّبَبِ فِي حَدِيثٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُحَلِّقِينَ ظَاهَرْتَ لَهُمْ بِالتَّرَحُّمِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا» . وَأَمَّا سَبَبُ تَكْرِيرِ الدُّعَاءِ لِلْمُحَلِّقِينَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: كَانَ أَكْثَرُ مَنْ حَجَّ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، فَلَمَّا أَمَرَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ، ثُمَّ يَتَحَلَّلُوا مِنْهَا، وَيَحْلِقُوا رُءُوسَهُمْ شَقَّ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنَ الطَّاعَةِ كَانَ التَّقْصِيرُ فِي أَنْفُسِهِمْ أَخَفَّ مِنَ الْحَلْقِ، فَفَعَلَهُ أَكْثَرُهُمْ، فَرَجَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلَ مَنْ حَلَقَ، لِأَنَّهُ أَبْيَنُ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ تَبِعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُقَصِّرَ فِي الْعُمْرَةِ، وَيَحْلِقَ فِي الْحَجِّ إِذَا قَرُبَ مَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَقَدْ كَانَ كَذَلِكَ هُنَا، وَالْأَوْلَى قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرِهِ: إِنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ حُبُّ تَوْفِيرِ الشُّعُورِ وَالتَّزَيُّنِ بِهَا، وَالْحَلْقُ فِيهِمْ قَلِيلٌ، وَرُبَّمَا رَأَوْهُ مِنَ الشُّهْرَةِ وَمِنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ لِذَا كَرِهُوا الْحَلْقَ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى التَّقْصِيرِ. وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ التَّقْصِيرَ يُجْزِي عَنِ الْحَلْقِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِلَّا رِوَايَةً عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ تَعَيَّنَ الْحَلْقُ أَوَّلَ حَجَّةٍ، وَثَبَتَ عَنْهُ خِلَافُهُ، وَفِيهِ أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعِبَادَةِ، وَأَبْيَنُ لِلْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ، وَأَدَلُّ عَلَى صِدْقِ النِّيَّةِ، وَالْمُقَصِّرُ يُبْقِي عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَتَزَيَّنُ بِهِ بِخِلَافِ الْحَالِقِ، فَيُشْعِرُ بِأَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لِلَّهِ وَإِشَارَةً إِلَى التَّجَرُّدِ، وَلِذَا اسْتَحَبَّ الصُّلَحَاءُ إِلْقَاءَ الشُّعُورِ عِنْدَ التَّوْبَةِ، وَتَعْلِيلُ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْمُقَصِّرَ مُبْقٍ عَلَى نَفْسِهِ الشَّعْرَ الَّذِي هُوَ زِينَةٌ، وَالْحَاجُّ مَأْمُورٌ بِتَرْكِهَا، بَلْ هُوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ، فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْحَلْقَ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ انْقِضَاءِ زَمَنِ الْأَمْرِ بِالتَّقَشُّفِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ فِي الْحَجِّ خَاصَّةً، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ حَلْقِ جَمِيعِ الرَّأْسِ، لِأَنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ: (الْمُحَلِّقِينَ) ، وَقَالَ بِوُجُوبِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَاسْتَحَبَّهُ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ، وَيُجْزِي الْبَعْضُ عِنْدَهُمْ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الرُّبُعُ إِلَّا أَبَا يُوسُفَ، فَقَالَ: النِّصْفُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَقَلُّ مَا يَجِبُ حَلْقُ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ، وَالتَّقْصِيرُ كَالْحَلْقِ يَأْخُذُ الرَّجُلَ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ مِنْ قُرْبِ أَصْلِهِ اسْتِحْبَابًا، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ أَطْرَافِهِ أَجْزَأَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 يَزِدْ عَلَى قَدْرِ مَا تَأْخُذُهُ الْمَرْأَةُ، وَهُوَ قَدْرُ أُنْمُلَةٍ، وَالْمَشْرُوعُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ بِإِجْمَاعٍ، وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَرْفُوعًا: " «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ» "، وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ: " «نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا» " وَفِيهِ أَيْضًا الدُّعَاءُ لِمَنْ فَعَلَ مَا شُرِعَ لَهُ، وَتَكْرَارُهُ لِمَنْ فَعَلَ، الرَّاجِحُ مِنَ الْأَمْرَيْنِ الْمُخَيَّرُ فِيهِمَا، وَالتَّنْبِيهُ بِالتَّكْرَارِ عَلَى الرُّجْحَانِ، وَطَلَبُ الدُّعَاءِ لِمَنْ فَعَلَ الْجَائِزَ، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ مُتَابَعَاتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ لَيْلًا وَهُوَ مُعْتَمِرٌ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيُؤَخِّرُ الْحِلَاقَ حَتَّى يُصْبِحَ قَالَ وَلَكِنَّهُ لَا يَعُودُ إِلَى الْبَيْتِ فَيَطُوفُ بِهِ حَتَّى يَحْلِقَ رَأْسَهُ قَالَ وَرُبَّمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَوْتَرَ فِيهِ وَلَا يَقْرَبُ الْبَيْتَ قَالَ مَالِكٌ التَّفَثُ حِلَاقُ الشَّعْرِ وَلُبْسُ الثِّيَابِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الْحِلَاقَ بِمِنًى فِي الْحَجِّ هَلْ لَهُ رُخْصَةٌ فِي أَنْ يَحْلِقَ بِمَكَّةَ قَالَ ذَلِكَ وَاسِعٌ وَالْحِلَاقُ بِمِنًى أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ أَحَدًا لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعَرِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَهُ وَلَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]   902 - 888 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ لَيْلًا، وَهُوَ مُعْتَمِرٌ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَ) يَسْعَى (بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أَوِ اسْتَعْمَلَهُ فِي حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ، لِأَنَّ الشَّرْعِيَّةَ السَّعْيُ (وَيُؤَخِّرُ الْحِلَاقَ حَتَّى يُصْبِحَ) إِذْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِهِ إِذَا شَغَلَهُ عَنْهُ مَانِعٌ، وَأَظُنُّهُ لَمْ يَجِدْ فِي اللَّيْلِ مَنْ يَحْلِقُهُ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (قَالَ) عَبْدُ الرَّحْمَنِ: (وَلَكِنَّهُ) أَيْ أَبَاهُ الْقَاسِمَ (لَا يَعُودُ إِلَى الْبَيْتِ، فَيَطُوفُ بِهِ حَتَّى يَحْلِقَ رَأْسَهُ، قَالَ: وَرُبَّمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَوْتَرَ فِيهِ) : صَلَّى الْوِتْرَ (وَلَا يَقْرَبُ الْبَيْتَ) أَيْ لَا يَطُوفُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلْعُمْرَةِ طَوَافَانِ. (قَالَ مَالِكٌ: التَّفَثُ حِلَاقُ الشَّعْرِ، وَلُبْسُ) مَصْدَرٌ (الثِّيَابِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ) مِنْ قَصِّ الْأَظْفَارِ، وَإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. (قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الْحِلَاقَ بِمِنًى فِي الْحَجِّ، هَلْ لَهُ رُخْصَةٌ فِي أَنْ يَحْلِقَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: ذَلِكَ وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ (وَالْحِلَاقُ بِمِنًى أَحَبُّ إِلَيَّ) أَفْضَلُ لِلِاتِّبَاعِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (أَنَّ أَحَدًا لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَهُ، وَلَا يَحِلُّ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ (مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ بِمِنًى الحديث: 902 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 يَوْمَ النَّحْرِ وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] أَيْ حَيْثُ يَحِلُّ ذَبْحُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 [بَاب التَّقْصِيرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ رَأْسِهِ وَلَا مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا حَتَّى يَحُجَّ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ   61 - بَابُ التَّقْصِيرِ 903 - 889 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ رَأْسِهِ، وَلَا مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا حَتَّى يَحُجَّ) طَلَبًا لِمَزِيدِ الشَّعَثِ الْمَطْلُوبِ فِي الْحَجِّ، لَكِنْ (قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ الْقَوِيَّةِ. الحديث: 903 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا حَلَقَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ   904 - 890 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا حَلَقَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ) لِطُولِهِمَا، لِتَرْكِهِ الْأَخْذَ مِنْهُمَا مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ، لَا لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّحَلُّلِ. الحديث: 904 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ إِنِّي أَفَضْتُ وَأَفَضْتُ مَعِي بِأَهْلِي ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى شِعْبٍ فَذَهَبْتُ لِأَدْنُوَ مِنْ أَهْلِي فَقَالَتْ إِنِّي لَمْ أُقَصِّرْ مِنْ شَعَرِي بَعْدُ فَأَخَذْتُ مِنْ شَعَرِهَا بِأَسْنَانِي ثُمَّ وَقَعْتُ بِهَا فَضَحِكَ الْقَاسِمُ وَقَالَ مُرْهَا فَلْتَأْخُذْ مِنْ شَعَرِهَا بِالْجَلَمَيْنِ قَالَ مَالِكٌ أَسْتَحِبُّ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُهْرِقَ دَمًا وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُهْرِقْ دَمًا   905 - 891 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فَرُّوخٍ (أَنَّ رَجُلًا) لَمْ يُسَمَّ (أَتَى الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَفَضْتُ) : طُفْتُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ (وَأَفَضْتُ مَعِيَ أَهْلِي، ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى شِعْبٍ، فَذَهَبْتُ لِأَدْنُوَ مِنْ أَهْلِي) : أُجَامِعَهَا (فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُقَصِّرْ مِنْ شَعْرِي بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ الحديث: 905 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 أَيْ إِلَى الْآنِ (فَأَخَذْتُ مِنْ شَعْرِهَا بِأَسْنَانِي، ثُمَّ وَقَعْتُ بِهَا) : جَامَعْتُهَا (فَضَحِكَ الْقَاسِمُ) تَعَجُّبًا (وَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهَا بِالْجَلَمَيْنِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَبِالْمِيمِ بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ الْجَلَمِ، بِفَتْحَتَيْنِ، الْمِقْرَاضُ يُقَالُ فِيهِ: الْجَلَمُ، وَالْجَلَمَانِ، كَمَا يُقَالُ: الْمِقْرَاضُ، وَالْمِقْرَاضَانِ، وَالْقَلَمُ، وَالْقَلَمَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْجَلَمَانِ، وَالْقَلَمَانِ اسْمًا وَاحِدًا عَلَى فَعَلَانِ كَالسَّرَطَانِ وَالدَّبَرَانِ، وَتُجْعَلَ النُّونُ حَرْفَ إِعْرَابٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُبْقَيَا عَلَى بَابِهِمَا فِي إِعْرَابِ الْمُثَنَّى، فَيُقَالُ: شَرَيْتُ الْجَلَمَيْنِ، وَالْقَلَمَيْنِ، قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ بِالْأَسْنَانِ لَيْسَ هُوَ مِنَ الشَّأْنِ، وَلَمْ يَفْعَلِ الرَّجُلُ حَرَامًا، لِأَنَّ الْوَطْءَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ حَلَالٌ، لَكِنَّهُ أَسَاءَ بِوَطْئِهَا قَبْلَ أَنْ تُقَصِّرَ، فَعَلَيْهَا التَّقْصِيرُ لَا غَيْرَ، وَلَمْ يَرَ الْقَاسِمُ الدَّمَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ، وَلَكِنْ (قَالَ مَالِكٌ: أَسْتَحِبُّ فِي مِثْلِ هَذَا) أَيْ تَقْدِيمِ الْإِفَاضَةِ عَلَى الْحَلْقِ (أَنْ يُهْرِقَ دَمًا) وَلَا يَجِبُ (وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُهْرِقْ دَمًا) رَوَاهُ الْإِمَامُ فِيمَا يَأْتِي عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِهِ يُقَالُ لَهُ الْمُجَبَّرُ قَدْ أَفَاضَ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ جَهِلَ ذَلِكَ فَأَمَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى الْبَيْتِ فَيُفِيضَ   906 - 892 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ لَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِهِ) وَهُوَ ابْنُ أَخِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَصْغَرُ ابْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ الَّذِي (يُقَالُ لَهُ: الْمُجَبَّرُ) بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ ثَقِيلَةٍ مَفْتُوحَةٍ، بِوَزْنِ مُحَمَّدٍ لُقِّبَ بِذَلِكَ، وَاسْمُهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قِيلَ: لِأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَهُوَ حَمْلٌ، فَلَمَّا وُلِدَ سَمَّتْهُ حَفْصَةُ بَاسِمِ أَبِيهِ، وَقَالَتْ: لَعَلَّ اللَّهَ يُجَبِّرُهُ، وَقِيلَ: سَقَطَ فَتَكَسَّرَ فَجُبِّرَ، فَقِيلَ لَهُ: الْمُجَبَّرُ (قَدْ أَفَاضَ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ جَهِلَ ذَلِكَ، فَأَمَرَهُ) عَمُّهُ (عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَرْجِعَ، فَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى الْبَيْتِ فَيَفِيضَ) لِيَأْتِيَ بِالتَّرْتِيبِ الْمَطْلُوبِ بِاتِّفَاقٍ. الحديث: 906 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ دَعَا بِالْجَلَمَيْنِ فَقَصَّ شَارِبَهُ وَأَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ وَقَبْلَ أَنْ يُهِلَّ مُحْرِمًا   906 - 893 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ دَعَا بِالْجَلَمَيْنِ) بِفَتْحَتَيْنِ (فَقَصَّ شَارِبَهُ، وَأَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ، وَقَبْلَ أَنْ يُهِلَّ) بِالتَّلْبِيَةِ (مُحْرِمًا) لِئَلَّا يَطُولَ ذَلِكَ بِالْإِحْرَامِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 [بَاب التَّلْبِيدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ ضَفَرَ رَأْسَهُ فَلْيَحْلِقْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ   62 - بَابُ التَّلْبِيدِ هُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمُحْرِمُ فِي رَأْسِهِ صَمْغًا، أَوْ غَيْرَهُ لِيَتَلَبَّدَ شَعْرُهُ، أَيْ يَلْتَصِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَلَا يَتَخَلَّلُهُ الْغُبَارُ، وَلَا يُصِيبُهُ الشَّعَثُ، وَلَا الْقَمْلُ، وَإِنَّمَا يُلَبَّدُ الشَّعْرُ مِنْ طُولِ مُكْثِهُ، وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّدَ رَأْسَهُ بِالْعَسَلِ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، مَعْرُوفٌ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الصَّمْغِ فِي إِلْصَاقِ بَعْضِ الشَّعْرِ بِبَعْضٍ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْغِسْلِ، بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مَا يُغْسَلُ بِهِ مِنْ خِطْمِيٍّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِمَّا يُلَبَّدُ بِهِ الشَّعْرُ أَيْضًا. 908 - 894 - (مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ ضَفَّرَ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ، رَأْسَهُ أَيْ جَعَلَهُ ضَفَائِرَ كُلُّ ضَفِيرَةٍ عَلَى حِدَةٍ بِثَلَاثِ طَاقَاتٍ فَمَا فَوْقَهَا (فَلْيَحْلِقْ) وُجُوبًا فَإِنْ قَصَّرَ لَمْ يُجْزِهِ وَعَلَيْهِ الْحَلْقُ (وَلَا تَشَبَّهُوا) الضَّفْرَ (بِالتَّلْبِيدِ) لِأَنَّهُ أَشَدُّ مِنْهُ، فَيَجُوزُ التَّقْصِيرُ عِنْدَ عُمَرَ لِمَنْ لَبَّدَ دُونَ مَنْ ضَفَّرَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ تَشَبَّهُوا، بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، أَيْ لَا تَتَشَبَّهُوا، وَمَعْنَى الضَّمِّ: لَا تُشَبِّهُوا عَلَيْنَا فَتَفْعَلُوا مَا لَا يُشْبِهُ التَّلْبِيدَ الَّذِي سُنَّةُ فَاعِلِهِ الْحَلْقُ، وَجَاءَ مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ هَذَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَجْهٍ حَسَنٍ. الحديث: 908 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ عَقَصَ رَأْسَهُ أَوْ ضَفَرَ أَوْ لَبَّدَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِلَاقُ   909 - 895 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، الحديث: 909 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ عَقَصَ رَأْسَهُ) لَوَى شَعْرَهُ، وَأَدْخَلَ أَطْرَافَهُ فِي أُصُولِهِ (أَوْ ضَفَرَ) رَأَسَهُ (أَوْ لَبَّدَ) رَأْسَهُ (فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِلَاقُ) وَلَا يُجْزِيهِ التَّقْصِيرُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ: مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ كَالْحَنَفِيَّةِ: لَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا إِنْ نَذَرَهُ، أَوْ كَانَ شَعْرُهُ خَفِيفًا لَا يُمْكِنُ تَقْصِيرُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَعْرٌ فَيُمِرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ، وَاسْتَدَلَّ الْخَطَّابِيُّ لِتَعَيُّنِ الْحَلْقِ لِمَنْ لَبَّدَ بِحَدِيثِ: " «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ» "، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ قَالَ: " وَالْمُقَصِّرِينَ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 [بَاب الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَقَصْرِ الصَّلَاةِ وَتَعْجِيلِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى»   63 - بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ، وَقَصْرِ الصَّلَاةِ، وَتَعْجِيلِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ 910 - 896 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ) عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَقْبَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ " وَلَهُ فِي الْمَغَازِي، عَنْ فُلَيْحٍ عَنْ نَافِعٍ، وَهُوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ ثُمَّ اتَّفَقَا وَمَعَهُ بِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ. وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ: عِنْدَ الْبَيْتِ، وَقَالَ لِعُثْمَانَ: ائْتِنَا بِالْمِفْتَاحِ، فَجَاءَهُ بِالْمِفْتَاحِ، فَفَتْحَ لَهُ الْبَيْتَ، فَدَخَلَ. وَلِمُسْلِمٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ: ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بِالْمِفْتَاحِ، فَذَهَبَ إِلَى أُمِّهِ فَأَبَتْ أَنْ تُعْطِيَهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنَّهُ، أَوْ أُخْرِجَنَّ هَذَا السَّيْفَ مِنْ صُلْبِي، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَعْطَتْهُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَتَحَ الْبَابَ. وَظَهَرَ مِنْ رِوَايَةِ فُلَيْحٍ أَنَّ فَاعِلَ فَتَحَ هُوَ عُثْمَانُ الْمَذْكُورُ، لَكِنْ رَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ بَنُو أَبِي طَلْحَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ فَتْحَ الْكَعْبَةِ غَيْرَهُمْ، فَأَخَذَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِفْتَاحَ، فَفَتَحَهَا بِيَدِهِ، وَدَخَلَ (هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ) بْنِ حَارِثَةَ الْكَلْبِيُّ، الْحِبُّ بْنُ الْحِبِّ، الْخَلِيقُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْإِمَارَةِ بِالنَّصِّ النَّبَوِيِّ، الْمُخْتَصُّ أَبُوهُ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُصَرِّحْ فِي كِتَابِهِ بِاسْمِ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ سِوَى زَيْدٍ الْبَدْرِيِّ (وَبِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ، أَحَدُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ (وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ) ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ الْقُرَشِيُّ (الْحَجَبِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ، نِسْبَةً إِلَى حِجَابَةِ الْكَعْبَةِ، وَلِذَا يُقَالُ لِأَهْلِ بَيْتِهِ الْحَجَبَةُ، وَيُعْرَفُونَ الْآنَ بِالشَّيْبِيِّينَ نِسْبَةً إِلَى الحديث: 910 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ عُثْمَانَ هَذَا لَا وَلَدُهُ، لَهُ أَيْضًا صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ: وَلَمْ يَدْخُلْهَا مَعَهُمْ أَحَدٌ. وَلِلنَّسَائِيِّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ زِيَادَةُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَحْمَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أَخِي الْفَضْلُ، وَكَانَ مَعَهُ حِينَ دَخَلَهَا (فَأَغْلَقَهَا) الْحَجَبِيُّ (عَلَيْهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ: فَأَجَافَ عَلَيْهِمُ الْبَابَ، وَلِبَعْضِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ: فَأَغْلَقَاهَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ لِعُثْمَانَ وَبِلَالٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ عُثْمَانَ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِنْ وَظِيفَتِهِ، وَلَعَلَّ بِلَالًا سَاعَدَهُ فِي ذَلِكَ، وَرِوَايَةُ الْجَمْعِ يَدْخُلُ فِيهَا الْأَمْرُ بِذَلِكَ وَالرَّاضِي بِهِ، زَادَ أَبُو عَوَانَةَ: مِنْ دَاخِلٍ (وَمَكَثَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا (فِيهَا) زَادَ يُونُسُ: نَهَارًا طَوِيلًا، وَفُلَيْحٌ: زَمَانًا بَدَلَ نَهَارًا. وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ: فَأَطَالَ. وَلِمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ: فَمَكَثَ فِيهَا مَلِيًّا. وَلَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ: فَأَجَافُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ طَوِيلًا. وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ: فَمَكَثَ فِيهَا سَاعَةً. وَلِلنَّسَائِيِّ: فَوَجَدْتُ شَيْئًا فَذَهَبْتُ، ثُمَّ جِئْتُ سَرِيعًا فَوَجَدْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَارِجًا مِنْهَا. (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَسَأَلْتُ بِلَالًا) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: بِلَالًا أَوْ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بِالشَّكِّ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ سَأَلَ بِلَالًا كَمَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ. وَلِأَبِي يَعْلَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سَأَلَ بِلَالًا، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ. وَلِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أُسَامَةَ، وَلِمُسْلِمٍ وَالطَّبَرَانِيِّ فَقُلْتُ: أَيْنَ صَلَّى؟ فَقَالُوا: فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِلَالًا بِالسُّؤَالِ، ثُمَّ أَرَادَ زِيَادَةَ الِاسْتِثْبَاتِ، فَسَأَلَ عُثْمَانَ وَأُسَامَةَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُمْ كَمْ صَلَّى بِالْجَمْعِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَزْمِ عِيَاضٍ بِوَهْمِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِالشَّكِّ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ (حِينَ خَرَجَ) وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ خَرَجَ فَابْتَدَرَ النَّاسُ الدُّخُولَ فَسَبَقْتُهُمْ، وَفِي أُخْرَى: وَكُنْتُ رَجُلًا شَابًّا قَوِيًّا فَبَادَرْتُ النَّاسَ فَبَدَرْتُهُمْ، وَفِي أُخْرَى: كُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ وَلِجَ عَلَى أَثَرِهِ، وَأُخْرَى: فَرَقِيتُ الدَّرَجَةَ فَدَخَلْتُ الْبَيْتَ، وَفِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: وَأَجِدُ بِلَالًا قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَسَأَلْتُهُ: (مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي الْكَعْبَةِ. وَلِلصَّحِيحَيْنِ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَسَأَلْتُهُ أَيْنَ صَلَّى؟ فَظَهَرَ أَنَّهُ سَأَلَ أَوَّلًا هَلْ صَلَّى أَمْ لَا؟ ثُمَّ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ. (فَقَالَ جَعَلَ عَمُودًا) بِالْإِفْرَادِ (عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ) هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ وَيَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ مَهْدِيٍّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا، وَبِشْرُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْقَعْنَبِيُّ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَإِسْمَاعِيلُ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ مَهْدِيٍّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا: جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ بِتَثْنِيَةِ الْأَوَّلِ، وَإِفْرَادِ الثَّانِي عَكْسُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَالْجَمْعُ بِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ بَعِيدُ الِاتِّحَادِ يُخْرِجُ الْحَدِيثَ، وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ الرِّوَايَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 الثَّانِيَةَ، وَيَأْتِي تَوْجِيهُهُمَا مَعًا، وَلَا إِشْكَالَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ مَعَ قَوْلِهِ: (وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ) أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَالْجُمْهُورُ بِإِفْرَادِ عَمُودٍ فِيهِمَا، فَمُشْكِلٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَكَانَ الْبَيْتُ. . . إِلَخْ، لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ اثْنَانِ، وَجُمِعَ بِأَنَّهُ حَيْثُ ثَنَّى أَشَارَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْبَيْتُ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَيْثُ أَفْرَدَ، أَشَارَ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَوْمَئِذٍ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَنْ هَيْئَتِهِ الْأُولَى. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَفْظُ عَمُودٍ جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ، فَهُوَ مُجْمَلٌ بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ التَّثْنِيَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنِ الْأَعْمِدَةَ لَمْ تَكُنْ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ بَلِ اثْنَانِ عَلَى سَمْتٍ، وَالثَّالِثُ عَلَى غَيْرِ سَمْتِهِمَا، وَيُشْعِرُ بِهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: صَلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا رِوَايَةُ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَانِ عَلَى يَسَارِ الدَّاخِلِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ عَمُودَانِ عَلَى الْيَسَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى بَيْنَهُمَا، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ ثَمَّ عَمُودٌ آخَرَ عَلَى الْيَمِينِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ وَعَلَى غَيْرِ سَمْتِ الْعَمُودَيْنِ، فَيَصِحُّ رِوَايَةُ: جَعَلَ عَنْ يَمِينِهِ عَمُودَيْنِ، وَرِوَايَةُ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ: وَيَجُوزُ أَنَّ هُنَاكَ ثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ مُصْطَفَّةٍ، فَصَلَّى إِلَى جَنْبِ الْأَوْسَطِ، فَمَنْ قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، لَمْ يَعْتَبِرِ الَّذِي صَلَّى إِلَى جَنْبِهِ، وَمَنْ قَالَ: عَمُودَيْنِ اعْتَبَرَهُ وَفِيهِ بُعْدٌ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: انْتَقَلَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِذَلِكَ أَقِلَّتُهُ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ رَابِعٌ، قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ: جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَمُودَيْنِ فِي يَسَارِهِ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَرْبَعَةُ أَعْمِدَةٍ اثْنَانِ مُجْتَمِعَانِ، وَاثْنَانِ مُنْفَرِدَانِ، فَوَقَفَ عِنْدَ الْمُجْتَمِعَيْنِ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُتَابِعْ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ. (ثُمَّ صَلَّى) رَكْعَتَيْنِ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ، وَالْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ، وَشَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ. وَزَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَتِهِ: وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ. وَلِابْنِ مَهْدِيٍّ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ عُفَيْرٍ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ لَمْ يَقُولُوا نَحْوَ، انْتَهَى. وَلِلْبُخَارِيِّ، عَنْ فُلَيْحٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " بَيْنَ ذَيْنِكَ الْعَمُودَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَكَانَ الْبَيْتُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ سَطْرَيْنِ صَلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مِنَ السَّطْرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَجَعَلَ بَابَ الْبَيْتِ خَلْفَ ظَهْرِهِ "، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: " وَعِنْدَ الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءُ ". قَالَ الْحَافِظُ: وَكُلُّ هَذَا إِخْبَارٌ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الْبَيْتُ قَبْلَ أَنْ يُهْدَمَ وَيُبْنَى زَمَنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. فَأَمَّا الْآنُ فَفِي الْبُخَارِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ الْوَجْهِ حَتَّى يَدْخُلَ وَيَجْعَلَ الْبَابَ قِبَلَ الظَّهْرِ يَمْشِي حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 أَذْرُعٍ فَيُصَلِّي يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِلَالٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهِ. وَجَزَمَ بِرَفْعِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَطَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، وَغَيْرِهِمَا عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " وَصَلَّى وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ "، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ وَهَذَا فِيهِ الْجَزْمُ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، لَكِنْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: " نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ "، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. وَعِنْدَ الْأَزْرَقِيِّ وَالْفَاكِهِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: " «أَنَّ مُعَاوِيَةَ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: اجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْجِدَارِ ذِرَاعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً» " فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ اتِّبَاعَهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ، فَإِنَّهُ يَقَعُ قَدَمَاهُ فِي مَكَانِ قَدَمَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ سَوَاءً، وَتَقَعُ رُكْبَتَاهُ أَوْ يَدَاهُ أَوْ وَجْهُهُ إِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ ". وَأَمَّا قَدْرُ الصَّلَاةِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «فَسَأَلْتُ بِلَالًا أَصَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَنْ يَسَارِكَ إِذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ» "، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ، أَنَّهُ قَالَ: وَنَسِيْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِالْكَيْفِيَّةِ، وَهِيَ تَعْيِينُ الْمَوْقِفِ فِي الْكَعْبَةِ، وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالْكَمِّيَّةِ، وَنَسِيَ هُوَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهَا، وَأُجِيبُ بِاحْتِمَالِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اعْتَمَدَ فِي قَوْلِهِ: رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُحَقِّقِ لَهُ، لِأَنَّ بِلَالًا ثَبَتَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَفَّلَ بِالنَّهَارِ بِأَقَلِّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَتَحَقَّقَ فِعْلُهُمَا لَمَّا اسْتُقْرِئَ مِنْ عَادَتِهِ، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: رَكْعَتَيْنِ مِنِ ابْنِ عُمَرَ لَا بِلَالٍ. وَرَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ نَافِعٍ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ: فَاسْتَقْبَلَنِي بِلَالٌ فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ هَاهُنَا؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى» ، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: نَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ لَفْظًا وَلَمْ يُجِبْهُ لَفْظًا، وَإِنَّمَا اسْتَفَادَ مِنْهُ صَلَاةَ الرَّكْعَتَيْنِ بِإِشَارَتِهِ لَا بِنُطْقِهِ. وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ هَلْ زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ أَمْ لَا؟ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ نَسِيَ أَنْ يَسْأَلَ بِلَالًا، ثُمَّ لَقِيَهُ مَرَّةً أُخْرَى فَسَأَلَهُ، فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ رَاوِيَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَنَسِيتُ هُوَ نَافِعٌ مَوْلَاهُ، وَيَبْعُدُ مَعَ طُولِ مُلَازَمَتِهِ لَهُ إِلَى مَوْتِهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى حِكَايَةِ النِّسْيَانِ، وَلَا يَتَعَرَّضَ لِحِكَايَةِ الذِّكْرِ أَصْلًا. وَنَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ قَوْلَهُ: رَكْعَتَيْنِ غَلَطٌ مِنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: نَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى، وَإِنَّمَا دَخَلَ الْوَهْمُ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدُ مَرْدُودٌ، وَالْمُغَلِّطُ هُوَ الْغَالِطُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ وَبَعْدَ، فَلَمْ يَهُمَّ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ يَحْيَى الْقَطَّانُ بِذَلِكَ، بَلْ تَابَعَهُ أَبُو نُعَيْمٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو عَاصِمٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عِنْدَ أَحْمَدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 أَيْضًا بِاخْتِصَارٍ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ ابْنُ عُمَرَ، فَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ: " «فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُ مَنْ كَانَ مَعَهُ، فَقَالُوا: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ السَّارِيَةِ الْوُسْطَى» " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَمِنْ حَدِيثِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: " «لَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْعَمُودِ» " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، هَذَا وَفِي مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ صَلَّى فِي قِبَلِ الْبَيْتِ، وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ " وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتُ كَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ» "، وَلَمْ يَقُلْ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ قُتَيْبَةُ تَارَةً لِأُسَامَةَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ، وَتَارَةً لِأَخِيهِ الْفَضْلِ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ أَنَّ الْفَضْلَ كَانَ مَعَهُمْ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنِ الْفَضْلَ تَلَقَّاهُ عَنْ أُسَامَةَ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أُسَامَةَ إِثْبَاتَ صِلَاتِهِ فِيهَا، فَتَعَارَضَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أُسَامَةَ، وَتَرَجَّحَتْ رِوَايَةُ بِلَالٍ لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ وَأُسَامَةُ نَافٍ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِي الْإِثْبَاتِ، وَاخْتُلِفَ عَلَى مَنْ نَفَى، وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ بَيْنَ إِثْبَاتِ بِلَالٍ وَنَفْيِ أُسَامَةَ بِأَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا الْكَعْبَةَ، وَاشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ، فَرَأَى أُسَامَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو فَاشْتَغَلَ أُسَامَةُ بِالدُّعَاءِ فِي نَاحِيَةٍ وَالْمُصْطَفَى فِي نَاحِيَةٍ، ثُمَّ صَلَّى فَرَآهُ بِلَالٌ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَلَمْ يَرَهُ أُسَامَةُ لِبُعْدِهِ وَاشْتِغَالِهِ، وَلِأَنَّ بِإِغْلَاقِ الْبَابِ تَكُونُ الظُّلْمَةُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَحْجُبَهُ بَعْضُ الْأَعْمِدَةِ، فَنَفَاهَا عَمَلًا بِظَنِّهِ. وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ أُسَامَةَ غَابَ بَعْدَ دُخُولِهِ لِحَاجَةٍ، فَلَمْ يَشْهَدْ صَلَاتَهُ، انْتَهَى. وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: " «دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَةِ، فَرَأَى صُوَرًا فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَجَعَلَ يَمْحُوهَا وَيَقُولُ: قَاتَلَ اللَّهُ قَوْمًا يُصَوِّرُونَ مَا لَا يَخْلُقُونَ» "، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَلَعَلَّهُ اسْتَصْحَبَ النَّفْيَ لِسُرْعَةِ عَوْدِهِ. قَالَ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْإِثْبَاتِ عَلَى التَّطَوُّعِ، وَالنَّفْيِ عَلَى الْفَرْضِ. وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِحَمْلِ الصَّلَاةِ الْمُثْبَتَةِ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ، وَالْمَنْفِيَّةِ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ كَوْنَهَا رَكْعَتَيْنِ صَرِيحٌ فِي الشَّرْعِيَّةِ. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ مَرَّتَيْنِ صَلَّى فِي إِحْدَاهُمَا، وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْأُخْرَى، وَقَدْ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ أُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: كَمَا تُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ، تُسَبِّحُ وَتُكَبِّرُ، وَلَا تَرْكَعُ وَلَا تَسْجُدُ، ثُمَّ عِنْدَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ سَبِّحْ وَكَبِّرْ وَتَضَرَّعْ وَاسْتَغْفِرْ، وَلَا تَرْكَعْ وَلَا تَسْجُدْ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: الْأَشْبَهُ عِنْدِي فِي الْجَمْعِ أَنْ يُجْعَلَ الْخَبَرَانِ فِي وَقْتَيْنِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْكَعْبَةَ فِي الْفَتْحِ صَلَّى فِيهَا، عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ عَنْ بِلَالٍ، وَنَفَى ابْنُ عَبَّاسٍ الصَّلَاةَ فِيهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِأَنَّهُ نَفَاهَا، وَأَسْنَدَهُ إِلَى أُسَامَةَ، وَابْنُ عُمَرَ أَثْبَتَهَا وَأَسْنَدَهُ إِلَى بِلَالٍ وَإِلَى أُسَامَةَ أَيْضًا، فَبَطَلَ التَّعَارُضُ، وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ يَوْمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 الْفَتْحِ لَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً عَامَ الْفَتْحِ، ثُمَّ حَجَّ فَلَمْ يَدْخُلْهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنَّهُ دَخَلَهَا عَامَ الْفَتْحِ مَرَّتَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَحْدَةِ فِي خَبَرِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَحْدَةُ السَّفَرِ لَا الدُّخُولِ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ مَا يَشْهَدُ لِهَذَا الْجَمْعِ، لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، وَهُوَ قَرِيرُ الْعَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ حَزِينٌ، فَقَالَ: دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ فَأَخَافُ أَنْ أَكُونَ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتِي» ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِأَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ فِي الْفَتْحِ، وَلَا فِي عُمْرَتِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الْفَتْحِ، فَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي النَّفْلِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْعُ الْفَرْضِ دَاخِلَهَا لِلْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِهَا خُصَّ مِنْهُ النَّفْلُ بِالسُّنَّةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْفَرْضُ، وَقَيَّدَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ النَّفْلَ بِغَيْرِ الرَّوَاتِبِ وَمَا يُطْلَبُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، وَأَلْحَقَ الْجُمْهُورُ بِهِ الْفَرْضَ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الِاسْتِقْبَالِ لِلْمُقِيمِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ دَاخِلَهَا مُطْلَقًا، وَعَلَّلَهُ بِلُزُومِ اسْتِدْبَارِ بَعْضِهَا، وَقَدْ أَمَرَ بِاسْتِقْبَالِهَا، فَيُحْمَلُ اسْتِقْبَالُ جَمِيعِهَا، وَقَالَ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ مَنْعُ صَلَاةِ الْفَرْضِ دَاخِلَهَا، وَوُجُوبُ الْإِعَادَةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْإِجْزَاءُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَأَنَّ الْأَشْهَرَ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ. وَعَنِ ابْنِ حَبِيبٍ: يُعِيدُ أَبَدًا، وَعَنْ أَصْبَغَ: إِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا. قَالَ الْحَافِظُ: وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ إِنْ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً أَفْضَلَ مِنْهَا خَارِجَهَا مُشْكِلٌ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ خَارِجَهَا مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا بِخِلَافِ دَاخِلِهَا، فَكَيْفَ يَكُونُ الْمُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهِ أَفْضَلَ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ؟ وَفِيهِ رِوَايَةُ الصَّحَابِيِّ وَسُؤَالُ الْمَفْضُولِ وَالِاكْتِفَاءُ بِهِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ وَالْحُجَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَا يُقَالُ هُوَ أَيْضًا خَبَرٌ وَاحِدٌ، فَكَيْفَ يُحْتَجُّ لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ فَرْدٌ يَنْضَمُّ إِلَى نَظَائِرَ مِثْلِهِ تُوجِبُ الْعِلْمَ بِذَلِكَ، وَاخْتِصَاصُ السَّابِقِ بِالْبُقْعَةِ الْفَاصِلَةِ وَالسُّؤَالِ عَنِ الْعِلْمِ وَالْحِرْصِ فِيهِ، وَفُضِّلَ ابْنُ عُمَرَ لِحِرْصِهِ عَلَى تَتَبُّعِ آثَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَعْمَلَ بِهَا، وَأَنَّ الْفَاضِلَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ كَانَ يَغِيبُ فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ الْفَاضِلَةِ، وَيَحْضُرُهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ فَيَطَّلِعُ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعُمَرَيْنِ وَغَيْرَهُمَا مِمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ بِلَالٍ وَمَنْ مَعَهُ لَمْ يُشَارِكُوهُمْ فِي ذَلِكَ، وَجَوَازُ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي، لَكِنْ رَوَى الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ: " «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي» " فَدَلَّ فِعْلُهُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلْكَرَاهَةِ، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْأَبْوَابِ وَالْغَلْقِ لِلْمَسَاجِدِ، وَأَنَّ السُّتْرَةَ إِنَّمَا تُشْرَعُ حَيْثُ يُخْشَى الْمُرُورُ لِصَلَاتِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَلَمْ يُصَلِّ إِلَى أَحَدِهِمَا، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِقُرْبِهِ مِنَ الْجِدَارِ كَمَا مَرَّ أَنَّ بَيْنَ مُصَلَّاهُ وَالْجِدَارِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ. وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ دُخُولِ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ دَخَلَ فِي حَسَنَةٍ، وَخَرَجَ مِنْ سَيِّئَةٍ مَغْفُورًا لَهُ» "، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَمَحِلُّهُ حَيْثُ لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا بِدُخُولِهِ، أَوْ يَتَأَذَّى هُوَ بِنَحْوِ زَحْمَةٍ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ أَنْ لَا تُخَالِفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَأَنَا مَعَهُ فَصَاحَ بِهِ عِنْدَ سُرَادِقِهِ أَيْنَ هَذَا فَخَرَجَ عَلَيْهِ الْحَجَّاجُ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ الرَّوَاحَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَقَالَ أَهَذِهِ السَّاعَةَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَيَّ مَاءً ثُمَّ أَخْرُجَ فَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْتُ لَهُ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ فَاقْصُرْ الْخُطْبَةِ وَعَجِّلْ الصَّلَاةَ قَالَ فَجَعَلَ الْحَجَّاجُ يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَيْمَا يَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ صَدَقَ سَالِمٌ»   911 - 897 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ) الْأُمَوِيِّ (إِلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ) الثَّقَفِيِّ الظَّالِمِ الْمُبْتِرِ الْمُخْتَلَفِ فِي كُفْرِهِ وَلِيَ إِمْرَةَ الْعِرَاقِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ (أَنْ لَا تُخَالِفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ) أَيْ أَحْكَامِهِ، وَلِلْقَعْنَبِيِّ: كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ فِي الْحَجِّ، وَكَانَ ذَلِكَ حِينَ أَرْسَلَهُ إِلَى قِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَجَعَلَهُ وَالِيًا عَلَى مَكَّةَ، وَأَمِيرًا عَلَى الْحَاجِّ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ: أَنَّ الْحُجَّاجَ عَامَ نَزَلَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ كَيْفَ يَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ (قَالَ) سَالِمٌ: (فَلَمَّا كَانَ) وُجِدَ (يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَأَنَا مَعَهُ) ابْنُ عُمَرَ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (فَصَاحَ بِهِ) : نَادَاهُ (عِنْدَ سُرَادِقِهِ) بِضَمِّ السِّينِ، قَالَهُ الْحَافِظُ وَالْكِرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ الَّذِي يُحْيِهِ بِالْخَيْمَةِ، وَلَهُ بَابٌ يَدْخُلُ مِنْهُ إِلَيْهَا إِنَّمَا يَعْمَلُهُ غَالِبُ الْمُلُوكِ وَالْأَكَابِرِ (أَيْنَ هَذَا) أَيِ الْحَجَّاجُ بَيَانٌ لِلصِّيَاحِ (فَخَرَجَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، مُلَاءَةٌ يَلْتَحِفُ بِهَا، قَالَ الْحَافِظُ: أَيْ إِزَارٌ كَبِيرٌ (مُعَصْفَرَةٌ) مَصْبُوغَةٌ بِالْعُصْفُرِ (فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ ابْنِ عُمَرَ (فَقَالَ: الرَّوَاحَ) بِالنَّصْبِ، أَيْ عَجِّلْ، أَوْ رُحْ، أَوْ عَلَى الْإِغْرَاءِ (إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا فِي الْمُسْنَدِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أُطْلِقَتْ مَا لَمْ تُضَفْ إِلَى صَاحِبِهَا كَسُنَّةِ الْعُمَرَيْنِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ وَجُمْهُورِهِمْ، عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَيُقَوِّيهِ قَوْلُ سَالِمٍ لِابْنِ شِهَابٍ، إِذْ قَالَ لَهُ: أَفَعَلَ ذَلِكَ الحديث: 911 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: وَهَلْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا سُنَّتَهُ؟ (فَقَالَ: أَهَذِهِ السَّاعَةُ) وَقْتُ الْهَاجِرَةِ (قَالَ: نَعَمْ) هُوَ وَقْتُ الرَّوَاحِ إِلَى الْمَوْقِفِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا: " «غَدَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ عَرَفَةَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَنَزَلَ نَمِرَةَ وَهُوَ مَنْزِلُ الْإِمَامِ الَّذِي يَنْزِلُ بِهِ بِعَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَهْجَرًا، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ رَاحَ فَوَقَفَ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَوَجَّهَ مِنْ مِنَى حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ بِهَا، لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ تَوَجُّهَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا كَانَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَفْظُهُ: فَضُرِبَتْ لَهُ قُبَّةٌ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرَحَلَتْ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي (قَالَ: فَأَنْظِرْنِي) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ أَخِّرْنِي، وَيُرْوَى بِأَلِفِ وَصْلٍ وَضَمِّ الظَّاءِ، أَيِ انْتَظِرْنِي (حَتَّى أُفِيضَ عَلَيَّ مَاءً) أَيْ أَغْتَسِلَ (ثُمَّ أَخْرُجَ) بِالنَّصْبِ، عَطْفًا عَلَى أُفِيضَ (فَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ) عَنْ مَرْكُوبِهِ، وَانْتَظَرَ (حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ) مِنْ مُغْتَسَلِهِ، فَفِيهِ الْغُسْلُ لِوُقُوفِ عَرَفَةَ لِانْتِظَارِ ابْنِ عُمَرَ لَهُ، وَالْعُلَمَاءُ يَسْتَحِبُّونَهُ، قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إِنَّمَا انْتَظَرَهُ لِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ اغْتِسَالَهُ عَنْ ضَرُورَةٍ. (فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي) عَبْدِ اللَّهِ (فَقُلْتُ لَهُ) أَيِ الْحَجَّاجِ (إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ) : تُوَافِقَ (السُّنَّةَ) النَّبَوِيَّةَ (الْيَوْمَ، فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الصَّادِ وَقَطْعِهَا وَكَسْرِ الصَّادِ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي الْجُمْعَةِ أَثْنَاءَ حَدِيثٍ لِعَمَّارٍ الْأَمْرَ بِإِقْصَارِ الْخُطْبَةِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَخْطُبُ يَوْمَ عَرَفَةَ. وَقَالَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْمَغَارِبَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ: وَمَعْنَى قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْخُطْبَةِ تَعَلُّقٌ بِالصَّلَاةِ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: كُلُّ صَلَاةٍ يُخْطَبُ لَهَا يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَقِيلَ لَهُ، فَعَرَفَةُ يُخْطَبُ فِيهَا، وَلَا يُجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: إِنَّمَا تِلْكَ لِلتَّعْلِيمِ. (وَعَجِّلِ الصَّلَاةَ) هَكَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ كَيَحْيَى وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ، وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ يُوسُفَ وَأَشْهَبُ، وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ قَالُوا: الصَّلَاةَ، قَالَ: لَكِنْ لَهَا وَجْهٌ، لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْوُقُوفِ يَسْتَلْزِمُ تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ، قَالَهُ الْحَافِظُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ مِنْ مَالِكٍ، وَكَأَنَّهُ ذَكَّرَ بِاللَّازِمِ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِتَعْجِيلِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ تَعْجِيلُ الْوُقُوفِ. (قَالَ) سَالِمٌ: (فَجَعَلَ) الْحَجَّاجُ (يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَيْمَا يَسْمَعَ ذَلِكَ) الَّذِي قُلْتُ لَهُ (مِنْهُ) فَفِيهِ الْفَهْمُ بِالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ: (فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ) نَظَرُهُ إِلَيْهِ (عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: صَدَقَ سَالِمٌ) وَفِيهِ أَنَّ إِقَامَةَ الْحَاجِّ إِلَى الْخُلَفَاءِ، وَأَنَّ الْأَمِيرَ يَعْمَلُ فِي الدِّينِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 لِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَيَسِيرُ إِلَى رَأْيِهِمْ، وَمُدَاخَلَةُ الْعُلَمَاءِ السَّلَاطِينَ وَأَنَّهُ لَا نَقِيصَةَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، وَفَتْوَى التِّلْمِيذِ بِحَضْرَةِ مُعَلِّمِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ، وَابْتِدَاءُ الْعَالِمِ بِالْفَتْوَى قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ، قَالَهُ الْمُهَلَّبُ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنَيِّرِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إِنَّمَا ابْتَدَأَ بِذَلِكَ لِمَسْأَلَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ كَمَا كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ، وَفِيهِ طَلَبُ الْعُلُوِّ لِتَشَوُّفِ الْحَجَّاجِ إِلَى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ سَالِمٌ مِنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ، وَتَعْلِيمُ الْفَاجِرِ السُّنَنِ لِمَنْفَعَةِ النَّاسِ، وَاحْتِمَالُ الْمَفْسَدَةِ الْخَفِيفَةِ لِتَحْصِيلِ الْمُصْلَحَةِ الْكَثِيرَةِ، يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مُضِيِّ ابْنِ عُمَرَ إِلَى الْحَجَّاجِ وَتَعْلِيمِهِ، وَفِيهِ الْحِرْصُ عَلَى نَشْرِ الْعِلْمِ لِانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِ، وَصِحَّةُ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ، وَأَنَّ التَّوَجُّهَ إِلَى مَسْجِدِ عَرَفَةَ حِينَ الزَّوَالِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ سُنَّةٌ، وَلَا يَضُرُّ التَّأْخِيرُ بِقَدْرِ مَا يَشْتَغِلُ بِهِ الْمَرْءُ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الصَّلَاةِ كَالْغُسْلِ وَنَحْوِهِ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ الْمُعَصْفَرَ لِلْمُحْرِمِ، وَرَدَّهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ بِأَنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يَكُنْ يَتَّقِي الْمُنْكَرَ الْأَعْظَمَ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَتَّقِيَ الْمُعَصْفَرَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْهَ ابْنُ عُمَرَ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يُنْجَعُ فِيهِ النَّهْيُ، وَلِعِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَقْتَدُونَ بِالْحَجَّاجِ، وَنَظَرَ فِيهِ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْحُجَّةَ إِنَّمَا هِيَ بِعَدَمِ إِنْكَارِ ابْنِ عُمَرَ فَبِهِ يَتَمَسَّكُ النَّاسُ فِي اعْتِقَادِ الْجَوَازِ. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ تَأْمِيرُ الْأَدْوَنِ عَلَى الْأَفْضَلِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنَيِّرِ بِأَنَّ صَاحِبَ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَلَا سِيَّمَا فِي تَأْمِيرِ الْحَجَّاجِ، وَإِنَّمَا أَطَاعَ ابْنُ عُمَرَ بِذَلِكَ فِرَارًا مِنَ الْفِتْنَةِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَالْقَعْنَبِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَشْهَبَ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 [بَاب الصَّلَاةِ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالْجُمُعَةِ بِمِنًى وَعَرَفَةَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِمِنًى ثُمَّ يَغْدُو إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ إِلَى عَرَفَةَ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ فِي الظُّهْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَنَّهُ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَنَّ الصَّلَاةَ يَوْمَ عَرَفَةَ إِنَّمَا هِيَ ظُهْرٌ وَإِنْ وَافَقَتْ الْجُمُعَةَ فَإِنَّمَا هِيَ ظُهْرٌ وَلَكِنَّهَا قَصُرَتْ مِنْ أَجْلِ السَّفَرِ قَالَ مَالِكٌ فِي إِمَامِ الْحَاجِّ إِذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْضَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إِنَّهُ لَا يُجَمِّعُ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ   64 - بَابُ الصَّلَاةِ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَالْجُمُعَةِ بِمِنًى وَعَرَفَةَ التَّرْوِيَةُ ثَامِنُ الْحَجَّةِ، بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَخِفَّةِ التَّحْتِيَّةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْوُونَ فِيهِ إِبِلَهُمْ، وَيَتَرَوَّوْنَ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَمَاكِنَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا آبَارٌ وَلَا عُيُونٌ، وَأَمَّا الْآنَ، فَكَثُرَ جِدًّا وَاسْتَغْنَوْا عَنْ حَمْلِ الْمَاءِ. وَقَدْ رَوَى الْفَاكِهِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: يَا مُجَاهِدُ إِذَا رَأَيْتَ الْمَاءَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَرَأَيْتَ الْبِنَاءَ يَعْلُو حَاسِيَتَهَا فَخُذْ حِذْرَكَ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ أَظَلَّكَ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ تَرْوِيَةً لِأَنَّ آدَمَ رَأَى فِيهِ حَوَّاءَ وَاجْتَمَعَ بِهَا، أَوْ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ رَأَى لَيْلَتَهُ ذَبْحَ ابْنِهِ فَأَصْبَحَ يَتَرَوَّى، أَوْ لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَرَى إِبْرَاهِيمَ فِيهِ الْمَنَاسِكَ، أَوْ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهِ الْمَنَاسِكَ وَهِيَ شَاذَّةٌ، إِذْ لَوْ كَانَ مِنَ الْأَوَّلِ، لَقِيلَ: يَوْمُ الرَّوِيَّةِ، أَوِ الثَّانِي لَقِيلَ: يَوْمُ التَّرَوِّي، بِشَدِّ الْوَاوِ، وَالثَّالِثِ لَقِيلَ: الرُّؤْيَا، وَالرَّابِعِ لَقِيلَ: الرِّوَايَةُ، وَقَوْلُهُ: وَالْجُمُعَةِ أَيْ تَرْكُ صَلَاتِهَا إِذَا وَافَقَتْ أَيَّامَ مِنًى وَعَرَفَةَ. 912 - 898 الحديث: 912 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِمِنًى، ثُمَّ يَغْدُو) بِمُعْجَمَةٍ، يَذْهَبُ وَقْتَ الْغُدْوَةِ (إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ إِلَى عَرَفَةَ) اتِّبَاعًا لِمَا رَوَاهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَوَى أَحْمَدُ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ إِذَا اسْتَطَاعَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِمِنًى مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ أَنَسٍ: " «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمِنًى» " وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: " «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى وَرَكِبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ» . وَفِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْحَاكِمِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَالْفَجْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِمِنًى» "، وَلِأَحْمَدَ عَنْهُ: " «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِنًى خَمْسَ صَلَوَاتٍ» "، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: " مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الظُّهْرَ وَمَا بَعْدَهَا، وَالْفَجْرَ بِمِنًى، ثُمَّ يَغْدُونَ إِلَى عَرَفَةَ "، وَقَدِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَغَيْرُهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُ أَنَسٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ: افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ، فَإِشَارَةٌ إِلَى مُتَابَعَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ مُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَأَنَّ الْأُمَرَاءَ إِذْ ذَاكَ مَا كَانُوا يُوَاظِبُونَ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ) لِأَنَّ الظُّهْرَ سِرِّيَّةٌ، وَأَنَّهُ يَخْطُبُ بِالنَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ بِجَامِعِ نَمِرَةَ يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا مَا يَفْعَلُونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: " «حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرَحَلَتْ لَهُ فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّ دِمَاءَكُمْ» " الْحَدِيثَ، فَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْطُبَ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمَغَارِبَةِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ، وَمَرَّ تَأْوِيلُهُ، فَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: خَالَفَ فِيهَا الْمَالِكِيَّةَ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ، وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا عَلَى اسْتِحْبَابِهَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ حُجَّةٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ خُطْبَةَ عَرَفَةَ فَرْدَةٌ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ، وَمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ ضَعِيفٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ: ثُمَّ لَا يَرِدُ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ فِي خَبَرِ جَابِرٍ شَيْئًا مِنَ الْمَنَاسِكِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ، فَيُنَافِي قَوْلَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُمْ فِي خُطَبِ الْحَجَّ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ إِلَى الْخُطْبَةِ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 اكْتَفَى بِفِعْلِهِ لِلْمَنَاسِكِ عَنْ بَيَانِهِ بِالْقَوْلِ لِأَنَّهُ أَوْضَحُ، وَاعْتَنَى بِمَا أَهَمَّهُ فِي الْخُطْبَةِ الَّتِي قَالَهَا، وَالْخُطَبَاءُ بَعْدَهُ لَيْسَتْ أَفْعَالُهُمْ قُدْوَةً، وَلَا النَّاسُ يَعْتَنُونَ بِمُشَاهَدَتِهَا وَنَقْلِهَا فَاسْتُحِبَّ لَهُمُ الْبَيَانُ بِالْقَوْلِ. (وَإِنَّ الصَّلَاةَ يَوْمَ عَرَفَةَ إِنَّمَا هِيَ ظُهْرٌ، وَإِنْ وَافَقَتِ الْجُمُعَةَ فَإِنَّمَا هِيَ ظُهْرٌ، وَلَكِنَّهَا قُصِرَتْ مِنْ أَجْلِ السَّفَرِ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ حَجَّتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ بَعْدَ ذِكْرِ الْخُطْبَةِ: " ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا " (قَالَ مَالِكٌ فِي إِمَامِ الْحَاجِّ إِذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْضَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ: (إِنَّهُ لَا يُجَمِّعُ) بِالتَّثْقِيلِ، لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ (فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 [بَاب صَلَاةِ الْمُزْدَلِفَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا»   65 - بَابُ صَلَاةِ الْمُزْدَلِفَةِ 913 - 899 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا» ) أَيْ جَمَعَ بَيْنِهِمَا جَمْعَ تَأْخِيرٍ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَاتٌ أُخَرُ مِنْهَا الَّتِي تَلِيهَا. وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِقَامَةِ إِقَامَةِ جَمْعٍ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ مَدْلُولَ جَمِيعًا تَأْكِيدُ كَوْنِهِ صَلَّاهُمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَأَمَّا جَمْعُهُمَا، أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِلرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا نَفَرَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا يُمْكِنُ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ بِحَيْثُ يُصَلِّي كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا، وَفِيهِ الْجَمْعُ بِالْعِشَاءَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمْعُ تَأْخِيرٍ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ. الحديث: 913 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ «دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ فَتَوَضَّأَ فَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ فَقُلْتُ لَهُ الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَمَامَكَ فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا»   914 - 900 الحديث: 914 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ، الْمَدَنِيِّ (عَنْ كُرَيْبٍ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، وَمُوَحَّدَةٍ (مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ) الْمَدَنِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ الْأَثْبَاتُ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا أَشْهَبَ، وَابْنَ الْمَاجِشُونِ، فَقَالَا عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ، وَالصَّحِيحُ إِسْقَاطُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ إِسْنَادِهِ (أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَرَفَةَ) ، أَيْ رَجَعَ مِنْ وُقُوفِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ، لِأَنَّ عَرَفَةَ اسْمٌ لِلْيَوْمِ، وَعَرَفَاتٌ بِلَفْظِ الْجَمْعِ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَحْذُوفًا، لَكِنْ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ عَرَفَةَ اسْمٌ لِلْمَكَانِ أَيْضًا لَا حَاجَةَ إِلَى التَّقْدِيرِ (حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ، وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ الَّذِي دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: (نَزَلَ فَبَالَ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ: لَمَّا أَتَى الشِّعْبُ الَّذِي يَنْزِلُهُ الْأُمَرَاءُ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ: الشِّعْبُ الَّذِي يُنِيخُ النَّاسُ فِيهِ لِلْمَغْرِبِ، وَلِلْفَاكِهِيِّ عَنْ عَطَاءٍ: الشِّعْبُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْخُلَفَاءُ الْآنَ الْمَغْرِبَ، وَالْمُرَادُ بِالْخُلَفَاءِ وَالْأُمَرَاءِ بَنُو أُمَيَّةَ، كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهِ الْمَغْرِبَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ هُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ عِكْرِمَةُ فَقَالَ: اتَّخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبَالًا وَاتَّخَذْتُمُوهُ مُصَلًّى، رَوَاهُ الْفَاكِهِيُّ، وَلِابْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ جَابِرٍ: " «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِجَمْعٍ» "، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ. وَنُقِلَ عَنِ الْكُوفِيِّينَ وَابْنِ الْقَاسِمِ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْإِجْزَاءِ، وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ (فَتَوَضَّأَ) بِمَاءِ زَمْزَمَ، كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ مُسْنَدِ أَبِيهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ مَنَعَ اسْتِعْمَالَهُ لِغَيْرِ الشُّرْبِ (فَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ) أَيْ خَفَّفَهُ، فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ: فَتَوَضَّأَ وَضَوْءًا خَفِيفًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، أَوْ خَفَّفَ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَالِبِ عَادَتِهِ، أَوِ الْمُرَادُ اللُّغَوِيُّ وَاسْتُبْعِدَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيِ اسْتَنْجَى بِهِ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْوَضَاءَةِ وَهِيَ النَّظَافَةُ، وَمَعْنَى الْإِسْبَاغِ الْإِكْمَالُ، أَيْ لَمْ يُكْمِلْ وُضُوءَهُ فَيَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، قَالَ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ تَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا، لَكِنَّ الْأُصُولَ تَدْفَعُهُ لِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ الْوُضُوءُ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَمْ يَتَوَضَّأْ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ عِيسَى بْنَ دِينَارٍ سَبَقَ أَبَا عُمَرَ إِلَى مَا اخْتَارَهُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الصَّرِيحَةِ، وَقَدْ تَابَعَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حَرْمَلَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 عَلَيْهَا مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ أَخُو مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ بِمِثْلِ لَفْظِهِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ أَخُوهُمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا بِلَفْظِ: فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا لَيْسَ بِالْبَالِغِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِلَفْظِ: فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ، وَلَمْ يَكُنْ عَادَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ مِنْهُ أَحَدٌ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ. وَأَمَّا اعْتِلَالُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُشْرَعُ مَرَّتَيْنِ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِاحْتِمَالٍ أَنَّهُ تَوَضَّأْ ثَانِيًا عَنْ حَدَثٍ طَارِئٍ، وَلَيْسَ شَرْطُ تَجْدِيدِهِ إِلَّا لِمَنْ صَلَّى بِهِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، بَلْ أَجَازَهُ جَمَاعَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ خِلَافَهُ، أَوْ إِنَّمَا تَوَضَّأَ، أَوَّلًا لِيَسْتَدِيمَ الطَّهَارَةَ، وَلَا سِيَّمَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، لِكَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ حِينَئِذٍ، وَخَفَّفَ الْوُضُوءَ لِقِلَّةِ الْمَاءِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا تَرَكَ إِسْبَاغَهُ حَتَّى نَزَلَ الشِّعْبَ لِيَكُونَ مُسْتَصْحِبًا لِلطَّهَارَةِ فِي طَرِيقِهِ، وَتَجَوَّزَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ وَأَرَادَهَا أَسْبَغَهُ. (فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلَاةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ أَتَذْكُرُ أَوْ تُرِيدُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَتُصَلِّي (يَا رَسُولَ اللَّهِ) ؟ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ: حَضَرَتِ الصَّلَاةُ مَثَلًا (قَالَ: الصَّلَاةُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ (أَمَامَكَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ مَوْضِعُ هَذِهِ الصَّلَاةِ قُدَّامَكَ، وَهُوَ الْمُزْدَلِفَةُ، فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْحَالِ، وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ، أَوِ التَّقْدِيرُ وَقْتُ الصَّلَاةِ قُدَّامَكَ، فَفِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ، إِذِ الصَّلَاةُ نَفْسَهَا لَا تُوجَدُ قَبْلَ إِيجَادِهَا، وَإِذَا وُجِدَتْ لَا تَكُونُ أَمَامَهُ، أَوْ مَعْنَى أَمَامَكَ: لَا تَفُوتُكَ وَسَتُدْرِكُهَا، وَفِيهِ تَذْكِيرُ التَّابِعِ مَا تَرَكَهُ مَتْبُوعُهُ لِيَفْعَلَهُ، أَوْ يَعْتَذِرَ عَنْهُ، أَوْ يُبَيِّنَ لَهُ وَجْهَ صَوَابِهِ. (فَرَكِبَ) نَاقَتَهُ الْقَصْوَاءَ (فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ) بِمَاءِ زَمْزَمَ (فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ) فِيهِ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ دُونَ فَصْلٍ بِصَلَاةٍ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْدَثَ (ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ) بِالنَّاسِ قَبْلَ حَطِّ الرِّحَالِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ. (ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ) مِنَّا (بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ) رِفْقًا بِالدَّوَابِّ، أَوْ لِلْأَمْنِ مِنْ تَشْوِيشِهِمْ بِهَا (ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ، فَصَلَّاهَا) بِالنَّاسِ، وَبَيَّنَ مُسْلِمٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ: أَنَّهُمْ لَمْ يَزِيدُوا بَيْنَ الْوُقُوفِ عَلَى الْإِنَاخَةِ، وَلَفْظُهُ: فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ النَّاسُ، وَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى أَقَامَ الْعِشَاءَ، فَصَلُّوا، ثُمَّ حَلُّوا، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ خَفَّفَ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاتَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ، وَمَعْنَاهُ الْيَسِيرُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ الْجَمْعُ وَجَمْعُ التَّأْخِيرِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَهُوَ إِجْمَاعٌ، لَكِنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَطَائِفَةٍ بِسَبَبِ السَّفَرِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِسَبَبِ النُّسُكِ، وَأَغْرَبَ الْخَطَابِيُّ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْحَاجُّ الْمَغْرِبَ إِذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُزْدَلِفَةَ، وَلَوْ أَجْزَأَتْهُ فِي غَيْرِهَا لَمَّا أَخَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وَقْتِهَا الْمُوَقَّتِ لَهَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ. (وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) أَيْ لَمْ يَتَنَفَّلْ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْجَمْعِ، لِأَنَّ الْجَمْعَ يَجْعَلُهُمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَوَجَبَ الْوَلَاءُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، وَلَوْلَا اشْتِرَاطُ الْوَلَاءِ لَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّوَاتِبَ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَمَرَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ، فَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَهُمَا، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ، وَاخْتَارَهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقُلْتُ بِهِ. وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ إِنْ أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ، فَهُوَ مَرْفُوعٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ كَوْنَ الْعِشَاءَيْنِ فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْأَذَانَيْنِ وَالْإِقَامَتَيْنِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ خَالِدٍ كَانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ مَالِكٍ حَيْثُ أَخَذَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْكُوفِيِّينَ، مَعَ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَمَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَرْوِهِ، وَيَتْرُكُ مَا رُوِيَ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَنَا أَعْجَبُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ حَيْثُ أَخَذُوا بِرِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَرَكُوا قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَعْدِلُونَ بِهِ أَحَدًا. وَأَجَابَ الْحَافِظُ بِأَنَّ مَالِكًا اعْتَمَدَ صَنِيعَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَرْوِهِ فِي الْمُوَطَّأِ فَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ، ثُمَّ أَوَّلَهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَهُ تَفَرَّقُوا عَنْهُ فَأَذِنَ لَهُمْ لِيَجْتَمِعُوا لِيَجْمَعَ بِهِمْ وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفَهُ وَلَوْ تَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ عُمَرَ، لِكَوْنِهِ الْإِمَامَ الَّذِي يُقِيمُ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ،، لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ فِي حَقِّ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لَا يَحْتَاجُ فِي جَمْعِهِمْ إِلَى مَنْ يُؤَذِّنُهُمْ. وَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَةِ، أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَأَنَّهُ رَآهُ مِنَ الْأَمْرِ الْمُخَيَّرِ فِيهِ، وَعَنْهُ صِفَةٌ رَابِعَةٌ: الْإِقَامَةُ لَهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَخَامِسَةٌ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَسَادِسَةٌ: تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِيهِمَا، رَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. فَلِلَّهِ دَرُّ مَالِكٍ مَا أَدَقَّ نَظَرَهُ، لَمَّا اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ، وَأَخَذَ بِمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ لِاعْتِضَادِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَّ فِي الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ أَنَّ الْوَقْتَ لَهُمَا جَمِيعًا وَقْتٌ وَاحِدٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تُصَلَّى فِي وَقْتِهَا لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ أَوْلَى بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ مِنَ الْأُخْرَى، لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَائِتَةً تُقْضَى، وَإِنَّمَا هِيَ صَلَاةٌ تُصَلَّى فِي وَقْتِهَا، وَكُلُّ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ فِي وَقْتِهَا فَسُنَّتُهَا أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا وَتُقَامَ فِي الْجَمَاعَةِ وَهَذَا بَيِّنٌ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْوُضُوءِ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالْبُخَارِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 أَيْضًا هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مُوسَى فِي الصَّحِيحَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْخَطْمِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا»   915 - 901 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَدِيٍّ) بِالدَّالِ (ابْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ) الْكُوفِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، وَفِيهِ رِوَايَةُ تَابِعِيٍّ عَنْ تَابِعِيٍّ، يَحْيَى عَنْ عَدِيٍّ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ) بِيَاءٍ قَبْلَ الزَّايِ، ابْنِ زَيْدٍ، بِلَا يَاءٍ، ابْنِ حُصَيْنٍ الْأَنْصَارِيَّ (الْخَطْمِيَّ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، نِسْبَةً إِلَى بَنِي خَطْمَةَ، بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ، زَادَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْكُوفَةِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ) خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ (الْأَنْصَارِيَّ، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا) أَيْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا جَمْعَ تَأْخِيرٍ، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، كِلَاهُمَا عَنْ عَدِيٍّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ لَكِنَّ تَقَوَّى بِمُتَابَعَةِ مُحَمَّدٍ، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ ذِكْرُ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، كَذَا قَالَ الْحَافِظُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَفْيَ ابْنِ حَزْمٍ بِالنَّظَرِ إِلَى الصِّحَّةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. الحديث: 915 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا   916 - 902 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا) اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَقَّبَ الْمَرْفُوعَ بِالْمَوْقُوفِ إِشَارَةً إِلَى بَقَاءِ الْعَمَلِ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَطْرُقُهُ احْتِمَالُ النَّسْخِ. وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ يَمُرُّ بِالشِّعْبِ الَّذِي أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَدْخُلُ فَيَنْتَفِضُ وَيَتَوَضَّأُ، وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يُصَلِّيَ بِجَمْعٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ بِالْفَاءِ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ، مِنَ الِانْتِفَاضِ كِنَايَةً عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَقَدِ اتَّبَعَهُ حَتَّى فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِالشِّعْبِ، لِأَنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الِاتِّبَاعِ. الحديث: 916 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 [بَاب صَلَاةِ مِنًى] قَالَ مَالِكٌ فِي أَهْلِ مَكَّةَ إِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِمِنًى إِذَا حَجُّوا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَنْصَرِفُوا إِلَى مَكَّةَ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَاةَ الرُّبَاعِيَّةَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ» وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّاهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّاهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَنَّ عُثْمَانَ صَلَّاهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ شَطْرَ إِمَارَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا بَعْدُ   66 - بَابُ صَلَاةِ مِنًى (قَالَ مَالِكٌ فِي أَهْلِ مَكَّةَ: أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِمِنًى إِذَا حَجُّوا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) بِالتَّكْرِيرِ لِلتَّعْمِيمِ فِي كُلِّ رُبَاعِيَّةٍ (حَتَّى يَنْصَرِفُوا إِلَى مَكَّةَ) لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ حَجُّوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَصَرُوا مَعَهُ بِمِنًى، وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ أَتِمُّوا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَّرَ لِلنُّسُكِ، إِذْ لَيْسَ بَيْنَ مِنًى وَمَكَّةَ مَسَافَةُ قَصْرٍ، وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَتْحَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» ؛ فَضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ، عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ إِعْلَامَهُمْ بِمِنًى اسْتِغْنَاءً بِمَا تَقَدَّمَ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْقِصَّةَ فِي الْفَتْحِ وَقِصَّةَ مِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَكَانِ لَا بُدَّ مِنَ الْبَيَانِ بَعْدَ الْعَهْدِ. 918 - 903 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) مُرْسَلٌ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَاةَ الرُّبَاعِيَّةَ بِمِنًى) ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: وَعَرَفَةَ (رَكْعَتَيْنِ) قَصْرًا (وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّاهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ) فِي خِلَافَتِهِ (وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّاهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ عُثْمَانَ صَلَّاهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ) وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْخُلَفَاءِ مَعَ قِيَامِ الْحُجَّةِ بِالْفِعْلِ النَّبَوِيِّ وَحْدَهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَمْ يُنْسَخْ، إِذْ لَوْ نُسِخَ مَا فَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ (شَطْرَ) أَيْ نِصْفَ (إِمَارَتِهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، أَيْ خِلَافَتِهِ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ: ثَمَانِ سِنِينَ، أَوْ سِتَّ سِنِينَ بِالشَّكِّ، وَتَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ أَنَّ الصَّحِيحَ سِتٌّ، لِأَنَّ خِلَافَتَهُ كَانَتْ ثِنْتَى عَشْرَةَ سَنَةً (ثُمَّ أَتَمَّهَا بَعْدُ) بِالْبَنَّاءِ عَلَى الضَّمِّ، لِأَنَّ الْقَصْرَ وَالْإِتْمَامَ جَائِزَانِ لِلْمُسَافِرِ، فَرَأَى عُثْمَانُ تَرْجِيحَ طَرَفِ الْإِتْمَامِ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ مَشَقَّةٍ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ. وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ الحديث: 918 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَتَمَّ لِأَنَّهُ تَأَهَّلَ بِمَكَّةَ، أَوْ لِأَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَكُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ دَارٌ، أَوْ لِعَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ، أَوْ لِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ لَهُ أَرْضًا بِمِنًى، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى مَكَّةَ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ عَائِشَةَ، وَأَكْثَرُهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ هِيَ ظُنُونٌ مِمَّنْ قَالَهَا، وَيَرُدُّ الْأَوَّلَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَافِرُ بِزَوْجَاتِهِ وَقَصَرَ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِ حَرَامٌ، وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ: لَمْ يُنْقَلَا فَلَا يَكْفِي الظَّنُّ فِي ذَلِكَ. وَالْأَوَّلُ وَإِنْ نُقِلَ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: إِنِّي تَأَهَّلْتُ بِمَكَّةَ لَمَّا قَدِمْتُ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلَدٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي صَلَاةَ مُقِيمٍ» " فَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَفِي رُوَاتِهِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَيَرُدُّهُ قَوْلُ عُرْوَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ، وَلَا جَائِزَ أَنْ تَتَأَهَّلَ عَائِشَةُ أَصْلًا، فَدَلَّ عَلَى وَهَاءِ ذَلِكَ الْخَبَرِ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّ مُرَادَ عُرْوَةَ التَّشْبِيهُ بِعُثْمَانَ فِي الْإِتْمَامِ بِتَأْوِيلٍ لَا اتِّحَادُ تَأْوِيلِهِمَا، وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْأَسْبَابَ اخْتَلَفَتْ فِي تَأَوُّلِ عُثْمَانَ، وَتَكَاثَرَتْ بِخِلَافِ تَأْوِيلِ عَائِشَةَ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّ سَبَبَ إِتْمَامِ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْقَصْرَ مُخْتَصًّا بِمَنْ كَانَ شَاخِصًا سَائِرًا، وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ فِي مَكَانٍ أَثْنَاءَ سَفَرِهِ، فَلَهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ فَيُتِمُّ، لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا صَلَّى بِنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ بِمَكَّةَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، فَقَالَا: لَقَدْ عِبْتَ أَمْرَ ابْنِ عَمِّكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، قَالَ: وَكَانَ عُثْمَانُ حَيْثُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَعَرَفَةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ، وَقَامَ بِمِنًى أَتَمَّ الصَّلَاةَ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ رَأَيَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا قَصَرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْأَيْسَرِ عَلَى أُمَّتِهِ، فَأَخَذَا أَنْفُسَهُمَا بِالشِّدَّةِ، وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ آخِرِهِمُ الْقُرْطُبِيُّ، لَكِنَّ مَا قَبْلَهُ أَوْلَى لِتَصْرِيحِ الرَّاوِي بِالسَّبَبِ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: إِنَّمَا صَلَّى عُثْمَانُ أَرْبَعًا، لِأَنَّ الْأَعْرَابَ كَثُرُوا فِي ذَلِكَ الْعَامِ، فَأَحَبَّ أَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعٌ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ «عَنْ عُثْمَانَ: أَنَّهُ أَتَمَّ بِمِنًى، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: إِنَّ الْقَصْرَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ وَلَكِنَّهُ حَدَثَ طَغَامٌ، يَعْنِي بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمُعْجَمَةِ، فَخِفْتُ أَنْ يَسْتَنُّوا» . وَلَهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا نَادَاهُ بِمِنًى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِلْتُ أُصَلِّيهِمَا مُنْذُ رَأَيْتُكُمْ عَامَ أَوَّلَ رَكْعَتَيْنِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَصْلُ سَبَبِ الْإِتْمَامِ، وَلَا يُعَارِضُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، بَلْ يُقَوِّيهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ حَالَةَ الْإِقَامَةِ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ قَرِيبٌ إِلَى قِيَاسِ الْإِقَامَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ السَّائِرِ، وَهَذَا مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ عُثْمَانَ. قَالَهُ الْحَافِظُ وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْحُجَّاجَ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ بِمِنًى وَعَرَفَةَ، وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَبِمَكَّةَ، وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ مِنًى وَعَرَفَةَ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقْصُرَ أَهْلُ مَكَّةَ بِهَا أَوْ أَهْلُ مِنًى بِهَا أَوْ عَرَفَةَ بِهَا لِقَصْرِهِمْ مَعَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 عِيَاضٌ: وَلِأَنَّ فِي تَكْرَارِ مَشَاعِرِ الْحَجِّ، وَمَنَاسِكِهِ مِقْدَارُ الْمَسَافَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا قَصْرُ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: إِنَّمَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَةَ، لِأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ أَوْ فِي سَفَرٍ قَصِيرٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: لَوْ لَمْ يَجُزِ الْقَصْرُ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمِنًى، لَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتِمُّوا، وَلَيْسَ بَيْنَ مِنًى وَمَكَّةَ مَسَافَةُ قَصْرٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ لِلنُّسُكِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: " «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» "، فَكَأَنَّهُ تَرَكَ إِعْلَامَهُمْ بِذَلِكَ بِمِنًى اسْتِغْنَاءً بِمَا تَقَدَّمَ بِمَكَّةَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ فَالْقِصَّةُ فِي الْفَتْحِ، وَقِصَّةُ مِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ لِبُعْدِ الْعَهْدِ، قَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَصْلَ الْبَحْثِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْمَسَافَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى لَا قَصْرَ فِيهَا، وَهِيَ مِنْ مَحَالِّ الْخِلَافِ، انْتَهَى. عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُدَّعَى أَنَّ حَدِيثَ عِمْرَانَ لَوْ صَحَّ مِنْ أَدِلَّتِنَا، إِذْ قَوْلُهُ ذَلِكَ لِأَهْلِ مَكَّةَ فِيهَا دُونَ قَوْلِهِ لَهُمْ لَمَّا حَجُّوا مَعَهُ بِمِنًى وَعَرَفَةَ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَقْصُرُونَ فِي ذَلِكَ كَمَا فَهِمَهُ أَسْلَمُ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا   919 - 904 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ) إِمَامًا، لِأَنَّهُ الْخَلِيفَةُ، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ (رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ) مِنَ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ (فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ جَمْعُ سَافِرٍ، كَرَكْبٍ وَرَاكِبٍ (ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى) بِالنَّاسِ (وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا) أَيْ لِأَهْلِ مَكَّةَ لِخُرُوجِهِمْ مِنْهَا لِلْحَجِّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ سُنَّتَهُمْ حِينَئِذٍ الْقَصْرُ. الحديث: 919 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى لِلنَّاسِ بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى 113 وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَيْفَ صَلَاتُهُمْ بِعَرَفَةَ أَرَكْعَتَانِ أَمْ أَرْبَعٌ وَكَيْفَ بِأَمِيرِ الْحَاجِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِعَرَفَةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ وَكَيْفَ صَلَاةُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي إِقَامَتِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ يُصَلِّي أَهْلُ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ وَمِنًى مَا أَقَامُوا بِهِمَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَكَّةَ قَالَ وَأَمِيرُ الْحَاجِّ أَيْضًا إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ بِعَرَفَةَ وَأَيَّامَ مِنًى وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا بِمِنًى مُقِيمًا بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِمِنًى وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا بِعَرَفَةَ مُقِيمًا بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِهَا أَيْضًا   920 - 905 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى لِلنَّاسِ) أَيْ بِهِمْ إِمَامًا (بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ) سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ (قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ الحديث: 920 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ) الرُّبَاعِيَّةَ (رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا) فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقْصُرُونَ بِمِنًى إِذَا حَجُّوا، إِذْ لَوْ لَزِمَهُمُ الْإِتْمَامُ لَبَيَّنَهُ لَهُمْ كَمَا بَيَّنَهُ فِي مَكَّةَ، وَزَعْمُ أَنَّهُ تَرَكَهُ اكْتِفَاءً بِالْبَيَانِ بِمَكَّةَ مَمْنُوعٌ، وَسَنَدُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ لَا سِيَّمَا مَعَ اخْتِلَافِ الْمَحَلِّ، وَتَقَدَّمَ فِي الْقَصْرِ طَرِيقٌ ثَالِثٌ لِأَثَرِ عُمَرَ، وَهُوَ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ فَذَكَرَهُ. (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَيْفَ صَلَاتُهُمْ بِعَرَفَةَ) الرُّبَاعِيَّةُ (رَكْعَتَانِ) هِيَ (أَمْ أَرْبَعٌ؟ وَكَيْفَ بِأَمِيرِ الْحَاجِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، أَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِعَرَفَةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ) إِتْمَامًا (أَوْ رَكْعَتَيْنِ؟) قَصْرًا (وَكَيْفَ صَلَاةُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي إِقَامَتِهِمْ؟) أَيَّامَ الرَّمْيِ (فَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلِّي أَهْلُ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ وَمِنًى مَا أَقَامُوا) مُدَّةَ إِقَامَتِهِمْ (بِهِمَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) بِكُلِّ رُبَاعِيَّةٍ (يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَكَّةَ) عَمَلًا بِالسُّنَّةِ (قَالَ: وَأَمِيرُ الْحَاجِّ أَيْضًا إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ بِعَرَفَةَ وَأَيَّامَ مِنًى) لِأَنَّ سَبَبَ الْقَصْرِ النُّسُكُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَعِيدٍ وَقَرِيبٍ (وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا بِمِنًى مُقِيمًا بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ) الْأَحَدَ (يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِمِنًى، وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا بِعَرَفَةَ مُقِيمًا بِهَا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْلِ أَهْلِهَا، فَالْمَدَارُ عَلَى الْإِقَامَةِ (فَإِنَّ ذَلِكَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِهَا أَيْضًا) لِأَنَّهُمَا فِي أَوْطَانِهِمَا كَأَهْلِ مَكَّةَ إِذَا أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ بِمَكَّةَ يُتِمُّونَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى مِنًى وَعَرَفَةَ، فَالضَّابِطُ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَكَانٍ يُتِمُّونَ فِيهِ، وَيَقْصُرُونَ فِيمَا عَدَاهُ، قَالَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ: السِّرُّ فِي الْقَصْرِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمُتَقَارِبَةِ إِظْهَارُ اللَّهِ تَعَالَى لِفَضْلِهِ عَلَى عِبَادِهِ حَتَّى اعْتَدَّ لَهُمْ بِالْحَرَكَةِ الْقَرِيبَةِ اعْتِدَادَهُ بِالسَّفَرِ الْبَعِيدِ، فَجَعَلَ الْوَافِدِينَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى مَكَّةَ كَأَنَّهُمْ سَافَرُوا إِلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَسْفَارٍ: سَفَرٌ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، وَلِهَذَا يَقْصُرُ أَهْلُ عَرَفَةَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَسَفَرٌ إِلَى مِنًى وَلِهَذَا يَقْصُرُ أَهْلُ الْمُزْدَلِفَةِ بِمِنًى، وَسَفَرٌ إِلَى مَكَّةَ، وَلِهَذَا يَقْصُرُ أَهْلُ مَكَّةَ فَهِيَ عَلَى قُرْبِهَا مِنْ عَرَفَةَ مَعْدُودَةٌ بِثَلَاثِ مَسَافَاتٍ كُلُّ مَسَافَةٍ مِنْهَا سَفَرٌ طَوِيلٌ، وَسِرُّ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ وَفْدُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْبَعِيدَ كَالْقَرِيبِ فِي إِسْبَاغِ الْفَضْلِ، انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 [بَاب صَلَاةِ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ وَمِنًى] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ لِمِنًى فَيَقْصُرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ عَلَى مُقَامٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ لَيَالٍ   67 - بَابُ صَلَاةِ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ وَمِنًى (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ) بِمَكَّةَ (حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مِنًى، فَيَقْصُرَ) بِالنَّصْبِ (وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ) عَزَمَ وَصَمَّمَ (عَلَى مُقَامٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ لَيَالٍ) بِأَيَّامِهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 [بَاب تَكْبِيرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ شَيْئًا فَكَبَّرَ فَكَبَّرَ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِ ثُمَّ خَرَجَ الثَّانِيَةَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ فَكَبَّرَ فَكَبَّرَ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِ ثُمَّ خَرَجَ الثَّالِثَةَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَكَبَّرَ فَكَبَّرَ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِ حَتَّى يَتَّصِلَ التَّكْبِيرُ وَيَبْلُغَ الْبَيْتَ فَيُعْلَمَ أَنَّ عُمَرَ قَدْ خَرَجَ يَرْمِي قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ وَأَوَّلُ ذَلِكَ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ وَالنَّاسُ مَعَهُ دُبُرَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَآخِرُ ذَلِكَ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ وَالنَّاسُ مَعَهُ دُبُرَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ قَالَ مَالِكٌ وَالتَّكْبِيرُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ بِمِنًى أَوْ بِالْآفَاقِ كُلُّهَا وَاجِبٌ وَإِنَّمَا يَأْتَمُّ النَّاسُ فِي ذَلِكَ بِإِمَامِ الْحَاجِّ وَبِالنَّاسِ بِمِنًى لِأَنَّهُمْ إِذَا رَجَعُوا وَانْقَضَى الْإِحْرَامُ ائْتَمُّوا بِهِمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي الْحِلِّ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ حَاجًّا فَإِنَّهُ لَا يَأْتَمُّ بِهِمْ إِلَّا فِي تَكْبِيرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ مَالِكٌ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ   68 - بَابُ تَكْبِيرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ 922 - 906 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ شَيْئًا) قَلِيلًا (فَكَبَّرَ فَكَبَّرَ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِ) اتِّبَاعًا لَهُ، لِأَنَّهُ الْإِمَامُ (ثُمَّ خَرَجَ الثَّانِيَةَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ فَكَبَّرَ فَكَبَّرَ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ) الثَّالِثَةَ (حَتَّى زَاغَتْ) بِزَايٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَتَيْنِ، زَالَتْ (الشَّمْسُ فَكَبَّرَ فَكَبَّرَ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِ حَتَّى يَتَّصِلَ التَّكْبِيرُ وَيَبْلُغَ الْبَيْتَ) الْكَعْبَةَ (فَيُعْلَمَ أَنَّ عُمَرَ قَدْ خَرَجَ يَرْمِي) الْجَمْرَةَ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: " «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إِلَّا أَنْ يَخْلِطَهَا بِتَكْبِيرٍ أَوْ تَهْلِيلٍ» ". (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ) أَيْ عَقِبَهَا، بِضَمَّتَيْنِ، وَتَسْكِينُ الْبَاءِ الحديث: 922 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 تَخْفِيفٌ وَأَصْلُهُ خِلَافُ الْقُبُلِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (وَأَوَّلُ ذَلِكَ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ وَالنَّاسُ مَعَهُ دُبُرَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَآخِرُ ذَلِكَ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ وَالنَّاسُ مَعَهُ دُبُرَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، ثُمَّ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ) احْتُجَّ بِالْعَمَلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ. قَالَ الْحَافِظُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَهُ عَلَى أَعْقَابِ الصَّلَوَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالْمَكْتُوبَاتِ دُونَ النَّوَافِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَبِالْجَمَاعَةِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ، وَبِالْمُؤَدَّاةِ دُونَ الْمَقْضِيَّةِ، وَبِالْمُقِيمِ دُونَ الْمُسَافِرِ، وَبِسَاكِنِ الْمِصْرِ دُونَ الْقَرْيَةِ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي ابْتِدَائِهِ وَانْتِهَائِهِ، فَقِيلَ: مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَقِيلَ: مِنْ ظُهْرِهِ، وَقِيلَ: مِنْ عَصْرِهِ، وَقِيلَ: مِنْ صُبْحِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَقِيلَ: مِنْ ظُهْرِهِ، وَفِي الِانْتِهَاءِ إِلَى ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، أَوْ عَصْرِهِ، أَوْ ظُهْرِ ثَانِيهِ، أَوْ صُبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، أَوْ ظُهْرِهِ أَوْ عَصْرِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ وَاضِحٌ، مَا وَرَدَ فِيهِ عَنِ الصَّحَابَةِ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ: " مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ مِنًى "، أَخْرَجَهُمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا صِفَةُ التَّكْبِيرِ فَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: " كَبِّرُوا اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا "، وَزَادَ الشَّافِعِيُّ: " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ "، وَقِيلَ: يُكَبَّرُ ثَلَاثًا وَيُزَادُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. . . إِلَخْ. وَقِيلَ: يُكَبَّرُ ثِنْتَيْنِ بَعْدَهُمَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، جَاءَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَدْ أُحْدِثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ زِيَادَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا، انْتَهَى. (قَالَ) مَالِكٌ: (وَالتَّكْبِيرُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالرِّجَالِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: " كَانَ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ ". (مَنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ وَحْدَهُ بِمِنًى، أَوْ بِالْآفَاقِ كُلُّهَا وَاجِبٌ) مَنْدُوبٌ مُتَأَكَّدٌ (وَإِنَّمَا يَأْتَمُّ) يَقْتَدِي (النَّاسُ فِي ذَلِكَ بِإِمَامِ الْحَاجِّ وَبِالنَّاسِ بِمِنًى) فِي رَمْيِ الْجِمَارِ وَالتَّكْبِيرِ (لِأَنَّهُمْ إِذَا رَجَعُوا وَانْقَضَى الْإِحْرَامُ ائْتَمُّوا بِهِمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي الْحِلِّ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ حَاجًّا) مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ كُلِّهِمْ، وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ أَيَّامَ مِنًى، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (فَإِنَّهُ لَا يَأْتَمُّ بِهِمْ إِلَّا فِي تَكْبِيرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) وَحِكْمَتُهُ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ إِنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَذْبَحُونَ فِيهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ، فَشُرِعَ فِيهَا التَّكْبِيرُ إِشَارَةً إِلَى تَخْصِيصِ الذَّبْحِ لَهُ وَعَلَى اسْمِهِ عَزَّ وَجَلَّ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) كَمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ: وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ، رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ الَّتِي قَبْلَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ " وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَظَاهِرُهُ إِدْخَالُ يَوْمِ الْعِيدِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " الْمَعْلُومَاتُ: يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ "، وَرَجَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 28) فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَيَّامُ النَّحْرِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ تَسْمِيَةَ أَيَّامِ الْعَشْرِ مَعْلُومَاتٍ، وَلَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَعْدُودَاتٍ، بَلْ تَسْمِيَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَعْدُودَاتٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 203) الْآيَةَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ مَعْدُودَاتٍ لِأَنَّهَا إِذَا زِيدَ عَلَيْهَا شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ حَصْرًا، أَيْ فِي حُكْمِ حَصْرِ الْعَدَدِ، ثُمَّ مُقْتَضَى كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ أَوْ يَوْمَانِ، لَكِنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ يَقْتَضِي دُخُولَ يَوْمِ الْعِيدِ فِيهَا. وَقَدْ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ قَوْلَيْنِ: أَحَدَهُمَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ: أَيْ يُقَدِّدُونَهَا وَيُبْرِزُونَهَا لِلشَّمْسِ. ثَانِيَهُمَا: لِأَنَّهَا كُلَّهَا أَيَّامُ تَشْرِيقٍ لِصَلَاةِ يَوْمِ النَّحْرِ، فَصَارَتْ تَبَعًا لِيَوْمِ النَّحْرِ، وَهَذَا أَعْجَبُ الْقَوْلَيْنِ إِلَيَّ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعِيدَ إِنَّمَا يُصَلَّى بَعْدَ أَنْ تُشْرِقَ الشَّمْسُ. وَعَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: لِأَنَّ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا لَا تُنْحَرُ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ، وَكَأَنَّ مَنْ أَخْرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ مِنْهَا لِشُهْرَتِهِ بِلَقَبٍ يَخُصُّهُ وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ، وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَبَعٌ لَهُ فِي التَّسْمِيَةِ كَمَا تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَلِيٍّ: " لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ "، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَوْقُوفًا، وَمَعْنَاهُ لَا صَلَاةَ جُمُعَةٍ، وَلَا صَلَاةَ عِيدٍ. وَمِنْهُ حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا: " «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ التَّشْرِيقِ فَلْيُعِدْ» " أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: التَّشْرِيقُ التَّكْبِيرُ دُبُرَ الصَّلَاةِ، أَيْ لَا تَكْبِيرَ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا لَمْ نَجِدْ أَحَدًا يَعْرِفُهُ، وَلَا وَافَقَهُ عَلَيْهِ صَاحِبَاهُ وَلَا غَيْرُهُمَا، انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 [بَاب صَلَاةِ الْمُعَرَّسِ وَالْمُحَصَّبِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَصَلَّى بِهَا» قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُجَاوِزَ الْمُعَرَّسَ إِذَا قَفَلَ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَإِنْ مَرَّ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَلْيُقِمْ حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ صَلَّى مَا بَدَا لَهُ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّسَ بِهِ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَاخَ بِهِ   69 - بَابُ صَلَاةِ الْمُعَرَّسِ وَالْمُحَصَّبِ 923 - 907 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَاخَ) بِنُونٍ وَمُعْجَمَةٍ، أَيْ بَرَّكَ رَاحِلَتَهُ (بِالْبَطْحَاءِ) بِالْمَدِّ، حِينَ صَدَرَ مِنَ الْحَجِّ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ (الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ) احْتِرَازًا عَنِ الْبَطْحَاءِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى (فَصَلَّى بِهَا) وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَمَاكِنُ نُزُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُتَأَسَّى بِهِ فِيهَا، إِذْ لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِ عَنْ حِكْمَةٍ، وَأَيْضًا لِطَلَبِ فَضْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ فِي مُعَرَّسِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ» " (قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) تَأَسِّيًا بِالْمُصْطَفَى، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ شَدِيدَ التَّأَسِّي بِهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ بِالْمُنَاخِ مِنَ الْمَسْجِدِ الَّذِي كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُنِيخُ بِهِ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثَ الْبَابِ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُجَاوِزَ الْمُعَرَّسَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ الثَّقِيلَةِ، وَبِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ خَفِيفَةً: مَوْضِعُ النُّزُولِ (إِذَا قَفَلَ) بِقَافٍ فَفَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ، رَجَعَ مِنَ الْحَجِّ (حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ) تَأَسِّيًا (وَإِنَّ مَرَّ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَلْيُقِمْ) بِهِ (حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ، ثُمَّ صَلَّى مَا بَدَا لَهُ) يَعْنِي أَيَّ شَيْءٍ تَيَسَّرَ لَهُ (لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّسَ بِهِ) بِشَدِّ الرَّاءِ: نَزَلَ بِهِ لِيَسْتَرِيحَ، وَصَلَّى بِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: التَّعْرِيسُ نُزُولُ الْمُسَافِرِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَخَصَّهُ غَيْرُهُ بِنُزُولِهِ آخِرَ اللَّيْلِ. (وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَاخَ بِهِ) : بَرَّكَ رَاحِلَتَهُ تَأَسِّيًا، وَقِيلَ مُرَادُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنُّزُولِ بِذِيِ الْحُلَيْفَةِ فِي رُجُوعِهِ وَالْمُقَامِ بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ؛ لِئَلَّا يَفْجَأَ النَّاسُ أَهَالِيهِمْ كَمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، حَتَّى يَبْلُغَهُمُ الْخَبَرُ فَتَمْتَشِطَ الحديث: 923 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ، وَيُصْلِحَ النِّسَاءُ مِنْ شَأْنِهِنَّ، لِئَلَّا تَقَعَ عَيْنٌ أَوْ أَنْفٌ عَلَى مَا يُكْرَهُ، فَيَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الْأُلْفَةِ، حَكَاهُ عِيَاضٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ اللَّيْلِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ   924 - 908 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) إِذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى (بِالْمُحَصَّبِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ وَمُوَحَّدَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ: اسْمٌ لِمَكَانٍ مُتَّسِعٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى مِنًى، وَيُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ وَالْبَطْحَاءُ وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَالْخَيْفُ، وَإِلَى مِنًى يُضَافُ وَدَلِيلُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ عَالِمٌ بِمَكَّةَ وَأَحْرَازِهَا وَمِنًى وَأَقْطَارِهَا: يَا رَاكِبًا قِفْ بِالْمُحَصَّبِ مِنْ مِنًى ... وَاهْتِفْ بِقَاطِنِ خَيْفِهَا وَالنَّاهِضِ قَالَ الْأُبِّيُّ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إِذَا جُعِلَ مِنْ مِنًى فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِلْمُحَصَّبِ، أَمَّا إِذَا عُلِّقَ بِرَاكِبًا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: نَظَرْتُ إِلَيْهَا بِالْمُحَصَّبِ مِنْ مِنًى ... وَفِي نَظَرٍ لَوْلَا التَّحَرُّجُ عَادِمُ وَأَبْيَنُ مِنْهُمَا قَوْلُ مَجْنُونِ بَنِي عَامِرٍ: وَدَاعٍ دَعَا إِذْ نَحْنُ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى ... فَهَيَّجَ لَوْعَاتِ الْفُؤَادِ وَمَا يَدْرِي دَعَا بِاسْمِ لَيْلَى غَيْرَهَا فَكَأَنَّمَا أَطَارَ ... بِلَيْلَى طَائِرًا كَانَ فِي صَدْرِي وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إِذَا رَحَلُوا مِنْ مِنًى نَزَلُوا بِأَبْطَحِ مَكَّةَ وَصَلَّوُا الظُّهْرَ وَالثَّلَاثَةَ بَعْدَهَا وَيَدْخُلُونَ مَكَّةَ أَوَّلَ اللَّيْلِ، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مِنًى. (ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنَ اللَّيْلِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ) اتِّبَاعًا لِلْفِعْلِ النَّبَوِيِّ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ " «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ» "، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً " قَالَ نَافِعٌ: " «وَقَدْ حَصَّبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ» "، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: " «نُزُولُ الْأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ إِنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إِذَا خَرَجَ» "، أَيْ أَسْهَلَ لِتَوَجُّهِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، لِيَسْتَوْعِبَ فِي ذَلِكَ الْبَطِيءَ وَالْمُتَعَذِّرَ، وَيَكُونُ مَبِيتُهُمْ وَقِيَامُهُمْ فِي السَّحَرِ، وَرَحِيلُهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَفِيهِمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: " «وَكَانَ عَلَى ثِقْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَمْ يَأْمُرْنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى، وَلَكِنْ جِئْتُ، فَضَرَبْتُ قُبَّتَهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ» ، انْتَهَى. لَكِنْ لَمَّا نَزَلَهُ كَانَ النُّزُولُ بِهِ مُسْتَحَبًّا اتِّبَاعًا لَهُ لِتَقْرِيرِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ فَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ الحديث: 924 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ نَفَى كَوْنَهُ سُنَّةً كَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَنَاسِكِ، فَلَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ، وَمَنْ أَثْبَتَهُ كَابْنِ عُمَرَ أَرَادَ دُخُولَهُ فِي عُمُومِ التَّأَسِّي بِأَفْعَالِهِ لَا الْإِلْزَامَ بِذَلِكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 [بَاب الْبَيْتُوتَةِ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ زَعَمُوا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَبْعَثُ رِجَالًا يُدْخِلُونَ النَّاسَ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ   70 - بَابُ الْبَيْتُوتَةِ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى بِنَصْبِ لَيَالِيَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْمَبِيتِ بِمِنًى فِي لَيَالِيهَا لِلْخَبَرِ الْآتِي: أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ، لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالرُّخْصَةِ يَقْتَضِي أَنَّ مُقَابِلَهَا عَزِيمَةٌ، وَأَنَّ الْإِذْنَ إِنَّمَا وَقَعَ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ لَمْ يَحْصُلْ إِذْنٌ، وَبِالْوُجُوبِ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ - وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ - أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَوُجُوبُ الدَّمِ بِتَرْكِهِ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَلَا يَحْصُلُ الْمَبِيتُ إِلَّا بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ. 925 - 909 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَبْعَثُ رِجَالًا يُدْخِلُونَ النَّاسَ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ) إِلَى مِنًى، لِأَنَّ الْعَقَبَةَ لَيْسَتْ مِنْ مِنًى بَلْ هِيَ حَدُّ مِنًى مِنْ جِهَةِ مَكَّةَ، وَهِيَ الَّتِي بَايَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَنْصَارَ عِنْدَهَا عَلَى الْهِجْرَةِ. الحديث: 925 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ   926 - 910 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ) فَإِنْ بَاتَ جُلَّ لَيْلَةٍ فَالدَّمُ. الحديث: 926 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَيْتُوتَةِ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ إِلَّا بِمِنًى   927 - 911 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَيْتُوتَةِ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى: لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ إِلَّا بِمِنًى) لِوُجُوبِ الْمَبِيتِ بِهَا لِلْحَاجِّ، وَلَوْ لِضَرُورَةٍ كَخَوْفٍ عَلَى مَتَاعِهِ أَوْ مَرَضٍ. وَقَدْ الحديث: 927 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ حَبَسَهُ مَرَضٌ، فَبَاتَ بِمَكَّةَ عَلَيْهِ هَدْيٌ إِلَّا لِلرُّعَاةِ لِلْحَدِيثِ الْآتِي، وَأَهْلِ السِّقَايَةِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَبَّاسِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ أَيَّامَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ» ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 [بَاب رَمْيِ الْجِمَارِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وُقُوفًا طَوِيلًا حَتَّى يَمَلَّ الْقَائِمُ   71 - بَابُ رَمْيِ الْجِمَارِ جَمْعُ جَمْرَةٍ، وَهِيَ اسْمٌ لِمُجْتَمِعِ الْحَصَى، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا، يُقَالُ: تَجَمَّرَ بَنُو فُلَانٍ إِذَا اجْتَمَعُوا، وَقِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْحَصَى الصِّغَارَ جِمَارًا، فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِلَازِمِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ آدَمَ أَوْ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا عَرَضَ لَهُ إِبْلِيسُ فَحَصَّبَهُ جَمَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَيْ أَسْرَعَ، ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ الشِّهَابُ الْقَرَافِيُّ: الْجِمَارُ اسْمٌ لِلْحَصَى لَا لِلْمَكَانِ، وَالْجَمْرَةُ اسْمٌ لِلْحَصَاةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمَوْضِعُ جَمْرَةً بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ، وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْحَصَى فِيهِ، وَالْأُولَى مِنْهَا هِيَ الَّتِي إِلَى مَسْجِدِ الْخَيْفِ أَقْرَبُ، وَمِنْ بَابِهِ الْكَبِيرِ إِلَيْهَا أَلْفُ ذِرَاعٍ وَمِائَتَا ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا وَسُدُسُ ذِرَاعٍ، وَمِنْهَا إِلَى الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى مِائَتَا ذِرَاعٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَمِنَ الْوُسْطَى إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِائَتَا ذِرَاعٍ وَثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ. 929 - 912 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: الْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى، وَالثَّانِيَةُ: الْوُسْطَى (وُقُوفًا طَوِيلًا حَتَّى يَمَلَّ الْقَائِمُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، اتِّبَاعًا لِمَا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ أَطَالَ الْوُقُوفَ عِنْدَهُمَا. الحديث: 929 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وُقُوفًا طَوِيلًا يُكَبِّرُ اللَّهَ وَيُسَبِّحُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُو اللَّهَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ   929 - 913 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وُقُوفًا طَوِيلًا) مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (يُكَبِّرُ اللَّهَ) زَادَ سَالِمٌ: عَلَى أَثَرِ كُلِّ حَصَاةٍ، أَيْ مِنَ السَّبْعِ فَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ: يُطْعِمُ، وَإِنْ جَبَرَهُ بِدَمٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 فَأَحَبُّ إِلَيَّ (وَيُسَبِّحُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُو اللَّهَ) بِخُضُوعِ قَلْبٍ، وَخُشُوعِ جَوَارِحَ (وَلَا يَقِفُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) لِلدُّعَاءِ، زَادَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْهُ وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ الْحَصَى الَّتِي يُرْمَى بِهَا الْجِمَارُ مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ قَالَ مَالِكٌ وَأَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا أَعْجَبُ إِلَيَّ   930 - 914 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ) اتِّبَاعًا لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . (مَالِكٌ: أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: الْحَصَى الَّتِي يُرْمَى بِهَا الْجِمَارُ مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ) بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ، أَصْلُهُ الرَّمْيُ بِطَرَفَيِ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ، ثُمَّ أُطْلِقَ هُنَا عَلَى الْحَصَى الصِّغَارِ مَجَازًا، وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ قَدْرُ الْفُولَةِ أَوِ النَّوَاةِ، أَوْ دُونَ الْأُنْمُلَةِ عَرْضًا وَطُولًا، وَلَا يُجْزِئُ الصَّغِيرَ جِدًّا كَقَمْحَةٍ وَحِمِّصَةٍ كَالْعَدَمِ، وَإِنَّمَا (قَالَ مَالِكٌ: وَأَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا أَعْجَبُ إِلَيَّ) مَعَ أَنَّ فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» " فَرَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي لِئَلَّا يَنْقُصَ الرَّامِي مِنْهُ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ، مَرْفُوعًا: " «وَإِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ فَارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» "، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اخْتِصَاصِ الرَّمْيِ بِمَا يُسَمَّى حَجَرًا، لِأَنَّهُ رَمَى بِالْحَجَرِ وَقَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . وَقَالَ: فَارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ، فَيُجْزِئُ الْمَرْمَرُ وَالْبِرَامُ وَالْكَذَّانُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الْحَجَرِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَلَا يُجْزِئُ اللَّآلِئُ، وَمَا لَيْسَ بِحَجَرٍ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ كَنُورَةٍ وَزِرْنِيخٍ وَإِثْمِدٍ وَنَحْوِهَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ بِزِرْنِيخٍ وَنَحْوِهِ. الحديث: 930 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ غَرَبَتْ لَهُ الشَّمْسُ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ بِمِنًى فَلَا يَنْفِرَنَّ حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنْ الْغَدِ   931 - 915 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ غَرَبَتْ لَهُ الشَّمْسُ) أَيْ عَلَيْهِ الحديث: 931 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 وَمَعْنَاهُ: مَنْ ظَهَرَ لَهُ غُرُوبُهَا (مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) وَهُوَ ثَانِيهَا (وَهُوَ بِمِنًى، فَلَا يَنْفِرَنَّ حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنَ الْغَدِ) لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا إِذَا رَمَوْا الْجِمَارَ مَشَوْا ذَاهِبِينَ وَرَاجِعِينَ وَأَوَّلُ مَنْ رَكِبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ   932 - 916 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا إِذَا رَمَوُا الْجِمَارَ مَشَوْا ذَاهِبِينَ وَرَاجِعِينَ) مُرَادُهُ بِالنَّاسِ الصَّحَابَةُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " كَانَ يَمْشِي إِلَى الْجِمَارِ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا "، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ مَاشِيًا ذَاهِبًا، وَرَاجِعًا، وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ» " (وَأَوَّلُ مَنْ رَكِبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ) لِعُذْرِهِ بِالسِّمَنِ. وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ لَا يَرْكَبُ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ. الحديث: 932 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ مِنْ أَيْنَ كَانَ الْقَاسِمُ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ تَيَسَّرَ قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يُرْمَى عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَرِيضِ فَقَالَ نَعَمْ وَيَتَحَرَّى الْمَرِيضُ حِينَ يُرْمَى عَنْهُ فَيُكَبِّرُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ وَيُهَرِيقُ دَمًا فَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ رَمَى الَّذِي رُمِيَ عَنْهُ وَأَهْدَى وُجُوبًا قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى عَلَى الَّذِي يَرْمِي الْجِمَارَ أَوْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَوَضٍّ إِعَادَةً وَلَكِنْ لَا يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ   933 - 917 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ، مِنْ أَيْنَ كَانَ الْقَاسِمُ) أَبَاكَ (يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ؟ فَقَالَ: مِنْ حَيْثُ تَيَسَّرَ) مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ مَحِلًّا مِنْهَا لِلرَّمْيِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ فَوْقِهَا أَوْ تَحْتِهَا أَوْ بِظَهْرِهَا لِمَا صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَمَاهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: " رَمَى عَبْدُ اللَّهِ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ أُنَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ هَذَا مُقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْلُو إِذَا رَمَى الْجَمْرَ "، وَجُمِعَ بِأَنَّ الَّتِي تُرْمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي هِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ لِأَنَّهَا عِنْدَ الْوَادِي بِخِلَافِ الْجَمْرَةِ بَيْنَ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَتَمْتَازُ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ عَنْهُمَا بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: اخْتِصَاصُهَا بِيَوْمِ النَّحْرِ، وَأَنْ لَا يُوقَفَ عِنْدَهَا، وَتُرْمَى ضُحًى وَمِنْ أَسْفَلِهَا نَدْبًا. (سُئِلَ مَالِكٌ: هَلْ يُرْمَى عَنِ الصَّبِيِّ، وَالْمَرِيضِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ) يُرْمَى عَنْهُمَا إِنْ لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُمَا، فَإِنْ أَمْكَنَ حُمِلَا وَرَمَيَا بِأَنْفُسِهِمَا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَيَتَحَرَّى الحديث: 933 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 الْمَرِيضُ حِينَ يُرْمَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (عَنْهُ) وَقْتَ رَمْيِ النَّائِبِ (فَيُكَبِّرُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ وَيُهَرِيقُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ (دَمًا) وُجُوبًا (فَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ رَمَى الَّذِي رُمِيَ) بِضَمِّ الرَّاءِ (عَنْهُ وَأَهْدَى) وُجُوبًا فِيهِمَا (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى عَلَى الَّذِي يَرْمِي الْجِمَارَ، أَوْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ إِعَادَةً) لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْطَ صِحَّةٍ فِيهِمَا (وَلَكِنْ لَا يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ) لِتَفْوِيتِهِ الْفَضِيلَةَ عَلَى نَفْسِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا تُرْمَى الْجِمَارُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ   934 - 918 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا تُرْمَى الْجِمَارُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ) بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، لِغَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ، وَالْيَوْمَيْنِ لِلْمُتَعَجِّلِ (حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ) فَيُسْتَحَبُّ رَمْيُهَا عَقِبَهُ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَإِنْ رَمَاهَا قَبْلَ الزَّوَالِ، أَعَادَ رَمْيَهَا بَعْدَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعِ. الحديث: 934 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 [بَاب الرُّخْصَةِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ خَارِجِينَ عَنْ مِنًى يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ»   72 - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ 935 - 919 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو (بْنِ حَزْمٍ) فَنَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ (عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ فَأَلِفٍ فَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ (ابْنَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ) ابْنِ الْجَدِّ، بِفَتْحِ الْجِيمِ، ابْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ الْقُضَاعِيَّ الْبَلَوِيَّ الْعَجْلَانِيَّ الْأَنْصَارِيَّ، مَوْلَاهُمْ وَلَا خُلْفَ، فَإِنَّهُ مِنْ بَلِيِّ بْنِ الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ، وَهُمْ حُلَفَاءُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مِنَ الْأَنْصَارِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ: رَوَاهُ يَحْيَى فَقَالَ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ عَاصِمٍ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَالصَّوَابُ: ابْنُ عَاصِمٍ كَمَا قَالَ جَمِيعُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الحديث: 935 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 وَالَّذِي عِنْدَنَا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى: أَنَّهُ كَمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ سَوَاءٌ، وَلَا يُوقَفُ عَلَى اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ اسْمُهُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَبُو الْبَدَّاحِ لَقَبٌ غَلَبَ عَلَيْهِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَمْرٍو، انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَابْنُ حِبَّانَ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَمْرٍو، وَقِيلَ كُنْيَتُهُ: أَبُو بَكْرٍ، وَقِيلَ: أَبُو عُمَرَ، وَيُقَالُ: اسْمُهُ عَدِيٌّ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ فِيمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً، وَهَذَا يَدْفَعُ زَعْمَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً، وَيَدْفَعُ قَوْلَ ابْنِ مَنْدَهْ: أَدْرَكَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ) عَاصِمٍ، شَهِدَ أُحُدًا، وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَهُ عَلَى قُبَاءٍ، أَوْ عَلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ، فَكَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا يُقَالُ: رَدَّهُ مِنَ الرَّوْحَاءِ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّهُ عَاشَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَمِائَةً (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ، جَمْعُ رَاعٍ (فِي الْبَيْتُوتَةِ) مَصْدَرُ بَاتَ (خَارِجِينَ عَنْ مِنًى يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ) جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ (ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ لَهُمَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ كَمَا بَيَّنَهُ الْإِمَامُ بَعْدُ (ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ، الِانْصِرَافُ مِنْ مِنًى، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ، لَكِنَّهُ قَالَ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَذَا قَالَ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ، فَكَأَنَّهُمَا نَسَبَا أَبَا الْبَدَّاحِ إِلَى جَدِّهِ، لَكِنِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سُفْيَانَ، فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ، وَلِهَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ: رِوَايَةُ مَالِكٍ أَصَحُّ. وَأَمَّا زَعْمُ أَنَّ تَصْحِيحَهُ لِقَوْلِهِ: " ابْنَ عَاصِمٍ "، وَقَوْلُ سُفْيَانَ: " بْنِ عَدِيٍّ "، وَالرَّدُّ عَلَى التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ النِّسْبَةَ إِلَى الْجَدِّ سَائِغٌ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، إِذْ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى التِّرْمِذِيِّ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَذْكُرِ الِاخْتِلَافَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَذْكُرُ أَنَّهُ أُرْخِصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ يَقُولُ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ قَالَ مَالِكٌ تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ الَّذِي أَرْخَصَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي تَأْخِيرِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ رَمَوْا مِنْ الْغَدِ وَذَلِكَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَيَرْمُونَ لِلْيَوْمِ الَّذِي مَضَى ثُمَّ يَرْمُونَ لِيَوْمِهِمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي أَحَدٌ شَيْئًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَضَى كَانَ الْقَضَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ بَدَا لَهُمْ النَّفْرُ فَقَدْ فَرَغُوا وَإِنْ أَقَامُوا إِلَى الْغَدِ رَمَوْا مَعَ النَّاسِ يَوْمَ النَّفْرِ الْآخِرِ وَنَفَرُوا   936 - 920 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَذْكُرُ أَنَّهُ أَرْخَصَ الحديث: 936 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ) مَا فَاتَهُمْ رَمْيُهُ نَهَارًا (يَقُولُ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ) أَيْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَبِهِمُ الْقُدْوَةُ، وَبِهَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وِفَاقٌ لِلْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ إِذَا أَرْخَصَ لَهُمْ فِي تَأْخِيرِ الْيَوْمِ الثَّانِي فَرَمْيُهُمْ بِاللَّيْلِ أَوْلَى. (قَالَ مَالِكٌ: تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ) أَيْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ (الَّذِي أَرْخَصَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرِعَاءِ الْإِبِلِ) وَأَلْحَقَ بِهَا رِعَاءَ غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الِاشْتِغَالُ بِالرَّعْيِ (فِي) تَأْخِيرِ (رَمْيِ الْجِمَارِ فِيمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ، نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بِمَا أَرَادَ رَسُولُهُ (أَنَّهُمْ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ) جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ لِرَعْيِهِمْ (فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ) وَهُوَ ثَانِيهِ أَتَوْا يَوْمَ الثَّالِثِ، وَ (رَمَوْا مِنَ الْغَدِ، وَذَلِكَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ) لِمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ (فَيَرْمُونَ لِلْيَوْمِ الَّذِي مَضَى) ثَانِي النَّحْرِ (ثُمَّ يَرْمُونَ لِيَوْمِهِمْ ذَلِكَ) الْحَاضِرِ ثَالِثِ النَّحْرِ، وَإِنَّمَا كَانَ تَفْسِيرُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِهِ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ لِلْيَوْمَيْنِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ (لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي أَحَدٌ شَيْئًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَضَى كَانَ الْقَضَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ مَا فَاتَ وَقْتُهُ. وَيَدُلُّ لِفَهْمِ الْإِمَامِ رِوَايَةُ سُفْيَانَ لِحَدِيثِ الْبَابِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا» " (فَإِنْ بَدَا لَهُمُ النَّفْرُ فَقَدْ فَرَغُوا) لِأَنَّهُمْ تَعَجَّلُوا فِي يَوْمَيْنِ (وَإِنْ أَقَامُوا) بِمِنًى (إِلَى الْغَدِ رَمَوْا مَعَ النَّاسِ يَوْمَ النَّفْرِ الْآخِرِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ (وَنَفَرُوا) : انْصَرَفُوا، وَأَمَّا أَهْلُ السِّقَايَةِ فَإِنَّمَا يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْبَيَاتِ بِمِنًى لَا فِي تَرْكِ رَمْيِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ، فَيَبِيتُونَ بِمَكَّةَ، وَيَرْمُونَ الْجِمَارَ نَهَارًا، وَيَعُودُونَ لِمَكَّةَ كَمَا فِي الطِّرَازِ الْمُذَهَّبِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " «رَخَّصَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَبَّاسِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ أَيَّامَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ» "، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالْعَبَّاسِ وَهُوَ جُمُودٌ، وَقِيلَ: يُدْخَلُ مَعَهُ آلُهُ، وَقِيلَ: فَرِيقُهُ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَقِيلَ: كُلُّ مَنِ احْتَاجَ إِلَى السِّقَايَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قِيلَ: يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِسِقَايَةِ الْعَبَّاسِ حَتَّى لَوْ عَمِلَ سِقَايَةً لِغَيْرِهِ لَمْ يُرَخَّصْ لِصَاحِبِهَا فِي الْمَبِيتِ لِأَجْلِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 الصَّحِيحُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ إِعْدَادُ الْمَاءِ لِلشَّارِبِينَ، وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْمَاءِ، أَوْ يُلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ، مَحَلُّ احْتِمَالٍ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِأَهْلِ السِّقَايَةِ وَالرِّعَاءِ، وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيَّةُ بِذَلِكَ مَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ، أَوْ أَمْرٌ يَخَافُ فَوْتَهُ، أَوْ مَرِيضٌ يَتَعَاهَدُهُ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجِبُ الدَّمُ فِي الْمَذْكُورَاتِ سِوَى الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ، فَمَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى غَيْرَهُمَا، وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ عَنْ كُلِّ لَيْلَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَنْ كُلِّ لَيْلَةٍ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ، وَعَنْهُ أَيْضًا: التَّصَدُّقُ بِدِرْهَمٍ، وَعَنِ الثَّلَاثَةِ: دَمٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَةَ أَخٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ نُفِسَتْ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَتَخَلَّفَتْ هِيَ وَصَفِيَّةُ حَتَّى أَتَتَا مِنًى بَعْدَ أَنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَأَمَرَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ تَرْمِيَا الْجَمْرَةَ حِينَ أَتَتَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِمَا شَيْئًا قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ نَسِيَ جَمْرَةً مِنْ الْجِمَارِ فِي بَعْضِ أَيَّامِ مِنًى حَتَّى يُمْسِيَ قَالَ لِيَرْمِ أَيَّ سَاعَةٍ ذَكَرَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ كَمَا يُصَلِّي الصَّلَاةَ إِذَا نَسِيَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا صَدَرَ وَهُوَ بِمَكَّةَ أَوْ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَاجِبٌ   937 - 921 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ يُقَالُ اسْمُهُ: عُمَرُ (عَنْ أَبِيهِ) نَافِعٍ الشَّهِيرِ شَيْخِ مَالِكٍ، رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةِ ابْنِهِ: (أَنَّ ابْنَةَ أَخٍ) لَمْ تُسَمَّ هِيَ وَلَا أَبُوهَا (لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، ابْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّةِ زَوْجِ ابْنِ عُمَرَ، قِيلَ: لَهَا إِدْرَاكٌ، وَأَنْكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ الْعِجْلِيُّ: تَابِعِيَّةٌ ثِقَةٌ (نُفِسَتْ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا، مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ فِيهِمَا، لُغَتَانِ، وَالضَّمُّ أَشْهَرُ، أَيْ وَلَدَتْ، وَأَمَّا بِمَعْنَى حَاضَتْ فَبِضَمِّ النُّونِ فَقَطْ عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ الْوَجْهَانِ. (بِالْمُزْدَلِفَةِ فَتَخَلَّفَتْ هِيَ وَصْفِيَّةُ) عَمَّتُهَا (حَتَّى أَتَتَا مِنًى بَعْدَ أَنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَأَمَرَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ تَرْمِيَا الْجَمْرَةَ حِينَ أَتَتَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِمَا شَيْئًا) هَدْيًا لِعُذْرِهِمَا، تِلْكَ بِالْوِلَادَةِ وَالْعَمَّةُ بِمُعَاوَنَتِهَا، لَكِنِ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمَنْ عَرَضَ لَهُ مِثْلُ مَا عَرَضَ لِصَفِيَّةَ أَنْ يَهْدِيَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِمْ فِي الْوَقْتِ الْمَطْلُوبِ. (قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ نَسِيَ جَمْرَةً مِنَ الْجِمَارِ فِي بَعْضِ أَيَّامِ مِنًى حَتَّى يُمْسِيَ؟ قَالَ: لِيَرْمِ أَيَّ سَاعَةِ ذَكَرَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، كَمَا يُصَلِّي الصَّلَاةَ إِذَا نَسِيَهَا، ثُمَّ ذَكَرَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَمَا صَدَرَ) رَجَعَ مِنْ مِنًى (وَهُوَ بِمَكَّةَ، أَوْ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ) وَاجِبٌ. الحديث: 937 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 [بَاب الْإِفَاضَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ بِعَرَفَةَ وَعَلَّمَهُمْ أَمْرَ الْحَجِّ وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا قَالَ إِذَا جِئْتُمْ مِنًى فَمَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَى الْحَاجِّ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ لَا يَمَسَّ أَحَدٌ نِسَاءً وَلَا طِيبًا حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ   73 - بَابُ الْإِفَاضَةِ 938 - 922 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ بِعَرَفَةَ) اتِّبَاعًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا مَرَّ (وَعَلَّمَهُمْ أَمْرَ الْحَجِّ، وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا قَالَ: إِذَا جِئْتُمْ مِنًى فَمَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَى الْحَاجِّ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، لَا يَمَسَّ أَحَدٌ نِسَاءً وَلَا طِيبًا) لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ (حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ فِي الطِّيبِ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ فَقَطْ، وَقَالَ: يَحْرُمُ الصَّيْدُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) وَمَنْ لَمْ تَحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ، فَهُوَ حَرَامٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَطَائِفَةٌ: إِلَّا النِّسَاءَ وَالصَّيْدَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: إِلَّا النِّسَاءَ خَاصَّةً. الحديث: 938 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ ثُمَّ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَنَحَرَ هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَهُ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ   939 - 923 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ، ثُمَّ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَنَحَرَ هَدْيًا، إِنْ كَانَ مَعَهُ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) أَعَادَهُ لِزِيَادَةِ ثُمَّ حَلَقَ. . . إِلَخْ، وَلَمْ يُدْخِلْ ذَلِكَ فِيمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ شَيْخِهِ كَذَلِكَ، وَهُمْ يُحَافِظُونَ عَلَى تَأْدِيَةِ مَا سَمِعُوهُ لَا سِيَّمَا مَالِكٌ. الحديث: 939 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 [بَاب دُخُولِ الْحَائِضِ مَكَّةَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَتْ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ قَالَتْ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ هَذَا مَكَانُ عُمْرَتِكِ فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا مِنْهَا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا»   74 - بَابُ دُخُولِ الْحَائِضِ مَكَّةَ 940 - 924 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا) مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا، وَقَالَ لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ غَيْرَهَا (فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ) أَيْ أَدْخَلْنَاهَا عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ أَهْلَلْنَا بِهِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهَا وَحَالِ مَنْ كَانَ مِثْلَهَا فِي الْإِهْلَالِ بِعُمْرَةٍ، لَا عَنْ فِعْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهَا الْمُتَقَدِّمَ: فَمِنَّا مَنْ أَهَّلَ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَّلَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَّلَ بِالْحَجِّ، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِيمَا أَحْرَمَتْ بِهِ عَائِشَةُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ) لِمَنْ مَعَهُ بَعْدَ إِحْرَامِهِمْ بِالْحَجِّ وَقُرْبِهِمْ مِنْ مَكَّةَ بِسَرِفَ، كَمَا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ، أَوْ بَعْدَ طَوَافِهِمْ بِالْبَيْتِ، كَمَا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ، وَيُحْتَمَلُ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ قَالَهُ مَرَّتَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَأَنَّ الْعَزِيمَةَ كَانَتْ آخِرًا لَمَّا أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ (مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَخِفَّةِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِهَا وَشَدِّ الْيَاءِ، وَالْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إِلَى الْحَرَمِ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَسَوْقُ الْهَدْيِ سُنَّةٌ لِمُرِيدِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ (فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ) بِالْحَاءِ فِيهِمَا (مِنْهُمَا) أَيِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (جَمِيعًا) وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ فِي بَقَاءِ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ عَلَى إِحْرَامِهِ أَنَّهُ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، لَا مُجَرَّدَ سَوْقُ الْهَدْيِ كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مُتَمَسِّكِينَ بِرِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ: فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ يَهْدِ فَلْيُحْلِلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى، فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ» " وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: يَحِلُّ بِتَمَامِ الْعُمْرَةِ قِيَاسًا عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسُقْ هَدْيًا، وَلِأَنَّهُ يَحِلُّ مِنْ نُسُكِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ. وَأَجَابُوا عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ فِيهَا حَذْفًا بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ مَالِكٍ هَذِهِ وَتَقْدِيرُهُ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَأَهْدَى فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ، وَالْمَخْرَجَ وَاحِدٌ وَهُوَ عَائِشَةُ الحديث: 940 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 (قَالَتْ: فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ وَقَعَتْ حَالًا، وَكَانَ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِسَرِفَ كَمَا صَحَّ عَنْهَا، وَذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ) لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا تَدْخُلُهُ الْحَائِضُ (وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَعْقُبَ الطَّوَافَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: عَطْفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ قَبْلَهُ عَلَى تَقْدِيرِ: وَلَمْ أَسْعَ، نَحْوَ عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ: وَلَمْ أَطُفْ، عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: وَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى التَّقْدِيرِ دُونَ الِانْسِحَابِ لِئَلَّا يَلْزَمَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، انْتَهَى. أَيْ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطَّوَافِ الشَّرْعِيِّ لَمْ تُوجَدْ لِأَنَّهَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ سُمِّيَ السَّعْيُ طَوَافًا عَلَى حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ، فَالطَّوَافُ لُغَةً: الْمَشْيُ (فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقُلْتُ: لَا أُصَلِّي، كَمَا فِي رِوَايَةٍ عَنْهَا فِي الصَّحِيحِ: كَنَّتْ بِذَلِكَ عَنِ الْحَيْضِ، وَهِيَ مِنْ لَطِيفِ الْكِنَايَاتِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ دُخُولَهُ عَلَيْهَا وَشَكْوَاهَا كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ (فَقَالَ: انْقُضِي) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (رَأْسَكِ) أَيْ حُلِّي ضُفُرَ شَعْرِهِ (وَامْتَشِطِي) أَيْ سَرِّحِيهِ بِالْمُشْطِ (وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي) : اتْرُكِي (الْعُمْرَةَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَجْعَلَ عُمْرَتَهَا حَجًّا. وَلِذَا قَالَتْ: يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَرْجِعُ بِحَجٍّ، فَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، وَاسْتَشْكَلَ إِذِ الْعُمْرَةُ لَا تُرْتَفَضُ كَالْحَجِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ قَدِيمًا، وَلَا حَدِيثًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ الْعِلْمُ عَلَيْهِ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ وَجَعْلِهَا حَجًّا، بِخِلَافٍ جَعْلِ الْحَجِّ عُمْرَةً فَإِنَّهُ وَقَعَ لِلصَّحَابَةِ، وَاخْتَلَفَ فِي جَوَازِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنَّ مَعْنَى: دَعِي عُمْرَتَكِ: اتْرُكِي التَّحَلُّلَ مِنْهَا ; أَدْخِلِي عَلَيْهَا الْحَجَّ فَتَصِيرَ قَارِنَةً، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: وَأَمْسِكِي عَنِ الْعُمْرَةِ، أَيْ عَنْ أَعْمَالِهَا، وَإِنَّمَا قَالَتْ: وَأَرْجِعُ بِحَجٍّ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّ إِفْرَادَ الْعُمْرَةِ بِالْعَمَلِ أَفْضَلُ كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا: " «فَقَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طَوَافُكِ يَسَعُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» " فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا قَارِنَةٌ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي ظَاهِرٌ فِي إِبْطَالِ الْعُمْرَةِ، لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ لِتَأْدِيَتِهِ إِلَى نَتْفِ الشَّعْرِ، وَأُجِيبَ بِجَوَازِهِمَا لِلْمُحْرَمِ وَحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إِلَى نَتْفِ الشَّعْرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ لِأَذًى بِرَأْسِهَا، فَأَبَاحَ لَهَا ذَلِكَ كَمَا أَبَاحَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْحِلَاقَ لِأَذًى بِرَأْسِهِ، أَوْ نَقْضُ رَأْسِهَا لِأَجْلِ الْغُسْلِ لِتُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ تَلَبَّدَتْ فَتَحْتَاجُ إِلَى نَقْضِ الضُّفُرِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالِامْتِشَاطِ تَسْرِيحُ شَعْرِهَا بِأَصَابِعِهَا بِرِفْقٍ حَتَّى لَا يَسْقُطَ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ تُضَفِّرُهُ كَمَا كَانَ، أَوْ أَعَادَتِ الشَّكْوَى بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَأَبَاحَ لَهَا الِامْتِشَاطَ حِينَئِذٍ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهُوَ تَعَسُّفٌ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَكَانَ مَذْهَبُهَا أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 اسْتَبَاحَ مَا يَسْتَبِيحُهُ الْحَاجُّ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا لَا يُعْلَمُ وَجْهُهُ. (قَالَتْ) عَائِشَةُ: (فَعَلْتُ) بِسُكُونِ اللَّامِ، مَا ذَكَرَ مِنَ النَّقْضِ وَالِامْتِشَاطِ وَالْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ وَتَرْكِ الْعُمْرَةِ، وَبِظَاهِرِهِ اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَحْرَمَتْ بِالْعُمْرَةِ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ تَتْرُكُ الْعُمْرَةَ وَتُهِلُّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا كَمَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ بِأَنَّهَا تَرَكَتْهَا وَحَجَّتْ مُفْرِدَةً، وَيُقَوِّيهِ مَا لِأَحْمَدَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهَا: وَأَرْجِعُ بِحَجَّةٍ لَيْسَ مَعَهَا عُمْرَةٌ، وَرُدَّ بِأَنَّ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْهَا ضَعْفًا. وَفِي مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: " «أَنَّ عَائِشَةَ أَهَّلَتْ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِسَرِفَ حَاضَتْ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهِلِّي بِالْحَجِّ، حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَسَعَتْ، فَقَالَ: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَجَجْتُ، قَالَ: فَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ» " فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا كَانَتْ قَارِنَةً وَإِنَّمَا أَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ تَطَيُّبًا لِقَلْبِهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ لَمَّا دَخَلَتْ مُعْتَمِرَةً. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا سَهْلًا إِذَا هَوِيَتِ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ» " (فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ) : أَتْمَمْنَاهُ، أَيْ وَطَهُرْتُ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْهَا: أَنَّهَا طَهُرَتْ بِعَرَفَةَ. وَعَنِ الْقَاسِمِ عَنْهَا: وَطَهُرْتُ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ عَرَفَةَ حِينَ قَدِمْنَا مِنًى. وَلَهُ عَنْهُ أَيْضًا: فَخَرَجْتُ فِي حَجَّتِي حَتَّى نَزَلْنَا مِنًى، فَتَطَهَّرْتُ ثُمَّ طُفْنَا بِالْبَيْتِ. فَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّهَا طَافَتْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ. وَجُمِعَ بَيْنَ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ وَالْقَاسِمِ بِأَنَّهَا مَا رَأَتِ الطُّهْرَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ مِنًى. وَقَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ: " حَاضَتْ يَوْمَ السَّبْتِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَطَهُرَتْ يَوْمَ السَّبْتِ عَاشِرَهُ "، إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ. (أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ) أَخِي (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى التَّنْعِيمِ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، مَكَانٌ خَارِجَ مَكَّةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنْهَا إِلَى جِهَةِ الْمَدِينَةِ، كَمَا نَقَلَهُ الْفَاكِهِيُّ. وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: أَبْعَدُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ إِلَى مَكَّةَ بِقَلِيلٍ، وَلَيْسَ بِطَرَفِ الْحِلِّ بَلْ بَيْنَهُمَا نَحْوَ مِيلٍ، وَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ طَرَفَ الْحِلِّ فَهُوَ تَجَوُّزٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَأَرَادَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَقِيَّةِ الْجِهَاتِ. وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: إِنَّمَا سُمِّيَ التَّنْعِيمَ لِأَنَّ الْجَبَلَ الَّذِي عَنْ يَمِينِ الدَّاخِلِ يُقَالُ لَهُ: نَاعِمٌ، وَالَّذِي عَلَى الْيَسَارِ يُقَالُ لَهُ: مُنْعِمٌ، وَالْوَادِي نَعْمَانُ، أَيْ بِفَتْحِ النُّونِ. وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: رَأَيْتُ عَطَاءً يَصِفُ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَحْرَمَتْ مِنْهُ عَائِشَةُ، فَأَشَارَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَرَاءَ الْأَكَمَةِ، وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْخَرِبُ. وَنَقَلَ الْفَاكِهِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّ ثَمَّ مَسْجِدَيْنِ يَزْعُمُ أَهْلُ مَكَّةَ أَنَّ الْخَرِبَ الْأَدْنَى مِنَ الْحَرَمِ، وَهُوَ الَّذِي أَحْرَمَتْ مِنْهُ عَائِشَةُ، وَقِيلَ: هُوَ الْمَسْجِدُ الْأَبْعَدُ عَنِ الْأَكَمَةِ الْحَمْرَاءِ، وَرَجَّحَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ، وَقَالَ الْفَاكِهِيُّ: لَا أَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عُمَيْرٍ يَذْكُرُ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ (فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا) الِاعْتِمَارُ وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 رِوَايَةٍ: هَذِهِ، أَيِ الْعُمْرَةُ (مَكَانُ) بِالرَّفْعِ خَبَرٌ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَعَامِلُهُ الْمَحْذُوفُ وَهُوَ الْخَبَرُ، أَيْ كَائِنَةٌ أَوْ مَجْعُولَةٌ مَكَانَ (عُمْرَتِكِ) قَالَ عِيَاضٌ: وَالرَّفْعُ أَوْجَهُ عِنْدِي، إِذْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الظَّرْفَ إِنَّمَا أَرَادَ عِوَضَ عُمْرَتِكِ، فَمَنْ قَالَ: كَانَتْ قَارِنَةً، قَالَ: مَكَانَ عُمْرَتِكِ الَّتِي أَرَدْتِ أَنْ تَأْتِيَ بِهَا مُفْرِدَةً، وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ عُمْرَتُهَا مِنَ التَّنْعِيمِ تَطَوُّعًا، لَا عَنْ فَرْضٍ، لَكِنَّهُ أَرَادَ تَطْيِيبَ نَفْسِهَا بِذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ: كَانَتْ مُفْرِدَةً، قَالَ: مَكَانَ عُمْرَتِكِ الَّتِي فَسَخْتِ الْحَجَّ إِلَيْهَا، وَلَمْ تَتَمَكَّنْ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهَا لِلْحَيْضِ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: الْوَجْهُ النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِ، لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ بِمَكَانٍ لِعُمْرَةٍ أُخْرَى، لَكِنْ إِنْ جُعِلْتَ - مَكَانُ - بِمَعْنَى - عِوَضُ أَوْ بَدَلُ - مَجَازًا، أَيْ هَذِهِ بَدَلُ عُمْرَتِكِ، جَازَ الرَّفْعُ حِينَئِذٍ. (فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ) وَحْدَهَا (بِالْبَيْتِ، وَ) سَعَوْا، أَوْ طَافُوا بَيْنَ (الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَحَلُّوا) مِنْهَا بِالْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ (ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ) لِلْإِفَاضَةِ. وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ طَوَافًا وَاحِدًا، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَهُ عِيَاضٌ. (بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ) يَوْمَ النَّحْرِ (وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا أَهَّلُوا بِالْحَجِّ) مُفْرَدًا (أَوْ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا) لِأَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ تَنْدَرِجُ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا بُدَّ لِلْقَارِنِ مِنْ طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ، لِأَنَّ الْقِرَانَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ مَقْصُودَانِ فِيهِمَا فَلَا يَتَدَاخَلَانِ إِذْ لَا تَدَاخُلَ فِي الْعِبَادَاتِ. وَحُكِيَ عَنِ الْعُمَرَيْنِ وَعَلِيٍّ وَابْنِهِ الْحَسَنِ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا جَمَعَا بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا، وَطَافَا لَهُمَا طَوَافَيْنِ، وَسَعَيَا لَهُمَا سَعْيَيْنِ، وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ نَحْوَهُ، رَوَاهَا كُلَّهَا الدَّارَقُطْنِيُّ، لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهَا لِمَا فِي أَسَانِيدِ كُلٍّ مِنْهَا مِنَ الضَّعْفِ، وَفِي أَسَانِيدِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ الِاكْتِفَاءُ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ طَافَ طَوَافَيْنِ حُمِلَ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ وَالْإِفَاضَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلًا. وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَفَاهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ» "، وَأَعَلَّهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّ الدَّرَاوَرْدِيَّ أَخْطَأَ فِي رَفْعِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ أَيُّوبَ وَاللَّيْثَ وَمُوسَى بْنَ عُقْبَةَ وَغَيْرَ وَاحِدٍ رَوَوْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَوْقُوفًا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الدَّرَاوَرْدِيَّ صَدُوقٌ، وَلَيْسَ مَا رَوَاهُ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ، فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ نَافِعٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 وَحَدِيثُ عَائِشَةَ ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْوَحْدَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِ ذَلِكَ   940 - 925 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِ ذَلِكَ) الَّذِي رَوَيْتُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا، قَالَ الْحَافِظُ: لَيْسَ مُرَادُ الْمُحَدِّثِ بِقَوْلِهِ: بِمِثْلِ ذَلِكَ إِلَّا نَفْسَهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بِهَذَيْنِ الْإِسْنَادَيْنِ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَلَا غَيْرِهِمْ عَنْ مَالِكٍ كَذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ بِالْإِسْنَادَيْنِ، فَذَكَرَهُمَا لَمَّا حَدَّثَ بِهِ يَحْيَى، انْتَهَى. وَفِي قَوْلِهِ: يُمْكِنُ. . . إِلَخْ نَظَرٌ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ قَبُولِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْ لَمْ يَزِدْهَا أَوْثَقَ مِنْهُ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ نَفْسُهُ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَابْنِ مَهْدِيٍّ وَبَشِيرِ بْنِ عُمَرَ ثَمَانِيَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَسْعَدَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى تَطْهُرِي» قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي تُهِلُّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ تَدْخُلُ مَكَّةَ مُوَافِيَةً لِلْحَجِّ وَهِيَ حَائِضٌ لَا تَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ إِنَّهَا إِذَا خَشِيَتْ الْفَوَاتَ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ وَأَهْدَتْ وَكَانَتْ مِثْلَ مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَأَجْزَأَ عَنْهَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ إِذَا كَانَتْ قَدْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَصَلَّتْ فَإِنَّهَا تَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَتَقِفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَتَرْمِي الْجِمَارَ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تُفِيضُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا   941 - 926 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (وَأَنَا حَائِضٌ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ) لِأَنَّهُ صَلَاةٌ (وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) لِتَوَقُّفِهِ عَلَى سَبْقِ الطَّوَافِ وَإِنْ صَحَّ بِلَا طَهَارَةٍ ( «فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ» ) مِنَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ( «غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى تَطْهُرِي» ) بِسُكُونِ الطَّاءِ وَضَمِّ الْهَاءِ، كَذَا فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْأُصُولِ، قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَقَالَ الْحَافِظُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْهَاءِ الْمُشَدِّدَتَيْنِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَأَصْلُهُ تَتَطَهَّرِي، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ: حَتَّى تَغْتَسِلِي، وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي نَهْيِ الْحَائِضِ عَنِ الطَّوَافِ لَوْ فَعَلَتْهُ، وَفِي مَعْنَاهَا: الْجُنُبُ وَالْمُحْدِثُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ الْحَاكِمُ وَحَمَّادٌ وَمَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ: لَا بَأْسَ بِالطَّوَافِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ الحديث: 941 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 عَلَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ: انْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الطَّوَافِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي وُجُوبِهَا، وَجَبْرُهُ بِالدَّمِ إِنْ فَعَلَهُ فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ كَمَا تَرَى، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ انْفِرَادَهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لَكِنْ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ الطَّهَارَةَ لِلطَّوَافِ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِالدَّمِ، وَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ يُوَافِقُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْوَلِيُّ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ الطَّوَافِ عَلَى الْحَائِضِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي عِلَّتِهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِاشْتِرَاطِهَا، فَالْعِلَّةُ فِي بُطْلَانِهِ عَدَمُ الطَّهَارَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَدَاوُدُ: لَيْسَتْ شَرْطًا فَالْعِلَّةُ كَوْنُهَا مَمْنُوعَةً مِنَ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، بَلْ وَمِنْ دُخُولِهِ عَلَى رَأْيٍ، انْتَهَى، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي تُهِلُّ) : تُحْرِمُ (بِالْعُمْرَةِ) مِنَ الْمِيقَاتِ (ثُمَّ تَدْخُلُ مَكَّةُ مُوَافِيَةً لِلْحَجِّ) أَيْ مُظِلَّةً عَلَيْهِ وَمُشْرِفَةً يُقَالُ: أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةِ كَذَا، أَيْ شَارَفَهَا، وَأَظَلَّ عَلَيْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ فِيهَا (وَهِيَ حَائِضٌ لَا تَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ (إِنَّهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (إِذَا خَشِيَتِ الْفَوَاتَ) لِلْحَجِّ بِانْتِظَارِ الطُّهْرِ، وَأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ بَعْدَهُ (أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ، وَأَهْدَتْ وَكَانَتْ) أَيْ صَارَتْ قَارِنَةً (مِثْلَ مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) ابْتِدَاءً (وَأَجْزَأَ عَنْهَا طَوَافٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ الَّذِي عَلَى الْقَارِنِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ (وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ إِذَا كَانَتْ قَدْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَصَلَّتْ) رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، ثُمَّ حَاضَتْ (فَإِنَّهَا تَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) إِذْ لَيْسَتِ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِيهِ بِاتِّفَاقٍ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، لَكِنْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَ مَا قَالَ مَالِكٌ: إِذَا طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ السَّعْيِ فَلْتَسْعَ، فَلَعَلَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ (وَتَقِفُ بِعَرَفَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَتَرْمِي الْجِمَارَ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تُفِيضُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا) كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ: " «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 [بَاب إِفَاضَةِ الْحَائِضِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ حَاضَتْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ فَقِيلَ إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ فَقَالَ فَلَا إِذًا»   75 - بَابُ إِفَاضَةِ الْحَائِضِ 942 - 927 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَتُكْسَرُ، وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى، ابْنِ أَخْطَبَ، بِالْفَتْحِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ، الْإِسْرَائِيلِيَّةَ مِنْ سِبْطِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ، ثُمَّ مِنْ سِبْطِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ خَيْبَرَ، وَقِيلَ: كَانَ اسْمُهَا زَيْنَبَ، فَلَمَّا صَارَتْ مِنَ الصَّفَا سُمِّيَتْ صَفِيَّةَ، وَمَاتَتْ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسِينَ، أَوْ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَغَلِطَ قَائِلُهُ بِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ، وَقَدْ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ، وَلَهَا نَحْوُ سِتِّينَ لِقَوْلِهَا: مَا بَلَغْتُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً يَوْمَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (حَاضَتْ) بَعْدَ أَنْ فَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ (فَذَكَرْتُ) بِسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ التَّاءِ، مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، أَيْ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَذَكَرْتُ (ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا حَائِضٌ، وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ (فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا؟) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ مَانِعَتُنَا (هِيَ) مِنَ السَّفَرِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَرَدْنَاهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَنَّهَا لَمْ تَطُفْ لِلْإِفَاضَةِ، وَهُوَ لَا يَتْرُكُهَا وَيُسَافِرُ، وَلَا يَأْمُرُهَا بِالتَّوَجُّهِ مَعَهُ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى إِحْرَامِهَا، فَيَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُقِيمَ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ، وَتَحِلَّ الْحِلَّ الثَّانِيَ (فَقِيلَ: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ) أَيْ طَافَتْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَالْقَائِلُ نِسَاؤُهُ كَمَا فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ، وَمِنْهُنَّ صَفِيَّةُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُ قَالَ لِصَفِيَّةَ: " «إِنَّكَ لَحَابِسَتُنَا أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَتْ: بَلَى» "، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّهَا حَائِضٌ» " الْحَدِيثَ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ عَلِمَ أَنَّهَا طَافَتْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، فَكَيْفَ يَقُولُ أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمَ، فَكَيْفَ يُرِيدُ وِقَاعَهَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ الثَّانِي؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ مِنْهَا بَعْدَ أَنِ اسْتَأْذَنَهُ نِسَاؤُهُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَأَذِنَ لَهُنَّ، فَبَنَى عَلَى أَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ فَلَمَّا قِيلَ إِنَّهَا حَائِضٌ جَوَّزَ وُقُوعَهُ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى مَنْعِهَا فَاسْتَفْهَمَ فَأُعْلِمَ بِطَوَافِهَا. (فَقَالَ: فَلَا) حَبْسَ عَلَيْنَا (إِذًا) بِالتَّنْوِينِ، أَيْ إِذَا أَفَاضَتْ، لِأَنَّهَا فَعَلَتْ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا. وَحَدِيثُ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُوَيْسٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: " أَتَيْتُ عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ الحديث: 942 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 عَنِ الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ تَحِيضُ، قَالَ: لِيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ "، فَقَالَ الْحَارِثُ: كَذَلِكَ أَفْتَانِي. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ كَذَلِكَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَابَ عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ فِي حَقِّ الْحَائِضِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ الْآتِي. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ بِالْأَمْصَارِ لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ الَّتِي أَفَاضَتْ طَوَافُ وَدَاعٍ. وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَمَرَهَا بِالْمُقَامِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ، فَكَأَنَّهُمْ أَوْجَبُوهُ عَلَيْهَا لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، إِذْ لَوْ حَاضَتْ قَبْلَهُ لَمْ تَسْقُطْ، وَثَبَتَ رُجُوعُ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدٍ عَنْ ذَلِكَ، وَبَقِيَ عُمَرُ، فَخَالَفْنَاهُ لِثُبُوتِ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ الصَّحَابَةُ يَقُولُونَ إِذَا أَفَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَقَدْ فَرَغَتْ إِلَّا عُمَرَ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَكُونُ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " طَافَتِ امْرَأَةٌ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ حَاضَتْ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِحَبْسِهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ سَافَرَ النَّاسُ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ " وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَحَقُّ بِالْقَبُولِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ قَدْ حَاضَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ بِالْبَيْتِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَاخْرُجْنَ»   943 - 928 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو (بْنِ حَزْمٍ) الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُهُ شِفَاءٌ (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي بَكْرٍ، وَلِيَ الْقَضَاءَ وَالْإِمْرَةَ وَالْمَوْسِمَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ قَدْ حَاضَتْ) أَيْ فِي أَيَّامِ مِنًى لَيْلَةَ النَّفْرِ مِنْ مِنًى، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا) : تَمْنَعُنَا عَنِ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَعَلَّ هُنَا لَيْسَ لِلتَّرَجِّي، بَلْ لِلِاسْتِفْهَامِ، أَوْ لِلظَّنِّ وَمَا شَاكَلَهُ، أَيْ كَالتَّوَهُّمِ (أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ بِالْبَيْتِ؟) طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " أَلَمْ تَكُنْ أَفَاضَتْ؟ " (قُلْنَ: بَلَى) طَافَتْ مَعَنَا، وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ قَالُوا: بَلَى، أَيِ النِّسَاءُ، وَمَنْ مَعَهُنَّ مِنَ الْمَحَارِمِ (قَالَ: فَاخْرُجْنَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلسِّيَاقِ. وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: فَاخْرُجِي، خِطَابًا لِصَفِيَّةَ، لِأَنَّهَا كَانَتْ حَاضِرَةً كَمَا فِي مُسْلِمٍ، أَوْ لِعَائِشَةَ لِأَنَّهَا الْمُخْبِرَةُ لَهُ، أَيْ قَالَ لِعَائِشَةَ: اخْرُجِي فَإِنَّهَا تُوَافِقُكِ، أَوْ قَالَ لِعَائِشَةَ: قُولِي لَهَا: اخْرُجِي. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ هُنَا عَنْ يَحْيَى، وَالْبُخَارِيُّ فِي الْحَيْضِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 943 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ إِذَا حَجَّتْ وَمَعَهَا نِسَاءٌ تَخَافُ أَنْ يَحِضْنَ قَدَّمَتْهُنَّ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَفَضْنَ فَإِنْ حِضْنَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَنْتَظِرْهُنَّ فَتَنْفِرُ بِهِنَّ وَهُنَّ حُيَّضٌ إِذَا كُنَّ قَدْ أَفَضْنَ   944 - 929 الحديث: 944 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَخِفَّةِ الْجِيمِ، مَشْهُورٌ بِهَذِهِ الْكُنْيَةِ، وَهِيَ لَقَبٌ، كُنْيَتُهُ فِي الْأَصْلِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ (مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ حَارِثَةَ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ) أُمِّهِ (عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ إِذَا حَجَّتْ وَمَعَهَا نِسَاءٌ تَخَافُ أَنْ يَحِضْنَ) قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (قَدَّمَتْهُنَّ يَوْمَ النَّحْرِ، فَأَفَضْنَ) وَاسْتَنْبَطَتْ ذَلِكَ مِنِ اسْتِفْهَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ طَوَافِ صَفِيَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ (فَإِنَّ حِضْنَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَنْتَظِرْهُنَّ) لِأَنَّهُنَّ فَعَلْنَ الْوَاجِبَ (تَنْفِرُ بِهِنَّ وَهُنَّ حُيَّضٌ) بِالتَّثْقِيلِ، جَمْعُ حَائِضٍ (إِذَا كُنَّ قَدْ أَفَضْنَ) : طُفْنَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عَقَّبَ الْمَرْفُوعَ بِالْمَوْقُوفِ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى بَقَاءِ الْعَمَلِ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَطْرُقُهُ احْتِمَالُ النَّسْخِ، بَلْ هُوَ نَاسِخٌ لِمَا أَوْهَمَ خِلَافَهُ كَمَا مَرَّ، وَلِذَا رَجَعَ إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ كَمَا رَجَعَ زَيْدٌ لِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ كَمَا يَأْتِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ فَقِيلَ لَهُ قَدْ حَاضَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهَا حَابِسَتُنَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا قَدْ طَافَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا إِذًا قَالَ مَالِكٌ قَالَ هِشَامٌ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ فَلِمَ يُقَدِّمُ النَّاسُ نِسَاءَهُمْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُنَّ وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَقُولُونَ لَأَصْبَحَ بِمِنًى أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ آلَافِ امْرَأَةٍ حَائِضٍ كُلُّهُنَّ قَدْ أَفَاضَتْ»   945 - 930 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْأُولَى وَشَدِّ الثَّانِيَةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ إِرَادَةُ الْوِقَاعِ، كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ " (فَقِيلَ لَهُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ: فَقُلْتُ: (إِنَّهَا قَدْ حَاضَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَعَلَّهَا حَابِسَتُنَا) : مَانِعَتُنَا مِنَ السَّفَرِ (فَقَالُوا) أَيِ النِّسْوَةُ، وَمَنْ مَعَهُنَّ مِنَ الْمَحَارِمِ بَعْدَ اسْتِفْهَامِهِ عَنْ طَوَافِهَا كَمَا مَرَّ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا قَدْ طَافَتْ) طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا) حَبْسَ عَلَيْنَا (إِذًا) بِالتَّنْوِينِ، لِأَنَّهَا فَعَلَتِ الْفَرْضَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ: " حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ، فَقَالَتْ: مَا أَرَانِي إِلَّا حَابِسَتُكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَقْرَى حَلْقَى، أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، قَالَ: فَانْفِرِي "، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ: " «لَمَّا أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْفِرَ الحديث: 945 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 إِذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً حَزِينَةً، فَقَالَ: عَقْرًا حَلْقًا إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَانْفِرِي» "، وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَا بَأْسَ انْفِرِي، وَأُخْرَى: اخْرُجِي، وَأُخْرَى: فَلْتَنْفِرْ، وَكُلُّهَا بَيَانٌ لِرِوَايَةِ: فَلَا إِذًا، وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ وَالْمُرَادُ بِهَا كُلُّهَا: الرَّحِيلُ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ: أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ، وَأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، وَأَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَا يَجِبُ، وَأَنَّ أَمِيرَ الْحَاجُّ يَلْزَمُهُ تَأْخِيرُ الرَّحِيلِ لِأَجْلِ الْحَائِضِ، قَيَّدَهُ مَالِكٌ بِيَوْمَيْنِ فَقَطْ، وَإِكْرَامُ صَفِيَّةَ بِالِاحْتِبَاسِ كَمَا احْتَبَسَ بِالنَّاسِ عَلَى عَقْدِ عَائِشَةَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: عَقْرَى حَلْقَى، بِالْفَتْحِ فِيهِمَا ثُمَّ السُّكُونِ وَالْقَصْرِ بِلَا تَنْوِينٍ، فِي الرِّوَايَةِ، وَيَجُوزُ لُغَةً التَّنْوِينُ، وَصَوَّبَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ بِالْعَقْرِ وَالْحَلْقِ، كَسَقْيًا وَرَعْيًا مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي يُدْعَى بِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ نَعْتٌ لَا دُعَاءٌ وَمَعْنَاهَا: عَقَرَهَا اللَّهُ، أَيْ جَرَحَهَا، أَوْ جَعَلَهَا عَاقِرًا لَا تَلِدُ، أَوْ عَقَرَ قَوْمَهَا، وَمَعْنَى حَلْقَى: حُلِقَ شَعْرُهَا وَهُوَ زِينَةُ الْمَرْأَةِ، وَأَصَابَهَا وَجَعٌ فِي حَلْقِهَا، أَوْ حَلْقِ قَوْمِهَا، أَيْ أَهْلَكَهُمْ، وَحُكِيَ أَنَّهَا كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْيَهُودُ لِلْحَائِضِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى وَضِيعَةِ صَفِيَّةَ عِنْدَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَصْلُ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، ثُمَّ اتَّسَعَ الْعَرَبُ فِي قَوْلِهِمَا بِغَيْرِ إِرَادَةِ حَقِيقَتِهِمَا كَمَا قَالُوا: قَاتَلَهُ اللَّهُ، وَتَرِبَتْ يَدَاكَ وَنَحْوَهُمَا. وَقَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ وَغَيْرِهِ: شَتَّانَ بَيْنِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا لِصَفِيَّةَ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِعَائِشَةَ لَمَّا حَاضَتْ فِي الْحَجِّ: هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَيْلِ لَهَا وَالْحُنُوِّ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ صَفِيَّةَ، تَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّضَاعِ قَدْرِ صَفِيَّةَ عِنْدَهُ، لَكِنِ اخْتَلَفَ الْكَلَامُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَامِ، فَعَائِشَةُ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَهِيَ تَبْكِي أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَهَا مِنَ النُّسُكِ فَسَلَّاهَا بِذَلِكَ، وَصْفِيَّةُ أَرَادَ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَبْدَتِ الْمَانِعَ فَنَاسَبَ كُلًّا مِنْهُمَا مَا خَاطَبَهَا بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ هِشَامٌ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ) الْحَدِيثَ، جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَمَقُولُهَا هُوَ: (فَلِمَ يُقَدِّمُ النَّاسُ نِسَاءَهُمْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُنَّ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَقُولُونَ) مِنْ وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ (لَأَصْبَحَ بِمِنًى أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ آلَافِ امْرَأَةٍ حَائِضٍ كُلُّهُنَّ قَدْ أَفَاضَتْ) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ: قَدْ أَفَضْنَ، أَيْ لَوْ كَانَ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَاجِبًا، لَأَصْبَحَ بِمِنًى هَذَا الْعَدَدُ يَنْتَظِرْنَ الطُّهْرَ حَتَّى يَطُفْنَ لِلْوَدَاعِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ، وَكَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَكِّيَّ لَيْسَ عَلَيْهِ وَدَاعٌ، وَكَذَا مَنْ حَجَّ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَمْ يُرِدِ الْخُرُوجَ، إِذْ لَوْ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ لَكَانَ عَلَى الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ بِنْتَ مِلْحَانَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَاضَتْ أَوْ وَلَدَتْ بَعْدَمَا أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَتْ» قَالَ مَالِكٌ وَالْمَرْأَةُ تَحِيضُ بِمِنًى تُقِيمُ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَفَاضَتْ فَحَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَلْتَنْصَرِفْ إِلَى بَلَدِهَا فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا فِي ذَلِكَ رُخْصَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَائِضِ قَالَ وَإِنْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ تُفِيضَ فَإِنَّ كَرِيَّهَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَحْبِسُ النِّسَاءَ الدَّمُ   946 - 931 الحديث: 946 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ) أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: (أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ، أَوْ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ إِسْمَاعِيلُ (أَخْبَرَهُ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ (بِنْتَ مِلْحَانَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، ابْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيَّةَ، وَالِدَةَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يُقَالُ اسْمُهَا سَهْلَةُ، أَوْ رُمَيْلَةُ، أَوْ رُمَيْثَةُ، أَوْ مُلَيْكَةُ، أَوْ أُنَيْفَةُ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ الْفَاضِلَاتِ (اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَ) قَدْ (حَاضَتْ، أَوْ وَلَدَتْ) شَكَّ الرَّاوِي (بَعْدَمَا أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ) عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ (فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنْ تَخْرُجَ (فَخَرَجَتْ) إِلَى الْمَدِينَةِ بِلَا طَوْفِ وَدَاعٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنْ سُلِّمَ أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا؛ لِأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ لَمْ يَسْمَعْ أُمَّ سُلَيْمٍ فَلَهُ شَوَاهِدُ، فَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: اخْتَلَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا حَاضَتْ، وَقَدْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ زَيْدٌ: يَكُونُ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَنْفِرُ إِنْ شَاءَتْ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: لَا نُتَابِعُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَنْتَ تُخَالِفُ زَيْدًا، فَقَالَ: سَلُوا صَاحِبَتَكُمْ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: «حِضْتُ بَعْدَمَا طُفْتُ بِالْبَيْتِ، فَأَمَرَنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَنْفِرَ» . وَفِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ طَاوُسٍ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: تُفْتِي أَنْ تُصْدِرَ الْحَائِضُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ، فَقَالَ: إِمَّا لَا فَسَلْ فُلَانَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ هَلْ أَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ؟ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا أُرَاكَ إِلَّا قَدْ صَدَقْتَ. وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ: فَسَأَلَهَا، ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: الْحَدِيثُ كَمَا حَدَّثَنِي. وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَلْ أُمَّ سُلَيْمٍ وَصَوَاحِبَهَا هَلْ أَمَرَهُنَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ؟ قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ عُرِفَ بِرِوَايَةِ عِكْرِمَةَ: أَنَّ الْأَنْصَارِيَّةَ هِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ، وَأَمَّا صَوَاحِبُهَا فَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِنَّ، انْتَهَى. وَفِي هَذَا كُلِّهِ تَعَقُّبٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي عُمَرَ لَا أَعْرِفُهُ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ؛ فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ وَهُمَا مُنْقَطِعَانِ، وَالْمَحْفُوظُ فِي هَذَا حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِقِصَّةِ صَفِيَّةَ، انْتَهَى، وَكَوْنُ حَدِيثِهِ عَنْ عَائِشَةَ بِذَلِكَ مَحْفُوظٌ لَا يَمْنَعُ أَنَّهُ رَوَى حَدِيثَ أُمِّ سُلَيْمٍ وَأَرْسَلَهُ، كَيْفَ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ بَلْ وَافَقَهُ عِكْرِمَةُ وَطَاوُسٌ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَكَيْفَ لَا يَعْرِفُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَا فِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ وَهُمَا فِي يَدِهِ وَقَلْبِهِ؟ إِنَّ لِهَذَا لَعَجَبٌ (قَالَ مَالِكٌ: وَالْمَرْأَةُ تَحِيضُ) قَبْلَ الْإِفَاضَةِ (بِمِنًى تُقِيمُ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَا بُدَّ) لَا فِرَاقَ، وَلَا مَحَالَةَ (لَهَا مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَحَابِسَتُنَا هِيَ (وَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَفَاضَتْ فَحَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، فَلْتَنْصَرِفْ إِلَى بَلَدِهَا) إِنْ شَاءَتْ، بِدُونِ طَوَافِ وَدَاعٍ (فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا فِي ذَلِكَ رُخْصَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَائِضِ) لِصَفِيَّةَ، وَغَيْرِهَا. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ طَاوُسٍ: رُخِّصَ، بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ. وَفِي النَّسَائِيِّ: " «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا أَفَاضَتْ» " قَالَ، أَيْ طَاوُسٌ: وَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّهَا لَا تَنْفِرُ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لَهُنَّ، وَهَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ. وَكَذَا مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ حَجَّ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ إِلَّا الْحُيَّضُ رَخَّصَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ عُمَرَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ قَرِيبًا مِنْ سَنَتَيْنِ: الْحَائِضُ لَا تَنْفِرُ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: إِنَّهُ رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ. وَلَهُ لِلطَّحَاوِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ طَاوُسٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَسْأَلُ عَنِ النِّسَاءِ إِذَا حِضْنَ قَبْلَ النَّفْرِ، وَقَدْ أَفَضْنَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: إِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُخْصَةً لَهُنَّ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ ابْنِ عُمَرَ بِعَامٍ، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُقِيمُ عَلَى الْحَائِضِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ حَتَّى تَطُوفَ طَوَافَ الْوَدَاعِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعَ الْأَمْرَ بِالْوَدَاعِ، وَلَمْ يَسْمَعِ الرُّخْصَةَ، ثُمَّ بَلَغَتْهُ فَعَمِلَ بِهَا. (قَالَ: وَإِنْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ) أَوْ وَلَدَتْ (بِمِنًى قَبْلَ أَنْ تُفِيضَ، فَإِنَّ كَرِيَّهَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَحْبِسُ النِّسَاءَ الدَّمُ) وَهُوَ نِصْفُ شَهْرٍ فِي الْحَيْضِ، وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ بِأَنْ فِيهِ تَعَرُّضًا لِلْفَسَادِ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَأَجَابَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ، كَمَا أَنَّ مَحِلَّهُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ. وَرَوَى الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ، عَنْ جَابِرٍ وَالثَّقَفِيِّ فِي فَوَائِدِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كِلَاهُمَا مَرْفُوعًا: " «أَمِيرَانِ وَلَيْسَا بِأَمِيرَيْنِ: الْمَرْأَةُ تَحُجُّ مَعَ الْقَوْمِ، فَتَحِيضُ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، فَلَيْسَ لِأَصْحَابِهَا أَنْ يُنَفِّرُوهَا حَتَّى يَسْتَأْمِرُوهَا، وَالرَّجُلُ يَتْبَعُ الْجِنَازَةَ، فَيُصَلِّي عَلَيْهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يَسْتَأْمِرَ أَهْلَهَا» "، لَكِنَّ فِي إِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعْفًا شَدِيدًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 [بَاب فِدْيَةِ مَا أُصِيبَ مِنْ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ   76 - بَابُ فِدْيَةِ مَا أُصِيبَ مِنَ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ 947 - 932 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الحديث: 947 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 الضَّبُعِ) بِضَمِّ الْبَاءِ، لُغَةُ قَيْسٍ، وَسُكُونِهَا، لُغَةُ تَمِيمٍ، وَهِيَ أُنْثَى، وَقِيلَ: يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَرُبَّمَا قِيلَ فِي الْأُنْثَى ضَبُعَةٌ، بِالْهَاءِ، وَالذَّكَرِ ضِبْعَانُ، وَالْجَمْعُ ضَبَاعِينُ، وَيُجْمَعُ مَضْمُومُ الْبَاءِ عَلَى ضِبَاعٍ، وَسَاكِنُهَا عَلَى أَضْبُعٍ (بِكَبْشٍ) لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْقَدْرِ (وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ) لِلتَّقَارُبِ (وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالنُّونِ، أُنْثَى الْمَعْزِ قَبْلَ كَمَالِ حَوْلٍ (وَفِي الْيَرْبُوعِ) يَفْعُولٌ دُوَيْبَّةٌ نَحْوَ الْفَأْرَةِ، لَكِنْ ذَنَبُهُ وَأُذُنَاهُ أَطْوَلُ مِنْهَا، وَرِجْلَاهُ أَطْوَلُ مِنْ يَدَيْهِ، عَكْسُ الزَّرَافَةِ، وَالْجَمْعُ الْيَرَابِيعُ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ جَرْبُوعٌ، بِالْجِيمِ (بِجَفْرَةٍ) بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَفَاءٍ سَاكِنَةٍ، الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الضَّأْنِ، وَقِيلَ مِنْهُ وَمِنَ الْمَعْزِ جَمِيعًا، وَقِيلَ مِنَ الْمَعْزِ فَقَطْ. قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الْعَمَلُ عِنْدَنَا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْأَرْنَبِ وَالْيَرْبُوعِ، لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مِنَ الْهَدْيِ فِي الْجَزَاءِ إِلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا، الثَّنِيُّ مِنَ الْمَعْزِ فَصَاعِدًا، وَمِنَ الضَّأْنِ الْجَذَعُ فَصَاعِدًا، قَالَ ابْنُ حُبَيْبٍ: فَفِي الْأَرْنَبِ وَالْيَرْبُوعِ عَنْزٌ مُسِنَّةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُرَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إِلَى ثُغْرَةِ ثَنِيَّةٍ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ تَعَالَ حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ قَالَ فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ حَتَّى دَعَا رَجُلًا يَحْكُمُ مَعَهُ فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ الرَّجُلِ فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي حَكَمَ مَعِي فَقَالَ لَا فَقَالَ لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ لَأَوْجَعْتُكَ ضَرْبًا ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ   948 - 933 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُرَيْرٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ ثُمَّ رَاءٍ بِلَا نَقْطٍ، الْعَبْدِيِّ الْبَصْرِيِّ، وَلَمْ يُصِبْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ الْأَصْمَعِيُّ، وَأَنَّ مَالِكًا غَلِطَ فِيهِ بِذِكْرِهِ بِرَاءٍ آخِرَهُ، لِأَنَّ أَبَا الْأَصْمَعِيِّ قُرَيْبٌ بِمُوَحَّدَةٍ آخِرَهُ، فَقَدْ بَيَّنَ صَوَابَ ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَأَيْضًا فَالْأَصْمَعِيُّ لَمْ يُدْرِكِ ابْنَ سِيرِينَ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: طَرَحَ ابْنُ وَضَّاحٍ اسْمَهُ، وَقَالَ عَنِ ابْنِ قُرَيْرٍ تَبَعًا لِقَوْلِ ابْنِ مَعِينٍ: وَهِمَ مَالِكٌ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: لَمْ يُوهِمْ مَالِكٌ فِي اسْمِهِ، وَلَا فِي اسْمِ أَبِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَخُو عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنَا قُرَيْرٍ. (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ رَجُلًا) قَالَ الْأَصِيلِيُّ: هُوَ قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ الْأَزْدِيُّ، انْتَهَى، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْهُ. (جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي) لَمْ يُسَمَّ (فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ) نَرْمِي (إِلَى ثُغْرَةِ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ، أَعْلَى (ثَنِيَّةٍ) طَرِيقٌ فِي الْجَبَلِ (فَأَصَبْنَا ظَبْيًا، وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ: تَعَالَ) بِفَتْحِ اللَّامِ، فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ تَعَالَى تَعَالِيًا ارْتَفَعَ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الرَّجُلَ الْعَالِيَ كَانَ يُنَادِي السَّافِلَ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى هَلُمَّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَوْضِعُ الْمَدْعُوِّ أَعْلَى أَوْ أَسْفَلَ أَوْ مُسَاوِيًا، فَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَعْنًى خَاصٌّ، ثُمَّ الحديث: 948 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 اسْتُعْمِلَ بِمَعْنًى عَامٍّ. (حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ) زَادَ الْحَاكِمُ: فَقَالَ عُمَرُ تُرَى شَاةً تَكْفِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ (قَالَ: فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ) أُنْثَى الْمَعْزِ إِذَا أَتَى عَلَيْهَا الْحَوْلُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْعَنْزُ الْأُنْثَى مِنَ الظِّبَاءِ وَالْأَوْعَالِ. (فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ) اسْتِقْلَالًا (حَتَّى دَعَا) : طَلَبَ (رَجُلًا يَحْكُمُ مَعَهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يُفْتِيَكَ حَتَّى سَأَلَ الرَّجُلَ (فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ الرَّجُلِ، فَدَعَاهُ، فَسَأَلَهُ هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي حَكَمَ مَعِي؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ لَأَوْجَعْتُكَ ضَرْبًا) إِذْ لَوْ قَرَأْتَهَا لَعَلِمَتْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنِ اثْنَيْنِ فِي الصَّيْدِ. وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ قَبِيصَةَ: فَعَلَاهُ بِالدِّرَّةِ ضَرْبًا، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيَّ لِيَضْرِبَنِي فَقُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَقُلْ شَيْئًا إِنَّمَا قَالَهُ هُوَ فَتَرَكَنِي، وَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ: أَرَادَ أَنْ يَعْلُوَهُ فَأَخَذَ الدِّرَّةَ بِيَدِهِ مُرِيدًا ضَرْبَهُ، ثُمَّ تَمَهَّلَ حَتَّى اسْتَفْهَمَهُ عَنِ الْمَائِدَةِ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ، فَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ. (ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ يَحْكُمُ بِهِ) أَيْ بِالْمِثْلِ رَجُلَانِ {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] لَهُمَا فِطْنَةٌ يُمَيِّزَانِ بِهَا أَشْبَهَ الْأَشْيَاءِ بِهِ (هَدْيًا) حَالٌ مِنْ جَزَاءٌ {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] أَيْ يَبْلَغُ بِهِ الْحَرَمَ فَيُذْبَحُ بِهِ وَيُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِهِ، وَنُصِبَ نَعْتًا لِمَا قَبْلَهُ وَإِنْ أُضِيفَ، لِأَنَّ إِضَافَتَهُ لَفْظِيَّةٌ لَا تُفِيدُ تَعْرِيفًا. (وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ) أَحَدُ الْعَشَرَةِ، فَمَقَامُهُ فِي الْعَدَالَةِ مَعْلُومٌ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ: ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَرَدْتَ أَنْ تَقْتُلَ الْجَزَاءَ، وَتَتَعَدَّى فِي الْفُتْيَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ فِي الْإِنْسَانِ عَشَرَةَ أَخْلَاقٍ، تِسْعَةٌ حَسَنَةٌ وَوَاحِدٌ سَيِّئٌ فَيُفْسِدُهَا ذَلِكَ السَّيِّئُ، ثُمَّ قَالَ: إِيَّاكَ وَعَثَرَاتِ اللِّسَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْبَقَرَةِ مِنْ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي الشَّاةِ مِنْ الظِّبَاءِ شَاةٌ   949 - 934 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَقُولُ: فِي الْبَقَرَةِ مِنَ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ) لِأَنَّهَا تُمَاثِلُهَا، وَقَدْ حَكَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ، وَحِمَارِهِ بِبَقَرَةٍ (وَفِي الشَّاةِ) الحديث: 949 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 الصَّغِيرَةِ (مِنَ الظِّبَاءِ شَاةٌ) تُمَاثِلُهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي حَمَامِ مَكَّةَ إِذَا قُتِلَ شَاةٌ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَفِي بَيْتِهِ فِرَاخٌ مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ فَيُغْلَقُ عَلَيْهَا فَتَمُوتُ فَقَالَ أَرَى بِأَنْ يَفْدِيَ ذَلِكَ عَنْ كُلِّ فَرْخٍ بِشَاةٍ قَالَ مَالِكٌ لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ فِي النَّعَامَةِ إِذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ بَدَنَةً قَالَ مَالِكٌ أَرَى أَنَّ فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ عُشْرَ ثَمَنِ الْبَدَنَةِ كَمَا يَكُونُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ وَقِيمَةُ الْغُرَّةِ خَمْسُونَ دِينَارًا وَذَلِكَ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ النُّسُورِ أَوْ الْعِقْبَانِ أَوْ الْبُزَاةِ أَوْ الرَّخَمِ فَإِنَّهُ صَيْدٌ يُودَى كَمَا يُودَى الصَّيْدُ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ وَكُلُّ شَيْءٍ فُدِيَ فَفِي صِغَارِهِ مِثْلُ مَا يَكُونُ فِي كِبَارِهِ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ دِيَةِ الْحُرِّ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فَهُمَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ   950 - 935 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي حَمَامِ مَكَّةَ إِذَا قُتِلَ: شَاةٌ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُهَا فِي الْعَبِّ، وَبِهِ حَكَمَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا، وَذَلِكَ لِحُرْمَةِ مَكَّةَ وَاسْتِئْنَاسِ الْحَمَامِ فِيهَا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَاتِلِهِ إِلَّا عَدْلُهُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ صِيَامٍ لِغَيْرِ مَكَّةَ، لَكَثُرَ قَتْلُهُ فِيهَا. (وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ، أَوِ الْعُمْرَةِ وَفِي بَيْتِهِ فِرَاخٌ مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ فَيُغْلَقُ) بِفَتْحِ اللَّامِ، وَكَسْرُهَا لُغَةٌ قَلِيلَةٌ (عَلَيْهَا فَتَمُوتُ، فَقَالَ: أَرَى بِأَنْ يَفْدِيَ ذَلِكَ عَنْ كُلِّ فَرْخٍ بِشَاةٍ) لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي مَوْتِهَا بِالْغَلْقِ (قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ فِي النَّعَامَةِ إِذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ بَدَنَةً) لِأَنَّهَا تُقَارِبُهَا فِي الْقَدْرِ وَالصُّورَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنَّ فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ عُشْرَ ثَمَنِ الْبَدَنَةِ، كَمَا يَكُونُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ غُرَّةٌ) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَشَدِّ الرَّاءِ (عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ) أَيْ أَمَةٌ، بَيَانٌ لِغُرَّةٍ (وَقِيمَةُ الْغُرَّةِ خَمْسُونَ دِينَارًا، وَذَلِكَ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ) لِأَنَّهَا خَمْسُمِائَةٍ (وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ النُّسُورِ) جَمْعُ نَسْرٍ، طَائِرٌ مَعْرُوفٌ (أَوِ الْعِقْبَانِ) بِمُوَحَّدَةٍ، جَمْعُ عُقَابٍ، طَائِرٌ مَعْرُوفٌ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَعْقُبٍ (أَوِ الْبُزَاةِ) جَمْعُ بَازِي كَقُضَاةٍ وَقَاضِي، ضَرْبٌ مِنَ الصُّقُورِ (أَوِ الرَّخَمِ) جَمْعُ رَخَمَةٍ كَقَصَبٍ وَقَصَبَةٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِضَعْفِهِ عَنِ الِاصْطِيَادِ (فَإِنَّهُ صَيْدٌ يُودَى كَمَا يُودَى الصَّيْدُ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ) أَوْ فِي الْحَرَمِ (وَكُلُّ شَيْءٍ فُدِيَ فَفِي صِغَارِهِ مِثْلُ مَا يَكُونُ فِي كِبَارِهِ، وَإِنَّمَا مَثَلُ) بِفَتْحَتَيْنِ، صِفَةٌ، أَيْ قِيَاسُ (ذَلِكَ مَثَلُ دِيَةِ الْحُرِّ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، فَهُمَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ) الحديث: 950 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ مِثْلُ الصَّحِيحِ، وَالْقَبِيحُ مِثْلُ الْجَمِيلِ، وَالْأُنْثَى مِثْلُ الذَّكَرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 [بَاب فِدْيَةِ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ الْجَرَادِ وَهُوَ مُحْرِمٌ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أَصَبْتُ جَرَادَاتٍ بِسَوْطِي وَأَنَا مُحْرِمٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَطْعِمْ قَبْضَةً مِنْ طَعَامٍ   77 - بَابُ فِدْيَةِ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنَ الْجَرَادِ وَهُوَ مُحْرِمٌ 952 - 936 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنِّي أَصَبْتُ جَرَادَاتٍ) جَمْعُ جَرَادَةٍ، وَالْجَرَادُ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، سُمِّي بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْرُدُ الْأَرْضَ، أَيْ يَأْكُلُ مَا عَلَيْهَا (بِسَوْطِي وَأَنَا مُحْرِمٌ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَطْعِمْ قَبْضَةً) بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ، أَيْ حَفْنَةً (مِنْ طَعَامٍ) وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ فِي الْجَرَادِ قِيمَتَهُ، وَفِي الْوَاحِدَةِ قَبْضَةٌ، أَيْ حَفْنَةٌ. الحديث: 952 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُ عَنْ جَرَادَاتٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ تَعَالَ حَتَّى نَحْكُمَ فَقَالَ كَعْبٌ دِرْهَمٌ فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ إِنَّكَ لَتَجِدُ الدَّرَاهِمَ لَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ   953 - 937 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَسَأَلَهُ عَنْ جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ) بْنِ مَاتِعٍ الْمَعْرُوفِ بِكَعْبِ الْأَحْبَارِ: (تَعَالَ حَتَّى نَحْكُمَ فَقَالَ كَعْبٌ: دِرْهَمٌ، فَقَالَ عُمَرُ) لِكَعْبٍ: (إِنَّكَ لَتَجِدُ الدَّرَاهِمَ) حَتَّى تُعْطِيَ مِنْهَا دِرْهَمًا (لَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ) مِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ الْمَشْهُورَةِ، يَعْنِي: فَإِنَّمَا فِيهَا قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ، وَإِلَى احْتِيَاجِهِ لِحُكُومَةٍ، ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ: فَإِنْ أَخْرَجَ بِغَيْرِ حُكُومَةٍ أَعَادَ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: أَنَّ الْجَرَادَ لَا حُكُومَةَ فِيهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِ كَعْبٍ عَنْ قَوْلِهِ: أَنَّهُ نَثْرَةُ حُوتٍ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ. الحديث: 953 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 [بَاب فِدْيَةِ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ «أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمًا فَآذَاهُ الْقَمْلُ فِي رَأْسِهِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَقَالَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَوْ انْسُكْ بِشَاةٍ أَيَّ ذَلِكَ فَعَلْتَ أَجْزَأَ عَنْكَ»   78 - بَابُ فِدْيَةِ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ 954 - 938 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالزَّايِ، أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِيَ أُمَيَّةَ الْحِرَّانِيِّ وَثَّقَهُ الْأَئِمَّةُ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ ثَبَتٌ. وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّ حَدِيثَهُ عَنْ عَطَاءٍ رَدِيٌّ، قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ عَنَى بِذَلِكَ حَدِيثَ عَائِشَةَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُهَا، وَلَا يَتَوَضَّأُ» "، قَالَ: وَإِذَا رَوَى الثِّقَاتُ عَنْهُ فَأَحَادِيثُهُ مُسْتَقِيمَةٌ، وَأَنْكَرَ يَحْيَى الْقَطَّانُ حَدِيثَهُ عَنْ عَطَاءٍ فِي لَحْمِ الْبَغْلِ، لَكِنِ احْتَجَّ بِهِ السِّتَّةُ، وَكَفَى بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُ تَوْثِيقًا، قَالَ أَحْمَدُ وَيَحْيَى: لَا نُبَالِي أَنْ نَسْأَلَ عَنْ مَنْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ، وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا شُعْبَةُ وَالسُّفْيَانَانِ، وَقَالَا: إِنَّهُ ثِقَةٌ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ بِحَرَّانَ. (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى) كَذَا لِيَحْيَى وَأَبِي مُصْعَبٍ وَابْنِ بُكَيْرٍ وَالْقَعْنَبِيِّ وَمُطَرِّفٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَعْنٍ وَسَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُصْعَبٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ الصُّورِيِّ. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَمَنْ أَسْقَطَ مُجَاهِدًا فَقَدْ أَخْطَأَ فَإِنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ لَمْ يَلْقَ ابْنَ أَبِي لَيْلَى وَلَا رَآهُ، وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ مَالِكًا هُوَ الَّذِي وَهِمَ فِي إِسْقَاطِ مُجَاهِدٍ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْقَعْنَبِيَّ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ بِإِثْبَاتِهِ، وَكَذَا رَوَاهُ عَنْهُ مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، ابْنِ أُمَيَّةَ الْبَلَوِيِّ، حَلِيفِ الْأَنْصَارِ، شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَنَزَلَتْ فِيهِ قِصَّةُ الْفِدْيَةِ، وَسَكَنَ الْكُوفَةَ، وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ. (أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمًا) بِالْحُدَيْبِيَةِ (فَأَذَاهُ الْقَمْلُ فِي رَأْسِهِ) وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ: " «وَقَفَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلًا» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " «وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي» "، وَلِأَحْمَدَ: " «وَقَعَ الْقَمْلُ فِي رَأْسِي وَلِحْيَتِي حَتَّى حَاجِبِي وَشَارِبِي، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ أَصَابَكَ بَلَاءٌ» " وَلِلطَّبَرَانِيِّ: " «إِنَّ هَذَا لَأَذًى، قُلْتُ: شَدِيدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ (فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ) » أَيْ يُزِيلَ شَعْرَهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِمُوسَى أَوْ مِقَصٍّ أَوْ نُورَةٍ ( «وَقَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) كَمَا بَيَّنَ قَوْلَهُ: (أَوْ صَدَقَةٍ) (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) بِقَوْلِهِ: ( «أَوْ أَطْعِمْ الحديث: 954 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 سِتَّةَ مَسَاكِينَ» ) الْمُرَادُ بِهِمْ مَا يَشْمَلُ الْفُقَرَاءُ (مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ) بِالتَّكْرِيرِ لِإِفَادَةِ عُمُومِ التَّثْنِيَةِ (لِكُلِّ إِنْسَانٍ) مِنْهُمْ، وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: " «لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ» "، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْجُمْهُورِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا، أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ، فَإِنَّهُ بِفَتْحَتَيْنِ وَتُسَكَّنُ الرَّاءُ أَيْضًا: مِكْيَالٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَلِأَحْمَدَ: نِصْفُ صَاعِ طَعَامٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ، وَلِمُسْلِمٍ وَالطَّبَرَانِيِّ: نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ، وَلِأَبِي دَاوُدَ: نِصْفُ صَاعِ زَبِيبٍ، وَفِي إِسْنَادِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الْأَحْكَامِ إِذَا خَالَفَ، وَالْمَحْفُوظُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ رِوَايَةُ التَّمْرِ، لِأَنَّهَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهَا عَلَى رَاوِيهَا، قَالَ: وَعُرِفَ بِذَلِكَ قُوَّةُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ. (أَوِ انْسُكْ) أَيْ تَقَرَّبْ (بِشَاةٍ) تَذْبَحُهَا (أَيَّ ذَلِكَ فَعَلْتَ أَجْزَأَ عَنْكَ) صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْدَ التَّعْبِيرِ بَأَوِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّخْيِيرِ زِيَادَةً فِي الْبَيَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجَّاجِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ فَقُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ انْسُكْ بِشَاةٍ»   955 - 939 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ) الْمَكِّيِّ الْأَعْرَجِ الْقَارِيِّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ سَعْدٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيَّانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ كَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ لَكِنِ احْتَجَّ بِهِ السِّتَّةُ، وَكَفَى بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُ (عَنْ مُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجَّاجِ) كُنْيَةُ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، الْمَخْزُومِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَكِّيِّ، ثِقَةٌ إِمَامٌ فِي التَّفْسِيرِ وَفِي الْعِلْمِ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَلِيَحْيَى بْنِ الْحَجَّاجِ، وَهُوَ خَطَأٌ، إِذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ اسْمَ أَبِيهِ الْحَجَّاجُ، فَالصَّوَابُ أَبِي بِأَدَاةِ الْكُنْيَةِ (عَنْ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (بْنِ أَبِي لَيْلَى) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثُمَّ الْكُوفِيِّ، ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ مِنْ عُمَرَ، مَاتَ بِوَقْعَةِ الْجَمَاجِمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ، قِيلَ إِنَّهُ غَرِقَ (عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ) لَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ مَعَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِهِ: ( «لَعَلَّكَ أَذَاكَ هَوَامُّكَ» ) بِشَدِّ الْمِيمِ، جَمْعُ هَامَّةٍ، بِشَدِّهَا، وَهِيَ الدَّابَّةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا: الْقَمْلُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ، لِأَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى مَا يَدِبُّ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ كَالْحَشَرَاتِ وَالْقَمْلِ (فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ) آذَانِي ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْلِقْ» ) بِكَسْرِ اللَّامِ (رَأْسَكَ) : أَزِلْ شَعْرَهُ ( «وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ» ) مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ الحديث: 955 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 كَمَا فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ (أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ) أَيْ تَقَرَّبْ بِهَا، وَهَذَا دَمُ تَخْيِيرٍ اسْتُفِيدَ بِأَوِ الْمُكَرَّرَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ، أَوْ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ، وَمَرَّ فِي السَّابِقِ: أَيَّ ذَلِكَ فَعَلْتَ أَجْزَأَ عَنْكَ. وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ فَانْسُكْ نَسِيكَةً، وَإِنْ شِئْتَ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَطْعِمُ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ» "، وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " أَوِ انْسُكْ مَا تَيَسَّرَ "، وَلَهُمَا أَيْضًا: " «أَتَجِدُ شَاةً؟ قُلْتُ: لَا» "، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] قَالَ: " «فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً» "، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْفَاءَ تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَالْآيَةَ وَرَدَتْ لِلتَّخْيِيرِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّاةِ، أَمَّا عِنْدَ عَدَمِهَا فَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُجْزِئُ إِلَّا لِعَادِمِ الْهَدْيِ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَ عَنِ النُّسُكِ، فَإِنْ وَجَدَهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثِ، وَإِنْ عَدِمَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ حَدَّثَنِي شَيْخٌ بِسُوقِ الْبُرَمِ بِالْكُوفَةِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَنْفُخُ تَحْتَ قِدْرٍ لِأَصْحَابِي وَقَدْ امْتَلَأَ رَأْسِي وَلِحْيَتِي قَمْلًا فَأَخَذَ بِجَبْهَتِي ثُمَّ قَالَ احْلِقْ هَذَا الشَّعَرَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُكُ بِهِ» قَالَ مَالِكٌ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى إِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَفْتَدِي حَتَّى يَفْعَلَ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ وَإِنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَأَنَّهُ يَضَعُ فِدْيَتَهُ حَيْثُ مَا شَاءَ النُّسُكَ أَوْ الصِّيَامَ أَوْ الصَّدَقَةَ بِمَكَّةَ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَنْتِفَ مِنْ شَعَرِهِ شَيْئًا وَلَا يَحْلِقَهُ وَلَا يُقَصِّرَهُ حَتَّى يَحِلَّ إِلَّا أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى فِي رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَلَا يَقْتُلَ قَمْلَةً وَلَا يَطْرَحَهَا مِنْ رَأْسِهِ إِلَى الْأَرْضِ وَلَا مِنْ جِلْدِهِ وَلَا مِنْ ثَوْبِهِ فَإِنْ طَرَحَهَا الْمُحْرِمُ مِنْ جِلْدِهِ أَوْ مِنْ ثَوْبِهِ فَلْيُطْعِمْ حَفْنَةً مِنْ طَعَامٍ قَالَ مَالِكٌ مَنْ نَتَفَ شَعَرًا مِنْ أَنْفِهِ أَوْ مِنْ إِبْطِهِ أَوْ اطَّلَى جَسَدَهُ بِنُورَةٍ أَوْ يَحْلِقُ عَنْ شَجَّةٍ فِي رَأْسِهِ لِضَرُورَةٍ أَوْ يَحْلِقُ قَفَاهُ لِمَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ وَهُوَ مُحْرِمٌ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا إِنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْلِقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ وَمَنْ جَهِلَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ افْتَدَى   956 - 940 - (مَالِكٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ) كَانَ فَاضِلًا عَالِمًا بِالْقُرْآنِ عَامِلًا، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَإِدْخَالُهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ رَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ: قَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَلِمَالِكٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ هَذَا ثَانِيهَا (أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ بِسُوقِ الْبُرَمِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، جَمْعُ بُرْمَةٍ، وَهِيَ الْقِدْرُ مِنَ الْحَجَرِ (بِالْكُوفَةِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَقُولُونَ إِنَّ هَذَا الشَّيْخَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِيِ لَيْلَى، وَهَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ أَشْهَرُ فِي التَّابِعِينَ مِنْ أَنْ يَقُولَ فِيهِ عَطَاءٌ: شَيْخٌ، وَأَظُنُّ قَائِلَ ذَلِكَ لَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ كُوفِيٌّ وَأَنَّهُ الَّذِي يَرْوِي الْحَدِيثَ عَنْ كَعْبٍ ظَنَّ أَنَّهُ هُوَ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْقِلٍ، عَنْ كَعْبٍ، وَقَدْ يَكُونُ هُوَ الشَّيْخُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَطَاءٌ، فَهُوَ كُوفِيٌّ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَلْقَاهُ عَطَاءٌ، وَهُوَ أَشْبَهُ عِنْدِي، انْتَهَى. وَرِوَايَةُ ابْنِ مَعْقِلٍ، وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ، فِي الصَّحِيحَيْنِ: (عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ (وَأَنَا أَنْفُخُ تَحْتَ قِدْرٍ لِأَصْحَابِي) وَفِي رِوَايَةٍ: قِدْرٍ لِي، وَفِي رِوَايَةٍ: تَحْتَ بُرْمَةٍ لِي، فَبَيَّنَ أَنَّ الْقِدْرَ بُرْمَةٌ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ إِضَافَتِهِ لَهُ تَارَةً، وَلِأَصْحَابِهِ أُخْرَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (وَقَدِ امْتَلَأَ رَأْسِي وَلِحْيَتِي قَمْلًا) زَادَ أَحْمَدُ: حَتَّى الحديث: 956 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 حَاجِبِي وَشَارِبِي ( «فَأَخَذَ بِجَبْهَتِي ثُمَّ قَالَ: احْلِقْ هَذَا الشَّعَرَ» ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " فَدَعَا الْحَلَّاقُ فَحَلَقَ رَأْسَهُ " ( «وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ» ) مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ (وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ) بِقَوْلِهِ لِي: أَتَجِدُ شَاةً؟ قُلْتُ: لَا (إِنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُكُ بِهِ) فَلَمْ يَأْمُرْنِي بِهِ، فَلَا يُخَالِفُ الرِّوَايَاتِ الْكَثِيرَةَ أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّاةِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: " فَحَلَقْتُ رَأْسِي، وَنَسَكْتُ "، وَلَهُ وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ تَدُورُ عَلَى نَافِعٍ، قَالَ: " «فَحَلَقَ فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَهْدِيَ بَقَرَةً» "، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَى نَافِعٍ فِي الْوَاسِطَةِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَعْبٍ، وَعَارَضَهُ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ، أَنَّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ كَعْبٌ، وَفَعَلَهُ إِنَّمَا هُوَ شَاةٌ، بَلْ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: لَفْظُ بَقَرَةٍ مُنْكَرٌ شَاذٌّ، ثُمَّ لَا يُعَارِضُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ سَأَلَهُ: أَتَجِدُ شَاةً؟ قَالَ: لَا، لِاحْتِمَالٍ أَنَّهُ وَجَدَهَا بَعْدَمَا أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ لَا يَجِدُهَا فَنَسَكَ بِهَا. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ: فَحَلَقْتُ وَصُمْتُ فَإِمَّا أَنَّهَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، أَوْ أَنَّهُ فَعَلَ الصَّوْمَ أَيْضًا بِاجْتِهَادِهِ. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ السُّنَّةَ مُبَيِّنَةٌ لِمُجْمَلِ الْقُرْآنِ، لِإِطْلَاقِ الْفِدْيَةِ فِيهِ وَتَقْيِيدِهَا بِالسُّنَّةِ، وَحُرْمَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ عَنِ الْمُحْرِمِ وَالرُّخْصَةِ لَهُ فِي حَلْقِهَا إِذَا أَذَاهُ الْقَمْلُ، أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْأَوْجَاعِ، وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْعَامِدِ بِلَا عُذْرٍ، فَإِنَّ إِيجَابَهَا عَلَى الْمَعْذُورِ مِنَ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، وَأَنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ لِعُذْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَتَخَيَّرُ الْعَامِدُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الدَّمُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: إِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَفْتَدِي حَتَّى يَفْعَلَ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ، وَإِنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَى صَاحِبِهَا، وَأَنَّهُ يَضَعُ فِدْيَتَهُ حَيْثُمَا شَاءَ) بِزِيَادَةِ مَا (النُّسُكَ أَوِ الصِّيَامَ أَوِ الصَّدَقَةَ بِمَكَّةَ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ) زِيَادَةُ إِيضَاحٍ لِقَوْلِهِ: حَيْثُ شَاءَ، بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) وَالْإِطْلَاقِ فِي آيَةِ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) وَلَمَّا بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجْمَلَهَا فِي أَحَادِيثِ كَعْبٍ لَمْ يُقَيِّدْ بِمَكَّةَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ لِلْمُحْرِمِ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَاحِ ضِدِّ الْفَسَادِ، وَهُوَ حَرَامٌ (أَنْ يَنْتِفَ مِنْ شَعَرِهِ شَيْئًا وَلَا يَحْلِقَهُ) : يُزِيلَهُ بِمُوسَى، أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 مِقَصٍّ أَوْ نُورَةٍ (وَلَا يُقَصِّرَهُ حَتَّى يَحِلَّ إِلَّا أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى فِي رَأْسِهِ) كَقَمْلٍ، وَصُدَاعٍ (فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى) بِقَوْلِهِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: " فِيَّ نَزَلَتِ الْآيَةُ خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً "، وَفِي لَفْظِ: " فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيَّ خَاصَّةً، ثُمَّ كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً "، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ لِأَصَحِّ قَوْلَيْ مَالِكٍ: إِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. (وَلَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ) لِأَنَّهُ إِزَالَةُ أَذًى، أَوْ تَرَفُّهٌ (وَلَا يَقْتُلَ قَمْلَةً) وَاحِدَةً، وَأَوْلَى مَا زَادَ (وَلَا يَطْرَحَهَا مِنْ رَأَسِهِ إِلَى الْأَرْضِ) قَيْدٌ (وَلَا مِنْ جِلْدِهُ) جَسَدِهِ (وَلَا مِنْ ثَوْبِهِ، فَإِنْ طَرَحَهَا الْمُحْرِمُ مِنْ جِلْدِهِ، أَوْ مِنْ ثَوْبِهِ، فَلْيُطْعِمْ حَفْنَةً مِنْ طَعَامٍ) أَيْ مِلْءَ يَدٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لُغَةً مِلْءَ الْيَدَيْنِ. (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَتَفَ شَعَرًا مَنْ أَنْفِهِ أَوْ مِنْ إِبِطِهِ، أَوِ اطَّلَى) بِشَدِّ الطَّاءِ، افْتَعَلَ (جَسَدَهَ بِنُورَةٍ) بِضَمِّ النُّونِ، حَجَرُ الْكَاسِ، ثُمَّ غَلَبَتْ عَلَى أَخْلَاطٍ تُضَافُ إِلَيْهِ مِنْ زِرْنِيخٍ وَغَيْرِهِ، يُسْتَعْمَلُ لِإِزَالَةِ الشَّعَرِ (أَوْ يَحْلِقُ عَنْ شَجَّةِ رَأْسِهِ لِضَرُورَةٍ، أَوْ يَحْلِقُ قَفَاهُ لِمَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا إِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْلِقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ، وَمَنْ جَهِلَ) وَفِي نُسْخَةٍ: نَسِيَ (فَحَلَقَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ افْتَدَى) لِأَنَّهُ أَلْقَى التَّفَثَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ، وَقَدْ أُمِرَ كَعْبٌ بِالْفِدْيَةِ فِي الْحَلْقِ قَبْلَ مَحِلِّهِ لِضَرُورَتِهِ، فَكَيْفَ بِالْجَاهِلِ وَالنَّاسِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 [بَاب مَا يَفْعَلُ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا قَالَ أَيُّوبُ لَا أَدْرِي قَالَ تَرَكَ أَوْ نَسِيَ قَالَ مَالِكٌ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ هَدْيًا فَلَا يَكُونُ إِلَّا بِمَكَّةَ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نُسُكًا فَهُوَ يَكُونُ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُ النُّسُكِ   79 - بَابُ مَا يَفْعَلُ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا 957 - 941 - (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ) كَيْسَانَ (السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا، أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا) وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ. (قَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي قَالَ تَرَكَ أَوْ نَسِيَ) يَعْنِي أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ أَحَدَهُمَا: فَأَوْ لِلشَّكِّ لَا لِلتَّنْوِيعِ. (قَالَ مَالِكٌ: مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ) الدَّمِ (هَدْيًا، فَلَا يَكُونُ إِلَّا بِمَكَّةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) (وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نُسُكًا، فَهُوَ يَكُونُ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُ النُّسُكِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ هَدْيًا. الحديث: 957 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 [بَاب جَامِعِ الْفِدْيَةِ] قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ شَيْئًا مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَلْبَسَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ يُقَصِّرَ شَعَرَهُ أَوْ يَمَسَّ طِيبًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِيَسَارَةِ مُؤْنَةِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ قَالَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِدْيَةُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْفِدْيَةِ مِنْ الصِّيَامِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ النُّسُكِ أَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ وَمَا النُّسُكُ وَكَمْ الطَّعَامُ وَبِأَيِّ مُدٍّ هُوَ وَكَمْ الصِّيَامُ وَهَلْ يُؤَخِّرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَمْ يَفْعَلُهُ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي الْكَفَّارَاتِ كَذَا أَوْ كَذَا فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ أَيَّ شَيْءٍ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَعَلَ قَالَ وَأَمَّا النُّسُكُ فَشَاةٌ وَأَمَّا الصِّيَامُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَمَّا الطَّعَامُ فَيُطْعِمُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ بِالْمُدِّ الْأَوَّلِ مُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَالِكٌ وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ إِذَا رَمَى الْمُحْرِمُ شَيْئًا فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ الصَّيْدِ لَمْ يُرِدْهُ فَقَتَلَهُ إِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ وَكَذَلِكَ الْحَلَالُ يَرْمِي فِي الْحَرَمِ شَيْئًا فَيُصِيبُ صَيْدًا لَمْ يُرِدْهُ فَيَقْتُلُهُ إِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يُصِيبُونَ الصَّيْدَ جَمِيعًا وَهُمْ مُحْرِمُونَ أَوْ فِي الْحَرَمِ قَالَ أَرَى أَنَّ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ جَزَاءَهُ إِنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالْهَدْيِ فَعَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالصِّيَامِ كَانَ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ الصِّيَامُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقَوْمُ يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ خَطَأً فَتَكُونُ كَفَّارَةُ ذَلِكَ عِتْقَ رَقَبَةٍ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ أَوْ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ قَالَ مَالِكٌ مَنْ رَمَى صَيْدًا أَوْ صَادَهُ بَعْدَ رَمْيِهِ الْجَمْرَةَ وَحِلَاقِ رَأْسِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُفِضْ إِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ ذَلِكَ الصَّيْدِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَمَنْ لَمْ يُفِضْ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مَسُّ الطِّيبِ وَالنِّسَاءِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيمَا قَطَعَ مِنْ الشَّجَرِ فِي الْحَرَمِ شَيْءٌ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا حَكَمَ عَلَيْهِ فِيهِ بِشَيْءٍ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَجْهَلُ أَوْ يَنْسَى صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ أَوْ يَمْرَضُ فِيهَا فَلَا يَصُومُهَا حَتَّى يَقْدَمَ بَلَدَهُ قَالَ لِيُهْدِ إِنْ وَجَدَ هَدْيًا وَإِلَّا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي أَهْلِهِ وَسَبْعَةً بَعْدَ ذَلِكَ   80 - بَابُ جَامِعِ الْفِدْيَةِ (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي) : لَا يَجُوزُ (لَهُ أَنْ يَلْبَسَهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَوْ يُقَصِّرَ شَعْرَهُ، أَوْ يَمَسَّ طِيبًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِيَسَارَةِ مُؤْنَةِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ، قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ) إِذْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْتِيَ الذَّنْبَ وَيُكَفِّرَ (وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِدْيَةُ) إِلَّا أَنْ ذَا الْعُذْرِ لَا يَأْثَمُ، وَغَيْرُهُ آثِمٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْفِدْيَةِ مِنَ الصِّيَامِ، أَوِ الصَّدَقَةِ، أَوِ النُّسُكِ أَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ؟) وَلَوْ عَامِدًا بِلَا ضَرُورَةٍ (وَمَا النُّسُكُ؟ وَكَمِ الطَّعَامُ وَبِأَيِّ مُدٍّ هُوَ؟) بِالْمُدِّ النَّبَوِيِّ أَمْ مُدِّ هِشَامٍ؟ (وَكَمِ الصِّيَامُ؟ وَهَلْ يُؤَخِّرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، أَمْ يَفْعَلُهُ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ؟ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي الْكَفَّارَاتِ كَذَا، أَوْ كَذَا) بِأَوْ (فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ، أَيَّ شَيْءٍ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَعَلَ) وَقَدْ جَاءَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ بِأَوْ، فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ، «وَقَدْ خَيَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبًا فِي الْفِدْيَةِ» " رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْهُ، وَرْوَرَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ (قَالَ: وَأَمَّا النُّسُكُ فَشَاةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَعْبٍ: " أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ "، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَكْفِي فِي النُّسُكِ، فَأَعْلَى مِنْهَا أَوْلَى فِي الْكِفَايَةِ مِنْ بَقَرٍ أَوْ إِبِلٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: أَوِ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ. (وَأَمَّا الصِّيَامُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَمَّا الطَّعَامُ فَيُطْعِمُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَفِي نُسْخَةٍ: مُدَّيْنِ مَفْعُولُ يُطْعِمُ كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ فَهُوَ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ الْآيَةِ (بِالْمُدِّ الْأَوَّلِ مُدِّ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا مُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَارُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي زَكَاةَ رَمَضَانَ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُدِّ الْأَوَّلِ، وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ: قَالَ لَنَا مَالِكٌ: مُدُّنَا أَعْظَمُ مِنْ مُدِّكُمْ، وَلَا نَرَى الْفَضْلَ إِلَّا فِي مُدِّ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ لَنَا مَالِكٌ: لَوْ جَاءَ أَمِيرٌ فَضَرَبَ مُدًّا أَصْغَرَ مِنْ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُعْطُونَ؟ قُلْتُ: كُنَّا نُعْطِي بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَفَلَا تُرَى أَنَّ الْأَمْرَ إِنَّمَا يَعُودُ إِلَى مُدِّ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ غَرِيبٌ مَا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا أَبُو قُتَيْبَةَ، وَهُوَ سَلْمٌ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَلَا عَنْهُ إِلَّا الْمُنْذِرُ، وَقَوْلُهُ: أَفَلَا تُرَى. . . إِلَخْ، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتِ الْأَمْدَادُ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ، وَالْحَادِثُ، وَهُوَ الْهِشَامِيُّ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَيْهِ، وَالثَّالِثُ الْمَفْرُوضُ وُقُوعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ دُونُ الْأَوَّلِ كَانَ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ الَّذِي تَحَقَّقَتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ لِنَقْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَهُ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَقَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ بِمِثْلِ هَذَا إِلَى قَوْلِ مَالِكٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 (قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعَتْ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: إِذَا رَمَى الْمُحْرِمُ فَأَصَابَ شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ لَمْ يُرِدْهُ) الْمُحْرِمُ الرَّامِي (فَقَتَلَهُ إِنَّ) بِالْكَسْرِ، مَقُولُ الْقَوْلِ (عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ، وَكَذَلِكَ الْحَلَالُ يَرْمِي فِي الْحَرَمِ شَيْئًا، فَيُصِيبُ صَيْدًا لَمْ يُرِدْهُ) الرَّامِي (فَيَقْتُلُهُ إِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ، لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ) فِي الْفِدْيَةِ، لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ وَالْإِتْلَافُ مَضْمُونٌ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ لَكِنَّ الْعَامِدَ آثِمٌ بِخِلَافِ الْمُخْطِئِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ سَلَفًا، وَخَلَفًا، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي الْعَمْدِ وَإِنَّهُ آثِمٌ بِقَوْلِهِ: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95) وَجَاءَتِ السُّنَّةُ مِنْ أَحْكَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ بِوُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يُصِيبُونَ الصَّيْدَ جَمِيعًا وَهُمْ مُحْرِمُونَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) أَوْ فِي الْحَرَمِ (وَهُمْ حَلَالٌ، قَالَ: أَرَى أَنَّ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ جَزَاؤُهُ إِنْ) بِالْكَسْرِ، اسْتِئْنَافٌ (حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالْهَدْيِ، فَعَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ، وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالصِّيَامِ كَانَ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمُ الصِّيَامُ) بِبَدَلِ ذَلِكَ، أَوْ إِطْعَامٌ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ إِطْعَامٌ وَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ اكْتِفَاءً (وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقَوْمُ يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ خَطَأً، فَتَكُونُ كَفَّارَةُ ذَلِكَ عِتْقَ رَقَبَةٍ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ، أَوْ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ) لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِثْلَ قَتْلِ الْخَطَأِ، فَيَكُونُ اسْتَدَلَّ بِالْقِيَاسِ (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَمَى صَيْدًا، أَوْ صَادَهُ بَعْدَ رَمْيِهِ الْجَمْرَةَ، وَحِلَاقِ رَأْسِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُفِضْ) : لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ (إِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ ذَلِكَ الصَّيْدِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَمَنْ لَمْ يُفِضْ) : لَمْ يَحِلَّ الْحِلَّ الْأَكْبَرَ (فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 مِنَ الْمَمْنُوعِ (مَسُّ الطِّيبِ وَالنِّسَاءِ) الْأَوَّلُ كَرَاهَةً، وَالثَّانِي تَحْرِيمًا كَالصَّيْدِ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي إِبَاحَتِهِ فِي الْآيَةِ الْإِحْلَالَ. (قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيمَا قَطَعَ مِنَ الشَّجَرِ فِي الْحَرَمِ شَيْءٌ) لَا جَزَاءَ وَلَا غَيْرَهُ سِوَى الْحُرْمَةِ، فَيَتُوبَ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي خُطْبَةِ فَتْحِ مَكَّةَ: " «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً» "، فِي رِوَايَاتٍ أُخَرَ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ جَزَاءٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَالْكَفَّارَاتُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. (وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا حَكَمَ عَلَيْهِ فِيهِ بِشَيْءٍ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ) لِارْتِكَابِ الْحُرْمَةِ، فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَجْهَلُ أَوْ يَنْسَى صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، أَوْ يَمْرَضُ فِيهَا، فَلَا يَصُومُهَا حَتَّى يَقْدَمَ) بِفَتْحِ الدَّالِ (بَلَدَهُ قَالَ: لِيُهْدِ إِنْ وُجِدَ هَدْيًا، وَإِلَّا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي أَهْلِهِ وَسَبْعَةً بَعْدَ ذَلِكَ) لِأَنَّ الصِّيَامَ بِكُلِّ مَكَانٍ سَوَاءٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 [بَاب جَامِعِ الْحَجِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ بِمِنًى وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْحَرْ وَلَا حَرَجَ ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ قَالَ فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ»   81 - بَابُ جَامِعِ الْحَجِّ 959 - 942 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ مَالِكٍ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ (عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ، ثِقَةٌ فَاضِلٌ، مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ، وَأَبُوهُ طَلْحَةُ أَحَدُ الْعَشَرَةِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ الْعَاصِي) بِالْيَاءِ وَحَذْفِهَا، وَالْإِثْبَاتُ أَصَحُّ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ أَنَّ الحديث: 959 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ: « (أَنَّهُ قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عَلَى نَاقَتِهِ» كَمَا فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَيُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَمَعْمَرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فَرِوَايَةُ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ مَالِكٍ: جَلَسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَامَ رَجُلٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَكِبَ نَاقَتَهُ، وَجَلَسَ عَلَيْهَا (لِلنَّاسِ بِمِنًى) زَادَ التِّنِّيسِيُّ وَالنَّيْسَابُورِيُّ وَغَيْرُهُمَا: فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَقَفَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، وَأُخْرَى: فَخَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ عِيَاضٌ: جَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مَوْقِفٌ وَاحِدٌ، وَمَعْنَى خَطَبَ أَيْ عَلَّمَ النَّاسَ لَا أَنَّهَا مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ الْمَشْرُوعَةِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ ذَلِكَ فِي مَوْطِنَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، وَلَمْ يُقَلْ فِي هَذَا خُطَبٌ. وَالثَّانِي: يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَذَلِكَ فِي وَقْتِ الْخُطْبَةِ الْمَشْرُوعَةِ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ يُعَلِّمُ الْإِمَامُ فِيهَا النَّاسَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِكِهِمْ، وَصَوَّبَ النَّوَوِيُّ هَذَا الثَّانِي. قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ قِيلَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الِاحْتِمَالَيْنِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طَرِيقِ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو وَابْنِ عَبَّاسٍ بَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي خَطَبَ فِيهِ مِنَ النَّهَارِ، قُلْنَا: نَعَمْ، لَمْ يَقَعِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ، لَكِنَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ بَعْضَ السَّائِلِينَ قَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَمَا أَمْسَيْتُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ لِإِطْلَاقِ الْمَسَاءِ عَلَى مَا بَعْدَهُ فَكَأَنَّ السَّائِلَ عَلِمَ أَنَّ السُّنَّةَ رَمْيُ الْجَمْرَةِ ضُحًى، فَلَمَّا أَخَّرَهَا إِلَى الزَّوَالِ سَأَلَ عَنْهُ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَمْرٍو مَخْرَجُهُ وَاحِدٌ، لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ غَايَتُهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ، وَاجْتَمَعَ مِنْ مَرْوِيِّهِمْ، وَمَرْوِيِّ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَخْطُبُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنَّهَا الْخُطْبَةُ الْمَشْرُوعَةُ لِتَعَلُّمِ بَقِيَّةِ الْمَنَاسِكِ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ خَطَبَ مَجَازًا عَنْ مُجَرَّدِ التَّعْلِيمِ بَلْ هِيَ حَقِيقِيَّةٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ أَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ رَمَاهَا، فَفِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ، فَذَكَرَ خُطْبَتَهُ» " فَلَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ أَفَاضَ، وَرَجَعَ إِلَى مِنًى، انْتَهَى. وَقَالَ الْأُبِّيُّ: تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ الْفُتْيَا عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ خُطْبَةً. (وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ: فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، وَأُخْرَى فَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَهُ (فَجَاءَهُ رَجُلٌ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ الشَّدِيدِ، وَلَا عَلَى اسْمِ أَحَدٍ مِمَّنْ سَأَلَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَكَانُوا جَمَاعَةً، لَكِنْ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ: كَانَ الْأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ، فَكَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي عَدَمِ ضَبْطِ أَسْمَائِهِمْ (فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، أَيْ أَفْطَنْ، يُقَالُ: شَعُرْتُ بِالشَّيْءِ شُعُورًا إِذَا فَطِنْتَ لَهُ، وَقِيلَ: الشُّعُورُ: الْعِلْمُ، وَلَمْ يُفْصِحْ فِي رِوَايَةٍ مَالِكٍ بِمُتَعَلِّقِ الشُّعُورِ، وَبَيَّنَهُ يُونُسُ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: لَمْ أَشْعُرْ أَنَّ الرَّمْيَ قَبْلَ الْحَلْقِ (فَحَلَقْتُ) شَعْرَ رَأْسِي (قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ) وَفِي رِوَايَةٍ: قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، وَالْفَاءُ سَبَبِيَّةٌ، جَعَلَ الْحَلْقَ مُسَبَّبًا عَنْ عَدَمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 الشُّعُورِ كَأَنَّهُ يَعْتَذِرُ لِتَقْصِيرِهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْحَرْ) وَفِي رِوَايَةٍ: اذْبَحْ (وَلَا حَرَجَ) قَالَ عِيَاضٌ: لَيْسَ أَمْرًا بِالْإِعَادَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ إِبَاحَةٌ لِمَا فَعَلَ، لِأَنَّهُ سَأَلَ عَنْ أَمْرٍ فُرِغَ مِنْهُ، فَالْمَعْنَى: افْعَلْ ذَلِكَ مَتَى شِئْتَ، وَنَفْيُ الْحَرَجِ بَيِّنٌ فِي رَفْعِ الْفِدْيَةِ عَنِ الْعَامِدِ وَالسَّاهِي، وَفِي رَفْعِ الْإِثْمِ عَنِ السَّاهِي، وَأَمَّا الْعَامِدُ، فَالْأَصْلُ أَنَّ تَارِكَ السُّنَّةِ عَمْدًا لَا يَأْثَمُ إِلَّا أَنْ يَتَهَاوَنَ، فَيَأْثَمَ لِلتَّهَاوُنِ لَا لِلتُّرْكِ. (ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ) : أَفْطِنْ، أَوْ أَعْلَمْ، زَادَ يُونُسُ: أَنَّ الرَّمْيَ قَبْلَ النَّحْرِ (فَنَحَرْتُ) الْهَدْيَ (قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ) الْجَمْرَةَ (قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ) أَيْ لَا ضِيقَ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ، زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " وَقَالَ آخَرُ: أَفَضْتُ إِلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ "، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ زِيَادَةُ الْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ، فَحَاصِلُ مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو السُّؤَالُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَالنَّحْرِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَالْإِفَاضَةِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَالْأُولَيَانِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا السُّؤَالُ عَنِ الْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي حَدِيثٍ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ: السُّؤَالُ عَنِ الْإِفَاضَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ وَفِي حَدِيثِهِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ: وَالسُّؤَالُ عَنِ الرَّمْيِ وَالْإِفَاضَةِ مَعًا قَبْلَ الْحَلْقِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ: السُّؤَالُ عَنِ الْإِفَاضَةِ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَفِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ: السُّؤَالُ عَنِ السَّعْيِ قَبْلَ الطَّوَافِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، ثُمَّ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَعَى قَبْلَ الطَّوَافِ، أَيِ الرُّكْنِ، فَهَذَا مَا تَحَذَّرَ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ، وَبَقِيَ عِدَّةُ صُوَرٍ لَمْ يَذْكُرْهَا الرُّوَاةُ إِمَّا اخْتِصَارًا، وَإِمَّا لِأَنَّهَا لَمْ تَقَعْ، وَبَلَغَتْ بِالتَّقْسِيمِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ صُورَةً مِنْهَا صُورَةُ التَّرْتِيبِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا، وَهِيَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ نَحْرُ الْهَدْيِ أَوْ ذَبْحُهُ، ثُمَّ الْحَلْقُ، أَوِ التَّقْصِيرُ ثُمَّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى، فَنَحَرَ، وَقَالَ لِلْحَالِقِ: جُزَّ " وَلِأَبِي دَاوُدَ: " رَمَى ثُمَّ نَحَرَ ثُمَّ حَلَقَ» "، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَطْلُوبِيَّةِ هَذَا التَّرْتِيبِ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ الْجَهْمِ اسْتَثْنَى الْقَارِنَ، فَقَالَ: لَا يَحْلِقُ حَتَّى يَطُوفَ، كَأَنَّهُ لَاحَظَ أَنَّهُ فِي عَمَلِ الْعُمْرَةِ وَالْعُمْرَةُ يَتَأَخَّرُ فِيهَا الْحَلْقُ عَنِ الطَّوَافِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْإِجْزَاءِ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفُوا فِي الدَّمِ، فَأَوْجَبَهُ مَالِكٌ فِي تَقْدِيمِ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَتِهِ حَدِيثُ الْبَابِ، وَلَا يَلْزَمُ بِزِيَادَةِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي ابْنِ شِهَابٍ، وَأَوْجَبَ الْفِدْيَةَ فِي تَقْدِيمِ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ شَيْءٍ مِنَ التَّحَلُّلِ. وَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ، وَعَلَيْهِ الدَّمُ فِي كُلِّ الْمُخَالَفَةِ، وَتَأَوَّلَ: لَا حَرَجَ عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ، لِأَنَّهُ فُعِلَ عَلَى الْجَهْلِ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 الْقَصْدِ فَأُسْقِطَ الْحَرَجُ، وَعُذْرُهُمْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِدَلِيلِ قَوْلِ السَّائِلِ: لَمْ أَشْعُرْ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى الْجَوَازِ وَعَدَمِ وُجُوبِ الدَّمِ فِي شَيْءٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ (قَالَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: ( «فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ» ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: يَوْمَئِذٍ (عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ، وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ) عَلَيْكَ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ وَالْفِدْيَةِ وَالدَّمِ، لِأَنَّ اسْمَ الضِّيقِ يَشْمَلُ ذَلِكَ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا إِثْمَ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ لِمَنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَيْ كَالسَّائِلِينَ، قَالَ: وَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ الْمُخَالَفَةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ وُجُوبَهَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَئِذٍ وَقْتَ الْحَاجَةِ، فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَلَمْ يُسْقِطِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَرَجَ، وَقَدْ أَجْزَأَ الْفِعْلُ، إِذْ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ، لَأَنَّ الْجَهْلَ وَالنِّسْيَانَ لَا يَضَعَانِ الْحُكْمَ اللَّازِمَ فِي الْحَجِّ، كَمَا لَوْ تَرَكَ الرَّمْيَ وَنَحْوَهُ، فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، قَالَ: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْمِلُ قَوْلَهُ: وَلَا حَرَجَ، عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ فَقَطْ، ثُمَّ يَخُصُّ ذَلِكَ بِبَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ كَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ، فَلْيَكُنْ فِي الْجَمِيعِ، وَإِلَّا فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ مَعَ تَعْمِيمِ الشَّارِعِ الْجَمِيعَ بِنَفْيِ الْحَرَجِ - كَذَا قَالَ - وَجَوَابُهُ: إِنَّ مَالِكًا خَصَّ مِنَ الْعُلُومِ تَقْدِيمَ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ، فَأَوْجَبَ فِيهِ الْفِدْيَةَ لِعِلَّةٍ أُخْرَى، وَهِيَ إِلْقَاءُ التَّفَثِ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنَ التَّحَلُّلِ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْفِدْيَةَ عَلَى الْمَرِيضِ، أَوْ مَنْ بِرَأْسِهِ أَذًى إِذَا حَلَقَ قَبْلَ مَحِلِّ الْحَلْقِ، مَعَ جَوَازِ ذَلِكَ لَهُ لِضَرُورَتِهِ، فَكَيْفَ بِالْجَاهِلِ وَالنَّاسِي؟ وَخَصَّ مِنْهُ أَيْضًا تَقْدِيمَ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ لِئَلَّا يَكُونَ وَسِيلَةً إِلَى النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ: " «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» " وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ زِيَادَةُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، فَلَا يَلْزَمُهُ زِيَادَةُ غَيْرِهِ، وَهُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي ابْنِ شِهَابٍ، وَمَحَلُّ قَبُولِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مَنْ لَمْ يَزِدْهَا أَوْثَقَ مِنْهُ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ الَّذِي رَوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَإِنْ كَانَ صَدُوقًا، وَرَوَى لَهُ الشَّيْخَانِ، لَكِنَّهُ يُخْطِئُ بَلْ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ فِي تَضْعِيفِهِ، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَتَكَلَّمُ فِيهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: إِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا، فَلَا لِقَوْلِهِ: لَمْ أَشْعُرْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَوْ وَجَبَ لَمَا سَقَطَ بِالسَّهْوِ، كَالتَّرْتِيبِ بَيْنَ السَّعْيِ وَالطَّوَافِ، إِذْ لَوْ سَعَى قَبْلَهُ وَجَبَتْ إِعَادَةُ السَّعْيِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مَا قَالَهُ أَحْمَدُ قَوِيٌّ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَجِّ لِقَوْلِهِ: " «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» "، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُرَخَّصَةُ قَدْ قُرِنَتْ بِقَوْلِ السَّائِلِ: لَمْ أَشْعُرْ، فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ، وَتَبْقَى حَالَةُ الْعَمْدِ عَلَى أَصْلِ وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ فِي الْحَجِّ، وَأَيْضًا الْحُكْمُ إِذَا رُتِّبَ عَلَى وَصْفٍ يُمْكِنُ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ لَمْ يَجُزْ طَرْحُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ الشُّعُورِ وَصْفٌ مُنَاسِبٌ لِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ، وَقَدْ عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ، فَلَا يُمْكِنُ طَرْحُهُ بِإِلْحَاقِ الْعَمْدِ بِهِ إِذْ لَا يُسَاوِيهِ، وَالتَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ: فَمَا سُئِلَ. . . إِلَخْ، لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ مُطْلَقًا غَيْرُ مُرَاعًى جَوَابُهُ، إِنَّ هَذَا الْإِخْبَارَ مِنَ الرَّاوِي يَتَعَلَّقُ بِمَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 وَهُوَ مُطْلَقٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالَةِ السَّائِلِ، وَالْمُطْلَقُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ الْخَاصَّيْنِ، فَلَا يَبْقَى فِيهِ حُجَّةٌ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ، انْتَهَى. وَفِيهِ وُجُوبُ اتِّبَاعِ أَفْعَالِهِ، لِأَنَّ الَّذِينَ خَالَفُوهُ لَمَّا عَلِمُوا سَأَلُوا عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ وَجَوَازِ سُؤَالِ الْعَالِمِ وَاقِفًا وَرَاكِبًا، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ كَرَاهَةِ ذِكْرِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ فِي الطَّرِيقِ، لِأَنَّ الْوُقُوفَ بِمِنًى لَا يُعَدُّ مِنَ الطُّرُقِ، لِأَنَّهُ مَوْقِفُ عِبَادَةٍ وَذَكَرَ وَوَقَّتَ - حَاجَةً إِلَى التَّعَلُّمِ خَوْفَ الْفَوَاتِ - إِمَّا بِالزَّمَانِ أَوِ الْمَكَانِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِلْمِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَهُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ»   960 - 943 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا قَفَلَ) بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ، بِزِنَةٍ رَجَعَ، وَمَعْنَاهُ: ( «مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ» ) اللَّهَ تَعَالَى (عَلَى كُلِّ شَرَفٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ ثُمَّ فَاءٍ، أَيْ مَكَانٍ عَالٍ (مِنَ الْأَرْضِ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ: إِذَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ، أَيِ ارْتَفَعَ عَلَى ثَنِيَّةٍ، بِمُثَلَّثَةٍ فُنُونٍ فَتَحْتِيَّةٍ، هِيَ الْعَقَبَةُ، وَفَدْفَدٌ بِفَتْحِ الْفَاءَيْنِ بَعْدَ كُلِّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ، الْأَشْهُرُ أَنَّهُ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، وَقِيلَ: الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ، وَقِيلَ: الْفَلَاةُ الْخَالِيَةُ مِنْ شَجَرٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: غَلِيظُ الْأَوْدِيَةِ ذَاتِ الْحَصَى. (ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ: وَجْهُ التَّكْبِيرِ عَلَى الْأَمَاكِنِ الْعَالِيَةِ هُوَ نَدْبُ الذِّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدِ الْأَحْوَالِ وَالتَّقَلُّبَاتِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرَاعِي ذَلِكَ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: مُنَاسَبَتُهُ أَنَّ الِاسْتِعْلَاءَ مَحْبُوبٌ لِلنَّفْسِ، وَفِيهِ ظُهُورٌ وَغَلَبَةٌ، فَيَنْبَغِي لِلْمُتَلَبِّسِ بِهِ أَنْ يَذْكُرَ عِنْدَهُ أَنَّ اللَّهَ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ، وَيَسْتَمْطِرُ مِنْهُ الْمَزِيدَ. (ثُمَّ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ بِلَا، أَوْ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي الْخَبَرِ الْمُقَدَّرِ، أَوْ مِنِ اسْمِ لَا بِاعْتِبَارِ مَحَلِّهِ قَبْلَ دُخُولِهَا (وَحْدَهُ) حَالٌ، أَيْ مُنْفَرِدٌ (لَا شَرِيكَ لَهُ) عَقْلًا لِاسْتِحَالَتِهِ، وَنَقْلًا: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ الْآيَةُ: 163) فِي آيَاتٍ أُخَرَ، وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِوَحْدَهُ، لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِهَا لَا شَرِيكَ لَهُ (لَهُ الْمُلْكُ) بِضَمِّ الْمِيمِ، السُّلْطَانُ وَالْقُدْرَةُ وَأَصْنَافُ الْمَخْلُوقَاتِ (وَلَهُ الْحَمْدُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: " «يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ» " (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ) قَالَ الْحَافِظُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي بِهَذَا الذِّكْرِ عَقِبَ التَّكْبِيرِ عَلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُكْمِلُ الذِّكْرَ مُطْلَقًا، ثُمَّ يَأْتِي بِالتَّسْبِيحِ إِذَا هَبَطَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفِي تَعْقِيبِ التَّكْبِيرِ بِالتَّهْلِيلِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ الحديث: 960 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 بِإِيجَادِ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ، وَأَنَّهُ الْمَعْبُودُ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ. (آيِبُونَ) بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ نَحْنُ آيِبُونَ، جَمْعُ آيِبٍ بِوَزْنِ رَاجِعٍ، وَمَعْنَاهُ: أَيْ رَاجِعُونَ إِلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِخْبَارُ بِمَحْضِ الرُّجُوعِ، فَإِنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، بَلِ الرُّجُوعُ فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهِيَ تَلَبُسُهُمْ بِالْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَالِاتِّصَافِ بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ (تَائِبُونَ) مِنَ التَّوْبَةِ، وَهِيَ الرُّجُوعُ عَمَّا هُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا إِلَى مَا هُوَ مَحْمُودٌ شَرْعًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّقْصِيرِ فِي الْعِبَادَةِ، وَقَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَاضُعًا، أَوْ تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ، أَوِ الْمُرَادُ أُمَّتُهُ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ التَّوْبَةُ لِإِرَادَةِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الطَّاعَةِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ. ( «عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» ) كُلُّهَا رَفْعٌ بِتَقْدِيرِ: نَحْنُ، وَقَوْلُهُ: لِرَبِّنَا مُتَعَلِّقٌ بِسَاجِدُونَ، أَوْ بِسَائِرِ الصِّفَاتِ عَلَى طَرِيقِ التَّنَازُعِ. (صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ) فِيمَا وَعَدَ بِهِ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ بِقَوْلِهِ: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً} [الفتح: 20] (سُورَةُ الْفَتْحِ: الْآيَةُ 20) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: 55] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ: 55) الْآيَةَ. وَهَذَا فِي سَفَرِ الْغَزْوِ، وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قَوْلُهُ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] (سُورَةُ الْفَتْحِ: الْآيَةُ 27) (وَنَصَرَ عَبْدَهُ) مُحَمَّدًا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ، وَلَا سَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِمْ، وَهَذَا مَعْنَى الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ وَفِعْلَهُ خَلْقٌ لِرَبِّهِ، وَالْكُلُّ مِنْهُ وَإِلَيْهِ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُبِيدَ الْكُفَّارَ بِلَا قِتَالٍ لَفَعَلَ، وَفِيهِ التَّفْوِيضُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، قِيلَ الْأَحْزَابُ هُنَا: كُفَّارُ قُرَيْشٍ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ، الَّذِينَ تَحَزَّبُوا، أَيْ تَجَمَّعُوا فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَنَزَلَ فِيهِمْ سُورَةُ الْأَحْزَابِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، أَيْ أَحْزَابُ الْكُفَّارِ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ وَالْمَوَاطِنِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ قِيلَ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ هَذَا الذِّكْرَ، إِنَّمَا شُرِعَ مِنْ بَعْدِ الْخَنْدَقِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ غَزَوَاتِهِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بِنَفْسِهِ مَحْصُورَةٌ، وَالْمُطَابِقُ مِنْهَا لِذَلِكَ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب: 25] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 25) وَقَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ: {إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلَنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 9) الْآيَةَ. وَأَصْلُ الْحِزْبِ: الْقِطْعَةُ الْمُجْتَمِعَةُ مِنَ النَّاسِ، فَاللَّامُ إِمَّا جِنْسِيَّةٌ، أَيْ كُلُّ مَنْ تَحَزَّبَ مِنَ الْكُفَّارِ، وَإِمَّا عَهْدِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ: مَنْ تَقَدَّمَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ، أَيِ اللَّهُمَّ اهْزِمِ الْأَحْزَابَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. ثُمَّ ظَاهَرُ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ قَوْلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَفَرٍ طَاعَةً كَصِلَةِ رَحِمٍ، وَطَلَبِ عِلْمٍ لِمَا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ مِنِ اسْمِ الطَّاعَةِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الصَّحَابِيُّ عَلَى الثَّلَاثِ لِانْحِصَارِ سَفَرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا، وَقِيلَ: يَتَعَدَّى أَيْضًا إِلَى السَّفَرِ الْمُبَاحِ، لِأَنَّ الْمُسَافِرَ فِيهِ لَا ثَوَابَ لَهُ، فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا يُحَصِّلُ لَهُ الثَّوَابَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 وَقِيلَ: يُشْرَعُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَيْضًا، لِأَنَّ مُرْتَكِبَهَا أَحْوَجُ إِلَى تَحْصِيلِ الثَّوَابِ مَنْ غَيْرِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا يَخُصُّهُ بِسَفَرِ الطَّاعَةِ لَا يُمْنَعُ مَنْ سَافَرَ فِي مُبَاحٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ مِنَ الْإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي خُصُوصِ هَذَا الذِّكْرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمَخْصُوصِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى الِاخْتِصَاصِ لِكَوْنِهَا عِبَادَاتٍ مَخْصُوصَةً، شُرِعَ لَهَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ، فَتُخْتَصُّ بِهِ كَالذِّكْرِ الْمَأْثُورِ عَقِبَ الْأَذَانِ، وَعَقِبَ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَفِيهِ جَوَازُ السَّجْعِ فِي الدُّعَاءِ بِلَا تَكَلُّفٍ، وَإِنَّمَا يُنْهَى عَنِ الْمُتَكَلَّفِ، لِأَنَّهُ يَشْغَلُ عَنِ الْإِخْلَاصِ، وَيَقْدَحُ فِي النِّيَّةِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَفِيهِ الدَّعَوَاتُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَأَيُّوبُ وَالضَّحَّاكُ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ فِي مِحَفَّتِهَا فَقِيلَ لَهَا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْ بِضَبْعَيْ صَبِيٍّ كَانَ مَعَهَا فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ»   961 - 944 - (مَالِكٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ) بِالْقَافِ، ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَسَدِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا السُّفْيَانَانِ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَآخَرُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ثِقَةٌ حُجَّةٌ أَسَنُّ مِنْ أَخِيهِ مُوسَى، وَمُحَمَّدٌ أَسَنُّ مِنْهُ، وَسَمِعَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَهِيَ مِنَ الْمُبَايِعَاتِ، وَزَعَمَ ابْنُ مَعِينٍ أَنَّهُمْ مَوَالِيهَا، لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ مَوَالِي آلِ الزُّبَيْرِ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي الْمُوَطَّأِ، مَرْفُوعًا، هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ (عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) مُرْسَلًا، عِنْدَ أَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَوَصَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ وَهْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، فَزَادُوا (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِامْرَأَةٍ) وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: مَنِ الْقَوْمُ؟ فَقَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا» " (وَهِيَ فِي مِحَفَّتِهَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَحُكِيَ فِي الْمَشَارِقِ الْكَسْرُ، وَالْفَتْحُ بِلَا تَرْجِيحٍ شِبْهُ الْهَوْدَجِ إِلَّا أَنَّهُ لَا قُبَّةَ عَلَيْهَا. (فَقِيلَ لَهَا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَتْ بِضَبْعَيْ صَبِيٍّ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْعَيْنَ، مُثَنًّى، وَهُمَا بَاطِنَا السَّاعِدِ (كَانَ مَعَهَا) وَلِأَبِي دَاوُدَ: فَفَزِعَتِ امْرَأَةٌ، فَأَخَذَتْ بِعُضْوِ صَبِيٍّ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا، وَهُوَ بِكَسْرِ الزَّايِ، أَيْ ذُعِرَتْ خَوْفًا أَنْ يَفُوتَهَا الْمُصْطَفَى وَيَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا سُؤَالُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَزَعِ هُنَا: الِاسْتِغَاثَةُ، وَالِالْتِجَاءُ، أَيِ اسْتَغَاثَتْ بِهِ، أَوْ بَادَرَتْ أَوْ قَصَدَتْهُ. ( «فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ» ) لَهُ حَجَّ وَزَادَهَا عَلَى السُّؤَالِ (وَلَكِ أَجْرٌ) تَرْغِيبًا لَهَا. الحديث: 961 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 قَالَ عِيَاضٌ: وَالْأَجْرُ لَهَا فِيمَا تَتَكَلَّفُهُ مِنْ أَمْرِهِ فِي ذَلِكَ وَتَعْلِيمِهِ وَتَجْنِيبِهِ مَا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ. وَقَالَ عُمَرُ وَكَثِيرُونَ: إِنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ وَتُكْتَبُ حَسَنَاتُهُ دُونَ السَّيِّئَاتِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ مُخَاطَبٌ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ، أَوْ إِنَّمَا الْمُخَاطَبُ الْوَلِيُّ بِحَمْلِهِ عَلَى أَدَبِ الشَّرِيعَةِ لِلتَّمْرِينِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَبْعُدُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَدَّخِرُ لِلصَّبِيِّ ثَوَابَ مَا عَمِلَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّبِيُّ الَّذِي يُحْرِمُ عَنْهُ الْوَلِيُّ، الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ الْوَلِيُّ الَّذِي لَهُ النَّظَرُ فِي مَالِهِ مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ قَاضٍ أَوْ نَاظِرٍ، وَلَا يَصِحُّ إِحْرَامُ الْأُمِّ عَنْهُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً أَوْ مُقَدَّمَةً مِنَ الْقَاضِي، وَقِيلَ: يَصِحُّ إِحْرَامُهَا وَإِحْرَامُ الْعُصْبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَظَرٌ فِي الْمَالِ نَقَلَهُ الْأُبِّيُّ وَأَقَرَّهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ الْإِحْرَامِ عَنْهُ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا الصَّبِيَّ كَانَ مُمَيِّزًا فَأَحْرَمَ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يُمَيِّزْ، فَلَعَلَّ لَهُ وَلِيًّا أَحْرَمَ عَنْهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا الَّتِي أَحْرَمَتْ فَلَعَلَّهَا وَلِيَّةُ مَالٍ، وَفِيهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى اسْتِفْتَاءِ الْعُلَمَاءِ، وَالْأَخْذِ عَنْهُمْ قَبْلَ فَوَاتِهِمْ، وَجَوَازُ رُكُوبِ الْمِحَفَّةِ وَالْمَحْمِلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ الرُّكُوبَ عَلَى الْقَتَبِ فِي حَقِّ مَنْ أَطَاقَهُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَحْمِلَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْحَجِّ بِالصِّغَارِ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي كُلِّ قَرْنٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَحُجُّ بِهِمْ، وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُشْتَغَلُ بِهِ، وَلَا يُعْرَجُ عَلَيْهِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ الْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِمْ، بَلْ هُوَ مَرْدُودٌ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَفِيهِ انْعِقَادُ حَجِّ الصَّبِيِّ، وَصِحَّتُهُ، وَوُقُوعُهُ نَفْلًا، وَإِنَّهُ مُثَابٌ عَلَيْهِ فَيَجْتَنِبُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْكَبِيرُ مِمَّا يَمْنَعُهُ الْإِحْرَامُ، وَيَلْزَمُهُ مِنَ الْفِدْيَةِ وَالْهَدْيِ مَا يَلْزَمُهُ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْعَقِدُ، وَإِنَّمَا يُجَنَّبُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَفْعَلُ لِلتَّمْرِينِ لِيَفْعَلَهُ إِذَا بَلَغَ. قَالَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ، وَتَأَوَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ لِلتَّمْرِينِ، وَاحْتِمَالُ أَنَّ الصَّبِيَّ كَانَ بَالِغًا لَا يَصِحُّ إِذْ لَا فَائِدَةَ لِقَوْلِهَا: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ عَلَى أَنَّهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ صُرِّحَ بِأَنَّهُ صَغِيرٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رَفْعُهَا لَهُ، إِذْ لَا يُرْفَعُ الْكَبِيرُ، وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا فَأَخَذَتْ بِضَبْعَيْ صَبِيٍّ وَهِيَ فِي مِحَفَّةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا. قَالَ عِيَاضٌ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إِذَا بَلَغَ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ، إِلَّا فِرْقَةً شَذَّتْ، فَقَالَتْ: يُجْزِئُهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتِ الْعُلَمَاءُ إِلَى قَوْلِهَا. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ دَاوُدَ فِي الْمَمْلُوكِ الْبَالِغِ إِذَا حَجَّ قَبْلَ عِتْقِهِ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ دُونَ الصَّبِيِّ، وَفَرَّقَ بِخِطَابِ الْمَمْلُوكِ عِنْدَهُ بِهِ وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُخَاطَبُ بِالْحَجِّ، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنِ الْفَرْضِ كَالصَّبِيِّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، وَابْنِ وَهْبٍ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 مُصْعَبٍ، الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ مُتَّصِلًا، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِي اتِّصَالِهِ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ كِلَاهُمَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مَوْصُولًا، وَأَخُوهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، رَوَاهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مُتَّصِلًا، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مُرْسَلًا، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنْهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَمَوْصُولًا فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ عَنْهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ كَمَا اخْتُلِفَ عَلَى مَالِكٍ فِي ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْ مَالِكٍ وَشَيْخِهِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، فَإِنَّ الرُّوَاةَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ، فَرَوَاهُ سَحْنُونُ عَنْهُ عَنْ مَالِكٍ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ يُوسُفُ بْنُ عَمْرٍو وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْهُ عَنْ مَالِكٍ مُتَّصِلًا، فَكَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مَالِكٍ بِالْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِالْوَجْهَيْنِ مِنْ طَرِيقِ السُّفْيَانَيْنِ، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ تَرَكَ تَخْرِيجَهُ فِي صَحِيحِهِ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَنْ وَصَلَ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَسْنَدَهُ، فَقَوْلُهُ أَوْلَى وَأَصَحُّ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مُسْنَدٌ ثَابِتُ الِاتِّصَالِ لَا يَضُرُّهُ تَقْصِيرُ مَنْ قَصَّرَ بِهِ لِأَنَّ الَّذِينَ أَسْنَدُوهُ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَصَحَّحَ وَصْلَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ»   962 - 945 - (مَالِكٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، وَاسْمُهُ شِمْرٌ، بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، ابْنُ يَقْظَانَ الْعَقِيلِيُّ، ثُمَّ الشَّامِيُّ يُكَنَّى أَبَا إِسْمَاعِيلَ ثِقَةٌ تَابِعِيٌّ، سَمِعَ أَنَسًا وَأَبُو أُمَامَةَ وَوَائِلَةَ، سَكَنَ الشَّامَ وَبِهَا مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ أَوْ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، لِمَالِكٍ عَنْهُ، مَرْفُوعًا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ كَرِيزٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَزَايٍ مَنْقُوطَةٍ، الْخُزَاعِيِّ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، يُكَنَّى أَبَا الْمُطَرِّفِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ مَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، وَوَهِمَ مَنْ ظَنِّهِ أَحَدَ الْعَشَرَةِ لِأَنَّهُ تَيْمِيٌّ، وَاسْمُ جَدِّهِ عُثْمَانُ، وَهَذَا خُزَاعِيٌّ، وَجَدُّهُ كَرِيزٌ، فَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ، وَزَعَمَ ابْنُ الْحَذَّاءِ أَنَّهُ مِنَ الْغَرَائِبِ الَّتِي لَمْ يُوجَدْ لَهَا إِسْنَادٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ مِنْ قُصُورِهِ الشَّدِيدِ، فَقَدْ وَصَلَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَا رُئِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (الشَّيْطَانُ يَوْمًا) أَيْ فِي يَوْمٍ (هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ) أَيْ أَذَلُّ (وَلَا أَدْحَرُ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالرَّاءِ مُهْمَلَاتٍ، أَيْ أَبْعَدُ عَنِ الْخَيْرِ، قَالَ تَعَالَى: (مَدْحُورًا) (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 18) أَيْ مُبْعَدًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ (وَلَا أَحْقَرُ) : أَذَلُّ وَأَهْوَنُ عِنْدَ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ عِنْدَ النَّاسِ حَقِيرٌ أَبَدًا (وَلَا أَغْيَظُ) : أَشَدُّ غَيْظًا مُحِيطًا بِكَبِدِهِ، وَهُوَ الحديث: 962 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 أَشَدُّ الْحَنَقِ (مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ) أَيِ الْمَلَائِكَةِ النَّازِلِينَ بِهَا عَلَى الْوَاقِفِينَ بِعَرَفَةَ، وَهُوَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - لَا يُحِبُّ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَرَى الرَّحْمَةَ نَفْسَهَا، وَلَعَلَّهُ رَأَى الْمَلَائِكَةَ تَبْسُطُ أَجْنِحَتَهَا بِالدُّعَاءِ لِلْحَاجِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَمِعَ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: غُفِرَ لِهَؤُلَاءِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَعَلِمَ أَنَّهُمْ نَزَلُوا بِالرَّحْمَةِ، وَرُؤْيَتُهُ الْمَلَائِكَةَ لِلْغَيْظِ لَا لِلْإِكْرَامِ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَوْنِيُّ (وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ) الْكَبَائِرِ الَّتِي زَيَّنَهَا لَهُمْ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَكَانَ يَوَدُّ أَنْ يُهْلِكَهُمْ بِهَا وَانْتِقَالَهُمْ مِنْهَا إِلَى الْكُفْرِ، لِأَنَّهَا كَمَا قِيلَ بَرِيدُهُ؛ فَيَخْلُدُوا فِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ مِثْلَهُ (إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ) أَوَّلُ غَزْوَةٍ وَقَعَ فِيهَا الْقِتَالُ، وَكَانَتْ فِي ثَانِيَةِ الْهِجْرَةِ (قِيلَ: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ (إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالزَّايِ الْمَنْقُوطَةِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، أَيْ يَصِفُّ (الْمَلَائِكَةَ) لِلْقِتَالِ وَيَمْنَعُهُمْ أَنْ يَخْرُجَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فِي الصَّفِّ، قَالَ الشَّاعِرُ: وَلَا يَزَعُ النَّفْسُ اللَّحُوحُ عَنِ الْهَوَى ... مِنَ النَّاسِ إِلَّا وَافِرَ الْعَقْلِ كَامِلُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: يَكُفُّهُمْ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذْ لَوْ رَأَى ذَلِكَ لَأَحَبَّهُ، وَلَكِنَّهُ رَآهُ يُعَبِّيهِمْ لِلْقَتَّالِ، وَالْمُعَبِّي يُسَمَّى وَازِعًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 17] (سُورَةُ النَّمْلِ: الْآيَةُ 17) أَيْ يَحْبِسُ أَوَّلَهَمْ عَلَى آخِرِهِمْ، وَفِيهِ فَضْلُ الْحَجِّ وَشُهُودُ عَرَفَةَ وَسِعَةُ فَضْلِ اللَّهِ عَلَى الْمُذْنِبِينَ. وَفِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرُ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبِيدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو وَيَتَجَلَّى ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ» " وَلِأَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا» "، وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: " «مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاجِّينَ جَاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَلَمْ يَرَوْا عِقَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمًا أَكْثَرُ عِتْقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ» "، زَادَ الْبَيْهَقِيُّ: " «فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: إِنَّ فُلَانًا فِيهِمْ، وَهُوَ مُرْهَقٌ، فَيَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُ» ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ»   963 - 946 الحديث: 963 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 (مَالِكٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ) مَيْسَرَةَ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الْعَابِدِ (مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ (ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ) الْقُرَشِيِّ الْمَخْزُومِيِّ الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ) الْخُزَاعِيِّ، فَكَافُهُ مَفْتُوحَةٌ، وَأَمَّا بِضَمِّهَا فَفِي عَبْدِ شَمْسٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ، وَلَا أَحْفَظُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَحَادِيثُ الْفَضَائِلِ لَا يُحْتَاجُ إِلَى مُحْتَجٍّ بِهِ، وَقَدْ جَاءَ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثٍ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ أُخْرِجَ حَدِيثُ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَجَاءَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ وَحَدِيثَ ابْنُ عَمْرٍو: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أَفْضَلُ الدُّعَاءِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ أَعْظَمُهُ ثَوَابًا، وَأَقْرَبُهُ إِجَابَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْيَوْمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْحَاجَّ خَاصَّةً ( «وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي» ) وَلَفْظُ حَدِيثِ عَلِيٍّ: «أَكْثَرُ دُعَائِي وَدُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي بِعَرَفَةَ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) زَادَ فِي حَدِيثٍ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ» ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ يُحْيِي وَيُمِيتُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُرِيدُ أَنَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَفْضَلَ مَا دَعَا بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ فِي تَفْضِيلِ الْأَذْكَارِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَالنَّبِيُّونَ يَدْعُونَ بِأَفْضَلَ الدُّعَاءِ، قَالَ: وَفِيهِ تَفْضِيلُ الدُّعَاءِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَالْأَيَّامِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ الذِّكْرِ لِأَنَّهَا كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ وَالتَّقْوَى، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ آخَرُونَ: أَفْضَلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الشُّكْرِ وَفِيهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ مَا فِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَافْتَتَحَ اللَّهُ كَلَامَهُ بِهِ وَخَتَمَ بِهِ، وَهُوَ آخِرُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَرَوَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ بِمَا قَالَتْ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً، وَسَاقَ جُمْلَةً مِنْهَا فِي التَّمْهِيدِ، وَقَدَّمَ الْإِمَامُ هَذَا الْحَدِيثَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي الدُّعَاءِ، وَقَدَّمْتُ ثَمَّةَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ لِرَزِينِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْأَنْدَلُسِيِّ زِيَادَةٌ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ: أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةٍ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ. . . إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ: حَدِيثٌ لَا أَعْرِفُ حَالَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ صَحَابِيَّهُ، وَلَا مَنْ خَرَّجَهُ بَلْ أَدْرَجَهُ فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ هَذَا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُوطَّآتِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ احْتُمِلَ أَنْ يُرِيدَ بِالسَّبْعِينَ التَّحْدِيدَ أَوِ الْمُبَالَغَةَ فِي الْكَثْرَةِ، وَعَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 كُلِّ حَالٍ مِنْهَا تَثْبُتُ الْمَزِيَّةُ، انْتَهَى. وَفِي الْهَدْيِ لِابْنِ الْقِيَمِ: مَا اسْتَفَاضَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامِّ أَنَّ وَقْفَةَ الْجُمُعَةِ تَعْدِلُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ حَجَّةٍ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ، انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتُلُوهُ» قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ   964 - 947 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَرْفُوعًا مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا مِنْهَا: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) الْأَنْصَارِيِّ خَمْسَةُ أَحَادِيثَ هَذَا ثَالِثُهَا: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ» ) فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ (وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ ثُمَّ رَاءٍ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: مَا يُجْعَلُ مِنْ فَضْلِ دِرْعِ الْحَدِيدِ عَلَى الرَّأْسِ مِثْلُ الْقَلَنْسُوَةِ. وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ: مَا غَطَّى الرَّأْسَ مِنَ السِّلَاحِ كَالْبَيْضَةِ وَشِبْهِهَا مِنْ حَدِيدٍ كَانَ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ زَادَ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ: مِنْ حَدِيدٍ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهُ غَيْرَهُ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَإِلَّا فَقَدَ رَوَاهُ خَارِجَهُ عَشَرَةٌ، عَنْ مَالِكٍ كَذَلِكَ أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ. وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ عَنْ جَابِرٍ: " «دَخَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ» "، وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَقَالَ: إِنَّهُ غَرِيبٌ عَنْ مَالِكٍ، وَلَا مُعَارِضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ، لِإِمْكَانِ أَنَّ الْمِغْفَرَ فَوْقَ الْعِمَامَةِ، انْتَهَى. أَيْ وَهِيَ تَحْتَهُ وِقَايَةً لِرَأْسِهِ مِنْ صَدَأِ الْحَدِيدِ. قَالَ غَيْرُهُ: أَوْ كَانَتِ الْعِمَامَةُ السَّوْدَاءُ مَلْفُوفَةً فَوْقَ الْمِغْفَرِ، إِشَارَةً لِلسُّؤْدُدِ وَثَبَاتِ دِينِهِ وَأَنَّهُ لَا يُغَيَّرُ. وَجَمَعَ عِيَاضٌ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ دُخُولِهِ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، ثُمَّ أَزَالَهُ وَلَبِسَ الْعِمَامَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَكَى كُلٌّ مِنْ أَنَسٍ وَجَابِرٍ مَا رَآهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَكَانَتِ الْخُطْبَةُ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الدُّخُولِ، فَزَعْمُ الْحَاكِمِ فِي الْإِكْلِيلِ تَعَارُضَ الْحَدِيثَيْنِ مُتَعَقَّبٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ التَّعَارُضُ إِذَا لَمْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ، وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ حِسَانٍ (فَلَمَّا نَزَعَهُ) أَيِ الْمِغْفَرَ (جَاءَهُ رَجُلٌ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ يُسَمَّ وَكَأَنَّ مُرَادَهُ فِي رِوَايَةٍ، وَإِلَّا فَقَدَ جَزَمَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ، وَالْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ أَبُو بَرْزَةَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ طَاهِرٍ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ. (فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ خَطَلٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَلَامٍ، اسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى، فَلَمَّا أَسْلَمَ سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ، وَمَنْ قَالَ: اسْمُهُ هِلَالٌ، الْتَبَسَ عَلَيْهِ بِأَخٍ لَهُ يُسَمَّى بِذَلِكَ، وَهُوَ أَحَدُ مَنْ أُهْدِرَ دَمُهُ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَقَالَ: لَا أُؤَمِّنُهُمْ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَمٍ. (مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ) وَذَلِكَ الحديث: 964 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 كَمَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الْحَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلَ عَلَى فَرَسٍ، وَبِيَدِهِ قَنَاةٌ، فَلَمَّا رَأَى خَيْلَ اللَّهِ وَالْقَتْلَ دَخَلَهُ رُعْبٌ حَتَّى مَا يَسْتَمْسِكُ مِنَ الرِّعْدَةِ، فَرَجَعَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْكَعْبَةِ، فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَطَرَحَ سِلَاحَهُ، وَدَخَلَ تَحْتَ أَسْتَارِهَا، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ سِلَاحَهُ وَفَرَسَهُ، فَاسْتَوَى عَلَيْهِ، وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: اقْتُلُوهُ) زَادَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ: فَقُتِلَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَائِذٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَأَخْرَجَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَخْرَجَ مِنْ تَحْتِ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ابْنَ خَطَلٍ، فَضُرِبَتُ عُنُقُهُ صَبْرًا بَيْنَ زَمْزَمَ وَمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ: لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَ هَذَا صَبْرًا» "، رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ فِي أَبِي مَعْشَرٍ مَقَالًا، وَاخْتُلِفَ هَلْ قَاتَلَهُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ، أَوْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، أَوْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أَوْ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، أَوْ أَبُو بَرْزَةَ، بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ ثُمَّ زَايٍ مَنْقُوطَةٍ مَفْتُوحَةٍ، الْأَسْلَمِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ مَا جَاءَ فِي تَعْيِينِ قَاتِلِهِ، وَرَجَّحَهُ الْوَاقِدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْبَلَاذُرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَتُحْمَلُ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةِ لَهُ عَلَى أَنَّهُمُ ابْتَدَرُوا قَتْلَهُ، فَكَانَ الْمُبَاشِرَ مِنْهُمْ أَبُو بَرْزَةَ، وَجَزَمَ ابْنُ هِشَامٍ فِي تَهْذِيبِ السِّيرَةِ بِأَنَّ سَعِيدَ بْنِ حُرَيْثٍ، وَأَبَا بَرْزَةَ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: وَإِنَّمَا أُمِرَ بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ فَبَعَثَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصَدِّقًا، وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى مُسْلِمٌ يَخْدُمُهُ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ تَيْسًا، وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا، وَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِمَكَّةَ، وَاتَّخَذَ قَيْنَتَيْنِ تُغْنِيَانِ لَهُ بِهِجَاءِ النَّبِيِّ. (قَالَ مَالِكٌ) جَوَابًا عَنْ كَوْنِ الْمِغْفَرِ عَلَى رَأْسِهِ: (وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ) أَيْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ (مُحْرِمًا) إِذْ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّهُ تَحَلَّلَ يَوْمَئِذٍ مِنْ إِحْرَامِهِ، وَظَاهِرُهُ الْجَزْمُ بِذَلِكَ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهَا لِلتَّبَرُّكِ وَالتَّقْوِيَةِ. وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ عَنْ مَالِكٍ: وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا نُرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا. وَقَدْ وَرَّاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ جَزْمًا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْقَاطِ: فِيمَا نُرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَصَرَّحَ جَابِرٌ بِمَا جَزَمَ بِهِ مَالِكٌ، أَوْ ظَنَّهُ فَقَالَ: بِغَيْرِ إِحْرَامٍ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَدُخُولُهَا بِلَا إِحْرَامٍ مِنَ الْخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَخَالَفَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَجَازَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمَ مَنْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ إِلَّا بِإِحْرَامٍ، فَإِنْ دَخَلَهَا أَسَاءَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: عَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، وَفِيهِ أَنَّ الْحَرَمَ لَا يُجِيرُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ، وَتَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أُبِيحَ لَهُ الْقَتْلُ بِهَا. وَأُجِيبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 بِأَنَّهُ إِنَّمَا أُبِيحَتْ لَهُ سَاعَةُ الدُّخُولِ حَتَّى اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَقَتَلَ ابْنَ خَطَلٍ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ السَّاعَةَ مَا بَيْنَ أَوَّلِ النَّهَارِ وَدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ، كَمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَقَتْلُ ابْنِ خَطَلٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَطْعًا، لِقَوْلِهِ: فَلَمَّا نَزَعَ الْمِغْفَرَ، وَذَلِكَ عِنْدَ اسْتِقْرَارِهِ بِمَكَّةَ فَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْجَوَابُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْجِهَادِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي الْمَغَازِي عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِي اللِّبَاسِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَمُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ السَّبْعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثٌ انْفَرَدَ بِهِ مَالِكٌ لَا يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ سِوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ، وَلَا يَكَادُ يَصِحُّ. وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا يُثْبِتُ الْعُلَمَاءُ بِالنَّقْلِ إِسْنَادًا غَيْرَ إِسْنَادِ مَالِكٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ مِنْ أَجَلِّهِمُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَكَذَا قَالَ الصَّلَاحُ وَغَيْرُهُ: أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهِ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ فِي نُكَتِهِ، بِأَنَّهُ وَرَدَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَأَبِي أُوَيْسٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ وَابْنِ عَدِيٍّ وَمَعْمَرٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ذَكَرَهُ الْمِزِّيُّ، قَالَ: وَرَوَى ابْنُ مُسْدَى فِي مُعْجَمِ شُيُوخِهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ الْعَرَبِيِّ، قَالَ لِأَبِي جَعْفَرِ بْنِ الْمُرْخِي حِينَ ذَكَرَ: أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَدْ رَوَيْتُهُ مِنْ ثَلَاثَ عَشَرَةَ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ مَالِكٍ فَقَالُوا لَهُ: أَفِدْنَا هَذِهِ الْفَوَائِدَ، فَوَعَدَهُمْ وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُمْ شَيْئًا، قَالَ الْحَافِظُ فِي نُكَتِهِ: قَدِ اسْتَبْعَدَ أَهْلُ إِشْبِيلِيَّةَ قَوْلَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: يَا أَهْلَ حِمْصَ وَمَنْ بِهَا أُوصِيكُمُ ... بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَصِيَّةَ مُشْفِقِ فَخُذُوا عَنِ الْعَرَبِيِّ أَسْمَارَ الدُّجَى ... وَخُذُوا الرِّوَايَةَ عَنْ إِمَامٍ مُتَّقِ إِنَّ الْفَتَى ذَرِبُ اللِّسَانِ مُهَذَّبٌ ... إِنْ لَمْ يَجِدْ خَبَرًا صَحِيحًا يَخْلَقُ وَعَنَى بِأَهْلِ حِمْصَ أَهَّلَ إِشْبِيلِيَّةَ، قَالَ: وَقَدْ تَتَبَّعْتُ الْإِشَارَةَ فَوَجَدْتُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، بَلْ أَزْيَدُ، فَرَوَيْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ شَيْخُنَا - يَعْنِي الْعِرَاقِيَّ - وَرِوَايَةِ مَعْمَرٍ فِي مُعْجَمِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُقْرِيِّ، وَرِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فِي فَوَائِدِ تَمَّامٍ، وَمِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ فِي مُعْجَمِ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ جُمَيْعٍ وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ فِي الْإِرْشَادِ لِلْخَلِيلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ فِي رُوَاةِ مَالِكٍ لِلْخَطِيبِ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى، وَأُسَامَةَ بْنِ اللَّيْثِيِّ فِي الضُّعَفَاءِ لِابْنِ حِبَّانَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِي الْحِلْيَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدٍ أَبِي عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي فَوَائِدِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ الْخُرَاسَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 مُسْنَدِ مَالِكٍ لِابْنِ عَدِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِي فِي الْإِفْرَادِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ، وَبَحْرِ بْنِ كَثِيرٍ السَّقَّاءِ، ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرٌ الْأَنْدَلُسِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ فِي تَخْرِيجٍ لَهُ، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، فَهَؤُلَاءِ سِتَّةَ عَشَرَ نَفْسًا غَيْرَ مَالِكٍ، رَوَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ مُتَابِعًا لِلزَّهْرِيِّ فِي فَوَائِدِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْفَرَّاءِ الْمَوْصِلِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِيِ وَقَّاصٍ وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، وَهُمَا فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمَشْيَخَةِ الْكُبْرَى لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَهُمَا فِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ، فَهَذِهِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، فَكَيْفَ يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَّهِمَ إِمَامًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ؟ يَعْنِي ابْنَ الْعَرَبِيِّ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا اطِّلَاعٍ. وَذَكَرَ نَحْوَهُ فِي الْفَتْحِ، وَزَادَ: لَكِنْ لَيْسَ فِي طُرُقِهِ شَيْءٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ إِلَّا طَرِيقَ مَالِكٍ، وَأَقْرَبُهَا طَرِيقُ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَيَلِيهَا رِوَايَةُ أَبِي أُوَيْسٍ، فَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: انْفَرَدَ بِهِ مَالِكٌ، أَيْ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ تُوبِعَ، أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَمْلُ أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيمَا نَقَلْتُهُ أَوَّلًا عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِقُدَيْدٍ جَاءَهُ خَبَرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ فَرَجَعَ فَدَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ   965 - 948 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ) يُرِيدُ الْمَدِينَةَ (حَتَّى إِذَا كَانَ بِقُدَيْدٍ) بِضَمِّ الْقَافِ (وَجَاءَهُ خَبَرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ) بِالْفِتْنَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ (فَرَجَعَ فَدَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ) لِقُرْبِ الْمَوْضِعِ. الحديث: 965 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ   965 - 949 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِثْلَ ذَلِكَ) وَاحْتَجَّ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَدَاوُدُ وَأَتْبَاعُهُ عَلَى جَوَازِ دُخُولِهَا بِلَا إِحْرَامٍ، وَقَالُوا: إِنَّ مُوجِبَ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ وَلَا اتُّفِقَ عَلَيْهِ، وَأَبَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: لَسْتُ آخُذُ بِقَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ، وَكَرِهَهُ وَقَالَ: إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى مِثْلِ مَا عَمِلَ ابْنُ عُمَرَ مِنَ الْقُرْبِ إِلَّا رَجُلًا يَأْتِي بِالْفَاكِهَةِ مِنَ الطَّائِفِ، أَوْ يَنْقُلُ الْحَطَبَ يَبِيعُهُ، فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: كَرِهَ الْأَكْثَرُ دُخُولَهَا بِلَا إِحْرَامٍ، وَرَخَّصُوا لِلْحَطَّابِينَ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِمَّنْ يَكْثُرُ اخْتِلَافُهُ إِلَى مَكَّةَ وَلِمَنْ خَرَجَ مِنْهَا يُرِيدُ بَلَدَهُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ كَمَا صَنَعَ ابْنُ عُمَرَ. وَأَمَّا مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 سَافَرَ إِلَيْهَا فِي تِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَلَا يَدْخُلْهَا إِلَّا مُحْرِمًا، لِأَنَّهُ يَأْتِي الْحَرَمَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَيْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَهَا مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَمَا دَخَلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ إِلَّا مُحْرِمًا إِلَّا يَوْمَ الْفَتْحِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ عَدَلَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «وَأَنَا نَازِلٌ تَحْتَ سَرْحَةٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ مَا أَنْزَلَكَ تَحْتَ هَذِهِ السَّرْحَةِ فَقُلْتُ أَرَدْتُ ظِلَّهَا فَقَالَ هَلْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقُلْتُ لَا مَا أَنْزَلَنِي إِلَّا ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنْتَ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ مِنْ مِنًى وَنَفَخَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ فَإِنَّ هُنَاكَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ السِّرَرُ بِهِ شَجَرَةٌ سُرَّ تَحْتَهَا سَبْعُونَ نَبِيًّا»   966 - 950 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَلْحَلَةَ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ (الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، الْمَدَنِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ (عَنْ أَبِيهِ) إِنْ لَمْ يَكُنْ عِمْرَانَ بْنَ حَيَّانَ الْأَنْصَارِيَّ أَوْ عِمْرَانَ بْنَ عَوَادَةَ، فَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ (أَنَّهُ قَالَ: عَدَلَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) ابْنِ الْخَطَّابِ (وَأَنَا نَازِلٌ تَحْتَ سَرْحَةٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ، شَجَرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا شِعْبٌ (بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ: مَا أَنْزَلَكَ تَحْتَ هَذِهِ السَّرْحَةِ؟ فَقُلْتُ: أَرَدْتُ ظِلَّهَا، فَقَالَ: هَلْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: لَا، مَا أَنْزَلَنِي) تَحْتَهَا (إِلَّا ذَلِكَ) إِرَادَةُ ظِلِّهَا (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كُنْتَ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ مِنْ مِنًى) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَرَادَ بِهِمَا الْجَبَلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَحْتَ الْعَقَبَةِ بِمِنًى فَوْقَ الْمَسْجِدِ، وَالْأَخَاشِبُ: الْجِبَالُ، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: الْأَخَاشِبُ يُقَالُ إِنَّهَا اسْمٌ لِجِبَالِ مَكَّةَ، وَمِنًى خَاصَّةً (وَنَفَخَ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، أَيْ أَشَارَ (بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ) قَالَ الْبَوْنِيُّ: أَحْسَبُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ظَنَّ أَنَّ عِمْرَانَ يَعْلَمُ الْوَادِيَ الَّذِي فِيهِ الْمُزْدَلِفَةُ، لِذَلِكَ مَا كَرَّرَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ (فَإِنَّ هُنَاكَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ: السُّرَرُ) بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا (بِهِ شَجَرَةٌ سُرَّ تَحْتَهَا سَبْعُونَ نَبِيًّا) أَيْ وُلِدُوا تَحْتَهَا، فَقُطِعَ سُرَّهُمْ، بِالضَّمِّ، وَهُوَ مَا تَقْطَعُهُ الْقَابِلَةُ مِنْ سُرَّةِ الصَّبِيِّ، كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَقَوْلُ السُّيُوطِيِّ: أَيْ قَمَعَتْ سُرَّتَهُمْ إِذْ وُلِدُوا تَحْتَهَا، مَجَازٌ، سُمِّيَ السُّرُّ سُرَّةً لِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ: بُشِّرُوا تَحْتَهَا بِمَا يَسُرُّهُمْ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَهُوَ مِنَ السُّرُورِ، أَيْ تَنَبَّئُوا تَحْتَهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَسُّرُوا بِذَلِكَ وَبِهِ أَقُولُ، وَفِيهِ التَّبَرُّكُ بِمَوَاضِعِ النَّبِيِّينَ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 966 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَجْذُومَةٍ وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ لَهَا يَا أَمَةَ اللَّهِ لَا تُؤْذِي النَّاسَ لَوْ جَلَسْتِ فِي بَيْتِكِ فَجَلَسَتْ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا إِنَّ الَّذِي كَانَ قَدْ نَهَاكِ قَدْ مَاتَ فَاخْرُجِي فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لِأُطِيعَهُ حَيًّا وَأَعْصِيَهُ مَيِّتًا   967 - 951 الحديث: 967 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ) نَسَبُهُ إِلَى جَدِّهِ لِشُهْرَتِهِ، وَإِلَّا فَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ، ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، بِضَمِّهَا، ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ، بِفَتْحِهَا، ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، بِضَمِّ الْمِيمِ، بِالتَّصْغِيرِ، يُقَالُ اسْمُهُ زُهَيْرٌ التَّيْمِيُّ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ، أَدْرَكَ ثَلَاثِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ ثِقَةً فَقِيهًا مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ. (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَجْذُومَةٍ) أَصَابَهَا دَاءُ الْجُذَامِ، يَقْطَعُ اللَّحْمَ وَيُسْقِطُهُ (وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ لَهَا: يَا أَمَةَ اللَّهِ لَا تُؤْذِي النَّاسَ) بِرِيحِ الْجُذَامِ (لَوْ جَلَسْتِ فِي بَيْتِكِ) كَانَ خَيْرًا لَكِ، أَوْ لَوْ لِلتَّمَنِّي، فَلَا جَوَابَ لَهَا (فَجَلَسَتْ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ) لَمْ يُسَمَّ (بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا: إِنَّ الَّذِي قَدْ نَهَاكِ قَدْ مَاتَ، فَاخْرُجِي) لَعَلَّهُ جَاهِلٌ أَوْ رَجُلُ سُوءٍ أَوْ يَكُونُ مُخْتَبِرًا لَهَا، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ. (فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُطِيعَهُ حَيًّا وَأَعْصِيَهُ مَيِّتًا) لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِحَقٍّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ أَنَّهُ يُحَالُ بَيْنَ الْمَجْذُومِ، وَمُخَالَطَةِ النَّاسِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْأَذَى، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا مُنِعَ آكِلُ الثُّومِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رُبَّمَا أُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ، فَمَا ظَنُّكَ بِالْجُذَامِ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ يُعْدِي وَعِنْدَ جَمِيعِهِمْ يُؤْذِي؟ وَأَلَانَ عُمَرُ لِلْمَرْأَةِ الْقَوْلَ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهَا أَنَّهَا تُؤْذِي، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَيْهَا، وَرَحِمَهَا لِلْبَلَاءِ الَّذِي بِهَا، وَقَدْ عُرِفَ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ شَيْئًا لَا يُعْدِي، وَكَانَ يُجَالِسُ مُعَيْقِيبًا الدُّوسِيَّ، وَيُؤَاكِلُهُ وَيُشَارِبُهُ، وَرُبَّمَا وَضَعَ فَمَهُ عَلَى مَوْضِعِ فَمِهِ، وَكَانَ عَلَى بَيْتِ مَالِهِ، وَلَعَلَّهُ عَلِمَ مِنْ عَقْلِهَا وَدِينِهَا أَنَّهَا تَكْتَفِي بِإِشَارَتِهِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى نَهْيِهَا، أَلَمْ تَرَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ تُخْطِ فِرَاسَتُهُ فِيهَا فَأَطَاعَتْهُ حَيًّا وَمَيِّتًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ الْمُلْتَزَمُ   967 - 952 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ الْمُلْتَزَمُ) هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ، عَنْ يَحْيَى، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عُبَيْدِ اللَّهِ: مَا بَيْنَ الرُّكْنِ، وَالْمَقَامِ وَهُوَ خَطَأٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، فَالرِّوَايَةُ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ: وَالْبَابِ. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 " «مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ مُلْتَزَمُ مَنْ دَعَا اللَّهَ عِنْدَهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ أَوْ ذِي كُرْبَةٍ، أَوْ ذِي غَمٍّ، فُرِّجَ عَنْهُ» "، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ مَاجَهْ: «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي طَافَ، ثُمَّ قَالَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، وَكَفَّيْهِ هَكَذَا، وَبَسْطَهُمَا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَأَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَهُ أَيْنَ تُرِيدُ فَقَالَ أَرَدْتُ الْحَجَّ فَقَالَ هَلْ نَزَعَكَ غَيْرُهُ فَقَالَ لَا قَالَ فَأْتَنِفْ الْعَمَلَ قَالَ الرَّجُلُ فَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ فَمَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ إِذَا أَنَا بِالنَّاسِ مُنْقَصِفِينَ عَلَى رَجُلٍ فَضَاغَطْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ فَإِذَا أَنَا بِالشَّيْخِ الَّذِي وَجَدْتُ بِالرَّبَذَةِ يَعْنِي أَبَا ذَرٍّ قَالَ فَلَمَّا رَآنِي عَرَفَنِي فَقَالَ هُوَ الَّذِي حَدَّثْتُكَ   969 - 953 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ (أَنَّهُ سَمِعَهُ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا) لَمْ يُسَمَّ (مَرَّ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (وَأَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَهُ أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقَالَ: أَرَدْتُ الْحَجَّ، فَقَالَ: هَلْ نَزَعَكَ) بِزَايٍ وَمُهْمَلَةٍ أَيْ أَخْرَجَكَ (غَيْرُهُ) قَالَ تَعَالَى: (وَنَزَعَ يَدَهُ) (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 108) أَيْ أَخْرَجَهَا (فَقَالَ: لَا، قَالَ: فَائْتَنِفِ الْعَمَلَ) : اسْتَقْبِلْهُ لِغُفْرِ ذَنْبِكَ، وَمُرَادُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَّا لِلْحَجِّ وَحْدَهُ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ. (قَالَ الرَّجُلُ: فَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَمَكَثْتُ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا، أَقَمْتُ (مَا شَاءَ اللَّهُ) أَنْ أَمْكُثَ (ثُمَّ إِذَا أَنَا بِالنَّاسِ مُنْقَصِفِينَ) أَيْ مُزْدَحِمِينَ (عَلَى رَجُلٍ) حَتَّى كَأَنَّ بَعْضَهُمْ يَقْصِفُ بَعْضًا بِدَارًا إِلَيْهِ (فَضَاغَطْتُ) بِضَادٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَتَيْنِ وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ، زَاحَمْتُ، وَضَايَقْتُ (عَلَيْهِ النَّاسَ) لِأَنْ أَرَاهُ (فَإِذَا أَنَا بِالشَّيْخِ الَّذِي وَجَدْتُ بِالرَّبَذَةِ، يَعْنِي أَبَا ذَرٍّ، قَالَ: فَلَمَّا رَآنِي عَرَفَنِي، فَقَالَ: هُوَ الَّذِي حَدَّثْتُكَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ رَأْيًا، وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالتَّوْقِيفِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ رَضِيَ مِنْ عِبَادِهِ بِقَصْدِ بَيْتِهِ مَرَّةً فِي عُمْرِ الْعَبْدِ، لِيَحُطَّ أَوْزَارَهُ، وَيَغْفِرَ ذُنُوبَهُ، وَيَخْرُجَ مِنْهَا كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» "، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ حَجَّ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ، وَنَفَقَةٍ طَيِّبَةٍ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ مِنَ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ. وَقَدْ سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْهُ، فَقَالَ: وِعَاءٌ مُلِئَ عِلْمًا عَجَزَ النَّاسُ عَنْهُ، وَأُوكِئَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا. وَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى رَكْبٍ صَادِرِينَ مِنَ الْحَجِّ، فَقَالَ: لَوْ الحديث: 969 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 يَعْلَمُ الرَّكْبُ مَا يَنْقَلِبُونَ بِهِ مِنَ الْفَضْلِ بَعْدَ الْمَغْفِرَةِ لَاتَّكَلُوا، وَلَكِنْ لِيَسْتَأْنِفُوا الْعَمَلَ. وَسُئِلَ الثَّوْرِيُّ حِينَ دَفَعَ النَّاسُ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ عَنْ أَخْسَرِ النَّاسِ صَفْقَةً، وَهُوَ يُعَرِّضُ بِالظَّلَمَةِ وَأَهْلِ الْفِسْقِ، فَقَالَ: أَخْسَرُ النَّاسِ صَفْقَةً مَنْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لِهَؤُلَاءِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الْاسْتِثْنَاءِ فِي الْحَجِّ فَقَالَ أَوَ يَصْنَعُ ذَلِكَ أَحَدٌ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يَحْتَشُّ الرَّجُلُ لِدَابَّتِهِ مِنْ الْحَرَمِ فَقَالَ لَا   970 - 954 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْحَجِّ) وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَتَحَلَّلَ حَيْثُ أَصَابَهُ مَانِعٌ (فَقَالَ: أَوَيَصْنَعُ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ) وَإِلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَنَفْعِهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرُونَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ، وَيَقُولُ: " أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا، فَيَهْدِيَ أَوْ يَصُومَ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَذَهَبُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ إِلَى جَوَازِهِ وَنَفْعِهِ، لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَائِشَةَ: " «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ، وَأَنَا شَاكِيَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» " وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ ضُبَاعَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ، وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي، قَالَ: فَأَدْرَكَتْ» "، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ خَاصَّةٌ بِضُبَاعَةَ إِذْ لَا عُمُومَ فِيهَا، وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّحَلُّلُ بِعُمْرَةٍ، وَكَذَلِكَ جَاءَ مُفَسَّرًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ ضُبَاعَةَ أَنْ تَشْتَرِطَ: اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْتُ فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ» "، وَعَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ: " هَلْ تَشْتَرِطُ إِذَا حَجَجْتَ؟ قَالَ: مَاذَا أَقُولُ؟ قَالَتْ: قُلِ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْتُ، وَلَهُ عَمَدْتُ فَإِنْ يَسَّرْتَهُ فَهُوَ الْحَجُّ، وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَهُوَ عُمْرَةٌ "، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. (سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يَحْتَشُّ الرَّجُلُ لِدَابَّتِهِ مِنَ الْحَرَمِ؟ فَقَالَ: لَا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ» "، وَالْخَلَا: مَا يَبُسَ مِنَ النَّبَاتِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِلَّا الْإِذْخِرَ " وَقِيسَ عَلَيْهِ السَّنَا لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ إِلَيْهِ، فَإِنِ احْتَشَّ فَلَا جَزَاءَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْقِيمَةُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَرْعَى الْإِبِلُ فِي الْحَرَمِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَوْ مُنِعَ مِنْهُ امْتَنَعَ السَّفَرُ فِي الْحَرَمِ وَالْمُقَامُ فِيهِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الحديث: 970 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 [بَاب حَجِّ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ] قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّرُورَةِ مِنْ النِّسَاءِ الَّتِي لَمْ تَحُجَّ قَطُّ إِنَّهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ يَخْرُجُ مَعَهَا أَوْ كَانَ لَهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَيْهَا فِي الْحَجِّ لِتَخْرُجْ فِي جَمَاعَةِ النِّسَاءِ   82 - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 - بَابُ حَجِّ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ (قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّرُورَةِ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الرَّاءِ (مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي لَمْ تَحْجُجْ قَطُّ) تَفْسِيرٌ لِلصَّرُورَةِ لَصَرِّهَا النَّفَقَةَ وَإِمْسَاكِهَا، وَيُسَمَّى مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ صَرُورَةً أَيْضًا، لِأَنَّهُ صَرَّ الْمَاءَ فِي ظَهْرِهِ، وَتَبَتَّلَ عَلَى مَذْهَبِ الرَّهْبَانِيَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ: لَوْ أَنَّهَا عَرَضَتْ لِأَشْمَطِ رَاهِبٍ ... عَبَدَ الْإِلَهَ صَرُورَةٍ مُتَلَبِّدِ وَبِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ فُسِّرَ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ مَرْفُوعًا: " «لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ» " وَبِثَالِثٍ وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ يُقْتَلُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي صَرُورَةٌ مَا حَجَجْتُ وَلَا عَرَفْتُ حُرْمَةَ الْحَرَمِ خِلَافًا لِمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ لِوَلِيِّ الدَّمِ: هُوَ صَرُورَةٌ فَلَا تَهِجْهُ (إِنَّهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ يَخْرُجُ مَعَهَا، أَوْ كَانَ لَهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا) لِمَانِعٍ قَامَ بِهِ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَرْضَ (أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَيْهَا فِي الْحَجِّ) بِقَوْلِهِ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 97) فَدَخَلَ فِيهِ النِّسَاءُ (وَلْتَخْرُجْ فِي جَمَاعَةِ النِّسَاءِ) الْمَأْمُونَةِ لِلْفَرْضِ، أَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا تَخْرُجُ إِلَّا مَعَ مَحْرَمٍ، فَلَيْسَ الْمَحْرَمُ أَوِ الزَّوْجُ شَرْطًا فِي وُجُوبِ حَجِّ الْفَرْضِ عَلَيْهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، أَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا تَخْرُجُ إِلَّا مَعَ أَحَدِهِمَا، وَعَلَيْهِ وَعَلَى السَّفَرِ الْمُبَاحِ حُمِلَ حَدِيثُ الْمُوَطَّأِ الْآتِي فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَامِعِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا» " زَادَ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " أَوْ زَوْجٍ " وَيَأْتِي، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، بَسْطُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ بِعَوْنِ اللَّهِ ثَمَّةَ، وَيَدُلُّ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ يَلْزَمُهَا الْخُرُوجُ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، فَكَذَلِكَ تَحُجُّ الْفَرِيضَةَ قِيَاسًا عَلَى الْهِجْرَةِ الَّتِي خُصَّ بِهَا الْحَدِيثُ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا ابْنُ زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ ذَا مَحْرَمٍ مِنْهَا. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَجْهُهُ مَا ثَبَتَ لِلرَّبَائِبِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَقِلَّةِ الْمُرَاعَاةِ وَالْإِشْفَاقِ وَالْحِرْصِ عَلَى طَيِّبِ الذِّكْرِ، قَالَ: وَهَذَا فِي حَالِ الِانْفِرَادِ وَالْعَدَدِ الْيَسِيرِ. أَمَّا الْقَوَافِلُ الْعَظِيمَةُ، وَالطُّرُقُ الْعَامِرَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 الْمَأْمُونَةُ فَهِيَ مِثْلُ الْبِلَادِ، وَالْأَمْنُ يَحْصُلُ لَهَا دُونَ نِسَاءٍ وَذِي مَحْرَمٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ هَذَا الْقَيْدَ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 [بَاب صِيَامِ التَّمَتُّعِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا مَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى   83 - بَابُ صِيَامِ الْمُتَمَتِّعِ 972 - 955 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ) أَيْ بِسَبَبِ فَرَاغِهِ مِنْهَا بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ (إِلَى الْحَجِّ) أَيِ الْإِحْرَامِ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِهَا فِي أَشْهُرِهِ (لِمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 196) (مَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ) لِأَنَّهُ إِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ لَزِمَهُ الْهَدْيُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ، وَقَبْلَ الْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَلَمْ يُجَزْ لَهُ الصَّوْمُ قَبْلَ الْوُجُوبِ، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ نَحْوُ هَدْيِ التَّمَتُّعِ حِينَئِذٍ. (فَإِنْ لَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى) الثَّلَاثَةَ الَّتِي تَلِي يَوْمَ النَّحْرِ، يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُرِيدُ أَنَّ الصِّيَامَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَبْرَأُ لِلذِّمَّةِ، وَذَلِكَ مَأْمُورٌ بِهِ، أَوْ تَرَاهُ وَقْتَ أَدَاءٍ أَوْ أَيَّامَ مِنًى وَقْتَ قَضَاءٍ، وَأَنَّ صِيَامَ مَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ مُبَاحٌ لِكُلِّ مُرِيدِ الصَّوْمِ، وَصِيَامُ أَيَّامِ مِنًى مَمْنُوعَةٌ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ لِمَنْ لَمْ يَصُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ صَوْمُهُ فِي حَجٍّ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَبَعْدَ مِنًى لَا يَكُونُ الصَّوْمُ فِي الْحَجِّ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إِنَّهَا قَضَاءٌ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا أَدَاءٌ، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ قَبْلَهَا أَفْضَلَ، كَأَدَاءِ الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الحديث: 972 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا   972 - 956 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ) أَبِيهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) وَمَرَّ أَنَّ ثَانِيَ النَّحْرِ وَثَالِثَهُ لَا يَصُومُهُمَا إِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 لِلتَّمَتُّعِ، وَرَابِعَهُ يَصُومُهُ مَنْ نَذَرَهُ، وَفَرَّقَ الْبَاجِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ بِالْحَجِّ، لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَجَّلُ قَبْلَهُ، وَلَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ فِي الْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ. وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ زُرْقُونَ بِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَمْنَعُ الصَّوْمَ، وَمُعْظَمُهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَجُوزُ صَوْمُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لِأَنَّهَا عِيدٌ وَلِحَدِيثِ: " «إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» " ثُمَّ عَقَّبَ الْحَجَّ بِالْجِهَادِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ سَفَرًا فِي طَاعَةٍ، وَفِي كُلٍّ مَشَقَّةٌ وَثَوَابٌ عَظِيمٌ فَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 [كِتَاب الْجِهَادِ] [بَاب التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْجِهَادِ بَاب التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ حَتَّى يَرْجِعَ»   21 - كِتَابُ الْجِهَادِ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَصْلُهُ الْمَشَقَّةُ، يُقَالُ: جَهِدْتُ جِهَادًا بَلَغْتُ الْمَشَقَّةَ، وَشَرْعًا: بَذْلُ الْجُهْدِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ. وَيُطْلَقُ عَلَى مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ بِتَعَلُّمِ أُمُورِ الدِّينِ ثُمَّ الْعَمَلِ بِهَا ثُمَّ عَلَى تَعْلِيمِهَا، وَعَلَى مُجَاهَدَةِ الشَّيْطَانِ بِدَفْعِ مَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ وَمَا يُزَيِّنُهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ، وَعَلَى مُجَاهَدَةِ الْفُسَّاقِ بِالْيَدِ ثُمَّ اللِّسَانِ ثُمَّ الْقَلْبِ. وَأَمَّا مُجَاهَدَةُ الْكُفَّارِ فَبِالْيَدِ وَالْمَالِ وَاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، وَشُرِعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ اتِّفَاقًا. وَلِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ: هَلْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ؟ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَيُؤَيِّدُهُ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ عَلَى كُلِّ مَنْ أَسْلَمَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِنَصْرِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: كَانَ عَيْنًا عَلَى الْأَنْصَارِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مُبَايَعَتُهُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى أَنْ يُؤْوُهُ وَيَنْصُرُوهُ، فَتَخَرَّجَ مِنْ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ كِفَايَةً فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي حَقِّ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى التَّعْمِيمِ، بَلْ فِي حَقِّ الْأَنْصَارِ إِذَا طَرَقَ الْمَدِينَةَ طَارِقٌ، وَفِي حَقِّ الْمُهَاجِرِينَ إِذَا أُرِيدَ قِتَالُ أَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ ابْتِدَاءً، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ وَقَدْ كَانَ عَيْنًا فِي الْغَزْوَةِ الَّتِي يَخْرُجُ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى مَنْ عَيَّنَهُ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ كَأَنْ يَدْهَمَ الْعَدُوُّ، وَبِتَعْيِينِ الْإِمَامِ، وَتَتَأَدَّى الْكِفَايَةُ بِفِعْلِهِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ بَدَلٌ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً اتِّفَاقًا فَبَدَلُهَا كَذَلِكَ، وَقِيلَ: يَجِبُ كُلَّمَا أَمْكَنَ وَهُوَ قَوِيٌّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ جِهَادَ الْكُفَّارِ مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِمَّا بِيَدِهِ وَإِمَّا بِلِسَانِهِ وَإِمَّا بِمَالِهِ وَإِمَّا بِقَلْبِهِ. 1 - بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ 973 - 957 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) - بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) الحديث: 973 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) زَادَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ» " أَيْ يَعْقِدُ نِيَّتَهُ إِنْ كَانَتْ خَالِصَةً لِإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ فَذَلِكَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي نِيَّتِهِ حُبُّ الْمَالِ وَالدُّنْيَا وَاكْتِسَابُ الذِّكْرِ فَقَدْ أَشْرَكَ مَعَ سَبِيلِ اللَّهِ الدُّنْيَا. (كَمَثَلِ الصَّائِمِ) نَهَارَهُ (الْقَائِمِ) لَيْلَهُ لِلصَّلَاةِ (الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ) بِضَمِّ التَّاءِ لَا يَضْعُفُ وَلَا يَنْكَسِرُ (مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ) تَطَوُّعًا، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَأَجْرُهُ مُسْتَمِرٌّ، فَكَذَلِكَ الْمُجَاهِدُ لَا تَضِيعُ سَاعَةٌ مِنْ سَاعَاتِهِ بِلَا ثَوَابٍ (حَتَّى يَرْجِعَ) مِنْ جِهَادِهِ. قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ} [التوبة: 120] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 120) الْآيَتَيْنِ، وَمَثَّلَهُ بِالصَّائِمِ الْقَائِمِ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ لِنَفْسِهِ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَاللَّذَّاتِ، وَالْمُجَاهِدُ مُمْسِكٌ لَهَا عَلَى مُحَارَبَةِ الْعَدُوِّ، حَابِسٌ لَهَا عَلَى مَنْ يُقَاتِلُهُ. قَالَ الْبَوْنِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ ضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يَسْتَطِيعُ كَوْنَهُ قَائِمًا مُصَلِّيًا لَا يَفْتُرُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّكْثِيرَ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ. زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: الْخَاشِعِ الرَّاكِعِ السَّاجِدِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: أَحَالَ ثَوَابَ الْجِهَادِ عَلَى الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْرِفُ مِقْدَارَهُ لِمَا قَرَّرَ الشَّرْعُ مِنْ كَثْرَتِهِ وَعَرَّفَ مِنْ عِظَمِهِ. قَالَ عِيَاضٌ: هَذَا تَفْخِيمٌ عَظِيمٌ لِلْجِهَادِ ; لِأَنَّ الصِّيَامَ وَغَيْرَهُ مِمَّا ذُكِرَ مِنَ الْفَضَائِلِ قَدْ عَدَلَهَا كُلَّهَا الْجِهَادُ حَتَّى صَارَتْ جَمِيعُ حَالَاتِ الْمُجَاهِدِ وَتَصَرُّفَاتِهِ الْمُبَاحَةِ تَعْدِلُ أَجْرَ الْمُوَاظِبِ عَلَى الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَفِيهِ أَنَّ الْفَضَائِلَ لَا تُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا هِيَ إِحْسَانٌ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ شَاءَهُ، انْتَهَى. ثُمَّ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْخَبَرِ الْمَارِّ: " «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ؟ إِلَى أَنْ قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ» "، إِمَّا لِأَنَّ الْمُرَادَ الذِّكْرُ الْكَامِلُ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ذِكْرُ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ بِالشُّكْرِ وَاسْتِحْضَارِ عَظَمَةِ الرَّبِّ وَهَذَا لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ، وَفَضْلُ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذِكْرِ اللِّسَانِ الْمُجَرَّدِ بِاعْتِبَارِ أَحْوَالِ الْمُخَاطَبِينَ كَمَا مَرَّ مَعَ مَزِيدِ حُسْنٍ فِي بَابِ ذِكْرِ اللَّهِ مِنْ أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الَّتِي هِيَ وَسَائِلُ ; لِأَنَّ الْجِهَادَ وَسِيلَةٌ إِلَى إِعْلَانِ الدِّينِ وَنَشْرِهِ وَإِخْمَادِ الْكُفْرِ وَدَحْضِهِ، فَفَضْلُهُ بِحَسَبِ فَضْلِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ» " فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ عُمُومَ حَدِيثِ الْبَابِ، أَوْ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ خَرَجَ قَاصِدًا الْمُخَاطَرَةَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَأُصِيبَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ»   974 - 958 الحديث: 974 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: تَكَفَّلَ اللَّهُ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " تَضَمَّنَ اللَّهُ " وَلِلْبُخَارِيِّ: " انْتَدَبَ اللَّهُ " وَكُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، الْوَعْدُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 111) وَذَلِكَ التَّحَقُّقُ عَنْ وَجْهِ الْفَضْلِ مِنْهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَعَبَّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَفَضُّلِهِ تَعَالَى بِالثَّوَابِ بِلَفْظِ الضَّمَانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُخَاطَبِينَ فِيمَا تَطْمَئِنُّ بِهِ نُفُوسُهُمْ (لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ) الْكُفَّارَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَرْعًا وَإِنْ كَانَتْ جَمِيعُ أَعْمَالِ الْبِرِّ فِي سَبِيلِهِ (لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ) وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ قَالَ: " «أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِي ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ضَمِنْتُ إِنْ رَجَعْتُهُ أَنْ أَرْجِعَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» " الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ يَقُولُ: " «إِلَّا الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِي هُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ إِنْ رَجَعْتُهُ رَجَعْتُهُ بِأَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» " الْحَدِيثَ. (وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ كَلِمَةِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَقِيلَ تَصْدِيقُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَخْبَارِ لِلْمُجَاهِدِينَ مِنْ عَظِيمِ الثَّوَابِ، قَالَ: وَالْمَعْنَى لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا مَحْضُ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى (أَنْ يُدْخِلَهُ) إِنِ اسْتُشْهِدَ (الْجَنَّةَ) بِلَا حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ وَلَا مُؤَاخَذَةٍ بِذَنْبٍ، فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ مُكَفِّرَةً لِذُنُوبِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، أَوِ الْمُرَادُ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ سَاعَةَ مَوْتِهِ كَمَا وَرَدَ أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ. وَقَالَ تَعَالَى: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 169) قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ دَفْعًا لِإِيرَادِ مَنْ قَالَ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الشَّهِيدِ وَالرَّاجِعِ سَالِمًا لِأَنَّ حُصُولَ الْأَجْرِ يَسْتَلْزِمُ دُخُولَ الْجَنَّةِ، وَمُحَصَّلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ دُخُولٌ خَاصٌّ. (أَوْ يَرُدَّهُ) عَطْفًا عَلَى " يُدْخِلَهُ "، وَفِي رِوَايَةِ الْأُوَيْسِيِّ " أَوْ يَرْجِعَهُ " بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالنَّصْبِ (إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ) خَالِصٍ إِنْ لَمْ يَغْنَمْ شَيْئًا (أَوْ غَنِيمَةٍ) مَعَ أَجْرٍ وَكَأَنَّهُ سَكَتَ عَنْهُ لِنَقْصِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَجْرِ الَّذِي بِلَا غَنِيمَةٍ، وَالْحَامِلُ عَنِ التَّأْوِيلِ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا غَنِمَ لَا أَجْرَ لَهُ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ لِأَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْغَنِيمَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَتَمُّ أَجْرًا عِنْدَ وُجُودِهَا، فَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 الْحِرْمَانِ لَا فِي نَفْيِ الْجَمْعِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُجَاهِدَ إِمَّا أَنْ يَتَشَهَّدَ أَوْ لَا، وَالثَّانِي لَا يَنْفَكُّ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ مَعَ إِمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا، فَالْقَضِيَّةُ مَانِعَةُ خُلُوٍّ لَا مَانِعَةُ جَمْعٍ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقُرْطُبِيُّ وَرَجَّحَهُ التُّورِبِشْتِيُّ، وَقَدْ وَقَعَ بِالْوَاوِ لِيَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ فِي الْمُوَطَّأِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ مَقَالٌ وَلَمْ يُخْتَلَفْ رِوَايَةً فِي أَنَّهَا بِأَوْ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِالْوَاوِ، وَلَكِنْ رَوَاهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنْ يَحْيَى بِأَوْ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ مِينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بِالْوَاوِ وَقَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مَحْفُوظَةً تَعَيَّنَ أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ نُحَاةِ الْكُوفِيِّينَ، لَكِنْ فِيهِ إِشْكَالٌ صَعْبٌ لِاقْتِضَائِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وُقُوعَ الضَّمَانِ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لِكُلِّ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْغُزَاةِ يَرْجِعُ بِلَا غَنِيمَةٍ، فَمَا فَرَّ مِنْهُ مُدَّعًى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَقَعَ فِي نَظِيرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى ظَاهِرِهَا إِنْ رَجَعَ بِغَنِيمَةٍ رَجَعَ بِلَا أَجْرٍ، كَمَا يَلْزَمُ عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ أَنَّ كُلَّ غَازٍ يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ مَعًا انْتَهَى. وَهَذَا الْإِشْكَالُ لِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَأَجَابَ الدَّمَامِينِيُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَرِدُ إِذَا كَانَ الْقَائِلُ إِنَّهَا لِلتَّقْسِيمِ قَدْ فَسَّرَ الْمُرَادَ بِمَا ذَكَرَهُ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ إِنْ فَاتَتْهُ الْغَنِيمَةُ. . . إِلَخْ. وَأَمَّا إِنْ سَكَتَ عَنْهُ فَلَا يَتَّجِهُ الْإِشْكَالُ، إِذْ يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ أَنْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ وَحْدَهُ أَوْ غَنِيمَةٍ وَأَجْرٍ كَمَا مَرَّ، وَالتَّقْسِيمُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ صَحِيحٌ وَالْإِشْكَالُ سَاقِطٌ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهَا لِلتَّقْسِيمِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فَلَهُ الْأَجْرُ إِنْ فَاتَتْهُ الْغَنِيمَةُ، وَإِنْ حَصَلَتْ فَلَا لَمْ يَرِدِ الْإِشْكَالُ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ تَنْكِيرَ أَجْرٍ لِتَعْظِيمِهِ وَيُرَادُ بِهِ الْأَجْرُ الْكَامِلُ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ إِنْ فَاتَتْهُ الْغَنِيمَةُ الْأَجْرُ الْكَامِلُ، وَإِنْ حَصَلَتْ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا الْأَجْرُ الْمَخْصُوصُ وَهُوَ الْكَامِلُ فَلَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ مُطْلَقِ الْأَجْرِ عَنْهُ انْتَهَى. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي مَرْفُوعًا: " «مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ وَيَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ فَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا يُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ وَأَنَّ الَّذِي يَغْنَمُ يَرْجِعُ بِأَجْرٍ لَكِنَّهُ أَنْقَصُ مِنْ أَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ فَتَكُونُ الْغَنِيمَةُ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْغَزْوِ فَإِذَا قُوبِلَ أَجْرُ الْغَانِمِ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَتَمَتُّعِهِ بِهِ بِأَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ كَانَ أَجْرُ مَنْ غَنِمَ دُونَ أَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ خَبَّابٍ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا» " وَاسْتُشْكِلَ نَقْصُ ثَوَابِ الْمُجَاهِدِ بِأَخْذِ الْغَنِيمَةِ بِمُخَالَفَتِهِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ وَاشْتُهِرَ مِنْ تَمَدُّحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحِلِّ الْغَنِيمَةِ وَجَعْلِهَا مِنْ فَضَائِلِ أُمَّتِهِ، فَلَوْ نَقَصَتِ الْأَجْرَ مَا وَقَعَ التَّمَدُّحُ بِهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ أَجْرَ أَهْلِ بَدْرٍ أَنْقَصُ مِنْ أَجْرِ أَهْلِ أُحُدٍ مَثَلًا، مَعَ أَنَّ أَهْلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 بَدْرٍ أَفْضَلُ بِاتِّفَاقٍ، ذَكَرَ هَذَا الِاسْتِشْكَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَحَكَاهُ عِيَاضٌ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَجَابَ بِضَعْفِ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدِ بْنِ هَانِئٍ وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَهَذَا مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُمَا وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ تَجْرِيحٌ لِأَحَدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ نَقْصَ الْأَجْرِ عَلَى غَنِيمَةٍ أُخِذَتْ عَلَى غَيْرِهَا، وَظُهُورُ فَسَادِ هَذَا الْوَجْهِ يُغْنِي عَنْ رَدِّهِ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ ثُلُثُ أَجْرٍ وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَنْ قَصَدَ الْغَنِيمَةَ فِي ابْتِدَاءِ جِهَادِهِ وَحَمَلَ تَمَامَهُ عَلَى مَنْ قَصَدَ الْجِهَادَ مَحْضًا وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا الْقِسْمَ رَاجِعٌ إِلَى مَنْ أَخْلَصَ لِقَوْلِهِ: لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ. . . إِلَخْ وَقَالَ عِيَاضٌ: الْوَجْهُ عِنْدِي إِجْرَاءُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا وَاسْتِعْمَالُهُمَا عَلَى وَجْهِهِمَا وَلَمْ يُجِبْ عَنِ الْإِشْكَالِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَهْلِ بَدْرٍ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بَلِ الْحُكْمُ فِيهِمَا جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْأُجُورَ تَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ زِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ لِأَنَّ لَهَا دَخْلًا فِي الْأَجْرِ، وَإِنَّمَا الْمُشْكِلُ الْعَمَلُ الْمُتَّصِلُ بِأَخْذِ الْغَنَائِمِ، يَعْنِي فَلَوْ نَقَصَتِ الْأَجْرَ لَمَا كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يُثَابِرُونَ عَلَيْهَا، فَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْ جِهَةِ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْمَصَالِحِ الْجُزْئِيَّةِ عَلَى بَعْضٍ ; لِأَنَّ أَخْذَهَا أَوَّلُ مَا شُرِعَ كَانَ عَوْنًا عَلَى الدِّينِ وَقُوَّةً لِضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ يُغْتَفَرُ لَهَا نَقْصُ الْأَجْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِشْكَالِ ذَلِكَ بِحَالِ أَهْلِ بَدْرٍ فَالَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ التَّقَابُلَ بَيْنَ كَمَالِ الْأَجْرِ وَنَقْصِهِ لِمَنْ يَغْزُو بِنَفْسِهِ إِذَا لَمْ يَغْنَمْ أَوْ يَغْزُو فَيَغْنَمُ، فَغَايَتُهُ أَنَّ حَالَ أَهْلِ بَدْرٍ مَثَلًا عِنْدَ عَدَمِ الْغَنِيمَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ عِنْدَ وُجُودِهَا، وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ أَنَّ حَالَهُمْ هُمْ أَفْضَلُ مِنْ حَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَرِدْ فِيهِمْ نَصٌّ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَغْنَمُوا كَانَ أَجْرُهُمْ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ مَغْفُورًا لَهُمْ وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْمُجَاهِدِينَ أَنْ لَا يَكُونَ وَرَاءَهُمْ مَرْتَبَةٌ أُخْرَى، وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ بِحِلِّ الْغَنَائِمِ فَلَا يَرِدُ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْحِلِّ وَفَاءُ الْأَجْرِ لِكُلِّ غَازٍ، وَالْمُبَاحُ فِي الْأَصْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ ثَبَتَ أَنَّ أَخْذَ الْغَنِيمَةِ وَسَلْبَهَا مِنَ الْكُفَّارِ يُحَصِّلُ الثَّوَابَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَصِحَّةُ ثُبُوتِ الْفَضْلِ فِي أَخْذِهَا وَصِحَّةُ التَّمَدُّحِ بِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ غَازٍ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ أَجْرِ غَزَاتِهِ نَظِيرُ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ شَيْئًا أَلْبَتَّةَ. قُلْتُ: وَالَّذِي مَثَّلَ بِأَهْلِ بَدْرٍ أَرَادَ التَّهْوِيلَ، وَإِلَّا فَالْأَمْرُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ آخِرًا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ مَعَ أَخْذِ الْغَنِيمَةِ أَنْقَصَ أَجْرًا عَمَّا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ غَنِيمَةٌ أَنْ يَكُونُوا فِي حَالِ أَخْذِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ كَمَنْ شَهِدَ أُحُدًا لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَغْنَمُوا شَيْئًا بَلْ أَجْرُ الْبَدْرِيِّ فِي الْأَصْلِ أَضْعَافُ أَجْرِ مَنْ بَعْدَهُ، مِثَالُ ذَلِكَ لَوْ فُرِضَ أَنَّ أَجْرَ الْبَدْرِيِّ بِلَا غَنِيمَةٍ سِتُّمِائَةٍ وَأَجْرَ الْأُحُدِيِّ مَثَلًا بِلَا غَنِيمَةٍ مِائَةٌ فَإِذَا نَسَبْنَا ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو كَانَ لِأَخْذِهِ الْغَنِيمَةَ مِائَتَانِ وَهِيَ ثُلُثُ السِّتِّمِائَةِ فَيَكُونُ أَكْثَرَ أَجْرًا مِنَ الْأُحُدِيِّ، وَإِنَّمَا امْتَازَ أَهْلُ بَدْرٍ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ شَهِدَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ وَكَانَتْ مَبْدَأَ اشْتِهَارِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 الْإِسْلَامِ وَقُوَّةِ أَهْلِهِ، فَكَانَ لِمَنْ شَهِدَهَا مِثْلُ أَجْرِ مَنْ شَهِدَ الْمَغَازِيَ الَّتِي بَعْدَهَا جَمِيعًا فَصَارَتْ لَا يُوَازِيهَا شَيْءٌ فِي الْفَضْلِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِنَقْصِ أَجْرِ مَنْ غَنِمَ أَنَّ الَّذِي لَا يَغْنَمُ يَزْدَادُ أَجْرُهُ لِحُزْنِهِ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ كَمَا يُؤْجَرُ مَنْ أُصِيبَ بِمَالِهِ، فَكَأَنَّ الْأَجْرَ لَمَّا نَقَصَ عَنِ الْمُضَاعَفَةِ بِسَبَبِ الْغَنِيمَةِ عُدَّ ذَلِكَ كَالنَّقْصِ مِنْ أَصْلِ الْأَجْرِ، وَلَا يَخْفَى مُبَايَنَةُ هَذَا التَّأْوِيلِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ حِكْمَةً لَطِيفَةً بَالِغَةً، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُجَاهِدِينَ ثَلَاثَ كَرَامَاتٍ: دُنْيَوِيَّتَانِ وَأُخْرَوِيَّةٌ، فَالدُّنْيَوِيَّتَانِ: السَّلَامَةُ وَالْغَنِيمَةُ، وَالْأُخْرَوِيَّةُ: دُخُولُ الْجَنَّةِ، فَإِذَا رَجَعَ سَالِمًا غَانِمًا فَقَدْ حَصَلَ لَهُ ثُلُثَا مَا أَعَدَّ اللَّهُ وَبَقِيَ لَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ رَجَعَ بِلَا غَنِيمَةٍ عَوَّضَهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ثَوَابًا فِي مُقَابَلَةِ مَا فَاتَهُ، فَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنْ يُقَالَ لِلْمُجَاهِدِ: إِذَا فَاتَكَ شَيْءٌ مِنْ أَجْرِ الدُّنْيَا عَوَّضْتُكَ عَنْهُ ثَوَابًا، وَأَمَّا الثَّوَابُ الْمُخْتَصُّ بِالْجِهَادِ فَحَاصِلٌ لِلْفَرِيقَيْنِ مَعًا، وَغَايَةُ مَا فِيهِ غَيْرُ النِّعْمَتَيْنِ الدُّنْيَوِيَّتَيْنِ الْجَنَّةُ؛ وَإِنَّمَا هِيَ بِفَضْلِ اللَّهِ، وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ التَّمْثِيلِ فِي الْأَحْكَامِ، وَأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ لِأَعْيَانِهَا وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ الْخَالِصَةِ إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْخُمُسِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي التَّوْحِيدِ عَنْهُ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنْ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٌ وَلَوْ أَنَّهَا قُطِعَتْ طِيَلَهَا ذَلِكَ فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ فَهِيَ لَهُ أَجْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا فِي ظُهُورِهَا فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحُمُرِ فَقَالَ لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] »   975 - 959 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السَّمَّانِ) بَائِعِ السَّمْنِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْخَيْلُ) زَادَ الْقَعْنَبِيُّ لِثَلَاثَةٍ (لِرَجُلٍ أَجْرٌ) أَيْ ثَوَابٌ (وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ سَاتِرٌ لِفَقْرِهِ وَلِحَالِهِ (وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ) أَيْ إِثْمٌ، وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي الثَّلَاثَةِ أَنَّ الَّذِي يَقْتَنِيهَا إِمَّا لِرُكُوبٍ أَوْ تِجَارَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إِمَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ فِعْلُ طَاعَةٍ وَهُوَ الْأَوَّلُ أَوْ مَعْصِيَةٍ وَهُوَ الْأَخِيرُ أَوْ لَا وَلَا وَهُوَ الثَّانِي. (فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ أَعَدَّهَا لِلْجِهَادِ (فَأَطَالَ لَهَا) الْحَبْلَ الَّذِي رَبَطَهَا فِيهِ حَتَّى تَسْرَحَ الرَّعْيَ (فِي مَرْجٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَجِيمٍ مَوْضِعُ كَلَأٍ، وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُطْمَئِنِّ (أَوْ رَوْضَةٍ) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ الرَّوْضَةُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ (فَمَا أَصَابَتْ) أَيْ أَكَلَتْ وَشَرِبَتْ وَمَشَتْ (فِي طِيَلِهَا) بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ فَلَامٍ: حَبْلُهَا الَّذِي تُرْبَطُ بِهِ وَيُطَوَّلُ لَهَا لِتَرْعَى، وَيُقَالُ لَهُ طِوَلٌ بِالْوَاوِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْضًا الحديث: 975 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 وَلَمْ يَأْتِ بِهِ رِوَايَةٌ هُنَا كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ، إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ» " (ذَلِكَ مِنَ الْمَرْجِ) الْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ ذَاتِ كَلَأٍ يُرْعَى فِيهِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهَا تَمْرَجُ فِيهِ أَيْ تَسْرَحُ وَتَجِيءُ وَتَذْهَبُ كَيْفَ شَاءَتْ. (أَوِ الرَّوْضَةِ) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي كَسَابِقِهِ (كَانَ) مَا أَصَابَتْهُ وَفِي نُسْخَةٍ كَانَتْ بِالتَّأْنِيثِ نَظَرًا لِمَعْنَى مَا (لَهُ حَسَنَاتٍ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجِدُهَا مَوْفُورَةً (وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا ذَلِكَ، فَاسْتَنَّتْ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَشَدِّ النُّونِ جَرَتْ بِنَشَاطٍ (شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَالْفَاءِ فِيهِمَا شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْعَالِيَ يُشْرِفُ عَلَى مَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ، وَالشَّرَفُ: الْعَالِي مِنَ الْأَرْضِ فَبَعُدَتْ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي رَبَطَهَا فِيهِ وَرَعَتْ فِي غَيْرِهِ (كَانَتْ آثَارُهَا) بِالْمَدِّ وَالْمُثَلَّثَةِ فِي الْأَرْضِ بِحَوَافِرِهَا عِنْدَ خُطُوَاتِهِ (وَأَرْوَاثُهَا) بِمُثَلَّثَةٍ جَمْعُ رَوْثٍ أَيْ ثَوَابُهَا لَا أَنَّهَا بِعَيْنِهَا تُوزَنُ (حَسَنَاتٍ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا (فَشَرِبَتْ مِنْهُ) بِغَيْرِ قَصْدِ صَاحِبِهَا (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ) بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ وَلِلْقَعْنَبِيِّ أَنْ يَسْقِيَهَا (بِهِ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ (كَانَ ذَلِكَ) أَيْ شُرْبُهَا وَإِرَادَتُهُ أَنْ يَسْقِيَهَا بِغَيْرِهِ (لَهُ حَسَنَاتٍ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْجَرُ عَلَى التَّفَاصِيلِ الَّتِي تَقَعُ فِي فِعْلِ الطَّاعَةِ إِذَا قَصَدَ أَجْرَهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تِلْكَ بِعَيْنِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: قِيلَ إِنَّمَا أُجِرَ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ لَا يَنْتَفِعُ بِشُرْبِهَا فِيهِ فَيَغْتَمُّ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ فَيُؤْجَرُ، وَقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ حَيْثُ تَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَيَغْتَمُّ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ فَيُؤْجَرُ، وَكُلُّ ذَلِكَ عُدُولٌ عَنِ الْقَصْدِ (فَهِيَ لَهُ أَجْرٌ) فِي الْوَجْهَيْنِ. (وَ) الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي هِيَ لَهُ سَتْرٌ (رَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ النُّونِ الثَّقِيلَةِ وَتَحْتِيَّةٍ أَيِ اسْتِغْنَاءً عَنِ النَّاسِ، يُقَالُ: تَغَنَّيْتُ بِمَا رَزَقَنِي اللَّهُ تَغَنِّيًا، وَتَغَانَيْتُ تَغَانِيًا، وَاسْتَغْنَيْتُ اسْتِغْنَاءً كُلُّهَا بِمَعْنًى، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَطْلُبُ بِنِتَاجِهَا أَوْ بِمَا حَصَّلَ مِنْ أُجْرَتِهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ تَغَنِّيًا عَنْ سُؤَالِ النَّاسِ (وَتَعَفُّفًا) عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ. وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: أَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَعَفُّفًا وَتَكَرُّمًا وَتَجَمُّلًا (وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا) بِلَا حِسَابٍ إِلَيْهَا وَالْقِيَامَ بِفِعْلِهَا وَالشَّفَقَةَ عَلَيْهَا فِي رُكُوبِهَا، وَخَصَّ رِقَابَهَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا تُسْتَعَارُ كَثِيرًا فِي الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 92) (وَلَا) فِي (ظُهُورِهَا) بِإِطْرَاقِ فَحْلِهَا وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لَا يُحَمِّلُهَا مَا لَا تُطِيقُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الزَّكَاةُ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 وَأَبِي حَنِيفَةَ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ لِطُرُوقِ الِاحْتِمَالِ (فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ) سَاتِرٌ مِنَ الْمَسْكَنَةِ (وَ) الثَّالِثُ الَّذِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ (رَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا) بِالنَّصْبِ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلِ الْفَخْرِ أَيْ تَعَاظُمًا (وَرِيَاءً) أَيْ إِظْهَارًا لِلطَّاعَةِ، وَالْبَاطِنُ بِخِلَافِهِ، وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ: وَأَمَّا الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ فَالَّذِي يَأْخُذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا وَرِيَاءً لِلنَّاسِ (وَنِوَاءً) بِكَسْرِ النُّونِ وَالْمَدِّ أَيْ مُنَاوَأَةً وَعَدَاوَةً (لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ) قَالَ الْخَلِيلُ: نَاوَأْتُ الرَّجُلَ نَاهَضْتُهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَحَكَى عِيَاضٌ فَتْحَ النُّونِ وَالْقَصْرَ، وَحَكَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ فَإِنْ ثَبَتَ فَمَعْنَاهُ بُعْدًا. وَقَالَ الْبَوْنِيُّ: يُرْوَى نَوًى بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَيُرْوَى نِوَاءً بِالْمَدِّ مَصْدَرٌ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِيهِ فِيمَا قَبْلَهُ بِمَعْنَى: " أَوْ "، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قَدْ تُفْرَدُ فِي الْأَشْخَاصِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَذْمُومٌ عَلَى حِدَتِهِ، وَفِيهِ بَيَانُ فَضْلِ الْخَيْلِ وَأَنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ إِذَا اتُّخِذَتْ فِي طَاعَةٍ أَوْ مُبَاحٍ وَإِلَّا فَهِيَ مَذْمُومَةٌ كَمَا قَالَ (فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ) أَيْ إِثْمٌ، وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنَ الْحَدِيثِ الْحَصْرَ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ: اتِّخَاذُ الْخَيْلِ يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَمْنُوعًا، فَدَخَلَ فِي الْمَطْلُوبِ: الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ، وَفِي الْمَمْنُوعِ: الْمَكْرُوهُ وَالْحَرَامُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُبَاحَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْقِسْمَ الثَّانِيَ الَّذِي يُتَخَيَّلُ فِيهِ ذَلِكَ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِيهَا فَيَلْحَقُ بِالْمَنْدُوبِ، وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَالِبًا إِنَّمَا يَعْتَنِي بِذِكْرِ مَا فِيهِ حَضٌّ أَوْ مَنْعٌ، أَمَّا الْمُبَاحُ الصِّرْفُ فَيَسْكُتُ عَنْهُ لِمَا عَلِمَ أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْهُ عَفْوٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْقِسْمُ الثَّانِي هُوَ فِي الْأَصْلِ مُبَاحٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا ارْتَقَى إِلَى النَّدْبِ بِالْقَصْدِ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مِنِ ابْتِدَائِهِ مَطْلُوبٌ. (وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْحُمُرِ) بِضَمَّتَيْنِ هَلْ لَهَا حُكْمُ الْخَيْلِ أَوْ عَنْ زَكَاتِهَا؟ وَبِهِ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ السَّائِلِ صَرِيحًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَعْصَعَةُ بْنُ نَاجِيَةَ عَمُّ الْفَرَزْدَقِ لِقَوْلِهِ: «قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] (سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ: الْآيَةُ 7) إِلَى آخَرِ السُّورَةِ، فَقُلْتُ مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَسْمَعَ غَيْرَهَا حَسْبِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَجَزَمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ (فَقَالَ: لَمْ يُنْزَلْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى فِيهَا شَيْءٌ) مَنْصُوصٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: " مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى فِيهَا " (إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ) لِكُلِّ الْخَيِّرَاتِ وَالْمَسَرَّاتِ (الْفَاذَّةُ) بِالْفَاءِ وَشَدِّ الْمُعْجَمَةِ سَمَّاهَا جَامِعَةً لِشُمُولِهَا الْأَنْوَاعَ مِنْ طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ وَفَاذَّةً لِانْفِرَادِهَا فِي مَعْنَاهَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ لَمْ يَتَكَرَّرْ مِثْلُهَا فِي الْقُرْآنِ بِلَفْظِهَا، وَيُحْتَمَلْ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَحْدَهَا، وَالْفَاذُّ هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 الْمُنْفَرِدُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الْمُرَادُ أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ عَمِلَ فِي اقْتِنَاءِ الْحَمِيرِ طَاعَةً رَأَى ثَوَابَ ذَلِكَ، وَإِنْ عَمِلَ مَعْصِيَةً رَأَى عِقَابَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يَعْنِي أَنَّهَا مُنْفَرِدَةٌ فِي عُمُومِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْآيَةُ أَعَمُّ مِنْهَا لِأَنَّهَا تَعُمُّ كُلَّ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَأَمَّا الْخَيْرُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَاهُ فِي الْقِيَامَةِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الشَّرُّ فَتَحْتَ الْمَشِيئَةِ. قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي الْخَيْلِ كَانَ بِوَحْيٍ لِقَوْلِهِ فِي: " «الْحُمُرُ لَمْ يُنْزَلْ عَلَى فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا» ". . . إِلَخْ، وَهَذَا يُعَضِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِوَحْيٍ وَتَلَا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] (سُورَةُ النَّجْمِ: الْآيَةُ 3، 4) وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ: " «أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» " وَبِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكْتُبُ كُلَّ مَا أَسْمَعُ مِنْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَإِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا» " {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة: 7] أَيْ نَمْلَةٍ صَغِيرَةٍ، وَقِيلَ: الذَّرُّ مَا يُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ مِنَ الْهَبَاءِ {خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ تَعْلِيمُ الِاسْتِنْبَاطِ وَالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ شَبَّهَ مَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ حُكْمَهُ فِي كِتَابِهِ وَهِيَ الْحُمُرُ بِمَا ذَكَرَهُ مَنْ يَعْمَلُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَهَذَا نَفْسُ الْقِيَاسِ الَّذِي يُنْكِرُهُ مَنْ لَا فَهْمَ عِنْدَهُ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقِيَاسِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْلَالٌ بِالْعُمُومِ وَإِثْبَاتٌ لِصِيغَتِهِ خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ أَوْ وَقَفَ، وَفِيهِ تَحْقِيقٌ لِإِثْبَاتِ الْعَمَلِ بِظَوَاهِرِ الْعُمُومِ وَأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ حَتَّى يَدُلَّ التَّخْصِيصُ، وَإِشَارَةٌ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ الْخَاصِّ الْمَنْصُوصِ وَالْعَامِّ الظَّاهِرِ وَأَنَّ الظَّاهِرَ دُونَ الْمَنْصُوصِ فِي الدَّلَالَةِ، وَهُوَ حُجَّةٌ أَيْضًا فِي عُمُومِ النَّكِرَةِ الْوَاقِعَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ نَحْوُ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} [فصلت: 46] (سُورَةُ فُصِّلَتْ: الْآيَةُ 46) وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى عُمُومِ آيَةِ {فَمَنْ يَعْمَلْ} [الأنبياء: 94] الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هَذِهِ أَحْكَمُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ وَأَصْدَقُ. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ آيَتَيْنِ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاةِ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] (سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ: الْآيَةُ 7، 8) الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمُسَاقَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي الْجِهَادِ وَعَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَفِي التَّفْسِيرِ وَفِي الِاعْتِصَامِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ مُطَوَّلًا مِنْ طُرُقٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 وَحَدَّثَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلًا رَجُلٌ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلًا بَعْدَهُ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَتِهِ يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَعْبُدُ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»   976 - 960 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ) بْنِ حَزْمٍ (الْأَنْصَارِيِّ) أَبِي طُوَالَةَ بِضَمِّ الْمُهْمِلَةِ الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَيُقَالُ بَعْدَ الحديث: 976 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 ذَلِكَ. (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلٌ وَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ( «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلًا» ؟) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ أَكْثَرِهِمْ ثَوَابًا وَأَرْفَعِهِمْ دَرَجَةً، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَتَقْدِيرُهُ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ وَإِلَّا فَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ حَمَلُوا النَّاسَ عَلَى الشَّرَائِعِ وَالسُّنَنِ وَقَادُوهُمْ إِلَى الْخَيْرِ أَفْضَلُ وَكَذَا الصِّدِّيقُونَ كَمَا جَاءَ بِهِ الْأَحَادِيثُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ «أَنَّ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ رَجُلًا عَمِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ» " بِمِنْ " الَّتِي لِلتَّبْعِيضِ (رَجُلٌ آخِذٌ) اسْمُ فَاعِلٍ (بِعِنَانِ) - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - لِجَامِ (فَرَسِهِ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لِبَذْلِهِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ، وَوُصِفَ بِأَنَّهُ آخِذٌ بِعِنَانِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو غَالِبًا مِنْ ذَلِكَ رَاكِبًا أَوْ قَائِدًا هَذَا مُعْظَمُ أَمْرِهِ، فَوَصَفَ بِذَلِكَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آخِذًا بِعِنَانِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قِيلَ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ» " قَالَ الْحَافِظُ: كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِ الْقَائِمِ بِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ وَحَصَّلَ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ لَا مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْجِهَادِ وَأَهْلِ الْوَاجِبَاتِ الْعَيْنِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَظْهَرُ فَضْلُ الْمُجَاهِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي. ( «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلًا» ) وَفِي رِوَايَةٍ " مَنْزِلَةً " (بَعْدَهُ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَتِهِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا إِشَارَةً إِلَى قِلَّتِهَا (يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَعْبُدُ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) زَادَ فِي الطَّرِيقِ الْمَوْصُولَةِ: " وَيَعْتَزِلُ شُرُورَ النَّاسِ " وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: " قِيلَ: ثُمَّ مَنْ قَالَ: «مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ» " وَإِنَّمَا كَانَ تِلْوَ الْمُجَاهِدِ فِي الْفَضْلِ لِأَنَّ مُخَالِطَ النَّاسِ لَا يَسْلَمُ مِنِ ارْتِكَابِ الْآثَامِ فَقَدْ لَا يَفِي هَذَا بِهَذَا، فَفِيهِ فَضْلُ الْعُزْلَةِ لِمَا فِيهَا مِنَ السَّلَامَةِ مِنْ غَيْبَةٍ وَلَغْوٍ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ قَالَ الْجُمْهُورُ: مَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا: " «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» " وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَأْتِي النَّاسَ زَمَانٌ يَكُونُ خَيْرَ النَّاسِ فِيهِ مَنْزِلَةً مَنْ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَطْلُبُ الْمَوْتَ فِي مَظَانِّهِ وَرَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَدَعُ النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِشِعْبٍ فِيهِ عَيْنٌ عَذْبَةٌ أَعْجَبَهُ فَقَالَ: لَوِ اعْتَزَلْتُ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ مَقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَامًا» " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِذِكْرِ الشِّعْبِ وَالْجَبَلِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ خَالِيًا مِنَ النَّاسِ فَكُلُّ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ عَنْهُمْ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُولَ أَوْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ»   977 - 961 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) الْأَنْصَارِيُّ وَيُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ، مِنَ الثِّقَاتِ (عَنْ أَبِيهِ) الْوَلِيدِ يُكَنَّى أَبَا عُبَادَةَ وُلِدَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَاتَ بَعْدَ السَّبْعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ (عَنْ جَدِّهِ) عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ أَبِي الْوَلِيدِ الْمَدَنِيِّ الْبَدْرِيِّ أَحَدِ النُّقَبَاءِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ: كَانَ طُولُهُ عَشَرَةَ أَشْبَارٍ مَاتَ بِالرَّمْلَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَلَهُ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ عَاشَ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ (قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ وَضُمِّنَ بَايَعَ مَعْنَى عَاهَدَ فَعُدِّيَ بِعَلَى فِي قَوْلِهِ (عَلَى السَّمْعِ) لَهُ بِإِجَابَةِ أَقْوَالِهِ (وَالطَّاعَةِ) لَهُ بِفِعْلِ مَا يَقُولُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: السَّمْعُ هُنَا يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الطَّاعَةِ (فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ) أَيْ يُسْرِ الْمَالِ وَعُسْرِهِ (وَالْمَنْشَطِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُعْجَمَةِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ آخِرُهُ طَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِنَ النَّشَاطِ (وَالْمَكْرَهِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أَيْضًا أَيْ وَقْتَ النَّشَاطِ إِلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَقْتَ الْكَرَاهِيَةِ كَذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي وَقْتِ الْكَسَلِ وَالْمَشَقَّةِ فِي الْخُرُوجِ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ الْمَنْشَطُ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رَفَاعَةَ عَنْ عُبَادَةَ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ عَهْدُنَا بِالْتِزَامِ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي حَالَتَيِ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالسَّرَّاءِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمُفَاعَلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْإِيذَانِ بِأَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُمْ أَيْضًا بِالْأَجْرِ وَالثَّوَابِ وَالشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْحِسَابِ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا الْتَزَمُوا، زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: وَعَلَى أَثْرِهِ عَلَيْنَا ( «وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ» ) أَيِ الْمُلْكَ وَالْإِمَارَةَ (أَهْلَهُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ عَلَى الْأَنْصَارِ وَمَنْ لَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ لَا يُنَازِعُوا أَهْلَهُ وَهُمْ قُرَيْشٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِمَّا أُخِذَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَنْ لَا يُنَازِعُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ الْأَمْرَ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ الْأَمْرِ إِذَا صَارَ لِغَيْرِهِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ زِيَادَةَ: " وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّ لَكَ فِي الْأَمْرِ حَقًّا "، وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ زِيَادَةُ: " وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ " وَفِي الْبُخَارِيِّ زِيَادَةُ: " إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا " أَيْ ظَاهِرًا بَادِيًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتُلِفَ فِي أَهْلِهِ فَقِيلَ أَهْلُ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَالْفَضْلِ فَلَا يُنَازَعُونَ لِأَنَّهُمْ أَهْلُهُ، أَمَّا أَهْلُ الْفِسْقِ وَالْجَوْرِ وَالظُّلْمِ فَلَيْسُوا بِأَهْلِهِ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ تَعَالَى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 124) الحديث: 977 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 وَإِلَى مُنَازَعَةِ الظَّالِمِ الْجَائِرِ ذَهَبَتْ طَوَائِفُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَعَامَّةُ الْخَوَارِجِ، أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَقَالُوا: الِاخْتِيَارُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ فَاضِلًا عَدْلًا مُحْسِنًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ الْجَائِرِ أَوْلَى مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِبْدَالِ الْأَمْنِ بِالْخَوْفِ وَهَرْقِ الدِّمَاءِ وَشَنِّ الْغَارَاتِ وَالْفَسَادِ وَذَلِكَ أَعْظَمُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَفِسْقِهِ، وَالْأُصُولُ تَشْهَدُ وَالْعَقْلُ وَالدِّينُ أَنَّ أَوْلَى الْمَكْرُوهَيْنِ أَوْلَاهُمَا بِالتَّرْكِ. (وَأَنْ نَقُولَ) بِاللَّامِ (أَوْ نَقُومَ) بِالْمِيمِ شَكٌّ مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَوْ مَالِكٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْأَلْفَاظِ وَمُرَاعَاتِهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ) أَيْ فِي نُصْرَةِ دِينِهِ (لَوْمَةَ لَائِمٍ) مِنَ النَّاسِ، وَاللَّوْمَةُ الْمَرَّةُ مِنَ اللَّوْمِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِيهَا وَفِي التَّنْكِيرِ مُبَالَغَتَانِ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا نَخَافُ شَيْئًا قَطُّ مِنْ لَوْمِ أَحَدٍ مِنَ اللُّوَّامِ، وَ " لَوْمَةَ " مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ فِي الْمَعْنَى، وَفِيهِ تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَلْحَقْهُ فِي تَغْيِيرِهِ إِلَّا اللَّوْمُ الَّذِي لَا يَتَعَدَّى إِلَى الْأَذَى وَجَبَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِقَلْبِهِ، وَكَمَا وَجَبَتْ مُجَاهَدَةُ الْكُفَّارِ حَتَّى يَظْهَرَ دِينُ اللَّهِ كَمَا قَالَ: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 78) كَذَلِكَ يَجِبُ مُجَاهَدَةُ كُلِّ مَنْ عَانَدَ الْحَقَّ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ جُمْهُورُ رُوَاتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا خَالَفَهُ عَنْ مَالِكٍ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ مَبْسُوطًا أَضْرَبْتُ عَنْهُ لِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يَلْتَفِتَا إِلَيْهِ وَاعْتَمَدَا رِوَايَةَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنْ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلْ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]   978 - 962 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ) عَامِرُ (بْنُ الْجَرَّاحِ) أَحَدُ الْعَشَرَةِ (إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وَمَا يُتَخَوَّفُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ (مِنْهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ مَصْدَرٌ أَوِ اسْمُ مَكَانٍ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ مَكَانُ نُزُولٍ (شِدَّةٍ يَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَهُ الحديث: 978 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 فَرَجًا وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ) لِلْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا مَسْرُورًا فَرِحًا يَضْحَكُ وَيَقُولُ: لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا - إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5 - 6] (سُورَةُ الشَّرْحِ: الْآيَةُ 5، 6) إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ مُرْسَلًا. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا. قَالَ الْبَاجِيُّ: قِيلَ إِنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا عُرِّفَ الْعُسْرُ اقْتَضَى اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ فَكَأَنَّ الْعُسْرَ الْأَوَّلَ هُوَ الثَّانِي، وَلَمَّا نُكِّرَ الْيُسْرُ كَانَ الْأَوَّلُ فِيهِ غَيْرَ الثَّانِي. قَالَ: وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ عَقِبَ هَذِهِ الْآيَةِ لِقَوْلِهِ: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52] ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْيُسْرَيْنِ عِنْدَهُ الظَّفَرُ بِالْمُرَادِ وَالْأَجْرِ، فَالْعُسْرُ لَا يَغْلِبُ هَذَيْنِ الْيُسْرَيْنِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمُؤْمِنِ أَحَدُهُمَا، قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي وَجْهٌ ظَاهِرٌ، (وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا} [آل عمران: 200] عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمَصَائِبِ وَعَنِ الْمَعَاصِي {وَصَابِرُوا} [آل عمران: 200] الْكُفَّارَ فَلَا يَكُونُوا أَشَدَّ صَبْرًا مِنْكُمْ {وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] أَقِيمُوا عَلَى الْجِهَادِ. {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [آل عمران: 200] فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] تَفُوزُونَ بِالْجَنَّةِ وَتَنْجُونَ مِنَ النَّارِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 [بَاب النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ   2 - بَابُ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ 979 - 963 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ» ) بِالْمُصْحَفِ أَيْ وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ (إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) الْكُفَّارِ، فَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ السَّفَرِ بِالْمُصْحَفِ لَا السَّفَرِ بِالْقُرْآنِ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ نَفْسَهُ لَا يُمْكِنُ السَّفَرُ بِهِ، وَهَذَا مُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ: قَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ. وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ مَنْ يُحْسِنُ الْقُرْآنَ لَا يَغْزُو الْعَدُوَّ فِي دَارِهِمْ، قَالَ الْحَافِظُ هَذَا اعْتِرَاضُ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ، وَادَّعَى الْمُهَلَّبُ أَنَّ مُرَادَهُ تَقْوِيَةُ الْقَوْلِ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجَيْشِ الْكَثِيرِ فَيَجُوزُ وَالطَّائِفَةِ الْقَلِيلَةِ فَيُمْنَعُ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ) أَيِ النَّهْيُ (مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ) فَيُؤَدِّيَ إِلَى اسْتِهَانَتِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا قَالَ الحديث: 979 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ فَقَالَ: خَشْيَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ فَجَعَلَهُ مِنَ الْمَرْفُوعِ، وَكَذَا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ: " «نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» " قَالَ الْحَافِظُ: أَشَارَ إِلَى تَفَرُّدِ ابْنِ وَهْبٍ بِرَفْعِهَا عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ قَوْلَ مَالِكٍ. وَقَدْ رَفَعَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ أَيْضًا عِنْدَ أَحْمَدَ وَاللَّيْثِ، وَأَيُّوبُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَصَحَّ أَنَّ التَّعْلِيلَ مَرْفُوعٌ وَلَيْسَ بِمُدْرَجٍ، وَلَعَلَّ مَالِكًا كَانَ يَجْزِمُ بِرَفْعِهِ ثُمَّ صَارَ يَشُكُّ فِيهِ فَجَعَلَهُ مِنْ تَفْسِيرِ نَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ أَنْ لَا يُسَافَرَ بِالْمُصْحَفِ فِي السَّرَايَا وَالْعَسْكَرِ لِصَغِيرٍ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ وَفِي التَّكْبِيرِ الْمَأْمُونِ خِلَافٌ فَمَنَعَ مَالِكٌ أَيْضًا مُطْلَقًا. وَفَصَّلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَدَارَ الشَّافِعِيُّ الْكَرَاهَةَ مَعَ الْخَوْفِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ مِنَ الْكَافِرِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنِ اسْتِهَانَتِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ إِنَّمَا اخْتُلِفَ هَلْ يَصِحُّ لَوْ وَقَعَ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ أَمْ لَا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ تَعْلِيمِ الْكَافِرِ الْقُرْآنَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ مُطْلَقًا، وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مُطْلَقًا. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ. وَفَصَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فَأَجَازَهُ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ فَمَنَعَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ كَتْبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى هِرَقْلَ بَعْضَ آيَاتٍ. وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ الْكِتَابَةِ إِلَيْهِمْ بِمِثْلِهِ، زَادَ بَعْضُهُمْ مَنْعَ بَيْعِ كُتُبِ فِقْهٍ فِيهَا آثَارٌ، قَالَ السُّبْكِيُّ: بَلِ الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ كُتُبُ عِلْمٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا آثَارٌ تَعْظِيمًا لِلْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، قَالَ وَلَدُهُ التَّاجُ: وَيَنْبَغِي مَنْعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْعِيِّ كَكُتُبِ النَّحْوِ وَالْفِقْهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا لَمْ يَذْكُرَا التَّعْلِيلَ لِلِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِهِ، وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ مَخَافَةَ. . . إِلَخْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 [بَاب النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فِي الْغَزْوِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ قَالَ فَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ بَرَّحَتْ بِنَا امْرَأَةُ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ بِالصِّيَاحِ فَأَرْفَعُ السَّيْفَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَذْكُرُ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكُفُّ وَلَوْلَا ذَلِكَ اسْتَرَحْنَا مِنْهَا»   3 - النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فِي الْغَزْوِ 980 - 964 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) الْأَنْصَارِيِّ (قَالَ) مَالِكٌ: (حَسِبْتُ أَنَّهُ) أَيِ ابْنَ شِهَابٍ (قَالَ) عَنْ (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ) الْأَنْصَارِيِّ أَبِي الْخَطَّابِ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَيُقَالُ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا لِيَحْيَى وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ بُكَيْرٍ وَبِشْرِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ: الحديث: 980 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: " عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ " بِالشَّكِّ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبٍ وَلَمْ يَقُلْ: عَبْدُ اللَّهِ وَلَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ " وَلَا حَسِبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَاتَّفَقَ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ عَلَى إِرْسَالِهِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ فَقَالَ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الْخَمْسَةَ (الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَقَافَيْنِ مُصَغَّرٌ وَهُوَ أَبُو رَافِعٍ الْيَهُودِيُّ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَيُقَالُ: سَلَامٌ، وَبِالثَّانِي جَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَأَفَادَ الْحَافِظُ أَنَّهُ اسْمُهُ الْأَصْلِيُّ وَأَنَّ الَّذِي سَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ مِنْ حَدِيثِهِ مُطَوَّلًا، قَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ أَبُو رَافِعٍ مِنْ خَيْبَرَ وَيُقَالُ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ حِصْنَهُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ فِي طَرَفِ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَعِنْدَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: فَطَرَقُوا بَابَ أَبِي رَافِعٍ بِخَيْبَرَ فَقَتَلُوهُ فِي بَيْتِهِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: " «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُعِينُ عَلَيْهِ» " وَذَكَرَ ابْنُ عَائِذٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ أَعَانَ غَطَفَانَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ كَانَ فِيمَنْ حَزَّبَ الْأَحْزَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَمَعَهُ أَرْبَعَةٌ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَأَبُو قَتَادَةَ وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِيٍّ وَيُقَالُ فِيهِ خُزَاعِيُّ بْنُ الْأَسْوَدِ وَنَهَاهُمْ (عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ) فَذَهَبُوا إِلَى خَيْبَرَ فَكَمَنُوا فَلَمَّا هَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ جَاءُوا حَتَّى قَامُوا عَلَى بَابِهِ وَقَدَّمُوا ابْنَ عَتِيكٍ لِأَنَّهُ كَانَ بِالْيَهُودِيَّةِ فَاسْتَفْتَحَ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ أَبِي رَافِعٍ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِئْتُ أَبَا رَافِعٍ بِهَدِيَّةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: أُنَاسٌ نَلْتَمِسُ الْمِيرَةَ، قَالَتْ: ذَاكُمْ صَاحِبُكُمْ، فَادْخُلُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا دَخَلْنَا أَغْلَقْنَا عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ الْحُجْرَةَ تَخَوُّفًا أَنْ يُحَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ (قَالَ) ابْنُ كَعْبٍ (فَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ) أَيِ الْخَمْسَةِ الَّذِينَ ذَهَبُوا لِقَتْلِهِ (يَقُولُ: بَرَّحَتْ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ الثَّقِيلَةِ وَالْمُهْمَلَةِ أَيْ أَظْهَرَتْ (بِنَا امْرَأَةُ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ بِالصِّيَاحِ) وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ: فَلَمَّا رَأَتِ السِّلَاحَ أَرَادَتْ أَنْ تَصِيحَ فَأَشَارَ إِلَيْهَا ابْنُ عَتِيكٍ بِالسَّيْفِ فَسَكَتَتْ. وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَصَاحَتِ امْرَأَتُهُ فَنَوَّهَتْ بِنَا فَيُمْكِنُ أَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا صَاحَتْ صِيَاحًا لَمْ يُسْمَعْ ثُمَّ أَرَادَتْ رَفْعَ صَوْتِهَا وَمُدَاوَمَةَ الصِّيَاحِ لِتُسْمِعَ الْجِيرَانَ فَرَفَعُوا عَلَيْهَا السِّلَاحَ فَسَكَتَتْ (فَأَرْفَعُ السَّيْفَ عَلَيْهَا) لِأَقْتُلَهَا (ثُمَّ أَذْكُرُ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكُفُّ) عَنْ قَتْلِهَا (وَلَوْلَا ذَلِكَ) أَيْ نَهْيُهُ (اسْتَرَحْنَا مِنْهَا) . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا صَاحَتْ بِنَا امْرَأَتُهُ جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا يَرْفَعُ عَلَيْهَا سَيْفَهُ ثُمَّ يَذْكُرُ نَهْيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُفُّ يَدَهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَرَغْنَا مِنْهَا بِلَيْلٍ، فَعَلَوْهُ بِأَسْيَافِهِمْ، وَالَّذِي بَاشَرَ قَتْلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 فِي الْبُخَارِيِّ، وَالْقِصَّةُ مَبْسُوطَةٌ فِي السِّيَرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ»   981 - 965 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرْسَلَهُ أَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَوَصَلَهُ جَمَاعَةٌ كَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَابْنِ بُكَيْرٍ وَأَبِي مُصْعَبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمَعْنِ بْنِ عِيسَى فَقَالُوا: مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ) أَيْ غَزْوَةِ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا فِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (امْرَأَةً) لَمْ تُسَمَّ (مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ) فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فَقَالَ: " مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ " (وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ) لِضَعْفِهِنَّ عَنِ الْقِتَالِ (وَالصِّبْيَانِ) لِقُصُورِهِمْ عَنْ فِعْلِ الْكُفْرِ وَلِمَا فِي اسْتِبْقَائِهِمْ جَمِيعًا مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِمْ إِمَّا بِالرِّقِّ أَوْ بِالْفِدَاءِ فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يُفَادَى بِهِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ كَمَا نَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْعِ الْقَصْدِ إِلَى قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَحَكَى الْحَازِمِيُّ قَوْلًا بِجَوَازِ قَتْلِهِمَا عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ الصَّعْبِ وَزَعَمَ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِأَحَادِيثِ النَّهْيِ وَهُوَ غَرِيبٌ، وَقَدْ أَشَارَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى نَسْخِ حَدِيثِ الصَّعْبِ بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ، رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ قَالَ: " «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يَبِيتُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيهِمْ قَالَ: " هُمْ مِنْهُمْ» وَفِي ابْنِ حِبَّانَ عَنِ الصَّعْبِ أَنَّهُ السَّائِلُ، وَالْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ هُمْ مِنْهُمْ أَيْ فِي الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَهِيَ مَا إِذَا لَمْ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إِلَى قَتْلِ الرِّجَالِ إِلَّا بِذَلِكَ وَقَدْ خِيفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا أُصِيبُوا لِاخْتِلَاطِهِمْ بِهِمْ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِبَاحَةُ قَتْلِهِمْ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ إِلَيْهِمْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَرْكِهِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا بِدُونِ دَعْوَى نَسْخِ هَذَا، وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ مَنْ وَصَلَهُ عَنْ مَالِكٍ وَكَأَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ بِالْوَجْهَيْنِ. الحديث: 981 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعَثَ جُيُوشًا إِلَى الشَّامِ فَخَرَجَ يَمْشِي مَعَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ أَمِيرَ رُبْعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَاعِ فَزَعَمُوا أَنَّ يَزِيدَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا أَنْتَ بِنَازِلٍ وَمَا أَنَا بِرَاكِبٍ إِنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ إِنَّكَ سَتَجِدُ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ فَذَرْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ وَسَتَجِدُ قَوْمًا فَحَصُوا عَنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ مِنْ الشَّعَرِ فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلَا بَعِيرًا إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَلَا تَحْرِقَنَّ نَحْلًا وَلَا تُغَرِّقَنَّهُ وَلَا تَغْلُلْ وَلَا تَجْبُنْ   982 - 966 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعَثَ جُيُوشًا إِلَى الشَّامِ فَخَرَجَ) الصِّدِّيقُ (يَمْشِي مَعَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ الْأُمَوِيِّ، صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَمَّرَهُ عُمَرُ عَلَى دِمَشْقَ حَتَّى مَاتَ بِهَا سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ بِالطَّاعُونِ، (وَكَانَ) يَزِيدُ (أَمِيرَ رُبْعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَاعِ) الَّتِي أَمَّرَهَا الصِّدِّيقُ إِلَى الشَّامِ، وَأُمَرَاءُ الْبَاقِي أَبُو عُبَيْدَةَ رُبْعٌ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِي رُبْعٌ الحديث: 982 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ رُبْعٌ (فَزَعَمُوا أَنَّ يَزِيدَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ) حَتَّى نَتَسَاوَى فِي السَّيْرِ (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَنْتَ بِنَازِلٍ وَمَا أَنَا بِرَاكِبٍ إِنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لِكَوْنِهَا مَشْيًا فِي طَاعَةٍ، وَقَدِ اقْتَدَى الصِّدِّيقُ فِي ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَعَثَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ فَخَرَجَ يَمْشِي فِي ظِلِّ رَاحِلَةِ مُعَاذٍ وَهُوَ رَاكِبٌ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِذَلِكَ فَمَشَى مَعَهُ مِيلًا كَمَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَسَاكِرَ (ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ سَتَجِدُ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا) وَقَفُوا (أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ) وَهُمُ الرُّهْبَانُ (فَذَرْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ) لِكَوْنِهِمْ لَا يُقَاتِلُونَ وَلَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ لَا تَعْظِيمًا لِفِعْلِهِمْ بَلْ هُمْ أَبْعَدُ عَنِ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَمَا هُمْ (وَسَتَجِدُ قَوْمًا فَحَصُوا) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ الصَّادِ مُهْمَلَةً (عَنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ مِنَ الشَّعْرِ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَعْنِي الشَّمَامِسَةَ وَهُمْ رُؤَسَاءُ النَّصَارَى جَمْعُ شَمَّاسٍ (فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ) أَيِ اقْتُلْهُمْ (وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ: لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا) لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِمَا (وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا) لَا قِتَالَ عِنْدَهُ (وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا) رُجِيَ لِلْمُسْلِمِينَ (وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا) كَذَلِكَ (وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا أَيْ أَكْلٍ (وَلَا تَحْرِقَنَّ نَحْلًا) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ حَيَوَانُ الْعَسَلِ (وَلَا تُغَرِّقَنَّهُ) قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: رَجَاءَ أَنْ يَطِيرَ فَيَلْحَقَ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْتَفِعُونَ بِهَا (وَلَا تَغْلُلْ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ (وَلَا تَجْبُنْ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ تَضْعُفْ عِنْدَ اللِّقَاءِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِهِ أَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمْ اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَقُلْ ذَلِكَ لِجُيُوشِكَ وَسَرَايَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ   982 - 967 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ) خَامِسَ أَوْ سَادِسَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (كَتَبَ إِلَى عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِهِ أَنَّهُ بَلَغَنَا) وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ (عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً) فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تَخْرُجُ مِنْهُ تُغِيرُ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكُونُ خُلَاصَةَ الْعَسْكَرِ وَخِيَارَهُمْ مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُخْفِي ذَهَابَهَا فَتَسْرِي فِي خُفْيَةٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا أُخِذَتْ مِنَ السِّرِّ، وَلَا يَصِحُّ لِاخْتِلَافِ الْمَادَّةِ لِأَنَّ لَامَ السِّرِّ رَاءٌ وَهَذِهِ يَاءٌ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِلَافَهَا إِنَّمَا يَمْنَعُ الِاشْتِقَاقَ الصَّغِيرَ وَهُوَ رَدُّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلٍ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى وَالْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَخْذِ مُجَرَّدُ الرَّدِّ لِلْمُنَاسَبَةِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي أَكْثَرِ الْحُرُوفِ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: السَّرِيَّةُ مِنْ خَمْسَةٍ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةٍ، وَفِي النِّهَايَةِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَمِائَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ (يَقُولُ لَهُمُ اغْزُوَا بِاسْمِ اللَّهِ) أَيِ ابْدَءُوا بِذِكْرِ اللَّهِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ أَخْلِصُوا نِيَّاتِكُمْ (تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ) كَأَنَّهُ بَيَانٌ لِسَبِيلِ اللَّهِ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ اقْتَضَاهُ كَأَنَّهُ قِيلَ مَا هُوَ فَلِذَا تَرَكَ الْعَاطِفَ (لَا تَغْلُوا) أَيْ لَا تَخُونُوا فِي الْمَغْنَمِ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ آخِذَهُ يَغُلُّهُ فِي مَتَاعِهِ أَيْ يُخْفِيهِ، وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ (وَلَا تَغْدِرُوا) بِكَسْرِ الدَّالِ ثُلَاثِيٌّ أَيْ لَا تَتْرُكُوا الْوَفَاءَ (وَلَا تُمَثِّلُوا) بِالتَّشْدِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرِ أَيْ لَا تُقَطِّعُوا الْقَتْلَى (وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا) أَيْ صَبِيًّا وَيَقُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ يُؤَمِّرُهُ (وَقُلْ ذَلِكَ لِجُيُوشِكَ وَسَرَايَاكَ) وَقَوْلُهُ: (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) لِلتَّبَرُّكِ (وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ) وَفِيهِ فَوَائِدُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ تَحْرِيمُ الْغَدْرِ وَالْغُلُولِ وَقَتْلِ الصِّبْيَانِ إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا وَكَرَاهَةُ الْمُثْلَةِ وَاسْتِحْبَابُ وَصِيَّةِ الْإِمَامِ أُمَرَاءَهُ وَجُيُوشَهُ بِالتَّقْوَى وَالرِّفْقِ وَتَعْرِيفِ مَا يَحْتَاجُونَ فِي غَزْوِهِمْ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَمَا يَحِلُّ لَهُمْ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَمَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ قَالَهُ النَّوَوِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْوَفَاءِ بِالْأَمَانِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِ جَيْشٍ كَانَ بَعَثَهُ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَطْلُبُونَ الْعِلْجَ حَتَّى إِذَا أَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ وَامْتَنَعَ قَالَ رَجُلٌ مَطْرَسْ يَقُولُ لَا تَخَفْ فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَعْلَمُ مَكَانَ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْإِشَارَةِ بِالْأَمَانِ أَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ فَقَالَ نَعَمْ وَإِنِّي أَرَى أَنْ يُتَقَدَّمَ إِلَى الْجُيُوشِ أَنْ لَا تَقْتُلُوا أَحَدًا أَشَارُوا إِلَيْهِ بِالْأَمَانِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ   968 - 4 - مَا جَاءَ فِي الْوَفَاءِ بِالْأَمَانِ - (مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ) يُقَالُ هُوَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَلَا يَبْعُدُ ذَلِكَ، فَقَدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 رَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُضَرَ الْأَنْدَلُسِيِّ عَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ: الطَّلْحُ الْمَنْضُودُ: الْمَوْزُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِ) أَيْ أَمِيرِ (جَيْشٍ) لَمْ يُسَمَّ (أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَطْلُبُونَ الْعِلْجَ) الرَّجُلَ الضَّخْمَ مِنْ كِبَارِ الْعَجَمِ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يُطْلِقُهُ عَلَى الْكَافِرِ مُطْلَقًا، وَالْجَمْعُ عُلُوجٌ وَأَعْلَاجٌ مِثْلُ حِمْلٍ وَحُمُولٍ وَأَحْمَالٍ (حَتَّى إِذَا أَسْنَدَ) صَعِدَ (فِي الْجَبَلِ وَامْتَنَعَ قَالَ رَجُلٌ مَطْرَسْ) هِيَ كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ (يَقُولُ) أَيْ مَعْنَاهَا (لَا تَخَفْ) كَذَا لِيَحْيَى مَطْرَسْ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَلِغَيْرِهِ مَتْرَسْ، قَالَ الْحَافِظُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ، وَإِسْكَانِ الرَّاءِ فَمُهْمَلَةٍ وَقَدْ تُخَفَّفُ التَّاءُ وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ مِنَ الْعَجَمِ، وَقِيلَ بِإِسْكَانِ التَّاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ رِوَايَةُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيِّ مَطْرَسْ بِالطَّاءِ بَدَلَ التَّاءِ، قَالَ ابْنُ قَرْقُولٍ هِيَ كَلِمَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّاوِيَ فَخَّمَ الْمُثَنَّاةَ فَصَارَتْ تُشْبِهُ الطَّاءَ كَمَا يَقَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ عُمَرُ: إِذَا قَالَ مَتْرَسْ فَقَدْ آمَنَهُ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ كُلَّهَا أَيِ اللُّغَاتِ، وَيُقَالُ إِنَّهَا ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ لُغَةً سِتَّ عَشْرَةَ فِي وَلَدِ سَامٍ وَمِثْلُهَا فِي وَلَدِ حَامٍ وَالْبَقِيَّةُ فِي وَلَدِ يَافِثَ. (فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) إِنْ شَاءَ أَبْقَاهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا (لَا أَعْلَمُ مَكَانَ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ) أَيْ حَدِيثُ عُمَرَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (بِالْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ) أَيْ قَوْلُهُ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا، قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: يُحْتَمَلُ أَنَّ قَسَمَ عُمَرَ تَغْلِيظٌ لِئَلَّا يَفْعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْأَئِمَّةُ تُخَوِّفُ بِأَغْلَظِ شَيْءٍ يَكُونُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ رَأَى إِنْ قَاتَلَهُ لِأَخْذِ سَلَبِهِ بَعْدَ أَنْ آمَنَهُ يَكُونُ مُحَارِبًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِالْحِرَابَةِ لَا أَنَّهُ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ لِحَدِيثِ: " «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» " (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْإِشَارَةِ بِالْأَمَانِ أَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ) فَيَحْرُمُ نَقْضُهُ كَمَا يَحْرُمُ بِالصَّرِيحِ (وَإِنِّي أَرَى أَنْ يُتَقَدَّمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (إِلَى الْجُيُوشِ أَنْ لَا تَقْتُلُوا أَحَدًا أَشَارُوا إِلَيْهِ بِالْأَمَانِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 الْكَلَامِ وَلِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا خَتَرَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَرَاءٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ. الْخَتْرُ أَقْبَحُ الْغَدْرِ (قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ) جَزَاءً لِمَا اجْتَرَحُوهُ مِنْ نَقْضِ الْعَهْدِ الْمَأْمُورِ بِالْوَفَاءِ بِهِ، وَهَذَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسٌ بِخَمْسٍ: مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إِلَّا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ، وَمَا حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الْفَقْرُ، وَلَا ظَهَرَتْ فِيهِمُ الْفَاحِشَةُ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الْمَوْتُ، وَلَا طَفَّفُوا الْمِكْيَالَ إِلَّا مُنِعُوا النَّبَاتَ وَأُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَلَا مَنَعُوا الزَّكَاةَ إِلَّا حُبِسَ عَنْهُمُ الْقَطْرُ» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَلَهُ شَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 [بَاب الْعَمَلِ فِيمَنْ أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ إِذَا بَلَغْتَ وَادِيَ الْقُرَى فَشَأْنَكَ بِهِ   5 - بَابُ الْعَمَلِ فِي مَنْ أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ 985 - 969 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: إِذَا بَلَغْتَ وَادِيَ الْقُرَى) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مَقْصُورٌ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ رَأَسُ الْمَغْزَاةِ فَمِنْهُ يُدْخَلُ إِلَى أَوَّلِ الشَّامِ (فَشَأْنَكَ بِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ مَلَّكَهُ لَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ خِيفَةَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُعْطِي فَتَتْلَفَ الْعَطِيَّةُ وَلَمْ يَبْلُغْ صَاحِبُهُ مُرَادَهُ فِيهَا، فَإِذَا بَلَغَ الْوَادِيَ كَانَ أَغْلَبُ أَحْوَالِهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ حَتَّى يَغْزُوَ. الحديث: 985 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ إِذَا أُعْطِيَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الْغَزْوِ فَيَبْلُغُ بِهِ رَأْسَ مَغْزَاتِهِ فَهُوَ لَهُ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْغَزْوَ فَتَجَهَّزَ حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَالَ لَا يُكَابِرْهُمَا وَلَكِنْ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إِلَى عَامٍ آخَرَ فَأَمَّا الْجِهَازُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرْفَعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يَفْسُدَ بَاعَهُ وَأَمْسَكَ ثَمَنَهُ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يُصْلِحُهُ لِلْغَزْوِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يَجِدُ مِثْلَ جَهَازِهِ إِذَا خَرَجَ فَلْيَصْنَعْ بِجَهَازِهِ مَا شَاءَ   986 - 970 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ إِذَا أُعْطِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الْغَزْوِ فَيَبْلُغُ بِهِ رَأْسَ مَغْزَاتِهِ فَهُوَ لَهُ) مِلْكًا وَفِيهِ حِلُّ ذَلِكَ لِلْغَازِي وَإِنْ غَنِيًّا فَلَيْسَ كَالصَّدَقَةِ الحديث: 986 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْغَزْوَ فَتَجَهَّزَ حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَالَ لَا يُكَابِرْهُمَا) أَيْ لَا يُغَالِبْهُمَا وَيُعَانِدْهُمَا وَلِابْنِ وَضَّاحٍ: لَا أَرَى أَنْ يُكَابِرَهُمَا (وَلَكِنْ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إِلَى عَامٍ آخَرَ) وَفِي الصَّحِيحِ: " «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» " أَيْ خُصَّهُمَا بِجِهَادِ النَّفْسِ فِي رِضَاهُمَا وَبِرِّهِمَا، فَعَبَّرَ عَنِ الشَّيْءِ بِضِدِّهِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى ; لِأَنَّ ظَاهِرَهُ إِيصَالُ الضَّرَرِ الَّذِي كَانَ يَحْصُلُ لِغَيْرِهِمَا لَهُمَا وَلَيْسَ بِمُرَادٍ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ مِنْ كُلْفَةِ الْجِهَادِ وَهُوَ تَعَبُ الْبَدَنِ وَالْمَالِ. وَفِي مُسْلِمٍ قَالَ: " «ارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا» "، وَفِي أَبِي دَاوُدَ: " «ارْجِعْ فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا» " وَعِنْدَهُ أَيْضًا " «ارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا» " قَالَ الْجُمْهُورُ: يَحْرُمُ الْجِهَادُ إِذَا مَنَعَ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلَا إِذَنْ. فَفِي ابْنِ حِبَّانَ: " «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ قَالَ: الصَّلَاةُ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الْجِهَادُ، قَالَ: فَإِنَّ لِي وَالِدَيْنِ، فَقَالَ: آمُرُكَ بِوَالِدَيْكَ خَيْرًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لِأُجَاهِدَنَّ وَلَأَتْرُكَنَّهُمَا، قَالَ: فَأَنْتَ أَعْلَمُ» " فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى جِهَادِ فَرْضِ الْعَيْنِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. (فَأَمَّا الْجِهَازُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرْفَعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يَفْسُدَ بَاعَهُ وَأَمْسَكَ ثَمَنَهُ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يُصْلِحُهُ لِلْغَزْوِ) فِي الْعَامِ الْآخَرِ (فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يَجِدُ مِثْلَ جَهَازِهِ) بِفَتْحٍ (إِذَا خَرَجَ فَلْيَصْنَعْ بِجَهَازِهِ مَا شَاءَ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى تَحْصِيلِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 [بَاب جَامِعِ النَّفْلِ فِي الْغَزْوِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً فَكَانَ سُهْمَانُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا»   6 - بَابُ جَامِعِ النَّفَلِ فِي الْغَزْوِ النَّفَلُ بِفَتْحَتَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ تُسَكَّنُ الْفَاءُ وَاحِدُ الْأَنْفَالِ زِيَادَةٌ يُزَادُهَا الْغَازِي عَلَى نَصِيبِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَمِنْهُ نَفْلُ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَا عَدَا الْفَرِيضَةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 987 - 971 (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ سَرِيَّةً) فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي جُمَادَى، وَقِيلَ: فِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ، وَكَانَ أَمِيرَهَا أَبُو قَتَادَةَ وَكَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا (فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ جِهَةَ (نَجْدٍ) لِأَجْلِ مُحَارِبٍ بِهَا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنَّ عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ فَسَارَ اللَّيْلَ وَكَمَنَ النَّهَارَ فَهَجَمَ عَلَى حَاضِرٍ مِنْهُمْ عَظِيمٍ فَأَحَاطَ بِهِمْ وَقَاتَلَ مِنْهُمْ رِجَالٌ فَقَتَلَ مَنْ أَشْرَفَ مِنْهُمْ (فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا " وَذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّهَا مِائَةُ بَعِيرٍ وَأَلْفَا شَاةٍ (فَكَانَ سُهْمَانُهُمْ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْهَاءِ جَمْعُ سَهْمٍ أَيْ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ (اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا) وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ جَمِيعُ الْأَنْسِبَاءِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ غَلَطٌ (أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اتَّفَقَ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ عَلَى رِوَايَتِهِ بِالشَّكِّ إِلَّا الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ فَرَوَاهُ عَنْ شُعَيْبٍ وَمَالِكٍ جَمِيعًا فَقَالَ: اثْنَيْ عَشَرَ فَلَمْ يَشُكَّ وَكَأَنَّهُ حَمَلَ رِوَايَةَ مَالِكٍ عَلَى رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَهُوَ مِنْهُ غَلَطٌ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ بِغَيْرِ شَكٍّ فَكَأَنَّهُ أَيْضًا حَمَلَ رِوَايَةَ مَالِكٍ عَلَى رِوَايَةِ اللَّيْثِ، وَالْقَعْنَبِيُّ إِنَّمَا رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَلَى الشَّكِّ فَلَا أَدْرِي أَمِنَ الْقَعْنَبِيِّ جَاءَ هَذَا حِينَ خَلَطَ حَدِيثَ اللَّيْثِ بِحَدِيثِ مَالِكٍ أَمْ مِنْ أَبِي دَاوُدَ؟ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِ نَافِعٍ: اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا بِلَا شَكٍّ لَمْ يَقَعِ الشَّكُّ فِيهِ إِلَّا مِنْ قِبَلِ مَالِكٍ. (وَنُفِّلُوا) بِضَمِّ النُّونِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زِيَادَةً عَلَى السَّهْمِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ (بَعِيرًا بَعِيرًا) وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي الْقَسْمِ وَالتَّنْفِيلِ هَلْ كَانَا مَعًا مِنْ أَمِيرِ ذَلِكَ الْجَيْشِ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَحَدِهِمَا؟ فَلِأَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «فَخَرَجْتُ فِيهَا فَأَصَبْنَا نَعَمًا كَثِيرًا وَأَعْطَانَا أَمِيرُنَا بَعِيرًا لِكُلِّ إِنْسَانٍ، ثُمَّ قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَسَمَ بَيْنَنَا غَنِيمَتَنَا فَأَصَابَ كُلُّ رِجْلٍ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا بَعْدَ الْخُمُسِ» " وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «بَعَثَنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَيْشٍ قِبَلَ نَجْدٍ وَانْبَعَثَتْ سَرِيَّةٌ مِنَ الْجَيْشِ فَكَانَ سُهْمَانُ الْجَيْشِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا وَنَفَّلَ أَهْلَ السَّرِيَّةِ بَعِيرًا بَعِيرًا فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا» " وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: إِنَّ ذَلِكَ الْجَيْشَ كَانَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ أَيِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ السَّرِيَّةُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ كَمَا عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: وَظَاهِرُ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْ أَمِيرِ الْجَيْشِ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ ذَلِكَ وَأَجَازَهُ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الحديث: 987 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَهُ أَيْضًا: " وَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا يُحْمَلُ عَلَى التَّقْرِيرِ فَتَجْتَمِعُ الرِّوَايَتَانِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ نَفَّلَهُمْ فَأَجَازَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَازَتْ نِسْبَتُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: إِنَّ النَّفَلَ مِنَ الْخُمُسِ لَا مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ لَكِنَّهُ لَيْسَ كَهَؤُلَاءِ فِي نَافِعٍ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْجَيْشَ إِذَا انْفَرَدَتْ مِنْهُ قِطْعَةٌ فَغَنِمَتْ شَيْئًا كَانَتِ الْغَنِيمَةُ لِلْجَمِيعِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا تَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ إِذَا خَرَجَ الْجَيْشُ جَمِيعُهُ ثُمَّ انْفَرَدَتْ مِنْهُ قِطْعَةٌ انْتَهَى. وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْجَيْشَ الْقَاعِدَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْخَارِجَ إِلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ، بَلْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُنْقَطِعَ مِنَ الْجَيْشِ عَنِ الْجَيْشِ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ يَنْفَرِدُ بِمَا يَغْنَمُهُ، وَإِنَّمَا قَالُوا بِمُشَارَكَةِ الْجَيْشِ لَهُمْ إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ يَلْحَقُهُمْ عَوْنُهُ وَغَوْثُهُ لَوِ احْتَاجُوا، وَهَذَا الْقَيْدُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ التَّنْفِيلُ وَمَعْنَاهُ تَخْصِيصُ مَنْ لَهُ أَثَرٌ فِي الْحَرْبِ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَالِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَمِيرِ الْجَيْشِ كَأَنْ يُحَرِّضَ عَلَى الْقِتَالِ وَيَعِدَ بِأَنْ يُنَفِّلَ الرُّبْعَ إِلَى الثُّلُثِ قَبْلَ الْقَسْمِ لِأَنَّ الْقِتَالَ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلدُّنْيَا فَلَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا، وَخَصَّهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ مَنْ بَعْدَهُ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مُدَّعِي الْإِجْمَاعِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ أَوْ مِمَّا عَدَا الْخُمُسَ؟ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالَّذِي يَقْرُبُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ مِنَ الْخُمُسِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِثْنَيْ عَشَرَ إِلَى سُهْمَانِهِمْ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُمُ اسْتِحْقَاقُهُ مِنَ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ الْمُوَزَّعَةِ عَلَيْهِمْ فَيَبْقَى النَّفَلُ مِنَ الْخُمُسِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ فِي الْغَزْوِ إِذَا اقْتَسَمُوا غَنَائِمَهُمْ يَعْدِلُونَ الْبَعِيرَ بِعَشْرِ شِيَاهٍ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَجِيرِ فِي الْغَزْوِ إِنَّهُ إِنْ كَانَ شَهِدَ الْقِتَالَ وَكَانَ مَعَ النَّاسِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَكَانَ حُرًّا فَلَهُ سَهْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَا سَهْمَ لَهُ وَأَرَى أَنْ لَا يُقْسَمَ إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ مِنْ الْأَحْرَارِ   988 - 972 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ) يَعْنِي الصَّحَابَةَ (فِي الْغَزْوِ إِذَا اقْتَسَمُوا غَنَائِمَهُمْ) وَكَانَ فِيهَا إِبِلٌ وَغَنَمٌ (يَعْدِلُونَ) بِكَسْرِ الدَّالِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ (الْبَعِيرَ بِعَشْرِ شِيَاهٍ) أَيْ يَجْعَلُونَهَا مُعَادِلَةً أَيْ مُمَاثِلَةً لَهُ وَقَائِمَةً مَقَامَهُ، وَأَصْلُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: " «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِتِهَامَةَ فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا فَعَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ» ". (قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَجِيرِ فِي الْغَزْوِ) لِنَحْوِ حِرَاسَةٍ (إِنَّهُ كَانَ شَهِدَ) حَضَرَ (الْقِتَالَ وَكَانَ مَعَ النَّاسِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَكَانَ حُرًّا فَلَهُ سَهْمُهُ الحديث: 988 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) أَيْ لَمْ يَشْهَدِ الْقِتَالَ وَكَانَ رَقِيقًا (فَلَا سَهْمَ لَهُ وَأَرَى) أَعْتَقِدُ (أَنْ لَا يُقْسَمَ إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ مِنَ الْأَحْرَارِ) لَا لِغَائِبٍ وَلَا رَقِيقٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 [بَاب مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ] قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ وُجِدَ مِنْ الْعَدُوِّ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ تُجَّارٌ وَأَنَّ الْبَحْرَ لَفِظَهُمْ وَلَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ مَرَاكِبَهُمْ تَكَسَّرَتْ أَوْ عَطِشُوا فَنَزَلُوا بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُسْلِمِينَ أَرَى أَنَّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ يَرَى فِيهِمْ رَأْيَهُ وَلَا أَرَى لِمَنْ أَخَذَهُمْ فِيهِمْ خُمُسًا   7 - بَابُ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ وُجِدَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (مِنَ الْعَدُوِّ عَلَى سَاحِلِ) أَيْ شَاطِئِ (الْبَحْرِ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فَزَعَمُوا) أَيِ الْعَدُوُّ الَّذِينَ وُجِدُوا (أَنَّهُمْ تُجَّارٌ وَأَنَّ الْبَحْرَ لَفَظَهُمْ) بِفَاءٍ وَظَاءٍ مُعْجَمَةٍ أَلْقَاهُمْ فِي السَّاحِلِ (وَلَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ تَصْدِيقَ ذَلِكَ وَلَا أَنَّ مَرَاكِبَهُمْ تَكَسَّرَتْ أَوْ عَطِشُوا فَنَزَلُوا بِغَيْرِ إِذَنِ الْمُسْلِمِينَ أَرَى أَنَّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ يَرَى فِيهِمْ رَأْيَهُ وَلَا أَرَى لِمَنْ أَخَذَهُمْ فِيهِمْ خُمُسًا) لِأَنَّهُمْ لَمْ يُوجِفُوا عَلَيْهِمْ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 [بَاب مَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ] قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ مِنْ طَعَامِهِمْ مَا وَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الْمَقَاسِمُ قَالَ مَالِكٌ وَأَنَا أَرَى الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ يَأْكُلُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ كَمَا يَأْكُلُونَ مِنْ الطَّعَامِ وَلَوْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يَحْضُرَ النَّاسُ الْمَقَاسِمَ وَيُقْسَمَ بَيْنَهُمْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْجُيُوشِ فَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أُكِلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَلَا أَرَى أَنْ يَدَّخِرَ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ الطَّعَامَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيَتَزَوَّدُ فَيَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَيَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ فَيَأْكُلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ بِلَادَهُ فَيَنْتَفِعَ بِثَمَنِهِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ بَاعَهُ وَهُوَ فِي الْغَزْوِ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ فِي غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ بَلَغَ بِهِ بَلَدَهُ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَهُ وَيَنْتَفِعَ بِهِ إِذَا كَانَ يَسِيرًا تَافِهًا   8 - بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ قَالَ مَالِكٌ: (لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ مِنْ طَعَامِهِمْ مَا وَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الْمَقَاسِمُ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ. زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَالْفَوَاكِهَ. وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ: وَالسَّمْنَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ " وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَإِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُ الْقُوتِ وَمَا يَصْلُحُ بِهِ وَكُلِّ طَعَامٍ يُعْتَادُ أَكْلُهُ عُمُومًا. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الطَّعَامَ يَعِزُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الضَّرُورَةُ نَاجِزَةً. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: " كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ لِأَخْذِهِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ» . زَادَ مُسْلِمٌ: فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَبَسِّمًا. زَادَ الطَّيَالِسِيُّ: فَقَالَ هُوَ لَكَ " وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: " «أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 صَاحِبَ الْمَغَانِمِ كَعْبَ بْنَ عَمْرٍو أَخَذَ مِنْهُ الْجِرَابَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِرَابِهِ» " وَكَأَنَّهُ عَرَفَ شِدَّةَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ فَسَوَّغَ لَهُ الِاسْتِئْثَارَ بِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ يَأْكُلُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ كَمَا يَأْكُلُونَ مِنَ الطَّعَامِ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مَأْكُولٌ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ لِلْأَكْلِ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ كَمَا يَأْتِي. (وَلَوْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يَحْضُرَ النَّاسُ الْمَقَاسِمَ وَيُقْسَمَ بَيْنَهُمْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْجُيُوشِ) وَفِي الْحَدِيثِ: " «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» " (فَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أُكِلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ) دُونَ سَرَفٍ (وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ) فَلَا يَجُوزُ بِلَا حَاجَةٍ (وَلَا أَرَى أَنْ يَدَّخِرَ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ) لِأَنَّ الْمُبَاحَ لِضَرُورَةٍ لَا يَتَعَدَّاهَا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنَ الطَّعَامِ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: يَأْخُذُ مَا لَمْ يَنْهَ الْإِمَامُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْغُلُولِ، وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الطَّعَامِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فَلْيُقْتَصَرْ عَلَيْهِ وَفِي مَعْنَاهُ الْعَلَفُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ رُكُوبِ دَوَابِّهِمْ وَلُبْسِ ثِيَابِهِمْ وَاسْتِعْمَالِ سِلَاحِهِمْ حَالَ الْحَرْبِ وَرَدِّهِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَشَرَطَ الْأَوْزَاعِيُّ فِيهِ إِذْنَ الْإِمَامِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ كُلَّمَا فَرَغَتْ حَاجَتُهُ وَلَا يَسْتَعْمِلَهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ وَلَا يَنْتَظِرَ بِرَدِّهِ انْقِضَاءَهَا لِئَلَّا يُعَرِّضَهُ لِلْهَلَاكِ، وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَأْخُذْ دَابَّةً مِنَ الْمَغْنَمِ يَرْكَبُهَا حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا إِلَى الْمَغَانِمِ» " وَذُكِرَ فِي الثَّوْبِ كَذَلِكَ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ الطَّعَامَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيَتَزَوَّدُ فَيَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَيَصْلُحُ) أَيْ يَجُوزُ (لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ) يَمْنَعَهُ (فَيَأْكُلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ) أَنْ (يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ بِلَادَهُ فَيَنْتَفِعَ بِثَمَنِهِ؟ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ بَاعَهُ وَهُوَ فِي الْغَزْوِ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ فِي غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ لِلْحَاجَةِ وَالْبَيْعُ زَائِدٌ عَلَيْهَا فَيُمْنَعُ (وَإِنْ بَلَغَ بِهِ بَلَدَهُ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَهُ وَيَنْتَفِعَ بِهِ إِذَا كَانَ يَسِيرًا تَافِهًا) لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ لَا إِنْ كَانَ كَثِيرًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 [بَاب مَا يُرَدُّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقَسْمُ مِمَّا أَصَابَ الْعَدُوُّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبَقَ وَأَنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ فَأَصَابَهُمَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهُمَا الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فِيمَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ إِنَّهُ إِنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى أَهْلِهِ وَأَمَّا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَلَا يُرَدُّ عَلَى أَحَدٍ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ حَازَ الْمُشْرِكُونَ غُلَامَهُ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ مَالِكٌ صَاحِبُهُ أَوْلَى بِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا غُرْمٍ مَا لَمْ تُصِبْهُ الْمَقَاسِمُ فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ لِسَيِّدِهِ بِالثَّمَنِ إِنْ شَاءَ قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ وَلَدِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَازَهَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ فَقُسِمَتْ فِي الْمَقَاسِمِ ثُمَّ عَرَفَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ الْقَسْمِ إِنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ وَأَرَى أَنْ يَفْتَدِيَهَا الْإِمَامُ لِسَيِّدِهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْتَدِيَهَا وَلَا يَدَعُهَا وَلَا أَرَى لِلَّذِي صَارَتْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهَا وَلَا يَسْتَحِلَّ فَرْجَهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ لِأَنَّ سَيِّدَهَا يُكَلَّفُ أَنْ يَفْتَدِيَهَا إِذَا جَرَحَتْ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ أُمَّ وَلَدِهِ تُسْتَرَقُّ وَيُسْتَحَلُّ فَرْجُهَا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَخْرُجُ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فِي الْمُفَادَاةِ أَوْ لِتِجَارَةٍ فَيَشْتَرِيَ الْحُرَّ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ يُوهَبَانِ لَهُ فَقَالَ أَمَّا الْحُرُّ فَإِنَّ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَرَقُّ وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ بِمَنْزِلَةِ مَا اشْتُرِيَ بِهِ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ سَيِّدَهُ الْأَوَّلَ مُخَيَّرٌ فِيهِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَدْفَعَ إِلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْلِمَهُ أَسْلَمَهُ وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَسَيِّدُهُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً فَيَكُونُ مَا أَعْطَى فِيهِ غُرْمًا عَلَى سَيِّدِهِ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْتَدِيَهُ   9 - بَابُ مَا يُرَدُّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقَسْمُ مِمَّا أَصَابَ الْعَدُوُّ 973 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبَقَ) أَيْ هَرَبَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ (وَأَنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ) بِعَيْنٍ وَرَاءٍ مُخَفَّفَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ أَيِ انْطَلَقَ هَارِبًا عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَيْرِ وَهُوَ حِمَارُ الْوَحْشِ أَيْ هَرَبَ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: أَرَادَ أَنَّهُ فَعَلَ فِعْلَهُ فِي النِّفَارِ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ عَارَ الْفَرَسُ وَالْكَلْبُ عِيَارًا أَيْ أَفْلَتَ وَذَهَبَ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: يُقَالُ ذَلِكَ لِلْفَرَسِ إِذَا فَعَلَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبَطَّالِ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ عَلَى طَرِيقَةٍ عِيَارٌ، وَمِنْهُ سَهْمٌ عَائِرٌ إِذَا لَمْ يُدْرَ مِنْ أَيْنَ أَتَى (فَأَصَابَهُمَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهُمَا الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ) وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ: " وَأَنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ خَالِدٌ فَرَدَّهُ ". وَلَهُ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ كَانَ عَلَى فَرَسٍ يَوْمَ لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ ظَبْيًا وَأَسَدًا وَاقْتَحَمَ الْفَرَسُ بِابْنِ عُمَرَ جَرْفًا فَصَرَعَهُ وَسَقَطَ عَبْدُ اللَّهِ فَعَارَ الْفَرَسُ فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ وَأَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا هُزِمَ الْعَدُوُّ رَدَّ خَالِدٌ فَرَسَهُ عَلَيْهِ " فَصَرَّحَ بِأَنَّ قِصَّةَ الْفَرَسِ كَانَتْ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَقَ عَبْدٌ لَهُ فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَظَهَرَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَصَرَّحَ بِأَنَّ قِصَّةَ الْفَرَسِ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ وَقِصَّةَ الْعَبْدِ بَعْدَهُ، وَوَافَقَ ابْنُ نُمَيْرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَصَحَّحَهُ الدَّاوُدِيُّ وَأَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَكَذَا صَوَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (قَالَ مَالِكٌ فِيمَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ إِنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 الْمَقَاسِمُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى أَهْلِهِ) لِوُقُوعِ رَدِّ فَرَسِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِهِ لَهُ قَبْلَ الْقَسْمِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ. (وَأَمَّا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَلَا يُرَدُّ عَلَى أَحَدٍ) وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَسَلْمَانُ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَآخَرُونَ وَنُقِلَ عَنِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَبِهِ جَاءَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ بَعِيرًا لَهُ أَصَابَهُ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنْ أَصَبْتَهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ فَهُوَ لَكَ، وَإِنْ أَصَبْتَهُ بَعْدَمَا قُسِمَ أَخَذْتُهُ بِالْغَنِيمَةِ» " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ لَكِنَّهُ تَقَوَّى بِأَثَرِ ابْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مَالِكٍ: إِلَّا فِي الْآبِقِ فَقَالَ هُوَ وَالثَّوْرِيُّ: صَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ مُطْلَقًا. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ حَازَ الْمُشْرِكُونَ غُلَامَهُ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُهُ أَوْلَى) أَحَقُّ بِهِ (بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا غُرْمٍ مَا لَمْ تُصِبْهُ الْمَقَاسِمُ فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ) الْمَقَاسِمُ (فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ لِسَيِّدِهِ بِالثَّمَنِ إِنْ شَاءَ) لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَهَا شُبْهَةُ الْمِلْكِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: لَا يَمْلِكُ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالْغَلَبَةِ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ وَبَعْدَهَا. وَعَنْ عَلِيٍّ وَالزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالْحَسَنِ: لَا يُرَدُّ أَصْلًا وَيَخْتَصُّ بِهِ الْغَانِمُونَ. (قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ وَلَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَازَهَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ فَقُسِّمَتْ فِي الْمَقَاسِمِ ثُمَّ عَرَفَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ الْقَسْمِ أَنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ) بَعْدَ جَرَيَانِ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا بِأُمُومَةِ الْوَلَدِ (وَأَرَى أَنْ يَفْتَدِيَهَا الْإِمَامُ لِسَيِّدِهَا) مِنَ الْفَيْءِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَى سَيِّدِهَا) وُجُوبًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ عَلَى (أَنْ يَفْتَدِيَهَا وَلَا يَدَعَهَا) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ (وَلَا أَرَى لِلَّذِي صَارَتْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهَا وَلَا يَسْتَحِلَّ فَرْجَهَا) لِجَرَيَانِ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا (وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ) إِذَا حَازَهَا الْحَرْبِيُّونَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ لَا تُسْتَرَقُّ وَلَا يَحِلُّ فَرْجُهَا وَعَلَّلَ كَوْنَهَا بِمَنْزِلَتِهَا بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ سَيِّدَهَا يُكَلَّفُ أَنْ يَفْتَدِيَهَا إِذَا جَرَحَتْ) إِنْسَانًا (فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ) وَحِينَئِذٍ (فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 أُمَّ وَلَدِهِ تُسْتَرَقُّ وَيُسْتَحَلُّ فَرْجُهَا) فَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى مَا قَبْلَهُ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ إِلَى الْعَدُوِّ فِي الْمُفَادَاةِ) لِمَا أَسَرُوهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (أَوِ التِّجَارَةِ يَشْتَرِي الْحُرَّ أَوِ الْعَبْدَ أَوْ يُوهَبَانِ لَهُ) مَا الْحُكْمُ؟ (فَقَالَ: أَمَّا الْحُرُّ فَإِنَّ اشْتِرَاءَهُ بِهِ) بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (دَيْنٌ) خَبَرُ إِنَّ وَفِي نُسْخَةٍ بِتَقْدِيرِ يَكُونُ دَيْنًا (عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَرَقُّ) لِوُجُوبِ فِدَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَحُرْمَةِ مَقَامِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْفِدَاءِ، فَوَجَبَ رُجُوعُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَا كَانَ يَلْزَمُهُ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي فِدَاءِ نَفْسِهِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً) بِالْهَمْزِ عَلَى الْهِبَةِ (فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ بِمَنْزِلَةِ مَا اشْتُرِيَ بِهِ) لِأَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ كَالْبَيْعِ (وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ سَيِّدَهُ الْأَوَّلَ مُخَيَّرٌ فِيهِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَدْفَعَ إِلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْلِمَهُ أَسْلَمَهُ) لِمَنِ اشْتَرَاهُ (وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَسَيِّدُهُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً فَيَكُونَ مَا أَعْطَى فِيهِ غُرْمًا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ مَصْدَرُ غَرِمَ أَيْ مُؤَدًّى (عَلَى سَيِّدِهِ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْتَدِيَهُ) وَإِنْ أَحَبَّ تَرْكَهُ لَهُ، وَسَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَيَلْزَمُهُ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ فَيُخَيَّرُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 [بَاب مَا جَاءَ فِي السَّلَبِ فِي النَّفَلِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ قَالَ فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي قَالَ فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ مَا بَالُ النَّاسِ فَقَالَ أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَ فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَ فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الثَّالِثَةَ فَقُمْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ قَالَ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا هَاءَ اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَاشْتَرَيْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ»   10 - بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّلْبِ فِي النَّفَلِ 990 - 974 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عُمَرَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ كَمَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ الحديث: 990 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 لِيَحْيَى، وَقَوْمٌ: عَمْرٌو بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَلِلشَّافِعِيِّ: عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَهُمَا أَخَوَانِ وَعُمَرُ بِالضَّمِّ أَجَلُّ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ، وَلَيْسَ لِعَمْرٍو بِالْفَتْحِ إِلَّا عِنْدَ مَنْ صَحَّفَهُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (ابْنِ كَثِيرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ (ابْنُ أَفْلَحَ) بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، وَذَكَرُهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ (عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ) نَافِعِ بْنِ عَبَّاسٍ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ أَوْ تَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ مَعْرُوفٌ بِاسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ الْمَدَنِيُّ الْأَقْرَعُ الثِّقَةُ (مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ) حَقِيقَةً كَمَا جَزَمَ النَّسَائِيُّ وَالْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِلُزُومِهِ وَكَانَ مَوْلَى عَقِيلَةَ الْغِفَارِيَّةِ (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) الْحَارِثِ أَوِ النُّعْمَانِ أَوْ عَمْرِو (بْنِ رِبْعِيٍّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَمُهْمَلَةٍ الْأَنْصَارِيِّ السُّلَمِيِّ بِفَتْحَتَيْنِ الْمَدَنِيِّ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَلَمْ يَصِحَّ شُهُودُهُ بَدْرًا، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَصَحِّ الْأَشْهَرِ (أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَنُونٍ وَادٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ عَقِبَ فَتْحِ مَكَّةَ (فَلَمَّا الْتَقَيْنَا) مَعَ الْمُشْرِكِينَ (كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَيْ حَرَكَةٌ فِيهَا اخْتِلَاطٌ وَتَقَدُّمٌ وَتَأَخُّرٌ، وَعَبَّرَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ لَفْظِ هَزِيمَةٍ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْجَوْلَةُ فِي الْجَيْشِ كُلِّهِ بَلْ ثَبَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَائِفَةٌ مَعَهُ أَكْثَرُ مَا قِيلَ فِيهِمْ مِائَةٌ، وَقَدْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الِانْهِزَامُ، وَلَمْ يُرْوَ قَطُّ أَنَّهُ انْهَزَمَ فِي مَوْطِنٍ، بَلِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِإِقْدَامِهِ وَثَبَاتِهِ فِي جَمِيعِ الْمُوَاطِنِ لَا سِيَّمَا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ نَحْوَ الْكُفَّارِ وَيَقُولُ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» . ثُمَّ نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ وَاسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ فَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ فَمَا خَلَقَ اللَّهِ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ فَوَلَّوْا مُنْهَزِمِينَ ثُمَّ تَرَاجَعَ إِلَيْهِ مَنْ وَلَّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (قَالَ) أَبُو قَتَادَةَ: (فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَأَشْرَفَ عَلَى قَتْلِهِ وَصَرْعِهِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِمَا (قَالَ: فَاسْتَدَرْتُ لَهُ) مِنَ الِاسْتِدَارَةِ وَيُرْوَى فَاسْتَدْبَرْتُ مِنَ الِاسْتِدْبَارِ (حَتَّى أَتَيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ) وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَآخَرَ يَخْتِلُهُ مِنْ وَرَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فَأَسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ فَرَفَعَ يَدَهُ لِيَضْرِبَنِي فَأَضْرِبُ يَدَهُ فَقَطَعْتُهَا ثُمَّ أَخَذَنِي فَضَمَّنِي " قَالَ الْحَافِظُ: يَخْتِلُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ يُرِيدُ أَخْذَهُ عَلَى غِرَّةٍ، وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ ضَمِيرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 ضَرَبْتُهُ لِهَذَا الثَّانِي الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَخْتِلَ الْمُسْلِمَ (عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ عِرْقٌ أَوْ عَصَبٌ عِنْدَ مَوْضِعِ الرِّدَاءِ مِنَ الْعُنُقِ بَيْنَ الْعُنُقِ وَالْمَنْكِبِ، وَعُرِفَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ فَأَضْرِبُ يَدَهُ فَقَطَعْتُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَدِ الذِّرَاعُ وَالْعَضُدُ إِلَى الْكَتِفِ، زَادَ التِّنِّيسِيُّ: فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ أَيِ الَّتِي كَانَ لَابِسُهَا وَخَلَصَتِ الضَّرْبَةُ إِلَى يَدِهِ فَقَطَعْتُهَا (فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ) أَيْ شِدَّةً كَشِدَّتِهِ وَيُحْتَمَلُ قَارَبْتُ الْمَوْتَ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا الْمُشْرِكَ كَانَ شَدِيدَ الْقُوَّةِ جِدًّا (ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي) أَيْ أَطْلَقَنِي (قَالَ: فَلَقِيتُ عُمَرَ) فِيهِ حَذْفٌ بَيَّنَهُ رِوَايَةُ اللَّيْثِ فَتَحَلَّلَ وَدَفَعْتُهُ ثُمَّ قَتَلْتُهُ وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ فَإِذَا بِعُمَرَ (بْنِ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ) قَدْ وَلَّوْا؟ (فَقَالَ: أَمْرُ اللَّهِ) أَيْ حُكْمِ اللَّهِ وَمَا قَضَى بِهِ أَوْ أَرَادَ مَا حَالُ النَّاسِ بَعْدَ التَّوَلِّي، فَقَالَ: أَمْرُ اللَّهِ غَالِبٌ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. (ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا) تَرَاجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ «قَالَ لِلْعَبَّاسِ: نَادِ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَلَمَّا سَمِعُوا نِدَاءَهُ أَقْبَلُوا كَأَنَّهُمُ الْإِبِلُ» . وَفِي رِوَايَةٍ الْبَقَرُ إِذَا حَنَّتْ عَلَى أَوْلَادِهَا يَقُولُونَ: «يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ فَتَرَاجَعُوا فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَصْدُقُوا الْحَمْلَةَ فَاقْتَتَلُوا مَعَ الْكُفَّارِ فَقَالَ: الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا وَقَتَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَانْهَزَمُوا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ» . (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا) أَوْقَعَ الْقَتِيلَ عَلَى الْمَقْتُولِ بِاعْتِبَارِ مَا آلَ إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 36) (لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ) بِفَتْحِ الْمُهْمِلَةِ وَاللَّامِ وَمُوَحَّدَةٍ مَا يُوجَدُ مَعَ الْمُحَارِبِ مِنْ مَلْبُوسٍ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا تَدْخُلُ الدَّابَّةُ. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: يَخْتَصُّ بِأَدَاةِ الْحَرْبِ. وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِيهِ بِلَا بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ. وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ: يُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ لِأَبِي قَتَادَةَ بِلَا بَيِّنَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَفِي مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ أَنَّ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ شَهِدَ لَهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَصِحَّ فَيُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّهُ الْقَاتِلُ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَنَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ يُكْتَفَى بِهِ. (قَالَ) أَبُو قَتَادَةَ: (فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي) بِقَتْلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ (ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، قَالَ: فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ» ثُمَّ قَالَ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 (ذَلِكَ) الْقَوْلَ الْمَرَّةَ (الثَّالِثَةَ فَقُمْتُ «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟» ) تَقُومُ وَتَقْعُدُ (قَالَ: فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ) وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: " إِنِّي ضَرَبْتُ رَجُلًا عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ فَأَعْجَلْتُ عَنْهُ " (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ) وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ مِنْ جُلَسَائِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ اسْمَهُ أَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِيٍّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ الَّذِي أَخَذَ السَّلَبَ قُرَشِيٌّ (صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أَبُو قَتَادَةَ (وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ) بِهَمْزَةِ قَطْعِ وَكَسْرِ الْهَاءِ (مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَا هَاءَ اللَّهِ) بِالْأَلِفَيْنِ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ أَيْضًا بِلَامٍ بَعْدَ الْهَاءِ مِنْ غَيْرِ إِظْهَارِ شَيْءٍ مِنَ الْأَلِفَيْنِ، وَيَجُوزُ إِظْهَارُ أَلِفٍ وَاحِدَةٍ بِلَا هَمْزَةٍ نَحْوُ: الْتَقَتْ حَلْقَتَا الْبِطَانِ وَحَذْفُ الْأَلِفِ وَثُبُوتُ هَمْزَةِ الْقَطْعِ، وَفِيهِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ وَاوِ الْقَسَمِ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ وَلَمْ يُسْمَعْ إِلَّا مَعَ اللَّهِ فَلَا يُقَالُ لَاهَا الرَّحْمَنِ كَمَا سُمِعَ لَا وَالرَّحْمَنِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: الْعَرَبُ تَقُولُ هَاءَ اللَّهِ بِالْهَمْزِ، الْقِيَاسُ تَرْكُهُ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ رُوِيَ يَرْفَعُ اللَّهُ أَيْ يَأْتِي اللَّهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنْ ثَبَتَ الرَّفْعُ رِوَايَةً فَهَا لِلتَّنْبِيهِ وَاللَّهُ مُبْتَدَأٌ وَلَا يَعْمِدُ خَبَرُهُ، وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ، وَقَدْ نَقَلَ الْأَئِمَّةُ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَرِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى غَيْرِهِ وَهُوَ قَسَمٌ أَيْ لَا وَاللَّهِ (إِذًا) بِكَسْرِ الْأَلِف ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ مُنَوَّنَةٍ كَمَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الْمُعْتَمَدَةِ وَالْأُصُولِ الْمُحَقَّقَةِ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَكَذَا يَرْوِيهِ الْمُحَدِّثُونَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَاهَا اللَّهِ ذَا وَالْهَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ وَالْمَعْنَى لَا وَاللَّهِ يَكُونُ ذَا. وَنَقَلَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي عَنِ الْمَازِنِيِّ قَوْلَ الرُّوَاةِ لَاهَا اللَّهِ إِذًا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ لَاهَا اللَّهِ ذَا أَيْ ذَا يَمِينِي وَقَسَمِي. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ إِذًا وَإِنَّمَا هُوَ ذَا وَهِيَ صِلَةٌ فِي الْكَلَامِ لَا وَاللَّهِ هَذَا مَا أُقْسِمُ بِهِ، وَتَوَارَدَ كَثِيرٌ مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لَفْظَ إِذًا خَطَأٌ وَإِنَّمَا هُوَ ذَا. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: يُمْكِنُ تَوْجِيهُ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا وَاللَّهِ لَا يُعْطَى إِذًا وَيَكُونُ لَا يَعْمِدُ. . . إِلَخْ، تَأْكِيدًا لِلنَّفْيِ الْمَذْكُورِ وَمُوَضِّحًا لِلسَّبَبِ فِيهِ. وَقَالَ الطَّيْبِيُّ: الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ كَقَوْلِكَ لِمَنْ قَالَ لَكَ افْعَلْ كَذَا: وَاللَّهِ إِذًا لَا أَفْعَلُ، فَالتَّقْدِيرُ وَاللَّهِ إِذْ لَا يَعْمِدُ. . . إِلَخْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إِذًا زَائِدَةً كَمَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي قَوْلِ الْحَمَاسِيِّ: إِذًا لَقَامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ. فِي جَوَابِ قَوْلِهِ: لَوْ كُنْتُ مِنْ مَازِنٍ لَمْ تَسْتَبِحْ إِبِلِي ... بَنُو اللَّقِيطَةِ مِنْ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَا وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: الرِّوَايَةُ صَوَابٌ فَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنْ وَاوِ الْقَسَمِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 فِي الْقَسَمِ آلَلَّهِ لَأَفْعَلَنَّ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَقَصْرِهَا، فَكَأَنَّهُمْ عَوَّضُوا مِنَ الْهَمْزَةِ هَاءٌ فَقَالُوا هَا اللَّهِ لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا وَلِذَا قَالُوا بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الَّذِي مَدَّ مَعَ الْهَاءِ كَأَنَّهُ نَطَقَ بِهَمْزَتَيْنِ أُبْدِلَ مِنْ أَحَدِهِمَا أَلِفًا اسْتِثْقَالًا لِاجْتِمَاعِهِمَا كَمَا تَقُولُ: أَأَللَّهُ، وَالَّذِي قَصَرَ كَأَنَّهُ نَطَقَ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا تَقُولُ أَلِلَّهِ. وَأَمَّا إِذًا فَهِيَ بِلَا شَكٍّ حِرَفُ جَزَاءٍ وَتَعْلِيلٍ مِثْلُ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ: " أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا إِذًا» " فَلَوْ قَالَ فَلَا وَاللَّهِ إِذًا لَسَاوَى مَا هُنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْتَجْ لِلْقَسَمِ فَتَرَكَهُ، فَقَدْ وَضَحَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَمُنَاسَبَتُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى تَكَلُّفٍ بَعِيدٍ يَخْرُجُ عَنِ الْبَلَاغَةِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ جَعَلَ الْهَاءَ لِلتَّنْبِيهِ وَذَا لِلْإِشَارَةِ وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالْمُقْسَمِ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا فَيَطَّرِدَ وَلَا فَصِيحًا فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْفَصِيحِ، وَلَا مَرْوِيًّا بِرِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ، وَمَا وُجِدَ لِلْعُذْرِيِّ وَالْعَبْدَرِيِّ فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَاهَا اللَّهِ ذَا فَإِصْلَاحٌ مِمَّنِ اغْتَرَّ بِكَلَامِ النُّحَاةِ وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْغِرْنَاطِيُّ مِمَّنْ أَدْرَكْنَاهُ: اسْتَرْسَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُدَمَاءِ إِلَى أَنِ اتَّهَمُوا الْأَثْبَاتَ بِالتَّصْحِيفِ فَقَالُوا الصَّوَابُ ذَا بَاسِمِ الْإِشَارَةِ، وَيَا عَجَبًا مِنْ قَوْمٍ يَقْبَلُونَ التَّشْكِيكَ عَلَى الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ وَيَطْلُبُونَ لَهَا تَأْوِيلَاتٍ، وَجَوَابُهُمْ أَنَّ هَا اللَّهِ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْمَ الْإِشَارَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ، وَأَمَّا جَعْلُ لَا يَعْمِدُ جَوَابَ فَأَرْضِهِ فَهُوَ سَبَبُ الْغَلَطِ وَلَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ شَرْطٍ مَقْدُورٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَدَقَ فَأَرْضِهِ، فَكَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ إِذَا صَدَقَ فِي أَنَّهُ صَاحِبُ السَّلَبِ إِذًا لَا يَعْمِدُ فَيُعْطِيكَ حَقَّهُ فَالْجَزَاءُ صَحِيحٌ لِأَنَّ صِدْقَهُ سَبَّبَ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا تَكَلُّفَ فِيهِ انْتَهَى. وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ، وَالَّذِي قَبْلَهُ أَقْعَدُ، وَيُؤَيِّدُهُ كَثْرَةُ وُقُوعِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ كَحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرَيْرَةَ لَمَّا ذَكَرَتْ أَنَّ أَهْلَهَا يَشْتَرِطُونَ الْوَلَاءَ قَالَتْ: فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ إِذًا، وَفِي «قِصَّةِ جُلَيْبِيبٍ بِالْجِيمِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ مُصَغَّرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ عَلَيْهِ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى أَبِيهَا فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا فَذَهَبَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَتْ: لَا هَاءَ اللَّهِ إِذًا وَقَدْ مَنَعْنَاهَا فُلَانًا» ، صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ لَوْ لَبِسْتَ مِثْلَ عَبَاءَتِي هَذِهِ، قَالَ: لَا هَاءَ اللَّهِ إِذًا لَا أَلْبَسُ مِثْلَ عَبَاءَتِكَ هَذِهِ. وَفِي تَهْذِيبِ الْكَمَالِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فِي مَرَضِهَا فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكِ؟ قَالَتْ: أَصْبَحْتُ ذَاهِبَةً، قَالَ: فَلَا إِذًا وَكَانَ فِيهِ دُعَابَةٌ. وَوَقَعَ أَيْضًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ بِقَسَمٍ وَبِغَيْرِ قَسَمٍ كَحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي «قِصَّةِ صَفِيَّةَ لَمَّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَقِيلَ: إِنَّهَا طَافَتْ فَقَالَ: فَلَا إِذًا» . وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي فِي «سُؤَالِهِ عَنْ أَحَبِّ النَّاسِ فَقَالَ: عَائِشَةُ، قَالَ: لَمْ أَعْنِ النِّسَاءَ؟ قَالَ: فَأَبَوْهَا إِذًا» . وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي «قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي أَصَابَتْهُ الْحُمَّى فَقَالَ: بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ الْقُبُورَ، قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا» . وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ عَنْ سُفْيَانَ: لَقِيتُ لِيطَةَ بْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 الْفَرَزْدَقِ فَقُلْتُ: أَسَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِيكَ؟ قَالَ: إِي هَا اللَّهِ إِذًا سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي فَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي فَلَمْ أَرْضَ كَمَالَهَا أَفَلَا أَعُودُ لَهَا؟ قَالَ: بَلَى هَا اللَّهِ إِذًا. انْتَهَى مَا اقْتَطَفْتُهُ مِنْ فَتْحِ الْبَارِي فَقَدْ أَطَالَ النَّفَسَ فِي ذَلِكَ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا. ثُمَّ أَرَادَ بَيَانَ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ (لَا يَعْمِدُ) بِالتَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ لَا يَقْصِدُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِلَى أَسَدٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ إِلَى رَجُلٍ كَأَنَّهُ أَسَدٌ فِي الشَّجَاعَةِ (مِنْ أَسَدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالسِّينِ (يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) أَيْ صُدُورِ قِتَالِهِ عَنْ رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَيْ بِسَبَبِهِمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82] (سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةُ 82) أَوِ الْمَعْنَى: يُقَاتِلُ ذَبًّا عَنْ دِينِ اللَّهِ إِعْلَاءً لِكَلِمَةِ اللَّهِ نَاصِرًا لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ، أَوْ يُقَاتِلُ لِنَصْرِ دِينِ اللَّهِ وَشَرِيعَةِ رَسُولِهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا. (فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ) أَيْ سَلَبَ قَتِيلِهِ الَّذِي قَتَلَهُ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ، فَأَضَافَهُ إِلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، قَالَ الْحَافِظُ: ضُبِطَ لِلْأَكْثَرِ بِالتَّحْتِيَّةِ فِي يَعْمِدُ وَيُعْطِي، وَضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِالنُّونِ فِيهِمَا انْتَهَى. وَعِبَارَةُ النَّوَوِيِّ ضَبَطُوهُمَا بِالْيَاءِ وَالنُّونِ وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَدَقَ) أَبُو بَكْرٍ (فَأَعْطِهِ) بِهَمْزَةِ قَطْعِ أَمْرٌ لِلَّذِي اعْتَرَفَ بِأَنَّ السَّلَبَ عِنْدَهُ (إِيَّاهُ) أَيِ السَّلَبَ، وَفِي هَذِهِ مَنْقَبَةٌ جَلِيلَةٌ لِأَبِي قَتَادَةَ حَيْثُ سَمَّاهُ الصِّدِّيقُ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ وَصَدَقَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْتُ الدِّرْعَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَرَاءٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَتَيْنِ، ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ بِسَبْعِ أَوَاقٍ فِضَّةً (فَاشْتَرَيْتُ بِهِ مَخْرَفًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَيَجُوزُ كَسْرِ الرَّاءِ أَيْ بُسْتَانًا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُخْتَرَفُ مِنْهُ الثَّمَرُ أَيْ يُجْتَنَى، وَإِمَّا بِكَسْرِ الْمِيمِ فَهُوَ اسْمُ الْآلَةِ الَّتِي يُخْتَرَفُ بِهَا قَالَهُ الْحَافِظُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيَجُوزُ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْأَوَّلِ فَقَطْ وَلَا كَذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: مَخْرَفٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: رَوَيْنَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: رَوَيْنَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ كَالْمَسْجِدِ أَيِ الْبُسْتَانِ، وَقِيلَ السِّكَّةُ مِنَ النَّخْلِ يَكُونُ صَفَّيْنِ يَخْتَرِفُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ أَنْ يَجْتَنِيَ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: هِيَ الْجُنَيْنَةُ الصَّغِيرَةُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ نَخَلَاتٌ يَسِيرَةٌ انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ خِرَافًا بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهُوَ الثَّمَرُ الَّذِي يُخْتَرَفُ أَيْ يُجْتَنَى وَأَطْلَقَهُ عَلَى الْبُسْتَانِ مَجَازًا فَكَأَنَّهُ قَالَ: بُسْتَانُ خِرَافٍ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الْبُسْتَانَ الْمَذْكُورَ كَانَ يُقَالُ لَهُ الْوِدِّيَّيْنِ (فِي بَنِي سَلِمَةَ) بِكَسْرِ اللَّامِ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ قَوْمُ أَبِي قَتَادَةَ (فَإِنَّهُ لِأَوَّلِ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ) بِفَوْقِيَّةٍ فَأَلِفٍ فَمُثَلَّثَةٍ أَيِ اقْتَنَيْتُهُ وَأَصَّلْتُهُ وَأَثْلَةُ كُلِّ شَيْءٍ أَصْلُهُ (فِي الْإِسْلَامِ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَوَّلُ مَالٍ اعْتَقَدْتُهُ أَيْ جَعَلْتُهُ عُقْدَةً وَالْأَصْلُ فِيهِ مِنَ الْعَقْدِ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا عَقَدَ عَلَيْهِ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيْدِيُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 الْأَنْدَلُسِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ عِنْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الصِّدِّيقِ إِلَّا هَذَا فَإِنَّهُ لِثَاقِبِ عِلْمِهِ وَشِدَّةِ صَرَامَتِهِ وَقُوَّةِ إِنْصَافِهِ وَصِحَّةِ تَحْقِيقِهِ بَادَرَ إِلَى الْقَوْلِ الْحَقِّ فَزَجَرَ وَأَفْتَى وَأَمْضَى وَأَخْبَرَ فِي الشَّرِيعَةِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَضْرَتِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ بِمَا صَدَقَهُ فِيهِ وَأَجْرَاهُ عَلَى قَوْلِهِ، وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ الْكُبْرَى إِلَى مَا لَا يُحْصَى مِنْ فَضَائِلِهِ الْأُخْرَى انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ» " «وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: إِنِّي ضَرَبْتُ رَجُلًا عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ فَأَعْجَلْتُ عَنْهُ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَخَذْتُهَا فَأَرْضِهِ مِنْهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ أَوْ سَكَتَ فَسَكَتَ فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَا يُفِيئُهَا اللَّهُ عَلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِهِ وَيُعْطِيكَهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَدَقَ عُمَرُ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ قَدْ أَخْرَجَ بِهِ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو قَتَادَةَ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ فَهُوَ أَتْقَنُ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَيْضًا قَالَ ذَلِكَ تَقْوِيَةً لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السَّلَبَ يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ مِنْ كُلِّ مَقْتُولٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا، وَفِي الْبَيْعِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَفِي الْمَغَازِي عَنِ التِّنِّيسِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَشِيمٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْأَنْفَالِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْفَرَسُ مِنْ النَّفَلِ وَالسَّلَبُ مِنْ النَّفَلِ قَالَ ثُمَّ عَادَ الرَّجُلُ لِمَسْأَلَتِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ الْأَنْفَالُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَا هِيَ قَالَ الْقَاسِمُ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُحْرِجَهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ صَبِيغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْ الْعَدُوِّ أَيَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ قَالَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْإِمَامِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْاجْتِهَادِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ إِلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ   991 - 975 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) بْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا) لَمْ يُسَمَّ (يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْأَنْفَالِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَرَسُ مِنَ النَّفَلِ وَالسَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ، قَالَ) الْقَاسِمُ (ثُمَّ عَادَ) الرَّجُلُ (لِمَسْأَلَتِهِ) كَأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ الْجَوَابَ (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ: الْأَنْفَالُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ) {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] (مَا هِيَ) لِأَنَّ جَوَابَكَ مُجْمَلٌ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ الْمَشْيَخَةَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَبَتُوا تَحْتَ الرَّايَاتِ وَأَمَّا الشُّبَّانُ فَسَارَعُوا إِلَى الْقَتْلِ وَالْغَنَائِمِ فَقَالَتِ الْمَشْيَخَةُ لِلشُّبَّانِ: أَشْرِكُونَا مَعَكُمْ كُنَّا لَكُمْ رَدْءًا وَلَوْ كَانَ مِنْكُمْ شَيْءٌ لَلَجَأْتُمْ إِلَيْنَا الحديث: 991 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] (سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 1) الْآيَةَ فَقَسَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَنَائِمَ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ» " وَلِابْنِ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْخُمُسِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ نَفْسُهُ رَوَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَنْفَالِ فِي الْآيَةِ الْغَنَائِمُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُفْصِحْ لِلرَّجُلِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ رَآهُ مُتَعَنِّتًا. (قَالَ الْقَاسِمُ: فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى كَادَ) قَارَبَ (أَنْ يُحْرِجَهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ وَسَقَطَتْ أَنْ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ أَفْصَحُ (ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا) أَيْ صِفَتُهُ (مَثَلُ صَبِيغٍ) بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ فَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ ابْنِ عِسْلٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَيُقَالُ بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ ابْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ الْحَنْظَلِيُّ لَهُ إِدْرَاكٌ وَمَثَّلَهُ بِهِ لِأَنَّهُ رَآهُ مُصْغٍ لِلْعِلْمِ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ حَقِيقٌ أَنْ يُصْنَعَ بِهِ مِثْلُ صَبِيغٍ (الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) أَخْرَجَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، ثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، ثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلًا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ عَنِ النَّاسِ فَقَالَ: إِنَّ فِيهَا رَجُلًا يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ يُقَالُ لَهُ صَبِيغٌ يُرِيدُ قُدُومَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِهِ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَخْتَلِفُ إِلَى الثَّنِيَّةِ يَسْأَلُ عَنْ صَبِيغٍ حَتَّى طَلَعَ بَعِيرٌ وَقَدْ لَهِجَ بِأَنْ يَقُولَ مَنْ يَلْبَسُ الْفِقْهَ بِفِقْهِهِ إِلَيْهِ، فَانْتَزَعَ الرَّجُلُ خِطَامًا مِنْ يَدِهِ حَتَّى أَتَى بِهِ عُمَرَ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا ثُمَّ حَبَسَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ أَيْضًا فَقَالَ صَبِيغٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِي فَأَجْهِزْ عَلَيَّ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شِفَايَ فَقَدْ شَفَيْتَنِي شَفَاكَ اللَّهُ فَأَرْسَلَهُ عُمَرُ. وَرَوَى الدَّارِمِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَنَافِعٌ قَالَا: " قَدِمَ الْمَدِينَةَ رَجُلٌ فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ وَأَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صَبِيغٌ، قَالَ: وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى دَمِيَ رَأْسُهُ فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ ذَهَبَ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُهُ فِي رَأْسِي ثُمَّ نَفَاهُ إِلَى الْبَصْرَةِ " وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَنَسٍ وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدٍ وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ وَزَادُوا عَنِ الثَّالِثِ وَكَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ: لَا تُجَالِسُوهُ فَلَوْ جَاءَ وَنَحْنُ مِائَةٌ لَتَفَرَّقْنَا. وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى لَا تُجَالِسْ صَبِيغًا وَأَحْرِمْهُ عَطَاءَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدٍ قَالَ: جَاءَ صَبِيغٌ التَّمِيمِيُّ إِلَى عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنِ الذَّارِيَاتِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَأَمَرَ عُمَرُ فَضُرِبَ مِائَةَ سَوْطٍ فَلَمَّا بَرَأَ دَعَاهُ فَضَرَبَهُ مِائَةً أُخْرَى ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى قَتَبٍ وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: حَرِّمْ عَلَى النَّاسِ مُجَالَسَتَهُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى فَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ أَنَّهُ صَلَحَ حَالُهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَلَمْ يَزَلْ صَبِيغٌ وَضِيعًا فِي قَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ سَيِّدًا فِيهِمْ. قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: اتَّهَمَهُ عُمَرُ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ. وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 أَنَّهُ كَانَ أَحْمَقَ وَأَنَّهُ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَ صَبِيغٌ مِنَ الْخَوَارِجِ فِي مَذَاهِبِهِمْ قَالَ: وَإِنَّمَا أَتَى مَالِكٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ تَفْسِيرًا لِلسَّلَبِ لِأَنَّ سَلَبَ قَتِيلِهِ كَانَ دِرْعًا وَزَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ الْفَرَسُ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ مَالِكٍ وَالرُّمْحُ وَذَلِكَ كُلُّهُ آلَاتُ الْمُقَاتِلِ لَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ آلَاتِهِ. (سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنَ الْعَدُوِّ أَيَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ) أَيْ أَمِيرِ الْجَيْشِ (وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الْإِمَامِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ) مِنْهُ بِمَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ. وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا: يُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ السَّلَبَ أَوْ يُخَمِّسَهُ وَاخْتَارَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي. وَعَنْ مَكْحُولٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ يُخَمَّسُ مُطْلَقًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] (سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 41) وَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ سَوَاءٌ قَالَ أَمِيرُ الْجَيْشِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَوْ لَا. وَأَجَابُوا عَنْ عُمُومِ الْآيَةِ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا. . . إِلَخْ، وَتُعُقِّبَ بِقَوْلِهِ: ( «وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ إِلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ» ) وَهِيَ آخِرُ مَغَازِيهِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا قِتَالٌ وَغَنِيمَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ حُفِظَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَضَى بِسَلَبِ أَبِي جَهْلٍ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ. وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ قَتَلَ رَجُلًا يَوْمَ أُحُدٍ فَسَلَّمَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَبَهُ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَتَلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ رَجُلًا فَنَفَّلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَبَهُ. ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ مُقَرَّرًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَإِنْكَارِهِ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَخْذَ السَّلَبِ مِنَ الْقَاتِلِ. وَرَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ قَالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ: تَعَالَ بِنَا نَدْعُو فَقَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي رَجُلًا شَدِيدًا بَأْسُهُ فَأُقَاتِلُهُ وَيُقَاتِلُنِي ثُمَّ ارْزُقْنِي عَلَيْهِ الظَّفَرَ حَتَّى أَقْتُلَهُ وَآخُذَ سَلَبَهُ " الْحَدِيثَ. وَفِي مَغَازِي ابْنِ إِسْحَاقَ: " أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَلِيٍّ لَمَّا قَتَلَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ: هَلَّا اسْتَلَبْتَ دِرْعَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْعَرَبِ خَيْرٌ مِنْهَا؟ فَقَالَ إِنَّهُ اتَّقَانِي بِسَوْءَتِهِ " وَلِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَتْ صَفِيَّةُ فِي حِصْنِ حَسَّانَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَذُكِرَ الْحَدِيثُ فِي قِصَّةِ قَتْلِهَا الْيَهُودِيَّ وَقَوْلِهَا لِحَسَّانَ انْزِلْ فَاسْلُبْهُ مِنْ حَاجَةٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ قَبْلَ يَوْمِ حُنَيْنٍ وَإِعْطَاؤُهُ السَّلَبَ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ لِأَنَّهُ لِلْإِمَامِ يَجْتَهِدُ فِيهِ بِمَا شَاءَ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ كَمَا هُوَ صَرِيحٌ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 ذَلِكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ لِئَلَّا تَضْعُفَ نِيَّاتُ الْمُجَاهِدِينَ. وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا أَوْ عَلَى التَّحْرِيمِ وَإِذَا قَالَهُ قَبْلَهُ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ اسْتَحَقَّهُ الْقَاتِلُ، وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 [بَاب مَا جَاءَ فِي إِعْطَاءِ النَّفَلِ مِنْ الْخُمُسِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنْ الْخُمُسِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النَّفَلِ هَلْ يَكُونُ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مَوْقُوفٌ إِلَّا اجْتِهَادُ السُّلْطَانِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَّلَ فِي مَغَازِيهِ كُلِّهَا وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ نَفَّلَ فِي بَعْضِهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ وَفِيمَا بَعْدَهُ   11 - بَابُ مَا جَاءَ فِي إِعْطَاءِ النَّفَلِ مِنَ الْخُمُسِ 992 - 976 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنَ الْخُمُسِ) قَالَ الْحَافِظُ: ظَاهِرُهُ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ تَفْضِيلَ بَعْضِ الْجَيْشِ لِمَعْنًى فِيهِ فَذَلِكَ مِنَ الْخُمُسِ لَا مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَإِنِ انْفَرَدَتْ قِطْعَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَنْفُلَهَا مِمَّا غَنِمَتْهُ دُونَ سَائِرِ الْجَيْشِ فَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ انْتَهَى. وَهَذَا الشَّرْطُ قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَتَحَدَّدُ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] (سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 1) فَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَهَا اهـ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) مِنَ الْخِلَافِ. (سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ النَّفَلِ هَلْ يَكُونُ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ؟ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (فِي ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مَوْثُوقٌ) بَيَانٌ لِمَعْرُوفٍ (إِلَّا اجْتِهَادُ السُّلْطَانِ) مَنْ لَهُ سَلْطَنَةٌ؛ الْإِمَامُ أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ (وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَلَ فِي مَغَازِيهِ كُلِّهَا وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ نَفَلَ فِي بَعْضِهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ) وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِ مَغْنَمٍ وَغَيْرِهِ (وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنَ الْإِمَامِ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ وَفِيمَا بَعْدَهُ) وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُنَفِّلُ مِنْ أَوَّلِ الْغَنِيمَةِ وَلَا يُنَفِّلُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ. الحديث: 992 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 [بَاب الْقَسْمِ لِلْخَيْلِ فِي الْغَزْوِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَقُولُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ ذَلِكَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يَحْضُرُ بِأَفْرَاسٍ كَثِيرَةٍ فَهَلْ يُقْسَمُ لَهَا كُلِّهَا فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ بِذَلِكَ وَلَا أَرَى أَنْ يُقْسَمَ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ الَّذِي يُقَاتِلُ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ إِلَّا مِنْ الْخَيْلِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] فَأَنَا أَرَى الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ مِنْ الْخَيْلِ إِذَا أَجَازَهَا الْوَالِي وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُئِلَ عَنْ الْبَرَاذِينِ هَلْ فِيهَا مِنْ صَدَقَةٍ فَقَالَ وَهَلْ فِي الْخَيْلِ مِنْ صَدَقَةٍ   12 - بَابُ الْقَسَمِ لِلْخَيْلِ فِي الْغَزْوِ 977 - (مَالِكٌ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَقُولُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمٌ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ ذَلِكَ) وَقَدْ رَوَاهُ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا» " فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَسْهَمَ لِرَجُلٍ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ» " وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْفَرَسِ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ فَقَطْ. وَاحْتَجُّوا لَهُ بِمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ بِلَفْظِ: أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ وَهْمٌ مِنْ رَاوِيهِ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ لِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِمَا بِلَفْظِ أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ أَوَّلًا وَهْمٌ، وَمَعْنَاهُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ بِسَبَبِ فَرَسِهِ سَهْمَيْنِ غَيْرَ سَهْمِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مَجْمَعِ بْنِ جَارِيَةَ بِجِيمٍ وَتَحْتِيَّةٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي قِصَّةِ خَيْبَرَ قَالَ: " «فَأَعْطَى لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا» " وَفِي إِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَلَوْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَوْلَى، وَلَا سِيَّمَا وَالْأَسَانِيدُ الْأُوَّلُ أَثْبَتُ وَمَعَ رَاوِيهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرَةَ " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ سَهْمًا فَكَانَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ» " وَلِلنَّسَائِيِّ عَنِ الزُّبَيْرِ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَفَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ سَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِقَرَابَتِهِ» " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ: انْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ دُونَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أُفِضِّلَ بَهِيمَةً عَلَى مُسْلِمٍ وَهِيَ شُبْهَةٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ السِّهَامَ كُلَّهَا لِلرَّجُلِ، قَالَ الْحَافِظُ: لَوْ لَمْ يَثْبُتِ الْحَدِيثُ لَكَانَتِ الشُّبْهَةُ قَوِيَّةً لِأَنَّ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ، فَلَوْلَا الْفَرَسُ مَا ازْدَادَ الْفَارِسُ سَهْمَيْنِ عَنِ الرَّاجِلِ، فَمَنْ جَعَلَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْفَرَسِ وَبَيْنَ الرَّاجِلِ، وَتُعُقِّبَ هَذَا أَيْضًا بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْبَهِيمَةِ وَالْإِنْسَانِ، فَلَمَّا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ بِالْمُسَاوَاةِ فَلْتَكُنِ الْمُفَاضَلَةُ كَذَلِكَ، وَقَدْ فَضَّلَ الْحَنَفِيَّةُ الدَّابَّةَ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 فَقَالُوا: إِذَا قَتَلَ كَلْبَ صَيْدٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ أَدَّاهَا، فَإِنْ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ إِلَّا دُونَ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَالْحَقُّ أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْخَبَرِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا قَالَ فَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى لَكِنَّ الثَّابِتَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ كَالْجُمْهُورِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّ الْفَرَسَ يَحْتَاجُ إِلَى مُؤْنَةٍ لِخِدْمَتِهَا وَعَلَفِهَا وَبِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا مِنَ الْغَنَاءِ فِي الْحَرْبِ مَا لَا يَخْفَى. (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يَحْضُرُ بِأَفْرَاسٍ كَثِيرَةٍ فَهَلْ يُقْسَمُ لَهَا كُلِّهَا؟ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ بِذَلِكَ وَلَا أَرَى أَنْ يُقْسَمَ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ الَّذِي يُقَاتِلُ عَلَيْهِ) وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ لَا أَكْثَرَ لِحَدِيثِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: " «أَسْهَمَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَرَسَيَّ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ وَلِي سَهْمًا فَأَخَذْتُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ» " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ يُسْهِمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى بِسَهْمٍ لِكُلٍّ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى الْبَرَاذِينَ) جَمْعُ بِرْذَوْنٍ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُرَادُ الْجُفَاةُ الْخِلْقَةُ مِنَ الْخَيْلِ وَأَكْثَرُ مَا تُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ وَلَهَا جَلَدٌ عَلَى السَّيْرِ فِي الشِّعَابِ وَالْجِبَالِ وَالْوَعْرِ بِخِلَافِ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ. (وَالْهُجُنَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَالْجِيمِ جَمْعُ هَجِينٍ كَبُرُدٍ وَبَرِيدٍ وَهُوَ مَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ عَرَبِيٌّ، وَقِيلَ الْهَجِينُ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ، وَأَمَّا الَّذِي أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ فَيُسَمَّى الْمُقْرِفَ، وَعَنْ أَحْمَدَ الْهَجِينُ الْبِرْذَوْنُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْحُكْمِ (إِلَّا مِنَ الْخَيْلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: وَ) خَلَقَ (الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا) وَجْهُ الِاحْتِجَاجِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَّ بِرُكُوبِ الْخَيْلِ وَقَدْ أَسْهَمَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاسْمُ الْخَيْلِ يَقَعُ عَلَى الْبِرْذَوْنِ وَالْهَجِينِ بِخِلَافِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَكَأَنَّ الْآيَةَ اسْتَوْعَبَتْ مَا رُكِبَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لِمَا يَقْتَضِيهِ الِامْتِنَانُ، فَلَمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْبِرْذَوْنِ وَالْهَجِينِ فِيهَا دَلَّ عَلَى دُخُولِهِمَا فِي الْخَيْلِ قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ. (وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَعِدُّوا لَهُمْ) لِقِتَالِهِمْ (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ الرَّمْيُ (وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى حَبْسِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (تُرْهِبُونَ) تُخَوِّفُونَ (بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الْكُفَّارَ، فَعُمُومُ الْخَيْلِ شَامِلٌ لِلْبَرَاذِينِ وَالْهَجِينِ (فَأَنَا أَرَى الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ مِنَ الْخَيْلِ إِذَا أَجَازَهَا الْوَالِي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 عَلَى الْجَيْشِ (وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسُئِلَ) وَالسَّائِلُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ كَمَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ (عَنِ الْبَرَاذِينِ هَلْ فِيهَا صَدَقَةٌ؟) وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ صَدَقَةٍ بِزِيَادَةِ مِنْ (فَقَالَ: وَهَلْ فِي الْخَيْلِ مِنْ صَدَقَةٍ) أَيْ زَكَاةٍ فَجَعَلَهَا مِنَ الْخَيْلِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَلِأَبِي دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ مَكْحُولٍ " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَجَنَ الْهَجِينَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَرَّبَ الْعِرَابَ فَجَعَلَ لِلْعَرَبِيِّ سَهْمَيْنِ وَلِلْهَجِينِ سَهْمًا» " وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ قَالَ: أَغَارَتِ الْخَيْلُ فَأَدْرَكَتِ الْعِرَابُ وَتَأَخَّرَتِ الْبَرَاذِينُ فَقَامَ الْمُنْذِرُ الْوَادِعِيُّ فَقَالَ: لَا أَجْعَلُ مَا أَدْرَكَ كَمَا لَمْ يُدْرِكْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ: هَبِلَتِ الْوَدَاعِيَّ أُمُّهُ لَقَدْ أُذْكِرْتُ بِهِ امْضُوهَا عَلَى مَا قَالَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَسْهَمَ لِلْبَرَاذِينِ دُونَ سِهَامِ الْعُرْبِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ شَاعِرُهُمْ: وَمِنَّا الَّذِي قَدْ سَنَّ فِي الْخَيْلِ سُنَّةً وَكَانَتْ سَوَاءً قَبْلَ ذَاكَ سِهَامُهَا وَهَذَا مُنْقَطِعٌ أَيْضًا، وَقَدْ أَخَذَ بِهِ أَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَعَنْهُ كَالْجَمَاعَةِ، وَعَنْهُ إِنْ بَلَغَتِ الْبَرَاذِينُ مَبَالِغَ الْعَرَبِيَّةِ سُوِّيَ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا فُضِّلَتِ الْعَرَبِيَّةُ وَاخْتَارَهَا بَعْضُهُمْ، وَعَنِ اللَّيْثِ يُسْهَمُ لِلْبِرْذَوْنِ وَالْهَجِينِ دُونَ سَهْمِ الْفَرَسِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْغُلُولِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعِرَّانَةَ سَأَلَهُ النَّاسُ حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنْ الْأَرْضِ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ»   13 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغُلُولِ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ أَيِ الْخِيَانَةِ فِي الْمَغْنَمِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ آخِذَهُ يَغُلُّهُ أَيْ يُخْفِيهِ فِي مَتَاعِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 161) وَعِيدٌ عَظِيمٌ. 994 - 978 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَرْفُوعًا ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ هَذَا ثَانِيهَا (عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ شُعَيْبِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي صَدُوقٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ وَوَصَلَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ الْحَافِظُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ الحديث: 994 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صَدَرَ) رَجَعَ (مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعْرَانَةَ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَخِفَّةِ الرَّاءِ وَبِكَسْرِ الْعَيْنِ وَشَدِّ الرَّاءِ وَالْأُولَى أَفْصَحُ (سَأَلَهُ النَّاسُ) وَزَادَ فِي الطَّرِيقِ الْمَوْصُولَةِ فَقَالُوا: اقْسِمْ عَلَيْنَا فَيْئَنَا (حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ) أَيْ سَمَرَةَ بِفَتْحِ الْمِيمِ مِنْ شَجَرِ الْبَادِيَةِ ذَاتِ شَوْكٍ، فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقْفِلَةً مِنْ حُنَيْنٍ فَعَلِقَتِ النَّاسُ الْأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمَرَةَ (فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ) أَيْ عَلَقَ شَوْكُهَا بِهِ (حَتَّى نَزْعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ) وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ: فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ وَهُوَ مَجَازٌ وَالْمُرَادُ خَطِفَتْهُ الْأَعْرَابُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ النَّسَائِيُّ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ (رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي) وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ فَوَقَفَ وَقَالَ: أَعْطُونِي رِدَائِي يَعْنِي خَلِّصُوهُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَأَعْطُوهُ لِي، وَإِنْ كَانُوا خَطَفُوهُ فَالرَّدُّ بِلَا تَخْلِيصٍ (أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أُقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ) رَدَّ (اللَّهُ عَلَيْكُمْ) مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَصْلُ الْفَيْءِ الرَّدُّ وَالرُّجُوعُ، وَمِنْهُ سُمِّي الظِّلُّ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيْئًا لِرُجُوعِهِ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، فَكَأَنَّ أَمْوَالَ الْكُفَّارِ سُمِّيَتْ فَيْئًا لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ لِلْمُؤْمِنِينَ إِذِ الْإِيمَانُ هُوَ الْأَصْلُ وَالْكَفْرُ طَارٍ عَلَيْهِ. (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) إِنْ شَاءَ أَبْقَاهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَهُوَ قَسَمٌ كَانَ يُقْسِمُ بِهِ كَثِيرًا (لَوْ أَفَاءَ) بِالْهَمْزِ وَلَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ (اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمَرِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ شَجَرٌ (تِهَامَةَ) جَمْعُ سَمَرَةٍ بِالتَّاءِ شَجَرَةٌ طَوِيلَةٌ مُتَفَرِّقَةُ الرَّأْسِ قَلِيلَةُ الظِّلِّ صَغِيرَةُ الْوَرَقِ وَالشَّوْكِ صُلْبَةُ الْخَشَبِ قَالَهُ ابْنُ التِّينِ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هِيَ الْعِضَاهُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ الْخَفِيفَةِ آخِرُهُ هَاءٌ وَصْلًا وَوَقْفًا شَجَرُ الشَّوْكِ كَطَلْحٍ وَعَوْسَجٍ وَسِدْرٍ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَرَقُ السُّمَرَةِ أَثْبَتُ وَظِلُّهَا أَكْثَفُ وَيُقَالُ هِيَ شَجَرَةُ الطَّلْحِ، وَلِلنَّسَائِيِّ: " لَوْ أَنَّ لَكُمْ بِعَدَدِ شَجَرِ تِهَامَةَ " وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ: " لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ " (نَعَمًا) بِفَتْحَتَيْنِ وَالنَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ (لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ بَيْنَكُمْ (ثُمَّ لَا تَجِدُونِي) بِنُونٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: تَجِدُونَنِي بِنُونَيْنِ (بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا) أَيْ إِذَا جَرَّبْتُمُونِي لَا تَجِدُونِي ذَا بُخْلٍ وَلَا ذَا جُبْنٍ وَلَا ذَا كَذِبٍ، فَالْمُرَادُ نَفْيُ الْوَصْفِ مِنْ أَصْلِهِ لَا نَفْيُ الْمُبَالَغَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الثَّلَاثَةُ ; لِأَنَّ كَذَّابًا مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ، وَجَبَانًا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، وَبَخِيلًا مُحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 جَمْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ لَطِيفَةٍ لِأَنَّهَا مُتَلَازِمَةٌ، وَكَذَا أَضْدَادُهَا الصِّدْقُ وَالْكَرَمُ وَالشَّجَاعَةُ، وَأَصْلُ الْمَعْنَى هُنَا الشَّجَاعَةُ، فَإِنَّ الشُّجَاعَ وَاثِقٌ مِنْ نَفْسِهِ بِالْخُلْفِ مِنْ كَسْبِ سَيْفِهِ فَبِالضَّرُورَةِ لَا يَبْخَلُ، وَإِذَا سَهُلَ عَلَيْهِ الْعَطَاءُ لَا يَكْذِبُ بِالْخُلْفِ فِي الْوَعْدِ لِأَنَّ الْخُلْفَ إِنَّمَا يَنْشَأُ مِنَ الْبُخْلِ، وَقَوْلُهُ: " لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ " تَنْبِيهٌ بِطْرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا سَمَحَ بِمَالِ نَفْسِهِ فَلِأَنْ يَسْمَحَ بِقَسْمِ غَنَائِمِهِمْ عَلَيْهِمْ أَوْلَى، وَاسْتِعْمَالُ ثُمَّ هُنَا لَيْسَ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَاهَا وَإِنْ كَانَ الْكَرَمُ يَتَقَدَّمُ الْعَطَاءَ، لَكِنَّ عِلْمَ النَّاسِ بِكَرَمِ الْكَرِيمِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْعَطَاءِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِثُمَّ الدَّلَالَةَ عَلَى تَرَاخِي الْعِلْمِ بِالْكَرَمِ عَنِ الْعَطَاءِ وَإِنَّمَا التَّرَاخِي هُنَا لِعُلُوِّ رُتْبَةِ الْوَصْفِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَأَعْلَى مِنَ الْعَطَاءِ بِمَا لَا يُتَعَارَفُ أَنْ يَكُونَ الْعَطَاءُ عَنْ كَرَمٍ، فَقَدْ يَكُونَ عَطَاءً بِلَا كَرَمٍ كَعَطَاءِ الْبَخِيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَفِيهِ ذَمُّ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهَا، وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحِلْمِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَسَعَةِ الْجُودِ وَالصَّبْرِ عَلَى جُفَاةِ الْأَعْرَابِ، وَجَوَازُ وَصْفِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ بِالْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِخَوْفِ ظَنِّ أَهْلِ الْجَهْلِ بِهِ خِلَافَ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ مِنَ الْفَخْرِ الْمَذْمُومِ وَرِضَى السَّائِلِ بِالْحَقِّ لِلْوَعْدِ إِذَا تَحَقَّقَ مِنَ الْوَاعِدِ التَّنْجِيزُ، وَأَنَّ الْخِيَارَ لِلْإِمَامِ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ إِنْ شَاءَ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَرْبِ وَإِنْ شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ. (فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عَنْ نَاقَتِهِ (قَامَ فِي النَّاسِ: فَقَالَ أَدُّوا الْخِيَاطَ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَحْتِيَّةٍ بِزِنَةِ لِحَافٍ أَيِ الْخَيْطَ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْخَائِطِ وَأَعُدُّ الْخُيُوطَ الْمَعْرُوفَةَ وَإِنِ احْتَمَلَ الْخِيَاطُ الْإِبْرَةَ لَكِنْ يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ: (وَالْمِخْيَطَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ فَإِنَّهُ الْإِبْرَةُ بِلَا خِلَافٍ، وَهَذَا خَرَجَ عَلَى التَّقْلِيلِ لِيَكُونَ مَا فَوْقَهُ أَوْلَى بِالدُّخُولِ فِي مَعْنَاهُ (فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ) شَيْءٌ يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْنٌ أَوْ سُبَّةٌ فِي الدُّنْيَا (وَنَارٌ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَشَنَارٌ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ الْخَفِيفَةِ فَأَلِفٍ فَرَاءٍ أَقْبَحُ الْعَيْبِ وَالْعَارِ (عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الشَّنَارُ لَفْظَةٌ جَامِعَةٌ لِمَعْنَى النَّارِ وَالْعَارِ وَمَعْنَاهَا الشَّيْنُ وَالنَّارُ يُرِيدُ أَنَّ الْغُلُولَ شَيْنٌ وَعَارٌ وَمَنْقَصَةٌ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابٌ وَنَارٌ فِي الْآخِرَةِ. (قَالَ: ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنَ الْأَرْضِ وَبَرَةً) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ شَعْرَةً (مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا) شَكَّ الرَّاوِي، وَلِلنَّسَائِيِّ: " ثُمَّ مَالَ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَأَخَذَ مِنْهَا وَبَرَةً فَوَضَعَهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ " (ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ) الْوَبَرَةِ (إِلَّا الْخُمُسُ) فَإِنَّهُ لِي أَعْمَلُ فِيهِ بِرَأْيِي (وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) بِاجْتِهَادِي لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ مَقْسُومَةٌ عَلَى الْمُقَاتِلِينَ: الشَّرِيفُ وَالْمَشْرُوفُ وَالرَّفِيعُ وَالْوَضِيعُ وَالْغَنِيُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 وَالْفَقِيرُ وَالسَّوَاءُ، لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلِاجْتِهَادِ بِالِاتِّفَاقِ الْمُتَلَقَّى لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي سَهْمِ الْفَارِسِ كَمَا تَقَدَّمَ. زَادَ النَّسَائِيُّ: " «فَقَامَ رَجُلٌ وَمَعَهُ كُبَّةُ شَعْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذْتُ هَذِهِ لِأُصْلِحَ بِهَا بَرْدَعَةً، فَقَالَ: أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكَ، فَقَالَ: أَمَّا إِذَا بَلَغَتْ مَا أَرَى فَلَا أَرَبَ لِي فِيهَا وَنَبَذَهَا» " وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ شَيْبَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَسَيْفُهُ مُلَطَّخٌ دَمًا فَقَالَ: دُونَكِي هَذِهِ الْإِبْرَةَ تَخِيطِينَ بِهَا ثِيَابَكِي فَدَفَعَهَا إِلَيْهَا فَسَمِعَ الْمُنَادِيَ يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَلْيَرُدُّهُ حَتَّى الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ فَرَجَعَ عَقِيلٌ فَأَخَذَهَا فَأَلْقَاهَا فِي الْغَنَائِمِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ قَالَ «تُوُفِّيَ رَجُلٌ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ يَهُودَ مَا تُسَاوِينَ دِرْهَمَيْنِ»   995 - 979 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ (أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا لِيَحْيَى وَهُوَ غَلَطٌ سَقَطَ عَنْهُ شَيْخُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَفِي التَّقْرِيبِ أَبُو عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ صَوَابُهُ عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ الْبُخَارِيُّ يُقَالُ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثُمَّ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ انْتَهَى. وَأَبُوهُ أَبُو عَمْرَةَ صَحَابِيٌّ شَهِيدٌ بَدْرِيٌّ اسْمُهُ بَشِيرٌ وَقِيلَ أُسَامَةُ وَقِيلَ ثَعْلَبَةُ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ، فَعُلِمَ أَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ وَمُصْعَبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ (الْجُهَنِيَّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ الْمَدَنِيَّ الصَّحَابِيَّ الْمَشْهُورَ مَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً. (قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ) لَمْ يُسَمَّ (يَوْمَ خَيْبَرَ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَآخِرُهُ رَاءٌ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ إِلَّا يَحْيَى فَقَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ وَالصَّحِيحُ خَيْبَرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مِنْ خَرَزِ يَهُودَ وَلَمْ يَكُنْ بِحُنَيْنٍ يَهُودُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَكَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مِنْ خَرَزِ يَهُودَ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَهُودُ يُؤْخَذُ خَرَزُهُمْ وَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَلِّيَ (فَزَعَمَ زَيْدٌ) أَيْ قَالَ حَقًّا كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " زَعَمَ جِبْرِيلُ " وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْكَذِبِ وَمِنْهُ: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن: 7] (سُورَةُ التَّغَابُنِ: الْآيَةُ 7) وَعَلَى قَوْلٍ لَمْ يُوثَقْ بِهِ كَقَوْلِهِ: كَذَا زَعَمُوا خَيْرُ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمَا هُنَا مِنَ الْأَوَّلِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُصَلِّي عَلَى ذِي كَبِيرَةٍ (فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ) الحديث: 995 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 أَيْ عَدَمِ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمُوا ذَنْبَهُ ( «فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) خَانَ فِي الْغَنِيمَةِ (قَالَ) زَيْدٌ (فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ) جَمْعُ خَرَزَةٍ بِزِنَةِ قَصَبٍ وَقَصَبَةٍ مَا يُنْظَمُ (يَهُودَ مَا يُسَاوِينَ) وَفِي رِوَايَةٍ مَا تُسَاوِي (دِرْهَمَيْنِ) فَفِي هَذَا تَعْظِيمُ أَمْرِ الْغُلُولِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْكِنَانِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ يَدْعُو لَهُمْ وَأَنَّهُ تَرَكَ قَبِيلَةً مِنْ الْقَبَائِلِ قَالَ وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْدَعَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ جَزْعٍ غُلُولًا فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ»   996 - 980 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْكِنَانِيِّ) قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ عَنِ اسْمِ أَبِي بُرْدَةَ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ (أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ) جَمْعُ قَبِيلَةٍ الْجَمَاعَةُ الْمُجْتَمِعُونَ مِنْ قَوْمٍ شَتَّى (يَدْعُو لَهُمْ وَأَنَّهُ تَرَكَ قَبِيلَةً مِنَ الْقَبَائِلِ) بِغَيْرِ دُعَاءٍ (قَالَ: وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْدَعَةِ) بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَمُعْجَمَةٍ حِلْسٌ يُجْعَلُ تَحْتَ الرَّحْلِ هَذَا أَصْلُهُ لُغَةً وَفِي عُرْفِ زَمَانِنَا هِيَ لِلْحِمَارِ بِمَنْزِلَةِ السِّرَاجِ لِلْفَرَسِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هِيَ الْفِرَاشُ الْمُبَطَّنُ (رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الثَّانِي قِلَادَةٌ (جَزْعٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ خَرَزٌ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ الْوَاحِدَةُ جَزْعَةٌ مِثْلُ تَمْرٍ وَتَمْرَةٍ (غُلُولًا) خِيَانَةً (فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ زَجْرٌ لَهُمْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْمَوْتَى الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ الْمَوَاعِظَ وَلَا يَمْتَثِلُونَ الْأَوَامِرَ وَلَا يَجْتَنِبُونَ النَّوَاهِيَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتَى الَّذِينَ انْقَطَعَ عَمَلُهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يُقْضَى لَهُمْ بِتَوْبَةٍ انْتَهَى، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو عُمَرَ، وَقَالَ: أَعْلَمُ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ مُسْنَدًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ. الحديث: 996 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ سَالِمٍ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا إِلَّا الْأَمْوَالَ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ قَالَ فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ»   997 - 981 - (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ) بِمُثَلَّثَةٍ (بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ الْمَدَنِيِّ الحديث: 997 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 (عَنْ أَبِي الْغَيْثِ) بِمُعْجَمَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ فَمُثَلَّثَةٍ (سَالِمٍ) الْمَدَنِيِّ وَهُوَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرُ مِنِ اسْمِهِ وَقَدْ سُمِّيَ هُنَا فَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ قَالَ لَا يُوقَفُ عَلَى اسْمِهِ صَحِيحًا، نَعَمْ لَا يُعْرَفُ اسْمُ أَبِيهِ (مَوْلَى) عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ مُطِيعٍ) بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ لَهُ رُؤْيَةٌ وَأَمَّرَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ قُتِلَ مَعَهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ خَيْبَرَ) بِمُعْجَمَةٍ آخِرُهُ رَاءٌ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ يَحْيَى وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لِجَمَاعَةِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَغَلَطَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى فَقَالَ " حُنَيْنٍ " نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَحَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ أَنَّ ثَوْرَ بْنَ زَيْدٍ وَهِمَ فِي قَوْلِهِ: خَرَجْنَا؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَخْرُجْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى خَيْبَرَ وَإِنَّمَا قَدِمَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ خَيْبَرَ بَعْدَ أَنْ فُتِحَتْ، يَعْنِي كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ وَقَدِ اسْتَخْلَفَ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ " الْحَدِيثَ وَفِيهِ: " فَزَوَّدْنَا شَيْئًا حَتَّى أَتَيْنَا خَيْبَرَ وَقَدِ افْتَتَحَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْرَكُونَا فِي سِهَامِهِمْ» " وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ «عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ بِلَفْظِ: " انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى وَادِي الْقُرَى» " فَلَعَلَّ ثَوْرًا وَهِمَ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ ابْنِ إِسْحَاقَ وَزَعَمَ أَنَّ رِوَايَتَهُ أَرْجَحُ لَا تُسْمَعُ، فَأَيْنَ يَقَعُ سَمَاعُهُ مِنْ سَمَاعِ مَالِكٍ حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَيْهِ؟ وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ فِي مُسْلِمٍ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خَيْبَرَ إِلَى وَادِي الْقُرَى» " فَلَعَلَّ هَذَا أَصْلُ الْحَدِيثِ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَضَرَ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ (فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا) وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَا فِضَّةً (إِلَّا الْأَمْوَالَ: الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ) كَذَا لِيَحْيَى وَحْدَهُ، وَلِلشَّافِعِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِمْ: إِلَّا الْأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ الْمَحْفُوظُ. وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ: إِلَّا الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ وَالْأَمْوَالَ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: " حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ الدِّيلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً إِنَّمَا غَنِمْنَا الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي وَهِيَ سَالِمَةٌ مِنَ الِاعْتِرَاضِ بِحَمْلِ قَوْلِهِ افْتَتَحْنَا أَيِ الْمُسْلِمُونَ، وَلَهُ نَظَائِرُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَجَوَّزَ أَبُو إِسْحَاقَ مَعَ جَلَالَتِهِ إِسْنَادَهُ بِسَمَاعِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَضَى بِأَنَّهَا خَيْبَرُ لَا حُنَيْنٌ، وَرَفَعَ الْإِشْكَالَ قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ وَهِيَ دَوْسٌ لَا تُسَمِّي الْعَيْنَ مَالًا وَإِنَّمَا الْأَمْوَالُ عِنْدَهُمُ الثِّيَابُ وَالْمَتَاعُ وَالْعَرُوضُ وَعِنْدَ غَيْرِهِمُ الْمَالُ الصَّامِتُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ لَا يُسَمَّى مَالًا. وَقَدْ نَقَلَ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَنِ الْمُفَضَّلِ الضَّبِّيِّ قَالَ: الْمَالُ عِنْدَ الْعَرَبِ الصَّامِتُ وَالنَّاطِقُ، الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْجَوْهَرُ، وَالنَّاطِقُ الْبَعِيرُ وَالْبَقَرُ وَالشَّاةُ، فَإِذَا قُلْتَ عَنْ حَضَرِيٍّ كَثُرَ مَالُهُ فَالْمُرَادُ الصَّامِتُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 وَإِنْ قُلْتَ عَنْ بَدَوِيٍّ فَالْمُرَادُ النَّاطِقُ انْتَهَى. وَقَدْ أَطْلَقَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْبُسْتَانِ مَالًا كَمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ، فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَالَ مَا لَهُ قِيمَةٌ، لَكِنْ قَدْ يَغْلِبُ عَلَى قَوْمٍ تَخْصِيصُهُ بِشَيْءٍ كَمَا حَكَاهُ الْمُفَضَّلُ، فَتُحْمَلُ الْأَمْوَالُ عَلَى الْمَوَاشِي وَالْحَوَائِطِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا يُرَادُ بِهَا النُّقُودُ لِأَنَّهُ نَفَاهَا أَوَّلًا، ثُمَّ لَا تَخَالُفَ بَيْنَ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْرَكُونَا فِي سِهَامِهِمْ، وَبَيْنَ قَوْلِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: وَلَمْ يَقْسِمْ لِأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الْفَتْحَ غَيْرُنَا يَعْنِي الْأَشْعَرِيِّينَ لِأَنَّ مُرَادَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِرْضَاءِ أَحَدٍ مِنَ الْغَانِمِينَ. وَأَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابُهُ فَلَمْ يُعْطِهِمْ إِلَّا عَنْ طِيبِ خَوَاطِرِ الْمُسْلِمِينَ. (قَالَ: فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ) أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مَالِكٍ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ بِلَفْظِ جَمْعِ الضِّبِّ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: وَهَبَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُذَامَ يُدْعَى رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ. وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ الْجُذَامِيِّ ثُمَّ الضُّبَنِيِّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا نُونٌ وَقِيلَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ نِسْبَةً إِلَى بَطْنٍ مِنْ جُذَامَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ رِفَاعَةُ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَاسٍ مِنْ قَوْمِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى خَيْبَرَ فَأَسْلَمُوا وَعَقَدَ لَهُ عَلَى قَوْمِهِ (غُلَامًا) عَبْدًا (أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْعَيْنَ الْمُهْمَلَتَيْنِ صَحَابِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَوَجَّهَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (رَسُولُ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْفَزَارِيِّ: ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى وَادِي الْقُرَى) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مَقْصُورٌ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ (حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا) بِالْمِيمِ بِلَا فَاءٍ (مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ: وَقَدِ اسْتَقْبَلَتْنَا يَهُودُ بِالرَّمْيِ وَلَمْ نَكُنْ عَلَى تَعْبِيَةٍ (إِذْ جَاءَهُ) أَيْ مِدْعَمًا (سَهْمٌ عَائِرٌ) بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَهَمْزَةٍ فَرَاءٍ بِزِنَةِ الْفَاعِلِ أَيْ لَا يُدْرَى مَنْ رَمَى بِهِ، وَقِيلَ هُوَ الْحَائِدُ عَنْ قَصْدِهِ (فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ) وَفِي رِوَايَةِ الْفَزَارِيِّ: الشَّهَادَةُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَّا) رَدْعٌ لَهُمْ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ) كِسَاءٌ يُشْتَمَلُ بِهِ وَيُلْتَفُّ فِيهِ، وَقِيلَ إِنَّمَا تُسَمَّى شَمْلَةً إِذَا كَانَ لَهَا هُدْبٌ (الَّتِي أَخَذَهَا) ، وَفِي رِوَايَةٍ أَصَابَهَا (يَوْمَ خَيْبَرَ) بِمُعْجَمَةٍ أَوَّلُهُ وَرَاءٍ بِلَا نَقْطٍ آخِرُهُ عَلَى الصَّوَابِ (مِنَ الْغَنَائِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ) بِزِنَةِ تَفْتَعِلُ عِنْدَ ابْنِ وَضَّاحٍ وَلِابْنِ يَحْيَى لَتُشْعَلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (عَلَيْهِ نَارًا) قَالَ الْحَافِظُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَقِيقَةً بِأَنْ تَصِيرَ الشَّمْلَةُ فَيُعَذَّبَ بِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا سَبَبٌ لِعَذَابِ النَّارِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الشِّرَاكِ الْآتِي. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: " «كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ فِي النَّارِ فِي عَبَاءَةٍ غَلَّهَا» " وَكَلَامُ عِيَاضٍ يُشْعِرُ بِاتِّحَادِ قِصَّتِهِ مَعَ قِصَّةِ مِدْعَمٍ، وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ تَغَايُرُهُمَا، فَإِنَّ قِصَّةَ مِدْعَمٍ كَانَتْ بِوَادِي الْقُرَى وَمَاتَ بِسَهْمٍ وَغَلَّ شَمْلَةً، وَالَّذِي أَهْدَاهُ رِفَاعَةُ بِخِلَافِ كِرْكِرَةَ فَأَهْدَاهُ هَوْزَةُ بْنُ عَلِيَّ وَكَانَ نُوبِيًّا أَسْوَدَ يُمْسِكُ دَابَّتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقِتَالِ فَأَعْتَقَهُ أَيْ وَغَلَّ عَبَاءَةً وَلَمْ يَمُتْ بِسَهْمٍ بَلْ ذَكَرَ الْبَلَاذُرِيُّ أَنَّهُ مَاتَ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَافْتَرَقَا. نَعَمْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ: " «لَمَّا كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ قَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَلَّا إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ» " فَهَذَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُهُ بِكِرْكِرَةَ بِفَتْحِ الْكَافَيْنِ وَبِكَسْرِهِمَا قَالَهُ عِيَاضٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي كَافِهِ الْأُولَى. أَمَّا الثَّانِيَةُ فَمَكْسُورَةٌ اتِّفَاقًا. وَقَوْلُهُ: هُوَ فِي النَّارِ أَيْ يُعَذَّبُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. (قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ (بِشِرَاكٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَخِفَّةِ الرَّاءِ سَيْرُ النَّعْلِ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ (أَوْ شِرَاكَيْنِ) شَكَّ الرَّاوِي (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْفَزَارِيِّ (فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ) تُعَذَّبُ بِهَا أَوْ سَبَبٌ لِعَذَابِ النَّارِ، وَالشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي وَفِيهِ تَعْظِيمُ الْغُلُولِ وَإِنْ قَلَّ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ ثَوْرٍ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي نَازِلًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِنَحْوِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكٍ ثَلَاثَةٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبُ وَلَا فَشَا الزِّنَا فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا كَثُرَ فِيهِمْ الْمَوْتُ وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمْ الرِّزْقُ وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الدَّمُ وَلَا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ   998 - 982 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُمَرَ مُتَّصِلًا (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ) مَوْقُوفًا وَحُكْمُهُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ رَأْيًا، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِنَحْوِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدُونِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ (مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ) الْخِيَانَةُ فِي الْغَنِيمَةِ (فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أَلْقَى فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) بِالضَّمِّ الْخَوْفُ مُعَامَلَةً بِالنَّقِيضِ فَإِنَّ الْمَالَ يُقَوِّي الحديث: 998 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 الْقَلْبَ فَلَمَّا أَخَذُوهُ بِغَيْرِ حِلٍّ خَافُوا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: مِنْ عَدُوِّهِمْ فَجَبُنُوا عَنْ لِقَائِهِمْ فَظَهَرَ الْعَدُوُّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ لَا يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ غَلَّ دُونَ مَنْ لَمْ يَغُلَّ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّغْيِيرِ وَلَمْ يَفْعَلُوا وَلَمْ تُنْكِرْهُ قُلُوبُهُمْ، قَالَ تَعَالَى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} [هود: 116] (سُورَةُ هُودٍ: الْآيَةُ 116) وَقَالَ تَعَالَى: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: 165] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 165) (وَلَا فَشَا) ظَهَرَ وَانْتَشَرَ (الزِّنَى فِي قَوْمٍ قَطُّ) وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَى فَاعِلِهِ (إِلَّا كَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ) كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ( «وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمُ الرِّزْقُ» ) أَيِ الْبَرَكَةُ فِيهِ أَوْ ضُيِّقَ عَلَيْهِمْ لَا أَصْلُ الرِّزْقِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا وَنَحْوِهِ كَحَدِيثِ: " «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» " وَبَيْنَ أَحَادِيثَ: " «إِنَّ الرِّزْقَ لَا تُزِيدُهُ الطَّاعَةُ وَلَا تُنْقِصُهُ الْمَعْصِيَةُ» ". (وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ) عَنْ عَمْدٍ أَوْ جَهْلٍ (إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الدَّمُ) وَلِابْنِ مَاجَهْ مَرْفُوعًا «وَلَا حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الْفَقْرُ» " وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا. (وَلَا خَتَرَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَرَاءٍ بِلَا نَقْطٍ غَدَرَ (قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ) جَزَاءً لِمَا اجْتَرَحُوا مِنْ نَقْضِ الْعَهْدِ الْمَأْمُورِ بِالْوَفَاءِ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 [بَاب الشُّهَدَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ» فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ ثَلَاثًا أَشْهَدُ بِاللَّهِ   14 - بَابُ الشُّهَدَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ 999 - 983 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) بِمُلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ قَالَهُ عِيَاضٌ (لَوَدِدْتُ) بِلَامٍ مَفْتُوحَةٍ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِغَيْرِ لَامٍ وَكَسْرِ الدَّالِ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ (أَنِّي أُقَاتِلُ) بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا (فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ) وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ أُقْتَلُ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بَدَلُ الْفَاءِ، قَالَ الحديث: 999 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 الطِّيبِيُّ: ثُمَّ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى تَرَاخِي الزَّمَانِ لَكِنَّ الْحَمْلَ عَلَى تَرَاخِي الرُّتْبَةِ هُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ التَّمَنِّيَ حُصُولُ دَرَجَاتٍ بَعْدَ الْقَتْلِ وَالْإِحْيَاءِ لَمْ يَحْصُلْ قَبْلُ، وَمِنْ ثَمَّ كَرَّرَهَا لِنَيْلِ مَرْتَبَةٍ بَعْدَ مَرْتَبَةٍ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى. (فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ ثَلَاثًا أَشْهَدُ بِاللَّهِ) أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ، وَفَائِدَةُ التَّأْكِيدِ لِتَطْمَئِنَّ نَفْسُ سَامِعِهِ إِلَيْهِ وَلَا يَشُكَّ فِيمَا حَدَّثَهُ بِهِ وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي، وَيَأْتِي مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ زِيَادَةٌ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ، وَاسْتُشْكِلَ هَذَا التَّمَنِّي مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، وَأَجَابَ ابْنُ التِّينِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 67) وَرَدَّ بِأَنَّ نُزُولَهَا كَانَ فِي أَوَائِلِ مَا قَدِمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرَّحَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ بِسَمَاعِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا قَدِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي أَوَائِلِ سَنَةِ سَبْعٍ، وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ تَمَنِّيَ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وَدِدْتُ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَبَرَ» " وَلَهُ نَظَائِرُ فَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي بَيَانِ فَضْلِ الْجِهَادِ وَتَحْرِيضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَهَذَا أَشْبَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَجَوَازِ قَوْلِهِ: وَدِدْتُ حُصُولَ كَذَا مِنَ الْخَيْرِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِأَنَّ فِيهِ إِظْهَارَ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ وَالرَّغْبَةِ فِيهِ، وَالْأَجْرُ يَقَعُ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ وَتَمَنِّي مَا يَمْتَنِعُ عَادَةً وَفِيهِ أَنَّ الْجِهَادَ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذْ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَعْيَانِ مَا تَخَلَّفَ عَنْهُ أَحَدٌ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْخِطَابَ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَادِرِ، أَمَّا الْعَاجِزُ فَمَعْذُورٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 95) وَأَدِلَّةُ كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّمَنِّي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُقَاتِلُ فَيُسْتَشْهَدُ»   1000 - 984 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّلَقِّي بِالثَّوَابِ وَالْإِنْعَامِ وَالْإِكْرَامِ، أَوِ الْمُرَادُ تَضْحَكُ مَلَائِكَتُهُ وَخَزَنَةُ جَنَّتِهِ أَوْ حَمَلَةُ عَرْشِهِ وَذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا غَيْرُ مَعْهُودٍ انْتَهَى. وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: إِنَّ اللَّهَ لَيَعْجَبُ مِنْ رَجُلَيْنِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الضَّحِكُ الَّذِي يَعْتَرِي الْبَشَرَ ثُمَّ مَا يَسْتَخِفُّهُمُ الْفَرَحُ أَوِ الطَّرَبُ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لِهَذَا الصَّنِيعِ الَّذِي يَحِلُّ مَحَلَّ الْإِعْجَابِ عِنْدَ الْبَشَرِ فَإِذَا رَأَوْهُ وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ رِضَى اللَّهِ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا وَقَبُولِهِ لِلْأَجْرِ وَمُجَازَاتِهِمَا عَلَى الحديث: 1000 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 صَنِيعِهِمَا بِالْجَنَّةِ مَعَ اخْتِلَافِ حَالَيْهِمَا، وَتَأَوَّلَ الْبُخَارِيُّ الضَّحِكَ عَلَى مَعْنَى الرَّحْمَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ وَتَأْوِيلُهُ عَلَى مَعْنًى أَقْرَبَ، فَإِنَّ الضَّحِكَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى وَالْقَبُولِ وَالْكِرَامُ يُوصَفُونَ عِنْدَمَا يَسْأَلُهُمُ السَّائِلُ بِالْبِشْرِ وَحُسْنِ اللِّقَاءِ فَيَكُونُ مَعْنَى يَضْحَكُ اللَّهُ يُجْزِلُ الْعَطَاءَ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ يُعْجِبُ مَلَائِكَتَهُ وَيُضْحِكُهُمْ مِنْ صَنِيعِهِمَا وَهَذَا مَجَازٌ يَكْثُرُ مِثْلُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: كَانَ أَكْثَرُ السَّلَفِ يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَأْوِيلِهِ وَيَرْوُونَهُ كَمَا جَاءَ. وَيَنْبَغِي أَنَّ يُرَاعَى فِي مِثْلِ هَذَا الْإِمْرَارِ اعْتِقَادُ أَنْ لَا تُشْبِهَ صِفَاتُ اللَّهِ صِفَاتِ الْخَلْقِ، وَمَعْنَى الْإِمْرَارِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُرَادِ مِنْهُ مَعَ اعْتِقَادِ التَّنْزِيهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِقْبَالُ بِالرِّضَى تَعْدِيَتُهُ بِإِلَى تَقُولُ ضَحِكَ فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ طَلْقَ الْوَجْهِ مُظْهِرًا لِلرِّضَى عَنْهُ. (يَقْتُلُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالُوا كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ) بِضَمِّ الْيَاءِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ فَيَقْتُلُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ) بِأَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ (فَيُقَاتِلُ) الْكُفَّارَ (فَيُسْتَشْهَدُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْقَاتِلَ الْأَوَّلَ كَانَ كَافِرًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مَا اسْتَنْبَطَهُ الْبُخَارِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْآخَرِ فَيَهْدِيهِ إِلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُسْتَشْهَدُ» " وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «قِيلَ كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَكُونُ أَحَدُهُمَا كَافِرًا فَيَقْتُلُ الْآخَرَ ثُمَّ يُسْلِمُ فَيَغْزُو فَيُقْتَلُ» " وَلَكِنْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَيْضًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: " ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ " كَمَا لَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ ثُمَّ تَابَ الْقَاتِلُ وَاسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ دُخُولَ مِثْلِ هَذَا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ قَاتِلَ الْمُسْلِمِ عَمْدًا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَابْنِ عَبَّاسٍ أَخْذًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 93) رَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا: " «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا أَوِ الرَّجُلُ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمَّدًا» " لَكِنْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ ذَلِكَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ التَّشْدِيدَ وَالتَّغْلِيظَ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَجَمِيعُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَصَحَّحُوا تَوْبَةَ الْقَاتِلِ كَغَيْرِهِ وَقَالُوا: الْمُرَادُ بِالْخُلُودِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ لِتَظَاهُرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ عُصَاةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَدُومُ عَذَابُهُمْ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ»   1001 - 985 الحديث: 1001 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) بِقُدْرَتِهِ أَوْ فِي مُلْكِهِ (لَا يُكْلَمُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَيْ يُجْرَحُ (أَحَدٌ) مُسْلِمٌ كَمَا قُيِّدَ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) أَيِ الْجِهَادِ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى مُؤَكِّدَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَعْنَى الْمُعْتَرَضِ فِيهِ وَتَفْخِيمِ شَأْنِ مَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} [آل عمران: 36] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 93) أَيْ بِالشَّيْءِ الَّذِي وَضَعَتْ وَمَا عَلَقَ بِهِ مِنْ عَظَائِمِ الْأُمُورِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَتْمِيمًا لِلصِّيَانَةِ عَنِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَتَنْبِيهًا عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْغَزْوِ، وَأَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَخْلَصَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا. (إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ فَمُوَحَّدَةٍ (دَمًا) أَيْ يَجْرِي مُتَفَجِّرًا أَيْ كَثِيرًا (اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ) أَيْ كَرِيحِهِ إِذْ لَيْسَ هُوَ مِسْكًا حَقِيقَةً بِخِلَافِ لَوْنِ الدَّمِ فَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ لِأَنَّهُ دَمٌ حَقِيقَةً فَلَيْسَ لَهُ مِنْ أَحْكَامِ الدِّمَاءِ وَصِفَاتِهَا إِلَّا اللَّوْنُ فَقَطْ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ كَذَلِكَ لِيَكُونَ مَعَهُ شَاهِدُ فَضِيلَتِهِ بِبَذْلِهِ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى مَنْ ظَلَمَهُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ أَوْ تَبْرَأَ جِرَاحَتُهُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا مَاتَ صَاحِبُهُ بِهِ قَبْلَ انْدِمَالِهِ لَا مَا انْدَمَلَ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ أَثَرَ الْجِرَاحَةِ وَسَيَلَانَ الدَّمِ يَزُولُ، وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ أَنَّ لَهُ فَضْلًا فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الَّذِي يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا كَذَلِكَ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا لِابْنِ حِبَّانَ عَنْ مُعَاذٍ: " عَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ " وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ جُرِحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ نُكِبَ نَكْبَةً فَإِنَّهَا تَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغْزَرِ مَا كَانَتْ لَوْنُهَا الزَّعْفَرَانُ وَرِيحُهَا الْمِسْكُ» " قَالَ: وَعُرِفَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالشَّهِيدِ بَلْ تَحْصُلُ لِكُلِّ مَنْ جُرِحَ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالُوا وَهَذَا الْفَضْلُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ جُرِحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَفِي إِقَامَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» " لَكِنْ تَوَقَّفَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي دُخُولِ مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ فِي هَذَا الْفَضْلِ لِإِشَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى اعْتِبَارِ الْإِخْلَاصِ بِقَوْلِهِ: " وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ " وَالْمُقَاتِلُ دُونَ مَالِهِ لَا يَقْصِدُ وَجْهَ اللَّهِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 صَوْنَ مَالِهِ وَحِفْظَهُ فَهُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِدَاعِيَةِ الطَّبْعِ لَا بِدَاعِيَةِ الشَّرْعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ شَهِيدًا أَنْ يَكُونَ دَمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَرِيحِ الْمِسْكِ رَأَى بَذْلَ نَفْسِهِ فِيهِ لِلَّهِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ هَذَا الْفَضْلَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَتْلِي بِيَدِ رَجُلٍ صَلَّى لَكَ سَجْدَةً وَاحِدَةً يُحَاجُّنِي بِهَا عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ   1002 - 986 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَتْلِي بِيَدِ رَجُلٍ صَلَّى لَكَ سَجْدَةً وَاحِدَةً يُحَاجُّنِي) يُجَادِلُنِي (بِهَا عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرَادَ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُهُ مُخَلَّدًا فِي النَّارِ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا مَنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلَّهِ سَجْدَةً وَلَمْ يَعْمَلْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْإِيمَانِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فَجَعَلَ قَتْلَهُ بِالْمَدِينَةِ بِيَدٍ فَيْرُوزَ النَّصْرَانِيِّ أَوِ الْمَجُوسِيِّ أَبِي لُؤْلُؤَةَ عَبْدِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ الصَّحَابِيِّ. الحديث: 1002 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ أَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ نَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَنُودِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ قُلْتَ فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِلَّا الدَّيْنَ كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ»   1003 - 987 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا نِسْبَةً إِلَى الْمَقْبَرَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفُ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَالْجُمْهُورِيُّ، وَرَوَاهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى وَالْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ لَمْ يَذْكُرَا يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ فَيُمْكِنُ أَنَّ مَالِكًا سَمِعَهُ مِنْ يَحْيَى عَنْ سَعِيدٍ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدٍ، وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ انْتَهَى. أَيْ بِلَا وَاسِطَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ فَأَثْبَتَ الْوَاسِطَةَ وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَ بِهِ بِالْوَجْهَيْنِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ (عَنْ أَبِيهِ) الصَّحَابِيِّ فَارِسِ الْمُصْطَفَى (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فَقَامَ رَجُلٌ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْجِهَادِ حَالَ كَوْنِي (صَابِرًا مُحْتَسِبًا) أَيْ مُخْلِصًا (مُقْبِلًا) عَلَى الْقِتَالِ وَزَادَ (غَيْرَ مُدْبِرٍ) لِبَيَانِ كَوْنِ الْإِقْبَالِ فِي جَمِيعِ الحديث: 1003 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 الْأَحْوَالِ إِذْ قَدْ يُقْبِلُ مَرَّةً وَيُدْبِرُ أُخْرَى فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُقْبِلٌ (أَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ) يُكَفِّرُ (فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ نَادَاهُ) دَعَاهُ (رَسُولُ اللَّهِ) بِنَفْسِهِ (أَوْ أَمَرَ بِهِ فَنُودِيَ لَهُ) شَكَّ الرَّاوِي (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَخْبِرْنِي (كَيْفَ قُلْتَ؟ فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ) الْمَذْكُورَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ إِلَّا الدَّيْنَ ) بِفَتْحِ الدَّالِ فَلَا يُكَفِّرُهُ إِلَّا عَفْوُ صَاحِبِهِ أَوِ اسْتِيفَاؤُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ الْخَطَايَا تُكَفَّرُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَعَ الِاحْتِسَابِ وَالنِّيَّةِ فِي الْعَمَلِ، وَأَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ الْمَقْبُولَةَ لَا تُكَفِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ إِلَّا مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ، فَأَمَّا التَّبِعَاتُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْقِصَاصِ. قَالَ: وَهَذَا فِي دَيْنٍ تَرَكَ لَهُ وَفَاءً وَلَمْ يُوصِ بِهِ أَوْ قَدَرَ عَلَى الْأَدَاءِ فَلَمْ يُؤَدِّ أَوْ أَنَّهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ أَوْ سَرَفٍ وَمَاتَ وَلَمْ يُوَفِّهِ، أَمَّا مَنْ أَدَانَ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ لِفَاقَةٍ وَعُسْرٍ وَمَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَلَا يُحْبَسُ عَنِ الْجَنَّةِ لِأَنَّ عَلَى السُّلْطَانِ فَرْضًا أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ دَيْنَهُ مِنَ الصَّدَقَاتِ أَوْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ أَوِ الْفَيْءِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ تَشْدِيدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدَّيْنِ كَانَ قَبْلَ الْفُتُوحِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى جَمِيعِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَإِنَّ الْجِهَادَ وَالشَّهَادَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لَا تُكَفِّرُ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ وَإِنَّمَا تُكَفِّرُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الْحَافِظُ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُكَفِّرُ التَّبِعَاتِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ دَرَجَةَ الشَّهَادَةِ، وَلَيْسَ لِلشَّهَادَةِ مَعْنًى إِلَّا أَنْ يُثْبِتَ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ ثَوَابًا مَخْصُوصًا وَيُكْرِمَهُ كَرَامَةً زَائِدَةً، وَقَدْ بَيَّنَ الْحَدِيثُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ مَا عَدَا التَّبِعَاتِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ كَفَّرَتِ الشَّهَادَةُ سَيِّئَاتِهِ غَيْرَ التَّبِعَاتِ وَنَفَعَهُ عَمَلُهُ الصَّالِحُ فِي مُوَازَنَةِ مَا عَلَيْهِ مِنَ التَّبِعَاتِ وَيَبْقَى لَهُ دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ خَالِصَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ فَهُوَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ لَا تُكَفَّرُ لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْمُشَاحَّةِ وَالتَّضْيِيقِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ خَطِيئَةٌ، وَهُوَ مَا اسْتَدَانَهُ صَاحِبُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ بِأَنْ أَخَذَهُ بِحِيلَةٍ أَوْ غَصَبَهُ فَثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ الْبَدَلُ أَوْ أَدَانَ غَيْرَ عَازِمٍ عَلَى الْوَفَاءِ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنَ الْخَطَايَا، وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجِنْسِ وَيَكُونَ الدَّيْنُ الْمَأْذُونُ فِيهِ مَسْكُوتًا عَنْهُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ، فَلَا يَلْزَمُ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِ لِمَا يَلْطُفُ اللَّهُ بِعَبْدِهِ مِنِ اسْتِيهَابِهِ لَهُ وَتَعْوِيضِ صَاحِبِهِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ مَاتَ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنِ الْوَفَاءِ وَلَوْ وَجَدَ وَفَاءً وَفَّى؟ قُلْتُ: إِنْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي لَزِمَ ذِمَّتَهُ إِنَّمَا لَزِمَهَا بِطَرِيقٍ لَا يَجُوزُ تَعَاطِي مِثْلِهِ كَغَصْبٍ أَوْ إِتْلَافٍ مَقْصُودٍ فَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِوُصُولِهِ إِلَى مَنْ وَجَبَ لَهُ أَوْ بِإِبْرَائِهِ مِنْهُ وَلَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ، وَإِنَّمَا تَنْفَعُ التَّوْبَةُ فِي الْأُخْرَوِيَّةِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِمُخَالَفَتِهِ إِلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ لَزِمَهُ بِطْرِيقٍ سَائِغٍ وَهُوَ عَازِمٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 عَلَى الْوَفَاءِ وَلَمْ يَقْدِرْ فَهَذَا لَيْسَ بِصَاحِبِ ذَنْبٍ حَتَّى يَتُوبَ عَنْهُ وَيُرْجَى لَهُ الْخَيْرُ فِي الْعُقْبَى مَا دَامَ عَلَى هَذَا الْحَالِ انْتَهَى، وَهُوَ نَفِيسٌ، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى مَعْنَاهُ أَبُو عُمَرَ كَمَا رَأَيْتُهُ. (كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَبِي عُمَرَ: " إِلَّا الدَّيْنَ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ كَمَا زَعَمَ جِبْرِيلُ " أَيْ قَالَ مِنْ إِطْلَاقِ الزَّعْمِ عَلَى الْقَوْلِ الْحَقِّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنَ الْوَحْيِ مَا يُتْلَى وَمَا لَا يُتْلَى وَمَا هُوَ قُرْآنٌ وَمَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 34) أَنَّ الْقُرْآنَ الْآيَاتُ وَالْحِكْمَةَ السُّنَّةُ وَكُلٌّ مِنَ اللَّهِ، إِلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ فَإِنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى انْتَهَى. وَفِي الطَّبَرَانِيِّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ: " «الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا إِلَّا الْأَمَانَةَ وَالْأَمَانَةَ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَمَانَةَ فِي الصَّوْمِ وَالْأَمَانَةَ فِي الْحَدِيثِ وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ» " وَهَذَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ الْبَابِ الظَّاهِرِ فِي أَنَّهُ يُكَفِّرُ جَمِيعَ حُقُوقِ اللَّهِ وَمِنْهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ إِلَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مُطْلَقُ اسْتِشْهَادٍ. وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ مُقَيَّدٌ بِأَنَّهُ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ هَؤُلَاءِ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَلَسْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ بِإِخْوَانِهِمْ أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَى وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ بَكَى ثُمَّ قَالَ أَئِنَّا لَكَائِنُونَ بَعْدَكَ»   1004 - 988 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنَيْنِ الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ (أَنَّهُ بَلَغَهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مُرْسَلٌ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ لَكِنَّ مَعْنَاهُ يَسْتَنِدُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ كَثِيرَةٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ) أَيْ لِأَجْلِهِمْ وَفِي شَأْنِهِمْ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مَقْتُولِينَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَهُمْ سَبْعُونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَأَنَسٌ فِي الصَّحِيحِ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَسِتَّةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ وَهُوَ الْمُؤَيَّدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران: 165] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 165) اتَّفَقَ عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ أَهْلُ أُحُدٍ، وَأَنَّ إِصَابَتَهُمْ مِثْلَيْهَا يَوْمَ بَدْرٍ بِقَتْلِ سَبْعِينَ وَأَسْرِ سَبْعِينَ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِمْ إِنْ ثَبَتَتْ فَإِنَّمَا نَشَأَتْ مِنَ الْخِلَافِ فِي تَفْصِيلِهِمْ وَلَيْسَتْ زِيَادَةً حَقِيقَةً. (هَؤُلَاءِ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) بِمَا فَعَلُوهُ مِنْ بَذْلِ أَجْسَامِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ وَتَرْكِ مَنْ لَهُ الْأَوْلَادُ أَوْلَادَهُ كَأَبِي جَابِرٍ تَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ طَيِّبَةً بِذَلِكَ قُلُوبُهُمْ فَرِحِينَ مُسْتَبْشِرِينَ بِوَعْدِ خَالِقِهِمْ حَتَّى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ كَأَنَسِ بْنِ النَّضْرِ وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حِينَ خَرَجَ: الحديث: 1004 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 اللَّهُمَّ لَا تَرُدَّنِي إِلَى أَهْلِي كَعَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَلَّفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكِبَرِ سِنِّهِ فَخَرَجَ رَجَاءَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْيَمَانُ وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَحُذِفَ الْمَشْهُودُ بِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ أَشْهَدُ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ الصَّحِيحِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الذُّنُوبِ الْمُوبِقَاتِ وَمِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالْمُنَافَسَةِ فِي الدُّنْيَا وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى. فَجَعَلَ عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: أَشْهَدُ مِنَ الشَّهَادَةِ وَهِيَ وِلَايَةٌ وَقِيَادَةٌ فَوُصِلَتْ بِحَرْفِ عَلَى لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ وَعَلَيْهِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ لَكِنْ لَمَّا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالرَّقِيبِ الْمُؤْتَمَنِ عَلَى أُمَّتِهِ عُدِّيَ بِعَلَى ( «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: أَلَسْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ بِإِخْوَانِهِمْ أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا؟» ) فَلِمَ خُصَّ هَؤُلَاءِ بِشَهَادَتِكَ عَلَيْهِمْ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَلَى) أَنْتُمْ إِخْوَانُهُمْ. . . إِلَخْ، (وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي) فَلِذَا خَصَّصْتُهُمْ بِالشَّهَادَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ هُوَ لَا " أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ " (فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ بَكَى) كَرَّرَهُ لِمَزِيدِ أَسَفِهِ عَلَى فِرَاقِ الْمُصْطَفَى (ثُمَّ قَالَ: أَئِنَّا لَكَائِنُونَ) أَيْ مَوْجُودُونَ (بَعْدَكَ) اسْتِفْهَامُ تَأَسُّفٍ لَا حَقِيقِيٍّ لِاسْتِحَالَتِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِمَّنْ خَلَّفَهُمْ بَعْدَهُ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَصَابَ الدُّنْيَا بَعْدَهُ وَأَصَابَتْ مِنْهُ، أَمَّا الْخُصُوصُ وَالتَّعْيِينُ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَقَبْرٌ يُحْفَرُ بِالْمَدِينَةِ فَاطَّلَعَ رَجُلٌ فِي الْقَبْرِ فَقَالَ بِئْسَ مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَ مَا قُلْتَ فَقَالَ الرَّجُلُ إِنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرَدْتُ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مِثْلَ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا مِنْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَعْنِي الْمَدِينَةَ»   1005 - 989 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا وَقَبْرٌ يُحْفَرُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ لِمَيِّتٍ (بِالْمَدِينَةِ) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ فِي الْمَدِينَةِ (فَاطَّلَعَ) نَظَرَ (رَجُلٌ فِي الْقَبْرِ فَقَالَ: بِئْسَ مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ مَوْضِعُ الضُّجُوعِ جَمْعُهُ مَضَاجِعُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِئْسَ مَا قُلْتَ) لِأَنَّ الْقَبْرَ لِلْمُؤْمِنِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ (فَقَالَ الرَّجُلُ: لَمْ أُرِدْ هَذَا) أَيْ ذَمَّ الْقَبْرِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرَدْتُ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْجِهَادِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا مِثْلَ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فِي الثَّوَابِ وَالْفَضْلِ وَلَكِنَّ الدَّفْنَ بِالْمَدِينَةِ مَزِيدُ الْفَضْلِ (مَا عَلَى الْأَرْضِ الحديث: 1005 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 بُقْعَةٌ) بِضَمِّ الْبَاءِ فِي الْأَكْثَرِ فَيُجْمَعُ عَلَى بُقَعٍ كَغُرْفَةٍ وَتُفْتَحُ فَتُجْمَعُ عَلَى بِقَاعٍ مِثْلُ كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ أَيْ قِطْعَةٌ (مِنَ الْأَرْضِ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا مِنْهَا) أَيِ الْمَدِينَةِ قَالَ ذَلِكَ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) لِلتَّأْكِيدِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا أَحَدُ الْأَدِلَّةِ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ، وَكَذَا أَثَرُ عُمَرَ الَّذِي يَلِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَحْفَظُهُ مُسْنَدًا وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ مَوْجُودٌ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ اهـ. وَفِيهِ حُضُورُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَنَائِزَ وَحَفْرَ الْقَبْرِ وَالدَّفْنَ لِلْمَوْعِظَةِ وَالِاعْتِبَارِ وَرِقَّةِ الْقَلْبِ لِيُتَأَسَّى بِهِ فِيهِ وَيَكُونَ سُنَّةً بَعْدَهُ، وَأَنَّ الْكَلَامَ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيُحْمَدُ عَلَى حُسْنِهِ وَيُلَامُ عَلَى ضِدِّهِ حَتَّى يُعْلَمَ مُرَادُ قَائِلِهِ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ دُونَ ظَاهِرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 [بَاب مَا تَكُونُ فِيهِ الشَّهَادَةُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَوَفَاةً بِبَلَدِ رَسُولِكَ   15 - بَابُ مَا تَكُونُ فِيهِ الشَّهَادَةُ 1006 - 990 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) فِيهِ انْقِطَاعٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ) وَفِي الْبُخَارِيِّ: " ارْزُقْنِي " (شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ) فَاسْتُجِيبَ لَهُ فَقَتَلَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ فَيْرُوزُ النَّصْرَانِيُّ عَبْدُ الْمُغِيرَةِ بْنُ شُعْبَةَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَحَصَلَ لَهُ ثَوَابُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا. (وَوَفَاةً بِبَلَدِ رَسُولِكَ) فَتُوفِّيَ بِهَا مِنْ ضَرْبَةِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ فِي خَاصِرَتِهِ وَدُفِنَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي طَلَبِهِ الْمَوْتَ بِهَا إِظْهَارٌ لِمَحَبَّتِهِ إِيَّاهَا أَعْلَى مِنْ مَكَّةَ وَعُمَرُ مِنَ الْقَائِلِينَ بِفَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ. وَرَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ قَالَتْ: " سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ قَتْلًا فِي سَبِيلِكَ وَوَفَاةً فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ، قَالَتْ فَقُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ هَذَا؟ قَالَ يَأْتِي اللَّهُ بِهِ إِذَا شَاءَ " وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: " إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِأَمْرِهِ إِنْ شَاءَ ". الحديث: 1006 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ وَدِينُهُ حَسَبُهُ وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ وَالْجُرْأَةُ وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ شَاءَ فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّا لَا يَئُوبُ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ وَالْقَتْلُ حَتْفٌ مِنْ الْحُتُوفِ وَالشَّهِيدُ مَنْ احْتَسَبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ   1007 - 991 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) مُنْقَطِعٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الحديث: 1007 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ فَائِدٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ (قَالَ: كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ) أَيْ فَضْلُهُ إِنَّمَا هُوَ بِالتَّقْوَى قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] (سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: الْآيَةُ 13) وَفِي الْمَرْفُوعِ: " «كَرَمُ الْمَرْءِ دِينُهُ» أَيْ بِهِ يَشْرُفُ وَيَكْرُمُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا قَوْلًا وَفِعْلًا " وَالْكَرَمُ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَالْمَنْفَعَةِ لَا مَا فِي الْعُرْفِ مِنَ الْإِنْفَاقِ وَالْبَذْلِ سَرَفًا وَفَخْرًا. (وَدِينُهُ حَسَبُهُ) أَيْ شَرَفُهُ انْتِسَابُهُ إِلَى الدِّينِ لَا إِلَى الْآبَاءِ، وَفِي الْمَرْفُوعِ: " وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ " بِالضَّمِّ أَيْ لَيْسَ شَرَفُهُ بِشَرَفِ آبَائِهِ بَلْ بِمَحَاسِنِ أَخْلَاقِهِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَرَادَ أَنَّ الْحَسَبَ يَحْصُلُ لِلرَّجُلِ بِكَرَمِ أَخْلَاقِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ وَإِذَا كَانَ حَسِيبَ الْآبَاءِ فَهُوَ أَكْرَمُ لَهُ. (وَمُرُوءَتُهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَبِالْهَمْزِ (خُلُقُهُ) بِضَمَّتَيْنِ أَيْ إِنَّ الْمُرُوءَةَ الَّتِي يُحْمَدُ النَّاسُ عَلَيْهَا وَيُوصَفُونَ بِأَنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ إِنَّمَا هِيَ مَعَانٍ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَخْلَاقِ مِنَ الصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَالْجُودِ وَالْإِيثَارِ. قَالَ الْعَلَائِيُّ: حَاصِلُ الْمُرُوءَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لَكِنَّهَا إِذَا كَانَتْ غَرِيزَةٌ تُسَمَّى مُرُوءَةً، وَقِيلَ الْمُرُوءَةُ إِنْصَافُ مَنْ دُونَكَ، وَالسُّمُوُّ إِلَى مَنْ فَوْقِكَ، وَالْجَزَاءُ عَمَّا أُوتِيَ إِلَيْكَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وَفِي الْمَرْفُوعِ: " وَمُرُوءَتُهُ عَقْلُهُ " أَيْ لِأَنَّ بِهِ يَتَمَيَّزُ عَنِ الْحَيَوَانَاتِ وَيَعْقِلُ نَفْسَهُ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ وَيَكُفُّهَا عَنْ شَهَوَاتِهَا الرَّدِيَّةِ وَطِبَاعِهَا الدَّنِيَّةِ وَيُؤَدِّي إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنَ الْحَقِّ وَالْخَلْقِ. (وَالْجُرْأَةُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْهَمْزِ وَالْقَصْرِ بِوَزْنِ الْجُرْعَةِ الْهُجُومُ وَالْإِسْرَاعُ بِغَيْرِ تَوَقُّفٍ (وَالْجُبْنُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ ضَعْفٌ لِلْقَلْبِ (غَرَائِزُ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ فِرَاءٍ آخِرُهُ زَايٌ مَنْقُوطَةٌ جَمْعُ غَرِيزَةٍ أَيْ طَبَائِعُ لَا تُكْتَسَبُ، وَجَمْعٌ إِمَّا لِأَنَّ الْجَمْعَ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ (يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ شَاءَ) مِنْ خَلْقِهِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى عَنْ مَعْدِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْمُوَطَّأِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى هُنَا، وَمَعْدِيٌّ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ الشَّاذَكُونِيُّ: كَانَ مِنْ أَفْضَلِ النَّاسِ وَكَانَ يُعَدُّ مِنَ الْأَبْدَالِ، وَصَحَّحَهُ لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا، وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ بِهَذَا السَّنَدِ: " «الْحَسَبُ الْمَالُ وَالْكَرَمُ التَّقْوَى» ". وَرَوَى بَعْضُهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَتُعُقِّبَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفْعُهُ: " «كَرَمُ الْمُؤْمِنِ دِينُهُ وَمُرُوءَتُهُ وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ» " ( «فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ» ) لِأَنَّهُ لِجُبْنِهِ لَا يَسْتَطِيعُ الدَّفْعَ عَنْهُمَا فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمَا ( «وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّا لَا يَئُوبُ» ) يَرْجِعُ (بِهِ إِلَى رَحْلِهِ) لِأَنَّ قِتَالَهُ بِمَحْضِ الْهُجُومِ وَالسُّرْعَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِنَفْعٍ يَعُودُ عَلَيْهِ. ( «وَالْقَتْلُ حَتْفٌ مِنَ الْحُتُوفِ» ) أَيْ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَوْتِ كَالْمَوْتِ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَلِأَنْ يَمُوتَ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ مَوْتِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَرْتَاعَ مِنْهُ وَلَا يَهَابَ هَيْبَةً تُوَرِّثُ الْجُبْنَ. قَالَ الشَّاعِرُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 فِي الْجُبْنِ عَارٌ وَفِي الْإِقْدَامِ مَكْرُمَةٌ ... وَالْمَرْءُ بِالْجُبْنِ لَا يَنْجُو مِنَ الْقَدَرِ ( «وَالشَّهِيدُ مَنِ احْتَسَبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ» ) أَيْ رَضِيَ بِالْقَتْلِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ رَجَاءَ ثَوَابِهِ تَعَالَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 [بَاب الْعَمَلِ فِي غَسْلِ الشَّهِيدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَكَانَ شَهِيدًا يَرْحَمُهُ اللَّهُ. وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ الشُّهَدَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ وَإِنَّهُمْ يُدْفَنُونَ فِي الثِّيَابِ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا قَالَ مَالِكٌ وَتِلْكَ السُّنَّةُ فِيمَنْ قُتِلَ فِي الْمُعْتَرَكِ فَلَمْ يُدْرَكْ حَتَّى مَاتَ قَالَ وَأَمَّا مَنْ حُمِلَ مِنْهُمْ فَعَاشَ مَا شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا عُمِلَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ   16 - بَابُ الْعَمَلِ فِي غَسْلِ الشُّهَدَاءِ 1008 - 992 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْمُصَلِّي عَلَيْهِ إِمَامًا صُهَيْبٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. (وَكَانَ شَهِيدًا يَرْحَمُهُ اللَّهُ) بِيَدِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ لَعَنَهُ اللَّهُ. - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: الشُّهَدَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ فِي الثِّيَابِ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا) لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا» " وَأَمَّا حَدِيثُ صَلَاتِهِ عَلَيْهِمْ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ فَالْمُرَادُ دُعَاؤُهُ لَهُمْ كَدُعَائِهِ لِلْمَيِّتِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتُلِفَ فِي صَلَاتِهِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ أَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِثِيَابِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا. (قَالَ مَالِكٌ: وَتِلْكَ السُّنَّةُ فِيمَنْ قُتِلَ فِي الْمُعْتَرَكِ فَلَمْ يُدْرَكْ حَتَّى مَاتَ، قَالَ: وَأَمَّا مَنْ حُمِلَ مِنْهُمْ فَعَاشَ مَا شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا عُمِلَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ الحديث: 1008 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 عُمَرَ عَاشَ بَعْدَ الْجِرَاحَةِ وَتَكَلَّمَ وَصَلَّى وَأَوْصَى وَجَعَلَ الْخِلَافَةَ شُورَى وَقُبِضَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 [بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ الشَّيْءِ يُجْعَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ بَعِيرٍ يَحْمِلُ الرَّجُلَ إِلَى الشَّامِ عَلَى بَعِيرٍ وَيَحْمِلُ الرَّجُلَيْنِ إِلَى الْعِرَاقِ عَلَى بَعِيرٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ احْمِلْنِي وَسُحَيْمًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَسُحَيْمٌ زِقٌّ قَالَ لَهُ نَعَمْ   17 - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الشَّيْءِ يُجْعَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ 1010 - 993 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفَ بَعِيرٍ يَحْمِلُ الرَّجُلَ) الْوَاحِدَ (إِلَى الشَّامِ عَلَى بَعِيرٍ) لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ بِهَا وَأَنَّهَا أَكْثَرُ الْجِهَاتِ جِهَادًا وَرِبَاطًا (وَيَحْمِلُ الرَّجُلَيْنِ إِلَى الْعِرَاقِ عَلَى بَعِيرٍ) لِقِلَّةِ الْعَدُوِّ (فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ احْمِلْنِي وَسُحَيْمًا) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْشُدُكَ) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ نَشَدْتُكَ (اللَّهَ أَسُحَيْمٌ زِقٌّ؟ قَالَ نَعَمْ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَرَادَ الرَّجُلُ التَّحَيُّلَ عَلَى عُمَرَ لِيُوهِمَهُ أَنَّ لَهُ رَفِيقًا يُسَمَّى سُحَيْمًا فَيَدْفَعَ إِلَيْهِ مَا يَحْمِلُ رَجُلَيْنِ فَيَنْفَرِدَ هُوَ بِهِ، وَكَانَ عُمَرُ يُصِيبُ الْمَعْنَى بِظَنِّهِ فَلَا يَكَادُ يُخْطِئُهُ فَسَبَقَ إِلَى ظَنِّهِ أَنَّ سُحَيْمًا الَّذِي ذُكِرَ هُوَ الزِّقُّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: زِقٌّ كَانَ فِي رَحْلِهِ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مِنْ ذَكَائِهِ وَفِطْنَتِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي مُحَدِّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فَعُمَرُ» انْتَهَى. وَفِي الصَّحَاحِ غَيْرُهُ مِنْ جُمْلَةِ مَعَانِي السُّحَيْمِ زِقُّ الْخَمْرِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا تَرْجَمَ يَحْيَى وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى هَذَا الْأَثَرِ، وَتَرْجَمَ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ بُكَيْرٍ مَا يُكْرَهُ مِنَ الرَّجْعَةِ فِي الشَّيْءِ يُجْعَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَذَكَرَا حَدِيثَ عُمَرَ فِي الْفَرَسِ الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ السَّابِقَيْنِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ ثُمَّ ذَكَرَا أَثَرَ عُمَرَ هَذَا. الحديث: 1010 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 [بَاب التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءٍ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ وَجَلَسَتْ تَفْلِي فِي رَأْسِهِ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ يَشُكُّ إِسْحَقُ قَالَتْ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُضْحِكُكَ قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ قَالَ فَرَكِبَتْ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ»   18 - بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ يَعْنِي زِيَادَةً عَلَى مَا سَبَقَ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ مَرَّتْ بِلَفْظِهَا أَوَّلَ كِتَابِ الْجِهَادِ لَكِنَّ أَحَادِيثَهُمَا مُتَغَايِرَةٌ فَلَا تَكْرَارَ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ جَعْلُ جَمِيعِ الْأَحَادِيثِ تَرْجَمَةً وَاحِدَةً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 1011 - 994 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ) عَمِّهِ (أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْمَدِّ وَالصَّرْفِ مُذَكَّرٌ وَبِالْقَصْرِ وَالتَّأْنِيثِ وَمَنْعِ الصَّرْفِ (يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ) بِحَاءٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ (بِنْتِ مِلْحَانَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَمُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَنُونٍ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْأَنْصَارِيَّةِ خَالَةِ أَنَسٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ أَقِفْ لَهَا عَلَى اسْمٍ صَحِيحٍ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَيُقَالُ إِنَّهَا الرُّمَيْصَا بِالرَّاءِ وَالْغُمَيْصَا بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَلَا يَصِحُّ، بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ لِأُخْتِهَا أُمِّ سُلَيْمٍ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَدِيثَيْنِ لِأَنَسٍ وَجَابِرٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ. (فَتُطْعِمُهُ) مِمَّا فِي بَيْتِهَا مِنَ الطَّعَامِ (وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) أَيْ كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ حِينَئِذٍ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ هَذَا ظَاهِرُهُ. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ التَّصْرِيحُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُبَادَةَ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ وَجَمَعَ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهَا كَانَتْ إِذْ ذَاكَ زَوْجَتُهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْحَافِظُ يَحْمِلُ رِوَايَةَ إِسْحَاقَ عَلَى أَنَّهَا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ أَرَادَ وَصْفَهَا بِهِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَظَهَرَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا بَعْدُ وَهَذَا أَوْلَى لِاتِّفَاقِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبِي طُوَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَلَى أَنَّ عُبَادَةَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: ثُمَّ ظَاهِرُ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ أَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ أَنَسٍ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي طُوَالَةَ عَنْ أَنَسٍ: " «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بِنْتِ مِلْحَانَ» " وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فَقَالَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ أُمِّ حَرَامٍ وَهُوَ الْمُعْتَمِدُ وَكَأَنَّ أَنَسًا لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ فَحَمَلَهُ عَنْ خَالَتِهِ (فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَطْعَمَتْهُ) لَمْ يُوقَفْ عَلَى تَعْيِينِ مَا أَكَلَ عِنْدَهَا يَوْمَئِذٍ (وَجَلَسَتْ تَفْلِي) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ مِنْ فَلَى يَفْلِي كَضَرَبَ يَضْرِبُ أَيْ تُفَتِّشُ (فِي) شَعْرِ (رَأْسِهِ) لِإِخْرَاجِ الْهَوَامِّ أَوْ لِلتَّنْظِيفِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ فِيهِ قَمْلٌ وَلَا يُؤْذِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَصْلًا وَإِنَّمَا تُفَلِّي ثَوْبَهُ لِلتَّنْظِيفِ مِنْ نَحْوِ الْغُبَارِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيُمَكِّنُهَا مِنَ التَّفْلِيَةِ لِأَنَّهَا ذَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّهَا خَالَةُ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأَنَّ أُمَّهُ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كَانَتْ إِحْدَى خَالَاتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَهِيَ مَحْرَمٌ لَهُ، عَلَى أَنَّهُ مَعْصُومٌ لَيْسَ كَغَيْرِهِ، وَلَا يُقَاسُ بِهِ سِوَاهُ انْتَهَى. وَحَكَى النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا الحديث: 1011 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 مَحْرَمٌ، وَصَحَّحَ الْحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ أَنْ لَا مَحْرَمِيَّةَ بَيْنَهُمَا فِي جُزْءٍ أَفْرَدَهُ لِذَلِكَ وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخَلْوَةِ بِهَا، فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ مَعَ وَلَدٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ خَادِمٍ أَوْ تَابِعٍ، وَالْعَادَةُ تَقْضِي الْمُحَافَظَةَ بَيْنَ الْمَخْدُومِ وَأَهْلِ الْخَادِمِ لَا سِيَّمَا إِذَا كُنَّ مُسِنَّاتٍ مَعَ مَا ثَبَتَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْعِصْمَةِ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَإِلَيْهِ أَوْمَأَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَوِيَّةِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَازُ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا لِمَكَانِ عِصْمَتِهِ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، قَالَ: وَثُبُوتُ الْعِصْمَةِ مُسَلَّمٌ لَكِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ (فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا) أَيْ فِي يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ بِالْقَافِ أَيْ نَامَ وَقْتَ الْقَائِلَةِ (ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ) سُرُورًا بِكَوْنِ أُمَّتِهِ تَبْقَى بَعْدَهُ مُظْهِرَةً أُمُورَ الْإِسْلَامِ قَائِمَةً بِالْجِهَادِ حَتَّى فِي الْبَحْرِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ. (قَالَتْ) أُمُّ حَرَامٍ (فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ؟) بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ ( «قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ» ) بِشَدِّ الْيَاءِ حَالَ كَوْنِهِمْ ( «غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ» ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ (هَذَا) بِمَعْنَى ذَلِكَ (الْبَحْرِ) أَيْ وَسَطَهُ أَوْ مُعْظَمَهُ أَوْ هُوَ لَهُ أَقْوَالٌ، وَلِمُسْلِمٍ: يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ أَيِ السُّفُنَ الَّتِي تَجْرِي عَلَى ظَهْرِهِ، وَلَمَّا كَانَ غَالِبُ جَرْيِهَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي وَسَطِهِ قِيلَ الْمُرَادُ وَسَطُهُ وَإِلَّا فَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالرُّكُوبِ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ الْأَخْضَرِ فَقِيلَ الْمُرَادُ الْأَسْوَدُ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْأَخْضَرُ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِلْبَحْرِ لَا مُخَصِّصَةٌ إِذْ كُلُّ الْبِحَارِ خُضْرٌ، فَإِنْ قِيلَ الْمَاءُ بَسِيطٌ لَا لَوْنَ لَهُ، قُلْتُ تُتَوَهَّمُ الْخُضْرَةُ مِنِ انْعِكَاسِ الْهَوَاءِ وَسَائِرِ مُقَابَلَاتِهِ إِلَيْهِ (مُلُوكًا) نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ مِثْلَ مُلُوكٍ كَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَالٌ ثَانِيَةٌ مِنْ نَاسٍ بِالتَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ (عَلَى الْأَسِرَّةِ) جَمْعُ سَرِيرٍ كَسُرُرٍ بِضَمَّتَيْنِ (أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ - يَشُكُّ) بِالْمُضَارِعِ (إِسْحَاقُ -) شَيْخُ مَالِكٍ فِي اللَّفْظِ الَّذِي قَالَهُ أَنَسٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: رَأَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِفَتَهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الصافات: 44] (سُورَةُ الصَّافَّاتِ: الْآيَةُ 44) وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ صِفَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا أَيْ أَنَّهُمْ يَرْكَبُونَ مَرَاكِبَ الْمُلُوكِ لِسِعَةِ مَالِهِمْ وَاسْتِقَامَةِ أَمْرِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ. قَالَ الْحَافِظُ: وَالْإِتْيَانُ بِالتَّمْثِيلِ فِي مُعْظَمِ طُرُقِ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ لَا أَنَّهُمْ نَالُوا ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ مَوْضِعُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي أُثِيبُوا بِهِ عَلَى جِهَادِهِمْ مِثْلُ مُلُوكِ الدُّنْيَا عَلَى أَسِرَّتِهِمْ، وَالتَّشْبِيهُ بِالْمَحْسُوسِ أَبْلَغُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ. (قَالَتْ) أُمُّ حَرَامٍ (فَقُلْتُ) زَادَ ابْنُ وَضَّاحٍ لَهُ ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا» ) وَاسْتُشْكِلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 الدُّعَاءُ بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يُمَكِّنَ مِنْهُ كَافِرًا يَعْصِي اللَّهَ بِقَتْلِهِ فَيَقِلَّ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ وَتُسَرُّ قُلُوبُ الْكُفَّارِ، وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْفِقْهِ أَنْ لَا يَتَمَنَّى مَعْصِيَةَ اللَّهِ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ. وَأَجَابَ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْمَدْعُوَّ بِهِ قَصْدًا إِنَّمَا هُوَ نَيْلُ الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الْمُعَدَّةِ لِلشُّهَدَاءِ، وَأَمَّا قَتْلُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِلدَّاعِي وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْوُجُودِ لِأَنَّ اللَّهَ أَجْرَى حُكْمَهُ أَنْ لَا يَنَالَ تِلْكَ الدَّرَجَةَ إِلَّا شَهِيدٌ، فَاغْتُفِرْ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الْعُظْمَى مِنْ دَفْعِ الْكُفَّارِ وَإِذْلَالِهِمْ وَقَهْرِهِمْ بِقَصْدِ قَتْلِهِمْ حُصُولُ مَا يَقَعُ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنْ قَتْلِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَازَ تَمَنِّي الشَّهَادَةِ لِمَا بَذَلَ عَلَيْهِ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ فِي إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ حَتَّى بَذَلَ نَفْسَهُ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ. وَقَوْلُ ابْنِ التِّينِ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَمَنِّي الشَّهَادَةِ إِنَّمَا فِيهِ تَمَنِّي الْغَزْوِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ هِيَ الثَّمَرَةُ الْعُظْمَى الْمَطْلُوبَةُ فِي الْغَزْوِ. (ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ) ثَانِيًا (فَنَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ) حَالَ كَوْنِهِ (يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْتُ) زَادَ ابْنُ وَضَّاحٍ لَهُ ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُضْحِكُكَ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) يَرْكَبُونَ الْبَرَّ (مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ) قَالَ ( «مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى» ) مِنْ تَشْبِيهِمْ بِالْمُلُوكِ، وَشَكَّ إِسْحَاقُ ( «قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ: أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ» ) الَّذِينَ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ الْبَحْرِ، زَادَ أَبُو عِوَانَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: وَلَسْتِ مِنَ الْآخِرِينَ. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْأُولَى «يَغْزُونَ هَذَا الْبَحْرَ» وَفِي الثَّانِيَةِ «يَغْزُونَ قَيْصَرَ» ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَةَ إِنَّمَا غَزَتْ فِي الْبَرِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ أَخْرَجَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أُمِّ حَرَامٍ «قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ: مِمَّ تَضْحَكُ؟ فَقَالَ: عُرِضَ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ» ، لَكِنَّ الْمَرْوِيَّ فِي الْبُخَارِيِّ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. (قَالَ) أَنَسٌ (فَرَكِبَتْ) أُمُّ حَرَامٍ (الْبَحْرَ) مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ (فِي زَمَانِ) غَزْوِ (مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَمِيرَ الْجَيْشِ مِنْ جِهَةِ عُثْمَانَ عَلَى غَزَاةِ قُبْرُسَ وَهِيَ أَوَّلُ غَزْوَةٍ كَانَتْ إِلَى الرُّومِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ السِّيَرِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ. قَالَ الْبَاجِيُّ وَعِيَاضٌ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. ( «فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ» ) أَيْ مَاتَتْ لَمَّا رَجَعُوا مِنَ الْغَزْوِ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةِ قِتَالٍ. فَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ غَازِيًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 أَوَّلُ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ نَزَلُوا الشَّامَ فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ. وَلَهُ أَيْضًا: فَلَمَّا قُرِّبَتْ لَهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَوَقَعَتْ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا. وَلِمُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» " وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ صُرِعَ عَنْ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ» " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَفِي حَدِيثِ أُمِّ حَرَامٍ أَنَّ حُكْمَ الرَّاجِعِ مِنَ الْغَزْوِ حُكْمُ الذَّاهِبِ إِلَيْهِ فِي الثَّوَابِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أُمِّ حَرَامٍ أَيْضًا مَرْفُوعًا: " «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا، قُلْتُ: أَنَا مِنْهُمْ؟ قَالَ: أَنْتِ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ، فَقُلْتُ: أَنَا مِنْهُمْ؟ قَالَ: لَا» " قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ مَنْقَبَةٌ لِمُعَاوِيَةَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ، وَلِابْنِهِ يَزِيدَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا مَدِينَةَ قَيْصَرَ وَهِيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ وَابْنُ التِّينِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِهِ فِي ذَلِكَ الْعُمُومِ أَنْ لَا يَخْرُجَ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ، إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّ قَوْلَهُ مَغْفُورٌ لَهُمْ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْمَغْفِرَةِ حَتَّى لَوِ ارْتَدَّ وَاحِدٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعُمُومِ اتِّفَاقًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: مَغْفُورٌ لِمَنْ وُجِدَ شَرْطُ الْمَغْفِرَةِ فِيهِ مِنْهُمْ، وَاحْتِمَالُ أَنَّ يَزِيدَ لَمْ يَحْضُرْ مَعَ الْجَيْشِ مَرْدُودٌ إِلَّا أَنْ يُرَادَ: لَمْ يُبَاشِرِ الْقِتَالَ فَيُمْكِنُ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِيرًا عَلَى ذَلِكَ الْجَيْشِ اتِّفَاقًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَكَانَ فِيهِ أَبُو أَيُّوبَ فَمَاتَ فَدُفِنَ عِنْدَ بَابِ مَدِينَةِ قَيْصَرَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَفِيهِ جَوَازُ رُكُوبِ الْبَحْرِ الْمِلْحِ، وَذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَنَعَ مِنْهُ فَلَمَّا مَاتَ اسْتَأْذَنَ مُعَاوِيَةُ عُثْمَانَ فَأَذِنَ لَهُ فِي رُكُوبِهِ فَلَمْ يَزَلْ يُرْكَبُ إِلَى أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَمَنَعَ مِنْ رُكُوبِهِ ثُمَّ رُكِبَ بَعْدَهُ إِلَى الْآنَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَإِنَّمَا مَنَعَ الْعُمَرَانِ رُكُوبَهُ فِي التِّجَارَةِ وَطَلَبِ الدُّنْيَا أَمَّا فِي الْجِهَادِ وَالْحَجِّ فَلَا، وَقَدْ أَبَاحَتِ السُّنَّةُ رُكُوبَهُ لِلْجِهَادِ، فَالْحَجُّ الْمُفْتَرَضُ أَوْلَى. قَالَ: وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يُجِيزُونَ رُكُوبَهُ فِي طَلَبِ الْحَلَالِ إِذَا تَعَذَّرَ الْبَرُّ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي حُرْمَةِ رُكُوبِهِ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ رُكُوبَ النِّسَاءِ الْبَحْرَ لِمَا يُخْشَى مِنِ اطِّلَاعِهِنَّ عَلَى عَوْرَاتِ الرِّجَالِ وَعَكْسِهِ إِذْ يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْ ذَلِكَ، وَخَصَّهُ أَصْحَابُهُ بِالسُّفُنِ الصِّغَارِ، أَمَّا الْكِبَارُ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الِاسْتِتَارُ بِأَمَاكِنَ تَخُصُّهُمْ فَلَا حَرَجَ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْقَائِلَةِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْإِعَانَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَعَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِمَا سَيَقَعُ فَوَقَعَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَضْلُ شَهِيدِ الْبَحْرِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ: " «مَنْ لَمْ يُدْرِكِ الْغَزْوَ مَعِي فَلْيَغْزُ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّ غَزَاةً فِي الْبَحْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَزْوَتَيْنِ فِي الْبَرِّ» " الْحَدِيثَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَشَهِيدُ الْبَرِّ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ» " وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي الِاسْتِئْذَانِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَتَخَلَّفَ عَنْ سَرِيَّةٍ تَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكِنِّي لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَجِدُونَ مَا يَتَحَمَّلُونَ عَلَيْهِ فَيَخْرُجُونَ وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي فَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ»   1012 - 995 الحديث: 1012 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» ) بِعَدَمِ طِيبِ نُفُوسِهِمْ بِالتَّخَلُّفِ عَنِّي وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى آلَةِ السَّفَرِ وَلَا لِي مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، فَالِاسْتِدْرَاكُ الْآتِي مُفَسِّرٌ لِلْمُرَادِ بِالْمَشَقَّةِ كَرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ (لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَتَخَلَّفُ عَنْ سَرِيَّةٍ) » قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تُبْعَثُ إِلَى الْعَدُوِّ (تَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْجِهَادِ ( «وَلَكِنِّي لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ» ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " وَلَكِنْ لَا أَجِدُ حَمُولَةً وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ " وَالْحَمُولَةُ، بِالْفَتْحِ: الْإِبِلُ الْكِبَارُ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا ( «وَلَا يَجِدُونَ مَا يَتَحَمَّلُونَ عَلَيْهِ فَيَخْرُجُونَ» ) مَعِي لِعَجْزِهِمْ عَنْ آلَةِ السَّفَرِ مِنْ مَرْكُوبٍ وَغَيْرِهِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «لَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلُهُمْ وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً فَيَتْبَعُونِي» " ( «وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي» ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " وَيَشُقُّ عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي " وَلِلطَّبَرَانِيِّ: " وَيَشُقُّ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ " (فَوَدِدْتُ) بِكَسْرِ الدَّالِ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ: تَمَنَّيْتُ، وَسَبَقَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ " ( «أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ» ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِي الْجَمِيعِ، وَتَمَنَّى ذَلِكَ حِرْصًا مِنْهُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى أَعْلَى دَرَجَاتِ الشَّاكِرِينَ بَذْلًا لِنَفْسِهِ فِي مَرْضَاتِ رَبِّهِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ وَرَغْبَةً فِي الِازْدِيَادِ مِنَ الثَّوَابِ وَلِتَتَأَسَّى بِهِ أُمَّتُهُ. قَالَ الْحَافِظُ: حُكْمُهُ: إِيرَادُ هَذِهِ عَقِبَ تِلْكَ إِرَادَةُ تَسْلِيَةِ الْخَارِجِينَ فِي الْجِهَادِ عَنْ مُرَافَقَتِهِ لَهُمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْوَجْهُ الَّذِي تَسِيرُونَ لَهُ فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ مَا أَتَمَنَّى لِأَجْلِهِ أَنْ أُقْتَلَ مَرَّاتٍ، فَمَهْمَا فَاتَكُمْ مِنْ مُرَافَقَتِي وَالْقُعُودِ مَعِي مِنَ الْفَضْلِ يَحْصُلُ لَكُمْ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ مِنْ فَضْلِ الْجِهَادِ فَرَاعَى خَوَاطِرَ الْجَمِيعِ. وَقَدْ خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الْمَغَازِيِ وَخَلَّفَ عَنْهُ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ حَيْثُ رَجُحَتْ مَصْلَحَةُ خُرُوجِهِ عَلَى مُرَاعَاةِ حَالِهِمْ، وَفِيهِ بَيَانُ شِدَّةِ شَفَقَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ بِهِمْ وَالْحَضُّ عَلَى حُسْنِ النِّيَّةِ، وَجَوَازُ تَرْكِ بَعْضِ الْمَصَالِحِ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ أَوْ أَرْجَحَ، أَوْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ وَالسَّعْيِ فِي إِزَالَةِ الْمَكْرُوهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ بَعَثَنِي إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِآتِيَهُ بِخَبَرِكَ قَالَ فَاذْهَبْ إِلَيْهِ فَاقْرَأْهُ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ طُعِنْتُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ طَعْنَةً وَأَنِّي قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلِي وَأَخْبِرْ قَوْمَكَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ حَيٌّ»   1013 - 996 الحديث: 1013 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (قَالَ: لَمَّا كَانَ) وُجِدَ (يَوْمُ أُحُدٍ) ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ وَقِيلَ يَجُوزُ تَأْنِيثُهُ عَلَى تَوَقُّعِ الْبُقْعَةِ فَيُمْنَعُ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ، جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ فَرْسَخٍ مِنْهَا لِأَنَّ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَبَيْنَ بَابِهَا الْمَعْرُوفِ بِبَابِ الْبَقِيعِ مِيلَانِ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ مِيلٍ تَزِيدُ يَسِيرًا (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ) بْنِ عَمْرِو النَّجَّارِيِّ أَحَدِ نُقَبَاءِ الْأَنْصَارِ شَهِدَ بَدْرًا وَآخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ: إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا فَأَمْسِكْ مَالِي وَلِي زَوْجَتَانِ فَأَيَّتَهُمَا أَحْبَبْتَ أُطَلِّقُهَا ثُمَّ تَتَزَوَّجُهَا، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ (الْأَنْصَارِيِّ) أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ رُمْحًا شَرْعَى إِلَيْهِ كَمَا عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ. (فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ) آتِيكَ بِخَبَرِهِ (فَذَهَبَ الرَّجُلُ) هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْأَثِيرِ وَالْيَعْمَرِيُّ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ. وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: " «بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ لِطَلَبِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَقَالَ لِي: إِنْ رَأَيْتَهُ فَأَقْرِهِ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ تَجِدُكَ؟» " فَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ الثَّلَاثَةَ مُتَعَاقِبِينَ أَوْ دُفْعَةً وَاحِدَةً (يَطُوفُ) يَمْشِي (بَيْنَ الْقَتْلَى) زَادَ الْوَاقِدِيُّ: " فَنَادَى فِي الْقَتْلَى يَا سَعْدُ بْنَ الرَّبِيعِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ فَأَجَابَهُ بِصَوْتٍ ضَعِيفٍ " (فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: بَعَثَنِي إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِآتِيَهُ بِخَبَرِكَ) وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: " أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ أَفِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ " (قَالَ) أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ (فَاذْهَبْ إِلَيْهِ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ) وَزَادَ الْوَاقِدِيُّ: " وَقُلْ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ وَقُلْ لَهُ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ " (وَأَخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ طُعِنْتُ اثْنَتَيْ) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ ثِنْتَيْ (عَشْرَةَ طَعْنَةً) بِعَدَدِ الرِّمَاحِ الَّتِي رَآهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرْعَى إِلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: " فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ سَبْعُونَ طَعْنَةً مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ " وَلَا تَنَافِيَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (وَ) أَخْبِرْهُ (أَنِّي قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلِي) فَأَنَا فِي الْأَمْوَاتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 (وَأَخْبِرْ قَوْمَكَ) وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ: " وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ عَنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ " (إِنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ حَيٌّ) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ: " ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَهُ " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: " هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَحْفَظُهُ وَلَا أَعْرِفُهُ مُسْنَدًا وَهُوَ مَحْفُوظٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَا يَشْهَدُ لِبَعْضِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَغَّبَ فِي الْجِهَادِ وَذَكَرَ الْجَنَّةَ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْكُلُ تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ إِنِّي لَحَرِيصٌ عَلَى الدُّنْيَا إِنْ جَلَسْتُ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْهُنَّ فَرَمَى مَا فِي يَدِهِ فَحَمَلَ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ»   1014 - 997 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) مُرْسَلٌ وَصَلَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ جَابِرٍ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَغَّبَ فِي الْجِهَادِ» ) يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ» كَمَا عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ (وَذَكَرَ الْجَنَّةَ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقَالَ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ فَرَمَى بِالتَّمْرَةِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ» " (وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) هُوَ عُمَيْرٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ ابْنُ الْحُمَامِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ الْخَزْرَجِيُّ (يَأْكُلُ تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ: إِنِّي لَحَرِيصٌ عَلَى الدُّنْيَا إِنْ جَلَسْتُ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْهُنَّ) ؛ أَيْ: مِنْ أَكْلِ التَّمَرَاتِ (فَرَمَى مَا فِي يَدِهِ) مِنَ التَّمْرِ وَقَالَ: فَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلَاءِ (فَحَمَلَ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ) الْقَوْمَ (حَتَّى قُتِلَ) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ يَقُولُ: رَكَضْنَا إِلَى اللَّهِ بِغَيْرِ زَادٍ ... إِلَّا التُّقَى وَعَمَلَ الْمَعَادِ وَالصَّبْرَ فِي اللَّهِ عَلَى الْجِهَادِ ... وَكُلُّ زَادٍ عُرْرضَةُ النَّفَادِ غَيْرَ التُّقَى وَالْبِرِّ وَالرَّشَادِ وَقَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ الْعُقَيْلِيُّ. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَهُوَ أَوَّلُ قَتِيلٍ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَوَّلُهُمْ مِهْجَعٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَوَّلُهُمْ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ، وَعِدَّةُ شُهَدَاءِ بَدْرٍ الحديث: 1014 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا سِتَّةُ مُهَاجِرِينَ وَثَمَانِيَةُ أَنْصَارٍ بَيَّنْتُهُمْ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ الْغَزْوُ غَزْوَانِ فَغَزْوٌ تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ وَيُيَاسَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ وَيُطَاعُ فِيهِ ذُو الْأَمْرِ وَيُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ فَذَلِكَ الْغَزْوُ خَيْرٌ كُلُّهُ وَغَزْوٌ لَا تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ وَلَا يُيَاسَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ وَلَا يُطَاعُ فِيهِ ذُو الْأَمْرِ وَلَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ فَذَلِكَ الْغَزْوُ لَا يَرْجِعُ صَاحِبُهُ كَفَافًا   1015 - 998 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ) مَوْقُوفًا، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ عَنْ مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «الْغَزْوُ غَزْوَانِ» ) غَزْوٌ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَغَزْوٌ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي، فَاخْتَصَرَ الْكَلَامَ وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْغُزَاةِ وَعَدِّ أَصْنَافِهَا وَشَرْحِ حَالِهِمْ وَبَيَانِ أَحْكَامِهِمْ عَنْ ذِكْرِ الْقِسْمَيْنِ وَشَرْحِ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُفَصَّلًا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ. (فَغَزْوٌ تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ) قَالَ الْبَاجِيُّ:؛ أَيْ: كَرَائِمُ الْمَالِ وَخِيَارُهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ:؛ أَيِ: النَّاقَةُ الْعَزِيزَةُ عَلَيْهِ الْمُخْتَارَةُ عِنْدَهُ، وَقَالَ الْبَوْنِيُّ:؛ أَيِ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ سُمِّيَتْ كَرِيمَةً لِأَنَّهَا كَرَمٌ عَنِ السُّؤَالِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ:؛ أَيْ: مَا يُكْرَمُ عَلَيْكَ مِنَ الْمَالِ مِمَّا يَقِيكَ بِهِ اللَّهُ شُحَّ نَفْسِكَ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ: وَقَدْ تُخْرِجُ الْحَاجَاتُ يَا أُمَّ مَالِكٍ ... كَرَائِمَ مِنْ رَبٍّ بِهِنَّ ضَنِينُ (وَيُيَاسَرُ) بِضَمِّ الْيَاءِ الْأُولَى (فِيهِ الشَّرِيكُ) ؛ أَيْ: يُؤْخَذُ بِالْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ مَعَ الرَّفِيقِ نَفْعًا بِالْمَعُونَةِ وَكِفَايَةً لِلْمُؤْنَةِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مُوَافَقَتَهُ فِي رَأْيِهِ مِمَّا يَكُونُ طَاعَةً وَمُتَابَعَتَهُ عَلَيْهِ وَقِلَّةَ مُشَاحَّتِهِ فِيمَا يُشَارِكُهُ فِيهِ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ عَمَلٍ (وَيُطَاعُ فِيهِ ذُو الْأَمْرِ) بِأَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً إِذْ لَا طَاعَةَ فِيهَا إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. (وَيُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ) بِأَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الْمَشْرُوعَ فِي نَحْوِ نَهْبٍ وَقَتْلٍ وَتَخْرِيبٍ (فَذَلِكَ الْغَزْوُ خَيْرٌ كُلُّهُ) أَيْ ذُو خَيْرٍ وَثَوَابٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ فَجَمِيعُ حَالَاتِهِ مِنْ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ وَنَوْمٍ وَيَقَظَةٍ جَالِبَةٌ لِلْخَيْرِ وَالثَّوَابِ؛ أَيْ: أَنَّ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ لَهُ أَجْرٌ، وَلَفْظُ الْمَرْفُوعِ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فَأَمَّا مَنْ غَزَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَأَطَاعَ الْإِمَامَ وَأَنْفَقَ الْكَرِيمَةَ وَيَاسَرَ الشَّرِيكَ وَاجْتَنَبَ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّ نَوْمَهُ وَنَبْهَهُ أَجْرٌ كُلُّهُ. (وَغَزْوٌ لَا يُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ وَلَا يُيَاسَرُ) بِضَمِّ الْيَاءِ الْأُولَى (فِيهِ الشَّرِيكُ وَلَا يُطَاعُ فِيهِ ذُو الْأَمْرِ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (وَلَا يُجْتَنَبُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِي الْأَرْبَعَةِ (فِيهِ الْفَسَادُ فَذَلِكَ الْغَزْوُ لَا يَرْجِعُ صَاحِبُهُ كَفَافًا) مِنْ كَفَافِ الشَّيْءِ وَهُوَ خِيَارُهُ أَوْ مِنَ الرِّزْقِ؛ أَيْ: لَا يَرْجِعُ بِخَيْرٍ أَوْ بِثَوَابٍ يُغْنِيهِ، أَوْ لَا يَعُودُ رَأْسًا بِرَأْسٍ بِحَيْثُ لَا أَجْرَ وَلَا وِزْرَ، بَلْ عَلَيْهِ الْوِزْرُ الْعَظِيمُ وَلَفْظُ الحديث: 1015 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 الْمَرْفُوعِ وَأَمَّا مَنْ غَزَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَعَصَى الْإِمَامَ وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَنْ يَرْجِعَ بِالْكَفَافِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْخَيْلِ وَالْمُسَابَقَةِ بَيْنَهَا وَالنَّفَقَةِ فِي الْغَزْوِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»   19 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخَيْلِ وَالْمُسَابَقَةِ بَيْنَهَا وَالنَّفَقَةِ فِي الْغَزْوِ 1016 - 999 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا» ) جَمْعُ نَاصِيَةٍ الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَنَّى بِالنَّوَاصِي عَنْ جَمِيعِ الْفَرَسِ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ مُبَارَكُ النَّاصِيَةِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاسْتَبْعَدَهُ الْحَافِظُ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ» " وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: " «الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ» " قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَصَّ النَّاصِيَةَ لِكَوْنِهَا الْمُقَدَّمَ مِنْهَا إِشَارَةً إِلَى الْفَضْلِ فِي الْإِقْدَامِ بِهَا عَلَى الْعَدُوِّ دُونَ الْمُؤَخَّرِ لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى الْإِدْبَارِ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَرِيرٍ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسِهِ بِأُصْبُعِهِ وَيَقُولُ: الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا» ". ( «الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ) ؛ أَيْ: إِلَى قُرْبِهِ، أَعْلَمَ بِهِ أَنَّ الْجِهَادَ قَائِمٌ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، زَادَ الشَّيْخَانِ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ مَرْفُوعًا: " «الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ» " بِرَفْعِهِمَا بَدَلٌ مِنَ الْخَيْرِ أَوْ بِتَقْدِيرِ هُوَ الْأَجْرُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «قَالُوا: بِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ» " وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ؛ أَيِ: الْخَيْلُ الْمُتَّخَذَةُ لِلْغَزْوِ بِأَنْ يُقَاتَلَ عَلَيْهَا أَوْ تُرْبَطَ لِلْغَزْوِ، وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا: «الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ» ، الْحَدِيثَ السَّابِقَ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الْخَيْلِ؛ أَيْ: أَنَّهَا بِصَدَدِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا الْخَيْرُ، فَأَمَّا مَنِ ارْتَبَطَهَا لِعَمَلٍ صَالِحٍ فَالْوِزْرُ لِطَرَيَانِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْعَارِضِ. وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: " «الْخَيْرُ مَعْقُودٌ» " وَلَيْسَ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِهِ، نَعَمْ لَفْظُ " «مَعْقُودٌ فِيهِمَا» " مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ وَجَرِيرٍ فِي مُسْلِمٍ، وَأَحْمَدَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي الطَّبَرَانِيِّ، وَأَبِي يَعْلَى وَجَابِرٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَمَعْنَاهُ مُلَازِمٌ لَهَا كَأَنَّهُ مَعْقُودٌ فِيهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيَجُوزُ أَنَّ الْخَيْرَ الْمُفَسَّرَ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ لِأَنَّ الْخَيْرَ لَيْسَ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ حَتَّى يُعْقَدَ عَلَى النَّاصِيَةِ، لَكِنْ شَبَّهَهُ لِظُهُورِهِ وَمُلَازَمَتِهِ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ مَعْقُودٍ يُجْعَلُ عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ فَنَسَبَ الْخَيْرَ إِلَى لَازِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَذِكْرُ النَّاصِيَةِ تَجْرِيدٌ لِلِاسْتِعَارَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ يُدْخِلُونَ الْمَعْقُولَ فِي جِنْسِ الْمَحْسُوسِ وَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِمَا يُحْكَمُ عَلَى الْمَحْسُوسِ مُبَالَغَةً فِي اللُّزُومِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ وَجِيزِ لَفْظِهِ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْعُذُوبَةِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الْحُسْنِ مَعَ الْجِنَاسِ السَّهْلِ الَّذِي بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْخَيْرِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَالَ الحديث: 1016 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 الَّذِي يُكْتَسَبُ بِاتِّخَاذِ الْخَيْلِ مِنْ خَيْرِ وُجُوهِ الْأَمْوَالِ وَأَطْيَبِهَا وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمَالَ خَيْرًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَفْضِيلِ الْخَيْلِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الدَّوَابِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ غَيْرِهَا مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ. وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ أَنَسٍ: " «لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ النِّسَاءِ مِنَ الْخَيْلِ» ". وَقَالَ عِيَاضٌ: إِذَا كَانَ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا شُؤْمٌ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ حَدِيثَ: " «إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ: الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ» " فِي غَيْرِ خَيْلِ الْجِهَادِ، وَأَنَّ الْمُعَدَّةَ لَهُ هِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِالْخَيْرِ، أَوْ يُقَالَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ فَسَّرَ الْخَيْرَ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ تِلْكَ الْفَرَسُ يُتَشَاءَمُ بِهَا، وَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَزِيدُ بَسْطٍ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ، حَيْثُ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ ثَمَّةَ، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَفْيَاءِ وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ مِمَّنْ سَابَقَ بِهَا»   1017 - 1000 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ» ) أَجْرَى بِنَفْسِهِ أَوْ أَمَرَ أَوْ أَبَاحَ (بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ بِأَنْ عُلِفَتْ حَتَّى سَمِنَتْ وَقَوِيَتْ ثُمَّ قُلِّلَ عَلَفُهَا بِقَدْرِ الْقُوتِ وَأُدْخِلَتْ بَيْتًا وَغُشِّيَتْ بِالْجِلَالِ حَتَّى حَمِيَتْ وَعَرِقَتْ فَإِذَا جَفَّ عَرَقُهَا خَفَّ لَحْمُهَا وَقَوِيَتْ عَلَى الْجَرْيِ (مِنَ الْحَفْيَاءِ) ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ فَتَحْتِيَّةٍ وَمَدٍّ، مَكَانٌ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَيَجُوزُ الْقَصْرُ، وَحَكَى الْحَازِمِيُّ تَقْدِيمَ التَّحْتِيَّةِ عَلَى الْفَاءِ وَحَكَى ضَمَّ أَوَّلِهِ وَخَطَّأَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. (وَكَانَ أَمَدُهَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ؛ أَيْ: غَايَتُهَا (ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنَ الْمَدِينَةِ يَمْشِي مَعَهُ الْمُوَدِّعُونَ إِلَيْهَا، قَالَ سُفْيَانُ: بَيْنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ اخْتِلَافٌ قَرِيبٌ، وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ. ( «وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ» ) بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ الثَّقِيلَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِسُكُونِ الضَّادِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ (مِنَ الثَّنِيَّةِ) الْمَذْكُورَةِ (إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ) بِضَمِّ الزَّايِ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فَقَافٍ، ابْنُ عَامِرٍ قَبِيلَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَإِضَافَةُ " مَسْجِدِ " إِلَيْهِمْ إِضَافَةُ تَمْيِيزٍ لَا مِلْكٍ، قَالَ سُفْيَانُ: وَبَيْنَهُمَا مِيلٌ، وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ. (وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا) ؛ أَيْ: بِالْخَيْلِ أَوْ بِهَذِهِ الْمُسَابَقَةِ، وَهَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ الحديث: 1017 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 عَنْ نَفْسِهِ كَمَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ: الْعَبْدُ فَعَلَ كَذَا. وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرِي. وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرِي فَوَثَبَ بِي فَرَسٌ جِدَارًا. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ: فَسَبَقْتُ النَّاسَ فَطَفَّفَ بِي الْفَرَسُ مَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ؛ أَيْ: جَاوَزَ بِي الْمَسْجِدَ الَّذِي هُوَ الْغَايَةُ، وَأَصْلُ التَّطْفِيفِ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْمُسَابَقَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْعَبَثِ بَلْ مِنَ الرِّيَاضَةِ الْمَحْمُودَةِ الْمُوصِلَةِ إِلَى تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ فِي الْغَزْوِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الِاسْتِحْبَابِ وَالْإِبَاحَةِ بِحَسَبِ الْبَاعِثِ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا مِنَ الدَّوَابِّ مَجَّانًا وَعَلَى الْأَقْدَامِ، وَكَذَا التَّرَامِي بِالسِّهَامِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَسْلِحَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّدْرِيبِ عَلَى الْحَرْبِ وَفِيهِ جَوَازُ إِضْمَارِ الْخَيْلِ، وَلَا يَخْفَى اخْتِصَاصُ اسْتِحْبَابِهَا بِالْخَيْلِ الْمُعَدَّةِ لِلْغَزْوِ، وَمَشْرُوعِيَّةُ الْإِعْلَامِ بِالِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ عِنْدَ الْمُسَابَقَةِ، وَنِسْبَةُ الْفِعْلِ إِلَى الْآمِرِ بِهِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ " سَابَقَ "؛ أَيْ: أَمَرَ أَوْ أَبَاحَ؛ أَيْ: شَامِلٌ لِذَلِكَ، وَجَوَازُ إِضَافَةِ الْمَسْجِدِ إِلَى مَخْصُوصِينَ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ خِلَافًا لِلنَّخَعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] (سُورَةُ الْجِنِّ: الْآيَةُ: 18) وَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَجَوَازُ مُعَامَلَةِ الْبَهَائِمِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِمَا يَكُونُ تَعْذِيبًا لَهَا فِي غَيْرِ الْحَاجَةِ كَالْإِجَاعَةِ وَالْإِجْرَاءِ، وَتَنْزِيلُ الْخَلْقِ مَنَازِلَهُمْ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَايَرَ بَيْنَ مَنْزِلَةِ الْمُضَمَّرِ وَغَيْرِ الْمُضَمَّرِ وَلَوْ خَلَطَهُمَا لَأَتْعَبَ مَا لَمْ تُضَمَّرْ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّلَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَمُوسَى وَاللَّيْثُ بْنُ عُقْبَةَ وَأَيُّوبُ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ لَيْسَ بِرِهَانِ الْخَيْلِ بَأْسٌ إِذَا دَخَلَ فِيهَا مُحَلِّلٌ فَإِنْ سَبَقَ أَخَذَ السَّبَقَ وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ   1018 - 1001 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: لَيْسَ بِرِهَانِ الْخَيْلِ بَأْسٌ) وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَرَاهَنَ» " وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ بَعِوَضٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُتَسَابِقِينَ كَمَا قَالَ (إِذَا دَخَلَ فِيهَا مُحَلِّلٌ فَإِنْ سَبَقَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (أَخَذَ السَّبَقَ) بِفَتْحَتَيْنِ؛ أَيِ: الرَّهْنَ الَّذِي يُوضَعُ لِذَلِكَ (وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخْرِجُ الْمُحَلِّلُ مِنْ عِنْدِهِ شَيْئًا لِيَخْرُجَ الْعَقْدُ مِنْ صُورَةِ الْقِمَارِ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَبَقًا فَمَنْ غَلَبَ أَخَذَهُ فَهَذَا مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ بِلَا عِوَضٍ، لَكِنْ قَصَرَهَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى الْخُفِّ الحديث: 1018 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وَالْحَافِرِ وَالنَّصْلِ لِحَدِيثِ: " «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَخَصَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالْخَيْلِ وَأَجَازَهُ عَطَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُئِيَ وَهُوَ يَمْسَحُ وَجْهَ فَرَسِهِ بِرِدَائِهِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي عُوتِبْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْخَيْلِ»   1019 - 1002 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) مُرْسَلٌ وَصَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْفِهْرِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُئِيَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهَمْزٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ ( «يَمْسَحُ وَجْهَ فَرَسِهِ بِرِدَائِهِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي عُوتِبْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْخَيْلِ» ) وَوَصَلَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي كِتَابِ الْخَيْلِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ شَيْخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَقَالَ فِي إِذَالَةِ الْخَيْلِ. وَلَهُ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَقَالَ: " «إِنَّ جِبْرِيلَ بَاتَ اللَّيْلَةَ يُعَاتِبُنِي فِي إِذَالَةِ الْخَيْلِ» "؛ أَيِ: امْتِهَانِهَا. قَالَ الْبَوْنِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ ذَلِكَ وَحْيٌ فِي الْمَنَامِ وَيَحْتَمِلُ فِي الْيَقَظَةِ؛ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ الثَّانِي. الحديث: 1019 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ أَتَاهَا لَيْلًا وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} [الصافات: 177] »   1020 - 1003 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ) الْخُزَاعِيِّ الْبَصْرِيِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ) بِوَزْنِ " جَعْفَرٍ " مَدِينَةٌ كَبِيرَةٌ ذَاتُ حُصُونٍ وَمَزَارِعَ عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرُدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ: سُمِّيَتْ بِاسْمِ رَجُلٍ مِنَ الْعَمَالِيقِ نَزَلَهَا، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: خَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَقِيَّةِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ فَأَقَامَ يُحَاصِرُهَا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً إِلَى أَنْ فَتَحَهَا فِي صَفَرٍ (أَتَاهَا لَيْلًا) لَا تُخَالِفُهُ رِوَايَةُ الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ: صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً، لِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُمْ قَدِمُوهَا لَيْلًا وَبَاتُوا دُونَهَا ثُمَّ رَكِبُوا إِلَيْهَا بُكْرَةً بِالْقِتَالِ وَالْإِغَارَةِ، وَيُشِيرُ إِلَى هَذَا قَوْلُهُ: ( «وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ» ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ " أَغَارَ "، وَفِي لَفْظٍ: لَا يُغِيرُ عَلَيْهِمْ، وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ: لَمْ يُغِرْ بِهِمْ، بِكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْضًا مِنَ " الْإِغَارَةِ "، وَلِبَعْضِ الرُّوَاةِ: لَمْ يَقْرَبْهُمْ، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ (حَتَّى يُصْبِحَ) ؛ أَيِ: يَطْلُعَ الْفَجْرُ. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ فَإِذَا سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِلَّا أَغَارَ، قَالَ فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا الحديث: 1020 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 رَكِبَ» (فَخَرَجَتْ يَهُودُ) وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ وَلِلتِّنِّيسِيِّ: فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ، زَادَ أَحْمَدُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: إِلَى زُرُوعِهِمْ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُمْ سَمِعُوا بِقَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ وَكَانُوا يَخْرُجُونَ كُلَّ يَوْمٍ مُسَلَّحِينَ مُسْتَعِدِّينَ فَلَا يَرَوْنَ أَحَدًا، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي قَدِمَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ نَامُوا فَلَمْ تَتَحَرَّكْ لَهُمْ دَابَّةٌ وَلَمْ يَصِحْ لَهُمْ دِيكٌ فَخَرَجُوا (بِمَسَاحِيهِمْ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُخَفَّفًا، جَمْعُ مِسْحَاةٍ كَالْمَجَارِفِ إِلَّا أَنَّهَا مِنْ حَدِيدٍ، طَالِبِينَ زُرُوعَهُمْ (وَمَكَاتِلِهِمْ) بِفَوْقِيَّةٍ جَمْعُ مِكْتَلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ، الْقُفَّةُ الْكَبِيرَةُ يُحَوَّلُ فِيهَا التُّرَابُ وَغَيْرُهُ (فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا) هَذَا (مُحَمَّدٌ) أَوْ جَاءَ مُحَمَّدٌ (وَاللَّهِ) قَسَمٌ (مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ) ؛ أَيِ: الْجَيْشُ كَمَا فَسَّرَ بِهِ الْبُخَارِيُّ سُمِّيَ خَمِيسًا لِأَنَّهُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: مَيْمَنَةٌ وَمَيْسَرَةٌ وَمُقَدِّمَةٌ وَقَلْبٌ وَجَنَاحَانِ، وَضَبَطَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مَعَهُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُ أَكْبَرُ) كَبَّرَ حِينَ أَنْجَزَ لَهُ وَعْدَهُ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثَلَاثًا، وَفِي أُخْرَى: «فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ (خَرِبَتْ خَيْبَرُ) » ؛ أَيْ: صَارَتْ خَرَابًا، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قِيلَ تَفَاءَلَ بِخَرَابِهَا بِمَا رَآهُ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ آلَاتِ الْخَرَابِ مِنَ الْمَسَاحِي وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ أَخَذَهُ مِنِ اسْمِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْهُ التَّفَاؤُلُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَأَى آلَةَ الْهَدْمِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْمِسْحَاةِ مِنْ " سَحَوْتَ " إِذَا قَشَرْتَ أَخَذَ مِنْهُ أَنَّ مَدِينَتَهُمْ سَتُخَرَّبُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: ( «إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ» ) بِفِنَائِهِمْ وَقَرْيَتِهِمْ وَحُصُونِهِمْ وَأَصْلُ السَّاحَةِ الْفَضَاءُ بَيْنَ الْمَنَازِلِ (فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ) ؛ أَيْ: بِئْسَ الصَّبَاحُ صَبَاحُ مَنْ أُنْذِرَ بِالْعَذَابِ، وَفِيهِ جَوَازُ التَّمْثِيلِ وَالِاسْتِشْهَادِ بِالْقُرْآنِ وَالِاقْتِبَاسِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ رَشِيقٍ وَالنَّوَوِيُّ، وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِهِ فِي النَّثْرِ فِي غَيْرِ الْمُجُونِ وَالْخَلَاعَةِ وَهَزْلِ الْفُسَّاقِ لَهُ شَرَبَةِ الْخَمْرِ وَاللَّاطَةِ، وَأَلَّفَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ قَدِيمًا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ كِتَابًا جَمَعَ فِيهِ مَا وَقَعَ لِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ الْمُتَّصِلَةِ إِلَيْهِمْ، وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّيْخُ دَاوُدُ الشَّاذُلِيُّ الْبَاجِلِيُّ كُرَّاسَةً قَالَ فِيهَا: لَا خِلَافَ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي جَوَازِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ عِيَاضٍ وَالْبَاقِلَّانِيِّ وَقَالَ: كَفَى بِهِمَا حُجَّةً غَيْرَ أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ فِي الشِّعْرِ خَاصَّةً. وَرَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْإِسْنَادِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ وَهَذِهِ أَكْبَرُ حُجَّةٍ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ تَحْرِيمُهُ، وَالْعُمْدَةُ فِي نَفْيِ الْخِلَافِ عَلَى الشَّيْخِ دَاوُدَ فَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ، وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَأَئِمَّتُهُ مُجْمِعُونَ عَلَى الْجَوَازِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالْآثَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تَشْهَدُ لَهُمْ، فَمَنْ نَسَبَ تَحْرِيمَهُ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ فَسَّرَ وَأَبَانَ عَنْ أَنَّهُ أَجْهَلُ الْجَاهِلِينَ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ مُلَخَّصًا وَهُوَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْوَهْمِ فِي قَوْلِهِ فِي عُقُودِ الْجُمَانِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 قُلْتُ وَأَمَّا حُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ ... فَمَالِكٌ مُشَدِّدٌ فِي الْمَنْعِ وَلَيْسَ فِيهِ عِنْدَنَا صَرَاحَهْ ... لَكِنَّ يَحْيَى النَّوَوِي أَبَاحَهْ فِي الْوَعْظِ نَثْرًا دُونَ نَظْمٍ مُطْلَقَا ... وَالشَّرَفُ الْمَقْرِيُّ فِيهِ حَقَّقَا جَوَازُهُ فِي الزُّهْدِ وَالْوَعْظِ وَفِي ... مَدْحِ النَّبِيِّ وَلَوْ بِنَظْمٍ فَاقْتَفِي وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْحَرْبِ وَتَثْلِيثُهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الأنفال: 45] (سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 45) ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَفِي الْمَغَازِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِزِيَادَاتٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ»   1021 - 1004 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ حُمَيْدٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ» ) ؛ أَيْ: شَيْئَيْنِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ، وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا مَرْفُوعًا: بَعِيرَيْنِ شَاتَيْنِ حِمَارَيْنِ دِرْهَمَيْنِ، وَزَادَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ: مِنْ مَالِهِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ؛ أَيْ: فِي طَلَبِ ثَوَابِ اللَّهِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَكْرِيرَ الْإِنْفَاقِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ إِذَا حُمِلَتِ التَّثْنِيَةُ عَلَى التَّكْرِيرِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْإِنْفَاقِ التَّثَبُّتُ مِنَ الْأَنْفُسِ بِإِنْفَاقِ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ} [البقرة: 265] (سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 45) ؛ أَيْ: لِيَثْبُتُوا بِبَذْلِ الْمَالِ الَّذِي هُوَ شَقِيقُ الرُّوحِ، وَبَذْلُهُ أَشَقُّ شَيْءٍ عَلَى النَّفْسِ مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ الشَّاقَّةِ (نُودِيَ فِي) ؛ أَيْ: عِنْدَ دُخُولِ (الْجَنَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ مَعْنٍ: " نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ " (يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ) ؛ أَيْ: فَاضِلٌ لَا بِمَعْنَى: أَفْضَلُ، وَإِنْ أَوْهَمَهُ اللَّفْظُ فَفَائِدَتُهُ رَغْبَةُ السَّامِعِ فِي طَلَبِ الدُّخُولِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ. وَبَيَّنَ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيَانَ الدَّاعِي، وَلَفْظُهُ: دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ؛ أَيْ: خَزَنَةُ كُلِّ بَابٍ؛ أَيْ: قُلْ هَلُمَّ بِضَمِّ اللَّامِ لُغَةٌ فِي فُلَانٍ وَبِهِ ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ، وَقِيلَ تَرْخِيمُهُ فَاللَّامُ مَفْتُوحَةٌ قَالَهُ الْحَافِظُ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ: هَذَا خَيْرٌ أَعَدَّهُ اللَّهُ لَكَ فَأَقْبِلْ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، أَوْ هَذَا خَيْرُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ لِأَنَّ فِيهِ الْخَيْرَ وَالثَّوَابَ الَّذِي أُعِدَّ لَكَ (فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ) ؛ أَيْ: مَنْ كَانَتْ أَغْلَبَ الحديث: 1021 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 أَعْمَالِهِ وَأَكْثَرَهَا (دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ) قَالَ الْحَافِظُ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ يُدْعَى مِنْ بَابِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: " «لِكُلِّ عَامِلٍ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُدْعَى مِنْهُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. ( «وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ» ) مَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنَ الْحَدِيثِ (وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ) الْمُكْثِرِينَ مِنْهَا (دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ) وَلَيْسَ هَذَا بِتَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ: مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ، لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ وَلَوْ قَلَّ خَيْرٌ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْعَظِيمَةِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ مِنْ كُلِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهَذَا اسْتِدْعَاءٌ خَاصٌّ. (وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ) الْمُكْثِرِينَ مِنْهُ ( «دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ» ) مُشْتَقٌّ مِنَ الرِّيِّ فَخُصَّ بِذَلِكَ لِمَا فِي الصَّوْمِ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى أَلَمِ الْعَطَشِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِي الْهَوَاجِرِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَقَالَ الْحَرْبِيُّ: إِنْ كَانَ الرَّيَّانُ عَلَمًا لِلْبَابِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ صِفَةً فَهُوَ مِنَ الرَّوَاةِ الَّذِي يَرْوِي، وَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّائِمَ لِتَعْطِيشِهِ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ لِيَأْمَنَ مِنَ الْعَطَشِ ثَوَابًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِالرَّيَّانِ إِيمَاءٌ إِلَى زِيَادَةِ أَمْرِ الصَّوْمِ وَمُبَادَرَةِ الْقَبُولِ لَهُ، وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ يُدْعَى إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ رَوِيَ مِنْ حَوْضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْحَوْضُ بِالصَّائِمِينَ وَالْبَابُ مُخْتَصٌّ بِهِمْ قَالَ: وَعَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْبَابِ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِاخْتِصَاصِ الدَّاخِلِينَ فِيهِ بِالرِّيِّ، قَالَ الْحَافِظُ: فَذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَبْوَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَبَقِيَ الْحَجُّ فَلَهُ بَابٌ بِلَا شَكٍّ، وَالثَّلَاثَةُ بَابُ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا: " «إِنَّ لِلَّهِ بَابًا فِي الْجَنَّةِ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا مَنْ عَفَا عَنْ مَظْلَمَةٍ» " وَالْبَابُ الْأَيْمَنُ الَّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَلَا عَذَابَ وَالثَّامِنُ لَعَلَّهُ بَابُ الذِّكْرِ، فَفِي التِّرْمِذِيَّ مَا يُومِي إِلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَابُ الْعِلْمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبْوَابِ الَّتِي يُدْعَى مِنْهَا أَبْوَابٌ مِنْ دَاخِلِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الْأَصْلِيَّةِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ ثَمَانِيَةٍ انْتَهَى. وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الَّذِينَ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ يَتَسَوَّرُونَ كَمَا وَرَدَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا الْبَابَ مِنْ أَسْفَلِ الْجَنَّةِ الَّتِي يَتَسَوَّرُونَ مِنْهَا، فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ دَخَلُوا مِنْهَا مَجَازًا أَوْ أَنَّهُ مُعَدٌّ لَهُمْ تَكْرِيمًا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا مِنْهُ، وَتَبِعَ فِي عَدِّ الْبَابِ الْأَيْمَنِ عِيَاضًا، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَبِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَيْمَنِ مَا عَنْ يَمِينِ الدَّاخِلِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الدَّاخِلِينَ وَإِنَّمَا يَكُونُ بَابًا إِذَا كَانَ اسْمًا وَعَلَمًا عَلَى بَابٍ مُعَيَّنٍ. (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) زَادَ مَعْنٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي (مَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ) قَالَ الْمُظَهَّرِيُّ: " مَا " نَافِيَةٌ وَ " مِنْ " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 زَائِدَةٌ؛ أَيْ: لَيْسَ ضَرُورَةٌ عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْهَا، إِذْ لَوْ دُعِيَ مِنْ وَاحِدٍ لَحَصَلَ مُرَادُهُ وَهُوَ دُخُولُ الْجَنَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْعَى بَلْ مِنْ جَمِيعِهَا بَلْ هُوَ تَكْرِيمٌ وَإِعْزَازٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَغَيْرُهُ: يُرِيدُ مِنْ أَحَدِ تِلْكَ الْأَبْوَابِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَبْوَابِ فَأَطْلَقَ الْجَمِيعَ وَأَرَادَ الْوَاحِدَ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: يُرِيدُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مِنْ أَهْلِ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ وَدُعِيَ مِنْ بَابِهَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَايَةَ الْمَطْلُوبَةَ دُخُولُ الْجَنَّةِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا خَصَّ كُلَّ بَابٍ بِمَنْ أَكْثَرُ نَوْعًا مِنَ الْعِبَادَةِ وَسَمِعَ ذَلِكَ الصِّدِّيقُ رَغِبَ فِي أَنْ يُدْعَى مِنْ كُلِّ بَابٍ وَقَالَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْهَا ضَرَرٌ بَلْ شَرَفٌ وَإِكْرَامٌ فَسَأَلَ فَقَالَ: (فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟) وَيَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ (قَالَ: نَعَمْ) يُقَالُ لَهُ عِنْدَ كُلِّ بَابٍ إِنَّ لَكَ هُنَا خَيْرًا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَكَ لِعِبَادَتِكَ الْمُخْتَصَّةِ بِالدُّخُولِ مِنْ هَذَا الْبَابِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ: يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ فِي الدُّخُولِ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ إِكْرَامًا لَهُ لِاسْتِحَالَةِ الدُّخُولِ مِنَ الْكُلِّ مَعًا فَإِنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ وَاحِدٍ، وَلَعَلَّهُ الْعَمَلُ الَّذِي يَكُونُ أَغْلَبَ عَلَيْهِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» " الْحَدِيثَ وَفِيهِ: " «فُتِحْتَ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» " لِأَنَّهَا تُفْتَحُ لَهُ تَكْرِيمًا، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ. (وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: الرَّجَاءُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ نَبِيِّهِ وَاقِعٌ، وَبِهِ صُرِّحَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَلَفْظُهُ: " فَقَالَ: أَجَلْ وَأَنْتَ هُوَ يَا أَبَا بَكْرٍ " وَفِي الْحَدِيثِ إِشْعَارٌ بِقِلَّةِ مَنْ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا، وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ لَا وَاجِبَاتُهَا لِكَثْرَةِ مَنْ يَجْتَمِعُ لَهُ الْعَمَلُ بِالْوَاجِبَاتِ، بِخِلَافِ التَّطَوُّعَاتِ فَقَلَّ مَنْ يَجْتَمِعُ لَهُ الْعَمَلُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا، ثُمَّ الْإِنْفَاقُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْجِهَادِ وَالْعِلْمِ وَالْحَجِّ ظَاهِرٌ أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَمُشْكِلٌ، فَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْفَاقِ فِي الصَّلَاةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَسَائِلِهَا مِنْ تَحْصِيلِ آلَاتِهَا مِنْ طَهَارَةٍ وَتَطْهِيرِ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ وَمَكَانٍ. وَفِي الصِّيَامِ بِمَا يُقَوِّيهِ عَلَى فِعْلِهِ وَخُلُوصِ الْقَصْدِ فِيهِ وَالْإِنْفَاقِ فِي الْعَفْوِ عَنِ النَّاسِ بِتَرْكِ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ حَقٍّ، وَفِي التَّوَكُّلِ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَرَضِهِ الْمَانِعِ لَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ مَعَ الصَّبْرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ، أَوْ يُنْفِقُ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ مِثْلُ ذَلِكَ طَلَبًا لِلثَّوَابِ وَالْإِنْفَاقِ فِي الذِّكْرِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِنْفَاقِ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ بَذْلُ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ فِيهِمَا، فَالْعَرَبُ تُسَمِّي مَا يَبْذُلُهُ الْمَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ صَدَقَةً كَمَا يُقَالُ: أَنْفَقْتُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ عُمْرِي وَبَذَلْتُ فِيهِ نَفْسِي وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِالزَّوْجَيْنِ النَّفْسُ وَالْمَالُ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِهِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ إِلَّا بِالتَّأْوِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَذَا مَنْ قَالَ: النَّفَقَةُ فِي الصِّيَامِ تَقَعُ بِتَفْطِيرِ الصَّائِمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى بَابِ الصَّدَقَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ، وَأَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ قَلَّ أَنْ تَجْتَمِعَ كُلُّهَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى السَّوَاءِ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُحِبُّ صَالِحِي بَنِي آدَمَ وَتَفْرَحُ بِهِمْ، وَأَنَّ الْإِنْفَاقَ كُلَّمَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ أَفْضَلَ، وَأَنَّ تَمَنِّيَ الْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَطْلُوبٌ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصِّيَامِ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ فِي الْبُخَارِيِّ، وَيُونُسُ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَمَعْمَرٌ فِي مُسْلِمٍ الْأَرْبَعَةُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 [بَاب إِحْرَازِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَرْضَهُ] سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ إِمَامٍ قَبِلَ الْجِزْيَةَ مِنْ قَوْمٍ فَكَانُوا يُعْطُونَهَا أَرَأَيْتَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَتَكُونُ لَهُ أَرْضُهُ أَوْ تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَكُونُ لَهُمْ مَالُهُ فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ أَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِأَرْضِهِ وَمَالِهِ وَأَمَّا أَهْلُ الْعَنْوَةِ الَّذِينَ أُخِذُوا عَنْوَةً فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَإِنَّ أَرْضَهُ وَمَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ قَدْ غُلِبُوا عَلَى بِلَادِهِمْ وَصَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّهُمْ قَدْ مَنَعُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ حَتَّى صَالَحُوا عَلَيْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلَّا مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ   20 - بَابُ إِحْرَازِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَرْضَهُ مَصْدَرُ " أَحْرَزَ " كَذَا مَا جَعَلَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ اسْتُعِيرَ هُنَا لِمِلْكِهِ الْأَرْضَ بِالْإِسْلَامِ، كَانَ إِسْلَامُهُ مَكَانَ حِرْزِهَا وَحِفْظِهَا لَهُ. (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ إِمَامٍ قَبِلَ الْجِزْيَةَ مِنْ قَوْمٍ فَكَانُوا يُعْطُونَهَا) ؛ أَيِ: الْجِزْيَةَ (أَرَأَيْتَ) ؛ أَيْ: أَخْبِرْنِي (مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَتَكُونُ لَهُ أَرْضُهُ أَوْ تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَكُونُ لَهُمْ مَالُهُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ يَخْتَلِفُ أَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِأَرْضِهِ وَمَالِهِ) دُونَ الْمُسْلِمِينَ. (وَأَمَّا أَهْلُ الْعَنْوَةِ الَّذِينَ أُخِذُوا عَنْوَةً) ؛ أَيْ: بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ (مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَإِنَّ أَرْضَهُ وَمَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ قَدْ غُلِبُوا) بِضَمِّ الْغَيْنِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ (وَصَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ) قَالَ تَعَالَى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: 27] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 27) (وَأَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّهُمْ قَدْ مَنَعُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ) مِنَ الْقِتَالِ وَاسْتَمَرَّ (حَتَّى صَالَحُوا عَلَيْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلَّا مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ) فَلَهُمْ أَرْضُهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا وَمَالُهُمْ وَأَعَادَ هَذَا لِأَجْلِ تَعْلِيلِهِ لِلْحُكْمِ الَّذِي قَدَّمَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 [بَاب الدَّفْنِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ وَإِنْفَاذِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِدَةَ رَسُولِ اللَّهِ] ِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّيْنِ ثُمَّ السَّلَمِيَّيْنِ كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَهُمَا وَكَانَ قَبْرُهُمَا مِمَّا يَلِي السَّيْلَ وَكَانَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَهُمَا مِمَّنْ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا كَأَنَّهُمَا مَاتَا بِالْأَمْسِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جُرْحِهِ فَدُفِنَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَأُمِيطَتْ يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ ثُمَّ أُرْسِلَتْ فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ وَكَانَ بَيْنَ أُحُدٍ وَبَيْنَ يَوْمَ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً. قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُدْفَنَ الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ وَيُجْعَلَ الْأَكْبَرُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ   21 - بَابُ الدَّفْنِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ وَإِنْفَاذِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِدَةَ ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الدَّالِ مَصْدَرُ وَعَدَ وَعْدًا وَعِدَةً فِي الْخَيْرِ، (النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . 1023 - 1005 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ) بِصَادَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَعْدَ كُلِّ عَيْنٍ مُهْمَلَاتٌ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ (أَنَّهُ بَلَغَهُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ فِي قَطْعِهِ وَيَتَّصِلُ مَعْنَاهُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ (أَنَّ عَمْرَو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنَ الْجَمُوحِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَمُهْمَلَةٍ ابْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَلِمَةَ الْأَنْصَارِيَّ مِنْ سَادَاتِ الْأَنْصَارِ وَبَنِي سَلِمَةَ وَأَشْرَافِهِمْ. رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالسَّرَّاجُ وَأَبُو الشَّيْخِ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ جَابِرٍ: " «قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلِمَةَ؟ قَالُوا: الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى أَنْ نُبَخِّلَهُ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَمَدَّ يَدَهُ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ؟ بَلْ سَيِّدُكُمُ الْأَبْيَضُ الْجَعْدُ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ " قَالَ: وَكَانَ عَمْرٌو يُولِمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَزَوَّجَ» . (وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ ابْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيَّ الْعَقَبِيَّ الْبَدْرِيَّ وَالِدَ جَابِرٍ الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ. أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى. وَابْنُ السَّكَنِ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: " «جَزَى اللَّهُ الْأَنْصَارَ خَيْرًا لَا سِيَّمَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ» " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ: " «لَا سِيَّمَا آلِ ابْنِ حَرَامٍ» وَعَمْرٍو " (الْأَنْصَارِيَّيْنِ السَّلَمِيَّيْنِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ نِسْبَةً إِلَى بَنِي سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ الْخَزْرَجِ (كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَهُمَا) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ: " عَنْ قَبْرِهِمَا " عَلَى تَضْمِينِ " حَفَرَ " مَعْنَى " كَشَفَ " وَإِلَّا فَحَفَرَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ (وَكَانَ قَبْرُهُمَا مِمَّا يَلِي السَّيْلَ وَكَانَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ) رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ حِينَ أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ: اجْمَعُوا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا كَانَا مُتَصَادِقَيْنِ فِي الدُّنْيَا» " وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: " «أَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا الحديث: 1023 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ تُرَانِي أَمْشِي بِرِجْلِي هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَانَتْ عَرْجَاءَ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ هُوَ وَابْنُ أَخِيهِ فَمَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ فَقَالَ: إِنِّي أَرَاكَ تَمْشِي بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمَا وَمَوْلَاهُمَا فَجُعِلُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ» " وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ هُوَ ابْنَ أَخِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ عَمِّهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ فَلَعَلَّهُ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ، قَالَ: وَابْنُ الْجَمُوحِ كَانَ صَدِيقَ عَبْدِ اللَّهِ وَزَوْجَ أُخْتِهِ هِنْدِ بِنْتِ عَمْرٍو (وَهُمَا مِمَّنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا) ؛ أَيْ: لِيُنْقَلَا مِنْهُ لِمَكَانٍ غَيْرِهِ لِأَجْلِ السَّيْلِ (فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا كَأَنَّهُمَا مَاتَا بِالْأَمْسِ) لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُ جِسْمَ الشَّهِيدِ (وَكَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جُرْحِهِ فَدُفِنَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَأُمِيطَتْ) نُحِّيَتْ (يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ ثُمَّ أُرْسِلَتْ فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ) {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 154) (وَكَانَ بَيْنَ أُحُدٍ وَبَيْنَ يَوْمِ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً) وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ: " كَانَ أَبِي أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الْآخَرِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ " وَهَذَا يُخَالِفُ فِي الظَّاهِرِ حَدِيثَ الْمُوَطَّأِ، وَجَمَعَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِتَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَنَظَرَ فِيهِ الْحَافِظُ بِأَنَّ الَّذِي فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ دَفَنَ أَبَاهُ فِي قَبْرٍ وَحْدَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَحَدِيثُ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُمَا وُجِدَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ بَعْدَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ قُرْبُ الْمُجَاوَرَةِ أَوْ أَنَّ السَّيْلَ جَرَفَ أَحَدَ الْقَبْرَيْنِ حَتَّى صَارَا وَاحِدًا. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْقِصَّةَ فِي الْمَغَازِي فَقَالَ: " حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: لَمَّا ضَرَبَ مُعَاوِيَةُ عَيْنَهُ الَّتِي مَرَّتْ عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ انْفَجَرَتِ الْعَيْنُ عَلَيْهِمْ فَجِئْنَا فَأَخْرَجْنَاهُمَا يَعْنِي عَمْرًا وَعَبْدَ اللَّهِ وَعَلَيْهِمَا بُرْدَتَانِ قَدْ غُطِّيَ بِهِمَا وُجُوهُهُمَا وَعَلَى أَقْدَامِهِمَا شَيْءٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَأَخْرَجْنَاهُمَا كَأَنَّهُمَا دُفِنَا بِالْأَمْسِ " وَلَهُ شَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ عَنْ جَابِرٍ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُدْفَنَ الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ) لَا لِغَيْرِهَا لِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: " «جَاءَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ قَالُوا: أَصَابَنَا قَرْحٌ وَجَهْدٌ قَالَ: احْفِرُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وَأَوْسِعُوا وَاجْعَلُوا الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ» " (وَيُجْعَلُ الْأَكْبَرُ) فِي الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا (مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ» ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَالٌ مِنْ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأْيٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي فَجَاءَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَحَفَنَ لَهُ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ   1024 - 1006 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْمَدَنِيِّ أَحَدِ الْأَعْلَامِ يُعْرَفُ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ (أَنَّهُ قَالَ) مُنْقَطِعٌ قَالَ أَبُو عَمْرٍو: بِاتِّفَاقِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: (قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) فِي خِلَافَتِهِ (مَالٌ مِنَ الْبَحْرَيْنِ) بِلَفْظِ تَثْنِيَةٍ نَحْوَ بَلَدٍ مَعْرُوفٍ مِنْ مَالِ الْجِزْيَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَهُمْ عَلَيْهَا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ بَطَّالٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِنَ الْخُمُسِ أَوْ مِنَ الْفَيْءِ. (فَقَالَ) عَلَى لِسَانِ الْمُنَادِي (مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأْيٌ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرُ " وَأَى " بِزِنَةِ " وَعَى "، وَعْدٌ وَضَمَانٌ (أَوْ عِدَةٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَخِفَّةِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ؛ أَيْ: وَعْدٌ وَكَأَنَّ الرَّاوِيَ شَكَّ فِي اللَّفْظِ وَإِنِ اتَّحَدَ الْمَعْنَى، وَفِي الْبُخَارِيِّ: دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ، (فَلْيَأْتِنِي) أَفِ لَهُ بِهِ (فَجَاءَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَحَفَنَ لَهُ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ) جَمْعُ حَفْنَةٍ وَهِيَ مَا يَمْلَأُ الْكَفَّيْنِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ حَفَنَ لَهُ حَفْنَةً وَقَالَ عِدَّهَا فَوَجَدَهَا خَمْسَمِائَةٍ فَقَالَ لَهُ: خُذْ مِثْلَيْهَا. فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ: " «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا؛ أَيْ: ثَلَاثًا، فَلَمَّا قُبِضَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا فَحَثَى لِي ثَلَاثًا " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَحَثَى حَثْيَةً وَقَالَ عِدَّهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَمِائَةٍ قَالَ: فَخُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ» ". وَفِي أُخْرَى لَهُ أَيْضًا فَقَالَ: " احْثُ فَحَثَوْتُ حَثْيَةً فَقَالَ لِي عِدَّهَا فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَأَعْطَانِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ " وَالْمُرَادُ بِالْحَثْيَةِ الْحَفْنَةُ عَلَى مَا قَالَ الْهَرَوِيُّ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى، وَإِنَّ الْمَعْرُوفَ لُغَةً أَنَّ الْحَثْيَةَ مِلْءُ كَفٍّ وَاحِدٍ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: لَمَّا كَانَ وَعْدُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْلَفَ نَزَّلُوا وَعْدَهُ مَنْزِلَةَ الضَّمَانِ فِي الصِّحَّةِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَفِيَ وَأَنْ لَا يَفِيَ، وَأَشَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى النَّاسِ بِمَكَارِمِ الحديث: 1024 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 الْأَخْلَاقِ أَدَّى أَبُو بَكْرٍ مَوَاعِيدَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَسْأَلْ جَابِرًا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا فِي ذِمَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا ادَّعَى شَيْئًا فِي بَيْتِ الْمَالِ الْمَوْكُولِ أَمْرُهُ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فَوَفَّاهُ لَهُ أَبُو بَكْرٍ. هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ " فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَلَيَّ، قَالَ: قُلْتُ: تَبْخَلُ عَلَيَّ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ " وَإِنَّمَا أَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ إِعْطَاءَ جَابِرٍ حَتَّى قَالَ لَهُ ذَلِكَ، إِمَّا لِأَمْرٍ أَهَمُّ مِنْهُ أَوْ خَشْيَةَ أَنْ يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْحِرْصِ عَلَى الطَّلَبِ، أَوْ لِئَلَّا يَكْثُرَ الطَّالِبُونَ لِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْمَنْعَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلِذَا قَالَ لَهُ مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ. . . إِلَخْ. وَهَذَا الْمَالُ الْآتِي فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ غَيْرُ الْمَالِ الْآتِي مِنَ الْبَحْرَيْنِ زَمَنَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ بِمَالٍ فَسَمِعَتِ الْأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا صَلَّى بِهِمُ انْصَرَفَ فَتَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ: أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» ". وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ: " «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ: انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ» " وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ كَانَ مِائَةَ أَلْفٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 [كِتَاب النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ] [بَاب مَا يَجِبُ مِنْ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ بَاب مَا يَجِبُ مِنْ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَلَمْ تَقْضِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْضِهِ عَنْهَا»   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 22 - كِتَابُ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ جَمْعٌ مَصْدَرُ " نَذَرَ " بِفَتْحِ الذَّالِ " يَنْذُرُ " بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَهُوَ لُغَةُ الْوَعْدِ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وَفِي الشَّرْعِ: الْتِزَامُ قُرْبَةٍ غَيْرِ لَازِمَةٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ. وَحَدِيثُ: " «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» " إِنَّمَا سَمَّاهُ نَذْرًا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ كَمَا قَالَ فِي الْخَمْرِ وَبَائِعِهَا مَعَ بُطْلَانِ الْبَيْعِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ» ". وَالْأَيْمَانُ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ يَمِينٍ وَهِيَ خِلَافُ الْيَسَارِ أُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَحَالَفُوا أَخَذَ كُلٌّ يَمِينَ صَاحِبِهِ، أَوْ لِحِفْظِهَا الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ كَحِفْظِ الْيَمِينِ، وَسُمِّيَ أَلِيَّةً وَحَلِفًا، وَشَرْعًا: تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ بِذِكْرِ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، هَذَا إِنْ قُصِدَ بِهَا الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ وَإِلَّا زِيدَ، وَمَا أُقِيمَ مَقَامَهُ لِيَدْخُلَ الْحَلِفُ بِنَحْوِ إِطْلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ وَابْتَدَأَهُ بِالْبَسْمَلَةِ تَبَرُّكًا فَقَالَ: 1 - بَابُ مَا يَجِبُ مِنَ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ 1025 - 1007 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (بْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ) الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ أَحَدَ النُّقَبَاءِ وَسَيِّدَ الْخَزْرَجِ وَأَحَدَ الْأَجْوَادِ وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ فَنُهِشَ فَأَقَامَ، مَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَتَبِعَهُ اللَّيْثُ وَبَكْرُ بْنُ وَائِلٍ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَعْدٍ: أَخْرَجَ جَمِيعَ ذَلِكَ النَّسَائِيُّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الحديث: 1025 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يُدْرِكِ الْقِصَّةَ، فَتَرَجَّحَ رِوَايَةُ مَنْ زَادَ عَنْ سَعْدٍ وَيَكُونُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخَذَهُ عَنْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّ مَنْ قَالَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الرِّوَايَةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ عَنْ قِصَّةِ سَعْدٍ فَتَتَّحِدُ الرِّوَايَتَانِ. (اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي) عَمْرَةُ بِنْتُ مَسْعُودٍ وَقِيلَ: سَعْدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّةُ الْخَزْرَجِيَّةُ أَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ (مَاتَتْ) وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَائِبٌ فِي غَزْوَةِ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وَكَانَتْ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسٍ وَكَانَ ابْنُهَا سَعْدٌ مَعَهُ، فَقِدَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَى قَبْرِهَا بَعْدَ دَفْنِهَا بِشَهْرٍ ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ، فَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ حِينَئِذٍ بِمَكَّةَ مَعَ أَبَوَيْهِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَنْ سَعْدٍ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ (وَعَلَيْهَا نَذْرٌ) وَجَبَ كَانَتْ عَلَّقَتْهُ عَلَى شَيْءٍ حَصَلَ (وَلَمْ تَقْضِهِ) لِتَعَذُّرِهِ بِسُرْعَةِ مَوْتِهَا أَوْ أَخَّرَتْهُ لِجَوَازِ تَأْخِيرِهِ إِذْ لَا يَلْزَمُ تَعْجِيلُهُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ الْفَوَاتُ، وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ عَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ يَجِبْ أَدَاؤُهُ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ، لَمْ يَلْزَمْ قَضَاؤُهُ وَإِنِ فُعِلَ فَحَسَنٌ كَمَا قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنِّي نَذَرْتُ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ» " فَأَمَرَهُ بِوَفَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ مَا نَذَرَهُ فِي كُفْرِهِ، وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ " عَلَى " إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَجِبُ، كَمَا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ نَذْرَهَا مُطْلَقٌ، إِذْ لَوْ كَانَ مُقَيَّدًا لَاسْتَفْسَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ مِنْهُ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ كَانَ صِيَامًا نَذَرَتْهُ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِي تَضْعِيفِهِ، وَقِيلَ كَانَ عِتْقًا لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: " «أَنَّ سَعْدًا قَالَ: إِنَّ أُمِّي هَلَكَتْ فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ» " وَقِيلَ: كَانَ صَدَقَةً لِآثَارٍ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ وَقِيلَ نَذْرًا مُطْلَقًا عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدِهِ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: " «أَفَيُجْزِي عَنْهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ قَالَ أَعْتِقْ عَنْ أُمِّكَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. قَالَ الْحَافِظُ: فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ النَّذْرَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ الْعِتْقُ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ نَذْرَهَا مُطْلَقٌ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّ كَفَّارَتَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَالْعِتْقُ أَعْلَى كَفَّارَاتِ الْيَمِينِ فَلِذَا أَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقْ عَنْهَا. (فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقْضِهِ عَنْهَا) اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا، خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ قَائِلِينَ: سَوَاءٌ كَانَ فِي مَالٍ أَوْ بَدَنٍ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ: " «أَنَّ سَعْدًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَنْفَعُ أُمِّي أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا وَقَدْ مَاتَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: اسْقِ الْمَاءَ» " وَالْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ حَدِيثُ الْبَابِ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: " «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ» " وَلِلْبُخَارِيِّ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: " «أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا» " وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَنْهَا بِذَلِكَ كُلِّهِ الْعِتْقِ وَسَقْيِ الْمَاءِ وَالْحَائِطِ الْمُسَمَّى بِالْمِخْرَافِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْفَاءِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: الِاسْتِفْتَاءُ يَكُونُ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْعَامِّيِّ مَعَ الْعَالِمِ، وَأَمَّا الْعَالِمَانِ الْمُجْتَهِدَانِ فَسُؤَالُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْمُذَاكَرَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ جَائِزٌ إِذَا الْتَزَمَا شُرُوطَ الْمُنَاظَرَةِ مِنَ الْإِنْصَافِ وَقَصْدِ إِظْهَارِ الْحَقِّ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَأَمَّا سُؤَالُهُ مُسْتَفْتِيًا مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْعِلْمِ وَتَمَكُّنِ السَّائِلِ مِنَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا شُغُوفٌ فِي الْعِلْمِ فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ دُونَهُ تَقْلِيدُهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنَ النَّظَرِ؟ وَالِاسْتِدْلَالُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ خَافَ الْعَالِمُ فَوَاتَ حَادِثَةٍ فَذَهَبَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إِلَى جَوَازِ اسْتِفْتَاءِ غَيْرِهِ وَمَنَعَ مِنْهُ سَائِرُ أَصْحَابِنَا وَقَالُوا يَتْرُكُهَا لِغَيْرِهِ وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ. وَأَمَّا مَا يَخُصُّهُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِمَّا قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ انْتَهَى. وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مُطَابَقَةُ التَّرْجَمَةِ لِلْحَدِيثِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْوَصَايَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَبَكْرُ بْنُ وَائِلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ عَنْ مَالِكٍ وَلَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ اخْتِلَافٌ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَ بِهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادٍ مِثْلِهِ انْتَهَى، وَرِوَايَةُ عَبْدَةَ فِي مُسْلِمٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمَّتِهِ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ فَمَاتَتْ وَلَمْ تَقْضِهِ فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنَتَهَا أَنْ تَمْشِيَ عَنْهَا قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ لَا يَمْشِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ   1025 - 1008 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَمَّتِهِ) قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: هِيَ عَمْرَةُ بِنْتُ حَزْمٍ عَمَّةُ جَدِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَقِيلَ لَهَا عَمَّتَهُ مَجَازًا وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ لِأَنَّ عَمْرَةَ صَحَابِيَّةٌ قَدِيمَةٌ، رَوَى عَنْهَا جَابِرٌ الصَّحَابِيُّ، فَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهَا مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهَا، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ عَمَّتُهُ الْحَقِيقِيَّةُ وَهِيَ أُمُّ عَمْرٍو وَأُمُّ كُلْثُومٍ انْتَهَى. وَالْأَصْلُ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَعَلَى مُدَّعِي الْعَمَّةِ الْمَجَازِيَّةِ بَيَانُ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا دَعْوَاهُ خُصُوصًا مَعَ مَا لَزِمَ عَلَيْهَا مِنِ انْقِطَاعِ السَّنَدِ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ (أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ) بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (فَمَاتَتْ وَلَمْ تَقْضِهِ فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنَتَهَا أَنَّهَا تَمْشِي عَنْهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْإِتْيَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 إِلَى قُبَاءٍ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ قُرْبَةٌ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهُ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَضَاءُ الْمَشْيِ عَنِ الْمَيِّتِ وَكَذَا غَيْرُهُ. رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ: " إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ " وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ: " لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ " لِأَنَّ النَّفْيَ فِي حَقِّ الْحَيِّ وَالْإِثْبَاتَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَأْخُذْ بِقَوْلِهِ فِي الْمَشْيِ الْأَئِمَّةُ وَلِذَا (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَمْشِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَنْكَرَ مَالِكٌ الْأَحَادِيثَ فِي الْمَشْيِ إِلَى قُبَاءٍ وَلَمْ يَعْرِفِ الْمَشْيَ إِلَّا إِلَى مَكَّةَ خَاصَّةً، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَعْنِي لَا يَعْرِفُ إِيجَابَ الْمَشْيِ لِلْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ. وَأَمَّا الْمُتَطَوِّعُ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِيمَا مَرَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِي قُبَاءً رَاكِبًا وَمَاشِيًا» وَأَنَّ إِتْيَانَهُ مُرَغَّبٌ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ قَالَ قُلْتُ لِرَجُلٍ وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ مَا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ فَقَالَ لِي رَجُلٌ هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ هَذَا الْجِرْوَ لِجِرْوِ قِثَّاءٍ فِي يَدِهِ وَتَقُولُ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقُلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ ثُمَّ مَكَثْتُ حَتَّى عَقَلْتُ فَقِيلَ لِي إِنَّ عَلَيْكَ مَشْيًا فَجِئْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِي عَلَيْكَ مَشْيٌ فَمَشَيْتُ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا   1026 - 1009 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ) الْمَدَنِيِّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَوَى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَهْدِيِّ، وَرَوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَرَوَى عَنْهُ بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشَجُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي فَضْلِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: هُوَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ اكْتُفِيَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُمْ. (قَالَ قُلْتُ لِرَجُلٍ وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَقِهَ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ (مَا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ قَدْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ لَفْظَ الِالْتِزَامِ إِذَا عَرِيَ مِنْ لَفْظِ النَّذْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ (فَقَالَ لِي رَجُلٌ: هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ هَذَا الْجَرْوَ) مُثَلَّثُ الْجِيمِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ، الصَّغِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (لِجَرْوِ قِثَّاءٍ فِي يَدِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ بِيَدِهِ شُبِّهَتْ بِصِغَارِ أَوْلَادِ الْكِلَابِ لِلِينِهَا وَنُعُومَتِهَا كَذَا فِي الْبَارِعِ (وَتَقُولُ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ نَعَمْ) قَالَ الْبَاجِيُّ: مَا كَانَ يَنْبَغِي ذَلِكَ لِلرَّجُلِ فَرُبَّمَا حَمَلَهُ اللَّجَاجُ عَلَى أَمْرٍ لَا يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهُ بِالصَّوَابِ، فَإِنْ قَبِلَ وَإِلَّا حَضَّهُ عَلَى السُّؤَالِ، وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ هَذَا الْقَوْلُ تَرَكَ السُّؤَالَ وَإِنْ لَزِمَهُ دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إِلَى السُّؤَالِ عَنْهُ (فَقُلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ) صَغِيرٌ الحديث: 1026 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 لَمْ أَتَفَقَّهْ وَإِنْ كُنْتُ بَالِغًا (ثُمَّ مَكَثْتُ حَتَّى عَقَلْتُ) تَفَقَّهْتُ (فَقِيلَ لِي إِنَّ عَلَيْكَ مَشْيًا) لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ لَفْظِ نَذْرٍ وَعَدَمِهِ إِذِ الْمَدَارُ عَلَى الِالْتِزَامِ فَلَمْ يَرَ تَقْلِيدَ هَؤُلَاءِ (فَجِئْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلَ وَقْتِهِ بَعْدَ الصَّحَابَةِ (فَقَالَ: عَلَيْكَ مَشْيٌ فَمَشَيْتُ) لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ لَكِنَّهُ يَلْزَمُ إِذَا كَانَ قُرْبَةٌ، وَلَا خِلَافَ فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْأَفْضَلِ الْأَعْلَمِ، وَهَلْ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْمَفْضُولِ إِذَا كَمُلَتْ آلَاتُ الِاجْتِهَادِ فِيهِ؟ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، وَعِنْدِي يَجُوزُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَيٍّ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَأَعْلَمُ، وَقَدْ كَانَ جَمِيعُ فُقَهَائِهِمْ يُفْتِي وَيَنْتَهِي النَّاسُ إِلَى قَوْلِهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) وَقَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ فِيهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَالْمَعْرُوفُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ خِلَافُ مَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ: عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَأَظُنُّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ عَلَيَّ مَشْيٌ إِخْبَارًا بِبَاطِلٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ حَتَّى يَقُولَ: نَذَرْتُ الْمَشْيَ أَوْ عَلَيَّ نَذْرُ الْمَشْيِ أَوْ عَلَيَّ لِلَّهِ الْمَشْيُ نَذْرًا. وَالنَّذْرُ شَرْعًا إِيجَابُ الْمَرْءِ فِعْلَ الْبِرِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا خَالَفَ مَالِكًا فِيهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ " نَذْرٌ " عَلَى مُخَاطَرَةٍ، وَالْعِبَادَاتُ إِنَّمَا تَصِحُّ بِالنِّيَّاتِ لَا بِالْمُخَاطَرَةِ، وَهَذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ طَاعَةٌ؟ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشْيَ إِلَى مَكَّةَ إِنْ لَمْ يُرِدْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَفِي قَوْلِهِ الْمَعْرُوفِ عَنْ سَعِيدٍ خِلَافُ مَا هُنَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ مَا قَالَ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ عَنْهُ فَيَكُونُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْإِسْنَادُ إِلَيْهِ صَحِيحٌ، مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْهُ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَلَا يَضُرُّ مَالِكًا مُخَالَفَةُ الْأَكْثَرِ لَهُ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ بَلْ لَوِ انْفَرَدَ فَلَا ضَرَرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 [بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَعَجَزَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ جَدَّةٍ لِي عَلَيْهَا مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَجَزَتْ فَأَرْسَلَتْ مَوْلًى لَهَا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ ثُمَّ لْتَمْشِ مِنْ حَيْثُ عَجَزَتْ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ وَنَرَى عَلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ الْهَدْيَ   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ. 1027 - 1010 - (مَالِكٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لَقَبٌ وَاسْمُهُ يَحْيَى الحديث: 1027 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 بْنُ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو (اللَّيْثِيُّ) مِنْ بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ كِنَانَةَ كَانَ شَاعِرًا غَزِلًا خَيِّرًا ثِقَةً، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ غَيْرُ هَذَا الْخَبَرِ، وَلِجَدِّهِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ رِوَايَةٌ عَنْ عَلِيٍّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: مَدَنِيُّ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ جَدَّةٍ لِي عَلَيْهَا مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَجَزَتْ) عَنِ الْمَشْيِ (فَأَرْسَلَتْ مَوْلًى لَهَا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَخَرَجْتُ مَعَهُ) لِأَسْمَعَ الْجَوَابَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَا وَاسِطَةٍ (فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ ثُمَّ لِتَمْشِ) إِذَا قَدَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ (مِنْ حَيْثُ عَجَزَتْ) فَتَمْشِي مَا رَكِبَتْ (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ وَنَرَى عَلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: مَشْيُ مَا رَكِبَتْ (الْهَدْيَ) لِتَفْرِيقِ الْمَشْيِ اللَّازِمِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فَجَعَلَ فِي سَفَرَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَطَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَا يَقُولَانِ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ   1027 - 1011 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ (كَانَا يَقُولَانِ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) يَمْشِي مِنْ حَيْثُ عَجَزَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ عَلَيَّ مَشْيٌ فَأَصَابَتْنِي خَاصِرَةٌ فَرَكِبْتُ حَتَّى أَتَيْتُ مَكَّةَ فَسَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرَهُ فَقَالُوا عَلَيْكَ هَدْيٌ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ سَأَلْتُ عُلَمَاءَهَا فَأَمَرُونِي أَنْ أَمْشِيَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ حَيْثُ عَجَزْتُ فَمَشَيْتُ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ يَقُولُ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنَّهُ إِذَا عَجَزَ رَكِبَ ثُمَّ عَادَ فَمَشَى مِنْ حَيْثُ عَجَزَ فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيَرْكَبْ وَعَلَيْهِ هَدْيُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ إِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا هِيَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أَنَا أَحْمِلُكَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَقَالَ مَالِكٌ إِنْ نَوَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةَ وَتَعَبَ نَفْسِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلْيَمْشِ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلْيُهْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى شَيْئًا فَلْيَحْجُجْ وَلْيَرْكَبْ وَلْيَحْجُجْ بِذَلِكَ الرَّجُلِ مَعَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ أَنَا أَحْمِلُكَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِنُذُورٍ مُسَمَّاةٍ مَشْيًا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ بِكَذَا وَكَذَا نَذْرًا لِشَيْءٍ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ وَلَوْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ لَعُرِفَ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ عُمْرُهُ مَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ هَلْ يُجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ نَذْرٌ وَاحِدٌ أَوْ نُذُورٌ مُسَمَّاةٌ فَقَالَ مَالِكٌ مَا أَعْلَمُهُ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْوَفَاءُ بِمَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ وَلْيَتَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ الْخَيْرِ   1028 - 1012 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَلَيَّ مَشْيٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّهُ لَزِمَهُ بِنَذْرٍ وَأَمَّا الْيَمِينُ بِمِثْلِ هَذَا فَمَكْرُوهٌ (فَأَصَابَتْنِي خَاصِرَةٌ) ؛ أَيْ: وَجَعُهَا (فَرَكِبْتُ حَتَّى أَتَيْتُ مَكَّةَ فَسَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرَهُ فَقَالُوا: عَلَيْكَ هَدْيٌ) بِدُونِ إِعَادَةِ الْمَشْيِ (فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ سَأَلْتُ عُلَمَاءَهَا فَأَمَرُونِي أَنْ أَمْشِيَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ حَيْثُ الحديث: 1028 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 عَجَزْتُ) وَلَا هَدْيَ (فَمَشَيْتُ) أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ لِاخْتِلَافِهِمْ عَلَيْهِ. (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ يَقُولُ: عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنَّهُ إِذَا عَجَزَ رَكِبَ) إِذْ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (ثُمَّ عَادَ فَمَشَى مِنْ حَيْثُ عَجَزَ) إِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ بَعْدُ (فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ) جَمِيعَهُ (فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ) وَلَوْ قَلَّ (ثُمَّ لِيَرْكَبْ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ) مِنَ الْإِبِلِ (أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ) تُجْزِئُهُ (إِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا هِيَ) فَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لَمْ تُجْزِهِ، وَفِي الْوَاضِحَةِ: تُجْزِئُهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِنَّمَا أَوْجَبَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ الْهَدْيَ دُونَ الصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ الْمَشْيَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَأَفْضَلُ الْقُرُبَاتِ بِمَكَّةَ إِرَاقَةُ الدِّمَاءِ إِحْسَانًا لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ وَالْمَوْسِمِ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: أَنَا أَحْمِلُكَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مَكَّةَ (فَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ نَوَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةَ وَتَعَبَ نَفْسِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: لَيْسَ عَلَيْهِ حَمْلُهُ وَلَا إِحْجَاجُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إِحْجَاجَهُ وَإِنَّمَا قَصَدَ حَمْلَهُ عَلَى عُنُقِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا أَحْمِلُ هَذَا الْعَمُودَ وَشِبْهَهُ إِذْ لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ هُوَ الْحَجُّ مَاشِيًا كَمَا قَالَ. (وَلْيَمْشِ عَلَى رِجْلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَضْمُونُ كَلَامِهِ لِأَنَّ مَنْ حَمَلَ ثِقَلًا إِنَّمَا يَحْمِلُهُ مَاشِيًا فَيَلْزَمُهُ الْمَشْيُ. (وَلْيُهْدِ) يُرِيدُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ كَنَذْرِ الْحَفَاءِ انْتَهَى. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى شَيْئًا) ؛ أَيْ: إِتْعَابَ نَفْسِهِ (فَلْيَحْجُجْ وَلْيَرْكَبْ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعَدِّلُ نِيَّتَهُ عَنِ الْقُرْبَةِ لَزِمَهُ الْحَجُّ رَاكِبًا (وَلْيَحْجُجْ بِذَلِكَ الرَّجُلِ مَعَهُ) لِأَنَّ لَفْظَهُ اقْتَضَى إِحْجَاجَهُ (وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَحْمِلُكَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ) لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إِرَادَةِ الرَّجُلِ (فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) بِسَبَبِ الرَّجُلِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ الْحَجَّ يَسْقُطُ عَنْهُ (وَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: فَعَلَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: دَلَّتِ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ قَصَدَ الْمَشَقَّةَ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: " نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَاسْتَفْتَيْتُ لَهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لِتَمْشِ يَعْنِي مَا قَدَرَتْ وَلْتَرْكَبْ وَلَا شَيْءَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 عَلَيْهَا " فَلَمْ يَأْمُرْهَا بِهَدْيٍ وَلَمْ يُلْزِمْهَا مَا عَجَزَتْ عَنْهُ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ نَذْرِهَا مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ» " وَفِي رِوَايَةٍ فِيهَا ضَعْفٌ وَلْتُهْدِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُقْبَةَ: " «نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ حَافِيَةً إِلَى بَيْتِ اللَّهِ غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مُرْ أُخْتَكَ فَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَرْكَبْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» "؛ أَيْ: لِأَنَّهَا حَلَفَتْ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا فَلْتَحُجَّ رَاكِبَةً وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا» " «وَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَتَهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ فَرَكِبَ» وَلَمْ يَذْكُرْ هَدْيًا وَلَا صَوْمًا. (قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِنُذُورٍ مُسَمَّاةٍ مَشْيًا) بِالنَّصْبِ حَالٌ أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَفِي نُسْخَةٍ " مَشْيٍ " بِالْخَفْضِ بَدَلٌ مِنْ نُذُورٍ (إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ بِكَذَا أَوْ كَذَا نَذْرًا لِشَيْءٍ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ وَلَوْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ لَعُرِفَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ عُمْرُهُ مَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: هَلْ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ نَذْرٌ وَاحِدٌ أَوْ نُذُورٌ مُسَمَّاةٌ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: مَا أَعْلَمُهُ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْوَفَاءُ بِمَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ) وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ (فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الزَّمَانِ وَلْيَتَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنَ الْخَيْرِ) الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 [بَاب الْعَمَلِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْمَرْأَةِ فَيَحْنَثُ أَوْ تَحْنَثُ أَنَّهُ إِنْ مَشَى الْحَالِفُ مِنْهُمَا فِي عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِذَا سَعَى فَقَدْ فَرَغَ وَأَنَّهُ إِنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مَشْيًا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا وَلَا يَزَالُ مَاشِيًا حَتَّى يُفِيضَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَكُونُ مَشْيٌ إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ   3 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ. - (مَالِكٌ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَفِي نُسْخَةٍ سَمِعْتُ (مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوِ الْمَرْأَةِ فَيَحْنَثُ) الرَّجُلُ (أَوْ تَحْنَثُ) الْمَرْأَةُ (أَنَّهُ إِنْ مَشَى الْحَانِثُ مِنْهُمَا فِي عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِذَا سَعَى فَقَدْ فَرَغَ) فَتَبَرُّ يَمِينُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 (وَأَنَّهُ إِنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ) كُلٌّ مِنْهُمَا (مَشْيًا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا وَلَا يَزَالُ مَاشِيًا حَتَّى يُفِيضَ) يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَكُونُ مَشْيٌ إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) لَا فِي غَيْرِهِمَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الْحَالِفَ بِالْمَشْيِ إِلَى مَكَّةَ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ، وَعَلَيْهِ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ إِلَّا رِوَايَةً رَوَاهَا الْعُدُولُ الثِّقَاتُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ أَفْتَى ابْنَهُ عَبْدَ الصَّمَدِ وَكَانَ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إِلَى مَكَّةَ فَحَنَثَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَقَالَ لَهُ أَفْتَيْتُكَ بِقَوْلِ اللَّيْثِ فَإِنْ عُدْتَ لَمْ أُفْتِكَ إِلَّا بِقَوْلِ مَالِكٍ وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى أَنَّ الْحَالِفَ بِهِ أَوْ بِصِيَامٍ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَيْمَانِ إِلَّا الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ الطَّلَاقِ إِنْ حَنَثَ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 89) فَعَلَى كُلِّ حَالِفٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِلَّا الطَّلَاقَ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ خَصَّصَهُ وَلَمْ يُجْمِعُوا فِي الْعِتْقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 [بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النُّذُورِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ وَثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَدُهُمَا يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى صَاحِبِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ مَا بَالُ هَذَا فَقَالُوا نَذَرَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَسْتَظِلَّ مِنْ الشَّمْسِ وَلَا يَجْلِسَ وَيَصُومَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَجْلِسْ وَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ» قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ وَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ طَاعَةً وَيَتْرُكَ مَا كَانَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً   4 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النُّذُورِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. 1029 - 1013 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ) الْمَكِّيِّ (وَثَوْرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ (ابْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ (أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مُرْسَلًا قَالَ أَبُو عُمَرَ: يَتَّصِلُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَمِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَ: وَأَظُنُّ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ هُوَ هَذَا لِأَنَّ مُجَاهِدًا رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ صَاحِبُ مُجَاهِدٍ (وَأَحَدُهُمَا يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى صَاحِبِهِ) فَجَمَعَ حَدِيثَهُمَا دُونَ بَيَانِ زِيَادَةٍ لِأَحَدٍ لِجَوَازِ ذَلِكَ، وَقَدْ فَعَلَهُ شَيْخُهُ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا) وَفِي الْبُخَارِيِّ: «بَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالَ الحديث: 1029 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 أَبُو إِسْرَائِيلَ» وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ جَابِرٍ «كَانَ أَبُو إِسْرَائِيلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ فَنَذَرَ لَيَقُومَنَّ فِي الشَّمْسِ حَتَّى يُصَلِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ - الْجُمُعَةَ وَلَيَصُومَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ» . قَالَ الْحَافِظُ: قِيلَ: اسْمُهُ قُشَيْرٌ بِقَافٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مُصَغَّرٌ، وَقِيلَ: يَسِيرٌ بِتَحْتِيَّةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرٌ أَيْضًا، وَقِيلَ: قَيْصَرُ بِقَافٍ وَصَادٍ بِاسْمِ مَلِكِ الرُّومِ، وَقِيلَ: قَيْسَرُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الصَّادِ، وَقِيلَ: قَيْصٌ بِغَيْرِ رَاءٍ فِي آخِرِهِ، وَفِي مُبْهَمَاتِ الْخَطِيبِ أَنَّهُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ أَنْصَارِيٌّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَلَا يُشَارِكُهُ فِي كُنْيَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ (قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟) مَا حَالُهُ ( «فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَسْتَظِلَّ مِنَ الشَّمْسِ وَلَا يَجْلِسَ وَيَصُومَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَجْلِسْ» ) لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِي عَدَمِ الثَّلَاثَةِ (وَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ. (قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يُسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ) فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ عَلَيْهِ مَعَ تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ( «وَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ طَاعَةً» ) وَهُوَ الصِّيَامُ (وَيَتْرُكَ مَا كَانَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً) ؛ أَيْ: مَا حُكْمُهُ حُكْمُهَا فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا الْكَفَّارَةُ، وَإِلَّا فَالْقِيَامُ وَعَدَمُ الْكَلَامِ وَالِاسْتِظْلَالُ لَيْسَتْ مَعْصِيَةً لِذَاتِهَا إِذْ أَصْلُهَا مُبَاحٌ أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: سَمَّاهُ مَعْصِيَةً وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مُبَاحًا لِأَنَّهُ إِذَا نَذَرَ كَانَ مَعْصِيَةً، إِذْ لَا يَحِلُّ نَذْرُ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَإِنْ فَعَلَهُ بِالنَّذْرِ عَصَى وَبِغَيْرِ نَذْرٍ مُبَاحٌ، وَأَيْضًا لِأَنَّهُ إِذَا بَلَغَ بِهِ حَدَّ الضَّرَرِ وَالْعَنَتِ كَانَ مَعْصِيَةً فُعِلَ بِنَذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي إِسْرَائِيلَ نَفْسِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَتَتْ امْرَأَةٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَتْ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا تَنْحَرِي ابْنَكِ وَكَفِّرِي عَنْ يَمِينِكِ فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَيْفَ يَكُونُ فِي هَذَا كَفَّارَةٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} [المجادلة: 3] مِنْكُمْ {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ مَا قَدْ رَأَيْتَ   1030 - 1014 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ) ؛ أَيْ: يَحْيَى (سَمِعَهُ) ؛ أَيْ: الْقَاسِمَ (يَقُولُ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ الحديث: 1030 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 ابْنِي، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَنْحَرِي ابْنَكِ وَكَفِّرِي عَنْ يَمِينِكِ) بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَنْحَرُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ دِيَتَهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا يَنْحَرُ كَبْشًا كَمَا فَدَى بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَتَلَا. {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] (سُورَةُ الصَّافَّاتِ: الْآيَةُ 107) وَرُوِيَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ: " «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» " وَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ. وَرُوِيَ الْأَخِيرَانِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: سَمَّاهُ يَمِينًا لِأَنَّ كَفَّارَتَهُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ عِنْدَهُ وَلَعَلَّهُ مِنْهَا أَنَّهَا أَتَتْ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ (فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَكَيْفَ يَكُونُ فِي هَذَا كَفَّارَةٌ؟) وَهُوَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] (سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: الْآيَةُ 2) ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ مَا رَأَيْتَ) فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. . . إِلَخْ مَعَ أَنَّهُ قَالَ: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] (سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: الْآيَةُ 2) فَكَذَلِكَ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْكَفَّارَةُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا مَعْنَى لِلِاعْتِبَارِ فِي ذَلِكَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِأَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ بِنَذْرٍ، وَنَذْرُ الْمَعْصِيَةِ جَاءَ فِيهِ نَصُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا فِي الْحَدِيثِ اللَّاحِقِ: " «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ» " وَفِعْلًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ يَعْنِي السَّابِقَ قَبْلَ أَثَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ أَنْ يَنْذِرَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى الشَّامِ أَوْ إِلَى مِصْرَ أَوْ إِلَى الرَّبَذَةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ إِنْ كَلَّمَ فُلَانًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِنْ هُوَ كَلَّمَهُ أَوْ حَنِثَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَاعَةٌ وَإِنَّمَا يُوَفَّى لِلَّهِ بِمَا لَهُ فِيهِ طَاعَةٌ   1031 - 1015 - (مَالِكٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا يَاءٌ تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثِقَةٌ مَرْضِيٌّ حُجَّةٌ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ» ) عَزَّ وَجَلَّ كَأَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ مَثَلًا فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ أَوْ يَصُومُ نَفْلًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْتَحَبِّ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ (فَلْيُطِعْهُ) بِالْجَزْمِ جَوَابُ الشَّرْطِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَيَنْقَلِبُ الْمُسْتَحَبُّ وَاجِبًا بِالنَّذْرِ وَيَتَقَيَّدُ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ النَّاذِرُ. (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ (فَلَا يَعْصِهِ) لِحُرْمَةِ وَفَائِهِ بِذَلِكَ النَّذْرِ، إِذْ مَفْهُومُ النَّذْرِ شَرْعًا إِيجَابُ الْمُبَاحِ وَهُوَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الطَّاعَاتِ، وَأَمَّا الْمَعَاصِي فَلَا شَيْءَ فِيهَا مُبَاحٌ حَتَّى يَجِبَ بِالنَّذْرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ النَّذْرُ، فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْعِيدِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَوْ نَذَرَ نَحْرَ وَلَدِهِ فَبَاطِلٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الحديث: 1031 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَفُقَهَاءُ الْحِجَازِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَسَائِرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ مُسْنَدًا، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَاصِمٍ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ وَأَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ طَلْحَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيَّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَا أَظُنُّهُ سَقَطَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ إِلَّا عِنْدَ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيِّ فَلَمْ يُسْنِدْهُ وَإِنَّمَا (قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ أَنْ يَنْذِرَ الرَّجُلُ» ) أَوِ الْمَرْأَةُ (أَنْ يَمْشِيَ إِلَى الشَّامِ أَوْ إِلَى مِصْرَ) بِمَنْعِ الصَّرْفِ الْبَلَدُ الْمَعْرُوفُ (أَوْ إِلَى الرَّبَذَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَرْيَةٌ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَتْ عَامِرَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَبِهَا قَبْرُ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ، إِنْ كَلَّمَ فُلَانًا) شَرَطَ فِي قَوْلِهِ أَنْ يَمْشِيَ (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِنْ هُوَ كَلَّمَهُ أَوْ حَنَثَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ) غَيْرُ الْكَلَامِ (لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَاعَةٌ) وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ نَذْرُهُ وَيَحْرُمُ فِعْلُهُ بِالنَّذْرِ عَلَى مَا قَالَ الْبَاجِيُّ أَوْ يَلْحَقُ بِالْمَعْصِيَةِ فِي الْحُكْمِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو عُمَرَ. (وَإِنَّمَا يُوَفَّى لِلَّهِ بِمَا لَهُ فِيهِ طَاعَةٌ) وُجُوبًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ: " «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 [بَاب اللَّغْوِ فِي الْيَمِينِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا أَنَّ اللَّغْوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُوجَدُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ اللَّغْوُ. قَالَ مَالِكٌ وَعَقْدُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَبِيعَ ثَوْبَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ يَبِيعَهُ بِذَلِكَ أَوْ يَحْلِفَ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ ثُمَّ لَا يَضْرِبُهُ وَنَحْوَ هَذَا فَهَذَا الَّذِي يُكَفِّرُ صَاحِبُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَيْسَ فِي اللَّغْوِ كَفَّارَةٌ. قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آثِمٌ وَيَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا أَوْ لِيَعْتَذِرَ بِهِ إِلَى مُعْتَذَرٍ إِلَيْهِ أَوْ لِيَقْطَعَ بِهِ مَالًا فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ.   5 - بَابُ اللَّغْوِ فِي الْيَمِينِ. 1032 - 1016 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ: لَا وَاللَّهِ لَا وَاللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ: وَبَلَى وَاللَّهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الحديث: 1032 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 ؛ أَيْ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِذَا قَالَهَا مُفْرَدَةً لَغْوٌ، فَلَوْ قَالَهُمَا مَعًا فَالْأُولَى لَغْوٌ وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةٌ لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاكٌ مَقْصُودٌ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الصَّائِغِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَغْوُ الْيَمِينِ هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ: كَلَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ» . وَأَشَارَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى عَطَاءٍ وَعَلَى إِبْرَاهِيمَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أُنْزِلَتْ: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 89) فِي قَوْلِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ (قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا أَنَّ اللَّغْوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُوجَدُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ اللَّغْوُ) الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَأَمَّا: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ، فَفِيهِمَا الْكَفَّارَةُ. (وَعَقْدُ الْيَمِينِ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 89) هُوَ (أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَبِيعَ ثَوْبَهُ) مَثَلًا (بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ يَبِيعَهُ بِذَلِكَ أَوْ يَحْلِفُ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ ثُمَّ لَا يَضْرِبُهُ وَنَحْوَ هَذَا) كَلَا يَأْكُلُ كَذَا ثُمَّ يَأْكُلُهُ، أَوْ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا ثُمَّ يُكَلِّمُهُ. (فَهَذَا الَّذِي يُكَفِّرُ صَاحِبُهُ عَنْ يَمِينِهِ. وَلَيْسَ فِي اللَّغْوِ كَفَّارَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] (وَأَمَّا الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِثْمٌ وَهُوَ يَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ) يَقِينًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا (لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا أَوْ لِيَعْتَذِرَ بِهِ إِلَى مُعْتَذَرٍ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالذَّالِ (إِلَيْهِ أَوْ لِيَقْطَعَ) وَفِي نُسْخَةٍ: لِيَقْتَطِعَ (بِهِ مَالًا فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ) وَهِيَ الْغَمُوسُ لِغَمْسِ صَاحِبِهَا فِي الْإِثْمِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 [بَاب مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْيَمِينِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ قَالَ وَاللَّهِ ثُمَّ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الثُّنْيَا أَنَّهَا لِصَاحِبِهَا مَا لَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نَسَقًا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا قَبْلَ أَنْ يَسْكُتَ فَإِذَا سَكَتَ وَقَطَعَ كَلَامَهُ فَلَا ثُنْيَا لَهُ. قَالَ يَحْيَى وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ كَفَرَ بِاللَّهِ أَوْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ ثُمَّ يَحْنَثُ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا مُشْرِكٍ حَتَّى يَكُونَ قَلْبُهُ مُضْمِرًا عَلَى الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا يَعُدْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ.   6 - بَابُ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنَ الْيَمِينِ. 1033 - 1017 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ وَاللَّهِ) لَأَفْعَلَنَّ كَذَا (ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَجْلِ اسْتِثْنَائِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ وَعَدَمَهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالْوُقُوعُ بِخِلَافِهَا مُحَالٌ، وَهَذَا قَدْ رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: " فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ " وَقَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ أَيُّوبَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمَحْفُوظُ وَقْفُهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ غَيْرَهُ رَفَعَهُ أَيْضًا وَرِجَالَهُ ثِقَاتٌ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. (قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الثُّنْيَا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ مِنْ: ثَنَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا عَطَفْتَهُ، وَالْمُرَادُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ؛ أَيِ: الْإِخْرَاجُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّ الْمُسْتَثْنِيَ عَطَفَ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ عُرْفًا إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ (أَنَّهَا لِصَاحِبِهَا مَا لَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ) بَلْ وَصَلَهُ بِالْيَمِينِ (وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نَسَقًا يَتْبَعُ بَعْضًا قَبْلَ أَنْ يَسْكُتَ فَإِذَا سَكَتَ وَقَطَعَ كَلَامَهُ فَلَا ثُنْيَا لَهُ) أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْفَاءِ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّعْقِيبِ بِلَا تَرَاخٍ فَمَتَى انْفَصَلَ لَمْ يُؤَثِّرْ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ كَفَرَ بِاللَّهِ وَأَشْرَكَ بِاللَّهِ) أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا (ثُمَّ يَحْنَثُ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ فَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِيَمِينٍ (وَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا مُشْرِكٍ حَتَّى يَكُونَ قَلْبُهُ مُضْمَرًا عَلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ) فَمَتَى كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لَمْ يَكْفُرْ بِقَوْلِ ذَلِكَ وَإِنْ أَثِمَ (وَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ) يَتُوبُ إِلَيْهِ (وَلَا يَعُدْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ) وَإِنَّمَا لَمْ يَكْفُرْ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ حَلَفَ الحديث: 1033 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 فَقَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» " وَلَمْ يَنْسُبْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْكُفْرِ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَمَرَهُ بِتَمَامِ الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَفَعَهُ " «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ» " وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَقَالَ غَيْرُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَالْمُرَادُ بِهِ التَّهْدِيدُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْوَعِيدِ لَا الْحُكْمُ بِكُفْرِهِ كَأَنَّهُ قَالَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ مِثْلُ عَذَابِ مَنِ اعْتَقَدَ مَا قَالَ، وَالْمُرَادُ بِالْكُفْرِ كُفْرُ النِّعْمَةِ بِفِعْلِهِ فِعْلَ الْكُفَّارِ إِذْ كَانُوا يَحْلِفُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَكَفْرُ نِعْمَتِهِ بِتَعْظِيمِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْظِيمُهُ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا بِاللَّهِ فَالْحَالِفُ بِغَيْرِهِ مُعَظِّمٌ لَهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 [بَاب مَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْأَيْمَانِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ مَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا إِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا التَّوْكِيدُ فَهُوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مِرَارًا يُرَدِّدُ فِيهِ الْأَيْمَانَ يَمِينًا بَعْدَ يَمِينٍ كَقَوْلِهِ وَاللَّهِ لَا أَنْقُصُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا يَحْلِفُ بِذَلِكَ مِرَارًا ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَكَفَّارَةُ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ مَثَلًا فَقَالَ وَاللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَلَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا أَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَكَانَ هَذَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ إِنْ كَسَوْتُكِ هَذَا الثَّوْبَ وَأَذِنْتُ لَكِ إِلَى الْمَسْجِدِ يَكُونُ ذَلِكَ نَسَقًا مُتَتَابِعًا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ حَنِثَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ حِنْثٌ إِنَّمَا الْحِنْثُ فِي ذَلِكَ حِنْثٌ وَاحِدٌ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نَذْرِ الْمَرْأَةِ إِنَّهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَيَثْبُتُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي جَسَدِهَا وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِزَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِزَوْجِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهَا حَتَّى تَقْضِيَهُ.   7 - بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنَ الْأَيْمَانِ. 1034 - 1018 - (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ) بِضَمِّ السِّينِ (بْنِ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سُهَيْلٍ أَيْضًا (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ السَّمَّانِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَرَأَى» ) غَيْرَهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ فَهُوَ مَفْعُولُ رَأَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ: (خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) يَعْنِي مَنْ حَلَفَ يَمِينًا حَقًّا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَمْرٌ فِعْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَارِ يَمِينِهِ فَلْيَفْعَلْهُ وَلْيُكَفِّرْ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ إِجْزَاءُ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَعَلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَهُوَ الثَّابِتُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِالْحِنْثِ، وَلِعَجَبٍ أَنَّهُمْ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمْ إِلَّا بِتَمَامِ الْحَوْلِ، وَأَجَازُوا تَقْدِيمَهَا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْوُوا فِي ذَلِكَ مِثْلَ هَذِهِ الْآثَارِ، وَأَبَوْا مِنْ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ مَعَ كَثْرَةِ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ، وَالْحُجَّةُ فِي السُّنَّةِ وَمَنْ خَالَفَهَا مَحْجُوجٌ بِهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا. الحديث: 1034 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: مَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ) بِاللَّهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ بِدُونِ قَوْلِهِ: " إِذَا لَمْ يُسَمِّ " فَحَمَلَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى النَّذْرِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ، أَمَّا الْمُقَيَّدُ فَهُوَ الْمُعَيَّنُ فَلَا بُدَّ مِنَ الْوَفَاءِ بِهِ، وَأَمَّا حَمْلُ بَعْضِهِمْ لَهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى رِوَايَةِ سُقُوطِ " إِذَا لَمْ يُسَمِّ " لَكِنَّ الْمَخْرَجَ مُتَّحِدٌ وَالْحَدِيثَ وَاحِدٌ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ. (فَأَمَّا التَّوْكِيدُ فَهُوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ) زَادَ ابْنُ وَضَّاحٍ مِرَارًا (يُرَدِّدُ فِيهِ الْأَيْمَانَ يَمِينًا بَعْدَ يَمِينٍ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا أَنْقُصُهُ) بِإِسْكَانِ النُّونِ وَضَمِّ الْقَافِ وَالصَّادِ (مِنْ كَذَا وَكَذَا يَحْلِفُ بِذَلِكَ مِرَارًا ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَكَفَّارَةُ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) زِيَادَةٌ فِي الْإِيضَاحِ (فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ مَثَلًا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَلَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا أَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَكَانَ هَذَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ) صِفَةُ يَمِينٍ لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ (فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) إِذَا حَنَثَ (وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ الطَّلَاقُ إِنْ كَسَوْتُكِ هَذَا الثَّوْبَ وَأَذِنْتُ لَكِ إِلَى الْمَسْجِدِ يَكُونُ ذَلِكَ نَسَقًا مُتَتَابِعًا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ) بَيَانٌ لِنَسَقًا (فَإِنْ حَنَثَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ حِنْثٌ) لِأَنَّ حِنْثَ الْيَمِينِ يُسْقِطُهَا (إِنَّمَا الْحِنْثُ فِي ذَلِكَ حِنْثٌ وَاحِدٌ) لَا يَتَعَدَّدُ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نَذْرِ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَيَثْبُتُ) يَسْتَمِرُّ وُجُوبُهُ عَلَيْهَا (إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي جَسَدِهَا وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِزَوْجِهَا) فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ (وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِزَوْجِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهَا حَتَّى تَقْضِيَهُ) بِأَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِيهِ أَوْ تَتَأَيَّمَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَالِهَا فَلِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 [بَاب الْعَمَلِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَوَكَّدَهَا ثُمَّ حَنِثَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ كِسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَمَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَلَمْ يُؤَكِّدْهَا ثُمَّ حَنِثَ فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ   8 - بَابُ الْعَمَلِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. 1035 - 1019 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَوَكَّدَهَا) قَالَ أَيُّوبُ: قُلْتُ لِنَافِعٍ مَا التَّوْكِيدُ؟ قَالَ: تِرْدَادُ الْأَيْمَانِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ (ثُمَّ حَنَثَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ كُسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) وَلَا يَكْفِي الْإِطْعَامُ عِنْدَهُ (وَمَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَلَمْ يُؤَكِّدْهَا) ؛ أَيْ: لَمْ يُكَرِّرْهَا (ثُمَّ حَنَثَ فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) أُرِيدَ مَا يَشْمَلُ الْفُقَرَاءَ (لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ (مِنْ حِنْطَةٍ) وَنَحْوِهَا، قَالَ تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 9) {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] كَفَّارَتُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَتَابُعَهَا. الحديث: 1035 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ وَكَانَ يَعْتِقُ الْمِرَارَ إِذَا وَكَّدَ الْيَمِينَ   1036 - 1020 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ وَكَانَ يُعْتِقُ الْمِرَارَ) ؛ أَيِ: الْمُتَعَدِّدَ وَفِي نُسْخَةٍ " مِرَارًا " بِالتَّنْكِيرِ (إِذَا وَكَّدَ الْيَمِينَ) عَلَى مَذْهَبِهِ. الحديث: 1036 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ إِذَا أَعْطَوْا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَعْطَوْا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ وَرَأَوْا ذَلِكَ مُجْزِئًا عَنْهُمْ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِالْكِسْوَةِ أَنَّهُ إِنْ كَسَا الرِّجَالَ كَسَاهُمْ ثَوْبًا ثَوْبًا وَإِنْ كَسَا النِّسَاءَ كَسَاهُنَّ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ دِرْعًا وَخِمَارًا وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يُجْزِئُ كُلًّا فِي صَلَاتِهِ   1036 - 1021 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ (أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ) يَعْنِي الصَّحَابَةَ (وَهُمْ إِذَا أَعْطَوْا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَعْطَوْا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ) قَمْحٍ (بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ) ؛ أَيْ: مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَرَأَوْا ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُمْ) لِأَنَّ جَمِيعَ الْكَفَّارَاتِ بِهِ مَا عَدَا الظِّهَارَ كَمَا مَرَّ. (قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِالْكُسْوَةِ أَنَّهُ إِنْ كَسَا الرِّجَالَ كَسَاهُمْ ثَوْبًا ثَوْبًا) بِالتَّكْرِيرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَشَرَةِ (وَإِنْ كَسَا النِّسَاءَ كَسَاهُنَّ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ) لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ (دِرْعًا) ؛ أَيْ: قَمِيصًا (وَخِمَارًا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مَا يَسْتُرُ الْوَجْهَ بَيَانٌ لِلثَّوْبَيْنِ (وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يُجْزِئُ كُلًّا) مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (فِي صَلَاتِهِ) لَكِنَّ كَوْنَ ذَلِكَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ الرِّجَالَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ إِذِ الْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 [بَاب جَامِعِ الْأَيْمَانِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»   9 - بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ. 1037 - 1022 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اتَّفَقَتِ الرُّوَاةُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَكَى يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْعُمَرِيَّ الْمُكَبِّرَ الضَّعِيفَ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ (أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ) رَاكِبِي الْإِبِلِ عَشَرَةٌ فَصَاعِدًا، وَفِي مُسْنَدِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ فِي غَزَاةٍ (وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ) وَفِي رِوَايَةِ الحديث: 1037 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ الْقَعْنَبِيُّ: أَلَا ( «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ عَنْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» ) لِأَنَّ الْحَلِفَ بِشَيْءٍ يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ وَالْعَظَمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هِيَ لِلَّهِ وَحْدَهُ. وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: " قَالَ عُمَرُ: «حَدَّثْتُ قَوْمًا حَدِيثًا فَقُلْتُ: لَا وَأَبِي، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي: لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ حَلَفَ بِالْمَسِيحِ هَلَكَ وَالْمَسِيحُ خَيْرٌ مِنْ آبَائِكُمْ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا مُرْسَلٌ يَتَقَوَّى بِشَوَاهِدَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مُنْكَرَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ يَرُدَّهَا الْآثَارُ الصِّحَاحُ، وَقِيلَ: أَنَّهَا مُصَحَّفَةٌ مِنْ قَوْلِهِ وَاللَّهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَلَكِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ الصِّدِّيقِ فِي قِصَّةِ السَّارِقِ الَّذِي سَرَقَ حُلِيِّ ابْنَتِهِ فَقَالَ: وَأَبِيكَ لَأُنَبِّئَنَّكَ أَوْ لَأُحَدِّثَنَّكَ. وَأَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ مَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَارْتَضَاهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كَانَ يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدُوا بِهِ الْقَسَمَ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ الْحَلِفِ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا؛ أَيْ: أَفْلَحَ وَرَبِّ أَبِيهِ، قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا انْتَهَى. وَمَرَّ لِهَذَا مَزِيدٌ فِي الصَّلَاةِ، وَجُمْلَةُ " يَنْهَاكُمْ " فِي مَحَلِّ رَفْعِ خَبَرِ " أَنَّ "، وَ " أَنَّ " مَصْدَرِيَّةٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عِنْدَ الْخَلِيلِ وَالْكِسَائِيِّ أَوْ جَرٍّ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الْجَرِّ؛ أَيْ: يَنْهَاكُمْ عَنْ أَنْ تَحْلِفُوا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَحُكْمُ غَيْرِ الْآبَاءِ مِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ كَالْآبَاءِ فِي النَّهْيِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ، وَالْحَاكِمِ وَقَالَ: صَحِيحٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَا وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ: لَا تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ» " وَالتَّعْبِيرُ بِذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ، وَهَلِ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ أَوِ التَّنْزِيهِ؟ قَوْلَانِ شُهِرَا مَعًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِلتَّحْرِيمِ، وَبِهِ قَالَ الظَّاهِرِيَّةُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمُرَادُهُ بِنَفْيِ الْجَوَازِ الْكَرَاهَةُ أَعَمُّ مِنَ التَّحْرِيمِ وَالتَّنْزِيهِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ مَكْرُوهَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْحَلِفُ بِهَا، وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَدِيثُ بِالْآبَاءِ لِوُرُودِهِ عَلَى سَبَبِهِ الْمَذْكُورِ أَوْ لِكَوْنِهِ غَالِبَ حَلِفِهِمْ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: «وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا» ، وَيَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ قَوْلُهُ: (مَنْ كَانَ حَالِفًا) ؛ أَيْ: مُرِيدًا لِلْحَلِفِ (فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ) لَا بِغَيْرِهِ مِنَ الْآبَاءِ وَغَيْرِهِمْ (أَوْ لِيَصْمُتْ) بِضَمِّ الْمِيمِ كَمَا ضَبَطَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَكَأَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الطُّوفِيُّ سَمِعْنَاهُ بِكَسْرِهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ قِيَاسَ فَعَلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ يَفْعِلُ بِكَسْرِهَا كَـ " ضَرَبَ يَضْرِبُ، وَيَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ فِيهِ دَخِيلٌ كَمَا فِي خَصَائِصِ ابْنِ جِنِّي انْتَهَى. ؛ أَيْ: لَا يَحْلِفْ لَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّمْتُ إِذَا لَمْ يَحْلِفْ بِاللَّهِ، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 193) ؛ أَيْ: أَمْ لَمْ تَدْعُوهُمْ، وَالتَّخْيِيرُ فِي حَقِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَحْلِفُ لِيَبْرَأَ أَوْ يَتْرُكَ وَيَغْرَمَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ مُبَاحَةٌ لِأَنَّ أَقَلَّ مَرَاتِبِ الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَقْلًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَفَ كَثِيرًا وَأَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ. {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53] (سُورَةُ يُونُسَ: الْآيَةُ 53) وَنَظَرًا لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَ " مِنْ " شَرْطِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَكَانَ وَاسْمُهَا وَخَبَرُهَا فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ، وَظَاهِرُهُ تَخْصِيصُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ خَاصَّةً، لَكِنِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ بِاللَّهِ وَذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ الْعَلِيَّةِ، فَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بِاللَّهِ الذَّاتُ لَا خُصُوصُ لَفْظِ اللَّهِ، فَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ كَانَ الْمَحْلُوفُ بِهِ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكَعْبَةِ أَوْ لَا كَالْآحَادِ، أَوْ يَسْتَحِقُّ التَّحْقِيرَ كَالشَّيَاطِينِ وَالْأَصْنَامِ، وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ وَلَا كَفَّارَةَ، نَعَمْ اسْتَثْنَى بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ مِنْ ذَلِكَ الْحَلِفَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ بِهِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدُ رُكْنَيِ الشَّهَادَةِ الَّتِي لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِهِ، بَلْ وَلَا جَوَازُ الْحَلِفِ بِهِ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ صِحَّةِ هَذَا النَّهْيِ الصَّرِيحِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ كَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِيُعَجِّبَ بِهَا الْمَخْلُوقِينَ وَيُعَرِّفَهُمْ قُدْرَتَهُ لِعِظَمِ شَأْنِهَا عِنْدَهُمْ وَلِدَلَالَتِهَا عَلَى خَالِقِهَا، أَمَّا الْمَخْلُوقُ فَلَا يُقْسِمُ إِلَّا بِالْخَالِقِ كَمَا قِيلَ: وَيُقَبِّحُ مَنْ سِوَاكَ الشَّيْءَ عِنْدِي وَتَفْعَلُهُ فَيَحْسُنُ مِنْكَ ذَاكَا وَزَادَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ؛ أَيْ: حَاكِيًا عَنْ غَيْرِي، أَيْ: مَا حَلَفْتُ بِأَبِي عَامِدًا وَلَا حَاكِيًا عَنْ غَيْرِي وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْحَاكِيَ لَا يُسَمَّى حَالِفًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَامِلَ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: وَلَا ذَكَرْتُهَا آثِرًا عَنْ غَيْرِي أَوْ ضَمَّنَ " حَلَفْتُ " مَعْنَى " تَكَلَّمْتُ "، أَوْ مَعْنَاهُ يَرْجِعُ إِلَى التَّفَاخُرِ بِالْآبَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا حَلَفْتُ بِآبَائِي ذَاكِرًا لِمَآثِرِهِمْ، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ»   1037 - 1023 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مَعْلُومٌ أَنَّ " بَلَاغَهُ " صَحِيحٌ، وَلَعَلَّ هَذَا بَلَغَهُ مِنْ شَيْخِهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، وَفِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ الثَّلَاثَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ) وَلَفْظُ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ بِسَنَدِهِ: كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، - وَلَفْظُ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: كُنْتُ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْلِفُ (لَا) نَفْيُ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَى الْيَمِينِ (وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ) بِتَقْلِيبِ أَغْرَاضِهَا وَأَحْوَالِهَا لَا بِتَقْلِيبِ ذَاتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 الْقُلُوبِ، قَالَ الرَّاغِبُ: تَقْلِيبُ اللَّهِ الْقُلُوبَ وَالْأَبْصَارَ صَرْفُهَا عَنْ رَأْيٍ إِلَى رَأْيٍ وَالتَّقْلِيبُ الصَّرْفُ سُمِّيَ قَلْبُ الْإِنْسَانِ قَلْبًا لِكَثْرَةِ تَقَلُّبِهِ، وَيُعَبَّرُ بِالْقَلْبِ عَنِ الْمَعَانِي الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الرُّوحِ وَالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَبُو بَكْرٍ: الْقَلْبُ جُزْءٌ مِنَ الْبَدَنِ خَلَقَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ لِلْإِنْسَانِ مَحَلَّ الْعِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الْبَاطِنَةِ، وَجَعَلَ ظَاهِرَ الْبَدَنِ مَحَلَّ التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ، وَوَكَّلَ بِهَا مَلَكًا يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَشَيْطَانًا يَأْمُرُ بِالشَّرِّ، فَالْعَقْلُ بِنُورِهِ يَهْدِيهِ، وَالْهَوَى بِظُلْمَتِهِ يُغْوِيهِ، وَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ مُسَيْطِرٌ عَلَى الْكُلِّ، وَالْقَلْبُ يَتَقَلَّبُ بَيْنَ الْخَوَاطِرِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ، وَالْمَحْفُوظُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثَ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَحَنَثَ وَلَا نِزَاعَ فِي أَصْلِ ذَلِكَ، إِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي أَيِّ صِفَةٍ تَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ، وَالتَّحْقِيقُ اخْتِصَاصُهَا بِصِفَةٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ كَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ وَأُجَاوِرُكَ وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ»   1039 - 1024 - (مَالِكٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (بْنِ خَلْدَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ، كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَلِيَ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَرَوَيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَعَنْ جَدِّهِ عُمَرَ وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَالزُّهْرِيِّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ثِقَةٌ فَقِيهٌ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُهُمَا فِيمَا عَلِمْتُ، وَوَهَمَ الْعُقَيْلِيُّ فَسَمَّاهُ عُمَرَ، وَبَنُو خَلْدَةَ مَعْرُوفُونَ بِالْمَدِينَةِ لَهُمْ أَحْوَالٌ وَشَرَفٌ وَجَلَالَةٌ فِي الْفِقْهِ وَحَمْلِ الْعِلْمِ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ شَيْخِ الْإِمَامِ رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ (أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَعِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي السَّائِبِ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَنِ ابْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ) بَشِيرًا وَقِيلَ رِفَاعَةَ وَوَهَمَ مَنْ سَمَّاهُ مَرْوَانَ (ابْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ) الْأَنْصَارِيَّ الْمَدَنِيَّ الْأَوْسِيَّ أَحَدَ النُّقَبَاءِ وَعَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ (حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ) مِنْ إِشَارَتِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ أَوْ مِنْ تَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَارْتَبَطَ بِسَارِيَةِ الْمَسْجِدِ حَتَّى نَزَلَ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 102) الْآيَةَ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ، فَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ رَبْطِهِ نَفْسَهُ وَتَعَدُّدُ النُّزُولِ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: " «أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ بَعَثُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِ ابْعَثْ لَنَا أَبَا لُبَابَةَ فَبَعَثَهُ فَقَامَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ وَجَهَشَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَبْكُونَ فَرَقَّ لَهُمْ الحديث: 1039 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 فَقَالُوا: أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ إِنَّهُ الذَّبْحُ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَنَدِمْتُ وَاسْتَرْجَعْتُ فَنَزَلْتُ وَإِنَّ لِحْيَتِي لَمُبْتَلَّةٌ مِنَ الدُّمُوعِ وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَ رُجُوعِي إِلَيْهِمْ حَتَّى أَخَذْتُ مِنْ وَرَاءِ الْحِصْنِ طَرِيقًا أُخْرَى حَتَّى جِئْتُ الْمَسْجِدَ وَارْتَبَطْتُ بِالْأُسْطُوَانَةِ الْمَخْلَقَةِ وَقُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِمَّا صَنَعْتُ، وَعَاهَدْتُ اللَّهَ أَنْ لَا أَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا وَلَا أُرَى فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا، فَلَمَّا بَلَغَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرُهُ وَكَانَ قَدِ اسْتَبْطَأَهُ قَالَ: أَمَا لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، وَأَمَّا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» " وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " «أَنَّ تَوْبَةَ أَبِي لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهَا قَالَتْ: فَسَمِعْتُهُ مِنَ السَّحَرِ يَضْحَكُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ تَضْحَكُ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ؟ قَالَ: تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ، قُلْتُ: أَفَلَا أُبَشِّرُهُ؟ قَالَ: مَا شِئْتِ فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْحُجْرَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَثَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ حَتَّى يُطْلِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ أَطْلَقَهُ وَنَزَلَتْ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 102) الْآيَةَ» ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ ارْتَبَطَ بِسِلْسِلَةٍ ثَقِيلَةٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى ذَهَبَ سَمْعُهُ وَكَادَ يَذْهَبُ بَصَرُهُ فَكَانَتِ ابْنَتُهُ تَحُلُّهُ لِلصَّلَاةِ وَلِلْحَاجَةِ فَإِذَا فَرَغَ أَعَادَتْهُ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ ارْتَبَطَ سِتَّ لَيَالٍ تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فَتَحُلُّهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ تَرْبُطُهُ، فَلَعَلَّ امْرَأَتَهُ تَقَيَّدَتْ بِهِ فِي السِّتِّ وَابْنَتَهُ فِي بَاقِي الْبِضْعَ عَشْرَةَ فَلَا خُلْفَ. (قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْجُرُ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ وَأُجَاوِرُكَ) فِي مَسْجِدِكَ أَوْ أَسْكُنُ بِبَيْتٍ بِجِوَارِكَ (وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ) يَصْرِفُهَا فِي وُجُوهِ الْبِرِّ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ يَحْيَى وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَطَائِفَةٍ مِنْهُمْ، وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانَ وَلَا ابْنَ شِهَابٍ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ أَبِي بُكَيْرٍ وَلَا أَكْثَرِ الرُّوَاةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِيِّ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ قَالَ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقُولُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ يَحْنَثُ قَالَ يَجْعَلُ ثُلُثَ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذَلِكَ لِلَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ أَبِي لُبَابَةَ   1040 - 1025 - (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي الْمَكِّيِّ الْأُمَوِيِّ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ طَلْحَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْعَبْدَرِيِّ الحديث: 1040 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 (الْحَجَبِيِّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ نِسْبَةً إِلَى حِجَابَةِ الْكَعْبَةِ الْمَكِّيِّ ثِقَةٌ أَخْطَأَ ابْنُ حَزْمٍ فِي تَضْعِيفِهِ (عَنْ أُمِّهِ) صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيَّةُ لَهَا رُؤْيَةٌ وَحَدَّثَتْ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ وَالتَّصْرِيحُ بِسَمَاعِهَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنْكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِدْرَاكَهَا (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ قَالَ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ) بَرَاءٍ مَكْسُورَةٍ فَفَوْقِيَّةٍ فَأَلِفٍ فَجِيمٍ؛ أَيْ: بَابِهَا (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ) وَلَمْ يَأْخُذِ الْإِمَامُ بِهَذَا، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا غَيْرُهَا. (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقُولُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ يَحْنَثُ قَالَ: يَجْعَلُ ثُلُثَ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ (وَذَلِكَ الَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ أَبِي لُبَابَةَ) فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالزُّهْرِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ مَالِهِ كُلِّهِ وَلَا يَتْرُكُ إِلَّا مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَيُقَوِّمُهُ فَإِذَا أَفَادَ قِيمَتَهُ أَخْرَجَهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَظُنُّهُ جَعَلَهُ كَالْمُفْلِسِ يُقَسِّمُ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَيَتْرُكُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَفِيدَ فَيُؤَدِّيَ إِلَيْهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 [كِتَاب الضَّحَايَا] [بَاب مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ الضَّحَايَا] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الضَّحَايَا بَاب مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ الضَّحَايَا حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مَاذَا يُتَّقَى مِنْ الضَّحَايَا فَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ أَرْبَعًا وَكَانَ الْبَرَاءُ يُشِيرُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ يَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي»   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 23 - كِتَابُ الضَّحَايَا. جَمْعُ ضَحِيَّةٍ كَعَطَايَا وَعَطِيَّةِ، وَالْأَضَاحِيُّ جَمْعُ أُضْحِيَّةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فِي الْأَكْثَرِ وَكَسْرِهَا إِتْبَاعًا لِكَسْرَةِ الْحَاءِ، وَالْأَضْحَى جَمْعُ أَضْحَاةٍ مِثْلَ أَرْطَى وَأَرْطَاةٍ، اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ مِنَ النَّعَمِ تَقَرُّبَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَتَالِيَيْهِ، قَالَ عِيَاضٌ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الضُّحَى وَهُوَ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ فَسُمِّيَتْ بِزَمَنِ فِعْلِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: ضَحَّى ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ وَقْتَ الضُّحَى هَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ ضَحَّى فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. 1 - بَابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الضَّحَايَا. 1041 - 1026 - (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَقِيلَ مَوْلَى ابْنِهِ قَيْسٍ يُكَنَّى أَبَا أُمَيَّةَ الْأَنْصَارِيَّ مَوْلَاهُمُ الْمِصْرِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ، بَعَثَهُ صَالِحُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مِصْرَ مُؤَدِّبًا لِبَنِيهِ وَهُوَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ حَافِظٌ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ مُجَاهِدٌ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَبُكَيْرُ بْنُ الْأَشَجِّ وَقَتَادَةُ وَهُمَا مِنْ شُيُوخِهِ، وَمَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ وَابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْهُ وَلَوْ بَقِيَ لَنَا مَا احْتَجْنَا إِلَى مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَقِيلَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عُبَيْدِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنِ فَيْرُوزٍ) الشَّيْبَانِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبِي الضَّحَّاكِ الْكُوفِيِّ نَزِيلِ الْجَزِيرَةِ، ثِقَةٌ مِنْ أَوَاسِطِ التَّابِعِينَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَمْرٌو عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدٍ فَسَقَطَ لِمَالِكٍ ذِكْرُ سُلَيْمَانَ، وَلَا يُعْرَفُ الْحَدِيثُ إِلَّا لَهُ، وَلَمْ يَرَوِهِ غَيْرُهُ عَنْ عُبَيْدٍ، وَلَا يُعْرَفُ عُبَيْدٌ إِلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِرِوَايَةِ سُلَيْمَانَ هَذَا عَنْهُ، وَرَوَاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَغَيْرُهُمْ، وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَاللَّيْثُ وَابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ الحديث: 1041 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدٍ عَنِ الْبَرَاءِ ثُمَّ أَسْنَدَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي التَّمْهِيدِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا لِسُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدٍ مُنْتَقَدٌ، فَقَدْ رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَالْقَاسِمُ مَوْلَى خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدٍ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ. وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ سُلَيْمَانَ رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدٍ بِوَاسِطَةٍ هِيَ الْقَاسِمُ مَوْلَى خَالِدٍ وَبِدُونِهَا، وَصَرَّحَ سُلَيْمَانُ فِي بَعْضِ الْإِشَارَةِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِقَوْلِهِ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ فَيْرُوزٍ (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبِ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ نَزَلَ الْكُوفَةَ اسْتُصْغِرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ لِدَةَ ابْنِ عُمَرَ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ مَاذَا يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: دَلَّ هَذَا أَنَّ لِلضَّحَايَا صِفَاتٌ يُتَّقَى بَعْضُهَا، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا يُتَّقَى مِنْهَا شَيْءٌ لَسُئِلَ هَلْ يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا شَيْءٌ (فَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ أَرْبَعًا) تُتَّقَى وَفِي رِوَايَةٍ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ مِنَ الضَّحَايَا أَرْبَعٌ (وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يُشِيرُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: يَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ، فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو وَابْنِ لَهِيعَةَ بِسَنَدِهِمْ عَنِ الْبَرَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ قَالَ وَأُصْبُعِي أَقْصَرُ مِنْ أُصْبُعِ رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ مِنَ الضَّحَايَا أَرْبَعٌ (الْعَرْجَاءُ) بِالْمَدِّ (الْبَيِّنُ) ؛ أَيِ: الظَّاهِرُ (ظَلْعُهَا) بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ؛ أَيْ: عَرَجُهَا وَهِيَ الَّتِي لَا تَلْحَقُ الْغَنَمَ فِي مَشْيِهَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِي وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَرْجَاءَ تَجْرِي وَتَمْشِي وَالْعَرَجُ مِنْ صِفَاتِ الْمَشْيِ، وَأَمَّا الَّتِي لَا تَمْشِي فَلَا يُقَالُ لَهَا عَرْجَاءُ، فَإِنْ خَفَّ الْعَرَجُ فَلَمْ يَمْنَعْهَا أَنْ تَسِيرَ بِسَيْرِ الْغَنَمِ أَجْزَأَتْ كَمَا هُوَ مَفْهُومُ الْحَدِيثِ. (وَالْعَوْرَاءُ) بِالْمَدِّ تَأْنِيثُ " أَعْوَرَ " (الْبَيِّنُ عَوَرُهَا) وَهُوَ ذَهَابُ بَصَرِ إِحْدَى عَيْنَيْهَا، فَإِنْ كَانَ بِهَا بَيَاضٌ قَلِيلٌ عَلَى النَّاظِرِ لَا يَمْنَعُهَا الْإِبْصَارَ أَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ النَّاظِرِ أَجْزَأَتْ، قَالَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ مَفْهُومُ الْحَدِيثِ. (وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا) بِأَيِّ مَرَضٍ كَانَ بِشَرْطِ وُضُوحِهِ فَهُوَ عَامٌّ عَطَفَ عَلَيْهِ خَاصًّا بِقَوْلِهِ: (وَالْعَجْفَاءُ) بِالْمَدِّ مُؤَنَّثُ " أَعْجَفَ " الضَّعِيفَةُ (الَّتِي لَا تُنْقِي) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَقَافٍ؛ أَيْ: لَا نُقْيَ لَهَا وَالنُّقَيُ الشَّحْمُ، وَكَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ. وَفِي رِوَايَةِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ: وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي يُرِيدُ الَّتِي لَا تَقُومُ وَلَا تَنْهَضُ مِنَ الْهُزَالِ، وَهَذِهِ الْعُيُوبُ الْأَرْبَعُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا دَاخِلٌ فِيهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهَا أَبْيَنَ، فَإِذَا لَمْ تُجْزِ الْعَوْرَاءُ وَالْعَرْجَاءُ فَالْعَمْيَاءُ وَالْمَقْطُوعَةُ الرِّجْلِ أَحْرَى، وَفِيهِ أَنَّ الْمَرَضَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 وَالْعَرَجَ الْخَفِيفَيْنِ وَالنُّقْطَةَ الْيَسِيرَةَ فِي الْعَيْنِ وَالْمَهْزُولَةَ الَّتِي لَيْسَتْ بِغَايَةٍ فِي الْهُزَالِ تُجْزِي الضَّحَايَا، وَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَا عَدَا الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَلَهُ وَجْهٌ لَوْلَا مَا جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَمَا يَجِبُ أَنْ يُضَمَّ إِلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خَرَّجَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ: " «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَلَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلَا بِمُدَابَرَةٍ وَلَا شَرْقَاءَ وَلَا خَرْقَاءَ، وَالْمُقَابَلَةُ مَا قُطِعَ طَرْفُ أُذُنِهَا وَالْمُدَابَرَةُ مَا قُطِعَ طَرَفَا جَانِبِيِ الْأُذُنِ، وَالشَّرْقَاءُ الْمَشْرُوقَةُ الْأُذُنِ، وَالْخَرْقَاءُ الْمَثْقُوبَةُ الْأُذُنِ» " وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ لَيْسَ بِدُونِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزٍ قَالَ قُلْتُ لِلْبَرَاءِ إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْقَرْنِ نَقْصٌ أَوْ فِي الْأُذُنِ نَقْصٌ أَوْ فِي السِّنِّ نَقْصٌ، قَالَ: فَمَا كَرِهْتَهُ فَدَعْهُ وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَّقِي مِنْ الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ الَّتِي لَمْ تُسِنَّ وَالَّتِي نَقَصَ مِنْ خَلْقِهَا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ   1042 - 1027 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَّقِي مِنَ الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ) ؛ أَيِ: الْهَدَايَا (الَّتِي لَمْ تُسِنَّ) رُوِيَ بِكَسْرِ السِّينِ مِنَ السِّنِّ لِأَنَّ مَعْرُوفَ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُضَحَّى إِلَّا بِثَنْيِ الْمَعَزِ وَالضَّأْنِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَرُوِيَ بِفَتْحِ السِّينِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ: الَّتِي لَمْ تَنْبُتُ أَسْنَانُهَا كَأَنَّهَا لَمْ تُعْطَ أَسْنَانَهَا كَمَا تَقُولُ: لَمْ يَلْبُنْ وَلَمْ يَسْمُنْ وَلَمْ يَعْسِلْ؛ أَيْ: لَمْ يُعْطَ ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا مِثْلُ النَّهْيِ عَنِ الْهَتْمَاءِ فِي الْأَضَاحِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ لَمْ تُبَدِّلْ أَسْنَانَهَا، وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الْأَضَاحِيِّ وَالْبُدْنِ الثَّنِيَّ فَمَا فَوْقَهُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ، وَهَذَا خِلَافُ الْآثَارِ الْمَرْفُوعَةِ، وَخِلَافُ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ هُمْ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ شَذَّ عَنْهُمْ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، قَالَ: وَقَوْلُهُ (وَالَّتِي نَقَصَ مِنْ خَلْقِهَا) أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ جَوَازَ الْأُضْحِيَّةِ بِالْبَتْرَاءِ إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ اتِّقَاءَ ابْنِ عُمَرَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِمَا نَقَصَ مِنْهَا خِلْقَةً، وَحَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ أَوْلَى، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْجَمَّاءِ فِي الضَّحَايَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّقْصَ الْمَكْرُوهَ هُوَ مَا تَتَأَذَّى بِهِ الْبَهِيمَةُ وَيُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِهَا وَمِنْ شَحْمِهَا. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ) مِنَ الْخِلَافِ. الحديث: 1042 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 [بَاب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الضَّحَايَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ضَحَّى مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ قَالَ نَافِعٌ فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشًا فَحِيلًا أَقْرَنَ ثُمَّ أَذْبَحَهُ يَوْمَ الْأَضْحَى فِي مُصَلَّى النَّاسِ قَالَ نَافِعٌ فَفَعَلْتُ ثُمَّ حُمِلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ حِينَ ذُبِحَ الْكَبْشُ وَكَانَ مَرِيضًا لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ مَعَ النَّاسِ قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ لَيْسَ حِلَاقُ الرَّأْسِ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ ضَحَّى وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ   2 - بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الضَّحَايَا 1043 - 1028 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ضَحَّى مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ، قَالَ نَافِعٌ: فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشًا فَحِيلًا) بَالِغًا؛ أَيْ: وَزَادَ يَاءَ النِّسْبَةِ إِشَارَةً لِتَحَقُّقِ ذُكُورَتِهِ، قَالَ الْبَوْنِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا خَصِيًّا (أَقْرَنَ) ؛ أَيْ: ذَا قَرْنَيْنِ (ثُمَّ أَذْبَحَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَشْتَرِي (يَوْمَ الْأَضْحَى فِي مُصَلَّى النَّاسِ) اتِّبَاعًا لِلْمُصْطَفَى، فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» " وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى» " وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِبْرَازِ الْإِمَامِ ضَحِيَّتَهُ بِالْمُصَلَّى، وَفِيهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ عَادَتَهُ فَفِيهِ أَفْضَلِيَّةُ الضَّأْنِ فِي الضَّحَايَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ ضَرُورَةً: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُوَاظِبُ إِلَّا عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ. وَحَدِيثُ الْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَحِّي بِالْجَزُورِ أَحْيَانًا وَبِالْكَبْشِ إِذَا لَمْ يَجِدْ الْجَزُورَ» " ضَعِيفٌ فِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ وَفِيهِ مَقَالٌ، وَفِيهِ أَنَّ الذَّكَرَ أَفْضَلُ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ، وَنَدَبَ التَّضْحِيَةَ بِالْأَقْرَنِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَجَمِّ الَّذِي لَا قَرْنَ لَهُ. (قَالَ نَافِعٌ: فَفَعَلْتُ) مَا أَمَرَنِي بِهِ مِنَ الشِّرَاءِ وَالذَّبْحِ بِالْمُصَلَّى (ثُمَّ حَمَلَ) الْكَبْشَ الْمَذْبُوحَ (إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ) مُقْتَضَى فَاءِ التَّعْقِيبِ أَنَّ الْحِلَاقَ بَعْدَ حَمْلِ الْكَبْشِ إِلَيْهِ، فَأَمَّا إِنِ الظَّرْفِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: (حِينَ ذُبِحَ الْكَبْشُ) مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّهَا لَمَّا وَقَعَتْ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ كَأَنَّهَا فُعِلَتْ حِينَهُ وَإِمَّا أَنَّ الظَّرْفِيَّةَ حَقِيقَةٌ وَالتَّجَوُّزُ فِي التَّعْقِيبِ (وَكَانَ مَرِيضًا لَمْ يَشْهَدِ الْعِيدَ مَعَ النَّاسِ) وَلِذَا اسْتَنَابَ فِي الذَّبْحِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَفْضَلَ الذَّبْحُ بِيَدِهِ لِمَنْ يُحْسِنُهُ وَقَدْرَ اتِّبَاعِهِ لِلْفِعْلِ النَّبَوِيِّ. (قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَيْسَ حِلَاقُ الرَّأْسِ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ ضَحَّى وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ) فَلَا يُعْتَقَدُ وُجُوبُهُ بِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ حَلَقَ لِمَرَضِهِ. الحديث: 1043 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 [بَاب النَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الضَّحِيَّةِ قَبْلَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ «ذَبَحَ ضَحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَضْحَى فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى قَالَ أَبُو بُرْدَةَ لَا أَجِدُ إِلَّا جَذَعًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ إِلَّا جَذَعًا فَاذْبَحْ»   3 - بَابُ النَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الضَّحِيَّةِ قَبْلَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ 1044 - 1029 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ بُشَيْرِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرٌ (بْنِ يَسَارٍ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَخِفَّةِ الْمُهْمَلَةِ الْحَارِثِيِّ مَوْلَى الْأَنْصَارِ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الْفَقِيهِ مِنْ أَوَاسِطِ التَّابِعِينَ. (أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ) وَفِي رِوَايَةِ مَعْنٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ اسْمُهُ هَانِئُ (بْنُ نِيَارٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَتَحْتِيَّةٍ خَفِيفَةٍ الْأَنْصَارِيُّ خَالُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَقِيلَ عَمُّهُ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَقِيلَ اسْمُهُ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقِيلَ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو وَخُطِّئَ قَائِلُهُ، وَشُبْهَتُهُ قَوْلُ الْبَرَاءِ: لَقِيتُ خَالِيَ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو، لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَالًا آخَرَ لَهُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ، شَهِدَ أَبُو بُرْدَةَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْهُ الْبَرَاءُ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ وَكَعْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ نِيَارٍ وَبُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ وَيُقَالُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَسَمَاعُهُ مُمْكِنٌ، وَشَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ حُرُوبَهُ كُلَّهَا، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَقِيلَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ. (ذَبَحَ ضَحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَضْحَى) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: " «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَوْمَ الْأَضْحَى بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أَصَابَ السُّنَّةَ، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَتِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ» ، فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ فَتَعَجَّلْتُ وَأَكَلْتُ وَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ» " وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ» "؛ أَيْ: لِجَرْيِ الْعَادَةِ بِكَثْرَةِ الذَّبْحِ فِيهِ فَتَتَشَوَّفُ لَهُ النَّفْسُ الْتِذَاذًا بِهِ. (فَزَعَمَ) ؛ أَيْ: قَالَ أَبُو بُرْدَةَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى» ) أَطْلَقَ عَلَى الْأُولَى اسْمَ الضَّحِيَّةِ لِأَنَّهُ ذَبَحَهَا عَلَى أَنَّهَا ضَحِيَّةٌ فَلَهُ فِيهَا ثَوَابٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَحِيَّةً لِكَوْنِهِ قَصَدَ جَبْرَ جِيرَانِهِ وَالتَّوْسِعَةَ عَلَى أَهْلِهِ، أَوْ لِأَنَّ صُورَتَهَا صُورَةُ الضَّحِيَّةِ لِأَنَّهُ ذَبَحَهَا فِي يَوْمِ الْأَضْحَى. (قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: لَا أَجِدُ إِلَّا جَذَعًا) بِجِيمٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ " مِنَ الْمَعَزِ " وَهِيَ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَةً وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الثَّانِيَةِ، وَفِيهِ كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ: أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ عَلِمَ أَنَّ الْجَذَعَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الحديث: 1044 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 الْمَنْعِ إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَوْ لِأَنَّ غَيْرَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ. ( «فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَإِنْ لَمْ تَجِدْ إِلَّا جَذَعًا فَاذْبَحْ» ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى ابْنِ أَشْقَرَ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ النَّاسُ بِالذَّبْحِ عَنِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ لِفِعْلِهِمَا ذَلِكَ قَبْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ، كَذَا قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ. وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ: " «عِنْدِي عِنَاقُ جَذَعَةٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَهَلْ تُجْزِي عَنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» "؛ أَيْ: غَيْرَكَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي تَضْحِيَةِ الْمَعْزِ مِنَ الثَّنِيَّةِ، فَفِيهِ تَخْصِيصُ أَبِي بُرْدَةَ بِإِجْزَاءِ ذَلِكَ عَنْهُ. لَكِنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: " «قَسَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَارَتْ لِي جَذَعَةٌ قَالَ: ضَحِّ بِهَا» " زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ: " وَلَا رُخْصَةَ فِيهَا لِأَحَدٍ بَعْدَكَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنَّ كَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَحْفُوظَةً؛ أَيْ: لَيْسَتْ بِشَاذَّةٍ كَانَ هَذَا رُخْصَةً لِعُقْبَةَ كَمَا رَخَّصَ لِأَبِي بُرْدَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي هَذَا الْجَمْعِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا صِيغَةَ عُمُومٍ؛ أَيْ: وَهُوَ نَفْيُ الْإِجْزَاءِ عَنْ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَأَيُّهُمَا تَقَدَّمَ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُقُوعِ لِلثَّانِي، وَيَحْتَمِلُ الْجَمْعُ بِأَنَّ خُصُوصِيَّةَ الْأَوَّلِ نُسِخَتْ بِثُبُوتِ الْخُصُوصِيَّةِ لِلثَّانِي لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي السِّيَاقِ اسْتِمْرَارُ الْمَنْعِ لِغَيْرِهِ صَرِيحًا. وَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي بُرْدَةَ وَعُقْبَةَ فَحَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ أَصَحُّ مَخْرَجًا؛ أَيْ: لِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَدِيثِ عُقْبَةَ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ رَوَيَاهُ بِدُونِ زِيَادَةِ الْبَيْهَقِيِّ وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ عُقْبَةَ عِنْدَهُ مِنْ مَخْرَجِ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِخْرَاجِهِمَا لِرِجَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ تَخْرِيجِهِمَا بِالْفِعْلِ وَفِيهِ أَنَّ الذَّبْحَ لَا يُجْزِي قَبْلَ الصَّلَاةِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ لِقَوْلِهِ: " «وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هِيَ شَاةُ لَحْمٍ» " وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَهَا، وَقَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ فَسَبَقَهُ رِجَالٌ فَنَحَرُوا وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَحَرَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ وَلَا يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ» ". وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] (سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: الْآيَةُ 1) نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ ذَبَحُوا قَبْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا، أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ الذَّبْحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هِيَ شَاةُ لَحْمٍ» " وَحَدِيثِ: " «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ» " وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا فَلَيْسَ فِي نَهْيِهِ عَنِ الذَّبْحِ قَبْلَ الصَّلَاةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ بَعْدَهَا وَقَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ نَصٌّ فَكَيْفَ وَالنَّصُّ ثَابِتٌ عَنْ جَابِرٍ بِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ ذَبَحَ قَبْلَهُ بِالْإِعَادَةِ؟ وَفِيهِ أَنْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ «كَجَعْلِهِ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ» ، «وَتَرْخِيصِهِ فِي النِّيَاحَةِ لِأُمِّ عَطِيَّةَ» ، «وَتَرْكِ الْإِحْدَادِ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ لَمَّا مَاتَ زَوْجُهَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» ، وَإِنْكَاحِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِيمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ مُرَجَّحَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ، وَتَرْخِيصِهِ فِي إِرْضَاعِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَهُوَ كَبِيرٌ، وَفِي تَعْجِيلِ صَدَقَةِ عَامَيْنِ لِلْعَبَّاسِ، وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ لِلْوَلَدِ الَّذِي يُولَدُ لِعَلِيٍّ بَعْدَهُ، وَفِي الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا لِعَلِيٍّ، وَفِي فَتْحِ بَابٍ مِنْ دَارِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَهُ، وَفِي فَتْحِ خَوْخَةٍ فِيهِ لِأَبِي بَكْرٍ، وَأَكْلِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ مِنْ كَفَّارَةِ نَفْسِهِ، وَفِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِيمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِي لُبْسِ خَاتَمِ الذَّهَبِ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَفِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ عُوَيْمِرَ بْنَ أَشْقَرَ «ذَبَحَ ضَحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ يَوْمَ الْأَضْحَى وَأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى»   1045 - 1030 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَبَّادٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ (بْنِ تَمِيمٍ) ابْنِ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ وَقَدْ قِيلَ: لَهُ رُؤْيَةٌ (أَنْ عُوَيْمِرَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرٌ (بْنَ أَشْقَرَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ آخِرُهُ رَاءٌ بِلَا نَقْطٍ ابْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ كَذَا نَسَبَهُ ابْنُ الْبَرْقِيِّ، وَنَسَبُهُ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ تَبَعًا لِابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ أَوْسِيًّا، وَذَكَرُهُ خَلِيفَةُ فِيمَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ نَسَبُهُ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِهِ أَنَّهُ بَدْرِيٌّ (ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ (يَوْمَ الْأَضْحَى وَأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بَعْدَمَا صَلَّى (فَأَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ الِانْقِطَاعُ لِأَنَّ عَبَّادًا لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَلِذَا زَعَمَ ابْنُ مَعِينٍ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، لَكِنَّ سَمَاعَ عَبَّادٍ مِنْ عُوَيْمِرٍ مُمْكِنٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنْ عُوَيْمِرَ بْنَ أَشْقَرَ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا صَلَّى فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ ضَحِيَّتَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبَّادٍ عَنْ عُوَيْمَرٍ: «أَنَّهُ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعِيدَ» ، فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى غَلَطِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ ظَنٌّ لَمْ يُصِبْ فِيهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ عَنْ عُوَيْمِرِ بْنِ أَشْقَرَ فَذِكْرُهُ مِثْلَ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَبِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ فِيمَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ فِي الْعِلَلِ لَا أَعْرِفُ أَنَّ عُوَيْمِرًا عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا نَفَى عِرْفَانَهُ هَذَا، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حِبَّانَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ عُوَيْمِرًا أَنْ يُضَحِّيَ بِجَذَعٍ مِنَ الْمَعْزِ» . وَرَوَى أَبُو يَعْلَى وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا جَذَعٌ مِنَ الضَّأْنِ مَهْزُولَةٌ وَهَذَا جَذَعٌ مِنَ الحديث: 1045 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 الْمَعْزِ سَمِينٌ وَهُوَ خَيْرُهُمَا أَفَأُضَحِّي بِهِ؟ قَالَ: ضَحِّ بِهِ فَإِنَّ لِلَّهِ الْخَيْرَ» " وَسَنَدَهُ ضَعِيفٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ عُنْقُودًا جَذَعًا فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ» ". وَفِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَاكِمِ عَنْ عَائِشَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ جَذَعًا مِنَ الْمَعْزِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ» " وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يُجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ فَوَقَعَتِ الْمُشَارَكَةُ لَهُمْ مَعَ أَبِي بُرْدَةَ وَعُقْبَةَ فِي مُطْلَقِ الْإِجْزَاءِ لَا فِي خُصُوصِ مَنْعِ الْغَيْرِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَبَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي بُرْدَةَ وَعُقْبَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ مُجَرَّبًا، ثُمَّ تَقَرَّرَ الشَّرْعُ بِأَنَّ الْجَذَعَ مِنَ الْمَعْزِ لَا يُجْزِئُ وَاخْتَصَّ أَبُو بُرْدَةَ وَعُقْبَةَ بِالرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ يَبْقَى التَّعَارُضُ بَيْنَ حَدِيثَيْهِمَا، فَإِنْ سَاغَ أَحَدُ الْجَمْعَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فَلَا تَعَارُضَ، وَإِنَّ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا صِيغَةُ عُمُومٍ وَالثَّانِي وَهُوَ احْتِمَالُ نَسْخِ خُصُوصِيَّةِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ رَجَعْنَا إِلَى التَّرْجِيحِ، فَحَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ أَصَحُّ كَمَا مَرَّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 [بَاب ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا»   4 - بَابُ ادِّخَارِ لُحُومِ الضَّحَايَا 1046 - 1031 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» ) مِنْ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ كَانَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ، وَصَحَّحَهُ الْمُهَلَّبِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: الضَّحِيَّةُ كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهَا فَنُقَدِّمُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: لَا تَأْكُلُوا إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالَتْ: وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (ثُمَّ قَالَ بَعْدُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ؛ أَيْ: بَعْدَ النَّهْيِ ثَانِيَ عَامِ النَّهْيِ (كُلُوا وَتَصَدَّقُوا) ؛ أَيْ: يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا) بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَالْأَمْرُ فِيهِمَا لِلْإِبَاحَةِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا كَانُوا الْعَامَ الْمُقْبِلَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا الْعَامَ الْمَاضِيَ؟ قَالَ: كَلُّوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا» " وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 1046 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَتْ صَدَقَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ دَفَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخِرُوا لِثَلَاثٍ وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِضَحَايَاهُمْ وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَلِكَ أَوْ كَمَا قَالَ قَالُوا نَهَيْتَ عَنْ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا يَعْنِي بِالدَّافَّةِ قَوْمًا مَسَاكِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ   1047 - 1032 الحديث: 1047 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ عَنْ سَبْعِينَ سَنَةً (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقَدٍ) بِالْقَافِ، ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ ( «أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ» ) مِنْ ذَبْحِهَا (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةِ (فَقَالَتْ: صَدَقَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقَدٍ (سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ: دَفَّ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْفَاءِ؛ أَيْ: أَتَى (نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ) وَالدَّافَّةُ الْجَمَاعَةُ الْقَادِمَةُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: قَوْمٌ يَسِيرُونَ سَيْرًا لَيِّنًا (حَضْرَةَ الْأَضْحَى) ؛ أَيْ: وَقْتَ الْأَضْحَى ( «فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ادَّخِرُوا» ) بِشَدِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (لِثَلَاثٍ وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ) فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَقَدْ سَأَلُوهُ هَلْ يَفْعَلُونَ كَمَا فَعَلُوا الْعَامَ الْمَاضِيَ؟ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: كَأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ النَّهْيَ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ وَهُوَ الدَّافَّةُ فَإِذَا وَرَدَ الْعَامُّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ حَاكَ فِي النَّفْسِ مِنْ عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ إِشْكَالٌ، فَلَمَّا كَانَ مَظِنَّةَ الِاخْتِصَاصِ عَاوَدُوا السُّؤَالَ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهَذَا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْعَامَّ يَضْعُفُ عُمُومُهُ بِالسَّبَبِ فَلَا يَبْقَى عَلَى أَصَالَتِهِ وَلَا يَنْتَهِي بِهِ إِلَى التَّخْصِيصِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوِ اعْتَقَدُوا بَقَاءَ الْعُمُومِ عَلَى أَصَالَتِهِ لَمَا سَأَلُوا، وَلَوِ اعْتَقَدُوا الْخُصُوصَ أَيْضًا لَمَا سَأَلُوا، فَدَلَّ سُؤَالَهُمْ عَلَى أَنَّهُ ذُو شَأْنَيْنِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْجُوَيْنِيِّ. ( «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِضَحَايَاهُمْ» ) فِي الِادِّخَارِ وَالتَّزَوُّدِ (وَيَجْمُلُونَ) بِالْجِيمِ؛ أَيْ: يُذِيبُونَ (مِنْهَا الْوَدَكَ) ، بِفَتْحَتَيْنِ: الشَّحْمَ (وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ) جَمْعُ سِقَاءٍ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمَا ذَلِكَ) الَّذِي مَنَعَهُمْ مِنَ الِانْتِفَاعِ (أَوْ كَمَا قَالَ) شَكَّ الرَّاوِي ( «قَالُوا: نَهَيْتَ عَنْ لُحُومِ الضَّحَايَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ» ) بِالْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ فَاءٌ ثَقِيلَةٌ أَصْلُهُ لُغَةً الْجَمَاعَةُ الَّتِي تَسِيرُ سَيْرًا لَيِّنًا (الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ) ؛ أَيْ: قَدِمَتْ (فَكَلُّوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا) بِشَدِّ الدَّالِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (يَعْنِي بِالدَّافَّةِ قَوْمًا مَسَاكِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ) فَأَرَادَ أَنْ يُعِينُوهُمْ وَلِذَا قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ أَيْ: بِمُرَادِ نَبِيهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ لَحْمًا فَقَالَ انْظُرُوا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ لُحُومِ الْأَضْحَى فَقَالُوا هُوَ مِنْهَا فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا فَقَالُوا إِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَكَ أَمْرٌ فَخَرَجَ أَبُو سَعِيدٍ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضْحَى بَعْدَ ثَلَاثٍ فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فَانْتَبِذُوا وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا» يَعْنِي لَا تَقُولُوا سُوءًا   1048 - 1033 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْمَعْرُوفُ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (الْخُدْرِيِّ) لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَسْمَعْ رَبِيعَةَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنْهُمُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمَعْلُومٌ مُلَازَمَةُ رَبِيعَةَ لِلْقَاسِمِ حَتَّى كَانَ يَغْلِبُ عَلَى مَجْلِسِهِ، وَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَبُرَيْدَةَ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمْ (أَنَّهُ قَدِمَ) بِكَسْرِ الدَّالِ (مِنْ سَفَرٍ فَقَدَّمَ) بِفَتْحِ الدَّالِ الثَّقِيلَةِ (إِلَيْهِ أَهْلُهُ لَحْمًا) ؛ أَيْ: وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ( «فَقَالَ: انْظُرُوا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ لُحُومِ الْأَضْحَى، فَقَالُوا: هُوَ مِنْهَا، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهَا؟ فَقَالُوا» :) ؛ أَيْ: أَهْلُهُ؛ أَيْ: زَوْجَتُهُ (إِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَكَ أَمْرٌ) نَاقِضٌ لِلنَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الْأَضَاحِي بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: " فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِيهِ " وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ: أَخِّرُوهُ لَا أَذُوقُهُ (فَخَرَجَ أَبُو سَعِيدٍ) مِنْ بَيْتِهِ (فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ) وَفِي الْبُخَارِيِّ: فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ حَتَّى آتِيَ أَخِي قَتَادَةَ: أَيِ: ابْنَ النُّعْمَانِ، وَكَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لِي: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ (فَأُخْبِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضْحَى» ) ؛ أَيْ: عَنْ إِمْسَاكِهَا وَادِّخَارِهَا وَالْأَكْلِ مِنْهَا (بَعْدَ ثَلَاثٍ) مِنَ الْأَيَّامِ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ يَوْمِ الذَّبْحِ أَوْ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَمَرْتُكُمْ الحديث: 1048 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 بِالتَّصَدُّقِ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ الثَّلَاثِ زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ بُرَيْدَةَ: لِيُوَسِّعَ ذُو الطَّوْلِ عَلَى مَنْ لَا طَوْلَ لَهُ (فَكُلُوا) زَادَ بُرَيْدَةُ مَا بَدَا لَكُمْ؛ أَيْ: مُدَّةَ بُدُوِّ الْأَكْلِ لَكُمْ (وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا) فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَحْرِيمٌ وَلَا كَرَاهَةٌ، فَيُبَاحُ الْآنَ الِادِّخَارُ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَالْأَكْلُ مَتَى شَاءَ مُطْلَقًا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّافِعَةِ لِلْمَنْعِ لَمْ تَبْلُغْ مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى النَّهْيِ كَعَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِهِ لِأَنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ لَا مُتَوَاتِرَةٌ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يَبْلُغَ بَعْضَ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ. وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّ هَذَا مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَدْ كَانَ أَكْلُهَا مُبَاحًا ثُمَّ حُرِّمَ ثُمَّ أُبِيحَ، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَكُونُ النَّسْخُ إِلَّا بِالْأَخَفِّ لَا الْأَثْقَلِ وَأَيُّ هَذَيْنِ كَانَ أَخَفَّ أَوْ أَثْقَلَ فَقَدْ نُسِخَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ. (وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الِانْتِبَاذِ) فِي أَوَانِي كَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ (فَانْتَبِذُوا) فِي أَيِّ وِعَاءٍ كَانَ ( «وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» ) ؛ أَيْ: مَا شَأْنُهُ الْإِسْكَارُ مِنْ أَيِّ شَرَابٍ كَانَ وَلَا دَخْلَ لِلْأَوَانِي. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ: " «نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ وَإِنَّ الظُّرُوفَ لَا تُحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» " وَفِيهِ عَنْهُ أَيْضًا: " «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَشْرِبَةِ إِلَّا فِي ظُرُوفِ الْأَدَمِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» " وَهَذَا نَسْخٌ صَرِيحٌ لِحُرْمَةِ نَهْيِهِ عَنِ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ وَنَحْوِهِمَا فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ بَقِيَتِ الْكَرَاهَةُ؟ وَعَلَيْهِ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ أَوْ لَا كَرَاهَةَ؟ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. (وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ) لِحَدَثَانِ عَهْدِكُمْ بِالْكُفْرِ وَكَلَامِكُمْ بِالْخَنَاءِ وَبِمَا يُكْرَهُ فِيهَا، أَمَّا الْآنَ حَيْثُ انْمَحَتْ آثَارُ الْجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ وَصِرْتُمْ أَهْلَ يَقِينٍ وَتَقْوَى (فَزُورُوهَا) زَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: " «فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ» " قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: الْفَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ؛ أَيْ: نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَتِهَا مُبَاهَاةً بِالتَّكَاثُرِ فِعْلَ الْجَاهِلِيَّةِ، أَمَّا الْآنَ فَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَهُدِمَتْ قَوَاعِدُ الشِّرْكِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُوَرِّثُ رِقَّةَ الْقَلْبِ وَتُذَكِّرُ الْمَوْتَ وَالْبِلَا (وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا) بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ (يَعْنِي لَا تَقُولُوا سُوءًا) ؛ أَيْ: قَبِيحًا وَفُحْشًا وَالْخِطَابُ لِلرِّجَالِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ النِّسَاءُ فَلَا يُنْدَبُ لَهُنَّ عَلَى الْمُخْتَارِ لَكِنْ يَجُوزُ بِشُرُوطٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ كَانَ النَّهْيُ عَامًّا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ثُمَّ نُسِخَ بِالْإِبَاحَةِ الْعَامَّةِ أَيْضًا لَهُمَا فَقَدْ زَارَتْ عَائِشَةُ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَزُورُ قَبْرَ حَمْزَةَ، وَقِيلَ: إِنَّمَا نُسِخَ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» ، فَالْحُرْمَةُ مُقَيَّدَةٌ بِذَلِكَ دُونَ الْإِبَاحَةِ لِجَوَازِ تَخْصِيصِهَا بِالرِّجَالِ دُونَهُنَّ بِدَلِيلِ اللَّعْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 [بَاب الشِّرْكَةِ فِي الضَّحَايَا وَعَنْ كَمْ تُذْبَحُ الْبَقَرَةُ وَالْبَدَنَةُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ»   5 - بَابُ الشِّرْكَةِ فِي الضَّحَايَا وَعَنْ كَمْ تُذْبَحُ الْبَقَرَةُ وَالْبَدَنَةُ 1049 - 1034 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَنَّهُ «قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ» ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ الْأَكْثَرِ حَتَّى قَالَ ثَعْلَبٌ: لَا يَجُوزُ فِيهَا غَيْرُهُ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: لَمْ يَخْتَلِفْ مَنْ أَثِقُ بِعِلْمِهِ فِي أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ وَبِتَشْدِيدِهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَاللُّغَوِيِّينَ، وَأَنْكَرَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ التَّخْفِيفَ: وَادٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشَرَةُ أَمْيَالٍ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلًا عَلَى طَرِيقِ جُدَّةَ، وَلِذَا قِيلَ: إِنَّهَا عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ مَكَّةَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ مَرْحَلَةٍ ( «الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» ) عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ أَشْرَكُوهُمْ فِي الْأَجْرِ كَمَا يَأْتِي، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِعَدُوٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيٌ عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، فَكَأَنَّ الْهَدْيَ الَّذِي نَحَرُوهُ تَطَوُّعًا فَلَمْ يَرَ الِاشْتِرَاكَ فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ وَلَا فِي الضَّحِيَّةِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ: يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ حَدِيثَ الْبَابِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُوَطَّأِ بِقَوْلِهِ الْآتِي: وَإِنَّمَا سَمِعْنَا الْحَدِيثَ. . . إِلَخْ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ: لَا يُشْتَرَكُ فِي هَدْيٍ وَاجِبٍ وَلَا تَطَوُّعٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ ضَعُفَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَمَنْ وَافَقَهُ بِوُجُوبِ الْهَدْيِ عَلَى الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 96) ؛ أَيْ: مَكَّةَ أَوْ مِنًى، وَالْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ يَحْلِقُ فِي أَيِّ مَحَلٍّ أُحْصِرَ كَمَا «حَلَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُدَيْبِيَةِ» ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ وَيَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 1049 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ صَيَّادٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ قَالَ كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ بَعْدُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً قَالَ مَالِكٌ وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْحَرُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْبَدَنَةَ وَيَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ الْوَاحِدَةَ هُوَ يَمْلِكُهَا وَيَذْبَحُهَا عَنْهُمْ وَيَشْرَكُهُمْ فِيهَا فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ النَّفَرُ الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ أَوْ الشَّاةَ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا فِي النُّسُكِ وَالضَّحَايَا فَيُخْرِجُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ حِصَّةً مِنْ ثَمَنِهَا وَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ لَحْمِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ وَإِنَّمَا سَمِعْنَا الْحَدِيثَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَكُ فِي النُّسُكِ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ.   1050 - 1035 - (مَالِكٌ عَنْ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ (يَسَارٍ) فَنُسِبَ لِجَدِّهِ لِشُهْرَتِهِ بِهِ أَبِي الْوَلِيدِ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ فَاضِلٌ مَاتَ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَأَبُوهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يُقَالُ إِنَّهُ الدَّجَّالُ (أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَخِفَّةِ الْمُهْمَلَةِ (أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ) خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ الحديث: 1050 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 الْأَنْصَارِيَّ (قَالَ: كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ) الْوَاحِدَةِ مِنَ الْغَنَمِ (يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ تَبَاهَى) تَغَالَبَ وَتَفَاخَرَ (النَّاسُ بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ (فَصَارَتْ) الضَّحِيَّةُ (مُبَاهَاةً) مُغَالَبَةً وَمُفَاخَرَةً فَبَعُدَتْ عَنِ السُّنَّةِ، فَإِنَّمَا عَابَ ذَلِكَ لِلْمُبَاهَاةِ وَلَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَفْعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الَّذِي اسْتَحَبَّهُ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يُضَحَّى عَنْ كُلِّ مَنْ فِي الْبَيْتِ بِشَاةٍ شَاةٍ. (قَالَ مَالِكٌ: وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْحَرُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْبَدَنَةَ) فِي الضَّحَايَا (وَيَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ الْوَاحِدَةَ هُوَ يَمْلِكُهَا وَيَذْبَحُهَا عَنْهُمْ وَيُشْرِكُهُمْ فِيهَا) فِي الْأَجْرِ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ كَمَا زَادَهُ الْإِمَامُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ النَّفَرُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ: الْجَمَاعَةُ مِنَ الرِّجَالِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ وَقِيلَ إِلَى تِسْعَةٍ وَلَا يُقَالُ نَفَرٌ فِيمَا زَادَ عَلَى عَشَرَةٍ (الْبَدَنَةَ أَوِ الْبَقَرَةَ أَوِ الشَّاةَ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا فِي النُّسُكِ) الْهَدَايَا (وَالضَّحَايَا فَيُخْرِجُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ حِصَّةً مِنْ ثَمَنِهَا وَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ لَحْمِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) كَرَاهَةَ مَنْعٍ بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِي ضَحِيَّةً عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (وَإِنَّمَا سَمِعْنَا الْحَدِيثَ) الْمَذْكُورَ عَنْ جَابِرٍ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَكُ فِي النُّسُكِ) مِلْكًا (وَإِنَّمَا يَكُونُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ) الْوَاحِدِ يُذْكِيهِ صَاحِبُهُ " وَيُشْرِكُ أَهْلَهُ فِي أَجْرِهِ " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ «مَا نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا بَدَنَةً وَاحِدَةً أَوْ بَقَرَةً وَاحِدَةً» قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ   1051 - 1036 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَا نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا بَدَنَةً وَاحِدَةً أَوْ بَقَرَةً وَاحِدَةً» ، قَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا لِجَمِيعِ الحديث: 1051 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ إِلَّا جُوَيْرِيَةَ فَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ عَلَى الشَّكِّ، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَالزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «مَا ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَّا بَقَرَةً» " وَرَوَاهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 [بَاب الضَّحِيَّةِ عَمَّا فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَذِكْرِ أَيَّامِ الْأَضْحَى] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ الْأَضْحَى يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى   6 - بَابُ الضَّحِيَّةِ عَمَّا فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَذِكْرِ أَيَّامِ الْأَضْحَى 1052 - 1037 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: الْأَضْحَى يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: الْأَضْحَى يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ: " «فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» " وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهَا الثَّلَاثَةُ الَّتِي أَوَّلُهَا الْعِيدُ أَوِ الَّتِي بَعْدَهُ خِلَافٌ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا مَرْفُوعًا: " «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ التَّشْرِيقِ فَلْيُعِدْ» "؛ أَيْ: قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ. الحديث: 1052 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُ ذَلِكَ   1052 - 1038 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلَ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ زِرٍّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ اذْبَحْ فِي أَيِّهَا شِئْتَ وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا " وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: مِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ رَأْيًا فَدَلَّ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ انْتَهَى. وَذَهَبَ ابْنُ سِيرِينَ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ إِلَى اخْتِصَاصِ الضَّحِيَّةِ بِيَوْمِ النَّحْرِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "؛ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى» " أَوْ وَجْهُهُ أَنَّهُ أَضَافَ هَذَا الْيَوْمَ إِلَى جِنْسِ النَّحْرِ لِأَنَّ اللَّامَ هُنَا جِنْسِيَّةٌ فَتَعُمُّ فَلَا يَبْقَى نَحْرًا إِلَّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَكِنْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: التَّمَسُّكُ بِإِضَافَةِ النَّحْرِ إِلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ضَعِيفٌ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] 45 (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 28) انْتَهَى. وَقَدْ أَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْمُرَادَ النَّحْرُ الْكَامِلُ الْمُفَضَّلُ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ كَثِيرًا مَا تُسْتَعْمَلُ لِلْكَمَالِ نَحْوَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 {وَلَكِنَّ الْبِرَّ} [البقرة: 189] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 189) وَإِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَلِذَا كَانَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ أَفْضَلَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يُضَحِّي عَمَّا فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ قَالَ مَالِكٌ الضَّحِيَّةُ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِمَّنْ قَوِيَ عَلَى ثَمَنِهَا أَنْ يَتْرُكَهَا   1053 - 1039 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يُضَحِّي عَمَّا فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَخِلَافُهُ شَاذٌّ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (قَالَ مَالِكٌ: الضَّحِيَّةُ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ عَلَى كُلِّ مُقِيمٍ وَمُسَافِرٍ إِلَّا الْحَاجَّ (وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ) ؛ أَيْ: فَرْضًا زِيَادَةً فِي الْبَيَانِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ مُرَادَهُ شُرِّعَتْ بِالسُّنَّةِ فَلَا يُنَافِي لِلْوُجُوبِ فَبَيَّنَ الْمُرَادَ، وَالْحُجَّةُ لِلسُّنِّيَّةِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» " وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ» ؛ أَيْ: عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسُّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرِهِ شَيْئًا " فَفِي قَوْلِهِ: أَرَادَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَصَرَّحَ بِالسُّنِّيَّةِ فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «الْأَضْحَى عَلَيَّ فَرِيضَةٌ وَعَلَيْكُمْ سُنَّةٌ» " قَالَ الْحَافِظُ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّ فِي رَفْعِهِ خُلْفٌ، فَصَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ خَصَائِصِهِ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: " «كُتِبَ عَلَيَّ النَّحْرُ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ» " وَهُوَ أَيْضًا نَصٌّ فِي أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَتَسَاهَلَ الْحَاكِمُ فَصَحَّحَهُ، وَأَقْرَبُ مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ لِلْوُجُوبِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» " أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَالْوَقْفُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْإِيجَابِ، وَحَدِيثُ: " «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الْوُجُوبِ الْمُطْلَقِ فَقَدْ ذَكَرَ مَعَهَا الْعَتِيرَةَ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عِنْدَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الضَّحِيَّةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُ إِنْ شَاءُوا فَهُوَ كَقَوْلِهِ: فَأَرَادَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا. (وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِمَّنْ قَوِيَ) ؛ أَيْ: قَدَرَ (عَلَى ثَمَنِهَا أَنْ يَتْرُكَهَا) لِئَلَّا يُفَوِّتَ نَفْسَهُ الْفَضْلَ الْعَظِيمَ. رَوَى سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «مَا مِنْ صَدَقَةٍ بَعْدَ صِلَةِ الرَّحِمِ الحديث: 1053 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ» " أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ: هُوَ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَأَخْرَجَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضَحُّوا وَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ تَوَجَّهَ بِأُضْحِيَّتِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ إِلَّا كَانَ دَمُهَا وَفَرْثُهَا وَصُوفُهَا حَسَنَاتٍ مُحْضَرَاتٍ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» " «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اعْمَلُوا قَلِيلًا تُجْزَوْا كَثِيرًا» " قَالَ أَبُو عُمَرَ: هِيَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّنَنَ أَفْضَلُ مِنَ التَّطَوُّعِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا: الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ وَالصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ تَفْضِيلُ الضَّحِيَّةِ إِلَّا بِمِنًى فَالصَّدَقَةُ بِثَمَنِهَا أَفْضَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ ضَحِيَّةٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 [كِتَاب الذَّبَائِحِ] [بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الذَّبَائِحِ بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَأْتُونَنَا بِلُحْمَانٍ وَلَا نَدْرِي هَلْ سَمَّوْا اللَّهَ عَلَيْهَا أَمْ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهَا ثُمَّ كُلُوهَا» قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 24 - كِتَابُ الذَّبَائِحِ 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ بِمَعْنَى مَذْبُوحَةٍ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الذَّاكِرِ الْقَادِرِ لَا النَّاسِي وَالْمُكْرَهِ وَالْأَخْرَسِ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ: 121) وَالنَّاسِي لَا يُسَمَّى فَاسِقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ الْآيَةِ ; لِأَنَّ ذِكْرَ الْفِسْقِ عَقِبَهُ إِنْ كَانَ عَنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ إِهْمَالُ التَّسْمِيَةِ فَلَا يُدْخَلُ النَّاسِي لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ فِسْقًا، وَإِنْ كَانَ عَنْ نَفْسِ الذَّبِيحَةِ الَّتِي لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ مَصْدَرًا فَهُوَ مَنْقُولٌ مِنَ الْمَصْدَرِ، وَالذَّبِيحَةُ الْمَتْرُوكَةُ لِتَسْمِيَةٍ عَلَيْهَا نِسْيَانًا، لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا فِسْقًا، إِذِ الْفِعْلُ الَّذِي نُقِلَ مِنْهُ هَذَا الِاسْمُ لَيْسَ بِفِسْقٍ، فَإِمَّا أَنْ تَقُولَ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْعَمْدِ لَا الْمَنْسِيِّ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، أَوْ نَقُولُ: فِيهَا دَلِيلٌ مِنْ حَيْثُ مَفْهُومِ تَخْصِيصِ النَّهْيِ بِمَا هُوَ فِسْقٌ، فَمَا لَيْسَ بِفِسْقٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ قَالَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الِانْتِصَافِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: ظَاهَرُ الْآيَةِ تَحْرِيمُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَخُصَّتْ حَالَةُ النِّسْيَانِ بِالْحَدِيثِ أَوْ يُجْعَلُ النَّاسِي ذَاكِرًا تَقْدِيرًا وَمَنْ أَوَّلَ الْآيَةَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ مِمَّا ذُكِرَ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقَدْ عَدَلَ عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ. 1054 - 1040 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ) وَفِي نُسْخَةٍ: حَدَّثَنِي هِشَامٌ (بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ، وَتَابَعَهُ الْحَمَّادَانِ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ هِشَامٍ، وَوَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ حَفْصٍ الْمَدَنِيِّ، وَفِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ سُلَيْمَانَ الْأَحْمَرِ، وَفِي الْبُيُوعِ مِنْ طَرِيقِ الطُّفَاوِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ الحديث: 1054 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ، السِّتَّةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَإِرْسَالُهُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ يَعْنِي لِأَنَّ رُوَاتَهُ أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْوَاصِلِ إِذَا زَادَ عَدَدُ مَنْ وَصَلَ عَلَى مَنْ أَرْسَلَ وَاحَتَفَّ بِقَرِينَةٍ تُقَوِّي الْوَصْلَ كَمَا هُنَا إِذْ عُرْوَةُ مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ عَائِشَةَ، فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِحِفْظِ مَنْ وَصَلَهُ عَنْ هِشَامٍ دُونَ مَنْ أَرْسَلَهُ، وَالْأَوْلَى أَنَّ هِشَامًا حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُرْسَلًا وَمَوْصُولًا ( «فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ» ) بِضَمِّ اللَّامِ جَمْعُ لَحْمٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى لُحُومٍ وَلِحَامٍ، بِكَسْرِ اللَّامِ (وَلَا نَدْرِي هَلْ سَمَّوُا اللَّهَ عَلَيْهَا أَمْ لَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانُوا؛ أَيِ: السَّائِلُونَ، حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْكُفْرِ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهَا ثُمَّ كُلُوهَا» ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ تَسْمِيَتَهُمْ عَلَى الْأَكْلِ قَائِمَةٌ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ الْفَائِتَةِ عَلَى الذَّبْحِ بَلْ طَلَبَ الْإِتْيَانَ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى الْأَكْلِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: لَا تَهْتَمُّوا بِذَلِكَ وَلَا تَسْأَلُوا عَنْهَا وَالَّذِي يُهِمُّكُمُ الْآنَ أَنْ تَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِمُ وَلَمْ يُعْلَمُ هَلْ سَمَّى عَلَيْهِ أَمْ لَا، يَجُوزُ أَكْلُهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ سَمَّى، إِذْ لَا يُظَنُّ بِالْمُؤْمِنِ إِلَّا الْخَيْرُ وَذَبِيحَتُهُ وَصَيْدُهُ أَبَدًا مَحْمُولٌ عَلَى السَّلَامَةِ حَتَّى يَصِحَّ فِيهِ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ) قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 121) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ وَجْهُهُ وَالْحَدِيثُ نَفْسُهُ يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى الْأَكْلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ كَانَتْ نَزَلَتْ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَهْلُ بَادِيَتِهَا، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الْأَكْلِ إِنَّمَا هِيَ لِلتَّبَرُّكِ لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلذَّكَاةِ بِوَجْهٍ لِأَنَّهَا لَا تُدْرِكُ الْمَيِّتَ انْتَهَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ أَمَرَ غُلَامًا لَهُ أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَةً فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهَا قَالَ لَهُ سَمِّ اللَّهَ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ قَدْ سَمَّيْتُ فَقَالَ لَهُ سَمِّ اللَّهَ وَيْحَكَ قَالَ لَهُ قَدْ سَمَّيْتُ اللَّهَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهَا أَبَدًا   1055 - 1041 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ) بِالتَّحْتِيَّةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ) عَمْرِو بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (الْمَخْزُومِيَّ) الْقُرَشِيَّ لَهُ صُحْبَةٌ وَأَبُوهُ الحديث: 1055 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 قَدِيمُ الْإِسْلَامِ وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ (أَمَرَ غُلَامًا لَهُ أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَةً فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهَا قَالَ لَهُ سَمِّ اللَّهَ فَقَالَ) لَهُ (الْغُلَامُ: قَدْ سَمَّيْتُ، فَقَالَ لَهُ: سَمِّ اللَّهَ وَيْحَكَ، قَالَ:) (قَدْ سَمَّيْتُ اللَّهَ) وَلَمْ يَسْمَعْهُ (فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ: وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهَا أَبَدًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ يُسَمِّي وَلَمْ يُصَدِّقْ إِخْبَارَهُ لِأَنَّهُ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ التَّسْمِيَةُ لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَعِلْمِ عِنَادِهِ بِقَوْلِهِ سَمَّيْتُ وَلَا يُسَمِّي فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ تَرَكَهَا عَمْدًا إِذْ لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ بَدَلَ سَمَّيْتُ لَاكْتَفَى بِذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 [بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ الذَّكَاةِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ كَانَ يَرْعَى لِقْحَةً لَهُ بِأُحُدٍ فَأَصَابَهَا الْمَوْتُ فَذَكَّاهَا بِشِظَاظٍ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ فَكُلُوهَا»   2 - بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الذَّكَاةِ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ 1056 - 1042 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: مُرْسَلٌ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ، وَوَصَلَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ كِلَاهُمَا عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ مَنْ بَنِي حَارِثَةَ) بَطْنٌ مِنَ الْأَوْسِ (كَانَ يَرْعَى لِقْحَةً) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا نَاقَةٌ ذَاتُ لَبَنٍ (لَهُ بِأُحُدٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ الْجَبَلُ الْمَعْرُوفُ بِالْمَدِينَةِ (فَأَصَابَهَا الْمَوْتُ) ؛ أَيْ: أَسْبَابُهُ (فَذَكَّاهَا بِشِظَاظٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِعْجَامِ الظَّاءَيْنِ عُودٌ مُحَدَّدُ الطَّرَفِ، وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ فَنَحَرَهَا بِوَتَدٍ فَقُلْتُ لِزَيْدٍ: وَتَدٌ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ مِنْ خَشَبٍ؟ قَالَ: بَلْ مِنْ خَشَبٍ. وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ: فَأَخَذَهَا الْمَوْتُ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَنْحَرُهَا بِهِ فَأَخَذَ وَتَدًا فَوَجَأَهَا بِهِ حَتَّى أَهْرَاقَ دَمَهَا فَعَلَى هَذَا فَالشِّظَاظُ الْوَتَدُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الشِّظَاظُ الْعُودُ الَّذِي يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ عُرْوَتَيِ الْغِرَارَتَيْنِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ. ( «فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ فَكُلُوهَا» ) أَمْرُ إِبَاحَةٍ. وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ: " فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا ". الحديث: 1056 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ «أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لَهَا بِسَلْعٍ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا بِحَجَرٍ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهَا فَكُلُوهَا»   1057 - 1043 الحديث: 1057 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ وَالِابْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ كَمَا رَجَّحَهُ الْحَافِظُ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ (عَنْ مُعَاذِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) كَذَا وَقَعَ عَلَى الشَّكِّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ فَتْحُونَ فِي الصَّحَابَةِ قَالَهُ فِي الْإِصَابَةِ (أَنَّ جَارِيَةً) لَمْ تُسَمَّ (لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ الشَّهِيرِ (كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لَهُ بِسَلْعٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ (فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا أَدْرَكَتْهَا) قَبْلَ الْمَوْتِ (فَذَكَّتْهَا) وَفِي رِوَايَةٍ: " فَذَبَحَتْهَا " (بِحَجَرٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ " (فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَقَالَ كَعْبٌ لِأَهْلِهِ: " «لَا تَأْكُلُوا حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْأَلَهُ» "، أَوْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلَهُ فَأَتَاهُ أَوْ بَعَثَ إِلَيْهِ (فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا فَكُلُوهَا) أَمْرُ إِبَاحَةٍ، وَفِيهِ التَّذْكِيَةُ بِالْحَجَرِ، وَجَوَازُ مَا ذَبَحَتْهُ الْمَرْأَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً طَاهِرَةً أَوْ غَيْرَ طَاهِرَةٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَاحَ مَا ذَبَحَتْهُ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالشَّافِعِيِّ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَجُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، الثَّلَاثَةُ عَنْ نَافِعٍ نَحْوَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهَا وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]   1058 - 1044 - (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَيَرْوِيهِ ثَوْرٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَحْفُوظٌ مِنْ وُجُوهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 5) وَهُمُ الْيَهُودُ وَمَنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَطْعِمَةِ لَا يُخْتَصُّ حِلُّهَا بِالْمِلَّةِ (وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ} [المائدة: 51] الحديث: 1058 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 يُوَادِدْهُمْ وَيُوَالِيهِمْ (مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِتِلَاوَتِهَا أَنَّهُ وَإِنْ جَازَ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَّخِذَهُمْ ذَبَّاحِينَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مُوَالَاةً لَهُمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ مَا فَرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلُوهُ.   1058 - 1045 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَا فَرَى) قَطَعَ (الْأَوْدَاجَ فَكُلُوهُ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ قَالَ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لَنَا مُدًى فَقَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ» " أَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ وَأَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا ذُبِحَ بِهِ إِذَا بَضَعَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا اضْطُرِرْتَ إِلَيْهِ   1059 - 1046 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا ذُبِحَ بِهِ إِذَا بَضَعَ) بِفَتْحَتَيْنِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ (لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا اضْطُرِرْتَ إِلَيْهِ) وَإِلَّا فَالْمُسْتَحَبُّ الْحَدِيدُ الْمَشْحُوذُ لِحَدِيثِ: " «وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ» ". الحديث: 1059 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 [بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ الذَّبِيحَةِ فِي الذَّكَاةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ شَاةٍ ذُبِحَتْ فَتَحَرَّكَ بَعْضُهَا فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا ثُمَّ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ إِنَّ الْمَيْتَةَ لَتَتَحَرَّكُ وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَاةٍ تَرَدَّتْ فَتَكَسَّرَتْ فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا فَذَبَحَهَا فَسَالَ الدَّمُ مِنْهَا وَلَمْ تَتَحَرَّكْ فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ ذَبَحَهَا وَنَفَسُهَا يَجْرِي وَهِيَ تَطْرِفُ فَلْيَأْكُلْهَا.   3 - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الذَّبِيحَةِ فِي الذَّكَاةِ 1060 - 1047 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مُرَّةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَشَدِّ الرَّاءِ اسْمُهُ يَزِيدُ بِتَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الزَّايِ وَيُقَالُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (مَوْلَى عَقِيلِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ أَبِي طَالِبٍ) وَيُقَالُ مَوْلَى أُخْتِهِ أُمِّ هَانِئٍ (أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ شَاةٍ ذُبِحَتْ) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَبِي عُمَرَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مُرَّةَ قَالَ: " كَانَتْ عِنَاقٌ كَرِيمَةٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَذْبَحَهَا فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ تَرَدَّتْ فَذَبَحْتُهَا فَرَكَضَتْ بِرِجْلِهَا (فَتَحَرَّكَ بَعْضُهَا) ؛ أَيْ: رِجْلُهَا (فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا) ؛ أَيْ: إِبَاحَةٌ لِأَنَّهَا مُذَكَّاةٌ (ثُمَّ الحديث: 1060 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَقَالَ: إِنَّ الْمَيْتَةَ لَتَتَحَرَّكُ) فَلَا يُفِيدُ ذَبْحُهَا (وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ) ؛ أَيْ: أَكْلِهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَافَقَ زَيْدًا عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَاةٍ تَرَدَّتْ) سَقَطَتْ مِنْ عُلُوٍّ (فَتَكَسَّرَتْ) وَفِي نُسْخَةٍ فَكُسِرَتْ بِلَا تَاءٍ قَبْلَ الْكَافِ (فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا) فَذَبَحَهَا (فَسَالَ الدَّمُ مِنْهَا وَلَمْ تَتَحَرَّكْ) هَلْ تُؤْكَلُ أَمْ لَا؟ (فَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ ذَبَحَهَا وَنَفَسُهَا) ؛ أَيْ: دَمُهَا (يَجْرِي) ؛ أَيْ: يَسِيلُ سُمِّيَ الدَّمُ نَفَسًا لِأَنَّ النَّفَسَ الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِجُمْلَةِ الْحَيَوَانِ قَوَامُهَا بِالدَّمِ (وَهِيَ تَطْرِفُ) تُحَرِّكُ بَصَرَهَا، يُقَالُ: طَرَفَ الْبَصَرُ كَضَرَبَ تَحَرَّكَ، وَطَرَفُ الْعَيْنِ: نَظَرُهَا (فَلْيَأْكُلْهَا) لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْحَيَاةِ فَعَمِلَ فِيهَا الذَّبْحُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 [بَاب ذَكَاةِ مَا فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا نُحِرَتْ النَّاقَةُ فَذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا فِي ذَكَاتِهَا إِذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعَرُهُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ذُبِحَ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مِنْ جَوْفِهِ   4 - بَابُ ذَكَاةِ مَا فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ 1061 - 1048 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا نُحِرَتِ النَّاقَةُ فَذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا) ؛ أَيْ: جَنِينُهَا كَائِنَةٌ (فِي ذَكَاتِهَا) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَذَكَاتُهَا ذَكَاةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا (إِذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ) الْمُدْرَكُ بِالْحَاسَّةِ (فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ذُبِحَ) نَدْبًا كَمَا يُفِيدُ السِّيَاقُ (حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مَنْ جَوْفِهِ) فَذَبْحُهُ إِنَّمَا هُوَ لِإِنْقَائِهِ مِنَ الدَّمِ لَا لِتَوَقُّفِ الْحِلِّ عَلَيْهِ وَهَذَا جَاءَ بِمَعْنَاهُ مَرْفُوعًا، رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «ذَكَاةُ الْجَنِينِ إِذَا أَشْعَرَ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَلَكِنَّهُ يُذْبَحُ حَتَّى يَنْصَابَ مَا فِيهِ مِنَ الدَّمِ» " وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: " «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ» " لَكِنْ فِيهِ مُبَارَكُ بْنُ مُجَاهِدٍ ضَعِيفٌ، وَلِتَعَارُضِ الْحَدِيثَيْنِ لَمْ يَأْخُذْ بِهِمَا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: ذَكَاةُ أُمِّهِ مُغْنِيَةٌ عَنْ ذَكَاتِهِ مُطْلَقًا، وَلَا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: لَا مُطْلَقًا، وَمَالِكٌ أَلْغَى الثَّانِيَ لِضَعْفِهِ وَأَخَذَ بِالْأَوَّلِ لِاعْتِضَادِهِ بِالْمَوْقُوفِ الَّذِي رَوَاهُ فَقَيَّدَ بِهِ الحديث: 1061 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَجَاءَ مِنْ رِوَايَةِ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ بِرَفْعِ ذَكَاةٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ؛ أَيْ: ذَكَاةُ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ، وَرُوِيَ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ كَجِئْتُ طُلُوعَ الشَّمْسِ؛ أَيْ: وَقْتَ طُلُوعِهَا؛ أَيْ: ذَكَاتُهُ حَاصِلَةٌ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَرِوَايَةُ الرَّفْعِ هِيَ الْمَحْفُوظَةُ، وَالْمُرَادُ الَّذِي خَرَجَ مَيِّتًا فَيُؤْكَلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا لِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ السَّائِلِ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَنْحَرُ الْإِبِلَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ فَنُلْقِيهِ أَوْ نَأْكُلُهُ؟ فَقَالَ: كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» " فَسُؤَالُهُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّكِّ بِخِلَافِ الْحَيِّ الْمُمْكِنِ ذَبْحُهُ فَيُذَكَّى لِاسْتِقْلَالِهِ بِحُكْمِ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنِ الْمَيِّتِ لِيُطَابِقَ السُّؤَالَ، وَمِنْ بَعِيدِ التَّأْوِيلِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَعْنَى عَلَى التَّشْبِيهِ؛ أَيْ: مِثْلَ ذَكَاتِهَا أَوْ كَذَكَاتِهَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْحَيَّ، لِحُرْمَةِ الْمَيِّتِ عِنْدَهُ، وَوَجْهُ بُعْدِهِ مَا فِيهِ مِنَ التَّقْدِيرِ لِمُسْتَغْنًى عَنْهُ وَمِنْ ثَمَّ وَافَقَ صَاحِبَاهُ مَالِكًا وَمَنْ وَافَقَهُ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنْ يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ، فَفِيهِ حَذْفُ الْمَوْصُولِ وَبَعْضُ الصِّلَةِ وَهُوَ إِنْ وَالْفِعْلِ بَعْدَهَا وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ تَكْثِيرُ الْإِضْمَارِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَرِوَايَةُ النَّصْبِ إِمَّا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ كَمَا مَرَّ أَوْ عَلَى التَّوَسُّعِ نَحْوَ: 30 {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 155) ؛ أَيْ: ذَكَاتُهُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَوْلَى لِقِلَّةِ الْإِضْمَارِ وَاتِّفَاقِهِ مَعَ رِوَايَةِ الرَّفْعِ وَإِلَّا نَقَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ إِذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعَرُهُ   1062 - 1049 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الزَّايِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ) بِقَافٍ وَمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ ابْنِ أُسَامَةَ (اللَّيْثِيِّ) الْمَدَنِيِّ الْأَعْرَجِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ تِسْعُونَ سَنَةً (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ) إِبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا (فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ إِذَا كَانَ تَمَّ خَلْقُهُ) الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَوْ نَاقِصُ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ قَالَهُ الْبَاجِيُّ (وَنَبَتَ شَعْرُهُ) ؛ أَيْ: شَعْرُ جَسَدِهِ لَا شَعْرُ عَيْنَيْهِ وَحَاجِبَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ. الحديث: 1062 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 [كِتَاب الصَّيْدِ] [بَاب تَرْكِ أَكْلِ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْحَجَرُ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الصَّيْدِ بَاب تَرْكِ أَكْلِ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْحَجَرُ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ رَمَيْتُ طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ وَأَنَا بِالْجُرْفِ فَأَصَبْتُهُمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَمَاتَ فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَمَّا الْآخَرُ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُذَكِّيهِ بِقَدُومٍ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 25 - كِتَابُ الصَّيْدِ أَصْلُ الصَّيْدِ مَصْدَرٌ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الصَّيْدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 96] وَ {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 95] وَالْمُرَادُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَحْكَامُ الصَّيْدِ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ. 1 - بَابُ تَرْكِ أَكْلِ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْحَجَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَرَاءٍ فَأَلِفٍ فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ: خَشَبَةٌ ثَقِيلَةٌ أَوْ عَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدٌ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِهِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْمِعْرَاضُ سَهْمٌ بِلَا رِيشٍ، دَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ يُصِيبُ بِعَرْضِهِ دُونَ حَدِّهِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: عَصًا رَأْسُهَا مُحَدَّدٌ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ كَابْنِ دُرَيْدٍ: سَهْمٌ طَوِيلٌ لَهُ أَرْبَعُ قُذَذٍ رِقَاقٍ فَإِذَا رُمِيَ بِهِ اعْتَرَضَ. 1063 - 1050 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: رَمَيْتُ طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ وَأَنَا بِالْجُرْفِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ وَبِسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالْفَاءِ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ (فَأَصَبْتُهُمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَمَاتَ فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُذَكِّيهِ بِقَدُومٍ) بِالتَّخْفِيفِ بِزِنَةِ رَسُولٍ آلَةُ النَّجَّارِ مُؤَنَّثَةٌ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: لَا تُشَدَّدُ، وَأَنْشَدَ الْأَزْهَرِيُّ: فَقُلْتُ أَعِيرَانِي الْقَدُومَ لَعَلَّنِي وَجَعَلَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ التَّشْدِيدَ مِنْ خَطَأِ الْعَامَّةِ، لَكِنْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُطَرِّزِيُّ: الحديث: 1063 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 الْقَدُومُ الْمِنْحَاتُ، خَفِيفَةٌ وَالتَّشْدِيدُ لُغَةٌ (فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا) لِأَنَّهُ مِنَ الْمَوْقُوذَةِ الْمَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَكْرَهُ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْبُنْدُقَةُ.   1063 - 1051 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَكْرَهُ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْبُنْدُقَةُ) الْمُتَّخَذَةُ مِنْ طِينٍ وَتَيَبَّسَ وَيُرْمَى بِهَا. وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقَةِ: تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: " «سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْهُ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ» ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلَ الْإِنْسِيَّةُ بِمَا يُقْتَلُ بِهِ الصَّيْدُ مِنْ الرَّمْيِ وَأَشْبَاهِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ إِذَا خَسَقَ وَبَلَغَ الْمَقَاتِلَ أَنْ يُؤْكَلَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] قَالَ فَكُلُّ شَيْءٍ نَالَهُ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ أَوْ رُمْحِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ سِلَاحِهِ فَأَنْفَذَهُ وَبَلَغَ مَقَاتِلَهُ فَهُوَ صَيْدٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ فَأَعَانَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ كَلْبٍ غَيْرِ مُعَلَّمٍ لَمْ يُؤْكَلْ ذَلِكَ الصَّيْدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَهْمُ الرَّامِي قَدْ قَتَلَهُ أَوْ بَلَغَ مَقَاتِلَ الصَّيْدِ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ هُوَ قَتَلَهُ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلصَّيْدِ حَيَاةٌ بَعْدَهُ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الصَّيْدِ وَإِنْ غَابَ عَنْكَ مَصْرَعُهُ إِذَا وَجَدْتَ بِهِ أَثَرًا مِنْ كَلْبِكَ أَوْ كَانَ بِهِ سَهْمُكَ مَا لَمْ يَبِتْ فَإِذَا بَاتَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ.   1063 - 1052 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلَ الْإِنْسِيَّةُ) إِذَا تَوَحَّشَتْ كَبَعِيرٍ شَرَدَ وَبَقَرَةٍ (بِمَا يُقْتَلُ بِهِ الصَّيْدُ مِنَ الرَّمْيِ وَأَشْبَاهِهِ) أَيْ لَا يُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ عَمَلًا بِأَصْلِهِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: إِذَا عَجَزَ عَنِ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ صَادَ كَالصَّيْدِ لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: " «نَدَّ لَنَا بَعِيرٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا وَكُلُوا» " قَالَ مَالِكٌ: (وَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ إِذَا خَسَقَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَبِالْقَافِ أَيْ ثَبَتَ. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: خَسَقَ السَّهْمُ الْهَدَفَ إِذَا ثَبَتَ فِيهِ وَتَعَلَّقَ (وَبَلَغَ الْمَقَاتِلَ أَنْ يُؤْكَلَ) لِإِبَاحَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ لِبُلُوغِهِ الْمَقَاتِلَ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 94] أَيْ يَخْتَبِرُ وَهُوَ مِنْهُ تَعَالَى لِإِظْهَارِ مَا عَلِمَهُ مِنَ الْعَبْدِ عَلَى مَا عَلِمَ لَا لِيَعْلَمَ مَا لَا يَعْلَمُ وَقَلَّلَ فِي قَوْلِهِ: {بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} [المائدة: 94] لِيُعْلَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْفِتَنِ الْعِظَامِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 (تَنَالُهُ) أَيِ الصِّغَارَ مِنْهُ {أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] الْكِبَارَ مِنْهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَكَانَتِ الْوَحْشُ وَالطَّيْرُ تَغْشَاهُمْ وَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ. (قَالَ) مَالِكٌ: (فَكُلُّ شَيْءٍ نَالَهُ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ أَوْ رُمْحِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ سِلَاحِهِ فَأَنْفَذَهُ وَبَلَغَ مَقَاتِلَهُ) تَفْسِيرٌ لِأَنْفَذَهُ (فَهُوَ صَيْدٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ) بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ. - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ فَأَعَانَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ كَلْبٍ غَيْرِ مُعَلَّمٍ) لِأَنَّ كَوْنَهُ مُعَلَّمًا شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 4] (لَمْ يُؤْكَلْ ذَلِكَ الصَّيْدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَهْمُ الرَّامِي قَدْ قَتَلَهُ أَوْ بَلَغَ) السَّهْمُ (مَقَاتِلَ الصَّيْدِ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ قَتَلَهُ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلصَّيْدِ حَيَاةٌ بَعْدَهُ) فَيُؤْكَلُ لِتَحَقُّقِ الْإِبَاحَةِ (وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الصَّيْدِ وَإِنْ غَابَ عَنْكَ مَصْرَعُهُ) بِنَحْوِ غَارٍ أَوْ غَيْضَةٍ فَلَمْ تَرَهُ (إِذَا وَجَدْتَ بِهِ أَثَرًا مِنْ كَلْبِكَ) الَّذِي أَرْسَلْتَهُ عَلَيْهِ (أَوْ كَانَ بِهِ سَهْمُكَ مَا لَمْ يَبِتْ فَإِذَا بَاتَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُبَالِغًا: وَإِنْ أَنْفَذَتْ مَقَاتِلَهُ الْجَوَارِحُ أَوْ سَهْمُهُ وَهُوَ فِيهِ بِعَيْنِهِ، قَالَ مَالِكٌ: وَتِلْكَ السُّنَّةُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ: " «جَاءَ رَجُلٌ يَصِيدُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنِّي رَمَيْتُ مِنَ اللَّيْلِ فَأَعْيَانِي وَوَجَدْتُ سَهْمِي فِيهِ مِنَ الْغَدِ وَعَرَفْتُ سَهْمِي فَقَالَ: اللَّيْلُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَظِيمٌ لَعَلَّهُ أَعَانَكَ عَلَيْهِ شَيْءٌ انْبِذْهَا عَنْكَ» " وَوَرَدَ قَرِيبٌ مِنْهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 [بَاب مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْمُعَلَّمَاتِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ كُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ إِنْ قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْمُعَلَّمَاتِ 1067 - 1053 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ) وَهُوَ الَّذِي إِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ وَإِذَا أُرْسِلَ أَطَاعَ، وَالتَّعْلِيمُ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 4] قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالتَّكْلِيبُ التَّعْلِيمُ وَقِيلَ التَّسْلِيطُ (كُلُّ مَا أَمْسَكَ إِنْ قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: " «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ» " فَعُمُومُهُ يَشْمَلُ مَا إِذَا لَمْ يَقْتُلْ لَكِنَّهُ يُذَكِّي، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّسْمِيَةِ وَهِيَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ هَلْ هِيَ شَرْطٌ فِي حِلِّ الْأَكْلِ؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي جَمَاعَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فَلَا يَقْدَحُ تَرْكُهَا، وَذَهَبَ أَحْمَدُ إِلَى الْوُجُوبِ لِجَعْلِهَا شَرْطًا فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا شَرْطٌ عَلَى الذَّاكِرِ الْقَادِرِ فَيَجُوزُ مَتْرُوكُهَا سَهْوًا وَعَجْزًا، وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْوَصْفِ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ وَالشَّرْطِ أَقْوَى مِنَ الْوَصْفِ، وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ بِشَرْطِهِ أَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ، وَمَا أُذِنَ فِيهِ مِنْهَا يُرَاعَى صِفَتُهُ، فَالْمُسَمَّى عَلَيْهَا وَافَقَ الْوَصْفَ وَغَيْرُ الْمُسَمَّى بَاقٍ عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ، وَفِي قَوْلِهِ إِذَا أَرْسَلْتَ اشْتِرَاطُ الْإِرْسَالِ لِلْحِلِّ. الحديث: 1067 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا يَقُولُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَإِنْ أَكَلَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ   1067 - 1054 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) كُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ (وَإِنْ أَكَلَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " «أَنَّ أَعْرَابِيًّا يُقَالُ لَهُ أَبُو ثَعْلَبَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا، قَالَ: كُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، قَالَ: إِنْ أَكَلَ مِنْهُ؟ قَالَ: وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» " وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ عَدِيٍّ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " قُلْتُ فَإِنْ أَكَلَ؟ قَالَ: فَلَا تَأْكُلْ " فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ لِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. وَقَوَّاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ بِأَنَّ حَدِيثَ الْأَكْلِ صَحِبَهُ الْعَمَلُ وَقَالَ بِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُمْ وَمَا صَحِبَهُ الْعَمَلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 أَوْلَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: حَمَلَ شُيُوخُنَا حَدِيثَ عَدِيٍّ عَلَى مَا إِذَا أَدْرَكَهُ الْكَلْبُ مَيِّتًا مِنَ الْجَرْيِ أَوِ الصَّدْمِ فَأَكَلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ صَارَ إِلَى صِفَةٍ لَا تَعَلُّقَ لِلْإِمْسَاكِ بِهَا، وَيُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيٍّ: " «مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ» ". انْتَهَى. وَ " أَخْذَ " بِسُكُونِ الْخَاءِ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيِ الصَّيْدَ، وَذَكَاةٌ خَبَرُ إِنَّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ إِذَا قَتَلَ الصَّيْدَ فَقَالَ سَعْدٌ كُلْ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ إِلَّا بَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَفْقَهُ كَمَا تَفْقَهُ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا قَتَلَتْ مِمَّا صَادَتْ إِذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَى إِرْسَالِهَا. قَالَ مَالِكٌ وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يَتَخَلَّصُ الصَّيْدَ مِنْ مَخَالِبِ الْبَازِي أَوْ مِنْ الْكَلْبِ ثُمَّ يَتَرَبَّصُ بِهِ فَيَمُوتُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا قُدِرَ عَلَى ذَبْحِهِ وَهُوَ فِي مَخَالِبِ الْبَازِي أَوْ فِي فِي الْكَلْبِ فَيَتْرُكُهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَبْحِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ الْبَازِي أَوْ الْكَلْبُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الَّذِي يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَنَالُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيُفَرِّطُ فِي ذَبْحِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَرْسَلَ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ الضَّارِيَ فَصَادَ أَوْ قَتَلَ إِنَّهُ إِذَا كَانَ مُعَلَّمًا فَأَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ الْمُسْلِمُ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِشَفْرَةِ الْمَجُوسِيِّ أَوْ يَرْمِي بِقَوْسِهِ أَوْ بِنَبْلِهِ فَيَقْتُلُ بِهَا فَصَيْدُهُ ذَلِكَ وَذَبِيحَتُهُ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَإِذَا أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ الضَّارِيَ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ الصَّيْدُ إِلَّا أَنْ يُذَكَّى وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ قَوْسِ الْمُسْلِمِ وَنَبْلِهِ يَأْخُذُهَا الْمَجُوسِيُّ فَيَرْمِي بِهَا الصَّيْدَ فَيَقْتُلُهُ وَبِمَنْزِلَةِ شَفْرَةِ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِهَا الْمَجُوسِيُّ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ   1067 - 1055 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٍ الزُّهْرِيِّ (أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ إِذَا قَتَلَ الصَّيْدَ فَقَالَ: كُلْ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ) بِفَوْقِيَّةٍ فَمُوَحَّدَةٍ (إِلَّا بَضْعَةٌ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتُكْسَرُ وَتُضَمُّ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ قِطْعَةٌ (وَاحِدَةٌ) وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 4] فَإِنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ أَكْلِهِ قَدْ أَمْسَكَهُ عَلَيْنَا فَحَلَّ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ وَهُوَ نَصُّ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو وَعَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ: لَا يُؤْكَلُ لِنَصِّ حَدِيثِ عَدِيٍّ لَكِنْ قَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ كَمَا رَأَيْتَ. - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي الْبَازِي) بِزِنَةِ الْقَاضِي فَيُعْرَبُ إِعْرَابَ الْمَنْقُوصِ، وَالْجَمْعُ بُزَاةٌ كَقُضَاةٍ، وَفِي لُغَةٍ بَازٌ بِزِنَةِ بَابٍ فَيُعْرَبُ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ وَيُجْمَعُ عَلَى أَبْوَازٍ كَأَبْوَابٍ وَبِيزَانٍ كَبِيبَانٍ (وَالْعُقَابِ) مِنَ الْجَوَارِحِ أُنْثَى وَيُسَافِدُهُ طَائِرٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَقِيلَ الثَّعْلَبُ، قَالَ يَهْجُو: مَا أَنْتَ إِلَّا كَالْعُقَابِ فَأُمُّهُ مَعْرُوفَةٌ وَلَهُ أَبٌ مَجْهُولٌ (وَالصَّقْرِ) مِنَ الْجَوَارِحِ يُسَمَّى الْقُطَامِيَّ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَبِهِ سُمِّيَ الشَّاعِرُ، وَالْأُنْثَى صَقْرَةٌ بِالْهَاءِ، قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ. (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) مِنْ كُلِّ مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ (أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَفْقَهُ) يَفْهَمُ (كَمَا تَفْقَهُ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا قَتَلَتْ مِمَّا صَادَتْ إِذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَى إِرْسَالِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 4] وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا أَرْسَلْتَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ» " فَخَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالِ عَدِيٍّ عَنِ الْكَلْبِ. (قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يَتَخَلَّصُ) بِالتَّثْقِيلِ يَأْخُذُ (الصَّيْدَ مِنْ مَخَالِبِ) جَمْعُ مِخْلَبٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ لِلطَّائِرِ وَالسَّبُعِ كَالظُّفُرِ لِلْإِنْسَانِ لِأَنَّ الطَّائِرَ يَخْلُبُ بِمَخَالِبِهِ الْجِلْدَ أَيْ يَقْطَعُهُ (الْبَازِي أَوْ مِنْ فِي الْكَلْبِ ثُمَّ يَتَرَبَّصُ بِهِ فَيَمُوتُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ. (قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا قُدِرَ عَلَى ذَبْحِهِ وَهُوَ فِي مَخَالِبِ الْبَازِي أَوْ فِي) أَيْ فَمِ (الْكَلْبِ) وَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَخْلِيصِهِ مِنْهَا (فَيَتْرُكُهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَبْحِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ الْبَازِي أَوِ الْكَلْبُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ إِلَّا مَا عَجَزَ عَنْ تَذْكِيَتِهِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهَا. (وَكَذَلِكَ الَّذِي يَرْمِي الصَّيْدَ) بِسَهْمِهِ (فَيَنَالُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيُفَرِّطُ فِي ذَبْحِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) لِأَنَّهُ تَرَكَ ذَبْحَهُ مَعَ إِمْكَانِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا) بِدَارِ الْهِجْرَةِ (أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَرْسَلَ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ الضَّارِي) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ صِفَةٌ لِكَلْبٍ أَيِ الْمُعَوَّدِ بِالصَّيْدِ (فَصَادَ أَوْ قَتَلَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُعَلَّمًا) جُمْلَةٌ بَيَّنَ بِهَا مَعْنَى الضَّارِي (فَأَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، إِذْ حَلَالٌ بِمَعْنَى جَائِزٍ قَدْ يُجَامِعُ الْكَرَاهَةَ (وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ) مِنَ التَّذْكِيَةِ، وَلِابْنِ وَضَّاحٍ: " يُدْرِكْهُ " مِنَ الْإِدْرَاكِ (الْمُسْلِمُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ إِذْ مَا أَدْرَكَهُ حَيًّا وَذَكَّاهُ لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ حِلِّهِ (وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِشَفْرَةِ الْمَجُوسِيِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ السِّكِّينُ الْعَرِيضُ جَمْعُهَا شِفَارٌ كَكِتَابٍ، وَشَفَرَاتٌ كَسَجَدَاتٍ (أَوْ يَرْمِي بِقَوْسِهِ أَوْ نَبْلِهِ) سِهَامِهِ، مُؤَنَّثَةٌ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا (فَيَقْتُلُ بِهَا فَصَيْدُهُ ذَلِكَ وَذَبِيحَتُهُ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِنَفْسِ الصَّائِدِ وَالذَّابِحِ لَا بِمَالِكِ الْآلَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 (وَإِذَا أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ الضَّارِي عَلَى صَيْدِهِ فَأَخَذَهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ الصَّيْدُ إِلَّا أَنْ) يُدْرَكَ حَيًّا وَ (يُذَكَّى) أَيْ يُذَكِّيَهُ الْمُسْلِمُ فَيَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ (وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ قَوْسِ الْمُسْلِمِ وَنَبْلِهِ يَأْخُذُهَا الْمَجُوسِيُّ فَيَرْمِي بِهَا الصَّيْدَ فَيَقْتُلُهُ وَبِمَنْزِلَةِ شَفْرَةِ) سِكِّينِ (الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِهَا الْمَجُوسِيُّ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْفَاعِلِ لَا الْآلَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 [بَاب مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْبَحْرِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَمَّا لَفَظَ الْبَحْرُ فَنَهَاهُ عَنْ أَكْلِهِ قَالَ نَافِعٌ ثُمَّ انْقَلَبَ عَبْدُ اللَّهِ فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ فَقَرَأَ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] قَالَ نَافِعٌ فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ   3 - بَابُ مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْبَحْرِ 1071 - 1056 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَمَّا لَفَظَ) بِالْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةِ طَرَحَ (الْبَحْرُ) مِنَ السَّمَكِ (فَنَهَاهُ عَنْ أَكْلِهِ، قَالَ نَافِعٌ: ثُمَّ انْقَلَبَ عَبْدُ اللَّهِ فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ) طَلَبَهُ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ (فَقَرَأَ) قَوْلَهُ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ) أَيُّهَا النَّاسُ حَلَالًا كُنْتُمْ أَوْ مُحْرِمِينَ (صَيْدُ الْبَحْرِ) مَا صِيدَ بِالْحِيلَةِ حَالَ حَيَاتِهِ (وَطَعَامُهُ) أَيِ الْبَحْرِ وَهُوَ مَا قَذَفَهُ مَيِّتًا أَوْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ بِلَا عِلَاجٍ (قَالَ نَافِعٌ: فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَقُولُ لَهُ: (إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) وَقَدْ قَالَ أَبُوهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ صَيْدُهُ مَا صِيدَ وَطَعَامُهُ مَا قَذَفَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَعُبَيْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الصِّدِّيقِ: الطَّافِي حَلَالٌ. الحديث: 1071 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعْدٍ الْجَارِيِّ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الْحِيتَانِ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَوْ تَمُوتُ صَرَدًا فَقَالَ لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ قَالَ سَعْدٌ ثُمَّ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ   1072 - 1057 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعْدٍ الْجَارِيِّ) بِالْجِيمِ نِسْبَةً إِلَى الْجَارِي بَلَدٌ قُرْبَ الحديث: 1072 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الْحِيتَانِ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَوْ تَمُوتُ) مَوْتًا (صَرَدًا) أَيِ السَّمَكُ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ مِنَ الْبَرْدِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (فَقَالَ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ، قَالَ سَعْدٌ: ثُمَّ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ) لَا بَأْسَ بِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بِمَا لَفَظَ الْبَحْرُ بَأْسًا   1073 - 1058 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بِمَا لَفَظَ الْبَحْرُ بَأْسًا) شِدَّةً لِجَوَازِهِ. الحديث: 1073 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْجَارِ قَدِمُوا فَسَأَلُوا مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ عَمَّا لَفَظَ الْبَحْرُ فَقَالَ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ اذْهَبُوا إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَاسْأَلُوهُمَا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ ائْتُونِي فَأَخْبِرُونِي مَاذَا يَقُولَانِ فَأَتَوْهُمَا فَسَأَلُوهُمَا فَقَالَا لَا بَأْسَ بِهِ فَأَتَوْا مَرْوَانَ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ مَرْوَانُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحِيتَانِ يَصِيدُهَا الْمَجُوسِيُّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا أُكِلَ ذَلِكَ مَيْتًا فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ صَادَهُ   1074 - 1059 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْجَارِ) بِالْجِيمِ بَلَدٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ (قَدِمُوا) الْمَدِينَةَ (فَسَأَلُوا مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ) الْأُمَوِيَّ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ (عَنْ مَا لَفَظَ الْبَحْرُ فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ: اذْهَبُوا إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَاسْأَلُوهُمَا) عَنْ ذَلِكَ (ثُمَّ ائْتُونِي فَأَخْبِرُونِي مَاذَا يَقُولَانِ؟ فَأَتَوْهُمَا فَسَأَلُوهُمَا فَقَالَا: لَا بَأْسَ بِهِ فَأَتَوْا مَرْوَانَ) بْنَ الْحَكَمِ (فَأَخْبَرُوهُ) بِمَا قَالَا (فَقَالَ) مَرْوَانُ (قَدْ قُلْتُ لَكُمْ) إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنَّهُمَا يُوَافِقَانِي. (قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحِيتَانِ يَصِيدُهَا الْمَجُوسِيُّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ) كَمَا تَقَدَّمَ مُسْنَدًا فِي كِتَابِ الحديث: 1074 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 الْوُضُوءِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أَكَلَ ذَلِكَ) حَالَ كَوْنِهِ (مَيِّتًا فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ صَادَهُ) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ وَإِنْ صَادَهُ نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: رَأَيْتُ سَبْعِينَ صَحَابِيًّا يَأْكُلُونَ صَيْدَ الْمَجُوسِيِّ مِنَ الْبَحْرِ وَلَا يَتَلَجْلَجُ فِي صُدُورِهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 [بَاب تَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ»   4 - بَابُ تَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ يَعْدُو بِهِ وَيَتَقَوَّى كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ وَفِيلٍ وَقِرْدٍ، أَوْ لَا كَثَعْلَبٍ وَضَبُعٍ وَهِرٍّ. 1075 - 1060 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ) اسْمُهُ عَائِذُ اللَّهِ بِتَحْتِيَّةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ وُلِدُ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَسَمِعَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَ عَالِمَ الشَّامِ بَعْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ (عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ) بِمُثَلَّثَةٍ (الْخُشَنِيِّ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبِالنُّونِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي خُشَيْنٍ مِنْ قُضَاعَةَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، قِيلَ اسْمُهُ جُرْثُومٌ أَوْ جُرْثُمَةُ أَوْ جَرْثَمٌ أَوْ جُرْهُمٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْهَاءِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ، أَوْ لَاشِرٌ بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا رَاءٌ أَوْ لَاشٌ بِغَيْرِ رَاءٍ، أَوْ لَاشِقٌ بِقَافٍ أَوْ لَاشُومَةُ أَوْ لَاشُومُ بِلَا هَاءٍ، أَوْ نَاشِبٌ أَوْ نَاشِرٌ، أَوْ غُرْنُوقٌ أَوْ شِقٌّ أَوْ زَيْدٌ أَوِ الْأَسْوَدُ، وَفِي اسْمِ أَبِيهِ أَيْضًا خُلْفٌ فَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ قَيْسٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ فِي خَيْبَرَ وَأَرْسَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمُوا، وَلَهُ أَحَادِيثُ وَعَنْهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَجَمَاعَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ قَالَ: قَالَ أَبُو ثَعْلَبَةَ: إِنِّي لَأَرْجُو اللَّهَ أَنْ لَا يَخْنُقُنِي كَمَا أَرَاكُمْ تُخْنَقُونَ عِنْدَ الْمَوْتِ فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قُبِضَ وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَأَتِ ابْنَتُهُ فِي النَّوْمِ أَنَّ أَبَاهَا قَدْ مَاتَ فَاسْتَيْقَظَتْ فَزِعَةً فَقَالَتْ: أَيْنَ أَبِي؟ فَقِيلَ لَهَا فِي مُصَلَّاهُ فَنَادَتْهُ فَلَمْ يُجِبْهَا فَأَتَتْهُ فَوَجَدَتْهُ سَاجِدًا فَحَرَّكَتْهُ فَسَقَطَ مَيِّتًا. سَكَنَ الشَّامَ أَوْ حِمْصَ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ، وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ من السباع حَرَامٌ» ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: النَّابُ السِّنُّ الَّتِي خَلْفَ الرُّبَاعِيَّةِ، وَهَلِ الْمُرَادُ كُلُّ ذِي نَابٍ مُطْلَقًا؟ أَوِ الْمُرَادُ نَابٌ الحديث: 1075 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 يَعْدُو بِهِ وَيَصُولُ عَلَى غَيْرِهِ وَيَصْطَادُ وَيَعْدُو بِطَبْعِهِ غَالِبًا بِخِلَافِ غَيْرِ الْعَادِيِّ كَثَعْلَبٍ وَضَبُعٍ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ الْمَدَنِيِّينَ، فَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ أَوْ لِلْجِنْسِ إِذِ الْمُرَادُ نَابٌ يَعْدُو بِهِ كَمَا عُلِمَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ نَابٌ وَلَمْ يَقُلْ: كُلُّ سَبُعٍ تَنْبِيهًا عَلَى الِافْتِرَاسِ وَالتَّعَدِّي وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِ النَّابِ إِذِ السِّبَاعُ كُلُّهَا ذَاتُ أَنْيَابٍ. وَقَدْ وَرَدَ فِي حِلِّ الضَّبُعِ أَحَادِيثُ لَا بَأْسَ بِهَا، وَأَمَّا الثَّعْلَبُ فَوَرَدَ فِي تَحْرِيمِهِ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ جُزْءٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَلَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا. قَالَ يَحْيَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ رُوَاةِ ابْنِ شِهَابٍ وَإِنَّمَا لَفْظُهُمْ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ» " وَمَا جَاءَ بِهِ يَحْيَى هُنَا إِنَّمَا هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ التَّالِي. انْتَهَى. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ بِلَفْظِ: " «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ» " وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: تَابَعَهُ، أَيْ: مَالِكًا - يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالْمَاجِشُونُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَمُتَابَعَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الطِّبِّ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ، وَمُتَابَعَةُ مَعْمَرٍ وَيُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ وَالْمَاجِشُونِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَكَذَا تَابَعَهُ عَمْرُو بْنِ الْحَارِثِ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، الثَّلَاثَةُ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَرَوَاهُ أَبُو أُوَيْسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ: " «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْخَطْفَةِ وَالنُّهْبَةِ وَالْمُجَثَّمَةِ وَعَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ» " أَخْرَجَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، وَكَذَا رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَزَادَ: وَطْءِ الْحَبَالَى وَلُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ. وَانْفَرَدَا بِذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ، وَإِنَّمَا يُحْفَظُ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ لَا أَدْرِي كَيْفَ مُخْرَجُهُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ لِقَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ: لَمْ أَسْمَعْ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ عُلَمَائِنَا بِالْحِجَازِ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَحَدَّثَنِي بِهِ أَبُو إِدْرِيسَ وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ، وَالْمُجَثَّمَةُ هِيَ الَّتِي تُصْبَرُ بِالنَّبْلِ. انْتَهَى. بِجِيمٍ وَمُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَتُصْبَرُ تُرْبَطُ وَيُرْمَى إِلَيْهَا بِالنَّبْلِ حَتَّى تَمُوتَ مِنْ جَثَمَ بِالْمَكَانِ وَقَفَ بِهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمَّا كَانَ نَهْيٌ مُحْتَمِلًا أَعْقَبَهُ الْإِمَامُ بِمَا يُفَسِّرُهُ بِالْحَدِيثِ النَّاصِّ عَلَى التَّحْرِيمِ فَقَالَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عَبِيدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ» قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا   1076 - 1061 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَبِيدَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (بْنِ سُفْيَانَ) بْنِ الْحَارِثِ (الْحَضْرَمِيِّ) الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ» ) الحديث: 1076 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَلَى رِوَايَةِ يَحْيَى وَهُوَ نَصٌّ فِي حُرْمَةِ الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ) الْمَعْمُولُ بِهِ (عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ لَا يَحْرُمُ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الْمُوَطَّأِ التَّحْرِيمُ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ نَصًّا وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَلَفْظُ حَرَامٍ شَذَّ بِهِ يَحْيَى عَنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ، لَكِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى لَفْظِ حَرَامٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَنْعِ الصَّادِقِ بِالْكَرَاهَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِيهَا: لَا أُحِبُّ أَكْلَ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَالذِّئْبِ وَالْهِرِّ الْوَحْشِيِّ وَالْإِنْسِيِّ وَلَا شَيْءَ مِنَ السِّبَاعِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ الْمَدَنِيِّينَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَعْدُو كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ فَيَحْرُمُ، وَبَيْنَ مَا لَا يَعْدُو كَالضَّبُعِ وَالْهِرِّ وَالثَّعْلَبِ وَالذِّئْبِ فَيُكْرَهُ، نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 145] الْآيَةَ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَا فِيهَا، لَكِنَّ نَفْيَ الْحُرْمَةِ لَا يَقْتَضِي الْحِلَّ عَيْنًا بَلْ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ أَيْضًا فَاحْتِيطَ لِذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَحَدِيثَ التَّحْرِيمِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِاتِّفَاقٍ، وَبِأَنَّهَا خَرَجَتْ مَخْرَجَ الرَّدِّ عَلَى شَيْءٍ خَاصٍّ وَهُوَ مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام: 139] [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 139] وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْحُرْمَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ أَكْلَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} [المائدة: 3] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 3] وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: النَّهْيُ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَا وَرَدَ فِيهِ، فَإِنْ وَرَدَ عَلَى مَا فِي مِلْكِكَ فَهُوَ نَهْيُ إِرْشَادٍ كَالْأَكْلِ مِنْ رَأْسِ الصَّحْفَةِ وَبِالشِّمَالِ وَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ، وَمَا وَرَدَ عَلَى غَيْرِ مِلْكِكَ فَهُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ كَالشِّغَارِ، وَعَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، وَعَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَاسْتِبَاحَةِ الْحَيَوَانِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ، قَالَ: وَحَمْلُ النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ ضَعِيفٌ لَا يُعَضِّدُهُ دَلِيلٌ صَحِيحٌ. انْتَهَى. وَهُوَ عَلَى اخْتِيَارِهِ تَرْجِيحُ التَّحْرِيمِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 [بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ أَكْلِ الدَّوَابِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْأَنْعَامِ {لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [غافر: 79] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ - فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 34 - 36] قَالَ مَالِكٌ وَسَمِعْت أَنَّ الْبَائِسَ هُوَ الْفَقِيرُ وَأَنَّ الْمُعْتَرَّ هُوَ الزَّائِرُ قَالَ مَالِكٌ فَذَكَرَ اللَّهُ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَذَكَرَ الْأَنْعَامَ لِلرُّكُوبِ وَالْأَكْلِ قَالَ مَالِكٌ وَالْقَانِعُ هُوَ الْفَقِيرُ أَيْضًا.   5 - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ أَكْلِ الدَّوَابِّ - (مَالِكٌ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الْخَيْلِ) جَمَاعَةُ الْأَفْرَاسِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ أَوْ مُفْرَدُهُ خَائِلٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاخْتِيَالِهَا فِي الْمِشْيَةِ، وَيَكْفِي فِي شَرَفِهَا أَنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات: 1] [سُورَةُ الْعَادِيَاتِ: الْآيَةُ 1] (وَالْبِغَالِ) جَمْعُ كَثْرَةٍ لِبَغْلٍ وَجَمْعُ الْقِلَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 أَبِغَالٌ وَالْأُنْثَى بَغْلَةٌ بِالْهَاءِ وَالْجَمْعُ بَغَلَاتٌ مِثْلُ سَجْدَةٍ وَسَجَدَاتٍ. (وَالْحَمِيرِ) جَمْعُ حِمَارٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى حُمُرٍ وَأَحْمِرَةٍ وَالْأُنْثَى أَتَانٌ، وَحِمَارَةٌ بِالْهَاءِ نَادِرٌ (أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ) تَحْرِيمًا عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَالصَّحِيحِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُ الْمُفَهَّمِ - مَذْهَبُ مَالِكٍ كَرَاهَةُ الْخَيْلِ - ضَعِيفٌ، إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ عَلَى التَّحْرِيمِ (لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ وَ) خَلَقَ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] مَفْعُولٌ لَهُ. (وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْأَنْعَامِ) الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فِي سُورَةِ غَافِرٍ: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ} [غافر: 79] [سُورَةُ غَافِرٍ: الْآيَةُ 79] (لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} [غافر: 80] [سُورَةُ غَافِرٍ: الْآيَةُ 80] وَأَتَى بِهَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ فِيهَا لَامَ التَّعْلِيلِ الْمُفِيدَةَ لِلْحَصْرِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ وَلِذَا عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ قَبْلَ آيَةِ الْخَيْلِ: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] [سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 5] (وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ) التِّلَاوَةَ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] [سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 28] {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] [سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 28] وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] [سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 36] (قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْتُ أَنَّ الْبَائِسَ هُوَ الْفَقِيرُ) فَجُعِلَ صِفَةً لَهُ إِيمَاءً إِلَى شِدَّةِ فَقْرِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي قَدْ تَبَاءَسَ مِنْ ضُرِّ الْفَقْرِ (وَأَنَّ الْمُعْتَرَّ هُوَ الزَّائِرُ) الَّذِي يَعْتَرِيكَ وَيَتَعَرَّضُ لَكَ لِتُعْطِيَهُ وَلَا يُفْصِحُ بِالسُّؤَالِ. (قَالَ مَالِكٌ) مُبَيِّنًا وَجْهَ اسْتِدْلَالِهِ (فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَذَكَرَ الْأَنْعَامَ لِلرُّكُوبِ وَالْأَكْلِ) وَبَيَّنُوا وَجْهَ الدَّلِيلِ بِأُمُورٍ: أَحَدُهَا أَنَّ لَامَ التَّعْلِيلِ تُفِيدُ أَنَّ الْخَيْلَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا لَمْ تُخْلَقْ لِغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ تُفِيدُ الْحَصْرَ فَإِبَاحَةُ أَكْلِهَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ الَّذِي هُوَ أَوْلَى فِي الْحُجِّيَّةِ مِنْ خَبَرِ الْآحَادِ وَلَوْ صَحَّ. وَثَانِيهَا: عَطْفُ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ دَالٌّ عَلَى اشْتِرَاكِهَا مَعَهُمَا فِي حُكْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 التَّحْرِيمِ فَيَحْتَاجُ مَنْ أَفْرَدَ الْحُكْمَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ إِلَى دَلِيلٍ، وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ» "، زَادَتْ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ: نَحْنُ وَآلُ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوهُ بِاجْتِهَادِهِمْ عَلَى الْمُرَجَّحِ مِنْ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ قَضِيَّةُ عَيْنٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ إِذْ هُوَ خَبَرٌ لَا عُمُومَ فِيهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَرَخَّصَ فِي الْخَيْلِ» " فَهُوَ مِنْ أَدِلَّةِ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ رَخَّصَ إِذِ الرُّخْصَةُ اسْتِبَاحَةُ الْمَمْنُوعِ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُمْ بِسَبَبِ الْمَخْمَصَةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ بِخَيْبَرَ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْحِلِّ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَأَمَّا كَوْنُ أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ أَذِنَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِاحْتِجَاجِنَا ; لِأَنَّ لَفْظَ أَذِنَ دُونَ أَبَاحَ أَوْ أَحَلَّ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ أَمَرَ مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِلْمَخْمَصَةِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ لِتَقَابُلِ الِاحْتِمَالَيْنِ. ثَالِثُهَا: أَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ مَسَاقَ الِامْتِنَانِ فَلَوْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْأَكْلِ لَكَانَ الِامْتِنَانُ بِهِ أَعْظَمَ، وَالْحَكِيمُ لَا يَمْتَنُّ بِأَدْنَى النِّعَمِ وَهُوَ الرُّكُوبُ وَالزِّينَةُ هُنَا وَيَتْرُكُ أَعْلَاهَا وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَ الِامْتِنَانُ بِالْأَكْلِ فِي الْمَذْكُورَاتِ قَبْلَهَا فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] . رَابِعُهَا: لَوْ أُبِيحُ أَكْلُهَا لَفَاتَتِ الْمَنْفَعَةُ بِهَا فِيمَا وَقَعَ الِامْتِنَانُ بِهِ مِنَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ. وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ آيَةَ النَّحْلِ مَكِّيَّةٌ اتِّفَاقًا فَلَوْ فَهِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا الْمَنْعَ لَمَا أَذِنَ فِي أَكْلِهَا فِي خَيْبَرَ وَهِيَ فِي سَابِعَةِ الْهِجْرَةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مَحْمَلَ الْإِذْنِ فِيهِ لِلْمَخْمَصَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 119] فِي الْمَمْنُوعِ مِنْهُ نَصًّا فَإِذْنُهُ لَا يُنَافِي فَهْمَهُ مِنْهَا الْمَنْعَ، وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ آيَةَ النَّحْلِ لَيْسَتْ نَصًّا فِي الْمَنْعِ وَحَدِيثَ أَسْمَاءَ صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ فَيُقَدَّمُ الصَّرِيحُ عَلَى الْمُحْتَمَلِ، فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنَ الْآيَةِ الْمَنْعُ وَذَلِكَ كَافٍ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ، وَالْحَدِيثُ لَا صَرَاحَةَ فِيهِ عَلَى اطِّلَاعِ الْمُصْطَفَى بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِاجْتِهَادِهِمْ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ مِنْ أُصُولِ مَالِكٍ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لِأَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ، وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ اللَّامَ وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّعْلِيلِ لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ فِي الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْخَيْلِ فِي غَيْرِهِمَا وَفِي غَيْرِ الْأَكْلِ اتِّفَاقًا كَحَمْلِ الْأَمْتِعَةِ وَالِاسْتِقَاءِ وَالطَّحْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرُّكُوبَ وَالزِّينَةَ لِأَنَّهُمَا أَغْلَبُ مَا تُطْلَبُ لَهُ الْخَيْلُ، فَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَى الْحَصْرِ فِيهِمَا دُونَ الْأَكْلِ الْمُمْتَنِّ بِهِ فِي غَيْرِ الْخَيْلِ فَهُوَ إِضَافِيٌّ فَلَا يُنَافِي الِانْتِفَاعَ بِهَا فِيمَا ذُكِرَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ إِضَافِيٌّ - الْإِجْمَاعُ، وَالْحَمْلُ وَنَحْوُهُ رُكُوبٌ حُكْمًا. وَأُجِيبَ عَنِ الثَّانِي بِأَنَّ عَطْفَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ إِنَّمَا هُوَ دَلَالَةُ اقْتِرَانٍ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ، وَجَوَابُهُ أَنَّا لَمْ نَسْتَدِلَّ بِهَا فَقَطْ، بَلْ مَعَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ خَلَقَهَا لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَامْتِنَانِهِ بِالْأَكْلِ مِنَ الْأَنْعَامِ دُونَهَا. وَعَنِ الثَّالِثِ بِأَنَّ الِامْتِنَانَ إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ غَالِبُ مَا كَانَ يَقَعُ انْتِفَاعُهُمْ بِهِ فَخُوطِبُوا بِمَا أَلِفُوا وَعَرَفُوا وَلَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ أَكْلَ الْخَيْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 لِعِزَّتِهَا فِي بِلَادِهِمْ، بِخِلَافِ الْأَنْعَامِ فَأَكْثَرُ انْتِفَاعِهِمْ بِهَا كَانَ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَلِلْأَكْلِ، فَاقْتَصَرَ فِي كُلٍّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ عَلَى الِامْتِنَانِ بِأَغْلَبِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَوْ حَصَرَ فِي الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ لَأَضَرَّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ، وَسَنَدُهُ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالِامْتِنَانِ غَالِبُ مَا يُقْصَدُ بِهِ، وَلَا مَشَقَّةَ فِي الْحَصْرِ فِي الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ بَلْ هُمَا مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ الْمُمْتَنِّ بِهَا. وَأُجِيبَ عَنِ الرَّابِعِ بِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ مِنَ الْإِذْنِ فِي أَكْلِهَا أَنْ تَفْنَى لَلَزِمَ مِثْلُهُ فِي الْأَنْعَامِ الْمُبَاحِ أَكْلُهَا وَقَدْ وَقَعَ الِامْتِنَانُ بِهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَرْقَ مَوْجُودٌ لِأَنَّ مَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالِامْتِنَانِ بِأَكْلِهِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِيهِ الِامْتِنَانُ بِأَنَّهُ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَاللَّازِمُ مَمْنُوعٌ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لُحُومَ الْخَيْلِ وَيَقْرَأُ: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} [النحل: 5] [سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 5] الْآيَةَ، وَيَقُولُ: هَذِهِ لِلْأَكْلِ، {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النحل: 8] ، وَيَقُولُ هَذِهِ لِلرُّكُوبِ، فَهَذَا صَحَابِيٌّ مِنْ أَئِمَّةِ اللِّسَانِ وَمَقَامُهُ فِي الْقُرْآنِ مَعْلُومٌ، وَقَدْ سَبَقَ مَالِكًا عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: " «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ» " لَكِنْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ لَكِنَّهُ يَتَقَوَّى بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إِلَى حِلِّ أَكْلِ الْخَيْلِ بِلَا كَرَاهَةٍ لِظَاهِرِ حَدِيثَيْ جَابِرٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ عُلِمَ مَا فِيهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْقَانِعُ هُوَ الْفَقِيرُ أَيْضًا) وَقِيلَ هُوَ السَّائِلُ، قَالَ الشَّمَّاخُ: لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ الْقُنُوعِ، أَيِ: السُّؤَالِ، يُقَالُ مِنْهُ قَنِعَ قُنُوعًا إِذَا سَأَلَ، وَقَنِعَ قَنَاعَةً إِذَا رَضِيَ بِمَا أُعْطِيَ، وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ وَضَعْفُ الْحَالِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ فَقَنِعَ بِزِنَةِ رَضِيَ وَمَعْنَاهُ، وَقَنَعَ بِفَتْحِ النُّونِ طَمِعَ وَسَأَلَ، وَقَدْ تَظَرَّفَ الْقَائِلُ: الْعَبْدُ حُرٌّ إِنْ قَنِعَ ... وَالْحُرُّ عَبْدٌ إِنْ قَنَعْ فَاقْنَعْ وَلَا تَقْنَعْ فَمَا ... شَيْءٌ يَشِينُ سِوَى الطَّمَعْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 [بَاب مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ كَانَ أَعْطَاهَا مَوْلَاةً لِمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا»   6 - بَابُ مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ 1078 - 1062 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (بْنِ عُتْبَةَ) الحديث: 1078 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 بِضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (بْنِ مَسْعُودٍ) الْهُذَلِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى فَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ وَأَتْقَنَهُ، وَتَابَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَقَوْمٌ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مُرْسَلًا وَالصَّحِيحُ وَصْلُهُ، وَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَالزُّبَيْدِيُّ وَعُقَيْلٌ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ قَالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ» ) بِشَدِّ الْيَاءِ وَتُخَفَّفُ (كَانَ أَعْطَاهَا مَوْلَاةً) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَعْرِفِ اسْمَهَا (لِمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ مِنَ الصَّدَقَةِ ( «فَقَالَ: أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا» ؟) وَفِي رِوَايَةٍ بِإِهَابِهَا وَهُوَ الْجِلْدُ دُبِغَ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: " «هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ» ؟ لَكِنَّهَا شَاذَّةٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ ( «فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا مَيِّتَةٌ» ) بِكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً أَوْ بِسُكُونِهَا مُخَفَّفَةً (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ، وَبِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ رِوَايَتَانِ، وَفِيهِ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 3] شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فِي كُلِّ حَالٍ فَخَصَّهُ بِالْأَكْلِ، وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ جِلْدَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِمَا عِنْدَهُمْ وَأَخَذَ غَيْرُهُمْ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ فَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الزُّهْرِيُّ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مُطْلَقًا دُبِغَ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ، لَكِنْ صَحَّ التَّقْيِيدُ بِالدِّبَاغِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْضُهُمْ قَصَرَ الْجَوَازَ عَلَى الْمَأْكُولِ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ فِي الشَّاةِ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرِ أَنَّ الدِّبَاغَ لَا يَزِيدُ فِي التَّطْهِيرِ عَلَى الذَّكَاةِ، وَغَيْرُ الْمَأْكُولِ لَوْ ذُكِّيَ لَمْ يَطْهُرْ بِالذَّكَاةِ فَكَذَلِكَ الدِّبَاغُ، وَأَجَابَ مَنْ عَمَّمَ بِالتَّمَسُّكِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ خُصُوصِ السَّبَبِ وَبِعُمُومِ الْإِذْنِ بِالِانْتِفَاعِ، وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ الطَّاهِرَ يُنْتَفَعُ بِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَكَأَنَّ الدِّبَاغَ بَعْدَ الْمَوْتِ قَائِمًا مَقَامَ الْحَيَاةِ، وَمَنَعَ قَوْمٌ الِانْتِفَاعَ مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ، دُبِغَ الْجِلْدُ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلَيْمٍ - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَلَامٍ مُصَغَّرٌ - قَالَ: " «أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَأَعَلَّهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِهِ كِتَابًا وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ، وَبِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابًا وَلِذَا تَرَكَهُ أَحْمَدُ بَعْدَ أَنْ قَالَ إِنَّهُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ، وَرَدَّهُ ابْنُ حِبَّانَ بِأَنَّ ابْنَ عُلَيْمٍ سَمِعَ الْكِتَابَ يُقْرَأُ وَسَمِعَهُ مَشَايِخُ مِنْ جُهَيْنَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا اضْطِرَابَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ الدَّبْغِ، فَإِنَّ لَفْظَ إِهَابٍ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِ وَبَعْدَ الدِّبَاغِ يُسَمَّى أَدِيمًا وَسَخِّيَانًا. وَحَدِيثُ الْبَابِ تَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَيُونُسُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ فِي مُسْلِمٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ مَوْصُولًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ الْمِصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهَرَ»   1079 - 1063 الحديث: 1079 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (بْنِ وَعْلَةَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ السَّبَئِيِّ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ ثُمَّ يَاءٍ، نِسْبَةً إِلَى سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ (الْمِصْرِيِّ) بِالْمِيمِ الصَّدُوقِ التَّابِعِيِّ الصَّغِيرِ رَوَى عَنِ ابْنِ عَمْرٍو (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَخِفَّةِ الْهَاءِ وَيُجْمَعُ عَلَى أُهُبٍ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ الْجِلْدُ مُطْلَقًا، قَالَ فِي الْفَائِقِ: سُمِّيَ إِهَابًا لِأَنَّهُ أُهْبَةٌ لِلْحَيِّ، وَنَبَأً لِلْحِمَايَةِ عَلَى جَسَدِهِ كَمَا قِيلَ لَهُ مِسْكٌ لِإِمْسَاكِهِ مَا وَرَاءَهُ، وَلِذَا قَالَ دُبِغَ بِمَا يَحْفَظُ الْجِلْدَ كَمَا تَحْفَظُهُ الْحَيَاةُ كَشَبٍّ وَقَرَظٍ (فَقَدْ طَهَرَ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، طَهَارَةٌ لُغَوِيَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَيْ نَظُفَ فَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْمَاءِ وَالْيَابِسِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: طَهَرَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ حَتَّى يَجُوزَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ. ثَالِثُهَا يَجُوزُ أَكْلُ جِلْدِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَقَطْ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا. وَفِي طَهَارَةِ الشَّعْرِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ بِخِلَافِ الْجِلْدِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ تَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ»   1080 - 1064 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الزَّايِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ) بِقَافٍ وَمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ الْمَدَنِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ) بِمُثَلَّثَةٍ الْعَامِرِيِّ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ (عَنْ أُمِّهِ) تَابِعِيَّةٌ مَقْبُولَةٌ لَا يُعْرَفُ اسْمُهَا (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ» ) لَا قَبْلَ الدَّبْغِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ: " «لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ» " جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِدُونِ دَعْوَى نَسْخٍ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 1080 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 [بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يُضْطَرُّ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدُ مِنْهَا فَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَيَأْكُلُ مِنْهَا وَهُوَ يَجِدُ ثَمَرَ الْقَوْمِ أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا بِمَكَانِهِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إِنْ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْغَنَمِ يُصَدِّقُونَهُ بِضَرُورَتِهِ حَتَّى لَا يُعَدُّ سَارِقًا فَتُقْطَعَ يَدُهُ رَأَيْتُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ وَجَدَ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَنْ لَا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يُعَدَّ سَارِقًا بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ خَيْرٌ لَهُ عِنْدِي وَلَهُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَعَةٌ مَعَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَعْدُوَ عَادٍ مِمَّنْ لَمْ يُضْطَرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ يُرِيدُ اسْتِجَازَةَ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ بِذَلِكَ بِدُونِ اضْطِرَارٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ.   7 - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يُضْطَرُّ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ الْمُبَاحُ لَهُ أَكْلُهَا بِالنُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَحَدُّ الِاضْطِرَارِ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ عِلْمًا أَوْ ظَنًّا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَصِيرَ إِلَى حَالٍ يُشْرِفُ مَعَهَا عَلَى الْمَوْتِ فَإِنَّ الْأَكْلَ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ. قَالَ الْعَارِفُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي الْمَيِّتِ سُمِّيَّةً شَدِيدَةً، فَلَوْ أَكَلَهَا ابْتِدَاءً لَأَهْلَكَتْهُ، فَشَرَعَ لَهُ أَنْ يَجُوعَ لِيُصَيِّرَ فِي بَدَنِهِ بِالْجُوعِ سُمِّيَّةً هِيَ أَشَدُّ مِنْ سُمِّيَّةِ الْمَيِّتِ فَإِذَا أَكَلَ مِنْهَا حِينَئِذٍ لَا يَتَضَرَّرُ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ حَسَنٌ بَالِغٌ فِي الْحُسْنِ. - (مَالِكٌ: أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الرَّجُلِ) وَصْفٌ طَرْدِيٌّ فَالْمُرَادُ وَلَوِ امْرَأَةٌ (يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ مِنْهَا، فَإِذَا وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَدَلِيلُهُ أَنَّ الضَّرُورَةَ تَرْفَعُ التَّحْرِيمَ فَيَعُودُ مُبَاحًا، وَمِقْدَارُ الضَّرُورَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الْعَدَمِ لِلْقُوتِ إِلَى حَالَةِ وُجُودِهِ حَتَّى يَجِدَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ نَصُّ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ الَّذِي أَلَّفَهُ بِنَظَرِهِ وَأَمْلَاهُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقَرَأَهُ عُمُرَهُ كُلَّهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ: يَأْكُلُ مِقْدَارَ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ ضَرُورَةٌ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، قَالَ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إِذَا كَانَتِ الْمَخْمَصَةُ نَادِرَةً، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ دَائِمَةً فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الشِّبَعِ مِنْهَا. انْتَهَى. وَاحْتَجَّ لِلْمُقَابِلِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: 173] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 173] أَيْ فَأَكَلَ غَيْرَ بَاغٍ لِلَّذَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَلَا مُتَعَدٍّ - مِقْدَارَ الْحَاجَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَغْيِ الْخُرُوجُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَبِالتَّعَدِّي قَطْعُ الطَّرِيقِ، فَلَا رُخْصَةَ لَهُ فِي الْمَيْتَةِ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهَا كَمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَيَأْكُلُ مِنْهَا وَهُوَ يَجِدُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (ثَمَرَ الْقَوْمِ أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا بِمَكَانِهِ ذَلِكَ؟ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الثَّمَرِ) بِمُثَلَّثَةٍ (أَوِ الزَّرْعِ أَوِ الْغَنَمِ يُصَدِّقُونَهُ بِضَرُورَتِهِ) أَيْ فِيهَا (حَتَّى لَا يُعَدَّ سَارِقًا فَتُقْطَعَ يَدُهُ رَأَيْتُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ وَجَدَ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ) وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَقِيلَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَلَّا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يُعَدَّ سَارِقًا بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ خَيْرٌ لَهُ عِنْدِي وَلَهُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَعَةٌ) بِفَتْحَتَيْنِ (مَعَ أَنِّي أَخَافُ) لَوْ أَطْلَقْتُ جَوَازَ تَقْدِيمِ طَعَامِ الْغَيْرِ عَلَى الْمَيْتَةِ (أَنْ يَعْدُوَ عَادٍ مِمَّنْ لَمْ يُضْطَرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ يُرِيدُ اسْتِجَازَةَ) بِالزَّايِ (أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ بِذَلِكَ بِدُونِ اضْطِرَارٍ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) يَقْتَضِي أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 [كِتَاب الْعَقِيقَةِ] [بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَقِيقَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْعَقِيقَةِ بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَقِيقَةِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ الْاسْمَ وَقَالَ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ»   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 26 - كِتَابُ الْعَقِيقَةِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَأَصْلُهَا كَمَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّعَرَ الَّذِي يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الصَّبِيِّ حِينَ يُولَدُ، وَسُمِّيَتِ الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنْهُ عَقِيقَةً لِأَنَّهُ يُحْلَقُ عَنْهُ ذَلِكَ الشَّعَرُ عِنْدَ الذَّبْحِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ مَعَهُ أَوْ مِنْ سَبَبِهِ وَقِيلَ: هِيَ الذَّبِيحَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَذْبَحَ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا يُعَقُّ أَيْ يُشَقُّ وَيُقْطَعُ، وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ قَوْلَ الْأَصْمَعِيِّ وَغَيْرِهِ إِنَّهَا الشَّعَرُ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ الذَّبْحُ نَفْسُهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا أَوْلَى وَأَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ لُغَةً يُقَالُ عَقَّ إِذَا قَطَعَ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: بِلَادٌ بِهَا عَقَّ الشَّبَابُ تَمَائِمِي ... وَأَوَّلُ أَرْضٍ مَسَّ جِلْدِي تُرَابُهَا وَمِثْلُهُ قَوْلُ الرَّمَّاحِ ابْنِ مَيَّادَةَ: بِلَادٌ بِهَا نِيطَتْ عَلَيَّ تَمَائِمِي ... وَقُطِّعْنَ عَنِّي حِينَ أَدْرَكَنِي عَقْلِي 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَقِيقَةِ 1082 - 1065 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ (عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ» ) أَيِ الْعِصْيَانَ وَتَرْكَ الْإِحْسَانِ (وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ الِاسْمَ) لَا الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ ذَبْحُ وَاحِدَةٍ تُجْزِي ضَحِيَّةً لِنَصِّهِ عَلَيْهَا فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْفَصَاحَةِ الحديث: 1082 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 الِاحْتِرَازُ عَنْ لَفْظٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا مَكْرُوهٌ فَيُجَاءُ بِهِ مُطْلَقًا (وَقَالَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ» ) بِضَمِّ السِّينِ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَتَطَوَّعُ بِقُرْبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى (عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ) وَفِي جَعْلِ ذَلِكَ مَوْكُولًا إِلَى مَحَبَّتِهِ مَعَ تَسْمِيَتِهِ نُسُكًا إِشَارَةٌ إِلَى الِاسْتِحْبَابِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِيهِ كَرَاهَةُ مَا يَقْبُحُ مَعْنَاهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ الِاسْمَ الْحَسَنَ وَكَانَ الْوَاجِبُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَنْ يُقَالَ لِذَبِيحَةِ الْمَوْلُودِ نَسِيكَةٌ وَلَا يُقَالَ عَقِيقَةٌ لَكِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ مَالَ إِلَى ذَلِكَ وَلَا قَالَ بِهِ، وَأَظُنُّهُمْ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِهِ لِمَا صَحَّ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ مِنْ لَفْظِ الْعَقِيقَةِ. انْتَهَى. وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَإِلَّا فَقَدَ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَنْ أَصْحَابِهِمُ الشَّافِعِيَّةِ يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا نَسِيكَةً أَوْ ذَبِيحَةً، وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً كَمَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا بِدْعَةٌ تَشَبُّثًا بِحَدِيثِ الْمُوَطَّأِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِذَلِكَ وَلَا لِنَفْيِ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَأَنَّهَا نُسِخَتْ بِالضَّحِيَّةِ كَمَا ادَّعَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، بَلْ آخِرُ الْحَدِيثِ يُثْبِتُهَا، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّ الْأَوْلَى يُسَمَّى نَسِيكَةً لَا عَقِيقَةً، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا أَعْلَمُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعَرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً   1083 - 1066 - (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرٍ) الصَّادِقِ (ابْنِ مُحَمَّدٍ) الْبَاقِرِ (عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلٌ « (وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَعْرَ حَسَنٍ) بِأَمْرِ أَبِيهَا» ، فَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " «عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْحَسَنِ بِكَبْشٍ وَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً، قَالَ: فَوَزَنَاهُ فَكَانَ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ» " (وَحُسَيْنٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ رَوَى أَحْمَدُ «عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: حَرْبًا، قَالَ: بَلْ هُوَ حَسَنٌ، فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَقَالَ: بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ، فَلَمَّا وُلِدَ مُحْسِنٌ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَقَالَ: بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ، ثُمَّ قَالَ: سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ، شَبَرٌ وَشُبَيْرٌ وَمُشَبِّرٌ» " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَمُحَسِّنٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ مَاتَ صَغِيرًا. (وَزَيْنَبَ) وُلِدَتْ فِي حَيَاةِ جَدِّهَا وَكَانَتْ لَبِيبَةً جَزِلَةً عَاقِلَةً لَهَا قُوَّةُ جَنَانٍ وَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمِّهَا جَعْفَرٍ فَوَلَدَتْ لَهُ عَلِّيًا وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَعَوْنًا وَعَبَّاسًا وَمُحَمَّدًا. (وَأُمِّ كُلْثُومٍ) وُلِدَتْ قَبْلَ وَفَاةِ جَدِّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَزَوَّجَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَمْهَرَهَا أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدًا وَرُقَيَّةَ وَلَمْ يُعْقِبَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ عَوْنُ بْنُ جَعْفَرٍ ثُمَّ الحديث: 1083 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 مَاتَ فَتَزَوَّجَهَا أَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثُمَّ مَاتَ فَتَزَوَّجَهَا أَخُوهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فَمَاتَتْ عِنْدَهُ زَيْنَبُ. (فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً) يُحْتَمَلُ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَمَرَهَا فِي الْحَسَنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا قَاسَتْ ذَلِكَ عَلَى أَمْرِهِ لَهَا فِي الْحَسَنِ بِكْرِهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَهْلُ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ مَا فَعَلَتْهُ فَاطِمَةُ مَعَ الْعَقِيقَةِ أَوْ دُونَهَا، الْبَاجِيُّ: التَّصَدُّقُ بِزِنَةِ الشَّعْرِ حَسَنٌ وَعَمَلُ بِرٍّ. وَفِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا: " «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» ، فَسَّرَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ تَبَعًا لِلْأَصْمَعِيِّ بِحَلْقِ رَأْسِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَكِنْ فِي الطَّبَرَانِيِّ: وَيُمَاطُ عَنْهُ الْأَذَى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ فَعَطَفَهُ عَلَيْهِ، فَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَذَى عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ قَالَ وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعَرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ فِضَّةً   1084 - 1067 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلٌ وَوَصَلَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ فِضَّةً) فَيُنْدَبُ ذَلِكَ وَبِالذَّهَبِ أَيْضًا. الحديث: 1084 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 [بَاب الْعَمَلِ فِي الْعَقِيقَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ عَقِيقَةً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَكَانَ يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ عَنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ   2 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الْعَقِيقَةِ 1085 - 1068 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ عَقِيقَةً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا) لِأَنَّهُ كَانَ مَنْ أَشَدِّ الصَّحَابَةِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ فَيَجِبُ نَشْرُهَا. (وَكَانَ يَعُقُّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مِنْ بَابِ نَصَرَ (عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ عَنِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ) لِكُلٍّ شَاةٌ اتِّبَاعًا لِلْفِعْلِ النَّبَوِيِّ وَقِيَاسًا عَلَى الْأُضْحِيَةِ، فَإِنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِيهَا سَوَاءٌ. الحديث: 1085 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَسْتَحِبُّ الْعَقِيقَةَ وَلَوْ بِعُصْفُورٍ   1086 - 1069 الحديث: 1086 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ خَالِدٍ (التَّيْمِيِّ) تَيْمِ قُرَيْشٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَسْتَحِبُّ) وَفِي نُسْخَةٍ يَقُولُ: تُسْتَحَبُّ (الْعَقِيقَةُ وَلَوْ بِعُصْفُورٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَلَامٌ أُخْرِجَ عَلَى التَّقْلِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ «كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ فِي الْفَرَسِ: " وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ» " وَكَقَوْلِهِ فِي الْأَمَةِ: " «ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِظُفَيْرٍ» " لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا إِلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا مِنَ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ إِلَّا مَنْ شَذَّ مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ. انْتَهَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ عُقَّ عَنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ ابْنَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ   1086 - 1070 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ عَقَّ عَنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ ابْنَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا» " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «عَقَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ» ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَعُقُّ عَنْ بَنِيهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِشَاةٍ شَاةٍ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَقِيقَةِ أَنَّ مَنْ عَقَّ فَإِنَّمَا يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَلَيْسَتْ الْعَقِيقَةُ بِوَاجِبَةٍ وَلَكِنَّهَا يُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ بِهَا وَهِيَ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا فَمَنْ عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ فَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ النُّسُكِ وَالضَّحَايَا لَا يَجُوزُ فِيهَا عَوْرَاءُ وَلَا عَجْفَاءُ وَلَا مَكْسُورَةٌ وَلَا مَرِيضَةٌ وَلَا يُبَاعُ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ وَلَا جِلْدُهَا وَيُكْسَرُ عِظَامُهَا وَيَأْكُلُ أَهْلُهَا مِنْ لَحْمِهَا وَيَتَصَدَّقُونَ مِنْهَا وَلَا يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا   1088 - 1071 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَعُقُّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (عَنْ بَنِيهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِشَاةٍ شَاةٍ) عَنْ كُلٍّ وَاحِدٌ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَقِيقَةِ أَنَّ مَنْ عَقَّ فَإِنَّمَا يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ) قِيَاسًا عَلَى الضَّحِيَّةِ فَإِنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِيهِ مُتَسَاوِيَانِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَعُقُّ عَنِ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ عَمِلَ بِهِ فَمَا أَخْطَأَ وَلَقَدْ أَصَابَ لِمَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ يُعَقَّ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُتَكَافِيَتَانِ الحديث: 1088 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 وَعَنِ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ» " انْتَهَى. لَكِنَّ حُجَّةَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيمَا عَقَّ بِهِ عَنِ الْحَسَنَيْنِ تَرَجَّحَ تَسَاوِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالْعَمَلِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْأُضْحِيَةِ. (وَلَيْسَتِ الْعَقِيقَةُ بِوَاجِبَةٍ) كَالْأُضْحِيَةِ بِحُجَّةِ أَنَّ كُلًّا إِرَاقَةُ دَمٍ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَلَ ذَلِكَ إِلَى مَحَبَّةِ الْأَبِ فَلَوْ وَجَبَتْ مَا قَالَ ذَلِكَ. (وَلَكِنَّهَا يُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ بِهَا) اتِّبَاعًا لِلْفِعْلِ النَّبَوِيِّ وَحَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ; لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَمْرَ إِذَا لَمْ يَصْلُحْ حَمْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو الزِّنَادِ وَدَاوُدُ: وَاجِبَةٌ. (وَهِيَ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا) فَلَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ نَسْخَهَا وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا بِدْعَةٌ، إِذْ لَوْ نُسِخَتْ مَا عَمِلَ بِهَا الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُسَمَّى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَمُرَةَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَعَلَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، لَكِنْ فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ مِنْ سَمُرَةَ قَالَ الْحَافِظُ: فَكَأَنَّهُ عَنَى هَذَا، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مُرْتَهَنٌ أَيْ مُحْتَبَسٌ عَنِ الشَّفَاعَةِ لِوَالِدَيْهِ إِذَا مَاتَ طِفْلًا أَيْ فَشَبَّهَهُ فِي عَدَمِ انْفِكَاكِهِ مِنْهَا بِالرَّهْنِ فِي يَدِ مُرْتَهِنِهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ جَيِّدٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ شَفَاعَةَ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ وَبِأَنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ يَشْفَعُ لِغَيْرِهِ مُرْتَهَنٌ، فَالْأَوْلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْعَقِيقَةَ تَخْلِيصٌ لَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ الَّذِي طَعَنَهُ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ حَبْسِهِ لَهُ فِي أَسْرِهِ وَمَنْعِهِ لَهُ مِنْ سَعْيِهِ فِي مَصَالِحِ آخِرَتِهِ. (فَمَنْ عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ فَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ النُّسُكِ) الْهَدَايَا (وَالضَّحَايَا) فَتَجُوزُ بِالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ خِلَافًا لِمَنْ قَصَرَهَا عَلَى الْغَنَمِ لِوُرُودِ الشَّاةِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، لَكِنْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «يُعَقُّ عَنْهُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ» " (لَا يَجُوزُ فِيهَا عَوْرَاءُ) بِالْمَدِّ تَأْنِيثُ أَعْوَرَ (وَلَا عَجْفَاءُ) بِالْمَدِّ الضَّعِيفَةُ ( «وَلَا مَكْسُورَةٌ وَلَا مَرِيضَةٌ وَلَا يُبَاعُ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ وَلَا جِلْدِهَا وَيُكْسَرُ عِظَامُهَا» ) جَوَازًا تَكْذِيبًا لِلْجَاهِلِيَّةِ فِي تَحَرُّجِهِمْ مِنْ ذَلِكَ وَتَفْصِيلِهِمْ إِيَّاهَا مِنَ الْمَفَاصِلِ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ الِاتِّبَاعِ الْبَاطِلِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَنْ يَقُولُ فَائِدَتُهُ التَّفَاؤُلُ بِسَلَامَةِ الصَّبِيِّ وَبَقَائِهِ إِذْ لَا أَصْلَ لَهُ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا عَمَلٍ. (وَيَأْكُلُ أَهْلُهَا مِنْ لَحْمِهَا وَيَتَصَدَّقُونَ مِنْهَا وَلَا يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا) أَيْ يُكْرَهُ لِخَبَرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 الْبُخَارِيِّ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» " فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِتَرْكِ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ مِنْ تَلْطِيخِ رَأْسِهِ بِدَمِهَا بِإِمَاطَةِ الشَّعْرِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّا إِذَا أَمَرْنَا بِهِ لِلنَّظَافَةِ بِإِجْمَاعٍ فَلِأَنْ لَا نَقْرَبَهُ بِالدَّمِ النَّجِسِ أَوْلَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ بُرَيْدَةَ الصَّحَابِيِّ قَالَ: " كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِذَا وُلِدَ لِأَحَدِنَا غُلَامٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَّخَ رَأْسَهُ بِدَمِهَا، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ " وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الرِّسَالَةِ بِقُولِهِ: وَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِخَلُوقٍ بَدَلًا مِنَ الدَّمِ الَّذِي كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 [كِتَاب الْفَرَائِضِ] [بَاب مِيرَاثِ الصُّلْبِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْفَرَائِضِ بَاب مِيرَاثِ الصُّلْبِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا فِي فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ أَنَّ مِيرَاثَ الْوَلَدِ مِنْ وَالِدِهِمْ أَوْ وَالِدَتِهِمْ أَنَّهُ إِذَا تُوُفِّيَ الْأَبُ أَوْ الْأُمُّ وَتَرَكَا وَلَدًا رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] فَإِنْ شَرِكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ وَكَانَ فِيهِمْ ذَكَرٌ بُدِئَ بِفَرِيضَةِ مَنْ شَرِكَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ وَمَنْزِلَةُ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ الذُّكُورِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ كَمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ سَوَاءٌ ذُكُورُهُمْ كَذُكُورِهِمْ وَإِنَاثُهُمْ كَإِنَاثِهِمْ يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ وَيَحْجُبُونَ كَمَا يَحْجُبُونَ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ وَوَلَدُ الْابْنِ وَكَانَ فِي الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ ذَكَرٌ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ مَعَهُ لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ الْابْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ ذَكَرٌ وَكَانَتَا ابْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْبَنَاتِ لِلصُّلْبِ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِبَنَاتِ الْابْنِ مَعَهُنَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ بَنَاتِ الْابْنِ ذَكَرٌ هُوَ مِنْ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ أَوْ هُوَ أَطْرَفُ مِنْهُنَّ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَمَنْ هُوَ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ فَضْلًا إِنْ فَضَلَ فَيَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِابْنَةِ ابْنِهِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ السُّدُسُ فَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الْابْنِ ذَكَرٌ هُوَ مِنْ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ فَلَا فَرِيضَةَ وَلَا سُدُسَ لَهُنَّ وَلَكِنْ إِنْ فَضَلَ بَعْدَ فَرَائِضِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَضْلٌ كَانَ ذَلِكَ الْفَضْلُ لِذَلِكَ الذَّكَرِ وَلِمَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَمَنْ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ أَطْرَفُ مِنْهُمْ شَيْءٌ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] قَالَ مَالِكٌ الْأَطْرَفُ هُوَ الْأَبْعَدُ   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 27 - كِتَابُ الْفَرَائِضِ أَيْ مَسَائِلِ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ أَيْ مُقَدَّرَةٍ لِمَا فِيهَا مِنَ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ فَغَلَبَتْ عَلَى غَيْرِهَا، وَالْفَرْضُ لُغَةً التَّقْدِيرُ وَشَرْعًا نَصِيبُ مَا قُدِّرَ لِلْوَارِثِ، ثُمَّ قِيلَ لِلْعِلْمِ بِمَسَائِلِ الْمِيرَاثِ عِلْمُ الْفَرَائِضِ وَالْعَالَمِ بِهِ فَرَضِيٌّ، وَفِي الْحَدِيثِ: " «أَفَرْضُكُمْ زَيْدٌ» " أَيْ أَعْلَمُكُمْ بِهَذَا النَّوْعِ. 1 - بَابُ مِيرَاثِ الصُّلْبِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا فِي فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ أَنَّ مِيرَاثَ الْوَلَدِ مِنْ وَالِدِهِمْ أَوْ وَالِدَتِهِمْ أَنَّهُ إِذَا تُوُفِّيَ الْأَبُ أَوِ الْأُمُّ وَتَرَكَا وَلَدًا رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذِّكْرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فَفَضْلُهُ وَاخْتِصَاصُهُ بِلُزُومِ مَا لَا يَلْزَمُ الْأُنْثَى مِنَ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ أَيْ لِلذِّكْرِ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ أَوْلَادِكُمْ، فَحَذَفَ الرَّاجِعَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ كَقَوْلِهِمْ: السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ. وَبَدَأَ يَذْكُرُ مِيرَاثَ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْإِنْسَانِ بِوَلَدِهِ أَشَدُّ التَّعَلُّقَاتِ، وَبَدَأَ بِحَظِّ الذَّكَرِ، وَلَمْ يَقُلْ: لِلْأُنْثَيَيْنِ مِثْلُ حَظِّ الذَّكَرِ، أَوِ الْأُنْثَى نِصْفُ حَظِّ الذَّكَرِ لِفَضْلِهِ كَمَا ضُوعِفَ حَظُّهُ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ وَهُوَ السَّبَبُ لِوُرُودِ الْآيَةِ، فَقِيلَ: كَفَى لِلذُّكُورِ أَنْ ضُوعِفَ لَهُمْ نَصِيبُ الْإِنَاثِ فَلَا يُتَمَادَى فِي حَظِّهِمْ حَتَّى يُحْرَمُوا مَعَ إِدْلَائِهِنَّ مِنَ الْقَرَابَةِ بِمِثْلِ مَا يُدْلُونَ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ حَالُ الِاجْتِمَاعِ، أَيْ إِذَا اجْتَمَعَ ذَكَرٌ وَأُنْثَيَانِ كَانَ لَهُ سَهْمَانِ كَمَا أَنَّ لَهُمَا سَهْمَيْنِ، وَأَمَّا فِي حَالِ الِانْفِرَادِ فَالِابْنُ يَأْخُذُ الْمَالَ كُلَّهُ وَالْأُنْثَيَانِ يَأْخُذَانِ الثُّلُثَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ حُكْمَ الِانْفِرَادِ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} [النساء: 11] خُلَّصًا بِمَعْنَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 بَنَاتٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ ابْنٌ. {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] خَبَرٌ ثَانٍ لِـ " كُنَّ " أَوْ صِفَةٌ لِنِسَاءٍ أَيْ نِسَاءً زَائِدَاتٍ عَلَى اثْنَتَيْنِ {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] الْمَيِّتُ وَكَذَا الِاثْنَتَانِ لِأَنَّهُ لِلْأُخْتَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 176] فَالْبِنْتَانِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْبِنْتَ تَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ مَعَ الذَّكَرِ أَوْلَى، وَفَوْقَ قِيلِ صِلَةٌ وَقِيلَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ زِيَادَةِ النَّصِيبِ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ لَمَّا فُهِمَ اسْتِحْقَاقُ الثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ مِنْ جَعْلِ الثُّلُثِ لِلْوَاحِدَةِ مَعَ الذَّكَرِ. {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً} [النساء: 11] مُنْفَرِدَةً {فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِلذَّكَرِ إِذَا انْفَرَدَ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ مِثْلَ حَظِّهِمَا، وَقَدْ جَعَلَ لِلْأُنْثَى النِّصْفَ إِذَا انْفَرَدَتْ فَلِلذَّكَرِ الْمُنْفَرِدِ ضِعْفُ النِّصْفِ وَهُوَ الْكُلُّ. (فَإِنْ شَرِكَهُمْ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالرَّاءِ الْخَفِيفَةِ الْمَكْسُورَةِ (أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 11] وَكَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ (وَكَانَ فِيهِمْ ذَكَرٌ بُدِئَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ (بِفَرِيضَةِ مَنْ شَرِكَهُمْ ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَمَنْزِلَةُ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ الذُّكُورِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ كَمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ سَوَاءٌ ذُكُورُهُمْ كَذُكُورِهِمْ وَإِنَاثُهُمْ كَإِنَاثِهِمْ يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ وَيَحْجُبُونَ) مَنْ دُونَهُمْ فِي الطَّبَقَةِ (كَمَا يَحْجُبُونَ) أَيِ الْأَوْلَادُ مَنْ دُونَهُمْ وَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ: (فَإِنِ اجْتَمَعَ الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ وَوَلَدُ الِابْنِ وَكَانَ فِي الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ ذَكَرٌ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ الِابْنِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَوْلَى مِنَ الْوَلْيِ بِسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ الْقُرْبُ أَيْ لِأَقْرَبِ أَقَارِبِ الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ الْأَقْرَبُ ذَكَرًا. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ ذَكَرٌ وَكَانَتِ ابْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْبَنَاتِ لِلصُّلْبِ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِبَنَاتِ الِابْنِ مَعَهُنَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ هُوَ مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ) مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ هُوَ (أَطْرَفُ) بِالطَّاءِ وَالرَّاءِ وَالْفَاءِ أَبْعَدُ (مِنْهُنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَمَنْ هُوَ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ فَضْلًا) مَفْعُولُ يَرُدُّ (إِنْ فَضَلَ) كَبَنَاتٍ وَزَوْجَةٍ (فَيَقْسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) أَيْ نَصِيبُهُمَا (وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ) كَبَنَاتٍ وَأَبَوَيْنِ (فَلَا شَيْءَ) لَهُمْ لِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) بِنَصِّ الْقُرْآنِ (وَلِابْنَةِ ابْنِهِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ مِمَّنْ هُوَ مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ السُّدُسُ) تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْأَرْبَعَةُ: " سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَائْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام: 56] ، «أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ» ، فَأُخْبِرَ أَبُو مُوسَى بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ " وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَفِي جَوَابِ أَبِي مُوسَى إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا قَالَهُ أَوَّلًا بِاجْتِهَادِهِ. (فَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ هُوَ مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ فَلَا فَرِيضَةَ وَلَا سُدُسَ وَلَكِنْ إِنْ فَضَلَ بَعْدَ فَرَائِضِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَضْلٌ كَانَ ذَلِكَ الْفَضْلُ لِذَلِكَ الذَّكَرِ وَلِمَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ) مِنَ الْمُتَوَفَّى (وَمَنْ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ أَطْرَفُ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ) مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ (فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَذَلِكَ) أَيْ دَلِيلُهُ كُلُّهُ (أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {يُوصِيكُمْ} [النساء: 11] يَأْمُرُكُمْ {اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] بِمَا ذَكَرَ {لِلذَّكَرِ} [النساء: 11] مِنْهُمْ {مِثْلُ حَظِّ} [النساء: 11] نَصِيبِ {الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إِذَا اجْتَمَعَتَا مَعَهُ فَلَهُ نِصْفُ الْمَالِ وَلَهُمَا النِّصْفُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَاحِدَةٌ فَلَهَا الثُّلُثُ وَلَهُ الثُّلُثَانِ وَإِذَا انْفَرَدَ حَازَ الْمَالَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ كَمَا أَشَارَ لَهُ الْإِمَامُ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الِابْنِ فِي لَفْظِ أَوْلَادٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إِرْثِهِمْ دُونَ أَوْلَادِ الْبِنْتِ. {فَإِنْ كُنَّ} [النساء: 11] أَيِ الْأَوْلَادُ {نِسَاءً} [النساء: 11] فَقَطْ {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] الْمَيِّتُ {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً} [النساء: 11] بِالنَّصْبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 وَالرَّفْعِ {فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وَلَا ذِكْرَ لِلْبِنْتَيْنِ فِي الْآيَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَهُمَا النِّصْفُ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ فِي إِعْطَاءِ الْبَنَاتِ الثُّلُثَيْنِ أَنْ يَكُنَّ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُمَا الثُّلُثَانِ فَقِيلَ بِالسُّنَّةِ وَقِيلَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ ; لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْهُمْ سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ الْبَنَاتُ، وَقِيلَ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِلْوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ النِّصْفَ وَلِلثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي آخِرِ السُّورَةِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: بَلْ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِلْبِنْتِ مَعَ الذَّكَرِ الثُّلُثَ فَمَعَ الْأُنْثَى آكَدُ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِهِ وَاحْتِيجَ إِلَى ذِكْرِ مَا فَوْقَ الْأُنْثَيَيْنِ، وَقِيلَ الْمَعْنَى فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا كَقَوْلِهِمْ: رَاكِبُ النَّاقَةِ طَلِيحَانِ، أَيِ النَّاقَةُ وَرَاكِبُهَا. قَالَ ابْنُ الْعُرْسِ: وَفِي الْآيَةِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفَ وَلِمَا فَوْقَ الثُّلُثَيْنِ فَلَمْ تَجُزِ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى. أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " «عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلَمَةَ مَاشِيَيْنِ فَوَجَدَنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَعْقِلُ شَيْئًا فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي مَالِي؟ فَنَزَلَتْ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] » [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 11] وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " «جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدٍ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ فِي أُحُدٍ وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا وَلَا يُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ، فَقَالَ: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ فَأَرْسَلَ إِلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ: اعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ وَأُمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ» " قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي تَقَدُّمِ نُزُولِهَا، وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ فِي قِصَّةِ جَابِرٍ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ بِنْتَيْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ إِذْ لَا مَانِعَ أَنْ تَنْزِلَ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نُزُولُ أَوَّلِهَا فِي قِصَّةِ الْبِنْتَيْنِ وَآخِرِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} [النساء: 12] فِي قِصَّةِ جَابِرٍ، وَيَكُونُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ فَنَزَلَتْ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 11] أَيْ ذِكْرُ الْكَلَالَةِ الْمُتَّصِلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ. انْتَهَى. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَطْرَفُ هُوَ الْأَبْعَدُ.) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 [بَاب مِيرَاثِ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا] قَالَ مَالِكٌ وَمِيرَاثُ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ إِذَا لَمْ تَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ النِّصْفُ فَإِنْ تَرَكَتْ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَلِزَوْجِهَا الرُّبُعُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَمِيرَاثُ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا إِذَا لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ الرُّبُعُ فَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَلِامْرَأَتِهِ الثُّمُنُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]   2 - بَابُ مِيرَاثِ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا (قَالَ مَالِكٌ: وَمِيرَاثُ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا لَمْ تَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 غَيْرِهِ النِّصْفُ فَإِنْ تَرَكَتْ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ) وَإِنْ نَزَلَ (ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَلِزَوْجِهَا الرُّبُعُ) وَدُخُولُ وَلَدِ الِابْنِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ لِأَنَّ لَفْظَ وَلَدٍ يَشْمَلُهُ بِنَاءً عَلَى إِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ (مِنْ بَعْدِ) تَنْفِيذِ (وَصِيَّةٍ تُوصِي بِهَا) الْمَرْأَةُ (أَوْ) قَضَاءِ (دَيْنٍ) عَلَيْهَا، وَتَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً عَنْهُ لِلِاهْتِمَامِ بِهَا (وَمِيرَاثُ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا إِذَا لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ) وَإِنْ نَزَلَ (الرُّبُعُ فَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَلِامْرَأَتِهِ الثُّمُنُ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] أَيْ زَوْجَاتُكُمْ {إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] مِنْكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ وَلَوْ أُنْثَى {فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ} [النساء: 12] أَيِ الزَّوْجَاتِ تَعَدَّدْنَ أَوْ لَا {الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء: 12] مِنْهُنَّ أَوْ مِنْ غَيْرِهِنَّ وَلَوْ أُنْثَى {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَدَخَلَ وَلَدُ الِابْنِ وَإِنْ نَزَلَ فِيهِمَا لِشُمُولِ اللَّفْظِ لَهُ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْوَصِيَّةِ، وَاسْتَدَلَّ بِتَقْدِيمِهَا فِي الذِّكْرِ مَنْ قَالَ بِتَقْدِيمِهَا عَلَى الدَّيْنِ فِي التَّرِكَةِ، وَأَجَابَ مَنْ أَخَّرَهَا بِأَنَّهَا قُدِّمَتْ لِئَلَّا يُتَهَاوَنَ بِهَا، وَاسْتَدَلَّ بِعُمُومِهَا مَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَوِ اسْتَغْرَقَ الْمَالَ، وَمَنْ أَجَازَهَا لِلْوَارِثِ وَالْكَافِرِ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا، وَمَنْ قَالَ إِنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ انْتِقَالَ التَّرِكَةِ إِلَى مِلْكِ الْوَارِثِ، وَمَنْ قَالَ دَيْنُ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: دَيْنٍ، كَذَا فِي الْإِكْلِيلِ فِي اسْتِنْبَاطِ التَّأْوِيلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 [بَاب مِيرَاثِ الْأَبِ وَالْأُمِّ مِنْ وَلَدِهِمَا] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ مِيرَاثَ الْأَبِ مِنْ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ أَنَّهُ إِنْ تَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا فَإِنَّهُ يُبَدَّأُ بِمَنْ شَرَّكَ الْأَبَ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ كَانَ لِلْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُمْ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ فُرِضَ لِلْأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً وَمِيرَاثُ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا إِذَا تُوُفِّيَ ابْنُهَا أَوْ ابْنَتُهَا فَتَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ تَرَكَ مِنْ الْإِخْوَةِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ أَوْ مِنْ أَبٍ أَوْ مِنْ أُمٍّ فَالسُّدُسُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ وَلَا اثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ فَصَاعِدًا فَإِنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ كَامِلًا إِلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ فَقَطْ وَإِحْدَى الْفَرِيضَتَيْنِ أَنْ يُتَوَفَّى رَجُلٌ وَيَتْرُكَ امْرَأَتَهُ وَأَبَوَيْهِ فَلِامْرَأَتِهِ الرُّبُعُ وَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ وَهُوَ الرُّبُعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْأُخْرَى أَنْ تُتَوَفَّى امْرَأَةٌ وَتَتْرُكَ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا فَيَكُونُ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ وَلِأُمِّهَا الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] فَمَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْإِخْوَةَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا   3 - بَابُ مِيرَاثِ الْأَبِ وَالْأُمِّ مِنْ وَلَدِهِمَا (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ (أَنَّ مِيرَاثَ الْأَبِ مِنِ ابْنِهِ وَابْنَتِهِ) فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ (أَنَّهُ إِنْ تَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ) وَإِنْ سَفُلَ حَالَةَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا (ذَكَرًا فَإِنَّهُ يَفْرِضُ لِلْأَبِ السُّدُسَ فَرِيضَةً) وَالْبَاقِي لِلْوَلَدِ الذَّكَرِ أَوِ ابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ أُنْثَى فَلِلْأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً وَالْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ تَعْصِيبًا. (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِمَنْ شَرِكَ الْأَبَ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ كَانَ لِلْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُمُ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ فُرِضَ لِلْأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً) يُعَالُ لَهُ بِهَا وَذَلِكَ فِي الْمِنْبَرِيَّةِ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ وَابْنَتَانِ فَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ سِتَّةَ عَشَرَ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ فَيُعَالُ فِيهَا بِمِثْلِ ثُمُنِهَا فَتَصِيرُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ وَيُنَقَّصُ كُلُّ وَاحِدٍ تُسْعَ مَالِهِ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يُنَقَّصُ عَنِ السُّدُسِ. (وَمِيرَاثُ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا إِذَا تُوُفِّيَ ابْنُهَا أَوِ ابْنَتُهَا فَتَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ تَرَكَ مِنَ الْإِخْوَةِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا مِنْ أُمٍّ وَأَبٍ) أَيْ أَشِقَّاءُ (وَمِنْ أَبٍ) فَقَطْ (أَوْ مِنْ أُمٍّ) فَقَطْ (فَالسُّدُسُ لَهَا) فَرِيضَةً وَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ وَلَا اثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ فَإِنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ كَامِلًا إِلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ فَقَطْ يُقَالُ لَهُمَا الْغَرَّاوَانِ لِأَنَّ الْأُمَّ غُرَّتْ بِإِعْطَائِهَا الثُّلُثَ لَفْظًا لَا حَقِيقَةً. (وَإِحْدَى الْفَرِيضَتَيْنِ أَنْ يُتَوَفَّى رَجُلٌ وَيَتْرُكَ امْرَأَتَهُ وَأَبَوَيْهِ فَلِامْرَأَتِهِ الرُّبُعُ وَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، مِمَّا بَقِيَ وَهُوَ الرُّبُعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) وَالنِّصْفُ لِلْأَبِ (وَالْأُخْرَى) ثَانِيَةُ الْفَرِيضَتَيْنِ (أَنْ تُتَوَفَّى امْرَأَةٌ وَتَتْرُكَ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا فَيَكُونُ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ وَلِأُمِّهَا الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) وَالثُّلُثُ لِلْأَبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 (وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَلِأَبَوَيْهِ} [النساء: 11] أَيِ الْمَيِّتِ {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] بَدَلٌ مِنْ أَبَوَيْهِ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْبَدَلِ إِفَادَةُ أَنَّهُمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ، إِذْ لَوْ قِيلَ لِأَبَوَيْهِ السُّدُسُ لَكَانَ ظَاهِرُهُ اشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ، وَلَوْ قِيلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ السُّدُسُ لَذَهَبَتْ فَائِدَةُ التَّأْكِيدِ وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ، وَلَوْ قِيلَ لِأَبَوَيْهِ السُّدُسَانِ لِأَوْهَمَ قِسْمَةَ السُّدُسَيْنِ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوِيَّةِ وَعَلَى خِلَافِهَا {مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَوِ ابْنُ ابْنٍ بِالشُّمُولِ أَوِ الْإِجْمَاعِ {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] أَبُوهُ وَأُمُّهُ فَغَلَّبَ الذَّكَرَ {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] مِمَّا تَرَكَ، وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: تَأْخُذُهُ كَامِلًا فِي مَسْأَلَةِ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ فَيَزِيدُ مِيرَاثُهَا عَلَى الْأَبِ، أَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُلُثَ مَا بَقِيَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ تَقُولُ بِرَأْيِكَ وَأَنَا رَجُلٌ أَقُولُ بِرَأْيِي، لَكِنَّ رَأْيَ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا لَوْ أَخَذَتِ الثُّلُثَ الْحَقِيقِيَّ فِيهِمَا لَأَدَّى إِلَى مُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْأَبَ أَقْوَى فِي الْإِرْثِ مِنَ الْأُمِّ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ ضِعْفَ حَظِّهَا إِذَا انْفَرَدَ، فَلَوْ أَخَذَتْ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ الثُّلُثَ الْحَقِيقِيَّ فَيَنْقَلِبُ الْحُكْمُ إِلَى أَنَّ لِلْأُنْثَى مِثْلُ حَظِّ الذَّكَرَيْنِ وَلَا نَظِيرَ لِذَلِكَ فِي اجْتِمَاعِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى يُدْلِيَانِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَخُصَّ عُمُومُ الْآيَةِ بِالْقَوَاعِدِ لِأَنَّهَا مِنَ الْقَوَاطِعِ. {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] ذُكُورٌ أَوْ إِنَاثٌ أَشِقَّاءُ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ {فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] مِمَّا تَرَكَ (فَمَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْإِخْوَةَ اثْنَانِ) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَحْجُبُهَا إِلَّا ثَلَاثَةٌ، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: إِنَّ الْأَخَوَيْنِ لَا يَرُدَّانِ الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 11] فَالْأَخَوَانِ لَيْسَا بِلِسَانِ قَوْمِكَ إِخْوَةٌ، فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُغَيِّرَ مَا كَانَ قَبْلِي وَمَضَى فِي الْأَمْصَارِ وَتَوَارَثَ بِهِ النَّاسُ، وَاحْتَجَّ بِالْآيَةِ أَيْضًا مَنْ قَالَ لَا يَحْجُبُهَا الْأَخَوَاتُ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِخْوَةِ خَاصٌّ بِالذُّكُورِ كَالْبِنْتَيْنِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَيْضًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 [بَاب مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ وَلَا مَعَ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا شَيْئًا وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ وَلَا مَعَ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ شَيْئًا وَأَنَّهُمْ يَرِثُونَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ السُّدُسُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فَكَانَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي هَذَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ   4 - بَابُ مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ وَلَا مَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 وَلَدِ الِابْنِ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا شَيْئًا) مَفْعُولُ يَرِثُونَ (وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ وَلَا مَعَ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ شَيْئًا وَأَنَّهُمْ يَرِثُونَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنَ السِّتَّةِ (يُفْرَضُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمُ السُّدُسُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ} [النساء: 12] ثَلَاثَةً {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ) نَصِيبِ (الْأُنْثَى، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ) الْعَزِيزِ {وَإِنْ كَانَ} [النساء: 12] الْمَيِّتُ {رَجُلٌ يُورَثُ} [النساء: 12] مِنْهُ صِفَةٌ لِرَجُلٍ {كَلَالَةً} [النساء: 12] خَبَرُ كَانَ، أَيْ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ مُورَثٌ مِنْهُ كَلَالَةً، أَوْ يُورَثُ خَبَرُ كَانَ وَ (كَلَالَةً) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُورَثُ أَيْ وَلَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ عَلَى الْأَشْهَرِ فِي مَعْنَى الْكَلَالَةِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْكَلَالِ وَهُوَ ذَهَابُ الْقُوَّةِ مِنَ الْإِعْيَاءِ {أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: 12] عَطْفٌ عَلَى رَجُلٍ {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] أَيْ مِنْ أُمٍّ كَمَا قَرَأَ بِهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] ، {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] لِأَنَّهُمْ وَرِثُوا بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَهِيَ لَا تَرِثُ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ (فَكَأَنَّهُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي هَذَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى الشَّرِكَةِ صَرِيحٌ فِي التَّسْوِيَةِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ الْمُرَادَ فِي غَيْرِهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 [بَاب مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ شَيْئًا وَلَا مَعَ وَلَدِ الْابْنِ الذَّكَرِ شَيْئًا وَلَا مَعَ الْأَبِ دِنْيَا شَيْئًا وَهُمْ يَرِثُونَ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الْأَبْنَاءِ مَا لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى جَدًّا أَبَا أَبٍ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ يَكُونُونَ فِيهِ عَصَبَةً يُبْدَأُ بِمَنْ كَانَ لَهُ أَصْلُ فَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى أَبًا وَلَا جَدًّا أَبَا أَبٍ وَلَا وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فُرِضَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أَخٌ ذَكَرٌ فَلَا فَرِيضَةَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَخَوَاتِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيُبْدَأُ بِمَنْ شَرِكَهُمْ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَمَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا شَيْءٌ فَاشْتَرَكُوا فِيهَا مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ هِيَ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا فَكَانَ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ وَلِأُمِّهَا السُّدُسُ وَلِإِخْوَتِهَا لِأُمِّهَا الثُّلُثُ فَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَشْتَرِكُ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إِخْوَةُ الْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ وَإِنَّمَا وَرِثُوا بِالْأُمِّ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فَلِذَلِكَ شُرِّكُوا فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إِخْوَةُ الْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ   5 - بَابُ مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) أَيِ الْأَشِقَّاءَ (لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ شَيْئًا وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ الذَّكَرِ شَيْئًا وَلَا مَعَ الْأَبِ دِنْيَا) بِكَسْرِ الدَّالِّ وَإِسْكَانِ النُّونِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ أَيْ قُرْبًا، احْتِرَازًا مِنَ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ (شَيْئًا وَهُمْ يَرِثُونَ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الْأَبْنَاءِ مَا لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى جَدًّا أَبَا أَبٍ مَا فَضَلَ مِنَ الْمَالِ) مَفْعُولُ يَرِثُونَ (يَكُونُونَ فِيهِ عَصَبَةً يُبْدَأُ بِمَنْ كَانَ لَهُ أَصْلُ فَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ) زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرِيضَةِ (كَانَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) أَيِ الْأَشِقَّاءِ (يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ يُسْقَطُونَ بِاسْتِغْرَاقِ ذَوِي الْفُرُوضِ السِّهَامَ (قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى أَبًا وَلَا جَدًّا أَبَا أَبٍ وَلَا ابْنًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فُرِضَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أَخٌ ذَكَرٌ فَلَا فَرِيضَةَ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَخَوَاتِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يُبْدَأُ بِمَنْ شَرِكَهُمْ) فِي الْمِيرَاثِ (بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَمَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ) أَيِ الْأَشِقَّاءِ (فِيهَا شَيْءٌ) لِاسْتِغْرَاقِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ لِلسِّهَامِ (فَاشْتَرَكُوا مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِيهَا) لِأَنَّ الْأُمَّ تَجْمَعُهُمْ (وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ) الْمُلَقَّبَةُ بِالْحِمَارِيَّةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (هِيَ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأَبِيهَا وَأُمَّهَا فَكَانَ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ) إِذْ لَا وَلَدَ يَحْجُبُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 عَنْهُ (وَلِأُمِّهَا السُّدُسُ وَلِإِخْوَتِهَا لِأُمِّهَا الثُّلُثُ فَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ) لِلْأَشِقَّاءِ فَيَشْتَرِكُ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا إِخْوَةَ الشَّخْصِ (الْمُتَوَفَّى) وَهُوَ الْمَرْأَةُ (لِأُمِّهِ وَإِنَّمَا وَرِثُوا بِالْأُمِّ) فَمَا زَادَهُمُ الْأَبُ إِلَّا قُرْبًا (وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ} [النساء: 12] صِفَةٌ وَالْخَبَرُ {كَلَالَةً} [النساء: 12] أَيْ لَا وَالِدَ لَهُ وَلَا وَلَدَ {أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: 12] تُورَثُ كَلَالَةً (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْرُوثِ كَلَالَةً {أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] أَيْ مِنْ أُمٍّ وَقَرَأَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] مِمَّا تَرَكَ {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ} [النساء: 12] أَيْ مِنْ وَاحِدٍ {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] يَسْتَوِي فِيهِ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ (فَلِذَلِكَ شُرِّكُوا) أَيِ الْأَشِقَّاءُ (فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ) مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ (لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إِخْوَةُ الْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ) فَلِذَا اشْتَرَكُوا فِي الثُّلُثِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 [بَاب مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ كَمَنْزِلَةِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُشَرَّكُونَ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي الْفَرِيضَةِ الَّتِي شَرَّكَهُمْ فِيهَا بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ وِلَادَةِ الْأُمِّ الَّتِي جَمَعَتْ أُولَئِكَ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَكَانَ فِي بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ ذَكَرٌ فَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي الْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ إِلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْإِنَاثِ لَا ذَكَرَ مَعَهُنَّ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَيُفْرَضُ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ تَتِمَّةَ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ ذَكَرٌ فَلَا فَرِيضَةَ لَهُنَّ وَيُبْدَأُ بِأَهْلِ الْفَرَائِضِ الْمُسَمَّاةِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ فَإِنْ كَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ امْرَأَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْإِنَاثِ فُرِضَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَلَا مِيرَاثَ مَعَهُنَّ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ بُدِئَ بِمَنْ شَرَّكَهُمْ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَأُعْطُوا فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَلِبَنِي الْأُمِّ مَعَ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ وَمَعَ بَنِي الْأَبِ لِلْوَاحِدِ السُّدُسُ وَلِلْاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى هُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ   6 - بَابُ مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ) أَيِ الْأَشِقَّاءِ (كَمَنْزِلَةِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُشَرَّكُونَ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي الْفَرِيضَةِ الَّتِي شَرَكَهُمْ فِيهَا بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ) وَهِيَ السَّابِقَةُ فَوْقَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ (لِأَنَّهُمْ) أَيِ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ (خَرَجُوا مِنْ وِلَادَةِ الْأُمِّ) أَيْ إِنَّهَا لَمْ تَلِدْهُمُ الْأُمُّ (الَّتِي جَمَعَتْ أُولَئِكَ) أَيِ الْأَشِقَّاءَ إِذِ الْأُمُّ مُخْتَلِفَةٌ فَلَمْ يَجْتَمِعُوا فِي الْوِلَادَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 فَيُسْقَطُونَ (قَالَ مَالِكٌ) مُوَضِّحًا لِمَا حُكِيَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ: (فَإِنِ اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَكَانَ فِي بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ ذَكَرٌ فَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي الْأَبِ) لِتَقْدِيمِ الْأَشِقَّاءِ عَلَيْهِمْ لِإِدْلَائِهِمْ بِجِهَتَيْنِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ إِلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْإِنَاثِ) اثْنَتَانِ (لَا ذَكَرَ مَعَهُنَّ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ، لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَيُفْرَضُ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ تَتِمَّةَ الثُّلُثَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ ذَكَرٌ فَلَا فَرِيضَةَ لَهُنَّ وَيُبْدَأُ بِأَهْلِ الْفَرَائِضِ الْمُسَمَّاةِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ) فَإِنْ كَانَتْ شَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ أُعْطِيَتِ النِّصْفَ، وَاثْنَتَانِ فَأَكْثَرُ الثُّلُثَيْنِ (فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) كَمَا فِي الْمُشْتَرَكَةِ السَّابِقَةِ (فَإِنْ كَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ امْرَأَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْإِنَاثِ فُرِضَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 176] (وَلَا مِيرَاثَ مَعَهُنَّ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ بُدِئَ بِمَنْ شَرَّكَهُمْ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَأُعْطُوا فَرَائِضَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ يَسْقُطُونَ بِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ (وَلِبَنِي الْأُمِّ مَعَ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ وَمَعَ بَنِي الْأَبِ لِلْوَاحِدِ السُّدُسُ وَلِلِاثْنَيْنِ الثُّلُثُ، لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى هُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ) لِوِرَاثَتِهِمْ بِالْأُمِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 [بَاب مِيرَاثِ الْجَدِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ الْجَدِّ فَكَتَبَ إِلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنْ الْجَدِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ يَقْضِي فِيهِ إِلَّا الْأُمَرَاءُ يَعْنِي الْخُلَفَاءَ وَقَدْ حَضَرْتُ الْخَلِيفَتَيْنِ قَبْلَكَ يُعْطِيَانِهِ النِّصْفَ مَعَ الْأَخِ الْوَاحِدِ وَالثُّلُثَ مَعَ الْاثْنَيْنِ فَإِنْ كَثُرَتْ الْإِخْوَةُ لَمْ يُنَقِّصُوهُ مِنْ الثُّلُثِ   1095 - 1072 الحديث: 1095 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 7 - بَابُ مِيرَاثِ الْجَدِّ - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرَ بْنَ حَرْبٍ الْأُمَوِيَّ (كَتَبَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَفَرْضُكُمْ زَيْدٌ» " (يَسْأَلُهُ عَنِ الْجَدِّ فَكَتَبَ إِلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنِ الْجَدِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ يَقْضِي فِيهِ إِلَّا الْأُمَرَاءُ) يَعْنِي الْخُلَفَاءَ (وَقَدْ حَضَرْتُ الْخَلِيفَتَيْنِ قَبْلَكَ) يَعْنِي عُمَرَ وَعُثْمَانَ (يُعْطِيَانِهِ النِّصْفَ مَعَ الْأَخِ الْوَاحِدِ وَالثُّلُثَ مَعَ الِاثْنَيْنِ فَإِنْ كَثُرَتِ الْإِخْوَةُ لَمْ يُنَقِّصُوهُ مِنَ الثُّلُثِ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: " أَنَّ عُمَرَ قَضَى أَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ مَا كَانَتِ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَثُرَتِ الْإِخْوَةُ أَعْطَى لِلْجَدِّ الثُّلُثَ " وَفِي فَوَائِدِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: " حَفِظْتُ عَنْ عُمَرَ فِي الْجَدِّ مِائَةَ قَضِيَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ " وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُهُمْ، وَتَأَوَّلَهُ الرَّازِيُّ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالِ مَنْ يَرِثُ مَعَ الْجَدِّ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَرُدَّ بِمَا رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنِّي لَأَحْفَظُ عَنْ عُمَرَ فِي الْجَدِّ مِائَةَ قَضِيَّةٍ، كُلُّهَا يَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ لِلْجَدِّ الَّذِي يَفْرِضُ النَّاسُ لَهُ الْيَوْمَ   1096 - 1073 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَهَاءٍ (بْنِ ذُؤَيْبٍ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ مُصَغَّرٌ، الْخُزَاعِيِّ الْمَدَنِيِّ نَزِيلِ دِمَشْقَ مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ وَلَهُ رُؤْيَةٌ مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِينَ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ لِلْجَدِّ الَّذِي الحديث: 1096 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 يَفْرِضُ لَهُ النَّاسُ الْيَوْمَ) مِنْ مُقَاسَمَةِ الْأَخِ الْوَاحِدِ بِالنِّصْفِ، فَإِنْ زَادُوا فَلَهُ الثُّلُثُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ الثُّلُثَ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ لَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ دِنْيَا شَيْئًا وَهُوَ يُفْرَضُ لَهُ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ وَمَعَ ابْنِ الْابْنِ الذَّكَرِ السُّدُسُ فَرِيضَةً وَهُوَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مَا لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى أُمًّا أَوْ أُخْتًا لِأَبِيهِ يُبَدَّأُ بِأَحَدٍ إِنْ شَرَّكَهُ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ فُرِضَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ فَرِيضَةً قَالَ مَالِكٌ وَالْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إِذَا شَرَّكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ يُبَدَّأُ بِمَنْ شَرَّكَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ أَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ لَهُ وَلِلْإِخْوَةِ أَوْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مِنْ الْإِخْوَةِ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ وَلَهُمْ يُقَاسِمُهُمْ بِمِثْلِ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ أَوْ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ الْجَدُّ وَكَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ تَكُونُ قِسْمَتُهُمْ فِيهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَأُخْتَهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا وَجَدَّهَا فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ النِّصْفُ ثُمَّ يُجْمَعُ سُدُسُ الْجَدِّ وَنِصْفُ الْأُخْتِ فَيُقْسَمُ أَثْلَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَكُونُ لِلْجَدِّ ثُلُثَاهُ وَلِلْأُخْتِ ثُلُثُهُ قَالَ مَالِكٌ وَمِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَ الْجَدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَمِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ فَإِذَا اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَإِنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يُعَادُّونَ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهِمْ لِأَبِيهِمْ فَيَمْنَعُونَهُ بِهِمْ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ بِعَدَدِهِمْ وَلَا يُعَادُّونَهُ بِالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجَدِّ غَيْرُهُمْ لَمْ يَرِثُوا مَعَهُ شَيْئًا وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ فَمَا حَصَلَ لِلْإِخْوَةِ مِنْ بَعْدِ حَظِّ الْجَدِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَلَا يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَهُمْ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهَا تُعَادُّ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا مَا كَانُوا فَمَا حَصَلَ لَهُمْ وَلَهَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ لَهَا دُونَهُمْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ فَرِيضَتَهَا وَفَرِيضَتُهَا النِّصْفُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ فَإِنْ كَانَ فِيمَا يُحَازُ لَهَا وَلِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا فَضْلٌ عَنْ نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ فَهُوَ لِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ   1096 - 1074 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ الثُّلُثَ) وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: " كَانَ زَيْدٌ يُشْرِكُ الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ إِلَى الثُّلُثِ فَإِذَا بَلَغَ الثُّلُثَ أَعْطَاهُ وَلِلْإِخْوَةِ مَا بَقِيَ ". (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ لَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ دِنْيَا شَيْئًا) لِإِدْلَائِهِ بِهِ (وَهُوَ يُفْرَضُ لَهُ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ وَمَعَ ابْنِ الِابْنِ الذَّكَرِ السُّدُسُ فَرِيضَةً) كَالْأَبِ وَمَعَ بِنْتٍ أَوْ بِنْتَيِ ابْنٍ وَإِنْ سَفُلَ السُّدُسُ فَرْضًا وَالْبَاقِي تَعْصِيبًا. فَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ وَلَكِنْ خَلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ» ، فَإِنَّهُ أَنْزَلَهُ أَبًا. (وَهُوَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مَا لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى أُمًّا أَوْ أُخْتًا لِأَبِيهِ يُبْدَأُ بِأَحَدٍ إِنْ شَرَّكَهُ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ فُرِضَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ فَرِيضَةً) لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ (قَالَ مَالِكٌ وَالْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إِذَا شَرَّكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ يُبْدَأُ بِمَنْ شَرَّكَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 شَيْءٍ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ أَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ) الْجَدُّ، وَبَيَّنَ الْأَفْضَلَ بِقَوْلِهِ: (الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ لَهُ وَلِلْإِخْوَةِ أَوْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مِنَ الْإِخْوَةِ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ وَلَهُمْ يُقَاسِمُهُمْ بِمِثْلِ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ أَوِ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ، أَيُّ ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ الْجَدُّ، وَكَأَنَّ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ) تُسَمَّى الْأَكْدَرِيَّةَ وَبِالْغَرَّاءِ (تَكُونُ قِسْمَتُهُمْ فِيهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ امْرَأَةٌ تَوَفَّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَأُخْتَهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا) أَيْ شَقِيقَتَهَا وَمِثْلُهَا الْأُخْتُ لِلْأَبِ (وَجَدَّهَا، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ) فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَعَالَتْ إِلَى تِسْعَةٍ (ثُمَّ يُجْمَعُ سُدُسُ الْجَدِّ وَنِصْفُ الْأُخْتِ) الشَّقِيقَةِ أَوِ الَّتِي لِلْأَبِ (فَتُقَسَّمُ أَثْلَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَكُونُ لِلْجَدِّ ثُلُثَاهُ وَلِلْأُخْتِ ثُلُثُهُ) وَالْأَرْبَعَةُ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَلَا تَوَافُقَ، فَتُضْرَبُ الْمَسْأَلَةُ بِعَوْلِهَا تِسْعَةً فِي ثَلَاثَةٍ، فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ، وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ، وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ. (وَمِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَ الْجَدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَمِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَإِنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يُعَادُّونَ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهِمْ لِأَبِيهِمْ فَيَمْنَعُونَهُ بِهِمْ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ بِعَدَدِهِمْ) ثُمَّ يَحْجُبُونَهُمْ، وَعَبَّرَ بِالْمُفَاعَلَةِ لِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 عَلَى الْجَدِّ وَهُوَ يُسْقِطُ عَدَدَهُمْ وَيُعَدُّ الشَّقَائِقُ خَاصَّةً فَحَصَلَ مِنْهُ عَدٌّ لَكِنْ لِلشَّقِيقِ دُونَ مَنْ لِلْأَبِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَفَرَّدَ زَيْدٌ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ فِي مُعَادَّتِهِ الْجَدَّ بِالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَ الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ وَخَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِقَوْلِهِ فِي الْفَرَائِضِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأَبِ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَشِقَّاءِ فَلَا مَعْنَى لِإِدْخَالِهِمْ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ حَيْفٌ عَلَى الْجَدِّ فِي الْمُقَاسَمَةِ. قَالَ: وَقَدْ سَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ زَيْدًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا أَقُولُ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِي كَمَا تَقُولُ أَنْتَ بِرَأْيِكَ. انْتَهَى. (وَلَا يُعَادُّونَ بِالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجَدِّ غَيْرُهُمْ لَمْ يَرِثُوا مَعَهُ شَيْئًا وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ، فَمَا حَصَلَ لِلْإِخْوَةِ مِنْ بَعْدِ حَظِّ الْجَدِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، وَلَا يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَهُمْ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ امْرَأَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهَا تُعَادُّ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا مَا كَانُوا، فَمَا حَصَلَ لَهَا وَلَهُمْ مِنْ شَيْءٍ كَانَ لَهَا دُونَهُمْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ فَرِيضَتَهَا، وَفَرِيضَتُهَا النِّصْفُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا يُحَازُ لَهَا وَلِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا فَضْلٌ عَنْ نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ) الَّذِي اخْتَصَّتْ بِهِ (فَهُوَ لِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 [بَاب مِيرَاثِ الْجَدَّةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ خَرَشَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَتْ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ فَسَأَلَ النَّاسَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ثُمَّ جَاءَتْ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ لَهَا مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قُضِيَ بِهِ إِلَّا لِغَيْرِكِ وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ ذَلِكَ السُّدُسُ فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا»   8 - بَابُ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ 1098 - 1075 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الحديث: 1098 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 خَرَشَةَ) بِمُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ مَفْتُوحَاتٌ، الْعَامِرِيِّ الْمَدَنِيِّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْرِفُ عُثْمَانَ هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَحَسْبُكَ بِرِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ (عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ) الْخُزَاعِيِّ يُكَنَّى أَبَا إِسْحَاقَ وَيُقَالُ أَبَا سَعِيدٍ، وُلِدَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَقِيلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وُلِدَ وَدَعَا لَهُ. وَقِيلَ: وُلِدَ أَوَّلَ سَنَةِ الْهِجْرَةِ وَتَعَقَّبُوهُ. وَذَكَرَهُ ابْنُ شَاهِينَ فِي الصَّحَابَةِ، وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: لَهُ رُؤْيَةٌ، وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَبِلَالٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَغَيْرِهِمْ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالزَّهْرِيُّ وَمَكْحُولٌ وَغَيْرُهُمْ، وَعَدَّهُ أَبُو الزِّنَادِ فِي فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ. وَقِيلَ قَبْلَهَا وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَى مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَجَمَاعَةٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ لَمْ يُدْخِلُوا بَيْنَهُمَا أَحَدًا، وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ أَبُو أُوَيْسٍ. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ: الصَّوَابُ حَدِيثُ مَالِكٍ (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ) أُمُّ الْأُمِّ (إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا) مِنْ وَلَدِ بِنْتِهَا (فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ) عَنْ ذَلِكَ (فَسَأَلَ النَّاسَ) بَعْدَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ كَمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ (فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ) بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، أَسْلَمَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ وَوَلِيَ إِمَارَةَ الْبَصْرَةِ ثُمَّ الْكُوفَةِ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ عَلَى الصَّحِيحِ (حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا السُّدُسَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟) مُرِيدًا زِيَادَةَ التَّثَبُّثِ وَالِاسْتِظْهَارِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَفُشُوِّ الْحَدِيثِ لَا عَدَمَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ (فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ) أَكْبَرُ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكَانَ مِنَ الْفُضَلَاءِ مَاتَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ (فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ فَأَنْفَذَهُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (لَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى) أُمٌّ لِأَبٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ (إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْءٌ، وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قُضِيَ بِهِ) مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلِيفَتِهِ (إِلَّا لِغَيْرِكِ) أَيْ أُمِّ الْأُمِّ (وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 حَتَّى أَقِيسَ (وَلَكِنَّهُ ذَلِكَ السُّدُسُ فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا) بِالسَّوِيَّةِ (وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ) أَيِ انْفَرَدَتْ (فَهُوَ لَهَا) وَفِيهِ أَنَّ الصِّدِّيقَ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَاضٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَقْضَى عُمَرُ فَبَعَثَ شُرَيْحًا إِلَى الْكُوفَةِ قَاضِيًا، وَبَعَثَ كَعْبَ بْنَ سَوْرٍ إِلَى الْبَصْرَةِ قَاضِيًا. وَقَالَ مَالِكٌ: أَوَّلُ مَنِ اسْتَقْضَى مُعَاوِيَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ أَتَتْ الْجَدَّتَانِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ السُّدُسَ لِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَمَا إِنَّكَ تَتْرُكُ الَّتِي لَوْ مَاتَتْ وَهُوَ حَيٌّ كَانَ إِيَّاهَا يَرِثُ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا   1099 - 1076 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّهُ قَالَ: أَتَتِ الْجَدَّتَانِ) أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ (إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ السُّدُسَ لِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ) لِأَنَّهَا الَّتِي أَعْطَاهُ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ أَخْبَرَنِي حَارِثَةُ كَمَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ (أَمَا) بِالْفَتْحِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ (إِنَّكَ تَتْرُكُ الَّتِي لَوْ مَاتَتْ وَهُوَ حَيٌّ كَانَ إِيَّاهَا يَرِثُ) لِأَنَّهُ ابْنُ ابْنِهَا وَتُعْطِي مَنْ لَوْ مَاتَتْ وَهُوَ حَيٌّ لَمْ يَرِثْهَا لِأَنَّهُ ابْنُ بِنْتِهَا. وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ أَعْطَيْتَ الَّتِي لَوْ أَنَّهَا مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا (فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا) وَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ عُمَرَ فَقَالَ: مَا كَانَ الْقَضَاءُ إِلَّا لِغَيْرِكَ. زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ، ثُمَّ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «عَنْ عُبَادَةَ أَنَّ مِنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَضَى لِلْجَدَّتَيْنِ مِنَ الْمِيرَاثِ بَيْنَهُمَا السُّدُسَ سَوَاءٌ» ، قَالَ: وَإِسْحَاقُ عَنْ عُبَادَةَ مُرْسَلٌ أَيْ مُنْقَطِعٌ. الحديث: 1099 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ كَانَ لَا يَفْرِضُ إِلَّا لِلْجَدَّتَيْنِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ دِنْيَا شَيْئًا وَهِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لَهَا السُّدُسُ فَرِيضَةً وَأَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأَبِ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ وَلَا مَعَ الْأَبِ شَيْئًا وَهِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لَهَا السُّدُسُ فَرِيضَةً فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْجَدَّتَانِ أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَلَيْسَ لِلْمُتَوَفَّى دُونَهُمَا أَبٌ وَلَا أُمٌّ قَالَ مَالِكٌ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ إِنْ كَانَتْ أَقْعَدَهُمَا كَانَ لَهَا السُّدُسُ دُونَ أُمِّ الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْأَبِ أَقْعَدَهُمَا أَوْ كَانَتَا فِي الْقُعْدَدِ مِنْ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ الْجَدَّاتِ إِلَّا لِلْجَدَّتَيْنِ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَّثَ الْجَدَّةَ ثُمَّ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَتَاهُ الثَّبَتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَرَّثَ الْجَدَّةَ فَأَنْفَذَهُ لَهَا ثُمَّ أَتَتْ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهَا مَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا قَالَ مَالِكٌ ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا وَرَّثَ غَيْرَ جَدَّتَيْنِ مُنْذُ كَانَ الْإِسْلَامُ إِلَى الْيَوْمِ   1100 - 1077 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ) أَخِي يَحْيَى (أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ كَانَ لَا يَفْرِضُ إِلَّا لِلْجَدَّتَيْنِ) أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ. الحديث: 1100 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ دِنْيَا شَيْئًا) لِإِدْلَائِهَا بِهَا فَحَجَبَتْهَا (وَهِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لَهَا السُّدُسُ فَرِيضَةً وَأَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأَبِ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ) لِأَنَّهَا تُسْقِطُهَا (وَلَا مَعَ الْأَبِ شَيْئًا) لِأَنَّهَا أَدْلَتْ بِهِ (وَهِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لَهَا السُّدُسُ فَرِيضَةً) إِذَا انْفَرَدَتْ (فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْجَدَّتَانِ أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَلَيْسَ لِلْمُتَوَفَّى دُونَهُمَا أَبٌ وَلَا أُمٌّ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ إِذَا كَانَتْ أَقْعَدُهُمَا) أَقْرَبُهُمَا لِلْمُتَوَفَّى (لَهَا السُّدُسُ دُونَ أُمِّ الْأَبِ) أَيِ الْأُمِّ الَّتِي مِنْ جِهَتِهِ وَهِيَ أُمُّ أُمِّهِ (فَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْأَبِ أَقْعَدَهُمَا) أَقْرَبَهُمَا وَالْبُعْدَى إِنَّمَا هِيَ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ (أَوْ كَانَتَا فِي الْقُعْدَدِ) بِضَمِّ الْقَافِ (مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنَ الْجَدَّاتِ إِلَّا لِلْجَدَّتَيْنِ) أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ وَإِنْ عَلَيَا فَإِحْدَاهُمَا مَنْ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ ذَكَرٌ أَصْلًا، وَالثَّانِيَةُ مَنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ذَكَرٌ هُوَ الْأَبُ فَقَطْ، فَأُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ أُمِّهِ وَإِنْ عَلَتْ تَرِثُهَا، وَأَمَّا أُمُّ جَدِّهِ لِأُمِّهِ فَلَا تَرِثُ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا أُمُّ جَدِّهِ لِأَبِيهِ فَلَا تَرِثُ عِنْدَ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ: (لِأَنَّهُ بَلَغَنِي) فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَسْنَدَهُ قَرِيبًا وَهَذَا مِمَّا يُعْطِيكَ أَنَّهُ يُطْلِقُ الْبَلَاغَ عَلَى الصَّحِيحِ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَّثَ الْجَدَّةَ ثُمَّ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ» ) فِي خِلَافَتِهِ (عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَتَاهُ الثَّبَتُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ( «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ وَرَّثَ الْجَدَّةَ» ) أُمَّ الْأُمِّ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ (فَأَنْفَذَ لَهَا ثُمَّ أَتَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى) أُمُّ الْأَبِ (إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 فَقَالَ لَهَا: مَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا أَيَّتُكُمَا خَلَتِ) انْفَرَدَتْ (بِهِ فَهُوَ لَهَا، قَالَ مَالِكٌ: ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا وَرَّثَ غَيْرَ جَدَّتَيْنِ مُنْذُ كَانَ الْإِسْلَامُ إِلَى الْيَوْمِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: مِثْلُهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ تَوْرِيثُ زَيْدٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ وَافَقَهُمْ لِأُمِّ الْجَدِّ لِلْأَبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 [بَاب مِيرَاثِ الْكَلَالَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَلَالَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ آخِرَ سُورَةِ النِّسَاءِ» قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْكَلَالَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي لَا يَرِثُ فِيهَا الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ حَتَّى لَا يَكُونَ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا {يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176] قَالَ مَالِكٌ فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْإِخْوَةُ عَصَبَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فَيَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ فِي الْكَلَالَةِ فَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَ الْإِخْوَةِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى السُّدُسَ وَالْإِخْوَةُ لَا يَرِثُونَ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى شَيْئًا وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَأَحَدِهِمْ وَهُوَ يَأْخُذُ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى فَكَيْفَ لَا يَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَبَنُو الْأُمِّ يَأْخُذُونَ مَعَهُمْ الثُّلُثَ فَالْجَدُّ هُوَ الَّذِي حَجَبَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ وَمَنَعَهُمْ مَكَانُهُ الْمِيرَاثَ فَهُوَ أَوْلَى بِالَّذِي كَانَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ أَجْلِهِ وَلَوْ أَنَّ الْجَدَّ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ الثُّلُثَ أَخَذَهُ بَنُو الْأُمِّ فَإِنَّمَا أَخَذَ مَا لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إِلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَكَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ هُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ الثُّلُثِ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَكَانَ الْجَدُّ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ   9 - بَابُ مِيرَاثِ الْكَلَالَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: هِيَ مَنْ لَمْ يَرِثْهُ أَبٌ وَلَا ابْنٌ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. قَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ: مَا رَأَيْتُهُمْ إِلَّا تَوَاطَئُوا عَلَى ذَلِكَ. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهِيَ مَصْدَرٌ مِنْ تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ أَيْ تَعَطَّفَ النَّسَبُ عَلَيْهِ، وَزَادَ غَيْرُهُ: كَأَنَّهُ أَخَذَ طَرَفَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِمَا أَحَدٌ وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ قَالُوا: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِكْلِيلِ كَأَنَّ الْوَرَثَةَ أَحَاطُوا بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ وَلَا ابْنٌ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ كَلَّ يَكِلُّ، يُقَالُ كَلَّتِ النَّسَبُ إِذَا تَبَاعَدَتْ وَطَالَ انْتِسَابُهَا، وَقِيلَ: الْكَلَالَةُ مَنْ سِوَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ، وَقِيلَ: مَنْ سِوَى الْوَالِدِ، وَقِيلَ: هُمُ الْإِخْوَةُ، وَقِيلَ: مِنَ الْأُمِّ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: سُمِّي الَّذِي لَا وَالِدَ لَهُ كَلَالَةً، وَسُمِّيَ الْوَارِثُ كَلَالَةً، وَسُمِّيَ الْإِرْثُ كَلَالَةً. وَعَنْ عَطَاءٍ: هِيَ الْمَالُ، وَقِيلَ: الْفَرِيضَةُ، وَقِيلَ: الْوَرَثَةُ وَالْمَالُ، وَقِيلَ: بَنُو الْعَمِّ وَنَحْوُهُمْ، وَقِيلَ: الْعَصَبَةُ وَإِنْ بَعُدُوا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَقُلْ فِي الْكَلَالَةِ شَيْئًا. 1101 - 1078 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) مُرْسَلٌ عِنْدَ يَحْيَى وَالْأَكْثَرِ، وَوَصَلَهُ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ ( «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْكَلَالَةِ» ) لِأَنَّهَا وَرَدَتْ بِلَفْظِهَا مَرَّتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ، وَاخْتَلَفَتِ الْوَرَثَةُ فَفِي أَوَّلِ النِّسَاءِ: لِإِخْوَةٍ لِلْأُمِّ، وَفِي آخِرِهَا أَشِقَّاءُ أَوْ لِأَبٍ. الحديث: 1101 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -: يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ آخِرَ سُورَةِ النِّسَاءِ» ) كَذَا لِيَحْيَى، فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْكَلَالَةِ آيَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا فِي الشِّتَاءِ وَهِيَ فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ، وَالْأُخْرَى فِي الصَّيْفِ وَهِيَ الَّتِي فِي آخِرِهَا. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ: " «مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الْكَلَالَةِ، وَمَا أَغْلَظَ لِي فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِيهِ حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: يَا عُمَرُ أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ النِّسَاءِ؟» ". وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَلَالَةُ؟ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الصَّيْفِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] » [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 176] وَفِيهِ فَضْلُ عُمَرَ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ مِمَّنْ يَسْتَنْبِطُ الْمَعَانِيَ مِنَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ رَدَّ ذَلِكَ إِلَى نَظَرِهِ وَاسْتِنْبَاطِهِ بِقَوْلِهِ يَكْفِيكَ. . . إِلَخْ، إِذْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَا يَدْرِي ذَلِكَ لَلَزِمَهُ إِيضَاحُهُ لَهُ، فَطَعَنَ بَعْضُ الْمُلْحِدَةِ عَلَى عُمَرَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مِمَّا بَانَ بِهِ جَهْلُهُمْ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْكَلَالَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ) فِي الشِّتَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 11] (إِلَى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ} [النساء: 12] صِفَةٌ وَالْخَبَرُ (كَلَالَةً) أَوْ " يُورَثُ " خَبَرٌ وَ " كَلَالَةً " حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ {أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: 12] تُورَثُ كَلَالَةً {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] مِنْ أُمٍّ كَمَا قَرَأَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ (فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) مِمَّا تَرَكَ {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ} [النساء: 12] اثْنَيْنِ {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] يَسْتَوِي فِيهِ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ (فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي لَا يَرِثُ فِيهَا الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ حَتَّى لَا يَكُونَ) يُوجَدَ (وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ) لِلْمَيِّتِ (وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ) وَهِيَ الصَّيْفِيَّةُ (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ} [النساء: 176] أَيْ يَسْتَخْبِرُونَكَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 الْكَلَالَةِ، وَالِاسْتِفْتَاءُ طَلَبُ الْفَتْوَى، يُقَالُ اسْتَفْتَيْتُ الرَّجُلَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَانِي فَتْوَى وَفُتْيَا وَهُمَا اسْمَانِ وُضِعَا مَوْضِعَ الْإِفْتَاءِ، وَيُقَالُ أَفْتَيْتُ فُلَانًا فِي رُؤْيَا رَآهَا قَالَ تَعَالَى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 46] [سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 46] وَمَعْنَى الْإِفْتَاءِ إِظْهَارُ الْمُشْكَلِ {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] مُتَعَلِّقٌ بِـ " يُفْتِيكُمْ " عَلَى إِعْمَالِ الثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَصْرِيِّينَ وَلَوْ أَعْمَلَ الْأَوَّلَ لَأَضْمَرَ فِي الثَّانِي، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] [سُورَةُ الْحَاقَّةِ: الْآيَةُ 19] وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «قَالَ رَجُلٌ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَلَالَةُ؟ قَالَ: مَنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا فَوَرَثَتُهُ كَلَالَةٌ» " {إِنِ امْرُؤٌ} [النساء: 176] مَرْفُوعٌ بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ {هَلَكَ} [النساء: 176] مَاتَ {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] رُفِعَ عَلَى الصِّفَةِ أَيْ هَلَكَ امْرُؤٌ غَيْرُ ذِي وَلَدٍ أَيِ ابْنٍ، وَإِنْ وَقَعَ وَلَدٌ عَلَى الْأُنْثَى لِأَنَّ الِابْنَ يُسْقِطُ الْأُخْتَ وَلَا تُسْقِطُهَا الْبِنْتُ {وَلَهُ أُخْتٌ} [النساء: 176] شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] الْمَيِّتُ وَالْفَاءُ جَوَابُ إِنْ. {وَهُوَ يَرِثُهَا} [النساء: 176] جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ دَالَّةٌ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ وَلَيْسَتْ جَوَابًا خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ وَأَبِي زَيْدٍ، وَالضَّمِيرَانِ عَائِدَانِ عَلَى لَفْظِ (امْرُؤٌ وَأُخْتٌ) دُونَ مَعْنَاهُمَا فَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ: وَكُلُّ أُنَاسٍ قَارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ وَنَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَهُ فَهُوَ سَارِبُ وَالْهَالِكُ لَا يَرِثُ فَالْمَعْنَى وَامْرُؤٌ آخَرُ غَيْرُ الْهَالِكِ يَرِثُ أُخْتًا لَهُ أُخْرَى. {إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] ذَكَرٌ فَإِنْ كَانَ فَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلِلْأَخِ مَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ الْبَنَاتِ وَهَذَا فِي الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ لِلْأَبِ، فَإِنْ كَانَ لِأُمٍّ فَفَرْضُهُ السُّدُسُ كَمَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ {فَإِنْ كَانَتَا} [النساء: 176] أَيِ الْأُخْتَانِ {اثْنَتَيْنِ} [النساء: 176] أَيْ فَصَاعِدًا لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي جَابِرٍ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَخَوَاتٌ {فَلَهُمَا} [النساء: 176] أَوْ لَهُنَّ {الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] الْمَيِّتُ {وَإِنْ كَانُوا} [النساء: 176] أَيِ الْوَرَثَةُ بِالْأُخُوَّةِ {إِخْوَةً} [النساء: 176] وَأَخَوَاتٍ فَغَلَّبَ الْمُذَكَّرَ {رِجَالًا وَنِسَاءً} [النساء: 176] ذُكُورًا وَإِنَاثًا {فَلِلذَّكَرِ} [النساء: 176] مِنْهُمْ {مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] حَذَفَ " مِنْهُمْ " لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ} [النساء: 176] شَرَائِعَ دِينِكُمْ {أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا فِي حُكْمِهَا كَذَا قَدَّرَ الْمُبَرِّدُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: " لَا " مَحْذُوفَةٌ بَعْدَ " أَنْ "، وَالتَّقْدِيرُ لِئَلَّا تَضِلُّوا، قَالُوا: وَحَذْفُ " لَا " سَائِغٌ ذَائِعٌ. {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176] يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ بِكُنْهِهَا قَبْلَ كَوْنِهَا وَبَعْدَهُ وَمِنْهُ الْمِيرَاثُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ النِّسَاءِ: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 176] أَيْ مِنَ الْفَرَائِضِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 (قَالَ مَالِكٌ: فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْإِخْوَةُ عَصَبَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ) ذَكَرٌ (فَيَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ فِي الْكَلَالَةِ فَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَ الْإِخْوَةِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ وَذَلِكَ) أَيْ بَيَانُ أَوْلَوِيَّتِهِ (أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى السُّدُسَ) بِاتِّفَاقٍ كَالْأَبِ (وَالْإِخْوَةُ لَا يَرِثُونَ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى شَيْئًا) بَلْ يُسْقِطُونَهُمْ (وَكَيْفَ لَا يَكُونُ) الْجَدُّ (كَأَحَدِهِمْ) أَيِ الْإِخْوَةِ (وَهُوَ يَأْخُذُ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى فَكَيْفَ لَا يَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ) الْأَشِقَّاءِ أَوْ لِأَبٍ (وَبَنُو الْأُمِّ يَأْخُذُونَ مَعَهُمُ الثُّلُثَ، فَالْجَدُّ هُوَ الَّذِي حَجَبَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ وَمَنَعَهُمْ مَكَانُهُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ، أَيْ وُجُودُهُ (الْمِيرَاثَ) مَفْعُولٌ (فَهُوَ أَوْلَى) أَيْ أَحَقُّ (بِالَّذِي كَانَ لَهُمْ) لَوْ لَمْ يَكُنِ الْجَدُّ (لِأَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ أَجْلِهِ، وَلَوْ أَنَّ الْجَدَّ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ الثُّلُثَ أَخَذَهُ بَنُو الْأُمِّ فَإِنَّمَا أَخَذَ مَا لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إِلَى إِخْوَةٍ لِلْأَبِ) لَوْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ (وَكَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ هُمْ أَوْلَى) أَحَقُّ (بِذَلِكَ الثُّلُثِ مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَكَانَ الْجَدُّ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ) وَلَفْظُ أَوْلَى فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَيْسَتْ لِلتَّفْضِيلِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ لَا يُشَارَكُونَ فِيهِ وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَمَّةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَوْلًى لِقُرَيْشٍ كَانَ قَدِيمًا يُقَالُ لَهُ ابْنُ مِرْسَى أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ قَالَ يَا يَرْفَا هَلُمَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِكِتَابٍ كَتَبَهُ فِي شَأْنِ الْعَمَّةِ فَنَسْأَلَ عَنْهَا وَنَسْتَخْبِرَ عَنْهَا فَأَتَاهُ بِهِ يَرْفَا فَدَعَا بِتَوْرٍ أَوْ قَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَمَحَا ذَلِكَ الْكِتَابَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ وَارِثَةً أَقَرَّكِ لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ أَقَرَّكِ   10 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَمَّةِ 1102 - 1079 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ الحديث: 1102 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 الْأَنْصَارِيِّ النَّجَّارِيِّ الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيِّ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَوْلًى لِقُرَيْشٍ كَانَ قَدِيمًا يُقَالُ لَهُ ابْنُ مِرْسِيٍّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ أُخْرَى (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ قَالَ) لِحَاجِبِهِ وَمَوْلَاهُ (يَا يَرْفَا) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْفَاءِ، آخِرُهُ أَلِفٌ، مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَحَجَّ مَعَ عُمَرَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ (هَلُمَّ) أَحْضِرْ (ذَلِكَ الْكِتَابَ لِكِتَابٍ كَتَبَهُ فِي شَأْنِ الْعَمَّةِ فَنَسْأَلَ) فِي جَوَابِ الْأَمْرِ (عَنْهَا وَنَسْتَخْبِرَ) بِمُوَحَّدَةٍ مِنَ الِاسْتِخْبَارِ (فِيهَا) النَّاسَ (فَأَتَى بِهِ يَرْفَا) وَكَأَنَّهُ بَعْدَمَا أَتَاهُ تَغَيَّرَ مَا كَانَ رَآهُ مِنْ سُؤَالِ النَّاسِ فَصَمَّمَ عَلَى مَحْوِهِ (فَدَعَا بِتَوْرٍ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، إِنَاءٌ يُشْبِهُ الطَّشْتَ (أَوْ قَدَحٍ) بِالشَّكِّ أَوِ الْمُرَادُ طَلَبُ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُمَا (فِيهِ مَاءٌ فَمَحَا ذَلِكَ الْكِتَابَ) ثُمَّ قَالَ: (لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ وَارِثَةً أَقَرَّكِ) أَثْبَتَكِ فِي كِتَابِهِ كَمَا أَقَرَّ النِّسَاءَ الْوَارِثَاتِ فِيهِ (لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ أَقَرَّكِ) أَعَادَهُ لِلتَّأْكِيدِ، وَقِيلَ: أَقَرَّكِ حَتَّى أَسْأَلَ وَأَسْتَخْبِرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ كَثِيرًا يَقُولُ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ عَجَبًا لِلْعَمَّةِ تُورَثُ وَلَا تَرِثُ   1103 - 1080 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ) نَسَبَهُ لِجَدِّهِ لِشُهْرَتِهِ (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ كَثِيرًا يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ عَجَبًا لِلْعَمَّةِ تُورَثُ) أَيْ يَرِثُهَا أَبْنَاءُ أَخِيهَا (وَلَا تَرِثُ) مِنْهُمْ شَيْئًا. الحديث: 1103 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 [بَاب مِيرَاثِ وِلَايَةِ الْعَصَبَةِ] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا فِي وِلَايَةِ الْعَصَبَةِ أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأَخُ لِلْأَبِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَبَنُو ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ عَمِّ الْأَبِ أَخِي أَبِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ شَيْءٍ سُئِلْتَ عَنْهُ مِنْ مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُ عَلَى نَحْوِ هَذَا انْسُبْ الْمُتَوَفَّى وَمَنْ يُنَازِعُ فِي وِلَايَتِهِ مِنْ عَصَبَتِهِ فَإِنْ وَجَدْتَ أَحَدًا مِنْهُمْ يَلْقَى الْمُتَوَفَّى إِلَى أَبٍ لَا يَلْقَاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى أَبٍ دُونَهُ فَاجْعَلْ مِيرَاثَهُ لِلَّذِي يَلْقَاهُ إِلَى الْأَبِ الْأَدْنَى دُونَ مَنْ يَلْقَاهُ إِلَى فَوْقِ ذَلِكَ فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ كُلَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ إِلَى أَبٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمْ جَمِيعًا فَانْظُرْ أَقْعَدَهُمْ فِي النَّسَبِ فَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ فَقَطْ فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ لَهُ دُونَ الْأَطْرَافِ وَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ وَأُمٍّ وَإِنْ وَجَدْتَهُمْ مُسْتَوِينَ يَنْتَسِبُونَ مِنْ عَدَدِ الْآبَاءِ إِلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَلْقَوْا نَسَبَ الْمُتَوَفَّى جَمِيعًا وَكَانُوا كُلُّهُمْ جَمِيعًا بَنِي أَبٍ أَوْ بَنِي أَبٍ وَأُمٍّ فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ سَوَاءً وَإِنْ كَانَ وَالِدُ بَعْضِهِمْ أَخَا وَالِدِ الْمُتَوَفَّى لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَكَانَ مَنْ سِوَاهُ مِنْهُمْ إِنَّمَا هُوَ أَخُو أَبِي الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ فَقَطْ فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لِبَنِي أَخِي الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75] قَالَ مَالِكٌ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَأَوْلَى مِنْ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِالْمِيرَاثِ وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي   11 - بَابُ مِيرَاثِ وِلَايَةِ الْعَصَبَةِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ الْأَخِ لِلْأَبِ) لِأَنَّهُ يُدْلِي بِجِهَتَيْنِ (وَالْأَخُ لِلْأَبِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْمَيِّتِ (وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ) لِإِدْلَائِهِمَا بِجِهَتَيْنِ مَعَ اسْتِوَاءِ الدَّرَجَةِ. (وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ (وَبَنُو ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) لِقُرْبِهِمْ (وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) لِإِدْلَائِهِ بِالْجِهَتَيْنِ. (وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ (وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ عَمِّ الْأَبِ أَخِي أَبِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) أَيِ الشَّقِيقِ الْقُرْبِ الْأَوَّلِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ تَقْدِيمَ الشَّقِيقِ إِنَّمَا هُوَ مَعَ التَّسَاوِي، فَإِنْ كَانَ الَّذِي لِلْأَبِ أَقْرَبُ قُدِّمَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ حَيْثُ (قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ سُئِلْتَ) بِفَتْحِ التَّاءِ لِلْخِطَابِ (عَنْهُ مِنْ مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُ عَلَى نَحْوِ هَذَا) أَيْ مِثْلُهُ (انْسُبِ الْمُتَوَفَّى وَمَنْ يُنَازِعُ فِي وِلَايَتِهِ مِنْ عَصَبَتِهِ، فَإِنْ وَجَدْتَ أَحَدًا مِنْهُمْ يَلْقَى الْمُتَوَفَّى إِلَى أَبٍ لَا يَلْقَاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى أَبٍ دُونَهُ فَاجْعَلْ مِيرَاثَهُ لِلَّذِي يَلْقَاهُ إِلَى الْأَبِ الْأَدْنَى دُونَ مَنْ يَلْقَاهُ إِلَى فَوْقِ ذَلِكَ) وَأَفَادَ بِهَذَا أَيْضًا أَنَّ أَوْلَى فِي كَلَامِهِ كُلَّهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ غَيْرِهِ لَا الْمُشَارَكَةُ (فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ كُلَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ إِلَى أَبٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمْ جَمِيعًا فَانْظُرْ أَقْعَدَهُمْ) أَقْرَبَهُمْ (فِي النَّسَبِ فَإِنْ كَانَ) الْأَقْعَدُ (ابْنَ أَبٍ فَقَطْ فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ لَهُ دُونَ الْأَطْرَافِ) أَيِ الْأَبْعَدِ (وَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ وَأُمٍّ) مُبَالَغَةٌ فَلَا شَيْءَ لِلْأَبْعَدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 الشَّقِيقِ مَعَ الْأَقْرَبِ الَّذِي لِأَبٍ (فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ مُسْتَوِينَ يَنْتَسِبُونَ مِنَ الْآبَاءِ إِلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَلْقَوْا نَسَبَ الْمُتَوَفَّى جَمِيعًا وَكَانُوا كُلُّهُمْ جَمِيعًا بَنِي أَبٍ أَوْ بَنِي أَبٍ وَأُمٍّ) مَعًا (فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ سَوَاءً وَإِنْ كَانَ وَالِدُ بَعْضِهِمْ أَخَا وَالِدِ الْمُتَوَفَّى لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَكَانَ مَنْ سِوَاهُ مِنْهُمْ إِنَّمَا هُوَ أَخُو أَبِي الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ فَقَطْ فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لِبَنِي أَخِي الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) لِأَنَّهُ يُدْلِي بِالْجِهَتَيْنِ (دُونَ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ) لِإِدْلَائِهِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ (وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} [الأنفال: 75] ذَوُو الْقُرَابَاتِ {بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75] وَمِنْهُ حِكْمَةُ الْمِيرَاثِ، وَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَ سِيَاقُهَا فِي أَنَّهُمْ أَوْلَى فِي الْإِرْثِ مِنَ التَّوَارُثِ بِالْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لَكِنَّ الْإِمَامَ اسْتَدَلَّ بِعُمُومِ لَفْظِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَيْضًا. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَأَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِالْمِيرَاثِ) فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ فَيَمْنَعُهُمُ الْمِيرَاثَ (وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي) فَيُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 [بَاب مَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُ] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ ابْنَ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْجَدَّ أَبَا الْأُمِّ وَالْعَمَّ أَخَا الْأَبِ لِلْأُمِّ وَالْخَالَ وَالْجَدَّةَ أُمَّ أَبِي الْأُمِّ وَابْنَةَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ لَا يَرِثُونَ بِأَرْحَامِهِمْ شَيْئًا قَالَ وَإِنَّهُ لَا تَرِثُ امْرَأَةٌ هِيَ أَبْعَدُ نَسَبًا مِنْ الْمُتَوَفَّى مِمَّنْ سُمِّيَ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِرَحِمِهَا شَيْئًا وَإِنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ شَيْئًا إِلَّا حَيْثُ سُمِّينَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِيرَاثَ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا وَمِيرَاثَ الْبَنَاتِ مِنْ أَبِيهِنَّ وَمِيرَاثَ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ وَوَرِثَتْ الْجَدَّةُ بِالَّذِي جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَالْمَرْأَةُ تَرِثُ مَنْ أَعْتَقَتْ هِيَ نَفْسُهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5]   12 - بَابُ مَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ) تَأْكِيدٌ لِسَابِقِهِ (وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ ابْنَ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْجَدَّ أَبَا الْأُمِّ وَالْعَمَّ أَخَا الْأَبِ لِلْأُمِّ وَالْخَالَ وَالْجَدَّةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 أُمَّ أَبِي الْأُمِّ وَابْنَةَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ لَا يَرِثُونَ بِأَرْحَامِهِمْ شَيْئًا) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرَهُمْ، بَلْ يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ (وَأَنَّهُ لَا يَرِثُ امْرَأَةً هِيَ أَبْعَدُ نَسَبًا مِنَ الْمُتَوَفَّى مِمَّنْ سُمِّيَ فِي هَذَا الْكِتَابِ) يَعْنِي الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ (بِرَحِمِهَا شَيْئًا وَإِنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ شَيْئًا إِلَّا حَيْثُ سُمِّينَ) فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ (وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِيرَاثَ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا) السُّدُسَ أَوِ الثُّلُثَ (وَمِيرَاثَ الْبَنَاتِ مِنْ أَبِيهِنَّ) وَمِثْلُهُنَّ بَنَاتُ الِابْنِ (وَمِيرَاثَ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا) الرُّبُعَ أَوِ الثُّمُنَ (وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ) فِي قَوْلِهِ: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 176] الْآيَةَ (وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ) فِي آيَةِ الشِّتَاءِ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 11] الْآيَةَ. فَهَؤُلَاءِ الْخَمْسُ نِسْوَةٍ الْوَارِثَاتُ بِنَصِّ الْكِتَابِ بِإِدْخَالِ بَنَاتِ الِابْنِ فِي الْبَنَاتِ حَيْثُ لَا بَنَاتَ (وَوَرِثَتِ الْجَدَّةُ بِالَّذِي جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا) أَنَّهُ أَعْطَاهَا السُّدُسَ (وَ) السَّابِعَةُ (الْمَرْأَةُ تَرِثُ مَنْ أَعْتَقَتْ هِيَ نَفْسُهَا) بِالرَّفْعِ تَأْكِيدٌ (لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَوَالِي الْأُنْثَى الْمُعْتِقَةُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 [بَاب مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ»   13 - بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ 1104 - 1081 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا رَأَيْتُ قُرَشِيًّا الحديث: 1104 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 أَفْضَلَ مِنْهُ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) الْأُمَوِيِّ كَذَا قَالَ مَالِكٌ عُمَرُ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ يَقُولُونَ عَمْرٌو بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَلِابْنِ الْقَاسِمِ عَمْرٌو بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَلِيَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ بِالشَّكِّ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ أَوْ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، وَالثَّالِثُ عَنْ مَالِكٍ عُمَرُ بِضَمِّهَا كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى وَالْأَكْثَرُ، وَذَكَرَ ابْنُ مَهْدِيٍّ أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَهُ: تُرَانِي لَا أَعْرِفُ عُمَرَ مِنْ عَمْرٍو هَذِهِ دَارُ عُمَرَ وَهَذِهِ دَارُ عَمْرٍو، وَلَا خِلَافَ أَنَّ عُثْمَانَ لَهُ ابْنَانِ عُمَرُ وَعَمْرٌو وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَأَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ يَقُولُونَ عَمْرٌو إِلَّا مَالِكًا فَقَالَ عُمَرُ، وَرَاجَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ فَقَالَ هُوَ عُمَرُ وَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ وَقَالَ: كَانَ لِعُثْمَانَ ابْنٌ اسْمُهُ عُمَرُ هَذِهِ دَارُهُ، وَمَالِكٌ لَا يَكَادُ يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ حِفْظًا وَإِتْقَانًا، لَكِنَّ الْغَلَطَ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ وَالْجَمَاعَةُ أَوْلَى أَنْ يُسَلَّمَ لَهَا، وَأَبَى الْمُحَدِّثُونَ أَنْ يَكُونَ إِلَّا عَمْرٌو بِالْوَاوِ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِي: قِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ مَالِكٌ يَقُولُ عُمَرُ فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ كَذَا وَكَذَا مُرَّةً وَتَفَقَّدْتُهُ مِنْهُ فَمَا قَالَ إِلَّا عَمْرٌو، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ خَالَفَ مَالِكٌ النَّاسَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَكَذَا حَكَمَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَلَى مَالِكٍ بِالْوَهْمِ فِيهِ، وَرَوَى أَبُو الْفَضْلِ السُّلَيْمَانِيُّ عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى قُلْتُ لِمَالِكٍ: النَّاسُ يَقُولُونَ إِنَّكَ تُخْطِئُ فِي أَسَامِي الرِّجَالِ تَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَتَقُولُ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو، وَتَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْحَكَمِ وَإِنَّمَا هُوَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ مَالِكٌ: هَكَذَا حَفِظْنَا وَهَكَذَا وَقَعَ فِي كِتَابِي وَنَحْنُ نُخْطِئُ وَمَنْ يَسْلَمُ مِنَ الْخَطَأِ؟ وَقَدْ جَعَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ ذَلِكَ مِثَالًا لِلْمُنْكَرِ، وَتَعَقَّبَهُ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَفَرُّدِ مَالِكٍ مِنْ بَيْنِ الثِّقَاتِ بِاسْمِ هَذَا الرَّاوِي مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثِقَةٌ نَكَارَةُ الْمَتْنِ وَلَا شُذُوذُهُ، بَلِ الْمَتْنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ صَحِيحٌ، غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ السَّنَدُ مُنْكَرًا أَوْ شَاذًّا لِمُخَالَفَةِ الثِّقَاتِ لِمَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَالنَّكَارَةُ تَقَعُ فِي كُلٍّ مِنَ السَّنَدِ وَالْمَتْنِ. (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) الْحِبِّ ابْنِ الْحِبِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» ) وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ هَكَذَا بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ فَاخْتَصَرَهُ مَالِكٌ كَأَنَّهُ قَصَدَ إِلَى النُّكْتَةِ الَّتِي لِلْقَوْلِ فِيهَا مَدْخَلٌ فَقَطَعَ ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ مِنْ صَحِيحِ الْأَثَرِ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةَ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَطَائِفَةً ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ الْكَافِرَ لَا عَكْسَهُ كَمَا نَنْكِحُ نِسَاءَهُمْ وَلَا يَنْكِحُونَ نِسَاءَنَا، وَأَمَّا أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرْثُ الْمُسْلِمَ فَلَا دَخْلَ لِلْقَوْلِ فِيهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ، وَقَدِ احْتَجَّ لَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» " وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ تَفْضِيلُ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْإِرْثِ فَلَا يُتْرَكُ النَّصُّ الصَّرِيحُ لِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالَّذِي عَلَيْهِ سَائِرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ كَمَا أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 الْمُسْلِمَ عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّ الْحُجَّةَ فِيمَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ كِتَابَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ فِيهِ ذَلِكَ فَالسُّنَّةُ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» " بِنَقْلِ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ فَكُلُّ مَنْ خَالَفَهُ مَحْجُوجٌ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ إِنَّمَا وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ قَالَ فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا نَصِيبَنَا مِنْ الشِّعْبِ   1105 - 1082 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الْمُلَقَّبِ بِزَيْنِ الْعَابِدِينَ الْمَدْفُونِ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ عَمِّهِ الْحَسَنِ وَجَدَّتِهِ فَاطِمَةَ وَمَا يُذْكَرُ مِنْ مَشْهَدِهِ لَمْ يَصِحَّ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ إِنَّمَا وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ) عَبْدَ مَنَافٍ، أَوِ اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ وَشَذَّ مَنْ قَالَ اسْمُهُ عِمْرَانُ بَلْ هُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ (عَقِيلٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ الصَّحَابِيُّ، تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ إِلَى الْفَتْحِ وَقِيلَ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهَاجَرَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ (وَطَالِبٌ) الَّذِي يُكَنَّى بِهِ، وَمَاتَ كَافِرًا قَبْلَ بَدْرٍ لِأَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ وَقْتَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ (وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ) وَلَا جَعْفَرٌ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ كَمَا جَاءَ التَّعْلِيلُ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ. (قَالَ) عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ: (فَلِذَلِكَ) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ (تَرَكْنَا نَصِيبَنَا) أَيْ حِصَّةَ جَدِّهِمْ عَلِيٍّ مِنْ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ (مِنَ الشِّعْبِ) بِكَسْرٍ فَإِسْكَانٍ، كَانَ مَنْزِلُ بَنِي هَاشِمٍ غَيْرَ مَسَاكِنِهِمْ، كَانَ لِهَاشِمٍ ثُمَّ صَارَ لِابْنِهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَسَّمَهُ عَبْدُ الْمُطَّلَبِ بَيْنَ بَنِيهِ حِينَ ضَعُفَ بَصَرُهُ وَصَارَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَظُّ أَبِيهِ، كَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ، مَعَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، فَلَعَلَّ أَعْمَامَ الْمُصْطَفَى جَعَلُوا لَهُ حَظَّ أَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، فَيَكُونُ ابْتِدَاءً عَطِيَّةً مِنْ أَعْمَامِهِ، أَوْ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَسَّمَهُ فِي حَيَاةِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا مَاتَ صَارَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَظُّ أَبِيهِ، وَهَذَا عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوَافِقُونَ شَرْعَنَا وَإِلَّا فَلَا إِشْكَالَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ لِمَوْتِ أَبِي طَالِبٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْهِجْرَةَ لَمَّا وَقَعَتِ اسْتَوْلَى عَقِيلٌ وَطَالِبٌ عَلَى مَا خَلَّفَهُ أَبُو طَالِبٍ وَكَانَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَا خَلَّفَهُ أَبُو النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ شَقِيقُهُ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِ جَدِّهِ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ ثُمَّ وَقَعَتِ الْهِجْرَةُ وَلَمْ يُسْلِمْ طَالِبٌ وَتَأَخَّرَ إِسْلَامُ عَقِيلٍ اسْتَوْلَيَا عَلَى مَا خَلَّفَ أَبُو طَالِبٍ وَمَاتَ طَالِبٌ قَبْلَ بَدْرٍ وَتَأَخَّرَ عَقِيلٌ، فَلَمَّا تَقَرَّرَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِتَرْكِ تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَقِيلٍ وَكَانَ عَقِيلٌ قَدْ بَاعَ تِلْكَ الدُّورَ كُلَّهَا وَأَقَرَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِيلًا عَلَى مَا يَخُصُّهُ هُوَ تَفْضِيلًا عَلَيْهِ أَوِ اسْتِمَالَةً تَأْلِيفًا أَوْ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا تُصَحَّحُ أَنْكِحَتُهُمْ. وَحَكَى الْفَاكِهِيُّ أَنَّ الدَّارَ لَمْ تَزَلْ بِيَدِ أَوْلَادِ عَقِيلٍ حَتَّى بَاعُوهَا لِمُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ أَخِي الْحَجَّاجِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ. الحديث: 1105 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمَّةً لَهُ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً تُوُفِّيَتْ وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ ذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَ لَهُ مَنْ يَرِثُهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا ثُمَّ أَتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ أَتُرَانِي نَسِيتُ مَا قَالَ لَكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا   1106 - 1083 الحديث: 1106 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ) بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيَّ الْكُوفِيَّ، ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَوَهِمَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ (أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمَّةً لَهُ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً تُوُفِّيَتْ وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ ذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَ لَهُ: مَنْ يَرِثُهَا؟ قَالَ عُمَرُ: يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا) وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ الْعُرْسِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ خِلَافَ مَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: أَهْلُ الشِّرْكِ نَرِثُهُمْ وَلَا يَرِثُونَا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَلَعَلَّ عُمَرَ رَجَعَ عَنْ هَذَا إِلَى مَا قَبْلَهُ. (ثُمَّ أَتَى عُثْمَانَ) فِي خِلَافَتِهِ (فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَتُرَانِي نَسِيتُ مَا قَالَ لَكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا؟) وَفَائِدَةُ ذِكْرِ هَذَا وَنَحْوِهِ بَعْدَ الْمَرْفُوعِ الْإِشَارَةُ لِبَقَاءِ الْعَمَلِ بِهِ فَلَا يَطْرُقُهُ احْتِمَالُ نَسْخٍ، وَتَابَعَ مَالِكًا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْأَثَرِ ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ كَمَا فِي التَّمْهِيدِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَعْتَقَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَلَكَ قَالَ إِسْمَعِيلُ فَأَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ أَجْعَلَ مَالَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ   1107 - 1084 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ شَيْخِ مَالِكٍ رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ (أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَعْتَقَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَلَكَ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَأَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ أَجْعَلَ مَالَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ. الحديث: 1107 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعََ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ أَبَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُوَرِّثَ أَحَدًا مِنْ الْأَعَاجِمِ إِلَّا أَحَدًا وُلِدَ فِي الْعَرَبِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ حَامِلٌ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ فَوَضَعَتْهُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَهُوَ وَلَدُهَا يَرِثُهَا إِنْ مَاتَتْ وَتَرِثُهُ إِنْ مَاتَ مِيرَاثَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالسُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ بِقَرَابَةٍ وَلَا وَلَاءٍ وَلَا رَحِمٍ وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا يَرِثُ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ وَارِثٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ   1107 - 1085 - (مَالِكٌ عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: أَبَى) أَيِ امْتَنَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 (عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُوَرِّثَ أَحَدًا مِنَ الْأَعَاجِمِ إِلَّا أَحَدًا وُلِدَ فِي الْعَرَبِ) بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْقَرَابَةِ وَإِقْرَارِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَأَمَّا إِذَا عُرِفَ ذَلِكَ وَثَبَتَ بِعُدُولٍ مُسْلِمِينَ فَذَلِكَ كَالْوِلَادَةِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ فَوَضَعَتْهُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَهُوَ وَلَدُهَا يَرِثُهَا إِنْ مَاتَتْ وَتَرِثُهُ إِنْ مَاتَ مِيرَاثُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ) السُّدُسُ أَوِ الثُّلُثُ (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالسُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ بِقَرَابَةٍ وَلَا وَلَاءٍ) أَيْ عِتْقٍ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا أُخِذَ مَالُهُ بِالْمِلْكِ لَا الْإِرْثِ (وَلَا رَحِمَ) عَمَلًا بِعُمُومِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ (وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ) لِأَنَّ مَنْ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ وَارِثًا كَمَا (قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا يَرِثُ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ وَارِثٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ) إِذْ لَا مَعْنَى لِحَجْبِ مَنْ لَا يَرِثُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 [بَاب مَنْ جُهِلَ أَمْرُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَيَوْمَ صِفِّينَ وَيَوْمَ الْحَرَّةِ ثُمَّ كَانَ يَوْمَ قُدَيْدٍ فَلَمْ يُوَرَّثْ أَحَدٌ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا إِلَّا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ صَاحِبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي كُلِّ مُتَوَارِثَيْنِ هَلَكَا بِغَرَقٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْتِ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ لَمْ يَرِثْ أَحَدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا وَكَانَ مِيرَاثُهُمَا لِمَنْ بَقِيَ مِنْ وَرَثَتِهِمَا يَرِثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَثَتُهُ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ أَحَدٌ أَحَدًا بِالشَّكِّ وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ أَحَدًا إِلَّا بِالْيَقِينِ مِنْ الْعِلْمِ وَالشُّهَدَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَهْلَكُ هُوَ وَمَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَبُوهُ فَيَقُولُ بَنُو الرَّجُلِ الْعَرَبِيِّ قَدْ وَرِثَهُ أَبُونَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَرِثُوهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا شَهَادَةٍ إِنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنْ الْأَحْيَاءِ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْأَخَوَانِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَمُوتَانِ وَلِأَحَدِهِمَا وَلَدٌ وَالْآخَرُ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَهُمَا أَخٌ لِأَبِيهِمَا فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَمِيرَاثُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ لِأَخِيهِ لِأَبِيهِ وَلَيْسَ لِبَنِي أَخِيهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ تَهْلَكَ الْعَمَّةُ وَابْنُ أَخِيهَا أَوْ ابْنَةُ الْأَخِ وَعَمُّهَا فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ لَمْ يَرِثْ الْعَمُّ مِنْ ابْنَةِ أَخِيهِ شَيْئًا وَلَا يَرِثُ ابْنُ الْأَخِ مِنْ عَمَّتِهِ شَيْئًا   14 - بَابُ مَنْ جُهِلَ أَمْرُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. 1109 - 1086 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ) يَوْمَ الْخَمِيسِ عَاشِرَ جُمَادَى الْأُولَى وَقِيلَ: خَامِسَ عَشْرَةَ سَنَةَ الحديث: 1109 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، أُضِيفَ إِلَى الْجَمَلِ الَّذِي رَكِبَتْهُ عَائِشَةُ فِي مَسِيرِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ وَاسْمُهُ عَسْكَرٌ، اشْتَرَاهُ لَهَا يَعْلَى بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الصَّحَابِيُّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ بِأَرْبَعِمِائَةٍ، وَخَرَجَتْ مَعَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، مِنْهُمْ أَلْفٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ تَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَلَبِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمُ انْضَمُّوا إِلَى عَسْكَرِ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ رِضًى مِنْهُ لَكِنَّهُ خَشِيَ الْفِتْنَةَ لِكَثْرَتِهِمْ وَتَغَلُّبِهِمْ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ إِلَيْهِمْ فَرَاسَلُوهُ فِي ذَلِكَ فَأَبَى أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمْ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ دَعْوَى مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ بِثُبُوتِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إِلَى الْعَصْرِ قُتِلَ فِيهَا مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ وَقِيلَ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَمِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ نَحْوُ أَلْفٍ، وَقُطِعَ عَلَى خِطَامِ الْجَمَلِ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِينَ كَفًّا مُعْظَمُهُمْ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ، كُلَّمَا قُطِعْتُ يَدُ رَجُلٍ أَخَذَ الْخِطَامَ آخَرُ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ قَائِلُهُمْ: نَحْنُ بَنِي ضَبَّةَ أَصْحَابُ الْجَمَلْ ... نُنَازِعُ الْمَوْتَ إِذَا الْمَوْتُ نَزَلْ وَالْمَوْتُ أَحْلَى عِنْدَنَا مِنَ الْعَسَلْ وَكَانُوا قَدْ أَلْبَسُوهُ الْأَدْرَاعَ إِلَى أَنْ عُقِرَ، فَانْهَزَمُوا فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِحَمْلِ الْهَوْدَجِ مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى فَاحْتَمَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الصِّدِّيقِ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَجَهَّزَ عَلِيٌّ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَ أَخَاهَا مُحَمَّدًا مَعَهَا وَشَيَّعَهَا عَلِيٌّ بِنَفْسِهِ مِيلًا وَسَرَّحَ بَنِيهِ مَعَهَا يَوْمًا. (وَيَوْمَ صِفِّينَ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الشَّدِيدَةِ مَوْضِعٌ قُرْبَ الرَّقَّةِ بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ كَانَتْ بِهِ الْوَقْعَةُ الْعُظْمَى بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ غُرَّةَ صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَمِنْ ثَمَّ احْتَرَزَ النَّاسُ السَّفَرَ فِي صَفَرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا بَايَعَهُ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانِ وَامْتَنَعَ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشَّامِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ مَعَ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ بِالدُّخُولِ فِي الطَّاعَةِ فَأَبَى فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا، فِيهِمْ تِسْعُونَ بَدْرِيًّا وَسَبْعُمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ سَائِرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشَّامِ فِي خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَّا النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَمَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ بِصِفِّينَ وَدَامَتِ الْحَرْبُ مِائَةَ يَوْمٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ سَبْعُونَ أَلْفًا وَمِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَقِيلَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَآلَ الْأَمْرُ فِي مُعَاوِيَةَ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى طَلَبِ التَّحْكِيمِ، ثُمَّ رَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى الْعِرَاقِ فَخَرَجَتْ عَلَيْهِ الْحَرُورِيَّةُ فَقَتَلَهُمْ بِالنَّهْرَوَانِ وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَبَايَعَ ابْنَهُ الْحَسَنَ أَرْبَعُونَ أَلْفًا عَلَى الْمَوْتِ، وَخَرَجَ بِالْعَسَاكِرِ لِقِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ وَخَرَجَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فَوَقَعَ بَيْنَهُمُ الصُّلْحُ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ". (وَيَوْمَ الْحَرَّةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ، أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ كَأَنَّهَا أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ بِظَاهِرِ الْمَدِينَةِ كَانَتْ بِهِ الْوَقْعَةُ بَيْنَ أَهْلِهَا وَبَيْنَ عَسْكَرِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ فَارِسٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَاجِلٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ بِسَبَبِ خَلْعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ، وَوَلَّوْا عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 قُرَيْشٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُطِيعٍ وَعَلَى الْأَنْصَارِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ وَأَخْرَجُوا عَامِلَ يَزِيدَ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، فَأَبَاحَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ أَمِيرُ جَيْشِ يَزِيدَ الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَقْتُلُونَ وَيَأْخُذُونَ النَّهْبَ، وَوَقَعُوا عَلَى النِّسَاءِ حَتَّى قِيلَ حَمَلَتْ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ أَلْفُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ وَافْتُضَّ فِيهَا أَلْفُ عَذْرَاءَ، وَبَلَغَتِ الْقَتْلَى مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ سَبْعَمِائَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ، وَمِنَ الْمَوَالِي وَغَيْرِهِمْ مِنْ نِسَاءٍ وَصِبْيَانَ وَعَبِيدٍ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَقِيلَ: قُتِلَ مِنَ الْقُرَّاءِ سَبْعُمِائَةٍ، ثُمَّ أَخَذَ عُقْبَةُ عَلَيْهِمُ الْبَيْعَةَ لِيَزِيدَ عَلَى أَنَّهُمْ عَبِيدُهُ إِنْ شَاءَ عَتَقَ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ هَذِهِ الْوَقْعَةَ لَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا، ثُمَّ سَارَ إِلَى قِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ فَمَاتَ بِقُدَيْدٍ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْجَيْشِ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ بِعَهْدِ يَزِيدَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَنَزَلَ مَكَّةَ وَحَاصَرَهَا وَرَمَى الْكَعْبَةَ بِالْمَنْجَنِيقِ فَجَاءَ الْخَبَرُ بِمَوْتِ يَزِيدَ فَرَحَلَ بِالْجَيْشِ إِلَى الشَّامِ. (ثُمَّ كَانَ يَوْمُ قُدَيْدٍ) بِضَمِّ الْقَافِ مُصَغَّرٌ مَوْضِعٌ قُرْبَ مَكَّةَ (فَلَمْ يُوَرَّثْ أَحَدٌ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا إِلَّا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ صَاحِبِهِ) إِذْ لَا إِرْثَ بِالشَّكِّ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ (وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي كُلِّ مُتَوَارِثَيْنِ هَلَكَا بِغَرَقٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوْتِ) كَهَدْمٍ (إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ لَمْ يَرْثِ أَحَدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا وَكَانَ مِيرَاثُهُمَا لِمَنْ بَقِيَ مِنْ وَرَثَتِهِمَا يَرِثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَثَتُهُ مِنَ الْأَحْيَاءِ) الْمَوْجُودِينَ بَعْدَهُ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي) لَا يَصِحُّ (أَنْ يَرِثَ أَحَدٌ أَحَدًا بِالشَّكِّ وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ أَحَدًا إِلَّا بِالْيَقِينِ مِنَ الْعِلْمِ وَالشُّهَدَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَهْلِكُ هُوَ وَمَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَبُوهُ فَيَقُولُ بَنُو الرَّجُلِ الْعَرَبِيِّ) أَيِ الَّذِي أَعْتَقَ (قَدْ وَرِثَهُ أَبُونَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَرِثُوهُ) بَدَلٌ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَنُكْتَتُهُ وَصْفُهُ بِقَوْلِهِ (بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا شَهَادَةٍ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ) بَلْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ (وَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنَ الْأَحْيَاءِ) أَيْ أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 (وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْأَخَوَانِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَمُوتَانِ وَلِأَحَدِهِمَا وَلَدٌ وَالْآخِرُ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَهُمَا أَخٌ لِأَبِيهِمَا فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ الْآخَرِ فَمِيرَاثُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ لِأَخِيهِ لِأَبِيهِ وَلَيْسَ لِبَنِي أَخِيهِ وَأُمِّهِ شَيْءٌ) لِتَقْدِيمِ الْأَخِ عَلَى ابْنِ الْأَخِ (وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ تَهْلِكَ الْعَمَّةُ وَابْنُ أَخِيهَا أَوِ ابْنَةُ الْأَخِ وَعَمُّهَا فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ لَمْ يَرِثِ الْعَمُّ مِنِ ابْنَةِ أَخِيهِ شَيْئًا) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (وَلَا يَرِثُ الْأَخُ مِنْ عَمَّتِهِ شَيْئًا) فِي الثَّانِيَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 [بَاب مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا إِنَّهُ إِذَا مَاتَ وَرِثَتْهُ أُمُّهُ حَقَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَيَرِثُ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً وَرِثَتْ حَقَّهَا وَوَرِثَ إِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ   15 - بَابُ مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَى الْمُلَاعَنَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَهِيَ الَّتِي وَقَعَ اللِّعَانُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا. 1087 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَى: إِنَّهُ إِذَا مَاتَ وَرِثَتْهُ أُمُّهُ حَقَّهَا) بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ وَرِثَتْهُ (فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) السُّدُسَ أَوِ الثُّلُثَ (وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ) السُّدُسَ لِلْوَاحِدِ وَالثُّلُثَ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا (وَتَرِثُ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً) أَيْ مُعْتَقَةً (وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً) أَيْ حُرَّةً أَصْلِيَّةً (وَرِثَتْ حَقَّهَا وَوَرِثَ إِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ بَيْتِ الْمَالِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا   1088 - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 - (قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ مُرْسَلِ مَكْحُولٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " «جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا» " وَعِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ وَائِلَةَ رَفَعَهُ: " «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ: عَتِيقَهَا، وَلَقِيطَهَا، وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ فِيهِ» "، وَفِي إِسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ رُوبَةَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ فَمُوَحَّدَةٍ، مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَيَأْتِي فِي اللِّعَانِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ مَالِكٍ الْآتِي فِي اللِّعَانِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» ". وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 [كِتَاب النِّكَاحِ] [بَاب مَا جَاءَ فِي الْخِطْبَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب النِّكَاحِ بَاب مَا جَاءَ فِي الْخِطْبَةِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ»   28 - كِتَابُ النِّكَاحِ هُوَ لُغَةً الضَّمُّ وَالتَّدَاخُلُ، وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ، هُوَ الْوَطْءُ حَقِيقَةً وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ: إِذَا سَقَى اللَّهُ قَوْمًا صَوْبَ غَادِيَةٍ ... فَلَا سَقَى اللَّهُ أَرْضَ الْكُوفَةِ الْمَطَرَا التَّارِكِينَ عَلَى طُهْرٍ نِسَاءَهُمُو ... وَالنَّاكِحِينَ بِشَطَّيْ دِجْلَةَ الْبَقَرَا وَهُوَ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ ضَمٌّ وَالنِّكَاحُ هُوَ الضَّمُّ حَقِيقَةً، قَالَ: ضَمَمْتُ إِلَى صَدْرِي مُعَطَّرَ صَدْرِهَا ... كَمَا نَكَحَتْ أُمُّ الْغُلَامِ صَبِيَّهَا أَيْ كَمَا ضَمَّتْ أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فَجَازَتِ الِاسْتِعَارَةُ لِذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُهُ لُزُومُ شَيْءٍ لِشَيْءٍ مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِ، وَيَكُونُ فِي الْمَحْسُوسِ وَالْمَعَانِي، قَالُوا: نَكَحَ الْمَطَرُ الْأَرْضَ، وَنَكَحَ النُّعَاسُ الْعَيْنَ، وَتَنَكَّحْتُ الْقَمْحَ فِي الْأَرْضِ إِذَا حَرَثْتَهَا وَبَذَرْتَهُ فِيهَا، وَنَكَحَتِ الْحَصَاةَ أَخْفَافُ الْإِبِلِ. قَالَ الْمُتَنَبِّي: أَنْكَحْتُ صُمَّ حَصَاهَا خُفَّ يَعْمَلَةٍ ... تَغَشْمَرَتْ بِي إِلَيْكَ السَّهْلَ وَالْجَبَلَا وَالْيَعْمَلَةُ بِفَتْحِ الْيَاءِ النَّاقَةُ الْمَطْبُوعَةُ عَلَى الْعَمَلِ، وَالتَّغَشْمُرُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ الْأَخْذُ قَهْرًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ نُكْحُ الْمَرْأَةِ بِضَمِّ النُّونِ بُضْعُهَا، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْفَرْجِ، فَإِذَا قَالُوا نَكَحَهَا أَرَادُوا أَصَابَ نُكْحَهَا أَيْ فَرْجَهَا. وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْفَارِسِيَّ عَنْ قَوْلِهِمْ نَكَحَهَا فَقَالَ: فَرَّقَتِ الْعَرَبُ فَرْقًا لَطِيفًا يُعْرَفُ بِهِ مَوْضِعُ الْعَقْدِ مِنَ الْوَطْءِ، إِذَا قَالُوا: نَكَحَ فُلَانٌ فُلَانَةً أَوْ بِنْتَ فُلَانٍ أَوْ أُخْتَهُ أَرَادُوا تَزَوَّجَهَا وَعَقَدَ عَلَيْهَا. وَإِذَا قَالُوا: نَكَحَ امْرَأَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ لَمْ يُرِيدُوا إِلَّا الْمُجَامَعَةَ لِأَنَّ بِذِكْرِ الْمَرْأَةِ أَوِ الزَّوْجَةِ يُسْتَغْنَى عَنِ الْعَقْدِ، قَالَ الْأُبِّيُّ: وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَيَتَعَيَّنُ الْمَقْصُودُ بِالْقَرَائِنِ الَّتِي ذَكَرَ الْفَارِسِيُّ. وَفِي حَقِيقَتِهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَاحْتُجَّ لَهُ بِكَثْرَةِ وُرُودِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِلْعَقْدِ حَتَّى قِيلَ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِلْعَقْدِ وَلَا يَرِدُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 230] لِأَنَّ شَرْطَ الْوَطْءِ فِي التَّحْلِيلِ إِنَّمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنَ الْعَقْدِ ; لِأَنَّ مَعْنَى تَنْكِحُ تَتَزَوَّجُ أَيْ يُعْقَدُ عَلَيْهَا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ بِمُجَرَّدِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 لَكِنْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْعَقْدِ مِنْ ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: لَمْ يَرِدِ النِّكَاحُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِلتَّزْوِيجِ إِلَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 6] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحُلُمُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ. وَالثَّالِثُ: حَقِيقَةٌ فِيهِمَا بِالِاشْتِرَاكِ وَيَتَعَيَّنُ الْمَقْصُودُ بِالْقَرِينَةِ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ، وَذَكَرَ ابْنُ الْقَطَّاعِ لِلنِّكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ اسْمٍ، وَفَوَائِدُهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا أَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ وَقَضَاءِ الْوَطَرِ بِنَيْلِ اللَّذَّةِ وَالتَّمَتُّعِ بِالنِّعْمَةِ وَهَذِهِ هِيَ الْفَائِدَةُ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ إِذْ لَا تَنَاسُلَ فِيهَا، وَمِنْهَا غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ النَّاسِ عَنِ الْحَرَامِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخِطْبَةِ. بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْتِمَاسُ النِّكَاحِ. 1111 - 1089 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ، ابْنِ مُنْقِذٍ بِالْقَافِ وَالْمُعْجَمَةِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ فَقِيهٌ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» ) بِرَفْعِ يَخْطُبُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ النَّهْيِ، قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: الْمَنْعُ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الرُّكُونِ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حِينَ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ خَطَبَهَا ثَلَاثَةٌ فَلَمْ يُنْكِرْ دُخُولَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيَأْتِي تَفْسِيرُ الرُّكُونِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ " أَخِيهِ " دَلِيلٌ أَنَّ الْأَوَّلَ مُسْلِمٌ، فَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا لَمْ يُمْنَعْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّ ذِكْرَ الْأَخِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ امْتِثَالًا، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِيذَاءِ وَالتَّقَاطُعِ. الحديث: 1111 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» قَالَ مَالِك وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَتَرْكَنَ إِلَيْهِ وَيَتَّفِقَانِ عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ مَعْلُومٍ وَقَدْ تَرَاضَيَا فَهِيَ تَشْتَرِطُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهَا فَتِلْكَ الَّتِي نَهَى أَنْ يَخْطُبَهَا الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُوَافِقْهَا أَمْرُهُ وَلَمْ تَرْكَنْ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَخْطُبَهَا أَحَدٌ فَهَذَا بَابُ فَسَادٍ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ   1112 - 1090 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» ) الْمُسْلِمِ، وَكَذَا الذِّمِّيُّ. زَادَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «حَتَّى يَتْرُكَ الحديث: 1112 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: النَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْفَاسِقِ، أَمَّا الْفَاسِقُ فَيُخْطَبُ عَلَى خِطْبَتِهِ، قَالَ عِيَاضٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ. انْتَهَى. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى فِسْقِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ، وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا ابْنُ جُرَيْجٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَاللَّيْثُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَزَادَ: إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ، وَأَيُّوبُ، ثَلَاثَتُهُمْ عِنْدَ مُسْلِمٍ، الْأَرْبَعَةُ عَنْ نَافِعٍ. (قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بِمَا أَرَادَ ( «لَا يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَتَرْكَنَ إِلَيْهِ وَيَتَّفِقَانِ» ) بِالنُّونِ اسْتِئْنَافٌ وَفِي نُسَخٍ بِحَذْفِهَا عَطْفٌ عَلَى " يَخْطُبْ " (عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ مَعْلُومٍ وَقَدْ تَرَاضَيَا) عَلَى ذَلِكَ (فَهِيَ تَشْتَرِطُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهَا) وَوَلِيُّ الْمُجْبَرَةِ مِثْلُهَا فِي هَذَا (فَتِلْكَ الَّتِي نَهَى) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنْ يَخْطُبَهَا الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَمْ يَعْنِ) لَمْ يُرِدْ (بِذَلِكَ إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُوَافِقْهَا أَمْرُهُ وَلَمْ تَرْكَنْ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَخْطُبَهَا أَحَدٌ فَهَذَا بَابُ فَسَادٍ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ) لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الضِّيقِ الْمَرْفُوعِ مِنَ الدِّينِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: اخْتُلِفَ فِي أَنَّ الرُّكُونَ الرِّضَا بِالزَّوْجِ أَوْ تَسْمِيَةُ الصَّدَاقِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا النَّهْيُ إِذَا أَذِنَتْ لِوَلِيِّ الْعَقْدِ أَنْ يَعْقِدَ لِرَجُلٍ مُعَيَّنٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْخَاطِبَ بَعْدَ الرُّكُونِ عَاصٍ، وَاخْتُلِفَ إِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِي صُورَةِ النَّهْيِ هَلْ يُفْسِدُ الْعَقْدَ أَمْ لَا؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ: يَمْضِي الْعَقْدُ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ لِلْوُجُوبِ أَيْ لِلْكَرَاهَةِ أَوِ الْحَظْرِ وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ، وَلَهُ ثَالِثٌ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، حَكَاهَا أَبُو عُمَرَ، قَالَ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا إِنَّكِ عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا وَرِزْقًا وَنَحْوَ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ   1113 - 1091 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ) الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ} [البقرة: 235] لَوَّحْتُمْ الحديث: 1113 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 {بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] فِي عِدَّةٍ غَيْرِ رَجْعِيَّةٍ (أَوْ أَكْنَنْتُمْ) أَضْمَرْتُمْ (فِي أَنْفُسِكُمْ) فِي قَصْدِ نِكَاحِهِنَّ فَلَمْ تَذْكُرُوهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ لَا مُعَرِّضِينَ وَلَا مُصَرِّحِينَ {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} [البقرة: 235] أَيْ بِالْخِطْبَةِ وَلَا تَصْبِرُونَ عَنْهُنَّ فَأَبَاحَ لَكُمُ التَّعْرِيضَ {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] أَيْ مَا عُرِفَ شَرْعًا مِنَ التَّعْرِيضِ فَلَكُمْ ذَلِكَ، وَالسِّرُّ النِّكَاحُ، قَالَ الشَّاعِرُ: لَقَدْ زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي كَبِرْتُ ... وَأَنْ لَا يُحْسِنُ السِّرَّ أَمْثَالِي فَالتَّعْرِيضُ (أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا) وَكَذَا مِنْ طَلَاقِهِ الْبَائِنِ لَا الرَّجْعِيِّ، فَيَحْرُمُ فِيهَا التَّعْرِيضُ إِجْمَاعًا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ (إِنَّكِ عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ) نَفِيسَةٌ عَزِيزَةٌ جَمْعُهَا كَرِيمَاتٌ وَكَرَائِمُ (إِنِّي فِيكِ لِرَاغِبٌ) أَيْ مُرِيدٌ وَكَانَ تَعْرِيضًا لِأَنَّ الرَّغْبَةَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا حَتَّى يُصَرِّحَ بِمُتَعَلِّقِ الرَّغْبَةِ كَأَنْ يَقُولَ رَاغِبٌ فِي نِكَاحِكِ (وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا وَرِزْقًا، وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ) الَّذِي لَا تَصْرِيحَ فِيهِ، كَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي وَمَنْ يَجِدُ مِثْلَكِ. وَفِي مُسْلِمٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي» " وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّعْرِيضِ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي أُرِيدُ التَّزَوُّجَ وَلَوَدِدْتُ أَنْ يَتَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ. انْتَهَى. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 [بَاب اسْتِئْذَانِ الْبِكْرِ وَالْأَيِّمِ فِي أَنْفُسِهِمَا] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا»   2 - بَابُ اسْتِئْذَانِ الْبِكْرِ وَالْأَيِّمِ فِي أَنْفُسِهِمَا الْأَيِّمُ بِكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ لُغَةً مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا. قَالَ الشَّاعِرُ: لَقَدْ إِمْتُ حَتَّى لَامَنِي كُلُّ صَاحِبٍ ... رَجَاءَ سُلَيْمَى أَنْ تَئِيمَ كَمَا إِمْتُ وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّيِّبُ. 1114 - 1092 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ) بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الحديث: 1114 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ مِنْ طَبَقَةِ الزُّهْرِيِّ (عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ) بْنِ عَدِيٍّ النَّوْفَلِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ فَاضِلٌ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، رَوَى لَهُ الْكُلُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» ) لَفْظَةُ أَحَقُّ لِلْمُشَارَكَةِ أَيْ إِنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ حَقًّا وَلِوَلِيِّهَا، وَحَقُّهَا آكَدُ مِنْ حَقِّهِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ. وَقَالَ عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ أَنَّ الْمُرَادَ أَحَقُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ عَقْدٍ وَغَيْرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِالرِّضَا أَنْ لَا تُزَوَّجَ حَتَّى تَنْطِقَ بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْبِكْرِ، لَكِنْ لَمَّا صَحَّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» " مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ تَعَيَّنَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَحَقُّ بِالرِّضَا دُونَ الْعَقْدِ وَأَنَّ حَقَّ الْوَلِيِّ فِي الْعَقْدِ، وَدَلَّ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ الْمُقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ أَنَّ لِوَلِيِّهَا حَقًّا آكَدُ، وَحَقُّهَا أَنْ لَا يَتِمَّ ذَلِكَ إِلَّا بِرِضَاهَا، قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْأَيِّمِ هُنَا مَعَ اتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى إِطْلَاقِهِ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، حَكَاهُ الْحَرْبِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا، فَقَالَ عُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَكَافَّةُ الْفُقَهَاءِ: الْمُرَادُ الثَّيِّبُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَوِ الْمُعَلَّقَةُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، وَلِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الثِّقَاتِ رَوَوْهُ بِلَفْظِ الثَّيِّبِ وَلِمُقَابَلَتِهِ بِالْبِكْرِ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَزُفَرُ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ: الْأَيِّمُ هُنَا عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا بَالِغَةً فَعَقْدُهَا عَلَى نَفْسِهَا جَائِزٌ، وَلَيْسَ الْوَلِيُّ مِنْ أَرْكَانِ صِحَّةِ الْعَقْدِ بَلْ مِنْ تَمَامِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِفَصْلِ الْأَيِّمِ مِنَ الْبِكْرِ مَعْنًى. (وَالْبِكْرُ) الْبَالِغُ، وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ مَالِكٍ وَالْيَتِيمَةُ مَكَانَ الْبِكْرِ (تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا) أَيْ يَسْتَأْذِنُهَا وَلِيُّهَا أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا (وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا) بِالضَّمِّ سُكُوتُهَا، قَالَ الْقُطْرُبِيُّ: هَذَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرَاعَاةً لِتَمَامِ صَوْنِهَا وَإِبْقَاءً لِاسْتِحْيَائِهَا، لِأَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ صَرِيحًا لَظُنَّ أَنَّهَا رَاغِبَةٌ فِي الرِّجَالِ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ فِي الْبِكْرِ، وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ أَنْ تُعَلَّمَ: صُمَاتُهَا إِذْنٌ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي حَمْلِ الْبِكْرِ هُنَا عَلَى الْيَتِيمَةِ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَحَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَوْ ذَاتَ أَبٍ، لَكِنْ عَلَى النَّدْبِ لَا الْوُجُوبِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَوْزَاعِيُّ: يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي كُلِّ بِكْرٍ، وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ وَلِيَّ الْبِكْرِ أَحَقُّ بِهَا مِنْ نَفْسِهَا لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا قُيِّدَ بِأَخَصِّ أَوْصَافِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ، فَقَوْلُهُ فِي الثَّيِّبِ " أَحَقُّ بِنَفْسِهَا " جَمَعَ نَصًّا وَدَلَالَةً، وَالْعَمَلُ بِالدَّلَالَةِ وَاجِبٌ كَوُجُوبِهِ بِالنَّصِّ، وَإِنَّمَا شَرَعَ لِلْوَلِيِّ اسْتِئْذَانَهَا تَطْيِيبًا لَهَا لَا وُجُوبًا، بِدَلِيلِ جَعْلِهِ صُمَاتَهَا إِذْنَهَا، وَالصُّمَاتُ لَيْسَ بِإِذْنٍ وَإِنَّمَا جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْتَحِي أَنْ تُفْصِحَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَيَحْيَى التَّمِيمِيِّ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 الْفَضْلِ بِإِسْنَادِهِ بِلَفْظِ: " «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا " وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» " وَرُبَّمَا قَالَ وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ رَفِيعٌ، أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ. رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الْجِلَّةِ كَشُعْبَةَ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَيَحْيَى الْقَطَّانِ، قِيلَ: وَرَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا يَصِحُّ، وَقَالَ عِيَاضٌ: رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَكْثَرُ أَقْرَانِهِ وَمَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَاللَّيْثِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ السُّلْطَانِ   1114 - 1093 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا) كَالْأَبِ (أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: هُوَ الرَّجُلُ مِنَ الْعَشِيرَةِ أَوِ ابْنُ الْعَمِّ أَوِ الْمَوَالِي، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْهُ أَنَّهُ الرَّجُلُ مِنْ عَصَبَتِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْعَشِيرَةُ قَدْ تَعْظُمُ إِنَّمَا هُوَ الرَّجُلُ الْبَطْنُ أَوْ مِنْ بَطْنِ مَنْ أَعْتَقَهَا لِأَنَّ الْبَطْنَ أَلْصَقُ مِنَ الْعَشِيرَةِ (أَوِ السُّلْطَانِ) لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مَنْ لَهُ حَاكِمٌ مِنْ إِمَامٍ أَوْ قَاضٍ فَيُزَوِّجُهَا مَعَ عَدَمِ الْوَلِيِّ، أَمَّا مَعَهُ فَرَوَى أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ حَتَّى يَسْأَلَهُ فَإِنِ امْتَنَعَ لِغَيْرِ عُذْرٍ زَوَّجَهَا، فَإِنْ بَدَرَ السُّلْطَانُ أَوْ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا فَأَنْكَحَهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَمْضِي، وَرَأَى حَدِيثَ عُمَرَ عَلَى الْمُسَاوَاةِ، حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَدَّهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَرَدَّ قَوْلَ مَالِكٍ بِتَقْدِيمِ الْأَبْعَدِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ مِنَ الْقَرَابَةِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِ عُمَرَ هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَجُوزُ إِنْكَاحُهُ إِذَا أَصَابَ وَجْهَ النِّكَاحُ مِنَ الْكُفْءِ وَالصَّلَاحِ، وَقَالَ آخَرُونَ: عَلَى التَّرْتِيبِ لَا التَّخْيِيرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَا يُنْكِحَانِ بَنَاتِهِمَا الْأَبْكَارَ وَلَا يَسْتَأْمِرَانِهِنَّ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نِكَاحِ الْأَبْكَارِ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِلْبِكْرِ جَوَازٌ فِي مَالِهَا حَتَّى تَدْخُلَ بَيْتَهَا وَيُعْرَفَ مِنْ حَالِهَا   1114 - 1094 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَا يُنْكِحَانِ بَنَاتِهِمَا الْأَبْكَارَ) الْبَالِغَاتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَلَا يَسْتَأْمِرَانِهِنَّ) أَيْ يَسْتَأْذِنَانِهِنَّ إِذْ غَيْرُ الْبَالِغِ لَا يَسْتَأْمِرُهَا الْأَبُ (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نِكَاحِ الْأَبْكَارِ) أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُنَّ، فَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى الْيَتِيمَةِ كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 (وَلَيْسَ لِلْبِكْرِ جَوَازٌ فِي مَالِهَا حَتَّى تَدْخُلَ بَيْتَهَا) عِنْدَ زَوْجِهَا (وَيُعْرَفُ مِنْ حَالِهَا) الرُّشْدُ وَالصَّلَاحُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا   1114 - 1095 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا: إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا) لِأَنَّهُ يُجْبِرُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 [بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ فَقَالَ مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا فَقَالَ مَا أَجِدُ شَيْئًا قَالَ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ فَقَالَ نَعَمْ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ»   3 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ بِفَتْحِ الصَّادِ فِي لُغَةِ الْأَكْثَرِ، وَالثَّانِيَةُ: كَسْرُهَا وَيُجْمَعُ عَلَى صُدُقٍ بِضَمَّتَيْنِ، وَالثَّالِثَةُ: لُغَةُ الْحِجَازِ صَدُقَةٍ بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّ الدَّالِ وَتُجْمَعُ عَلَى صَدُقَاتٍ عَلَى لَفْظِهَا، وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} [النساء: 4] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 4] وَالرَّابِعَةُ: لُغَةُ تَمِيمٍ صُدْقَةٌ وَالْجَمْعُ صُدُقَاتٍ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرُفَاتٍ فِي وُجُوهِهَا. وَالْخَامِسَةُ: صَدْقَةٌ وَجَمْعُهَا صُدَقٌ مِثْلُ قَرْيَةٍ وَقُرَى، وَأَصْدَقَهَا بِالْأَلِفِ أَعْطَاهَا صَدَاقَهَا، وَالْحِبَاءُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ الْإِعْطَاءُ بِلَا عِوَضٍ. 1118 - 1096 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ، سَلَمَةَ (بْنِ دِينَارٍ) الْمَدَنِيِّ الْعَابِدِ الثِّقَةِ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ) بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ (السَّاعِدِيِّ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ، مَاتَ وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ، وَقِيلَ بَعْدَهَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَطَّاعِ فِي الْأَحْكَامِ: إِنَّهَا خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ أَوْ أُمُّ شَرِيكٍ أَوْ مَيْمُونَةُ - نَقَلَهُ مِنِ اسْمِ الْوَاهِبَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 50] وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَةِ: وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ( «فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ الحديث: 1118 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ» ) بِلَامِ التَّمْلِيكِ اسْتُعْمِلَتْ هُنَا فِي تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ، أَيْ وَهَبْتُ أَمْرَ نَفْسِي لَكَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْحَقِيقَةُ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْحُرِّ لَا تُمَلَّكُ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: أَتَزَوَّجُكَ بِلَا صَدَاقٍ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ (فَقَامَتْ طَوِيلًا) نَعْتٌ لِلْمَصْدَرِ أَيْ قِيَامًا، سُمِّيَ مَصْدَرًا لِأَنَّهُ اسْمُ الْفِعْلِ أَوْ عَدَدُهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَهَذَا قَامَ فَسُمِّيَ بِاسْمِ مَا وَقَعَ مَوْقِعَهُ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ " فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ " (فَقَامَ رَجُلٌ) لَمْ يَعْرِفِ الْحَافِظُ اسْمَهُ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا) لَمْ يَقُلْ هَبْهَا لِي لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 50] فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ صَدَاقٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} [النساء: 4] قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَيْ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِالْفَرِيضَةِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 5] وَقَالَ فِي الْإِمَاءِ {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 25] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 5] يَعْنِي مُهُورَهُنَّ، وَإِنِ اقْتَضَى الْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ الْبَدَلُ بِهِ وَالْعِوَضُ يَجُوزُ هِبَتُهُ، لَكِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بُضْعَ النِّسَاءِ إِلَّا بِالْمَهْرِ وَأَنَّ الْمَوْهُوبَةَ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ. (إِنْ لَمْ تَكُنْ) بِفَوْقِيَّةٍ (لَكَ بِهَا حَاجَةٌ) بِزَوَاجِهَا وَفِيهِ حُسْنُ أَدَبِهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ) بِزِيَادَةِ مِنْ فِي الْمُبْتَدَأِ، وَالْخَبَرُ مُتَعَلَّقُ الظَّرْفِ، وَجُمْلَةُ (تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ) فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ لِـ " شَيْءٍ "، وَيَجُوزُ جَزْمُهُ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ وَتُصْدِقُ يَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ، ثَانِيهُمَا " إِيَّاهُ "، وَهُوَ الْعَائِدُ مِنَ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ. (فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: فَلَهَا نِصْفُهُ قَالَ وَمَا لَهُ رِدَاءٌ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ» ) جَوَابُ الشَّرْطِ وَلَا نَافِيَةٌ وَالِاسْمُ مَبْنِيٌّ مَعَ لَا، وَلَكَ يَتَعَلَّقُ بِالْخَبَرِ أَيْ وَلَا إِزَارَ كَائِنٌ لَكَ فَتَنْكَشِفُ عَوْرَتُكَ، وَفِيهِ أَنَّ إِصْدَاقَ الشَّيْءِ يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ، فَمَنْ أَصْدَقَ جَارِيَتَهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، وَأَنَّ شَرْطَ الْمَبِيعِ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَرْعًا، سَوَاءٌ امْتَنَعَ حِسًّا كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ أَوْ شَرْعًا فَقَطْ كَالْمَرْهُونِ، وَمِثْلُ هَذَا الَّذِي لَوْ زَالَ إِزَارُهُ انْكَشَفَ وَفِيهِ نَظَرُ الْكَبِيرِ فِي مَصَالِحِ الْقَوْمِ وَهِدَايَتُهُمْ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّفْقِ بِهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: مَا تَصْنَعُ - أَيِ: الْمَرْأَةُ - بِإِزَارِكَ، إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ (فَالْتَمَسَ شَيْئًا) فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ (فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا، قَالَ: الْتَمِسْ) اطْلُبْ (وَلَوْ خَاتَمًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 مِنْ حَدِيدٍ) قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لَا التَّحْدِيدِ لِأَنَّ الرَّجُلَ نَفَى قَبْلَ ذَلِكَ وُجُودَ شَيْءٍ وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ خَاتَمِ حَدِيدٍ، وَقِيلَ: لَعَلَّهُ إِنَّمَا طَلَبَ مِنْهُ مَا يُقَدِّمُهُ لَا أَنَّ جَمِيعَ الْمَهْرِ خَاتَمُ حَدِيدٍ، وَهَذَا يُضَعِّفُهُ اسْتِحْبَابُ مَالِكٍ تَقْدِيمَ رُبُعِ دِينَارٍ لَا أَقَلَّ، وَفِيهِ جَوَازُ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ فَأَجَازَهُ قَوْمٌ إِذْ لَمْ يَثْبُتِ النَّهْيُ عَنْهُ، وَمَنَعَهُ قَوْمٌ وَقَالُوا: كَانَ هَذَا قَبْلَ النَّهْيِ وَقَبْلَ قَوْلِهِ " إِنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ " (فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَفِي أُخْرَى: فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ فَرَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ لَهُ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ) مَعِي (سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا) بِالتَّكْرَارِ وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثًا (لِسُوَرٍ سَمَّاهَا) فِي فَوَائِدِ تَمَّامٍ: أَنَّهَا سَبْعٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ أَوِ الَّتِي تَلِيهَا بِأَوْ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: الْبَقَرَةُ وَسُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ، وَلِأَبِي الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] وَفِي فَوَائِدِ أَبِي عُمَرَ بْنِ حَيَّوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَعِي أَرْبَعُ سُوَرٍ أَوْ خَمْسُ سُوَرٍ، وَفِي أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُكَ، وَجُمِعَ بَيْنَهَا بِأَنَّ كُلًّا مِنَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ أَوْ تَعَدَّدَتِ الْقِصَّةُ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا) وَلِلتِّنِّيسِيِّ: زَوَّجْنَاكَهَا. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: مَلَّكْتُكَهَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هِيَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ زَوَّجْتُكَهَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُحْتَمَلُ صِحَّةُ الْوَجْهَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ جَرَى ذِكْرُ التَّزْوِيجِ أَوَّلًا ثُمَّ لَفْظُ التَّمْلِيكِ ثَانِيًا أَيْ إِنَّهُ مَلَكَ عِصْمَتَهَا بِالتَّزْوِيجِ السَّابِقِ (بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ) الْبَاءُ لِلْعِوَضِ كَبِعْتُكَ ثَوْبِي بِدِينَارٍ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ أَنْكَحَهَا بِحِفْظِهِ الْقُرْآنَ أَيْ إِنَّ الْبَاءَ سَبَبِيَّةٌ إِكْرَامًا لِلْقُرْآنِ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِمَعْنَى الْمَوْهُوبَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَقَالَ عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَظْهَرُهُمَا أَنْ يُعَلِّمَهَا مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ قَدْرًا مِنْهُ وَيَكُونُ صَدَاقُهَا تَعْلِيمَهُ إِيَّاهَا، وَجَاءَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ مَنَافِعَ الْأَعْيَانِ تَكُونُ صَدَاقًا. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: اذْهَبْ فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ: فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاللَّيْثُ وَمَكْحُولٌ: هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْبَاءُ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ لِمَا حَفِظْتَ مِنَ الْقُرْآنِ وَصِرْتَ لَهَا كُفُؤًا فِي الدِّينِ وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ. انْتَهَى. وَقَدْ حُكِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ، وَهُمَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ فِي مَذْهَبِهِ، وَدَلِيلُهُ مَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ السَّكَنِ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ الْأَزْدِيِّ الصَّحَابِيِّ قَالَ: " «زَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً عَلَى سُورَةٍ مِنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 الْقُرْآنِ وَقَالَ: لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَكِ مَهْرًا» " وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا جَوَازُ جَعْلِ الصَّدَاقِ مَنَافِعَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَنْكَحَهَا لَهُ لِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ إِذْ رَضِيَهُ لَهَا وَيَبْقَى ذِكْرُ الْمَهْرِ مَسْكُوتًا عَنْهُ إِمَّا لِأَنَّهُ أَصْدَقَ عَنْهُ كَمَا كَفَّرَ عَنِ الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ وَوَدَى الْمَقْتُولَ بِخَيْبَرَ إِذْ لَمْ يُحَلِّفْ أَهْلَهُ رِفْقًا بِأُمَّتِهِ، أَوْ أَبْقَى الصَّدَاقَ فِي ذِمَّتِهِ وَأَنْكَحَهُ تَفْوِيضًا حَتَّى يَجِدَ صَدَاقًا أَوْ يَتَكَسَّبَهُ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَلْيَحْرِصْ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَفَضْلِ أَهْلِهِ وَشَفَاعَتِهِمْ بِهِ. وَأَشَارَ الدَّاوُدِيُّ إِلَى أَنَّهُ أَنْكَحَهَا بِلَا مَشُورَتِهَا وَلَا صَدَاقٍ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِذَا احْتَمَلَ هَذَا كُلَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِجَوَازِ النِّكَاحِ بِلَا صَدَاقٍ وَبِمَا لَا قَدْرَ لَهُ اهـ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ: " «وَقَدْ أَنْكَحْتُكَهَا عَلَى أَنْ تُقْرِيَهَا وَتُعَلِّمَهَا وَإِذَا رَزَقَكَ اللَّهُ عَوَّضْتَهَا، فَتَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ عَلَى ذَلِكَ» " وَهَذَا قَدْ يُقَوِّي ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ، وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا حَدِيثُ الصَّحِيحِ: " «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» " وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «مُعَلِّمِي صِبْيَانِكُمْ شِرَارُكُمْ أَقَلُّهُ رَحْمَةً بِالْيَتِيمِ وَأَغْلَظُهُ عَلَى الْمِسْكِينِ» " وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي الْمُعَلِّمِينَ؟ قَالَ: دِرْهَمُهُمْ حَرَامٌ وَقُوتُهُمْ سُحْتٌ وَكَلَامُهُمْ رِيَاءٌ» ". وَحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ فَأَهْدَى لَهُ قَوْسًا فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنْ سَرَّكَ أَنْ يُطَوِّقَكَ اللَّهُ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهُ» ". وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ. وَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ هَذِهِ أَحَادِيثُ مُنْكَرَةٌ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ: " «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ وَلَا تَسْتَكْثِرُوا» " قَالَ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِأَنَّهُ عَلَّمَهُ لِلَّهِ ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِ أَجْرًا وَنَحْوَ هَذَا. وَرَوَى حَدِيثَ الْبَابِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، وَأَحْسَنُهُمْ لَهُ سِيَاقَةً مَالِكٌ وَهُوَ يَدْخُلُ فِي التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدِ لِقَوْلِهِ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} [الأحزاب: 50] [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 50] الْآيَةَ. انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَأَبُو غَسَّانَ وَفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَزَائِدَةُ وَحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، قَائِلًا: يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ زَائِدَةَ قَالَ: " «انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ» " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ: تَزَوَّجْ وَلَوْ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ» ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ غُرْمًا عَلَى وَلِيِّهَا لِزَوْجِهَا إِذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا هُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ مَنْ يُرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَأَمَّا إِذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا ابْنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى أَوْ مِنْ الْعَشِيرَةِ مِمَّنْ يُرَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ وَتَرُدُّ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا وَيَتْرُكُ لَهَا قَدْرَ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ   1119 - 1097 الحديث: 1119 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ) زَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِسَنَدِهِ: أَوْ قَرْنٌ (فَمَسَّهَا) غَيْرَ عَالِمٍ (فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ مَصْدَرُ غَرِمَ إِذَا أَدَّى (عَلَى وَلِيِّهَا، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ غُرْمًا عَلَى وَلِيِّهَا لِزَوْجِهَا إِذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا هُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا) مِنَ الْأَوْلِيَاءِ (فَأَمَّا إِذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا ابْنُ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى أَوْ مِنَ الْعَشِيرَةِ مِمَّنْ يُرَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ وَتَرُدُّ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا وَيَتْرُكُ لَهَا قَدْرَ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ) رُبُعُ دِينَارٍ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِئَلَّا يَخْلُوَ الْبُضْعُ عَنْ صَدَاقٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُمُّهَا بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَتْ تَحْتَ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَمَاتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَابْتَغَتْ أُمُّهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا صَدَاقٌ لَمْ نُمْسِكْهُ وَلَمْ نَظْلِمْهَا فَأَبَتْ أُمُّهَا أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَضَى أَنْ لَا صَدَاقَ لَهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ   1120 - 1098 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ الْقُرَشِيِّ، وُلِدَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ وَكَانَ مِنْ شُجْعَانِ قُرَيْشٍ وَفُرْسَانِهِمْ قُتِلَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ (وَأُمُّهَا بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ) أَخِي عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَهَا وَاسْتُشْهِدَ قَبْلَهُ (كَانَتْ تَحْتَ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا) بَلْ عَقَدَ عَلَيْهَا تَفْوِيضًا (فَابْتَغَتْ) طَلَبَتْ (أُمُّهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا صَدَاقٌ لَمْ نُمْسِكْهُ وَلَمْ نَظْلِمْهَا فَأَبَتْ أُمُّهَا أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ) مِنِ ابْنِ عُمَرَ (فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ زَيْدَ بْنَ الحديث: 1120 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 ثَابِتٍ) حَكَمًا (فَقَضَى أَنْ لَا صَدَاقَ لَهَا لِبَقَاءِ بُضْعِهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ) بِالْمَوْتِ، وَبِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: يَجِبُ الصَّدَاقُ بِالْمَوْتِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ عِنْدَنَا، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ: " «أَنَّ بِرْوَعَ بِنْتَ وَاشِقٍ نُكِحَتْ بِلَا مَهْرٍ فَمَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا فَقَضَى لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَهْرِ نِسَائِهَا وَبِالْمِيرَاثِ» " لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي خِلَافَتِهِ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ أَنَّ كُلَّ مَا اشْتَرَطَ الْمُنْكِحُ مَنْ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ حِبَاءٍ أَوْ كَرَامَةٍ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ إِنْ ابْتَغَتْهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يُنْكِحُهَا أَبُوهَا وَيَشْتَرِطُ فِي صَدَاقِهَا الْحِبَاءَ يُحْبَى بِهِ إِنَّ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ يَقَعُ بِهِ النِّكَاحُ فَهُوَ لِابْنَتِهِ إِنْ ابْتَغَتْهُ وَإِنْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلِزَوْجِهَا شَطْرُ الْحِبَاءِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ النِّكَاحُ قَالَ مَالِك فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَهُ صَغِيرًا لَا مَالَ لَهُ إِنَّ الصَّدَاقَ عَلَى أَبِيهِ إِذَا كَانَ الْغُلَامُ يَوْمَ تَزَوَّجَ لَا مَالَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْغُلَامِ مَالٌ فَالصَّدَاقُ فِي مَالِ الْغُلَامِ إِلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْأَبُ أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ النِّكَاحُ ثَابِتٌ عَلَى الْابْنِ إِذَا كَانَ صَغِيرًا وَكَانَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ قَالَ مَالِك فِي طَلَاقِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَهِيَ بِكْرٌ فَيَعْفُو أَبُوهَا عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِزَوْجِهَا مِنْ أَبِيهَا فِيمَا وَضَعَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] فَهُنَّ النِّسَاءُ اللَّاتِي قَدْ دُخِلَ بِهِنَّ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فَهُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ فَتُسْلِمُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا إِنَّهُ لَا صَدَاقَ لَهَا قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ بِأَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ   1120 - 1099 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا جَاءَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي خِلَافَتِهِ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ أَنَّ كُلَّ مَا اشْتَرَطَ الْمُنْكِحُ) بِكَسْرِ الْكَافِ (مَنْ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ حِبَاءٍ) بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ: عَطِيَّةٌ بِلَا عِوَضٍ (أَوْ كَرَامَةٍ) شَيْءٌ يُكْرَمُ بِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ (فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ إِنِ ابْتَغَتْهُ) طَلَبَتْهُ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ عَلَى صَدَاقٍ أَوْ حِبَاءٍ أَوْ عِدَّةٍ قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لَهَا، وَمَا كَانَ بَعْدَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لِمَنْ أُعْطِيَهُ، وَأَحَقُّ مَا أُكْرِمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ ابْنَتُهُ أَوْ أُخْتُهُ» " (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يُنْكِحُهَا) بِضَمِّ الْيَاءِ يُزَوِّجُهَا (أَبُوهَا وَيُشْتَرَطُ فِي صَدَاقِهَا الْحِبَاءُ يُحْبَى بِهِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ يَقَعُ بِهِ النِّكَاحُ فَهُوَ لِابْنَتِهِ إِنْ) وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ إِذَا (ابْتَغَتْهُ) لَا إِنْ تَرَكَتْهُ لِأَبِيهَا، زَادَ الْمُوَطَّأُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ: وَإِنْ أَعْطَاهُ بَعْدَمَا زَوَّجَهُ فَإِنَّمَا هِيَ تَكْرِمَةٌ أَكْرَمَهُ بِهَا فَلَا شَيْءَ لِابْنَتِهِ فِيهَا. (وَإِنْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلِزَوْجِهَا شَطْرُ) أَيْ نِصْفُ (الْحِبَاءِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ النِّكَاحُ) لِأَنَّهُ مِنَ الصَّدَاقِ وَهُوَ يَتَشَطَّرُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَهُ صَغِيرًا، لَا مَالَ لَهُ: أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَى أَبِيهِ إِذَا كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 الْغُلَامُ) الْمَذْكُورُ (يَوْمَ تَزَوَّجَ لَا مَالَ لَهُ) زِيَادَةُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ قَبْلُ لَا مَالَ لَهُ أَعَادَهُ لِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَ لِلْغُلَامِ مَالٌ فَالصَّدَاقُ فِي مَالِ الْغُلَامِ إِلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْأَبُ أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَيْهِ) فَعَلَى الْأَبِ (وَذَلِكَ النِّكَاحُ ثَابِتٌ عَلَى الِابْنِ إِذَا كَانَ صَغِيرًا وَكَانَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ) لَكِنْ إِنَّمَا يَجْبُرُهُ لِغِبْطَةٍ عَلَى الْمَنْصُوصِ كَشَرِيفَةٍ أَوِ ابْنَةِ عَمٍّ أَوْ ذَاتِ مَالٍ. (قَالَ مَالِكٌ فِي طَلَاقِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَهِيَ بِكْرٌ فَيَعْفُوَ أَبُوهَا عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِزَوْجِهَا مِنْ أَبِيهَا فِيمَا وَضَعَ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ) : {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 237] (" إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ " فَهُنَّ النِّسَاءُ اللَّاتِي قَدْ دُخِلَ بِهِنَّ " {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] " فَهُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ، وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) أَيْ مَعْنَى الْآيَةِ (وَعَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ. زَادَ مَالِكٌ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُوَطَّأِ وَفِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الصَّدَاقِ إِلَّا الْأَبَ لَا وَصِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ، وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إِلَى أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ وَعَفْوُهُ بِإِتْمَامِ الصَّدَاقِ، وَقَالَ بِكُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ جَمَاعَةٌ، وَاحْتَجَّ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ مَا قَالُوهُ مَرْوِيٌّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِأَنَّ إِسْقَاطَ الْوَلِيِّ مَا لِمُوَلِّيَتِهِ عَلَى خِلَافِ الْأُصُولِ. وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ بِلَا إِخْبَارٍ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ. وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ الْحُكْمَ الْوِلَايَةُ تَصَرُّفُ الْوَلِيِّ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَفْوُ أَحْسَنَ لِلْبِنْتِ فَيَحْصُلُ لَهَا بِذَلِكَ مَصْلَحَةٌ وَهِيَ رَغْبَةُ الْأَزْوَاجِ فِيهَا إِذَا سَمِعُوا بِعَفْوِ الْأَبِ عَنِ الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ، وَقَدْ يَطَّلِعُ الْوَلِيُّ عَلَى أَنَّهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ يَرْغَبُ فِيهَا مَنْ فِي صِلَتِهِ غِبْطَةٌ عَظِيمَةٌ، وَلَنَا وُجُوهٌ مِنْهَا أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا: بِيَدِهِ كَذَا، أَيْ: يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَالزَّوْجُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي الْحَلِّ، وَالْوَلِيُّ الْآنَ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي النِّكَاحِ فَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ دُونَ الزَّوْجِ سَلَّمْنَا أَنَّ الزَّوْجَ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا كَانَ وَانْقَضَى وَذَلِكَ مَجَازٌ، وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَعُقْدَةُ النِّكَاحِ الْآنَ بِيَدِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 237] الرَّشِيدَاتُ بِلَا خِلَافٍ إِذِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا لَا يُنْفِذُ الشَّرْعُ تَصَرُّفَهَا، فَالَّذِي يَحْسُنُ فِي مُقَابَلَتِهِنَّ مِنَ الْمَحْجُورَاتِ فِي أَيْدِي أَوْلِيَائِهِنَّ، أَمَّا بِالْأَزْوَاجِ فَلَا مُنَاسَبَةَ. وَمِنْهَا أَنَّ الْخِطَابَ مَعَ الْأَزْوَاجِ لِقَوْلِهِ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 237] وَهُوَ خِطَابُ مُشَافَهَةٍ، فَلَوْ كَانُوا مُرَادِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 237] وَهُوَ خِطَابُ غَيْبَةٍ - لَلَزِمَ تَغْيِيرُ الْكَلَامِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَضُعِّفَ هَذَا الْوَجْهُ بِوُرُودِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: 22] [سُورَةُ يُونُسَ: الْآيَةُ 22] وَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ: تَطَاوَلَ لَيْلُكِ بِالْإِثْمِدِ ... وَنَامَ الْخَلِيُّ وَلَمْ تَرْقُدِ وَبَاتَ وَبَاتَتْ لَهُ لَيْلَةٌ ... كَلَيْلَةِ ذِي الْعَائِرِ الْأَرْمَدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ إِقَامَةَ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ الْأَصْلُ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الزَّوْجَ لَقِيلَ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ تَعْفُوا عَمَّا اسْتُحِقَّ لَكُمْ فَلَمَّا عَدَلَ عَنِ الظَّاهِرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُمْ. وَمِنْهَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ بِأَوِ التَّشْرِيكُ فِي الْمَعْنَى فَقَوْلُهُ: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] مَعْنَاهُ الْإِسْقَاطُ، وَقَوْلُهُ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي} [البقرة: 237] عَلَى رَأْيِنَا الْإِسْقَاطُ فَيَحْصُلُ التَّشْرِيكُ، وَعَلَى رَأْيِهِمْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ قَوْلُنَا أَرْجَحَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ الْيَهُودِيِّ فَتُسْلِمُ) : هِيَ (قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَنَّهُ لَا صَدَاقَ) لَهَا لِأَنَّ بُضْعَهَا بَاقٍ (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ) أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ أَوْ قِيمَةِ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ (وَذَلِكَ أَدْنَى) أَقَلُّ (مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ) فِي السَّرِقَةِ فَقَاسَهُ عَلَيْهَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يُسْتَبَاحُ بِقَدْرٍ مِنَ الْمَالِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا بِهَا، وَوَافَقَ مَالِكًا عَلَى قَوْلِهِ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ إِلَّا ابْنَ وَهْبٍ، وَاحْتَجُّوا لَهُ أَيْضًا بِأَنَّ اللَّهَ شَرَطَ عَدَمَ الطَّوْلِ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّوْلَ لَا يَجِدُهُ كُلُّ النَّاسِ، إِذْ لَوْ كَانَ الْفَلْسُ وَالدَّانِقُ وَنَحْوُهُمَا طَوْلًا لَمَا عَدِمَهُ أَحَدٌ، وَلِأَنَّ الطَّوْلَ الْمَالُ وَلَا يَقَعُ اسْمُ الْمَالِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي أَقَلِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 الصَّدَاقِ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ، وَاللَّهُ إِنَّمَا شَرَطَ الطَّوْلَ فِي نِكَاحِ الْحَرَائِرِ دُونَ الْإِمَاءِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَالِكٍ، وَقَالَ لَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ: تَعَرَّقْتَ فِيهَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَيْ ذَهَبْتَ مَذْهَبَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ عِيَاضٌ: انْفَرَدَ مَالِكٌ بِهَذَا الْتِفَاتًا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَإِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [النساء: 25] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24، 25] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَالٌ لَهُ بَالٌ وَأَقَلُّهُ مَا اسْتُبِيحَ بِهِ الْعُضْوُ فِي السَّرِقَةِ، وَكَافَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْحِجَازِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى جَوَازِهِ بِمَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ أَوْ مِنَ الْعَقْدِ إِلَيْهِ مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَسَوْطٍ وَنَعْلٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: أَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: خَمْسَةُ دَرَاهِمَ اعْتِبَارًا بِالْقَطْعِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ وَقَالَ مَرَّةً: عَشَرَةٌ، وَتَعَقَّبَهُ الزَّوَاوِيُّ بِأَنَّ زَعْمَهُ: تَفَرَّدَ بِهِ مَالِكٌ بِذَلِكَ - تَنَاقَضَ مَعَ مَا نَقَلَهُ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ، فَعَجِبَ مِنْهُ كَيْفَ غَفَلَ عَنْ نَفْسِهِ وَشَنَّعَ عَلَى مَالِكٍ مَعَ مُوَافَقَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ إِلَّا ابْنَ وَهْبٍ وَمُوَافَقَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الْقَطْعِ، وَاشْتِرَاطُهُمْ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا اشْتَرَطَهُ مَالِكٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «لَا صَدَاقَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» " وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ أَيْضًا، وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَهُ بِأَيِّ مُتَمَوَّلٍ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِقَوْلِهِ «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» ، قَالَ عِيَاضٌ: وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لَا عَلَى التَّقْلِيلِ، وَتَأَوَّلَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ طَلَبَ مَا يُقَدِّمُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا كُلَّ الْمَهْرِ، وَيُضَعِّفُهُ أَنَّ مَالِكًا اسْتَحَبَّ تَقْدِيمَ رُبُعِ دِينَارٍ لَا أَقَلَّ، قَالَ الزَّوَاوِيُّ: وَضَعْفُهُ بَيِّنٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ مَا يُقَدِّمُهُ لَا جَمِيعَ الْمَهْرِ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ جَمِيعُ الصَّدَاقِ لَا بَعْضُهُ. وَقَالَ الْأُبِّيُّ: يُرَجِّحُ قَوْلَ ابْنِ وَهْبٍ وَيُعَارِضُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ - مَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ: " «مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَدْخَلَهُ النَّارَ، قِيلَ: وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، قَالَ: وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» " فَأَطْلَقَ الْمَالَ عَلَى مَا تَرَى. انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ إِطْلَاقَهُ عَلَى ذَلِكَ تَجَوُّزٌ لِقَصْدِ الزَّجْرِ عَنِ اقْتِطَاعِ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالْحَلِفِ الْبَاطِلِ عَلَى نَحْوِ مَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 93] الْآيَةَ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي لَا يُتَمَوَّلُ وَلَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَكُونُ صَدَاقًا، قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ خَرَقَهُ ابْنُ حَزْمٍ حَيْثُ قَالَ: يَجُوزُ بِكُلِّ مَا يُسَمَّى شَيْئًا، وَلَوْ حَبَّةً مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا تَوْقِيتَ وَلَا تَحْدِيدَ لِأَكْثَرِ الصَّدَاقِ إِجْمَاعًا، قَالَ: وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ جَوَّزَهُ بِمُتَمَوَّلٍ وَلَوْ قَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ الصَّدَاقَ وَلَمْ يَحُدَّ أَكْثَرَهُ وَلَا أَقَلَّهُ، فَلَوْ كَانَ لَهُ حَدٌّ لَبَيَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ الْمُبَيِّنُ مُرَادَ اللَّهِ، وَالْحَدُّ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ لَا مُعَارِضَ لَهَا أَوْ إِجْمَاعٍ. انْتَهَى. وَفِي الْحَصْرِ نَظَرٌ، فَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَصِحُّ بِهِ - الْقِيَاسُ، إِذْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 [بَاب إِرْخَاءِ السُّتُورِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْمَرْأَةِ إِذَا تَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ أَنَّهُ إِذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ   4 - بَابُ إِرْخَاءِ السُّتُورِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِرْخَاءُ سِتْرٍ وَلَا إِغْلَاقُ بَابٍ. 1121 - 1100 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) الْقُرَشِيِّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْمَرْأَةِ إِذَا تَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ أَنَّهُ إِذَا أُرْخِيَتِ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ) إِذَا ادَّعَتِ الْمَسِيسَ وَأَنْكَرَهُ الرَّجُلُ. الحديث: 1121 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ فَأُرْخِيَتْ عَلَيْهِمَا السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ   1122 - 1101 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيَّ (كَانَ يَقُولُ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ فَأُرْخِيَتْ عَلَيْهِمَا السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ) لِلْمَرْأَةِ إِذَا ادَّعَتِ الْمَسَّ وَأَنْكَرَ. الحديث: 1122 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا صُدِّقَ الرَّجُلُ عَلَيْهَا وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ صُدِّقَتْ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ فِي الْمَسِيسِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا فَقَالَتْ قَدْ مَسَّنِي وَقَالَ لَمْ أَمَسَّهَا صُدِّقَ عَلَيْهَا فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ لَمْ أَمَسَّهَا وَقَالَتْ قَدْ مَسَّنِي صُدِّقَتْ عَلَيْهِ   1122 - 1102 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا) وَادَّعَتِ الْوَطْءَ وَأَنْكَرَهُ (صُدِّقَ الرَّجُلُ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَنْشَطُ فِي بَيْتِهَا (وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ صُدِّقَتْ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ نَشَاطُهُ فِي بَيْتِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ) التَّصْدِيقَ (فِي الْمَسِيسِ) أَيِ الْجِمَاعِ (إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا فَقَالَتْ: قَدْ مَسَّنِي، وَقَالَ: لَمْ أَمَسَّهَا صُدِّقَ عَلَيْهَا) فَلَا يَتَكَمَّلُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ (فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ: لَمْ أَمَسَّهَا، وَقَالَتْ: قَدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 مَسَّنِي، صُدِّقَتْ عَلَيْهِ) فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ الزَّائِرُ مِنْهُمَا بِيَمِينٍ فِيهِمَا بِخِلَافِ خَلْوَةِ الِاهْتِدَاءِ فَتُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ بِيَمِينٍ لِأَنَّ خَلْوَةَ الزِّيَارَةِ لَا تَنْشَطُ النُّفُوسُ فِيهَا بِخِلَافِ الِاهْتِدَاءِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 [بَاب الْمَقَامِ عِنْدَ الْبِكْرِ وَالْأَيِّمِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قَالَ لَهَا لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ فَقَالَتْ ثَلِّثْ»   5 - بَابُ الْمُقَامِ عِنْدَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ. كَذَا عِنْدَ أَبِي عُمَرَ، وَفِي نُسْخَةٍ: وَالْأَيِّمِ، أَيِ: الثَّيِّبِ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى مَوْضِعِ الْقِيَامِ، لِأَنَّكَ إِنْ جَعَلْتَهُ مِنْ قَامَ يَقُومُ فَمَفْتُوحٌ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ مِنْ أَقَامَ يُقِيمُ فَمَضْمُومٌ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا جَاوَزَ الثَّلَاثَةَ فَالْمَوْضِعُ مَضْمُومٌ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِبَنَاتِ الْأَرْبَعَةِ نَحْوُ دَحْرَجَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا مُقَامَ لَكُمْ} [الأحزاب: 13] [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 13] بِالْفَتْحِ أَيْ لَا مَوْضِعَ لَكُمْ، وَقُرِئَ بِالضَّمِّ أَيْ لَا إِقَامَةَ لَكُمْ. 1123 - 1103 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ) الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ هِشَامٍ (عَنْ أَبِيهِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ظَاهِرُهُ الِانْقِطَاعُ أَيِ الْإِرْسَالُ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ قَدْ سَمِعَهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ) هِنْدَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّةَ الْفَاضِلَةَ بَارِعَةَ الْجَمَالِ (وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: دَخَلَ عَلَيْهَا فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَخَذَتْ بِثَوْبِهِ (قَالَ لَهَا: لَيْسَ بِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ بِضَمِيرِ الْأَمْرِ أَوِ الشَّأْنِ (عَلَى أَهْلِكِ) يَعْنِي نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ، وَكُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَهْلٌ (هَوَانٌ) أَيْ لَا أَفْعَلُ فِعْلًا يَظْهَرُ بِهِ هَوَانُكِ عَلَيَّ أَوْ تَظُنِّيهِ، وَفِيهِ: اللُّطْفُ وَالرِّفْقُ بِمَنْ يُخْشَى مِنْهُ كَرَاهَةُ الْحَقِّ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ الْحَقِّ، قَالَهُ عِيَاضٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يَلْحَقُكِ هَوَانٌ وَلَا يَضِيعُ مِنْ حَقِّكِ شَيْءٌ بَلْ تَأْخُذِينَهُ كَامِلًا. قَالَ الْأُبِّيُّ: وَقِيلَ الْمُرَادُ بِأَهْلِهَا قَبِيلَتُهَا لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنِ الْمَرْأَةِ وَعَدَمَ الْمُبَالَاةِ الحديث: 1123 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 بِهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِأَهْلِهَا، فَالْبَاءُ عَلَى الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَوَانٍ وَعَلَى الثَّانِي لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ لَا يَلْحَقُ أَهْلَكِ هَوَانٌ بِسَبَبِكِ. (إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ) أَيْ أَقَمْتُ سَبْعًا لِأَنَّهُمُ اشْتَقُّوا الْفِعْلَ مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْعَشَرَةِ (وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ) أَيْ أَقَمْتُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ بَقِيَّةِ نِسَائِي سَبْعًا (وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ) أَيْ أَقَمْتُ ثَلَاثًا (عِنْدَكِ وَدُرْتُ) عَلَى بَقِيَّةِ نِسَائِي بِالْقَسْمِ يَوْمًا يَوْمًا، فَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ فِي أَنَّ الْقَسْمَ لَا يَكُونُ إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ مَعَ التَّرَاضِي هَكَذَا قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْأُبِّيُّ: وَإِنَّمَا يَدُلُّ لِمَالِكٍ إِنْ كَانَ مَعْنَى دُرْتُ مَا ذَكَرَ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الْمُخَالِفُ مَعْنَاهُ دُرْتُ بِالتَّثْلِيثِ، وَرَدَّهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ لَا تُقْبَلُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَبِقَوْلِهِ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ فَجَعَلَهُ حُكْمًا مُبْتَدَأً، وَالْأَوْلَى فِي رَدِّهِ أَنَّ قَوْلَهُ دُرْتُ إِحَالَةٌ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ حَالِهِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْهُ فِي الْقَسْمِ إِنَّمَا كَانَ يَوْمًا يَوْمًا. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنْ شِئْتِ زِدْتُكِ وَحَاسَبْتُكِ بِهِ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ " (فَقَالَتْ: ثَلِّثْ) » قَالَ عِيَاضٌ: اخْتَارَتِ التَّثْلِيثَ مَعَ أَخْذِهَا بِثَوْبِهِ حِرْصًا عَلَى طُولِ إِقَامَتِهِ عِنْدَهَا لِأَنَّهَا رَأَتْ أَنَّهُ إِذَا سَبَّعَ لَهَا وَسَبَّعَ لِغَيْرِهَا لَمْ يَقْرُبْ رُجُوعُهُ إِلَيْهَا. وَقَالَ الْأُبِّيُّ: لَاطَفَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا الْقَوْلِ الْحَسَنِ أَيْ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ تَمْهِيدًا لِلْعُذْرِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الثَّلَاثِ، أَيْ لَيْسَ اقْتِصَارِي عَلَيْهَا لِهَوَانِكِ عَلَيَّ وَلَا لِعَدَمِ رَغْبَةٍ فِيكِ وَلَكِنَّهُ الْحُكْمُ ثُمَّ خَيَّرَهَا بَيْنَ الثَّلَاثِ وَلَا قَضَاءَ لِغَيْرِهَا، وَبَيْنَ السَّبْعِ وَيَقْضِي لِبَقِيَّةِ أَزْوَاجِهِ فَاخْتَارَتِ الثَّلَاثَ لِيَقْرُبَ رُجُوعُهُ إِلَيْهَا ; لِأَنَّ فِي قَضَاءِ السَّبْعِ لِغَيْرِهَا طُولَ مَغِيبِهِ عَنْهَا. انْتَهَى. وَفِيهِ تَخْيِيرُ الثَّيِّبِ بَيْنَ الثَّلَاثِ بِلَا قَضَاءٍ وَالسَّبْعِ وَالْقَضَاءِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: لَا تُخَيَّرُ، وَتَرَكُوا حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ: " «لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ» " قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَبِهِ تُعُقِّبَ نَقْلُ النَّوَوِيِّ عَنْ مَالِكٍ مُوَافَقَةَ الْجُمْهُورِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَيُمْكِنُ عِنْدِي أَنَّ مَالِكًا رَأَى ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ خُصَّ فِي النِّكَاحِ بِخَصَائِصَ اهـ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ احْتِمَالَ الْخُصُوصِيَّةِ مَنَعَ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ، فَرَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَفِي قَوْلِهِ إِنْ شِئْتِ. . . إِلَخْ، أَنَّهُ لَا يُحَاسِبُ الثَّيِّبَ بِالثَّلَاثِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ إِذْ لَوْ حُوسِبَتْ لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ السَّبْعِ وَالثَّلَاثِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ. وَقَالَ الْأُبِّيُّ: وَجْهُ احْتِجَاجِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الثَّلَاثُ حَقًّا لِلثَّيِّبِ خَالِصَةً لَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَدُورَ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعًا لِأَنَّ الثَّلَاثَ حَقٌّ لَهَا. وَالْجَوَابُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّهُ إِنَّمَا هِيَ لَهَا بِشَرْطِ أَلَّا تَخْتَارَ السَّبْعَ، أَيْضًا فَمَعْنَاهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ " سَبَّعْتُ " بَعْدَ التَّثْلِيثِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَسْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَزْوَاجِهِ إِنَّمَا هُوَ تَطْيِيبٌ لِقُلُوبِهِنَّ وَإِلَّا فَالْقَسْمُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 51] وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 بِهِ عَلَى صُورَةِ الْإِرْسَالِ، وَتَابَعَهُ عَلَى إِرْسَالِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَوَصَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَتَابَعَهُ فِي شَيْخِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ أَيْضًا وَلِهَذَا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ مُسْلِمًا بَيَّنَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي إِرْسَالِهِ وَاتِّصَالِهِ، وَمَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَمُحَقِّقِي الْمُحَدِّثِينَ: إِذَا رُوِيَ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا فَالْحُكْمُ لِلْوَصْلِ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا. قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ الَّتِي تَزَوَّجَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ أَيَّامُ الَّتِي تَزَوَّجَ بِالسَّوَاءِ وَلَا يَحْسِبُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ مَا أَقَامَ عِنْدَهَا   1124 - 1104 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ) بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الْبَصْرِيِّ (الطَّوِيلِ) لِطُولِ يَدَيْهِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ جَارٌ يُقَالُ لَهُ حُمَيْدٌ الْقَصِيرُ فَقِيلَ لِهَذَا الطَّوِيلُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، مَاتَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي سَنَةَ اثْنَيْنِ، وَيُقَالُ: ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً. (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا لَا يَقْتَضِيهِ قِيَاسٌ إِذْ لَا نَظِيرَ لَهُ، يُشَبَّهُ بِهِ، وَلَا أَصْلَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَالْعُلَمَاءُ يَقُولُونَ: حِكْمَةُ ذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى تَحْصِيلِ الْأُلْفَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ وَأَنْ يَسْتَوْفِيَ الزَّوْجُ لَذَّتَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ جَدِيدٍ لَذَّةً، وَلَمَّا كَانَتِ الْبِكْرُ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِالرَّجُلِ وَحَدِيثَةً بِالِاسْتِصْعَابِ وَالنِّفَارِ لَا تَلِينُ إِلَّا بِجُهْدٍ شُرِعَتْ لَهَا الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّيِّبِ لِأَنَّهُ يَنْفِي نِفَارَهَا وَيُسَكِّنُ رَوْعَهَا، بِخِلَافِ الثَّيِّبِ فَإِنَّهَا مَارَسَتِ الرِّجَالَ فَإِنَّمَا يَحْتَاجُ مَعَ هَذَا الْحَدَثِ دُونَ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْبِكْرُ، قَالَ: وَهَذِهِ حِكْمَةٌ، وَالدَّلِيلُ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الشَّارِعِ وَفِعْلُهُ. انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ: " «إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ» " قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَلَوْ شِئْتُ فَقُلْتُ إِنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَصَدَقْتُ وَلَكِنَّهُ السُّنَّةُ. وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ مُصَرِّحًا بِرَفْعِهِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ عَلَى بَقِيَّةِ نِسَائِهِ لِحَاجَتِهِ بِاللَّذَّةِ بِهَذِهِ الْجَدِيدَةِ فَجَعَلَ لَهُ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي التَّمَتُّعِ؟ أَوْ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ لِقَوْلِهِ " لِلْبِكْرِ وَلِلثَّيِّبِ " بِلَامِ التَّمْلِيكِ؟ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ، وَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّهُ لَهُمَا جَمِيعًا، وَعَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ فَفِي الْقَضَاءِ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَدَمُ الْقَضَاءِ رِوَايَةُ عَبْدِ الْحَكَمِ كَالْمُتْعَةِ، ثُمَّ اخْتُلِفَ هَلْ هُوَ حَقٌّ لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى أَمْ لَا لِلْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ وَنَسَبَهُ أَبُو عُمَرَ لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا الْحَدِيثُ فِيمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ غَيْرُ هَذِهِ لِأَنَّ مَنْ لَا زَوْجَةَ لَهُ مُقِيمٌ مَعَ هَذِهِ غَيْرُ مُفَارِقٍ لَهَا، وَهَذَا مِنَ الْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 19] الحديث: 1124 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 وَهُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: " «إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ» " وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) الْمَرْوِيُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ (الْأَمْرُ) الْمَعْمُولُ بِهِ (عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِأَهْلِ الرَّأْيِ وَالْحِكَمِ، وَحَمَّادٌ فِي أَنَّ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ فِي الْقَسْمِ سَوَاءٌ، وَالطَّارِئَةُ مَعَ مَنْ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فَمَا جَلَسَ عِنْدَ الطَّارِئَةِ حَاسَبَهَا بِهِ وَجَلَسَ عِنْدَ أَزْوَاجِهِ مِثْلَهُ، وَخِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ: يُقِيمُ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا وَالثَّيِّبِ أَرْبَعًا فَإِذَا تَزَوَّجَ بِكْرًا عَلَى ثَيِّبٍ مَكَثَ ثَلَاثًا وَإِذَا تَزَوَّجَ ثَيِّبًا عَلَى بِكْرٍ مَكَثَ يَوْمَيْنِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالسُّنَّةُ تُخَالِفُ الْجَمِيعَ. (فَإِنْ كَانَتْ لَهُ الَّذِي تَزَوَّجَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ أَيَّامُ الَّتِي تَزَوَّجَ بِالسَّوَاءِ وَلَا يَحْسِبُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ مَا أَقَامَ عِنْدَهَا) وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ يُحَاسِبُهَا لِأَنَّ الْعَدْلَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا لِلظَّوَاهِرِ الْآمِرَةِ بِالْعَدْلِ، وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّامَ فِي " لِلْبِكْرِ وَلِلثَّيِّبِ " لِلْمِلْكِ وَمِلْكُ الْإِنْسَانِ لَا يُحَاسِبُهُ بِهِ، وَأَيْضًا لَوْ حُوسِبَتْ لَمْ يَبْقَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَجْهٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّبْعِ وَالثَّلَاثِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ إِذَا كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا فِي الْجَمِيعِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 [بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ نْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَشْتَرِطُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهَا مِنْ بَلَدِهَا فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يَخْرُجُ بِهَا إِنْ شَاءَ قَالَ مَالِكٌ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إِذَا شَرَطَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ أَنْ لَا أَنْكِحَ عَلَيْكِ وَلَا أَتَسَرَّرَ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتَاقَةٍ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ   6 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الشَّرْطِ فِي النِّكَاحِ. 1105 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَشْتَرِطُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ بَلَدٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: يَخْرُجُ بِهَا إِنْ شَاءَ) وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ الْوَفَاءَ بِالشَّرْطِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جَاءَ هَذَا الْبَلَاغُ مُتَّصِلًا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بِهِ، وَجَاءَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَعْلَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 قَالَ: " رُفِعَ إِلَى عَلِيٍّ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا فَقَالَ عَلِيٌّ: شَرْطُ اللَّهِ قَبْلَ شَرْطِهَا أَوْ قَبْلَ شَرْطِهِ وَلَمْ يَرَ لَهَا شَيْئًا " أَيْ شَرَطَ أَنْ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ دَارِهَا، وَشَرْطُ اللَّهِ قَوْلُهُ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] [سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 6] وَجَاءَ عَنْ جَمَاعَةٍ أَعْلَاهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: " لَهَا شَرْطُهَا، وَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ " «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوَفُّوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» " اهـ بُخَ، لَكِنَّهُ هُنَا مَحْمُولٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. (قَالَ مَالِكٌ: فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إِذَا شَرَطَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ) أَيْ إِبْرَامِهِ وَإِحْكَامِهِ (أَنْ لَا أَنْكِحُ عَلَيْكِ وَلَا أَتَسَرَّرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ) وَاجِبٍ إِذْ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُنَافِيهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقَةٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَصْدَرُ عَتَقَ (فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ) إِنْ تَزَوَّجَ أَوْ تَسَرَّى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 [بَاب نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَمَا أَشْبَهَهُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ «أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سِمْوَالٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا فَنَكَحَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَهُوَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُ عَنْ تَزْوِيجِهَا وَقَالَ لَا تَحِلُّ لَكَ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ»   7 - بَابُ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَمَا أَشْبَهَهُ 1126 - 1106 - (مَالِكٌ عَنِ الْمِسْوَرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ (ابْنِ رِفَاعَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ (الْقُرَظِيِّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ نِسْبَةً إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ مَقْبُولٌ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَرْفُوعًا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ (عَنِ الزَّبِيرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ) التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ بِفَتْحِ الزَّايِ فِيهِمَا وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ بِضَمِّ الْأَوَّلِ، وَرُوِيَ عَنْهُ الْفَتْحُ فِيهِمَا كَسَائِرِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِيهِمَا جَمِيعًا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاقْتَصَرَ الْحَافِظُ عَلَى ضَمِّ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ الصَّحِيحُ فَتْحُهُمَا أَيْ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: هُوَ بِضَمِّ الزَّايِ بِخِلَافِ جَدِّهِ فَإِنَّهُ بِفَتْحِهَا وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ابْنُ بَاطَيَا الْقُرَظِيُّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَيُقَالُ هُوَ ابْنُ الزَّبِيرِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ الْأَوْسِيُّ كَذَا ذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نُسِبَ إِلَى زَيْدٍ لِشَيْءٍ صَنَعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِلَّا فَالزَّبِيرُ بْنُ بَاطَيَا مَعْرُوفٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ. انْتَهَى. وَلِذَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَقَدْ قُتِلَ ابْنُ الحديث: 1126 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 بَاطَيَا كَافِرًا يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ. (أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سِمْوَالٍ) بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ الْقُرَظِيَّ الصَّحَابِيَّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا أَرْسَلَهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَوَصَلَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَنَفِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْمِسْوَرِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سِمْوَالٍ (طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَقِيلَ بِضَمِّهَا وَقِيلَ اسْمُهَا أُمَيْمَةُ وَقِيلَ: سُهَيْمَةُ، وَقِيلَ: عَائِشَةُ (بِنْتَ وَهْبٍ) الْقُرَظِيَّةَ الصَّحَابِيَّةَ لَا أَعْلَمُ لَهَا غَيْرَ هَذِهِ الْقِصَّةِ (فِي عَهْدِ) أَيْ زَمَنِ (رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي» " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: " «أَنَّهَا قَالَتْ طَلَّقَنِي آخَرُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ» " وَالرِّوَايَاتُ تُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِجَوَازِ إِيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي كَلِمَةٍ بِلَا كَرَاهَةٍ (فَنَكَحْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ) بِفَتْحِ الزَّايِ، الصَّحَابِيَّ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ (فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا) لِاسْتِرْخَائِهِ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ وَأَخَذَتْ بِهُدْبَةٍ مِنْ جِلْبَابِهَا شَبَّهَتْهُ بِذَلِكَ لِصِغَرِ ذَكَرِهِ أَوْ لِاسْتِرْخَائِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ إِذْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ إِلَى حَدٍّ لَا يَغِيبُ مَعَهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ (فَفَارَقَهَا) طَلَّقَهَا. قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا إِخْبَارٌ عَمَّا اتَّفَقَ بَعْدَ شِكَايَتِهَا لِلْمُصْطَفَى وَمُبَاكَرَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَهَا. فَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا لَمَّا قَالَتْ: وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ، قَالَ: كَذَبَتْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ (فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَهُوَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا) بِالثَّلَاثِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَنَهَاهُ عَنْ تَزْوِيجِهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الَّتِي ذَكَرَتْ وَلَا خُلْفَ لِجَوَازِ أَنَّ كُلًّا مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ: وَكَانَ مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ تَصِلْ مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ تُرِيدُهُ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ طَلَّقَهَا فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي وَإِنِّي تَزَوَّجْتُ زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِي وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ يَقْرَبْنِي إِلَّا هَنَةً وَاحِدَةً لَمْ يَصِلْ مِنِّي إِلَى شَيْءٍ، فَأَحِلُّ لِزَوْجِي الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحِلِّينَ لِزَوْجِكِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» . وَقَوْلُهَا " لَمْ يَصِلْ مِنِّي إِلَى شَيْءٍ " - صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا لَا مَرَّةً وَلَا أَزَيْدَ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهَا " إِلَّا هَنَةً وَاحِدَةً " عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يُرِدِ الْقُرْبَ مِنِّي بِقَصْدِ الْوَطْءِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَبِهَذَا لَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ الْمُوَطَّأِ: فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا (وَقَالَ: لَا تَحِلُّ لَكَ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ السِّينِ تَصْغِيرُ عَسَلَةٍ وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ، شَبَّهَ لَذَّتَهُ بِلَذَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 الْعَسَلِ وَحَلَاوَتِهِ فَاسْتَعَارَ لَهَا ذَوْقًا وَأَنَّثَ الْعَسَلَ فِي التَّصْغِيرِ لِأَنَّهُ يُذَكَّرُ، وَيُؤَنَّثُ أَيْ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَسَلِ، أَوْ عَلَى إِرَادَةِ اللَّذَّةِ لِتَضَمُّنِهِ ذَلِكَ، وَوَحَّدَهُ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إِلَّا بِوَطْءٍ مُتَعَدِّدٍ، وَضُعِّفَ زَعْمُ أَنَّ التَّأْنِيثَ عَلَى إِرَادَةِ النُّطْفَةِ بِأَنَّ الْإِنْزَالَ لَا يُشْتَرَطُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَشَذَّ الْحَسَنُ فَقَالَ: الْعُسَيْلَةُ الْإِنْزَالُ رَعْيًا لِمَعْنَى الْعُسَيْلَةِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِي قَوْلِهِ " لَا حَتَّى. . . إِلَخْ " وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: إِنْ كَانَ كَمَا وَصَفَتْ فَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ فَلَا تَحِلُّ لِلَّذِي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا. وَالثَّانِي: إِنْ كَانَ يُرْجَى ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ طَمَعًا أَنْ يَكُونَ، وَرُبَّمَا كَانَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَغِيبُ الْحَشَفَةِ هُوَ الْعُسَيْلَةُ، وَأَمَّا الْإِنْزَالُ فَهُوَ الدُّبَيْلَةُ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ فِي لَذَّةِ الْمُلَاعَبَةِ فَإِذَا أَوْلَجَ فَقَدَ عَسَّلَ ثُمَّ يَتَعَاطَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا فِيهِ عُلُوُّ نَفَسِهِ وَإِتْعَابُ نَفْسِهِ وَنَزْفُ دَمِهِ وَإِضْعَافُ أَعْضَائِهِ فَهُوَ إِلَى الدُّبَيْلَةِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْعُسَيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِلَذَّةٍ وَخَتَمَ بِأَلَمٍ. قَالَ الْأُبِّيُّ: وَهَذَا مِنْهُ ذَهَابٌ إِلَى أَنَّ مَا قَبْلَ الْإِنْزَالِ أَمْتَعُ مِنْ سَاعَةِ الْإِنْزَالِ. قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَرَفَةَ: مَنْ لَهُ ذَوْقٌ يَعْرِفُ ذَلِكَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: سَاعَةُ الْإِنْزَالِ أَلَذُّ لَذَّاتِ الدُّنْيَا، وَإِنْ دَامَتْ قَتَلَتْ وَهُوَ يَنْحُو إِلَى قَوْلِ الْحَسَنِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا هَلْ يَصْلُحُ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا   1127 - 1107 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (عَنْ) عَمَّتِهِ (عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ) مِنَ الْبَتِّ وَهُوَ الْقَطْعُ كَأَنَّهُ قَطَعَ الْعِصْمَةَ الَّتِي لَهُ بِهَا فَهِيَ الثَّلَاثُ (فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَهَلْ تَصْلُحُ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ) الَّذِي أَبَتَّهَا (أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا تَصْلُحُ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا) فَأَفْتَتْ بِمَا رَوَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةِ رِفَاعَةَ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ فَيُطَلِّقُهَا فَتَتَزَوَّجُ رَجُلًا فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا» " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ «الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ» «عَنْ عَائِشَةَ " طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَأَرَادَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ الْأَوَّلُ» " لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ قِصَّةِ رِفَاعَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قِصَّةٌ أُخْرَى وَلَا الحديث: 1127 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 يَبْعُدُ التَّعَدُّدُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْكَافَّةُ، وَانْفَرَدَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: تَحِلُّ بِالْعَقْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 230] وَرُدَّ بِأَنَّ الْآيَةَ وَإِنِ احْتَمَلَتِ الْعَقْدَ لَكِنَّ الْحَدِيثَ بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَطْءُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَظُنُّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ أَوْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ، قَالَ غَيْرُهُ: وَلَمْ يُوَافِقْهُ إِلَّا طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَشَذَّ فِي ذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَمَاتَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا هَلْ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُحَلِّلِ إِنَّهُ لَا يُقِيمُ عَلَى نِكَاحِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ نِكَاحًا جَدِيدًا فَإِنْ أَصَابَهَا فِي ذَلِكَ فَلَهَا مَهْرُهَا   1127 - 1108 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَمَاتَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا هَلْ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا) أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا) لِأَنَّ الثَّانِيَ مَاتَ وَلَمْ يَمَسَّهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ إِذِ الْمَدَارُ عَلَى مَغِيبِ الْحَشَفَةِ (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُحَلِّلِ) أَيِ الْمُتَزَوِّجِ مَبْتُوتَةً بِقَصْدِ إِحْلَالِهَا لِبَاتِّهَا (إِنَّهُ لَا يُقِيمُ عَلَى نِكَاحِهِ ذَلِكَ) لِفَسَادِهِ (حَتَّى يَسْتَقْبِلَ نِكَاحًا جَدِيدًا فَإِنْ أَصَابَهَا فِي ذَلِكَ) الْفَاسِدِ (فَلَهَا مَهْرُهَا) عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 [بَاب مَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ مِنْ النِّسَاءِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا»   8 - بَابُ مَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ مِنَ النِّسَاءِ. 1129 - 1109 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا» ) فِي نِكَاحٍ وَاحِدٍ وَلَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ( «وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» ) نِكَاحًا وَمِلْكًا وَحَيْثُ حَرُمَ الْجَمْعُ فَلَوْ نَكَحَهُمَا مَعًا بَطَلَ نِكَاحُهُمَا إِذْ لَيْسَ تَخْصِيصُ إِحْدَاهُمَا بِالْبُطْلَانِ بِأَوْلَى مِنَ الْأُخْرَى، فَإِنْ نَكَحَهُمَا مُرَتِّبًا بَطُلَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْجَمْعَ حَصَلَ بِهَا، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الحديث: 1129 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا، لَا تُنْكَحُ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى» " وَالْكُبْرَى الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ، وَالصُّغْرَى بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ التَّفْسِيرِ عَلَى جِهَةِ التَّأْكِيدِ وَالْبَيَانِ وَلِذَا لَمْ يَجِئْ بَيْنَهُمَا بِالْعَاطِفِ، قَالَ عِيَاضٌ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْأَخْذِ بِهَذَا النَّهْيِ إِلَّا طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23] ثُمَّ قَالَ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24] وَقَالُوا: الْحَدِيثُ خَبَرُ وَاحِدٍ، وَالْآحَادُ لَا تُخَصِّصُ الْقُرْآنَ وَلَا تَنْسَخُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنِ الْأُصُولِيِّينَ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ السُّنَّةَ تُبَيِّنُ مَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ، وَلِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَهِيَ مَا تَحْمِلُ عَلَيْهِ الْغَيْرَةُ مِنَ التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ - مَوْجُودَةٌ فِي ذَلِكَ، وَقَاسَ بَعْضُ أَهْلِ السَّلَفِ عَلَيْهِ جُمْلَةَ الْقَرَابَةِ فَمَنَعَ الْجَمْعَ بَيْنَ بِنْتَيِ الْعَمِّ وَبِنْتَيِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَصْرُ التَّحْرِيمِ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ أَوْ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ لَفْظُهُ مِنَ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَإِنْ عَلَوْنَ كَمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَنَرَى عَمَّةَ أَبِيهَا وَخَالَةَ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ عَمَّةٍ وَخَالَةٍ ; لِأَنَّ الْعَمَّةَ هِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَكُونُ أُخْتًا لِرَجُلٍ لَهُ عَلَيْكَ وِلَادَةٌ، فَأُخْتُ الْجَدِّ لِلْأَبِ عَمَّةٌ وَأُخْتُ الْجَدِّ لِلْأُمِّ خَالَةٌ. انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْعَمَّةُ حَقِيقَةً إِنَّمَا هِيَ أُخْتُ الْأَبِ وَتُطْلَقُ أَيْ مَجَازًا عَلَى أُخْتِ الْجَدِّ أَوْ أَبِ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا. وَالْخَالَةُ أُخْتُ الْأُمِّ وَتُطْلَقُ عَلَى أُخْتِ أُمِّ الْأُمِّ أَوْ أُمِّ الْجَدَّةِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْجَدَّةُ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يُنْهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا وَأَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ لِغَيْرِهِ   1130 - 1110 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يُنْهَى) تَحْرِيمًا (أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا) وَكَذَا الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ الْأَخِ وَبِنْتِ الْأُخْتِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ: الْمَرْأَةُ وَعَمَّتُهَا وَالْمَرْأَةُ وَخَالَتُهَا» " وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ مَرْفُوعًا: " «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى بِنْتِ الْأَخِ وَلَا بِنْتُ الْأُخْتِ عَلَى الْخَالَةِ» " (وَأَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً) أَيْ أَمَةً (وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ لِغَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. الحديث: 1130 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 [بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَتِهِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا الْأُمُّ مُبْهَمَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ   9 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَتِهِ. 1131 - 1111 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً) أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا (ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا) أَيْ يُجَامِعَهَا (هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لَا) تَحِلُّ لَهُ (الْأُمُّ مُبْهَمَةٌ) عَنِ الْبَيَانِ فَلَا تَحِلُّ بِحَالٍ إِذْ (لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ) بِالدُّخُولِ (وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23] وَلَمَّا سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: هَذَا مِنْ مُبْهَمِ التَّحْرِيمِ الَّذِي لَا وَجْهَ فِيهِ غَيْرُ التَّحْرِيمِ سَوَاءٌ دَخَلْتُمْ بِالنِّسَاءِ أَمْ لَا، فَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ حَرُمْنَ عَلَيْكُمْ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَرَبَائِبُكُمْ. . . إِلَخْ " فَلَيْسَ مِنَ الْمُبْهَمَةِ لِأَنَّ لَهُنَّ وَجْهَيْنِ: أُحْلِلْنَ فِي أَحَدِهِمَا وَحُرِّمْنَ فِي الْآخَرِ، فَإِذَا دَخَلَ بِأُمَّهَاتِ الرَّبَائِبِ حَرُمْنَ وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ لَمْ يَحْرُمْنَ، فَهَذَا تَفْسِيرُ الْمُبْهَمِ الَّذِي أَرَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ، نَقَلَهُ الْهَرَوِيُّ عَنِ الْأَزْهَرِيِّ. الحديث: 1131 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتُفْتِيَ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ عَنْ نِكَاحِ الْأُمِّ بَعْدَ الْابْنَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ الِابْنَةُ مُسَّتْ فَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَصِلْ إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى أَتَى الرَّجُلَ الَّذِي أَفْتَاهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا إِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُفَارِقُهُمَا جَمِيعًا وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ أَبَدًا إِذَا كَانَ قَدْ أَصَابَ الْأُمَّ فَإِنْ لَمْ يُصِبْ الْأُمَّ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَفَارَقَ الْأُمَّ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا إِنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا أَبَدًا وَلَا تَحِلُّ لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ ابْنَتُهَا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَا فَكُلُّ تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلَالِ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا   1131 - 1112 - (مَالِكٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتُفْتِيَ) طُلِبَ مِنْهُ الْفَتْوَى (وَهُوَ بِالْكُوفَةِ عَنْ نِكَاحِ الْأُمِّ بَعْدَ الِابْنَةِ إِذَا لَمْ تَكُنِ الِابْنَةُ مُسَّتْ) جُومِعَتْ (فَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ يَعُمُّهُمَا (ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَصِلْ إِلَى مَنْزِلِهِ) بِهَا لِأَنَّهُ كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 سَاكِنُهَا (حَتَّى أَتَى الرَّجُلَ الَّذِي أَفْتَاهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ) رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ رَأَى أُمَّهَا فَعَجِبَتْهُ فَأَفْتَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ يُفَارِقَهَا وَيَتَزَوَّجَ أُمَّهَا إِنْ كَانَ لَمْ يَمَسَّهَا فَتَزَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، ثُمَّ أَتَى ابْنُ مَسْعُودٍ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْكُوفَةِ قَالَ لِلرَّجُلِ: إِنَّهَا عَلَيْكَ حَرَامٌ فَفَارِقْهَا " قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَأَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ هُوَ الَّذِي رَدَّ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ فِيمَا أَحْسَبُ. وَقَوْلُهُ فَفَارِقْهَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمْرٌ وَأَنَّهُ فِعْلٌ فَيَكُونُ الرَّجُلُ امْتَثَلَ وَفِي هَذَا وَنَحْوِهِ الِاحْتِجَاجُ بِعَمَلِ الْمَدِينَةِ لِرُجُوعِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ اجْتِهَادِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَفْتَى بِالِاجْتِهَادِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ إِلَى جَوَازِ نِكَاحِ الْأُمِّ إِذَا لَمْ يُدْخَلْ بِالْبِنْتِ وَقَالَ: الشَّرْطُ الَّذِي فِي آخِرِ الْآيَةِ يَعُمُّ الْأُمَّهَاتِ وَالرَّبَائِبَ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ لِقَوْلِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: إِنَّ الْخَبَرَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ الِاسْمَانِ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ، فَلَا يُقَالُ: قَامَ زَيْدٌ وَقَعَدَ عَمْرٌو الظَّرِيفَانِ، وَعَلَّلَهُ سِيبَوَيْهِ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الصِّفَةِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَوْصُوفِ، وَبَيَانُهُ فِي الْآيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23] يَعُودُ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ إِلَى نِسَائِكُمْ وَهُوَ مَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ وَإِلَى رَبَائِبِكُمْ وَهُوَ مَرْفُوعٌ، وَالصِّفَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِمُخْتَلِفَيِ الْإِعْرَابِ وَلَا بِمُخْتَلِفَيِ الْعَامِلِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُفَارِقُهُمَا جَمِيعًا وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ أَبَدًا إِذَا كَانَ قَدْ أَصَابَ الْأُمَّ فَإِنْ لَمْ يُصِبِ الْأُمَّ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَفَارَقَ الْأُمَّ) وَبَقِيَ عَلَى امْرَأَتِهِ الْبِنْتِ. (وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا) يَعْقِدُ عَلَيْهَا (فَيُصِيبُهَا أَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا أَبَدًا وَلَا تَحِلُّ لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ ابْنَتُهَا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ) لِمَسِّهِمَا مَعًا، فَإِنْ لَمْ يَمَسَّ الْأُمَّ فَارَقَهَا وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ كَمَا قَالَ قَبْلُ. (قَالَ مَالِكٌ) هَذَا كُلُّهُ فِي النِّكَاحِ (فَأَمَّا الزِّنَى فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ فَإِنْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِالْبِنْتِ فَزَنَى بِالْأُمِّ أَوْ عَكْسُهُ لَا تَحْرُمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَفَعَاهُ: " «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» " لَكِنَّهُمَا ضَعِيفَا السَّنَدِ إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِمَا (لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: وَ) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ (أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَى) وَالنِّكَاحُ شَرْعًا إِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى وَطْءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْوَطْءِ. (فَكُلُّ تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلَالِ) فَيَقَعُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَكُلُّ مَا كَانَ مَحْضَ زِنًى لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ (فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَلَيْهِ جُلُّ أَصْحَابِ مَالِكٍ، بَلْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَشْيَاخِ مِنْهُمْ سَحْنُونٌ بِأَنْ جَمِيعَهُمْ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إِنْ زَنَى بِأُمِّ زَوْجَتِهِ أَوِ ابْنَتِهَا فَلْيُفَارِقْهَا، حَمَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَاللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ، أَيْ كَرَاهَةِ الْبَقَاءِ مَعَهَا وَاسْتِحْبَابِ فِرَاقِهَا، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إِلَى تَرْجِيحِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَأَنَّ دَلِيلَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى التَّحْرِيمِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَالْمُدَوَّنَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ لِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ - ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ عُمْدَتَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 22] فَحَمَلُوا " وَلَا تَنْكِحُوا " عَلَى الْعَقْدِ، " مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ " عَلَى الْوَطْءِ، وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّ النِّكَاحَ حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ إِلَّا مَا خُصَّ مِنْ ذَلِكَ، نَحْوُ: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 230] {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] [سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 3] {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [النور: 33] [سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 33] وَمَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَئِنْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِـ " مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمُ " الْوَطْءُ، فَالْمَعْنَى بِهِ الْوَطْءُ الْحَلَالُ لِأَنَّهُ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ اسْمُ النِّكَاحِ، أَمَّا الزِّنَى فَيُقَالُ فِيهِ سِفَاحٌ، وَأَيْضًا فَالزِّنَى لَا تَثْبُتُ بِهِ الْعِدَّةُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمٌ كَاللِّوَاطِ، وَأَيْضًا الْحُرْمَةُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَالْإِحْصَانِ وَالنَّفَقَةِ وَإِسْقَاطِ الْحَدِّ فَلَا يَثْبُتُ بِالزِّنَى، فَإِنْ قِيلَ: هُوَ تَحْرِيمٌ يَثْبُتُ بِالْوَطْءِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ كَتَحْرِيمِ الْفِطْرِ بِهِ وَإِفْسَادِ الْحَجِّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ بِهِ وَإِنِ اسْتَوَيَا فِي إِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي الْإِفْسَادِ اللِّوَاطُ وَلَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 [بَاب نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَةٍ قَدْ أَصَابَهَا عَلَى وَجْهِ مَا يَكْرَهُ] قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهَا إِنَّهُ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا وَيَنْكِحُهَا ابْنُهُ إِنْ شَاءَ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَصَابَهَا حَرَامًا وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ مَا أُصِيبَ بِالْحَلَالِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ بِالنِّكَاحِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} [النساء: 22] قَالَ مَالِكٌ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَكَحَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا نِكَاحًا حَلَالًا فَأَصَابَهَا حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ نَكَحَهَا عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ بِأَبِيهِ وَكَمَا حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ فِي عِدَّتِهَا وَأَصَابَهَا فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ ابْنَتُهَا إِذَا هُوَ أَصَابَ أُمَّهَا   10 - بَابُ نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَةٍ قَدْ أَصَابَهَا عَلَى وَجْهٍ مَا يُكْرَهُ (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهَا أَنَّهُ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا وَيُنْكِحُهَا ابْنَهُ إِنْ شَاءَ) وَأَوْلَى إِنْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ (وَذَلِكَ أَنَّهُ أَصَابَهَا حَرَامًا) وَهُوَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ (وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ مَا أُصِيبَ بِالْحَلَالِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ بِالنِّكَاحِ) الَّذِي يَدْرَأُ الْحَدَّ (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَالنِّكَاحُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إِنَّمَا هُوَ الْوَطْءُ الْحَلَالُ لَا الزِّنَى. (فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَكَحَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا نِكَاحًا حَلَالًا) بِاسْتِنَادِهِ لِعَقْدٍ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهَا فِي الْعِدَّةِ (فَأَصَابَهَا حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ نَكَحَهَا عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ) لِلشُّبْهَةِ (وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ بِأَبِيهِ) لِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ يَدْرَأُ الْحَدَّ وَيُلْحِقُ بِهِ الْوَلَدَ (وَكَمَا حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ فِي عِدَّتِهَا وَأَصَابَهَا فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ ابْنَتُهَا إِذَا هُوَ أَصَابَ أُمَّهَا) لِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يُصِبْهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ عَلَى الْأُمِّ لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ فَأَوْلَى الْفَاسِدُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 [بَاب جَامِعِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النِّكَاحِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّغَارِ» وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ   11 - بَابُ جَامِعِ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَاحِ 1134 - 1113 - « (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى) تَحْرِيمًا (عَنِ الشِّغَارِ) » هَكَذَا لِجُلِّ الرُّوَاةِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ بِمُعْجَمَتَيْنِ أُولَاهُمَا مَكْسُورَةٌ فَأَلِفٌ فَرَاءٌ مَصْدَرُ شَاغَرَ يُشَاغِرُ شِغَارًا وَمُشَاغَرَةً. وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» (وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ) أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ (عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ آخَرُ ابْنَتَهُ) أَوْ وَلِيَّتَهُ (لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ) بَلْ يَضَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَدَاقَ الْأُخْرَى، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: شَغَرَ الْبَلَدُ عَنِ السُّلْطَانِ إِذَا خَلَا عَنْهُ لِخُلُوِّهِ عَنِ الصَّدَاقِ أَوْ لِخُلُوِّهِ عَنْ بَعْضِ الشَّرَائِطِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مِنْ قَوْلِهِمْ شَغَرَ الْكَلْبُ إِذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ كَأَنَّ كُلًّا مِنَ الْوَلِيَّيْنِ يَقُولُ لِلْآخَرِ: لَا تَرْفَعُ رِجْلَ ابْنَتِي حَتَّى أَرْفَعَ رِجْلَ ابْنَتِكَ، وَفِي التَّشْبِيهِ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْقَبِيحَةِ تَقْبِيحٌ لِلشِّغَارِ وَتَغْلِيظٌ عَلَى فَاعِلِهِ، وَأَكْثَرُ رُوَاةِ مَالِكٍ لَمْ يَنْسُبُوا هَذَا التَّفْسِيرَ لِأَحَدٍ، وَلِذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا أَدْرِي أَهُو مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوِ ابْنِ عُمَرَ أَوْ نَافِعٍ أَوْ مَالِكٍ؟ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَصَلَهُ بِالْمَتْنِ الْمَرْفُوعِ، بَيَّنَ ذَلِكَ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَالْقَعْنَبِيُّ وَمُحْرِزُ بْنُ عَوْنٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: قَوْلُهُ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ مَرْفُوعًا اتِّفَاقًا وَبَاقِيهِ مِنْ تَفْسِيرِ نَافِعٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي. انْتَهَى. وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ: فَفِي مُسْلِمٍ هُنَا وَالْبُخَارِيِّ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا الشِّغَارُ؟ قَالَ: فَذَكَرَهُ، وَلِذَا قَالَ الْحَافِظُ: الَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ. قَالَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: كَانَ الشِّغَارُ مِنْ نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُ شَاغِرْنِي وَلِيَّتِي بِوَلِيَّتِكَ أَيْ عَاوِضْنِي جِمَاعًا بِجِمَاعٍ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ غَيْرَ الْبِنْتِ مِنَ الْإِمَاءِ وَالْأَخَوَاتِ وَغَيْرِهِنَّ حُكْمُ الْبِنْتِ، وَتَعَقَّبَهُ الْأُبِّيُّ بِأَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ اخْتِصَاصُهُ بِذَوَاتِ الْجَبْرِ وَهُوَ فِي غَيْرِهِنَّ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تُزَوَّجُ عَلَى أَنْ لَا صَدَاقَ فَيَمْضِي بِالدُّخُولِ، قَالَ: وَلَا حُجَّةَ فِيمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الشِّغَارِ» " زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ: وَلِلشِّغَارِ أَنْ يَقُولَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجَكَ ابْنَتِي وَزَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجَكَ أُخْتِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَفْظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا خِلَافَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ ابْتِدَاءً؛ فَإِنْ وَقَعَ أَمْضَاهُ الْكُوفِيُّونَ وَالزَّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ إِذَا صُحِّحَ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَأَبْطَلَهُ الحديث: 1134 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْبُطْلَانِ فَقِيلَ: لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَرْجَيْنِ مَعْقُودٌ بِهِ وَعَلَيْهِ، وَقِيلَ: لِخُلُوِّهِ مِنَ الصَّدَاقِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ فَسَادُهُ فِي عَقْدِهِ فَيُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَعَلَى الثَّانِي فَسَادُهُ فِي صَدَاقِهِ فَيَمْضِي بِالْبِنَاءِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِمَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ غَيْرُهُ: وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ لِلِاخْتِلَافِ فِي النَّهْيِ هَلْ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ؟ أَوْ لِلْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ هَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ أَوْ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَهُمَا أَدْرَى بِمَا سَمِعَا لِأَنَّهُمَا عَرَبِيَّانِ عَالِمَانِ بِمَوَاقِعِ الْأَلْفَاظِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ إِذَا كَانَ مِنْ تَفْسِيرِ نَافِعٍ فَإِنَّهُ عَجَمِيٌّ تَعَرَّبَ، وَلِذَا اخْتَلَفَ نَظَرُ الْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَ الْبُطْلَانُ لِتَرْكِ ذِكْرِ الصَّدَاقِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِدُونِ تَسْمِيَتِهِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: قَوْلُهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ يُشْعِرُ بِأَنَّ جِهَةَ الْفَسَادِ تَرْكُ ذِكْرِ الصَّدَاقِ. انْتَهَى. أَيْ مَعَ جَعْلِ بُضْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلْأُخْرَى وَهَذَا صَرِيحُ الشِّغَارِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُفْسَخُ وَإِنْ طَالَ وَوَلَدَتِ الْأَوْلَادَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بِطَلَاقٍ. وَأَمَّا وَجْهُ الشِّغَارِ وَهُوَ أَنْ يُسَمِّيَ لِكُلٍّ صَدَاقًا عَلَى أَنْ يُزَوِّجَ كُلًّا مِنْهُمَا الْآخَرُ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِالْأَكْثَرِ مِنَ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا الْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا وَهُوَ أَنْ يُسَمَّى لِإِحْدَاهُمَا صَدَاقًا وَالْأُخْرَى بِلَا صَدَاقٍ فَالْمُسَمَّى لَهَا حُكْمُ وَجْهِهِ وَالْأُخْرَى كَصَرِيحِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجُ وَأَيُّوبُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، الثَّلَاثَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَتَابَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ «أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهُ»   1135 - 1114 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَهَا (عَنْ أَبِيهِ) الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ أَخِي عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ لِأُمِّهِ يُقَالُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ (وَ) عَنْ أَخِيهِ (مُجَمِّعٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ الْمَكْسُورَةِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ، تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ (ابْنَيْ) بِالتَّثْنِيَةِ (يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ (ابْنِ جَارِيَةَ) بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ وَالتَّحْتِيَّةِ (الْأَنْصَارِيِّ) الْأَوْسِيِّ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ فِي الصَّحَابَةِ. وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: يَزِيدُ بْنُ جَارِيَةَ وَقِيلَ زَيْدٌ فَجَعَلَهُمَا وَاحِدًا وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا أَخَوَانِ قَالَهُ فِي الْإِصَابَةِ (عَنْ خَنْسَاءَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ فَمُهْمَلَةٍ، مَهْمُوزٌ مَمْدُودٌ (بِنْتِ خِدَامٍ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّقْرِيبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الحديث: 1135 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْأَنْصَارِيَّةِ الْأَوْسِيَّةِ زَوْجِ أَبِي لُبَابَةَ صَحَابِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. (أَنَّ أَبَاهَا) خِدَامًا الصَّحَابِيَّ يُقَالُ هُوَ ابْنُ وَدِيعَةَ وَيُقَالُ ابْنُ خَالِدٍ، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: يُكَنَّى أَبَا وَدِيعَةَ (زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ) لَمَّا تَأَيَّمَتْ مِنْ أُنَيْسِ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ حِينَ قُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ مُرْسَلًا وَأَخْرَجَهُ الْوَاقِدِيُّ عَنِ الْخَنْسَاءِ نَفْسِهَا، وَأُنَيْسٌ بِالتَّصْغِيرِ وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ أَنَسًا، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَفِي الْمُبْهَمَاتِ لِلْقُطْبِ الْقَسْطَلَّانِيِّ أَنَّ اسْمَهُ أُسَيْرٌ وَأَنَّهُ مَاتَ بِبَدْرٍ (فَكَرِهَتْ ذَلِكَ) الرَّجُلَ الَّذِي أَنْكَحَهَا أَبُوهَا إِيَّاهُ، لَمْ يَعْرِفِ الْحَافِظُ اسْمَهُ، قَالَ: نَعَمْ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ (فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَقَالَتْ: «إِنَّ أَبِي أَنْكَحَنِي رَجُلًا وَإِنَّ عَمَّ وَلَدِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ (فَرَدَّ نِكَاحَهُ) وَجَعَلَ أَمْرَهَا إِلَيْهَا» كَمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَلَهُ «عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي وَأَنَا كَارِهَةٌ وَقَدْ مَلَكْتُ أَمْرِي، قَالَ: فَلَا نِكَاحَ لَهُ انْكِحِي مَنْ شِئْتِ فَرَدَّ نِكَاحَهُ وَنَكَحَتْ أَبَا لُبَابَةَ الْأَنْصَارِيَّ» . وَأَخْرَجَ الْوَاقِدِيُّ «عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ أُنَيْسِ بْنِ قَتَادَةَ فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ فَكَرِهَتْهُ وَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ نِكَاحَهُ فَتَزَوَّجَهَا أَبُو لُبَابَةَ فَجَاءَتْ بِالسَّائِبِ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ» ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَالْقَوْلِ بِهِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ: لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ قَالَ: لَا يُزَوِّجُ الثَّيِّبَ وَلِيُّهَا أَبًا أَوْ غَيْرَهُ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا، وَمَنْ قَالَ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرًا وَأَجَازَهُ بِلَا وَلِيٍّ فَأَوْلَى وَمَعْنَاهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الثَّيِّبَ لَا يَجُوزُ لِأَبِيهَا وَلَا غَيْرِهِ جَبْرُهَا عَلَى النِّكَاحِ، إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ: نِكَاحُ الْأَبِ جَائِزٌ عَلَى بِنْتِهِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا أُكْرِهَتْ أَمْ لَا، قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِقَوْلِهِ فِي الثَّيِّبِ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ» " وَاخْتُلِفَ فِي بُطْلَانِهِ وَلَوْ رَضِيَتْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ لِخَنْسَاءَ إِلَّا أَنْ تُجِيزِي، وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ: إِلَّا أَنْ تَرْضَى بِالْقُرْبِ بِالْبَلَدِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَفَوْرٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَهَا أَنْ تُجِيزَهُ فَيَجُوزَ أَوْ تُبْطِلَهُ فَيَبْطُلَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَأَمَّا حَدِيثُ النَّسَائِيِّ «عَنْ جَابِرٍ: " أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهَا فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا» " فَحَمَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّهُ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ أَمَّا إِذَا زَوَّجَهَا بِكُفُؤٍ فَيَنُفُذُ وَلَوْ طَلَبَتْ هِيَ كُفُؤًا غَيْرَهُ لِأَنَّهَا مُجْبَرَةٌ فَلَيْسَ لَهَا اخْتِيَارُ الْأَزْوَاجِ، وَالْأَبُ أَكْمَلُ نَظَرًا مِنْهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُجْبِرِ فَلَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا مِمَّنْ عَيَّنَتْهُ لِأَنَّ إِذْنَهَا شَرْطٌ فِي أَصْلِ تَزْوِيجِهَا فَاعْتُبِرَ تَعْيِينُهَا. انْتَهَى، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا كَلَامَ لِلْبِكْرِ مَعَ الْأَبِ وَلَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ كُفُؤٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ زَوَّجَهَا بِذِي عَيْبٍ لَيْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 لِلْأَبِ جَبْرُهَا عَلَيْهِ، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَيَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ بِفَتَحَاتٍ، كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مُسْلِمٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِيهِ لَرَجَمْتُ   1136 - 1115 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (الْمَكِّيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ: هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ " «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. (وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْقَافِ وَالدَّالِ أَيْ سَبَقْتُ غَيْرِي، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ بِضَمِّ التَّاءِ وَالْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ سَبَقَنِي غَيْرِي (فِيهِ لَرَجَمْتُ) فَاعِلَهُ، وَجَعَلَهُ سِرًّا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَتِمَّ فِيهِ، وَقَدْ أَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا دَخْلَ لِلنِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّمَا يَصِحُّ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ الْعَقْدَ بِدُونِ شَهَادَةٍ ثُمَّ يَشْهَدَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَالَ: نِكَاحُ السِّرِّ مَا أُوصِيَ بِكَتْمِهِ، وَالشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ: مَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ. وَيُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. الحديث: 1136 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ رُشَيْدٍ الثَّقَفِيِّ فَطَلَّقَهَا فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَبَاتٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ كَانَ الْآخَرُ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا. قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَتَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا إِنَّهَا لَا تَنْكِحُ إِنْ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ إِذَا خَافَتْ الْحَمْلَ   1137 - 1116 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ هِشَامٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ طُلَيْحَةَ) بِنْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ (الْأَسْدِيَّةَ) لَهَا إِدْرَاكٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا وَقَعَ الْأَسْدِيَّةُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُوَطَّأِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى، وَهُوَ خَطَأٌ وَجَهْلٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ تَيْمِيَّةٌ أُخْتُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَحَدِ الْعَشَرَةِ التَّيْمِيِّ (كَانَتْ تَحْتَ رُشَيْدٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ (الثَّقَفِيِّ) الطَّائِفِيِّ ثُمَّ الْمَدَنِيِّ مُخَضْرَمٌ (فَطَلَّقَهَا فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا) رَجُلًا غَيْرَ مُطَلِّقِهَا (فَضَرَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالْقَافِ، هَكَذَا ضُبِطَ بِالْقَلَمِ فِي نُسَخٍ قَدِيمَةٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الدِّرَّةُ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا، وَفِي الْقَامُوسِ كَمِكْنَسَةٍ أَيْ بِوَزْنِهَا فَوَافَقَ الضَّبْطَ الْمَذْكُورَ (ضَرَبَاتٍ) تَعْزِيرًا لَهُمَا عَلَى الْعَقْدِ فِي الْعِدَّةِ (وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الحديث: 1137 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 الْخَطَّابِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا) فِي الْعِدَّةِ (لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ كَانَ الْآخَرُ) بَعْدَ تَمَامِ الْعِدَّةِ (خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ) لَهَا فَتَنْكِحُ مَنْ شَاءَتْ وَلَا يَكُونُ الْآخَرُ أَحَقَّ بِهَا (فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا) الْآخَرُ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنَ الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنَ الْآخِرِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ (ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا) لِتَأَبُّدِ التَّحْرِيمِ بِالْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ (قَالَ مَالِكٌ: وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا) مِنَ الْوَطْءِ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَتَعْتَدُّ) وَكَأَنَّهُ قَيَّدَ بِالْحُرَّةِ وَإِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ كَذَلِكَ (لِقَوْلِهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) إِذِ الْأَمَةُ عِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسٌ أَوْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَالْمُرَادُ الْمُعْتَدَّةُ (إِنَّهَا لَا تَنْكِحُ بَعْدَهَا إِنِ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ إِذَا خَافَتِ الْحَمْلَ) إِذْ عِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 [بَاب نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ عَلَيْهَا أَمَةً فَكَرِهَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا   12 - بَابُ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ. 1139 - 1117 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ عَلَيْهَا أَمَةً، فَكَرِهَا أَنْ الحديث: 1139 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا) وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ: تُخَيَّرُ الْحُرَّةُ فِي نَفْسِهَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إِذَا كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ مَنَاكِحِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ الْإِمَامُ بَعْدُ قَرِيبًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ الْحُرَّةُ فَإِنْ طَاعَتْ الْحُرَّةُ فَلَهَا الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ. قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي لِحُرٍّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَهُوَ يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَلَا يَتَزَوَّجَ أَمَةً إِذَا لَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ إِلَّا أَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وَقَالَ {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] قَالَ مَالِكٌ وَالْعَنَتُ هُوَ الزِّنَا   1139 - 1118 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) الْقُرَشِيِّ (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ الْحُرَّةُ فَإِنْ طَاعَتِ الْحُرَّةُ فَلَهَا الثُّلُثَانِ مِنَ الْقَسْمِ) وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ: وَإِلَيْهِ رَجَعَ مَالِكٌ، وَالْمَشْهُورُ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُفَضَّلَ الْحُرَّةُ عَلَيْهَا فِي الْقَسْمِ (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (لِحُرٍّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَهُوَ يَجِدُ طَوْلًا) غِنًى أَيْ مَهْرًا (لِحُرَّةٍ وَلَا يَتَزَوَّجُ أَمَةً إِذَا لَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ إِلَّا أَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ) الزِّنَى، وَفَحْوَى كَلَامِهِ هُنَا أَنَّ الطَّوْلَ هُوَ الْمَالُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَزَادَ: وَلَيْسَ وُجُودُ الْحُرَّةِ تَحْتَهُ بِطَوْلٍ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ هُوَ وُجُودُ الْحُرَّةِ فِي عِصْمَتِهِ، وَوَجَّهَ الْبَاجِيُّ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِالْمَالِ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ نِكَاحِ الْحَرَائِرِ، وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَلَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى ذَلِكَ وَلَا يُسَمَّى طَوْلًا لُغَةً وَلَا شَرْعًا. (وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] الْحَرَائِرَ (الْمُؤْمِنَاتِ) هُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ إِرْقَاقُ الْوَلَدِ فِي الْإِمَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي حَرَائِرِ الْكِتَابِيَّاتِ، وَقَدْ نَصَّ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ، وَطَرَدَ أَصْلَهُ، فَأَجَازَ نِكَاحَ الِابْنِ أَمَةَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأُمَّهَاتِهِ، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمُ اشْتِرَاطَهُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ إِجْمَاعٌ كَمَا قِيلَ أُلْغِيَ الْوَصْفُ بِالْمُؤْمِنَاتِ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ اعْتِبَارُهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ هُنَا بُنِيَ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ. انْتَهَى. وَدَلِيلُ الْغَايَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 5] {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] تَنْكِحُ {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] لَا الْكَافِرَاتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ بِالنِّكَاحِ بَلْ بِالْمِلْكِ. (وَقَالَ: ذَلِكَ) أَيْ نِكَاحُ الْمَمْلُوكَاتِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّوْلِ {لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] أَيْ خَافَهُ (وَالْعَنَتُ هُوَ الزِّنَى) وَأَصْلُهُ الْمَشَقَّةُ سُمِّيَ بِهِ الزِّنَى لِأَنَّهُ سَبَبُهُ بِالْحَدِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 [بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ وَقَدْ كَانَتْ تَحْتَهُ فَفَارَقَهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ ثَلَاثًا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ   13 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ وَقَدْ كَانَتْ تَحْتَهُ فَفَارَقَهَا 1140 - 1119 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا فَقِيلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُسْتَرَ اسْمُهُ وَيُكَنَّى عَنْهُ، وَقِيلَ هُوَ أَبُو الزِّنَادِ وَهُوَ أَبْعَدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ زَيْدٍ وَلَا رَآهُ وَلَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَقِيلَ: هُوَ طَاوُسٌ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَإِنَّمَا كُتِمَ اسْمُهُ مَعَ جَلَالَتِهِ لِأَنَّ طَاوُسًا كَانَ يَطْعَنُ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَيَدْعُو عَلَيْهِمْ فِي مَجَالِسِهِ، وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَيَقْبَلُ جَوَائِزَهُمْ، وَقَدْ سُئِلَ مَرَّةً فِي مَجْلِسِ هِشَامٍ أَتَرْوِي عَنْ طَاوُسٍ؟ فَقَالَ لِلسَّائِلِ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ طَاوُسًا لَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ وَلَمْ يُجِبْهُ بِأَنَّهُ يَرْوِي أَوْ لَا يَرْوِي، فَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورَ هُوَ طَاوُسٌ. انْتَهَى. (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ) امْرَأَتَهُ (ثَلَاثًا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا: إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَعَلَى هَذَا الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ خِلَافًا لِقَوْلِ بَعْضِ السَّلَفِ: تَحِلُّ لِعُمُومِ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 3] قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهَا لَا تُبِيحُ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ فَكَذَا سَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ. الحديث: 1140 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ عَبْدًا لَهُ جَارِيَةً فَطَلَّقَهَا الْعَبْدُ الْبَتَّةَ ثُمَّ وَهَبَهَا سَيِّدُهَا لَهُ فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَقَالَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ   1140 - 1120 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 عَبْدًا لَهُ جَارِيَةً لَهُ فَطَلَّقَهَا الْعَبْدُ أَلْبَتَّةَ) أَيْ جَمِيعَ طَلَاقِهِ وَهُوَ اثْنَتَانِ (ثُمَّ وَهَبَهَا سَيِّدُهَا لَهُ هَلْ تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ؟ فَقَالَا: لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) لِدُخُولِهَا فِي الْآيَةِ فَوَافَقَا زَيْدًا عَلَى فَتْوَاهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ فَاشْتَرَاهَا وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَقَالَ تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَبُتَّ طَلَاقَهَا فَإِنْ بَتَّ طَلَاقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْأَمَةَ فَتَلِدُ مِنْهُ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا إِنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِذَلِكَ الْوَلَدِ الَّذِي وَلَدَتْ مِنْهُ وَهِيَ لِغَيْرِهِ حَتَّى تَلِدَ مِنْهُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ ابْتِيَاعِهِ إِيَّاهَا قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ ثُمَّ وَضَعَتْ عِنْدَهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِذَلِكَ الْحَمْلِ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ   1142 - 1121 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ) لِغَيْرِهِ (فَاشْتَرَاهَا) مِنْهُ (وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَقَالَ: تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ) وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ (مَا لَمْ يَبُتَّ) بِضَمِّ الْبَاءِ (طَلَاقَهَا فَإِنْ بَتَّ طَلَاقَهَا) أَتَمَّهُ ثَلَاثًا (فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) لِلْآيَةِ إِذْ لَمْ يَفْصِلْ فِيهَا بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْأُمَّةَ فَتَلِدُ مِنْهُ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا: إِنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِذَلِكَ الْوَلَدِ الَّذِي وَلَدَتْ مِنْهُ وَهِيَ) مَمْلُوكَةٌ (لِغَيْرِهِ) إِذِ الْوَلَدُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ أَمَةٌ وَلَدَتْ مِنْ مَالِكِهَا فَحَمْلُهَا مِنْهُ حُرٌّ وَيَسْتَمِرُّ عَدَمُ أُمُومَةِ الْوَلَدِ (حَتَّى تَلِدَ مِنْهُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ ابْتِيَاعِهِ إِيَّاهَا) فَتَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ (وَإِنِ اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَضَعَتْ عِنْدَهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِذَلِكَ الْحَمْلِ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ) بِالْحُكْمِ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ مَلَكَهَا حَامِلًا حَتَّى تَحْمِلَ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إِذَا مَلَكَهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَزَيَّفَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ وَلَدَهَا عَبْدٌ تَبَعٌ لَهَا فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ؟ قَالَ: وَهَذَا وَاضِحٌ. الحديث: 1142 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 [بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إِصَابَةِ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ تُوطَأُ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى فَقَالَ عُمَرُ مَا أُحِبُّ أَنْ أَخْبُرَهُمَا جَمِيعًا وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ   14 - بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إِصَابَةِ أُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا كَرَاهِيَةٌ بِخِفَّةِ الْيَاءِ مَصْدَرُ كَرِهَ مِثْلُ كَرَاهَةٍ وَالْمُرَادُ التَّحْرِيمُ، وَ " الْمَرْأَةِ " بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى " إِصَابَةِ "، وَبَدَأَ بِمَا أَخَّرَهُ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ: 1143 1122 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (ابْنِ مَسْعُودٍ) الْهُذَلِيِّ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الثَّبَتِ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ الْهُذَلِيِّ ابْنِ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَاتَ بَعْدَ السَّبْعِينَ. (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينَ تُوطَأُ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى) مَا الْحُكْمُ؟ (فَقَالَ عُمَرُ: مَا أُحِبَّ أَنْ أَخْبُرَهُمَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ: أَطَأَهُمَا، يُقَالُ لِلْحَرَّاثِ خَبِيرٌ، وَمِنْهُ الْمُخَابَرَةُ (جَمِيعًا وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ) نَهْيَ تَحْرِيمٍ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَلَمْ أَكُنْ لِأَفْعَلَهُ وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ تَبَعٌ لَهُ إِلَّا فِي الْعَدَدِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَنْ الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ عُثْمَانُ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ فَأَمَّا أَنَا فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَصْنَعَ ذَلِكَ قَالَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ كَانَ لِي مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْتُ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لَجَعَلْتُهُ نَكَالًا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أُرَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ   1144 - 1123 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (ابْنِ ذُؤَيْبٍ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرًا، الْخُزَاعِيُّ (أَنَّ رَجُلًا) لَمْ يُسَمَّ (سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَنِ الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُرِيدُ الحديث: 1144 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 قَوْلُهُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ أُخْتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج: 29 - 30] (سُورَةُ الْمَعَارِجِ: الْآيَةُ 30) قِيلَ: وَهَذَا أَقْرَبُ، وَلَوْ أَرَادَ مَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَقَالَ: أَحَلَّتْهُمَا آيَتَانِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُرِيدُ تَحْلِيلَ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ، انْتَهَى. فَحَمَلَ " آيَةً " عَلَى الْجِنْسِ، وَبِهِ يُجَابُ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ (وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ) يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) بِلَا خِلَافٍ، وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لِسَائِلِهِ اخْتِلَافَ الْآيَتَيْنِ أَخْبَرَهُ بِمَا اخْتَارَهُ بِقَوْلِهِ: (فَأَمَّا أَنَا فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَصْنَعَ ذَلِكَ) الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْوَطْءِ ; إِمَّا احْتِيَاطًا لِتَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ، وَإِمَّا عَلَى الْوُجُوبِ تَقْدِيمًا لِلْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ. (قَالَ) قَبِيصَةُ (فَخَرَجَ) الرَّجُلُ السَّائِلُ مِنْ عِنْدِهِ (فَلَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَقْطَعْ بِالتَّحْرِيمِ وَلَا الْحِلِّ (فَقَالَ: لَوْ كَانَ لِي مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْتُ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لَجَعَلْتُهُ نَكَالًا) عِبْرَةً مَانِعَةً لِغَيْرِهِ مِنِ ارْتِكَابِ مِثْلِ مَا فَعَلَ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: النَّكَالُ الْعُقُوبَةُ الَّتِي تَنْكِلُ النَّاسَ عَنْ فِعْلِ مَا جُعِلَتْ لَهُ جَزَاءً، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ يَقُلْ حَدَدْتُهُ حَدَّ الزِّنَى ; لِأَنَّ الْمُتَأَوِّلَ لَيْسَ بِزَانٍ إِجْمَاعًا وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَّا مَا لَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ، وَهَذَا شُبْهَتُهُ قَوِيَّةٌ وَهِيَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أُرَاهُ) أَظُنُّ الصَّحَابِيَّ الْقَائِلَ هَذَا (عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) وَكَنَّى عَنْهُ قَبِيصَةُ لِصُحْبَتِهِ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، وَبَنُو أُمَيَّةَ تَسْتَثْقِلُ سَمَاعَ ذِكْرِ عَلِيٍّ لَا سِيَّمَا مَا خَالَفَ فِيهِ عُثْمَانَ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَجُمْهُورُ السَّلَفِ عَلَى الْمَنْعِ وَأَبَاحَهُ بَعْضُهُمْ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ: أَيُّ الْعُمُومَيْنِ يُقَدَّمُ؟ وَأَيُّ الْآيَتَيْنِ أَوْلَى أَنْ تَخُصَّ بِهَا الْأُخْرَى؟ وَالْأَصَحُّ التَّخْصِيصُ بِآيَةِ النِّسَاءِ ; لِأَنَّهَا وَرَدَتْ فِي تَعْيِينِ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَفْصِيلِهِنَّ، وَأَخْذُ الْأَحْكَامِ مِنْ مَظَانِّهَا أَوْلَى مِنْ أَخْذِهَا لَا مِنْ مَظَانِّهَا، فَهِيَ أَوْلَى مِنَ الْآيَةِ الْوَارِدَةِ فِي مَدْحِ قَوْمٍ حَفِظُوا فُرُوجَهُمْ إِلَّا عَمَّا أُبِيحَ لَهُمْ، وَلِأَنَّ آيَةَ مِلْكِ الْيَمِينِ دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ بِاتِّفَاقٍ، إِذْ لَا يُبَاحُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ذَوَاتُ مَحَارِمِهِ اللَّائِي يَصِحُّ لَهُ مِلْكُهُنَّ وَلَا الْأُخْتُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأَمَّا آيَةُ التَّحْرِيمِ فَدُخُولُ التَّخْصِيصِ فِيهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ ; لِأَنَّهَا عِنْدَنَا عَلَى عُمُومِهَا وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ مُخَصَّصَةٌ، وَتَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا دَخَلَهُ ; لِأَنَّ الْعَامَّ إِذَا خُصِّصَ ضَعُفَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا الْخِلَافُ كَانَ مِنْ بَعْضِ السَّلَفِ ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ بَعْدَهُ عَلَى الْمَنْعِ إِلَّا طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيُصِيبُهَا ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ أُخْتَهَا إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَيْهِ فَرْجَ أُخْتِهَا بِنِكَاحٍ أَوْ عِتَاقَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يُزَوِّجُهَا عَبْدَهُ أَوْ غَيْرَ عَبْدِهِ   1144 - 1124 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ مِثْلُ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَهُ عَلِيٌّ (قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيُصِيبُهَا) يُجَامِعُهَا (ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ أُخْتَهَا: إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُحَرَّمَ عَلَيْهِ فَرْجُ أُخْتِهَا بِنِكَاحٍ) بِأَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ (أَوْ عَتَاقَةٍ) نَاجِزَةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ (أَوْ كِتَابَةٍ) لِحُرْمَةِ فَرْجِهَا عَلَيْهِ بِهَا ; لِأَنَّهَا أَحْرَزَتْ نَفْسَهَا وَمَالَهَا بِالْكِتَابَةِ (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) كَأَسْرٍ وَإِبَاقِ إِيَاسٍ وَبَيْعٍ (يُزَوِّجُهَا عَبْدَهُ أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ) أَوْ حُرًّا بِشَرْطِهِ، وَهَذَا إِيضَاحٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا بِنِكَاحٍ، دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ إِذَا زَوَّجَهَا عَبْدَهُ لَا تَحِلُّ أُخْتُهَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِ لَهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 [بَاب النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ أَمَةً كَانَتْ لِأَبِيهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهَبَ لِابْنِهِ جَارِيَةً فَقَالَ لَا تَمَسَّهَا فَإِنِّي قَدْ كَشَفْتُهَا   15 - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ أَمَةً كَانَتْ لِأَبِيهِ 1146 - 1125 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهَبَ لِابْنِهِ جَارِيَةً، فَقَالَ: لَا تَمَسَّهَا فَإِنِّي قَدْ كَشَفْتُهَا) قَالَ الْبَاجِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى بَعْضِ مَا تَسْتُرُهُ مِنْ جَسَدِهَا عَلَى وَجْهِ طَلَبِ التَّلَذُّذِ وَالِاسْتِمْتَاعِ، فَأَبْدَى الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ الْكَشْفُ، فَلَوْ كَانَ الْمِلْكُ كَافِيًا كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذَلِكَ. الحديث: 1146 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ أَنَّهُ قَالَ وَهَبَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِابْنِهِ جَارِيَةً فَقَالَ لَا تَقْرَبْهَا فَإِنِّي قَدْ أَرَدْتُهَا فَلَمْ أَنْشَطْ إِلَيْهَا   1146 - 1126 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَلَاثَةٌ، ابْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (أَنَّهُ قَالَ: وَهَبَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِابْنِهِ جَارِيَةً فَقَالَ: لَا تَقْرَبْهَا فَإِنِّي قَدْ أَرَدْتُهَا) عَلَى الْجِمَاعِ (فَلَمْ أَنْشَطْ إِلَيْهَا) لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 أُجَامِعْهَا بَعْدَ كَشْفِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 110 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا نَهْشَلِ بْنَ الْأَسْوَدِ قَالَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِنِّي رَأَيْتُ جَارِيَةً لِي مُنْكَشِفًا عَنْهَا وَهِيَ فِي الْقَمَرِ فَجَلَسْتُ مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ فَقَالَتْ إِنِّي حَائِضٌ فَقُمْتُ فَلَمْ أَقْرَبْهَا بَعْدُ أَفَأَهَبُهَا لِابْنِي يَطَؤُهَا فَنَهَاهُ الْقَاسِمُ عَنْ ذَلِكَ   1147 - 1127 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ أَبَا نَهْشَلٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَلَامٍ، ابْنَ الْأَسْوَدِ (قَالَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: إِنِّي رَأَيْتُ جَارِيَةً لِي مُنْكَشِفًا عَنْهَا) ثِيَابُهَا (وَهِيَ فِي الْقَمَرِ، فَجَلَسْتُ مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ) بَيْنَ وِرْكَيْهَا لِأَنْكِحَهَا (فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقُمْتُ فَلَمْ أَقْرَبْهَا بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ (أَفَأَهَبُهَا لِابْنِي يَطَؤُهَا؟ فَنَهَاهُ الْقَاسِمُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ هِبَتِهَا لِلْوَطْءِ، أَمَّا الْهِبَةُ بِلَا وَطْءٍ فَيَجُوزُ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ وَسَالِمٌ. الحديث: 1147 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّهُ وَهَبَ لِصَاحِبٍ لَهُ جَارِيَةً ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ قَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَهَبَهَا لِابْنِي فَيَفْعَلُ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَمَرْوَانُ كَانَ أَوْرَعَ مِنْكَ وَهَبَ لِابْنِهِ جَارِيَةً ثُمَّ قَالَ لَا تَقْرَبْهَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ سَاقَهَا مُنْكَشِفَةً   1147 - 1128 - (مَالِكٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، وَاسْمُهُ شِمْرٌ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، الشَّامِيُّ، يُكَنَّى أَبَا إِسْمَاعِيلَ، ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ) بْنِ الْحَكَمِ الْأُمَوِيِّ، أَحَدُ مُلُوكِ بَنِي أُمَيَّةَ (أَنَّهُ وَهَبَ لِصَاحِبٍ لَهُ جَارِيَةً، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ: قَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَهَبَهَا لِابْنِي فَيَفْعَلُ بِهَا كَذَا وَكَذَا) كِنَايَةً عَنْ جِمَاعِهَا (فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَمَرْوَانُ) بِفَتْحِ اللَّامِ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ، أَيْ وَاللَّهِ لَمَرْوَانُ، يَعْنِي أَبَاهُ (كَانَ أَوْرَعَ مِنْكَ، وَهَبَ لِابْنِهِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرِيدُ نَفْسَهُ أَوْ أَخَاهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ بَنِيهِ (جَارِيَةً ثُمَّ قَالَ: لَا تَقْرَبْهَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ سَاقَهَا مُنْكَشِفَةً) فَالْتَذَذْتُ بِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 [بَاب النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ] قَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنْ الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّاتِ وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] فَهُنَّ الْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ فِيمَا نُرَى نِكَاحَ الْإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ وَلَمْ يُحْلِلْ نِكَاحَ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمَةُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ   16 - بَابُ النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: وَالْمُحْصَنَاتُ) الْحَرَائِرُ {مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ} [المائدة: 5] الْحَرَائِرُ {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابِ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] حِلٌّ لَكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ (فَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنَ الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّاتِ) فَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ لَا الْمَجُوسُ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ ; إِذْ لَا كِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ، وَكَذَا مَنْ تَمَسَّكَ بِصُحُفِ شِيثٍ وَإِدْرِيسَ وَإِبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُدَ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ بِنَظْمٍ يُدْرَسُ وَيُتْلَى وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِمْ مَعَانِيهَا، أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَتَضَمَّنْ أَحْكَامًا وَشَرَائِعَ بَلْ كَانَتْ حِكَمًا وَمَوَاعِظَ. (وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [النساء: 25] غِنًى {أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] الْحَرَائِرَ (الْمُؤْمِنَاتِ) أَوِ الْكِتَابِيَّاتِ، بِدَلِيلِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فَالْوَصْفُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] تُنْكَحُ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ فَهُنَّ أَيِ الْفَتَيَاتُ (الْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ، فَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ فِيمَا نَرَى نِكَاحَ الْإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ) لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا، وَخَافَ الْعَنَتَ (وَلَمْ يُحْلِلْ) بِالْفَكِّ، وَفِي نُسْخَةٍ: يَحِلَّ، بِالْإِدْغَامِ (نِكَاحَ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ) وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ وَالظُّهُورِ، وَكَذَا يَحْرُمُ نِكَاحُ نِسَاءِ سَائِرِ الْكُفَّارِ الْحَرَائِرِ غَيْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَعَبَدَةِ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَصُوَرٍ وَنُجُومٍ وَمُعَطِّلَةٍ وَزَنَادِقَةٍ وَبَاطِنِيَّةٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْكِتَابِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ غَيْرَهَا اجْتَمَعَ فِيهِ نَقْصُ الْكُفْرِ فِي الْحَالِ وَفَسَادُ الدِّينِ فِي الْأَصْلِ، وَالْكِتَابِيَّةُ فِيهَا نَقْصٌ وَاحِدٌ وَهُوَ كُفْرُهَا فِي الْحَالِ. (وَالْأَمَةُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] (النِّسَاءِ: الْآيَةُ 3) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 (وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ) لِلْقَاعِدَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ وَطْءُ حَرَائِرِهِمْ بِالنِّكَاحِ جَازَ وَطْءُ إِمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ، وَكُلُّ مَنْ مُنِعَ وَطْءُ حَرَائِرِهِمْ بِالنِّكَاحِ مُنِعَ وَطْءُ إِمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِحْصَانِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ {الْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ} [النساء: 24] هُنَّ أُولَاتُ الْأَزْوَاجِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا   17 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِحْصَانِ 1149 - 1129 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ) تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) (هُنَّ أُولَاتُ الْأَزْوَاجِ) لِأَنَّهُنَّ أَحْصَنَّ فُرُوجَهُنَّ بِالتَّزْوِيجِ (وَيَرْجِعُ) ذَلِكَ (إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الزِّنَى) وَكَذَا رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) عِنْدَهُمْ تَمْلِكُونَ عِصْمَتَهُمْ بِالنِّكَاحِ وَبِالشِّرَاءِ، أَيْ بِجَعْلِ " إِلَّا " لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ فَكَأَنَّهُنَّ كُلُّهُنَّ مِلْكُ يَمِينٍ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ زِنًى، وَاقْتَصَرَتْ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ السَّبَايَا ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ خَاصَّةً، فَقَوْلُهُ: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) يَعْنِي مِنْهُنَّ لِهَدْمِ السَّبْيِ النِّكَاحَ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعُ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَالْحَقُّ، وَقِيلَ: الْمُحْصَنَاتُ كُلُّ ذَاتِ زَوْجٍ مِنَ السَّبَايَا وَغَيْرِهِمْ، فَإِذَا بِيعَتْ أَمَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ كَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا وَحَلَّتْ لِمُشْتَرِيهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَيَرُدُّهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ بَرِيرَةَ بَعْدَمَا بِيعَتْ وَعَتَقَتْ، فَلَوْ كَانَ بَيْعُهَا طَلَاقَهَا مَا خَيَّرَهَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ مُلَخَّصًا. الحديث: 1149 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَبَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ إِذَا نَكَحَ الْحُرُّ الْأَمَةَ فَمَسَّهَا فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ تُحْصِنُ الْأَمَةُ الْحُرَّ إِحُرَّ الْمُسْلِمَ إِذَا نَكَحَ إِحْدَاهُنَّ فَأَصَابَهَا   1150 - 1130 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) سَمَاعًا (وَبَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: إِذَا نَكَحَ الْحُرُّ الْأَمَةَ فَمَسَّهَا فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ) وَلَا يُحْصِنُهَا. الحديث: 1150 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 (قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاسِمُ وَهُوَ (تُحَصِّنُ الْأَمَةُ الْحُرَّ إِذَا نَكَحَهَا فَمَسَّهَا) أَصَابَهَا (فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ) فَهُوَ إِيضَاحٌ لِمَا أَفَادَهُ اسْمُ الْإِشَارَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: يُحَصِّنُ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ إِذَا مَسَّهَا بِنِكَاحٍ وَلَا تُحَصِّنُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ (الْحُرَّةُ الْعَبْدَ إِلَّا أَنْ يُعْتَقَ) أَيْ يَعْتِقَهُ سَيِّدُهُ (وَهُوَ زَوْجُهَا فَيَمَسَّهَا بَعْدَ عِتْقِهِ، فَإِنْ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ حَتَّى يَتَزَوَّجَ بَعْدَ عِتْقِهِ وَيَمَسَّ امْرَأَتَهُ) الَّتِي تَزَوَّجَهَا حُرَّةً أَوْ أَمَةً (وَالْأَمَةُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ تَعْتِقَ فَلَا يُحَصِّنُهَا نِكَاحُهُ إِيَّاهَا وَهِيَ أَمَةٌ حَتَّى تُنْكَحَ بَعْدَ عِتْقِهَا وَيُصِيبَهَا زَوْجُهَا، فَذَلِكَ إِحْصَانُهَا) فَالْأَمَةُ تُحَصِّنُ الْحُرَّ وَلَا يُحَصِّنُهَا، وَزَادَهُ إِيضَاحًا فَقَالَ: (وَالْأَمَةُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ فَتَعْتِقُ وَهِيَ تَحْتَهُ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا أَنَّهُ يُحَصِّنُهَا إِذَا عَتَقَتْ وَهِيَ عِنْدَهُ إِذَا هُوَ أَصَابَهَا بَعْدَ أَنْ تَعْتِقَ) فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا بَعْدَهُ لَمْ تَتَحَصَّنْ بِنِكَاحِهِ وَهِيَ رَقِيقَةٌ. (وَالْحُرَّةُ النَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ وَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ يُحْصِنَّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ (الْحُرَّ الْمُسْلِمَ) بِالنَّصْبِ، مَفْعُولٌ (إِذَا نَكَحَ إِحْدَاهُنَّ) فَاعِلٌ، أَيْ نِكَاحَ إِحْدَاهُنَّ (فَأَصَابَهَا) جَامَعَهَا، فَيُحَصِّنُهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ وَالْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ وَلَا يُحَصِّنُ هُوَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، فَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَتُحَصِّنُ الْأَمَةُ الْحُرَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: عَمَّنْ؟ قَالَ: أَدْرَكْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ ذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 [بَاب نِكَاحِ الْمُتْعَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ»   18 - بَابُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ هُوَ النِّكَاحُ لِأَجَلٍ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ: كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنِ اضْطُرَّ إِلَيْهَا كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ثُمَّ أَحْكَمَ اللَّهُ الدِّينَ وَنَهَى عَنْهَا، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. 1151 - 1131 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَلَوِيِّ أَبِي هَاشِمٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، ثِقَةٌ، مِنْ رِجَالِ الْكُلِّ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ بِالشَّامِ. (وَالْحَسَنِ، ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الْهَاشِمِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ، ثِقَةٌ، فَقِيهٌ، يَقُولُ الْمَدَنِيُّ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْإِرْجَاءِ. مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ أَوْ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ (عَنْ أَبِيهِمَا) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي الْقَاسِمِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ الْهَاشِمِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ، عَالِمٌ، تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ، مَاتَ بَعْدَ الثَّمَانِينَ (عَنْ) أَبِيهِ (عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، زَادَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ لِفُلَانٍ - يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ -: إِنَّكَ رَجُلٌ تَايِهٌ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ» ) وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَهِيَ النِّكَاحُ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ كَقُدُومِ زَيْدٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا مُجَرَّدُ التَّمَتُّعِ دُونَ التَّوَالُدِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَغْرَاضِ النِّكَاحِ. وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُلِينُ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَقَالَ: مَهْلًا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهَا (يَوْمَ خَيْبَرَ) هَكَذَا اتَّفَقَ مَالِكٌ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَلَى خَيْبَرَ، بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ آخِرِهِ، إِلَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: حُنَيْنٍ، بِمُهْمَلَةٍ وَنُونَيْنِ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَا: إِنَّهُ وَهْمٌ تَفَرَّدَ بِهِ الْقَطَّانُ. (وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) قَالَ عِيَاضٌ: رَوَاهُ الْأَكْثَرُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَالْإِنْسُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: النَّاسُ، وَلَا خِلَافَ فِي الْأَخْذِ بِالنَّهْيِ عَنْ أَكْلِهَا إِلَّا شَيْءٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَبَعْضِ السَّلَفِ، وَفِي أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ أَوِ الْكَرَاهَةِ قَوْلَانِ لِمَالِكٍ، وَفِي أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهَا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قُسِّمَتْ أَوْ خَوْفُ فَنَاءِ الظَّهْرِ أَوْ لِأَنَّهَا كَانَتْ جَلَّالَةً رِوَايَاتٌ، وَقِيلَ: هُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ لِغَيْرِ عِلَّةٍ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ عَنْ مَالِكٍ تَحْرِيمُهَا، وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَالْمُتَحَصَّلُ الحديث: 1151 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ أَوَّلَهَا خَيْبَرُ، ثُمَّ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مُرْسَلًا، وَمَرَاسِيلُهُ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، ثُمَّ الْفَتْحُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: " «إِنَّهَا حَرَامٌ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ". ثُمَّ أَوْطَاسٌ كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ بِلَفْظِ: " «رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ أَوْطَاسٍ فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا ثُمَّ نَهَى عَنْهَا» ". وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى عَامِ الْفَتْحِ عَامَ أَوْطَاسٍ لِتَقَارُبِهِمَا، لَكِنْ يَبْعُدُ أَنْ يَقَعَ الْإِذْنُ فِي أَوْطَاسٍ بَعْدَ التَّصْرِيحِ قَبْلَهَا فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهَا حُرِّمَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ تَبُوكُ فِيمَا أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْمُؤَمَّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمُ اسْتَمْتَعُوا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ كَانَ النَّهْيُ قَدِيمًا فَلَمْ يَبْلُغْ بَعْضَهُمْ فَاسْتَمَرَّ عَلَى الرُّخْصَةِ، وَلِذَلِكَ قَرَنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيَ بِالْغَضَبِ كَمَا رَوَاهُ الْحَازِمِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ; لِتَقَدُّمِ النَّهْيِ عَنْهُ. ثُمَّ حَجَّةُ الْوَدَاعِ كَمَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، لَكِنِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الرَّبِيعِ ابْنِ سَبْرَةَ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ بِأَنَّهَا فِي الْفَتْحِ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، فَإِنْ كَانَ فَلَيْسَ فِي سِيَاقِ أَبِي دَاوُدَ سِوَى مُجَرَّدِ النَّهْيِ، فَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ إِعَادَةَ النَّهْيِ لِيَسْمَعَهُ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ قَبْلُ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّهُمْ حَجُّوا بِنِسَائِهِمْ بَعْدَ أَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِفَتْحِ خَيْبَرَ بِالْمَالِ وَالسَّبْيِ، فَلَمْ يَكُونُوا فِي شِدَّةٍ وَلَا طُولِ غُرْبَةٍ. قَالَ عِيَاضٌ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِنَّمَا هُوَ تَجْدِيدُ النَّهْيِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَلِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَلِإِتْمَامِ الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ كَمَا قَرَّرَ غَيْرَ شَيْءٍ يَوْمَئِذٍ اهـ. فَلَمْ يَبْقَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ سِوَى خَيْبَرَ وَالْفَتْحِ، مَعَ مَا وَقَعَ فِي خَيْبَرَ مِنَ الْكَلَامِ حَتَّى زَعَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ ذِكْرَ النَّهْيِ يَوْمَ خَيْبَرَ غَلَطٌ، وَالسُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَلَا رُوَاةِ الْأَثَرِ، فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ فِي لَفْظِ الزُّهْرِيِّ اهـ. أَيْ فَيَكُونُ نَهْيُ يَوْمِ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ وَعَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، فَلَيْسَ يَوْمُ خَيْبَرَ ظَرْفًا لِمُتْعَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي غَزْوَتِهَا تَمَتُّعٌ بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَسْتَمْتِعُوا بِالْيَهُودِيَّاتِ، وَهَذَا نَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَقَالَ إِنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: إِنَّ تَارِيخَ خَيْبَرَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ إِنَّمَا هُوَ فِي النَّهْيِ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ يُشْبِهُ أَنَّهُ كَمَا قَالَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ نَهَى عَنْهُ، فَيَكُونُ احْتِجَاجٌ بِنَهْيِهِ آخِرًا حَتَّى تَقُومَ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتُعُقِّبَ هَذَا كُلُّهُ بِأَنَّهُ بَعْدَ اتِّفَاقِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُمْ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ، وَلِذَا قَالَ عِيَاضٌ: تَحْرِيمُهَا يَوْمَ خَيْبَرَ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمُتْعَةَ مِمَّا تَنَاوَلَهَا الْإِبَاحَةُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّسْخُ مَرَّتَيْنِ كَمَا اتَّفَقَ فِي الْقِبْلَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالْإِبَاحَةَ كَانَا مَرَّتَيْنِ، فَكَانَتْ حَلَالًا قَبْلَ خَيْبَرَ ثُمَّ حُرِّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ، ثُمَّ أُبِيحَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ يَوْمُ أَوْطَاسٍ لِاتِّصَالِهَا بِهَا ثُمَّ حُرِّمَتْ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا إِلَى يَوْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 الْقِيَامَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ مِنْ غَرَائِبِ الشَّرِيعَةِ، أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ، فَالْإِبَاحَةُ الْأُولَى أَنَّ اللَّهَ سَكَتَ عَنْهُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَجَرَى النَّاسُ فِي فِعْلِهِ عَلَى عَادَتِهِمْ، ثُمَّ حُرِّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ، ثُمَّ أُبِيحَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَأَوْطَاسٍ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ حُرِّمَتْ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى حَدِيثِ سَبْرَةَ اهـ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَتِهَا. وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: " «اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ". زَادَ فِي رِوَايَةٍ: حَتَّى نَهَى عُمَرُ، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي اسْتَمْتَعَ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيَ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا الرَّوَافِضُ، قَالَ الْمَازَرِيُّ: مُحْتَجِّينَ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} [النساء: 24] (النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) الْآيَةَ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ) ، وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ نُسِخَتْ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النِّكَاحِ الْمُؤَبَّدِ، وَقِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ تَتَوَاتَرْ، وَالْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِالْآحَادِ، وَاحْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ تَنَاقُضٌ يُوجِبُ الْقَدْحَ فِي الْحَدِيثِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَنْهَى عَنِ الشَّيْءِ فِي زَمَانٍ ثُمَّ يُكَرِّرُ النَّهْيَ عَنْهُ فِي زَمَنٍ آخَرَ تَأْكِيدًا، وَتُعُقِّبَ قَوْلُهُ: (يُخَالِفُ إِلَّا الرَّوَافِضُ) ، بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْجَوَازُ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَمُعَاوِيَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَمْرِو بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَسَلَمَةَ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ إِلَى آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ، وَالْإِجْمَاعُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا بَعْدُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى التَّحْرِيمِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ يَرَوْنَهُ حَلَالًا، وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الْخِلَافِ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ أَوْ لَا يَرْفَعُهُ وَيَكُونُ الْخِلَافُ بَاقِيًا؟ وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ الْخِلَافُ فِيمَنْ نَكَحَ مُتْعَةً هَلْ يُحَدُّ أَوْ لَا؟ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ وَلِلْخِلَافِ الْمُتَقَرَّرِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَحْرِيمِ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّهُ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الْآنَ فَسْخٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ إِلَّا زُفَرَ فَقَالَ بِصِحَّتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ إِذَا قَارَنَتِ النِّكَاحَ بَطَلَتْ وَمَضَى النِّكَاحُ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَفِي الِاسْتِذْكَارِ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ نَسْخُ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} [النساء: 24] الْآيَةَ. بِالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْمِيرَاثِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفْعَهُ مِثْلَهُ. وَفِي تَأْوِيلِهَا قَوْلٌ ثَانٍ لِجَمْعٍ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَنَّ الْمُتْعَةَ النِّكَاحُ الْحَلَالُ، فَإِذَا عَقَدَ وَطَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَدِ اسْتَمْتَعَ بِالْعَقْدِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَإِنْ دَخَلَ فَلَهَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ لِاسْتِمْتَاعِهِ الْمُتْعَةَ الْكَامِلَةَ، وَقَوْلُهُ {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ} [النساء: 24] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) مَعْنَاهُ أَنْ تَتْرُكَ الْمَرْأَةُ وَيُتْرَكَ لَهَا كَقَوْلِهِ: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ} [النساء: 4] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 4) وَ {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 237) . وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 الْمَغَازِي عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَالْمُهْمَلَةِ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَيُونُسُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ نَحْوَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ شَيْخُهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ إِنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ هَذِهِ الْمُتْعَةُ وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِيهَا لَرَجَمْتُ   1152 - 1132 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ) بْنِ أُمَيَّةَ السُّلَمِيَّةَ، يُقَالُ لَهَا أُمَّ شَرِيكٍ وَيُقَالُ لَهَا خُوَيْلَةَ أَيْضًا بِالتَّصْغِيرِ، صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ، يُقَالُ: إِنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ تَحْتَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ « (دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: إِنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ) بْنَ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ، أَخَا صَفْوَانَ، أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَشَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَرَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَقِفَ تَحْتَ صَدْرِ رَاحِلَتِهِ، وَقَالَ: يَا رَبِيعَةُ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ لَكُمْ أَيَّ بَلَدٍ هَذَا» . . . الْحَدِيثَ، فَذَكَرَهُ لِأَجْلِ هَذَا فِي الصَّحَابَةِ مَنْ لَمْ يُمْعِنِ النَّظَرَ كَالْبَغَوِيِّ وَأَصْحَابِهِ، مَعَ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ أَنَّ عُمَرَ غَرَّبَهُ فِي الْخَمْرِ إِلَى خَيْبَرَ، فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا. كَمَا بَسَطَهُ فِي الْإِصَابَةِ (اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ مُوَلِّدَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ) بَعْدَ نَهْيِكَ عَنِ الْمُتْعَةِ (فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَزَعًا) بِالْفَاءِ وَالزَّايِ (يَجُرُّ رِدَاءَهُ) مِنَ الْعَجَلَةِ (فَقَالَ: هَذِهِ الْمُتْعَةُ) الَّتِي ثَبَتَ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا (وَلَوْ كُنْتَ تَقَدَّمْتَ) أَيْ سَبَقَتْ غَيْرِي (فِيهَا لَرَجَمْتُ) أَيْ لَرَجَمْتُهُ، أَوِ الْمُرَادُ لَرَجَمْتُ فَاعِلَهَا رَبِيعَةَ أَوْ غَيْرَهُ ; لِأَنَّ حَذْفَ الْمَفْعُولِ يُؤْذِنُ بِالْعُمُومِ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ وَقَعَتْ لِرَبِيعَةَ قَبْلَ تَنَصُّرِهِ كَمَا فِي الْإِصَابَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْخَبَرُ عَنْ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ مُنْقَطِعٌ، وَرُوِّينَاهُ مُتَّصِلًا، ثُمَّ أَسْنَدَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْ تَقَدَّمْتُ فِيهَا لَرَجَمْتُ - يَعْنِي الْمُتْعَةَ -، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ قَبْلَ نَهْيِهِ عَنْهَا، وَهُوَ تَغْلِيظٌ لِيَرْتَدِعَ النَّاسُ وَيَنْزَجِرُوا عَنْ سُوءِ مَذْهَبِهِمْ وَقَبِيحِ تَأْوِيلَاتِهِمْ، وَاحْتِمَالٌ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى تَحْرِيمِهَا: لَرَجَمْتُ كَمَا يُرْجَمُ الزَّانِي، ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَلَى مَنْ وَطِئَ حَرَامًا لَمْ، يَتَأَوَّلْ فِيهِ سُنَّةً وَلَا قُرْآنًا اهـ. وَاخْتَلَفَ كِبَارُ أَصْحَابِ مَالِكٍ هَلْ يُحَدُّ حَدَّ الْبِكْرِ أَوِ الْمُحْصَنِ أَوْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ وَلِلْخِلَافِ الْمُتَقَرِّرِ فِيهَا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَحْرِيمِ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّهُ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مَالِكٍ، وَأَصْلُ هَذَا عِنْدَ بَعْضِ شُيُوخِنَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا حَرَّمَتْهُ السُّنَّةُ الحديث: 1152 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 وَبَيْنَ مَا حَرَّمَهُ الْقُرْآنُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ هَلْ يَصِحُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَ الْخِلَافِ أَمْ لَا يَنْعَقِدُ؟ وَحُكْمُ الْخِلَافِ بَاقٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَاقِلَانِيِّ، وَهَذَا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ رُجُوعِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهَا، فَأَمَّا عَلَى مَا رُوِيَ مِنْ رُجُوعِهِ فَقَدِ انْقَطَعَ الْخِلَافُ جُمْلَةً، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ نَكَحَ نِكَاحًا مُطْلَقًا وَنِيَّتُهُ أَنْ لَا يَمْكُثَ مَعَهَا إِلَّا مُدَّةً نَوَاهَا أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِنِكَاحِ مُتْعَةٍ، لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ هَذَا مِنَ الْجَمِيلِ وَلَا مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ، وَشَذَّ الْأَوْزَاعِيُّ فَقَالَ: هُوَ نِكَاحُ مُتْعَةٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ، قَالَهُ عِيَاضٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 [بَاب نِكَاحِ الْعَبِيدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ يَنْكِحُ الْعَبْدُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ مُخَالِفٌ لِلْمُحَلِّلِ إِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ثَبَتَ نِكَاحُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَالْمُحَلِّلُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إِذَا أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ التَّحْلِيلُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ إِذَا مَلَكَتْهُ امْرَأَتُهُ أَوْ الزَّوْجُ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ إِنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ يَكُونُ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَإِنْ تَرَاجَعَا بِنِكَاحٍ بَعْدُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا قَالَ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ إِذَا أَعْتَقَتْهُ امْرَأَتُهُ إِذَا مَلَكَتْهُ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ لَمْ يَتَرَاجَعَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ   19 - بَابُ نِكَاحِ الْعَبِيدِ 1153 - 1133 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ (أَرْبَعَ نِسْوَةٍ كَالْحُرِّ، قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسُنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 3) وَبِهِ قَالَ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَمُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ وَدَاوُدُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى اثْنَيْنِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ، وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى طَلَاقِهِ، وَيُحْتَمَلُ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَبْدِ هَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْخِطَابِ أَمْ لَا؟ وَبِالثَّانِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ الْحَكَمِ: أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَجْمَعُ مِنَ النِّسَاءِ أَرْبَعًا. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَبْدُ مُخَالِفٌ لِلْمُحَلِّلِ إِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ثَبَتَ نِكَاحُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فُرِّقَ بَيْنِهِمَا) وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ بِلَا إِذْنِهِ (وَالْمُحَلِّلُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إِذَا أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ التَّحْلِيلُ) مِنَ الزَّوْجِ الْمُحَلِّلِ. الحديث: 1153 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 - (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ إِذَا مَلَكَتْهُ امْرَأَتُهُ) بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إِرْثٍ (أَوِ الزَّوْجُ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ) كَذَلِكَ (إِنْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ يَكُونُ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ) وَثَمَرَةُ ذَلِكَ (إِنْ تَرَاجَعَا بِنِكَاحٍ بَعْدَهُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا) فَتَبْقَى مَعَهُ بِعِصْمَةٍ جَدِيدَةٍ. (وَالْعَبْدُ إِذَا أَعْتَقَتْهُ امْرَأَتُهُ إِذَا مَلَكَتْهُ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ لَمْ يَتَرَاجَعَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) لِوُجُودٍ لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الْعِتْقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 [بَاب نِكَاحِ الْمُشْرِكِ إِذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ قَبْلَهُ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ نِسَاءً كُنَّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْلِمْنَ بِأَرْضِهِنَّ وَهُنَّ غَيْرُ مُهَاجِرَاتٍ وَأَزْوَاجُهُنَّ حِينَ أَسْلَمْنَ كُفَّارٌ مِنْهُنَّ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ الْإِسْلَامِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عَمِّهِ وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ بِرِدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانًا لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَضِيَ أَمْرًا قَبِلَهُ وَإِلَّا سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ صَفْوَانُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ نَادَاهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذَا وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ جَاءَنِي بِرِدَائِكَ وَزَعَمَ أَنَّكَ دَعَوْتَنِي إِلَى الْقُدُومِ عَلَيْكَ فَإِنْ رَضِيتُ أَمْرًا قَبِلْتُهُ وَإِلَّا سَيَّرْتَنِي شَهْرَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ لَا أَنْزِلُ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ لَكَ تَسِيرُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ فَأَرْسَلَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَسْتَعِيرُهُ أَدَاةً وَسِلَاحًا عِنْدَهُ فَقَالَ صَفْوَانُ أَطَوْعًا أَمْ كَرْهًا فَقَالَ بَلْ طَوْعًا فَأَعَارَهُ الْأَدَاةَ وَالسِّلَاحَ الَّذِي عِنْدَهُ ثُمَّ خَرَجَ صَفْوَانُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَافِرٌ فَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ وَامْرَأَتُهُ مُسْلِمَةٌ وَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ»   20 - بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ إِذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ قَبْلَهُ 1154 - 1134 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُهُ يَتَّصِلُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ، وَابْنُ شِهَابٍ إِمَامُ أَهْلِهَا، وَشُهْرَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ إِسْنَادِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (أَنَّ نِسَاءً كُنَّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ زَمَنِهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْلِمْنَ بِأَرْضِهِنَّ وَهُنَّ غَيْرُ مُهَاجِرَاتٍ وَأَزْوَاجُهُنَّ حِينَ أَسْلَمْنَ كُفَّارٌ مِنْهُنَّ) فَاخِتَةُ، بِفَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ وَفَوْقِيَّةٍ (بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ) الْمَخْزُومِيَّةُ، أُخْتُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ (وَكَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ) بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبٍ الْجُمَحِيِّ أَحَدُ الْفُصَحَاءِ وَالْمُطْعِمِينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَحَدُ مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ شَرَفُ الْجَاهِلِيَّةِ وَوَصَلَهُ لَهُمُ الْإِسْلَامُ (فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ) وَبَايَعَتْ قَبْلَ إِسْلَامِ زَوْجِهَا بِشَهْرٍ، وَلَيْسَ لَهَا حَدِيثٌ. (وَهَرَبَ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنَ الْإِسْلَامِ) بُغْضًا فِيهِ حَتَّى هَدَاهُ اللَّهُ (فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ عَمِّهِ) أَيْ صَفْوَانَ (وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، مُصَغَّرٌ، ابْنَ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ الْقُرَشِيَّ الْجُمَحِيَّ الصَّحَابِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ، قَالَ ابْنُ الحديث: 1154 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 دُرَيْدٍ: كَانَ وَهْبٌ مِنْ أَحْفَظِ النَّاسِ فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُ: لَهُ قَلْبَانِ مِنْ شِدَّةِ حِفْظِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 4) فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أَقْبَلَ مُنْهَزِمًا وَنَعْلَاهُ وَاحِدَةٌ فِي يَدِهِ وَالْأُخْرَى فِي رِجْلِهِ، فَقَالُوا: مَا فَعَلَ النَّاسُ؟ قَالَ: هُزِمُوا، فَقَالُوا: فَأَيْنَ نَعْلَاكَ؟ قَالَ: فِي رِجْلِي، قَالُوا: فَمَا فِي يَدِكَ؟ فَقَالَ: مَا شَعَرْتُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَلْبَانِ ( «بِرِدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَانًا لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَضِيَ أَمْرًا قَبِلَهُ وَإِلَّا سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ» ) أَنْظَرَهُ فِيهِمَا لِيَتَرَوَّى، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: الْمَعْرُوفُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ، أَيِ الْبَعْثَ بِالرِّدَاءِ وَالْأَمَانِ، كَانَتْ لِأَبِي وَهْبٍ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ كَمَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي (فَلَمَّا قَدِمَ صَفْوَانُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرِدَائِهِ نَادَاهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ) جَهْرًا (فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذَا وَهْبَ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ (ابْنَ عُمَيْرٍ جَاءَنِي بِرِدَائِكَ، وَزَعَمَ أَنَّكَ دَعَوْتَنِي إِلَى الْقُدُومِ عَلَيْكَ فَإِنْ رَضِيتُ) بِضَمِّ التَّاءِ (أَمْرًا) أَيِ الْإِسْلَامَ (قَبِلْتَهُ وَإِلَّا سَيَّرْتَنِي شَهْرَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ) كُنْيَةُ صَفْوَانَ، خَاطَبَهُ بِهَا تَعْظِيمًا وَاسْتِئْلَافًا مَعَ أَنَّ صَفْوَانَ خَاطَبَهُ بِاسْمِهِ فَأَغْضَى عَنْ ذَلِكَ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] (سُورَةُ الْقَلَمِ: الْآيَةُ 4) (فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَنْزِلُ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي) هَلْ خَبَرُ وَهْبٍ كَمَا قَالَ أَمْ لَا؟ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَلْ لَكَ تَسْيِيرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) فَزَادَهُ شَهْرَيْنِ عَلَى مَا بُعِثَ بِهِ إِلَيْهِ تَفَضُّلًا وَزِيَادَةً فِي الِاسْتِئْلَافِ (فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ (قِبَلَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، جِهَةَ (هَوَازِنَ) قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ فِيهَا عِدَّةُ بُطُونٍ يُنْسَبُونَ إِلَى هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ، بِمُعْجَمَةٍ فَمُهْمَلَةٍ فَفَاءٍ مَفْتُوحَاتٍ، ابْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ، بِمُهْمَلَةٍ، ابْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ (بِحُنَيْنٍ) وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ (فَأَرْسَلَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَسْتَعِيرُ) أَيْ مِنْهُ (أَدَاةً) كَتُرْسٍ وَخُودَةٍ (وَسِلَاحًا عِنْدَهُ فَقَالَ) صَفْوَانُ (أَطَوْعًا أَمْ كَرْهًا؟ فَقَالَ: بَلْ طَوْعًا) وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: " «أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: بَلْ عَارِيَةً، مَضْمُونَةً، حَتَّى نَرُدَّهَا إِلَيْكَ، فَقَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ» " (فَأَعَارَهُ الْأَدَاةَ وَالسِّلَاحَ الَّتِي عِنْدَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ: " فَأَعْطَى لَهُ مِائَةَ دِرْعٍ بِمَا فِيهَا مِنَ السِّلَاحِ فَسَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكْفِيَهُمْ حَمْلَهَا فَحَمَلَهَا إِلَى أَوْطَاسٍ ". وَيُقَالُ: أَعَارَهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْعٍ بِمَا يُصْلِحُهَا فَإِنْ صَحَّ فَالْمِائَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْأَرْبَعِمِائَةِ. (ثُمَّ خَرَجَ صَفْوَانُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي نُسْخَةٍ: ثُمَّ رَجَعَ (وَهُوَ كَافِرٌ فَشَهِدَ حُنِينًا وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ وَامْرَأَتُهُ مَسْلِمَةً، وَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ) فَاخِتَةَ (حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ) حِينَ أَعْطَاهُ مِنَ الْغَنَائِمِ فَأَكْثَرَ فَقَالَ: أَشْهَدُ مَا طَابَتْ بِهَذَا إِلَّا نَفْسُ نَبِيٍّ فَأَسْلَمَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ: " «وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ» ". (وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ) لِإِسْلَامِهِ فِي عِدَّتِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِ صَفْوَانَ وَبَيْنَ إِسْلَامِ امْرَأَتِهِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرَيْنِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ إِلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إِلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا   1154 - 1135 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِ صَفْوَانَ وَبَيْنَ إِسْلَامِ امْرَأَتِهِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرَيْنِ) وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: وَرَدَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةَ صَفْوَانَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَبَيْنَ هَذَا وَقَوْلِ الزُّهْرِيِّ بَوْنٌ كَبِيرٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ لِحَمْلٍ وَنَحْوِهِ. (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ) وَفِي نُسْخَةٍ: بِدَارِ الْحَرْبِ (إِلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إِلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) فَيُقِرُّ عَلَيْهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ بِالْيَمَنِ فَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَ إِلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَتَّى بَايَعَهُ» فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا إِذَا عُرِضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ فَلَمْ تُسْلِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]   1156 - 1136 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ) بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّةَ الصَّحَابِيَّةَ بِنْتَ الصَّحَابِيِّ (وَكَانَتْ تَحْتَ) ابْنِ عَمِّهَا (عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ) عَمْرِو بْنِ هِشَامِ الحديث: 1156 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ (فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ) لِمَكَّةَ (وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنَ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ) وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ: " «وَاسْتَأْمَنَتْ أُمُّ حَكِيمٍ لِعِكْرِمَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّنَهُ» ". وَذَكَرَ مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: " «وَاسْتَأْذَنَتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طَلَبِ زَوْجِهَا عِكْرِمَةَ فَأَذِنَ لَهَا وَأَمَّنَهُ» ". (فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ الْيَمَنَ) بِإِذْنِ الْمُصْطَفَى كَمَا تَرَى (فَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ) وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَاسْتُشْهِدَ بِالشَّامِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: " أَنَّ عِكْرِمَةَ لَمَّا رَكِبَ الْبَحْرَ أَصَابَهُمْ عَاصِفٌ فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ: أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ هَاهُنَا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يُنْجِنِي فِي الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ فَلَا يُنْجِينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إِنْ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ فَلْأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا ". وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَالْوَاقِدِيِّ عَنْ شُيُوخِهِ: " «أَنَّ امْرَأَتَهُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ ذَهَبَ عَنْكَ عِكْرِمَةُ إِلَى الْيَمَنِ وَخَافَ أَنْ تَقْتُلَهُ فَأَمِّنْهُ، قَالَ: هُوَ آمِنٌ، فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ فَأَدْرَكَتْهُ وَرَكِبَ سَفِينَةً وَنُوتِيٌّ يَقُولُ لَهُ: أَخْلِصْ أَخْلِصْ، قَالَ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: مَا هَرَبْتُ إِلَّا مِنْ هَذَا، وَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ حَتَّى النَّوَاتِيُّ، مَا الدِّينُ إِلَّا مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُ اللَّهِ مَا فِي قَلْبِي، وَجَاءَتْ أُمُّ حَكِيمٍ تَقُولُ: يَا ابْنَ عَمِّ جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَبَرِّ النَّاسِ وَأَوْصَلِ النَّاسِ خَيْرِ النَّاسِ لَا تُهْلِكْ نَفْسَكَ، إِنِّي قَدِ اسْتَأْمَنْتُ لَكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعَ مَعَهَا وَجَعَلَ يَطْلُبُ جِمَاعَهَا فَتَأْبَى وَتَقُولُ: أَنْتَ كَافِرٌ وَأَنَا مُسْلِمَةٌ، فَقَالَ إِنَّ أَمْرًا مَنَعَكِ مِنِّي لَأَمْرٌ كَبِيرٌ، فَلَمَّا وَافَى مَكَّةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: يَأْتِيكُمْ عِكْرِمَةُ مُؤْمِنًا فَلَا تَسُبُّوا أَبَاهُ، فَإِنَّ سَبَّ الْمَيِّتِ يُؤْذِي الْحَيَّ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ جِمَاعَهَا وَأَبَتْ وَقَالَ مَا قَالَ دَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ» ". (وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ) لِمَكَّةَ (فَلَمَّا رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَبَ) بِمُثَلَّثَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ، قَامَ بِسُرْعَةٍ (فَرَحًا) بِهِ، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا (وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ) لِاسْتِعْجَالِهِ بِالْقِيَامِ حِينَ رَآهُ (حَتَّى بَايَعَهُ) وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ: " «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ جِئْتُهُ: مَرْحَبًا مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ» ". وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ: " «فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ مُنْتَقِبَةً فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ أَخْبَرَتْنِي أَنَّكَ أَمَّنْتَنِي، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَدَقَتْ فَأَنْتَ آمِنٌ: قَالَ: إِلَامَ تَدْعُو؟ قَالَ أَدْعُو إِلَى أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَكَذَا حَتَّى عَدَّ خِصَالَ الْإِسْلَامِ، قَالَ: مَا دَعَوْتَ إِلَّا إِلَى خَيْرٍ وَأَمْرٍ جَمِيلٍ، قَدْ كُنْتَ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوَنَا وَأَنْتَ أَصْدَقُنَا حَدِيثًا وَأَبَرُّنَا، ثُمَّ قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي خَيْرَ شَيْءٍ أَقُولُهُ، قَالَ: تَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: تَقُولُ أُشْهِدُ اللَّهَ وَأُشْهِدُ مَنْ حَضَرَنِي أَنِّي مُسْلِمٌ مُجَاهِدٌ مُهَاجِرٌ، فَقَالَ ذَلِكَ عِكْرِمَةُ» ". وَفِي فَوَائِدِ يَعْقُوبَ الْحَصَّاصِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا: " «رَأَيْتُ لِأَبِي جَهْلٍ عِذْقًا فِي الْجَنَّةِ فَلَمَّا أَسْلَمَ عِكْرِمَةُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أُمَّ سَلَمَةَ هُوَ هَذَا» ". (فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ) إِلَى أَنْ خَرَجَتْ أُمُّ حَكِيمٍ مَعَهُ إِلَى غَزْوِ الرُّومِ فَاسْتُشْهِدَ، فَتَزَوَّجَهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ مَرْجِ الصَّفْرَاءِ أَرَادَ خَالِدُ الْبِنَاءَ بِهَا فَقَالَتْ لَهُ: لَوْ تَأَخَّرْتَ حَتَّى يَهْزِمَ اللَّهُ هَذِهِ الْجُمُوعَ، فَقَالَ: إِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أَنْ أُقْتَلَ، قَالَتِ: ادْنُ، فَدَنَا مِنْهَا فَأَعْرَسَ بِهَا عِنْدَ الْقَنْطَرَةِ فَعُرِّفَتْ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَقِيلَ: قَنْطَرَةُ أُمِّ حَكِيمٍ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَأَوْلَمَ عَلَيْهَا فَمَا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى وَافَتْهُمُ الرُّومُ وَوَقَعَ الْقِتَالُ فَاسْتُشْهِدَ خَالِدٌ، فَشَدَّتْ أُمُّ حَكِيمٍ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا وَتَبَذَّلَتْ وَإِنَّ عَلَيْهَا لَأَثَرُ الْخَلُوقِ، فَاقْتَتَلُوا عَلَى النَّهْرِ فَقَتَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ يَوْمَئِذٍ بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ الَّذِي أَعْرَسَ بِهِ خَالِدٌ عَلَيْهَا سَبْعَةً مِنَ الرُّومِ، ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِيعَابِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا) إِذَا لَمْ تَكُنْ كِتَابِيَّةً (إِذَا عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَلَمْ تُسْلِمْ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] نَهَى عَنِ اسْتِدَامَةِ نِكَاحِهِنَّ، فَقِيلَ هُوَ خَاصٌّ بِالْمُشْرِكَاتِ اللَّاتِي كَانَتْ بِمَكَّةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ عَامٌّ ثُمَّ خُصَّ مِنْهُ الْكِتَابِيَّاتُ، وَسَبَبُ النُّزُولِ يَرُدُّهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} [الممتحنة: 10] (سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: الْآيَةُ 10) فَإِنَّ مَعْنَاهُ طَلَبُ مَهْرِهِنَّ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ فَرَرْنَ إِلَيْهِمْ: {وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] (سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: الْآيَةُ 10) أَيْ يَطْلُبُ الْكُفَّارُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَهْرَ مَنْ فَرَّتْ إِلَيْهِمْ مُسْلِمَةً، كَذَا فِي الْإِكْلِيلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَإِنْ كَانَتْ صُورَةُ السَّبَبِ قَطْعِيَّةَ الدُّخُولِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَلَا يَرُدُّهُ أَيْضًا قَوْلُهُ: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} [الممتحنة: 10] فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِحُكْمِ مَنْ وَرَدَتِ الْآيَةُ بِسَبَبِهِنَّ، فَلَا يُخَالَفُ الِاسْتِدْلَالَ بِعُمُومِهَا عَلَى حُرْمَةِ إِمْسَاكِ الْكَوَافِرِ، كَمَا فَعَلَ مَالِكٌ خَصَّ مِنْهُ الْكِتَابِيَّاتِ لِآيَةِ الْمَائِدَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْوَلِيمَةِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا فَقَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ»   21 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَلِيمَةِ هِيَ طَعَامُ النِّكَاحِ، وَقِيلَ طَعَامُ الْإِمْلَاكِ خَاصَّةً، قَالَهُ عِيَاضٌ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْوَلْمِ وَهُوَ الْجَمْعُ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ. 1157 - 1137 - (مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ) الْخُزَاعِيِّ الْبَصْرِيِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ مِنْ مُسْنَدِ أَنَسٍ عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ جَاءَ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ) تَعَلَّقَتْ بِجِلْدِهِ أَوْ ثَوْبِهِ مِنْ طِيبِ الْعَرُوسِ هَذَا أَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ. وَفِي حَدِيثٍ: وَبِهِ دِرْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَيْ أَثَرِهِ، وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي النَّهْيِ عَنْ تَزَعْفُرِ الرَّجُلِ ; لِأَنَّهُ فِيمَا قُصِدَ بِهِ التَّشَبُّهَ بِالنِّسَاءِ، وَقِيلَ يُرَخَّصُ فِيهِ لِلْعَرُوسِ، وَفِيهِ أَثَرٌ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِيهِ لِلشَّابِّ أَيَّامَ عُرْسِهِ، وَقِيلَ: لَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، وَقِيلَ: كَانَ مَنْ يَنْكِحُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ يَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِصُفْرَةٍ عَلَامَةً لِلسُّرُورِ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهُ أَوْلَى مَا قِيلَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ جَوَازُ الثِّيَابِ الْمُزَعْفَرَةِ لِلرِّجَالِ، وَحَكَاهُ مَالِكٌ عَنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ» ". وَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ كَرَاهَةَ ذَلِكَ فِي اللِّحْيَةِ، وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الثِّيَابِ وَاللِّحْيَةِ، قَالَهُ عِيَاضٌ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: رَوَى الدَّاوُدِيُّ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَصْبُغُ لِحْيَتَهُ بِالصُّفْرَةِ حَتَّى تَمْتَلِئَ ثِيَابُهُ مِنَ الصُّفْرَةِ، وَقَالَ: " إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهَا، وَأَنَّهُ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى الْعِمَامَةَ» ". قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا فِي الزَّعْفَرَانِ، وَأَمَّا بِغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا يُنْفَضُ عَلَى الْجَسَدِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ. (فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَقَالَ: مَا هَذَا؟ وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ مَهْيَمْ؟ أَيْ: مَا هَذَا؟ وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحِ. قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ افْتِقَادُ الْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ وَسُؤَالُهُ عَمَّا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ مِنْ حَالِهِمْ، وَلَيْسَ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، قَالَ الْأُبِّيُّ: هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ سُؤَالَ إِنْكَارٍ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِنْكَارٌ لِأَنَّهُ كَانَ نَهَى عَنِ التَّضَمُّخِ بِالطِّيبِ، فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَضَمَّخْ بِهِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنَ الْعَرُوسِ. (فَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، الحديث: 1157 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ تُسَمَّ، إِلَّا أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ بَكَّارٍ جَزَمَ بِأَنَّهَا ابْنَةَ أَبِي الْحَيْسَرِ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ آخِرَهُ رَاءٌ، وَاسْمُهُ أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَأَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ الْقَاسِمَ وَأَبَا عُثْمَانَ عَبْدَ اللَّهِ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟) مَهْرًا، وَفِي رِوَايَةٍ: كَمْ أَصْدَقْتَهَا؟ . وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنَ الْمَهْرِ، وَقَدْ يُشْعِرُ ظَاهِرُهُ احْتِيَاجَهُ إِلَى تَقْدِيرٍ لِأَنَّ " كَمْ " مَوْضُوعَةٌ لَهُ، فَفِيهِ حُجَّةٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ أَقَلَّ الصَّدَاقِ مُقَدَّرٌ. (فَقَالَ) سُقْتُ إِلَيْهَا (زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْأَكْثَرُ: هِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَالنَّوَاةُ اسْمٌ لِمِقْدَارٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَهُمْ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: النَّوَاةُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ نَوَاةُ التَّمْرِ أَيْ وَزْنِهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَصَحُّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: النَّوَاةُ بِالْمَدِينَةِ رُبْعُ دِينَارٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ دَفَعَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ ذَهَبٌ إِنَّمَا هِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ تُسَمَّى نَوَاةً كَمَا تُسَمَّى الْأَرْبَعُونَ أُوقِيَّةً، قَالَهُ عِيَاضٌ. قَالَ الزَّوَاوِيُّ: لَكِنَّ قَوْلَهُ " مِنْ ذَهَبٍ " يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ صَرْفُ زِنَةِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَيَكُونُ زِنَتُهَا حِينَئِذٍ مِنَ الذَّهَبِ صَرْفُهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. وَذَلِكَ غَيْرُ بَعِيدٍ فَإِنَّ الصَّرْفَ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ النَّوَى مَا زِنَتُهُ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ هُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَى الْوَزْنِ بِهِ عِنْدَهُمُ اهـ. لَكِنْ ضَعَّفَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَالطِّيبِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ نَوَى التَّمْرِ بِأَنَّ زِنَتَهَا لَا تُضْبَطُ وَلَا يُعْتَدُّ بِهَا، قَالَ عِيَاضٌ: قِيلَ زِنَةُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَرُبْعٍ، وَأَرَادَ قَائِلُهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أَقَلُّ الصَّدَاقِ، وَلَا يَصِحُّ لِقَوْلِهِ " مِنْ ذَهَبٍ " وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ دِينَارَيْنِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَهُوَ غَفْلَةٌ مِنْ قَائِلِهِ، بَلْ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ: لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَوَهِمَ الدَّاوَدِيُّ رِوَايَةَ " مِنْ ذَهَبٍ " وَقَالَ: الصَّحِيحُ نَوَاةً، وَلَا وَهْمَ فِيهِ عَلَى كُلِّ تَفْسِيرٍ، لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ نَوَاةُ تَمْرٍ كَمَا قَالَ أَوْ قَدْرًا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ صَلُحَ أَنْ يُقَالَ: فِيهِ وَزْنُ كَذَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَرُبْعٍ وَوَهْمُهُ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَوَهِمَهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمِثْقَالَ دِرْهَمَانِ عَدَدًا وَدِرْهَمُ الْفِضَّةِ كَيْلًا، دِرْهَمٌ وَخُمْسَانِ وَوَزْنُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَرُبْعٍ مِنْ ذَهَبٍ أَكْثَرُ مِنْ مِثْقَالَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ. قَالَ الزَّوَاوِيُّ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَاهُ يَصِحُّ الِانْفِصَالُ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ صَرَفَهَا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَرُبْعٍ كَمَا قُلْنَا فِي تَقْدِيرِ نَوَاةٍ، وَلَا بُعْدَ فِي هَذَا لِلْمُتَأَمِّلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ نَفْيِ الْوَهْمِ عَنْ إِمَامٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، قَالَ: وَيَصِحُّ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ بِأَنَّهُ أَصْدَقَهَا ذَهَبًا زِنَتُهُ نَوَاةٌ، وَالنَّوَاةُ وَزْنٌ مَعْرُوفٌ هُوَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ، وَذَلِكَ ثَمَنُ أُوقِيَّةٍ لِأَنَّهَا أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الصَّرْفِ وَلَا التَّأْوِيلِ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِي الْمَعْنَى قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّدَاقَ ذَهَبٌ وَزْنُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ مَثَاقِيلَ وَنِصْفٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ دَرَاهِمَ خَمْسَةٍ بِوَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا بَعِيدٌ مِنَ اللَّفْظِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَعَلَى الْأَوَّلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 يَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ مِنْ ذَهَبٍ بِلَفْظِ زِنَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي بِنَوَاةٍ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: أَمَّا تَعَلُّقُهُ بِزِنَةٍ فَلِأَنَّهُ مَصْدَرُ وَزَنَ، وَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِنَوَاةٍ فَيَصِحُّ أَنَّهُ مِنْ تَعَلُّقِ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ، أَيْ نَوَاةٍ كَائِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ مَا عَدْلُهَا دَرَاهِمَ أَوْ يَكُونُ هُوَ الْمَوْزُونُ بِهَا. (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلصَّحِيحِ: فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ (أَوْلِمْ) أَمْرُ نَدْبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ لِلْوُجُوبِ لِحَدِيثِ: " «مَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ". قَالَ الْمَازَرِيُّ: وَلَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْعِصْيَانَ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ لَا فِي تَرْكِ الْوَلِيمَةِ، وَلَا بُعْدَ فِي أَنَّ الدَّعْوَةَ لَا تَجِبْ وَالْإِجَابَةُ وَاجِبَةٌ كَالسَّلَامِ لَا يَجِبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ وَرَدُّهُ وَاجِبٌ. وَأَجَابَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ بِأَنَّ الْعِصْيَانَ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ وَالْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ اهـ. وَالْأَوَّلُ الصَّوَابُ لِاقْتِضَاءِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْعِصْيَانِ مَعَ أَنَّهُ إِثْمٌ (وَلَوْ بِشَاةٍ) لَوْ تَقْلِيلِيَّةٌ لَا امْتِنَاعِيَّةٌ، قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ التَّوْسِعَةُ فِيهَا لِلْوَاجِدِ بِذَبْحٍ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّ الشَّاةَ لِأَهْلِ الْجَدَّةِ أَقَلُّ مَا يَكُونُ لَا التَّحْدِيدُ، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِي أَقَلُّ مِنْهَا لِمَنْ لَمْ يَجِدْهَا بَلْ عَلَى طَرِيقِ الْحَضِّ وَالْإِرْشَادِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لَهَا وَهِيَ بِقَدْرِ حَالِ الرَّجُلِ، وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا دَلِيلَ فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرَ، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَوَجْهُهُ شُهْرَةُ الدُّخُولِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْحُقُوقِ، وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ، وَعَنْ مَالِكٍ جَوَازُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَعَنِ ابْنِ حَبِيبٍ اسْتِحْبَابُهَا ثُمَّ الْعَقْدُ وَعِنْدَ الْبِنَاءِ، وَاسْتَحَبَّهَا بَعْضُ شُيُوخِنَا قَبْلَ الْبِنَاءِ لِيَكُونَ الدُّخُولُ بِهَا، وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَكْرَارِهَا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ بِالْإِجَازَةِ وَالْكَرَاهَةِ، وَاسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا لِأَهْلِ السَّعَةِ أُسْبُوعًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَذَلِكَ إِذَا دَعَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَنْ لَمْ يَدْعُ قَبْلَهُ، وَكَرَّهُوا فِيهَا الْمُبَاهَاةَ وَالسُّمْعَةَ اهـ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَلِيمَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إِشْهَارِ النِّكَاحِ مَعَ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ مَالِكٍ: اسْتُحِبَّ الْإِطْعَامُ فِي الْوَلِيمَةِ وَكَثْرَةُ الشُّهُودِ لِيَشْتَهِرَ النِّكَاحُ وَتَثْبُتُ مَعْرِفَتُهُ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُولِمَ بَعْدَ الْبِنَاءِ، قِيلَ: فَمَنْ أَخَّرَ إِلَى السَّابِعِ؟ قَالَ: فَلْيَجِبْ وَلَيْسَ كَالْوَلِيمَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحِبُّ الْإِطْعَامَ عَلَى النِّكَاحِ عِنْدَ عَقْدِهِ» ". وَلَفْظُ " عِنْدَ " يَحْتَمِلُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَكَيْفَمَا كَانَ، فَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ، لَكِنَّ تَقْدِيمَ إِشْهَارِهِ قَبْلُ " أَفْضَلُ " كَالْإِشْهَادِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَالِكًا قَالَ بَعْدَهُ لِمَنْ فَاتَهُ قَبْلُ، أَوْ لَعَلَّهُ اخْتَارَهُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الرِّضَا بِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ الزَّوْجُ مِنْ حَالِ الزَّوْجَةِ، وَالْمُبَاحُ مِنَ الْوَلِيمَةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ سَرِفٍ وَلَا سُمْعَةٍ، وَالْمُخْتَارُ مِنْهَا يَوْمٌ وَاحِدٌ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأُبِيحَ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَرُوِيَ أَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِي فَضْلٌ وَالثَّالِثُ سُمْعَةٌ، وَأَجَابَ الْحَسَنُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَلَمْ يُجِبْ فِي الثَّالِثِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ مِثْلُهُ. وَأَوْلَمَ ابْنُ سِيرِينَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلْيُولِمْ مِنْ يَوْمِ بِنَائِهِ إِلَى مِثْلِهِ، يُرِيدُ إِذَا قَصَدَ إِشْهَارَ النِّكَاحِ وَالتَّوْسِعَةَ عَلَى النَّاسِ لَا السُّمْعَةَ وَالْمُبَاهَاةَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَشُعْبَةُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حُمَيْدٍ نَحْوَهُ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِيهِ قِصَّةٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُولِمُ بِالْوَلِيمَةِ مَا فِيهَا خُبْزٌ وَلَا لَحْمٌ»   1158 - 1138 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ بَلَغَنِي) وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ وَقَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عُفِيرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُولِمُ بِالْوَلِيمَةِ مَا فِيهَا خُبْزٌ وَلَا لَحْمٌ» ) قَالَ حُمَيْدٌ: قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ يَعْنِي أَنَسًا، قَالَ: تَمْرٌ وَسَوِيقٌ. كَمَا فِي الطَّرِيقِ الْمَوْصُولَةِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: " «أَوْلَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ» ". قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ اسْمِ الَّتِي أَوْلَمَ عَلَيْهَا صَرِيحًا، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أُمُّ سَلَمَةَ لِحَدِيثِهَا عَنِ ابْنِ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَدْخَلَهَا بَيْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ، فَإِذَا جَرَّةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ شَعِيرٍ فَأَخَذْتُهُ فَطَحَنْتُهُ، ثُمَّ عَصَدْتُهُ فِي الْبُرْمَةِ، وَأَخَذْتُ شَيْئًا مِنْ إِهَالَةٍ فَأَدَمْتُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ طَعَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - ". وَأَمَّا حَدِيثُ شَرِيكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ وَسَوِيقٍ» ". فَوَهْمٌ مِنْ شَرِيكٍ لِأَنَّهُ كَانَ سَيِّئَ الْحِفْظِ، أَوْ مِنَ الرَّاوِي عَنْهُ وَهُوَ جَنْدَلُ بْنُ وَالِقٍ، فَإِنَّ مُسْلِمًا وَالْبَزَّارَ ضَعَّفَاهُ، وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ اهـ. الحديث: 1158 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيَأْتِهَا»   1159 - 1139 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيَأْتِهَا» ) أَيْ فَلْيَأْتِ مَكَانَهَا، أَوِ التَّقْدِيرُ إِلَى مَكَانِ وَلِيمَةٍ وَلَا يَضُرُّ إِعَادَةُ الضَّمِيرِ مُؤَنَّثًا، وَالْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ، وَالْمُرَادُ وَلِيمَةَ الْعُرْسِ، كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» ". فَتَجِبُ إِجَابَةُ مَنْ عَيَّنَ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِمٌ كَمَا فِي مُسْلِمٍ بِشُرُوطٍ فِي الْفُرُوعِ، كَمَا حَكَى عَلَيْهِ عِيَاضٌ الِاتِّفَاقُ، لَكِنْ نُوزِعَ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ: الْمَذْهَبُ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، أَمَّا وَلِيمَةُ غَيْرِهِ فَلَا تَجِبُ لِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ الْعَاصِي دُعِيَ إِلَى خِتَانٍ فَلَمْ يُجِبْ وَقَالَ: لَمْ نَكُنْ نُدْعَى لَهُ عَلَى عَهْدِ الحديث: 1159 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَوْجَبَهَا الظَّاهِرِيَّةُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَحَمَلَهَا مَالِكٌ وَالْأَكْثَرُ عَلَى النَّدْبِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ لِأَهْلِ الْفَضْلِ الْإِجَابَةَ لِكُلِّ طَعَامٍ دُعِيَ إِلَيْهِ، فَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى غَيْرِ الْوَلِيمَةِ، وَتَأَوَّلَهُ غَيْرُهُ عَلَى غَيْرِ طَعَامِ السُّرُورِ كَخِتَانٍ وَإِمْلَاكٍ وَنِفَاسٍ وَحَادِثِ سُرُورٍ، لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا دَعَا أَحَدَكُمْ أَخُوهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ» ". وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: " «مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ» ". وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَأَيُّوبُ وَالزُّبَيْدِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، خَمْسَتُهُمْ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ نَحْوَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ   1160 - 1140 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيُّ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جُلُّ رُوَاةِ مَالِكٍ لَمْ يُصَرِّحُوا بِرَفْعِهِ، وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ مُصَرِّحًا بِرَفْعِهِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ عَنْ مَالِكٍ مُصَرِّحًا بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (شَرُّ) وَلِيَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ: «بِئْسَ (الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ) » قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: يُرِيدُ مِنْ شَرِّ الطَّعَامِ، فَإِنَّ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَكُونُ شَرًّا مِنْهُ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ شَرًّا لِقَوْلِهِ: ( «يُدْعَى إِلَيْهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ» ) وَلِلتِّنِّيسِيِّ: الْفُقَرَاءُ، يَعْنِي الْغَالِبَ فِيهَا ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: طَعَامُ الْوَلِيمَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا هَذَا، فَاللَّفْظُ وَإِنْ أَطْلَقَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ التَّقْيِيدُ بِمَا ذَكَرَ عَقِبَهُ، وَكَيْفَ يُرِيدُ بِهِ الْإِطْلَاقَ وَقَدْ أَمَرَ بِالْوَلِيمَةِ وَأَوْجَبَ إِجَابَةَ الدَّاعِي وَرَتَّبَ الْعِصْيَانَ عَلَى تَرْكِهَا. وَتَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْوَلِيمَةِ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ مُرَاعَاةُ الْأَغْنِيَاءِ فِيهَا وَتَخْصِيصُهُمْ بِالدَّعْوَةِ وَإِيثَارُهُمْ. وَقَوْلُهُ: يُدْعَى. . . إِلَخْ، اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِكَوْنِهَا شَرَّ الطَّعَامِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ " مِنْ "، وَقَوْلِهِ: " وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ " حَالٌ وَالْعَامِلُ " يُدْعَى "، أَيْ يُدْعَى إِلَيْهَا الْأَغْنِيَاءُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ يَتْرُكُ الْفُقَرَاءَ، وَالْإِجَابَةُ وَاجِبَةٌ، فَيَكُونُ الدُّعَاءُ سَبَبًا لِأَكْلِ الْمَدْعُوِّ شَرَّ الطَّعَامِ، وَقَوْلُ التَّنْقِيحِ جُمْلَةُ يُدْعَى فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِطَعَامٍ رَدَّهُ فِي الْمَصَابِيحِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا صِفَةٌ لِلْوَلِيمَةِ عَلَى جَعْلِ اللَّامِ جِنْسِيَّةٍ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي وَيُسْتَغْنَى حِينَئِذٍ عَنْ تَأْوِيلِ تَأْنِيثِ الضَّمِيرِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا صِفَةً لِطَعَامٍ. اهـ. (وَمَنْ لَمْ يَأْتِ) وَلِلتِّنِّيسِيِّ: وَمَنْ تَرَكَ (الدَّعْوَةَ) بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الْوَلِيمَةِ لِأَنَّهَا الحديث: 1160 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 خَاصَّةٌ بِالْعُرْسِ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: بِفَتْحِ الدَّالِ دَعْوَةُ الطَّعَامِ، أَمَّا دَعْوَةُ النَّسَبِ فَبِكَسْرِهَا، هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعَرَبِ، وَعَكَسَهُ تَيْمُ الرِّبَابِ بِكَسْرِ الرَّاءِ، فَقَالُوا: الطِّعَامُ بِالْكَسْرِ وَالنَّسْخُ بِالْفَتْحِ، وَقَوْلُ قُطْرُبٍ: دَعْوَةُ الطُّعَامِ بِالضَّمِّ غَلَّطُوهُ اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الدَّعْوَةِ أَعَمَّ لِقَوْلِهِ: (فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) إِذْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِجَابَةِ ; لِأَنَّ الْعِصْيَانَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إِجَابَةُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَا يَقُولُهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي عُمَرَ: هَذَا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ عِنْدَهُمْ، أَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ النَّوَوِيُّ: بَيَّنَ الْحَدِيثُ وَجْهَ كَوْنِهِ شَرَّ الطَّعَامِ بِأَنَّهُ يُدْعَى لَهُ الْغَنِيُّ عَنْ أَكْلِهِ وَيُتْرَكُ الْمُحْتَاجُ لِأَكْلِهِ، وَالْأَوْلَى الْعَكْسُ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْأَكْلِ ; إِذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِحُرْمَةِ الْإِجَابَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْأَوْلَى كَخَبَرِ: " «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهًا آخِرُهَا» ". وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ، وَالْقَصْدُ مِنَ الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى دَعْوَةِ الْفَقِيرِ وَأَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: إِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْبَرَ بِحَالِ النَّاسِ وَاخْتِصَاصِهِمْ بِهَا الْأَغْنِيَاءَ دُونَ الْمُحْتَاجِينَ وَكَانُوا أَوْلَى بِهَا لِسَدِّ خَلَّتِهِمْ، وَخَيْرُ الْأَفْعَالِ أَكْثَرُهَا أَجْرًا، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْأَغْنِيَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْمُكَارَمَةِ، وَإِنْ كَانَ رَفْعُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَهُوَ إِخْبَارٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يَكُونُ بَعْدَهُ، وَقَدْ كَرِهَ الْعُلَمَاءُ تَخْصِيصَ الْأَغْنِيَاءِ بِالدَّعْوَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا خَصَّ الْأَغْنِيَاءَ أُمْرِنَا أَنْ لَا نُجِيبَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ فَارَقَ السُّنَّةَ فِي وَلِيمَتِهِ فَلَا دَعْوَةَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنْتُمُ الْعَاصُونَ فِي الدَّعْوَةِ. وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ فِي وَلِيمَةٍ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ، فَجَاءَتْ قُرَيْشٌ وَمَعَهَا الْمَسَاكِينُ، فَقَالَ لَهُمْ: هَاهُنَا فَاجْلِسُوا لَا تُفْسِدُوا عَلَيْهِمْ ثِيَابَهُمْ سَنُطْعِمُكُمْ مِمَّا يَأْكُلُونَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ وَمَعْمَرٌ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَتَابَعَ ابْنُ شِهَابٍ أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ، وَتَابَعَ الْأَعْرَجُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَوْقُوفًا، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ: " سَمِعْتُ ثَابِتًا الْأَعْرَجَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «شَرُّ الطَّعَامِ الْوَلِيمَةُ، يَمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» " فَخَالَفَ ثَابِتٌ وَهُوَ ابْنُ عِيَاضٍ الْأَحْنَفَ الْأَعْرَجَ الْعَدَوِيَّ مَوْلَاهُمْ، وَهُوَ ثِقَةٌ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ فَإِنَّهُمَا وَقَّفَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَثَابِتٌ رَفَعَهُ عَنْهُ، وَقَدْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي رَفْعِهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ. وَفِي التَّمْهِيدِ: رَوَى جَمَاعَةٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مَرْفُوعًا بِغَيْرِ إِشْكَالٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِئْسَ الطَّعَامُ» "، فَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَرْفُوعًا. اهـ. لَكِنَّ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 عُيَيْنَةَ مَرْفُوعًا كَمَا عَلِمْتَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا رُوِيَ الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا حُكِمَ بِرَفْعِهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ عَدْلٍ اهـ. وَلَهُ شَوَاهِدُ مَرْفُوعٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهِ الشَّبْعَانُ وَيُحْبَسُ عَنْهُ الْجَائِعُ» ". أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّيْلَمِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ «إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ قَالَ أَنَسٌ فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَرَّبَ إِلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الْقَصْعَةِ» فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ   1161 - 1141 - (مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ سَمِعَ) عَمَّهُ أَخَا أَبِيهِ لِأُمِّهِ (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّحْتِيَّةِ الشَّدِيدَةِ، وَلَمْ يَعْرِفِ الْحَافِظُ اسْمَهُ (دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَرَّبَ) الْخَيَّاطُ (إِلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَقَدْ تَكَسَّرَ (وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ) بِضَمِّ الدَّالِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ، الْوَاحِدَةُ دُبَّاءَةٌ، فَهَمْزَتُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ حَرْفِ عِلَّةٍ، وَخَطَأَ الْمَجْدُ الْجَوْهَرِيُّ فِي ذِكْرِهِ فِي الْمَقْصُورِ، أَيْ فِيهِ قَرْعٌ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ وَابْنِ بُكَيْرٍ وَالتِّنِّيسِيِّ: وَقَدِيدٌ. (قَالَ أَنَسٌ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتْبَعُ) بِإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ وَخِفَّةِ الْمُوَحِّدَةِ مَفْتُوحَةً (الدَّبَّاءَ) الْقَرْعَ أَوِ الْمُسْتَدِيرَ مِنْهُ (مِنْ حَوْلِ الْقَصْعَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: يَأْكُلُهَا، أَيْ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُعْجِبُهُ، وَيَتْرُكُ الْقَدِيدَ ; إِذْ كَانَ يَشْتَهِيهِ حِينَئِذٍ، فَفِيهِ أَنَّ الْمُؤَكِّلَ لِأَهْلِهِ وَخَدَمِهِ يَأْكُلُ مَا يَشْتَهِيهِ حَيْثُ رَآهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ مُؤَاكِلَهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا يَتَجَاوَزُ مَا يَلِيهِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَكْرَهُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا، بَلْ كَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِرِيقِهِ وَغَيْرِهِ مِمَّا مَسَّهُ، بَلْ كَانُوا يَتَبَادَرُونَ إِلَى نُخَامَتِهِ فَيَتَدَلَّكُونَ بِهَا، قَالَ أَنَسٌ: (فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ) أَيْ أَكْلَهَا (بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ) اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ وَغَيْرِهِ: مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ طَالُوتَ الشَّامِيِّ قَالَ: " «دَخَلْتُ عَلَى أَنَسٍ وَهُوَ يَأْكُلُ قَرْعًا وَهُوَ يَقُولُ: يَا لَكِ مِنْ شَجَرَةٍ مَا أَحَبَّكَ إِلَيَّ لِحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيَّاكِ» ". وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «إِذَا طَبَخْتَ قِدْرًا فَأَكْثِرْ فِيهَا مِنَ الدُّبَّاءِ فَإِنَّهَا تَشُدُّ قَلْبَ الْحَزِينِ» ". وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ وَائِلَةَ مَرْفُوعًا: " «عَلَيْكُمْ بِالْقَرْعِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي الدِّمَاغِ» ". وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا: " «عَلَيْكُمْ بِالْقَرْعِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَيُكَبِّرُ الدِّمَاغَ» ". وَزَادَ بَعْضُهُمْ: " «أَنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُلَيِّنُ الْقَلْبَ» ". وَفِي تَذْكِرَةِ الْقُرْطُبِيِّ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ الدُّبَّاءَ وَالْبِطِّيخَ الحديث: 1161 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 مِنَ الْجَنَّةِ» ". قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ جَوَازُ الْإِجَازَةِ عَلَى الْخِيَاطَةِ رَدًّا عَلَى مَنْ أَبْطَلَهَا بِعِلَّةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَعْيَانٍ مَرْئِيَّةٍ وَلَا صِفَاتٍ مَعْلُومَةٍ. وَفِي صَنْعَةِ الْخِيَاطَةِ مَعْنًى لَيْسَ فِي الْقَيْنِ وَالصَّائِغِ وَالنَّجَّارِ ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الصُّنَّاعُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُمُ الصَّنْعَةُ الْمَحْضَةُ فِيمَا يَسْتَصْنِعُهُ صَاحِبُ الْحَدِيدِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالْخَشَبِ وَهِيَ أُمُورٌ مَوْصُوفَةٌ يُوقَفُ عَلَى حَدِّهَا وَلَا يَخْلِطُ بِهَا غَيْرَهَا، وَالْخَيَّاطُ إِنَّمَا يَخِيطُ الثَّوْبَ فِي الْأَغْلَبِ بِخَيْطٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيَجْمَعُ إِلَى الصَّنْعَةِ الْآلَةَ، وَأَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ التِّجَارَةُ وَالْأُخْرَى الْإِجَارَةُ، وَحِصَّةُ أَحَدِهِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنَ الْأُخْرَى، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْخَرَّازِ وَالصَّبَّاغِ إِذَا كَانَ بِخُيُوطِهِ وَيَصْبُغُ هَذَا بِصَبْغِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْمُعْتَادَةِ فِيمَا بَيْنَ الصُّنَّاعِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ، إِلَّا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَدَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْعَادَةِ أَوَّلَ زَمَنِ الشَّرِيعَةِ فَلَمْ يُغَيِّرْهُ ; إِذْ لَوْ طُولِبُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَصَارَ بِمَعْزِلٍ عَنْ مَوْضِعِ الْقِيَاسِ، وَالْعَمَلُ مَاضٍ صَحِيحٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِرْفَاقِ. اهـ. وَوَجْهُ إِدْخَالِ الْإِمَامِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْوَلِيمَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّخَلُّفُ عَنِ الدَّعْوَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً لِأَنَّ دَعْوَةَ الْخَيَّاطِ لَمْ تَكُنْ فِي عُرْسٍ، إِذِ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، أَنَّهُ صَنَعَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ صَنَعَهُ فِي عُرْسٍ وَدَعَا لَهُ الْمُصْطَفَى، فَالْمُطَابَقَةُ ظَاهِرَةٌ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَدْخَلَهُ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَيُشْبِهُ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِ عِلْمُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَلِيمَةُ عُرْسٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبُيُوعِ عَنِ التِّنِّيسِيِّ، وَفِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَالْقَعْنَبِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ وَإِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، الْخَمْسَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 [بَاب جَامِعِ النِّكَاحِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ أَوْ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ وَإِذَا اشْتَرَى الْبَعِيرَ فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ»   22 - بَابُ جَامِعِ النِّكَاحِ 1162 - 1142 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) مُرْسَلٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَصَلَهُ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَوَرَدَ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي لَاسٍ الْخُزَاعِيِّ « (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ أَوِ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ فَلْيَأْخُذْ) اسْتِحْبَابًا (بِنَاصِيَتِهَا) مُقَدَّمَ رَأْسِهَا (وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ) كَانَ يَقُولُ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِيهَا وَبَارِكْ عَلَيْهَا» ". زَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا الحديث: 1162 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ» ". (وَإِذَا اشْتَرَى الْبَعِيرَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُكْسَرُ، عَبَّرَ بِهِ دُونَ الْجَمَلِ لِأَنَّ الْبَعِيرَ يَشْمَلُ الْأُنْثَى بِخِلَافِهِ، وَقَصْدُهُ التَّعْمِيمُ (فَلْيَأْخُذْ) عِنْدَ تَسْلِيمِهِ (بِذِرْوَةِ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتُضَمُّ، أَيْ أَعْلَى (سَنَامِهِ) أَيْ يَقْبِضُ عَلَيْهِ بِيَدِهِ وَالْأَوْلَى الْيَمِينُ، أَوِ الْمُرَادُ فَلْيَرْكَبْهُ (وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ) لِأَنَّ الْإِبِلَ مِنْ مَرَاكِبِ الشَّيْطَانِ فَإِذَا سَمِعَ الِاسْتِعَاذَةَ فَرَّ، زَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ وَلِيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ، أَيِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ. . . إِلَخْ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مَا يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ الْبَسْمَلَةِ مَعَ الِاسْتِعَاذَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَمْرَ بِهَا لِمَا فِي الْإِبِلِ مِنَ الْعِزِّ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ فَهُوَ اسْتِعَاذَةٌ مِنْ شَرِّ ذَلِكَ الَّذِي يُحِبُّهُ الشَّيْطَانُ وَيَأْمُرُ بِهِ وَيَحُثُّ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ إِلَى رَجُلٍ أُخْتَهُ فَذَكَرَ أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَحْدَثَتْ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَضَرَبَهُ أَوْ كَادَ يَضْرِبُهُ ثُمَّ قَالَ مَا لَكَ وَلِلْخَبَرِ   1163 - 1143 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ إِلَى رَجُلٍ أُخْتَهُ فَذَكَرَ) أَخُوهَا (أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَحْدَثَتْ) زَنَتْ (فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَضَرَبَهُ أَوْ كَادَ يَضْرِبُهُ) شَكَّ الرَّاوِي (ثُمَّ قَالَ: مَالَكَ وَلِلْخَبَرِ) يَعْنِي أَيُّ غَرَضٍ لَكَ فِي إِخْبَارِ الْخَاطِبِ بِذَلِكَ، فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ سَتْرُهُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّ الْفَوَاحِشَ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ سَتْرُهَا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَحْفَتَهُ نَقَمَ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ» ". الحديث: 1163 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَا يَقُولَانِ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَيُطَلِّقُ إِحْدَاهُنَّ الْبَتَّةَ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ إِنْ شَاءَ وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا   1165 - 1144 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَا يَقُولَانِ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَيُطَلِّقُ إِحْدَاهُنَّ الْبَتَّةَ: أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ إِنْ شَاءَ وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الرَّجُلِ. الحديث: 1165 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَفْتَيَا الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَامَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ طَلَّقَهَا فِي مَجَالِسَ شَتَّى   1165 - 1145 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَفْتَيَا الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ) بْنِ مَرْوَانَ، أَحَدُ مُلُوكِ بَنِي أُمَيَّةَ (عَامَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (غَيْرَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: طَلَّقَهَا فِي مَجَالِسَ شَتَّى) بَدَلَ قَوْلِهِ " طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ "، هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، فَطَلَّقَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يُشْهِرَ طَلَاقَهَا الْبَتَاتَ وَيَسْتَفِيضَ فَتَنْقَطِعَ عَنْهُ الْأَلْسِنَةُ فِي تَزْوِيجِ الْخَامِسَةِ أَنَّهُ قَرَأَهُ أَمْرًا، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّهُ مُرَادُ الْمُحَدِّثِ بِمِثْلِ هَذَا أَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ لَمْ يَسْتَشِرْهُ حَتَّى يَأْمُرَهُ إِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ   1166 - 1146 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ) أَيْ لَا يَنْفَعُ قَصْدُهُ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ (النِّكَاحُ) فَمَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ هَازِلًا انْعَقَدَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ (وَالطَّلَاقُ) فَيَقَعُ طَلَاقُ اللَّاعِبِ إِجْمَاعًا (وَالْعِتْقُ) فَمَنْ أَعْتَقَ رَقِيقَهُ لَاعِبًا عُتِقَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ ; لِأَنَّ اللَّاعِبَ بِالْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ حُكْمَهُ، فَتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ لِلشَّارِعِ لَا لَهُ، فَإِذَا أَتَى بِالسَّبَبِ لَزِمَهُ حُكْمُهُ شَاءَ أَمْ أَبَى، وَلَا يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ لِأَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلْقَوْلِ مُرِيدٌ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِمَعْنَاهُ وَمُوجِبِهِ، وَقَصْدُ اللَّفْظِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْمَعْنَى قَصْدٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى لِتَلَازُمِهِمَا، إِلَّا أَنْ يُعَارِضَهُ قَصْدٌ آخَرُ كَالْمُكْرَهِ، فَإِنَّهُ قَصَدَ غَيْرَ الْمَعْنَى الْمَقُولِ وَمُوجِبِهِ فَلِذَا أَبْطَلَهُ الشَّارِعُ، وَأَصْلُ هَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» ". قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَرُوِيَ بَدَلُ الرَّجْعَةِ الْعِتْقُ وَلَا يَصِحُّ. وَقَالَ الْحَافِظُ: وَقَعَ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ: الْعَتَاقُ بَدَلُ الرَّجْعَةِ، وَلَمْ أَجِدْهُ، وَمُرَادُهُمَا لَا يَصِحُّ وَلَمْ يَجِدْهُ مَرْفُوعًا، فَلَا يُنَافِي صِحَّتَهُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الْمُوَطَّأِ، لَكِنْ عَجِيبٌ نَفْيُ وِجْدَانِهِ، فَفِي الِاسْتِذْكَارِ: رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُ ثُمَّ يَرْجِعُ يَقُولُ: كُنْتُ لَاعِبًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: 231] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 231) فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ أَنْكَحَ أَوْ أُنْكِحَ وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ لَاعِبًا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ» ". الحديث: 1166 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى كَبِرَتْ فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَاةً شَابَّةً فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ أَمْهَلَهَا حَتَّى إِذَا كَادَتْ تَحِلُّ رَاجَعَهَا ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشَّابَّةَ فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشَّابَّةَ فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ مَا شِئْتِ إِنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ فَإِنْ شِئْتِ اسْتَقْرَرْتِ عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنْ الْأُثْرَةِ وَإِنْ شِئْتِ فَارَقْتُكِ قَالَتْ بَلْ أَسْتَقِرُّ عَلَى الْأُثْرَةِ فَأَمْسَكَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ رَافِعٌ عَلَيْهِ إِثْمًا حِينَ قَرَّتْ عِنْدَهُ عَلَى الْأُثْرَةِ   1167 - 1147 الحديث: 1167 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجِ) بْنِ رَافِعِ بْنِ عَدِيٍّ الْحَارِثِيِّ الْأَوْسِيِّ الْأَنْصَارِيِّ، أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ ثُمَّ الْخَنْدَقُ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ قَبْلَهَا (أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ) أَكْبَرُ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ (فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى كَبِرَتْ) بِكَسْرِ الْمُوَحِّدَةِ أَسَنَّتْ (فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَاةً شَابَّةً، فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُرِيدُ فِي الْمَيْلِ بِنَفْسِهِ إِلَيْهَا وَالنَّشَاطِ لَهَا، لَا أَنَّهُ آثَرَهَا عَلَيْهَا فِي مَطْعَمٍ وَمَلْبَسٍ وَمَبِيِتٍ ; لِأَنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ بِمِثْلِ رَافِعٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَنَاشَدَتْهُ) طَلَبَتْ مِنْهُ (الطَّلَاقَ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ أَمْهَلَهَا حَتَّى إِذَا كَادَتْ) قَارَبَتْ (تَحِلُّ) أَيْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا (رَاجَعَهَا، ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشَّابَّةَ، فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً) ثَانِيَةً (ثُمَّ رَاجَعَهَا، ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشَّابَّةَ، فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ: مَا شِئْتِ إِنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ فَإِنْ شِئْتِ اسْتَقْرَرْتِ) قَرَرْتُ عَلَيْكِ، أَيْ بَقَيْتِ مَعِيَ (عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنَ الْأُثْرَةِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ، الِاسْتِئْثَارُ عَلَيْكِ فِيمَا لَكِ فِيهِ اشْتِرَاكٌ فِي الِاسْتِلْحَاقِ (وَإِنْ شِئْتِ فَارَقْتُكِ قَالَتْ: بَلْ أَسْتَقِرُّ عَلَى الْأُثْرَةِ، فَأَمْسَكَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ رَافِعٌ عَلَيْهِ إِثْمًا حِينَ قَرَّتْ عِنْدَهُ عَلَى الْأُثْرَةِ) لِرِضَاهَا بِذَلِكَ وَهُوَ حَقٌّ لَهَا فَلَهَا إِسْقَاطُهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: زَادَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: فَذَلِكَ الصُّلْحُ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّهُ أُنْزِلَتْ فِيهِ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 128) الْآيَةَ، وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ كَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَكَرِهَ مِنْ أَمْرِهَا إِمَّا كِبَرًا وَإِمَّا غَيْرَةً فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ، فَجَرَتْ بِذَلِكَ وَنَزَلَتْ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا} [النساء: 128] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 128) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 [كِتَاب الطَّلَاقِ] [بَاب مَا جَاءَ فِي الْبَتَّةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الطَّلَاقِ بَاب مَا جَاءَ فِي الْبَتَّةِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي مِائَةَ تَطْلِيقَةٍ فَمَاذَا تَرَى عَلَيَّ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ طَلُقَتْ مِنْكَ لِثَلَاثٍ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 29 - كِتَابُ الطَّلَاقِ قَدَّمَهَا عَلَى التَّرْجَمَةِ لِيَكُونَ الْبَدْءُ بِهَا حَقِيقِيًّا، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ التَّرَاجِمِ يُقَدِّمُ عَلَيْهَا التَّرْجَمَةَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا كَالْعُنْوَانِ، وَالِابْتِدَاءُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا بَعْدَهَا، فَنَاسَبَ وَصْلَهُ بِالْبَسْمَلَةِ ذَلِكَ مِنَ التَّفَنُّنِ اللَّطِيفِ. هُوَ لُغَةً: رَفْعُ الْقَيْدِ الْحِسِّيِّ، وَهُوَ حَلُّ الْوِثَاقِ، يُقَالُ: أَطْلَقَ الْفَرَسَ وَالْأَسِيرَ. وَشَرْعًا: رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ، فَخَرَجَ بِهِ الْعِتْقَ لِأَنَّهُ قَيْدٌ ثَابِتٌ شَرْعًا لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِالنِّكَاحِ، وَفِي مَشْرُوعِيَّةِ النِّكَاحِ مَصَالِحٌ لِلْعِبَادِ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ، وَفِي الطَّلَاقِ إِكْمَالٌ لَهَا ; إِذْ قَدْ لَا يُوَافِقُهُ النِّكَاحُ فَيَطْلُبُ الْخَلَاصَ مِنْهُ عِنْدَ تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَعُرُوضِ الْبَغْضَاءِ الْمُوجِبَةِ لِعَدَمِ إِقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ، فَشَرَعَهُ رَحْمَةً مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَفِي جَعْلِهِ عَدَدًا حِكْمَةٌ لَطِيفَةٌ ; لِأَنَّ النَّفْسَ كَذُوبَةٌ رُبَّمَا تُظْهِرُ عَدَمَ الْحَاجَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ وَالْحَاجَةُ إِلَى تَرْكِهَا، فَإِذَا وَقَعَ حَصَلَ النَّدَمُ وَضَاقَ الصَّدْرُ وَعِيلَ الصَّبْرُ، فَشَرَعَهُ تَعَالَى ثَلَاثًا لِيُجَرِّبَ نَفْسَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَإِذَا كَانَ الْوَاقِعُ صِدْقَهَا اسْتَمَرَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَإِلَّا أَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ بِالرَّجْعَةِ، ثُمَّ إِذَا عَادَتِ النَّفْسُ لِمِثْلِ الْأَوَّلِ وَغَلَبَتْهُ حَتَّى عَادَ إِلَى طَلَاقِهَا نَظَرَ أَيْضًا فِيمَا يَحْدُثُ لَهُ فَمَا يُوقِعُ الثَّالِثَةَ إِلَّا وَقَدْ جَرَّبَ وَقْعَهُ فِي حَالِ نَفْسِهِ، ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ آخَرَ لِيُثَابَ بِمَا فِيهِ غَيْظُهُ وَهُوَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ جِبِلَّةِ الْفُحُولِيَّةِ بِحِكْمَتِهِ وَلُطْفِهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ. 1170 - 1148 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْبَتَّةِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْفَوْقِيَّةِ الشَّدِيدَةِ، أَيْ مَنْ قِيلِ لَهَا أَنْتَ الْبَتَّةَ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَنْ انْبَتَّتْ بِالثَّلَاثِ، وَلِذَا ذُكِرَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَلَيْسَ فِيهِمَا لَفْظُ الْبَتَّةِ. - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ الحديث: 1170 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 وَغَيْرِهِ (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي مِائَةَ تَطْلِيقَةٍ) فِي مَرَّةٍ (فَمَاذَا تَرَى عَلَيَّ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: طُلِّقَتْ مِنْكَ بِثَلَاثٍ) مِنَ الْمِائَةِ (وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) مَهْزُوءًا بِهَا بِمُخَالَفَاتِهَا ; لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا جَعَلَ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا. وَفِي أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ إِنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ رَادُّهَا إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَنْطَلِقُ أَحَدُكُمْ فَيَرْكَبُ الْأُحْمُوقَةَ ثُمَّ يَقُولُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 2) وَأَنْتَ لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَمْ أَجِدْ لَكَ مَخْرَجًا، عَصَيْتَ رَبَّكَ وَبَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ ". وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِلُزُومِ الثَّلَاثِ لِمَنْ أَوْقَعَهَا مُجْتَمِعَةً. وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَحَزِنَ حُزْنًا شَدِيدًا، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ طَلَّقْتَهَا؟ قَالَ: ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا تِلْكَ وَاحِدَةٌ فَارْتَجِعْهَا إِنْ شِئْتَ فَارْتَجَعَهَا» ". فَأُجِيبَ بِأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ وَشَيْخَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا، وَقَدْ عُورِضَ بِفَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُخَالِفْهُ، وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ عَنْهُ فَلَمْ يُخَالِفْهُ إِلَّا لِظُهُورِ عِلَّةٍ تَقْتَضِي عَدَمَ الْعَمَلِ بِهِ كَنَسْخٍ أَوْ تَخْصِيصٍ لِرُكَانَةَ كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ، بَلْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ قَائِلًا: إِنَّ خِلَافَهُ شَاذٌّ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي ثَمَانِيَ تَطْلِيقَاتٍ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَمَاذَا قِيلَ لَكَ قَالَ قِيلَ لِي إِنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنِّي فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ صَدَقُوا مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ لَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ لَبْسًا جَعَلْنَا لَبْسَهُ مُلْصَقًا بِهِ لَا تَلْبِسُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَنَتَحَمَّلُهُ عَنْكُمْ هُوَ كَمَا يَقُولُونَ   1170 - 1149 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ (أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي ثَمَانِيَ تَطْلِيقَاتٍ) فِي كَلِمَةٍ، بِأَنْ قُلْتَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٍ ثَمَانِيَ تَطْلِيقَاتٍ (فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَمَاذَا قِيلَ لَكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: إِنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنِّي) فَلَا تَحِلُّ لِي إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ (فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: صَدَقُوا مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ) بِقَوْلِهِ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 229) (فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ) أَنَّ الْمُرَادَ الَّذِي فِيهِ الرَّجْعَةُ بِقَوْلِهِ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 229) (وَمَنْ لَبَسَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ خَلِطَ (عَلَى نَفْسِهِ لَبْسًا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ خَلْطًا (جَعَلْنَا لَبْسَهُ مُلْصَقًا بِهِ لَا تَلْبِسُوا) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَنَتَحَمَّلُهُ عَنْكُمْ هُوَ كَمَا يَقُولُونَ) إِنَّهَا بَانَتْ مِنْكَ. وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ عَلْقَمَةَ: " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي مِائَةً، قَالَ: بَانَتْ مِنْكَ وَسَائِرُهُنَّ مَعْصِيَةٌ ". وَفِي لَفْظٍ: " عُدْوَانٌ ". وَعِنْدَهُ أَيْضًا: " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِي كَلَامٌ فَطَلَّقْتُهَا عَدَدَ النُّجُومِ فَقَالَ: بَانَتْ مِنْكَ " فَهِيَ وَقَائِعُ مُتَعَدِّدَةٌ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا؟ قَالَ: إِذًا قَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ وَبَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ» ". وَالنِّسَائِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: " «أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ مُغْضَبًا فَقَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ» ؟ . وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ ". فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُطَلِّقُونَ ثَلَاثًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُوقَعَ فِي زَمَنِ عُمَرَ ثَلَاثًا كَانَ يُوقَعُ قَبْلَ ذَلِكَ وَاحِدَةً ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَسْتَعْمِلُونَ الثَّلَاثَ أَصْلًا، وَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهَا نَادِرًا، وَأَمَّا فِي زَمَنِ عُمَرَ فَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ، فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ صَنَعَ فِيهِ مِنَ الْحُكْمِ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ مَا كَانَ يُصْنَعُ قَبْلَهُ، وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ غَيْرُ ذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لَهُ الْبَتَّةُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَقُلْتُ لَهُ كَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ يَجْعَلُهَا وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ أَلْفًا مَا أَبْقَتْ الْبَتَّةُ مِنْهَا شَيْئًا مَنْ قَالَ الْبَتَّةَ فَقَدْ رَمَى الْغَايَةَ الْقُصْوَى   1170 - 1150 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو (بْنِ حَزْمٍ) فَنَسَبَهُ إِلَى جَدِّ أَبِيهِ لِشُهْرَتِهِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لَهُ: الْبَتَّةَ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقُلْتُ لَهُ: كَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ الْمَدَنِيُّ، أَمِيرُ الْمَدِينَةِ (يَجْعَلَهَا وَاحِدَةً، فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ أَلْفًا مَا أَبْقَتِ الْبَتَّةُ مِنْهُ شَيْئًا) لِأَنَّهَا مِنَ الْبَتِّ وَهُوَ الْقَطْعُ، فَمَعْنَاهَا قَطْعُ جَمِيعِ الْعِصْمَةِ الَّتِي بِيَدِهِ وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَصْلَةٌ مِنْهَا (مَنْ قَالَ الْبَتَّةَ فَقَدْ رَمَى الْغَايَةَ الْقُصْوَى) فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ   1171 - 1151 الحديث: 1171 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ) وَقَضَاؤُهُ بِذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ مَعَ تَوَفُّرِ الْعُلَمَاءَ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ عَلَيْهِ دَالٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) وَفِي الْمُوَازَيَةِ: " «رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْزَمَ الْبَتَّةَ مَنْ طَلَّقَ بِهَا، وَأَلْزَمَ الثَّلَاثَ مَنْ طَلَّقَ بِهَا» ". وَقَضَى عُمَرُ فِيهَا بِالثَّلَاثِ، وَقَالَهُ عَلِيٌّ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ بِالْأَسَانِيدِ إِلَيْهِمْ، وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْبَتَّةَ فَحَلَّفَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَا أَرَادَ إِلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إِلَيْهِ فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ، فَمُعَارَضٌ بِرِوَايَةِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَمَا مَرَّ، فَلَمَّا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا وَرَجَعَ لِمَا بِهِ الْعَمَلُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كُتِبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ الْعِرَاقِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى عَامِلِهِ أَنْ مُرْهُ يُوَافِينِي بِمَكَّةَ فِي الْمَوْسِمِ فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ لَقِيَهُ الرَّجُلُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ عُمَرُ مَنْ أَنْتَ فَقَالَ أَنَا الَّذِي أَمَرْتَ أَنْ أُجْلَبَ عَلَيْكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَسْأَلُكَ بِرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ مَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ لَوْ اسْتَحْلَفْتَنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مَا صَدَقْتُكَ أَرَدْتُ بِذَلِكَ الْفِرَاقَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ مَا أَرَدْتَ   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ 1174 - 1152 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كُتِبَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنَ الْعِرَاقِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى عَامِلِهِ) عَلَى الْعِرَاقِ (أَنْ مُرْهُ يُوَافِينِي) بِمَكَّةَ (فِي الْمَوْسِمِ، فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ لَقِيَهُ الرَّجُلُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَمَرْتَ أَنْ أُجْلَبَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ (عَلَيْكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَلَى فَعَيْلَةٍ الْكَعْبَةُ، وَقَالَ الْمَجْدُ: الْبَنِيَّةُ الحديث: 1174 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 كَغَنِيَّةٍ الْكَعْبَةُ لِشَرَفِهَا شَرَّفَهَا اللَّهُ (مَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: لَوِ اسْتَحْلَفْتَنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مَا صَدَقْتُكَ، أَرَدْتُ بِذَلِكَ الْفِرَاقَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: هُوَ مَا أَرَدْتَ) فَنَوَاهُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ: يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي، وَظَاهِرُهُ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا. وَفِي الْمُوَازَيَةِ عَنْهُ: يَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَحْلِفُ. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ: لَوْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَنْوِي مَا خَالَفْتُهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ; إِذْ لَيْسَ فِي رَجَاءٍ أَنَّهُ بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ   1174 - 1153 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا صَحَّ مِنْ طُرُقٍ (أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: هِيَ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَا يَنْوِي وَلَهُ نِيَّتُهُ فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، ثُمَّ كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَهُ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَهُ نِيَّتُهُ، وَقَدْ حَكَى أَبُو عُمَرَ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ أَشَدُّهَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَهُ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ إِنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا   1174 - 1154 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) أَيِ اللَّفْظَتَيْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ تَحْتَهُ وَلِيدَةٌ لِقَوْمٍ فَقَالَ لِأَهْلِهَا شَأْنَكُمْ بِهَا فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ   1175 - 1155 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ تَحْتَهُ وَلِيدَةٌ) الحديث: 1175 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 أَمَةٌ (لِقَوْمٍ فَقَالَ لِأَهْلِهَا: شَأْنُكُمْ بِهَا) أَيْ خُذُوهَا (فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ، فَإِذَا أَرَادَ بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ وَاحِدَةً إِلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ بَرِئْتِ مِنِّي وَبَرِئْتُ مِنْكِ إِنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَتَّةِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنَةٌ إِنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا وَيُدَيَّنُ فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوَاحِدَةً أَرَادَ أَمْ ثَلَاثًا فَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً أُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ لِأَنَّهُ لَا يُخْلِي الْمَرْأَةَ الَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَلَا يُبِينُهَا وَلَا يُبْرِيهَا إِلَّا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَالَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا تُخْلِيهَا وَتُبْرِيهَا وَتُبِينُهَا الْوَاحِدَةُ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ   1176 - 1156 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ بَرِئْتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ، خِطَابًا لَهَا (مِنِّي وَبَرِئْتُ) بِضَمِّهَا لِلْمُتَكَلِّمِ (مِنْكِ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَتَّةَ) وَفِيهِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَرَى الْبَتَّةَ ثَلَاثًا. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنَةٌ: أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا وَيُدَيَّنُ) أَيْ يُوكَلُ إِلَى دِينِهِ (فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) فَيُقْبَلُ مِنْهُ (أَوَاحِدَةً أَرَادَ أَمْ ثَلَاثًا؟ فَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً أُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ) بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ (وَكَانَ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ) لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَائِنٌ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (لِأَنَّهُ لَا يُخْلِي) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ (الْمَرْأَةَ الَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَلَا يُبَيِّنُهَا وَلَا يُبْرِيهَا) بِضَمِّ أَوَّلِهَمَا مِنْ زَوْجِهَا (إِلَّا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَالَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا تُخْلِيهَا وَتُبْرِيهَا وَتُبِينُهَا الْوَاحِدَةُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ فِي الثَّلَاثِ (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) وَلِذَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَقْوَالٌ أُخَرُ. الحديث: 1176 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 [بَاب مَا يُبِينُ مِنْ التَّمْلِيكِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي جَعَلْتُ أَمْرَ امْرَأَتِي فِي يَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَمَاذَا تَرَى فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أُرَاهُ كَمَا قَالَتْ فَقَالَ الرَّجُلُ لَا تَفْعَلْ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَنَا أَفْعَلُ أَنْتَ فَعَلْتَهُ   3 - بَابُ مَا يُبِينُ مِنَ التَّمْلِيكِ 1178 - 1157 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ ابْنِ عُمَرَ (إِنِّي جَعَلْتُ أَمْرَ امْرَأَتِي فِي يَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَرَاهُ كَمَا قَالَتْ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا تَفْعَلْ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ) رَدًّا عَلَيْهِ (أَنَا أَفْعَلُ؟ أَنْتَ الَّذِي فَعَلْتَهُ) وَكَانَ هَذَا مِنْ تَسْمِيَةِ الْقَوْلِ فِعْلًا. الحديث: 1178 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ بِهِ إِلَّا أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهَا وَيَقُولُ لَمْ أُرِدْ إِلَّا وَاحِدَةً فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ أَمْلَكَ بِهَا مَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا   1178 - 1158 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ بِهِ) مِنْ وَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ (إِلَّا أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهَا وَيَقُولَ: لَمْ أُرِدْ إِلَّا وَاحِدَةً فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ أَمَلَكَ) أَحَقَّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ (مَا كَانَتْ) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِهَا (فِي عِدَّتِهَا) فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 [بَاب مَا يَجِبُ فِيهِ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ التَّمْلِيكِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ مَلَّكْتُ امْرَأَتِي أَمْرَهَا فَفَارَقَتْنِي فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْقَدَرُ فَقَالَ زَيْدٌ ارْتَجِعْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ وَأَنْتَ أَمْلَكُ بِهَا   4 - بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ التَّمْلِيكِ 1179 - 1159 - (مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (ابْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، الحديث: 1179 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 قَاضِيهَا مِنَ الثِّقَاتِ. وَرِجَالُ الْجَمِيعِ (عَنْ) عَمِّهِ (خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيِّ أَبِي زَيْدٍ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ، أَحَدُ الْفُقَهَاءِ، مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ وَقِيلَ قَبْلَهَا (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ وَالِدِهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ أَبِي عَتِيقٍ) مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ، مَقْبُولٌ، رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَالسُّنَنُ (وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: مَا شَأْنُكَ؟) أَيْ حَالُكَ (فَقَالَ: مَلَّكْتُ امْرَأَتِي أَمْرَهَا فَفَارَقَتْنِي، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ الْقَدَرُ، فَقَالَ زَيْدٌ: ارْتَجِعْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ) إِنْ قَضَتْ بِهَا أَوْ نَاكَرْتَهَا أَوْ أَنَّ مَذْهَبَ زَيْدٍ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ مُطْلَقًا (وَأَنْتَ أَمْلَكُ بِهَا) أَحَقُّ مِنْ غَيْرِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَقَالَتْ أَنْتَ الطَّلَاقُ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَتْ أَنْتَ الطَّلَاقُ فَقَالَ بِفِيكِ الْحَجَرُ ثُمَّ قَالَتْ أَنْتَ الطَّلَاقُ فَقَالَ بِفَاكِ الْحَجَرُ فَاخْتَصَمَا إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَاسْتَحْلَفَهُ مَا مَلَّكَهَا إِلَّا وَاحِدَةً وَرَدَّهَا إِلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَكَانَ الْقَاسِمُ يُعْجِبُهُ هَذَا الْقَضَاءُ وَيَرَاهُ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ وَأَحَبُّهُ إِلَيَّ   1180 - 1160 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ) ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَقَالَتْ: أَنْتَ الطَّلَاقُ، فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَتْ: أَنْتَ الطَّلَاقُ، فَقَالَ) مُنَاكِرًا لَهَا (بِفِيكِ الْحَجَرُ) بِكَسْرِ الْكَافِ (ثُمَّ قَالَتْ: أَنْتَ الطَّلَاقُ، فَقَالَ: بِفِيكِ الْحَجَرُ) مُنَاكِرًا أَيْضًا (فَاخْتَصَمَا إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ) أَمِيرِ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ (فَاسْتَحْلَفَهُ مَا مَلَّكَهَا إِلَّا وَاحِدَةً وَرَدَّهَا إِلَيْهِ، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَكَانَ الْقَاسِمُ) يَعْنِي أَبَاهُ (يُعْجِبُهُ هَذَا الْقَضَاءُ، وَيَرَاهُ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ وَأَحَبُّهُ إِلَيَّ) يَقْتَضِي أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَهُ. الحديث: 1180 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 [بَاب مَا لَا يُبِينُ مِنْ التَّمْلِيكِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا خَطَبَتْ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَرِيبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ فَزَوَّجُوهُ ثُمَّ إِنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالُوا مَا زَوَّجْنَا إِلَّا عَائِشَةَ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَجَعَلَ أَمْرَ قَرِيبَةَ بِيَدِهَا فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا   5 - بَابُ مَا لَا يُبِينُ مِنَ التَّمْلِيكِ 1181 - 1161 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ) عَمَّتِهِ (عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا خَطَبَتْ عَلَى) أَيْ لِأَخِيهَا (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ (قَرِيبَةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَمُوَحَّدَةٍ فَتَاءُ تَأْنِيثٍ، وَيُقَالُ بِالتَّصْغِيرِ، بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّةَ الصَّحَابِيَّةَ، أُخْتُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْجَمَالِ، رَوَى عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ: «لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ نِسَاءِ قُرَيْشٍ مَا كَانَ يُذْكَرُ مِنْ جَمَالِهِنَّ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ رَأَيْتَ بَنَاتَ أَبِي أُمَيَّةَ؟ هَلْ رَأَيْتَ قَرِيبَةَ؟ (فَزُوَّجُوهُ) وَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ وَأُمَّ حَكِيمٍ وَحَفْصَةَ» ، ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ (ثُمَّ إِنَّهُمْ عَتَبُوا) أَيْ وَجَدُوا (عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فِي أَمْرِ فِعْلِهِ، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ (وَقَالُوا: مَا زَوَّجْنَا إِلَّا عَائِشَةَ) أَيْ إِنَّمَا وَثِقْنَا بِفَضْلِهَا وَحُسِنِ خُلُقِهَا، وَأَنَّهَا لَا تَرْضَى لَنَا بِأَذًى وَلَا إِضْرَارٍ فِي وَلِيَّتِنَا (فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَجَعَلَ أَمْرَ قَرِيبَةَ بِيَدِهَا، فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا) وَلِابْنِ سَعْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَرِيبَةَ أُخْتَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ، فَقَالَتْ لَهُ يَوْمًا: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ حَذَّرْتُكَ؟ قَالَ: فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ، فَقَالَتْ: لَا أَخْتَارُ عَلَى ابْنِ الصِّدِّيقِ أَحَدًا، فَأَقَامَ عَلَيْهَا. الحديث: 1181 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ وَمِثْلِي يُصْنَعُ هَذَا بِهِ وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ الْمُنْذِرُ فَإِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا كُنْتُ لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْتِهِ فَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا   1182 - 1162 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ الصِّدِّيقِ، مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِيَّاتِ، رَوَى لَهَا مُسْلِمٌ وَالثَّلَاثَةُ (الْمُنْذِرَ الحديث: 1182 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 بْنَ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامَ الْأَسَدِيَّ أَبَا عُثْمَانَ، شَقِيقُ عَبْدِ اللَّهِ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَحَفِيدُهُ فُلَيْحٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَايِذٍ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ أَنَّ الْمُنْذِرَ غَاضَبَ أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ، فَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَجَازَهُ بِجَائِزَةٍ عَظِيمَةٍ وَأَقْطَعَهُ أَرْضًا بِالْبَصْرَةِ. وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ الْمُنْذِرَ كَانَ عِنْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ لَمَّا امْتَنَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ مُبَايَعَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ يَزِيدُ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ أَنْ يُوَجِّهَ إِلَيْهِ الْمُنْذِرَ، فَبَلَغَهُ، فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ، فَقُتِلَ فِي الْحِصَارِ الْأَوَّلِ بَعْدَ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَمِثْلِي يُصْنَعُ هَذَا بِهِ، وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ) بِتَزْوِيجِ بِنْتِهِ وَهُوَ غَائِبٌ (فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ) أَخْبَرَتْهُ بِقَوْلِ أَخِيهَا (فَقَالَ الْمُنْذِرُ: فَإِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) وَالِدِهَا (فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا كُنْتُ لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْتِهِ) بِكَسْرِ التَّاءِ خِطَابًا لِأُخْتِهِ عَائِشَةَ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: قَضَيْتِيهِ، بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ لِإِشْبَاعِ الْكَسْرَةِ (فَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَازَيَةِ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِمِثْلِ عَائِشَةَ، لِمَكَانِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَيْ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ إِجَازَةُ الْمُجْبَرِ تَزْوِيجَ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ جَدِّهِ إِذَا كَانَ قَدْ فَوَّضَ لَهُ أُمُورَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَجَازَهُ الْأَبُّ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَعَائِشَةُ لَيْسَتْ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَمْ يُفَوِّضْ لَهَا أُمُورَهُ، فَالْجَوَازُ فِي إِجَازَةِ فِعْلِهَا خُصُوصِيَّةٌ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَظُنُّهَا وَكَّلَتْ عِنْدَ الْعَقْدِ، لَكِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ لَا يُوَكِّلُ إِلَّا مِثْلَهُ، وَعَائِشَةُ لَا يَصِحُّ كَوْنُهَا وَكِيلًا عَنْ أَخِيهَا، فَكَيْفَ تُوَكَّلُ؟ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا نَصُّوا عَلَيْهِ إِذَا وَكَّلَ الْوَلِيُّ مَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ، أَمَّا إِذَا وَكَّلَ مَنْ يُوكِّلُ مَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ، فَلَا مَانِعَ أَنْ يُوَكِّلَ امْرَأَةً مَثَلًا، وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ الْمُنْذِرَ فَارَقَ حَفْصَةَ فَتَزَوَّجَهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَاحْتَالَ الْمُنْذِرُ عَلَيْهِ حَتَّى طَلَّقَهَا، فَأَعَادَهَا الْمُنْذِرُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلَا عَنْ الرَّجُلِ يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَتَرُدُّ بِذَلِكَ إِلَيْهِ وَلَا تَقْضِي فِيهِ شَيْئًا فَقَالَا لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ   1182 - 1163 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلَا عَنِ الرَّجُلِ يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَتَرُدُّ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَلَا تَقْضِي فِيهِ شَيْئًا، فَقَالَا: لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ) لِأَنَّهَا رَدَّتْهُ وَلَمْ تُوقِعْ شَيْئًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ إِذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَلَمْ تُفَارِقْهُ وَقَرَّتْ عِنْدَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُمَلَّكَةِ إِذَا مَلَّكَهَا زَوْجُهَا أَمْرَهَا ثُمَّ افْتَرَقَا وَلَمْ تَقْبَلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَيْسَ بِيَدِهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَهُوَ لَهَا مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا   1183 - 1164 الحديث: 1183 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَلَمْ تُفَارِقْهُ وَقَرَّتْ) بِالْقَافِ، ثَبَتَتْ (عِنْدَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ) لِرَدِّهَا مَا مَلَّكَ (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُمَلَّكَةِ: إِذَا مَلَّكَهَا زَوْجُهَا أَمْرَهَا ثُمَّ افْتَرَقَا وَلَمْ تَقْبَلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَيْسَ بِيَدِهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ لَهَا مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا) فَإِذَا افْتَرَقَا مِنْهُ بَطَلَ التَّمْلِيكُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 [بَاب الْإِيلَاءِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ حَتَّى يُوقَفَ فَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا   6 - بَابُ الْإِيلَاءِ قَالَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ: الْإِيلَاءُ الْحَلِفُ، وَأَصْلُهُ الِامْتِنَاعُ مِنَ الشَّيْءِ، يُقَالُ: آلَى يُولِي إِيلَاءً وَتَأَلَّى تَأَلِّيًا وَائْتَلَى ائْتِلَاءً، وَقَالَ فِي تَنْبِيهَاتِهِ: الْإِيلَاءُ لُغَةً الِامْتِنَاعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} [النور: 22] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 22) الْآيَةَ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِيمَا إِذَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ فَنَسَبُوا الْيَمِينَ إِلَيْهِ فَصَارَ الْإِيلَاءُ الْحَلِفَ، وَهُوَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ، وَشَذَّ ابْنُ سِيرِينَ فَقَالَ: هُوَ الْحَلِفُ عَلَى مَا فِي تَرْكِهِ مَسَاءَةٌ لَهَا وَطْئًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَحَلِفِهِ لَا يُكَلِّمُهَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ لُغَةً الْيَمِينُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. 1184 - 1165 - (مَالِكٌ، عَنْ جَعْفَرٍ) الصَّادِقِ (ابْنِ مُحَمَّدٍ) الْبَاقِرِ (عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) وَفِيهِ انْقِطَاعٌ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَإِنْ مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ حَتَّى يُوقَفَ) عِنْدَ الْحَاكِمِ (فَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ) يَطَأُ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ، قَالَ عِيَاضٌ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ الحديث: 1184 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ الطَّلَاقُ إِذَا حَنَثَ نَفْسَهُ قَبْلَ تَمَامِهَا، فَإِنْ مَضَتْ فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَافَّةِ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِمُضِيِّهَا بَلْ حَتَّى يُوقِفَهُ الْحَاكِمُ فَيَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ، فَتَقْدِيرُ الْآيَةِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ: فَإِنْ فَاءُوا فِيهِنَّ، وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ: فَإِنْ فَاءُوا بَعْدَهَا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 5] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 5) حُجَّةٌ لِلْكَافَّةِ ; لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بِمُضِيِّهَا لَمْ يَقَعْ لِلْعَزْمِ عَلَيْهِ بَعْدَهَا مَعْنًى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَيُّمَا رَجُلٍ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فَإِنَّهُ إِذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وُقِفَ حَتَّى يُطَلِّقَ أَوْ يَفِيءَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إِذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ حَتَّى يُوقَفَ   1185 - 1166 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَيُّمَا رَجُلٍ آلَى مِنِ امْرَأَتِهِ فَإِنَّهُ إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وُقِفَ حَتَّى يُطَلِّقَ) بِنَفْسِهِ (أَوْ يَفِيءَ) يَرْجِعَ إِلَى جِمَاعِهَا (وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ) وَلَمْ يُجَامِعْ فِيهَا (حَتَّى يُوقَفَ) عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَيُطَلِّقُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَفِيءُ وَإِلَّا طُلِّقَ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْأَثَرُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا، وَعَارَضَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: إِذَا آلَى فَلَمْ يَفِئْ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ ثَابِتَةٌ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يُنْهِضُ مُعَارَضَتَهِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِخْرَاجِ الْبُخَارِيِّ لِرِجَالِ السَّنَدِ الَّذِي خَرَّجَهُ غَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَرَّجِ فِيهِ نَفْسُهُ، وَلِذَا كَانَ الصَّحِيحُ مَرَاتِبَ فَيُقَدَّمُ عِنْدَ التَّعَارُضِ مَا أَخْرَجَهُ عَلَى مَا خَرَّجَهُ غَيْرُهُ بِشَرْطِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ انْتِهَاضِ الْمُعَارَضَةِ لَمْ يَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ فَيَرْجِعُ إِلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، وَكَيْفَ يُسَلَّمُ وَالتَّرْجِيحُ يَقَعُ بِمُوَافَقَةِ الْأَكْثَرِ مَعَ مُوَافَقَةِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ. الحديث: 1185 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَا يَقُولَانِ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ إِنَّهَا إِذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ   1167 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَا يَقُولَانِ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ) تَقَعُ بِمُضِيِّهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 (وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ) لِأَنَّ طَلَاقَ الْإِيلَاءِ رَجْعِيٌّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الرَّجُلِ إِذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا إِذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ رَأْيُ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ فَيُوقَفُ فَيُطَلِّقُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ ثُمَّ يُرَاجِعُ امْرَأَتَهُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُذْرِ فَإِنَّ ارْتِجَاعَهُ إِيَّاهَا ثَابِتٌ عَلَيْهَا فَإِنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وُقِفَ أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَفِئْ دَخَلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِالْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ إِذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ لِأَنَّهُ نَكَحَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَلَا عِدَّةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ فَيُوقَفُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَيُطَلِّقُ ثُمَّ يَرْتَجِعُ وَلَا يَمَسُّهَا فَتَنْقَضِي أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا إِنَّهُ لَا يُوقَفُ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَإِنَّهُ إِنْ أَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا وَإِنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهَا وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَنْقَضِي الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ قَالَ هُمَا تَطْلِيقَتَانِ إِنْ هُوَ وُقِفَ وَلَمْ يَفِئْ وَإِنْ مَضَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَلَيْسَ الْإِيلَاءُ بِطَلَاقٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ الَّتِي كَانَتْ تُوقَفُ بَعْدَهَا مَضَتْ وَلَيْسَتْ لَهُ يَوْمَئِذٍ بِامْرَأَةٍ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى يَنْقَضِيَ أَكْثَرُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِيلَاءً وَإِنَّمَا يُوقَفُ فِي الْإِيلَاءِ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَأَمَّا مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ إِيلَاءً لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْأَجَلُ الَّذِي يُوقَفُ عِنْدَهُ خَرَجَ مِنْ يَمِينِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَقْفٌ قَالَ مَالِكٌ مَنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِيلَاءً وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَهُ إِيلَاءً   1185 - 1168 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الرَّجُلِ إِذَا آلَى مِنِ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ) وَاحِدَةٌ (وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا، قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ رَأْيُ ابْنِ شِهَابٍ) فَوَافَقَ رَأْيُهُ رَأْيَ شَيْخِهِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي بَكْرٍ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ كَمَا عُلِمَ خِلَافَهُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ قَالَ: لَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ أَنَّ الْعَزِيمَةَ عَلَى الطَّلَاقِ تَكُونُ طَلَاقًا، وَلَوْ جَازَ لَكَانَ الْعَزْمُ عَلَى الْفَيْءِ فَيْئًا، وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ اللُّغَةِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي لَا يَنْوِي بِهَا الطَّلَاقَ تَقْتَضِي طَلَاقًا، وَالْعَطْفُ بِالْفَاءِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَلَا يَتَّجِهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّهَا، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَجَلًا لَهُ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، كَمَا لَوْ أَجَّلْتَنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ أَخْذُ حَقِّكَ مِنِّي حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ وَاحِدًا مِنْ حُكْمَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ، فَقُلْنَا بِهَذَا، وَقُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حَتَّى يُحْدِثَ فَيْئَةً أَوْ طَلَاقًا. وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْفَاءَ لِتَعْقِيبِ الْمَعْنَى فِي الزَّمَانِ فِي عَطْفِ الْمُفْرَدِ كَجَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو، وَتَدْخُلُ الْجُمَلُ لِتَفْصِيلِ مُجْمَلٍ قَبْلَهَا وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ لِلْأَوَّلِ نَحْوُ: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 153) فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ التَّعْقِيبَ الْحَقِيقِيَّ، بَلِ التَّعْقِيبَ الذِّكْرِيَّ بِأَنْ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَكَالْأَوَّلِ كَجَاءَ زَيْدٌ فَقَامَ عَمْرٌو، وَكُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ جَائِزُ الْإِرَادَةِ فِي الْآيَةِ؛ الْمَعْنَوِيُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِيلَاءِ، فَإِنْ فَاءُوا بَعْدَ الْإِيلَاءِ وَالذِّكْرَى فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ لَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ أَنْ يَتَرَبَّصُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَيْنُونَةً مَعَ عَدَمِ الْوَطْءِ كَانَ مَوْضِعَ تَفْصِيلِ الْحَالِ فِي الْأَمْرَيْنِ، فَقَوْلُهُ: {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] إِلَى قَوْلِهِ {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 226، 227) وَاقِعٌ لِهَذَا الْغَرَضِ، فَيَصِحُّ كَوْنُ الْمُرَادِ: فَإِنْ فَاءُوا أَيْ رَجَعُوا عَمَّا اسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ تَعْقِيبًا عَلَى الْإِيلَاءِ، التَّعْقِيبُ الذِّكْرِيِّ أَوْ بَعْدَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 تَعْقِيبًا عَلَى التَّرَبُّصِ {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 5] لِمَا حَدَثَ مِنْهُمْ مِنَ الْيَمِينِ عَلَى الظُّلْمِ وَعَقْدِ الْقَلْبِ اهـ. وَمَا فِيهِ مِنَ التَّعَسُّفِ الَّذِي يَنْبُو عَنْهُ الظَّاهِرُ غَنِيٌّ عَنْ رَدِّهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ فَيُوقَفُ فَيُطَلِّقُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ ثُمَّ يُرَاجِعُ امْرَأَتَهُ: أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا) وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ: فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهَا، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعُذْرِ) الَّذِي لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْجِمَاعِ (فَإِنَّ ارْتِجَاعَهُ إِيَّاهَا ثَابِتٌ عَلَيْهَا، فَإِنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وُقِفَ أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَفِئْ) يَطَأْ (دَخَلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِالْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ ; لِأَنَّهُ نَكَحَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَلَا عِدَّةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 49) (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ فَيُوقَفُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيُطَلِّقُ ثُمَّ يَرْتَجِعُ وَلَا يَمَسُّهَا فَتَنْقَضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) لِتَأَخُّرِهَا بِحَمْلٍ وَنَحْوِهِ (أَنَّهُ لَا يُوقَفُ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَأَنَّهُ إِنْ أَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 الْأَشْهُرِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ قَالَ: هُمَا تَطْلِيقَتَانِ إِنْ هُوَ وَقَفَ وَلَمْ يَفِئْ، وَإِنْ مَضَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهَرِ فَلَيْسَ الْإِيلَاءُ بِطَلَاقٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهَرِ الَّتِي كَانَتْ تُوقِفُ بَعْدَهَا مَضَتْ وَلَيْسَتْ لَهُ يَوْمَئِذٍ بِامْرَأَةٍ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَالطَّلَاقُ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمَرْأَةِ (وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا ثُمَّ مَكَثَ) بِلَا وَطْءٍ (حَتَّى يَنْقَضِيَ أَكْثَرُ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِيلَاءً) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَشَذَّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ فِي آخَرَيْنِ فَقَالُوا: إِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَعَكَسَ ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ: كُلُّ مَنْ وَقَّتَ فِي يَمِينِهِ وَقْتًا وَإِنْ طَالَ فَلَيْسَ بِمُولٍ وَإِنَّمَا الْمُولِي مَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ لِلْأَبَدِ (إِنَّمَا يُوقَفُ فِي الْإِيلَاءِ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرِ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، فَأَمَّا مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَدْنَى) أَقَلَّ (مِنْ ذَلِكَ، فَلَا أَرَى عَلَيْهِ إِيلَاءً ; لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ) وَفِي نُسْخَةٍ: جَاءَ (الْأَجَلُ الَّذِي يُوقَفُ عِنْدَهُ خَرَجَ مِنْ يَمِينِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَقْفٌ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَصْبِرُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَبَعْدَهَا يَفْنَى صَبْرُهَا أَوْ يَقِلُّ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ: يَكُونُ مُولِيًا بِالْحَلِفِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَبِهِ قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَتَمَسَّكَ الْأَوَّلُ بِمَا تُعْطِيهِ الْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 226) فَإِنَّ ظَاهِرَهَا يَسْتَلْزِمُ تَأْخِيرَ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا، وَذَلِكَ يُؤْذِنُ بِأَنَّ زَمَنَ الْفَيْئَةِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ، وَكَذَلِكَ أَنَّ الشَّرْطِيَّةُ فَإِنَّهَا تُصَيِّرُ الْمَاضِيَ بَعْدَهَا مُسْتَقْبَلًا، فَلَوْ طُلِبَتِ الْفَيْئَةُ فِي الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِيَبْقَى مَعْنَى الْمُضِيُّ بَعْدَهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بَعْدَ دُخُولِهَا وَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَرَى فِي الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْفَاءَ لِمُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ تَأَخُّرُ الْمُسَبَّبِ عَنْ سَبَبِهِ فِي الزَّمَانِ بَلِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْمُقَارَنَةُ، وَأَرَى أَيْضًا حَذْفَ كَانَ بَعْدَ أَنْ، أَيْ فَإِنْ كَانُوا فَاءُوا كَمَا تَأَوَّلَ مِثْلَهُ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 116) وَالْقَرِينَةُ الْمُعَيَّنَةُ لِذَلِكَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ اللَّامُ مِنْ قَوْلِهِ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 226) فَالتَّرَبُّصُ إِذًا مَقْصُورٌ عَلَيْهَا لَا غَيْرَ، وَرُدَّ بِأَنَّ الَّذِي فِي اللَّامِ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَالْفَيْئَةُ أَمْرٌ يَكُونُ بَعْدَهَا فَلَيْسَ مَقْصُورًا عَلَيْهَا. (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلِفَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِيلَاءً) لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ عَدَمَ ضَرَرِ وَلَدِهِ لَا الِامْتِنَاعَ مِنَ الْوَطْءِ (وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَهُ إِيلَاءً) أَتَى بِهِ تَقْوِيَةً لِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 [بَاب إِيلَاءِ الْعَبْدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ إِيلَاءِ الْعَبْدِ فَقَالَ هُوَ نَحْوُ إِيلَاءِ الْحُرِّ وَهُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَإِيلَاءُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ   7 - بَابُ إِيلَاءِ الْعَبِيدِ بِالْجَمْعِ، وَفِي نُسْخَةٍ: (الْعَبْدِ) ، بِالْإِفْرَادِ. 1186 - 1169 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ إِيلَاءِ الْعَبْدِ فَقَالَ: هُوَ نَحْوُ إِيلَاءِ الْحُرِّ، وَهُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ) كَالْحُرِّ (وَإِيلَاءُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ) وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ، لَكِنَّهُ قَالَ: أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ، وَقِيلَ أَجْلُهُ كَالْحُرِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ مَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْبَيْنُونَةِ فَوَجَبَ نُقْصَانُهُ فِيهِ عَنِ الْحَرِّ، أَصْلُهُ الطَّلَاقُ، قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ. الحديث: 1186 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 [بَاب ظِهَارِ الْحُرِّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَةً إِنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ إِنَّ رَجُلًا جَعَلَ امْرَأَةً عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ إِنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ   8 - بَابُ ظِهَارِ الْحُرِّ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، مَصْدَرُ ظَاهَرَهُ، مُفَاعَلَةٌ مِنَ الظَّهْرِ، فَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ تَرْجِعُ إِلَى الظَّهْرِ مَعْنًى وَلَفْظًا بِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ، فَيُقَالُ: ظَاهَرْتُ فُلَانًا إِذَا قَابَلْتُ ظَهْرَكَ بِظَهْرِهِ حَقِيقَةً، وَإِذَا غَايَظْتَهُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ تُدَابِرْهُ حَقِيقَةً، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُغَايَظَةَ تَقْتَضِي هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ وَظَاهَرْتُهُ إِذَا نَصَرْتُهُ ; لِأَنَّهُ يُقَالُ: قَوَّى ظَهْرَهُ إِذَا نَصَرَهُ، وَظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَظَاهَرَ بَيْنَ ثَوْبَيْنِ إِذَا لَبِسَ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ عَلَى اعْتِبَارِ جَعْلِ مَا يَلِي كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ ظَهْرًا لِلثَّوْبِ، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ كَوْنُ لَفْظِ الظَّهْرِ فِي بَعْضِ هَذِهِ التَّرَاكِيبِ مَجَازًا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِاشْتِقَاقَ مِنْهُ، وَيَكُونُ الْمُشْتَقُّ مَجَازًا أَيْضًا، وَقَدْ قِيلَ: الظَّهْرُ هُنَا مَجَازٌ عَنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 الْبَطْنِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُرْكَبُ الْبَطْنُ فَكَظَهْرِ أُمِّي بِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ، وَلِأَنَّهُ عَمُودُهُ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ مَا هُوَ الصَّارِفُ عَنِ الْحَقِيقَةِ مِنَ النِّكَاتِ، ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَأْخُوذٌ مِنَ الظَّهْرِ لِأَنَّ الْوَطْءَ رُكُوبٌ وَهُوَ غَالِبًا إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الظَّهْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عَادَةَ كَثِيرٍ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ إِتْيَانُ النِّسَاءِ مِنْ قِبَلِ ظُهُورِهِنَّ، وَلَمْ تَكُنِ الْأَنْصَارُ تَفْعَلُ غَيْرُهُ اسْتِبْقَاءً لِلْحَيَاءِ وَطَلَبًا لِلسَّتْرِ وَكَرَاهَةً لِاجْتِمَاعِ الْوُجُوهِ حِينَئِذٍ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ، وَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ فَكَانُوا يَأْتُونَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْوَجْهِ، فَتَزَوَّجَ مُهَاجِرِيٌّ أَنْصَارِيَّةً فَرَاوَدَهَا عَلَى ذَلِكَ فَامْتَنَعَتْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 223) الْآيَةُ، عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا. 1187 - 1170 - (مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَقِيلَ بِسُكُونِهَا بِلَا يَاءٍ (ابْنِ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ (الزُّرَقِيِّ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ، الْأَنْصَارِيِّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا) أَيْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى تَزَوُّجِهِ إِيَّاهَا (فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إِنَّ رَجُلًا جَعَلَ امْرَأَةً عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ إِنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا، فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ) فَقَاسَ الْقَاسِمُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى تَعْلِيقِ الظِّهَارِ فِي اللُّزُومِ يُجَامِعُ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَنْعِ مِنَ الْمَرْأَةِ. الحديث: 1187 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا فَقَالَا إِنْ نَكَحَهَا فَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ   1187 - 1171 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنِ امْرَأَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا فَقَالَا: إِنْ نَكَحَهَا فَلَا يَمَسُّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ) فَوَافَقَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَلَى وُقُوعِ الظِّهَارِ الْمُعَلَّقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ لَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ   1189 - 1172 الحديث: 1189 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ لَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ) بِأَنْ قَالَ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) لَا أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا - فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 3 - 4] قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنْ امْرَأَتِهِ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ تَظَاهَرَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ تَظَاهَرَ بَعْدَ أَنْ يُكَفِّرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَسَّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ قَالَ مَالِكٌ وَالظِّهَارُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالنَّسَبِ سَوَاءٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ ظِهَارٌ قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ يَظَّهَّرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] قَالَ سَمِعْتُ أَنَّ تَفْسِيرَ ذَلِكَ أَنْ يَتَظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يُجْمِعَ عَلَى إِمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا فَإِنْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُجْمِعْ بَعْدَ تَظَاهُرِهِ مِنْهَا عَلَى إِمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنْ أَمَتِهِ إِنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا قَالَ مَالِكٌ لَا يَدْخُلُ عَلَى الرَّجُلِ إِيلَاءٌ فِي تَظَاهُرِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا لَا يُرِيدُ أَنْ يَفِيءَ مِنْ تَظَاهُرِهِ   1189 - 1173 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِثْلَ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَهُ عُرْوَةُ (قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ عِنْدَنَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ بِالتَّعَدُّدِ (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ) وَفِي نُسْخَةٍ: فِي كِتَابِهِ: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] (سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: الْآيَةُ 3) (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أَيْ إِعْتَاقُهَا، وَيُشْتَرَطُ أَنَّهَا مُؤْمِنَةً لِأَنَّهُ تَعَالَى قَيَّدَ بِذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ هُنَا عَلَى ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ ; لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ يَقْتَضِي اخْتِلَافَ الْأَحْكَامِ لِأَجْلِ إِصْلَاحِ الْحِكْمَةِ، وَالْقَتْلُ مُبَايِنٌ لِلظِّهَارِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ بِبَادِئِ الرَّأَيِ، لَكِنْ يَرُدُّ مَا فِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ السَّوْدَاءِ: " «أَنَّ سَيِّدَهَا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَيَّ رَقَبَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ مَاذَا، أَفَأَعْتِقُهَا؟ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ حَتَّى قَالَ: أَيْنَ اللَّهُ تَعَالَى؟ فَقَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: وَمَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» ". {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] : {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 3] (سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: الْآيَةُ 3) {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] بِالْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِقُبْلَةٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ، حَمْلًا لَهُ عَلَى عُمُومِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ عَلَى الْوَطْءِ فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَيُبَاشِرَ وَيَطَأَ الْفَرْجَ. فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الصِّيَامَ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٍّ وَثُلْثَانِ بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا خِلَافَ عِنْدِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ مُعْتَبَرٌ فَلَا يُجْزِئُ مَا دُونَهُ وَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِمْ مِقْدَارَ طَعَامِ السِّتِّينَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ ; لِأَنَّهُ سَدَّ سِتِّينَ خَلَّةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 وَهُوَ مَقْصُودُ الشَّرْعِ، وَرُدَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى عَدَدِ الْمَسَاكِينِ فَلَا يُتْرَكُ النَّصُّ الصَّرِيحُ لِاسْتِنْبَاطِ مَعْنًى مِنْهُ لِأَنَّهُ فَرْعٌ يَكُرُّ عَلَى أَصْلِهِ بِالْبُطْلَانِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنِ امْرَأَتِهِ فِي مَجَالِسٍ مُتَفَرِّقَةٍ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ تَظَاهَرَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ تَظَاهَرَ بَعْدَ أَنْ يُكَفِّرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا) لِأَنَّهُ ظِهَارٌ مُسْتَأْنَفٌ (وَمَنْ تَظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَسَّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) وَإِنْ فَعَلَ حَرَامًا إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَعَدُّدُهَا (وَيَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ وَوَاقَعَهَا: " «لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ. (وَلِيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ) يَتُبْ إِلَيْهِ وَيَنْدَمْ (وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) وَتَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ حِينَئِذٍ مُطْلَقًا، بَقِيَتِ الْمَرْأَةُ فِي عِصْمَتِهِ أَمْ لَا، قَامَتْ بِحَقِّهَا فِي الْوَطْءِ أَمْ لَا ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَطَأْ وَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ أَوْ لَمْ تَقُمْ بِحَقِّهَا فِي الْوَطْءِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ حَقٌّ آدَمِيٌّ وَحَقُّ اللَّهِ أَوْكَدُ. (وَالظِّهَارُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَالنَّسَبِ سَوَاءٌ) لِأَنَّهُ تَشْبِيهُ مَنْ تَحِلُّ بِمَنْ تَحْرُمُ، فَهُوَ شَامِلٌ لِمَنْ حُرِّمَتْ بِالرَّضَاعَةِ (وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ ظِهَارٌ) فَإِذَا تَظَاهَرَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا جَعَلَهُ لِلرِّجَالِ فَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلنِّسَاءِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] (سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: الْآيَةُ 3) قَالَ: سَمِعْتُ أَنَّ تَفْسِيرَ ذَلِكَ أَنْ يَتَظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يُجْمِعُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ، يَعْزِمُ وَيُصَمِّمُ (عَلَى إِمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا) الَّذِي هُوَ خِلَافُ قَصْدِ الظِّهَارِ مِنْ وَصْفِ الْمَرْأَةِ بِالتَّحْرِيمِ (فَإِنْ أَجْمَعَ) عَزَمَ وَصَمَّمَ (عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ دُخُولَ الْفَاءِ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ الْمَوْصُولِ دَلِيلٌ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ كَقَوْلِكَ: الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، فَبِانْتِفَاءِ الْعَوْدِ يَنْتَفِي الْوُجُوبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 وَلِذَا قَالَ: (وَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُجْمِعْ بَعْدَ تَظَاهُرِهِ مِنْهَا عَلَى إِمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لَا وُجُوبًا وَلَا غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ انْتِفَاءُ الْجَوَازِ ; لِأَنَّ الْوُجُوبَ إِمَّا أَخَصُّ أَوْ حَقِيقَةً أُخْرَى، لَكِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّ الْجَوَازَ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْعَوْدِ. (قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ) الطَّلَاقِ (لَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ) لِعُمُومِ الْآيَةِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنْ أَمَتِهِ: أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا) لِأَنَّهُ فَرْجٌ حَلَالٌ فَيَحْرُمُ بِالتَّحْرِيمِ، فَدَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] (سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: الْآيَةُ 3) إِذْ لَا شَكَّ أَنَّهَا مِنَ النِّسَاءِ لُغَةً وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالزَّوْجَاتِ الْعُرْفُ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ: سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ رَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْ سَرِيَّتِهِ فَقَالَ: قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: مِثْلُ ظِهَارِ الْحُرَّةِ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا الظِّهَارُ مِنَ الزَّوْجَةِ لَا الْأَمَةِ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ النِّسَاءِ أَيْ عُرْفًا، وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الظِّهَارُ كَانَ طَلَاقًا ثُمَّ أُحِلَّ بِالْكَفَّارَةِ، فَكَمَا لَا حَظَّ لِلْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ لَا حَظَّ لَهَا فِي الظِّهَارِ. (وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الرَّجُلِ إِيلَاءٌ فِي تَظَاهُرِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا لَا يُرِيدُ أَنْ يَفِيءَ مِنْ تَظَاهُرِهِ) فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا عَلَيْكِ مَا عِشْتِ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُجْزِيهِ عَنْ ذَلِكَ عِتْقُ رَقَبَةٍ   1190 - 1174 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا عَلَيْكِ مَا عِشْتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ (فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: يَجْزِيهِ عَنْ ذَلِكَ عِتْقُ رَقَبَةٍ) إِنْ وَجَدَهَا وَإِلَّا فَالصَّوْمُ ثُمَّ الْإِطْعَامُ، فَالْمَعْنَى يَجْزِيهِ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ. الحديث: 1190 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 [بَاب ظِهَارِ الْعَبِيدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ ظِهَارِ الْعَبْدِ فَقَالَ نَحْوُ ظِهَارِ الْحُرِّ قَالَ مَالِكٌ يُرِيدُ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْحُرِّ قَالَ مَالِكٌ وَظِهَارُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَصِيَامُ الْعَبْدِ فِي الظِّهَارِ شَهْرَانِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَتَظَاهَرُ مِنْ امْرَأَتِهِ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إِيلَاءٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ يَصُومُ صِيَامَ كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ دَخَلَ عَلَيْهِ طَلَاقُ الْإِيلَاءِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صِيَامِهِ   9 - بَابُ ظِهَارِ الْعَبِيدِ 1191 - 1175 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ ظِهَارِ الْعَبِيدِ فَقَالَ: نَحْوُ ظِهَارِ الْحُرِّ) بِجَامِعِ التَّكْلِيفِ (قَالَ مَالِكٌ: يُرِيدُ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْحُرِّ) كَالطَّلَاقِ (وَظِهَارُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، وَصِيَامُ الْعَبْدِ فِي الظِّهَارِ شَهْرَانِ) كَالْحُرِّ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَى النَّصْفِ مِنَ الْحُرِّ، وَتَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْإِطْعَامِ أَجْزَأَهُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَتَظَاهَرُ مِنِ امْرَأَتِهِ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إِيلَاءٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ يَصُومُ صِيَامَ كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ) شَهْرَيْنِ (دَخَلَ عَلَيْهِ طَلَاقُ الْإِيلَاءِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صِيَامِهِ) لِأَنَّ إِيلَاءَ الْعَبْدِ شَهْرَانِ وَأَجَلُهُ شَهْرَانِ، فَلَوْ أَفْطَرَ سَاهِيًا أَوْ لِمَرَضٍ لَا يَنْقَضِي أَجْلُهُ قَبْلَ تَمَامِ كَفَّارَتِهِ، وَهُوَ بَعْضُ مَا يُعْذَرُ بِهِ الْعَبْدُ فِي عَدَمِ دُخُولِ الْإِيلَاءِ عَلَيْهِ، هَكَذَا وَجَهَهُ الْبَاجِيُّ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ تَوْجِيهِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى لُزُومِ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. الحديث: 1191 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْخِيَارِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ فَكَانَتْ إِحْدَى السُّنَنِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً فِيهَا لَحْمٌ فَقَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ»   10 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخِيَارِ 1192 - 1176 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْمَدَنِيِّ الْفَقِيهِ، الْمَعْرُوفُ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ، الحديث: 1192 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 الْقَائِلُ فِيهِ مَالِكٌ: ذَهَبَتْ حَلَاوَةُ الْفِقْهِ مُنْذُ مَاتَ رَبِيعَةُ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (عَنْ) عَمَّتِهِ (عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ فَرَاءٌ ثَانِيَةٌ فَهَاءُ تَأْنِيثٍ، بِزِنَةِ فَعَيْلَةٍ، مِنَ الْبَرِيرِ، وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ، قِيلَ اسْمُ أَبِيهَا صَفْوَانُ وَإِنَّ لَهُ صُحْبَةً، وَقِيلَ كَانَتْ نَبَطِيَّةً وَقِيلَ قِبْطِيَّةً وَقِيلَ حَبَشِيَّةً، مَوْلَاةُ عَائِشَةَ، وَكَانَتْ تَخْدِمُهَا قَبْلَ أَنْ تَشْتَرِيَهَا، قِيلَ وَكَانَتْ مَوْلَاةً لِقَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقِيلَ لِآلِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَقِيلَ لِبَنِي هِلَالٍ، وَقِيلَ لِآلِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَالَّذِي هُوَ مَوْلَاهُمْ إِنَّمَا هُوَ زَوْجُهَا وَالثَّانِي خَطَأٌ، فَإِنَّ مَوْلَى عُتْبَةَ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَكَرَتْ لَهُ قِصَّةَ بَرِيرَةَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَأَخْرَجَ أَبُو عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: كُنْتُ أُجَالِسُ بَرِيرَةَ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَتْ تَقُولُ لِي: إِنِّي أَرَى فِيكَ خِصَالًا وَإِنَّكَ لَخَلِيقٌ أَنْ تَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ، فَإِنْ وَلَيْتَهُ فَاحْذَرِ الدِّمَاءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْفَعُ عَنْ بَابِ الْجَنَّةِ بَعْدَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ بِمَلْءِ مِحْجَمَةٍ مِنْ دَمٍ يُرِيقُهُ مِنْ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» ، انْتَهَى. عَاشَتْ بَرِيرَةُ إِلَى زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ. (ثَلَاثُ سُنَنٍ) أَيْ عُلِمَ بِسَبَبِهَا ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ مِنَ الشَّرِيعَةِ، قَالَ عِيَاضٌ: الْمَعْنَى أَنَّهَا شُرِعَتْ فِي قِصَّتِهَا وَمَا يَظْهَرُ فِيهَا مِمَّا سِوَى ذَلِكَ كَانَ قَدْ عَلِمَ قِصَّتَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي تَشْقِيقِ الْمَعَانِي مِنْ حَدِيثِ بِرَيْرَةَ وَتَخْرِيجِهَا، فَلِمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ، وَلِمُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ فِيهِ كِتَابٌ، وَلِجَمَاعَةٍ فِي ذَلِكَ أَبْوَابٌ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ وَاسْتِنْبَاطٌ مُحْتَمَلٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ دَلِيلٍ، وَالَّذِي قَصَدَتْهُ عَائِشَةُ هُوَ عِظَمُ الْأَمْرِ فِي قِصَّتِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَنَّ ابْنَ خُزَيْمَةَ اسْتَخْرَجَ مِنْهُ مَا يَنِيفُ عَنْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَائِدَةً، وَجَمَعَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَوَائِدَ هَذَا الْحَدِيثِ فَزَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ لَخَّصَهَا فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بَرِيرَةَ قَالَتْ: كَانَ فِيَّ ثَلَاثُ سُنَنٍ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ: إِنَّهُ خَطَأٌ يُعْنَى وَالصَّوَابُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ " أَرْبَعُ سُنَنٍ " وَزَادَ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ (فَكَانَتْ إِحْدَى السُّنَنِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ، وَالَّذِي أَعْتَقَهَا عَائِشَةُ كَمَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ (فَخُيِّرَتْ) بِضَمِّ الْخَاءِ (فِي) فِرَاقِ (زَوْجِهَا) وَفِي الْبَقَاءِ مَعَهُ عَلَى عِصْمَتِهِ. وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبَرِيرَةَ: اذْهَبِي فَقَدْ عُتِقَ مَعَكِ بِضْعُكِ» ". وَزَادَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا: " فَاخْتَارِي " وَإِنَّمَا خُيِّرَتْ لِتَضَرُّرِهَا بِالْمَقَامِ تَحْتَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تَتَعَيَّرُ بِهِ وَأَنَّ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ عَنْهَا، وَأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَلَا خِيَارَ لَهَا ; لِأَنَّ الْكَمَالَ الْحَادِثَ لَهَا حَاصِلٌ لَهُ، فَأَشْبَهَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 مَا إِذَا أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ، فَلَوْ عُتِقَ بَعْضُهَا فَلَا خِيَارَ لِبَقَاءِ النُّقْصَانِ وَأَحْكَامِ الرِّقِّ، وَفِيهِ أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ; إِذْ لَوْ طُلِّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْيِيرِ فَائِدَةٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: الْبَيْعُ طَلَاقٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ الْبَابِ، وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرِ أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَلَا يَبْطُلُ بَيْعُ الرَّقَبَةِ، كَمَا فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْمَسْبِيَّاتِ فَهُنَّ الْمُرَادُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ عَلَى مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ سَبَبِ نُزُولِهَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ حِينَ عَتَقَتْ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا وَيَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبَّاسٍ: يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبَ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ رَاجَعْتِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أَشْفَعُ، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُ كَانَ حُرًّا، وَبِهِ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ لِقَوْلِهِمْ: يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْأَمَةِ إِذَا عَتَقَتْ مُطْلَقًا كَانَتْ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَدِيثَ الْأَسْوَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى رَاوِيهِ: هَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْأَسْوَدِ أَوْ رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ هُوَ قَوْلُ غَيْرِهِ؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَحَدُ الْحُفَّاظِ مِنْ طَبَقَةِ مُسْلِمٍ: خَالَفَ الْأَسْوَدُ النَّاسَ فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا عَنِ الْأَسْوَدِ وَحْدَهُ، وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَرَوَاهُ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ، وَإِذَا رَوَى عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ شَيْئًا وَعَمِلُوا بِهِ فَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ، وَإِذَا عُتِقَتِ الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ فَعَقْدُهَا الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ لَا يُفْسَخُ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَوْلُ الْأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ، وَقَوْلُ الْعَبَّاسِ وَابْنِهِ عَبْدًا أَصَحُّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَكَذَا قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبُو الْأَسْوَدِ أُسَامَةُ اللَّيْثِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُعَلِّمُ، ثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا. فَهُوَ وَهْمٌ مِنْ مُوسَى أَوْ مِنْ أَحْمَدَ، فَإِنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ هِشَامٍ ثُمَّ أَصْحَابَ جَرِيرٍ قَالُوا: كَانَ عَبْدًا، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَبِهِ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ عَائِشَةَ: كَانَ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا. فَأَخْبَرَتْ وَهِيَ صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ بِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا ثُمَّ عَلَّلَتْ بِقَوْلِهَا: وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا، وَهَذَا لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَقُولُهُ إِلَّا تَوْقِيفًا، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانَ عَبْدًا قَبْلَ الْعِتْقِ حُرًّا عِنْدَهُ لِأَنَّ الرِّقَّ يَعْقُبُهُ الْحُرِّيَّةُ لَا الْعَكْسُ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، تُعُقِّبَ بِأَنَّ مَحَلَّ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ إِذَا تَسَاوَتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 الرِّوَايَتَانِ فِي الْقُوَّةِ، أَمَّا مَعَ التَّفَرُّدِ فِي مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ فَالْمُفْرَدَةُ شَاذَّةٌ وَالشَّاذُّ مَرْدُودٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَبِرِ الْجُمْهُورُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِمَا ذُكِرَ مَعَ قَوْلِهِمْ لَا يُصَارُ إِلَى التَّرْجِيحِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَهُمْ مَا لَمْ يَظْهَرِ الْغَلَطُ فِي إِحْدَاهُمَا، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ يَوْمَ أُعْتِقَتْ، وَهَذَا يُبْطِلُ الْجَمْعَ، " وَمُغِيثٌ " بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ آخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ مَاكُولَا وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِمَّنْ قَالَ " مُعَتَّبٌ " بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْفَوْقِيَّةِ آخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ. (وَ) السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) حِينَ أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَهَا وَقَالَ أَهْلُهَا: الْوَلَاءُ لَنَا ( «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّمَا الْوَلَاءُ. وَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ. (وَ) السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) حُجْرَةَ عَائِشَةَ (وَالْبُرْمَةُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هِيَ الْقِدْرُ مُطْلَقًا وَجَمْعُهَا بُرَمٌ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الْحَجَرِ الْمَعْرُوفِ بِالْحِجَازِ (تَفُورُ) بِالْفَاءِ (بِلَحْمٍ) وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ: وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ، وَكَذَا لِابْنِ وَهْبٍ وَزَادَ: فَدَعَا بِطَعَامٍ (فَقُرِّبَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ: قُدِّمَ (إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ، جَمْعُ إِدَامٍ، وَهُوَ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ، وَالْإِضَافَةُ لِلتَّخْصِيصِ « (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً) عَلَى النَّارِ (فِيهَا لَحْمٌ؟) » وَالْهَمْزَةُ لِلتَّقْرِيرِ ( «فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ» ) بِضَمِّ التَّاءِ وَالصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ ( «بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» ) لِحُرْمَتِهَا عَلَيْكَ « (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ عَلَيْهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا (صَدَقَةٌ وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ) » حَيْثُ أَهْدَتْهُ لَنَا لِأَنَّ الصَّدَقَةَ يُسَوَّغُ لِلْفَقِيرِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْإِهْدَاءِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَتَصَرُّفِ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ، وَأَفَادَ أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الصِّفَةِ لَا عَلَى الْعَيْنِ، فَإِذَا تَغَيَّرَتْ صِفَةُ الصَّدَقَةِ تَغَيَّرَ حُكْمُهَا، فَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ وَلَوْ هَاشِمِيًّا أَكْلُهَا وَشِرَاؤُهَا، وَسَأَلَ الْأُبِّيُّ: هَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا يُنْفَقُ مِنْ نُزُولِ الْمُرَابِطِينَ بِبَعْضِ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَيُضَيِّفُونَهُمْ بِحَرَامٍ أَوِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَرَامُ فَيَجْعَلُونَ بَعْضَ فُقَرَائِهِمْ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ صَدَقَةً ثُمَّ يَهَبُهُ لَهُمْ. قَالَ: وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ - يَقُولُ: لَا يُنْجِيهِمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَحَيُّلٌ، نَعَمْ إِذَا تَحَقَّقَتِ الْمَفْسَدَةُ بِعَدَمِ الْأَكْلِ جَازَ. وَمِنَ الْمَصَالِحِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْأَكْلِ خَوْفُهُمْ إِنْ لَمْ يَأْكُلُوا عَدَمَ قَبُولِهِمْ فِي رَدِّ مَا نَهَبُوهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَقْلِيلُ الْأَكْلِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَفِيهِ أَنَّ سُؤَالَ الرَّجُلِ عَمَّا يَرَى فِي بَيْتِهِ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ وَلَا مُنَافٍ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ: وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ لَيْسَ مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ فِيمَا عَهِدَ: أَيْنَ هُوَ وَمَا صُنِعَ بِهِ؟ وَأَمَّا شَيْءٌ يَجِدُهُ فَيَقُولُ: مَا هَذَا فَلَيْسَ مِنْهُ، مَعَ أَنَّ سُؤَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا كَانَ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ حُكْمَ مَا جَهِلُوا لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّمُوا لَهُ إِدَامَ الْبَيْتِ دُونَ سَيِّدِ الْأُدُمِ إِلَّا لِأَمْرٍ اعْتَقَدُوهُ، فَكَانَ كَذَلِكَ فَبَيَّنَ لَهُمْ حُكْمَهُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي النِّكَاحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الطَّلَاقِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ وَالْعِتْقِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَتَعْتِقُ إِنَّ الْأَمَةَ لَهَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَمَسَّهَا قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ مَسَّهَا زَوْجُهَا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا جَهِلَتْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فَإِنَّهَا تُتَّهَمُ وَلَا تُصَدَّقُ بِمَا ادَّعَتْ مِنْ الْجَهَالَةِ وَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَ أَنْ يَمَسَّهَا   1193 - 1177 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَتُعْتَقُ الْأَمَةُ: أَنَّ لَهَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَمَسَّهَا) فَإِنْ مَسَّهَا سَقَطَ خِيَارُهَا (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ مَسَّهَا زَوْجُهَا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا جَهِلَتْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارُ فَإِنَّهَا تُتَّهَمُ وَلَا تُصَدَّقُ بِمَا ادَّعَتْ مِنَ الْجَهَالَةِ، وَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَ أَنْ يَمَسَّهَا) لِاشْتِهَارِ الْحُكْمِ. الحديث: 1193 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ يُقَالُ لَهَا زَبْرَاءُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَهِيَ أَمَةٌ يَوْمَئِذٍ فَعَتَقَتْ قَالَتْ فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَتْنِي فَقَالَتْ إِنِّي مُخْبِرَتُكِ خَبَرًا وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَصْنَعِي شَيْئًا إِنَّ أَمْرَكِ بِيَدِكِ مَا لَمْ يَمْسَسْكِ زَوْجُكِ فَإِنْ مَسَّكِ فَلَيْسَ لَكِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ قَالَتْ فَقُلْتُ هُوَ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا   1194 - 1178 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنْ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهَا زَبْرَاءُ) بِزَايٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ فَرَاءٍ فَأَلِفٍ مَمْدُودَةٍ كَمَا ضَبَطَهَا ابْنُ الْأَثِيرِ (كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَهِيَ أَمَةٌ يَوْمَئِذٍ فَعَتَقَتْ، قَالَتْ) زَبْرَاءُ (فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَدَعَتْنِي فَقَالَتْ: إِنِّي مُخْبِرَتُكِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ فَمُوَحَّدَةٍ (خَبَرًا، وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَصْنَعِي شَيْئًا: إِنَّ أَمْرَكِ بِيَدِكِ مَا لَمْ يَمْسَسْكِ زَوْجُكِ فَإِنْ مَسَّكِ فَلَيْسَ لَكِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) أَيْ سَقَطَ خِيَارُكِ (قَالَتْ) زَبْرَاءُ (فَقُلْتُ: وَهُوَ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ، فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا) لِكَرَاهَتِهَا الْبَقَاءَ مَعَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ لِابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الحديث: 1194 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 قِصَّةِ بَرِيرَةَ مَرْفُوعًا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى مَا ذَهَبَا إِلَيْهِ. رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «لَمَّا خُيِّرَتْ بَرِيرَةُ رَأَيْتُ زَوْجَهَا يَتْبَعُهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَكَلَّمَ النَّاسُ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُطَالِبَ إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: زَوْجُكِ وَأَبُو وَلَدِكِ! فَقَالَتْ: أَتَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ، قَالَتْ: فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا» ". وَكَانَ اسْمُهُ مُغِيثًا عَبْدًا لِآلِ الْمُغِيرَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهِ جُنُونٌ أَوْ ضَرَرٌ فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ فَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ ثُمَّ تَعْتِقُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ يَمَسَّهَا إِنَّهَا إِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا   1194 - 1179 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهِ جُنُونٌ أَوْ ضَرَرٌ فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ فَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ) بَقِيَتْ عِنْدَهُ (وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْ) لِمَا يَنَالُهَا مِنَ الضَّرَرِ، وَتَخْيِيرُهَا يَنْفِيهِ (قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ ثُمَّ تَعْتِقُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ يَمَسَّهَا: أَنَّهَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا) لِبَقَاءِ بِضْعِهَا (وَهِيَ تَطْلِيقَةٌ) وَاحِدَةٌ لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِهَا (وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ إِذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخَيَّرَةِ إِذَا خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ زَوْجُهَا لَمْ أُخَيِّرْكِ إِلَّا وَاحِدَةً فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ قَدْ قَبِلْتُ وَاحِدَةً وَقَالَ لَمْ أُرِدْ هَذَا وَإِنَّمَا خَيَّرْتُكِ فِي الثَّلَاثِ جَمِيعًا أَنَّهَا إِنْ لَمْ تَقْبَلْ إِلَّا وَاحِدَةً أَقَامَتْ عِنْدَهُ عَلَى نِكَاحِهَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِرَاقًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى   1197 - 1180 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: إِذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْهُ) أَيِ الرَّجُلَ (فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) لِأَنَّهَا رَدَّتْ مَا جَعَلَهُ لَهَا. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخَيَّرَةِ إِذَا خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا: فَقَدْ طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ زَوْجُهَا لَمْ أُخَيِّرْكِ إِلَّا وَاحِدَةً، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) فَهِيَ بِخِلَافِ الْمُمَلَّكَةِ الحديث: 1197 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 (وَإِنْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ: قَدْ قَبِلْتُ وَاحِدَةً، وَقَالَ: لَمْ أَرَ هَذَا إِنَّمَا خَيَّرْتُكِ فِي الثَّلَاثِ جَمِيعًا: أَنَّهَا إِنْ لَمْ تَقْبَلْ إِلَّا وَاحِدَةً أَقَامَتْ عِنْدَهُ عَلَى نِكَاحِهَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِرَاقًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) أَتَى بِهِ تَبَرُّكًا إِذِ الْحُكْمُ عِنْدَهُ مَا ذُكِرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذِهِ فَقَالَتْ أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا شَأْنُكِ قَالَتْ لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ زَوْجُهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا»   11 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَلْعِ بِفَتْحِ الْخَاءِ: النَّزْعُ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الزَّوْجَيْنِ لِبَاسٌ لِلْآخَرِ فِي الْمَعْنَى، قَالَ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) فَكَأَنَّهُ بِمُفَارَقَةِ الْآخَرِ نَزَعَ لِبَاسَهُ، وَضُمَّ مَصْدَرُهُ ; تَفْرِقَةً بَيْنَ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ فِي أَمَالِيهِ: أَنَّ أَوَّلَ خُلْعٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا، أَنَّ عَامِرَ بْنَ الظَّرِبِ، بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَمُوَحَّدَةٍ، زَوْجُ بِنْتِهِ لِابْنِ أَخِيهِ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الظَّرِبِ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ نَفَرَتْ مِنْهُ، فَشَكَى إِلَى أَبِيهَا، فَقَالَ: لَا أَجْمَعُ عَلَيْكَ فِرَاقَ أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَقَدْ خَلَعْتُهَا مِنْكَ بِمَا أَعْطَيْتَهَا، قَالَ: فَزَعَمَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ هَذَا كَانَ أَوَّلُ خُلْعٍ فِي الْعَرَبِ. 1198 - 1181 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ (أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ حَبِيبَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ (بِنْتِ سَهْلِ) بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ (الْأَنْصَارِيِّ) النَّجَّارِيِّ، صَحَابِيَّةٌ (أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ فَأَلِفٌ فَمُهْمَلَةٌ، الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ، خَطِيبُ الْأَنْصَارِ، مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، بَشَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَنَّةِ وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ، وَنَفَّذَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَصِيَّتَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَنَامٍ رَآهُ بَعْضُهُمْ. (وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إِلَى) صَلَاةِ (الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الحديث: 1198 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 الْغَلَسِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ، بَقِيَّةُ الظَّلَامِ (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا شَأْنُكِ؟) أَمْرُكِ وَحَالُكِ (قَالَتْ: لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا) وَفِي رِوَايَةِ الدَّيْلَمَيِّ وَابْنِ سَعْدٍ: أَنَّ ثَابِتًا كَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ، فَضَرَبَهَا (فَلَمَّا جَاءَ زَوْجُهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذِهِ حُبَيْبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ، فَذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ) فِي شَكْوَاهَا مِنْكَ، وَلَمْ يُفْصِحْ لَهُ بِهِ دَفْعًا لَنُفْرَتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَوَّلُ خُلْعٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ رَأْسِي وَرَأْسُ ثَابِتٍ أَبَدًا، إِنِّي رَفَعْتُ جَانِبَ الْخِبَاءِ فَرَأَيْتُهُ أَقْبَلَ فِي عِدَّةٍ، فَإِذَا هُوَ أَشُدُّهُمْ سَوَادًا وَأَقْصَرُهُمْ قَامَةً وَأَقْبَحُهُمْ وَجْهًا، فَقَالَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَإِنْ شَاءَ زِدْتُهُ» " (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدَ الْبَزَّارِ: وَكَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَدِيقَةِ نَخْلٍ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِثَابِتٍ: خُذْ مِنْهَا» ) أَمْرُ إِرْشَادٍ وَإِصْلَاحٍ لَا أَمْرَ إِيجَابٍ، زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ: فَرَدَّتْ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ (فَأَخَذَ مِنْهَا) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً (وَجَلَسَتْ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ: فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ خُلْعٍ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ثَابِتٍ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ وَابْنُ سَعْدٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَسْمِيَةُ امْرَأَةِ ثَابِتٍ جَمِيلَةُ أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَكَذَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ: جَمِيلَةَ بِنْتِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، وَفِي ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا جَمِيلَةُ بِنْتُ سَلُولٍ، وَاخْتُلِفَ فِي سَلُولٍ هَلْ هِيَ أُمُّ أُبَيٍّ أَوِ امْرَأَتُهُ؟ وَجُمِعَ بِالْحَمْلِ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَأَنَّهُمَا قِصَّتَانِ لِشُهْرَةِ الْخَبَرَيْنِ وَصِحَّةِ الطَّرِيقَتَيْنِ وَاخْتِلَافِ السِّيَاقَيْنِ. وَفِي الْبَزَّارِ عَنْ عُمَرَ: أَوَّلُ مُخْتَلِعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ، كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَزَوُّجَ حَبِيبَةَ قَبْلَ جَمِيلَةَ. وَلِلنِّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ: " أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَكَسَرَ يَدَهَا، وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأَتَى أَخُوهَا يَشْتَكِي إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ كَانْتَ عِنْدَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ زَيْنَبُ وَأُخْتُهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 أَوْ عَمَّتُهَا جَمِيلَةُ وَاحِدَةٌ بَعْدَ أُخْرَى، أَوْ أَنَّ اسْمَهَا زَيْنَبُ وَلَقَبَهَا جَمِيلَةُ، فَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ بِهَذَا فَالْمَوْصُولُ الْمُعْتَضِدُ بِقَوْلِ أَهْلِ النَّسَبِ أَنَّ اسْمَهَا جَمِيلَةُ أَصَحُّ، وَبِهِ جَزَمَ الدِّمْيَاطِيُّ وَقَالَ: إِنَّهَا شَقِيقَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، أُمُّهُمَا خَوْلَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ. وَفِي النَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ: تَسْمِيَةُ امْرَأَةِ ثَابِتٍ: مَرْيَمُ الْمَغَالِيَةُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَخِفَّةِ الْمُعْجَمَةِ، نِسْبَةٌ إِلَى مَغَالَةَ، امْرَأَةٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَلَدَتْ لِعَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَلَدَهُ عَدِيًّا، فَبَنُو عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ يُعْرَفُونَ كُلُّهُمْ بِبَنِيِ مَغَالَةَ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ مِنْ تَعَدُّدِ الْمُخْتَلِعَاتِ مِنْ ثَابِتٍ لَيْسَ بِبَعِيدٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مَوْلَاةٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا أَنَّهُ إِذَا عُلِمَ أَنَّ زَوْجَهَا أَضَرَّ بِهَا وَضَيَّقَ عَلَيْهَا وَعُلِمَ أَنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا مَضَى الطَّلَاقُ وَرَدَّ عَلَيْهَا مَالَهَا قَالَ فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَسْمَعُ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا   1199 - 1182 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ مَوْلَاةٍ) أَمَةٌ (لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، زَوْجُ ابْنِ عُمَرَ (اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 229) (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا: أَنَّهُ إِنْ) وَفِي نُسْخَةٍ: إِذَا (عُلِمَ أَنَّ زَوْجَهَا أَضَرَّ بِهَا وَضَيَّقَ عَلَيْهَا وَعُلِمَ أَنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا) حَتَّى افْتَدَتْ مِنْهُ (مَضَى الطَّلَاقُ، وَرَدَّ عَلَيْهَا مَالَهَا) جَبْرًا عَلَيْهِ (فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَسْمَعُ) مِنَ الْعُلَمَاءِ (وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا) لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَقَدْ قَرَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَ زَوْجَةِ ثَابِتٍ: وَإِنْ شَاءَ زِدْتُهُ. الحديث: 1199 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 [بَاب طَلَاقِ الْمُخْتَلِعَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوَّذِ بْنِ عَفْرَاءَ جَاءَتْ هِيَ وَعَمُّهَا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ   12 - بَابُ طَلَاقِ الْمُخْتَلِعَةِ 1200 - 1183 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ رُبَيِّعَ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَثْقِيلِ التَّحْتِيَّةِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، صَحَابِيَّةٌ لَهَا أَحَادِيثُ، وَرُبَّمَا غَزَتْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الصَّحِيحِ (بِنْتَ مُعَوَّذٍ) بِشَدِّ الْوَاوِ الحديث: 1200 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 مَفْتُوحَةً عَلَى الْأَشْهَرِ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِالْكَسْرِ، وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ، شَهِدَ بَدْرًا، وَكَانَ مِمَّنْ قَتَلَ أَبَا جَهْلٍ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى اسْتُشْهِدَ بِبَدْرٍ (ابْنِ عَفْرَاءَ) بِنْتِ عُبَيْدٍ النَّجَّارِيَّةِ الصَّحَابِيَّةِ، وَهِيَ أُمُّ مُعَوَّذٍ وَمُعَاذٍ وَعَوْفٍ أَوْلَادِ الْحَارِثِ، وَإِلَيْهَا يُنْسَبُونَ، وَلَهَا خُصُوصِيَّةٌ لَمْ تُوجَدْ لِغَيْرِهَا هِيَ أَنَّهَا صَحَابِيَّةٌ لَهَا سَبْعَةُ بَنِينَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ وَإِخْوَتُهُمْ لِأُمِّهِمْ إِيَاسٌ وَخَالِدٌ وَعَاقِلٌ وَعَامِرٌ أَوْلَادُ الْبَكِيرِ بْنِ يَالِيلَ اللَّيْثِيِّ، شَهِدَ السَّبْعَةُ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (جَاءَتْ هِيَ وَعَمُّهَا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا) أَيِ الرُّبَيِّعَ (اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) أَيْ خِلَافَتِهِ (فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ) بَلْ قَضَى عَلَيْهَا، فَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوَّذٍ قَالَتْ: " قُلْتُ لِزَوْجِي: أَخْتَلِعُ مِنْكَ بِجَمِيعِ مَا أَمْلِكُ، قَالَ: نَعَمْ، فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ دِرْعِي، فَخَاصَمَنِي إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ: شَرْطُهُ، فَدَفَعَتْهُ إِلَيْهِ ". وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَتَمَّ مِنْهُ وَقَالَ فِيهِ: الشَّرْطُ أَمْلَكُ، خُذْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى عِقَاصَ رَأْسِهَا، قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي حِصَارِ عُثْمَانَ، يَعْنِي سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ. . . (وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: عِدَّتُهَا عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ) إِذِ الْخُلْعُ طَلَاقٌ بِعِوَضٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَابْنَ شِهَابٍ كَانُوا يَقُولُونَ عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ مِثْلُ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ إِنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ فَإِنْ هُوَ نَكَحَهَا فَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ الطَّلَاقِ الْآخَرِ وَتَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا الْأُولَى قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا افْتَدَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِشَيْءٍ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا مُتَتَابِعًا نَسَقًا فَذَلِكَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ فَمَا أَتْبَعَهُ بَعْدَ الصُّمَاتِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ   1200 - 1184 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَابْنَ شِهَابٍ كَانُوا يَقُولُونَ: عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ مِثْلُ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ) إِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا أَوْ آيِسَةً. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ: أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) لِأَنَّ طَلَاقَ الْخُلْعِ بَائِنٌ (فَإِنْ هُوَ نَكَحَهَا) عَقَدَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْخُلْعِ (فَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنَ الطَّلَاقِ الْآخَرِ) الْوَاقِعُ بَعْدَ طَلَاقِ الْخُلْعِ (وَتَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا الْأُولَى) لِعَدَمِ الْمَسِيسِ (وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 49) فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِهَذِهِ الصُّورَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: إِذَا افْتَدَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِشَيْءٍ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا مُتَتَابِعًا نَسَقًا) بِلَا فَاصِلٍ، وَهُوَ بِمَعْنَى مُتَتَابِعًا (فَذَلِكَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ) لَازِمٌ لَهُ (فَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ) بِضَمِّ الصَّادِ، مَصْدَرٌ (فَمَا أَتْبَعَهُ بَعْدَ الصُّمَاتِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهَا بَانَتْ بِمَا قَبِلَهُ فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 [بَاب مَا جَاءَ فِي اللِّعَانِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ «أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ يَا عَاصِمُ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ عُوَيْمِرٌ وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا فَقَامَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا قَالَ سَهْلٌ فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ تِلْكَ بَعْدُ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ   13 - بَابُ مَا جَاءَ فِي اللِّعَانِ مَصْدَرُ لَاعَنَ سَمَاعِيٌّ لَا قِيَاسِيٌّ، وَالْقِيَاسِيُّ الْمُلَاعَنَةُ مِنَ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، يُقَالُ: مِنْهُ الْتَعْنَ أَيْ لَعَنَ نَفْسَهُ، وَلَاعَنَ إِذَا فَاعَلَ غَيْرَهُ مِنْهُ، وَرَجُلٌ لُعْنَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ كَهُمْزَةٍ إِذَا كَانَ كَثِيرَ اللَّعْنِ لِغَيْرِهِ، وَبِسُكُونِ الْعَيْنِ إِذَا لَعَنَهُ النَّاسُ كَثِيرًا، الْجَمْعُ لُعَنٌ كَصُرَدٍ، وَلَاعَنَتْهُ امْرَأَتُهُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا فَتَلَاعَنَا وَالْتَعَنَا لَعَنَ بَعْضٌ بَعْضًا، وَلَاعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا لِعَانًا حَكَمَ، وَفِي الشَّرْعِ: كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إِلَى قَذْفِ مَنْ لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ أَوْ إِلَى وَلَدٍ، وَسُمِّيَتْ لِعَانًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى كَلِمَةِ اللَّعْنِ ; تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَلَاعِنِينَ يَبْعُدُ عَنِ الْآخَرِ بِهَا إِذْ يَحْرُمُ النِّكَاحُ بِهَا أَبَدًا، وَاخْتِيرَ لَفْظُ اللِّعَانِ عَلَى لَفْظَيِ الشَّهَادَةِ وَالْغَضَبِ وَإِنِ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِمَا الْكَلِمَاتُ أَيْضًا ; لِأَنَّ اللَّعْنَ كَلِمَةٌ غَرِيبَةٌ فِي قِيَامِ الْحُجَجِ مِنَ الشَّهَادَاتِ وَالْأَيْمَانِ، وَالشَّيْءُ يُشَهَّرُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْغَرِيبِ، وَعَلَيْهِ جَرَتْ أَسْمَاءُ السُّوَرِ، وَلِأَنَّ الْغَضَبَ يَقَعُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ، وَجَانِبُ الرَّجُلِ أَقْوَى، وَلِأَنَّ لِعَانَهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى لِعَانِهَا وَالسَّبْقُ وَالتَّقْدِيمُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ. 1201 - 1185 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ) بْنِ مَالِكٍ (السَّاعِدِيَّ) الْخَزْرَجِيَّ الصَّحَابِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ (أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرًا) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ، تَصْغِيرُ عَامِرٍ، ابْنَ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْجَدِّ بْنِ عَجْلَانَ (الْعَجْلَانِيَّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، نِسْبَةً إِلَى جَدِّهِ هَذَا، وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ: عُوَيْمِرُ بْنُ أَشْقَرَ، وَفِي الِاسْتِيعَابِ: عُوَيْمِرُ بْنُ أَبْيَضَ، قَالَ الْحَافِظُ: فَلَعَلَّ الحديث: 1201 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 أَبَاهُ كَانَ يُلَقَّبُ أَشْقَرَ أَوْ أَبْيَضَ، وَفِي الصَّحَابَةِ عُوَيْمِرُ ابْنُ أَشْقَرَ آخَرُ مَازِنِيٌّ، رَوَى لَهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدِيثًا فِي الْأَضَاحِي (جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ) بْنِ الْجَدِّ بْنِ الْعَجْلَانِيِّ (الْأَنْصَارِيِّ) شَهِدَ أُحُدًا، مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَقَدْ جَازَ الْمِائَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ وَالِدِ عُوَيْمِرٍ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: وَكَانَ، أَيْ عَاصِمٌ، سَيِّدُ بَنِي عَجْلَانَ (فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَاصِمٍ أَرَأَيْتَ رَجُلًا) أَيْ أَخْبِرْنِي عَنْ حُكْمِ رَجُلٍ (وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا) أَجْنَبِيًّا مِنْهَا (أَيَقْتُلُهُ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الِاسْتِخْبَارِيِّ أَيْ أَيَقْتُلُ الرَّجُلَ؟ (فَتَقْتُلُونَهُ؟) قِصَاصًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 45) وَلِمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَإِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ؟ ". وَلَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " إِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، وَإِنْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ ". وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا نَزَلَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 4) الْآيَةُ، قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ: إِنْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَّا بَيْتَهُ فَرَأَى رَجُلًا عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ رِجَالٍ يَشْهَدُونَ بِذَلِكَ فَقَدْ قَضَى الرَّجُلُ حَاجَتَهُ وَذَهَبَ، وَإِنْ قَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ قَالَ وَجَدْتُ فُلَانًا مَعَهَا ضُرِبَ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ. (أَمْ كَيْفَ) مَفْعُولٌ بِهِ لِقَوْلِهِ: (يَفْعَلُ) أَيْ: أَيَّ شَيْءٍ يَفْعَلُ؟ وَأَمْ تَحْتَمِلُ الِاتِّصَالَ، يَعْنِي إِذَا رَأَى الرَّجُلُ هَذَا الْمُنْكَرَ الشَّنِيعَ وَالْأَمْرَ الْفَظِيعَ وَثَارَتْ عَلَيْهِ الْغَيْرَةُ، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ يَصْبِرُ عَلَى ذَلِكَ الشَّنَآنِ وَالْعَارِ؟ وَيُحْتَمَلُ الِانْقِطَاعُ سَأَلَ أَوَّلًا عَنِ الْقَتْلِ مَعَ الْقِصَاصِ ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْهُ إِلَى سُؤَالٍ آخَرَ ; لِأَنَّ (أَمِ) الْمُنْقَطِعَةَ مُتَضَمِّنَةٌ لِمَا يَلِي الْهَمْزَةَ، وَالْهَمْزَةُ تَسْتَأْنِفُ كَلَامًا آخَرَ، الْمَعْنَى: أَيَصْبِرُ عَلَى الْعَارِ أَوْ يُحْدِثُ اللَّهُ لَهُ أَمْرًا آخَرَ؟ لِذَا قَالَ: (سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ بِحَذْفِ الْمَقُولِ لِدَلَالَةِ السَّابِقِ عَلَيْهِ (فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسَائِلَ) الْمَذْكُورَةَ، (وَعَابَهَا) قَالَ عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَرِهَ قَذْفَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ لِاعْتِقَادِهِ الْحَدَّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ حُكْمِ اللِّعَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: «الْبَيِّنَةُ أَوِ الْحَدُّ فِي ظَهْرِكَ» ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَرِهَ السُّؤَالَ لِقُبْحِ النَّازِلَةِ وَهَتْكِ سِتْرِ الْمُسْلِمِ، أَوْ لِمَا كَانَ نَهَى عَنْهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ كَثْرَتِهِ سَدًّا لِبَابِ سُؤَالِ أَهْلِ التَّشْغِيبِ، أَوْ لِمَا فِي كَثْرَتِهِ مِنَ التَّضْيِيقِ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي لَوْ سَكَتُوا عَنْهَا لَمْ تَلْزَمْهُمْ وَتُرِكَتْ لِاجْتِهَادِهِمْ فِيهَا كَمَا قَالَ: «اتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ أَنْبِيَاءَهُمْ» . وَلِقَوْلِهِ: «أَعْظَمُ النَّاسِ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» . قَالَ الْمَازَرِيُّ: أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَسَائِلُ مُضْطَرًّا إِلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِالسُّؤَالِ عَنْهَا وَقَدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الْأَحْكَامِ فَلَا يَكْرَهُ، وَعَاصِمٌ إِنَّمَا سَأَلَ لِغَيْرِهِ غَيْرَ حَاجَةٍ، وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ عَلَى وَجْهِ التَّعْنِيتِ فَهَذَا الَّذِي يُكْرَهُ (حَتَّى كَبُرَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، عَظُمَ (عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌّ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟) جَوَابًا عَنِ السُّؤَالِ (فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ ; قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَعَابَهَا (فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَ عَنْهَا) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْحَاجَةُ فِي السُّؤَالِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَايَنَ الْمُقَدِّمَاتِ فَخَافَ الِانْتِهَاءَ إِلَى الْمَكْرُوهِ، وَكَذَلِكَ اتُّفِقَ، وَالْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ فَإِنَّهُ قَالَ: الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ وَقَعَ. قَالَ عِيَاضٌ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَ الْحُكْمَ وَسَأَلَ عَنْ جَوَازِ أَمْرٍ يَصِلُ بِهِ إِلَى شِفَاءِ غَلِيلِهِ وَإِزَالَةِ غَيْرَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ هَذَا إِذَا فَعَلَهُ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِيهِ الِاسْتِعْدَادُ وَعِلْمُ النَّوَازِلِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْفُقَهَاءُ مَا يَفْرِضُونَهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ. وَمِنَ السَّلَفِ مَنْ كَرِهَ الْحَدِيثَ بِالشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَرَآهُ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ (فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَطَ النَّاسِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِهَا (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا) فِيهِ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ بِأَرَأَيْتَ عَنِ السَّائِلِ كَانَ فِي الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ وَالسُّؤَالُ عَمَّا يُشْكَلُ (وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟) قِيلَ فِيهِ: إِنَّهُ لَا حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ وَلَا أَشَارَ إِلَيْهِ (أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟) زَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ:) {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 6) (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ أُنْزِلَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ، وَفِي رِوَايَةٍ نَزَلَ بِلَا هَمْزَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ (فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ) زَوْجَتِكَ خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَوْ بِنْتَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْمَذْكُورُ، أَوْ بِنْتَ أَخِيهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مُرْسَلًا «أَنَّ عَاصِمًا لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 4) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ لِأَحَدِنَا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ؟ فَابْتُلِيَ بِهِ فِي بِنْتِ أَخِيهِ» ، وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلٍ: لَمَّا سَأَلَ عَاصِمٌ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 ذَلِكَ ابْتُلِيَ بِهِ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، فَأَتَاهُ ابْنُ عَمِّهِ تَحْتَهُ ابْنَةُ عَمِّهِ رَمَاهَا بِابْنِ عَمِّهِ، الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ وَالْخَلِيلُ ثَلَاثَتُهُمْ بَنُو عَمِّ عَاصِمٍ. وَعِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ مُرْسَلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي رَمَى عُوَيْمِرٌ امْرَأَتَهُ بِهِ شَرِيكُ بْنُ سَحْمَاءَ، وَهُوَ يَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّ عُوَيْمِرٍ، لِأَنَّ شَرِيكَ بْنَ عَبْدَةَ بْنَ مُغِيثِ بْنِ الْجَدِّ بْنِ الْعَجْلَانِ، وَسَحْمَاءُ بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْمَدِّ، أُمُّ شَرِيكٍ، وَهِيَ حَبَشِيَّةٌ أَوْ يَمَانِيَّةٌ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ مُرْسَلِ مُقَاتِلٍ: فَقَالَ عُوَيْمِرٌ لِعَاصِمٍ: يَا ابْنَ عَمِّ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ شَرِيكَ بْنَ سَحْمَاءَ عَلَى بَطْنِهَا، وَإِنَّهَا لَحُبْلَى وَمَا قَرُبْتَهَا مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يُتَّهَمَ شَرِيكٌ بِكُلٍّ مِنِ امْرَأَتَيْ عُوَيْمِرٍ وَهِلَالٍ، فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ هِلَالًا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ (فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ بِالْمُلَاعَنَةِ (قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: بَعْدَ الْعَصْرِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ غَيْرُهُ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ: فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ (وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «فَتَلَاهُنَّ أَيِ الْآيَاتِ عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَتْ: كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا» . (فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا) شَرْطٌ قُدِّمَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: إِنْ حَبَسْتَهَا فَقَدْ ظَلَمْتَهَا (فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا) ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ اللِّعَانَ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا (قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِطَلَاقِهَا، وَبِهِ تَمَسَّكَ الْقَائِلُ: لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ إِلَّا بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ، فَإِنْ لَمْ يُوقِعْهُ لَمْ يُنْقِصِ التَّلَاعُنُ مِنَ الْعِصْمَةِ شَيْئًا، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ، وَأَنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي طَلَّقَ ابْتِدَاءً. وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، عَلَى أَنَّ الْبَتِّيَّ قَدِ اسْتَحَبَّ لِلْمُلَاعِنِ أَنْ يُطَلِّقَ بَعْدَ اللِّعَانِ وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ قَبْلَهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَهُ قَدْ أَحْدَثَ حُكْمًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ كَذَبْتُ عَلَيْهَا إِنْ أَمْسَكْتُهَا، كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ، وَقَوْلُهُ فَطَلَّقَهَا، أَيْ ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِطَلَاقِهَا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللِّعَانَ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ، فَأَرَادَ تَحْرِيمَهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» أَيْ لَا مِلْكَ لَكَ عَلَيْهَا فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 بِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا، وَقَعَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُلَاعِنِ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ الَّذِي شَرَحَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: لَا سَبِيلَ لَكَ، عَلَيْهَا لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَقِبَ قَوْلِهِ: اللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَفَظُ " فَطَلَّقَهَا " يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِاللِّعَانِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَصَارَتْ فِي حُكْمِ الْمُطَلَّقَاتِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حُكْمِهِنَّ، فَلَا يَكُونُ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا إِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَلَا أَنْ يَخْطُبَهَا إِنْ كَانَ بَائِنًا، وَإِنَّمَا اللِّعَانُ فُرْقَةُ فَسْخٍ. (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ) أَيِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا (بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ (سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ) فَلَا يَجْتَمِعَانِ بَعْدَ الْمُلَاعَنَةِ أَبَدًا، فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا سَوَاءٌ صَدَقَتْ أَوْ صَدَقَ، وَوَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيِّ: " «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» ". وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي تَوَقُّفُ ذَلِكَ عَلَى تَلَاعُنِهِمَا مَعًا، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: يَقَعُ التَّحْرِيمُ بِلِعَانِ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَحْنُونٌ: بِفَرَاغِ الزَّوْجِ ; لِأَنَّ الْتِعَانَ الْمَرْأَةِ إِنَّمَا الْحَدُّ عَنْهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فِي حَقِّهِ نَفْيَ النَّسَبِ وَلُحُوقَ الْوَلَدِ وَزَوَالَ الْفِرَاشِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي التَّوَارُثِ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ فَرَاغِ الرَّجُلِ، وَفِيمَا إِذَا عُلِّقَ طَلَاقُ الْمَرْأَةِ بِفُرَاقِ أُخْرَى ثُمَّ لَاعَنَ الْأُخْرَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُوقِعَهَا الْحَاكِمُ لِظَاهِرِ أَحَادِيثِ اللِّعَانِ وَيَكُونُ فُرْقَةَ طَلَاقٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ. وَقَدْ زَادَ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ: وَكَانَتْ حَامِلًا فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا، وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَيْهَا، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي الْمِيرَاثِ أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَمْ يَرْوِهَا عَنْ مَالِكٍ فِيمَا عَلِمْتُ غَيْرَ سُوَيْدٍ اهـ. لَكِنْ وَلَوِ انْفَرَدَ بِهِ سُوَيْدٌ عَنْ مَالِكٍ فَلَهُ أَصْلٌ، فَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلٍ مِثْلَ رِوَايَةِ سُوَيْدٍ. وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: أَنَّهَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَصْدُقُ عُوَيْمِرٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ هَذَا: أَنَّ الْآيَاتِ نَزَلَتْ بِسَبَبِ قِصَّةٍ عُوَيْمِرٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ، فَجَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ هِلَالٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ وَلِيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] حَتَّى بَلَغَ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] (» سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 6 - 9) الْحَدِيثَ، وَفِيهِ أَنَّهُمَا تَلَاعَنَا، وَأَنَّ الْوَلَدَ جَاءَ عَلَى صِفَةِ شَرِيكٍ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» ". وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: " وَكَانَ هِلَالٌ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ ". قَالَ الْحَافِظُ: اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ نُزُولَهَا فِي شَأْنِ عُوَيْمِرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ نُزُولَهَا فِي شَأْنِ هِلَالٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ هِلَالٌ، وَصَادَفَ مَجِيءَ عُوَيْمِرٍ أَيْضًا، فَنَزَلَتْ فِي شَأْنِهِمَا مَعًا، وَإِلَيْهِ جَنَحَ النَّوَوِيُّ وَسَبَقَهُ الْخَطِيبُ فَقَالَ: لَعَلَّهُمَا اتُّفِقَ لَهُمَا ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْقَائِلَ فِي قِصَّةِ عُوَيْمِرٍ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَفِي قِصَّةِ هِلَالٍ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ كَمَا فِي أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 4) الْآيَةَ، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتَ لَكَاعَ قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ، لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهَيِّجَهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، مَا كُنْتُ لِآتِيَ بِهِمْ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَمَا لَبِثُوا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، الْحَدِيثَ. وَلَا مَانِعَ أَنْ تَتَعَدَّدَ الْقِصَصُ وَيَتَّحِدُ النُّزُولُ. وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: " قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ: لَوْ رَأَيْتَ مَعَ أُمِّ رُومَانَ رَجُلًا مَا كُنْتَ فَاعِلًا بِهِ؟ قَالَ: كُنْتُ فَاعِلًا بِهِ شَرًّا، قَالَ: فَأَنْتَ يَا عُمَرُ، قَالَ: كُنْتُ أَقُولُ لَعَنَ اللَّهُ الْأَبْعَدَ، قَالَ: فَنَزَلَتْ ". وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النُّزُولَ سَبَقَ بِسَبَبِ هِلَالٍ فَلَمَّا جَاءَ عُوَيْمِرٌ وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِمَا وَقَعَ لِهِلَالٍ أَعْلَمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُكْمِ، وَلِذَا قَالَ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ: فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، وَفِي قِصَّةِ عُوَيْمِرٍ: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ، فَيُئَوَّلُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ مَا أُنْزِلَ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ، وَبِهَذَا أَجَابَ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَنَسٍ: إِنَّ هِلَالًا أَوَّلُ مَنْ لَاعَنَ. وَجَنَحَ الْقُرْطُبِيُّ إِلَى تَجْوِيزِ نُزُولِ الْآيَةِ مَرَّتَيْنِ قَالَ: وَهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ وَإِنْ بَعُدَتْ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيطِ الرُّوَاةِ الْحُفَّاظِ، وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ ذِكْرَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فِيمَنْ لَاعَنَ، كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ أَخِي الْمُهَلَّبِ فَقَالَ: هُوَ خَطَأٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عُوَيْمِرٌ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَسَبَقَهُ إِلَى نَحْوِهِ الطَّبَرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هُوَ وَهْمٌ مِنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَعَلَيْهِ دَارَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ بِذَلِكَ. وَقَالَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ: لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا الْقِصَّةُ لِعُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ قَالَ: وَلَكِنْ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي حَدِيثِ الْعَجْلَانِيِّ ذِكْرُ شَرِيكٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مُبْهَمَاتِهِ: اخْتَلَفُوا فِي الْمُلَاعِنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: عُوَيْمِرٌ وَهِلَالٌ وَعَاصِمٌ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَظْهَرُهَا عُوَيْمِرٌ وَكَلَامُ الْجَمِيعِ مُتَعَقَّبٌ. أَمَّا قَوْلُ ابْنِ أَبِي صُفْرَةَ فَدَعْوَى مُجَرَّدَةٌ، وَكَيْفَ يُجْزَمُ بِخَطَأِ حَدِيثٍ ثَابِتٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ، وَمَا نَسَبَهُ لِلطَّبَرِيِّ لَمْ أَجِدْهُ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَعِيَاضٌ تَفَرَّدَ بِهِ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ فَمَرْدُودٌ، فَقَدْ تَابَعَهُ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالطَّبَرِيِّ وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ. وَأَمَّا جُنُوحُ النَّوَوِيِّ كَالْوَاحِدِيِّ لِلتَّرْجِيحِ فَمَرْجُوحٌ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُمْكِنَ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ، وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ عَاصِمٌ فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ عَاصِمًا لَمْ يُلَاعِنْ قَطُّ وَإِنَّمَا سَأَلَ لِعُوَيْمِرٍ، وَوَقَعَ مِنْ عَاصِمٍ نَظِيرُ مَا وَقَعَ مِنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، أَيْ مِنْ الِاسْتِشْكَالِ اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: تَعَقَّبَتْ حِكَايَةُ النَّوَوِيِّ الْخِلَافَ بِأَنَّ مُلَاعَنَةَ عُوَيْمِرٍ وَهِلَالٍ ثَبَتَا، فَكَيْفَ يُخْتَلَفُ فِيهِمَا؟ وَإِنَّمَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ فِي أَيِّهِمَا كَمَا سَبَقَ. وَقَوْلُهُ فِي التَّهْذِيبِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْجُودَ زَانِيًا شَرِيكٌ مَمْنُوعٌ ; إِذْ لَمْ يُوجَدْ زَانِيًا وَإِنَّمَا هُمُ اعْتَقَدُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ، فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَرْمِيَّ بِهِ شَرِيكٌ، وَأَفَادَ عِيَاضٌ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 الطَّبَرِيِّ أَنَّ قِصَّةَ اللِّعَانِ كَانَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا مَرَّ، ذُكِرَ جُمْلَةٌ مِنْهَا فِي التَّمْهِيدِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَقَبْلَهُ فِي الطَّلَاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَفُلَيْحٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَيُونُسُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، الْأَرْبَعَةُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ نَحْوَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَفَلَ مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» قَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ} [النور: 6] قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ الْحَدَّ وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ أَبَدًا وَعَلَى هَذَا السُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا فَارَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِرَاقًا بَاتًّا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا فِيهِ رَجْعَةٌ ثُمَّ أَنْكَرَ حَمْلَهَا لَاعَنَهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا وَكَانَ حَمْلُهَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إِذَا ادَّعَتْهُ مَا لَمْ يَأْتِ دُونَ ذَلِكَ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْهُ قَالَ فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَالَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ حَامِلٌ يُقِرُّ بِحَمْلِهَا ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا جُلِدَ الْحَدَّ وَلَمْ يُلَاعِنْهَا وَإِنْ أَنْكَرَ حَمْلَهَا بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لَاعَنَهَا قَالَ وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ قَالَ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْحُرِّ فِي مُلَاعَنَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَةً حَدٌّ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ وَالْحُرَّةُ النَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ تُلَاعِنُ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَزَوَّجَ إِحْدَاهُنَّ فَأَصَابَهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَهُنَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ أَوْ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ أَوْ الْحُرَّةَ النَّصْرَانِيَّةَ أَوْ الْيَهُودِيَّةَ لَاعَنَهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ فَيَنْزِعُ وَيُكَذِّبُ نَفْسَهُ بَعْدَ يَمِينٍ أَوْ يَمِينَيْنِ مَا لَمْ يَلْتَعِنْ فِي الْخَامِسَةِ إِنَّهُ إِذَا نَزَعَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَعِنَ جُلِدَ الْحَدَّ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَإِذَا مَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرِ قَالَتْ الْمَرْأَةُ أَنَا حَامِلٌ قَالَ إِنْ أَنْكَرَ زَوْجُهَا حَمْلَهَا لَاعَنَهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ يُلَاعِنُهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا إِنَّهُ لَا يَطَؤُهَا وَإِنْ مَلَكَهَا وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَرَاجَعَانِ أَبَدًا قَالَ مَالِكٌ إِذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ   1202 - 1186 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا) هُوَ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيُّ (لَاعَنَ امْرَأَتَهُ) زَوْجَتَهُ خَوْلَةَ بِنْتَ قَيْسٍ الْعَجْلَانِيَّةَ (فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَانْتَقَلَ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ: فَانْتَفَى بِالْفَاءِ، فَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ سَبَبِيَّةٌ، أَيِ: الْمُلَاعَنَةُ كَانَتْ سَبَبًا لِانْتِفَاءِ الرَّجُلِ مِنْ وَلَدِ الْمَرْأَةِ وَإِلْحَاقِهِ بِهَا، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنَّهَا سَبَبُ ثُبُوتِ الِانْتِفَاءِ فَجَيِّدٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا سَبَبُ وُجُودِ الِانْتِفَاءِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمُلَاعَنَةِ لَمْ يَنْتَفِ (فَفَرَّقَ) بِشَدِّ الرَّاءِ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا) أَيِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ ; تَنْفِيذًا لِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ مِنَ الْمُبَاعَدَةِ بَيْنَهُمَا بِنَفْسِ اللِّعَانِ، وَبِظَاهِرِهِ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مُجَرَّدَ اللِّعَانَ لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّفْرِيقُ، وَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِفْتَاءُ وَالْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: " «لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا، قَالَ: مَالِي؟ قَالَ: لَا مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَدَّقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ» ". كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَلَهُمَا أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْهُ: " «فَرَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ، وَقَالَ: اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ فَأَبَيَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» ". قَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ مِنَ اللِّعَانِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ اللِّعَانِ، فَفِيهِ عَرْضُ التَّوْبَةِ عَلَى الْمُذْنِبِ وَلَوْ بِطْرِيقِ الْإِجْمَالِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: قَالَهُ قَبْلَ اللِّعَانِ ; تَحْذِيرًا لَهُمَا. (وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ) فَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا، وَنَفَاهُ عَنِ الرَّجُلِ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنِهِمَا. وَزَعَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا زِيَادَةُ حَافِظٍ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ، فَوَجَبَ قَبُولُهَا عَلَى أَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى فِي حَدِيثِ سَهْلٍ وَغَيْرِهِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وَفِي الْفَرَائِضِ عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزْعَةَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ خَمْسَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ الحديث: 1202 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 نَافِعٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا نَحْوَهُ، وَتَابَعَهُ فِي شَيْخِهِ نَافِعٍ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِنَحْوِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} [النور: 6] يَقْذِفُونَ (أَزْوَاجَهُمْ) بِالزِّنَا {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ} [النور: 6] يَشْهَدُونَ عَلَى تَصْدِيقِ قَوْلِهِمْ (إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) بِالرَّفْعِ بَدَلٌ مِنْ " شُهَدَاءُ " أَوْ نَعْتٌ عَلَى أَنَّ " إِلَّا " بِمَعْنَى غَيْرِ (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) مُبْتَدَأٌ {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6] نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ {بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6] فِيمَا رَمَى بِهِ زَوْجَتَهُ مِنَ الزِّنَا {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 7] فِي ذَلِكَ، وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ " تَدْرَأُ عَنْهُ الْعَذَابَ " أَيْ حَدَّ الْقَذْفِ، وَقَرَأَ الْأَخَوَانُ وَحَفْصٌ بِرَفْعِ " أَرْبَعُ " عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ " فَشَهَادَةُ " كَمَا فِي السَّمِينِ (وَيَدْرَأُ) أَيْ يَدْفَعُ (عَنْهَا الْعَذَابَ) أَيْ حَدَّ الزِّنَا إِنْ لَمْ تَحْلِفْ {أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمَنِ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] فِي ذَلِكَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: لَفْظُ " أَشْهَدُ " فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ بِمَعْنَى أَحْلِفُ، قَالَ الشَّاعِرُ: وَأَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ أَنِّي أُحِبُّهَا ... فَهَذَا لَهَا عِنْدِي فَمَا عِنْدَهَا لِيَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، أَعْنِي أَنَّ شَهَادَاتِ اللِّعَانِ أَيْمَانٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: شَهَادَاتٌ حَقِيقَةً مِنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا، وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ: هَلْ يَتَلَاعَنُ الْفَاسِقَانِ وَالْعَبْدَانِ؟ فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ يَصِحُّ وَعِنْدَهُ لَا يَصِحُّ، وَأَمَّا الْمُقْسَمُ بِهِ فَهُوَ لَفْظُ اللَّهِ دُونَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ لِنَصِّ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ، وَذَكَرَ عِيَاضٌ الْخِلَافَ هَلْ يَزِيدُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. اهـ. الْقَوْلُ بِالِاقْتِصَارِ نَصُّ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِالزِّيَادَةِ قَوْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ فِي الْبُخَارِيِّ أَمْرَهُمَا أَنْ يَتَلَاعَنَا بِمَا فِي الْقُرْآنِ. (قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا) بَلْ يَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَبْدَى لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَائِدَةً، وَهِيَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ مَلْعُونٌ مَعَ غَيْرِ مَلْعُونٍ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَلْعُونٌ فِي الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ غَيْرَ الْمُلَاعِنِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ، وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَامْتَنَعَ عَلَيْهِمَا مَعًا التَّزْوِيجُ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَلْعُونٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ افْتِرَاقًا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 الْجُمْلَةِ. (وَإِنْ كَذَّبَ نَفْسَهُ) بَعْدَ الِالْتِعَانِ (جُلِدَ الْحَدَّ) لِلْقَذْفِ (وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ) لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ أَبَدًا ; إِذِ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ بِاللِّعَانِ لَا تَرْتَفِعُ بِالتَّكْذِيبِ. (وَعَلَى هَذَا السُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ) وَفِي بَعْضِ طَرُقِ حَدِيثِ سَهْلٍ إِشَارَةٌ إِلَيْهَا (وَإِذَا فَارَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِرَاقًا بَاتًّا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا فِيهِ رَجْعَةٌ) عَطْفُ بَيَانٍ لِـ " بَاتًّا " (ثُمَّ أَنْكَرَ حَمْلَهَا لَاعَنَهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا، وَكَانَ حَمْلُهَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إِذَا ادَّعَتْهُ) أَيِ ادَّعَتْ أَنَّهُ مِنْهُ (مَا لَمْ يَأْتِ دُونَ ذَلِكَ مِنَ الزَّمَانِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْهُ، قَالَ: فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَالَّذِي سَمِعْتُ) زَادَ فِي نُسْخَةٍ: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ (وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ حَامِلٌ) حَالَ كَوْنِهِ (يُقِرُّ بِحَمْلِهَا ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا جُلِدَ الْحَدَّ) لِأَنَّهُ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً (وَلَمْ يُلَاعِنْهَا) لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ لِزَوْجَةٍ (وَإِنْ أَنْكَرَ حَمْلَهَا بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا، لَاعَنَهَا) بِالشَّرْطِ الَّذِي قَالَهُ فَوْقَهُ (وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ) مِنَ الْعُلَمَاءِ. (وَالْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] (سُورَةُ النُّورِ: الْآيَةُ 6) إِذْ هُوَ شَامِلٌ لِلْعَبْدِ (يَجْرِي مَجْرَى الْحُرِّ فِي مُلَاعَنَتِهِ) بِضَمِّ الْمِيمِ، قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: لَعَنَهُ لَعْنًا وَلَاعَنَهُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا، وَتَلَاعَنُوا: لَعَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَةً حَدٌّ) وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَبُ كَقَذْفِ الْكِتَابِيَّةِ إِنْ لَمْ يُلَاعِنْهُمَا (وَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ وَالْحُرَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ تُلَاعِنُ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ إِذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 تَزَوَّجَ إِحْدَاهُنَّ فَأَصَابَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَلَمْ يَخُصَّ حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ وَلَا مُسْلِمَةً مِنْ كِتَابِيَّةٍ (فَهُنَّ مِنَ الْأَزْوَاجِ) لِشُمُولِ الْآيَةِ لَهُنَّ (وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (وَالْعَبْدُ إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ أَوِ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ أَوِ الْحُرَّةَ النَّصْرَانِيَّةَ أَوِ الْيَهُودِيَّةَ لَاعَنَهَا) لِأَنَّ عُمُومَ الْآيَةِ شَامِلٌ لَهُ وَلَهُنَّ (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ فَيَنْزِعُ) بِكَسْرِ الزَّايِ، يَرْجِعُ (وَيُكَذِّبُ نَفْسَهُ بَعْدَ يَمِينٍ أَوْ يَمِينَيْنِ مَا لَمْ) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِهِ لَمْ (يَلْتَعِنْ فِي الْخَامِسَةِ: إِنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (إِذَا نَزَعَ) رَجَعَ (قَبْلَ أَنْ يَلْتَعِنَ، جُلِدَ الْحَدَّ) لِأَنَّهُ قَذَفَهَا (وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مُخْتَصَّةٌ بِلِعَانِهَا. (وَفِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَإِذَا مَضَتِ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ قَالَتِ الْمَرْأَةُ: أَنَا حَامِلٌ) مِنْكَ (قَالَ: إِنْ أَنْكَرَ زَوْجُهَا حَمْلَهَا لَاعَنَهَا) لِنَفْيِهِ. (وَفِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ يُلَاعِنُهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا: إِنَّهُ لَا يَطَؤُهَا وَإِنْ مَلَكَهَا) الْوَاوُ لِلْحَالِ (وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَرَاجَعَانِ أَبَدًا) وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» ". (وَإِذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ) وَإِنْ كَانَ اللِّعَانُ فَسْخًا لَكِنْ لَمَّا يُعْلَمْ صِدْقُ الزَّوْجِ، وَاحْتَمَلَ أَنَّهُ أَرَادَ تَحْرِيمَهَا وَإِسْقَاطَ حَقِّهَا فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ، اتُّهِمَ فِي ذَلِكَ وَأُلْزِمَ نِصْفَهُ أَوْ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَلَاقٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 [بَاب مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا إِنَّهُ إِذَا مَاتَ وَرِثَتْهُ أُمُّهُ حَقَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَيَرِثُ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً وَرِثَتْ حَقَّهَا وَوَرِثَ إِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا   14 - بَابُ مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ 1185 - 1187 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا، وَهِيَ الَّتِي وَقَعَ اللِّعَانُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا (وَوَلَدِ الزِّنَا أَنَّهُ إِذَا مَاتَ وَرِثَتْهُ أُمُّهُ حَقَّهَا) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ وَرِثَتْهُ (فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) الثُّلُثَ أَوِ السُّدُسَ (وَ) وَرِثَ (إِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ) السُّدُسَ لِلْوَاحِدِ وَالثُّلُثَ لِلِاثْنَيْنِ (وَيَرِثُ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً) أَيْ مُعْتَقَةً (وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً) أَيْ حُرَّةً أَصْلِيَّةً (وَرِثَتْ حَقَّهَا وَوَرِثَ إِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ) السُّدُسَ (وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ) يُجْعَلُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ (قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَسَبَقَ قَرِيبًا قَوْلُ سَهْلِ بْنِ سَعِيدٍ: ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى -. وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ مُرْسَلِ مَكْحُولٍ وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " «جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا» ". وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ وَائِلَةَ مَرْفُوعًا: " «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ عَتِيقَهَا وَلَقِيطَهَا وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ فِيهِ» ". وَفِي إِسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ رُوبَةَ، بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ فَمُوَحَّدَةٍ، مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ الْمُنْذِرِ، وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ وَمَدْخُولُهَا بِلَفْظِهِ مَرَّا فِي آخِرِ الْفَرَائِضِ ; لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ وَأَعَادَهُ هُنَا تَتْمِيمًا لِحُكْمِ اللِّعَانِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 [بَاب طَلَاقِ الْبِكْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ أَنَّهُ قَالَ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَجَاءَ يَسْتَفْتِي فَذَهَبْتُ مَعَهُ أَسْأَلُ لَهُ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ قَالَ فَإِنَّمَا طَلَاقِي إِيَّاهَا وَاحِدَةٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّكَ أَرْسَلْتَ مِنْ يَدِكَ مَا كَانَ لَكَ مِنْ فَضْلٍ   15 - بَابُ طَلَاقِ الْبِكْرِ 1204 - 1188 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ) بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ ثَوْبٍ الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ الْمَدَنِيِّ، مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ، اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، وَوَهِمَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ (أَنَّهُ قَالَ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَجَاءَ يَسْتَفْتِي، فَذَهَبْتُ مَعَهُ أَسْأَلُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: لَهُ (فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا: لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ (قَالَ: فَإِنَّمَا طَلَاقِي إِيَّاهَا وَاحِدَةٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَ مِنْ يَدِكَ مَا كَانَ لَكَ مِنْ فَضْلٍ) زِيَادَةٍ عَلَى الْوَاحِدَةِ بِإِيقَاعِكَ الثَّلَاثَ الحديث: 1204 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَالَ عَطَاءٌ فَقُلْتُ إِنَّمَا طَلَاقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِنَّمَا أَنْتَ قَاصٌّ الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثَةُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ   1205 - 1189 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ بُكَيْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ) مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ الْمَدَنِيِّ، نُزِيلُ مِصْرَ، مِنَ الثِّقَاتِ، مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَهَا (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ) بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ (الْأَنْصَارِيِّ) الزُّرَقِيِّ أَبِي سَلَمَةَ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) الْهِلَالِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ، فَاضِلٌ، صَاحِبُ عِبَادَةٍ وَمَوَاعِظَ (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي) الصَّحَابِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ (عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، قَالَ عَطَاءٌ: فَقُلْتُ: إِنَّمَا طَلَاقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ الحديث: 1205 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي: إِنَّمَا أَنْتَ قَاصٌّ) بِشَدِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، صَاحِبُ قَصَصٍ وَمَوَاعِظَ، لَا تَعْلَمُ غَوَامِضَ الْفِقْهِ (الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا) تَجْعَلُهَا بَائِنًا فَلَا يُعِيدُهَا إِلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَصَدَاقٍ (وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ فَجَاءَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ فَقَالَ إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَمَاذَا تَرَيَانِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَا لَنَا فِيهِ قَوْلٌ فَاذْهَبْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنِّي تَرَكْتُهُمَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَلْهُمَا ثُمَّ ائْتِنَا فَأَخْبِرْنَا فَذَهَبَ فَسَأَلَهُمَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ جَاءَتْكَ مُعْضِلَةٌ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثَةُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، وَالثَّيِّبُ إِذَا مَلَكَهَا الرَّجُلُ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إِنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْبِكْرِ الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ   1206 - 1190 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ) بِمُعْجَمَةٍ فَجِيمٍ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ (الْأَنْصَارِيِّ) الزُّرَقِيِّ (أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ، وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا (قَالَ: فَجَاءَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ) اللَّيْثِيُّ (فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَمَاذَا تَرَيَانِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَيُرْوَى " إِنَّ هَذَا الْأَمْرُ " بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِ دَخَلَتْ عَلَيْهِ اللَّامُ وَعَلَى الْأَوَّلِ، فَالْخَبَرُ (مَا لَنَا فِيهِ قَوْلٌ، فَاذْهَبْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنِّي تَرَكْتُهُمَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَلْهُمَا) بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ مُخَفَّفًا فَاسْأَلْهُمَا (ثُمَّ ائْتِنَا فَأَخْبِرْنَا) بِجَوَابِهِمَا لَكَ لِنَعْلَمَهُ (فَذَهَبَ فَسَأَلَهُمَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ جَاءَتْكَ مُعْضِلَةٌ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ شَدِيدَةٌ (فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثَةُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ) وَسَبَقَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي (قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (وَالثَّيِّبُ إِذَا مَلَكَهَا الحديث: 1206 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 الرَّجُلُ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْبِكْرِ) إِذْ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا، وَالْمَدَارُ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ (الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثَةُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) بِشُرُوطِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 [بَاب طَلَاقِ الْمَرِيضِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا   16 - بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ 1207 - 1191 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ الْقَاضِي، ابْنِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يُلَقَّبُ طَلْحَةَ النَّدَى، ثِقَةٌ، مُكْثِرٌ، فَقِيهٌ، تَابِعِيٌّ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ. (قَالَ) ابْنُ شِهَابٍ (وَكَانَ) طَلْحَةُ (أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ) الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ. (وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) كِلَاهُمَا رَوَى لِلزُّهْرِيِّ (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ) تُمَاضِرَ، بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ فَمِيمٍ فَأَلِفٍ فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ فَرَاءٍ، بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ الصَّحَابِيَّةَ، أُمَّ ابْنِهِ أَبِي سَلَمَةَ (الْبَتَّةَ وَهُوَ مَرِيضٌ) ثُمَّ مَاتَ (فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هِيَ أَوَّلُ كَلْبِيَّةٍ نَكَحَهَا قُرَشِيٌّ وَلَمْ تَلِدْ لَهُ غَيْرَ أَبِي سَلَمَةَ. وَرَوَى بِسَنَدٍ لَهُ مُرْسَلٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى بَنِي كَلْبٍ وَقَالَ: إِنِ اسْتَجَابُوا لَكَ فَتَزَوَّجِ ابْنَةَ مَلِكِهِمْ أَوْ سَيِّدِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَاسْتَجَابُوا، وَأَقَامَ مَنْ أَقَامَ مِنْهُمْ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، فَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ مَلِكِهِمْ ثُمَّ قَدِمَ بِهَا الْمَدِينَةَ ". الحديث: 1207 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْأَعْرَجِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَرَّثَ نِسَاءَ ابْنِ مُكْمِلٍ مِنْهُ وَكَانَ طَلَّقَهُنَّ وَهُوَ مَرِيضٌ   1208 - 1192 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ) بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيِّ الْمَدَنِيِّ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، ثِقَةٌ، مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الحديث: 1208 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَرَّثَ نِسَاءَ ابْنِ مُكْمِلٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ فَلَامٌ، اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُكْمِلِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ، ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ شَبَّةَ فِي الصَّحَابَةِ، وَاسْتَدْرَكَهُ ابْنُ فَتْحُونٍ، وَقَالَ: أَكْثَرُ مَا يَأْتِي فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ مُكْمِلًا غَيْرُ مُسَمًّى، وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ وَهْمٌ إِنَّمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُهُ، وَهُوَ شَيْخٌ لِلزُّهْرِيِّ كَمَا فِي الْإِصَابَةِ، وَنِسَاؤُهُ كُنَّ ثَلَاثًا كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. (وَكَانَ طَلَّقَهُنَّ وَهُوَ مَرِيضٌ) ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ طَلَاقِهِ سَنَتَيْنِ فَوَرَّثَهُنَّ عُثْمَانُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا رَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَلَمْ يَمْنَعْهُنَّ طَلَاقُهُ الْمِيرَاثَ لِوُقُوعِهِ فِي الْمَرَضِ فَقَضَى بِذَلِكَ عُثْمَانُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ بَلَغَنِي أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَقَالَ إِذَا حِضْتِ ثُمَّ طَهُرْتِ فَآذِنِينِي فَلَمْ تَحِضْ حَتَّى مَرِضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَلَمَّا طَهُرَتْ آذَنَتْهُ فَطَلَّقَهَا الْبَتَّةَ أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَكُنْ بَقِيَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ غَيْرُهَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَوْمَئِذٍ مَرِيضٌ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا   1209 - 1193 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) تُمَاضِرَ الْكَلْبِيَّةَ (سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَقَالَ: إِذَا حِضْتِ ثُمَّ طَهُرْتِ فَآذِنِينِي) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَالْمَدِّ، أَعْلِمِينِي (فَلَمْ تَحِضْ حَتَّى مَرِضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَلَمَّا طَهُرَتْ آذَنَتْهُ) بِمَدِّ الْأَلِفِ، أَعْلَمَتْهُ ذَلِكَ بِرَسُولٍ بَعَثَتْهُ إِلَيْهِ (فَطَلَّقَهَا الْبَتَّةَ) ثَلَاثًا (أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَكُنْ بَقِيَ لَهُ عَلَيْهَا مِنَ الطَّلَاقِ غَيْرُهَا) شَكَّ الرَّاوِي (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يَوْمَئِذٍ مَرِيضٌ، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) لِاتِّصَالِ مَرَضِهِ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ بِمَوْتِهِ، وَهَذَا الْبَلَاغُ أَخْرَجَهُ بِنَحْوِهِ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ فِي تُمَاضِرَ سُوءُ خُلُقٍ وَكَانَتْ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ، فَلَمَّا مَرِضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا شَيْءٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْتِينِي الطَّلَاقَ لَأُطَلِّقَنَّكِ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَأَسْأَلَنَّكَ، فَقَالَ: أَمَّا لَا فَأَعْلِمِينِي إِذَا حِضْتِ وَطَهُرْتِ إِذًا، فَلَمَّا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُعْلِمُهُ، فَمَرَّ رَسُولُهَا بِبَعْضِ أَهْلِهِ، فَقَالَ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ: أَرْسَلَتْنِي تُمَاضِرُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ أُعْلِمُهُ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَقُلْ لَهَا لَا تَفْعَلِي فَوَاللَّهِ مَا كَانَ لِيَرُدَّ قَسَمَهُ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ وَأَنَا لَا أَرُدُّ قَسَمِي، فَأَعْلَمَهُ فَطَلَّقَهَا. وَعِنْدَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عُثْمَانَ وَرَّثَ تُمَاضِرَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ تَطْلِيقَةً، وَكَانَتْ الحديث: 1209 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 آخِرَ طَلَاقِهَا. وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ وَسَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْهَا: أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ مَوْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، فَأَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ طَلَّقَهَا، فَكَانَتْ تَقُولُ لِلنِّسَاءِ: إِذَا تَزَوَّجَتْ إِحْدَاكُنَّ فَلَا يَغْرُنَّكِ السَّبْعُ بَعْدَ مَا صَنَعَ بِيَ الزُّبَيْرُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ قَالَ كَانَتْ عِنْدَ جَدِّي حَبَّانَ امْرَأَتَانِ هَاشِمِيَّةٌ وَأَنْصَارِيَّةٌ فَطَلَّقَ الْأَنْصَارِيَّةَ وَهِيَ تُرْضِعُ فَمَرَّتْ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ هَلَكَ عَنْهَا وَلَمْ تَحِضْ فَقَالَتْ أَنَا أَرِثُهُ لَمْ أَحِضْ فَاخْتَصَمَتَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ فَلَامَتْ الْهَاشِمِيَّةُ عُثْمَانَ فَقَالَ هَذَا عَمَلُ ابْنِ عَمِّكِ هُوَ أَشَارَ عَلَيْنَا بِهَذَا يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ   1210 - 1194 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ، الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الْفَقِيهِ (قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ جَدِّي حَبَّانَ) بْنَ مُنْقِذٍ، بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ الصَّحَابِيِّ (امْرَأَتَانِ هَاشِمِيَّةٌ وَأَنْصَارِيَّةٌ، فَطَلَّقَ الْأَنْصَارِيَّةَ وَهِيَ مُرْضِعٌ، فَمَرَّتْ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ هَلَكَ) مَاتَ (وَلَمْ تَحِضْ) لِأَجْلِ الرَّضَاعِ (فَقَالَتْ: أَنَا أَرِثُهُ، لَمْ أَحِضْ، فَاخْتَصَمَا) أَيْ هِيَ وَالْهَاشِمِيَّةُ (إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ، فَلَامَتِ الْهَاشِمِيَّةُ عُثْمَانَ، فَقَالَ: هَذَا عَمَلُ ابْنِ عَمِّكِ، هُوَ أَشَارَ عَلَيْنَا بِهَذَا، يَعْنِي) بِابْنِ عَمِّهَا (عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) قَالَ ذَلِكَ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهَا. قَالَ أَبُو عُمَرَ: ذَكَرَ مَالِكٌ هَذَا الْأَثَرَ هُنَا، وَلَا دَخْلَ لَهُ فِي الْبَابِ وَإِنَّمَا مَوْضِعُهُ فِي جَامِعِ الطَّلَاقِ. الحديث: 1210 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيضٌ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ وَالْمِيرَاثُ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ فِي هَذَا عِنْدَنَا سَوَاءٌ   1211 - 1195 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيضٌ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ) لِقَضَاءِ عُثْمَانَ بِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ) كَمَا فِي الْقُرْآنِ. (وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) كَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى. الحديث: 1211 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 (وَإِنْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ) لِتُكْمِلَهُ بِالدُّخُولِ (وَالْمِيرَاثُ وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ فِي هَذَا عِنْدَنَا سَوَاءٌ) إِذْ لَا فَرْقَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 [بَاب مَا جَاءَ فِي مُتْعَةِ الطَّلَاقِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ فَمَتَّعَ بِوَلِيدَةٍ   17 - بَابُ مَا جَاءَ فِي مُتْعَةِ الطَّلَاقِ 1212 - 1196 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ) هِيَ تُمَاضِرُ (فَمَتَّعَ بِوَلِيدَةٍ) أَمَةٍ سَوْدَاءَ، أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ جَدَّتِهِ قَالَتْ: لَمَّا طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ امْرَأَتَهُ الْكَلْبِيَّةَ تُمَاضِرَ مَتَّعَهَا بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ كَمَا فِي الِاسْتِذْكَارِ: قِيمَتُهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا. الحديث: 1212 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إِلَّا الَّتِي تُطَلَّقُ وَقَدْ فُرِضَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَمْ تُمْسَسْ فَحَسْبُهَا نِصْفُ مَا فُرِضَ لَهَا   1212 - 1197 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ) جَبْرًا لِمَا نَالَهَا مِنْ كَسْرِ الطَّلَاقِ (إِلَّا الَّتِي تُطَلَّقُ وَقَدْ فُرِضَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَمْ تُمَسَّ) هِيَ أَيْ لَمْ يَطَأْهَا زَوْجُهَا (فَحَسْبُهَا) كَافِيهَا (نِصْفُ مَا فَرَضَ لَهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا كَبِيرُ كَسْرٍ وَبُضْعُهَا بَاقٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لِلْمُتْعَةِ عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ فِي قَلِيلِهَا وَلَا كَثِيرِهَا   1213 - 1198 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 241) ، {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 236) (قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلُ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ. الحديث: 1213 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 (وَلَيْسَ لِلْمُتْعَةِ عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ فِي قَلِيلِهَا وَلَا كَثِيرِهَا) بَلْ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَلَى الْمُوسِعِ قَدْرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 [بَاب مَا جَاءَ فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَبْدًا لَهَا كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ آخِذًا بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَسَأَلَهُمَا فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعًا فَقَالَا حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَرُمَتْ عَلَيْكَ   18 - بَابُ مَا جَاءَ فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ 1214 - 1199 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ، الْفَقِيهِ (أَنَّ نُفَيْعًا) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، مُصَغَّرٌ (مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ) هِنْدِ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ (زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَبْدًا لَهَا) شَكَّ الرَّاوِي، وَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ (كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا) ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ (كَالْحُرِّ، فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَالرَّاءِ وَجِيمٍ، مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ (آخِذًا بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُمَا، فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعًا، فَقَالَا: حَرُمَتْ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ (عَلَيْكَ، حَرُمَتْ عَلَيْكَ) مَرَّتَيْنِ، بِالتَّأْكِيدِ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ. الحديث: 1214 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَاسْتَفْتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ حَرُمَتْ عَلَيْكَ   1215 - 1200 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا (أَنْ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ - النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَ امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَاسْتَفْتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَقَالَ: حَرُمَتْ عَلَيْكَ) قَبْلَ زَوْجٍ. الحديث: 1215 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَفْتَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ حَرُمَتْ عَلَيْكَ   1216 - 1201 الحديث: 1216 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَخِي يَحْيَى (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) تَيْمِ قُرَيْشٍ الْمَدَنِيِّ (أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ - النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَفْتَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: حَرُمَتْ عَلَيْكَ) حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ   1217 - 1202 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَتَعْتَدُّ (حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً) لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إِلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ الزَّوْجُ. (وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ) وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا ; لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِدَّةِ الْمَرْأَةُ. الحديث: 1217 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ لَيْسَ بِيَدِ غَيْرِهِ مِنْ طَلَاقِهِ شَيْءٌ فَأَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَمَةَ غُلَامِهِ أَوْ أَمَةَ وَلِيدَتِهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ   1218 - 1203 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ) يَتَزَوَّجَ (فَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ لَيْسَ بِيَدِ غَيْرِهِ) وَلَوْ سَيِّدُهُ (مِنْ طَلَاقِهِ شَيْءٌ) لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ لِلزَّوْجِ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ (فَأَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَمَةَ غُلَامِهِ أَوْ أَمَةَ وَلِيدَتِهِ) جَارِيَتِهِ (فَلَا جُنَاحَ) لَا إِثْمَ (عَلَيْهِ) لِأَنَّ لَهُ انْتِزَاعَ مَالِ رَقِيقِهِ. الحديث: 1218 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 [بَاب نَفَقَةِ الْأَمَةِ إِذَا طُلِّقَتْ وَهِيَ حَامِلٌ] قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى حُرٍّ وَلَا عَبْدٍ طَلَّقَا مَمْلُوكَةً وَلَا عَلَى عَبْدٍ طَلَّقَ حُرَّةً طَلَاقًا بَائِنًا نَفَقَةٌ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى حُرٍّ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لِابْنِهِ وَهُوَ عَبْدُ قَوْمٍ آخَرِينَ وَلَا عَلَى عَبْدٍ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ   19 - بَابُ نَفَقَةِ الْأَمَةِ إِذَا طُلِّقَتْ وَهِيَ حَامِلٌ - (مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى حُرٍّ وَلَا عَلَى عَبْدٍ طَلَّقَا مَمْلُوكَةً) طَلَاقًا بَائِنًا (وَلَا عَلَى عَبْدٍ طَلَّقَ حُرَّةً طَلَاقًا بَائِنًا) أَيْ بَائِنًا بِالثَّلَاثِ أَوْ بِالْخُلْعِ (نَفَقَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا) لِأَنَّ إِنْفَاقَ الْعَبْدِ عَلَى وَلَدِهِ إِتْلَافٌ لِمَالِ السَّيِّدِ فِيمَا لَا يَعُودُ عَلَى سَيِّدِهِ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ، وَلِأَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ رَقِيقٌ لِسَيِّدِهَا، وَلَيْسَ عَلَى الْحُرِّ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ وَلَا يُنْقَضُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ ; لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ فَهِيَ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ، فَإِنْ قِيلَ هُنَا مُوجِبَانِ: الْأُبُوَّةُ وَالْمِلْكُ فَلِمَ اخْتُصَّ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ دُونَ الْآخَرِ؟ أُجِيبُ: بِأَنَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْأَخْذَ بِأَقْوَى الْمُوجِبَيْنِ وَإِسْقَاطَ مَا عَدَاهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُوجِبَ الْمِلْكَ أَقْوَى لِأَنَّ السَّيِّدَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ مَا لَا يَتَصَرَّفُ الْأَبُ مِنْ تَزْوِيجٍ وَنَزْعِ مَالٍ وَحَوْزِ مِيرَاثٍ وَأَخْذِ قِيمَةِ جِرَاحٍ وَعَفْوٍ عَنْهَا، وَلَا تَكَلُّمَ لِلْأَبِ مَعَهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَمَحَلُّ عَدَمِ النَّفَقَةِ (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ زَوْجِ الْأَمَةِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَزَوْجِ الْحُرَّةِ الْعَبْدِ (عَلَيْهَا رَجْعَةٌ) فَتَجِبُ النَّفَقَةُ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ (وَلَيْسَ عَلَى حُرٍّ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لِابْنِهِ وَهُوَ عَبْدُ قَوْمٍ آخَرِينَ) بَلْ رَضَاعُهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ (وَلَا عَلَى عَبْدٍ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ) لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ لِمَالِهِ بِلَا فَائِدَةٍ (إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) فَيَجُوزُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 [بَاب عِدَّةِ الَّتِي تَفْقِدُ زَوْجَهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ فَقَدَتْ زَوْجَهَا فَلَمْ تَدْرِ أَيْنَ هُوَ فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَحِلُّ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إِلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَإِنْ أَدْرَكَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا قَالَ مَالِكٌ وَأَدْرَكْتُ النَّاسَ يُنْكِرُونَ الَّذِي قَالَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ يُخَيَّرُ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ إِذَا جَاءَ فِي صَدَاقِهَا أَوْ فِي امْرَأَتِهِ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا ثُمَّ يُرَاجِعُهَا فَلَا يَبْلُغُهَا رَجْعَتُهُ وَقَدْ بَلَغَهَا طَلَاقُهُ إِيَّاهَا فَتَزَوَّجَتْ أَنَّهُ إِنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا الْآخَرُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا إِلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذَا وَفِي الْمَفْقُودِ   20 - بَابُ عِدَّةِ الَّتِي تَفْقِدُ زَوْجَهَا 1219 - 1204 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ فَقَدَتْ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَمُضَارِعُهُ بِكَسْرِهَا، عَدِمَتْ (زَوْجَهَا فَلَمْ تَدْرِ أَيْنَ هُوَ فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ الحديث: 1219 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 أَرْبَعَ سِنِينَ) مِنَ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ ; لِأَنَّهَا غَايَةُ أَمَدِ الْحَمْلِ، وَلِأَنَّهَا الْمُدَّةُ الَّتِي تَبْلُغُهَا الْمُكَاتَبَةُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ سَيْرًا وَرُجُوعًا، وَضُعِّفَ الْأَوَّلُ بِقَوْلِ مَالِكٍ: لَوْ أَقَامَتْ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ رَفَعَتْ يُسْتَأْنَفُ لَهَا الْأَجَلُ، وَبِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً أَوِ الزَّوْجُ صَغِيرًا تُضْرَبُ الْأَرْبَعُ وَلَا حَمْلَ هُنَا. وَالثَّانِي بِقَوْلِ مَالِكٍ أَيْضًا: تَسْتَأْنِفُ الْأَرْبَعَ مِنْ بَعْدِ الْيَأْسِ وَأَنَّهَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، وَلَوْ رَجَعَ الْكَاشِفُ بَعْدَ سَنَةٍ انْتَظَرَتْ تَمَامَ الْأَرْبَعِ، وَلَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ كَوْنَهَا أَمَدَ الْكَشْفِ لَمْ تَنْتَظِرْ تَمَامَهَا، وَقِيلَ: لَا عِلَّةَ لَهُ إِلَّا الِاتِّبَاعُ، وَاسْتُحْسِنَ (ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) سَوَاءٌ كَانَ بَنَى بِهَا أَمْ لَا (ثُمَّ تَحِلُّ) لِلْأَزْوَاجِ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، قِيلَ: وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إِلَيْهَا) إِذَا جَاءَ أَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ حَيٌّ ; لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَبَاحَ لِلْمَرْأَةِ الزَّوَاجَ مَعَ إِمْكَانِ حَيَاتِهِ، فَلَمْ يَكْشِفِ الْغَيْبَ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَظَنُّ. (قَالَ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) فَالْعَقْدُ بِمُجَرَّدِهِ يُفِيتُهَا، ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ عَنْ هَذَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ وَقَالَ: لَا يُفِيتُهَا عَلَى الْأَوَّلِ إِلَّا دُخُولُ الثَّانِي غَيْرَ عَالِمٍ بِحَيَاتِهِ كَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ، وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَثَرِ ; لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ قَلَّدْنَا فِيهَا عُمَرَ وَلَيْسَتْ مَسْأَلَةَ نَظَرٍ. (وَإِنْ أَدْرَكَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا) بِلَا نِزَاعٍ، وَأَوْلَى إِنْ أَدْرَكَهَا فِي الْعِدَّةِ (وَأَدْرَكْتُ النَّاسَ) الْعُلَمَاءَ (يُنْكِرُونَ الَّذِي قَالَ) أَيْ تَقَوَّلَ (بَعْضُ النَّاسِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: يُخَيَّرُ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ إِذَا جَاءَ) فَوَجَدَهَا تَزَوَّجَتْ (فِي) أَخْذِ (صَدَاقِهَا أَوْ فِي امْرَأَتِهِ) فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَخْيِيرِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا ثُمَّ يُرَاجِعُهَا فَلَا يَبْلُغُهَا رَجْعَتُهُ وَقَدْ بَلَغَهَا طَلَاقُهُ إِيَّاهَا فَتَزَوَّجَتْ: إِنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، مَقُولُ عُمَرَ (إِنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا الْآخِرُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، أَيِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 الثَّانِي (أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، فَلَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا إِلَيْهَا) بَلْ تَفُوتُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الثَّانِي. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذَا وَفِي الْمَفْقُودِ) أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ فَوْتٌ، وَهَذَا مَذْهَبُهُ فِي الْمُوَطَّأِ، وَمَذْهَبُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهَا إِنَّمَا تَفُوتُ بِدُخُولِ الثَّانِي فِيهِمَا لَا بِعَقْدِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَرَأَى اللَّخْمِيُّ أَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِدُخُولٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ أَمْرٌ وَلَا قَضِيَّةٌ مِنْ حَاكِمٍ بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَقْرَاءِ وَعِدَّةِ الطَّلَاقِ وَطَلَاقِ الْحَائِضِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ «طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ»   21 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْأَقْرَاءِ وَعِدَّةِ الطَّلَاقِ وَطَلَاقِ الْحَائِضِ 1220 - 1205 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) كَذَا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى، وَظَاهِرُهَا الْإِرْسَالُ ; إِذْ نَافِعٌ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ فِي الْمُوَطَّأِ كَيَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ وَإِسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِمَا، مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ (طَلَّقَ امْرَأَتَهُ) هِيَ آمِنَةُ، بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، بِنْتُ غِفَارٍ، بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَبِالرَّاءِ، كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ نُقْطَةَ وَعَزَاهُ لِابْنِ سَعْدٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَهُ كَذَلِكَ بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي الْفُضَيْلِ بْنِ نَاصِرٍ، أَوْ بِنْتِ عَمَّارٍ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ: اسْمُهَا النَّوَارُ، فَيُمْكِنُ أَنَّ اسْمَهَا آمِنَةُ وَلَقَبَهَا النَّوَارُ، صَحَابِيَّةٌ (وَهِيَ حَائِضٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، زَادَ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ: جَوَّدَ اللَّيْثُ فِي قَوْلِهِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، قَالَ عِيَاضٌ: يَعْنِي أَنَّهُ حَفِظَ وَأَتْقَنَ مَا لَمْ يُتْقِنْهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَمْ يُفَسِّرْ كَمِ الطَّلَاقُ، وَمِمَّنْ غَلِطَ وَوَهِمَ وَقَالَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا (عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ) عَنْ حُكْمِ طَلَاقِ ابْنِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، زَادَ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ سُؤَالَ عُمَرَ لِأَنَّ النَّازِلَةَ لَمْ تَكُنْ وَقَعَتْ فَسَأَلَ لِيَعْلَمَ الْحُكْمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1) ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 228) وَالْحَيْضُ لَيْسَ بِقُرْءٍ فَيَفْتَقِرُ إِلَى بَيَانِ الْحُكْمِ فِيهِ، الحديث: 1220 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ النَّهْيَ، وَالْأَوْسَطُ أَقْوَاهَا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِعُمَرَ (مُرْهُ) أَصْلُهُ اأْمُرْهُ بِهَمْزَتَيْنِ الْأُولَى لِلْوَصْلِ مَضْمُومَةٌ تَبَعًا لِلْعَيْنِ مِثْلَ افْعَلْ وَالثَّانِيَةُ فَاءُ الْكَلِمَةِ سَاكِنَةٌ تُبْدَلُ تَخْفِيفًا مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ سَابِقَتِهَا فَيُقَالُ اومُرْ، فَإِذَا وُصِلَ الْفِعْلُ بِمَا قَبْلَهُ زَالَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ وَسَكَنَتِ الْهَمْزَةُ الْأَصْلِيَّةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} [طه: 132] (سُورَةُ طه: الْآيَةُ 132) لَكِنِ اسْتَعْمَلَتْهَا الْعَرَبُ بِلَا هَمْزٍ فَقَالُوا " مُرْ " لِكَثْرَةِ الدَّوْرِ ; لِأَنَّهُمْ حَذَفُوا أَوَّلًا الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ تَخْفِيفًا ثُمَّ حَذَفُوا هَمْزَةَ الْوَصْلِ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا لِتَحَرُّكِ مَا بَعْدَهَا، أَيْ مُرِ ابْنَكَ عَبْدَ اللَّهِ (فَلْيُرَاجِعْهَا) وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلِلنَّدْبِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالرَّجْعَةِ أَبُوهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ الشَّرْعَ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُبَلِّغٌ عَنْهُ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 2) وَغَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِالرَّجْعَةِ أَوِ الْفِرَاقِ بِتَرْكِهَا، فَيُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَدِيثِ بِحَمْلِ الْأَمْرِ فِيهِ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ بِنَاهِضٍ ; إِذِ الْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُخَصُّ عُمُومُ الْآيَاتِ بِمَنْ لَمْ يُطَلِّقْ فِي الْحَيْضِ (ثُمَّ يُمْسِكْهَا) أَيْ يُدِيمُ إِمْسَاكَهَا وَإِلَّا فَالرَّجْعَةُ إِمْسَاكٌ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ: ثُمَّ لْيَتْرُكْهَا، وَلِإِسْمَاعِيلَ: ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا بِإِعَادَةِ اللَّامِ مَكْسُورَةً وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا بِقِرَاءَةِ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ 29) فَالْكَسْرُ عَلَى الْأَصْلِ فِي لَامِ الْأَمْرِ فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ لَامِ التَّأْكِيدِ وَالسُّكُونُ لِلتَّخْفِيفِ إِجْرَاءً لِلْمُنْفَصِلِ مَجْرَى الْمُتَّصِلِ، وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ لْيَدَعْهَا (حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ) حَيْضَةً أُخْرَى (ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ الطُّهْرِ مِنَ الْحَيْضِ الثَّانِي (وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ) وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ: طَلَّقَهَا (قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ) وَلِإِسْمَاعِيلَ: يَمَسَّهَا أَيْ يُجَامِعَهَا، فَيُكْرَهُ فِي طُهْرٍ مَسَّ فِيهِ لِلتَّلْبِيسِ إِذْ لَا يَدْرِي أَحَمَلَتْ فَتَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ أَوْ لَا فَبِالْأَقْرَاءِ، وَقَدْ يَظْهَرُ الْحَمْلُ فَيَنْدَمُ عَلَى الْفِرَاقِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى جَبْرِهِ عَلَى الرَّجْعَةِ كَالْمُطَلِّقِ فِي الْحَيْضِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَمَرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الطَّلَاقَ إِلَى الطُّهْرِ الثَّانِي؟ أُجِيبَ بِأَنَّ حَيْضَ الطَّلَاقِ وَالطُّهْرِ التَّالِي لَهُ بِمَنْزِلَةِ قُرْءٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ طَلَّقَ فِيهِ لَصَارَ كَمُوقِعِ طَلْقَتَيْنِ فِي قُرْءٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقِ السُّنَّةِ، وَبِأَنَّهُ عَاقَبَهُ بِتَأْخِيرِ الطَّلَاقِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ جَزَاءً بِمَا فَعَلَهُ مِنَ الْحَرَامِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ، وَهَذَا مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ وَلِمَ يَتَحَقَّقْهُ وَحَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِعُقُوبَتِهِ، قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَغَيُّظَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أَنْ يَعْذِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الظُّهُورِ لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَبِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ فَرَّطَ بِتَرْكِ السُّؤَالِ قَبْلَ الْفِعْلِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ فَعُوقِبَ عَلَى تَرْكِهِ السُّؤَالَ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ زَجْرًا لِغَيْرِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 بَعْدَهُ. وَقِيلَ: إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّأْخِيرِ لِئَلَّا تَصِيرَ الرَّجْعَةُ لِمُجَرَّدِ غَرَضِ الطَّلَاقِ لَوْ طَلَّقَ فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الطُّهْرِ الثَّانِي، وَكَمَا يُنْهَى عَنِ النِّكَاحِ لِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ يُنْهَى عَنِ الرَّجْعَةِ لَهُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يُطَلِّقَ أَحَدٌ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ نَكَحَ لِلطَّلَاقِ لَا لِلنِّكَاحِ، وَقِيلَ: لِيَطُولَ مُقَامُهُ مَعَهَا، وَالظَّنُّ بِابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهَا حَقَّهَا فِي الْوَطْءِ، فَلَعَلَّهُ إِذَا وَطِئَ تَطِيبُ نَفْسُهُ وَيُمْسِكُهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ حِرْصًا عَلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ وَحَضًّا عَلَى بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، حَكَى ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ وَسَالِمُ بْنُ عُمَرَ بِلَفْظِ: حَتَّى تَطْهُرَ مِنَ الْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، فَلَمْ يَقُولُوا ثُمَّ تَحِيضُ ثُمَّ تَطْهُرُ كَمَا قَالَ نَافِعٌ، نَعَمْ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ نَافِعٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ خُصُوصًا إِذَا كَانَ حَافِظًا. وَلَفْظُ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا» ". (فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ) أَيْ أَذِنَ (أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَرَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ) . قَالَ عِيَاضٌ: أَيْ فِي اسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ، وَهَذِهِ قِرَاءَةُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " لِقُبُلِ طُهْرِهِنَّ ". قَالَ الْقُشَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى التَّفْسِيرِ لَا عَلَى التِّلَاوَةِ، وَهِيَ تُصَحِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ الْأَطْهَارُ إِذْ لَا يُسْتَقْبَلُ فِي الْحَيْضِ عِدَّةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَلَا يُجْتَزَى بِهَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ فِي الصَّحِيحِ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ كَمَا أَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي الْحَيْضِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِالْمُرَاجَعَةِ فَائِدَةٌ، قَالَ الْبَاجِيُّ: إِذِ الْمُرَاجَعَةُ لَا تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا إِلَّا بَعْدَ طَلَاقٍ يُعْتَدُّ بِهِ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَهُمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَدَاوُدُ فِي قَوْلِهِمْ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْحَائِضِ. وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا وَالَّذِي حَسِبَ حِينَئِذٍ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ شُووِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَفْتَى فِيهَا، فَمُحَالٌ أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا ابْنُ عُمَرَ طَلْقَةً مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ: أَنَّ إِلْزَامَ الطَّلَاقِ تَغْلِيظٌ وَمَنْعَهُ تَخْفِيفٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ وَلَا الْمَجْنُونَ وَلَا النَّائِمَ وَيَلْزَمُ السَّكْرَانَ ; لِأَنَّهُ عَاصٍ، فَإِذَا لَزِمَ مَنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَانَ إِلْزَامُهُ لِمَنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ أَحْرَى. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ وَإِنْ كَرِهَهُ جَمِيعُهُمْ، وَلَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْجَهْلِ الَّذِينَ يَرَوْنَ الطَّلَاقَ لِغَيْرِ السُّنَّةِ لَا يَقَعُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَهُوَ شُذُوذٌ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ: أَيُعْتَدُّ بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ، وَفِي بَعْضِهَا قَالَ: فَمَهْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ، أَيْ عَجَزَ عَنْ فَرْضٍ آخَرَ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ، أَكَانَ يُعْذَرُ؟ وَكَانَ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: إِنْ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ وَهِيَ حَائِضٌ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ أَنْ تُرَاجِعَهَا، وَإِنْ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ثَلَاثًا كَانَ أَوْ وَاحِدَةً، وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ مِنَ الْقُرْبِ كَالصَّلَاةِ فَلَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى سَبَبِهَا وَإِنَّمَا هُوَ زَوَالُ عِصْمَةٍ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى غَيْرِ سَبَبِهِ أَثِمَ وَلَزِمَهُ، وَمُحَالٌ أَنْ يَلْزَمَ الْمُطِيعَ الْمُتَّبِعَ لِلسُّنَّةِ طَلَاقُهُ وَلَا يَلْزَمَ الْعَاصِيَ، فَيَكُونُ أَحْسَنَ حَالًا مِنَ الْمُطِيعِ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1) أَيْ عَصَى رَبَّهُ وَفَارَقَ امْرَأَتَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُطَلِّقُ فِي الْحَيْضِ، وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ الْحَائِلِ بِغَيْرِ رِضَاهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا أَثِمَ وَوَقَعَ، وَشَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ: لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ فَأَشْبَهَ طَلَاقَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً ; لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمُرَاجَعَةِ، فَلَوْ لَمْ يَقَعْ لَمْ تَكُنْ رَجْعَةٌ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ الرَّجْعَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَهِيَ الرَّدُّ إِلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ، غَلَطٌ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ صَرَّحَ بِأَنَّهُ حَسَبَهَا عَلَيْهِ طَلْقَةً. اهـ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ: فَقَالَ عُمَرُ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَيُحْتَسَبُ بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ» ". فَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ. وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِيُرَاجِعْهَا، فَرَدَّهَا، وَقَالَ: إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ يُمْسِكْ» ". وَزَادَ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ فِيهِ: وَلَمْ يَرَهَا، أَعَلَّهُ أَبُو دَاوُدَ فَقَالَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ جَمَاعَةٌ، وَأَحَادِيثُهُمْ كُلُّهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَقُلْهَا غَيْرُ أَبِي الزُّبَيْرِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا خَالَفَهُ فِيهِ مِثْلُهُ فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ؟ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمْ يَرْوِ أَبُو الزُّبَيْرِ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَافِعٌ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَالْأَثْبَتُ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ إِذَا تَخَالَفَا، وَقَدْ وَافَقَ نَافِعًا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّثَبُّتِ، وَحُمِلَ قَوْلُهُ: لَمْ يَرَهَا شَيْئًا، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعِدَّهَا شَيْئًا صَوَابًا، فَهُوَ كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ أَوْ فِي جَوَابِهِ: لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، أَيْ شَيْئًا صَوَابًا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمْ يَرَهَا شَيْئًا تَحْرُمُ مَعَهُ الْمُرَاجَعَةُ، وَقَدْ تَابَعَ أَبَا الزُّبَيْرِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» ". رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيطِ بَعْضِ الثِّقَاتِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَيَتَعَلَّقُ بِالْحَدِيثِ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ هَلْ هُوَ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُمَرَ: " «مُرْهُ، فَأَمَرَهُ بِأَمْرِهِ» ". وَأَطَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِطَابَ إِذَا تَوَجَّهَ لِمُكَلَّفٍ أَنْ يَأْمُرَ مُكَلَّفًا آخَرَ بِفِعْلِ شَيْءٍ، فَالْمُكَلَّفُ الْأَوَّلُ مُبَلِّغٌ مَحْضٌ وَالثَّانِي مَأْمُورٌ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ كَمَا هُنَا، وَإِنْ تَوَجَّهَ مِنَ الشَّارِعِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَحَدِيثِ: " «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ» ". لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ أَمْرًا بِالشَّيْءِ ; لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 الْأَوْلَادَ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ فَلَا يَتَّجِهُ عَلَيْهِمُ الْوُجُوهُ، وَإِنْ تَوَجَّهَ الْخِطَابُ مِنْ غَيْرِ الشَّارِعِ بِأَمْرِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ لَا أَمْرَ لِلْأَوَّلِ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنِ الْآمِرُ بِالشَّيْءِ آمِرًا بِالشَّيْءِ أَيْضًا بَلْ هُوَ مُتَعَدٍّ بِأَمْرِهِ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَأْمُرَ الثَّانِيَ، وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ غَيْرُ مَا ذُكِرَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، وَتَابَعَهُ سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى فِيهِمَا وَفِي غَيْرِهِمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَتْ صَدَقَ عُرْوَةُ وَقَدْ جَادَلَهَا فِي ذَلِكَ نَاسٌ فَقَالُوا إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فَقَالَتْ عَائِشَةُ صَدَقْتُمْ تَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاءُ إِنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ   1221 - 1206 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ) أَيْ نَقَلَتْ (حَفْصَةَ ابْنَةَ) شَقِيقِهَا (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) لَمَّا طَلَّقَهَا الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ (حِينَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ) لِتَمَامِ عِدَّتِهَا ; إِذِ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةِ، أَحَدِ الْمُكْثِرِينَ عَنْ عَائِشَةَ (فَقَالَتْ: صَدَقَ عُرْوَةُ) فِيمَا رَوَى عَنْ عَائِشَةَ (وَقَدْ جَادَلَهَا) خَاصَمَهَا بِشِدَّةٍ (فِي ذَلِكَ نَاسٌ فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يَقُولُ فِي كِتَابِهِ) {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] تَمْضِي مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ، جَمْعُ قَرْءٍ، بِفَتْحِ الْقَافِ (فَقَالَتْ: صَدَقْتُمْ) فِي أَنَّهُ قَالَهُ، وَلَكِنْ (تَدْرُونَ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ أَتَعْلَمُونَ (مَا الْأَقْرَاءُ؟) جَمْعُ قُرْءٍ، بِالضَّمِّ، مِثْلَ قُفْلٍ وَأَقْفَالٍ (إِنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ تَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ وَلَا الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْقُرْءَ لُغَةً يَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضَةِ، إِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ فِي الْآيَةِ، فَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: الْأَطْهَارُ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: الْحَيْضُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ: ثُمَّ تَحِيضُ ثُمَّ تَطْهُرُ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ لِلْعِدَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي طُهْرٍ، فَهُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1) وَقُرِئَ " لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ " أَيْ لِاسْتِقْبَالِهَا، وَنَهَى عَنِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ ; لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ فِي تِلْكَ الْحَيْضَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْقُرْءَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَرَأْتُ الْمَاءَ فِي الحديث: 1221 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 الْحَوْضِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْقُرْءَ مَهْمُوزٌ وَهَذَا لَيْسَ بِمَهْمُوزٍ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: أَصْلُ الْقَرْءِ الْوَقْتُ، يُقَالُ: أَقَرَأَتِ النُّجُومُ إِذَا طَلَعَتْ لِوَقْتِهَا. وَقَالَ عِيَاضٌ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَاللُّغَوِيِّينَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ هَلْ هُوَ الْحَيْضُ أَوِ الطُّهْرُ أَوْ مُشْتَرَكٌ؟ فَتَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِمَا أَوْ حَقِيقَةً فِي الْحَيْضِ مَجَازًا فِي الطُّهْرِ، أَوِ الْمُرَادُ بِهِ الِانْتِقَالُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ دُونَ كَوْنِهِ اسْمًا لِلطُّهْرِ أَوِ الْحَيْضِ، فَمَعْنَى " {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] " ثَلَاثُ انْتِقَالَاتٍ، وَإِذَا عُلِمَ مَا هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهُ اتَّضَحَ فَقِيلَ: مِنَ الْوَقْتِ، فَيَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، وَقِيلَ: مِنَ الْجَمْعِ، فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَطْهَارِ، وَقِيلَ: مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَيَكُونُ ظَاهِرًا فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ جَمِيعًا، لَكِنَّ الثَّلَاثَ انْتِقَالَاتٍ إِنَّمَا تَسْتَقِيمُ بِالِانْتِقَالِ مِنَ الطُّهْرِ إِلَى الْحَيْضِ لَا عَكْسِهِ ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ لَا يَجُوزُ، وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ إِنَّمَا تُعْرَفُ بِالِانْتِقَالِ مِنَ الطُّهْرِ إِلَى الْحَيْضِ، وَلِذَا كَانَ اسْتِبْرَاءُ الْإِمَاءِ بِالْحَيْضِ لِأَنَّ مَجِيئَهُ غَالِبًا دَلِيلٌ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلَا يَدُلُّ مَجِيءُ الطُّهْرِ عَلَى بَرَاءَتِهِ إِذْ قَدْ تَحْمِلُ فِي آخِرِ حَيْضِهَا، فَكَانَتِ الثَّلَاثُ فِي الْحَرَائِرِ كَالْوَاحِدَةِ فِي اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَمُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ حَسَنٌ دَقِيقٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ هَذَا يُرِيدُ قَوْلَ عَائِشَةَ   1221 - 1207 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ هَذَا) وَفِي نُسْخَةٍ " ذَلِكَ " (يُرِيدُ قَوْلَ عَائِشَةَ) إِنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَتِلْكَ الْعِدَّةُ " ; إِذْ لَوْ أَرَادَ الْأَطْهَارَ لَقَالَ: " فَذَلِكَ " كَمَا زَعَمَ الْمُخَالِفُ ; لِأَنَّهُ أَنَّثَ بِاعْتِبَارِ الْحَالَةِ أَوِ الْعِدَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الْأَحْوَصَ هَلَكَ بِالشَّامِ حِينَ دَخَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا   1223 - 1208 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) مَوْلَى عُمَرَ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ الْأَحْوَصَ) بِالْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْنَ عَبْدِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مُنَافٍ، ذَكَرَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ وَالْبَلَاذُرِيُّ أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لِمُعَاوِيَةَ عَلَى الْبَحْرِينِ، وَسَعَى لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فِي قِصَّةٍ جَرَتْ لَهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صُحْبَةٌ وَأَنَّهُ عَمَّرَ ; لِأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ كَافِرًا، وَمِنْ وَلَدِهِ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَحْوَصِ، لَهُ ذِكْرٌ بِالشَّامِ فِي أَيَّامِ بَنِي مَرْوَانَ، وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ عَامِلًا أَيْضًا الحديث: 1223 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 لِمُعَاوِيَةَ عَلَى بَعْضِ الشَّامِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الْأَحْوَصَ بْنَ فُلَانٍ أَوْ فُلَانَ بْنَ الْأَحْوَصِ، قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: الْأَقْوَى أَنَّ الْقِصَّةَ لِلْأَحْوَصِ وَهُوَ ابْنُ عَبْدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِوَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَمْ يُسَمَّ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، قَالَهُ فِي الْإِصَابَةِ، لَكِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ لَا الْمُوَطَّأِ لِقَوْلِهِ: الْأَحْوَصُ (هَلَكَ) مَاتَ (بِالشَّامِ حِينَ دَخَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: طَلْقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ. (فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ، زَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: فَسَأَلَ عَنْهَا فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ وَمَنْ هُنَاكَ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ فِيهَا عِلْمًا، فَبَعَثَ رَاكِبًا (إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِيدٌ: أَنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا) مِثْلُ سَلِمَ وَزْنًا وَمَعْنًى، أَيِ انْقَطَعَتِ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا (وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا) لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَةَ، فَفِي هَذَا أَيْضًا أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا دَخَلَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَ   1223 - 1209 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ أَوِ الْعَشَرَةِ (وَابْنِ شِهَابٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا دَخَلَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مَنْ زَوْجِهَا وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا   1225 - 1210 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَتْ الحديث: 1225 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا) فَلَا إِرْثَ وَلَا رَجْعَةَ (قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ بِهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحَيْضُ، وَعَنْ أَحْمَدَ الْقَوْلَانِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا الْأَطْهَارُ - مُخَالَفَةُ الْقُرْآنِ لِاعْتِدَادِهَا عِنْدَهُمْ بِطُهْرِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ قَلَّ فَيَكُونُ عِدَّتُهَا قُرْأَيْنِ وَنِصْفًا، وَاللَّهُ - تَعَالَى - جَعَلَهَا ثَلَاثَةً، وَإِذَا كَانَتِ الْحَيْضَ كَانَتْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ كَامِلَةٍ لِحُرْمَةِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَحَمَلَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ ابْنَ شِهَابٍ عَلَى أَنْ قَالَ: الطُّهْرُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَهُوَ مَذْهَبٌ انْفَرَدَ بِهِ دُونَ جَمِيعِ مَنْ قَالَ: الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ، وَأَجَابَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الِانْتِقَالُ مَنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَمَا بَقِيَ مِنَ الطُّهْرِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ فِيهِ الِانْتِقَالُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْعِدَّةُ بِثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كَامِلَةٍ، وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ تَسْمِيَةُ اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ ثَلَاثَةً، قَالَ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 197) وَمَا الْحَجُّ إِلَّا شَهْرَانِ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ، قَالَهُ الْمَازِرِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَا يَقُولَانِ إِذَا طُلِّقَتْ الْمَرْأَةُ فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَحَلَّتْ   1226 - 1211 - (مَالِكٌ، عَنِ الْفُضَيْلِ) بِضَمِّ الْفَاءِ، مُصَغَّرٌ (بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ) الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ (مَوْلَى الْمَهْرِيِّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ (أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَا يَقُولَانِ: إِذَا طُلِّقَتِ الْمَرْأَةُ فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَحَلَّتْ) لِمَنْ يَتَزَوَّجُهَا لِأَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 228) إِذْ لَوْ أُرِيدُ الْحَيْضُ لَقَالَ ثَلَاثَ بِلَا تَاءٍ لِأَنَّهَا تُحْذَفُ مِنَ الْمُؤَنَّثِ وَتَدْخُلُ مَعَ الْمُذَكَّرِ، وَغَلَّطَهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ الْعَرَبَ تُرَاعِي فِي الْعَدَدِ اللَّفْظَ مَرَّةً كَقَوْلِهِمْ: ثَلَاثَةُ مَنَازِلَ، وَالْمَعْنَى أُخْرَى كَقَوْلِ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: فَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَا كُنْتُ أَتَّقِي ... ثَلَاثُ شُخُوصٍ كَأَعْيَانٍ وَجُؤْذَرِ. فَأَنَّثَ عَلَى مَعْنَى الشُّخُوصِ، وَأَكْثَرَ الْإِمَامُ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ تَقْوِيَةً لِمَذْهَبِهِ أَنَّهَا الْأَطْهَارُ، وَاحْتِجَاجُ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا الْحَيْضُ قَالَ بِهِ نَحْوُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعَارَضٌ بِقَوْلِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا الْأَقْرَاءُ، وَعَائِشَةُ مُقَدَّمَةٌ فِي الْفِقْهِ لَا سِيَّمَا فِي أَحْوَالِ النِّسَاءِ. الحديث: 1226 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَابْنِ شِهَابٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ   1226 - 1212 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَابْنِ شِهَابٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ) لِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ فَدَخَلَ فِي الْآيَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْأَقْرَاءُ وَإِنْ تَبَاعَدَتْ   1228 - 1213 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْأَقْرَاءُ وَإِنْ تَبَاعَدَتْ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. الحديث: 1228 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ لَهَا إِذَا حِضْتِ فَآذِنِينِي فَلَمَّا حَاضَتْ آذَنَتْهُ فَقَالَ إِذَا طَهُرْتِ فَآذِنِينِي فَلَمَّا طَهُرَتْ آذَنَتْهُ فَطَلَّقَهَا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ   1229 - 1214 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ زَوْجُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ وَأَنَّهُ غَيْرُهُ (أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ لَهَا: إِذَا حِضْتِ فَآذِنِينِي) بِالْمَدِّ، أَعْلِمِينِي (فَلَمَّا حَاضَتْ آذَنَتْهُ، فَقَالَ: إِذَا طَهُرْتِ فَآذِنِينِي، فَلَمَّا طَهُرَتْ آذَنَتْهُ فَطَلَّقَهَا، قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) أَيْ طَلَاقِهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. الحديث: 1229 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 [بَاب مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا إِذَا طُلِّقَتْ فِيهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَهُمَا يَذْكُرَانِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ طَلَّقَ ابْنَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ الْبَتَّةَ فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَقَالَتْ اتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْ الْمَرْأَةَ إِلَى بَيْتِهَا فَقَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَنِي وَقَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ أَوَ مَا بَلَغَكِ شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ فَقَالَ مَرْوَانُ إِنْ كَانَ بِكِ الشَّرُّ فَحَسْبُكِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنْ الشَّرِّ   22 - بَابُ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا إِذَا طُلِّقَتْ فِيهِ 1230 - 1215 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ الحديث: 1230 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 (وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمِلَةٍ خَفِيفَةٍ (أَنَّهُ) أَيْ يَحْيَى (سَمِعَهُمَا) الْقَاسِمَ وَسُلَيْمَانَ (يَذْكُرَانِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي) الْأُمَوِيَّ أَخَا عَمْرٍو الْأَشْدَقِ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، مَاتَ فِي حُدُودِ الثَّمَانِينَ (طَلَّقَ ابْنَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ) بْنِ الْعَاصِي، أَخِي مَرْوَانَ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَةِ: هِيَ عَمْرَةُ فِيمَا أَظُنُّ (الْبَتَّةَ، فَانْتَقَلَهَا) أَيْ نَقَلَهَا أَبُوهَا (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ، فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ) عَمِّ الْمُطَلَّقَةِ (وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ) مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ (فَقَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ) يَا مَرْوَانُ (وَارْدُدِ الْمَرْأَةَ إِلَى بَيْتِهَا) تَعْتَدَّ فِيهِ (فَقَالَ مَرْوَانُ) مُجِيبًا لِعَائِشَةَ (فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ) بْنِ يَسَارٍ (إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَنِي) فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهَا (وَقَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ) مُجِيبًا لِعَائِشَةَ أَيْضًا (أَوَمَا بَلَغَكِ شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟) حَيْثُ لَمْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَانْتَقَلَتْ إِلَى غَيْرِهِ (فَقَالَتْ عَائِشَةُ) لِمَرْوَانَ (لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ) لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِلتَّعْمِيمِ ; لِأَنَّهُ كَانَ لِعِلَّةٍ، وَيَجُوزُ انْتِقَالُ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ مَنْزِلِهَا بِسَبَبٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: عَابَتْ عَائِشَةُ، أَيْ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَشَدَّ الْعَيْبِ وَقَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحْشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا، فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِانْتِقَالِ. وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّهَا كَانَتْ لَسِنَةً. وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ. (فَقَالَ مَرْوَانُ) لِعَائِشَةَ (إِنْ كَانَ بِكِ الشَّرُّ) أَيْ إِنْ كَانَ عِنْدَكِ أَنَّ سَبَبَ خُرُوجِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مَا وَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَقَارِبِ زَوْجِهَا مِنَ الشَّرِّ (فَحَسْبُكِ) أَيْ يَكْفِيكِ فِي جَوَازِ انْتِقَالِ عَمْرَةَ (مَا بَيْنَ هَذَيْنِ) عَمْرَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ (مِنَ الشَّرِّ) الْمُجَوِّزِ لِلِانْتِقَالِ، وَهَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَطَلَّقَهَا الْبَتَّةَ فَانْتَقَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ   1231 - 1216 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ نُفَيْلٍ) بِضَمِّ الحديث: 1231 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، الْعَدَوِيِّ، أَحَدِ الْعَشَرَةِ (كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) الْأُمَوِيِّ، لَقَبُهُ الْمُطْرَفُ، بِسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، ثِقَةٌ، مَاتَ بِمِصْرَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ (فَطَلَّقَهَا الْبَتَّةَ فَانْتَقَلَتْ) مِنْ بَيْتِهَا (فَأَنْكَرَ ذَلِكَ) الِانْتِقَالَ (عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) لِمُخَالَفَةِ الْقُرْآنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ فِي مَسْكَنِ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ طَرِيقَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَكَانَ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى مِنْ أَدْبَارِ الْبُيُوتِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا حَتَّى رَاجَعَهَا   1232 - 1217 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ فِي مَسْكَنِ حَفْصَةَ) أُخْتِهِ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ طَرِيقُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَكَانَ يَسَلُكُ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى مِنْ أَدْبَارِ الْبُيُوتِ كَرَاهِيَةَ - بِخِفَّةِ الْيَاءِ - (أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا) مِنْ شِدَّةِ وَرَعِهِ (حَتَّى رَاجَعَهَا) لِعِصْمَتِهِ. الحديث: 1232 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ عَلَى مَنْ الْكِرَاءُ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَلَى زَوْجِهَا قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ زَوْجِهَا قَالَ فَعَلَيْهَا قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا قَالَ فَعَلَى الْأَمِيرِ   1233 - 1218 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ، عَلَى مَنِ الْكِرَاءُ؟) فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ (فَقَالَ سَعِيدٌ: عَلَى زَوْجِهَا، قَالَ) السَّائِلُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ زَوْجِهَا) شَيْءٌ لِلْكِرَاءِ (قَالَ) سَعِيدٌ (فَعَلَيْهَا، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا، قَالَ: فَعَلَى الْأَمِيرِ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. الحديث: 1233 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 [بَاب مَا جَاءَ فِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قَالَ تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدِّي عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي قَالَتْ فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمِ بْنَ هِشَامٍ خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ بِهِ»   23 - بَابُ مَا جَاءَ فِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ 1234 - 1219 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ، الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ الْأَعْوَرِ الثِّقَةِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ) الصَّحَابِيِّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الْقُرَشِيِّ الزُّهْرِيِّ إِسْمَاعِيلَ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ أَوِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ (عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسِ) بْنِ خَالِدٍ الْقُرَشِيَّةِ الْفِهْرِيَّةِ، أُخْتِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَتْ أَسَنَّ مِنْهُ، يُقَالُ بِعَشْرِ سِنِينَ، كَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ ذَاتَ جَمَالٍ وَعَقْلٍ، وَفِي بَيْتِهَا اجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّورَى لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ، قَدِمَتْ عَلَى أَخِيهَا الْكُوفَةَ وَهُوَ أَمِيرُهَا فَرَوَى عَنْهَا الشَّعْبِيُّ قِصَّةَ الْجَسَّاسَةِ بِطُولِهَا، فَانْفَرَدَتْ بِهَا مُطَوَّلَةً وَتَابَعَهَا جَابِرٌ وَغَيْرُهُ (أَنَّ أَبَا عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنَ حَفْصِ) بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيَّ الْمَخْزُومِيَّ الصَّحَابِيَّ، سَكَنَ الْمَدِينَةَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: اسْمُهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَقِيلَ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ، وَأُمُّهُ دُرَّةُ بِنْتُ خُزَاعِيٍّ الثَّقَفِيَّةُ، خَرَجَ مَعَ عَلِيٍّ إِلَى الْيَمَنِ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ فَمَاتَ هُنَاكَ، وَيُقَالُ بَلْ رَجَعَ إِلَى أَنْ شَهِدَ فُتُوحَ الشَّامِ. وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ نَاشِرَةَ بْنِ سُمَيٍّ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: إِنِّي أَعْتَذِرُ لَكُمْ مِنْ عَزْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصٍ: عَزَلْتَ عَنَّا غُلَامًا اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَوْلُهُ " أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ "، هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَلَبَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ عَمْرٍو، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالْمَحْفُوظُ الْأَوَّلُ (طَلَّقَهَا) قَالَ عِيَاضٌ: كَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجَمِيعِ " طَلَّقَهَا " وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهِ: هَلِ الْبَتَّةَ أَوِ الثَّلَاثَ أَوْ آخِرَةَ الثَّلَاثِ، وَمَا يُوهِمُهُ بَعْضُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ مَاتَ عَنْهَا مُؤَوِّلٌ (الْبَتَّةَ) قَالَ فِي الْمُفْهِمِ: يَعْنِي بِهَا آخِرَةَ الثَّلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، يَعْنِي فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ فَاطِمَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو طَلَّقَهَا آخَرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، قَالَ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ طَلَّقَ بِلَفْظِ الْبَتَّةَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ آخِرَةُ الثَّلَاثِ الْبَتَّةَ ; لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ بَتَّتِ الْعِصْمَةَ حَتَّى لَمْ تُبْقِ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَمَّا كَمَّلَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةُ الثَّلَاثَةَ عُبِّرَ عَنْهَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالثَّلَاثِ، يَعْنِي رِوَايَةَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْهَا قَالَتْ: طَلَّقَنِي بَعْلِي ثَلَاثًا. قَالَ: وَالرِّوَايَةُ الْمُفَسِّرَةُ قَاضِيَةٌ عَلَى غَيْرِهَا وَهِيَ الصَّحِيحَةُ (وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ) كَذَا لِيَحْيَى، وَسَقَطَ عِنْدَ الحديث: 1234 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 النَّيْسَابُورِيِّ وَغَيْرِهِ بِالشَّامِ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الْيَمَنِ، فَأَرْسَلَ إِلَى فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَاقِيَةً مِنْ طَلَاقِهَا (فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ) بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ ; لِأَنَّهُ الْمُرْسِلُ، كَذَا قَالَ السُّيُوطِيُّ تَبَعًا لِلنَّوَوِيِّ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْجَهْمِ: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ: أَرْسَلَ إِلَيَّ زَوْجِي أَبُو عَمْرٍو عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بِطَلَاقٍ، وَأَرْسَلَ مَعَهُ بِخَمْسَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ وَخَمْسَةِ آصُعٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَقُلْتُ: أَمَا لِي نَفَقَةٌ إِلَّا هَذَا وَلَا أَعْتَدُّ فِي مَنْزِلِكُمْ؟ قَالَ: لَا، وَصَرِيحُ هَذَا أَنَّ وَكِيلَهُ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ فَاعِلُهُ يَعُودُ عَلَى الزَّوْجِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ الْعَمَلُ بِالْوَكَالَةِ وَشُهْرَتُهَا عِنْدَهُمْ، وَكَانَ إِرْسَالُ هَذَا الشَّعِيرِ مُتْعَةً فَحَسِبَتْهَا هِيَ النَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ (فَسَخِطَتْهُ) وَرَأَتْ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ، فَأَخْبَرَهَا الْوَكِيلُ بِالْحُكْمِ (فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ) فَلَمْ تَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ، فَشَدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا (فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ) وَفِي نُسْخَةٍ: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " فَقَالَ: كَمْ طَلَّقَكِ؟ فَقُلْتُ: ثَلَاثًا، قَالَ: صَدَقَ ". (لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ) لِأَنَّكِ بَائِنٌ وَلَا حَمْلَ بِكِ (وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ) الْقُرَشِيَّةِ الْعَامِرِيَّةِ وَقِيلَ الْأَنْصَارِيَّةُ، اسْمُهَا غُزَيَّةُ وَقِيلَ غُزَيْلَةُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ فِيهِمَا ثُمَّ زَايٍ فِيهِمَا وَتَحْتِيَّةٍ وَلَامٍ عَلَى الثَّانِي. وَذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ فِي أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ثُمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي) أَيْ يُلِمُّونَ بِهَا وَيَرِدُونَ عَلَيْهَا وَيَزُورُونَهَا لِصَلَاحِهَا، وَكَانَتْ كَثِيرَةَ الْمَعْرُوفِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالتَّضْيِيفِ لِلْغُرَبَاءِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَفِيهِ جَوَازُ نَظَرِ الْفَجْأَةِ ; إِذْ لَا يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْ تَكَرُّرِهِمْ إِلَيْهَا، وَمَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِمَوْضِعٍ يَشُقُّ عَلَيْهَا فِيهِ التَّحَرُّزُ مِمَّنْ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ; لِأَنَّهَا لَوْ أَقَامَتْ لَشَقَّ عَلَيْهَا التَّحَفُّظُ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِمْ إِلَيْهَا وَطُولِ إِقَامَتِهِمْ وَحَدِيثِهِمْ عِنْدَهَا، قَالَهُ عِيَاضٌ. (اعْتَدِّي عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ) الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ، أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَالْأَشْهَرُ فِي اسْمِ أَبِيهِ قَيْسُ بْنُ زَائِدَةَ، وَاسْمُ أُمِّهِ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيَّةُ، وَكَانَ اسْمُهُ عَمْرًا، وَقِيلَ الْحُصَيْنُ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ اسْمَانِ، شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ اسْتُشْهِدَ بِهَا، وَقِيلَ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَاتَ بِهَا. (فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ) وَلَا يَرَاكِ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فَإِنَّكِ إِذَا وَضَعْتِ خِمَارَكِ لَمْ يَرَكِ» ". وَأُخِذَ مِنْهُ جَوَازُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ مِنَ الرَّجُلِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا كَرَأْسِهَا وَمَوْضِعِ الْخَصْرِ مِنْهَا، وَعُورِضَ بِمَا رَوَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ نَبْهَانَ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا وَلِمَيْمُونَةَ وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِمَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقَالَتَا: إِنَّهُ أَعْمَى، فَقَالَ: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟ أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ» ؟ ". وَأَجَابَ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ تَغْلِيظٌ عَلَى أَزْوَاجِهِ فِي الْحِجَابِ لِحُرْمَتِهِنَّ، فَكَمَا غَلَّظَ الْحِجَابَ عَلَى الرِّجَالِ فِيهِنَّ غَلَّظَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَنْظُرْنَ إِلَى الرِّجَالِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا كَمَا عَلَى الرَّجُلِ غَضُّهُ كَمَا نَصَّ اللَّهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ: " «تَضَعِينَ ثِيَابَكِ وَإِذَا وَضَعْتِ خِمَارَكِ لَمْ يَرَكِ» ". فَلَا يُخْشَى لِعَمَاهُ مَا يُخْشَى مِنْ غَيْرِهِ مِنَ النَّظَرِ لِتَرَدُّدِهِ لِلْمُجَاوِرَةِ وَالْمُلَازَمَةِ، وَلِمَا عَلَيْهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ فِي التَّحَرُّزِ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، قَالَ الزَّوَاوِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهَا الِاعْتِدَادَ عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ لِضَرُورَتِهَا إِلَى ذَلِكَ، وَلَا ضَرُورَةَ بِأَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 32) يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا، قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ وَمَنْ وَافَقَهُ. (فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ، أَعْلِمِينِي. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ» " وَفِي أُخْرَى لَهُ: " «وَأَرْسَلَ إِلَيْهَا أَنْ لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ» " قِيلَ: فِيهِ جَوَازُ التَّعْرِيضِ، وَاسْتَبْعَدَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ آذِنِينِي وَلَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ غَيْرُ أَمْرِهَا بِالتَّرَبُّصِ دُونَ تَسْمِيَةِ زَوْجٍ، وَالتَّعْرِيضُ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الزَّوْجِ أَوْ نَائِبِهِ، أَمَّا الْمَجْهُولُ فَلَا تَعْرِيضَ فِيهِ وَلَا مُوَاعَدَةَ، وَلَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ أَوْ أَجْنَبِيًّا قَالَ لَهَا: إِذَا حَلَلْتِ زَوَّجْتُكِ أَوْ لَا تَتَزَوَّجِي أَحَدًا حَتَّى تُشَاوِرِينِي، لَمْ يَكُنْ تَعْرِيضًا وَلَا مُوَاعَدَةً فِي الْعِدَّةِ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ فِي مَنْعِ التَّعْرِيضِ وَالْمُوَاعَدَةِ وَالْخِطْبَةِ فِي الْعِدَّةِ ; إِذْ لَمْ يَفْعَلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَرَدَّهُ الزَّوَاوِيُّ وَالْأَبِيُّ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَبَاحَ التَّعْرِيضَ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ الزَّوَاوِيُّ: وَالتَّرْكُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَا لِمَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي أَوْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ لِمَعْنًى عَادِيٍّ أَوْ طَبْعِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَرِهَ جَمَاعَةٌ أَنْ يَقُولَ: لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ، وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ، وَنَظَرَ فِيهِ الْأَبِيُّ بِأَنَّهُ كَرِهَ هَذَا مِنَ الْخَاطِبِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ وَكَّلَهُ وَلَمْ يَكُنْ خَاطِبًا لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ. (قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ الْأُمَوِيِّ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ غَيْرُهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: غَلَطٌ صَرِيحٌ (وَأَبَا جَهْمٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ، مُكَبِّرٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَلَا يُنْكَرُ فِيهِ التَّصْغِيرُ، وَاسْمُهُ حُذَيْفَةُ الْعَدَوِيُّ، وَهُوَ صَاحِبُ الْإَنْبِجَانِيَّةِ، وَذَكَرَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَلَمْ يَنْسُبُوهُ إِلَّا يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ فَقَالَ: (ابْنَ هِشَامٍ) وَهُوَ غَلَطٌ وَلَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو جَهْمِ بْنُ هِشَامٍ، وَلَمْ يُوَافِقْ يَحْيَى عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَلَا غَيْرِهِمْ، قَالَهُ عِيَاضٌ كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ الْعَدَوِيُّ، وَيُقَالُ اسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ حُذَيْفَةَ، قَالَ: وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ " ابْنُ هِشَامٍ " كَرِوَايَةِ يَحْيَى (خَطَبَانِي) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَخَطَبَنِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 خُطَّابٌ مِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهْمٍ ( «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ» ) بِفَوْقِيَّةٍ فَقَافٍ، مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ، أَيْ أَنَّهُ كَثِيرُ الْأَسْفَارِ أَوْ كَثِيرُ الضَّرْبِ لِلنِّسَاءِ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٍ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ» ". وَفِي أُخْرَى لَهُ: " «وَأَبُو الْجَهْمِ فِيهِ شِدَّةٌ عَلَى النِّسَاءِ أَوْ يَضْرِبُ النِّسَاءَ» " أَوْ نَحْوِ هَذَا، وَفِيهِ جَوَازُ ضَرْبِهِنَّ لِإِخْبَارِهِ عَنْهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَمْ يَنْهَهُ، فَلَعَلَّهُ كَانَ يُؤَدِّبُهُنَّ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَضَرْبُهُنَّ الْيَسِيرُ لِلْأَدَبِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا ذَمَّهُ بِكَثْرَتِهِ، وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ خُلُقُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خِلَافَ فِي ضَرْبِهِنَّ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ لِلنُّشُوزِ وَمَنْعِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِفْرَاطَ وَمُجَاوَزَةَ الْحَدِّ فِي أَدَبِهِنَّ مَمْنُوعٌ وَالْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ مَكْرُوهَةٌ، وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ ; إِذْ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَفِيهِ جَوَازُ الْمُبَالِغَةِ فِي الْكَلَامِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ كَذِبًا وَلَا تُوجِبُ الْحِنْثَ فِي الْأَيْمَانِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَانَ يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ فِي حَالِ نَوْمِهِ وَأَكْلِهِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَثُرَ حَمْلُهُ لِلْعَصَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظَ مَجَازًا، قَالَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. ( «وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ» ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، فَقِيرٌ (لَا مَالَ لَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " إِنَّ مُعَاوِيَةَ تَرِبٌ خَفِيفُ الْحَالِ ". بِالْفَوْقِيَّةِ وَالرَّاءِ، أَيْ فَقِيرٌ، يُقَالُ: رَجُلٌ تَرِبٌ أَيْ فَقِيرٌ، وَفِيهِ مُرَاعَاةُ الْمَالِ لَا سِيَّمَا فِي الزَّوْجِ ; لِأَنَّ بِهِ يَقُومُ بِحُقُوقِ الْمَرْأَةِ وَجَوَازِ عُيُوبِ الرَّجُلِ لِضَرُورَةِ الِاسْتِشَارَةِ. ( «انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» ) الْحِبُّ ابْنُ الْحِبِّ، الصَّحَابِيُّ ابْنُ الصَّحَابِيِّ، الْخَلِيقُ كُلُّ مِنْهُمَا لِلْإِمَارَةِ بِالنَّصِّ النَّبَوِيِّ، قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ إِشَارَةُ الْمُسْتَشَارِ بِغَيْرِ مَنِ اسْتُشِيرَ فِيهِ، قِيلَ: وَجَوَازُ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُرَاكَنَةَ وَنِكَاحَ مَنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ ; لِأَنَّ أُسَامَةَ مَوْلًى وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ. اهـ. وَيَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ " «بِغَيْرِ مَنِ اسْتُشِيرَ فِيهِ» " رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: " «فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهْمٍ وَأُسَامَةُ، فَقَالَ: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَلَكِنَّ أُسَامَةَ» . (قَالَتْ: فَكَرِهْتُهُ) لِشِدَّةِ سَوَادِهِ وَلِأَنَّهُ مَوْلًى، وَلِمُسْلِمٍ: فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا أُسَامَةُ أُسَامَةُ! ! (ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ) وَلِمُسْلِمٍ: فَقَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ» ". (فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ بِهِ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، أَيْ حَصَلَ لِي مِنْهُ مَا قَرَّتْ عَيْنِي بِهِ وَمَا يُغْبَطُ فِيهِ وَيُتَمَنَّى ; لِقَبُولِي نَصِيحَةَ سَيِّدِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَانْقِيَادِي لِإِشَارَتِهِ فَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ حَمِيدَةً. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «فَتَزَوَّجْتُهُ فَشَرَّفَنِي اللَّهُ بِابْنِ زَيْدٍ، وَكَرَّمَنِي اللَّهُ بِابْنِ زَيْدٍ» ". وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَائِنَ الْحَائِلَ لَا نَفَقَةَ لَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 6) فَمَفْهُومُهُ لَوْ لَمْ يَكُنَّ حَامِلَاتٍ فَلَا نَفَقَةَ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 وَهُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَلَهَا السُّكْنَى عِنْدَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدُ: لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ: " «لَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى» ". وَلِنَقْلِهَا إِلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. وَقَالَ عُمَرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِهِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَسْكِنُوهُنَّ) (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 6) فَتَجِبُ النَّفَقَةُ قِيَاسًا عَلَى السُّكْنَى، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ: لَا نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، قَالَ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَوْلُهُ: " سُنَّةَ نَبِيِّنَا " غَيْرُ مَحْفُوظٍ، لَمْ يَذْكُرْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: الَّذِي فِي كِتَابِ رَبِّنَا إِنَّمَا هُوَ النَّفَقَةُ لِأُولَاتِ الْحَمْلِ، وَبِحَسَبِ الْحَدِيثِ لَهَا السُّكْنَى لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: (أَسْكِنُوهُنَّ) الْآيَةَ، فَلَا حُجَّةَ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ فِي قَوْلِ عُمَرَ وَالنَّفَقَةُ، انْتَهَى. وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِهِ، بِأَنَّ حَبْسَهَا صِيَانَةٌ لِلنَّسَبِ لَا لِلزَّوْجِ ; إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ لَكَانَ لَهُ إِسْقَاطُهُ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَعَنِ الْقِيَاسِ عَلَى السُّكْنَى بِالْفَرْقِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ سَبَبُهَا التَّمْكِينُ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَالسُّكْنَى سَبَبُهَا الْحَبْسُ عَنِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَإِنَّمَا نَقَلَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - فَاطِمَةَ لِأَنَّ مَكَانَهَا كَانَ وَحْشًا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَفِي مُسْلِمٍ «عَنْ فَاطِمَةَ نَفْسِهَا: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلَاثًا وَأَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ، فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ» ". وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: لِأَنَّهَا كَانَتْ لَسِنَةً اسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا بِلِسَانِهَا، فَأَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ عَنْهُمْ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا، وَلَوْ سَقَطَتِ السُّكْنَى لَمْ يَقْصُرْهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى بَيْتٍ مُعَيَّنٍ، قَالَ فِي الْمُفْهِمِ: الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا خَافَتْ عَوْرَةَ الْمَنْزِلِ، وَيَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ تَنْتَقِلُ لِذَلِكَ، وَأَمَّا تَعْلِيلُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَنْ رَغِبَ الصَّحَابَةُ فِي زَوَاجِهَا وَاخْتَارَهُ الْمُصْطَفَى لِحِبِّهِ وَابْنِ حِبِّهِ ; إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَرْغَبُوا فِيهَا وَلَا اخْتَارَهَا لِأُسَامَةَ، حَسْبُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَوْلُهُ: تِلْكَ امْرَأَةٌ لَسِنَةٌ أَيْ سَيِّئَةُ اللِّسَانِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ سَلِطَةً وَأَنَّهَا اسْتَطَالَتْ بِلِسَانِهَا عَلَى أَحْمَائِهَا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ، وَأَنَّ هَذَا الْخَشِنَ مِنَ الْقَوْلِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مَوْقِفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، كَذَا قَالَ، وَقَدِ اسْتَطَالَ عَلَى ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَهُوَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ بِالظَّنِّ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ، بَلْ وَافَقَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، بَلْ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِفَاطِمَةَ: أَخْرَجَكِ هَذَا اللِّسَانُ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ حُكْمَ الْمَرْأَةِ الْمُطَّلَقَةِ إِذَا خُشِيَ عَلَيْهَا فِي مَسْكَنِ زَوْجِهَا أَنْ يُقْتَحَمَ أَوْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَوْرَدَ فِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ، أَيْ عَدَمَ السُّكْنَى، قَالَ الْحَافِظُ: أَخَذَ الْبُخَارِيُّ التَّرْجَمَةَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا وَرَدَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 قِصَّةِ فَاطِمَةَ، فَرَتَّبَ الْجَوَازَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا خَشْيَةَ الِاقْتِحَامِ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ مِنْهَا عَلَى أَهْلِ مُطَلِّقِهَا فُحْشٌ فِي الْقَوْلِ، وَلَمْ يَرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَارَضَةً لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِمَا مَعًا فِي شَأْنِهَا. اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَرْوَانَ لِعَائِشَةَ: إِنْ كَانَ بِكِ الشَّرُّ. وَأَنَّ مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ سَبَبُ خُرُوجِهَا مَا وَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَقَارِبِ زَوْجِهَا مِنَ الشَّرِّ، نَعَمْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِاسْتِطَالَتِهَا السَّبَّ وَلَا الشَّتْمَ بَلْ كَثْرَةَ الْكَلَامِ وَعَدَمَ الْمُسَامَحَةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ رَغْبَةَ الصَّحَابَةِ فِي زَوَاجِهَا لِأَنَّهُ لِدِينِهَا وَجَمَالِهَا وَنَسَبِهَا وَسَابِقَتِهَا لِلْإِسْلَامِ، وَفِي ذَلِكَ كَانُوا يَرْغَبُونَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بِهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَتَابَعَهُ فِي شَيْخِهِ أَبُو حَازِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَالزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِنَحْوِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ الْمَبْتُوتَةُ لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا حَتَّى تَحِلَّ وَلَيْسَتْ لَهَا نَفَقَةٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَيُنْفَقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا   1235 - 1220 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: الْمَبْتُوتَةُ لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا حَتَّى تَحِلَّ) بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِنَصِّ الْآيَةِ (وَلَيْسَتْ لَهَا نَفَقَةٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَيُنْفَقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 6) وَدَلِيلُ خِطَابِهِ لَا نَفَقَةَ إِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَهُوَ نَصُّ حَدِيثِ فَاطِمَةَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ. وَفِي مُسْلِمٍ: أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَ إِلَى فَاطِمَةَ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ يَسْأَلُهَا عَنِ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَتْهُ بِهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: لَمْ يُسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا مِنِ امْرَأَةٍ، سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وُجِدَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 1) الْآيَةَ، قَالَتْ: هَذَا لِمَنْ كَانَتْ لَهُ مُرَاجَعَةٌ: فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلَاثِ، فَكَيْفَ تَقُولُونَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، فَعَلَامَ تَحْبِسُونَهَا؟ أَيْ سَنَأْخُذُ بِالْأَمْرِ الَّذِي اعْتَصَمَ النَّاسُ بِهِ وَعَمِلُوا عَلَيْهِ، وَرُوِيَ بِالْقَضِيَّةِ وَلَهُ مَعْنًى مُتَّجَهٌ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَلَا حُجَّةَ لَهَا فِي قَوْلِهَا أَنَّ الْآيَةَ فِي الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّهَا فِي الْمُطَلَّقَاتِ رَجْعِيَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا، وَقَوْلُهُ: لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا، لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لَمْ تَأْتِ لِلْإِخْرَاجِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ لِلنَّهْيِ عَنْ تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ فِي الزِّيَادَةِ فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ، قَالَهُ عِيَاضٌ. قَالَ الزَّوَاوِيُّ: وَفِيهِ تَقْدِيمُ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى خَبَرِ الْآحَادِ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَا وُجِدَ عَلَيْهِ النَّاسُ عِصْمَةً وَحُجَّةً الحديث: 1235 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 رَدَّ بِهَا خَبَرَ فَاطِمَةَ، أَيْ فَهْمَهَا إِيَّاهُ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّ إِخْرَاجَهَا كَانَ لِعِلَّةٍ، وَلِذَا قَالَتْ عَائِشَةُ: " مَا لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ خَيْرٌ أَنْ نَذْكُرَ هَذَا الْحَدِيثَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 [بَاب مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ مِنْ طَلَاقِ زَوْجِهَا] مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ مِنْ طَلَاقِ زَوْجِهَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ الْأَمَةَ إِذَا طَلَّقَهَا وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ عَتَقَتْ بَعْدُ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْأَمَةِ لَا يُغَيِّرُ عِدَّتَهَا عِتْقُهَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ لَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا قَالَ مَالِكٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْحَدُّ يَقَعُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَعْتِقُ بَعْدَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنَّمَا حَدُّهُ حَدُّ عَبْدٍ قَالَ مَالِكٌ وَالْحُرُّ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ ثَلَاثًا وَتَعْتَدُّ بِحَيْضَتَيْنِ وَالْعَبْدُ يُطَلِّقُ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ الْأَمَةُ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا فَيَعْتِقُهَا إِنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَتَيْنِ مَا لَمْ يُصِبْهَا فَإِنْ أَصَابَهَا بَعْدَ مِلْكِهِ إِيَّاهَا قَبْلَ عِتَاقِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا إِلَّا الْاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ   24 - بَابُ عِدَّةِ الْأَمَةِ مِنْ طَلَاقِ زَوْجِهَا - (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ) وَكَذَا الْحُرُّ (الْأَمَةَ إِذَا طَلَّقَهَا وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ عَتَقَتْ بَعْدُ) بِالضَّمِّ، أَيْ بَعْدِ الطَّلَاقِ (فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْأَمَةِ لَا يُغَيِّرُ عِدَّتَهَا) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ فَاعِلُهُ (عِتْقُهَا) سَوَاءٌ (كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ لَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا) لِعِدَّةِ الْحُرَّةِ بِالْعِتْقِ (وَمِثْلُ ذَلِكَ الْحَدُّ يَقَعُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَعْتِقُ بَعْدَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ الْحَدُّ) أَيْ يَلْزَمُهُ (فَإِنَّمَا حَدُّهُ حَدُّ عَبْدٍ) نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ لِلُزُومِهِ لَهُ حَالَ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا يَنْقُلُهُ عِتْقُهُ (وَالْحُرُّ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ ثَلَاثًا وَتَعْتَدُّ حَيْضَتَيْنِ) لِأَنَّ زَوَاجَ الْحُرِّ لَهَا لَا يَنْقُلُهَا لِحُكْمِ الْحَرَائِرِ (وَالْعَبْدُ يُطَلِّقُ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) فَكُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ (وَالرَّجُلُ يَكُونُ تَحْتَهُ الْأَمَةُ) أَيْ مُتَزَوِّجًا بِهَا (ثُمَّ يَبْتَاعُهَا ثُمَّ يُعْتِقُهَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَتَيْنِ) لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ صَادَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَلَمْ يَنْقُلْهَا الْعِتْقُ بَعْدَهُ لِعِدَّةِ الْحُرَّةِ (مَا لَمْ يُصِبْهَا) يُجَامِعْهَا (فَإِنْ أَصَابَهَا بَعْدَ مِلْكِهِ إِيَّاهَا قَبْلَ عَتَاقِهَا) انْهَدَمَتْ عِدَّتُهَا لِفَسْخِ النِّكَاحِ بِالْمِلْكِ، فَإِذَا أَعْتَقَهَا (لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ) وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْمَدَنِيِّينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 [بَاب جَامِعِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ طُلِّقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَلِكَ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ   25 - بَابُ جَامِعِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ 1237 - 1221 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (وَعَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ) بِقَافٍ وَمُهْمَلَةٍ، مُصَغَّرٌ (اللَّيْثِيِّ) الْمَدَنِيِّ، كِلَاهُمَا (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ طُلِّقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا) أَيْ لَمْ تَأْتِهَا (فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ) إِتْيَانَ الْحَيْضَةِ (فَإِنْ بَانَ) ظَهَرَ (بِهَا حَمْلٌ فَذَلِكَ) أَيْ لَا تَحِلُّ إِلَّا بِوَضْعِهِ كُلِّهِ (وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ) الْأَشْهُرِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ حَلَّتْ لِلزَّوَاجِ. الحديث: 1237 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الطَّلَاقُ لِلرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ لِلنِّسَاءِ   1237 - 1222 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الطَّلَاقُ لِلرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ لِلنِّسَاءِ) وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ سَنَةٌ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي تَرْفَعُهَا حَيْضَتُهَا حِينَ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا أَنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فِيهِنَّ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ اسْتَقْبَلَتْ الْحَيْضَ وَإِنْ مَرَّتْ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ حَاضَتْ الثَّانِيَةَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ اسْتَقْبَلَتْ الْحَيْضَ فَإِنْ مَرَّتْ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ حَاضَتْ الثَّالِثَةَ كَانَتْ قَدْ اسْتَكْمَلَتْ عِدَّةَ الْحَيْضِ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ اسْتَقْبَلَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الرَّجْعَةُ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَتَّ طَلَاقَهَا قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَاعْتَدَّتْ بَعْضَ عِدَّتِهَا ثُمَّ ارْتَجَعَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا أَنَّهَا لَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَأَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ مِنْ يَوْمَ طَلَّقَهَا عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً وَقَدْ ظَلَمَ زَوْجُهَا نَفْسَهُ وَأَخْطَأَ إِنْ كَانَ ارْتَجَعَهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ طَلَاقًا وَإِنَّمَا فَسَخَهَا مِنْهُ الْإِسْلَامُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ   1238 - 1223 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ سَنَةٌ) إِنْ لَمْ تُمَيَّزْ بَيْنَ الدَّمَيْنِ بِلَا خِلَافٍ، فَإِنْ مَيَّزَتْ فَعِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ لَا بِالسَّنَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ بِالسَّنَةِ مُطْلَقًا، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ. (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي تَرْفَعُهَا حَيْضَتُهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا زَوْجُهَا أَنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ) كَمَا قَالَ عُمَرُ الحديث: 1238 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 (فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فِيهِنَّ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ) بَعْدَ التِّسْعَةِ (فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ اسْتَقْبَلَتِ الْحَيْضَ) لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْقُرُوءِ. (فَإِنْ مَرَّتْ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ) حَيْضَةً ثَانِيَةً (اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتِ الثَّانِيَةَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ اسْتَقْبَلَتِ الْحَيْضَ، فَإِنْ مَرَّتْ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتِ الثَّالِثَةَ اسْتَكْمَلَتْ عِدَّةَ الْحَيْضِ) وَحَلَّتْ (فَإِنْ لَمْ تَحِضِ اسْتَقْبَلَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ) لِلزَّوَاجِ (وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ) أَيْ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ وَالِاسْتِقْبَالِ (الرَّجْعَةُ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ) لِبَقَاءِ عِدَّتِهَا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَتَّ طَلَاقَهَا) فَلَا رَجْعَةَ لَهُ (مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَاعْتَدَّتْ بَعْضَ عِدَّتِهَا ثُمَّ ارْتَجَعَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا أَنَّهَا لَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا) لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَهْدِمُ الْعِدَّةَ إِذِ الرَّجْعَةُ كَالزَّوْجَةِ فِي الْعِدَّةِ (وَأَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ، وَقَدْ ظَلَمَ زَوْجُهَا نَفْسَهُ وَأَخْطَأَ) فِي ذَلِكَ (إِنْ كَانَ ارْتَجَعَهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا) وَقَيَّدَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ بِمَا إِذَا لَمْ يُرِدْ بِرَجْعَتِهِ التَّطْوِيلَ عَلَيْهَا فَتَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا الْأُولَى إِنْ لَمْ يَمَسَّهَا، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِنَصِّ الْمُوَطَّأِ هَذَا، أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، يُفِيدُ أَنَّهُ أَثِمَ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إِذَا قَصَدَ الضَّرَرَ، وَزَعَمَ أَنَّ مَعْنَاهُ تَحَمُّلُ مَشَقَّةِ ارْتِجَاعِهَا حَيَاءً مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيُطَلِّقُهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْحَاجَةِ الْإِضْرَارُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ بَعِيدٌ مُتَعَسِّفٌ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، يَفْعَلُ ذَلِكَ يُضَارُّهَا وَيَعْضُلُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 231) الْآيَةَ ". فَفِيهِ أَنَّ الرَّجْعَةَ تُنَفَّذُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَيَكُونُ ظَالِمًا. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ: قَالَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُدْعَى ثَابِتَ بْنَ يَسَارٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا إِلَّا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا مُضَارَّةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا) لِمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَاخِتَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ إِسْلَامَيْهِمَا نَحْوُ شَهْرٍ، وَأَقَرَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى زَوْجَتِهِ أُمِّ حَكِيمٍ لِإِسْلَامِهِ فِي عِدَّتِهَا (فَإِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) قَبْلَ إِسْلَامِهِ (فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) بِمَهْرٍ وَوَلِيٍّ وَشُهُودٍ (لَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ طَلَاقًا) فَتَبْقَى مَعَهُ عَلَى عِصْمَةٍ كَامِلَةٍ (وَإِنَّمَا فَسَخَهَا مِنْهُ الْإِسْلَامُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ) فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَقِيَتْ عِنْدَهُ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَكَمَيْنِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْحَكَمَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35] إِنَّ إِلَيْهِمَا الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا وَالْاجْتِمَاعَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ يَجُوزُ قَوْلُهُمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ فِي الْفُرْقَةِ وَالْاجْتِمَاعِ   26 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحَكَمَيْنِ 1224 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا جَاءَ فِي طُرُقٍ ثَابِتَةٍ رَوَاهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ (أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْحَكَمَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] أَصْلُهُ شِقَاقًا بَيْنَهُمَا فَأُضِيفَ الشِّقَاقُ إِلَى الظَّرْفِ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّسَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33] (سُورَةُ سَبَإٍ: الْآيَةُ 33) أَصْلُهُ بَلْ مَكْرٌ فِي اللَّيْلِ، وَالشِّقَاقُ الْعَدَاوَةُ وَالْخِلَافُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَفْعَلُ مَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهِ، أَوْ يَمِيلُ إِلَى شِقٍّ أَيْ نَاحِيَةٍ غَيْرِ شِقِّ صَاحِبِهِ، وَالضَّمِيرُ لِلزَّوْجَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ لِذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ} [النساء: 35] رَجُلًا يَصْلُحُ لِلْحُكُومَةِ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا {وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] لِأَنَّ الْأَقَارِبَ أَعْرَفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 بِبَوَاطِنِ الْأَحْوَالِ وَأَطْلُبُ لِلصَّلَاحِ، وَنُفُوسُ الزَّوْجَيْنِ أَسْكُنُ إِلَيْهِمَا فَيُبْرِزَانِ مَا فِي ضَمَائِرِهِمَا مِنَ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَإِرَادَةِ الصُّحْبَةِ وَالْفُرْقَةِ، وَيَخْلُو كُلُّ حَكَمٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَيَفْهَمُ مُرَادَهُ، وَلَا يُخْفِي حَكَمٌ عَنْ حَكَمٍ شَيْئًا إِذَا اجْتَمَعَا (إِنْ يُرِيدَا) أَيِ الْحَكَمَانِ (إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) أَيِ الزَّوْجَيْنِ، أَيْ يُقَدِّرْهُمَا عَلَى مَا هُوَ الطَّاعَةُ مِنْ إِصْلَاحٍ أَوْ فِرَاقٍ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا) بِكُلِّ شَيْءٍ (خَبِيرًا) بِالْبَوَاطِنِ كَالظَّوَاهِرِ (إِنَّ إِلَيْهِمَا) أَيِ الْحَكَمَيْنِ (الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا وَالِاجْتِمَاعَ) فَيَمْضِي عَلَى الزَّوْجَيْنِ مَا اتَّفَقَ الْحَكَمَانِ عَلَيْهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ يَجُوزُ) يَنْفُذُ (قَوْلُهُمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ فِي الْفُرْقَةِ) إِذَا اتَّفَقَا عَلَيْهَا (وَالِاجْتِمَاعِ) كَذَلِكَ بِغَيْرِ تَوْكِيلٍ وَلَا إِذْنٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ - وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - أَنَّ الزَّوْجَ يُوَكِّلُ حَكَمَهُ فِي الطَّلَاقِ أَوِ الْخُلْعِ وَتُوَكِّلُ هِيَ حَكَمَهَا فِي بَذْلِ الْعِوَضِ وَقَبُولِ الطَّلَاقِ بِهِ، وَيُفَرِّقَانِ بَيْنَهُمَا إِنْ رَأَيَاهُ صَوَابًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 [بَاب مَا جَاءَ فِي يَمِينِ الرَّجُلِ بِطَلَاقِ مَا لَمْ يَنْكِحْ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَابْنَ شِهَابٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِطَلَاقِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا ثُمَّ أَثِمَ إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إِذَا نَكَحَهَا   27 - بَابٌ فِي يَمِينِ الرَّجُلِ بِطَلَاقِ مَا لَمْ يَنْكِحْ اسْتَعْمَلَ " مَا " فِي الْعَاقِلِ عَلَى لُغَةٍ. 1225 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ لَكِنَّهُ يَعْتَضِدُ بِمَا صَحَّ عَنْهُ مَنْ عَلَّقَ ظِهَارَ امْرَأَةٍ عَلَى تَزَوُّجِهَا: أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ، أَشَارَ لَهُ أَبُو عُمَرَ (وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عُمَرَ (وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (وَابْنَ شِهَابٍ) الزُّهْرِيَّ (وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ) الْمَدَنِيَّ (كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِطَلَاقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 الْمَرْأَةِ) الْمُعَيَّنَةِ (قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا ثُمَّ أَثِمَ) أَيْ حَنِثَ (إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إِذَا نَكَحَهَا) مِنْ بَابِ لُزُومِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَالْمَخْزُومِيِّ: لَا يَقَعُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يَقَعُ مُطْلَقًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ، فَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى وُجُودِ مِلْكِ الْمَحَلِّ كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ - تَعَالَى - وَالْمَسْأَلَةُ مِنَ الْخِلَافِيَّاتِ الشَّهِيرَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرُوِيَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ إِلَّا أَنَّهَا مَعْلُولَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ بَعْضَهَا، وَأَحْسَنُهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ مَرْفُوعًا: " «لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ» ". وَلِأَبِي دَاوُدَ: " لَا طَلَاقَ إِلَّا فِيمَا يَمْلِكُ ". قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ. وَأُجِيبَ عَنْهُمَا بِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِمَا ; لِأَنَّ الَّذِي دَلَّا عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ انْتِفَاءُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْتِزَامِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ. وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: " سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الرَّجُلِ يَقُولُ: إِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةً فَهِيَ طَالِقٌ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ إِنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَا مُلِكَ، قَالُوا: فَابْنُ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: إِذَا وَقَّتَ وَقْتًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَقَالَ اللَّهُ: إِذَا طَلَّقْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ نَكَحْتُمُوهُنَّ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: إِنْ طَلَّقَ مَا لَمْ يَنْكِحْ فَهُوَ جَائِزٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْطَأَ فِي هَذَا إِنَّهُ - تَعَالَى - يَقُولُ: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 49) وَلَمْ يَقُلْ: إِذَا طَلَّقْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ نَكَحْتُمُوهُنَّ. اهـ. وَلَا حُجَّةَ فِي الْآيَةِ لِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهَا فَلَيْسَتْ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إِنَّهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ قَبِيلَةً أَوْ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَمَالُهُ صَدَقَةٌ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ قَالَ أَمَّا نِسَاؤُهُ فَطَلَاقٌ كَمَا قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا أَوْ قَبِيلَةً أَوْ أَرْضًا أَوْ نَحْوَ هَذَا فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلْيَتَزَوَّجْ مَا شَاءَ وَأَمَّا مَالُهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِهِ   1226 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ قَبِيلَةً) بِعَيْنِهَا (أَوِ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ وَرُبَّمَا أَدَّاهُ إِلَى الْعَنَتِ (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ الْيَمِينِ، وَإِنْ أَبْقَى لِنَفْسِهِ التَّسَرِّيَ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الزَّوْجَةَ أَضْبَطُ لِمَا لَهُ مِنَ السِّرِّيَّةِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ الطَّلَاقُ وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 وَمَالُهُ صَدَقَةٌ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا) لِشَيْءٍ عَيَّنَهُ (فَحَنِثَ قَالَ: أَمَّا نِسَاؤُهُ فَطَلَاقٌ) وَفِي نُسْخَةٍ: فَطُلَّقٌ (كَمَا قَالَ) لِوُقُوعِهِ عَلَى الْمَحَلِّ (وَأَمَّا قَوْلُهُ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا) كَزَيْنَبَ (أَوْ قَبِيلَةً) كَتَمِيمٍ (أَوْ أَرْضًا) كَمِنَ الْأَرْضِ الْفُلَانِيَّةِ (أَوْ نَحْوَ هَذَا) بَلَدًا كَمِصْرَ (فَلَيْسَ يُلْزِمُهُ ذَلِكَ وَلْيَتَزَوَّجْ مَا شَاءَ، وَأَمَّا مَالُهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِهِ) لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 [بَاب أَجَلِ الَّذِي لَا يَمَسُّ امْرَأَتَهُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَإِنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ سَنَةً فَإِنْ مَسَّهَا وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا   28 - بَابُ أَجَلِ الَّذِي لَا يَمَسُّ امْرَأَتَهُ 1241 - 1227 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا) لِاعْتِرَاضٍ وَنَحْوِهِ (فَإِنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجْلٌ سَنَةً) بِالْإِضَافَةِ وَتَنْوِينِ " أَجْلٌ " فَـ " سَنَةً " بِالنَّصْبِ (فَإِنْ مَسَّهَا وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) رَفَعًا لِلضَّرَرِ. الحديث: 1241 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ مَتَى يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ أَمِنْ يَوْمِ يَبْنِي بِهَا أَمْ مِنْ يَوْمِ تُرَافِعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ فَقَالَ بَلْ مِنْ يَوْمِ تُرَافِعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الَّذِي قَدْ مَسَّ امْرَأَتَهُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَنْهَا فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا   1242 - 1228 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ: مَتَى يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ؟ أَمِنْ يَوْمِ يَبْنِي بِهَا أَمْ مِنْ يَوْمِ تُرَافِعُهُ) الْمَرْأَةُ (إِلَى السُّلْطَانِ) أَيِ الْحَاكِمِ (قَالَ: بَلْ مِنْ يَوْمِ تُرَافِعُهُ) تَرْفَعُهُ (إِلَى السُّلْطَانِ) الْحَاكِمِ (قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا الَّذِي قَدْ مَسَّ امْرَأَتَهُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَنْهَا) مَنَعَهُ عَنْ جِمَاعِهَا مَانِعٌ (فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا) مَا لَمْ تَتَضَرَّرْ فَلَهَا التَّطْلِيقُ بِالضَّرَرِ كَمَا بُيِّنَ فِي الْفُرُوعِ. الحديث: 1242 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 [بَاب جَامِعِ الطَّلَاقِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ حِينَ أَسْلَمَ الثَّقَفِيُّ أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ»   29 - بَابُ جَامِعِ الطَّلَاقِ 1243 - 1229 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ أَسْلَمَ) هُوَ غَيْلَانُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ (وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ) فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ (حِينَ أَسْلَمَ الثَّقَفِيُّ) ظَرْفٌ لَقَالَ (أَمْسِكْ) وَفِي رِوَايَةٍ " اخْتَرْ " (مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ) أَيْ بَاقِيَهُنَّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةُ الْمُوَطَّأِ وَأَكْثَرُ رُوَاةِ ابْنِ شِهَابٍ وَرُوَاةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُوَيْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ حِينَ أَسْلَمَ فَذَكَرَهُ، وَوَصَلَهُ مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُ مِنْ خَطَأِ مَعْمَرٍ مِمَّا حَدَّثَ بِهِ بِالْعِرَاقِ. اهـ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى شُعَيْبٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُوِيدٍ الثَّقَفِيِّ فَذَكَرَهُ. اهـ. وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَيُقَالُ إِنَّ مَعْمَرَ أَحْدَثَ بِالْبَصْرَةِ أَحَادِيثَ وَهِمَ فِيهَا، وَقَدْ كَشَفَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ التَّمْيِيزِ عَنْ عِلَّتِهِ وَبَيَّنَهَا بَيَانًا شَافِيًا فَقَالَ: كَانَ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ فِي قِصَّةِ غَيْلَانَ حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا مَرْفُوعٌ وَالْآخِرُ مَوْقُوفٌ، فَأَدْرَجَ مَعْمَرٌ الْمَرْفُوعَ عَلَى إِسْنَادِ الْمَوْقُوفِ، فَأَمَّا الْمَرْفُوعُ فَرَوَاهُ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُوَيْدٍ أَنَّ غَيْلَانَ فَذَكَرَهُ. وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ فَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ غَيْلَانَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَقَسَّمَ مِيرَاثَهُ بَيْنَ بَنِيهِ الْحَدِيثَ. اهـ. أَيْ أَدْرَجَهُ فِي أَوَّلِهِ، وَهُوَ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَ ' نْ أَبِيهِ «أَنَّ غَيْلَانَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» ، فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَقَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ الشَّيْطَانَ فِيمَا يَسْتَرِقُ مِنَ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِكَ فَقَذَفَهُ فِي نَفْسِكَ، وَلَا أَرَاكَ تَمْكُثُ إِلَّا قَلِيلًا، وَايْمُ اللَّهِ لَتَرْجِعَنَّ فِي مَالِكَ وَلَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَكَ أَوْ لَأُوَرِّثُهُنَّ مِنْكَ وَلَآمُرَنَّ بِقَبْرِكَ فَيُرْجَمُ كَمَا يُرْجَمُ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ، وَمَاتَ غَيْلَانُ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ. الحديث: 1243 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَحُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كُلُّهُمْ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى تَحِلَّ وَتَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَيَمُوتَ عَنْهَا أَوْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا   1244 - 1230 الحديث: 1244 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ) التَّابِعِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ (وَحُمَيْدَ) بِضَمِّ الْحَاءِ (بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيَّ، تَابِعِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ (وَعُبَيْدَ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (بْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَفَوْقِيَّةٍ سَاكِنَةٍ (وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كُلَّهُمْ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى تَحِلَّ) بِالْخُرُوجِ مِنَ الْعِدَّةِ (وَتَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَيَمُوتُ عَنْهَا) الزَّوْجُ الثَّانِي (أَوْ يُطَلِّقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا) وَاحِدَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا) بِدَارِ الْهِجْرَةِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ; لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ رُجُوعَهَا لِلْأَوَّلِ قَبْلَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: يَهْدِمُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ، فَإِذَا عَادَتْ لِلْأَوَّلِ كَانَتْ مَعَهُ عَلَى عِصْمَةٍ كَامِلَةٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْأَحْنَفِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ فَدَعَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ فَجِئْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا سِيَاطٌ مَوْضُوعَةٌ وَإِذَا قَيْدَانِ مِنْ حَدِيدٍ وَعَبْدَانِ لَهُ قَدْ أَجْلَسَهُمَا فَقَالَ طَلِّقْهَا وَإِلَّا وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ فَعَلْتُ بِكَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَقُلْتُ هِيَ الطَّلَاقُ أَلْفًا قَالَ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَأَدْرَكْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِي فَتَغَيَّظَ عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ وَإِنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْكَ فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ قَالَ فَلَمْ تُقْرِرْنِي نَفْسِي حَتَّى أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ أَمِيرٌ عَلَيْهَا فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِي وَبِالَّذِي قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْكَ فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ وَكَتَبَ إِلَى جَابِرِ بْنِ الْأَسْوَدِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُعَاقِبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِي قَالَ فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَجَهَّزَتْ صَفِيَّةُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَتِي حَتَّى أَدْخَلَتْهَا عَلَيَّ بِعِلْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثُمَّ دَعَوْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمَ عُرْسِي لِوَلِيمَتِي فَجَاءَنِي   1245 - 1231 - (مَالِكٌ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ) عِيَاضٍ (الْأَحْنَفِ) الْأَعْرَجِ الْعَدَوِيِّ، مَوْلَاهُمْ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ (أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ) الْعَدَوِيِّ، وَأُمُّهُ لُبَابَةُ بِنْتُ لُبَابَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ، وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَحْضَرَهُ جَدُّهُ أَبُو أُمِّهِ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَنَّكَهُ وَمَسَحَ رَأَسَهُ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، فَكَانَ لَبِيبًا عَاقِلًا، وَزَوَّجَهُ عُمَرُ بِنْتَهُ فَاطِمَةَ، وَاسْتُشْهِدَ أَبُوهُ بِالْيَمَامَةِ وَوَلِيَ هُوَ إِمْرَةَ مَكَّةَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَمَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّينَ، وَقِيلَ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا فَغَيَّرَهُ عُمَرُ. (قَالَ) ثَابِتٌ (فَدَعَانِي) ابْنُهُ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ) وَأُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ عُمَرَ (فَجِئْتُهُ الحديث: 1245 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا سِيَاطٌ مَوْضُوعَةٌ) جَمْعُ سَوْطٍ (وَإِذَا قَيْدَانِ مِنْ حَدِيدٍ وَعَبْدَانِ لَهُ قَدْ أَجْلَسَهُمَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: طَلِّقْهَا وَإِلَّا وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ) وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ (فَعَلْتُ بِكَ كَذَا وَكَذَا) ضَرَبْتُكَ بِالسِّيَاطِ وَقَيَّدْتُكَ بِالْقَيْدَيْنِ (قَالَ: فَقُلْتُ: هِيَ الطَّلَاقُ أَلْفًا، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَأَدْرَكْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) ابْنَ عَمِّ أَبِيهِ (بِطَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ: فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِي، فَتَغَيَّظَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ) لِلْإِكْرَاهِ (وَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْكَ فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، قَالَ: فَلَمْ تُقْرِرْنِي نَفْسِي حَتَّى أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ) خَلِيفَةٌ زَادَ فِي نُسْخَةٍ: أَمِيرٌ عَلَيْهَا (فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِي وَبِالَّذِي قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْكَ فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، وَكَتَبَ إِلَى جَابِرِ بْنِ الْأَسْوَدِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ) مِنْ جِهَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (يَأْمُرُهُ أَنْ يُعَاقِبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) يُعَزِّرُهُ عَلَى مَا فَعَلَ (وَأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِي) زَوْجَتِي (قَالَ: فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَجَهَّزَتْ صَفِيَّةُ) فَاعِلٌ، بِنْتُ عُبَيْدٍ (امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَتِي حَتَّى أَدْخَلَتْهَا عَلَيَّ بِعِلْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) زَوْجِهَا (ثُمَّ دَعَوْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمَ عُرْسِي لِوَلِيمَتِي فَجَاءَنِي) . وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» " أَيْ إِكْرَاهٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَقَافٍ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ كَأَنَّهُ يُغْلَقُ عَلَيْهِ الْبَابُ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ حَتَّى يُطَلِّقَ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِغْلَاقِ الْغَضَبُ، ضُعِّفَ بِأَنَّ طَلَاقَ النَّاسِ غَالِبًا إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الْغَضَبِ، فَلَوْ جَازَ عَدَمُ وُقُوعِ طَلَاقِ الْغَضْبَانِ لَكَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: كُنْتُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 غَضْبَانَ فَلَا يَقَعُ عَلَيَّ طَلَاقٌ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُ الْغَضْبَانِ، وَأَفْتَى بِهِ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهُمْ: لَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] (سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ 106) فَنَفَى الْكُفْرَ بِاللِّسَانِ، فَكَذَا الطَّلَاقُ إِذَا لَمْ يُرِدْهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ وَلَمْ يَقْصِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلِحَدِيثِ: " «تَجَاوَزَ اللَّهُ لِأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ". وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَنِكَاحُهُ وَعِتْقُهُ وَتَدْبِيرُهُ لَا بَيْعُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَرَأَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ قَالَ مَالِكٌ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَ فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً   1246 - 1232 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَرَأَ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ وَبِإِسْكَانِهَا (عِدَّتِهِنَّ) أَيْ فِي اسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ (قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي بِذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَ فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً) لَا أَكْثَرَ، وَكَأَنَّهُ أَتَى بِـ " كُلِّ " لِيَشْمَلَ مَا إِذَا كَانَ الطُّهْرُ عَقِبَ حَيْضٍ طُلِّقَتْ فِيهِ وَرَاجَعَهَا ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَ لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ، وَأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تُطْهُرَ لِلنَّدْبِ لَا لِلْوُجُوبِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى التَّفْسِيرِ لَا التِّلَاوَةِ، وَهِيَ تُصَحِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ الْأَطْهَارُ ; إِذْ لَا يُسْتَقْبَلُ فِي الْحَيْضِ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَلَا يُجْتَزِئُ بِهَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، قَالَهُ عِيَاضٌ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي مُسْلِمٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو قَرَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ) . الحديث: 1246 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَعَمَدَ رَجُلٌ إِلَى امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ لَا وَاللَّهِ لَا آوِيكِ إِلَيَّ وَلَا تَحِلِّينَ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلَاقَ جَدِيدًا مِنْ يَوْمِئِذٍ مَنْ كَانَ طَلَّقَ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ   1247 - 1233 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ، فَعَمَدَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، قَصَدَ (رَجُلٌ إِلَى امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا شَارَفَتْ) قَارَبَتْ (انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ: لَا الحديث: 1247 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 وَاللَّهِ لَا آوِيكِ) أَضُمُّكِ إِلَيَّ (وَلَا تَحِلِّينَ أَبَدًا) لِغَيْرِي (فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - " الطَّلَاقُ ") أَيِ التَّطْلِيقُ الَّذِي يُرَاجِعُ بَعْدَهُ (مَرَّتَانِ) أَيْ ثِنْتَانِ (فَإِمْسَاكٌ) فَعَلَيْكُمْ إِمْسَاكُهُنَّ بَعْدَهُ (بِمَعْرُوفٍ) مِنْ غَيْرِ ضِرَارٍ (أَوْ تَسْرِيحٌ) إِرْسَالٌ لَهُنَّ (بِإِحْسَانٍ، فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلَاقَ جَدِيدًا مِنْ يَوْمِئِذٍ) أَيْ مِنْ يَوْمِ نُزُولِ الْآيَةِ (مَنْ كَانَ طَلَّقَ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ) وَهَذَا مُرْسَلٌ، تَابَعَ مَالِكًا عَلَى إِرْسَالِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَجَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا، وَوَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ شَبِيبٍ وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " كَانَ النَّاسُ وَالرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَا شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ طَلَّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ وَأَكْثَرَ حَتَّى قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ: وَاللَّهِ لَا أُطَلِّقُكِ فَتَبِينِي مِنِّي وَلَا آوِيكِ أَبَدًا، قَالَتْ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُطَلِّقُكِ فَكُلَّمَا هَمَّتْ عِدَّتُكِ أَنْ تَنْقَضِيَ رَاجَعْتُكِ، فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ فَأَخْبَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَكَتَ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 229) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ. وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ صَحَّحَ الْمَوْصُولَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ هِيَ الثَّالِثَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 230) وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ: " «جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] » . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا وَلَا يُرِيدُ إِمْسَاكَهَا كَيْمَا يُطَوِّلُ بِذَلِكَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ لِيُضَارَّهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231] يَعِظُهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ   1248 - 1234 - (مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ) بِمُثَلَّثَةٍ (بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ (أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا وَلَا يُرِيدُ إِمْسَاكَهَا كَيْمَا يُطَوِّلُ بِذَلِكَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ لِيُضَارَّهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة: 231] ) مَفْعُولٌ لَهُ ((لِتَعْتَدُوا)) الحديث: 1248 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 عَلَيْهِنَّ ( {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231] ) بِتَعْرِيضِهَا إِلَى عَذَابِ اللَّهِ (يَعِظُهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ) وَوَرَدَ هَذَا بِنَحْوِهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَفَادَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ أَنَّ نُزُولَ الْآيَتَيْنِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ مُتَقَارِبٌ، وَذَلِكَ حَبْسُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ وَمُرَاجَعَتُهَا بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ طَلَاقِ السَّكْرَانِ فَقَالَا إِذَا طَلَّقَ السَّكْرَانُ جَازَ طَلَاقُهُ وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.   1248 - 1235 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ (أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ طَلَاقِ السَّكْرَانِ، فَقَالَا: إِذَا طَلَّقَ السَّكْرَانُ جَازَ طَلَاقُهُ، وَإِذَا قَتَلَ قُتِلَ بِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَجَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، فَيَصِحُّ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلِّفٍ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ صِحَّتَهُ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ إِذَا لَمْ يَجِدْ الرَّجُلُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا   1248 - 1236 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ (أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ: إِذَا لَمْ يَجِدِ الرَّجُلُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) لِلضَّرَرِ، فَقُلْتُ: سَنَةً؟ فَقَالَ: سَنَةً، هَذَا بَقِيَّةُ خَبَرِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 [بَاب عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا وَلَدَتْ فَقَدْ حَلَّتْ «فَدَخَلَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ فَخَطَبَهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا شَابٌّ وَالْآخَرُ كَهْلٌ فَحَطَّتْ إِلَى الشَّابِّ فَقَالَ الشَّيْخُ لَمْ تَحِلِّي بَعْدُ وَكَانَ أَهْلُهَا غَيَبًا وَرَجَا إِذَا جَاءَ أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِرُوهُ بِهَا فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ»   30 - بَابُ عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا 1250 - 1237 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسِ) بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ، أَخِي يَحْيَى، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَهَا، لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ مَرْفُوعَةٍ هَذَا ثَالِثُهَا (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ (أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ السَّائِلَ رَجُلٌ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ. (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ) وَكَانَ هُوَ وَأَبُو سَلَمَةَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَهُ فَقَالَ: أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرَ الْأَجَلَيْنِ) عِدَّتُهَا، وَبِالنَّصْبِ، أَيْ تَتَرَبَّصُ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا إِنْ وَلَدَتْ قَبْلَهَا، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ تَلِدْ تَرَبَّصَتْ حَتَّى تَلِدَ، جَمْعًا بَيْنَ آيَتَيِ الْبَقَرَةِ وَالطَّلَاقِ (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِذَا وُلِدَتْ فَقَدْ حَلَّتْ) تَخْصِيصًا لِآيَةِ الْبَقَرَةِ بِآيَةِ الطَّلَاقِ (فَدَخَلَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) مَعَ كُرَيْبٍ أَوْ وَحْدَهُ لِإِفْتَائِهِ بِالْحِلِّ، مُعَارِضًا لِابْنِ عَبَّاسٍ (عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ) هِنْدِ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ (زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وُلِدَتْ سُبَيْعَةُ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ فَعَيْنٍ مُهْمِلَةٍ فَهَاءِ تَأْنِيثٍ، ابْنَةُ الْحَارِثِ (الْأَسْلَمِيَّةُ) الصَّحَابِيَّةُ (بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا) سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ، كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ سُبَيْعَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (بِنِصْفِ شَهْرٍ) وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُبَيْعَةَ: فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ. وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُرْوَةَ: بِسَبْعِ لَيَالٍ. وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: بِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً أَوْ قَالَ بِعِشْرِينَ لَيْلَةً. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: بِخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَعَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: يَقُولُ بَعْضُهُمْ: مَكَثْتُ الحديث: 1250 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَعِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ سُبَيْعَةَ: فَلَمْ أَمْكُثْ إِلَّا شَهْرًا حَتَّى وَضَعْتُ. وَفِي النَّسَائِيِّ: عِشْرِينَ لَيْلَةً. وَرُوِيَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْجَمْعُ لِاتِّحَادِ الْقِصَّةِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ السِّرُّ فِي إِبْهَامِ مَنْ أَبْهَمَ الْمُدَّةَ. (فَخَطَبَهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا شَابٌّ) هُوَ أَبُو الْبَشَرِ، بِفَتْحَتَيْنِ، ابْنُ الْحَارِثِ الْعَبْدَرِيُّ، مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ وَضَّاحٍ (وَالْآخَرُ كَهْلٌ) هُوَ أَبُو السَّنَابِلِ، بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ فَأَلَفٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ فَلَامٍ، ابْنُ بَعْكَكٍ، بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ كَافَيْنِ وَزْنَ جَعْفَرٍ كَمَا سُمِّيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، ابْنُ الْحَارِثِ الْقُرَشِيُّ الْعَبْدَرِيُّ، اسْمُهُ حَبَّةُ، بِمُوَحَّدَةٍ، وَقِيلَ: نُونٍ، وَقِيلَ عَمْرٌو، وَقِيلَ عَامِرٌ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (فَحَطَّتْ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، أَيْ مَالَتْ وَنَزَلَتْ بِقَلْبِهَا (إِلَى الشَّابِّ) عَلَى عَادَةِ النِّسَاءِ (فَقَالَ الشَّيْخُ) أَبُو السَّنَابِلِ، الْمُعَبَّرُ عَنْهُ أَوَّلًا بِكَهْلٍ (لَمْ تَحِلِّي بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ (وَكَانَ أَهْلُهَا غَيَبًا) بِفَتْحَتَيْنِ، جَمْعُ غَائِبٍ كَخَادِمٍ وَخَدَمٍ (وَرَجَا إِذَا جَاءَ أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِرُوهُ بِهَا) يُقَدِّمُونَهُ عَلَى غَيْرِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: فَلَمَّا تَعَدَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ فَقَالَ: مَالِي أَرَاكِ مُتَجَمِّلَةً! لَعَلَّكِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ؟ إِنَّكِ وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى يَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَتَعَدَّتْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ، أَيْ خَرَجَتْ (فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ (فَقَالَ: قَدْ حَلَلْتِ فَانْكَحِي مَنْ شِئْتِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي السَّنَابِلِ: وَلَوْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي السَّنَابِلِ. رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَ أَبُو السَّنَابِلِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَكَانَ شَاعِرًا وَبَقِيَ زَمَانًا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَرْقِيِّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ سُبَيْعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَوْلَدَهَا سَنَابِلَ بْنَ أَبِي السَّنَابِلِ، لَكِنْ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا نَعْلَمُ أَنَّ أَبَا السَّنَابِلِ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَقَدْ حَلَّتْ فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَمْ يُدْفَنْ بَعْدُ لَحَلَّتْ   1251 - 1238 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ:: إِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَقَدْ حَلَّتْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] الحديث: 1251 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 4) فَقَدْ بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِفْتَائِهِ لِسُبَيْعَةَ أَنَّهُ مُخَصَّصٌ لِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 234) (فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ عِنْدَهُ، أَنَّ) أَبَاهُ (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَمْ يُدْفَنْ بَعْدُ) أَيْ قَبْلَ دَفْنِهِ (لَحَلَّتْ) بِالْوَضْعِ عَمَلًا بِالْآيَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ»   1252 - 1239 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِسْوَرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَبِالرَّاءِ (بْنِ مَخْرَمَةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ، لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ) نِسْبَةً إِلَى أَسْلَمَ، قَبِيلَةٌ شَهِيرَةٌ (نُفِسَتْ) بِضَمِّ النُّونِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِي لُغَةٍ بِفَتْحِهَا وَكَسْرِ الْفَاءِ، أَيْ وَلَدَتْ (بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا) سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ (بِلَيَالٍ) سَبَقَ الْخِلَافُ فِي قَدْرِهَا ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ لِاتِّحَادِ الْقِصَّةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَعَلَّهُ السِّرُّ فِي إِبْهَامِهَا فِي نَحْوِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، زَادَ يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ: فَجَاءَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ» ) لِانْقِضَاءِ عِدَّتِكِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَالْمُهْمَلَةِ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 1252 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اخْتَلَفَا فِي الْمَرْأَةِ تُنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ إِذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَقَدْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ فَجَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ فَبَعَثُوا كُرَيْبًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُمْ «فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا قَالَتْ وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ» قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا   1253 - 1240 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الْمَدَنِيِّ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيَّ (اخْتَلَفَا فِي الْمَرْأَةِ تُنْفَسُ) بِضَمِّ التَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، أَيْ تَلِدُ (بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ) تَنْقُصُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ مَا عِدَّتُهَا (فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَقَدْ حَلَّتْ) لِآيَةِ الطَّلَاقِ (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرَ الْأَجَلَيْنِ) عِدَّتُهَا يَعْنِي إِنْ كَانَ الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرٍ انْتَظَرَتْهُ الحديث: 1253 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 وَإِنْ وَضَعَتْ قَبْلَهَا انْتَظَرَتْهَا لِآيَةِ الْبَقَرَةِ، وَوَجْهُ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُمَا عُمُومَانِ تَعَارَضَا فَجَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، فَقُلْتُ أَنَا: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّمَا ذَاكَ فِي الطَّلَاقِ (فَجَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ) لَعَلَّهُ كَانَ قَامَ لِحَاجَةٍ وَإِلَّا فَقَدَ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا اسْتُفْتِيَ: كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ (فَقَالَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي، يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ) قَالَهُ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ ; إِذْ لَيْسَ ابْنَ أَخِيهِ حَقِيقَةً (فَبَعَثُوا كُرَيْبًا) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَمُوَحَّدَةٍ (مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) وَفِي الْبُخَارِيِّ: فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلَامَهُ كُرَيْبًا (إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ) وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَأَلَهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ حَتَّى يَسْمَعَ مِنْهَا بِلَا وَاسِطَةٍ، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ فِي السَّابِقِ بَيْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي سَلَمَةَ لِأَنَّ أَصْلَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَافَقَ أَبَا سَلَمَةَ، فَلَا مُعَارَضَةَ بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ كَمَا ظَنَّ أَبُو عُمَرَ. (فَجَاءَهُمْ) كُرَيْبٌ (فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا قَالَتْ: وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَذَكَرَتْ) بِسُكُونِ التَّاءِ سُبَيْعَةُ (ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لَمَّا قَالَ لَهَا أَبُو السَّنَابِلِ: مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحِينَ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، فَمَكَثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ ثُمَّ جَاءَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَقَالَ: قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ) لِانْقِضَاءِ عِدَّتِكِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَبَيَّنَ مُرَادَ اللَّهِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْ خَالَفَهُ. وَفِيهِ أَنَّ الْحُجَّةَ عِنْدَ التَّنَازُعِ السُّنَّةُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنَ الْكِتَابِ وَفِيمَا فِيهِ نَصٌّ إِذَا احْتَمَلَ التَّخْصِيصَ لِأَنَّ السُّنَّةَ تُبَيِّنُ مُرَادَ الْكِتَابِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ عَرَفَ الْحَدِيثَ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ، وَمَنْ نَظَرَ فِي النَّحْوِ رَقَّ طَبْعُهُ، وَمَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ نَبُلَ قَدْرُهُ، وَمَنْ لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ لَمْ يَصُنْهُ الْعِلْمُ. وَفِيهِ أَنَّ الْمُنَاظَرَةَ وَطَلَبَ الدَّلِيلِ وَمَوْقِعَ الْحُجَّةِ كَانَ قَدِيمًا مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَلَا يُنْكِرُهُ إِلَّا جَاهِلٌ، وَأَنَّ الْكَبِيرَ لَا يَرْتَفِعُ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَا يَمْنَعُ إِذَا عَلِمَ أَنْ يَنْطِقَ بِمَا عَلِمَ، وَرُبَّ صَغِيرِ السِّنِّ كَبِيرُ الْعِلْمِ، وَجَلَالَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَإِنْ كَانَ يُفْتِي مَعَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ الْقَائِلُ: لَوْ رَفُقْتُ بِابْنِ عَبَّاسٍ لَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهُ عِلْمًا، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ الْقَعْنَبِيِّ وَابْنِ بُكَيْرٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ عِنْدَ غَيْرِهِمَا. وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 وَاللَّيْثُ، الثَّلَاثَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَائِلًا: غَيْرَ أَنَّ اللَّيْثَ قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَلَمْ يُسَمِّ كُرَيْبًا، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ) أَيِ اسْتَمَرَّ (عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا) أَنَّهَا تَحِلُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى فِي الْأَمْصَارِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وَجْهٍ مُنْقَطِعٍ أَنَّ عِدَّتَهَا آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، وَمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُنَا لَكِنْ جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي قِصَّةِ سُبَيْعَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَيُصَحِّحُهُ أَنَّ أَصْحَابَهُ عِكْرِمَةَ وَعَطَاءً وَطَاوُسًا وَغَيْرَهُمْ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهَا الْوَضْعُ وَعَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَوْ لَاعَنْتُهُ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (سُورَةُ الطَّلَاقِ: الْآيَةُ 4) نَزَلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 234) قَالَ: وَبَلَغَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: هِيَ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ، فَقَالَ ذَلِكَ. اهـ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلَا تَجْعَلُونَ عَلَيْهَا الرُّخْصَةَ، سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى، وَمُرَادُهُ أَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لَهَا لَا نَاسِخَةٌ، وَقَدِ احْتُجَّ لِلْقَائِلِ بِآخِرِ الْأَجَلَيْنِ بِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ مُجْتَمِعَتَانِ بِصِفَتَيْنِ، وَقَدِ اجْتَمَعَتَا فِي الْمُتَوَفَّى زَوْجُهَا عَنْهَا فَلَا تَخْرُجُ مِنْ عِدَّتِهَا إِلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنَ الْعِدَّةِ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ تَحِيضُ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ بِالْوَضْعِ وَحَدِيثُ سُبَيْعَةَ مِنْ آخَرِ حُكْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ بَعْدَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 [بَاب مَقَامِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي بَيْتِهَا حَتَّى تَحِلَّ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَتْهَا «أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ قَالَتْ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ قَالَتْ فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ بِي فَنُودِيتُ لَهُ فَقَالَ كَيْفَ قُلْتِ فَرَدَّدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي فَقَالَ امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قَالَتْ فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ»   31 - بَابُ مَقَامِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي بَيْتِهَا حَتَّى تَحِلَّ 1254 - 1241 - (مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ لِيَحْيَى، وَقَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ: سَعْدٌ، بِسُكُونِ الْعَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ (بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ، الْبَلَوِيِّ الْمَدَنِيِّ، حَلِيفِ الْأَنْصَارِ، مِنَ الثِّقَاتِ، مَاتَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) صَحَابِيَّةٌ، تَزَوَّجَهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، كَذَا فِي التَّجْرِيدِ تَبَعًا لِابْنِ الْأَمِينِ وَابْنِ فَتْحُونٍ، وَذَكَرَهَا غَيْرُهُمَا فِي التَّابِعِينَ، وَابْنُ حَبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَرَوَى عَنْهَا ابْنَا أَخَوَيْهَا الحديث: 1254 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ابْنَا كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ (أَنَّ الْفُرَيْعَةَ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، كَمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَسَمَّاهَا بَعْضُ الرُّوَاةِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ الْفَارِعَةَ، وَبَعْضُهُمْ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ الْفَرَعَةَ (بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ) الصَّحَابِيِّ (وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ) سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ (الْخُدْرِيِّ) الصَّحَابِيِّ الشَّهِيرِ، وَأُمُّهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ (أَخْبَرَتْهَا) أَيْ زَيْنَبُ (أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ، مِنَ الْأَنْصَارِ (فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ، جَمْعُ عَبْدٍ (لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُومِ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، مَوْضِعٌ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ، قَالَتْ) الْفُرَيْعَةُ (فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا) فِي (نَفَقَةٍ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ) ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ (قَالَتْ: فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ (نَادَانِي) دَعَانِي (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِنَفْسِهِ (أَوْ أَمَرَ بِي فَنُودِيتُ) دُعِيتُ (لَهُ) شَكَّتْ (فَقَالَ: كَيْفَ؟ قُلْتِ: فَرَدَّدْتُ) أَعَدْتُ (عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ) أَيْ ذَكَرْتُهَا لَهُ أَوَّلًا (مِنْ شَأْنِ زَوْجِي، فَقَالَ: امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يُبْلُغَ الْكِتَابُ) الْمَكْتُوبُ مِنَ الْعِدَّةِ (أَجَلَهُ) بِأَنْ يَنْتَهِيَ، قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ) أَيْ وُجِدَ زَمَنَ خِلَافَتِهِ (أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ) لِأَنَّهُمْ لَا يَعْدِلُونَ عَنْ حَدِيثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَرَوَاهُ النَّاسُ عَنْ مَالِكٍ حَتَّى شَيْخِهِ الزُّهْرِيِّ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي مَنْ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ، وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ شُعْبَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 وَابْنُ جُرَيْجٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَسُفْيَانُ وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ، وَأَبُو مَالِكٍ الْأَحْمَرُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، سَبْعَتُهُمْ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ نَحْوَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَرُدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ الْبَيْدَاءِ يَمْنَعُهُنَّ الْحَجَّ   1255 - 1242 - (مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدِ) بِضَمِّ الْحَاءِ (بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ شُعَيْبٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَرُدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنَ الْبَيْدَاءِ يَمْنَعُهُنَّ الْحَجَّ) وَالْبَيْدَاءُ بِالْمَدِّ طَرَفُ ذِي الْحُلَيْفَةِ. الحديث: 1255 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ خَبَّابٍ تُوُفِّيَ وَإِنَّ امْرَأَتَهُ جَاءَتْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَتْ لَهُ وَفَاةَ زَوْجِهَا وَذَكَرَتْ لَهُ حَرْثًا لَهُمْ بِقَنَاةَ وَسَأَلَتْهُ هَلْ يَصْلُحُ لَهَا أَنْ تَبِيتَ فِيهِ فَنَهَاهَا عَنْ ذَلِكَ فَكَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ سَحَرًا فَتُصْبِحُ فِي حَرْثِهِمْ فَتَظَلُّ فِيهِ يَوْمَهَا ثُمَّ تَدْخُلُ الْمَدِينَةَ إِذَا أَمْسَتْ فَتَبِيتُ فِي بَيْتِهَا   1255 - 1243 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ خَبَّابٍ) بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَتَيْنِ، الْمَدَنِيَّ أَبَا مُسْلِمٍ، وَيُقَالُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيَّ، صَاحِبَ الْمَقْصُورَةِ الَّتِي اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهَا عُثْمَانُ وَرَزَقَهُ دِينَارَيْنِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَتُوُفِّيَ عَنْ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ: مُسْلِمٍ وَبُكَيْرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، ذَكَرَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَوْلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَغَفَلَ ابْنُ حِبَّانَ فَذَكَرَهُ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْإِصَابَةِ (تُوُفِّيَ، وَإِنَّ امْرَأَتَهُ) أُمَّ مُسْلِمٍ كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ (جَاءَتْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَتْ لَهُ وَفَاةَ زَوْجِهَا، وَذَكَرَتْ لَهُ حَرْثًا لَهُمْ بِقَنَاةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالنُّونِ بِزِنَةِ حَصَاةٍ، مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ (وَسَأَلَتْهُ: هَلْ يَصْلُحُ لَهَا أَنْ تَبِيتَ فِيهِ؟ فَنَهَاهَا عَنْ ذَلِكَ، فَكَانَتْ تَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ سَحَرًا فَتُصْبِحُ فِي حَرْثِهِمْ فَتَظَلُّ) تُقِيمُ (فِيهِ يَوْمَهَا ثُمَّ تَدَخُلَ الْمَدِينَةَ إِذَا أَمْسَتْ فَتَبِيتُ فِي بَيْتِهَا) فَيُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهَا نَهَارًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ الْبَدَوِيَّةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِنَّهَا تَنْتَوِي حَيْثُ انْتَوَى أَهْلُهَا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا   1256 - 1244 الحديث: 1256 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ الْبَدَوِيَّةِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: الْمُرَادُ بِهَا سَاكِنَةُ الْعَمُودِ (يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: إِنَّهَا تَنْتَوِي) بِالْفَوْقِيَّةِ (حَيْثُ انْتَوَى أَهْلُهَا) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ تَنْزِلُ حَيْثُ نَزَلُوا مِنِ انْتَوَيْتُ الْمَنْزِلَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِمُ انْقِطَاعُهَا عَنْهُمْ وَانْقِطَاعُهُمْ عَنْهَا، فَإِنِ ارْتَحَلُوا بِقُرْبٍ اعْتَدَّتْ بِمَنْزِلِ زَوْجِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا تَبِيتُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَا الْمَبْتُوتَةُ إِلَّا فِي بَيْتِهَا   1257 - 1245 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا تَبِيتُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَلَا الْمَبْتُوتَةُ إِلَّا فِي بَيْتِهَا) وَفِي مُسْلِمٍ «عَنْ جَابِرٍ: " طُلِّقَتْ خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُذَّ نَخْلَهَا فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: بَلَى فَجُذِّي نَخْلَكِ فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَّدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا» ". قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ وَاللَّيْثِ فِي جَوَازِ خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ نَهَارًا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهَا لُزُومُ مَنْزِلِهَا بِاللَّيْلِ، وَسَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ الرَّجْعِيَّةُ وَالْمَبْتُوتَةُ، وَقَدِ احْتَجَّ أَبُو دَاوُدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى خُرُوجِهَا نَهَارًا كَقَوْلِنَا، وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ أَنَّ الْجُذَاذَ إِنَّمَا يَكُونُ نَهَارًا عُرْفًا وَشَرْعًا ; لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ جُذَاذِ اللَّيْلِ، وَلِأَنَّ نَخْلَ الْأَنْصَارِ لَيْسَتْ مِنَ الْبَعِيدِ بِحَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَى الْمَبِيتِ فِيهَا إِذَا خَرَجَتْ نَهَارًا. الحديث: 1257 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 [بَاب عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ إِنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَرَّقَ بَيْنَ رِجَالٍ وَبَيْنَ نِسَائِهِمْ وَكُنَّ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِ رِجَالٍ هَلَكُوا فَتَزَوَّجُوهُنَّ بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَعْتَدِدْنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ سُبْحَانَ اللَّهِ يَقُولُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] مَا هُنَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ   32 - بَابُ عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا 1258 - 1246 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) بْنِ الصِّدِّيقِ (يَقُولُ: إِنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ) بْنِ مَرْوَانَ، أَحَدَ مُلُوكِ بَنِي أُمَيَّةَ (فَرَّقَ بَيْنَ رِجَالٍ الحديث: 1258 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 وَنِسَائِهِمْ وَكُنَّ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِ رِجَالٍ هَلَكُوا) مَاتُوا عَنْهُنَّ (فَتَزَوَّجُوهُنَّ) أَيِ الرِّجَالُ (حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ) بَعْدَ مَوْتِ سَادَاتِهِمْ، وَأَوْ تُحْمَلُ عَلَى الشَّكِّ وَالتَّنْوِيعِ، أَيْ إِنَّ مِنْهُنَّ مَنْ تَزَوَّجَ بَعْدَ حَيْضَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ تَزَوَّجَ بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ (فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ) تَعَجُّبًا مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مُسْتَدِلًّا عَلَى إِبْطَالِهِ بِقَوْلِهِ: (يَقُولُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فِي كِتَابِهِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] مَا هُنَّ مِنَ الْأَزْوَاجِ) فَمَا عَلَيْهِنَّ عِدَّتُهُنَّ إِنَّمَا عَلَيْهِنَّ الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا حَيْضَةٌ   1259 - 1247 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا: حَيْضَةٌ) وَتَسْمِيَتُهَا عِدَّةٌ تَجُوُّزٌ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ. الحديث: 1259 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا حَيْضَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ   1259 - 1248 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْأَزْوَاجِ فَلَمْ تَدْخُلْ فِي الْآيَةِ (قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِدَارِ الْهِجْرَةِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي اسْتِبْرَاءِ مَنْ لَا تَحِيضُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 [بَاب عِدَّةِ الْأَمَةِ إِذَا تُوُفِّيَ سَيِّدُهَا أَوْ زَوْجُهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا يَقُولَانِ عِدَّةُ الْأَمَةِ إِذَا هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ   33 - بَابُ عِدَّةِ الْأَمَةِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَوْ زَوْجُهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الرُّوَاةِ قَالَ " سَيِّدُهَا " إِلَّا يَحْيَى، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا مَاتَ سَيِّدُهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، إِنَّمَا عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ. 1261 - 1249 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا يَقُولَانِ: عِدَّةُ الْأَمَةِ إِذَا هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ) نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ. الحديث: 1261 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ طَلَاقًا لَمْ يَبُتَّهَا فِيهِ لَهُ عَلَيْهَا فِيهِ الرَّجْعَةُ ثُمَّ يَمُوتُ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِهِ إِنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْأَمَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ وَإِنَّهَا إِنْ عَتَقَتْ وَلَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ ثُمَّ لَمْ تَخْتَرْ فِرَاقَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ حَتَّى يَمُوتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِهِ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْحُرَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَذَلِكَ أَنَّهَا إِنَّمَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بَعْدَ مَا عَتَقَتْ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا   1261 - 1250 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِثْلَ ذَلِكَ) شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ. (مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ طَلَاقًا لَمْ يَبُتَّهَا فِيهِ: لَهُ عَلَيْهَا فِيهِ الرَّجْعَةُ) بِأَنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً (ثُمَّ يَمُوتُ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنَ الطَّلَاقِ: أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْأَمَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ) فَتَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ لِلْأَمَةِ ; لِأَنَّ الْمُوجِبَ وَهُوَ الْمَوْتُ لَمَّا نَقَلَهَا صَادَفَهَا أَمَةً فَتَعْتَدُّ عِدَّتَهَا فِي الْوَفَاةِ (وَأَنَّهَا إِنْ عَتَقَتْ وَلَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، ثُمَّ لَمْ تَخْتَرْ فِرَاقَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ حَتَّى يَمُوتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِهِ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْحُرَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) لِأَنَّ الْمُوجِبَ وَهُوَ الْمَوْتُ لَمَّا نَقَلَهَا صَادَفَهَا حُرَّةً، فَتَعْتَدُّ عِدَّتَهَا كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ أَنَّهَا إِنَّمَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بَعْدَ مَا عَتَقَتْ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ، وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) فَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَمْ يَنْقُلْهَا مَوْتُهُ فِي عِدَّتِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ «دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ فَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ»   34 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ هُوَ الْإِنْزَالُ خَارِجُ الْفَرْجِ. 1262 - 1251 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فَرُّوخَ الْمَدَنِيِّ الْفَقِيهِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مِنْ رِوَايَةِ النَّظِيرِ عَنِ النَّظِيرِ وَالْكَبِيرِ عَنِ الصَّغِيرِ (عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَمُهْمَلَةٍ وَرَاءٍ وَزَايٍ آخِرًا، مُصَغَّرًا، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزِ بْنِ جُنَادَةَ بْنِ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ، بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمِيمِ فَمُهْمَلَةٍ، الْمَكِّيُّ، كَانَ يَتِيمًا فِي حَجْرِ أَبِي مَحْذُورَةَ، ثُمَّ نَزَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، عَابِدٌ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ قَبْلَهَا (أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ) سَعْدَ بْنَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْعَزْلِ) أَهْوَ جَائِزٌ أَمْ لَا؟ (فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الصَّادِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُشَالَةِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ فَقَافٍ، لَقَبُ جَذِيمَةَ بْنِ سَعْدٍ الْخُزَاعِيِّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحُسْنِ صَوْتِهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ غَنَّى مِنْ خُزَاعَةَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، مَاءٌ لَبَنِي خُزَاعَةَ، وَفِي أَنَّهَا سَنَةُ سِتٍّ أَوْ خَمْسٍ أَوْ أَرْبَعٍ خِلَافٌ، وَسَبَبُهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَغَهُ أَنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ، وَقَائِدُهُمُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ حَتَّى لَقِيَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ، يُقَالُ لَهُ الْمُرَيْسِيعُ، قَرِيبٌ إِلَى السَّاحِلِ، فَتَزَاحَفَ النَّاسُ وَاقْتَتَلُوا، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ وَقَتَلَ مِنْهُمْ وَنَقَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، كَذَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِأَسَانِيدَ مُرْسَلَةٍ. وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ وَلَفْظُهُ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ» ". الْحَدِيثَ، قَالَ الْحَافِظُ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ حِينَ الْإِيقَاعِ ثَبَتُوا قَلِيلًا، فَلَمَّا كَثُرَ فِيهِمُ الْقَتْلُ انْهَزَمُوا بِأَنْ يَكُونُوا لَمَّا دَهَمَهُمْ وَهُمْ عَلَى الْمَاءِ ثَبَتُوا وَتَصَافُّوا وَوَقَعَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ ثُمَّ وَقَعَتِ الْغَلَبَةُ عَلَيْهِمْ. (فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ) أَيْ نِسَاءٍ أَخَذْنَاهَا مِنْهُمْ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَسَبَيْنَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ (فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ) أَيْ جِمَاعَهُنَّ (وَاشْتَدَّتْ) قَوِيَتْ (عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ) الحديث: 1262 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ، فَقْدُ الْأَزْوَاجِ وَالنِّكَاحِ، وَهَذَا يُشْبِهُ عَطْفَ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ. وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ: وَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ تَعَذَّرَ عَلَيْنَا النِّكَاحُ لِتَعَذُّرِ أَسْبَابِهِ، لَا أَنَّ ذَلِكَ لِطُولِ الْإِقَامَةِ ; لِأَنَّ غَيْبَتَهُمْ عَنِ الْمَدِينَةِ لَمْ تَطُلْ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ غَيْبَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ كَانَتْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا (وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ) وَلِمُسْلِمٍ: وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ (فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ) خَوْفًا مِنَ الْحَمْلِ الْمَانِعِ مِنَ الْفِدَاءِ الَّذِي أَحْبَبْنَاهُ (فَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَظْهُرِنَا) أَيْ بَيْنَنَا، وَأَظْهُرُ زَائِدَةٌ (قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ) عَنِ الْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ أَنَّهُ مِنَ الْوَأْدِ الْخَفِيِّ كَالْفِرَارِ مِنَ الْقَدَرِ، قَالَهُ الْمَازِرِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَكُنَّا نَعْزِلُ ثُمَّ سَأَلْنَا، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ سَأَلَ قَبْلَ الْعَزْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَأَلَ بَعْدَهُ، وَبِأَنَّ مَعْنَى نَعْزِلُ عَزْمُنَا عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الْأُولَى. (فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ، قَالَهَا ثَلَاثًا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا اطَّلَعَ عَلَى فِعْلِهِمْ فَيُشْكَلُ مَعَ «قَوْلِ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحِ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ» ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا قَالَ: كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ يَكُونُ مَرْفُوعًا ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ اطِّلَاعُهُ عَلَيْهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ دَوَاعِيَهُمْ كَانَتْ مُتَوَفِّرَةً عَلَى سُؤَالِهِ عَنْ أُمُورِ الدِّينِ فَإِذَا عَمِلُوا شَيْئًا وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ بَادَرُوا إِلَى السُّؤَالِ عَنْ حُكْمِهِ، فَيَكُونُ الظُّهُورُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ. (فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ) بَأْسٌ (أَنْ لَا تَفْعَلُوا) أَيْ لَيْسَ عَدَمُ الْفِعْلِ وَاجِبًا عَلَيْكُمْ، أَوْ لَا زَائِدَةٌ، أَيْ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ فِي فِعْلِهِ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ مَعْنَاهُ النَّهْيَ أَيْ لَا تَفْعَلُوا الْعَزْلَ (مَا مِنْ نَسَمَةٍ) بِفَتَحَاتٍ، أَيْ نَفْسٍ (كَائِنَةٍ) أَيْ قُدِّرَ كَوْنُهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ) أَيْ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ، سَوَاءٌ عَزَلْتُمْ أَمْ لَا، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْعَزْلِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ خَلْقُهَا سَبَقَكُمُ الْمَاءُ فَلَا يَنْفَعُكُمُ الْحِرْصُ وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، وَخَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلَعٍ مِنْهُ، وَعِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَنِ الْعَزْلِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ أَهْرَقْتَهُ عَلَى صَخْرَةٍ لَأَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا وَلَدًا، أَوْ يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْهَا وَلَدًا، لِيَخْلُقَنَّ اللَّهُ نَفْسًا هُوَ خَالِقُهَا» ". وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا، وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، فَقَالَ: اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا، فَلَبِثَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَبِلَتْ، فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا ". وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: " فَقَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» ". قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا عَلَى وَطْءِ مَا وَقَعَ فِي سِهَامِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ كِتَابِيَّةً فَإِنْ كَانَ سَبْيُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ كِتَابِيَّاتٍ ; لِأَنَّ مِنَ الْعَرَبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 مَنْ تَهَوَّدَ وَتَنَصَّرَ فَذَاكَ، وَإِنْ كُنَّ وَثَنِيَّاتٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهُنَّ بِالْمِلْكِ إِلَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 221) وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ الصَّحَابَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُصِيبَ الْجَارِيَةَ مِنَ الْفَيْءِ أَمْرَهَا فَغَلَسَتْ ثِيَابَهَا وَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ عَلَّمَهَا الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَمَرَهَا بِالصَّلَاةِ وَاسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ ثُمَّ أَصَابَهَا. اهـ بِمَعْنَاهُ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّهُنَّ أَسْلَمْنَ. وَلَا يَصِحُّ لِقَوْلِهِ: " وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ " إِذْ لَا يُقَالُ هَذَا فِيمَنْ أَسْلَمَ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ السَّابِي، بَلْ يَسْتَمِرُّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَيَجُوزُ فِدَاؤُهُ وَبَيْعُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ، وَبِأَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَطْءُ الْأَمَةِ الْمُشْرِكَةِ ثُمَّ نُسِخَ، وَلَا يَصِحُّ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى دَلِيلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ وَطْءِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ، وَلَوْ بَقِيَ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْوَطْءِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَبَقِيَ أَيْضًا عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَمْرَيْنِ، وَحَدِيثُ الْحَسَنِ بِرَفْعِ الْإِشْكَالِ عَنْهُمَا مَعًا، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي مَنْعِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لِامْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْفِدَاءِ لِلْحَمْلِ، وَالْفِدَاءُ بَيْعٌ وَالْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَهِيَ حَامِلُ خَوْفَ رِقِّ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِهَا بَعْدَ الْوَضْعِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ، وَفِيهِ اسْتِرْقَاقُ جَمِيعِ الْعَرَبِ كَقُرَيْشٍ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ وَهْبٍ: لَا يَجْرِي عَلَيْهِمُ الرِّقُّ لِشَرَفِهِمْ، فَإِنْ أَسْلَمُوا وَإِلَّا قُتِلُوا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِتْقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَرَوَيَاهُ جَمِيعًا عَنْ شَيْخِهِمَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ أَسْمَاءَ عَنْ عَمِّهِ جُوَيْرِيَةَ ابْنِ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: " «أَصَبْنَا سَبَايَا وَكُنَّا نَعْزِلُ، ثُمَّ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَنَا: أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ، ثَلَاثًا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ جُوَيْرِيَةَ. اهـ. لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَاذَّةٍ عَنْ مَالِكٍ فَهُوَ عِنْدَهُ بِالْإِسْنَادَيْنِ. وَقَدْ تَابَعَهُ شُعَيْبٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْبَيْعِ، وَيُونُسُ عِنْدَهُ فِي الْقَدَرِ، وَعَقِيلٌ عِنْدَهُ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ   1263 - 1252 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بِمُعْجَمَةٍ، سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنَيْنِ، الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ) لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى الرُّخْصَةَ فِيهِ. الحديث: 1263 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ   1264 - 1253 الحديث: 1264 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَفْلَحَ) هُوَ عُمَرُ، بِضَمِّ الْعَيْنِ، بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ الْمَدَنِيُّ الثِّقَةُ (مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ) لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّرْخِيصَ فِيهِ كَزَيْدٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعْدٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْزِلُ وَكَانَ يَكْرَهُ الْعَزْلَ   1265 - 1254 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْزِلُ وَكَانَ يَكْرَهُ الْعَزْلَ) وَيَضْرِبُ بَعْضَ وَلَدِهِ إِذَا فَعَلَهُ ; لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى قَطْعِ النَّسْلِ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سُئِلَ عَنْهُ: «ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا كَرِهَاهُ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ. الحديث: 1265 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَزِيَّةَ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَجَاءَهُ ابْنُ قَهْدٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّ عِنْدِي جَوَارِيَ لِي لَيْسَ نِسَائِي اللَّاتِي أُكِنُّ بِأَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهُنَّ وَلَيْسَ كُلُّهُنَّ يُعْجِبُنِي أَنْ تَحْمِلَ مِنِّي أَفَأَعْزِلُ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَفْتِهِ يَا حَجَّاجُ قَالَ فَقُلْتُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ إِنَّمَا نَجْلِسُ عِنْدَكَ لِنَتَعَلَّمَ مِنْكَ قَالَ أَفْتِهِ قَالَ فَقُلْتُ هُوَ حَرْثُكَ إِنْ شِئْتَ سَقَيْتَهُ وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَشْتَهُ قَالَ وَكُنْتُ أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ فَقَالَ زَيْدٌ صَدَقَ   1266 - 1255 - (مَالِكٌ، عَنْ ضَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ (بْنِ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (الْمَازِنِيِّ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ غَزِيَّةَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ، الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ الْمَدَنِيِّ، صَحَابِيٌّ شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ (أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيِّ (فَجَاءَهُ ابْنُ قَهْدٍ) بِالْقَافِ الْمَفْتُوحَةِ، ضَبَطَهُ ابْنُ الْحَذَّاءِ وَجَوَّزَ أَنَّهُ قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ الصَّحَابِيُّ، قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ قَوْلُهُ: (رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ) فَإِنَّ قَيْسًا الصَّحَابِيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْأَنْصَارِ مِنَ الْيَمَنِ (فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ) كُنْيَةُ زَيْدٍ (إِنَّ عِنْدِي جَوَارِيَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ، جَمْعُ جَارِيَةٍ (لِي لَيْسَ نِسَائِي اللَّاتِي أُكِنُّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ، أَضُمُّ إِلَيُّ (بِأَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهُنَّ وَلَيْسَ الحديث: 1266 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 كُلُّهُنَّ يُعْجِبُنِي أَنَّ تَحْمِلَ مِنِّي) لِأَنِّي قَدْ أَحْتَاجُ لِلْبَيْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (أَفَأَعْزِلُ؟ فَقَالَ زَيْدٌ: أَفْتِهِ يَا حَجَّاجُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ إِنَّمَا نَجْلِسُ عِنْدَكَ لِنَتَعَلَّمَ مِنْكَ) لِمَزِيدِ فِقْهِكَ (قَالَ: أَفْتِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: هُوَ حَرْثُكَ) أَيْ مَحَلُّ زَرْعِكَ الْوَلَدَ (إِنْ شِئْتَ سَقَيْتَهُ وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَشْتَهُ) مَنَعْتَهُ السَّقْيَ (قَالَ: وَكُنْتُ أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ، فَقَالَ زَيْدٌ: صَدَقَ) لِأَنَّهُ يَرَى حِلَّهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ ذَفِيفٌ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الْعَزْلِ فَدَعَا جَارِيَةً لَهُ فَقَالَ أَخْبِرِيهِمْ فَكَأَنَّهَا اسْتَحْيَتْ فَقَالَ هُوَ ذَلِكَ أَمَّا أَنَا فَأَفْعَلُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يَعْزِلُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَعْزِلُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَمَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ قَوْمٍ فَلَا يَعْزِلُ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ   1267 - 1256 - (مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ ذَفِيفٌ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ، الْمَدَنِيُّ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَةٍ (أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْعَزْلِ، فَدَعَا جَارِيَةً لَهُ فَقَالَ: أَخْبِرِيهِمْ) أَيِ السَّائِلِينَ (فَكَأَنَّهَا اسْتَحْيَتْ، فَقَالَ: هُوَ ذَلِكَ أَمَّا أَنَا فَأَفْعَلُهُ، يَعْنِي أَنَّهُ يَعْزِلُ) وَيُرْوَى أَنَّهُ تَنَاجَى رَجُلَانِ عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْمُنَاجَاةُ؟ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ تَزْعُمُ أَنَّ الْعَزْلَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا تَكُونُ مَوْءُودَةٌ حَتَّى يَمُرَّ عَلَيْهَا التَّارَاتُ السَّبْعُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] (سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: الْآيَةُ 12) الْآيَةَ، فَقَالَ عُمَرُ لَعِلِيٍّ: صَدَقْتَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاكَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا فِي الْإِسْلَامِ، لَكِنَّ هَذَا الْخَبَرَ خِلَافُ مَا رَوَى ابْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَا يَكْرَهَانِ الْعَزْلَ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَعْزِلُ الرَّجُلُ مَاءَهُ الْمَرْأَةَ) أَيْ عَنْهَا، فَنُصِبَ عَلَى التَّوَسُّعِ (الْحُرَّةَ إِلَّا بِإِذْنِهَا) لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ حَقِّهَا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَلَيْسَ الْجِمَاعُ الْمَعْرُوفُ إِلَّا مَا لَا عَزْلَ فِيهِ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ لَذَّتِهَا وَلَحِقَهَا فِي الْوَلَدِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُمَرَ: " «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْعَزْلِ عَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا» ". لَكِنَّ فِي إِسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْزِلَ عَنْ أَمَتِهِ) الْمَمْلُوكَةِ لَهُ (بِغَيْرِ إِذْنِهَا) إِذْ لَا حَقَّ لَهَا فِي وَطْءٍ وَلَا اسْتِيلَادٍ (وَمَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ قَوْمٍ) أَيْ مُتَزَوِّجًا بِهَا (فَلَا يَعْزِلُ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ) الحديث: 1267 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 لِحَقِّهِمْ فِي الْوَلَدِ، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: إِذْنُهَا أَيْضًا لِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَقِيلَ لَا يَعْزِلُ عَنْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا أَيْضًا، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ لَهَا بِالْعَقْدِ حَقًّا فِي الْوَطْءِ، فَلَا يَجُوزُ عَزْلُهُ عَنْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَإِذْنِ مَوْلَاهَا لَحِقِّهِ فِي الْوَلَدِ، وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا فِي كُلِّ حَالٍ وَفِي كُلِّ امْرَأَةٍ وَإِنْ رَضِيَتْ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى قَطْعِ النَّسْلِ، وَلَا يَحْرُمُ فِي مَمْلُوكَتِهِ وَلَا زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ رَضِيَتْ أَمْ لَا ; لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي أَمَتِهِ بِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ، وَفِي زَوْجَتِهِ الرَّقِيقَةِ بِمَصِيرِ وَلَدِهَا رَقِيقًا، وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَإِنْ أَذِنَتْ لَمْ يَحْرُمْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَحْرُمُ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُنْتَزَعُ مِنْ حُكْمِ الْعَزْلِ حُكْمُ مُعَالَجَةِ الْمَرْأَةِ إِسْقَاطَ النُّطْفَةِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ: فَمَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ فَفِي هَذِهِ أَوْلَى، وَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَلْتَحِقَ بِهِ هَذَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّهُ أَشَدُّ ; لِأَنَّ الْعَزْلَ لَمْ يَقَعْ فِيهِ تَعَاطِي السَّبَبِ وَمُعَالَجَةَ السَّقْطِ يَقَعُ بَعْدَ تَعَاطِي السَّبَبِ وَيَلْتَحِقُ بِهَا تَعَاطِي الْمَرْأَةِ مَا يَقْطَعُ الْحَبَلَ مِنْ أَصْلِهِ، وَأَفْتَى بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ بِمَنْعِهِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِإِبَاحَةِ الْعَزْلِ مُطْلَقًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِحْدَادِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ قَالَتْ زَيْنَبُ «دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ بِهِ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَحَتْ بِعَارِضَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» قَالَتْ زَيْنَبُ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ حَاجَةٌ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْتُ أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا أَفَتَكْحُلُهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا هِيَ {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ» قَالَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَقَالَتْ زَيْنَبُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْحِفْشُ الْبَيْتُ الرَّدِيءُ وَتَفْتَضُّ تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا كَالنُّشْرَةِ   35 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِحْدَادِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْإِحْدَادُ، بِالْمُهْمَلَةِ، امْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مِنَ الزِّينَةِ كُلِّهَا مِنْ لِبَاسٍ وَطِيبٍ وَغَيْرِهِمَا وَكُلِّ مَا كَانَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الْإِحْدَادُ الِامْتِنَاعُ مِنَ الزِّينَةِ، يُقَالُ أَحَدَّتِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ مُحِدٌّ وَحَدَّتْ فَهِيَ حَادٌّ إِذَا امْتَنَعَتْ مِنَ الزِّينَةِ، وَكُلُّ مَا يُصَاغُ مِنْ حَدَّ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمَنْعِ، فَالْبَوَّابُ حَدَّادٌ لِمَنْعِهِ الدَّاخِلَ وَالْخَارِجَ، وَالسَّجَّانُ حَدَّادٌ، وَلَمَّا نَزَلَ: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 30] قَالَ الْكُفَّارُ: مَا رَأَيْنَا سَجَّانِينَ بِهَذَا الْعَدَدِ، فَقَالَ الصَّحَابَةُ: لَا تُقَاسُ الْمَلَائِكَةُ بِالْحَدَّادِينَ، يَعْنُونَ السَّجَّانِينَ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَدِيدُ لِامْتِنَاعِهِ عَمَّنْ يُحَاوِلُهُ وَلِلِامْتِنَاعِ بِهِ، وَمِنْهُ تَحْدِيدُ النَّظَرِ لِامْتِنَاعِ تَقَلُّبِهِ فِي الْجِهَاتِ، قَالَ النَّابِغَةُ: إِلَّا سُلَيْمَانُ إِذَا قَالَ الْإِلَهُ لَهُ ... قُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ فَاحْدُدْهَا عَنِ الْفَنَدِ. أَيْ فَامْنَعْهَا. 1268 - 1257 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ) الْأَنْصَارِيِّ أَبِي أَفْلَحَ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ (عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ الحديث: 1268 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 أَبِي سَلَمَةَ) بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيَّةِ الصَّحَابِيَّةِ، رَبِيبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ (أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ) أَيْ حُمَيْدًا (بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ) الَّتِي بَيَّنَتْهَا لَهُ حَيْثُ (قَالَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ) رَمْلَةَ (زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ) صَخْرُ (بْنُ حَرْبٍ) سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الشَّامِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْأَخْبَارِ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ تَقْيِيدَهُ بِذَلِكَ إِلَّا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ هَذِهِ وَأَظُنُّهَا وَهْمًا، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارِمِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ نَافِعٍ: جَاءَ نَعْيٌ لِأَخِي أُمِّ حَبِيبَةَ أَوْ حَمِيمٌ لَهَا فَدَعَتْ بِصُفْرَةٍ فَلَطَّخَتْ بِهِ ذِرَاعَهَا. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ: أَنَّ حَمِيمًا لَهَا مَاتَ، بِلَا تَرَدُّدٍ، وَإِطْلَاقُ الْحَمِيمِ عَلَى الْأَخِ الْأَقْرَبِ مِنْ إِطْلَاقِهِ عَلَى الْأَبِ، فَقَوِيَ الظَّنُّ أَنَّ الْقِصَّةَ تَعَدَّدَتْ لِزَيْنَبَ مَعَ أُمِّ حَبِيبَةَ لَمَّا جَاءَهَا نَعْيُ أَخِيهَا مِنَ الشَّامِ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ، ثُمَّ وَفَاةُ أَبِيهَا أَبِي سُفْيَانَ بِالْمَدِينَةِ، لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ (فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ) أَيْ طَلَبَتْ طِيبًا (فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ) بِوَزْنِ صَبُورٍ، نَوْعٌ مِنَ الطِّيبِ (أَوْ غَيْرُهُ) بِرَفْعِهِمَا وَجَرِّهِمَا رِوَايَتَانِ، اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ عَلَى الْأُولَى (فَدَهَنَتْ بِهِ جَارِيَةً) بِالنَّصْبِ قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَعْرِفِ اسْمَهَا (ثُمَّ مَسَحَتْ) أُمُّ حَبِيبَةَ (بِعَارِضَيْهَا) أَيْ جَانِبَيْ وَجْهِهَا، وَجَعْلُ الْعَارِضَيْنِ مَاسِحَيْنِ تَجَوُّزٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا جَعَلَتِ الصُّفْرَةَ فِي يَدَيْهَا وَمَسَحَتْهَا بِعَارِضَيْهَا، وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ، وَمَسَحَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْبَاءِ، تَقُولُ: مَسَحْتُ بِرَأْسِي وَرَأْسِي. وَفِي الْإِكْمَالِ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْعَارِضَانِ صَفْحَتَا الْعُنُقِ وَمَا بَعْدَ الْأَسْنَانِ، وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ: عَارِضَةُ الْوَجْهِ مَا يَبْدُو مِنْهُ وَمَبْسَمَا الْفَمِ وَالثَّنَايَا، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ. وَفِي الْمُفْهِمِ: الْعَوَارِضُ مَا بَعْدَ الْأَسْنَانِ، أُطْلِقَتْ فِي الْخَدَّيْنِ هُنَا مَجَازًا ; لِأَنَّهُمَا عَلَيْهِمَا فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُجَاوَرَةِ أَوْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا كَانَ مِنْ سَبَبِهِ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: وَذِرَاعَيْهَا (ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ حَاجَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ بِزِيَادَةِ " مِنْ " (غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» ) نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ (أَنْ تُحِدَّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْحَاءِ مِنَ الرُّبَاعِي، وَلَمْ يَعْرِفِ الْأَصْمَعِيُّ سِوَاهُ، وَحَكَى غَيْرُهُ فَتْحَ ثَانِيهِ مِنَ الثُّلَاثِي، يُقَالُ: حَدَّتِ الْمَرْأَةُ وَأَحَدَّتْ بِمَعْنًى (عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) فَلَهَا أَنْ تُحِدَّ عَلَى الْقَرِيبِ ثَلَاثًا فَأَقَلَّ، فَإِنْ مَاتَ فِي بَقِيَّةِ يَوْمٍ أَوْ بَقِيَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 لَيْلَةٍ أَلْغَتْ تِلْكَ الْبَقِيَّةَ وَعَدَّتِ الثَّلَاثَ مِنَ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ " أَنْ تُحِدَّ " فَاعِلُ يَحِلُّ، وَ " فَوْقَ " ظَرْفُ زَمَانٍ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إِلَى زَمَانٍ (إِلَّا عَلَى زَوْجٍ) إِيجَابٌ لِلنَّفْيِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِـ " تُحِدَّ "، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) أَيْ أَيَّامَهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَلَا تَحِلُّ حَتَّى تَدْخُلَ اللَّيْلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ، فَأُنِّثَ الْعَدَدُ لِإِرَادَةِ الْمُدَّةِ، أَوْ أُرِيدَ الْأَيَّامُ بِلَيَالِيهَا، خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا عَشْرُ لَيَالٍ فَتَحِلُّ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، وَلَوْلَا الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ إِحْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَكَانَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْإِبَاحَةَ لِأَنَّهُ اسْتُثْنِيَ مِنْ عُمُومِ الْحَظْرِ، وَأَشَارَ الْبَاجِيُّ إِلَى أَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ، فَيُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، وَلَيْسَ الْحَدِيثُ مِنْ ذَلِكَ إِذْ لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ إِنَّمَا هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْحَظْرِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْحَامِلِ يَزِيدُ عَلَيْهَا: هَلْ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَضَعَ أَوْ لَا يَلْزَمُهَا إِحْدَادٌ فِي الْحَدِيثِ؟ قَالَهُ عِيَاضٌ. (قَالَتْ زَيْنَبُ) بِالسَّنَدِ السَّابِقِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي (ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، كَمَا سُمِّيَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُوَطَّآتِ كَابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبِي مُصْعَبٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، لَكِنِ اسْتُشْكِلَ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَزَيْنَبُ حِينَئِذٍ صَغِيرَةٌ جِدًّا ; لِأَنَّ أَبَاهَا مَاتَ بَعْدَ بَدْرٍ، وَأَنَّ أُمَّهَا حَلَّتْ بِوَضْعِهَا وَتَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرَهُ حَكَوْا أَنَّ زَيْنَبَ وُلِدَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ لَهَا عِنْدَ وَفَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ أَرْبَعُ سِنِينَ وَمِثْلُهَا يَضْبُطُ ذَلِكَ وَيُمَيِّزُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَخِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُصَغَّرِ الَّذِي تَنَصَّرَ وَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَتَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ، فَإِنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَتْ مُمَيِّزَةً لَمَّا جَاءَ خَبَرُ وَفَاتِهِ، وَقَدْ يَحْزَنُ الْمَرْءُ عَلَى قَرِيبِهِ الْكَافِرِ لَا سِيَّمَا إِذَا تَذَكَّرَ سُوءَ مَصِيرِهِ، وَلَعَلَّ مَا وَقَعَ فِي تِلْكَ الْمُوَطَّآتِ عَبْدُ اللَّهِ - بِالتَّكْبِيرِ - كَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ - بِتَصْغِيرِ عَبْدٍ - فَلَمْ يَضْبِطْهُ الْكَاتِبُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ أَخٌ لَهَا مِنْ أُمِّهَا أَوْ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأَمَّا أَخُوهَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ وَاسْمُهُ عَبْدٌ، بِلَا إِضَافَةٍ، كَانَ شَاعِرًا أَعْمَى، فَمَاتَ بَعْدَ أُخْتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِسَنَةٍ، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَحَضَرَ جِنَازَةَ أُخْتِهِ، وَرَاجَعَ عُمَرَ فِي شَيْءٍ بِسَبَبِهَا كَمَا عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ، فَلَا يَصِحُّ إِرَادَتُهُ هُنَا، هَذَا وَلَفْظُ " ثُمَّ " هُنَا لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْوَقَائِعِ ; لِأَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ مَاتَتْ قَبْلَ أَبِي سُفْيَانَ بِأَكْثَرِ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ (فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ " بِهِ " أَيْ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهَا (ثُمَّ قَالَتْ) زَادَ التِّنِّيسِيُّ: " أَمَا " بِالتَّخْفِيفِ (وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ حَاجَةٌ) وَلِابْنِ يُوسُفَ بِزِيَادَةِ " مِنْ " (غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ) زَادَ التِّنِّيسِيُّ " عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 الْمِنْبَرِ " (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) هُوَ مِنْ خِطَابِ التَّصْحِيحِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِالْخِطَابِ وَيَنْقَادُ لَهُ، فَهَذَا الْوَصْفُ لِتَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ لِمَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُهُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ خِلَافَهُ مُنَافٍ لِلْإِيمَانِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 23) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَأْكِيدَ أَمْرِ التَّوَكُّلِ بِرَبْطِهِ بِالْإِيمَانِ (تُحِدُّ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ وَبِفَتْحٍ فَضَمٍّ وَحَذْفِ " أَنْ " النَّاصِبَةِ وَرَفْعِ الْفِعْلِ وَهُوَ مَقِيسٌ (عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَبَاحَ الشَّارِعُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ; لِمَا يَغْلِبُ مِنْ لَوْعَةِ الْحُزْنِ وَيَهْجُمُ مِنْ أَلِيمِ الْوَجْدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ طَالَبَهَا بِالْجِمَاعِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا مَنْعُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ (إِلَّا عَلَى زَوْجٍ) فَتُحِدُّ عَلَيْهِ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) فَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ فِي الْمُسْتَثْنَى دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ إِنْ جُعِلَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ: " فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ " فَالْمَعْنَى لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُحِدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا عَلَى مَيْتٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَإِنْ جُعِلَ مَعْمُولًا لِتُحِدَّ مُضْمَرًا فَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ تُحِدُّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالُوا: وَحِكْمَةُ هَذَا الْعَدَدِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتَكَامَلُ خَلْقُهُ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَهِيَ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِنَقْصِ الْأَهِلَّةِ فَجَبَرَ الْكَسْرَ إِلَى الْعِقْدِ احْتِيَاطًا (قَالَتْ زَيْنَبُ) بِالسَّنَدِ السَّابِقِ، وَهَذَا هُوَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ (وَسَمِعْتُ) أُمِّي (أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ) هِيَ عَاتِكَةُ بِنْتُ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّحَّامِ كَمَا فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا) الْمُغِيرَةُ الْمَخْزُومِيُّ، رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ، وَرَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي تَأْلِيفِهِ مُسْنَدَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْهُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ يَحْيَى: لَا أَدْرِي ابْنَةَ النَّحَّامِ أَوْ أُمَّهَا بِنْتَ سَعْدٍ، وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْبِنْتَ عَاتِكَةُ، فَعَلَى هَذَا فَأُمُّهَا لَمْ تُسَمَّ، قَالَهُ الْحَافِظُ. (وَقَدِ اشْتَكَتْ) هِيَ، أَيِ ابْنَتِي (عَيْنَيْهَا) بِالتَّثْنِيَةِ وَالنَّصْبِ مَفْعُولٌ، وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ " عَيْنَهَا " بِالْإِفْرَادِ وَالنَّصْبِ أَيْضًا كَمَا رَجَّحَهُ الْمُنْذِرِيُّ بِدَلِيلِ التَّثْنِيَةِ بِالنَّصْبِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ، وَنَسَبَتِ الشِّكَايَةَ إِلَى نَفْسِ الْعَيْنِ مَجَازًا، وَزَعَمَ الْحَرِيرِيُّ أَنَّ الصَّوَابَ النَّصْبُ وَأَنَّ الرَّفْعَ لَحْنٌ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُؤَيِّدُ الرَّفْعَ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: اشْتَكَتْ عَيْنَاهَا، بِالتَّثْنِيَةِ إِلَّا أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُعْرِبُ الْمُثَنَّى فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ بِحَرَكَاتٍ مُقَدَّرَةٍ (أَفَتَكْحُلُهُمَا؟) بِضَمِّ الْحَاءِ وَهُوَ مِمَّا جَاءَ مَضْمُومًا وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 حَرْفَ حَلْقٍ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا) تَكْحُلْهُمَا قَالَ ذَلِكَ (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا) تَأْكِيدًا لِلْمَنْعِ، وَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: " اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ ". وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَحَقَّقِ الْخَوْفَ هُنَا عَلَى عَيْنَيْهَا ; إِذْ لَوْ تَحَقَّقَهُ لَأَبَاحَهُ لَهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ مَعَ الضَّرُورَةِ حَرَجٌ، وَإِنَّمَا فُهِمَ عَنْهَا إِنَّمَا ذَكَرَتْهُ اعْتِذَارًا، لَا عَلَى وَجْهِ أَنَّ الْخَوْفَ ثَبَتَ، وَبِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ وَلَوْ بِاللَّيْلِ، فَإِنِ اضْطُرَّ إِلَيْهِ جَازَ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَأَمَّا النَّهْيُ فَإِنَّمَا هُوَ نَدْبٌ لِتَرْكِهِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ، قَالَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. (ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ) أَيِ الْعِدَّةُ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) بِالنَّصْبِ عَلَى حِكَايَةِ لَفْظِ الْقُرْآنِ، وَفِي رِوَايَةٍ: " أَرْبَعَةُ " بِالرَّفْعِ عَلَى الْأَصْلِ، وَالْمُرَادُ تَقْلِيلُ الْمُدَّةِ وَتَهْوِينُ الصَّبْرِ عَمَّا مُنِعَتْ مِنْهُ وَهُوَ الِاكْتِحَالُ فِي الْعِدَّةِ، وَلِذَا قَالَ: (وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْعَيْنِ وَتُسَكَّنُ، وَاحِدَةُ الْبَعْرِ وَالْجَمْعُ أَبْعَارٌ، رَجِيعُ ذِي الْخُفِّ وَالظِّلْفِ، وَفِي ذِكْرِ الْجَاهِلِيَّةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ صَارَ بِخِلَافِهِ، لَكِنَّ التَّقْدِيرَ بِقَوْلِهِ: (عَلَى رَأْسِ الْحَوَلِ) اسْتَمَرَّ فِي الْإِسْلَامِ مُدَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 240) ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 234) وَالنَّاسِخُ مُقَدَّمٌ تِلَاوَةً مُتَأَخِّرٌ نُزُولًا، وَلَمْ يُوجَدْ فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا فِي هَذِهِ، وَأَمَّا مِنْ سُورَتَيْنِ فَمَوْجُودٌ، قَالَهُ عِيَاضٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} [البقرة: 142] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 142) مَعَ قَوْلِهِ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 144) وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ، وَقِيلَ هُوَ حَضٌّ لِلْأَزْوَاجِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِتَمَامِ السَّنَةِ لِمَنْ لَا تَرِثُ، وَاخْتُلِفَ كَيْفَ كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ: فَقِيلَ كَانَتِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فَنُسِخَتِ النَّفَقَةُ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَالْحَوْلِ بِالْأَرْبَعَةِ وَعَشَرٍ، وَقِيلَ كَانَتْ مُخَيَّرَةً فِي الْمُقَامِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالْخُرُوجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَتْ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا سَنَةً وَاجِبَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 240] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 240) وَالْعِدَّةُ عَلَيْهَا بَاقِيَةٌ، فَجَعَلَ لَهَا تَمَامَ الْحَوْلِ وَصِيَّةً إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ. (قَالَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ) بِالْإِسْنَادِ السَّابِقِ (قُلْتُ لِزَيْنَبَ) بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ (وَمَا) مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوَلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ) فِي الْجَاهِلِيَّةِ (إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ، بَيْتًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 رَدِيئًا كَمَا يَأْتِي، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: عَمَدَتْ إِلَى شَرِّ بَيْتٍ لَهَا فَجَلَسَتْ فِيهِ (وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا) أَرْدَأَهَا، وَهَذِهِ تَفْسِيرٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ: شَرَّ أَحْلَاسِهَا، بِمُهْمَلَتَيْنِ جَمْعُ حِلْسٍ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، ثَوْبٌ أَوْ كِسَاءٌ رَقِيقٌ يُجْعَلُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ تَحْتَ الْبَرْدَعَةِ (وَلَمْ تَمْسَسْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَمْ تَمَسَّ، بِفَتْحِهِمَا بِالْإِدْغَامِ (طِيبًا وَلَا شَيْئًا) تَتَزَيَّنُ بِهِ (حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ) مِنْ مَوْتِ زَوْجِهَا (ثُمَّ تُؤْتَى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ (بِدَابَّةٍ حِمَارٍ) بِالْجَرِّ وَالتَّنْوِينِ، بَدَلٌ (أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ) بِأَوْ لِلتَّنْوِيعِ، وَإِطْلَاقُ الدَّابَّةِ عَلَيْهِمَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ، قَالَ الْمَجْدُ: الدَّابَّةُ مَا دَبَّ مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَلَبَ عَلَى مَا يُرْكَبُ وَيَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ (فَتَفْتَضُّ بِهِ) بِفَاءٍ فَفَوْقِيَّةٍ فَفَاءٍ ثَانِيَةٍ سَاكِنَةٍ، فَفَوْقِيَّةٍ أُخْرَى فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ ثَقِيلَةٍ (فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ) مِمَّا ذُكِرَ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيِ: افْتِضَاضُهَا بِشَيْءٍ (إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ (بَعْرَةً) مِنْ بَعْرِ الْإِبِلِ أَوِ الْغَنَمِ (فَتَرْمِي بِهَا) أَمَامَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ إِحْلَالًا لَهَا، كَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ: مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهَا ; إِشَارَةً إِلَى أَنَّ مَا فَعَلَتْهُ مِنَ التَّرَبُّصِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ هَيِّنٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَقْدِ زَوْجِهَا وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْمُرَاعَاةِ كَمَا يَهُونُ الرَّامِي بِالْبَعْرَةِ بِهَا (ثُمَّ تُرَاجِعُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ فِرَاءٍ فَأَلِفٍ فَجِيمٍ مَكْسُورَةٍ فَمُهْمَلَةٍ (بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ مَا ذُكِرَ مِنَ الِافْتِضَاضِ وَالرَّمْيِ (مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِمَّا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْهُ فِي الْعِدَّةِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَمْ تُسْنِدْهُ زَيْنَبُ، وَسَاقَهُ شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ مَرْفُوعًا، وَلَفْظُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا: " «أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ زَوْجُهَا فَخَافُوا عَلَى عَيْنَيْهَا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ، فَقَالَ: لَا، قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَكُونُ فِي شَرِّ بَيْتِهَا فِي أَحْلَاسِهَا أَوْ شَرَسِهَا فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعْرَةٍ فَخَرَجَتْ، أَفَلَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» ". قَالَ الْحَافِظُ: حَدِيثُ الْبَابِ لَا يَقْتَضِي الْإِدْرَاجَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ ; لِأَنَّهُ مَنْ أَحْفَظِ النَّاسِ فَلَا يُقْضَى عَلَى رِوَايَتِهِ بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ بِالِاحْتِمَالِ اهـ. وَقَدْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالِاحْتِمَالِ، فَقَدْ صَرَّحَ هُوَ فِي شَارِحِ نُخْبَتِهِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِأَنَّ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ الْإِدْرَاجُ مَجِيءُ رِوَايَةٍ مُبَيِّنَةٍ لِلْقَدْرِ الْمُدَرَجِ وَمَا هُنَا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ عَنْ شَيْخِهِ عَنْ حُمَيْدٍ بَيَّنَتْ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ زَيْنَبَ، وَكَوْنُ شُعْبَةَ مِنَ الْحُفَّاظِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَرْوِي مَا فِيهِ الْمُدَرَجُ، فَلَمْ تَزَلِ الْحُفَّاظُ يَرْوُونَهُ كَثِيرًا كَابْنِ شِهَابٍ وَغَيْرِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْحِفْشُ الْبَيْتُ الرَّدِيءُ) وَلِلْقَعْنَبِيِّ عَنْهُ: الصَّغِيرُ جِدًّا، وَهُمَا بِمَعْنَى: فَرَدَاءَتُهُ لِصِغَرِهِ، وَلِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ: الْحِفْشُ الْخُصُّ وَهُوَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَمُهْمَلَةٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 وَلِلشَّافِعِيِّ: الذَّلِيلُ الشَّعْثُ الْبِنَاءِ، وَفِي الْمُعَلِّمِ: الْحِفْشُ الْبَيْتُ الْحَقِيرُ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي بَعَثَهُ سَاعِيًا عَلَى الزَّكَاةِ: «هَلَّا قَعَدَ فِي حِفْشِ أُمِّهِ يَنْظُرُ هَلْ يُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا» ؟ وَقِيلَ: الْحِفْشُ الْبَيْتُ الذَّلِيلُ الْقَصِيرُ السُّمْكِ، شَبَّهَهُ بِهِ لِضِيقِهِ، وَالتَّحَفُّشُ الِانْضِمَامُ وَالِاجْتِمَاعُ، زَادَ عِيَاضٌ: وَقِيلَ الْحِفْشُ شِبْهُ الْقُفَّةِ مِنَ الْخُوصِ تَجْمَعُ الْمَرْأَةُ فِيهَا غَزْلَهَا وَأَسْبَابَهَا (وَ) مَعْنَى (تَفْتَضُّ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا كَالنُّشْرَةِ) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَعْنَاهُ تَمْسَحُ بِيَدِهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: تَمْسَحُ بِهِ ثُمَّ تَفْتَضُّ أَيْ تَغْتَسِلُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ، وَالِافْتِضَاضُ الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ لِلْإِنْقَاءِ حَتَّى تَصِيرَ كَالْفِضَّةِ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: مَعْنَاهُ تَتَنَظَّفُ وَتَنْتَقِي، مَأْخُوذٌ مِنَ الْفِضَّةِ تَشْبِيهًا بِنَقَائِهَا وَبَيَاضِهَا. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سَأَلْتُ الْحِجَازِيِّينَ عَنِ الِافْتِضَاضِ فَقَالُوا: كَانَتِ الْمُعْتَدَّةُ لَا تَغْتَسِلُ وَلَا تَمَسَّ طِيبًا وَلَا تُقَلِّمُ ظُفْرًا وَلَا تُزِيلُ شَعْرًا ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ الْحَوْلِ فِي أَشَرِّ مَنْظَرٍ ثُمَّ تَفْتَضُّ، أَيْ تَكْسِرُ مَا هِيَ فِيهِ مِنَ الْعِدَّةِ بِطَائِرٍ تَمْسَحُ بِهِ قُبُلَهَا وَتَنْبِذُهُ فَلَا يَكَادُ يَعِيشُ، وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ تَفْسِيرِ مَالِكٍ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْجِلْدَ وَهَذَا قَيَّدَهُ بِجِلْدِ الْقُبُلِ. وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ: تَقْبِضُ، بِقَافٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَمُهْمَلَةٍ مُخَفَّفَةٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِسْرَاعِ، أَيْ تَذْهَبُ بِعَدْوٍ وَسُرْعَةٍ نَحْوَ مَنْزِلِ أَبَوَيْهَا لِكَثْرَةِ حَيَائِهَا بِقُبْحِ مَنْظَرِهَا أَوْ لِشِدَّةِ شَوْقِهَا إِلَى التَّزْوِيجِ لِبُعْدِ عَهْدِهَا بِهِ، قَالَ: وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْفَاءُ وَالْفَوْقِيَّةُ وَالضَّادُ الْمُعْجَمَةُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ، خَمْسَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَهُمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ»   1271 - 1258 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ) زَوْجَةِ سَيِّدِهِ (عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجَيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هَكَذَا لِيَحْيَى وَأَبِي مُصْعَبٍ وَطَائِفَةٍ بِالْوَاوِ، وَلِابْنِ بُكَيْرٍ وَالْقَعْنَبِيِّ وَآخَرِينَ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ حَفْصَةَ عَلَى الشَّكِّ، وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارِ بْنِ سَعْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِالشَّكِّ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ حَفْصَةَ وَحْدَهَا، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَخْرَجَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُسْلِمٌ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» ) نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَالتَّقْيِيدُ بِذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، كَمَا يُقَالُ: هَذَا طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّهُ يَسْلُكُهُ غَيْرُهُمْ، فَالْكِتَابِيَّةُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ وَمَالِكٌ الحديث: 1271 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 فِي رِوَايَةٍ وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ كِنَانَةَ وَأَشْهَبُ وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لِلْغَالِبِ، أَوْ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَةَ هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِالْخِطَابِ وَتَنْقَادُ، فَهَذَا الْوَصْفُ لِتَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ وَتَغْلِيظِهِ، وَقَدْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ قَاعِدَتَهُ فِي إِنْكَارِهِ الْمَفَاهِيمَ ( «أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ» ) فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، كَمَا زَادَهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالْحَدِيثُ يَعُمُّ كُلَّ زَوْجَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا إِحْدَادَ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلَا أَمَةٍ زَوْجَةٍ، وَعُمُومُ الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، فَبِالْوَجْهِ الَّذِي يَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ، وَلِهَذَا الْوَجْهِ اعْتَدَّتْ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي الْوَفَاةِ اسْتِظْهَارًا لِحُجَّةِ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهِ ; إِذْ لَوْ كَانَ حَيًّا لَبُيِّنَ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا، كَمَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ حَتَّى تَسْتَظْهِرَ لَهُ بِيَمِينِ الطَّالِبِ، قَالُوا: وَهِيَ الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَزْيَدَ مِنْ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عُدِمَ الزَّوْجُ اسْتُظْهِرَ لَهُ بِأَتَمِّ وُجُوهِ الْبَرَاءَةِ، وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ لِأَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي يَتَبَيَّنُ فِيهِ الْحَمْلُ فَبَعْدَ الرَّابِعِ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ وَزِيدَتِ الْعَشْرُ حَتَّى تَتَبَيَّنَ حَرَكَتُهُ، وَلِذَا جُعِلَتْ عِدَّتُهَا بِالزَّمَانِ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهِ الْجَمِيعُ، وَلَمْ تُوكَّلْ إِلَى أَمَانَةِ النِّسَاءِ فَتُجْعَلُ بِالْإِقْرَاءِ كَالْمُطَلَّقَاتِ، كُلُّ ذَلِكَ حَوْطَةٌ لِلْمَيِّتِ لِعَدَمِ الْمُحَامِي عَنْهُ، وَلَزِمَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ الصَّغِيرَةُ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الزَّوْجَةِ صَغِيرَةً نَادِرٌ، فَشَمَلَهُنَّ الْحُكْمُ وَعَمَّتْهُنَّ الْحَوْطَةُ، ثُمَّ قَوْلُهُ: إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، إِيجَابٌ بَعْدَ النَّفْيِ، فَيَقْتَضِي حَصْرَ الْإِحْدَادِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، فَلَا إِحْدَادَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَجْعِيَّةً كَانَتْ أَوْ بَائِنَةً أَوْ مُثَلَّثَةً، وَاسْتَحَبَّهُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ لِلرَّجْعِيَّةِ، وَأَوْجَبَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ عَلَى الْمُثَلَّثَةِ، وَشَذَّ الْحَسَنُ وَحْدَهُ، فَقَالَ: لَا إِحْدَادَ عَلَى مُتَوَفَّى عَنْهَا وَلَا عَلَى مُطَلَّقَةٍ، وَلَوْلَا الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْدَادِ لَكَانَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْإِبَاحَةَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومِ الْمَنْعِ، قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ حَدِيثَ الَّتِي شَكَتْ عَيْنَهَا الْمُتَقَدِّمَ دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ وَإِلَّا لَمْ يَمْتَنِعُ التَّدَاوِي الْمُبَاحُ، وَبِأَنَّ السِّيَاقَ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، فَإِنَّ كُلَّ مَمْنُوعٍ مِنْهُ إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ كَانَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ بِعَيْنِهِ دَالًّا عَلَى الْوُجُوبِ، وَيُرَشِّحُ ذَلِكَ هُنَا زِيَادَةُ مُسْلِمٍ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ ; إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مَعْنَى الْخَبَرِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ لَا تُحِدُّ فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 228) وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ اتِّفَاقًا. وَفِي الْمُفْهِمِ: الْقَائِلُ بِوُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إِنْ قَاسَهُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَلَا يَصِحُّ لِلْحَصْرِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْحَدِيثُ، وَأَيْضًا فَعَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ تَعَبُّدِيَّةٌ يَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ، وَكَذَا عَلَى أَنَّهَا مَعْقُولَةٌ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بِأَنَّ الْإِحْدَادَ إِنَّمَا هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي التَّحَرُّزِ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنَ النِّكَاحِ بِتَعَاطِي أَسْبَابِهِ لِعَدَمِ الزَّوْجِ، وَفِي الطَّلَاقِ الزَّوْجُ حَيٌّ فَهُوَ يَبْحَثُ وَيَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لِامْرَأَةٍ حَادٍّ عَلَى زَوْجِهَا اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهَا اكْتَحِلِي بِكُحْلِ الْجِلَاءِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ   1271 - 1259 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ لِامْرَأَةٍ حَادٍّ) بِشَدِّ الدَّالِ (عَلَى زَوْجِهَا اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا) بِالتَّثْنِيَةِ (فَبَلَغَ ذَلِكَ) الْوَجَعُ الْمَفْهُومُ مِنِ اشْتَكَتْ (مِنْهَا) مَبْلَغًا قَوِيًّا (اكْتَحِلِي بِكُحْلِ الْجِلَاءِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ، كُحْلٌ خَاصٌ (بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ) فَأَفْتَتْهَا بِمَا أَفْتَاهَا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَأْتِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِنَّهَا إِذَا خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا مِنْ رَمَدٍ أَوْ شَكْوٍ أَصَابَهَا إِنَّهَا تَكْتَحِلُ وَتَتَدَاوَى بِدَوَاءٍ أَوْ كُحْلٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا كَانَتْ الضَّرُورَةُ فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ يُسْرٌ   1271 - 1260 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: إِنَّهَا إِذَا خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا مِنْ رَمَدٍ أَوْ شَكْوٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (أَصَابَهَا: أَنَّهَا تَكْتَحِلُ وَتَتَدَاوَى بِدَوَاءٍ أَوْ كُحْلٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ) لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ الْمَحْظُورَ (قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَتِ الضَّرُورَةُ) أَيْ وُجِدَتْ (فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ يُسْرٌ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 185) فَتَكْتَحِلُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا. وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَالَتْ: " إِنَّ ابْنَتِي اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَأَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ: لَا، قَالَتْ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْفَقِئَ عَيْنُهَا، قَالَ: وَإِنِ انْفَقَأَتْ ". رَوَاهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ وَابْنُ مَنْدَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ لَهَا الْبُرْءُ بِغَيْرِ الْكُحْلِ كَالتَّضْمِيدِ بِالصَّبِرِ، وَبِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ اعْتِذَارًا لَا أَنَّ الْخَوْفَ ثَبَتَ حَقِيقَةً، إِذْ لَوْ تَحَقَّقَهُ لَأَبَاحَهُ لَهَا، إِذِ الْمَنْعُ مَعَ الضَّرُورَةِ حَرَجٌ مَرْفُوعٌ مِنْ دِينِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا وَهِيَ حَادٌّ عَلَى زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَلَمْ تَكْتَحِلْ حَتَّى كَادَتْ عَيْنَاهَا تَرْمَصَانِ قَالَ مَالِكٌ تَدَّهِنُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالزَّيْتِ وَالشِّيرِقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَلْبَسُ الْمَرْأَةُ الْحَادُّ عَلَى زَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ الْحَلْيِ خَاتَمًا وَلَا خَلْخَالًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْحَلْيِ وَلَا تَلْبَسُ شَيْئًا مِنْ الْعَصْبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَصْبًا غَلِيظًا وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِشَيْءٍ مِنْ الصِّبْغِ إِلَّا بِالسَّوَادِ وَلَا تَمْتَشِطُ إِلَّا بِالسِّدْرِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا يَخْتَمِرُ فِي رَأْسِهَا   1274 - 1261 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ) الثَّقَفِيَّةَ أَدْرَكَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُوهَا صَحَابِيٌّ، قَالَهُ ابْنُ مَنْدَهْ، وَنَفَى الدَّارَقُطْنِيُّ إِدْرَاكَهَا فِي الْإِصَابَةِ عَلَى نَفْيِ إِدْرَاكِ السَّمَاعِ مِنْهُ، الحديث: 1274 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 وَذَكَرَهَا الْعِجْلِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (اشْتَكَتْ عَيْنَهَا وَهِيَ حَادٌّ) بِشَدِّ الدَّالِّ بِلَا هَاءٍ، لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلْمُؤَنَّثِ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ مِثْلُ طَالِقٍ وَحَائِضٍ (عَلَى زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) تَزَوَّجَهَا فِي خِلَافَةِ أَبِيهِ، وَأَصْدَقَهَا عُمَرُ أَرْبَعَمِائَةٍ، وَزَادَهَا ابْنُهُ سِرًّا مِنْهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَوَلَدَتْ لَهُ وَاقِدًا وَأَبَا بَكْرٍ وَأَبَا عُبَيْدَةَ وَعُبَيْدَ اللَّهِ وَعُمَرَ وَحَفْصَةَ وَسَوْدَةَ (فَلَمْ تَكْتَحِلْ حَتَّى كَادَتْ عَيْنَاهَا تَرْمَصَانِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَصَادٍ مُهْمِلَةٍ مِنْ بَابِ تَعِبَ، يَجْمُدُ الْوَسَخُ فِي مُوقِهَا، وَالرَّجُلُ أَرْمَصُ وَالْمَرْأَةُ رَمْصَاءُ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَجَعَ مِنَ الْحَجِّ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ صَفِيَّةَ فِي السِّيَاقِ، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ وَجَمَعَ جَمْعَ تَأْخِيرٍ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي إِمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ; لِأَنَّهَا عُوفِيَتْ ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا فِي حَيَاتِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَا. (قَالَ مَالِكٌ: تَدَّهِنُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالزَّيْتِ وَالشَّبْرِقِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أَوْ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ، دُهْنِ السِّمْسِمِ (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ) مَا لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ لِلطِّيبِ وَإِلَّا جَازَ كَمَا قَدَّمَهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ. (وَلَا تَلْبَسُ الْمَرْأَةُ الْحَادُّ عَلَى زَوْجِهَا شَيْئًا مِنَ الْحَلْيِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (خَاتَمًا وَلَا خَلْخَالًا) بِفَتْحِ الْخَاءِ، وَاحِدُ خَلَاخِيلِ النِّسَاءِ، وَالْخَلْخَلُ لُغَةٌ فِيهِ أَوْ مَقْصُورٌ مِنْهُ، قَالَ بَرَّاقَةُ: الْجَيِّدُ صَمُوتُ الْخَلْخَلِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. (ذَلِكَ مِنَ الْحَلْيِ) كَسِوَارٍ وَخُرْصٍ وَقُرْطٍ ذَهَبًا كَانَ كُلُّهُ أَوْ فِضَّةً، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَوْهَرُ وَالْيَاقُوتُ. (وَلَا تَلْبَسُ شَيْئًا مِنَ الْعَصْبِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَمُوَحَّدَةٍ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: بُرُودٌ يَمَنِيَّةٌ يُعْصَبُ غَزْلُهَا، أَيْ يُجْمَعُ وَيُشَدُّ ثُمَّ يُصْبَغُ وَيَنْسَجُ فَيَأْتِي مَوْشِيًّا لِبَقَاءِ مَا عُصِبَ مِنْهُ أَبْيَضَ لَمْ يَأْخُذْهُ الصِّبْغُ، يُقَالُ: بُرْدُ عَصْبٍ بِالتَّنْوِينِ وَالْإِضَافَةِ، وَقِيلَ هِيَ: بُرُودٌ مُخَطَّطَةٌ، وَالْعَصْبُ الْفَتْلُ، وَالْعِصَابُ الْغَزَالُ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَصْبًا غَلِيظًا) فَتَلْبَسُهُ لِأَنَّهُ لَا كَبِيرَ زِينَةٍ فِيهِ حَمْلًا لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا: " «لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسَّ طِيبًا إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ» ". نَبْذَةٌ مِنْ قِسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ عَلَى الْغَلِيظِ دُونَ الرَّقِيقِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ الزِّينَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 الرَّقِيقِ. (وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِشَيْءٍ مِنَ الصِّبْغِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ بِأَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ غَيْرِهِمَا (إِلَّا بِالسَّوَادِ) فَيَجُوزُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يَعْنِي بِهِ الْأَسْوَدَ الْغُرَابِيَّ لَا السَّمَاوِيَّ فَإِنَّهُ يُتَجَمَّلُ بِهِ اهـ. وَخَصَّ الْأَسْوَدَ بِغَيْرِ نَاصِعَةِ الْبَيَاضِ، فَإِنَّهُ يُزَيِّنُهَا فَيُمْنَعُ عَلَيْهَا لُبْسُهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: خَصَّ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ فِي الْبَيَاضِ مِنَ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ. (وَلَا تَمْتَشِطُ) بِشَيْءٍ كَطِيبٍ وَحِنَّاءٍ إِلَّا بِالسِّدْرِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا يَحْتَمِرُ فِي رَأْسِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادٌّ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى عَيْنَيْهَا صَبِرًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ إِنَّمَا هُوَ صَبِرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اجْعَلِيهِ فِي اللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ قَالَ مَالِكٌ الْإِحْدَادُ عَلَى الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ كَهَيْئَتِهِ عَلَى الَّتِي قَدْ بَلَغَتْ الْمَحِيضَ تَجْتَنِبُ مَا تَجْتَنِبُ الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ إِذَا هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا قَالَ مَالِكٌ تُحِدُّ الْأَمَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ مِثْلَ عِدَّتِهَا قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ إِحْدَادٌ إِذَا هَلَكَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَلَا عَلَى أَمَةٍ يَمُوتُ عَنْهَا سَيِّدُهَا إِحْدَادٌ وَإِنَّمَا الْإِحْدَادُ عَلَى ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ   1274 - 1262 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ أُسَيْدٍ، عَنْ أُمِّهَا، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادٌّ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ (وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى عَيْنَيْهَا) بِالتَّثْنِيَةِ (صَبِرًا) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ فِي الْأَشْهَرِ، الدَّوَاءُ الْمُرُّ، وَسُكُونُ الْبَاءِ لِلتَّخْفِيفِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَقِيلَ لَمْ تُسْمَعْ فِي السَّبْعَةِ. وَحَكَى ابْنُ السَّيِّدِ فِي الْمُثَلَّثِ جَوَازَ التَّخْفِيفِ كَنَظَائِرِهِ بِسُكُونِ الْبَاءِ مَعَ كَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِهَا فَيَكُونُ فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ. ( «فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ قَالَتْ: إِنَّمَا هُوَ صَبِرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ» ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ: " «وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ، قُلْتُ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِالسِّدْرِ وَتَغْفُلِينَ بِهِ رَأْسَكِ» ". (قَالَ مَالِكٌ: الْإِحْدَادُ عَلَى الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغِ الْمَحِيضَ كَهَيْئَتِهِ عَلَى الَّتِي قَدْ بَلَغَتِ الْمَحِيضَ، تَجْتَنِبُ مَا تَجْتَنِبُ الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ إِذَا هَلَكَ زَوْجُهَا) لِأَنَّهُ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ بِهِ. قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ: " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةِ " وَالصَّبِيَّةُ لَا تُسَمَّى امْرَأَةً. وَأُجِيبُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 (وَتُحِدُّ الْأَمَةُ إِذَا تُوُفِّيَ زَوْجُهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ مِثْلَ) أَيْ قَدْرَ (عِدَّتِهَا) لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ فَشَمِلَهَا الْحَدِيثُ. (وَلَيْسَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ إِحْدَادٌ إِذَا هَلَكَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَلَا عَلَى أَمَةٍ) قِنَّةٍ (يَمُوتُ عَنْهَا سَيِّدُهَا إِحْدَادٌ) وَقَدْ كَانَ يَطَؤُهَا (وَإِنَّمَا الْإِحْدَادُ عَلَى ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ) لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: " إِلَّا عَلَى زَوْجٍ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ تَجْمَعُ الْحَادُّ رَأْسَهَا بِالسِّدْرِ وَالزَّيْتِ   1274 - 1263 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تَقُولُ: تَجْمَعُ الْحَادُّ رَأْسَهَا) أَيْ شَعْرَهَا، أَيْ تُمَشِّطُهُ (بِالسِّدْرِ وَالزَّيْتِ) الَّذِي لَا طِيبَ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 [كِتَاب الرَّضَاعِ] [بَاب رَضَاعَةِ الصَّغِيرِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الرَّضَاعِ بَاب رَضَاعَةِ الصَّغِيرِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرَاهُ فُلَانًا لِعَمٍّ لِحَفْصَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ»   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 30 - كِتَابُ الرَّضَاعِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، اسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ لَبَنِهِ، وَهَذَا الْغَالِبُ الْمُوَافِقُ لِلُّغَةِ وَإِلَّا فَهُوَ اسْمٌ لِحُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ أَوْ مَا حَصَلَ مِنْهُ فِي جَوْفِ طِفْلٍ، وَالْأَصْلُ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23) وَحَدِيثُ: " «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ» ". 1 - بَابُ رَضَاعَةِ الصَّغِيرِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا. 1277 - 1264 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ (أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عِنْدَهَا) فِي حُجْرَتِهَا (وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَعْرِفِ اسْمَهُ (يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِنْتِ عُمَرَ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ جَرِّ صِفَةُ رَجُلٍ. (قَالَتْ عَائِشَةُ) مُرِيدَةً عِلْمَ الْحُكْمِ (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ) الَّذِي فِيهِ حَفْصَةُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ: أَظُنُّهُ (فَلَانًا لِعَمٍّ لِحَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ) مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ وَمُقْتَضَى السِّيَاقِ، فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كَانَ الحديث: 1277 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 فُلَانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا) اللَّامُ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ: عَنْ عَمِّهَا (مِنَ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ) بِشَدِّ الْيَاءِ، أَيْ هَلْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ؟ قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ عَمِّ عَائِشَةَ أَيْضًا، وَوَهِمَ بِأَفْلَحَ أَخِي أَبِي الْقُعَيْسِ وَالِدِ عَائِشَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأَمَّا أَفْلَحَ فَهُوَ أَخُوهُ وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَقَدْ عَاشَ حَتَّى جَاءَ لِيَسْتَأْذِنَ عَلَى عَائِشَةَ فَامْتَنَعَتْ فَأَمَرَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَأْذَنَ لَهُ كَمَا يَأْتِي، وَالْمَذْكُورُ هُنَا عَمُّهَا أَخُو أَبِيهَا أَبِي بَكْرٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ هُمَا وَاحِدٌ، وَغَلَّطَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ عَمَّهَا فِي حَدِيثِ أَبِي الْقُعَيْسِ كَانَ حَيًّا، وَالْآخَرُ كَانَ مَيِّتًا كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهَا: لَوْ كَانَ حَيًّا. وَإِنَّمَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ فِي الْعَمِّ الثَّانِي ; لِأَنَّهَا جَوَّزَتْ تَبَدُّلَ الْحُكْمِ فَسَأَلَتْ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا ظَنَّتْ أَنَّهُ مَاتَ لِبُعْدِ عَهْدِهَا بِهِ، ثُمَّ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاسْتَأْذَنَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ) أَيْ كَانَ يَجُوزُ دُخُولُهُ عَلَيْكِ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَشَدِّ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ (مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ) أَيْ مِثْلَ مَا تُحَرِّمُهُ، فَفِيهِ مُضَافٌ مِنْ سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَفِيهِ أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ يُحَرِّمُ إِذْ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ عِدَّةِ الرَّضَعَاتِ بَلْ جَعَلَهُ عَامًّا بِلَا تَفْصِيلٍ وَأَطْلَقَ فِي التَّعْلِيلِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَإِسْمَاعِيلُ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ، أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ «جَاءَ عَمِّي مِنْ الرَّضَاعَةِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّهُ عَمُّكِ فَأْذَنِي لَهُ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ فَقَالَ إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ   1278 - 1265 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ) هُوَ أَفْلَحُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ (يَسْتَأْذِنُ) يَطْلُبُ الْإِذْنَ (عَلَيَّ) فِي الدُّخُولِ (فَأَبَيْتُ) امْتَنَعْتُ (أَنْ آذَنَ) بِالْمَدِّ (لَهُ عَلَيَّ) لِلتَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَغَلَّبَتِ التَّحْرِيمَ عَلَى الْإِبَاحَةِ (حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَنَّهَا جَوَّزَتْ تَغَيُّرَ الْحُكْمِ بِالنَّسْخِ، أَوْ نَسِيَتْ وَإِلَّا فَكَانَ يَكْفِيهَا سُؤَالُهَا عَنْ عَمِّهَا الْأَوَّلِ فِي قِصَّةِ حَفْصَةَ السَّابِقَةِ، فَهَذَا مِمَّا يُرَجِّحُ أَنَّهُمَا اثْنَانِ، وَيَرُدُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُمَا وَاحِدٌ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ رَجَّحَ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ، وَأَجَابَ عَنْ هَذَا فَقَالَ: لَعَلَّ عَمَّ حَفْصَةَ بِخِلَافِ عَمِّ عَائِشَةَ أَفْلَحَ، إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا شَقِيقًا وَالْآخَرُ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ فِي الْعُمُومَةِ وَالْآخَرُ أَبْعَدَ، أَوْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَرْضَعَتْهُ زَوْجَةُ أَخِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَالْآخَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَأَشْكَلَ الْأَمْرُ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ الحديث: 1278 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 حَتَّى سَأَلْتُ عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ وَحَقِيقَتِهِ (عَنْ ذَلِكَ) سَقَطَتْ فِي نُسْخَةٍ (فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ عَمُّكِ فَأْذَنِي لَهُ) فِي الدُّخُولِ عَلَيْكِ (قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ) أَيِ امْرَأَةُ أَخِيهِ (وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ) الَّذِي هُوَ يَتَحَقَّقُ حَتَّى يَكُونَ عَمِّي، وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ " (فَقَالَ: إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ) بِالْجِيمِ، يَدْخُلْ عَلَيْكِ لِأَنَّ سَبَبَ اللَّبَنِ هُوَ مَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ مِنْهُمَا، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّقَاحُ وَاحِدٌ، كَمَا يَأْتِي. (قَالَتْ عَائِشَةُ: وَذَلِكَ بَعْدَمَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ) آخِرَ سَنَةِ خَمْسٍ، أَيْ حُكْمُهُ أَوْ آيَتُهُ. (وَقَالَتْ عَائِشَةُ: يُحَرَّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يُحَرَّمُ) بِفَتْحِ ثَالِثِهِ فِيهِمَا (مِنَ الْوِلَادَةِ) كَذَا رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا، وَتَقَدَّمَ مَرْفُوعًا عَنْ عَمْرَةَ عَنْهَا، وَيَأْتِي عَنْ سُلَيْمَانَ وَعُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا أَيْضًا. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ: فَلِذَلِكَ كَانَتْ تَقُولُ عَائِشَةُ، فَذَكَرَهُ، فَكَأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ بِالْوَجْهَيْنِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ عَمَّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ أَفْلَحَ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَحَجَبَتْهُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحْتَجِبِي عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ". قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى أَوْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّفْظَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ. قَدْ تَابَعَ مَالِكًا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَلَمْ يُسَمِّ الْعَمَّ، وَكَذَا تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ أَخَا أَبِي قُعَيْسٍ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا أَبُو الْقُعَيْسِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ، قَالَ عِيَاضٌ: الْمَعْرُوفُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ، وَهُوَ أَشْبَهُ عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ، يَعْنِي الْمُحَدِّثِينَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ وَهْمٌ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، فَقَدْ خَالَفَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ لِحَدِيثِ هِشَامٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ الْحِجَابُ قَالَتْ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ»   1279 - 1266 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَفْلَحَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، صَحَابِيٌّ، قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: عِدَادُهُ الحديث: 1279 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 فِي بَنِي سُلَيْمٍ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: يُقَالُ إِنَّهُ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: أَفْلَحُ بْنُ قُعَيْسٍ، وَفِي أُخْرَى لَهُ: " «اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ عَمِّي أَبُو الْجَعْدِ» "، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَكَأَنَّهَا كُنْيَةُ أَفْلَحَ (أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ، وَاسْمُهُ وَائِلُ بْنُ أَفْلَحَ الْأَشْعَرِيُّ كَمَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقِيلَ اسْمُهُ الْجَعْدُ كَمَا فِي الْمُقَدِّمَةِ، وَأَخَا بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مَنْ أَفْلَحَ. هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ، وَلَا يُخَالِفُهُ رِوَايَةُ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَفْلَحُ بْنُ أَبِي الْقُعَيْسِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَبُو الْقُعَيْسِ ابْنَ أَبِي الْقُعَيْسِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عُرْوَةَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو الْقُعَيْسِ وَأَظُنُّهُ وَهْمًا، فَابْنُ شِهَابٍ لَا يُقَاسُ بِهِ حِفْظًا وَإِتْقَانًا، فَلَا حُجَّةَ فِيمَا خَالَفَهُ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (جَاءَ) حَالَ كَوْنِهِ (يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهُوَ) أَيْ أَفْلَحُ (عَمُّهَا) أَيْ عَائِشَةَ (مِنَ الرَّضَاعَةِ) وَهُوَ الْتِفَاتٌ وَإِلَّا فَمُقْتَضَى السِّيَاقِ: عَلَيَّ وَهُوَ عَمِّي. وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْسِ زَوْجَ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَرْضَعَتْ عَائِشَةَ وَكَانَ اسْتِئْذَانُهُ (بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ الْحِجَابُ) أَيْ آيَتُهُ أَوْ حُكْمُهُ. (قَالَتْ) عَائِشَةُ (فَأَبَيْتُ) امْتَنَعْتُ (أَنْ آذَنَ) بِالْمَدِّ (لَهُ) فِي الدُّخُولِ (عَلَيَّ) لِلتَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَغَلَّبَتِ التَّحْرِيمَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، فَقَالَ: " «أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّكِ؟ " فَقُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي» ". (فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ بِالَّذِي صَنَعَتْ) مِنْ مَنْعِ أَفْلَحَ، وَقَوْلِهِ: أَتَحْتَجِبِينَ. . . إِلَخْ (فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ) بِالْمَدِّ (لَهُ) فِي الدُّخُولِ (عَلَيَّ) بِشَدِّ الْيَاءِ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: " «قُلْتُ: إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، قَالَ: تَرِبَتْ يَدَاكِ أَوْ يَمِينُكِ» ، وَفِي رِوَايَةِ عِرَاكٍ: «صَدَقَ أَفْلَحُ ائْذَنِي لَهُ» ". وَلِمُسْلِمٍ: " «لَا تَحْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ". وَاسْتُشْكِلَ عَمَلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُجَرَّدِ دَعْوَى أَفْلَحَ دُونَ بَيِّنَةٍ، وَأُجِيبُ بِاحْتِمَالِ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يَحْرُمُ حَتَّى تَثْبُتَ الْحُرْمَةُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ اللَّبَنِ كَمَا ثَبَتَ فِي جَانِبِ الْمُرْضِعَةِ، وَأَنَّ زَوْجَ الْمُرْضِعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ لِلرَّضِيعِ، وَأَخَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمِّ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَثْبَتَ عُمُومَةَ الرَّضَاعِ وَأَلْحَقَهَا بِالنَّسَبِ ; لِأَنَّ سَبَبَ اللَّبَنِ هُوَ مَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ مِنْهُمَا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ كَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ رَبِيعَةُ وَدَاوُدُ وَأَتْبَاعُهُ: الرَّضَاعَةُ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ لَا تُحَرِّمُ شَيْئًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23) وَلَمْ يَذْكُرِ الْبَنَاتَ كَمَا ذَكَرَهَا فِي تَحْرِيمِ النَّسَبِ، وَلَا ذَكَرَ مَنْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَالْعَمَّةِ كَمَا ذَكَرَهَا فِي النَّسَبِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ، وَذِكْرُ الشَّيْءِ لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْحُكْمِ عَمَّا سِوَاهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي الْحُرْمَةِ فَهُوَ أَوْلَى أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 أَحَقُّ أَنْ يُقَدَّمَ اهـ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِذَلِكَ بِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَنْفَصِلُ عَنِ الرَّجُلِ وَإِنَّمَا يَنْفَصِلُ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَكَيْفَ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ إِلَى الرَّجُلِ؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ هَذَا الْقِيَاسَ ; إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، فَقَالَ: إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ. . . كَمَا مَرَّ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ نَحْوَهُ، وَتَابَعَهُ فِي شَيْخِهِ عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ نَحْوَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَصَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ   1280 - 1267 - (مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ يَسْمَعْ ثَوْرٌ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَيْنَهُمَا عِكْرِمَةُ وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ لِعِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَصَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ) تَمَسُّكًا بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ كَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23) وَالْقِصَّةُ تُوجِبُ تَسْمِيَةَ الْمَرْأَةِ أُمًّا مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَتُعِقِّبُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا لَوْ كَانَ اللَّفْظُ وَاللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ فَيَثْبُتُ كَوْنُهَا أُمًّا بِمَا قَلَّ مَنِ الرَّضَاعَةِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَفْهُومَ التِّلَاوَةِ: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ مُحَرَّمَاتٌ لِأَجْلِ أَنَّهُنَّ أَرْضَعْنَكُمْ، فَتَعُودُ إِلَى مَعْنَى مَا قَالُوهُ، وَتُوجِبُ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِمَا يُسَمَّى رَضَاعًا. وَذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى اعْتِبَارِ ثَلَاثِ رَضَعَاتٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» ". وَحَدِيثُ أُمِّ الْفَضْلِ مَرْفُوعًا: " «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ وَالْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» ". رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ، فَنَصَّ الْحَدِيثُ عَلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ بِالرَّضْعَةِ وَالرَّضْعَتَيْنِ، فَلَوْ سَلَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ الْإِطْلَاقُ فَالْحَدِيثُ مُبَيِّنٌ لَهُ وَبَيَانُهُ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ، وَلِحَدِيثِ: " «إِنَّمَا الرَّضَاعُ مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ» ". وَحَدِيثِ: " «إِنَّمَا الرَّضَاعُ مَا أَنْشَرَ اللَّحْمَ» " يُرْوَى بِالرَّاءِ أَيْ شَدَّهُ وَأَبْقَاهُ، مِنْ نَشْرِ اللَّهِ الْمَيِّتَ إِذَا أَحْيَاهُ، وَبِالزَّايِ - زَادَ فِيهِ وَعَظَّمَهُ - مِنَ النَّشْزِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ، وَالْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ لَا يَفْتِقَانِ الْأَمْعَاءَ وَلَا يَنْشُرَانِ الْعَظْمَ، وَتُعِقِّبُ بِأَنَّ لِلْمَصَّةِ الْوَاحِدَةِ نَصِيبًا فِيهِمَا، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَعَلَّهُ كَانَ حِينَ يُعْتَبَرُ فِي التَّحْرِيمِ الْعَشْرُ وَالْعَدَدُ قَبْلَ نَسْخِهِ. وَأَمَّا دَعْوَى وَقْفِهِ فَغَيْرُ مُسَلَّمَةٍ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مَرْفُوعًا مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ، وَأُعِلَّ أَيْضًا بِالِاضْطِرَابِ وَرُدَّ، فَلَمَّا احْتَمَلَ رَجَعْنَا إِلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَمَفْهُومِ الْأَخْبَارِ وَتَنْزِيلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيَّاهُ مُنْزِلَةَ النَّسَبِ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ عَدَدٌ إِلَّا مُجَرَّدُ الْوَطْءِ فَكَذَلِكَ الرَّضَاعُ، وَقِيَاسًا عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ بِالصِّهْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ الحديث: 1280 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْرُمُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي وَيَجِيءُ الْكَلَامُ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا غُلَامًا وَأَرْضَعَتْ الْأُخْرَى جَارِيَةً فَقِيلَ لَهُ هَلْ يَتَزَوَّجُ الْغُلَامُ الْجَارِيَةَ فَقَالَ لَا اللِّقَاحُ وَاحِدٌ   1281 - 1268 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ الشَّرِيدِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، الثَّقَفِيِّ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّائِفِيِّ، مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ) وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ وَمَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ: جَارِيَتَانِ (فَأَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا غُلَامًا وَأَرْضَعَتِ الْأُخْرَى جَارِيَةً) أَيْ بِنْتًا صَغِيرَةً (فَقِيلَ لَهُ: هَلْ يَتَزَوَّجُ الْغُلَامُ الْجَارِيَةَ؟ فَقَالَ: لَا) يَتَزَوَّجُهَا (اللَّقَاحُ وَاحِدٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: قَالَ اللَّيْثُ: اللَّقَاحُ اسْمُ مَاءِ الْفَحْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اللَّقَاحُ بِمَعْنَى الْإِلْقَاحِ، يُقَالُ: لَقَّحَ النَّاقَةَ إِلْقَاحًا وَلَقَاحًا كَمَا يَقُولُ أَعْطَى إِعْطَاءً وَعَطَاءً، وَالْأَصْلُ فِيهِ لِلْإِبِلِ ثُمَّ يُسْتَعَارُ لِلنِّسَاءِ اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 1281 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا رَضَاعَةَ إِلَّا لِمَنْ أُرْضِعَ فِي الصِّغَرِ وَلَا رَضَاعَةَ لِكَبِيرٍ   1282 - 1269 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا رَضَاعَةَ إِلَّا لِمَنْ أَرْضَعَ فِي الصِّغَرِ وَلَا رَضَاعَةَ لِكَبِيرٍ) أَيْ لَا تُحَرِّمُ شَيْئًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 233) فَأَشْعَرَ جَعْلُ تَمَامِهَا إِلَى الْحَوْلَيْنِ أَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَهُمَا بِخِلَافِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَسْتَغْنِي غَالِبًا عَنِ اللَّبَنِ وَلَا يُشْبِعُهُ بَعْدَهُمَا إِلَّا اللَّحْمُ وَالْخُبْزُ وَنَحْوُهُمَا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، لَكِنْ رَوَى غَيْرُهُ عَنْهُ زِيَادَةَ أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ بَعْدَهُمَا، وَزِيَادَةَ شَهْرٍ وَشَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ لِافْتِقَارِ الطِّفْلِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إِلَى مُدَّةٍ يُحَالُ فِيهَا فِطَامُهُ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يُفْطَمُ دُفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ عَلَى التَّدْرِيجِ، فَحُكْمُ رَضَاعِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ حُكْمُ الْحَوْلَيْنِ، وَلِذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ: إِنَّ الْخِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي تَحْدِيدِ الزِّيَادَةِ خِلَافٌ فِي حَالِ الْقَدْرِ الَّذِي جَرَتِ الْعَادَةُ فِيهِ بِاسْتِغْنَائِهِ بِالطَّعَامِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقْصَى الرَّضَاعِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا. وَرَدَّهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] (سُورَةُ الْأَحْقَافِ: الْآيَةُ 15) يَتَضَمَّنُ أَقَلَّ الْحَمْلِ وَأَكْثَرَ الرَّضَاعِ، فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ فِي الرَّضَاعِ وَحْدَهُ، وَقَالَ زُفَرُ: ثَلَاثُ سِنِينَ. الحديث: 1282 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ بِهِ وَهُوَ يَرْضَعُ إِلَى أُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَتْ أَرْضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيَّ قَالَ سَالِمٌ فَأَرْضَعَتْنِي أُمُّ كُلْثُومٍ ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ مَرِضَتْ فَلَمْ تُرْضِعْنِي غَيْرَ ثَلَاثِ رَضَعَاتٍ فَلَمْ أَكُنْ أَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُتِمَّ لِي عَشْرَ رَضَعَاتٍ   1283 - 1270 الحديث: 1283 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ بِهِ وَهُوَ يَرْضَعُ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَمَاضِيهِ رَضِعَ بِكَسْرِهَا، وَأَهْلُ نَجْدٍ يَفْتَحُونَ الْمَاضِي وَيَكْسِرُونَ الْمُضَارِعَ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (أُمِّ كُلْثُومٍ) بِضَمِّ الْكَافِ (بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) التَّيْمِيَّةِ، تَابِعِيَّةٌ، مَاتَ أَبُوهَا وَهِيَ حَمْلٌ فَوُضِعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَقِصَّتُهَا بِذَلِكَ صَحِيحَةٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ، أَرْسَلَتْ حَدِيثًا فَذَكَرَهَا بِسَبَبِهِ ابْنُ مَنْدَهْ وَابْنُ السَّكَنِ فِي الصَّحَابَةِ فَوَهِمَا (فَقَالَتْ: أَرَضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيَّ) قَالَ السُّيُوطِيُّ: هَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ النِّسَاءِ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَضَعَاتٌ مَعْلُومَاتٌ وَلَيْسَ لِسَائِرِ النِّسَاءِ رَضَعَاتٌ مَعْلُومَاتٌ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا وَحَدِيثَ حَفْصَةَ الَّذِي بَعْدَهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِ الْبَاجِيِّ، وَقَوْلُهُ: لَعَلَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِعَائِشَةَ النَّسْخُ بِخَمْسٍ إِلَّا بَعْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ اهـ. وَبِهِ يُرَدُّ إِشَارَةُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى شُذُوذِ رِوَايَةِ نَافِعٍ هَذِهِ بِأَنَّ أَصْحَابَ عَائِشَةَ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ بِهَا مِنْ نَافِعٍ وَهُمْ عُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَعَمْرَةُ رَوَوْا عَنْهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ، فَوَهِمَ مَنْ رَوَى عَنْهَا عَشْرَ رَضَعَاتٍ ; لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْهَا أَنَّ الْخَمْسَ نَسَخْنَ الْعَشْرَ، وَمُحَالٌ أَنْ تَعْمَلَ بِالْمَنْسُوخِ، كَذَا قَالَ، وَهُوَ سَهْوٌ لِأَنَّ نَافِعًا قَالَ: إِنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثِقَةٌ حُجَّةٌ حَافِظٌ وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِأَنَّهَا خُصُوصِيَّةٌ لِلزَّوْجَاتِ الشَّرِيفَاتِ كَمَا قَالَهُ طَاوُسٌ، فَلَا وَهْمَ وَلَا شُذُوذَ. (قَالَ سَالِمٌ: فَأَرْضَعَتْنِي أُمُّ كُلْثُومٍ ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ مَرِضَتْ فَلَمْ تُرْضِعْنِي غَيْرَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، فَلَمْ أَكُنْ أَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ أَجْلِ أَنْ أُمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُتِمَّ لِي عَشْرَ رَضَعَاتٍ) الَّتِي تَجْعَلُنِي مَحْرَمًا لِعَائِشَةَ وَلِلزَّوْجَاتِ الشَّرِيفَاتِ فِي شِدَّةِ الْحِجَابِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِنَّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ بِعَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ إِلَى أُخْتِهَا فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تُرْضِعُهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ لِيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَهُوَ صَغِيرٌ يَرْضَعُ فَفَعَلَتْ فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا   1284 - 1271 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ) الثَّقَفِيَّةَ، زَوْجَةَ مَوْلَاهُ (أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَفْصَةَ الحديث: 1284 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ بِعَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ (إِلَى أُخْتِهَا فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ تُرْضِعُهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ لِيَدْخُلَ عَلَيْهَا) إِذَا بَلَغَ (وَهُوَ صَغِيرٌ يَرْضَعُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: أَرْسَلَتْ، أَوْ بِقَوْلِهِ: تُرْضِعُهُ، لَا بِـ (يَدْخُلَ عَلَيْهَا) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ جِدًّا (فَفَعَلَتْ) أَيْ أَرْضَعَتْهُ عَشْرًا (فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا) لِأَنَّهَا خَالَتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا وَبَنَاتُ أَخِيهَا وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إِخْوَتِهَا   1285 - 1272 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا وَبَنَاتُ أَخِيهَا، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إِخْوَتِهَا) لِأَنَّ الْمُرْضِعَ إِنَّمَا هُوَ الْمَرْأَةُ، وَالرَّجُلُ لَمْ يُرْضِعْ فَلَا يَحْرُمُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ كَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَدُاوُدَ وَابْنِ عُلَيَّةَ، كَمَا حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ قَائِلًا: وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُفْتِي بِخِلَافِ حَدِيثِ أَبِي الْقُعَيْسِ، يَعْنِي وَالْعِبْرَةُ عِنْدَ قَوْمٍ بِرَأْيِ الصَّحَابِيِّ إِذَا خَالَفَ مَرْوِيَّهُ، قَالَ: وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَأْذَنَ لِمَنْ شَاءَتْ مِنْ مَحَارِمِهَا وَتَحْجُبَ مَنْ شَاءَتْ، وَلَكِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا حَجَبَتْ مِنْ ذَكَرٍ إِلَّا بِخَبَرٍ وَاحِدٍ كَمَا عَلِمْنَا الْمَرْفُوعَ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ، فَوَجَبَ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِالسُّنَّةِ إِذْ لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا اهـ. وَقَدْ نَسَبَ الْمَازِرِيُّ لِعَائِشَةَ الْقَوْلَ بِأَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ، وَاسْتَبْعَدَهُ الزَّوَاوِيُّ مَعَ مُشَافَهَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيَّاهَا بِأَنَّهُ يُحَرِّمُ فِي حَدِيثِ أَفْلَحَ السَّابِقِ، وَمُحَالٌ أَنْ لَا يَصْدُرَ مِنْهَا مُخَالَفَتُهَا لِأَنَّ التَّأْوِيلَ فِي حَقِّهَا لَا يَصِحُّ مَعَ مُشَافَهَتِهِ، فَأَمَّا غَيْرُهَا فَقَدْ يَتَأَوَّلُ لِمُعَارَضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، كَذَا قَالَ، وَالْإِسْنَادُ إِلَيْهَا صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ، وَكَثِيرًا مَا يُخَالِفُ الصَّحَابِيُّ مَرْوِيَّهُ لِدَلِيلٍ قَامَ عِنْدَهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا فَهِمَتْ أَنَّ تَرْخِيصَهُ لَهَا فِي أَفْلَحَ لَا يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْحُكْمِ فِي كُلِّ فَحْلٍ ; لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَخُصَّ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ أَوْ فَهِمَتْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ مَعَ أَنَّهَا رَوَتِ الْقَصْرَ. الحديث: 1285 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَ سَعِيدٌ كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ ثُمَّ سَأَلْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ   1286 - 1273 - (مَالِكٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ) بِالْقَافِ الْمَدَنِيِّ (أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبَ عَنْ الحديث: 1286 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 الرَّضَاعَةِ فَقَالَ سَعِيدٌ: كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ قَطْرَةً وَاحِدَةً) وَصَلَتْ لِجَوْفِ الْعَرَبِيِّ (فَهُوَ يُحَرِّمُ) بِشَدِّ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ (وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ) فَلَا يُحَرِّمُ. (قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ: ثُمَّ سَأَلْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ) لِمُوَافَقَةِ اجْتِهَادِهِ لِاجْتِهَادِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ لَا رَضَاعَةَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْمَهْدِ وَإِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالدَّمَ   1287 - 1274 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبَ يَقُولُ لَا رَضَاعَةَ) مُحَرَّمَةً (إِلَّا مَا كَانَ فِي الْمَهْدِ) وَهُوَ مَا يُمَهَّدُ لِلصَّبِيِّ لِيَنَامَ فِيهِ (وَإِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالدَّمَ) فَرَضَاعُ الْكَبِيرِ لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّهُ لَا يُنْبِتُ شَيْئًا مِنْهُمَا، وَلِلْدَارَقُطْنِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» ". وَلِلْتِرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ: " «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ» ". وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا: " «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا شَدَّ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ» ". وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا: " «إِنَّمَا الرَّضَاعُ مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ وَفَتَقَ الْأَمْعَاءَ» ". الحديث: 1287 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الرَّضَاعَةُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا تُحَرِّمُ وَالرَّضَاعَةُ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ تُحَرِّمُ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ الرَّضَاعَةُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا إِذَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ تُحَرِّمُ فَأَمَّا مَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ   1287 - 1275 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الرَّضَاعَةُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا تُحَرِّمُ) تَنْشُرُ الْحُرْمَةَ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ، كَمَا قَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ مَعَ عِلْمِهِمْ حَدِيثَ الْمَصَّتَيْنِ، وَإِذَا تَرَكُوا ذَلِكَ لَمْ يَسْتَرِبْ أَنَّهُ لِعِلَّةٍ مِنْ نَسْخٍ أَوْ مُعَارِضٍ يُوجِبُ تَرْكَهُ وَإِنْ صَحَّ إِسْنَادُهُ، وَيَرْجِعُ إِلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ، وَلِلْقَاعِدَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ إِشْكَالٌ فِي قِصَّةٍ أَوْ تَعَارُضٌ مُبِيحٌ وَمَانِعٌ فَالْأَخْذُ بِهِ أَحَقُّ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ. (وَالرَّضَاعَةُ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، أَيْ جِهَتِهِمْ (تُحَرِّمُ) تَنْشُرُ الْحُرْمَةَ لِنَصِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، وَتَعْلِيلِهِ بِأَنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ، وَلَا عِطْرَ بَعْدَ عَرُوسٍ فَلَا عِبْرَةَ بِمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِيَّةِ وَابْنِ عُلَيَّةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 - (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: وَالرَّضَاعَةُ قَلِيلُهَا) وَلَوْ مَصَّةٌ (وَكَثِيرُهَا إِذَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ تُحَرِّمُ، فَأَمَّا مَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ) وَلَوْ بِيَوْمٍ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ مَا قَارَبَهُمَا، وَفِيهِ رِوَايَاتٌ عَنْ مَالِكٍ تَقَدَّمَتْ (فَإِنَّ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ) وَهُوَ لَا يُحَرِّمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 [بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ بَعْدَ الْكِبَرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فَقَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ تَبَنَّى سَالِمًا الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَنْكَحَ أَبُو حُذَيْفَةَ سَالِمًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ ابْنُهُ أَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ أَيَامَى قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَا أَنْزَلَ فَقَالَ {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] رُدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ إِلَى أَبِيهِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَبُوهُ رُدَّ إِلَى مَوْلَاهُ فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَهِيَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فُضُلٌ وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَمَاذَا تَرَى فِي شَأْنِهِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا وَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا مِنْ الرَّضَاعَةِ فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ كَانَتْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَبَنَاتِ أَخِيهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ وَأَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ وَقُلْنَ لَا وَاللَّهِ مَا نَرَى الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إِلَّا رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَضَاعَةِ سَالِمٍ وَحْدَهُ لَا وَاللَّهِ لَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ فَعَلَى هَذَا كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ»   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ بَعْدَ الْكِبَرِ 1288 - 1276 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ) هَلْ تُؤَثِّرُ التَّحْرِيمَ (فَقَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ ابْنُ الزُّبَيْرِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ يَدْخُلُ فِي الْمُسْنَدِ، أَيِ الْمَوْصُولِ لِلِقَاءِ عُرْوَةَ عَائِشَةَ وَسَائِرَ أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلِقَائِهِ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ، وَقَدْ وَصَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَعْمَرٌ وَعُقَيْلٌ وَيُونُسُ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِمَعْنَاهُ، وَرَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ) اسْمُهُ مُهَشَّمٌ، وَقِيلَ هُشَيْمٌ، وَقِيلَ هَاشِمٌ (ابْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ) بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مُنَافٍ الْقُرَشِيَّ الْعَبْشَمِيَّ، كَانَ طُوَالًا حَسَنَ الْوَجْهِ (وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَسْلَمَ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعِينَ إِنْسَانًا، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَصَلَّى إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ (وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا) وَسَائِرَ الْمَشَاهِدِ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ سَنَةً (وَكَانَ تَبَنَّى سَالِمًا الْفَارِسِيَّ الْمُهَاجِرِيَّ الْأَنْصَارِيَّ) الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ مَوْلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُقَالُ لَهَا لَيْلَى، وَيُقَالُ ثُبَيْتَةُ، بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، بِنْتُ يَعَارٍ، بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ فَأَلِفٍ فَرَاءٍ، ابْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَانَتِ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ سَعْدٍ، وَقِيلَ اسْمُهَا سَلْمَى، وَقَالَ ابْنُ شَاهِينَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ يَقُولُ: هُوَ سَالِمُ بْنُ مَعْقِلٍ مَوْلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ يَعَارٍ الْأَنْصَارِيَّةِ، أَعْتَقَتْهُ سَائِبَةُ فَوَالَى أَبَا حُذَيْفَةَ فَتَبَنَّاهُ أَيِ اتَّخَذَهُ ابْنًا، وَشَهِدَ الْيَمَامَةَ وَكَانَ الحديث: 1288 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 مَعَهُ لِوَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، فَقُطِعَتْ يَمِينُهُ فَأَخَذَهُ بِيَسَارِهِ فَقُطِعَتْ فَاعْتَنَقَهُ إِلَى أَنْ صُرِعَ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَبُو حُذَيْفَةَ؟ قِيلَ: قُتِلَ، قَالَ: فَأَضْجِعُونِي بِجَنْبِهِ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ مِيرَاثَهُ إِلَى مُعْتِقَتِهِ ثُبَيْتَةَ فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَعْتَقَتْهُ سَائِبَةُ، فَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ. وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ أَعْطَى مِيرَاثَهُ لِأُمِّهِ، فَقَالَ: كُلِيهِ، وَكَانَ ذَلِكَ تُرِكَ إِلَى أَنْ تَوَلَّى عُمَرُ، وَإِلَّا فَالْيَمَامَةُ كَانَتْ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ (كَمَا تَبَنَّى) أَيِ اتَّخَذَ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ) الْكَلْبِيَّ ابْنًا (وَأَنْكَحَ) أَيْ زَوَّجَ (أَبُو حُذَيْفَةَ سَالِمًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ ابْنُهُ) الْمُتَبَنَّى الْمَذْكُورُ (أَنْكَحَهُ) أَعَادَهُ لِطُولِ الْكَلَامِ بِالْفَصْلِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ. . . إِلَخْ، وَهَذَا حَسَنٌ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 89) فَأَعَادَ " لَمَّا جَاءَهُمْ " لِطُولِ الْكَلَامِ وَقَوْلِهِ: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} [المؤمنون: 35] (سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: الْآيَةُ 35) فَأَعَادَ أَنَّكُمْ (بِنْتَ أَخِيهِ فَاطِمَةَ) وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَشُعَيْبٍ وَغَيْرِهِمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ: هِنْدَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالصَّوَابُ فَاطِمَةُ (بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ) الْفَاضِلَاتِ (وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ أَيَامَى قُرَيْشٍ) جَمْعُ أَيِّمٍ، مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، زَادَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَوَرِثَ مِيرَاثَهُ (فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَا أَنْزَلَ فَقَالَ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ} [الأحزاب: 5] أَعْدَلُ {عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] بَنُو عَمِّكُمْ (رُدَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ إِلَى أَبِيهِ) الَّذِي وَلَدَهُ (فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَبُوهُ رُدَّ إِلَى مَوْلَاهُ) وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ (فَجَاءَتْ سَهْلَةُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ (بِنْتُ سُهَيْلٍ) بِضَمِّ السِّينِ، مُصَغَّرٌ، ابْنِ عَمْرٍو، بِفَتْحِ الْعَيْنِ، أَسْلَمَتْ قَدِيمًا بِمَكَّةَ (وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ) وَهَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى الْحَبَشَةِ فَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ مُحَمَّدًا وَهِيَ ضَرَّةُ مُعْتَقَةِ سَالِمٍ الْأَنْصَارِيَّةُ (وَهِيَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ) فَهِيَ قُرَشِيَّةٌ عَامِرِيَّةٌ، وَأَبُوهَا صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَرَى) نَعْتَقِدُ (سَالِمًا وَلَدًا) بِالتَّبَنِّي (وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فُضُلٌ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَيْ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ وَالصَّدْرِ، وَقِيلَ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا إِزَارَ تَحْتَهُ، وَقِيلَ مُتَوَشِّحَةً بِثَوْبٍ عَلَى عَاتِقِهَا خَالَفَتْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَصَحُّهَا الثَّانِي لِأَنَّ كَشْفَ الْحُرَّةِ الصَّدْرَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَحْرَمٍ وَلَا غَيْرِهِ (وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ) فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَابُ مِنْهُ، زَادَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا عَلِمْتَ (فَمَاذَا تَرَى فِي شَأْنِهِ؟) وَلِمُسْلِمٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ. وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْهَا فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقِلَ مَا عَقَلُوهُ، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. وَلَا مُنَافَاةَ فَإِنَّ سَهْلَةَ ذَكَرَتِ السُّؤَالَيْنِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقْتَصَرَ كُلُّ رَاوٍ عَلَى وَاحِدٍ. (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ (عَشْرَ رَضَعَاتٍ) ، وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ يُونُسُ: خَمْسَ رَضَعَاتٍ (فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا) زَادَ فِي مُسْلِمٍ: فَقَالَتْ: «كَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ؟ فَتَبَسَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا» . وَفِي لَفْظٍ لَهُ: «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبُ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ» . قَالَ أَبُو عُمَرَ: صِفَةُ رَضَاعِ الْكَبِيرِ أَنْ يُحْلَبَ لَهُ اللَّبَنُ وَيُسْقَاهُ، فَأَمَّا أَنْ تُلْقِمَهُ الْمَرْأَةُ ثَدْيَهَا فَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: وَلَعَلَّ سَهْلَةَ حَلَبَتْ لَبَنَهَا فَشَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ثَدْيَهَا وَلَا الْتَقَتْ بَشْرَتَاهُمَا ; إِذْ لَا يَجُوزُ رُؤْيَةُ الثَّدْيِ وَلَا مَسُّهُ بِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَفَا عَنْ مَسِّهِ لِلْحَاجَةِ كَمَا خُصَّ بِالرَّضَاعَةِ مَعَ الْكِبَرِ، وَأَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَضَعَ مِنْ ثَدْيِهَا لِأَنَّهُ تَبَسَّمَ وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتِ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْحَلْبِ، وَهُوَ مَوْضِعُ بَيَانٍ، وَمُطْلَقُ الرَّضَاعِ يَقْتَضِي مَصَّ الثَّدْيِ فَكَأَنَّهُ أَبَاحَ لَهَا ذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ فِي نَفْسِهِمَا أَنَّهُ ابْنُهَا وَهِيَ أُمُّهُ، فَهُوَ خَاصٌّ بِهِمَا لِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَأَنَّهُمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقِفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ سَهْلَةُ تَحْلِبُ فِي مُسْعُطٍ - إِنَاءٍ قَدْرَ رَضْعَتِهِ - فَيَشْرَبُهُ سَالِمٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ حَتَّى مَضَتْ خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَهِيَ حَاسِرٌ رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَهْلَةَ. (وَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا مِنَ الرَّضَاعَةِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرْضِعَيْهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ» (فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ كَانَتْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ) الْأَجَانِبِ (فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ) بِضَمِّ الْكَافِ مِنَ الْكَلْثَمَةِ وَهِيَ الْحُسْنُ (ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَبَنَاتِ أَخِيهَا) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ) قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَا عَلِمْتُ مَنْ أَخَذَ بِهِ عَامًّا إِلَّا عَائِشَةَ، وَلَوْ أَخَذَ بِهِ فِي رَفْعِ الْحِجَابِ آخِذٌ لَمْ أَعِبْهُ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إِلَى الْبَاجِيِّ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ، يَعْنِي وَالْخِلَافُ إِنَّمَا كَانَ أَوَّلًا، ثُمَّ انْقَطَعَ، الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَامًّا نَظَرٌ، فَحَدِيثُ الْمُوَطَّأِ نَصٌّ فِي أَنَّهَا أَخَذَتْ بِهِ فِي رَفْعِ الْحِجَابِ خَاصَّةً، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ: مَنْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ اهـ، وَلَا نَظَرَ، فَمُرَادُ ابْنِ الْمَوَّازِ بِالْعُمُومِ فِي كُلِّ النَّاسِ لَا خَاصٌّ بِسَهْلَةَ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ذَهَبَ إِلَى قَوْلِهَا أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ عَطَاءٌ وَاللَّيْثُ لِحَدِيثِ سَهْلَةَ هَذَا، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّهُ لَقَوِيٌّ وَلَوْ كَانَ الْمُوَطَّأُ بِسَالِمٍ لَقَالَ لَهَا: وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَكِ كَمَا قَالَ لِأَبِي بُرْدَةَ فِي الْجَذَعَةِ اهـ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالَ بِهِ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَرَوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ: أَكْرَهُ رَضَاعَ الْكَبِيرِ أَنْ أُحِلَّ مِنْهُ شَيْئًا. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ أَنَّ «امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى اللَّيْثِ فَقَالَتْ: أُرِيدُ الْحَجَّ وَلَيْسَ لِي مَحْرَمٌ، فَقَالَ: اذْهَبِي إِلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ تُرْضِعُكِ فَيَكُونُ زَوْجُهَا أَبًا لَكِ فَتَحُجِّينَ مَعَهُ» ، وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا وَفَتْوَاهَا وَعَمَلُهَا بِهِ (وَأَبَى) امْتَنَعَ (سَائِرُ) أَيْ بَاقِي (أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ: حَتَّى يَرْضَعَ فِي الْمَهْدِ (وَقُلْنَ) لِعَائِشَةَ (لَا وَاللَّهِ مَا نَرَى) نَعْتَقِدُ (الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إِلَّا رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَضَاعَةِ سَالِمٍ وَحْدَهُ) لِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ لَمْ تَأْتِ فِي غَيْرِهِ، وَاحْتَفَّتْ بِهَا قَرِينَةُ التَّبَنِّي وَصِفَاتٌ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَلَهَا أَنْ تُجِيبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ مُتَأَخِّرًا فَهُوَ نَاسِخٌ لِمَا عَدَاهُ مَعَ مَا لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ شِدَّةِ الْحُكْمِ فِي الْحِجَابِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ، كَذَا قَالَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. (لَا وَاللَّهِ لَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ، فَعَلَى هَذَا كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ) فَأَجَازَتْهُ عَائِشَةُ وَمَنَعَهُ بَاقِيهُنَّ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: فَمَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 أُحَدِّثُ بِهِ رَهْبَةً ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ: حَدِّثْهُ عَنِّي أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِيهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ تُرِكَ قَدِيمًا وَلَمْ يُعْمَلْ بِهِ وَلَا تَلَقَّاهُ الْجُمْهُورُ بِالْقَبُولِ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ تَلَقَّوْهُ عَلَى أَنَّهُ خُصُوصٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ سَهْلَةَ مَنْسُوخًا، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَرْقَانِيُّ تَامًّا نَحْوَهُ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أَنَّهَا قَالَتْ لِعَائِشَةَ: " إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ؟ " فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ. وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ زَيْنَبَ أَنَّ أُمَّهَا قَالَتْ: أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ أَحَدٌ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ: وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً. . . إِلَخْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ يَسْأَلُهُ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنِّي كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ وَكُنْتُ أَطَؤُهَا فَعَمَدَتْ امْرَأَتِي إِلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَقَالَتْ دُونَكَ فَقَدْ وَاللَّهِ أَرْضَعْتُهَا فَقَالَ عُمَرُ أَوْجِعْهَا وَأْتِ جَارِيَتَكَ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ رَضَاعَةُ الصَّغِيرِ   1289 - 1277 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ) لَمْ يُسَمَّ (إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ) بِالْمَدِينَةِ (يَسْأَلُهُ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الْحَارِثِيُّ الْبَدْرِيُّ (إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنِّي كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ) أَمَةٌ (وَكُنْتُ أَطَؤُهَا فَعَمَدَتِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ قَصَدَتِ (امْرَأَتِي إِلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا) لِتُحَرِّمَهَا عَلَيَّ (فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: دُونَكَ فَقَدَ وَاللَّهِ أَرْضَعْتُهَا) فَحَرُمَتْ عَلَيْكَ (فَقَالَ عُمَرُ: أَوْجِعْهَا) أَيِ امْرَأَتَكَ (وَائْتِ جَارِيَتَكَ) طَأْهَا، وَهَذَا مَعْنَى إِيجَاعِهَا (فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ رَضَاعَةُ الصَّغِيرِ) كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ وَالتَّنْزِيلُ. الحديث: 1289 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ إِنِّي مَصِصْتُ عَنْ امْرَأَتِي مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا فَذَهَبَ فِي بَطْنِي فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا أُرَاهَا إِلَّا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ انْظُرْ مَاذَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا رَضَاعَةَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا كَانَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ   1290 - 1278 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: مُنْقَطِعٌ يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا مُوسَى) عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ (الْأَشْعَرِيَّ) بِالْكُوفَةِ (فَقَالَ: إِنِّي مَصِصْتُ) بِكَسْرِ الصَّادِ الحديث: 1290 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 الْأُولَى وَفَتْحِهَا وَإِسْكَانِ الثَّانِيَةِ، شَرِبْتُ شُرْبًا رَقِيقًا (عَنْ) وَفِي نُسْخَةٍ: مِنِ (امْرَأَتِي مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا) مَفْعُولُ مَصِصْتُ لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ عَنْ أَوْ مِنْ مُتَعَلِّقُ مُقَدَّمٍ عَلَيْهِ أَيْ لَبَنًا نَاشِئًا عَنْ أَوْ مِنِ امْرَأَتِي (فَذَهَبَتْ فِي بَطْنِي، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا أُرَاهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، أَظُنُّهَا (إِلَّا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ) لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 23) (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: انْظُرْ) نَظَرَ تَأَمُّلٍ (مَا) زَادَ فِي نُسْخَةٍ (ذَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَا رَضَاعَةَ) مُحَرِّمَةً (إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 233) فَجَعْلُ إِتْمَامِهَا حَوْلَيْنِ يَمْنَعُ أَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَهُمَا كَحُكْمِهِمَا فَتُنْفَى رَضَاعَةُ الْكَبِيرِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا: " «إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» ". وَفِي الْحَدِيثِ " «لَا رَضَاعَةَ إِلَّا مَا شَدَّ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ، أَوْ قَالَ: أَنْشَزَ الْعَظْمَ» " رَوَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَصَحَّحَ أَبُو عُمَرَ رَفْعَهُ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ حَسَنٌ مَرْفُوعًا: «لَا رَضَاعَةَ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ» ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَنْفِي رَضَاعَةَ الْكَبِيرِ لِأَنَّ رَضَاعَهُ لَا يَنْفِي جُوعَهُ وَلَا يَفْتِقُ أَمْعَاءَهُ وَلَا يَشُدُّ عَظْمَهُ إِلَى آخِرِهِ. (فَقَالَ أَبُو مُوسَى) زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ (لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا كَانَ) أَيْ وُجِدَ (هَذَا الْحَبْرُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَطَعَ بِهِ ثَعْلَبٌ، وَبِكَسْرِهَا، وَقَدَّمَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمَجْدُ، أَيِ الْعَالِمُ (بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ) أَيْ بَيْنَكُمْ، وَأَظْهُرٌ زَائِدٌ، وَأَتَى الْإِمَامُ بِهَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ بَعْدَ حَدِيثِ سَهْلَةَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِهِ فَهُوَ خُصُوصِيَّةٌ لَهَا أَوْ مَنْسُوخٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، بَلِ ادَّعَى الْبَاجِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْخِلَافِ كَمَا مَرَّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 [بَاب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ»   3 - بَابُ جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ 1291 - 1279 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْمَدَنِيِّ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ الحديث: 1291 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) كِلَاهُمَا (عَنْ عَائِشَةَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا غَلَطٌ مِنْ يَحْيَى أَيْ زِيَادَةُ الْوَاوِ، لَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ (أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ» ) مِنْ تَحْرِيمِ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَنَشْرِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَأَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا هُوَ وَفُرُوعُهُ مِنْ نَسَبٍ وَرَضَاعٍ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَوْلَادِهَا مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ هِيَ وَأَخَوَاتُهَا مِنْ نَسَبٍ وَرَضَاعٍ وَيَصِيرُ ابْنًا لِزَوْجِهَا صَاحِبِ اللَّبَنِ، فَيَحْرُمُ هُوَ وَأُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ مِنْ نَسَبٍ وَرَضَاعٍ إِلَى آخِرِ مَا بُيِّنَ فِي الْفِقْهِ، وَمِنْ جَوَازِ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ وَالْمُسَافَرَةِ دُونَ سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ كَمِيرَاثٍ وَنَفَقَةٍ وَعِتْقٍ بِالْمِلْكِ وَرَدِّ شَهَادَةٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَمَعْنٍ الْقَزَّازِ كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ: " «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ الْوِلَادَةِ» " اهـ، فَلَعَلَّ مَالِكًا حَدَّثَ بِهِ بِاللَّفْظَيْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّةِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا «أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ» قَالَ مَالِكٌ وَالْغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ   1292 - 1280 - (مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلِ) بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ الْأَسَدِيِّ أَبِي الْأَسْوَدِ يَتِيمِ عُرْوَةَ الثِّقَةِ الْعَلَّامَةِ (قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (عَنْ جُدَامَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ عَنْ مَالِكٍ كَمَا قَالَ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ حَتَّى قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَنْ قَالَهَا بِالْمُعْجَمَةِ فَقَدْ صَحَّفَ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ رِوَايَةُ يَحْيَى، وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ عَنْهُ: سَمَاعِي مِنْهُ مُوَطَّأَ أَبِي مُصْعَبٍ بِالْمُعْجَمَةِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهِيَ لُغَةُ مَا لَمْ يَنْدَقَّ مِنَ السُّنْبُلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِذَا تَحَاتَّ الْبُرُّ فَمَا بَقِيَ فِي الْغِرْبَالِ مِنْ قَصَبَةٍ فَهُوَ جُدَامَةٌ (بِنْتِ وَهْبِ) بْنِ مِحْصَنٍ، وَيُقَالُ: بِنْتُ جَنْدَلٍ، وَيُقَالُ: بِنْتُ جُنْدَبٍ (الْأَسَدِيَّةِ) لَهَا سَابِقَةٌ وَهِجْرَةٌ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: أُخْتِ عُكَّاشَةَ، أَيْ: أُخْتِهِ لِأُمِّهِ عَلَى الْمُخْتَارِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَعَلَّهُ أَخِي عُكَّاشَةُ، فَتَكُونُ بِنْتَ أَخِيهِ (أَنَّهَا) أَيِ جُدَامَةَ (أَخْبَرَتْهَا) أَيْ عَائِشَةُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ، هَكَذَا إِلَّا أَبَا عَامِرٍ الْعَقَدِيَّ فَجَعَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ لَمْ يَذْكُرْ جُدَامَةَ، وَكَذَا رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ، وَرَوَاهُ فِيهِ كَسَائِرِ الرُّوَاةِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ جُدَامَةَ، فَفِي رِوَايَتِهَا عَنْهَا حِرْصُ عَائِشَةَ عَلَى الْعِلْمِ وَبَحْثُهَا عَنْهُ الحديث: 1292 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 (أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي أُنَاسٍ " (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَقَدْ هَمَمْتُ) أَيْ قَصَدْتُ (أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْهَاءِ اسْمٌ مِنَ الْغَيْلِ بِفَتْحِهَا وَالْغِيَالِ بِكَسْرِهَا، وَالْغَيْلَةُ بِالْفَتْحِ وَالْهَاءِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَقِيلَ لَا تُفْتَحُ الْغَيْنُ إِلَّا مَعَ حَذْفِ الْهَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ السَّرَّاجِ الْوَجْهَيْنِ فِي غِيلَةِ الرَّضَاعِ، أَمَّا غِيلَةُ الْقَتْلِ فَبِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنِ الْغِيَالِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا، قَالَهُ عِيَاضٌ (حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ) بِضَمِّ الرَّاءِ نِسْبَةً إِلَى رُومِ بْنِ عِيصُو بْنُ إِسْحَاقَ (وَفَارِسَ) لَقَبُ قَبِيلَةٍ لَيْسَ بِأَبٍ وَلَا أُمٍّ، وَإِنَّمَا هُمْ أَخْلَاطٌ مِنْ تَغْلِبَ اصْطَلَحُوا عَلَى هَذَا الِاسْمِ (يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يَغِيلُونَ أَوْلَادَهُمْ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا، يَعْنِي لَوْ كَانَ الْجِمَاعُ حَالَ الرَّضَاعِ أَوِ الْإِرْضَاعِ حَالَ الْحَمْلِ مُضِرًّا لَضَرَّ أَوْلَادَ الرُّومِ وَفَارِسَ ; لِأَنَّهُمْ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الْأَطِبَّاءِ فِيهِمْ، فَلَوْ كَانَ مُضِرًّا لَمَنَعُوهُمْ مِنْهُ، فَحِينَئِذٍ لَا أَنْهَى عَنْهُ. قَالَ عِيَاضٌ: فَفِيهِ جَوَازُهُ إِذْ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ لِأَنَّهُ رَأْيُ الْجُمْهُورِ وَإِنْ أَضَرَّ بِالْقَلِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُكْثِرُ اللَّبَنَ وَقَدْ يُغَيِّرُهُ، وَالْأَطِبَّاءُ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ اللَّبَنِ إِنَّهُ دَاءٌ وَالْعَرَبُ تَتَّقِيهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْهُ حَمْلٌ وَلَا يُعْرَفُ فَيَرْجِعُ إِلَى إِرْضَاعِ الْحَامِلِ الْمُتَّفِقِ عَلَى مَضَرَّتِهِ، وَأُخِذَ الْجَوَازُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: إِنِّي أَعْزِلُ عَنِ امْرَأَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ عَلَى أَوْلَادِهَا، فَقَالَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ» " وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّ الْغِيلَةَ إِنَّمَا تَضُرُّ فِي النَّادِرِ فَلِذَا لَمْ يَنْهَ عَنْهَا رِفْقًا بِالنَّاسِ لِلْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ عِيَاضٌ: وَفِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْأَحْكَامِ، وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِيهِ، قَالَ الْأَبِيُّ: وَوَجْهُ الِاجْتِهَادِ أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ بِرَأْيٍ أَوِ اسْتِفَاضَةٍ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فَارِسَ وَالرُّومَ، قَاسَ الْعَرَبَ عَلَيْهِمْ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَخَلَفِ بْنِ هِشَامٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَحْوَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا خَرَّجَ عَنْ جُدَامَةَ. (قَالَ مَالِكٌ: الْغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ) أَنْزَلَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَقَدْ تُنْزِلُ الْمَرْأَةُ فَيُضَرُّ اللَّبَنُ، وَقِيلَ إِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَيْسَ بِغِيلَةٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَفْسِيرُ مَالِكٍ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ إِرْضَاعُ الْمَرْأَةِ وَلَدَهَا وَهِيَ حَامِلٌ؛ لِأَنَّهَا إِذَا حَمَلَتْ فَسَدَ اللَّبَنُ فَيُفْسِدُ جِسْمَ الصَّبِيِّ وَيَضْعُفُ حَتَّى رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَقْلِهِ. وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: " «إِنَّ الْغِيلَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 لَتُدْرِكُ الْفَارِسَ فَتُعْثِرُهُ عَنْ فَرَسِهِ أَوْ قَالَ عَنْ سَرْجِهِ» " أَيْ يَضْعُفُ فَيَسْقُطُ عَنْهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: فَوَارِسُ لَمْ يُغَالُوا فِي رَضَاعٍ ... فَتَنْبُو فِي أَكُفِّهِمُ السُّيُوفُ وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ الْأَخْفَشُ حَقًّا لَنَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِرْشَادًا ; لِأَنَّهُ رَؤُوفٌ بِالْمُؤْمِنِينَ اهـ. وَفِي الْأَبِيِّ: احْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّهَا وَطْءُ الْمُرْضِعِ، بِأَنَّ إِرْضَاعَ الْحَامِلِ مُضِرٌّ وَدَلِيلُهُ الْعِيَانُ، فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغِيلَةَ الَّتِي فِيهِ لَا تَضُرُّ وَهَذِهِ تَضُرُّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالْخَبَرُ - يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ - لَا يُنَافِيهِ خَبَرٌ: " «لَا تَغِيلُوا أَوْلَادَكُمْ سِرًّا» " فَإِنَّ هَذَا كَالْمَشُورَةِ عَلَيْهِمْ وَالْإِرْشَادِ لَهُمْ إِلَى تَرْكِ مَا يُضْعِفُ الْوَلَدَ وَيُغِيلُهُ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الْمُرْضِعَ إِذَا بَاشَرَهَا الرَّجُلُ حَرَّكَ مِنْهَا دَمَ الطَّمْثِ وَأَهَاجَهُ لِلْخُرُوجِ، فَلَا يَبْقَى اللَّبَنُ عَلَى اعْتِدَالِهِ وَطِيبِهِ، وَرُبَّمَا حَمَلَتِ الْمَوْطُوءَةُ فَيَكُونُ مِنْ أَضَرِّ الْأُمُورِ عَلَى الرَّضِيعِ لِأَنَّ جِهَةَ الدَّمِ حِينَئِذٍ تَنْصَرِفُ فِي تَغْذِيَةٍ فَيَصِيرُ لَبَنُهَا رَدِيئًا فَيَضْعُفُ الرَّضِيعُ، فَهَذَا وَجْهُ الْإِرْشَادِ لَهُمْ إِلَى تَرْكِهِ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُ عَلَيْهِمْ وَلَا نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ دَائِمًا لِكُلِّ مَوْلُودٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ   1293 - 1281 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةِ ( «عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ» ) وَصَفَهَا بِذَلِكَ تَحَرُّزًا عَمَّا شَكَّ وُصُولُهُ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ ( «يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ» ) وَلِابْنٍ وَضَّاحٍ: وَهِيَ، أَيِ الْخَمْسُ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ ( «فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ» ) الْمَنْسُوخِ، فَالْمَعْنَى أَنَّ الْعَشْرَ نُسِخَتْ بِخَمْسٍ، وَلَكِنَّ هَذَا النَّسْخَ تَأَخَّرَ حَتَّى تُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْضُ النَّاسِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ، فَصَارَ يَتْلُوهُ قُرْآنًا، فَلَمَّا بَلَغَهُ تَرَكَ، فَالْعَشْرُ عَلَى قَوْلِهَا مَنْسُوخَةُ الْحَكَمِ وَالتِّلَاوَةِ، وَالْخَمْسُ مَنْسُوخَةُ التِّلَاوَةِ فَقَطْ كَآيَةِ الرَّجْمِ، وَمَنْ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْعَشَرَةِ يُعِيدُ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا وَيَكُونُ مَنْ يَقْرَؤُهَا لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ تِلَاوَتَهَا كَانَتْ ثَابِتَةً وَتَرَكُوهَا لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَحْفُوظٌ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَبِهِ تَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِهِ لَا يَقَعُ التَّحْرِيمُ إِلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ تَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا وَهِيَ قَدْ أَضَافَتْهُ إِلَى الْقُرْآنِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهَا فِي الْعَمَلِ بِهِ فَلَيْسَ بِسُنَّةٍ وَلَا قُرْآنٍ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا مِنْ طَرِيقِهَا، وَالْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِالْآحَادِ، الحديث: 1293 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 فَإِنْ قِيلَ: إِذَا لَمْ يَثْبُتُ أَنَّهُ قُرْآنٌ، بَقِيَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي عَدَدِ الرَّضَعَاتِ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الْعَمَلِيَّةَ يَصِحُّ التَّمَسُّكُ فِيهَا بِالْآحَادِ، قِيلَ هَذَا وَإِنْ قَالَهُ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ فَقَدْ أَنْكَرَهُ حُذَّاقُهُمْ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْفَعْهُ فَلَيْسَ بِقُرْآنٍ وَلَا حَدِيثٍ، وَأَيْضًا لَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ، وَأَيْضًا وَرَدَ بِطْرِيقِ الْآحَادِ فِيمَا جَرَتِ الْعَادَةُ فِيهِ التَّوَاتُرُ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا لَمْ تَرْفَعْهُ أَوْ لَمْ يَتَوَاتَرْ لِأَنَّهُ نُسِخَ. قُلْنَا: قَدْ أَجَبْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فَالْمَنْسُوخُ لَا يُعْمَلُ بِهِ، وَكَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ: " وَهِيَ مِمَّا يُتْلَى مِنَ الْقُرْآنِ " أَيْ مِنَ الْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ، فَلَوْ أَرَادَتْ مِنَ الْقُرْآنِ الثَّابِتِ لَاشْتَهَرَ عِنْدَ غَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا اشْتَهَرَ سَائِرُ الْقُرْآنِ، وَلِذَا قَالَ (مَالِكٌ: وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا) بَلْ عَلَى التَّحْرِيمِ وَلَوْ بِمَصَّةٍ وَصَلَتْ لِلْجَوْفِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَأَحَادِيثِ الرَّضَاعِ، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ حَتَّى قَالَ اللَّيْثُ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ فِي الْمَهْدِ مَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ، حَكَاهُ فِي التَّمْهِيدِ، وَمِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَأَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ وَجَهَابِذَةُ الْمُحَدِّثِينَ قَدْ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِحَدِيثٍ مَعَ رِوَايَتِهِمْ لَهُ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِهِ كَهَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّمَا تَرَكُوهُ لِعِلَّةٍ كَنَسْخٍ أَوْ مُعَارِضٍ يُوجِبُ تَرْكَهُ فَيَرْجِعُ إِلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ الْمُطْلَقَةِ وَإِلَى قَاعِدَةٍ هِيَ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ اشْتِبَاهٌ فِي قِصَّةٍ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيهَا أَبْرَأَ لِلذِّمَّةِ، وَأَنَّهُ مَتَى تَعَارَضَ مَانِعٌ وَمُبِيحٌ قُدِّمَ الْمَانِعُ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ تَشْعِيبُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَالِكٍ فِي عَدَمِ قَوْلِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ رَوَاهُ، وَأَطَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الرَّدِّ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ بِمَا رَأَيْتُ الْإِضْرَابَ عَنْ كَلَامَيْهِمَا أَوْلَى لِمَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الِاسْتِطَالَةِ فِي الْكَلَامِ لِلْحَمِيَّةِ الْمَذْهَبِيَّةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ، الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ نَحْوَهُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَمْرَةَ نَحْوَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَسْأَلُهُ الْإِعَانَةَ عَلَى التَّمَامِ خَالِصًا لِوَجْهِهِ بِجَاهِ أَفْضَلِ الْأَنَامِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 [كِتَاب الْبُيُوعِ] [بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعُرْبَانِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْبُيُوعِ بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعُرْبَانِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ أَوْ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ ثُمَّ يَقُولُ لِلَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ تَكَارَى مِنْهُ أُعْطِيكَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ عَلَى أَنِّي إِنْ أَخَذْتُ السِّلْعَةَ أَوْ رَكِبْتُ مَا تَكَارَيْتُ مِنْكَ فَالَّذِي أَعْطَيْتُكَ هُوَ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَوْ مِنْ كِرَاءِ الدَّابَّةِ وَإِنْ تَرَكْتُ ابْتِيَاعَ السِّلْعَةِ أَوْ كِرَاءَ الدَّابَّةِ فَمَا أَعْطَيْتُكَ لَكَ بَاطِلٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبْتَاعَ الْعَبْدَ التَّاجِرَ الْفَصِيحَ بِالْأَعْبُدِ مِنْ الْحَبَشَةِ أَوْ مِنْ جِنْسٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ لَيْسُوا مِثْلَهُ فِي الْفَصَاحَةِ وَلَا فِي التِّجَارَةِ وَالنَّفَاذِ وَالْمَعْرِفَةِ لَا بَأْسَ بِهَذَا أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ الْعَبْدَ بِالْعَبْدَيْنِ أَوْ بِالْأَعْبُدِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ إِذَا اخْتَلَفَ فَبَانَ اخْتِلَافُهُ فَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُ ذَلِكَ بَعْضًا حَتَّى يَتَقَارَبَ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ إِذَا انْتَقَدْتَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى جَنِينٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ إِذَا بِيعَتْ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ لَا يُدْرَى أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى أَحَسَنٌ أَمْ قَبِيحٌ أَوْ نَاقِصٌ أَوْ تَامٌّ أَوْ حَيٌّ أَوْ مَيْتٌ وَذَلِكَ يَضَعُ مِنْ ثَمَنِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَنْدَمُ الْبَائِعُ فَيَسْأَلُ الْمُبْتَاعَ أَنْ يُقِيلَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ نَقْدًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ وَيَمْحُو عَنْهُ الْمِائَةَ دِينَارٍ الَّتِي لَهُ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ نَدِمَ الْمُبْتَاعُ فَسَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يُقِيلَهُ فِي الْجَارِيَةِ أَوْ الْعَبْدِ وَيَزِيدَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ الَّذِي اشْتَرَى إِلَيْهِ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ مِائَةَ دِينَارٍ لَهُ إِلَى سَنَةٍ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ بِجَارِيَةٍ وَبِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْ السَّنَةٍ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إِلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ مِنْ الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ إِلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ الَّذِي بَاعَهَا إِلَيْهِ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَتَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا إِلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْهُ يَبِيعُهَا بِثَلَاثِينَ دِينَارًا إِلَى شَهْرٍ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا بِسِتِّينَ دِينَارًا إِلَى سَنَةٍ أَوْ إِلَى نِصْفِ سَنَةٍ فَصَارَ إِنْ رَجَعَتْ إِلَيْهِ سِلْعَتُهُ بِعَيْنِهَا وَأَعْطَاهُ صَاحِبُهُ ثَلَاثِينَ دِينَارًا إِلَى شَهْرٍ بِسِتِّينَ دِينَارًا إِلَى سَنَةٍ أَوْ إِلَى نِصْفِ سَنَةٍ فَهَذَا لَا يَنْبَغِي   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 31 - كِتَابُ الْبُيُوعِ جَمْعُ بَيْعٍ، وَجُمِعَ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ كَبَيْعِ الْعَيْنِ وَبَيْعِ الدَّيْنِ وَبَيْعِ الْمَنْفَعَةِ وَالصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ لُغَةٌ: الْمُبَادَلَةُ. وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الشِّرَاءِ. قَالَ الْفَرَزْدَقُ: إِنَّ الشَّبَابَ الرَّابِحُ مَنْ بَاعَهُ ... وَالشَّيْبُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ تِجَارُ. يَعْنِي مَنِ اشْتَرَاهُ، وَيُطْلَقُ الشِّرَاءُ أَيْضًا عَلَى الْبَيْعِ وَمِنْهُ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 20) سُمِّي الْبَيْعُ بَيْعًا لِأَنَّ الْبَائِعَ يَمُدُّ بَاعَهُ إِلَى الْمُشْتَرِي حَالَةَ الْعَقْدِ غَالِبًا، كَمَا يُسَمَّى صَفْقَةً ; لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَصْفِقُ يَدَهُ عَلَى يَدِ صَاحِبِهِ، لَكِنْ رَدَّ الْأَخْذَ بِأَنَّ الْبَيْعَ يَائِيٌّ وَالْبَاعَ وَاوِيٌّ. تَقُولُ: بِعْتُ الشَّيْءَ بِالضَّمِّ أَبُوعَهُ بَوْعًا إِذَا قَسَّمْتَهُ بِالْبَاعِ، وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ بَاعَ بَائِعٌ بِالْهَمْزِ وَتَحْرِيكُهُ لَحْنٌ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ مَبِيعٌ وَأَصْلُهُ مَبْيُوعٌ فَالْمَحْذُوفُ مِنْهُ وَاوُ مَفْعُولٍ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ فَهِيَ أَوْلَى بِالْحَذْفِ، قَالَهُ الْخَلِيلُ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْمَحْذُوفُ عَيْنُ الْكَلِمَةِ، الْأَزْهَرِيُّ: كِلَاهُمَا صَوَابٌ، الْمَازِنِيُّ: كِلَاهُمَا حَسَنٌ، وَقَوْلُ الْأَخْفَشِ أَقْيَسُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ: الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ عَقْدَانِ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا قِوَامُ الْعَالَمِ ; لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجًا إِلَى الْغِذَاءِ مُفْتَقِرًا إِلَى النِّسَاءِ، وَخَلَقَ لَهُ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلَمْ يَتْرُكْهُ سُدًى يَتَصَرَّفُ بِاخْتِيَارِهِ كَيْفَ شَاءَ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: يَكْفِي رُبْعُ الْعِبَادَاتِ لَيْسَ بِشَيْءٍ إِذْ لَا يَخْلُو مُكَلَّفٌ غَالِبًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ. 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعُرْبَانِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَيُقَالُ عُرْبُونٌ وَعَرْبُونٌ، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَبِالْهَمْزَةِ بَدَلَ الْعَيْنِ فِي الثَّلَاثِ وَالرَّاءُ سَاكِنَةٌ فِي الْكُلِّ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ إِعْرَابًا لِعَقْدِ الْبَيْعِ أَيْ إِصْلَاحًا وَإِزَالَةَ فَسَادٍ لِئَلَّا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ بِاشْتِرَائِهِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْعُرْبَانُ لُغَةً أَوَّلُ الشَّيْءِ. 1282 - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 (مَالِكٌ، عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الثِّقَةِ هُنَا، وَالْأَشْبَهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، أَوِ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرٍو وَسَمِعَهُ مِنْهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ اهـ. وَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لِهَيْعَةَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَقَالَ: رَوَاهُ حَبِيبٌ كَاتِبُ مَالِكٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَحَبِيبٌ مَتْرُوكٌ كَذَّبُوهُ اهـ. وَرِوَايَةُ حَبِيبٍ ثُمَّ ابْنِ مَاجَهْ، وَأَشْبَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْمِصْرِيُّ، فَقَدْ رَوَاهُ الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ الْهَيْثَمِ بْنِ يَمَانٍ أَبِي بِشْرٍ الرَّازِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، صَدُوقٌ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ) شُعَيْبٍ، تَابِعِيٌّ صَدُوقٌ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ شُعَيْبٍ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْهُ أَوْ ضَمِيرُهُ لِعَمْرٍو، وَيُحْمَلُ عَلَى الْجَدِّ الْأَعْلَى وَهُوَ الصَّحَابِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَلِذَا احْتَجَّ الْأَكْثَرُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّ جَدَّ عَمْرٍو مُحَمَّدًا لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ، وَلَا رِوَايَةَ لَهُ بِنَاءً عَلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ لِعَمْرٍو وَأَنَّهُ الْجَدُّ الْأَدْنَى. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِهِ، وَمَنْ قَالَ: حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ أَوْ ضَعِيفٌ، لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مُنْقَطِعًا بِحَالٍ ; إِذْ هُوَ مَا سَقَطَ مِنْهُ الرَّاوِي قَبْلَ الصَّحَابِيِّ أَوْ مَا لَمْ يَتَّصِلْ، وَهَذَا أَنَّ فِيهِ رَاوِيًا مُبْهَمًا. (قَالَ مَالِكٌ: وَ) تَفْسِيرُ (ذَلِكَ فِيمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ، نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ) أَوِ الْمَرْأَةُ (الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ) الْأَمَةَ (أَوْ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ) ثُمَّ يَقُولُ لِلَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ تَكَارَى مِنْهُ: أُعْطِيكَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ عَلَى أَنِّي إِنْ أَخَذْتُ السِّلْعَةَ الْمُبْتَاعَةَ (أَوْ رَكِبْتُ مَا تَكَارَيْتُ مِنْكَ فَالَّذِي أَعْطَيْتُكَ هُوَ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَوْ مِنْ كِرَاءِ الدَّابَّةِ، وَإِنْ تَرَكْتُ) بِضَمِّ التَّاءِ (ابْتِيَاعَ السِّلْعَةِ أَوْ كِرَاءَ الدَّابَّةِ فَمَا أَعْطَيْتُكَ لَكَ بَاطِلٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 لَا رُجُوعَ لِي بِهِ عَلَيْكَ، وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّرْطِ وَالْغَرَرِ وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، فَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ فَإِنْ فَاتَ مَضَى لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَقَدْ أَجَازَهُ أَحْمَدُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ إِجَازَتُهُ، وَيُرَدُّ الْعُرْبَانُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا يَصِحُّ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إِجَازَتِهِ، فَإِنْ صَحَّ احْتَمَلَ أَنَّهُ يُحْسَبُ عَلَى الْبَائِعِ مِنَ الثَّمَنِ إِنْ تَمَّ الْبَيْعُ وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبْتَاعَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيِ الْمُبْتَاعُ الْمَفْهُومُ مِنْ يَبْتَاعُ وَلِلْمَفْعُولِ فَقَوْلُهُ: (الْعَبْدَ التَّاجِرَ الْفَصِيحَ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ (بِالْأَعْبُدِ مِنَ الْحَبَشَةِ أَوْ مِنْ جِنْسٍ مِنَ الْأَجْنَاسِ، لَيْسُوا مِثْلَهُ فِي الْفَصَاحَةِ وَلَا فِي التِّجَارَةِ وَالنَّفَاذِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، الْمُضِيُّ فِي أَمْرِهِ (وَالْمَعْرِفَةِ) بِالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ (لَا بَأْسَ بِهَذَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ الْعَبْدَ بِالْعَبْدَيْنِ أَوْ بِالْأَعْبُدِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ إِذَا اخْتَلَفَ فَبَانَ) ظَهَرَ (اخْتِلَافُهُ، فَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُ ذَلِكَ بَعْضًا حَتَّى يَتَقَارَبَ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ) بِالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ وَنَحْوِهِمَا (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ) أَيْ تَقْبِضَهُ (إِذَا انْتَقَدْتَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ) لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى جَنِينٌ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ إِذَا بِيعَتْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ لَا يُدْرَى أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى، أَمْ حَسَنٌ أَمْ قَبِيحٌ، أَوْ نَاقِصٌ أَوْ تَامٌّ، أَوْ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ؟ وَذَلِكَ يَضَعُ) يُنْقِصُ (مَنْ ثَمَنِهَا) وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 ثُمَّ يَنْدَمُ فَيُسْأَلُ الْمُبْتَاعَ) الْمُشْتَرِيَ (أَنْ يُقِيلَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ نَقْدًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ وَيَمْحُو) يُزِيلُ (عَنْهُ الْمِائَةَ دِينَارٍ الَّتِي لَهُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُسْتَأْنَفٌ وَإِقَالَةٌ لَا تُهْمَةَ فِيهَا لِرُجُوعِ سِلْعَتِهِ إِلَيْهِ بِمَا اشْتَرَاهَا بِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ ذَهَبٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَلَا إِلَى أَجَلٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (وَإِنْ نَدِمَ الْمُبْتَاعُ فَسَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يُقِيلَهُ فِي الْجَارِيَةِ أَوِ الْعَبْدِ وَيَزِيدُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنَ الْأَجَلِ الَّذِي اشْتَرَى إِلَيْهِ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ مِائَةَ دِينَارٍ لَهُ إِلَى سَنَةٍ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ) السَّنَةُ (بِجَارِيَةٍ وَبِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنَ السَّنَةِ) لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ (فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إِلَى أَجَلٍ) وَهُوَ مَمْنُوعٌ (وَالرَّجُلُ يَبِيعُ الْجَارِيَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ إِلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ الَّذِي بَاعَهَا إِلَيْهِ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ) لَا يَجُوزُ (وَتَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الرِّجْلُ الْجَارِيَةَ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا إِلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْهُ يَبِيعُهَا بِثَلَاثِينَ دِينَارًا إِلَى شَهْرٍ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا بِسِتِّينَ دِينَارًا إِلَى سَنَةٍ أَوْ إِلَى نِصْفِ سَنَةٍ، فَصَارَ) آلَ أَمْرُهُ (إِنْ رَجَعَتْ إِلَيْهِ سِلْعَتُهُ بِعَيْنِهَا وَأَعْطَاهُ صَاحِبُهُ) الَّذِي كَانَ اشْتَرَى مِنْهُ (ثَلَاثِينَ دِينَارًا إِلَى شَهْرٍ بِسِتِّينَ دِينَارًا إِلَى سَنَةٍ أَوْ إِلَى نِصْفِ سَنَةٍ فَهَذَا لَا يَنْبَغِي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 أَيْ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ حِيلَةٌ لِلرِّبَا، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ بِنَاءً عَلَى قَطْعِ الذَّرَائِعِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنَ قَصَدَا إِلَيْهِ، وَأَبَى ذَلِكَ الْأَكْثَرُ وَالشَّافِعِيُّ حَيْثُ لَا قَصْدَ لِأَنَّ تُهْمَةَ الْمُسْلِمِ بِمَا لَا يَحِلُّ حَرَامٌ، فَلَا يُفْسَخُ مَا ظَاهِرُهُ حَلَالٌ بِالظَّنِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ: إِنَّ أُمَّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَتْ لِعَائِشَةَ: إِنِّي بِعْتُ لِزَيْدٍ عَبْدًا إِلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةٍ فَاحْتَاجَ إِلَى ثَمَنِهِ فَاشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ بِسِتِّمِائَةٍ فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا شَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ، أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أُبْطِلَ جِهَادُهُ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ لَمْ يَتُبْ، فَقُلْتُ: إِنْ أَخَذْتُ السِّتَّمِائَةِ، قَالَتْ: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 275) {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 279) فَضَعِيفٌ وَلَفْظُهُ مُنْكَرٌ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَا يُحْبِطُهُ الِاجْتِهَادُ بَلِ الرِّدَّةُ، وَمُحَالٌ أَنَّ عَائِشَةَ تُلْزِمُ زَيْدًا التَّوْبَةَ بِرَأْيِهَا وَزَعَمَ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ احْتَمَلَ أَنَّهَا أَنْكَرَتِ الْبَيْعَ إِلَى الْعَطَاءِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ رَجَعَ إِلَى الْقِيَاسِ وَهُوَ مَعَ زَيْدٍ لِأَنَّ السِّلْعَةَ الْمُشْتَرَاةَ إِلَى أَجَلٍ مَالٌ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ بَيْعُهَا بِمَا شَاءَ مِمَّنْ شَاءَ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ مُلَخَّصًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 [بَاب مَا جَاءَ فِي مَالِ الْمَمْلُوكِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُبْتَاعَ إِنْ اشْتَرَطَ مَالَ الْعَبْدِ فَهُوَ لَهُ نَقْدًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا يُعْلَمُ أَوْ لَا يُعْلَمُ وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْمَالِ أَكْثَرُ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ كَانَ ثَمَنُهُ نَقْدًا أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا وَذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهِ زَكَاةٌ وَإِنْ كَانَتْ لِلْعَبْدِ جَارِيَةٌ اسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِمِلْكِهِ إِيَّاهَا وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ كَاتَبَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَإِنْ أَفْلَسَ أَخَذَ الْغُرَمَاءُ مَالَهُ وَلَمْ يُتَّبَعْ سَيِّدُهُ بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي مَالِ الْمَمْلُوكِ 1295 - 1283 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ) أَبَاهُ (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ) أَيْ لِلْعَبْدِ فَفِي إِضَافَتِهِ الْمَالَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَمْلِكُ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ السَّيِّدُ، لَكِنَّهُ إِذَا بَاعَهُ قَبْلَ الِانْتِزَاعِ (فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ) نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ كُلَّهُ مَالٌ فَبَاعَ بَعْضُهُ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ كَأَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ شَيْئًا أَصْلًا لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا، وَقَالُوا: الْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ وَالِانْتِفَاعِ لَا لِلْمِلْكِ كَجُلِّ الدَّابَّةِ وَسَرْجِ الْفَرَسِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، فَأَضَافَ الْمِلْكَ إِلَيْهِ وَإِلَى الْبَائِعِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ كُلُّهُ مَمْلُوكًا لِاثْنَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَثَبَتَ أَنَّ إِضَافَةَ الْمِلْكِ إِلَى الْعَبْدِ مَجَازٌ أَيْ لِلِاخْتِصَاصِ، وَإِلَى الْمَوْلَى حَقِيقَةٌ أَيْ لِلْمِلْكِ، كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ: (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ) فَيَكُونُ لَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ، وَهَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ مَوْقُوفًا. وَرَوَاهُ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ أَحَدُ الحديث: 1295 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا سَالِمٌ وَنَافِعٌ فَرَفَعَهَا سَالِمٌ وَوَقَّفَهَا نَافِعٌ اهـ، وَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ. وَالثَّانِي: وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا، أَيْ يَدَيْهِ. وَالثَّالِثُ: النَّاسُ كَإِبِلِ مِائَةٍ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً. وَالرَّابِعُ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ الْعَشْرُ، فَرَفَعَ الْأَرْبَعَةَ سَالِمٌ، وَوَقَّفَهَا نَافِعٌ، وَرَجَّحَ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ رِوَايَةَ نَافِعٍ هُنَا وَإِنْ كَانَ سَالِمٌ أَحْفَظَ مِنْهُ، نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُمَا، وَكَذَا رَجَّحَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ. وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رِوَايَةَ سَالِمٍ أَصَحُّ. وَفِي التَّمْهِيدِ: إِنَّهَا لَصَوَابٌ. وَفِي الْعِلَلِ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ تَصْحِيحُهُمَا جَمِيعًا، وَلَعَلَّهُ أَشْبَهُ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ إِذَا رَفَعَهُ لَمْ يَذْكُرْ أَبَاهُ وَهِيَ رِوَايَةُ سَالِمٍ، وَإِذَا وَقَفَهُ ذَكَرَ أَبَاهُ وَهِيَ رِوَايَةُ نَافِعٍ، فَتَحْصُلُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَدَّثَ بِهِ سَالِمًا، وَسَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ عُمَرَ مَوْقُوفًا فَحَدَّثَ بِهِ نَافِعًا، فَصَحَّتْ رِوَايَةُ سَالِمٍ وَنَافِعٍ جَمِيعًا، وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْهُمَا. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَسُفْيَانُ ضَعِيفٌ، قَالَ الْمِزِّيُّ: وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا وَاسِطَةَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ: هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ وَقْفُهُ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (أَنَّ الْمُبْتَاعَ) الْمُشْتَرِيَ (إِنِ اشْتَرَطَ مَالَ الْعَبْدِ فَهُوَ لَهُ نَقْدًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا) عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ مَالَهُ تَبَعٌ غَيْرُ مَنْظُورٍ إِلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّبَا، وَيُرَدُّ عَلَيْهِمَا الْحَدِيثُ، وَسَوَاءٌ كَانَ (يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ) عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا. (وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مِنَ الْمَالِ أَكْثَرُ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ) مُبَالَغَةً فَأَوْلَى إِنْ كَانَ قَدْرَهُ أَوْ أَقَلَّ، وَسَوَاءٌ كَانَ (نَقْدًا أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهِ زَكَاةٌ) فَهُوَ يَمْلِكُ (وَ) إِنَّهُ (إِنْ كَانَتْ لِلْعَبْدِ جَارِيَةٌ اسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِمِلْكِهِ إِيَّاهَا) فَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ ; إِذْ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَطْءُ مِلْكِ الْغَيْرِ. (وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ كَاتَبَ تَبِعَهُ مَالُهُ) إِنْ لَمْ يَنْتَزِعْهُ السَّيِّدُ قَبْلَهُمَا (وَإِذَا أَفْلَسَ أَخَذَ الْغُرَمَاءُ) أَصْحَابُ الدُّيُونِ (مَالَهُ وَلَمْ يُتَّبَعْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (سَيِّدُهُ بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِالْقِيَاسِ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِمَا أَفَادَهُ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ وَجَرَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْمَدِينَةِ، وَمُرَادُهُ التَّقْوِيَةُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عِنْدَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْعُهْدَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ وَهِشَامَ بْنَ إِسْمَعِيلَ كَانَا يَذْكُرَانِ فِي خُطْبَتِهِمَا عُهْدَةَ الرَّقِيقِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حِينِ يُشْتَرَى الْعَبْدُ أَوْ الْوَلِيدَةُ وَعُهْدَةَ السَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ مَا أَصَابَ الْعَبْدُ أَوْ الْوَلِيدَةُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حِينِ يُشْتَرَيَانِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنَّ عُهْدَةَ السَّنَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَقَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ مِنْ الْعُهْدَةِ كُلِّهَا قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرِهِمْ بِالْبَرَاءَةِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ فَإِنْ كَانَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ الْبَرَاءَةُ وَكَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا وَلَا عُهْدَةَ عِنْدَنَا إِلَّا فِي الرَّقِيقِ   3 - 1296 1284 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعُهْدَةِ - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ (أَنَّ أَبَانَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَخِفَّةِ الْمُوَحَّدَةِ (ابْنَ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ الْأُمَوِيَّ الْمَدَنِيَّ (وَهِشَامَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ) بْنِ هِشَامِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ، وَلِي الْمَدِينَةَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (كَانَا يَذْكُرَانِ فِي خُطْبَتِهِمَا) أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ إِذَا خَطَبَ (عُهْدَةَ الرَّقِيقِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حِينِ يُشْتَرَى الْعَبْدُ أَوِ الْوَلِيدَةُ) أَيِ الْأَمَةُ (وَعُهْدَةَ السَّنَةِ) فَالْعَمَلُ بِهِمَا أَمْرٌ قَائِمٌ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْقُضَاةُ مُنْذُ أَدْرَكْنَا يَقْضُونَ بِهَا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: " «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثٌ» ". وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: " «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» ". وَلَمْ يَسْمَعِ الْحَسَنُ عَنْ عُقْبَةَ، وَفِي سَمَاعِهِ مِنْ سَمُرَةَ خِلَافٌ، وَلِذَا ضَعَّفَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ عُقْبَةَ لَكِنِ اعْتَضَدَ بِحَدِيثِ سَمُرَةَ وَبِعَمَلِ الْمَدِينَةِ (قَالَ مَالِكٌ: مَا أَصَابَ الْعَبْدُ أَوِ الْوَلِيدَةُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ) مِنْ كُلِّ حَادِثٍ (مِنْ حِينِ يَشْتَرِيَانِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الثَّلَاثَةُ، فَهُوَ مِنَ الْبَائِعِ) أَيْ عَلَيْهِ، فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ (وَإِنَّ عُهْدَةَ السَّنَةِ مِنَ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ) فَهِيَ قَلِيلَةُ الضَّمَانِ كَثِيرَةُ الزَّمَانِ، عَكْسُ الْأُولَى (فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ فَقَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ مِنَ الْعُهْدَةِ كُلِّهَا) وَإِنَّمَا يَقْضِي بِهِمَا إِنْ شَرَطَا أَوِ اعْتِيدَا فِي رِوَايَةِ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ عَنْهُ: يَقْضِي بِهِمَا مُطْلَقًا (وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرِهِمْ بِالْبَرَاءَةِ، فَقَدْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ) عَنِ الْمُشْتَرِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 (فَإِنْ كَانَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ الْبَرَاءَةُ، وَكَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا) أَيْ لَهُ رَدُّهُ (وَلَا عُهْدَةَ عِنْدَنَا إِلَّا فِي الرَّقِيقِ) وَالْمُرَادُ بِهَا كَوْنُهُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْعَقْدِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 [بَاب الْعَيْبِ فِي الرَّقِيقِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ غُلَامًا لَهُ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِالْغُلَامِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ الرَّجُلُ بَاعَنِي عَبْدًا وَبِهِ دَاءٌ لَمْ يُسَمِّهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بِعْتُهُ بِالْبَرَاءَةِ فَقَضَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ فَصَحَّ عِنْدَهُ فَبَاعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِ مِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ ابْتَاعَ وَلِيدَةً فَحَمَلَتْ أَوْ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَكُلَّ أَمْرٍ دَخَلَهُ الْفَوْتُ حَتَّى لَا يُسْتَطَاعَ رَدُّهُ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ إِنَّهُ قَدْ كَانَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ الَّذِي بَاعَهُ أَوْ عُلِمَ ذَلِكَ بِاعْتِرَافٍ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ يُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ الَّذِي كَانَ بِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ فَيُرَدُّ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ وَبِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ ثُمَّ يَظْهَرُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ يَرُدُّهُ مِنْهُ وَقَدْ حَدَثَ بِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ آخَرُ إِنَّهُ إِذَا كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي حَدَثَ بِهِ مُفْسِدًا مِثْلُ الْقَطْعِ أَوْ الْعَوَرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُفْسِدَةِ فَإِنَّ الَّذِي اشْتَرَى الْعَبْدَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ الَّذِي كَانَ بِالْعَبْدِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ وُضِعَ عَنْهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَغْرَمَ قَدْرَ مَا أَصَابَ الْعَبْدَ مِنْ الْعَيْبِ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرُدُّ الْعَبْدَ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ عِنْدَ الَّذِي اشْتَرَاهُ أُقِيمَ الْعَبْدُ وَبِهِ الْعَيْبُ الَّذِي كَانَ بِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ فَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُهُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ عَيْبٍ مِائَةَ دِينَارٍ وَقِيمَتُهُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ وَبِهِ الْعَيْبُ ثَمَانُونَ دِينَارًا وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْقِيمَةُ يَوْمَ اشْتُرِيَ الْعَبْدُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ رَدَّ وَلِيدَةً مِنْ عَيْبٍ وَجَدَهُ بِهَا وَكَانَ قَدْ أَصَابَهَا أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي إِصَابَتِهِ إِيَّاهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لَهَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً أَوْ حَيَوَانًا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فِيمَا بَاعَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ فِي ذَلِكَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ فَإِنْ كَانَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ تَبْرِئَتُهُ وَكَانَ مَا بَاعَ مَرْدُودًا عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْجَارِيَةِ تُبَاعُ بِالْجَارِيتَيْنِ ثُمَّ يُوجَدُ بِإِحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ عَيْبٌ تُرَدُّ مِنْهُ قَالَ تُقَامُ الْجَارِيَةُ الَّتِي كَانَتْ قِيمَةَ الْجَارِيَتَيْنِ فَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُهَا ثُمَّ تُقَامُ الْجَارِيتَانِ بِغَيْرِ الْعَيْبِ الَّذِي وُجِدَ بِإِحْدَاهُمَا تُقَامَانِ صَحِيحَتَيْنِ سَالِمَتَيْنِ ثُمَّ يُقْسَمُ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الَّتِي بِيعَتْ بِالْجَارِيتَيْنِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ ثَمَنِهِمَا حَتَّى يَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَفِعَةِ بِقَدْرِ ارْتِفَاعِهَا وَعَلَى الْأُخْرَى بِقَدْرِهَا ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى الَّتِي بِهَا الْعَيْبُ فَيُرَدُّ بِقَدْرِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا مِنْ تِلْكَ الْحِصَّةِ إِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً وَإِنَّمَا تَكُونُ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ عَلَيْهِ يَوْمَ قَبْضِهِمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ فَيُؤَاجِرُهُ بِالْإِجَارَةِ الْعَظِيمَةِ أَوْ الْغَلَّةِ الْقَلِيلَةِ ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا يُرَدُّ مِنْهُ إِنَّهُ يَرُدُّهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ وَتَكُونُ لَهُ إِجَارَتُهُ وَغَلَّتُهُ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ بِبَلَدِنَا وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ عَبْدًا فَبَنَى لَهُ دَارًا قِيمَةُ بِنَائِهَا ثَمَنُ الْعَبْدِ أَضْعَافًا ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا يُرَدُّ مِنْهُ رَدَّهُ وَلَا يُحْسَبُ لِلْعَبْدِ عَلَيْهِ إِجَارَةٌ فِيمَا عَمِلَ لَهُ فَكَذَلِكَ تَكُونُ لَهُ إِجَارَتُهُ إِذَا آجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ ابْتَاعَ رَقِيقًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَوَجَدَ فِي ذَلِكَ الرَّقِيقِ عَبْدًا مَسْرُوقًا أَوْ وَجَدَ بِعَبْدٍ مِنْهُمْ عَيْبًا إِنَّهُ يُنْظَرُ فِيمَا وُجِدَ مَسْرُوقًا أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنْ كَانَ هُوَ وَجْهَ ذَلِكَ الرَّقِيقِ أَوْ أَكْثَرَهُ ثَمَنًا أَوْ مِنْ أَجْلِهِ اشْتَرَى وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْفَضْلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي وُجِدَ مَسْرُوقًا أَوْ وُجِدَ بِهِ الْعَيْبُ مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ وَجْهَ ذَلِكَ الرَّقِيقِ وَلَا مِنْ أَجْلِهِ اشْتُرِيَ وَلَا فِيهِ الْفَضْلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ رُدَّ ذَلِكَ الَّذِي وُجِدَ بِهِ الْعَيْبُ أَوْ وُجِدَ مَسْرُوقًا بِعَيْنِهِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ أُولَئِكَ الرَّقِيقَ   4 - بَابُ الْعَيْبِ فِي الرَّقِيقِ 1297 - 1285 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ غُلَامًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ) مِنَ الْعُيُوبِ (فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: بِالْغُلَامِ دَاءٌ) بِالْمَدِّ، مَرَضٌ (لَمْ تُسَمِّهِ لِي، فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: بَاعَنِي) ابْنُ عُمَرَ (عَبْدًا وَبِهِ دَاءٌ لَمْ يُسَمِّهِ لِي، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بِعْتُهُ: بِالْبَرَاءَةِ، فَقَضَى عُثْمَانُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ: لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدُ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ، فَصَحَّ) الْعَبْدُ (عِنْدَهُ، فَبَاعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ) عَوَّضَهُ اللَّهُ لِإِجْلَالِهِ أَنْ يَحْلِفَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا ضَعُفَ ثَمَنُهُ أَوْ لَا. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنِ ابْتَاعَ وَلِيدَةً فَحَمَلَتْ) مِنْهُ (أَوْ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، وَكُلَّ أَمْرٍ دَخْلَهُ الْفَوْتُ) مَصْدَرُ فَاتَ (حَتَّى لَا يُسْتَطَاعَ رَدُّهُ) كَالْعِتْقِ وَالْإِيلَاءِ الْمَذْكُورَيْنِ لَأَفَاتَتْهُ الْمَقْصُودُ (فَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَنَّهُ قَدْ كَانَ بِهِ عَيْبٌ الحديث: 1297 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 عِنْدَ الَّذِي بَاعَهُ أَوْ عُلِمَ ذَلِكَ بِاعْتِرَافٍ مِنَ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ) كَشَهَادَةِ ذِي الْمَعْرِفَةِ بِقَدَمِهِ (فَإِنَّ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ يُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ الَّذِي كَانَ بِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ فَيُرَدُّ) مِنَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي (مِنَ الثَّمَنِ قَدْرُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ وَبِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ) لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ ثُمَّ يَظْهَرُ) يَطَّلِعُ (مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ يَرُدُّهُ مِنْهُ) أَيْ يُوجِبُ لَهُ رَدُّهُ (وَقَدْ حَدَثَ بِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ آخَرُ إِنَّهُ إِنْ كَانَ الَّذِي حَدَثَ بِهِ مُفْسِدًا مِثْلَ الْقَطْعِ أَوِ الْعَوَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ، فَقَدْ بَصُرَ إِحْدَى عَيْنَيْهِ (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعُيُوبِ الْمَفْسَدَةِ) الْمُتَوَسِّطَةِ (فَإِنَّ الَّذِي اشْتَرَى الْعَبْدَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ) أَحَبُّهُمَا إِلَيْهِ (إِنَّ أَحَبَّ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ الَّذِي كَانَ بِالْعَبْدِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ وُضِعَ عَنْهُ) وَلَزِمَهُ (وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَغْرَمَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، يَدْفَعَ (قَدْرَ مَا أَصَابَ الْعَبْدَ مِنَ الْعَيْبِ) الْحَادِثِ (ثُمَّ يَرُدُّ الْعَبْدَ، فَلَهُ ذَلِكَ) وَخَيْرُ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ لِسَبْقِ عَيْبِهِ. (وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ عِنْدَ الَّذِي اشْتَرَاهُ أُقِيمَ) أَيْ قُوِّمَ (الْعَبْدُ وَبِهِ الْعَيْبُ الَّذِي كَانَ بِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ) وَبَيَّنَ صِفَةَ التَّقْوِيمِ بِقَوْلِهِ: (فَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُهُ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ عَيْبٍ مِائَةَ دِينَارٍ وَقِيمَتُهُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ وَبِهِ الْعَيْبُ ثَمَانُونَ دِينَارًا، وُضِعَ عَنِ الْمُشْتَرِي مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ) وَهِيَ الْعِشْرُونَ فِي مِثَالِهِ (وَإِنَّمَا تَكُونُ الْقِيمَةُ يَوْمَ اشْتُرِيَ الْعَبْدُ) وَلَوْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ بَعْدَهُ. (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّ مَنْ رَدَّ وَلِيدَةً مِنْ) أَجْلِ (عَيْبٍ وَجَدَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 بِهَا، وَكَانَ قَدْ أَصَابَهَا) قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ (أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي إِصَابَتِهَا شَيْءٌ ; لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لَهَا) وَإِصَابَةُ الثَّيِّبِ مِنَ الْخَفِيفِ. (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً أَوْ حَيَوَانًا بِالْبَرَاءَةِ) مِنَ الْعُيُوبِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ (مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَقَدْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فِيمَا بَاعَ) عَائِدٌ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلِيدَةِ، قَالَ أَشْهَبُ: إِنَّكَ ذَكَرْتَ الْبَرَاءَةَ فِي الْحَيَوَانِ، قَالَ: إِنَّمَا أُرِيدُ الْعَبْدَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَبَيَّنَ مَالِكٌ أَنَّ الْحَيَوَانَ دَخَلَ فِي دَرَجِ الْكَلَامِ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَفْتَى بِهِ مَرَّةً فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى تَخْصِيصِهَا بِالرَّقِيقِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ فِي ذَلِكَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ، فَإِنْ كَانَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ) عَنِ الْمُشْتَرِي (لَمْ يَنْفَعْهُ تَبْرِئَتُهُ، وَكَانَ مَا بَاعَ مَرْدُودًا عَلَيْهِ) أَيْ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ وَأَعَادَ هَذَا، وَإِنْ قَدَّمَهُ قَرِيبًا لِنِسْبَتِهِ لِعَمَلِ الْمَدِينَةِ فَلَا تَكْرَارَ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْجَارِيَةِ تُبَاعُ بِالْجَارِيَتَيْنِ ثُمَّ يُوجَدُ بِإِحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ عَيْبٌ تُرَدُّ مِنْهُ، قَالَ: تُقَامُ) أَيْ تُقَوَّمُ (الْجَارِيَةُ الَّتِي كَانَتْ قِيمَةَ الْجَارِيَتَيْنِ فَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُهَا، ثُمَّ تُقَامُ) تُقَوَّمُ (الْجَارِيَتَانِ بِغَيْرِ الْعَيْبِ الَّذِي وُجِدَ بِإِحْدَاهُمَا تُقَامَانِ صَحِيحَتَيْنِ سَالِمَتَيْنِ، ثُمَّ يُقْسَمُ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الَّتِي بِيعَتْ بِالْجَارِيَتَيْنِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ ثَمَنِهِمَا حَتَّى يَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهَا عَلَى الْمُرْتَفِعَةِ) الَّتِي لَا عَيْبَ فِيهَا (بِقَدْرِ ارْتِفَاعِهَا) زِيَادَتِهَا فِي الثَّمَنِ لِعَدَمِ الْعَيْبِ (وَعَلَى الْأُخْرَى) الْمَعِيبَةِ (بِقِدْرِهَا، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى الَّتِي بِهَا الْعَيْبُ فَيُرَدُّ بِقَدْرِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا مِنْ تِلْكَ الْحِصَّةِ إِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً) يَعْنِي لَا فَرْقَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 (إِنَّمَا يَكُونُ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ عَلَيْهِ يَوْمَ قَبْضِهِمَا. قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ فَيُؤَاجِرُهُ بِالْإِجَارَةِ الْعَظِيمَةِ أَوِ الْغَلَّةِ الْقَلِيلَةِ ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا يُرَدُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَجْلِهِ (إِنَّهُ يَرُدُّهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ، وَيَكُونُ لَهُ إِجَارَتُهُ وَغَلَّتُهُ) وَلَوْ كَثُرَتْ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْقَلِيلَةِ إِنَّمَا وَقَعَ فِي السُّؤَالِ (وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ) الْعُلَمَاءُ (بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ (وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ عَبْدًا فَبَنَى لَهُ دَارًا قِيمَةُ بِنَائِهَا ثَمَنُ الْعَبْدِ أَضْعَافًا، ثُمَّ يُوجَدُ بِهِ عَيْبٌ يَرُدُّهُ مِنْهُ رَدَّهُ، وَلَا يُحْسَبُ لِلْعَبْدِ عَلَيْهِ إِجَارَةٌ) أَيْ أُجْرَةٌ (فِيمَا عَمِلَ لَهُ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ لَهُ إِجَارَتُهُ إِذَا آجَرَهُ مَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ) وَمَنْ عَلَيْهِ الْغُرْمُ لَهُ الْغُنْمُ (وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ غُلَامًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، فَخَاصَمَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: قَدِ اسْتَغَلَّ غُلَامِي، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنِ ابْتَاعَ) اشْتَرَى (رَقِيقًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ عَقْدٍ وَاحِدٍ (فَوَجَدَ فِي ذَلِكَ الرَّقِيقِ عَبْدًا مَسْرُوقًا، أَوْ وَجَدَ بِعَبْدٍ مِنْهُمْ عَيْبًا، أَنَّهُ يَنْظُرُ فِيمَا وُجِدَ مَسْرُوقًا أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنْ كَانَ هُوَ وَجْهَ) أَيْ أَعْلَى وَأَحْسَنَ (ذَلِكَ الرَّقِيقِ أَوْ أَكْثَرَهُ ثَمَنًا أَوْ مِنْ أَجْلِهِ اشْتَرَى وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْفَضْلُ) الزِّيَادَةُ لَوْ سَلِمَ مِنَ الْعَيْبِ (فِيمَا يَرَى النَّاسُ، كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا كُلُّهُ) وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ (وَإِنْ كَانَ الَّذِي وُجِدَ مَسْرُوقًا أَوْ وُجِدَ بِهِ الْعَيْبُ مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ مِنْهُ، لَيْسَ هُوَ وَجْهَ ذَلِكَ الرَّقِيقِ وَلَا مِنْ أَجْلِهِ اشْتُرِيَ وَلَا فِيهِ الْفَضْلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ (رُدَّ ذَلِكَ الَّذِي وُجِدَ بِهِ الْعَيْبُ أَوْ وُجِدَ مَسْرُوقًا بِعَيْنِهِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ أُولَئِكَ الرَّقِيقَ) وَتَمَسَّكَ بِالْبَاقِي بِثَمَنِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 [بَاب مَا يُفْعَلُ فِي الْوَلِيدَةِ إِذَا بِيعَتْ وَالشَّرْطُ فِيهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعَودٍ ابْتَاعَ جَارِيَةً مِنْ امْرَأَتِهِ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنَّكَ إِنْ بِعْتَهَا فَهِيَ لِي بِالثَّمَنِ الَّذِي تَبِيعُهَا بِهِ فَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لِأَحَدٍ   5 - بَابُ مَا يُفْعَلُ فِي الْوَلِيدَةِ إِذَا بِيعَتْ وَالشَّرْطُ فِيهَا جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ فِيهَا الشَّرْطُ. 1298 - 1286 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (ابْنِ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ابْتَاعَ جَارِيَةً مِنِ امْرَأَتِهِ زَيْنَبَ) بِنْتِ مُعَاوِيَةَ أَوِ ابْنَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَيُقَالُ: بِنْتُ أَبِي مُعَاوِيَةَ (الثَّقَفِيَّةِ) صَحَابِيَّةٌ، وَلَهَا رِوَايَةٌ عَنْ زَوْجِهَا (وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ: أَنَّكَ إِنْ بِعْتَهَا فَهِيَ لِي بِالثَّمَنِ الَّذِي تَبِيعُهَا بِهِ، فَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) مَفْعُولُ سَأَلَ (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لِأَحَدٍ) مُنَاقِضٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ ; لِأَنَّكَ لَمْ تَمْلِكْهَا فَلَا يَحِلُّ لَكَ قُرْبَانُهَا. الحديث: 1298 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إِلَّا وَلِيدَةً إِنْ شَاءَ بَاعَهَا وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا أَنْ يَهَبَهَا فَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَمْ يَمْلِكْهَا مِلْكًا تَامًّا لِأَنَّهُ قَدْ اسْتُثْنِيَ عَلَيْهِ فِيهَا مَا مَلَكَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ فَإِذَا دَخَلَ هَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَصْلُحْ وَكَانَ بَيْعًا مَكْرُوهًا   1299 - 1287 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إِلَّا وَلِيدَةً إِنْ شَاءَ بَاعَهَا وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) كَعِتْقٍ الحديث: 1299 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ، وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يَشُوبُ مِلْكَهَا شَيْءٌ . (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنِ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى شَرْطِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهَا وَلَا يَهَبُهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) مِنَ الشُّرُوطِ الْمُنَافِيَةِ لِعَقْدِ الْبَيْعِ (فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا أَنْ يَهَبَهَا، فَإِذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَمْ يَمْلِكْهَا مَلِكًا تَامًّا لِأَنَّهُ قَدِ اسْتُثْنِيَ) اشْتُرِطَ (عَلَيْهِ فِيهَا مَا مَلَكَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ، فَإِذَا دَخَلَ هَذَا الشَّرْطُ) فِي عَقْدِ الْبَيْعِ (لَمْ يَصْلُحْ) مِنَ الصَّلَاحِ ضِدُّ الْفَسَادِ (وَكَانَ بَيْعًا مَكْرُوهًا) أَيْ مَمْنُوعًا لِفَسَادِهِ بِالشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ: " «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ". زَادَ ابْنُ وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ لِلْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنِ اشْتَرَاهَا بِشَرْطٍ فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ فَلِلْبَائِعِ قِيمَتُهَا يَوْمَ بَاعَهَا وَتَحِلُّ لِسَيِّدِهَا فِيمَا يَسْتَقْبِلُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 [بَاب النَّهْيِ عَنْ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَلَهَا زَوْجٌ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ أَهْدَى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ جَارِيَةً وَلَهَا زَوْجٌ ابْتَاعَهَا بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ عُثْمَانُ لَا أَقْرَبُهَا حَتَّى يُفَارِقَهَا زَوْجُهَا فَأَرْضَى ابْنُ عَامِرٍ زَوْجَهَا فَفَارَقَهَا   6 - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَلَهَا زَوْجٌ 1300 - 1288 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ) بْنِ كُرَيْزِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وُلِدَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُتِيَ بِهِ إِلَيْهِ فَتَفَلَ عَلَيْهِ وَعَوَّذَهُ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَكَانَ جَوَّادًا شُجَاعًا مَيْمُونًا، وَلَّاهُ ابْنُ خَالِهِ عُثْمَانُ الْبَصْرَةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَافْتَتَحَ خُرَاسَانَ وَكِرْمَانَ وَغَيْرَهُمَا، وَلَهُ فِي الْجُودِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ، وَلَا رِوَايَةَ لَهُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ وَعَاشَ حَتَّى قَدِمَ الْبَصْرَةَ عَلَى ابْنِهِ وَهُوَ أَمِيرُهَا. (أَهْدَى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ذِي النُّورَيْنِ (جَارِيَةً وَلَهَا زَوْجٌ، ابْتَاعَهَا) عَبْدُ اللَّهِ (بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَقْرَبُهَا) لِحُرْمَتِهِ (حَتَّى يُفَارِقَهَا زَوْجُهَا، فَأَرْضَى ابْنَ عَامِرٍ زَوْجَهَا فَفَارَقَهَا) طَلَّقَهَا فَحَلَّتْ لِعُثْمَانَ بَعْدَ الْعِدَّةِ. الحديث: 1300 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ابْتَاعَ وَلِيدَةً فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَرَدَّهَا   1301 - 1289 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ابْتَاعَ وَلِيدَةً) جَارِيَةً مِنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ كَمَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَرَدَّهَا) لِأَنَّهُ عَيْبٌ. الحديث: 1301 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 [بَاب مَا جَاءَ فِي ثَمَرِ الْمَالِ يُبَاعُ أَصْلُهُ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ»   7 - بَابُ مَا جَاءَ فِي ثَمَرِ الْمَالِ يُبَاعُ أَصْلُهُ 1302 - 1290 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ» ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِهَا، وَالتَّأْبِيرُ: التَّلْقِيحُ، وَهُوَ يُشَقُّ طَلْعُ الْإِنَاثِ وَيُؤْخَذُ مِنْ طَلْعِ الذَّكَرِ فَيُذَرُ فِيهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ أَجْوَدَ مِمَّا لَمْ يُؤَبَّرُ وَهُوَ خَاصٌّ بِالنَّخْلِ، وَالْحَقُّ بِهِ مَا انْعَقَدَ مِنْ ثَمَرِ غَيْرِهَا (فَثَمَرُهَا) بِمُثَلَّثَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَثَمَرَتُهَا بِمُثَلَّثَةٍ وَتَاءِ تَأْنِيثٍ (لِلْبَائِعِ) لَا لِلْمُشْتَرِي، وَيُتْرَكُ فِي النَّخْلِ إِلَى الْجُذَاذِ وَلِكِلَيْهِمَا السَّقْيُ مَا لَمْ يَضُرُّ وَصْلُهُ، فَجَعَلَ الشَّارِعُ الثَّمَرَ مَا دَامَ مُسْتَسْكِنًا فِي الطَّلْعِ، كَالْوَلَدِ فِي بَطْنِ الْحَامِلِ إِذَا بِيعَتْ كَانَ الْحَمْلُ تَابِعًا لَهَا، فَإِذَا ظَهَرَ تَمَيُّزُ حُكْمِهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ ثَمَرٍ بَارِزٍ يُرَى فِي شَجَرِهِ إِذَا بِيعَتْ أُصُولُ الشَّجَرِ لَمْ تَدْخُلْ هَذِهِ الثِّمَارُ فِي الْبَيْعِ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) أَيِ الْمُشْتَرِي أَنَّ الثَّمَرَةَ تَكُونُ لَهُ وَيُوَافِقُهُ الْبَائِعُ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ قِيلَ اللَّفْظُ مُطْلَقٌ، فَمِنْ أَيْنَ يُفْهَمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَطَ الثَّمَرَةَ لِنَفْسِهِ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ تَحْقِيقَ الِاسْتِثْنَاءِ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ، وَبِأَنَّ لَفْظَ الِافْتِعَالِ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَيْهِ، كَمَا يُقَالُ كَسَبَ لِعِيَالِهِ وَاكْتَسَبَ لِنَفْسِهِ. وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ إِنْ لَمْ تُؤَبَّرْ فَالثَّمَرُ لِلْمُشْتَرِي، وَفِي جَوَازِ شَرْطِهَا الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ وَمَنَعَهُ قَوْلَا الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ لِلْبَائِعِ أُبِرَتْ أَوْ لَمْ تُؤَبَّرْ، وَلِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَتُهُ بِقَلْعِهَا عَنِ النَّخْلِ فِي الْحَالِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إِلَى الْجِذَاذِ، وَإِنْ شَرَطَ إِبْقَاءَهُ إِلَيْهِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، قَالَ: وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْإِبَارِ إِمَّا لِلتَّنْبِيهِ بِهِ عَلَى مَا لَمْ يُؤَبَّرْ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ نَفْيُ الْحُكْمِ عَمَّا سِوَى الْمَذْكُورِ، وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَقَدْ رَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّنْبِيهَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْأَدْنَى عَلَى الحديث: 1302 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 الْأَعْلَى وَبِالْمُشْكِلِ عَلَى الْوَاضِحِ، وَمَا ذُكِرَ خَارِجٌ عَنِ الْوَجْهَيْنِ، وَرَدَّهُ الْأَبِيُّ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ يَكُونُ أَيْضًا بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، وَحَاصِلُ مَأْخَذِ الْمُذَهَّبَيْنِ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ اسْتَعْمَلَا الْحَدِيثَ لَفْظًا وَدَلِيلًا أَيْ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا، وَيُسَمَّى فِي الْأُصُولِ دَلِيلَ الْخُطَّابِ، وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ الثَّابِتُ مِنْهُ نَقِيضُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَعْمَلَهُ بِلَا تَخْصِيصٍ، وَمَالِكًا مُخَصِّصًا بِالْمُشْتَرِي كَمَا مَرَّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ اسْتَعْمَلَهُ لَفْظًا وَمَعْقُولًا، وَتُسَمِّيهِ الْأُصُولِيُّونَ: مَعْقُولَ الْخِطَابِ، وَهُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى مُسَاوَاةِ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِلْمَنْطُوقِ، وَفِيهِ جَوَازُ تَذْكِيرِ النَّخْلِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَنْصَارِ: " «لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، فَتَرَكُوا التَّذْكِيرَ فَنَقَصَتِ الثِّمَارُ، فَقَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ وَمَا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ حَقٌّ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا، وَفِي الشُّرُوطِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي الشُّرُوطِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي التِّجَارَاتِ، كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 [بَاب النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ   8 - بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا 1303 - 1291 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ) مُنْفَرِدًا عَنِ النَّخْلِ نَهْيَ تَحْرِيمٍ (حَتَّى يَبْدُوَ) بِلَا هَمْزٍ، أَيْ يَظْهَرَ (صَلَاحُهَا) وَيَقَعُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ بِالْأَلِفِ فِي الْخَطِّ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهَا تُحْذَفُ فِي مِثْلِ هَذَا لِلنَّاصِبِ، وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي مِثْلِ زَيْدٍ يَبْدُو، وَالِاخْتِيَارُ حَذْفُهَا أَيْضًا، قَالَهُ عِيَاضٌ (نَهَى الْبَائِعَ) لِئَلَّا يَأْكُلَ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ إِذَا هَلَكَتِ الثَّمَرَةُ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ بَعْدَهُ (وَ) نَهَى (الْمُبْتَاعَ) أَيِ الْمُشْتَرِيَ، وَفِي نُسْخَةٍ: الْمُشْتَرِيَ، لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ فَإِنْ بَدَا الصَّلَاحُ جَازَ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَصَحَّحَ الْحَنَفِيُّ الْبَيْعَ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَعْدَهُ، وَأَبْطَلَ شَرْطَ الْإِبْقَاءِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِ حَائِطٍ كَافٍ فِي بَيْعِ جَمِيعِهِ، وَفِي بَيْعِ مَا جَاوَرَهُ لَا مَا بَعُدَ عَنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنَّمَا كَفَى بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ لِأَنَّ اللَّهَ امْتَنَّ عَلَيْنَا بِجَعْلِ الثِّمَارِ لَا تَطِيبُ دُفْعَةً وَاحِدَةً إِطَالَةَ زَمَنِ التَّفَكُّهِ، فَلَوِ اعْتُبِرَ الْجَمِيعُ لَأَدَّى إِلَى أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ قَبْلَ كَمَالِ صَلَاحِهِ أَوْ تُبَاعُ الْحَبَّةُ بَعْدَ الْحَبَّةِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَرَجٌ عَظِيمٌ، وَيَجُوزُ الْبَيْعُ قَبْلَ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إِذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ كَالْحِصْرِمِ إِجْمَاعًا، فَإِنْ كَانَ عَلَى التَّبْقِيَةِ مُنِعَ إِجْمَاعًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الحديث: 1303 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِهِ، وَأَيُّوبُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَالضَّحَّاكُ، الثَّلَاثَةُ عَنْ نَافِعٍ، نَحْوُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِيَ فَقَالَ حِينَ تَحْمَرُّ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ»   1304 - 1292 - (مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ) الْخُزَاعِيِّ الْبَصْرِيِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى) تَحْرِيمًا (عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ، مِنْ أَزْهَى بِالْيَاءِ، قَالَ الْخَلِيلُ: أَزْهَى النَّخْلُ بَدَا صَلَاحُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ تَزْهُو بِالْوَاوِ وَصَوَّبَهَا بَعْضُهُمْ، وَأَنْكَرَ الْيَاءَ، وَصَوَّبَ الْخَطَّابِيُّ الْيَاءَ وَنَفَى تَزْهُوَ بِالْوَاوِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَالصَّوَابُ الرِّوَايَتَانِ عَلَى اللُّغَتَيْنِ، يُقَالُ: زَهَا يَزْهُو إِذَا ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ، وَأَزْهَى يُزْهِي إِذَا احْمَرَّ وَاصْفَرَّ. (فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِيَ؟ فَقَالَ: حِينَ تَحْمَرُّ) بِشَدِّ الرَّاءِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الرَّفْعِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ حُمَيْدٍ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَسٍ وَالصَّوَابُ رَفْعُهُ. وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: حَتَّى تُزْهِيَ، قَالَ: حَتَّى تَحْمَارَّ، بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ فَمِيمٍ فَأَلِفٍ فَرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ. (وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ) بِأَنْ تَلِفَتْ (فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟) بِحَذْفِ أَلِفِ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ عِنْدَ دُخُولِ حَرْفِ الْجَرِّ مِثْلَ قَوْلِهِمْ: فِيمَ وَعَلَامَ وَحَتَّامَ، وَلَمَّا كَانَتِ الِاسْتِفْهَامِيَّةُ مُتَضَمِّنَةً لِلْهَمْزَةِ وَلَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ، انْبَغَى أَنْ يُقَدَّرَ " أَبِمَ " وَالْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ، فَالْمَعْنَى لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ بَاطِلًا ; لِأَنَّهُ إِذَا تَلَفِتَ الثَّمَرَةُ لَا يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ مَا دَفَعَهُ شَيْءٌ، وَفِيهِ إِجْرَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ تَطَرُّقَ التَّلَفِ إِلَى مَا بَدَا صَلَاحُهُ مُمْكِنٌ، وَعَدَمُ تَطَرُّقِهِ إِلَى مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مُمْكِنٌ، فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِالْغَالِبِ فِي الْحَالَيْنِ، وَصَرَّحَ مَالِكٌ بِرَفْعِ هَذَا، وَتَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: خَالَفَ مَالِكًا جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُشَيْمٌ وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ فَقَالُوا فِيهِ: قَالَ أَنَسٌ: أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ. . . إِلَخْ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ التَّفْسِيرُ مَرْفُوعًا ; لِأَنَّ مَعَ الَّذِي رَفَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ عَلَى مَا عِنْدَ الَّذِي وَقَفَهُ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ مَنْ وَقَفَهُ مَا يَنْفِي رِوَايَةَ مَنْ رَفَعَهُ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَا يُقَوِّي رِوَايَةَ الرَّفْعِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَلَفْظُهُ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ «بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ عَاهَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟» ". وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: رَأَيْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فِي الْمَنَامِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَرْفُوعٌ اهـ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ مُخْتَصَرًا بِدُونِ قَوْلِهِ: الحديث: 1304 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 وَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ. . . إِلَخْ، فَكَأَنَّ مَالِكًا حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَالْبُخَارِيَّ اخْتَصَرَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ» قَالَ مَالِكٌ وَبَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ   1305 - 1293 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ) بِمُهْمَلَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ، الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، مُرْسَلًا، وَصَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى «عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنَ الْعَاهَةِ» ) وَذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ الثُّرَيَّا. (قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَلَمَّا أَبَاحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْعَهَا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا عَلِمَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنَ الْغَرَرِ، وَالْغَالِبُ حِينَئِذٍ سَلَامَتُهَا، فَإِنْ أَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ فَهِيَ نَادِرَةٌ لَا حُكْمَ لَهَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الحديث: 1305 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَبِيعُ ثِمَارَهُ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ وَالْجَزَرِ إِنَّ بَيْعَهُ إِذَا بَدَا صَلَاحُهُ حَلَالٌ جَائِزٌ ثُمَّ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا يَنْبُتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ ثَمَرُهُ وَيَهْلِكَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ وَقْتٌ يُؤَقَّتُ وَذَلِكَ أَنَّ وَقْتَهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ وَرُبَّمَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ فَقَطَعَتْ ثَمَرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ فَإِذَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ بِجَائِحَةٍ تَبْلُغُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا كَانَ ذَلِكَ مَوْضُوعًا عَنْ الَّذِي ابْتَاعَهُ   1306 - 1294 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيِّ، أَحَدِ الْفُقَهَاءِ (عَنْ) أَبِيهِ (زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الصَّحَابِيِّ (أَنَّهُ كَانَ لَا يَبِيعُ ثِمَارَهُ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا، النَّجْمُ الْمَعْرُوفُ، لِأَنَّهَا تَنْجُو مِنَ الْعَاهَةِ حِينَئِذٍ) . وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحًا رُفِعَتِ الْعَاهَةُ عَنْ كُلِّ بَلْدَةٍ» ". وَالنَّجْمُ الثُّرَيَّا. وَلِأَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يُؤْمَنَ عَلَيْهَا الْعَاهَةُ، فَقِيلَ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: إِذَا طَلَعَتِ الثُّرَيَّا» ". وَطُلُوعُهَا صَبَاحًا يَقَعُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الصَّيْفِ، وَذَلِكَ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ وَابْتِدَاءِ نُضْجِ الثِّمَارِ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَطُلُوعُ النَّجْمِ عَلَامَةٌ لَهُ، وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ خَارِجَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَزَادَ عَلَى مَا هُنَا فَيَتَبَيَّنُ الْأَصْفَرُ مِنَ الْأَحْمَرِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الْبِطِّيخِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَتَقْدِيمِ الطَّاءِ عَلَيْهَا لُغَةً (وَالْقِثَّاءِ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا، وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يَقُولُ الحديث: 1306 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 لَهُ النَّاسُ: الْخِيَارُ وَالْعَجُّورُ وَالْفَقُّوسُ، وَبَعْضُهُمْ يُطْلِقُهُ عَلَى نَوْعٍ يُشْبِهُ الْخِيَارَ (وَالْخِرْبِزِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ فَزَايٍ، صِنْفٌ مِنَ الْبِطِّيخِ مَعْرُوفٌ شَبِيهٌ بِالْحَنْظَلِ، أَمْلَسُ مُدَوَّرُ الرَّأْسِ رَقِيقُ الْجِلْدِ، قَالَهُ الْبُونِيُّ. (وَالْجَزَرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَةً، الْوَاحِدَةُ جَزَرَةٌ مَعْرُوفٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: الْجَزَرُ لَيْسَ فِي أَكْثَرِ الْمُوَطَّآتِ لِأَنَّهُ بَابٌ آخَرُ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ وَالْمَغِيبِ فِي الْأَرْضِ (أَنَّ بَيْعَهُ إِذَا بَدَا صَلَاحُهُ حَلَالٌ جَائِزٌ) هُمَا بِمَعْنًى، حَسَّنَهُ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ (ثُمَّ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا يَنْبُتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ ثَمَرُهُ وَيَهْلِكَ) بِكَسْرِ اللَّامِ (وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ وَقْتٌ يُؤَقَّتُ، وَذَلِكَ أَنَّ وَقْتَهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَرُبَّمَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ فَقَطَعَتْ ثَمَرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ) الْمَعْلُومُ لِلنَّاسِ (فَإِذَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ بِجَائِحَةٍ تَبْلُغُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا، كَانَ ذَلِكَ مَوْضُوعًا عَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ) اشْتَرَاهُ، فَإِنْ نَقَصَتْ عَنِ الثُّلُثِ لَمْ يُوضَعْ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ أَنَّ الْهَوَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَرْمِيَ بَعْضَ الثَّمَرَةِ وَيَأْكُلَ الطَّيْرُ مِنْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَقَدْ دَخَلَ الْمُبْتَاعُ عَلَى إِصَابَةِ الْيَسِيرِ وَالْيَسِيرُ الْمُحَقِّقُ مَا دُونَ الثُّلُثِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ مَرْفُوعًا: " «إِذَا بَاعَ الْمَرْءُ الثَّمَرَةَ فَأَصَابَتْهَا عَاهَةٌ فَذَهَبَتْ بِثُلُثِ الثَّمَرَةِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ الضَّيَاعُ وَعَمِلَ بِهِ» ". وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ كَانَ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَضْعَ الْجَائِحَةِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 [بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا»   9 - بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِزِنَةِ فَعِيلَةٍ، قَالَ الْجُمْهُورُ: بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ ; لِأَنَّهَا عُرِّيَتْ بِإِعْرَاءِ مَالِكِهَا، أَيْ إِفْرَادِهِ لَهَا مِنْ بَاقِي النَّخْلِ، فَهِيَ عَارِيَةٌ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى مُفَعْوِلَةٍ، مِنْ عَرَاهُ يَعْرُوهُ إِذَا أَتَاهُ ; لِأَنَّ مَالِكَهَا يَعْرُوهَا أَيْ يَأْتِيهَا فَهِيَ مَعْرُوَّةٌ وَجَمْعُهَا عَرَايَا وَهِيَ لُغَةُ النَّخْلَةِ، وَفَسَّرَهَا مَالِكٌ فَقَالَ: الْعَرِيَّةُ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ نَخْلَةً ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ، فَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ، أَسْنَدَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ الْمَوْهُوبُ ثَمَرُهَا. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْعَرَايَا تَمْرٌ يُوهَبُ نَخْلُهَا، قَالَ الْأَبِيُّ: وَإِطْلَاقُ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ بِإِضَافَةِ الْبَيْعِ إِلَيْهَا يَمْنَعُ تَفْسِيرَهَا بِأَنَّهَا هِبَةٌ أَوْ أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَالصَّوَابُ تَفْسِيرُهَا بِأَنَّهَا مَا مُنِحَ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْبَاجِيِّ. - 1307 1295 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ) بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ قَبْلَ الرَّاءِ، مِنَ الْإِرْخَاصِ (لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ، الرُّطَبُ أَوِ الْعِنَبُ عَلَى الشَّجَرِ (أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا، فَمَنْ فَتَحَ قَالَ: هُوَ مَصْدَرٌ أَيِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَمَنْ كَسَرَهَا قَالَ: هُوَ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَخْرُوصِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرِّوَايَةُ بِالْكَسْرِ، فَحَاصِلُهُمَا أَنَّهُ يُرْوَى بِالْوَجْهَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ فَمُهْمَلَةٍ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: كَيْلًا. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ بِإِسْنَادِهِ: رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رَطْبًا، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَأَيُّوبُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ، وَفِيهِ مِنْ لَطَائِفِ الْإِسْنَادِ صَحَابِيٌّ عَنْ صَحَابِيٍّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ يَشُكُّ دَاوُدُ قَالَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا تُبَاعُ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ يُتَحَرَّى ذَلِكَ وَيُخْرَصُ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِيهِ لِأَنَّهُ أُنْزِلَ بِمَنْزِلَةِ التَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ وَالشِّرْكِ وَلَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ مَا أَشْرَكَ أَحَدٌ أَحَدًا فِي طَعَامِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَلَا أَقَالَهُ مِنْهُ وَلَا وَلَّاهُ أَحَدًا حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ   1308 - 1296 - (مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ، مُصَغَّرٌ، الْأُمَوِيِّ، مَوْلَاهُمْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ، إِلَّا فِي عِكْرِمَةَ، وَرُمِيَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَالْعِجْلِيُّ، وَكَفَى بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُ تَوْثِيقًا (عَنْ أَبِي سُفْيَانَ) قِيلَ اسْمُهُ وَهْبٌ، وَقِيلَ قَزْمَانُ (مَوْلَى) عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ أَبِي أَحْمَدَ) اسْمُهُ عَبْدٌ بِلَا إِضَافَةٍ، ابْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيِّ الصَّحَابِيِّ، أَخِي زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ) بِهَمْزَةٍ قَبْلَ الرَّاءِ السَّاكِنَةِ مِنَ الْإِرْخَاصِ، وَفِي رِوَايَةٍ رَخَّصَ بِشَدِّ الْخَاءِ مِنَ التَّرْخِيصِ (فِي بَيْعِ) ثَمَرِ (الْعَرَايَا) جَمْعُ عَرِيَّةٍ (بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) جَمْعُ وَسَقٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا (أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، يَشُكُّ دَاوُدُ) شَيْخُ الْإِمَامِ، هَلْ (قَالَ) شَيْخُهُ أَبُو سُفْيَانَ (خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) وَبِسَبَبِ هَذَا الشَّكِّ اخْتَلَفَ قَوْلُ الْإِمَامِ، فَقَصَرَ فِي الْمَشْهُورِ الْحُكْمَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ اتِّبَاعًا لِمَا وُجِدَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَلِأَنَّ الْخَمْسَةَ أَوَّلُ مَقَادِيرِ الْمَالِ الحديث: 1308 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، فَقَصَرَ الرِّفْقَ عَلَى شِرَائِهَا فَمَا زَادَ عَلَيْهَا خَرَجَ إِلَى الْمَالِ الْكَثِيرِ الَّذِي يُطْلَبُ فِيهِ التَّجْرُ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمُزَابَنَةِ، وَعَنْهُ أَيْضًا قَصَرَ الْجَوَازَ عَلَى أَرْبَعَةٍ فَأَقَلَّ عَمَلًا بِالْمُحَقِّقِ ; لِأَنَّ الْخَمْسَةَ شَكٌّ فِيهَا وَالْعَرَايَا رُخْصَةٌ أَصْلُهَا الْمَنْعُ، فَيَقْصُرُ الْجَوَازُ عَلَى الْمُحَقِّقِ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَقَعَ مَقْرُونًا بِالرُّخْصَةِ فِي الْعَرَايَا، فَفِي الصَّحِيحِ: " «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَصَّ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا» ". فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ لِلشَّكِّ فِي رَفْعِ التَّحْرِيمِ، وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ لِلشَّكِّ فِي قَدْرِ التَّحْرِيمِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَالتَّحْدِيدُ إِنَّمَا هُوَ إِذَا اشْتَرَيْتَ بِخَرْصِهَا أَمَّا بِعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ فَجَائِزٌ لِرَبِّهَا وَلِغَيْرِهِ وَإِنَّ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ، قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا هِيَ فِيمَا يُكَالُ، فَيُحْتَجُّ بِهِ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، يَعْنِي الْمَشْهُورَ بِتَعْمِيمِهَا فِي التَّمْرِ وَكُلُّ مَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ كَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ النَّصَّ إِنَّمَا هُوَ فِي التَّمْرِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى إِلْحَاقِ الزَّبِيبِ بِهِ وَلَا سَبَبَ لِإِلْحَاقِهِ إِلَّا أَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّمْرِ فَيَلْحَقُ بِهِ كُلَّمَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ قَصْرُهَا عَلَى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَصَّصٌ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيِّ، وَفِي مَحَلٍّ آخَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، وَمُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَيَحْيَى التَّمِيمِيِّ، الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا تُبَاعُ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ، يُتَحَرَّى ذَلِكَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (وَيُخْرَصُ) يُحْزَرُ (فِي رُءُوسِ النَّخْلِ) بِأَنْ يَقُولَ الْخَارِصُ: هَذَا الرُّطَبُ الَّذِي عَلَى النَّخْلِ إِذَا يَبِسَ يَصِيرُ ثَلَاثَةَ أَوْسُقٍ مَثَلًا، فَيَشْتَرِيهَا الْمُعَرَّى مِمَّنْ أَعْرَاهَا لَهُ بِثَلَاثَةٍ تَمْرًا يُعْطِيهَا لَهُ عِنْدَ الْجُذَاذِ، عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالنَّقْدِ. (وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِيهِ) وَإِنْ مُنِعَ أَصْلُهُ فَإِنَّهَا كَمَا قَالَ عِيَاضٌ: مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ أَرْبَعَةٍ مَمْنُوعَةِ الْمُزَابَنَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ، وَرِبَا الْفَضْلِ وَالنِّسَاءِ وَالْعَوْدِ فِي الْهِبَةِ (لِأَنَّهُ أُنْزِلَ بِمَنْزِلَةِ التَّوْلِيَةِ) لِمَا اشْتَرَاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ (وَالْإِقَالَةِ) لِلْبَيْعِ (وَالشِّرْكِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، أَيْ تَشْرِيكِ غَيْرِهِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ، وَكُلٌّ مِنَ الثَّلَاثَةِ مَعْرُوفٌ، فَكَذَا الْعُرْيَةُ تَجُوزُ لِلْمَعْرُوفِ أَيْ لِتَتْمِيمٍ ; لِأَنَّ الْمُعَرَّى، بِالْفَتْحِ، يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ بِهَا وَحِرَاسَتُهَا وَجَمْعُ سَوَاقِطِهَا وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ، فَرَخَّصَ لِمُعَرِّيهَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِيَكْفِيَهُ تِلْكَ الْمُؤَنَ، وَقِيلَ: عِلَّةُ ذَلِكَ رَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ الْمُعَرِّي لِتَضَرُّرِهِ بِدُخُولِ الْمُعَرَّى عَلَيْهِ فِي بُسْتَانِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى أَهْلِهِ، وَعَلَّلَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ لِلْمُعَرِّي شِرَاءُ عَرِيَّتِهِ لِوَجْهَيْنِ: إِمَّا لِرَفْعِ الضَّرَرِ، وَإِمَّا لِلرِّفْقِ فِي كِفَايَتِهِ، وَقِيلَ: عِلَّتُهُ اسْتِخْلَاصُ الرَّقَبَةِ. (وَلَوْ كَانَ) مَا ذَكَرَ مِنَ الثَّلَاثِ مَسَائِلَ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا (بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْبُيُوعِ، مَا أَشْرَكَ أَحَدٌ أَحَدًا فِي طَعَامِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ (وَلَا أَقَالَهُ مِنْهُ وَلَا وَلَّاهُ أَحَدًا حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ) لِلنَّهْيِ الْآتِي عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَجَوَازُ الْمَذْكُورَاتِ لِلْمَعْرُوفِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 [بَاب الْجَائِحَةِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ «ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَمَرَ حَائِطٍ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَالَجَهُ وَقَامَ فِيهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ النُّقْصَانُ فَسَأَلَ رَبَّ الْحَائِطِ أَنْ يَضَعَ لَهُ أَوْ أَنْ يُقِيلَهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَذَهَبَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَبُّ الْحَائِطِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ لَهُ»   10 - بَابُ الْجَائِحَةِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ الْجَائِحَةُ لُغَةً: الْمُصِيبَةُ الْمُسْتَأْصَلَةُ، جَمْعُهَا جَوَائِحُ، وَعُرْفًا مَا أُتْلِفَ مِنْ مَعْجُوزٍ عَنْ دَفْعِهِ عَادَةً قَدْرًا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ نَبَاتٍ. 1309 - 1297 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ) لُقِّبَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ عَشَرَةٌ رِجَالًا كَامِلِينَ، وَكُنْيَتَهُ فِي الْأَصْلِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ (مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةِ (أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ) مُرْسَلٌ، وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ كَمَا يَأْتِي عَنْ عَائِشَةَ (ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَمَرَ حَائِطٍ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَالَجَهُ وَقَامَ فِيهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ النُّقْصَانُ، فَسَأَلَ) مُبْتَاعُ الثَّمَرَةِ (رَبَّ الْحَائِطِ) الْبُسْتَانِ، وَلَمْ يُسَمَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (أَنْ يَضَعَ) يُسْقِطَ (لَهُ) لِأَجْلِ النَّقْصِ شَيْئًا مِنْ ثَمَنِهِ (أَوْ أَنْ يُقِيلَهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ) الْوَضْعَ وَلَا الْإِقَالَةَ (فَذَهَبَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَأَلَّى) بِالْهَمْزِ وَشَدِّ اللَّامِ، حَلَفَ، مُبَالِغًا فِي النَّهْيِ (أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا، فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَبُّ الْحَائِطِ، فَأَتَى) هُوَ (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ لَهُ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا أَدْرِي قَوْلَهُ: هُوَ لَهُ، هَلِ الْوَضِيعَةُ أَوِ الْإِقَالَةُ؟ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَصَلَهُ الشَّيْخَانِ بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيَةٌ أَصْوَاتُهُمْ، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الْآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ يَقُولُ: الحديث: 1309 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لَا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَلَهُ، أَيْ ذَلِكَ أَحَبُّ» ". وَجَمَعَ عِيَاضٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ بِأَنْ يَكُونَ سَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا وَلَمْ يَتَبَيَّنْ كَلَامَهُمَا، فَجَاءَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِي فَأَخْبَرَتْهُ فَخَرَجَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَالْجَائِحَةُ الَّتِي تُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي الثُّلُثُ فَصَاعِدًا وَلَا يَكُونُ مَا دُونَ ذَلِكَ جَائِحَةً   1309 - 1298 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ، قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، وَالْجَائِحَةُ الَّتِي تُوضَعُ عَنِ الْمُشْتَرِي الثُّلُثُ فَصَاعِدًا، وَلَا يَكُونُ مَا دُونَ ذَلِكَ جَائِحَةً) لِدُخُولِ الْمُشْتَرِي عَلَى رَمْيِ الْهَوَاءِ وَأَكْلِ الطَّيْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْيَسِيرُ مَا دُونَ الثُّلُثِ كَمَا مَرَّ قَرِيبًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 [بَاب مَا يَجُوزُ فِي اسْتِثْنَاءِ الثَّمَرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَيَسْتَثْنِي مِنْهُ   11 - بَابُ مَا يَجُوزُ فِي اسْتِثْنَاءِ الثَّمَرِ 1311 - 1299 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ، ثُمَّ يَسْتَثْنِي مِنْهُ) وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ مَا كَانَ يَسْتَثْنِي. الحديث: 1311 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ جَدَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الْأَفْرَقُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ تَمْرًا   1312 - 1300 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ جَدَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ) أَيْ يُسَمَّى الْحَائِطُ (الْأَفْرَقُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَآخِرُهُ قَافٌ، مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ (بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ تَمْرًا) وَهِيَ دُونَ الثُّلُثِ. الحديث: 1312 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ أَنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَتْ تَبِيعُ ثِمَارَهَا وَتَسْتَثْنِي مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ الثَّمَرِ لَا يُجَاوِزُ ذَلِكَ وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَيَسْتَثْنِي مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ يَخْتَارُهَا وَيُسَمِّي عَدَدَهَا فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ إِنَّمَا اسْتَثْنَى شَيْئًا مِنْ ثَمَرِ حَائِطِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ احْتَبَسَهُ مِنْ حَائِطِهِ وَأَمْسَكَهُ لَمْ يَبِعْهُ وَبَاعَ مِنْ حَائِطِهِ مَا سِوَى ذَلِكَ   1313 - 1301 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ: أَنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَتْ تَبِيعُ ثِمَارَهَا وَتَسْتَثْنِي مِنْهَا) وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ مَا كَانَتْ تَسْتَثْنِي (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ الثَّمَرِ لَا يُجَاوِزُ ذَلِكَ) يَتَعَدَّاهُ (وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ (وَأَمَّا الرَّجُلُ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَيَسْتَثْنِي مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ يَخْتَارُهَا وَيُسَمِّي عَدَدَهَا، فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا) شِدَّةً أَيْ يَجُوزُ (لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ إِنَّمَا اسْتَثْنَى شَيْئًا مِنْ نَفْسِهِ) فَهُوَ عَالِمٌ بِهِ (وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ احْتَبَسَهُ) أَيْ مَنَعَهُ (مِنْ حَائِطِهِ وَأَمْسَكَهُ لَمْ يَبِعْهُ وَبَاعَ مِنْ حَائِطِهِ مَا سِوَى ذَلِكَ) وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَبْقِيٌّ. الحديث: 1313 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 [بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ عَامِلَكَ عَلَى خَيْبَرَ يَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْعُوهُ لِي فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَبِيعُونَنِي الْجَنِيبَ بِالْجَمْعِ صَاعًا بِصَاعٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا»   12 - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ 1314 - 1302 - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) مُرْسَلٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَصَلَهُ دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّمْرُ الحديث: 1314 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» ) مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ مَوْزُونًا، وَفِي رِوَايَةٍ بِالرَّفْعِ. (فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَامِلَكَ عَلَى خَيْبَرَ) سَوَادَ بْنَ غَزِيَّةَ، كَمَا يَأْتِي (يَأْخُذُ الصَّاعَ) مِنَ التَّمْرِ الْجَيِّدِ (بِالصَّاعَيْنِ) مِنَ التَّمْرِ الرَّدِيءِ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ادْعُوهُ لِي، فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَبِيعُونَنِي الْجَنِيبَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ فَمُوَحَّدَةٍ، نَوْعٌ مِنْ جَيِّدِ التَّمْرِ (بِالْجَمْعِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، تَمْرٌ رَدِيءٌ مَجْمُوعٌ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ (صَاعًا بِصَاعٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:) تَفْعَلُ (بِعِ الْجَمْعَ) التَّمْرَ الرَّدِيءَ (بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ) اشْتَرِ (بِالدَّرَاهِمِ) تَمْرًا (جَنِيبًا) فَلَا يَدْخُلُهُ الرِّبَا، فَنَهَاهُ عَمَّا فَعَلَ وَعَذَرَهُ فَلَمْ يُعَنِّفْهُ وَلَمْ يَرُدَّ فِعْلَهُ السَّابِقَ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِاجْتِهَادٍ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا، وَقَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّهْيِ عَنِ التَّفَاضُلِ، وَلِذَا سَأَلَهُ عَنْ فِعْلِهِ لِيُعَلِّمَهُ بِمَا أَحْدَثَ اللَّهُ فِيهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِفَسْخِهِ. وَجَاءَ عَنْ بِلَالٍ وَأَبِي سَعِيدٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِرَدِّ هَذَا الْبَيْعِ» ". قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، أَيْ بَرَدِّ مِثْلِهِ بَعْدَ نُزُولِ النَّهْيِ عَنِ التَّفَاضُلِ، فَلَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ بِنَاءً عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، كَمَا يَأْتِي عَنْهُ فِي تَالِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا»   1315 - 1303 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ) بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمِيمِ، رَوَاهُ يَحْيَى وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ يُوسُفَ، وَقَالَ جُمْهُورُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ: عَبْدُ الْمَجِيدِ، بِمِيمٍ تَلِيهَا جِيمٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْعُقَيْلِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَالْأَوَّلُ غَلَطٌ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (ابْنُ سُهَيْلٍ) بِالتَّصْغِيرِ، زَوْجُ الثُّرَيَّا بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ عُمَرُ بْنُ رَبِيعَةَ: أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا ... عَمْرُكَ اللَّهُ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ هِيَ شَامِيَّةٌ إِذَا مَا اسْتَقَلَّتْ ... وَسُهَيْلٌ إِذَا اسْتَقَلَّ يَمَانِ (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ، ثِقَةٌ، حُجَّةٌ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَلَهُ مَرْفُوعًا فِي الْمُوَطَّأِ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، سَعْدٍ بِسُكُونِهَا، ابْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (الْخُدْرِيِّ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ أَوْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ، قَالَ الحديث: 1315 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 أَبُو عُمَرَ: ذِكْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَجِيدِ، وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَعَقَبَةُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اهـ، وَهِيَ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ غَيْرِ مُنَافِيَةٍ، فَلَيْسَتْ بِشَاذَّةٍ كَمَا ادَّعَاهُ بِقَوْلِهِ الْمَحْفُوظِ ; إِذْ يُقَابِلُهُ الشَّاذُّ، وَلِذَا لَمْ يَلْتَفِتِ الشَّيْخَانِ لِذَلِكَ وَرَوَيَا الْحَدِيثَ. وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ فَقَدْ قَصَّرَ فَلَا يُقْضَى بِهِ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُمَا، وَكَأَنَّ أَبَا عُمَرَ اسْتَشْعَرَ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا) هُوَ سَوَادُ، بِخِفَّةِ الْوَاوِ، ابْنُ غَزِيَّةَ بِمُعْجَمَتَيْنِ، بِوَزْنِ عَطِيَّةَ، كَمَا سَمَّاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ (عَلَى خَيْبَرَ) أَيْ جَعَلَهُ أَمِيرًا عَلَيْهَا (فَجَاءَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ) بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَنُونٍ مَكْسُورَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ، نَوْعٌ مِنْ أَعْلَى التَّمْرِ، قِيلَ الْكَبِيسُ، وَقِيلَ الطَّيِّبُ، وَقِيلَ الصُّلْبُ، وَقِيلَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ حَشَفُهُ وَرُدَّ بِهِ، وَقِيلَ الَّذِي لَا يُخْلَطُ بِغَيْرِهِ. (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا) الْجَنِيبِ (بِالصَّاعَيْنِ) مِنَ الْجَمْعِ، كَمَا زَادَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَالصَّاعَيْنِ) مِنَ الْجَنِيبِ (بِالثَّلَاثَةِ) مِنَ الْجَمْعِ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِالثَّلَاثِ بِدُونِ تَاءٍ، وَهُمَا جَائِزَانِ لِأَنَّ الصَّاعَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَفْعَلْ بِعِ الْجَمْعَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، التَّمْرُ الرَّدِيءُ الْمَجْمُوعُ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ (بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ) اشْتَرِ (بِالدَّرَاهِمِ) تَمْرًا (جَنِيبًا) لِيَكُونَ صَفْقَتَيْنِ، فَلَا يَدْخُلُهُ الرِّبَا، فَلَيْسَ هَذَا حِيلَةً فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ بَلْ تُوَصِّلُ إِلَى تَحْصِيلِ تَمَلُّكِهِ. وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فَقَالَ: " «لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ هَذَا الْحَدِيثَ ذَكَرَ آخِرَهُ، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ سِوَى مَالِكٍ، وَهُوَ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءٌ الطَّيِّبُ وَالدُّونُ، وَأَنَّهُ كُلَّهُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَاحِدٌ، وَأَمَّا سُكُوتُ مَنْ سَكَتَ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَقَدْ وَرَدَ الْفَسْخُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَقَالَ: هَذَا الرِّبَا فَرَدَّهُ، وَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ وَأَنَّ الَّتِي لَمْ يَقَعْ فِيهَا الرَّدُّ كَانَتْ قَبْلَ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ اهـ. وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ مَنْ أَجَازَ بَيْعَ الطَّعَامِ مِنْ رَجُلٍ بِنَقْدٍ وَيَبْتَاعُ مِنْهُ بِذَلِكَ النَّقْدِ طَعَامًا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَبَعْدَهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ فِيهِ بَائِعَ الطَّعَامِ وَلَا مُبْتَاعَهُ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 غَيْرِهِ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ لَا يَشْمَلُ مَا ذُكِرَ، فَإِذَا عَمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِيمَا عَدَاهَا بِإِجْمَاعِ الْأُصُولِيِّينَ، وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ وَابْتَعْ مِمَّنِ اشْتَرَى الْجَمْعَ، بَلْ خَرَجَ الْكَلَامُ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لَعِينِ الْبَائِعِ مَنْ هُوَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعِي. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: بَيْعُ التَّمْرِ الْجَمْعُ بِالدَّرَاهِمِ وَشِرَاءُ الْجَنِيبِ بِهَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَدْخُلُهُ مَا يَدْخُلُ الصَّرْفَ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِدَرَاهِمَ وَيَشْتَرِي بِهَا ذَهَبًا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ، وَالْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، فَمَالِكٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالذَّرَائِعِ كَذَلِكَ وَغَيْرُهُ يُرَاعِي السَّلَامَةَ فِي ذَلِكَ لَا يَفْسَخُ بَيْعًا قَدِ انْعَقَدَ إِلَّا بِيَقِينٍ وَقَصْدٍ اهـ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ الْحِيلَةِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا بِأَنْ يَبِيعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ بِدَرَاهِمَ، أَوْ عَرْضٍ وَيَشْتَرِيَ مِنْهُ بِالدَّرَاهِمِ، أَوْ يُقْرِضَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيَبْرِيَهُ، أَوْ يَتَوَاهَبَا، أَوْ يَهَبَ الْفَاضِلَ مَالِكُهُ لِصَاحِبِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْهُ مَا عَدَاهُ بِمَا يُسَاوِيهِ، فَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ إِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي بَيْعِهِ وَإِقْرَاضِهِ وَهِبَتِهِ مَا يَفْعَلُهُ الْآخَرُ، نَعَمْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ إِذَا نَوَيَا ذَلِكَ ; لِأَنَّ كُلَّ شَرْطٍ أَفْسَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ الْعَقْدَ يُكْرَهُ إِذَا نَوَاهُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَ لَمْ يَنْعَقِدْ، فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ كُرِهَ، ثُمَّ هَذِهِ الطُّرُقُ لَيْسَتْ حِيَلًا فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُ حَرَامٌ، بَلْ حِيَلٌ فِي تَمْلِيكِهِ لِتَحْصِيلِ ذَلِكَ فَفِي التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ تَسَامُحٌ اهـ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ قُتَيْبَةَ، وَفِي الْوَكَالَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْمَغَازِي عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ «عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ قَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ سَعْدٌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ اشْتِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ فَقَالُوا نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ»   1316 - 1304 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الزَّايِ، الْمَخْزُومِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، زَادَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَغَيْرُهُمَا: مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ (أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ) بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ، كُنْيَتُهُ، وَاسْمُ أَبِيهِ عَيَّاشٌ الْمَدَنِيُّ، تَابِعِيٌّ صَدُوقٌ، نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقِيلَ إِنَّهُ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ، وَلَمْ يُذْكَرْ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَطْ، وَقِيلَ بَلْ رَوَى عَنْهُ أَيْضًا عِمْرَانُ بْنُ أَنَسٍ، وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا عَيَّاشٍ هُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ الزُّرَقِيَّ، وَاسْمُهُ عِنْدَ طَائِفَةٍ: زَيْدُ بْنُ الصَّامِتُ، صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ حَفِظَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَهِدَ مَعَهُ بَعْضَ مَشَاهِدِهِ اهـ. (أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ) بِيعِ (الْبَيْضَاءِ) أَيِ الشَّعِيرِ، كَمَا وَرَدَ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ، وَوَهِمَ وَكِيعٌ فَقَالَ عَنْهُ الذُّرَةِ، وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ، وَالْبَيْضَاءُ عِنْدَ الْعَرَبِ الشَّعِيرُ الحديث: 1316 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 وَالسُّمْرَةُ عِنْدَهُمُ الْبَرُّ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (بِالسُّلْتِ) بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، حَبٌّ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا قِشْرَ لَهُ كَقِشْرِ الشَّعِيرِ، فَهُوَ كَالْحِنْطَةِ فِي مَلَاسَتِهِ وَكَالشَّعِيرِ فِي طَبْعِهِ وَبُرُودَتِهِ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قِيلَ إِنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الشَّعِيرِ لَا قِشْرَ لَهُ، وَيَكُونُ فِي الْغَوْرِ وَالْحِجَازِ (فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ؟) قَالَ مَالِكٌ: أَيْ أَكْثَرُ فِي الْكَيْلِ، وَيَدُلُّ لَهُ احْتِجَاجُ سَعْدٍ (فَقَالَ: الْبَيْضَاءُ) أَيِ الشَّعِيرُ (فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ بَيْعِهَا مُتَفَاضِلًا لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْخِلْقَةِ وَغَيْرِهِمَا. (وَقَالَ سَعْدٌ:) مُحْتَجًّا لِفَتْوَاهُ بِالْمَنْعِ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ عَنِ اشْتِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:) لِمَنْ حَوْلَهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ) لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ، فَقَاسَ سَعْدٌ مَا سُئِلَ عَنْهُ مِنَ الشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ عَلَى مَا سُئِلَ عَنْهُ الْمُصْطَفَى التَّمْرُ بِالرُّطَبِ بِجَامِعِ تَقَارُبِ الْمَنْفَعَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا»   13 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ مُفَاعَلَةٌ، مِنَ الزَّبْنِ، وَهُوَ الدَّفْعُ الشَّدِيدُ، وَمِنْهُ الزَّبَانِيَةُ مَلَائِكَةُ النَّارِ ; لِأَنَّهُمْ يَزْبِنُونَ الْكَفَرَةَ فِيهَا أَيْ يَدْفَعُونَهُمْ، وَيُقَالُ لِلْحَرْبِ زَبُونٌ لِأَنَّهَا تَدْفَعُ أَبْنَاءَهَا لِلْمَوْتِ، وَنَاقَةٌ زَبُونٌ إِذَا كَانَتْ تَدْفَعُ حَالِبَهَا عَنِ الْحَلْبِ، سُمِّيَ بِهِ هَذَا الْبَيْعُ الْمَخْصُوصُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَزْبِنُ أَيْ يَدْفَعُ الْآخَرَ عَنْ حَقِّهِ بِمَا يَزْدَادُ مِنْهُ، فَإِذَا وَقَفَ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا يَكْرَهُ تَدَافَعَا فَيَحْرِصُ أَحَدُهُمَا عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ عَلَى إِمْضَائِهِ. وَالْمُحَاقَلَةُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْحَقْلِ وَهُوَ الْحَرْثُ، وَقَالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: اسْمٌ لِلزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ وَلِلْأَرْضِ الَّتِي يُزْرَعُ فِيهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَنْصَارِ: " «مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟» ". أَيْ بِمَزَارِعِكُمْ. 1317 - 1305 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَالْمُوَحَّدَةِ، قَالَ الْقَزَّازُ: أَصْلُهُ أَنَّ الْمَغْبُونَ يُرِيدُ فَسْخَ الْبَيْعِ وَالْغَابِنَ لَا يُرِيدُ فَسْخَهُ فَيَتَزَابَنَانِ عَلَيْهِ أَيْ يَتَدَافَعَانِ، زَادَ ابْنُ بُكَيْرٍ وَحْدَهُ: وَالْمُحَاقَلَةُ. (وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ) بِفَتْحِ الحديث: 1317 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ، الرُّطَبُ عَلَى النَّخْلِ، وَلِابْنِ بُكَيْرٍ: بَيْعُ الرُّطَبِ (بِالتَّمْرِ) بِالْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، الْيَابِسُ (كَيْلًا) نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلِ، وَلَيْسَ قَيْدًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ جَرَى عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، أَوْ لَهُ مَفْهُومٌ وَلَكِنَّهُ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ ; لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الْمَنْطُوقِ. (وَبَيْعُ الْكَرْمِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، شَجَرُ الْعِنَبِ، وَالْمُرَادُ الْعِنَبُ نَفْسُهُ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ: وَبَيْعُ الْعِنَبِ (بِالزَّبِيبِ كَيْلًا) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ: " «وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ كَيْلًا» : ". مِنْ بَابِ الْقَلْبِ، فَالْأَصْلُ إِدْخَالُ الْبَاءِ عَلَى الزَّبِيبِ كَمَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ، زَادَ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ: " «إِنْ زَادَ فَلِي، وَإِنَّ نَقَصَ فَعَلَيَّ» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا التَّفْسِيرُ إِمَّا مَرْفُوعٌ أَوْ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي، فَيُسَلَّمُ لَهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَفِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا، وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِهِ لِلتَّنْزِيهِ، وَعَبَّرَ بِهِ هُنَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ، قِيلَ: وَهَذَا عَلَى أَنَّ التَّفْسِيرَ مَرْفُوعٌ، أَمَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَلَا. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَيُّوبُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَاللَّيْثُ وَيُونُسُ وَالضَّحَّاكُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ نَحْوَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَالْمُحَاقَلَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ»   1318 - 1306 - (مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ) وَهْبٍ أَوْ قُزْمَانَ، بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الزَّايِ (مَوْلَى) عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ أَبِي أَحْمَدَ) عَبْدِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيِّ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ فَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَقَافٍ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَقْلِ وَهُوَ الْحَرْثُ وَمَوْضِعُ الزَّرْعِ (وَالْمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ) بِالْمُثَلَّثَةِ (بِالتَّمْرِ) بِالْفَوْقِيَّةِ (فِي رُؤُوسِ النَّخْلِ) زَادَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: كَيْلًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَوْقَهُ وَمَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ. (وَالْمُحَاقَلَةُ: كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ) وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ جَمِيعِ الطَّعَامِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، وَتَفْسِيرُهَا بِذَلِكَ يَجِيءُ عَلَى أَنَّ الْحَقْلَ الْأَرْضُ الَّتِي تُزْرَعُ، كَخَبَرِ: " «مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ» ". أَيْ بِمَزَارِعِكُمْ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ: لَا تُنْبِتُ الْبَقْلَةُ إِلَّا الْحَقْلَةُ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ إِمَّا مَرْفُوعٌ أَوْ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ فَيُسَلَّمُ لَهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 1318 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَالْمُحَاقَلَةُ اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ وَاسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَتَفْسِيرُ الْمُزَابَنَةِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ الْجِزَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا عَدَدُهُ ابْتِيعَ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الطَّعَامُ الْمُصَبَّرُ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ التَّمْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ أَوْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ السِّلْعَةُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ النَّوَى أَوْ الْقَضْبِ أَوْ الْعُصْفُرِ أَوْ الْكُرْسُفِ أَوْ الْكَتَّانِ أَوْ الْقَزِّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ السِّلَعِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا عَدَدُهُ فَيَقُولُ الرَّجُلُ لِرَبِّ تِلْكَ السِّلْعَةِ كِلْ سِلْعَتَكَ هَذِهِ أَوْ مُرْ مَنْ يَكِيلُهَا أَوْ زِنْ مِنْ ذَلِكَ مَا يُوزَنُ أَوْ عُدَّ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ يُعَدُّ فَمَا نَقَصَ عَنْ كَيْلِ كَذَا وَكَذَا صَاعًا لِتَسْمِيَةٍ يُسَمِّيهَا أَوْ وَزْنِ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا أَوْ عَدَدِ كَذَا وَكَذَا فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ لَكَ حَتَّى أُوفِيَكَ تِلْكَ التَّسْمِيَةَ فَمَا زَادَ عَلَى تِلْكَ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ لِي أَضْمَنُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي مَا زَادَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْعًا وَلَكِنَّهُ الْمُخَاطَرَةُ وَالْغَرَرُ وَالْقِمَارُ يَدْخُلُ هَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ شَيْئًا بِشَيْءٍ أَخْرَجَهُ وَلَكِنَّهُ ضَمِنَ لَهُ مَا سُمِّيَ مِنْ ذَلِكَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ نَقَصَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ عَنْ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ أَخَذَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ مَا نَقَصَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا هِبَةٍ طَيِّبَةٍ بِهَا نَفْسُهُ فَهَذَا يُشْبِهُ الْقِمَارَ وَمَا كَانَ مِثْلُ هَذَا مِنْ الْأَشْيَاءِ فَذَلِكَ يَدْخُلُهُ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الثَّوْبُ أَضْمَنُ لَكَ مِنْ ثَوْبِكَ هَذَا كَذَا وَكَذَا ظِهَارَةَ قَلَنْسُوَةٍ قَدْرُ كُلِّ ظِهَارَةٍ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ حَتَّى أُوفِيَكَ وَمَا زَادَ فَلِي أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَضْمَنُ لَكَ مِنْ ثِيَابِكَ هَذِي كَذَا وَكَذَا قَمِيصًا ذَرْعُ كُلِّ قَمِيصٍ كَذَا وَكَذَا فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِي أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الْجُلُودُ مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ أَوْ الْإِبِلِ أُقَطِّعُ جُلُودَكَ هَذِهِ نِعَالًا عَلَى إِمَامٍ يُرِيهِ إِيَّاهُ فَمَا نَقَصَ مِنْ مِائَةِ زَوْجٍ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ وَمَا زَادَ فَهُوَ لِي بِمَا ضَمِنْتُ لَكَ وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ عِنْدَهُ حَبُّ الْبَانِ اعْصُرْ حَبَّكَ هَذَا فَمَا نَقَصَ مِنْ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا فَعَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَكَهُ وَمَا زَادَ فَهُوَ لِي فَهَذَا كُلُّهُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ أَوْ ضَارَعَهُ مِنْ الْمُزَابَنَةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ وَلَا تَجُوزُ وَكَذَلِكَ أَيْضًا إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الْخَبَطُ أَوْ النَّوَى أَوْ الْكُرْسُفُ أَوْ الْكَتَّانُ أَوْ الْقَضْبُ أَوْ الْعُصْفُرُ أَبْتَاعُ مِنْكَ هَذَا الْخَبَطَ بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ خَبَطٍ يُخْبَطُ مِثْلَ خَبَطِهِ أَوْ هَذَا النَّوَى بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ نَوًى مِثْلِهِ وَفِي الْعُصْفُرِ وَالْكُرْسُفِ وَالْكَتَّانِ وَالْقَضْبِ مِثْلَ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ   1319 - 1307 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ) بِمُثَلَّثَةٍ وَفَتْحِ الْمِيمِ (التَّمْرِ) بِالْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، فَهِيَ فِي النَّخْلِ (وَالْمُحَاقَلَةُ: اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ) أَيِ الْقَمْحِ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ. (وَاسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ) أَيِ الْقَمْحِ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي مُسْلِمٍ، وَهُوَ عِنْدَهُ مُرْسَلٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ، فَهُوَ مُتَابِعٌ لِمَالِكٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ، وَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ، وَقَدْ رَوَى النَّهْيَ عَنْهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ جَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَكُلُّهُمْ سَمِعَ مِنْهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ طَارِقٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: " «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَقَالَ: إِنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ فَهُوَ يَزْرَعُهَا، وَرَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُهَا مَا مُنِحَ، وَرَجُلٌ اسْتَكْرَى أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ» اهـ. وَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَيْبَةَ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ الْجُرْجَانِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْصُولًا، وَالْجُرْجَانِيُّ وَإِنْ كَانَ صَدُوقًا لَكِنْ لَهُ إِفْرَادٌ. (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنِ اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ) الْفِضَّةَ (فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ، وَعَلَيْهِ نَصَّ الْحَدِيثُ كَمَا رَأَيْتَ. (قَالَ مَالِكٌ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمُزَابَنَةِ) فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، قَالَ عِيَاضٌ: مَا فُسِّرَ بِهِ الْحَدِيثُ، الْمُزَابَنَةُ هُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِهَا، وَفَسَّرَهَا الْمُوَطَّأُ بِمَا هُوَ أَوْسَعُ فَقَالَ: (وَتَفْسِيرُ الْمُزَابَنَةِ: أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْجِزَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا عَدَدُهُ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ " كَيْلًا " خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ مَفْهُومِ مُوَافَقَةٍ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُورَةً عَلَى النَّخْلِ (ابْتِيعَ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِنَ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْعَدَدِ) فَحَاصِلُهُ مَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ أَنَّهَا بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، فَيَشْمَلُ تَفْسِيرَ الْحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ رِبَوِيًّا حُرِّمَ الْبَيْعُ لِلرِّبَا وَالْمُزَابَنَةِ، أَمَّا الرِّبَا فَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ الحديث: 1319 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 وَالشَّكُّ فِي الرِّبَا كَتَحَقُّقِهِ، وَأَمَّا الْمُزَابَنَةُ فَلِوُجُودِ مَعْنَاهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَدْفَعُ الْآخَرَ، وَلِذَا شُرِطَ اتِّحَادُ الْجِنْسِ لِأَنَّ بِهِ يَنْصَرِفُ الْغَرَضُ إِلَى الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ يَقُولُ مَا أَخَذْتُ أَكْثَرَ وَقَدْ غَبَنْتُ صَاحِبِي، وَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ غَيْرَ رِبَوِيٍّ حَرُمَ الْبَيْعُ لِلْمُزَابَنَةِ فَقَطْ، لَكِنْ إِنْ تَحَقَّقَ الْفَضْلُ فِيمَا لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ جَازَ، وَيُقَدَّرُ أَنَّ الْمَغْبُونَ وَهَبَ الْفَضْلَ لِظُهُورِهِ لَهُ، وَتَعَقَّبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَبِيُّ قَوْلَ عِيَاضٍ: تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ أَحَدُ أَنْوَاعِهِ الْمُزَابَنَةُ بِأَنَّهُ إِنْ عَنَى أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا بَيْعَ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ ; لِقَوْلِهِ " كَيْلًا " رُدَّ بِأَنَّهُ يَتَنَاوَلَ بَيْعَ الْمَجْهُولِ بِالْمَجْهُولِ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى، وَإِنْ عَنَى أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا الرِّبَوِيَّ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَيَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ لِتَقَرُّرِ مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ فِيهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرَهُ الْمَازِرِيُّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي الْمُتَقَدِّمِ، فَتَفْسِيرُ الْعُلَمَاءِ الْمُزَابَنَةَ لَيْسَ بِأَعَمَّ مِنْ تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ، بَلْ هُوَ مُسَاوٍ لَهُ، وَهُوَ إِمَّا مَرْفُوعٌ فَلَا مُعْدِلَ عَنْهُ، أَوْ مِنَ الرَّاوِي وَلَهُ مَزِيَّةٌ، وَبَسَطَ الْإِمَامُ هَذَا فَقَالَ: (وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الطَّعَامُ الْمُصَبَّى) بِشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ الْمَجْمُوعُ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ (الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ مِنَ الْحِنْطَةِ أَوِ التَّمْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَطْعِمَةِ، أَوْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ السِّلْعَةُ مِنَ الْخَبْطِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، مَا يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ (أَوِ النَّوَى) لِلْبَلَحِ (أَوِ الْقَضْبِ أَوِ الْعُصْفُرِ) نَبْتٌ مَعْرُوفٌ (أَوِ الْكُرْسُفِ) بِالضَّمِّ، الْقُطْنُ (أَوِ الْكَتَّانِ) بِفَتْحِ الْكَافِ مَعْرُوفٌ، وَلَهُ بِزْرٌ يَعْتَصِرُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهِ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْكَتَّانُ عَرَبِيٌّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُكْتَنُّ أَيْ يَسْوَدُّ إِذَا أُلْقِيَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ (أَوِ الْقَزِّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَبِالزَّايِ، مُعَرَّبٌ، قَالَ اللَّيْثُ: هُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ الْإِبْرَيْسَمُ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمُ: الْقَزُّ وَالْإِبْرَيْسَمُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ. (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ السِّلَعِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا عَدَدُهُ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ لِرَبِّ تِلْكَ السِّلْعَةِ كِلْ) بِكَسْرِ الْكَافِ (سِلْعَتَكَ هَذِهِ) بِنَفْسِكَ (أَوْ مُرْ مَنْ يَكِيلُهَا، أَوْ زِنْ مِنْ ذَلِكَ مَا يُوزَنُ، أَوْ عُدَّ مِنْهَا مَا كَانَ يُعَدُّ فَمَا نَقَصَ مِنْ كَذَا وَكَذَا صَاعًا لِتَسْمِيَةٍ يُسَمِّيهَا، أَوْ وَزْنِ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا، أَوْ عَدَدِ كَذَا وَكَذَا، فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، أَيْ دَفْعُهُ (لَكَ حَتَّى أُوَفِّيَكَ تِلْكَ التَّسْمِيَةَ، فَمَا زَادَ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 تِلْكَ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ لِي أَضْمَنُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي مَا زَادَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْعًا) شَرْعِيًّا جَائِزًا (وَلَكِنَّهُ الْمُخَاطَرَةُ) الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ لَفْظِ الْمُزَابَنَةِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الزَّبْنُ الْخَطَرُ، وَقِيلَ: الدَّفْعُ كَأَنَّهُ دَفَعَ عَنِ الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ وَعَنْ مَعْرِفَةِ التَّسَاوِي (وَالْغَرَرُ) مُسَاوٍ لِمَا قَبْلَهُ، فَهُوَ لُغَةً الْخَطَرُ (وَالْقِمَارُ) بِكَسْرِ الْقَافِ، الْمُغَالَبَةُ، مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (يَدْخُلُ هَذَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ شَيْئًا بِشَيْءٍ أَخْرَجَهُ وَلَكِنَّهُ ضَمِنَ لَهُ مَا سَمَّى مِنْ ذَلِكَ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْعَدَدِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ نَقَصَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ مِنْ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ أَخَذَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ مَا نَقَصَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَا هِبَةٍ طَيَّبَةٍ بِهَا نَفْسُهُ) فَهُوَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (فَهَذَا يُشْبِهُ الْقِمَارَ، وَمَا كَانَ مِثْلَ هَذَا مِنَ الْأَشْيَاءِ فَذَلِكَ يَدْخُلُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الثَّوْبُ: أَضْمَنُ لَكَ مِنْ ثَوْبِكَ هَذَا كَذَا وَكَذَا ظِهَارَةَ) بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مَا يَظْهَرُ لِلْعَيْنِ، وَهِيَ خِلَافُ بِطَانَةٍ (قَلَنْسُوَةٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْوَاوِ، مُفْرَدُ قَلَانِسَ (قَدْرُ كُلِّ ظِهَارَةٍ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ حَتَّى أُوفِيَكَهُ وَمَا زَادَ فَلِي، أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَضْمَنُ لَكَ مِنْ ثِيَابِكَ هَذَيْنِ كَذَا وَكَذَا قَمِيصًا ذَرْعُ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ، قَدْرُ (كُلِّ قَمِيصٍ كَذَا وَكَذَا فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِي، أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الْجُلُودُ مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ أَوِ الْإِبِلِ: أُقَطِّعُ جُلُودَكَ هَذِهِ نِعَالًا عَلَى إِمَامٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ مِثَالٍ (يُرِيهِ إِيَّاهُ فَمَا نَقَصَ مِنْ مَائِيَّةِ) أَيْ حَقِيقَةٍ وَصِفَةٍ (زَوْجٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 فَعَلَيَّ غُرْمُهُ وَمَا زَادَ فَهُوَ لِي بِمَا ضَمِنْتُ لَكَ، وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ عِنْدَهُ حَبُّ الْبَانِ) شَجَرٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ الْخِلَافُ، بِخِفَّةِ اللَّامِ، قَالَ الصَّغَانِيُّ: وَشَدُّهَا مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ (اعْصُرْ حَبَّكَ هَذَا، فَمَا نَقَصَ مِنْ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا فَعَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَكَهُ وَمَا زَادَ فَهُوَ لِي فَهَذَا كُلُّهُ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَوْ ضَارَعَهُ) شَابَهَهُ فَهُوَ مُسَاوٍ، وَحَسَّنَهُ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِلتَّأْكِيدِ (مِنَ الْمُزَابَنَةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ وَلَا تَجُوزُ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الْخَبَطُ أَوِ النَّوَى أَوِ الْكُرْسُفُ أَوِ الْكَتَّانُ أَوِ الْقَضْبُ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ، نَبْتٌ مَعْرُوفٌ (أَوِ الْعُصْفُرُ: أَبْتَاعُ مِنْكَ هَذَا الْخَبَطَ بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ نَوًى مِثْلِهِ، وَفِي الْعُصْفُرِ وَالْكُرْسُفِ وَالْكَتَّانِ وَالْقَضْبِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَهَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَا وَصَفْنَاهُ مِنَ الْمُزَابَنَةِ) فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِدُخُولِهِ تَحْتَ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا، قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: يَشْهَدُ لِقَوْلِ مَالِكٍ لُغَةُ الْعَرَبِ فِي الْمُزَابَنَةِ مِنَ الزَّبْنِ وَهُوَ الْمُقَامَرَةُ وَالدَّفْعُ وَالْمُغَالَبَةُ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ حَتَّى قَالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: الْقَمَرُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقِمَارِ لِزِيَادَتِهِ وَنُقْصَانِهِ، فَالْمُزَابَنَةُ: الْقِمَارُ وَالْمُخَاطَرَةُ، شَيْءٌ مُتَدَاخِلُ الْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 [بَاب جَامِعِ بَيْعِ الثَّمَرِ] قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى ثَمَرًا مِنْ نَخْلٍ مُسَمَّاةٍ أَوْ حَائِطٍ مُسَمًّى أَوْ لَبَنًا مِنْ غَنَمٍ مُسَمَّاةٍ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ يُؤْخَذُ عَاجِلًا يَشْرَعُ الْمُشْتَرِي فِي أَخْذِهِ عِنْدَ دَفْعِهِ الثَّمَنَ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَاوِيَةِ زَيْتٍ يَبْتَاعُ مِنْهَا رَجُلٌ بِدِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ وَيُعْطِيهِ ذَهَبَهُ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يَكِيلَ لَهُ مِنْهَا فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ انْشَقَّتْ الرَّاوِيَةُ فَذَهَبَ زَيْتُهَا فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ إِلَّا ذَهَبُهُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ وَأَمَّا كُلُّ شَيْءٍ كَانَ حَاضِرًا يُشْتَرَى عَلَى وَجْهِهِ مِثْلُ اللَّبَنِ إِذَا حُلِبَ وَالرُّطَبِ يُسْتَجْنَى فَيَأْخُذُ الْمُبْتَاعُ يَوْمًا بِيَوْمٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ فَنِيَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى رَدَّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ ذَهَبِهِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ لَهُ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ الْمُشْتَرِي سِلْعَةً بِمَا بَقِيَ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهَا وَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَأْخُذَهَا فَإِنْ فَارَقَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَإِنْ وَقَعَ فِي بَيْعِهِمَا أَجَلٌ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحِلُّ فِيهِ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظِرَةٌ وَلَا يَصْلُحُ إِلَّا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا فِي غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ الْحَائِطَ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ النَّخْلِ مِنْ الْعَجْوَةِ وَالْكَبِيسِ وَالْعَذْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِ التَّمْرِ فَيَسْتَثْنِي مِنْهَا ثَمَرَ النَّخْلَةِ أَوْ النَّخَلَاتِ يَخْتَارُهَا مِنْ نَخْلِهِ فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ إِذَا صَنَعَ ذَلِكَ تَرَكَ ثَمَرَ النَّخْلَةِ مِنْ الْعَجْوَةِ وَمَكِيلَةُ ثَمَرِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَأَخَذَ مَكَانَهَا ثَمَرَ نَخْلَةٍ مِنْ الْكَبِيسِ وَمَكِيلَةُ ثَمَرِهَا عَشَرَةُ أَصْوُعٍ أَوْ أَخَذَ الْعَجْوَةَ الَّتِي فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَتَرَكَ الَّتِي فِيهَا عَشْرَةُ أَصْوُعٍ مِنْ الْكَبِيسِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَجْوَةَ بِالْكَبِيسِ مُتَفَاضِلًا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بَيْنَ يَدَيْهِ صُبَرٌ مِنْ التَّمْرِ قَدْ صَبَّرَ الْعَجْوَةَ فَجَعَلَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْكَبِيسِ عَشَرَةَ آصُعٍ وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْعَذْقِ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا فَأَعْطَى صَاحِبَ التَّمْرِ دِينَارًا عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ فَيَأْخُذُ أَيَّ تِلْكَ الصُّبَرِ شَاءَ قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الرُّطَبَ مِنْ صَاحِبِ الْحَائِطِ فَيُسْلِفُهُ الدِّينَارَ مَاذَا لَهُ إِذَا ذَهَبَ رُطَبُ ذَلِكَ الْحَائِطِ قَالَ مَالِكٌ يُحَاسِبُ صَاحِبَ الْحَائِطِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِينَارِهِ إِنْ كَانَ أَخَذَ بِثُلُثَيْ دِينَارٍ رُطَبًا أَخَذَ ثُلُثَ الدِّينَارِ الَّذِي بَقِيَ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَذَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ دِينَارِهِ رُطَبًا أَخَذَ الرُّبُعَ الَّذِي بَقِيَ لَهُ أَوْ يَتَرَاضَيَانِ بَيْنَهُمَا فَيَأْخُذُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِينَارِهِ عِنْدَ صَاحِبِ الْحَائِطِ مَا بَدَا لَهُ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ تَمْرًا أَوْ سِلْعَةً سِوَى التَّمْرِ أَخَذَهَا بِمَا فَضَلَ لَهُ فَإِنْ أَخَذَ تَمْرًا أَوْ سِلْعَةً أُخْرَى فَلَا يُفَارِقْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا أَوْ يُؤَاجِرَ غُلَامَهُ الْخَيَّاطَ أَوْ النَّجَّارَ أَوْ الْعَمَّالَ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ أَوْ يُكْرِيَ مَسْكَنَهُ وَيَسْتَلِفَ إِجَارَةَ ذَلِكَ الْغُلَامِ أَوْ كِرَاءَ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ أَوْ تِلْكَ الرَّاحِلَةِ ثُمَّ يَحْدُثُ فِي ذَلِكَ حَدَثٌ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَرُدُّ رَبُّ الرَّاحِلَةِ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ الْمَسْكَنِ إِلَى الَّذِي سَلَّفَهُ مَا بَقِيَ مِنْ كِرَاءِ الرَّاحِلَةِ أَوْ إِجَارَةِ الْعَبْدِ أَوْ كِرَاءِ الْمَسْكَنِ يُحَاسِبُ صَاحِبَهُ بِمَا اسْتَوْفَى مِنْ ذَلِكَ إِنْ كَانَ اسْتَوْفَى نِصْفَ حَقِّهِ رَدَّ عَلَيْهِ النِّصْفَ الْبَاقِيَ الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ يَرُدُّ إِلَيْهِ مَا بَقِيَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَصْلُحُ التَّسْلِيفُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا يُسَلَّفُ فِيهِ بِعَيْنِهِ إِلَّا أَنْ يَقْبِضَ الْمُسَلِّفُ مَا سَلَّفَ فِيهِ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ إِلَى صَاحِبِهِ يَقْبِضُ الْعَبْدَ أَوْ الرَّاحِلَةَ أَوْ الْمَسْكَنَ أَوْ يَبْدَأُ فِيمَا اشْتَرَى مِنْ الرُّطَبِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ إِلَى صَاحِبِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا أَجَلٌ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أُسَلِّفُكَ فِي رَاحِلَتِكَ فُلَانَةَ أَرْكَبُهَا فِي الْحَجِّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ أَجَلٌ مِنْ الزَّمَانِ أَوْ يَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ أَوْ الْمَسْكَنِ فَإِنَّهُ إِذَا صَنَعَ ذَلِكَ كَانَ إِنَّمَا يُسَلِّفُهُ ذَهَبًا عَلَى أَنَّهُ إِنْ وَجَدَ تِلْكَ الرَّاحِلَةَ صَحِيحَةً لِذَلِكَ الْأَجَلِ الَّذِي سَمَّى لَهُ فَهِيَ لَهُ بِذَلِكَ الْكِرَاءِ وَإِنْ حَدَثَ بِهَا حَدَثٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ رَدَّ عَلَيْهِ ذَهَبَهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ عِنْدَهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْقَبْضُ مَنْ قَبَضَ مَا اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَكْرَى فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْغَرَرِ وَالسَّلَفِ الَّذِي يُكْرَهُ وَأَخَذَ أَمْرًا مَعْلُومًا وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ فَيَقْبِضَهُمَا وَيَنْقُدَ أَثْمَانَهُمَا فَإِنْ حَدَثَ بِهِمَا حَدَثٌ مِنْ عُهْدَةِ السَّنَةِ أَخَذَ ذَهَبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ تَكَارَى رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا إِلَى أَجَلٍ يَقْبِضُ الْعَبْدَ أَوْ الرَّاحِلَةَ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَقَدْ عَمِلَ بِمَا لَا يَصْلُحُ لَا هُوَ قَبَضَ مَا اسْتَكْرَى أَوْ اسْتَأْجَرَ وَلَا هُوَ سَلَّفَ فِي دَيْنٍ يَكُونُ ضَامِنًا عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ   14 - بَابُ جَامِعِ بَيْعِ الثَّمَرِ (قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى ثَمَرًا مِنْ نَخْلٍ مُسَمَّاةٍ أَوْ حَائِطٍ مُسَمًّى أَوْ لَبَنًا مَنْ غَنَمٍ مُسَمَّاةٍ، إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ (إِذَا كَانَ يُؤْخَذُ عَاجِلًا، يَشْرَعُ الْمُشْتَرِي فِي أَخْذِهِ عِنْدَ دَفْعِ الثَّمَنِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 بَيَانٌ لِلتَّعْجِيلِ (وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَاوِيَةِ زَيْتٍ يَبْتَاعُ مِنْهَا رَجُلٌ بِدِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ وَيُعْطِيهِ ذَهَبَهُ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يَكِيلَ لَهُ مِنْهَا، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنِ انْشَقَّتِ الرَّاوِيَةُ فَذَهَبَ زَيْتُهَا فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ إِلَّا ذَهَبُهُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ، وَأَمَّا كُلُّ شَيْءٍ كَانَ حَاضِرًا يُشْتَرَى عَلَى وَجْهِهِ مِثْلُ اللَّبَنِ إِذَا حُلِبَ، وَالرُّطَبِ يُسْتَجْنَى) بِسِينِ التَّأْكِيدِ، أَيْ يُجْنَى (فَيَأْخُذُ الْمُبْتَاعُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنْ فَنِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى رَدَّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ ذَهَبِهِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ لَهُ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ الْمُشْتَرِي سِلْعَةً بِمَا بَقِيَ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهَا وَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَأْخُذَهَا، فَإِنْ فَارَقَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَقَدْ نُهِيَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَنِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ) بِالْهَمْزِ، وَهُوَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ (فَإِنْ وَقَعَ فِي بَيْعِهِمَا أَجَلٌ، فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحِلُّ فِيهِ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظِرَةٌ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ، تَأْخِيرٌ (وَلَا يَصْلُحُ إِلَّا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ، وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا فِي غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنَ الرَّجُلِ الْحَائِطَ فِيهِ أَلْوَانٌ) أَنْوَاعٌ (مِنَ النَّخْلِ مِنَ الْعَجْوَةِ) نَوْعٌ مِنْ أَجْوَدِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ (وَالْكَبِيسِ) نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ، وَيُقَالُ مَنْ أَجْوَدِهِ (وَالْعَذْقِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ وَقَافٍ، أَنْوَاعٌ مِنَ التَّمْرِ، وَمِنْهُ عَذْقُ ابْنِ الْحَبِيقِ وَعَذْقُ ابْنِ طَابَ وَعَذْقُ ابْنِ زَيْدٍ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ. (وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِ التَّمْرِ، فَيَسْتَثْنِي الْبَائِعُ مِنْهَا تَمْرَ النَّخْلَةِ أَوِ النَّخَلَاتِ يَخْتَارُهَا مِنْ نَخْلِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 لَا يَصْلُحُ ; لِأَنَّهُ إِذَا صَنَعَ ذَلِكَ تَرَكَ تَمْرَ النَّخْلَةِ مِنَ الْعَجْوَةِ، وَمَكِيلَةُ ثَمَرِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَأَخَذَ مَكَانَهَا ثَمَرَ نَخْلَةٍ مِنَ الْكَبِيسِ، وَمَكِيلَةُ ثَمَرِهَا عَشْرَةُ أَصْوُعٍ) جَمْعُ قِلَّةٍ لِصَاعٍ وَيُجْمَعُ كَثْرَةً عَلَى صِيعَانٍ، وَفِي نُسْخَةٍ: آصُعٍّ جَمْعٌ أَيْضًا لِصَاعٍ عَلَى الْقَلْبِ، كَمَا قِيلَ: دَارٌ وَآدُرُ بِالْقَلْبِ، قَالَهُ الْفَاسِيُّ، وَجَعَلَهُ أَبُو حَاتِمٍ مِنْ خَطَأِ الْعَوَامِّ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَلَيْسَ بِخَطَأٍ فِي الْقِيَاسِ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ مِنَ الْعَرَبِ، لَكِنَّهُ قِيَاسٌ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ مِنْ نَقْلِ الْهَمْزَةِ مِنْ مَوْضِعِ الْعَيْنِ إِلَى مَوْضِعِ الْيَاءِ، فَيَقُولُونَ أَبْآرٌ وَآبَارٌ. (وَإِنْ أَخَذَ الْعَجْوَةَ الَّتِي فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَتَرَكَ الَّتِي فِيهَا عَشْرَةُ أَصْوُعٍ) وَفِي نُسْخَةٍ: آصُعٍ (مِنَ الْكَبِيسِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَجْوَةَ بِالْكَبِيسِ مُتَفَاضِلًا) فَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ (وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ عِنْدَهُ (صُبْرَةٌ مِنَ التَّمْرِ قَدْ صَبَّرَ) بِالتَّشْدِيدِ (الْعَجْوَةَ فَجَعَلَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْكَبِيسِ عَشْرَةَ آصُعٍ، وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْعَذْقِ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا، فَأَعْطَى صَاحِبَ التَّمْرِ دِينَارًا عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ فَيَأْخُذُ أَيَّ تِلْكَ الصُّبَرِ شَاءَ، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ) لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ يُعَدُّ مُنْتَقِلًا. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الرُّطَبَ مِنْ صَاحِبِ الْحَائِطِ فَيُسْلِفُهُ الدِّينَارَ مَاذَا لَهُ إِذَا ذَهَبَ رُطَبُ ذَلِكَ الْحَائِطِ؟ قَالَ مَالِكٌ: يُحَاسِبُ صَاحِبَ الْحَائِطِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِينَارِهِ إِنْ كَانَ أَخَذَ بِثُلُثَيْ دِينَارِهِ رَطْبًا، أَخَذَ ثُلُثَ الدِّينَارِ الَّذِي بَقِيَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَ ثَلَاثَةَ) نُصِبَ عَلَى التَّوَسُّعِ، أَيْ بِثَلَاثَةٍ (أَرْبَاعِ دِينَارِهِ رُطَبًا) مَفْعُولُ أَخَذَ (أَخَذَ الرُّبُعَ الَّذِي بَقِيَ لَهُ، أَوْ يَتَرَاضَيَانِ بَيْنَهُمَا فَيَأْخُذُ بِمَا بَقِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 لَهُ مِنْ دِينَارِهِ عِنْدَ صَاحِبِ الْحَائِطِ مَا بَدَا لَهُ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ تَمْرًا أَوْ سِلْعَةً سِوَى التَّمْرِ أَخَذَهَا بِمَا فَضَلَ لَهُ، فَإِنْ أَخَذَ تَمْرًا أَوْ سِلْعَةً أُخْرَى فَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ مِنْهُ) لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. (وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ رَاحِلَتَهُ بِعَيْنِهَا، أَوْ يُؤَاجِرُ غُلَامَهُ الْخَيَّاطَ أَوِ النَّجَّارَ أَوِ الْعَمَّالَ) بِالتَّشْدِيدِ (لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ، أَوْ يُكْرِيَ مَسْكَنَهُ وَيَتَسَلَّفَ إِجَارَةَ ذَلِكَ الْغُلَامِ أَوْ كِرَاءَ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ أَوْ تِلْكَ الرَّاحِلَةِ، ثُمَّ يَحْدُثُ فِي ذَلِكَ حَدَثٌ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَرُدُّ رَبُّ الرَّاحِلَةِ أَوِ الْعَبْدِ أَوِ الْمَسْكَنِ إِلَى الَّذِي سَلَّفَهُ مَا بَقِيَ مِنْ كِرَاءِ الرَّاحِلَةِ أَوْ إِجَارَةِ الْعَبْدِ أَوْ كِرَاءِ الْمَسْكَنِ يُحَاسِبُ صَاحِبَهُ بِمَا اسْتَوْفَى مِنْ ذَلِكَ إِنْ كَانَ اسْتَوْفَى نِصْفَ حَقِّهِ رَدَّ عَلَيْهِ النِّصْفَ الْبَاقِي الَّذِي عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، فَبِحِسَابِ ذَلِكَ يَرُدُّ إِلَيْهِ مَا بَقِيَ لَهُ) وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ غَنِيٌّ عَنْ شَرْحِهِ (وَلَا يَصْلُحُ التَّسْلِيفُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا يُسَلَّفُ فِيهِ بِعَيْنِهِ إِلَّا أَنْ يَقْبِضَ الْمُسَلِّفُ) بِكَسْرِ اللَّامِ (مَا سَلَّفَ فِيهِ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ إِلَى صَاحِبِهِ يَقْبِضُ الْعَبْدَ أَوِ الرَّاحِلَةَ أَوِ الْمَسْكَنَ أَوْ يَبْدَأُ فِيمَا اشْتَرَى مِنَ الرُّطَبِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ إِلَى صَاحِبِهِ، لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَجَلٌ وَلَا تَأْخِيرٌ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أُسَلِّفُكَ فِي رَاحِلَتِكَ فُلَانَةَ) الْمُعَيَّنَةَ، وَإِطْلَاقُهَا عَلَى غَيْرِ الْإِنْسِ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَرُدَّ بِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ مَاتَتْ فُلَانَةٌ لِشَاةٍ (أَرْكَبُهَا فِي الْحَجِّ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ أَجَلٌ) أَيْ مُدَّةٌ (مِنَ الزَّمَانِ أَوْ يَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ أَوِ الْمَسْكَنِ، فَإِنَّهُ إِذَا صَنَعَ ذَلِكَ كَانَ إِنَّمَا يُسَلِّفُهُ ذَهَبًا عَلَى أَنَّهُ إِنْ وَجَدَ تِلْكَ الرَّاحِلَةَ صَحِيحَةً لِذَلِكَ الْأَجَلِ الَّذِي سَمَّيَ لَهُ فَهِيَ لَهُ بِذَلِكَ الْكِرَاءِ، وَإِنْ حَدَثَ بِهَا حَدَثٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ رَدَّ عَلَيْهِ ذَهَبَهُ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ عِنْدَهُ. وَإِنَّمَا فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْقَبْضُ) فَاعِلُ فَرَقَ (مَنْ قَبَضَ مَا اسْتَأْجَرَ أَوِ اسْتَكْرَى فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْغَرَرِ وَالسَّلَفِ الَّذِي يُكْرَهُ وَأَخَذَ أَمْرًا مَعْلُومًا) بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَقْبِضْ. (وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ فَيَقْبِضَهُمَا) بِالنَّصْبِ (وَيَنْقُدَ أَثْمَانَهُمَا) بِالْجَمْعِ كَرَاهَةَ تَوَالِي تَثْنِيَتَيْنِ (فَإِنْ حَدَثَ بِهِمَا حَدَثٌ مِنْ عُهْدَةِ السَّنَةِ أَخَذَ ذَهَبُهُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَبِهَذَا مَضَتِ السُّنَّةُ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ، وَمَنِ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ تَكَارَى رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا إِلَى أَجَلٍ يَقْبِضُ الْعَبْدَ أَوِ الرَّاحِلَةَ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، فَقَدْ عَمِلَ بِمَا لَا يَصْلُحُ، لَا هُوَ قَبَضَ مَا اسْتَكْرَى أَوِ اسْتَأْجَرَ، وَلَا هُوَ سَلَّفَ فِي دَيْنٍ يَكُونُ ضَامِنًا عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) بَيَانٌ لِنَفْيِ الصَّلَاحِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 [بَاب بَيْعِ الْفَاكِهَةِ] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ الْفَاكِهَةِ مِنْ رَطْبِهَا أَوْ يَابِسِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ وَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا يَيْبَسُ فَيَصِيرُ فَاكِهَةً يَابِسَةً تُدَّخَرُ وَتُؤْكَلُ فَلَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ وَمِثْلًا بِمِثْلٍ إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَصْلُحُ إِلَى أَجَلٍ وَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا لَا يَيْبَسُ وَلَا يُدَّخَرُ وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ رَطْبًا كَهَيْئَةِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ وَالْجَزَرِ وَالْأُتْرُجِّ وَالْمَوْزِ وَالرُّمَّانِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ وَإِنْ يَبِسَ لَمْ يَكُنْ فَاكِهَةً بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا يُدَّخَرُ وَيَكُونُ فَاكِهَةً قَالَ فَأَرَاهُ حَقِيقًا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ   15 - بَابُ بَيْعِ الْفَاكِهَةِ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنِ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنَ الْفَاكِهَةِ رَطْبِهَا أَوْ يَابِسِهَا) بِخَفْضِهِمَا (فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) لِأَنَّهُ مِنَ الطَّعَامِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ كَمَا يَأْتِي. (وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ) بَدَلٌ مِنَ الشَّيْءِ (إِلَّا يَدًا بِيَدٍ) لِئَلَّا يَدْخُلَهُ رِبَا النَّسَاءِ (وَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا يَيْبَسُ فَيَصِيرُ فَاكِهَةً يَابِسَةً يُدَّخَرُ، وَيُؤْكَلُ فَلَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ) مُنَاجَزَةً (وَمِثْلًا بِمِثْلٍ) أَيْ مُتَسَاوِيًا (إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ) لِدُخُولِ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ (فَإِنْ كَانَا مِنْ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً (وَلَا يَصْلُحُ إِلَى أَجَلٍ) لِرِبَا النَّسَاءِ (وَمَا كَانَ مِنْهَا لَا يَيْبَسُ وَلَا يُدَّخَرُ، وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ رَطْبًا كَهَيْئَةِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَزَايٍ آخِرَهُ، نَوْعٌ مِنَ الْبِطِّيخِ (وَالْجَزَرِ وَالْأُتْرُجِّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ الْجِيمِ، فَاكِهَةٌ مَعْرُوفَةٌ، الْوَاحِدَةُ أُتْرُجَّةُ، وَفِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ تُرُنْجِ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَالْأَوْلَى هِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الْفُصَحَاءُ وَارْتَضَاهُ النَّحْوِيُّونَ. (وَالْمَوْزِ) الْفَاكِهَةُ الْمَعْرُوفَةُ، الْوَاحِدَةُ مَوْزَةٌ. (وَالرُّمَّانِ) فَعَّالٌ، وَنُونُهُ أَصْلِيَّةٌ، وَلِذَا يَنْصَرِفُ، فَإِنْ سُمِّي بِهِ امْتَنَعَ حَمْلًا عَلَى الْأَكْثَرِ، الْوَاحِدَةُ رُمَّانَةٌ. (وَمَا كَانَ مِثْلَهُ وَإِنْ يَبِسَ لَمْ يَكُنْ فَاكِهَةً بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا) وَفِي نُسْخَةٍ: مِثْلَ مَا (يُدَّخَرُ، وَيَكُونُ فَاكِهَةً، فَأَرَاهُ خَفِيفًا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 [بَاب بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ تِبْرًا وَعَيْنًا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعْدَيْنِ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنْ الْمَغَانِمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَبَاعَا كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةٍ عَيْنًا فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا»   16 - بَابُ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ عَيْنًا وَتِبْرًا حَالَانِ مِنَ الذَّهَبِ، فَالتِّبْرُ مَا كَانَ مِنَ الذَّهَبِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ، فَإِنْ ضُرِبَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَيْنٌ. 1322 - 1308 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ، قِيلَ: إِنَّ شَيْخَهُ عَبْدَ اللَّهِ، هُوَ الْهُذَلِيُّ، يَرْوِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، وَزَعَمَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ وَالِدُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّعْدَيْنِ) سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، كَمَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ فَضَالَةَ قَالَ: " كُنَّا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَجَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْغَنَائِمِ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ (أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنَ الْمَغَانِمِ) أَيْ مَغَانِمَ خَيْبَرَ (مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَبَاعَا كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةٍ عَيْنًا) شَكَّ الرَّاوِي (فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا) مَا بِعْتُمَا، وَفِيهِ أَمْرُ الْإِمَامِ بِبَيْعِ الْمَغَانِمِ إِذَا رَأَى ذَلِكَ وَيُقَسِّمُ الثَّمَنَ، وَإِنَّمَا رَدَّ الْبَيْعَ وَلَمْ يَأْمُرْ عَامِلَهُ عَلَى خَيْبَرَ لَمَّا بَاعَ صَاعَيْنِ يَجْمَعُ بِصَاعٍ مِنْ جَنِيبٍ بِالرَّدِّ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ مُبْتَاعَ الْآنِيَةِ مَوْجُودٌ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ مُبْتَاعِ الْجَمْعِ، أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ نَهْيٌ قَبْلَ بَيْعِ الْجَنِيبِ فَلَا يُفْسَخُ، بِخِلَافِ الْآنِيَةِ، وَإِنَّمَا بِيعَتْ قَبْلَ كَسْرِهَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ كَسْرِهَا وَلَا يُبْقِيهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا لِحَدِيثِ: " الَّذِي «يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» ". الحديث: 1322 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي تَمِيمٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا»   1323 - 1309 - (مَالِكٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي تَمِيمٍ) الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ، لَهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَرْفُوعًا، هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ (عَنْ أَبِي الْحُبَابِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحِّدَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ (سَعِيدِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (ابْنِ يَسَارٍ) الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مُتْقَنٌ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ الحديث: 1323 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا» ) أَيْ زِيَادَةٌ فَيَحْرُمُ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِعِلَّةِ الثَّمَنِيَّةِ الْغَالِبَةِ، فَالرِّبَوِيَّانِ الْمُتَّحِدُ جِنْسُهُمَا كَذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِفِضَّةٍ يَحْرُمُ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ وَكَذَا النَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ، وَقَدْ زَادَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَقِبَ قَوْلِهِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا: " «فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِوَرِقٍ فَيَصْرِفُهَا بِذَهَبٍ، وَمَنْ كَانَتْ حَاجَةٌ بِذَهَبٍ فَلْيَصْرِفْهَا بِالْوَرِقِ وَالصَّرْفُ هَاءَ وَهَاءَ» " وَهَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ مُوسَى بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»   1324 - 1310 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) أَيِ إِلَّا حَالَ كَوْنِهِمَا مُتَمَاثِلَيْنِ أَيْ مُتَسَاوِيَيْنِ أَيْ مَعَ الْحُلُولِ وَالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ (وَلَا تُشِفُّوا) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ مِنَ الْإِشْفَافِ أَيْ: لَا تُفَضِّلُوا (بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ) وَالشِّفُّ بِالْكَسْرِ: الزِّيَادَةُ. (وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ فِيهِمَا، الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ (إِلَّا) حَالَ كَوْنِهِمَا (مِثْلًا بِمِثْلٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مُتَمَاثِلَيْنِ (وَلَا تُشِفُّوا) أَيْ لَا تُفَضِّلُوا (بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا) أَيْ مُؤَجَّلًا (بِنَاجِزٍ) بِنُونٍ وَجِيمٍ وَزَايٍ أَيْ بِحَاضِرٍ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَفِيهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ وَإِنْ قَلَّتْ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الشُّفُوفَ الزِّيَادَةُ الْقَلِيلَةُ، وَمِنْهُ شُفَافَةُ الْإِنَاءِ وَهِيَ الْبَقِيَّةُ الْقَلِيلَةُ مِنَ الْمَاءِ وَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ إِلَّا فِي دِينَارٍ فِي ذِمَّةِ آخِذٍ صَرَفَهُ الْآنَ، أَوْ فِي دِينَارٍ فِي ذِمَّةٍ وَصَرْفُهُ فِي ذِمَّةٍ أُخْرَى فَيَتَقَاصَّانِ مَعًا، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَى جَوَازِ الصُّورَتَيْنِ بِشَرْطِ حُلُولِ مَا فِي الذِّمَّةِ وَأَنْ يَتَنَاجَزَ فِي الْمَجْلِسِ، وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ مَا فِي الذِّمَّةِ فِيهِمَا مُرَاعَاةً لِبَرَاءَةِ الذِّمَمِ، وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ وَهْبٍ لِلصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ قَالَهُ عِيَاضٌ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ. الحديث: 1324 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ صَائِغٌ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ ثُمَّ أَبِيعُ الشَّيْءَ مِنْ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَأَسْتَفْضِلُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدِي فَنَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى دَابَّةٍ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إِلَيْنَا وَعَهْدُنَا إِلَيْكُمْ»   1311 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ) أَبِي صَفْوَانَ الْقَارِّيِّ الْأَعْرَجِ مِنْ رِجَالِ الْجَمَاعَةِ (مُجَاهِدِ) بْنِ جَبْرٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمَخْزُومِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَكِّيِّ إِمَامٌ فِي التَّفْسِيرِ وَفِي الْعِلْمِ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (فَجَاءَهُ صَائِغٌ) هُوَ وَرْدَانُ الرُّومِيُّ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ وَرْدَانَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ (فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ ابْنِ عُمَرَ (إِنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ) أَجْعَلُهُ حُلِيًّا (ثُمَّ أَبِيعُ الشَّيْءَ) الْمَصُوغَ (بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَأَسْتَفْضِلُ) أَسْتَبْقِي وَالسِّينُ لِلتَّأْكِيدِ (مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدِي فَنَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ) لِلرِّبَا (فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ) يُعِيدُ (عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ) الْمَذْكُورَةَ (وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى دَابَّةٍ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا) شَكَّ الرَّاوِي (ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ) زِيَادَةَ (بَيْنَهُمَا هَذَا عَهْدُ) أَيْ وَصِيَّةُ (نَبِيِّنَا) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَيْنَا وَعَهْدُنَا إِلَيْكُمْ) وَقَدْ بَلَّغْنَاكُمْ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُهُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ. . . . إِلَخْ، إِشَارَةٌ إِلَى جِنْسِ الْأَصْلِ لَا إِلَى الْمَضْرُوبِ دُونَ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ إِشَارَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى سُؤَالِ الصَّائِغِ لَهُ عَنِ الذَّهَبِ الْمَصُوغِ، وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ» " وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا حَرَّمَ التَّفَاضُلَ فِي الْمَضْرُوبِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمُدَرْهَمَةِ دُونَ التِّبْرِ وَالْمَصُوغِ مِنْهُمَا إِلَّا مَا جَاءَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ. قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ: " نَبِيِّنَا " تَصْرِيحٌ بِالْمُرَادِ فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ هَذَا عَهْدُ صَاحِبِنَا، فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَعْنِي بِهِ أَبَاهُ عُمَرَ غَلَطٌ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ صَاحِبَنَا مُجْمَلٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ عُمَرَ، فَلَمَّا قَالَ مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَهْدُ نَبِيِّنَا فَسَّرَ مَا أُجْمِلَ، وَوَرَدَ أَنَّ هَذَا أَصْلُ مَا يَعْتَمِدُهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْآثَارِ لَكِنَّ الْغَلَطَ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا دَخَلَتِ الدَّاخِلَةُ عَلَى النَّاسِ مِنْ جِهَةِ التَّقْلِيدِ ; لِأَنَّهُ إِذَا تَكَلَّمَ الْعَالِمُ عِنْدَ مَنْ لَا يُنْعِمُ النَّظَرَ بِشَيْءٍ كَتَبَهُ وَجَعَلَهُ دِينًا يَرُدُّ بِهِ مَا خَالَفَهُ دُونَ مَعْرِفَةِ وَجْهِهِ فَيَقَعُ الْخَلَلُ ااهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ جَدِّهِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ   1325 - 1312 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ جَدِّهِ) وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ (مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ «أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ» ) فَيَحْرُمُ رِبَا الْفَضْلِ وَلَوْ قَلَّ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَلَّغَهُ ابْنُ وَهْبٍ أَوْ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ. الحديث: 1325 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ مَا أَرَى بِمِثْلِ هَذَا بَأْسًا فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ أَنَا أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ لَا تَبِيعَ ذَلِكَ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ   1327 - 1313 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ (أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرَ بْنَ حَرْبٍ (بَاعَ سِقَايَةً) بِكَسْرِ السِّينِ قِيلَ: هِيَ الْبَرَّادَةُ يُبَرَّدُ فِيهَا الْمَاءُ تُعَلَّقُ (مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ) فِضَّةٍ (بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: زَعَمَ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَنَّ السِّقَايَةَ قِلَادَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا جَوْهَرٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، فَالْقِلَادَةُ لَا تُسَمَّى سِقَايَةً بَلْ هِيَ كَأْسٌ كَبِيرَةٌ يُشْرَبُ بِهَا وَيُكَالُ بِهَا. وَأَمَّا الْقِلَادَةُ وَهِيَ الْعِقْدُ الَّتِي تُعَلِّقُهَا الْمَرْأَةُ عَلَى نَحْرِهَا فَغَيْرُهَا ابْتَاعَهَا مُعَاوِيَةُ بِسِتِّمِائَةِ دِينَارٍ فِيهَا تِبْرٌ وَجَوْهَرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ فَنَهَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ (فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:) عُوَيْمِرٌ وَقِيلَ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ عَابِدٌ أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقِيلَ: عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) أَيْ سَوَاءً فِي الْقَدْرِ (فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا أَرَى بِمِثْلِ هَذَا بَأْسًا) إِمَّا لِأَنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الْمَسْبُوكِ الَّذِي بِهِ التَّعَامُلُ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ أَوْ كَانَ لَا يَرَى رِبَا الْفَضْلِ كَابْنِ عَبَّاسٍ (فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَنْ يَعْذِرُنِي) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (مِنْ مُعَاوِيَةَ) أَيْ مَنْ يَلُومُهُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا يَلُومُنِي عَلَيْهِ؟ أَوْ مَنْ يَقُومُ بِعُذْرِي إِذَا جَازَيْتُهُ بِصُنْعِهِ وَلَا يَلُومُنِي عَلَى مَا أَفْعَلُهُ بِهِ؟ أَوْ مَنْ يَنْصُرُنِي؟ الحديث: 1327 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 يُقَالُ عَذَرْتُهُ إِذَا نَصَرْتَهُ (أَنَا أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ) أَنِفَ مِنْ رَدِّ السُّنَّةِ بِالرَّأْيِ، وَصُدُورُ الْعُلَمَاءِ تَضِيقُ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَهُوَ عِنْدَهُمْ عَظِيمٌ رَدُّ السُّنَنِ بِالرَّأْيِ (لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا) وَجَائِزٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَهْجُرَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَلَمْ يُطِعْهُ وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْهِجْرَةِ الْمَكْرُوهَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ لَا يُكَلِّمُوا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهَذَا أَصْلٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فِي مُجَانَبَةِ مَنِ ابْتَدَعَ وَهِجْرَتِهِ وَقَطْعِ الْكَلَامِ عَنْهُ، وَقَدْ رَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَجُلًا يَضْحَكُ فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ) مِنَ الشَّامِ (عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) الْمَدِينَةَ (فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ لَا تَبِيعَ ذَلِكَ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ) بَيَانٌ لِلْمِثْلِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَرَضَتْ لِمُعَاوِيَةَ مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا هِيَ مَحْفُوظَةٌ لِمُعَاوِيَةَ مَعَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَالطُّرُقُ مُتَوَاتِرَةٌ بِذَلِكَ عَنْهُمَا اهـ وَالْإِسْنَادُ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَهُوَ مِنَ الْأَفْرَادِ الصَّحِيحَةِ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ عُبَادَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ نَاجِزٌ وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا   1328 - 1314 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) أَيْ مُتَسَاوِيًا (وَلَا تُشِفُّوا) أَيْ تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَيُطْلَقُ الشِّفُّ لُغَةً أَيْضًا عَلَى النَّقْصِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ (وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ) أَيِ الْفِضَّةَ (إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فِيهِمَا (وَلَا تُشِفُّوا) تَزِيدُوا (بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ) عَنِ الْمَجْلِسِ (وَالْآخَرُ نَاجِزٌ) أَيْ حَاضِرٌ، وَهَذَا تَقَدَّمَ مَرْفُوعًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَذِكْرُ هَذَا الْمَوْقُوفِ إِشَارَةٌ لِاسْتِمْرَارِ الْعَمَلِ بِهِ وَلِزِيَادَةِ قَوْلِهِ: (وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ) يَدْخُلَ (بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ) لَا تُؤَخِّرْهُ (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ وَالْمَدِّ (وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا) أَيِ الزِّيَادَةُ وَالتَّأْخِيرُ وَفِي رِوَايَةٍ الْإِرْمَاءُ يُقَالُ: أَرَمَى عَلَى الشَّيْءِ الحديث: 1328 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 وَأَرْبَى إِذَا زَادَ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا شَيْئًا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا   1329 - 1315 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ) أَعَادَهُ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ شَيْخَيْنِ وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا لِاخْتِلَافِ لَفْظِهِمَا فِي قَوْلِهِ: (وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) فَإِنَّ نَافِعًا قَالَ: وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ. . . . إِلَخْ، وَمَالِكٌ يُحَافِظُ عَلَى أَلْفَاظِ شُيُوخِهِ وَإِنِ اتَّحَدَ مَعْنَاهَا، وَاللَّفْظُ الثَّانِي طِبْقُ الْمَرْفُوعِ السَّابِقِ وَالْأَوَّلُ بِمَعْنَاهُ (وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ) طَلَبَ تَأْخِيرَكَ (إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ) بِالْمَدِّ (وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ لِاتِّفَاقِ نَافِعٍ وَابْنِ دِينَارٍ عَلَيْهِ فَفِيهِ حُرْمَةُ رِبَا النَّسَاءِ أَيِ التَّأْخِيرِ وَإِنْ قَلَّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَخَفَّفَ الْقَلِيلَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. الحديث: 1329 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ وَالصَّاعُ بِالصَّاعِ وَلَا يُبَاعُ كَالِئٌ بِنَاجِزٍ   1329 - 1316 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ وَالصَّاعُ» ) الْمِكْيَالُ الْمَعْرُوفُ (بِالصَّاعِ) مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ كَالْقَمْحِ (وَلَا يُبَاعُ كَالِئٌ) بِالْهَمْزِ أَيْ مُؤَجَّلٌ (بِنَاجِزٍ) أَيْ حَاضِرٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ لَا رِبًا إِلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِي فِضَّةٍ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بِمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ   1331 - 1317 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: لَا رِبًا إِلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ) كَمَا أُشِيرَ إِلَى ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ. الحديث: 1331 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ قَطْعُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ جِزَافًا إِذَا كَانَ تِبْرًا أَوْ حَلْيًا قَدْ صِيغَ فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الْمَعْدُودَةُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَعْدُودَةُ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جِزَافًا حَتَّى يُعْلَمَ وَيُعَدَّ فَإِنْ اشْتُرِيَ ذَلِكَ جِزَافًا فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ حِينَ يُتْرَكُ عَدُّهُ وَيُشْتَرَى جِزَافًا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا مَا كَانَ يُوزَنُ مِنْ التِّبْرِ وَالْحَلْيِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ جِزَافًا وَإِنَّمَا ابْتِيَاعُ ذَلِكَ جِزَافًا كَهَيْئَةِ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي تُبَاعُ جِزَافًا وَمِثْلُهَا يُكَالُ فَلَيْسَ بِابْتِيَاعِ ذَلِكَ جِزَافًا بَأْسٌ قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى مُصْحَفًا أَوْ سَيْفًا أَوْ خَاتَمًا وَفِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَإِنَّ مَا اشْتُرِيَ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ الذَّهَبُ بِدَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ الثُّلُثَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَكُونُ فِيهِ تَأْخِيرٌ وَمَا اشْتُرِيَ مِنْ ذَلِكَ بِالْوَرِقِ مِمَّا فِيهِ الْوَرِقُ نُظِرَ إِلَى قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنْ الْوَرِقِ الثُّلُثَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ عِنْدَنَا   1332 - 1318 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: قَطْعُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ) وَجَاءَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [النمل: 48] (سُورَةُ النَّمْلِ: الْآيَةُ 48) أَنَّ إِفْسَادَهُمْ كَانَ قَطْعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: 87] (سُورَةُ هُودٍ: الْآيَةُ 87) قَالَ: قَطْعُ الدِّينَارِ وَالدَّرَاهِمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهُوَ الْبَخْسُ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةِ بَيْنَهُمْ إِلَّا مِنْ بَأْسٍ» " قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِسْنَادُهُ لَيِّنٌ. (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ) أَوِ الْمَرْأَةُ (الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ جِزَافًا إِذَا كَانَ تِبْرًا أَوْ حَلْيًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مُفْرَدُ حُلِيٍّ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (قَدْ صِيغَ، فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الْمَعْدُودَةُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَعْدُودَةُ فَلَا يَنْبَغِي) لَا يَحِلُّ (لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ ذَلِكَ جِزَافًا حَتَّى يُعْلَمَ وَيُعَدَّ) كُلٌّ مِنْهُمَا (فَإِنِ اشْتُرِيَ ذَلِكَ جِزَافًا فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ حِينَ يُتْرَكُ عَدُّهُ وَيُشْتَرَى جِزَافًا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ) فَيَحْرُمُ لِحُصُولِ الْغَرَرِ مِنْ جِهَتَيِ الْكِمِّيَّةِ وَالْآحَادِ لِأَنَّهُ يُرْغَبُ فِي كَثْرَةِ آحَادِهِ لِيَسْهُلَ الشِّرَاءُ بِهَا، هَكَذَا عَلَّلَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ بِكَثْرَةِ ثَمَنِ الْعَيْنِ فَيَكْثُرُ الْغَرَرُ، وَرُدَّ بِجَوَازِ بَيْعِ الْحُلِيِّ وَاللُّؤْلُؤِ وَغَيْرِهِ جِزَافًا كَمَا قَالَ. (فَأَمَّا مَا كَانَ يُوزَنُ مِنَ التِّبْرِ وَالْحَلْيِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ جِزَافًا) وَإِنَّمَا يُبْتَاعُ ذَلِكَ جِزَافًا حَالَ كَوْنِهِ (كَهَيْئَةِ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي تُبَاعُ جِزَافًا وَمِثْلُهَا يُكَالُ فَلَيْسَ بِابْتِيَاعِ ذَلِكَ جِزَافًا بَأْسٌ) أَيْ يَجُوزُ إِذَا كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ لِعَدَمِ قَصْدِ إِفْرَادِهِ حِينَئِذٍ. الحديث: 1332 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 (قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى مُصْحَفًا أَوْ سَيْفًا أَوْ خَاتَمًا وَفِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ) مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَى (فَإِنَّ مَا اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ الذَّهَبُ بِدَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنَ الذَّهَبِ الثُّلُثُ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَكُونُ فِيهِ تَأْخِيرٌ) بَيَانٌ لِيَدٍ بِيَدٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي الثُّلُثِ وَغَيْرِهِ إِلَى قِيمَةِ الْمُحَلَّى مَصُوغًا وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَوَّازِيَّةِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ بِالْوَزْنِ. (وَمَا اشْتُرِيَ مِنْ ذَلِكَ بِالْوَرِقِ مِمَّا فِيهِ الْوَرِقُ نُظِرَ إِلَى قِيمَتِهِ) مَصُوغًا (فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنَ الْوَرِقِ الثُّلُثَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ) تَأْكِيدٌ لِجَائِزٍ أَوْ مَعْنَاهُ بِلَا كَرَاهَةٍ (إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً (وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 [بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّرْفِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَنِي خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْمَعُ فَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ «ثُمَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ» قَالَ مَالِكٌ إِذَا اصْطَرَفَ الرَّجُلُ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا زَائِفًا فَأَرَادَ رَدَّهُ انْتَقَضَ صَرْفُ الدِّينَارِ وَرَدَّ إِلَيْهِ وَرِقَهُ وَأَخَذَ إِلَيْهِ دِينَارَهُ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ وَهُوَ إِذَا رَدَّ عَلَيْهِ دِرْهَمًا مِنْ صَرْفٍ بَعْدَ أَنْ يُفَارِقَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ أَوْ الشَّيْءِ الْمُتَأَخِّرِ فَلِذَلِكَ كُرِهَ ذَلِكَ وَانْتَقَضَ الصَّرْفُ وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لَا يُبَاعَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالطَّعَامُ كُلُّهُ عَاجِلًا بِآجِلٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظِرَةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ كَانَ مُخْتَلِفَةً أَصْنَافُهُ   17 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّرْفِ 1333 - 1319 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْمُثَلَّثَةِ ابْنِ عَوْفٍ (النَّصْرِيِّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَدَنِيِّ لَهُ رُؤْيَةٌ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: إِنَّ لِمَالِكٍ صُحْبَةً، وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ: رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ فَعَدَّهُ فِيهِمْ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ رَكِبَ الْخَيْلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَرَوَى أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: " «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ» " صَحَّحَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ فِي الِاسْتِيعَابِ: لَا أَحْفَظُ لَهُ خَيْرًا فِي صُحْبَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا. وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ عُمَرَ فَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَرَوَى عَنِ الْعَشَرَةِ وَالْعَبَّاسِ اهـ. الحديث: 1333 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَابْنُ حَبَّانَ: لَا يَصِحُّ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ ابْنُ حَبَّانَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً فَقَدْ وَهِمَ، قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: وَحَدِيثُ سَلَمَةَ عَنْهُ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْمٌ، صَوَابُهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَيْ كَمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْبَرْقِيِّ فِيمَنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ، وَابْنُ سَعْدٍ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ وَرَآهُ وَلَمْ يَحْفَظْ عَنْهُ شَيْئًا، وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنَ التَّابِعِينَ وَقَالَ: كَانَ قَدِيمًا وَلَكِنَّهُ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ لَهُ رُؤْيَةً وَلَا رِوَايَةً مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ قِيلَ سَنَةَ إِحْدَى وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ (أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا) بِفَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ مِنَ الدَّرَاهِمِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ عِنْدَهُ صَرْفٌ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. وَلِمُسْلِمٍ: مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ (بِمِائَةِ دِينَارٍ) ذَهَبًا كَانَتْ مَعَهُ (قَالَ) مَالِكٌ: (فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ أَحَدُ الْعَشَرَةِ (فَتَرَاوَضْنَا) بِإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تَجَارَيْنَا حَدِيثَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَسَوْمًا بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُرَوِّضُ صَاحِبَهُ، وَقِيلَ: هِيَ الْمُوَاضَعَةُ بِالسِّلْعَةِ بِأَنْ يَصِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا سِلْعَتَهُ لِلْآخَرِ (حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي) مَا كَانَ مَعِي (فَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ) وَالذَّهَبُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَلَا حَاجَةَ إِلَى أَنَّهُ ضَمَّنَ الذَّهَبَ مَعْنَى الْعَدَدِ وَهُوَ الْمِائَةُ فَأَنَّثَهُ لِذَلِكَ (ثُمَّ قَالَ حَتَّى) أَيِ اصْبِرْ إِلَى أَنْ (يَأْتِيَنِي خَازِنِي) لَمْ يُسَمَّ (مِنَ الْغَابَةِ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ فَأَلِفٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَوْضِعٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ بِهِ أَمْوَالٌ لِأَهْلِهَا وَكَانَ لِطَلْحَةَ بِهَا مَالٌ وَنَخْلٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ طَلْحَةُ لِظَنِّهِ جَوَازَهُ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ وَمَا كَانَ بَلَغَهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَأَنَّهُ كَانَ يَرَى جَوَازَ الْمُوَاعَدَةِ فِي الصَّرْفِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ عِنْدَنَا أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا وَإِنَّمَا أَخَذَهَا يُقَلِّبُهَا (وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْمَعُ) ذَلِكَ (فَقَالَ عُمَرُ) لِمَالِكِ بْنِ أَوْسٍ: (وَاللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ) عِوَضَ الذَّهَبِ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنَّهُ وَرِقَهُ، وَهَذَا خِطَابٌ لِطَلْحَةَ، وَفِيهِ تَفَقُّدُ عُمَرَ أَحْوَالَ رَعِيَّتِهِ فِي دِينِهِمْ وَالِاهْتِمَامُ بِهِمْ وَتَأْكِيدُ الْأَمْرِ بِالْيَمِينِ وَأَنَّ الْخَلِيفَةَ أَوِ السُّلْطَانَ إِذَا سَمِعَ أَوْ رَأَى مَا لَا يَجُوزُ وَجَبَ عَلَيْهِ النَّهْيُ عَنْهُ وَالْإِرْشَادُ إِلَى الْحَقِّ. (ثُمَّ قَالَ) مُسْتَدِلًّا عَلَى الْمَنْعِ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّهَا الْحُجَّةُ عَنِ التَّنَازُعِ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ» ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيِ الْفِضَّةِ هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ كَمَالِكٍ وَمَعْمَرٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ لَمْ يَقُولُوا الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ فِي كُلِّ حَدِيثِ عُمَرَ وَهُمُ الْحُجَّةُ عَلَى مَا خَالَفَهُمْ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِسِيَاقِ الْقِصَّةِ (رِبًا) فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ ( «إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ» ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ فِيهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ الْأَشْهَرِ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ، يُقَالُ هَاءَ دِرْهَمًا أَيْ خُذْ دِرْهَمًا فَنُصِبَ دِرْهَمًا بِاسْمِ الْفِعْلِ كَمَا يُنْصَبُ بِالْفِعْلِ، وَبِالْقَصْرِ يَقُولُهُ الْمُحَدِّثُونَ وَأَنْكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ: الصَّوَابُ الْمَدُّ وَيَجُوزُ كَسْرُ الْهَمْزَةِ نَحْوُ هَاتِ وَسُكُونُهَا نَحْوُ خَفْ وَأَصْلُهَا هَاكَ بِالْكَافِ فَقُلِبَتْ هَمْزَةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَصْلُهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَهِيَ حَرْفُ خِطَابٍ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَحَقُّهَا أَنْ لَا تَقَعَ بَعْدَ إِلَّا كَمَا لَا يَقَعُ بَعْدَهَا خُذْ، فَإِذَا وَقَعَ قُدِّرَ قَوْلٌ قَبْلَهُ يَكُونُ بِهِ مَحْكِيًّا أَيِ إِلَّا مَقُولًا عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ هَاءَ وَهَاءَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِذَا مَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُقَدَّرٌ يَعْنِي بَيْعَ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ رِبًا فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ إِلَّا حَالَ الْحُضُورِ وَالتَّقَابُضِ فَكَنَّى عَنْهُ بِقَوْلِهِ هَاءَ وَهَاءَ لِأَنَّهُ لَازَمَهُ وَقَالَ الْأَبِيُّ: مَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ الْقَمْحُ وَهِيَ الْحِنْطَةُ أَيْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (رِبًا إِلَّا) مَقُولًا عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (هَاءَ) مِنْ أَحَدِهِمَا (وَهَاءَ) مِنَ الْآخَرِ أَيْ خُذْ. (وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ) أَيْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (رِبًا) بِالتَّنْوِينِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ (إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ) مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. (وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ) بِفَتْحِ الشِّينِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ تُكْسَرُ، قَالَ ابْنُ مَكِّيٍّ: كُلُّ فَعِيلٍ وَسَطُهُ حَرْفُ حَلْقٍ مَكْسُورٍ يَجُوزُ كَسْرُ مَا قَبْلَهُ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ، قَالَ: وَزَعَمَ اللَّيْثُ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنُهُ حَرْفَ حَلْقٍ نَحْوَ كَبِيرٍ وَجَلِيلٍ وَكَرِيمٍ أَيْ بَيْعُ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ (رِبًا إِلَّا) مَقُولًا عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (هَاءَ وَهَاءَ) أَيْ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ خُذْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ صِنْفَانِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَفُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَمُعْظَمُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ إِنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ» ، وَمِثْلُهُ عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ فَفِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ النَّسَاءَ يَمْتَنِعُ فِي ذَهَبٍ بِوَرِقٍ وَهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا إِجْمَاعًا وَنَصًّا، فَأَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ فِي ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ بِوَرِقٍ لِحُرْمَةِ التَّفَاضُلِ فِيهِمَا إِجْمَاعًا وَنَصًّا، أَيْ فَلَيْسَ حَدِيثُ عُمَرَ بِقَاصِرٍ عَنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ فَتَجِبُ الْمُنَاجَزَةُ فِي الصَّرْفِ، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ وَلَوْ كَانَا بِالْمَجْلِسِ لَمْ يَتَفَرَّقَا عِنْدَ مَالِكٍ، وَمَحْمَلٌ قَوْلِ عُمَرَ عِنْدَهُ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ لَا عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ الْمَعْقُولُ مِنْ لَفْظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَاءَ وَهَاءَ ". وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ وَانْتَقَلَا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ عُمَرَ وَجَعَلُوهُ تَفْسِيرًا لِمَا رَوَاهُ وَبِقَوْلِهِ: وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ، قَالُوا: مِنْهُ أَنَّ الْمُرَاعَى الِافْتِرَاقُ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. قَالَ الْأَبِيُّ: الْمُنَاجَزَةُ قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ عَقِبَ الْعَقْدِ وَهِيَ شَرْطٌ فِي تَمَامِ الصَّرْفِ لَا فِي عَقْدِهِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْجِعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 وَصَرَّحَ بِأَنَّهَا: " شَرْطُ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ وَاخْتَارَ شَيْخُنَا - يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ - أَنَّهَا رُكْنٌ لِتَوَقُّفِ حَقِيقَتِهِ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِخَارِجَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ وَإِنَّمَا التَّأْخِيرُ مَانِعٌ مِنْ تَمَامِ الْعَقْدِ، فَإِنْ قِيلَ لَا يَصِحُّ أَنَّهَا شَرْطٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَقْلِيًّا كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ أَوْ شَرْعِيًّا كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ شَرْطُهُ أَنْ يُوجَدَ دُونَ الْمَشْرُوطِ، وَالْمُنَاجَزَةُ لَا تُوجَدُ دُونَ عَقْدِ الصَّرْفِ فَمَا صُورَةُ تَأْخِيرِهَا؟ أُجِيبُ بِأَنَّهَا إِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي الصَّرْفِ الصَّحِيحِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا، هَذَا وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا اخْتَصَّ بِالسِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ الْمَعْنَى فِيهَا فَيُقَاسُ عَلَيْهَا مَا وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: الْعِلَّةُ فِي النَّقْدَيْنِ الثَّمَنِيَّةُ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانُ الْمَبِيعَاتِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ مِنَ الْمَوْزُونِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَالْقِيَاسُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْعِلَّةِ لَا عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَالْعِلَّةُ فِي الْأَرْبَعِ عِنْدَ مَالِكٍ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ وَالْإِصْلَاحُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الطُّعْمِيَّةُ، فَنَصَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَعْلَى الْقُوتِ وَهُوَ الْبُرِّ وَعَلَى أَدْنَاهُ وَهُوَ الشَّعِيرُ تَنْبِيهًا بِالطَّرَفَيْنِ عَلَى الْوَسَطِ الَّذِي بَيْنَهُمَا كَسُلْتٍ وَأُرْزٍ وَدُخْنٍ وَذُرَةٍ، وَإِذَا أُرِيدَ ذِكْرُ شَيْءٍ جُمْلَةً فَرُبَّمَا كَانَ ذِكْرُ طَرَفَيْهِ أَدَلَّ عَلَى اسْتِيعَابِهِ مِنَ اللَّفْظِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِهِ كَقَوْلِهِمْ: مَطَرَنَا السَّهْلُ وَالْجَبَلُ، وَضَرَبْتُهُ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ، وَذَكَرَ التَّمْرَ وَإِنْ كَانَ مُقْتَاتًا لِأَنَّ فِيهِ ضَرْبًا مِنَ التَّفَكُّهِ حَتَّى أَنَّهُ يُؤْكَلُ لَا عَلَى جِهَةِ الِاقْتِيَاتِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يُخْرِجُهُ عَنْ بَابِهِ وَلِإِدْخَالِ مَا شَابَهَهُ وَهُوَ الزَّبِيبُ، وَلِمَا عُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَاتَ لَا يَصْلُحُ اقْتِيَاتُهَا بِلَا مُصْلِحٍ حَتَّى أَنَّهَا دُونَهُ تَكَادُ أَنْ تَلْحَقَ بِالْعَدَمِ ذَكَرَ الْمِلْحَ وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ مِثْلُهُ فِي الْإِصْلَاحِ وَلَا يُقْتَاتُ مُنْفَرِدًا، وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ عِنْدَهُمْ. (قَالَ مَالِكٌ: إِذَا اصْطَرَفَ الرَّجُلُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ) وَفِي نُسْخَةٍ بِدَنَانِيرَ (ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا زَائِفًا) أَيْ رَدِيئًا (فَأَرَادَ رَدَّهُ انْتَقَضَ صَرْفُ الدِّينَارِ وَرَدَّ إِلَيْهِ وَرِقَهُ) فِضَّتَهُ (وَأَخَذَ إِلَيْهِ دِينَارَهُ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ) أَيْ خُذْ (وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) رَاوِي الْحَدِيثِ (وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ وَهُوَ إِذَا رَدَّ عَلَيْهِ دِرْهَمًا مِنْ صَرْفٍ بَعْدَ أَنْ يُفَارِقَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ أَوِ الشَّيْءِ الْمُتَأَخِّرِ فَلِذَلِكَ كُرِهَ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 مُنِعَ (ذَلِكَ وَانْتَقَضَ الصَّرْفُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لَا يُبَاعَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالطَّعَامُ كُلُّهُ عَاجِلًا بِآجِلٍ) أَيْ مُؤَخَّرٍ (فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظِرَةٌ) أَيْ تَأْخِيرٌ فَحَسَّنَ الْعَطْفُ اخْتِلَافَ الْعِبَارَةِ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِلتَّأْكِيدِ (وَإِنْ كَانَ صِنْفٌ وَاحِدٌ أَوْ كَانَ مُخْتَلِفَةً أَصْنَافُهُ) لِحُرْمَةِ رِبَا النَّسَاءِ إِجْمَاعًا وَنَصًّا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 [بَاب الْمُرَاطَلَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُرَاطِلُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ فَيُفْرِغُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَيُفْرِغُ صَاحِبُهُ الَّذِي يُرَاطِلُهُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ الْأُخْرَى فَإِذَا اعْتَدَلَ لِسَانُ الْمِيزَانِ أَخَذَ وَأَعْطَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ مُرَاطَلَةً أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدًا بِيَدٍ إِذَا كَانَ وَزْنُ الذَّهَبَيْنِ سَوَاءً عَيْنًا بِعَيْنٍ وَإِنْ تَفَاضَلَ الْعَدَدُ وَالدَّرَاهِمُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ رَاطَلَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقًا بِوَرِقٍ فَكَانَ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ فَضْلُ مِثْقَالٍ فَأَعْطَى صَاحِبَهُ قِيمَتَهُ مِنْ الْوَرِقِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَأْخُذُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ قَبِيحٌ وَذَرِيعَةٌ إِلَى الرِّبَا لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِثْقَالَ بِقِيمَتِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى حِدَتِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِثْقَالَ بِقِيمَتِهِ مِرَارًا لِأَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْبَيْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ ذَلِكَ الْمِثْقَالَ مُفْرَدًا لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَأْخُذْهُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ بِهِ لِأَنْ يُجَوِّزَ لَهُ الْبَيْعَ فَذَلِكَ الذَّرِيعَةُ إِلَى إِحْلَالِ الْحَرَامِ وَالْأَمْرُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُرَاطِلُ الرَّجُلَ وَيُعْطِيهِ الذَّهَبَ الْعُتُقَ الْجِيَادَ وَيَجْعَلُ مَعَهَا تِبْرًا ذَهَبًا غَيْرَ جَيِّدَةٍ وَيَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَهَبًا كُوفِيَّةً مُقَطَّعَةً وَتِلْكَ الْكُوفِيَّةُ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ فَيَتَبَايَعَانِ ذَلِكَ مِثْلًا بِمِثْلٍ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الذَّهَبِ الْجِيَادِ أَخَذَ فَضْلَ عُيُونِ ذَهَبِهِ فِي التِّبْرِ الَّذِي طَرَحَ مَعَ ذَهَبِهِ وَلَوْلَا فَضْلُ ذَهَبِهِ عَلَى ذَهَبِ صَاحِبِهِ لَمْ يُرَاطِلْهُ صَاحِبُهُ بِتِبْرِهِ ذَلِكَ إِلَى ذَهَبِهِ الْكُوفِيَّةِ فَامْتَنَعَ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَجْوَةٍ بِصَاعَيْنِ وَمُدٍّ مِنْ تَمْرٍ كَبِيسٍ فَقِيلَ لَهُ هَذَا لَا يَصْلُحُ فَجَعَلَ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ وَصَاعًا مِنْ حَشَفٍ يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ بَيْعَهُ فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْعَجْوَةِ لِيُعْطِيَهُ صَاعًا مِنْ الْعَجْوَةِ بِصَاعٍ مِنْ حَشَفٍ وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِفَضْلِ الْكَبِيسِ أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْنِي ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ مِنْ الْبَيْضَاءِ بِصَاعَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ فَيَقُولُ هَذَا لَا يَصْلُحُ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَيَجْعَلُ صَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ وَصَاعًا مِنْ شَعِيرٍ يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ الْبَيْعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُعْطِيَهُ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ بَيْضَاءَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الصَّاعُ مُفْرَدًا وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ لِفَضْلِ الشَّامِيَّةِ عَلَى الْبَيْضَاءِ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَهُوَ مِثْلُ مَا وَصَفْنَا مِنْ التِّبْرِ قَالَ مَالِكٌ فَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالطَّعَامِ كُلِّهِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَعَ الصِّنْفِ الْجَيِّدِ مِنْ الْمَرْغُوبِ فِيهِ الشَّيْءُ الرَّدِيءُ الْمَسْخُوطُ لِيُجَازَ الْبَيْعُ وَلِيُسْتَحَلَّ بِذَلِكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إِذَا جُعِلَ ذَلِكَ مَعَ الصِّنْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ صَاحِبُ ذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ بِذَلِكَ فَضْلَ جَوْدَةِ مَا يَبِيعُ فَيُعْطِي الشَّيْءَ الَّذِي لَوْ أَعْطَاهُ وَحْدَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَهْمُمْ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ مِنْ أَجْلِ الَّذِي يَأْخُذُ مَعَهُ لِفَضْلِ سِلْعَةِ صَاحِبِهِ عَلَى سِلْعَتِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِشَيْءٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالطَّعَامِ أَنْ يَدْخُلَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الطَّعَامِ الرَّدِيءِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِهِ فَلْيَبِعْهُ عَلَى حِدَتِهِ وَلَا يَجْعَلُ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ   18 - بَابُ الْمُرَاطَلَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الرِّطْلِ وَلَمْ أَجِدْ لُغَوِيًّا ذَكَرَهَا وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ الرِّطْلَ وَهِيَ عُرْفًا بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقِ: " «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ» " الْحَدِيثَ، قَالَهُ الْأَبِيُّ. 1334 - 1320 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ) بِقَافٍ وَمُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا (أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُرَاطِلُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ) وَبَيَّنَ الصِّفَةَ بِقَوْلِهِ: (فَيُفْرِغُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَالضَّمُّ لُغَةٌ، وَأَمَّا الْمِيزَانُ فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كُلُّ مُسْتَدِيرٍ فَبِالْكَسْرِ نَحْوُ كِفَّةِ اللِّثَّةِ وَهُوَ مَا انْحَدَرَ مِنْهَا، وَكِفَّةِ الصَّائِدِ وَهِيَ حِبَالَتُهُ، وَكُلُّ مَا اسْتُطِيلَ فَبِالضَّمِّ نَحْوُ كُفَّةِ الثَّوْبِ حَاشِيَتُهُ وَكُفَّةِ الرَّمْلِ وَقِيلَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْجَمِيعِ. (وَيُفْرِغُ صَاحِبُهُ الَّذِي يُرَاطِلُهُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ الْأُخْرَى فَإِذَا اعْتَدَلَ لِسَانُ الْمِيزَانِ أَخَذَ وَأَعْطَى) فَتَجُوزُ الْمُرَاطَلَةُ بِالْكِفَّتَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ الْقِلَادَةِ فِي مُسْلِمٍ: " «انْزِعْ ذَهَبَهَا وَاجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ» " وَفِي جَوَازِهَا بِالصَّنْجَةِ قَوْلَانِ وَالْجَوَازُ أَصْوَبُ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِالصَّنْجَةِ فِي كِفَّةٍ وَاحِدَةٍ، ابْنُ رُشْدٍ هُوَ أَصْوَبُ لِيُتْقِنَ الْمُسَاوَاةَ بِهَا مِنَ الْكِفَّتَيْنِ إِذْ قَدْ يَكُونُ فِي الْمِيزَانِ غَبْنٌ، وَسَمِعَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ لَا بَأْسَ فِي الْمُرَاطَلَةِ بِالشَّاهِينِ إِذَا كَانَ عَدْلًا. وَنَقَلَ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ مَالِكٍ: يَجُوزُ فِي الحديث: 1334 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 الْمُرَاطَلَةِ أَنْ يَزِنَ ذَهَبَهُ فِي الشَّاهِينِ بِمِثْقَالٍ ثُمَّ تَزِنُ ذَهَبَكَ وَزْنَةً ثَانِيَةً بِذَلِكَ الْعِيَارِ وَفِي تِلْكَ الْكِفَّةِ بِعَيْنِهَا قَالَ الْأَبِيُّ: فَهَذَا نَصٌّ أَوْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الشَّاهِينَ الصَّنْجَةُ. وَأَمَّا أَنَّهُ مِيزَانُ الْعُودِ الْمُسَمَّى بِالْفَرَسْطُونِ فَلَا، وَإِنْ قَالَ شَيْخُنَا إِنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالشَّاهِينِ فَإِنَّ اللُّغَةَ لَا تُفَسَّرُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَيَبْعُدُ أَيْضًا تَفْسِيرُ الشَّاهِينِ بِالْوَزْنِ الْمُسَمَّى بِالرُّمَّانَةِ عُرْفًا. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ مُرَاطَلَةً) أَيْ وَزْنًا (أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ (أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً (إِذَا كَانَ وَزْنُ الذَّهَبَيْنِ سَوَاءً عَيْنًا بِعَيْنٍ) لِانْتِفَاءِ التَّفَاضُلِ (وَإِنْ تَفَاضَلَ) أَيْ زَادَ (الْعَدَدُ) فَاعِلُ تَفَاضَلَ (وَالدَّرَاهِمُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ) إِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى وَزْنِهَا إِذَا بِيعَتْ مُرَاطَلَةً. (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَاطَلَ ذَهَبَا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقًا بِوَرِقٍ فَكَانَ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ فَضْلُ) أَيْ زِيَادَةُ (مِثْقَالٍ فَأَعْطَى صَاحِبَهُ قِيمَتَهُ مِنَ الْوَرِقِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا) أَنَّثَهُ عَلَى مَعْنَى الْوَرِقِ وَهُوَ الْفِضَّةُ أَيْ مِنْ غَيْرِ الْفِضَّةِ كَالْعَرْضِ (فَلَا يَأْخُذُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ قَبِيحٌ) لَيْسَ بِحَسَنٍ لِحُرْمَتِهِ (وَذَرِيعَةٌ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَسِيلَةٌ (إِلَى الرِّبَا لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِثْقَالَ بِقِيمَتِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى حِدَتِهِ) أَيْ وَحْدَهُ (جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِثْقَالَ بِقِيمَتِهِ مِرَارًا) قَصْدًا (لَأَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْبَيْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ ذَلِكَ الْمِثْقَالَ مُفْرَدًا لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِمُفْرَدٍ (لَمْ يَأْخُذْهُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ بِهِ لِأَنْ) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ (يُجَوِّزَ لَهُ الْبَيْعَ فَذَلِكَ الذَّرِيعَةُ) الْوَسِيلَةُ (إِلَى إِحْلَالِ الْحَرَامِ وَالْأَمْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ) فَلِذَلِكَ مُنِعَ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ) مَثَلًا (يُرَاطِلُ الرَّجُلَ وَيُعْطِيهِ الذَّهَبَ الْعُتُقَ) بِضَمَّتَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 جَمْعُ عَتِيقٍ كَبُرُدٍ وَبَرِيدٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ (الْجِيَادَ وَيَجْعَلُ مَعَهَا تِبْرًا ذَهَبًا غَيْرَ جَيِّدَةٍ وَيَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَهَبًا كُوفِيَّةً مُقَطَّعَةً وَتِلْكَ الْكُوفِيَّةُ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ فَيَتَبَايَعَانِ ذَلِكَ مِثْلًا بِمِثْلٍ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ) لِحُرْمَتِهِ (وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُ وَجْهِ مَنْعِهِ (أَنَّ صَاحِبَ الذَّهَبِ الْجِيَادِ أَخَذَ فَضْلَ) أَيْ زِيَادَةَ (عُيُونِ ذَهَبِهِ فِي التِّبْرِ الَّذِي طَرَحَ مَعَ ذَهَبِهِ وَلَوْلَا فَضْلُ ذَهَبِهِ عَلَى ذَهَبِ صَاحِبِهِ لَمْ يُرَاطِلْهُ صَاحِبُهُ بِتِبْرِهِ ذَلِكَ إِلَى ذَهَبِهِ الْكُوفِيَّةِ فَامْتَنَعَ) لِدَوَرَانِ الْفَضْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ (وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ) أَيْ صِفَتُهُ بِمَعْنَى قِيَاسِهِ (كَمَثَلٍ رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ) وَفِي نُسْخَةٍ آصُعٍ وَكُلٌّ جَمْعٌ لِصَاعٍ (مِنْ تَمْرٍ عَجْوَةٍ بِصَاعَيْنِ وَمُدٍّ مِنْ تَمْرٍ كَبِيسٍ فَقِيلَ لَهُ هَذَا لَا يَصْلُحُ) لِلتَّفَاضُلِ (فَجَعَلَ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ وَصَاعًا مِنْ حَشَفٍ) رَدِيءِ التَّمْرِ (يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ بَيْعَهُ) لِاتِّحَادِ الْكَيْلِ (فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْعَجْوَةِ لِيُعْطِيَهُ صَاعًا مِنَ الْعَجْوَةِ بِصَاعٍ مِنْ حَشَفٍ وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِفَضْلِ الْكَبِيسِ) فَاغْتُفِرَ ذَلِكَ لِلْفَضْلِ فَمُنِعَ (وَأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْنِي ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ مِنَ الْبَيْضَاءِ) أَيِ الْحِنْطَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ بَاقِي الْكَلَامِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا هُنَا الشَّعِيرَ وَإِنْ سَبَقَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اسْمٌ لَهُ عِنْدَ الْعَرَبِ فَمُرَادُهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ نَفْسُهُ عَبَّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ عَرَبُ الْحِجَازِ اهـ. فَلَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهُمْ يُطْلِقُ الْبَيْضَاءَ عَلَى الْحِنْطَةِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْبَيْضَاءُ الْحِنْطَةُ (بِصَاعَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ) وَهِيَ السَّمْرَاءُ (فَيَقُولُ: هَذَا لَا يَصْلُحُ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَيَجْعَلُ صَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ وَصَاعًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 مِنْ شَعِيرٍ يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْبَيْعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُعْطِيَهُ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ بَيْضَاءَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الصَّاعُ مُنْفَرِدًا وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ لِفَضْلِ الشَّامِيَّةِ عَلَى الْبَيْضَاءِ) فَاغْتُفِرَ أَخْذُ الشَّعِيرِ لِلْفَضْلِ (فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَهُوَ مِثْلُ مَا وَصَفْنَا مِنَ التِّبْرِ فَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالطَّعَامِ كُلِّهِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي) لَا يَصْلُحُ (أَنْ يُبْتَاعَ) وَفِي نُسْخَةٍ يُبَاعَ (إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَعَ الصِّنْفِ الْجَيِّدِ مِنَ الْمَرْغُوبِ فِيهِ الشَّيْءُ) نَائِبُ فَاعِلِ يُجْعَلُ (الرَّدِيءُ الْمَسْخُوطُ لِيُجَازَ) بِالْجِيمِ (الْبَيْعُ وَلِيُسْتَحَلَّ بِذَلِكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إِذَا جُعِلَ ذَلِكَ مَعَ الصِّنْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ صَاحِبُ ذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ) يَصِلَ (بِذَلِكَ فَضْلَ جَوْدَةِ مَا يَبِيعُ فَيُعْطِي الشَّيْءَ الَّذِي لَوْ أَعْطَاهُ وَحْدَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَهْمُمْ) بِفَكِّ الْإِدْغَامِ بِذَلِكَ (وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ مِنْ أَجْلِ الَّذِي يَأْخُذُ مَعَهُ لِفَضْلِ سِلْعَةِ صَاحِبِهِ عَلَى سِلْعَتِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِشَيْءٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالطَّعَامِ) نَهْىٌ لَهَا وَالْمُرَادُ أَصَابَهَا وَهُوَ مِنَ الْبَلَاغَةِ (أَنْ يَدْخُلَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ) فَهُوَ حَرَامٌ (فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الطَّعَامِ الرَّدِيءِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِهِ فَلْيَبِعْهُ عَلَى حِدَتِهِ وَلَا يَجْعَلْ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ) لِعَدَمِ الرِّبَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 [بَاب الْعِينَةِ وَمَا يُشْبِهُهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ»   19 - بَابُ الْعِينَةِ وَمَا يُشْبِهُهَا بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْبَيْعُ الْمُتَحَيَّلُ بِهِ عَلَى دَفْعِ عَيْنٍ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا. وَرَوَى أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ وَمَا يَرَى أَحَدٌ مِنَّا أَنَّهُ أَحَقُّ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «إِذَا النَّاسُ تَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ بَلَاءً فَلَا يَرْفَعُهُ عَنْهُمْ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ» " صَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ. 1335 - 1321 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ ابْتَاعَ) اشْتَرَى (طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ) مَجْزُومٌ بِلَا النَّاهِيَةِ وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَا يَبِيعُهُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا نَافِيَةٌ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي النَّهْيِ مِنْ صَرِيحِ النَّهْيِ (حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) أَيْ يَقْبِضَهُ، وَأَلْحَقَ مَالِكٌ بِالِابْتِيَاعِ سَائِرَ عُقُودِ الْمُعَارَضَةِ كَأَخْذِهِ مَهْرًا أَوْ صُلْحًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَوْ مَلَكَ بِلَا مُعَاوَضَةٍ كَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَسَلَفٍ جَازَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَلْحَقَ بِالْبَيْعِ دَفَعَهُ عِوَضًا كَدَفْعِهِ مَهْرًا أَوْ خُلْعًا أَوْ هِبَةَ ثَوَابٍ أَوْ إِجَارَةً أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمٍ فَيُمْنَعُ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِهِ، أَمَّا دَفْعُهُ قَرْضًا أَوْ قَضَاءً عَنْ قَرْضٍ فَيَجُوزُ، وَعُمُومُ قَوْلِهِ طَعَامًا يَشْمَلُ الرِّبَوِيَّ وَغَيْرَهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَفِي أَنَّ الْمَنْعَ مُعَلَّلٌ بِالْعِينَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إِدْخَالُ مَالِكٍ أَحَادِيثَهُ تَحْتَ التَّرْجَمَةِ. وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ نُهِيَ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ؟ قَالَ: أَلَا تَرَاهُمْ يَبْتَاعُونَ بِالذَّهَبِ وَالطَّعَامِ مُرْجَأً بِالْهَمْزِ وَعَدَمِهِ أَيْ مُؤَخَّرًا يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ إِلَى دَفْعِ ذَهَبٍ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ، وَالطَّعَامُ مُعَلَّلٌ أَوْ تَعَبُّدِيٌّ غَيْرُ مُعَلَّلٍ قَوْلَانِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَالْقَعْنَبِيِّ وَمُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَيَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ بِهِ. الحديث: 1335 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ»   1336 - 1322 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» ) لِلْعِينَةِ أَوْ لِأَنَّ الحديث: 1336 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 لِلشَّارِعِ غَرَضًا فِي ظُهُورِهِ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ تَقْوِيَةِ قُلُوبِ النَّاسِ لَا سِيَّمَا زَمَنُ الشِّدَّةِ وَالْمَسْغَبَةِ وَانْتِفَاعِ الْكَيَّالِ وَالْحَمَّالِ، فَلَوْ أُبِيحَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَبَاعَهُ أَهْلُ الْأَمْوَالِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ الْغَرَضُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ تَعْبُدِيٌّ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ قَصْرُ النَّهْيِ عَلَى الطَّعَامِ رِبَوِيًّا كَانَ أَمْ لَا، وَعَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ فَيَجُوزُ فِيمَا عَدَاهُ، إِذْ لَوْ مُنِعَ فِي الْجَمِيعِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الطَّعَامِ فَائِدَةٌ، وَدَلِيلُ الْخِطَابِ كَالنَّصِّ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَّا فِيمَا لَا يُنْقَلُ كَالْعَقَارِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ فَاسْتُثْنِيَ مَا لَا يُنْقَلُ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ فِيهِ، وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْعَ كُلِّ مُشْتَرًى قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» فَعَمَّ، وَأُجِيبَ بِقَصْرِهِ عَلَى الطَّعَامِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ دَلَّ بِالْمَفْهُومِ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ بِخِلَافِهِ وَبِحَمْلِهِ عَلَى بَيْعِ الْخِيَارِ فَلَا يَبِيعُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَأَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَهُ أَيِ الطَّعَامَ فَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ رَأْيِهِ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ، وَشَذَّ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَأَجَازَ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَلِلْحَدِيثِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ»   1337 - 1323 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَاعُ» ) نَشْتَرِي (الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا) مَحَلُّهُ نَصْبُ مَفْعُولِ يَبْعَثُ (بِانْتِقَالِهِ) أَيْ نَقْلِهِ (مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ) أَيْ غَيْرِهِ (قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ) لِأَنَّ بِنَقْلِهِ يَحْصُلُ قَبْضُهُ وَهَذَا قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَالْمُرَادُ الْقَبْضُ، وَفَرَّقَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ بَيْنَ الْجِزَافِ فَأَجَازَ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ مَرْئِيٌّ فَيَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَةُ وَبَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَلَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنِ اشْتَرَى بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» " فَفِي قَوْلِهِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا خَالَفَهُ بِخِلَافِهِ، وَجَعَلَ مَالِكٌ رِوَايَةَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ تَفْسِيرًا لِرِوَايَةِ حَتَّى يَقْبِضَهُ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ عَلَى الْمَعْرُوفِ لُغَةً، قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ - وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 2 - 3] (سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: الْآيَةُ 2، 3) وَقَالَ: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} [يوسف: 88] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 88) وَقَالَ: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ} [الإسراء: 35] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 35 وَالْحَدِيثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 1337 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ ابْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ فَبَاعَ حَكِيمٌ الطَّعَامَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا تَبِعْ طَعَامًا ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ   1338 - 1324 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ ابْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْأَسَدِيَّ ابْنِ أَخِي خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَصَحِبَ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً ثُمَّ عَاشَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ أَوْ بَعْدَهَا وَكَانَ عَالِمًا بِالنَّسَبِ. (ابْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ فَبَاعَ حَكِيمٌ الطَّعَامَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ) يَقْبِضَهُ (فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: لَا تَبِعْ طَعَامًا ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ) وَفَائِدَةُ ذِكْرِهِ بَعْدَ الْمَرْفُوعِ مَعَ قِيَامِ الْحُجَّةِ بِهِ اتِّصَالُ الْعَمَلِ بِهِ فَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ احْتِمَالُ نَسْخٍ. الحديث: 1338 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَانِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَا أَتُحِلُّ بَيْعَ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ فَقَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَمَا ذَاكَ فَقَالَا هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَتْبَعُونَهَا يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَيَرُدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا   1338 - 1325 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَصَلَهُ مُسْلِمْ بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ صُكُوكًا) جَمْعُ صَكٍّ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى صِكَاكٍ وَهُوَ الْوَرَقَةُ الَّتِي يَكْتُبُ فِيهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ بِرِزْقٍ مِنَ الطَّعَامِ لِمُسْتَحِقِّهِ (خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَانِ) إِمَارَةِ (مَرْوَانَ بْنِ الْحُكْمِ) عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ (مِنْ طَعَامِ الْجَارِ) بِجِيمٍ فَأَلِفٍ فِرَاءٍ مَوْضِعٌ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ يُجْمَعُ فِيهِ الطَّعَامُ ثُمَّ يُفَرَّقُ عَلَى النَّاسِ بِصِكَاكٍ. (فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا) يَقْبِضُوهَا (فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ (فَقَالَا: أَتُحِلُّ) تُجِيزُ (بَيْعَ الرِّبَا) وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَحَلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا (يَا مَرْوَانُ؟) وَفِيهِ أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُحِلَّ وَإِنَّمَا تَرَكَ النَّهْيَ وَهَذَا إِغْلَاظٌ فِي الْإِنْكَارِ وَقَدْ كَانَ زَيْدٌ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي هَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ مُفْتِيًا عَلَى الْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ لَمْ يَكُنْ مُفْتِيًا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ بَاطِلٌ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُفْتِيًا وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ مُلَازَمَةً لِخِدْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْفَظِهِمْ لِحَدِيثِهِ وَأَغْزَرِهِمْ عِلْمًا؟ (فَقَالَ مَرْوَانُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ) أَعْتَصِمُ بِهِ مِنْ أَنْ أُحِلَّ الرِّبَا، وَلِمُسْلِمٍ فَقَالَ مَرْوَانُ: مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 فَعَلْتُ (وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَا: هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا) وَلِمُسْلِمٍ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى» . (فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَتْبَعُونَهَا يَنْتَزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَيَرُدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا) أَصْحَابِهَا. وَاحْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعَتَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِنَّمَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ الثَّانِي فَقَطْ لَقَالَ: وَيَرُدُّونَهَا إِلَى مَنِ ابْتَاعَهَا مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ بِأَهْلِهَا مَنْ يَسْتَحِقُّ رُجُوعَهَا إِلَيْهِ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ عَنْ بَيْعِهِ مِنْ مُشْتَرِيهِ لَا عَنْ بَيْعِهِ مِمَّنْ كُتِبَ لَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ رَفَعَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ أَوْ مَنْ وُهِبَ لَهُ. وَفِي مُسْلِمٍ: فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ فَنَهَاهُمْ عَنْ بَيْعِهَا. قَالَ سُلَيْمَانُ: فَنَظَرْتُ إِلَى حَرَسٍ يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ طَعَامًا مِنْ رَجُلٍ إِلَى أَجَلٍ فَذَهَبَ بِهِ الرَّجُلُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ الطَّعَامَ إِلَى السُّوقِ فَجَعَلَ يُرِيهِ الصُّبَرَ وَيَقُولُ لَهُ مِنْ أَيِّهَا تُحِبُّ أَنْ أَبْتَاعَ لَكَ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ أَتَبِيعُنِي مَا لَيْسَ عِنْدَكَ فَأَتَيَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لِلْمُبْتَاعِ لَا تَبْتَعْ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَقَالَ لِلْبَائِعِ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ   1338 - 1326 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ طَعَامًا مِنْ رَجُلٍ إِلَى أَجَلٍ فَذَهَبَ بِهِ الرَّجُلُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ الطَّعَامَ إِلَى السُّوقِ فَجَعَلَ يُرِيهِ الصُّبَرَ) بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الْبَاءِ جَمْعُ صُبْرَةٍ (وَيَقُولُ لَهُ: مِنْ أَيِّهَا تُحِبُّ أَنْ أَبْتَاعَ) أَشْتَرِيَ (لَكَ؟ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ) أَيِ الذِي يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ (أَتَبِيعُنِي مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ (فَأَتَيَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لِلْمُبْتَاعِ: لَا تَبِيعُ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَقَالَ لِلْبَائِعِ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) وَكَأَنَّهُ اسْتَنْبَطَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، أَوْ بَلَغَهُ حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي مِنَ الْبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ ثُمَّ أَبِيعُهُ مِنْهُ، فَقَالَ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» " رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَمِيلَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ إِنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ مِنْ الْأَرْزَاقِ الَّتِي تُعْطَى النَّاسُ بِالْجَارِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أُرِيدُ أَنْ أَبِيعَ الطَّعَامَ الْمَضْمُونَ عَلَيَّ إِلَى أَجَلٍ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ أَتُرِيدُ أَنْ تُوَفِّيَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْزَاقِ الَّتِي ابْتَعْتَ فَقَالَ نَعَمْ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بُرًّا أَوْ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا أَوْ ذُرَةً أَوْ دُخْنًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحُبُوبِ الْقِطْنِيَّةِ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُشْبِهُ الْقِطْنِيَّةَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْأُدُمِ كُلِّهَا الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالْخَلِّ وَالْجُبْنِ وَالشِّيرِقِ وَاللَّبَنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأُدْمِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ   1341 - 1327 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَمِيلَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الحديث: 1341 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 التَّحْتِيَّةِ وَلَامٍ (ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْمُؤَذِّنَ الْمَدَنِيَّ أُمُّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ سَعْدِ الْقَرَظِ وَكَانَ يُؤَذِّنُ وَسَمِعَ ابْنَ الْمُسَيَّبِ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَنْهُ مَالِكٌ بِوَاسِطَةِ يَحْيَى وَبِلَالٌ وَاسِطَةٌ، وَالصَّوَابُ أَنَّ اسْمَ أَبِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ كَمَا هُنَا، وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُوَيْدٍ أَوْ سَوَادَةَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَذَّاءِ (يَقُولُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: إِنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ مِنَ الْأَرْزَاقِ الَّتِي تُعْطَى) بِتَحْتِيَّةٍ أَوْ فَوْقِيَّةٍ (النَّاسُ) بِالرَّفْعِ نَائِبُ فَاعِلِ يُعْطَى بِتَحْتِيَّةٍ وَالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِتُعْطَى بِفَوْقِيَّةٍ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ هِيَ النَّاسُ (بِالْجَارِ) بِجِيمٍ مَحَلٌّ مَعْلُومٌ بِالسَّاحِلِ (مَا شَاءَ اللَّهُ) فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (ثُمَّ أُرِيدُ أَنْ أَبِيعَ الطَّعَامَ الْمَضْمُونَ عَلَيَّ إِلَى أَجَلٍ، فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: أَتُرِيدُ أَنْ تُوَفِّيَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْزَاقِ الَّتِي ابْتَعْتَ؟ فَقَالَ نَعَمْ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ) زَادَ غَيْرُ يَحْيَى فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ رَأْيِي أَيْ خَوْفًا مِنَ التَّسَاهُلِ فِي ذَلِكَ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ أَوْ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِلذَّرِيعَةِ الَّتِي يُخَافُ مِنْهَا التَّطَرُّقُ إِلَى الْمَحْذُورِ وَإِنْ قَلَّتْ قَالَهُ الْبُونِيُّ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ) تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ (أَنَّهُ مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا بُرًّا أَوْ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا أَوْ ذُرَةً) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (أَوْ دُخْنًا) بِمُهْمَلَةٍ (أَوْ شَيْئًا مِنَ الْحُبُوبِ الْقُطْنِيَّةِ) السَّبْعَةِ (أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُشْبِهُ الْقُطْنِيَّةَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَزَيْتُونٍ (أَوْ شَيْئًا مِنَ الْأُدُمِ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ إِدَامٍ بِزِنَةِ كِتَابٍ وَكُتُبٍ، وَدَلِيلُ أَنَّهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ تَوْكِيدُهُ بِقَوْلِهِ: (كُلِّهَا) دُونَ كُلِّهِ (الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالْخَلِّ وَالْجُبْنِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْبَاءِ عَلَى الْأَجْوَدِ وَضَمِّهَا لِلْإِتْبَاعِ وَالتَّثْقِيلِ وَهِيَ أَقَلُّهَا وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالشِّعْرِ (وَاللَّبَنِ وَالشِّيرِقِ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُوَحَّدَةٍ بَدَلُهَا نُسْخَتَانِ دُهْنُ السِّمْسِمِ، قَالَ الْبُونِيُّ: وَهُوَ السِّيرَجُ أَيْضًا بِالْجِيمِ (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُدُمِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ) عَمَلًا بِعُمُومِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلطَّعَامِ الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ بِمَعْنًى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ كُلَّ رِوَايَةٍ أَفَادَتْ مَعْنًى لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَوْفِيهِ بِالْكَيْلِ بِأَنْ يَكِيلَهُ الْبَائِعُ وَلَا يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي بَلْ يَحْبِسُهُ عِنْدَهُ لِيَنْقُدَهُ الثَّمَنَ مَثَلًا، أَوْ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ أَكْثَرُ مَعْنًى مِنَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ إِذَا قَبَضَ الْبَعْضَ وَحَبَسَ الْبَعْضَ لِأَجْلِ الثَّمَنِ صَدَقَ عَلَيْهِ الْقَبْضُ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 [بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ إِلَى أَجَلٍ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَنْهَيَانِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً بِذَهَبٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ   20 - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ إِلَى أَجَلٍ 1342 - 1328 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَنْهَيَانِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ) أَوِ الْمَرْأَةُ (حِنْطَةً بِذَهَبٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ) مِنْ مُشْتَرِي الْحِنْطَةِ لِلنَّهْمَةِ. الحديث: 1342 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ الطَّعَامَ مِنْ الرَّجُلِ بِذَهَبٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِي بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ   1343 - 1329 - (مَالِكٌ عَنْ كَثِيرٍ) بِلَفْظٍ ضِدُّ قَلِيلٍ (ابْنِ فَرْقَدٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَقَافٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ الْمَدَنِيِّ نَزِيلُ مِصْرَ مِنَ الثِّقَاتِ (أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنِ الرَّجُلِ يَبِيعُ الطَّعَامَ مِنَ الرَّجُلِ) أَيْ إِلَيْهِ (بِذَهَبٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ) مَنَعَهُ. الحديث: 1343 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا نَهَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنْ لَا يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً بِذَهَبٍ ثُمَّ يَشْتَرِي الرَّجُلُ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ مِنْ بَيْعِهِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْحِنْطَةَ فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ الَّتِي بَاعَ بِهَا الْحِنْطَةَ إِلَى أَجَلٍ تَمْرًا مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ وَيُحِيلَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ التَّمْرَ عَلَى غَرِيمِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ بِالذَّهَبِ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ فِي ثَمَرِ التَّمْرِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا   1343 - 1330 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ) أَنَّهُ كَرِهَهُ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا نَهَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) بِمُهْمَلَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 وَزَايٍ (وَابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنْ لَا) زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ نَحْوُ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 12) ، (يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً بِذَهَبٍ ثُمَّ يَشْتَرِي الرَّجُلُ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ مِنْ بَيِّعِهِ) بِشَدِّ الْيَاءِ (الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْحِنْطَةَ، فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ الَّتِي بَاعَ بِهَا) أَيِ الذَّهَبِ لِأَنَّهُ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ (الْحِنْطَةَ إِلَى أَجَلٍ) تَمْرًا (مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ) الْمُعَبَّرِ عَنْهُ قَبْلَهُ بِبَيِّعِهِ بِالتَّثْقِيلِ لِأَنَّهُ يُقَالُ لُغَةً بَائِعٌ وَبَيِّعٌ (الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ وَيُحِيلَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ التَّمْرَ عَلَى غَرِيمِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ بِالذَّهَبِ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ التَّمْرِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. (وَقَدْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا) وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ وَافَقُوهُ عَلَى مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ لَا أَنَّهُ قَلَّدَهُمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 [بَاب السُّلْفَةِ فِي الطَّعَامِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ أَوْ تَمْرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي طَعَامٍ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَحَلَّ الْأَجَلُ فَلَمْ يَجِدْ الْمُبْتَاعُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَفَاءً مِمَّا ابْتَاعَ مِنْهُ فَأَقَالَهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إِلَّا وَرِقَهُ أَوْ ذَهَبَهُ أَوْ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِي مِنْهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَخَذَ غَيْرَ الثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ أَوْ صَرَفَهُ فِي سِلْعَةٍ غَيْرِ الطَّعَامِ الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ فَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ نَدِمَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لِلْبَائِعِ أَقِلْنِي وَأُنْظِرُكَ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعْتُ إِلَيْكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ الطَّعَامُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَخَّرَ عَنْهُ حَقَّهُ عَلَى أَنْ يُقِيلَهُ فَكَانَ ذَلِكَ بَيْعَ الطَّعَامِ إِلَى أَجَلٍ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ حَلَّ الْأَجَلُ وَكَرِهَ الطَّعَامَ أَخَذَ بِهِ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْإِقَالَةِ وَإِنَّمَا الْإِقَالَةُ مَا لَمْ يَزْدَدْ فِيهِ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الزِّيَادَةُ بِنَسِيئَةٍ إِلَى أَجَلٍ أَوْ بِشَيْءٍ يَزْدَادُهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَوْ بِشَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْإِقَالَةِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ الْإِقَالَةُ إِذَا فَعَلَا ذَلِكَ بَيْعًا وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِي الْإِقَالَةِ وَالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ مَا لَمْ يَدْخُلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ أَوْ نَظِرَةٌ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ أَوْ نَظِرَةٌ صَارَ بَيْعًا يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ قَالَ مَالِكٌ مَنْ سَلَّفَ فِي حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مَحْمُولَةً بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَّفَ فِي صِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ خَيْرًا مِمَّا سَلَّفَ فِيهِ أَوْ أَدْنَى بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ فِي حِنْطَةٍ مَحْمُولَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ شَعِيرًا أَوْ شَامِيَّةً وَإِنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ عَجْوَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ صَيْحَانِيًّا أَوْ جَمْعًا وَإِنْ سَلَّفَ فِي زَبِيبٍ أَحْمَرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ أَسْوَدَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ إِذَا كَانَتْ مَكِيلَةُ ذَلِكَ سَوَاءً بِمِثْلِ كَيْلِ مَا سَلَّفَ فِيهِ   21 - بَابُ السُّلْفَةِ فِي الطَّعَامِ 1344 - 1331 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ) فَاعِلٌ وَمَفْعُولٌ (فِي الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ) أَيْ يَظْهَرْ (صَلَاحُهُ أَوْ تَمْرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ) أَيْ يَظْهَرْ وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا. الحديث: 1344 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي طَعَامٍ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَحَلَّ الْأَجَلُ فَلَمْ يَجِدِ الْمُبْتَاعُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَفَاءً) بِالْمَدِّ (مِمَّا ابْتَاعَ مِنْهُ فَأَقَالَهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إِلَّا وَرِقَهُ) فِضَّتَهُ أَوْ ذَهَبَهُ أَوِ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِي مِنْهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَخَذَ غَيْرَ الثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ أَوْ صَرَفَهُ فِي سِلْعَةٍ غَيْرِ الطَّعَامِ الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ فَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى يُقْبَضَ (وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى» ) فَيَدْخُلُ فِيهِ ذَلِكَ (فَإِنْ نَدِمَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لِلْبَائِعِ أَقِلْنِي وَأُنْظِرُكَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أُؤَخِّرُكَ (بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعْتُ إِلَيْكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ الطَّعَامُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَخَّرَ عَنْهُ حَقَّهُ عَلَى أَنْ يُقِيلَهُ فَكَأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى) وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ (وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ حَلَّ الْأَجَلَ وَكَرِهَ الطَّعَامَ أَخَذَ بِهِ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْإِقَالَةِ وَإِنَّمَا الْإِقَالَةُ مَا لَمْ يَزْدَدْ فِيهِ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي، فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الزِّيَادَةُ بِنَسِيئَةٍ) تَأْخِيرٍ (إِلَى أَجَلٍ أَوْ بِشَيْءٍ يَزْدَادُهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَوْ بِشَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْإِقَالَةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 وَإِنَّمَا تَصِيرُ الْإِقَالَةُ إِذَا فَعَلَا ذَلِكَ بَيْعًا، وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِي الْإِقَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ) فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ إِلَّا أَنْ يُشْرِكَ فِيهِ أَوْ يُوَلِّيَهُ أَوْ يُقِيلَهُ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (مَا لَمْ يَدْخُلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ أَوْ نَظِرَةٌ) أَيْ تَأْخِيرٌ (فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ أَوْ نَظِرَةٌ صَارَ بَيْعًا يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ) فَيُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطُهُ وَانْتِفَاءُ مَوَانِعِهِ، وَالْإِقَالَةُ فِي الطَّعَامِ بِشَرْطِهِ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ الْجَوَازِ فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا بَيْعٌ لَا حِلُّهُ فَيَحْتَاجُونَ إِلَى مُخَصِّصٍ يُخْرِجُهَا مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالْمُخَصِّصُ اسْتِثْنَاؤُهَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْإِمَامُ كَمَا تَرَى، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إِنَّهَا حِلُّ بَيْعٍ فَلَا حَاجَةَ لِلِاعْتِذَارِ وَلَيْسَ الْجَوَازُ عِنْدَهَا وَلَا رُخْصَةَ، وَمَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ جَوَازُ التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَمَنَعَهُمَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَلِمَالِكٍ قَوْلٌ بِمَنْعِ الشَّرِكَةِ، وَاتَّفَقَ الْمَذْهَبُ عَلَى جَوَازِ التَّوْلِيَةِ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ كَالْإِقَالَةِ وَلِلْحَدِيثِ. (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَلَّفَ فِي حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مَحْمُولَةً بَعْدَ مَحِلِّ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ حُلُولِ (الْأَجَلِ) لَا قَبْلَهُ (وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَّفَ فِي صِنْفٍ مِنَ الْأَصْنَافِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ خَيْرًا مِمَّا سَلَّفَ) لِأَنَّهُ حُسْنُ قَضَاءٍ (فِيهِ أَوْ أَدْنَى) لِأَنَّهُ حُسْنُ اقْتِضَاءٍ (بَعْدَ الْأَجَلِ) لَا قَبْلَهُ (وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُسْلِّفَ الرَّجُلُ فِي حِنْطَةٍ مَحْمُولَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ شَعِيرًا أَوْ شَامِيَّةً وَإِنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ عَجْوَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ) بَدَلَهُ (صَيْحَانِيًّا أَوْ) تَمْرًا (جَمْعًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ رَدِيئًا (وَإِنْ سَلَّفَ فِي زَبِيبٍ أَحْمَرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ أَسْوَدَ) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حُسْنُ اقْتِضَاءٍ (إِذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ إِذَا كَانَتْ مَكِيلَةُ ذَلِكَ سَوَاءً بِمِثْلِ كَيْلِ مَا سَلَّفَ فِيهِ) فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَوَازَ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ بَعْدَ الْحُلُولِ وَقَدْرُ الْكَيْلِ فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ الصِّفَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 [بَاب بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ قَالَ فَنِيَ عَلَفُ حِمَارِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ لِغُلَامِهِ خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إِلَّا مِثْلَهُ   22 - بَابُ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا 1346 - 1332 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ قَالَ: فَنِيَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ فَرَغَ (عَلَفُ حِمَارِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٍ الزُّهْرِيِّ (فَقَالَ لِغُلَامِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إِلَّا مِثْلَهُ) لِأَنَّهُ يَرَى اتِّحَادَهُمَا جِنْسًا. الحديث: 1346 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ فَنِيَ عَلَفُ دَابَّتِهِ فَقَالَ لِغُلَامِهِ خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ طَعَامًا فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إِلَّا مِثْلَهُ   1346 - 1333 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ) بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ الزُّهْرِيَّ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَاتَ أَبُوهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلِذَلِكَ عُدَّ فِي الصَّحَابَةِ، وَقَالَ الْعِجْلِيُّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ (فَنِيَ عَلَفُ دَابَّتِهِ فَقَالَ لِغُلَامِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ طَعَامًا فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إِلَّا مِثْلَهُ) لِاتِّحَادِ جِنْسِهِمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ مُعَيْقِيبٍ الدَّوْسِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنْ لَا تُبَاعَ الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَلَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَلَا الْحِنْطَةُ بِالتَّمْرِ وَلَا التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ وَلَا الْحِنْطَةُ بِالزَّبِيبِ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ كُلِّهِ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلُ لَمْ يَصْلُحْ وَكَانَ حَرَامًا وَلَا شَيْءَ مِنْ الْأُدْمِ كُلِّهَا إِلَّا يَدًا بِيَدٍ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ فَلَا يُبَاعُ مُدُّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ وَلَا مُدُّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ وَلَا مُدُّ زَبِيبٍ بِمُدَّيْ زَبِيبٍ وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْأُدْمِ كُلِّهَا إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ إِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ لَا يَحِلُّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْفَضْلُ وَلَا يَحِلُّ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ فَبَانَ اخْتِلَافُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ وَصَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ زَبِيبٍ وَصَاعٌ مِنْ حِنْطَةٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ سَمْنٍ فَإِذَا كَانَ الصِّنْفَانِ مِنْ هَذَا مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِاثْنَيْنِ مِنْهُ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْأَجَلُ فَلَا يَحِلُّ قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَحِلُّ صُبْرَةُ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ وَلَا بَأْسَ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةِ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى الْحِنْطَةُ بِالتَّمْرِ جِزَافًا قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَا اخْتَلَفَ مِنْ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ فَبَانَ اخْتِلَافُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ جِزَافًا يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَهُ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَإِنَّمَا اشْتِرَاءُ ذَلِكَ جِزَافًا كَاشْتِرَاءِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ جِزَافًا قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّكَ تَشْتَرِي الْحِنْطَةَ بِالْوَرِقِ جِزَافًا وَالتَّمْرَ بِالذَّهَبِ جِزَافًا فَهَذَا حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ صَبَّرَ صُبْرَةَ طَعَامٍ وَقَدْ عَلِمَ كَيْلَهَا ثُمَّ بَاعَهَا جِزَافًا وَكَتَمَ عَلَى الْمُشْتَرِيَ كَيْلَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ فَإِنْ أَحَبَّ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ بِمَا كَتَمَهُ كَيْلَهُ وَغَرَّهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهُ وَعَدَدَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ بَاعَهُ جِزَافًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا خَيْرَ فِي الْخُبْزِ قُرْصٍ بِقُرْصَيْنِ وَلَا عَظِيمٍ بِصَغِيرٍ إِذَا كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ أَكْبَرَ مِنْ بَعْضٍ فَأَمَّا إِذَا كَانَ يُتَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ مُدُّ زُبْدٍ وَمُدُّ لَبَنٍ بِمُدَّيْ زُبْدٍ وَهُوَ مِثْلُ الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ التَّمْرِ الَّذِي يُبَاعُ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ وَصَاعًا مِنْ حَشَفٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ عَجْوَةٍ حِينَ قَالَ لِصَاحِبِهِ إِنَّ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ الْعَجْوَةِ لَا يَصْلُحُ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِيُجِيزَ بَيْعَهُ وَإِنَّمَا جَعَلَ صَاحِبُ اللَّبَنِ اللَّبَنَ مَعَ زُبْدِهِ لِيَأْخُذَ فَضْلَ زُبْدِهِ عَلَى زُبْدِ صَاحِبِهِ حِينَ أَدْخَلَ مَعَهُ اللَّبَنَ قَالَ مَالِكٌ وَالدَّقِيقُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَخْلَصَ الدَّقِيقَ فَبَاعَهُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَوْ جَعَلَ نِصْفَ الْمُدِّ مِنْ دَقِيقٍ وَنِصْفَهُ مِنْ حِنْطَةٍ فَبَاعَ ذَلِكَ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ كَانَ ذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي وَصَفْنَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ فَضْلَ حِنْطَتِهِ الْجَيِّدَةِ حَتَّى جَعَلَ مَعَهَا الدَّقِيقَ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ   1346 - 1334 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مُعَيْقِيبِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ وَمُوَحَّدَةٍ ابْنِ أَبِي فَاطِمَةَ (الدَّوْسِيِّ) حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَمُعَيْقِيبٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ وَوَلِيَ بَيْتَ الْمَالِ لِعُمَرَ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيٍّ وَلَهُ وَلَدَانِ الْحَارِثُ وَمُحَمَّدٌ رَوَيَا عَنْهُ (مِثْلُ ذَلِكَ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَابْنُ عُفَيْرٍ وَابْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ مُعَيْقِيبٍ وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَطَائِفَةٌ فَقَالُوا عَنْ مُعَيْقِيبٍ (قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ أَنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 لِتَقَارُبِ الْمَنْفَعَةِ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الشَّامِيِّينَ أَيْضًا، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ مَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ خُبْزِ الْحِنْطَةِ فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ مَالِكٌ حَتَّى يُشَنِّعَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَيَقُولُ: الْقِطُّ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ فَإِنَّهُ إِذَا رُمِيَتْ لَهُ لُقْمَتَانِ إِحْدَاهُمَا شَعِيرٌ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ عَنْهَا وَيُقْبِلُ عَلَى لُقْمَةِ الْبُرِّ، قَالَ الْأَبِيُّ: وَمَا حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنِ السُّيُورِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الصَّائِغِ أَنَّهُ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إِلَى مَكَّةَ لَيُخَالِفَنَّ مَالِكًا فِي الْمَسْأَلَةِ فَمُبَالَغَةٌ وَلَا يرَدُّ أَنَّ حَلِفَهُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَهُوَ مِنَ الْغَمُوسِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَلَفَ عَلَى أَنْ يُخَالِفَهُ وَقَدْ فَعَلَ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنْ لَا تُبَاعَ الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَلَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَلَا الْحِنْطَةُ بِالتَّمْرِ وَلَا التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ وَلَا الْحِنْطَةُ بِالزَّبِيبِ وَلَا شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ كُلِّهِ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً وَإِنْ جَازَ الْفَضْلُ فِي مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ (فَإِنْ دَخَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلُ لَمْ يَصْلُحْ وَكَانَ حَرَامًا، وَلَا) يُبَاعُ (شَيْءٌ مِنَ الْأُدُمِ كُلِّهَا إِلَّا يَدًا بِيَدٍ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ رِبَا النَّسَاءِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَشَذَّ ابْنُ عُلَيَّةَ وَبَعْضُ السَّلَفِ فَأَجَازُوا النَّسِيئَةَ مَعَ الِاخْتِلَافِ وَلَوْ بَلَغَتْهُمُ السُّنَّةُ مَا خَالَفُوهَا لِفَضْلِهِمْ وَعِلْمِهِمْ وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْعِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ وَالْأُدُمِ إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ) أَيْ مُتَفَاضِلًا (لَا يُبَاعُ مُدُّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ) بِالتَّثْنِيَةِ (وَلَا مُدُّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ) بِالتَّثْنِيَةِ (تَمْرٍ، وَلَا مُدُّ زَبِيبٍ بِمُدَّيْ زَبِيبٍ، وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْحُبُوبِ وَالْأُدُمِ كُلِّهَا إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ) مُبَالَغَةً لِرِبَا الْفَضْلِ (إِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ لَا يَحِلُّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْفَضْلُ) الزِّيَادَةُ وَلَوْ قُلْتَ (وَلَا يَحِلُّ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) أَيْ مُتَسَاوِيًا (وَيَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً. (وَإِذَا اخْتَلَفَ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 فَبَانَ) أَيْ ظَهَرَ (اخْتِلَافُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ) لَا مُؤَخَّرًا. (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَصَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ زَبِيبٍ، وَصَاعٌ مِنْ حِنْطَةٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ سَمْنٍ) لِاخْتِلَافِ الصِّنْفِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا قَالَ. (فَإِذَا كَانَ الصِّنْفَانِ مِنْ هَذَا مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِاثْنَيْنِ مِنْهُ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ، فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ) أَيْ مُخْتَلِفَ الصِّنْفِ (الْأَجَلُ فَلَا يَحِلُّ) وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عُبَادَةَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَفِيهِ: " «فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى» " وَالْآخِذُ وَالْمُعْطِي سَوَاءٌ (وَلَا تَحِلُّ صُبْرَةُ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي مُتَّحِدِ الصِّنْفِ. (وَلَا بَأْسَ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ) أَيْ بَيْعِهَا (بِصُبْرَةِ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ بِالتَّمْرِ جِزَافًا) مُثَلَّثُ الْجِيمِ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ، (وَكُلُّ مَا اخْتَلَفَ مِنَ الطَّعَامِ وَالْأُدُمِ فَبَانَ اخْتِلَافُهُ) ظَهَرَ كَقَمْحٍ وَتَمْرٍ لَا إِنْ لَمْ يَبِنْ كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَسُلْتٍ (فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ جِزَافًا يَدًا بِيَدٍ، فَإِنْ دَخَلَهُ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) أَيْ يُمْنَعُ لِلنَّسِيئَةِ (وَإِنَّمَا اشْتَرَاهُ ذَلِكَ جِزَافًا كَاشْتِرَاءِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ جِزَافًا، وَذَلِكَ أَنَّكَ تَشْتَرِي الْحِنْطَةَ بِالْوَرِقِ جِزَافًا وَالتَّمْرَ بِالذَّهَبِ جِزَافًا فَهَذَا حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ) لَا كُرْهَ وَلَا خِلَافَ أَوْلَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ صَبَّرَ) بِالتَّثْقِيلِ (صُبْرَةَ طَعَامٍ وَقَدْ عَلِمَ كَيْلَهَا ثُمَّ بَاعَهَا جِزَافًا وَكَتَمَ الْمُشْتَرِيَ كَيْلَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ بَيْعِ الْجِزَافِ أَنْ لَا يَعْرِفَهُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ (فَإِنْ أَحَبَّ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ بِمَا) أَيْ بِسَبَبِ مَا (كَتَمَهُ كَيْلَهُ وَغَرَّهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهُ وَعَدَدَهُ مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ بَاعَهُ جِزَافًا وَلَمْ يَعْلَمِ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ) وَإِنْ أَحَبَّ لَمْ يَرُدُّهُ. (وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا خَيْرَ فِي خُبْزٍ قُرْصٍ بِقُرْصَيْنِ وَلَا عَظِيمٍ) أَيْ كَبِيرٍ (بِصَغِيرٍ إِذَا كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ أَكْبَرَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ يُتَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فِيهِمَا أَيْ مُتَسَاوِيًا (فَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ (وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ) مُبَالَغَةٌ (وَلَا يَصْلُحْ مُدُّ زُبْدٍ) بِضَمِّ الزَّايِ (وَمُدُّ لَبَنٍ بِمُدَّيْ زُبْدٍ وَهُوَ مِثْلُ الَّذِي وَصَفْنَا مِنَ التَّمْرِ الَّذِي يُبَاعُ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ وَصَاعًا مِنْ حَشَفٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ عَجْوَةٍ حِينَ قَالَ لِصَاحِبِهِ: إِنَّ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنَ الْعَجْوَةِ لَا يَصْلُحُ) لِلرِّبَا (فَفَعَلَ ذَلِكَ لِيُجِيزَ بَيْعَهُ) فَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ (وَإِنَّمَا جَعَلَ صَاحِبُ اللَّبَنِ اللَّبَنَ مَعَ زُبْدِهِ لِيَأْخُذَ فَضْلَ زُبْدِهِ) أَيْ زِيَادَةَ (عَلَى زُبْدِ صَاحِبِهِ حِينَ أَدْخَلَ مَعَهُ اللَّبَنَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ. (وَالدَّقِيقُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَخْلَصَ الدَّقِيقَ فَبَاعَهُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) فَلِذَا جَازَ (وَلَوْ جَعَلَ نِصْفَ الْمُدِّ مِنْ دَقِيقٍ وَنِصْفَهُ مِنْ حِنْطَةٍ فَبَاعَ ذَلِكَ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ كَانَ ذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي وَصَفْنَا لَا يَصْلُحُ) لَا يَجُوزُ (لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ فَضْلَ حِنْطَتِهِ الْجَيِّدَةِ حِينَ جَعَلَ مَعَهَا الدَّقِيقَ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ) لَا يَجُوزُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 [بَاب جَامِعِ بَيْعِ الطَّعَامِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ إِنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ الطَّعَامَ يَكُونُ مِنْ الصُّكُوكِ بِالْجَارِ فَرُبَّمَا ابْتَعْتُ مِنْهُ بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ فَأُعْطَى بِالنِّصْفِ طَعَامًا فَقَالَ سَعِيدٌ لَا وَلَكِنْ أَعْطِ أَنْتَ دِرْهَمًا وَخُذْ بَقِيَّتَهُ طَعَامًا   23 - بَابُ جَامِعِ بَيْعِ الطَّعَامِ 1348 - 1335 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) الْخُزَاعِيِّ مَوْلَاهُمْ وَيُقَالُ مَوْلَى ثَقِيفٍ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ مَدَنِيٌّ صَالِحٌ، وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. (أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ الطَّعَامَ) وَقَوْلُهُ (يَكُونُ مِنَ الصُّكُوكِ) جَمْعُ صَكٍّ (بِالْجَارِ) بِجِيمٍ السَّاحِلِ الْمَعْرُوفِ سَاقِطٌ لِلْأَكْثَرِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَالْقَعْنَبِيِّ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (فَرُبَّمَا ابْتَعْتُ مِنْهُ بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ أَفَأُعْطَى بِالنِّصْفِ طَعَامًا؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: لَا وَلَكِنْ أَعْطِ أَنْتَ دِرْهَمًا وَخُذْ بَقِيَّتَهُ طَعَامًا) نَصَبَ بَقِيَّتَهُ عَلَى التَّوَسُّعِ. الحديث: 1348 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ يَقُولُ لَا تَبِيعُوا الْحَبَّ فِي سُنْبُلِهِ حَتَّى يَبْيَضَّ قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِصَاحِبِهِ لَيْسَ عِنْدِي طَعَامٌ فَبِعْنِي الطَّعَامَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ إِلَى أَجَلٍ فَيَقُولُ صَاحِبُ الطَّعَامِ هَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى فَيَقُولُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِغَرِيمِهِ فَبِعْنِي طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ حَتَّى أَقْضِيَكَهُ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِيهِ طَعَامًا ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَيْهِ فَيَصِيرُ الذَّهَبُ الَّذِي أَعْطَاهُ ثَمَنَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ الطَّعَامُ الَّذِي أَعْطَاهُ مُحَلِّلًا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ ذَلِكَ إِذَا فَعَلَاهُ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ ابْتَاعَهُ مِنْهُ وَلِغَرِيمِهِ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ مِثْلُ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِغَرِيمِهِ أُحِيلُكَ عَلَى غَرِيمٍ لِي عَلَيْهِ مِثْلُ الطَّعَامِ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ بِطَعَامِكَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ قَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ إِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ ابْتَاعَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُحِيلَ غَرِيمَهُ بِطَعَامٍ ابْتَاعَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ سَلَفًا حَالًّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحِيلَ بِهِ غَرِيمَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ أَنْزَلُوهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَلَمْ يُنْزِلُوهُ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يُسَلِّفُ الدَّرَاهِمَ النُّقَّصَ فَيُقْضَى دَرَاهِمَ وَازِنَةً فِيهَا فَضْلٌ فَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ دَرَاهِمَ نُقَّصًا بِوَازِنَةٍ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ وَلَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ حِينَ أَسْلَفَهُ وَازِنَةً وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ نُقَّصًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَأَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ وَإِنَّمَا فُرِقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ بَيْعٌ عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ وَالتِّجَارَةِ وَأَنَّ بَيْعَ الْعَرَايَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا مُكَايَسَةَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ طَعَامًا بِرُبُعٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ كِسْرٍ مِنْ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْطَى بِذَلِكَ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ طَعَامًا بِكِسْرٍ مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يُعْطَى دِرْهَمًا وَيَأْخُذُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِرْهَمِهِ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ لِأَنَّهُ أَعْطَى الْكِسْرَ الَّذِي عَلَيْهِ فِضَّةً وَأَخَذَ بِبَقِيَّةِ دِرْهَمِهِ سِلْعَةً فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ دِرْهَمًا ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ بِرُبُعٍ أَوْ بِثُلُثٍ أَوْ بِكِسْرٍ مَعْلُومٍ سِلْعَةً مَعْلُومَةً فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سِعْرٌ مَعْلُومٌ وَقَالَ الرَّجُلُ آخُذُ مِنْكَ بِسِعْرِ كُلِّ يَوْمٍ فَهَذَا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ غَرَرٌ يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ مَرَّةً وَلَمْ يَفْتَرِقَا عَلَى بَيْعٍ مَعْلُومٍ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا جِزَافًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ مِنْهُ وَذَلِكَ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَارَ ذَلِكَ إِلَى الْمُزَابَنَةِ وَإِلَى مَا يُكْرَهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ إِلَّا الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا.   1348 - 1336 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ يَقُولُ: لَا تَبِيعُوا الْحَبَّ فِي سُنْبُلِهِ حَتَّى يَبْيَضَّ) أَيْ يَشْتَدَّ حَبُّهُ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 يَزْهُوَ وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ» " نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ قَالَ عِيَاضٌ: فَرَّقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَ بَيْعَ الثِّمَارِ بِأَوَّلِ الطِّيبِ وَلَمْ يُجِزْهُ فِي الزَّرْعِ حَتَّى يَتِمَّ طِيبُهُ لِأَنَّ الثِّمَارَ تُؤْكَلُ غَالِبًا مِنْ أَوَّلِ الطِّيبِ وَالزَّرْعُ لَا يُؤْكَلُ غَالِبًا إِلَّا بَعْدَ الطِّيبِ. (قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِصَاحِبِهِ: لَيْسَ عِنْدِي طَعَامٌ فَبِعْنِي الطَّعَامَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ إِلَى أَجَلٍ فَيَقُولُ صَاحِبُ الطَّعَامِ هَذَا لَا يَصْلُحُ) لَا يَجُوزُ (لِأَنَّهُ قَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى» ) أَيْ يُقْبَضَ (فَيَقُولُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِغَرِيمِهِ: فَبِعْنِي طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ حَتَّى أَقْضِيَكَهُ، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِيهِ طَعَامًا ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَيْهِ فَيَصِيرُ الذَّهَبُ الَّذِي أَعْطَاهُ ثَمَنَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُ الطَّعَامُ الَّذِي أَعْطَاهُ مُحَلَّلًا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ ذَلِكَ إِذَا فَعَلَاهُ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى) فَلَمْ يَخْرُجَا عَنِ النَّهْيِ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ ابْتَاعَهُ مِنْهُ وَلِغَرِيمِهِ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ مِثْلُ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِغَرِيمِهِ: أُحِيلُكَ عَلَى غَرِيمٍ لِي عَلَيْهِ مِثْلُ الطَّعَامِ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ بِطَعَامِكَ) مُتَعَلِّقٌ بِأُحِيلُكَ (الَّذِي لَكَ عَلَيَّ، قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ إِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ ابْتَاعَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُحِيلَ غَرِيمَهُ بِطَعَامٍ ابْتَاعَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ) لَا يَجُوزُ مِنَ الصَّلَاحِ ضِدُّ الْفَسَادِ (وَذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى) فَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 (فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ سَلَفًا حَالًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحِيلَ بِهِ غَرِيمَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ) كَمَا مَرَّ مُسْنَدًا. (غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدِ اجْتَمَعُوا) أَيِ اتَّفَقُوا (عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرْكِ) التَّشْرِيكُ لِغَيْرِهِ فِي بَعْضِ مَا اشْتَرَاهُ (وَالتَّوْلِيَةِ) لِمَا اشْتَرَاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ (وَالْإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ أَنْزَلُوهُ) أَيِ الْمَذْكُورَ مِنَ الثَّلَاثِ (عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ) فَأَجَازُوا ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الطَّعَامِ (وَلَمْ يُنْزِلُوهُ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ) لِأَنَّهُ كَانَ يَمْتَنِعُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِقَالَةَ حِلُّ بَيْعٍ لَا بَيْعٌ، وَمَرَّ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَهُمَا قَوْلَانِ. (وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يُسَلِّفُ الدَّرَاهِمَ النُّقَّصَ فَيُقْضَى دَرَاهِمَ وَازِنَةً فِيهَا فَضْلٌ) زِيَادَةٌ (فَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ حُسْنُ قَضَاءٍ (وَيَجُوزُ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَقْوِيَةً (وَلَوِ اشْتَرَى دَرَاهِمَ نُقَّصًا بِوَازِنَةٍ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ) لِرِبَا الْفَضْلِ (وَلَوِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ حِينَ أَسْلَفَهُ وَازِنَةً وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ نُقَّصًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ) لِلشَّرْطِ وَهُوَ عَيْنُ الرِّبَا (وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَأَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ» ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا. (وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ بَيْعٌ عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ وَالتِّجَارَةِ وَأَنَّ بَيْعَ الْعَرَايَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا مُكَايَسَةَ فِيهِ) أَيْ مُغَالَبَةَ. (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ طَعَامًا بِرُبْعٍ أَوْ بِثُلُثٍ أَوْ كِسْرٍ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ السِّينِ أَيْ قِطْعَةٍ (مِنْ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْطَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 بِذَلِكَ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ طَعَامًا بِكِسْرٍ) قِطْعَةٍ (مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ يُعْطَى دِرْهَمًا وَيَأْخُذُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنَ السِّلَعِ لِأَنَّهُ أَعْطَى الْكِسْرَ) الْقِطْعَةَ (الَّذِي عَلَيْهِ فِضَّةً وَأَخَذَ بِبَقِيَّتِهِ سِلْعَةً فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا صَفْقَتَانِ لَمْ يَدْخُلْهُمَا شَيْءٌ يُمْنَعُ. (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ دِرْهَمًا ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِرُبْعٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ بِكِسْرٍ مَعْلُومٍ سِلْعَةً مَعْلُومَةً فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سِعْرٌ مَعْلُومٌ وَقَالَ الرَّجُلُ آخُذُ مِنْكَ بِسِعْرِ كُلِّ يَوْمٍ فَهَذَا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ غَرَرٌ يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ مَرَّةً وَلَمْ يَفْتَرِقَا عَلَى بَيْعٍ مَعْلُومٍ) بَيَانٌ لِلْغَرَرِ لِلْجَهْلِ بِمَا يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ سِعْرَهُ لِخَفْضِ السِّعْرِ وَارْتِفَاعِهِ. (وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا جِزَافًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ وَذَلِكَ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَارَ ذَلِكَ إِلَى الْمُزَابَنَةِ وَإِلَى مَا يُكْرَهُ) أَيْ يُمْنَعُ (فَلَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ وَ) هُوَ (لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ إِلَّا الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ) وَمُرَادُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ زِيَادَةُ الْإِيضَاحِ وَالْبَيَانِ (وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا جَازَ أَنْ يُسْتَثْنَى جَازَ أَنْ يُشْتَرَى وَهُوَ الثُّلُثُ فَأَقَلُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 [بَاب الْحُكْرَةِ وَالتَّرَبُّصِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا حُكْرَةَ فِي سُوقِنَا لَا يَعْمِدُ رِجَالٌ بِأَيْدِيهِمْ فُضُولٌ مِنْ أَذْهَابٍ إِلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ نَزَلَ بِسَاحَتِنَا فَيَحْتَكِرُونَهُ عَلَيْنَا وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٍ جَلَبَ عَلَى عَمُودِ كَبِدِهِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَذَلِكَ ضَيْفُ عُمَرَ فَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ وَلْيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ.   24 - بَابُ الْحُكْرَةِ وَالتَّرَبُّصِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ اسْمٌ مِنَ احْتَكَرَ الطَّعَامَ إِذَا حَبَسَهُ إِرَادَةً لِلْغَلَاءِ، وَالْحَكَرُ بِفَتْحَتَيْنِ وَإِسْكَانِ الثَّانِي لُغَةً بِمَعْنَاهُ، وَالتَّرَبُّصُ الِانْتِظَارُ فَكَأَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ. 1352 - 1337 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا حُكْرَةَ فِي سُوقِنَا لَا يَعْمِدُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ يَقْصِدُ (رِجَالٌ بِأَيْدِيهِمْ فُضُولٌ) زِيَادَاتٌ عَنْ أَقْوَاتِهِمْ (مِنْ أَذْهَابٍ) جَمْعُ ذَهَبٍ كَأَسْبَابٍ وَسَبَبٍ (إِلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ نَزَلَ بِسَاحَتِنَا فَيَحْتَكِرُونَهُ عَلَيْنَا) يَحْبِسُونَهُ عَنَّا إِلَى أَنْ يَغْلُوَ السِّعْرُ (وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٍ جَلَبَ عَلَى عَمُودِ كَبِدِهِ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ تَبَعًا لِلْهَرَوِيِّ: أَرَادَ بِهِ ظَهْرَهُ لِأَنَّهُ يُمْسِكُ الْبَطْنَ وَيُقَوِّيهِ فَصَارَ كَالْعَمُودِ لَهُ، وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ عَلَى تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ عَلَى ظَهْرِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: يُرِيدُ بِكَبِدِهِ الْحَامِلَةَ لِأَنَّ الْجَالِبَ إِنَّمَا يَحْمِلُ عَلَى دَوَابِّهِ لَا عَلَى ظَهْرِهِ (فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) قَالَ عِيسَى: يَعْنِي فِي قَلْبِ الشِّتَاءِ وَشِدَّةِ بَرْدِهِ وَقَلْبِ الصَّيْفِ وَشِدَّةِ حَرِّهِ (فَذَلِكَ ضَيْفُ) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ (عُمَرَ) لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي إِمْسَاكِ مَا جَلَبَ (فَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ وَلْيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ) لِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنِ الْجَلْبِ، فَإِنْ نَزَلَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَ غَيْرِهِ جُبِرَ عَلَى بَيْعِهِ بِسِعْرِ الْوَقْتِ لِرَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ النَّاسِ قَالَهُ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ. الحديث: 1352 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَهُوَ يَبِيعُ زَبِيبًا لَهُ بِالسُّوقِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ وَإِمَّا أَنْ تُرْفَعَ مِنْ سُوقِنَا   1352 - 1338 - (مَالِكٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ) بْنِ حِمَاسٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ فَأَلِفٍ فَمُهْمَلَةٍ، قَالَ ابْنُ حَبَّانَ: ثِقَةٌ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمَحَ مَرَّةً امْرَأَةً فَدَعَا اللَّهَ فَأَذْهَبَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ فَرَدَّهُمَا عَلَيْهِ. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُهْمَلَةِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ اللَّخْمِيِّ حَلِيفِ بَنِي أَسَدٍ شَهِدَ بَدَرًا اتِّفَاقًا وَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَلَاثِينَ عَنْ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً (وَهُوَ يَبِيعُ زَبِيبًا لَهُ بِالسُّوقِ) بِأَرْخَصَ مِمَّا يَبِيعُ النَّاسُ (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ) بِأَنْ تَبِيعَ بِمِثْلِ مَا يَبِيعُ أَهْلُ السُّوقِ (وَإِمَّا أَنْ تُرْفَعَ مِنْ سُوقِنَا) لِئَلَّا تَضُرَّ بِأَهْلِ السُّوقِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ لَيْسَ لَهُمُ الْبَيْعُ بِأَرْخَصَ مِمَّا يَبِيعُ أَهْلُ السُّوقِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَقَالَ بِذَلِكَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ إِذْ لَا يُلَامُ أَحَدٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِي الْبَيْعِ وَالْحَطِيطَةِ فِيهِ، بَلْ يُشْكَرُ عَلَى ذَلِكَ إِنْ فَعَلَهُ لِوَجْهِ النَّاسِ، وَيُؤْجَرُ إِنْ فَعَلَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْحُكْرَةِ   1352 - 1339 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَنْهَى عَنِ الْحُكْرَةِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا فَهُوَ خَاطِئٌ» " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مَعْمَرٍ أَيْضًا مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: " «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» " وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عُمَرَ. وَلَهُ وَلِلْحَاكِمِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 [بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَالسَّلَفِ فِيهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بَاعَ جَمَلًا لَهُ يُدْعَى عُصَيْفِيرًا بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إِلَى أَجَلٍ   25 - بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَالسَّلَفِ فِيهِ 1354 - 1340 - (مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ) الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ (عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ وَأَبُوهُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ (أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بَاعَ جَمَلًا لَهُ يُدْعَى عُصَيْفِيرًا) بِلَفْظِ تَصْغِيرِ عُصْفُورٍ (بِعِشْرِينَ بَعِيرًا) صِغَارًا (إِلَى أَجَلٍ) لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ. الحديث: 1354 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ   1355 - 1341 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اشْتَرَى رَاحِلَةً) مَرْكَبًا مِنَ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَقِيلَ هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ أَنْ تُرْحَلَ وَجَمْعُهَا رَوَاحِلُ (بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ) جَمْعُ بَعِيرٍ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (مَضْمُونَةٍ) عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ (يُوَفِّيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَرْيَةٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ. الحديث: 1355 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا بَأْسَ بِالْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ الْجَمَلُ بِالْجَمَلِ يَدًا بِيَدٍ وَالدَّرَاهِمُ إِلَى أَجَلٍ قَالَ وَلَا خَيْرَ فِي الْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ الدَّرَاهِمُ نَقْدًا وَالْجَمَلُ إِلَى أَجَلٍ وَإِنْ أَخَّرْتَ الْجَمَلَ وَالدَّرَاهِمَ لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الْبَعِيرَ النَّجِيبَ بِالْبَعِيرَيْنِ أَوْ بِالْأَبْعِرَةِ مِنْ الْحَمُولَةِ مِنْ مَاشِيَةِ الْإِبِلِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَعَمٍ وَاحِدَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ إِذَا اخْتَلَفَتْ فَبَانَ اخْتِلَافُهَا وَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُهَا بَعْضًا وَاخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَفَاضُلٌ فِي نَجَابَةٍ وَلَا رِحْلَةٍ فَإِذَا كَانَ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ فَلَا يُشْتَرَى مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ إِذَا انْتَقَدْتَ ثَمَنَهُ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ سَلَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَوَصَفَهُ وَحَلَّاهُ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ لَازِمٌ لِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ عَلَى مَا وَصَفَا وَحَلَّيَا وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ الْجَائِزِ بَيْنَهُمْ وَالَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا   1356 - 1342 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْجَمَلِ) ذَكَرُ الْإِبِلِ (بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَا سَلَفَ فِيهِ (وَلَا بَأْسَ بِالْجَمَلِ) أَيْ بَيْعِهِ (بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ الْجَمَلُ بِالْجَمَلِ يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُسْتَقِلٌّ (وَالدَّرَاهِمُ إِلَى أَجَلٍ وَلَا خَيْرَ فِي الْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ الدَّرَاهِمُ نَقْدًا وَالْجَمَلُ إِلَى أَجَلٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ (وَإِنْ أَخَّرْتَ الْجَمَلَ وَالدَّرَاهِمَ فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا) أَيْ لَا يَجُوزُ. (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبْتَاعَ الْبَعِيرَ النَّجِيبَ) بِجِيمٍ وَزْنُ كِرِيمٍ وَمَعْنَاهُ (بِالْبَعِيرَيْنِ أَوْ بِالْأَبْعِرَةِ مِنَ الْحَمُولَةِ) بِالْفَتْحِ الْجَمَاعَةُ (مِنْ حَاشِيَةِ الْإِبِلِ) أَيْ دُونَهَا (وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَعَمٍ وَاحِدَةٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُشْتَرَى مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ إِذَا اخْتَلَفَتْ فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا) ظَهَرَ (وَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُهَا الحديث: 1356 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 بَعْضًا وَاخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ وَتَفْسِيرُ) أَيْ بَيَانُ (مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَفَاضُلٌ فِي نَجَابَةٍ وَلَا رِحْلَةٍ) أَيْ حَمْلٍ. (فَإِنْ كَانَ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ فَلَا يُشْتَرَى مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ) وَوَجْهُ تَفْرِقَتِهِ هَذِهِ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ يُصَيِّرُ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ، وَيَتَّضِحُ مَعَهُ أَنَّ الْقَصْدَ بِالْمُبَايَعَةِ حُصُولُ النَّفْعِ وَالْغَرَضِ لَا الزِّيَادَةُ فِي السَّلَفِ، وَأَيْضًا فَمَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَيْسَ الْقَصْدُ إِلَّا الْمَنَافِعَ لِأَنَّهَا الَّتِي تُمْلَكُ وَأَمَّا الذَّوَاتُ فَلَا يَمْلِكُهَا إِلَّا خَالِقُهَا وَإِنْ كَانَتِ الْمَنَافِعُ هِيَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ دَابَّةِ الْحَمْلِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ آخَرَ مِنْ جِنْسِهَا الْجَرْيُ صَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ دَابَّةٍ وَثَوْبٍ، فَإِنِ اتَّفَقَتْ مَنَافِعُ الْجِنْسِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ إِنْ قَدَّمَ الْأَقَلَّ سَلَّفَ بِزِيَادَةٍ وَإِنْ قَدَّمَ الْأَكْثَرَ فَضَمَانٌ يُجْعَلُ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَجَلٍ وَسَلَّفَهُ لِيَنْتَفِعَ بِالضَّمَانِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَلَوْ تَحَقَّقَ السَّلَفُ دُونَ مَنْفَعَةٍ لَا مُحَقَّقَةٍ وَلَا مُقَدَّرَةٍ جَازَ قَالَهُ عِيَاضٌ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» " فَتَعَلَّقَ بِهِ الْحَنَفِيُّ وَالْحَنْبَلِيُّ فَمَنَعُوا بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ وَجَعَلُوهُ نَاسِخًا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا» " وَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى مُتَّحِدِ الْجِنْسِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَرْجَحُ إِذْ لَا يَثْبُتُ النَّسْخُ بِالِاحْتِمَالِ. (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ) لِاخْتِصَاصِ النَّهْيِ بِالطَّعَامِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْأَحَادِيثِ (إِذَا انْتَقَدْتَ ثَمَنَهُ) لَا بِمُؤَجَّلٍ. (وَمَنْ سَلَّفَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَوَصَفَهُ وَحَلَّاهُ) أَيْ وَصَفَهُ فَالْعَطْفُ مُسَاوٍ (وَنَقَدَ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ لَازِمٌ لِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ عَلَى مَا وَصَفَا وَحَلَّيَا وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ الْجَائِزِ بَيْنَهُمْ وَالَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) الْمَدِينَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 [بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا   26 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ 1357 - 1343 - « (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى) نَهْيَ تَحْرِيمٍ (عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ) » بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ فِيهِمَا إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ مَصْدَرُ حَبِلَتِ الْمَرْأَةُ وَالثَّانِيَ اسْمٌ جَمْعُ حَابِلٍ كَظَالِمٍ وَظَلَمَةٍ وَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ جَمْعُ حَابِلَةٍ. ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: التَّاءُ فِي الْحَبَلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ: شَجَرَةُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْحَبَلُ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِهِنَّ مِنَ الْحَيَوَانِ إِلَّا حَمْلٌ إِلَّا مَا فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِسُكُونِ الْبَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ غَلَطٌ قَالَهُ عِيَاضٌ. (وَكَانَ) بَيْعُ الْحَبَلَةِ (بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ) مِنْهُمْ (يَبْتَاعُ الْجَزُورَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّ الزَّايِ وَهُوَ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (إِلَى أَنْ تُنْتَجَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَيْ تَلِدَ، وَهُوَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَمْ تُسْمَعْ إِلَّا مَبْنِيَّةً لِلْمَفْعُولِ نَحْوُ: جُنَّ وَزُهِيَ عَلَيْنَا أَيْ تَكَبَّرَ (النَّاقَةُ) مَرْفُوعًا بِإِسْنَادِ تُنْتَجَ إِلَيْهَا أَيْ تَضَعَ وَلَدَهَا، فَوَلَدُهَا نِتَاجٌ بِكَسْرِ النُّونِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ (ثُمَّ يُنْتَجَ الَّذِي فِي بَطْنِهَا) أَيْ ثُمَّ تَعِيشَ الْمَوْلُودَةُ حَتَّى تَكْبُرَ ثُمَّ تَلِدُ، وَعِلَّةُ النَّهْيِ مَا فِي الْأَجَلِ مِنَ الْغَرَرِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لَحْمَ الْجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تَحْمَلَ الَّتِي نَتَجَتْ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» " وَبِهِ فَسَّرَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقِيلَ هُوَ بَيْعُ وَلَدِ وَلَدِ النَّاقَةِ الْحَامِلِ فِي الْحَالِ بِأَنْ يَقُولَ: إِذَا نُتِجَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ ثُمَّ نُتِجَتِ الَّتِي فِي بَطْنِهَا فَقَدْ بِعْتُكَ وَلَدَهَا، فَنَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَلَا مَعْلُومٍ وَلَا مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَهُوَ غَرَرٌ، وَبِهِ فَسَّرَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى اللَّفْظِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ ابْنِ عُمَرَ، وَلَيْسَ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ فَإِنَّ ذَاكَ هُوَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالنَّهْيُ وَارِدٌ عَلَيْهِ، وَمَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ تَقْدِيمُ تَفْسِيرِ الرَّاوِي إِذَا لَمْ يُخَالِفِ الظَّاهِرَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قِيلَ تَفْسِيرُهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَكَيْفَ يُقَالُ إِذَا لَمْ يُخَالِفِ الظَّاهِرَ؟ وَأَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّاهِرِ الْوَاقِعُ، فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِهَذَا الْأَجَلِ فَلَيْسَ التَّفْسِيرُ حَلًّا لِلَّفْظِ بَلْ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ، وَمُحَصِّلُ هَذَا الْخِلَافِ كَمَا الحديث: 1357 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 قَالَ ابْنُ التِّينِ هَلِ الْمُرَادُ الْبَيْعُ إِلَى أَجَلٍ أَوْ بَيْعُ الْجَنِينِ؟ وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلِ الْمُرَادُ بِالْأَجَلِ وِلَادَةُ الْأُمِّ أَوْ وِلَادَةُ وَلَدِهَا؟ وَعَلَى الثَّانِي هَلِ الْمُرَادُ بَيْعُ الْجَنِينِ الْأَوَّلِ أَوْ بَيْعُ جَنِينِ الْجَنِينِ؟ فَصَارَتْ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ اهـ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ عِنْدِي بَيْعُ حَبَلِ الْكَرْمَةِ وَالْحَبَلَةُ الْكَرْمَةُ لِأَنَّهَا تَحْبَلُ بِالْعِنَبِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: " «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ» " وَيَكُونُ هَذَا أَصْلًا فِي مَنْعِ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهُوَ غَرِيبٌ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِدُونِ ذِكْرِ التَّفْسِيرِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ كَمَا عُلِمَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ لَا رِبًا فِي الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا نُهِيَ مِنْ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَالْمَضَامِينُ بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ إِنَاثِ الْإِبِلِ وَالْمَلَاقِيحُ بَيْعُ مَا فِي ظُهُورِ الْجِمَالِ قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِعَيْنِهِ إِذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ وَرَضِيَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَهُ لَا قَرِيبًا وَلَا بَعِيدًا قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَنْتَفِعُ بِالثَّمَنِ وَلَا يُدْرَى هَلْ تُوجَدُ تِلْكَ السِّلْعَةُ عَلَى مَا رَآهَا الْمُبْتَاعُ أَمْ لَا فَلِذَلِكَ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ مَضْمُونًا مَوْصُوفًا   1358 - 1344 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَا رِبًا فِي الْحَيَوَانِ) الْمُخْتَلِفِ جِنْسُهُ كَمُتَّحِدٍّ وَبِيعَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ بِيعَ إِلَى أَجَلٍ وَاخْتَلَفَتْ صِفَاتُهُ جَازَ وَإِلَّا مُنِعَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ أَنْ يُعْطِيَ بَعِيرًا فِي بَعِيرَيْنِ إِلَى أَجَلٍ» فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ حُرْمَةِ الرِّبَا. وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى مُخْتَلِفِ الصِّفَةِ وَالْمَنَافِعِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ اتَّفَقَتِ الصِّفَاتُ أَوِ اخْتَلَفَتْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] (الْبَقَرَةُ: الْآيَةُ 275) وَالرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ. (وَإِنَّمَا نُهِيَ مِنَ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: الْمَضَامِينِ) جَمْعُ مَضْمُونٍ يُقَالُ ضَمِنَ الشَّيْءَ بِمَعْنَى يَضْمَنُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَضْمُونُ الْكِتَابِ كَذَا وَكَذَا. (وَالْمَلَاقِيحِ) جَمْعُ مَلْقُوحٍ (وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ) وَهَذَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ» " وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ. (وَالْمَضَامِينُ بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ إِنَاثِ الْإِبِلِ) لِأَنَّ الْبَطْنَ قَدْ ضَمِنَ مَا فِيهِ (وَالْمَلَاقِيحُ بَيْعُ مَا فِي ظُهُورِ الْجِمَالِ) جَمْعُ جَمَلٍ، ذَكَرُ الْإِبِلِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُلَقِّحُ النَّاقَةَ، وَلِذَا سُمِّيَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي يُلَقَّحُ بِهَا الثِّمَارُ فَحْلًا. وَوَافَقَ الْإِمَامَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ، وَعَكْسُهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَقَالَ: الْمَضَامِينُ مَا فِي الظُّهُورِ، وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي الْبُطُونِ، وَزَعَمَ أَنَّ تَفْسِيرَ مَالِكٍ مَقْلُوبٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مَالِكًا أَعْلَمُ مِنْهُ بِاللُّغَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ بِعَيْنِهِ) أَيِ الحديث: 1358 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 الْمُعَيَّنِ كَجَمَلٍ وَحِصَانٍ مُعَيَّنَيْنِ (إِذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ وَرَضِيَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَهُ لَا قَرِيبًا وَلَا بَعِيدًا) قَيْدٌ فِي الْمَنْعِ وَجَوَّزَ فِي الْمُدَوَّنَةِ النَّقْدَ فِيمَا قَرُبَ لِأَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ بِخِلَافِ الْبَعِيدِ فَيُخْشَى دُخُولُ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَهُوَ غَرَرٌ. (وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَنْتَفِعُ بِالثَّمَنِ وَلَا يَدْرِي هَلْ تُوجَدُ تِلْكَ السِّلْعَةُ عَلَى مَا رَآهَا الْمُبْتَاعُ أَمْ لَا فَلِذَلِكَ كُرِهَ ذَلِكَ) لِتَرَدُّدِ الثَّمَنِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ (وَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ مَضْمُونًا مَوْصُوفًا) مَفْهُومُ قَوْلِهِ أَوَّلًا بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَهُ لِزَوَالِ عِلَّةِ التَّرَدُّدِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 [بَاب بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ»   27 - بَابُ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ 1359 - 1345 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ» ) نَهْيَ تَحْرِيمٍ لِلتَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَهُوَ مِنَ الْمُزَابَنَةِ، إِذْ لَا يُدْرَى هَلْ فِي الْحَيَوَانِ مِثْلُ اللَّحْمِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُهُ يَتَّصِلُ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ وَأَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ مُرْسَلُ سَعِيدٍ هَذَا، وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ. وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَهَذَا إِسْنَادٌ مَوْضُوعٌ لَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي حَدِيثِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ مَالِكٍ بِهِ مُرْسَلًا وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَلَهُ شَاهِدٌ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. الحديث: 1359 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ مِنْ مَيْسِرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ   1360 - 1346 - (مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ (أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ الحديث: 1360 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 يَقُولُ: مِنْ مَيْسِرِ) أَيْ قِمَارِ (أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا مِنَ الْقِمَارِ وَالْمُزَابَنَةِ لِقَوْلِهِ مَيْسِرِ وَهُوَ الْقِمَارُ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: إِنَّمَا دَخَلَ ذَلِكَ فِي الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ لَهُ مِنْ جُزُرِهِ أَوْ شَاتِهِ الْمُعَيَّنَةِ أَرْطَالًا فَمَا زَادَ فَلَهُ وَمَا نَقَصَ فَعَلَيْهِ كَانَ هُوَ الْمُزَابَنَةَ، فَلَمَّا مُنِعَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزِ اشْتِرَاءُ الْجَزُورِ وَلَا الشَّاةِ بِلَحْمٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ فَقُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا اشْتَرَى شَارِفًا بِعَشَرَةِ شِيَاهٍ فَقَالَ سَعِيدٌ إِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا لِيَنْحَرَهَا فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ النَّاسِ يَنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ وَكَانَ ذَلِكَ يُكْتَبُ فِي عُهُودِ الْعُمَّالِ فِي زَمَانِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَهِشَامِ بْنِ إِسْمَعِيلَ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ   1361 - 1347 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ» ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِلْعِلْمِ بِالنَّاهِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ ابْنُ الزِّنَادِ: فَقُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا) أَيْ أَخْبِرْنِي الْحُكْمَ عَنْ رَجُلٍ (اشْتَرَى شَارِفًا) بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَأَلِفٍ وَرَاءٍ وَفَاءٍ: الْمُسِنَّةُ مِنَ النُّوقِ وَالْجَمْعُ الشُّرُفُ مِثْلُ بَازِلٍ وَبُزُلٍ (بِعَشْرِ شِيَاهٍ فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا لِيَنْحَرَهَا فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ) أَيْ لَا يَجُوزُ إِذْ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِلَحْمٍ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ نَحْرَهَا جَازَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ اشْتَرَى حَيَوَانًا بِحَيَوَانٍ فَوَكَّلَ إِلَى نِيَّتِهِ وَأَمَانَتِهِ قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي. (قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنَ النَّاسِ يَنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ وَكَانَ ذَلِكَ يُكْتَبُ فِي عُهُودِ الْعُمَّالِ) جَمْعُ عَامِلٍ (فِي زَمَانِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَان) بْنِ عَفَّانَ (وَهِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ) الْمَخْزُومِيِّ (يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ) فَيَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ. الحديث: 1361 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 [بَاب بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْوُحُوشِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ إِذَا تَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ الْحِيتَانِ بِلَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْوُحُوشِ كُلِّهَا اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَرَى لُحُومَ الطَّيْرِ كُلَّهَا مُخَالِفَةً لِلُحُومِ الْأَنْعَامِ وَالْحِيتَانِ فَلَا أَرَى بَأْسًا بِأَنْ يُشْتَرَى بَعْضُ ذَلِكَ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَجَلٍ   28 - بَابُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَمَا أَشْبَهَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 ذَلِكَ مِنَ الْوُحُوشِ) كَالظِّبَاءِ وَالْمَهَا (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ (يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً (وَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ إِذَا تَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا بَأَسَ بِلَحْمِ الْحِيتَانِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْوُحُوشِ كُلِّهَا اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) لِرِبَا النَّسَاءِ. (وَأَرَى لُحُومَ الطَّيْرِ كُلَّهَا مُخَالِفَةً لِلُحُومِ الْأَنْعَامِ وَالْحِيتَانِ فَلَا أَرَى بَأْسًا بِأَنْ يُشْتَرَى بَعْضُ ذَلِكَ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا) لِاخْتِلَافِ الصِّنْفِ (يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَجَلٍ) لِرِبَا النَّسَاءِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 [بَاب مَا جَاءَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» يَعْنِي بِمَهْرِ الْبَغِيِّ مَا تُعْطَاهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ رَشْوَتُهُ وَمَا يُعْطَى عَلَى أَنْ يَتَكَهَّنَ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ ثَمَنَ الْكَلْبِ الضَّارِي وَغَيْرِ الضَّارِي لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ   29 - بَابُ مَا جَاءَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ - 1363 1348 (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ الْفَقِيهِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ اسْمُهُ الْمُغِيرَةُ وَلَا يَصِحُّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ رَاهِبُ قُرَيْشٍ لِكَثْرَةِ صَلَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ لَا يُفْطِرُ، مَاتَ فَجْأَةً بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ. (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ) عُقْبَةَ بِالْقَافِ ابْنِ عَمْرٍو (الْأَنْصَارِيِّ) يُعْرَفُ بِالْبَدْرِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ بَدْرًا، وَاخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ بَدْرًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَعَ فِي نُسْخَةِ يَحْيَى وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ بِالْوَاوِ وَهُوَ وَهْمٌ بَيِّنٌ وَغَلَطٌ وَاضِحٌ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 يُعَرَّجُ عَلَى مِثْلِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ خَطَأِ الْيَدِ وَسُوءِ النَّقْلِ وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ فِي جَمِيعِ الْمُوَطَّآتِ وَرَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ كُلُّهُمْ لِأَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَمَّا لِابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ فَلَا. ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» ) الْمَنْهِيِّ عَنِ اتِّخَاذِهِ اتِّفَاقًا لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ وَعَنْ بَيْعِهِ وَالْأَمْرِ بِقَتْلِهِ، وَمَنْ لَا ثَمَنَ لَهُ لَا قِيمَةَ لَهُ إِذَا قُتِلَ، وَالْمَأْذُونُ فِي اتِّخَاذِهِ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِلْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ إِبَاحَةَ الْمَنْفَعَةِ لَا تُبِيحُ الْمَبِيعَ كَأُمِّ الْوَلَدِ يُنْتَفَعُ بِهَا وَلَا تُبَاعُ، وَعِلَّةُ الْمَنْعِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ كَالشَّافِعِيِّ نَجَاسَتُهُ فَلَا يُبَاعُ مُطْلَقًا كَمَا لَا تُبَاعُ الْعَذِرَةُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يَجُوزُ بَيْعُ الْكِلَابِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا حَتَّى قَالَ سَحْنُونٌ: أَبِيعُهُ وَأَحُجُّ بِثَمَنِهِ، وَحَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ لِحَدِيثِ النَّسَائِيِّ عَنْ جَابِرٍ: " «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ» " لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. (وَمَهْرِ الْبَغِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ. (وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَصْدَرُ حَلَوْتُهُ إِذَا أَعْطَيْتَهُ، إِلَى هُنَا الْحَدِيثُ، وَفَسَّرَهُ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ: (يَعْنِي بِمَهْرِ الْبَغِيِّ مَا تُعْطَاهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَى) وَهُوَ حَرَامٌ إِجْمَاعًا وَسُمِّيَ مَهْرًا لِشَبَهِهِ بِالْمَهْرِ فِي الصُّورَةِ. (وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) رِشَوْتُهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا. (وَ) هِيَ (مَا يُعْطَى عَلَى أَنْ يَتَكَهَّنَ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَلَاوَةِ شَبَّهَ مَا يُعْطَى الْكَاهِنُ بِشَيْءٍ حُلْوٍ لِأَخْذِهِ إِيَّاهُ سَهْلًا دُونَ كُلْفَةٍ، يُقَالُ: حَلَوْتُ الرَّجُلَ إِذَا أَطْعَمْتَهُ الْحُلْوَ، وَعَسَلْتُهُ إِذَا أَطْعَمْتَهُ الْعَسَلَ، وَالْحُلْوُ أَيْضًا الرِّشْوَةُ وَالْحُلْوَانُ فِي غَيْرِ هَذَا مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَهْرِ ابْنَتِهِ وَهُوَ عَيْبٌ عِنْدَ النِّسَاءِ، قَالَتِ امْرَأَةٌ تَمْدَحُ زَوْجَهَا: لَا يَأْخُذُ الْحُلْوَانَ مِنْ بَنَاتِنَا. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى حُرْمَةِ مَا يَأْخُذُهُ الْكَاهِنُ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ كَذِبٌ كُلُّهُ، قَالَ تَعَالَى: {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 222] (سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: الْآيَةُ 222) وَهُوَ مَنْ أَكَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْكَاهِنُ الَّذِي يَدَّعِي مُطَالَعَةَ عِلْمِ الْغَيْبِ وَيُخْبِرُ النَّاسَ عَنِ الْكَوَائِنِ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ مَعْرِفَةَ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ تَابِعًا مِنَ الْجِنِّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ يُدْرِكُ الْأُمُورَ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْأُمُورَ بِمُقَدِّمَاتٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا كَالشَّيْءِ يُسْرَقُ فَيَعْرِفُ الْمَظْنُونَ بِهِ السَّرِقَةُ، وَالْمَرْأَةِ تُتَّهَمُ فَيَعْرِفُ مَنْ صَاحِبُهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا، وَالْحَدِيثُ شَامِلٌ لِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَفِي الْإِجَارَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمُسْلِمٌ فِي الْبَيْعِ عَنْ يَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَاللَّيْثُ فِي مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. (قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ ثَمَنَ الْكَلْبِ الضَّارِي) الْمُجْتَرِئِ الْمُولَعِ بِالصَّيْدِ (وَغَيْرِ الضَّارِي لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ) وَأَطْلَقَ فَشَمِلَهُمَا، وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ عَنْهُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ فِي الْمِيرَاثِ وَالْمَغَانِمِ وَالدَّيْنِ أَوْ عَلَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ الْمُعْتَمَدُ فِي مَذْهَبِهِ، خِلَافًا لِتَشْهِيرِ بَعْضِهِمْ كَالْقُرْطُبِيِّ فِي الْمُفْهِمِ الْكَرَاهَةَ، وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ قَتَلَ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةً أَوْ زَرْعًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَمَنْ قَتَلَ مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَسْقَطَهَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِيهِمَا وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 [بَاب السَّلَفِ وَبَيْعِ الْعُرُوضِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ آخُذُ سِلْعَتَكَ بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تُسْلِفَنِي كَذَا وَكَذَا فَإِنْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنْ تَرَكَ الَّذِي اشْتَرَطَ السَّلَفَ مَا اشْتَرَطَ مِنْهُ كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ جَائِزًا قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى الثَّوْبُ مِنْ الْكَتَّانِ أَوْ الشَّطَوِيِّ أَوْ الْقَصَبِيِّ بِالْأَثْوَابِ مِنَ الْإِتْرِيبِيِّ أَوْ الْقَسِّيِّ أَوْ الزِّيقَةِ أَوْ الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ أَوْ الْمَرْوِيِّ بِالْمَلَاحِفِ الْيَمَانِيَّةِ وَالشَّقَائِقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ بِالْاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ يَدًا بِيَدٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ نَسِيئَةٌ فَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَصْلُحُ حَتَّى يَخْتَلِفَ فَيَبِينَ اخْتِلَافُهُ فَإِذَا أَشْبَهَ بَعْضُ ذَلِكَ بَعْضًا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ وَذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَيْنِ مِنْ الْهَرَوِيِّ بِالثَّوْبِ مِنْ الْمَرْوِيِّ أَوْ الْقُوهِيِّ إِلَى أَجَلٍ أَوْ يَأْخُذَ الثَّوْبَيْنِ مِنْ الْفُرْقُبِيِّ بِالثَّوْبِ مِنْ الشَّطَوِيِّ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يُشْتَرَى مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ إِذَا انْتَقَدْتَ ثَمَنَهُ   30 - بَابُ السَّلَفِ وَبَيْعِ الْعُرُوضِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ 1349 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» ) مُجْتَمِعَيْنِ لِتُهْمَةِ الرِّبَا، وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهِ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ بِزِيَادَةٍ «وَشَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، وَرِبْحِ مَا لَمْ تَضْمَنْ» . (قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: آخُذُ سِلْعَتَكَ بِكَذَا عَلَى أَنْ تُسَلِّفَنِي كَذَا وَكَذَا فَإِنْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ) أَيْ حَرَامٌ لِاتِّهَامِهِمَا عَلَى قَصْدِ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ، فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ دَافِعَ السَّلَفِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ السِّلْعَةِ وَالِانْتِفَاعِ بِالسَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِيَ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ السِّلْعَةَ بِمَا دَفَعَهُ مِنَ الثَّمَنِ بِالِانْتِفَاعِ بِالسَّلَفِ. (فَإِنْ تَرَكَ الَّذِي اشْتَرَطَ السَّلَفَ) مَعَ الْبَيْعِ (مَا اشْتَرَطَ مِنْهُ) أَيِ السَّلَفَ (كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ جَائِزًا) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى الثَّوْبُ مِنَ الْكَتَّانِ أَوِ الشَّطَوِيِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ نِسْبَةً إِلَى شَطَا قَرْيَةٌ بِأَرْضِ مِصْرَ (أَوِ الْقَصَبِيِّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَةٍ قَالَ الْمَجْدُ: الْقَصَبُ ثِيَابٌ نَاعِمَةٌ مِنْ كَتَّانٍ الْوَاحِدَةُ قَصَبِيٌّ (بِالْأَثْوَابِ مِنَ الْإِتْرِيبِيِّ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ وَرَاءٍ فَتَحْتِيَّةٍ فَمُوَحَّدَةٍ ثِيَابٌ تُعْمَلُ بِإِتْرِيبَ قَرْيَةٌ مِنْ مِصْرَ. (أَوِ الْقَسِّيِّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ وَبِالْيَاءِ نَوْعٌ مِنَ الثِّيَابِ فِيهِ خُطُوطٌ مِنْ حَرِيرٍ مَنْسُوبَةٌ إِلَى قَسَّ قَرْيَةٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ. (أَوِ الزِّيقَةِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَاءِ تَأْنِيثٍ نِسْبَةً إِلَى زِيقَ مَحَلَّةٌ بِنَيْسَابُورَ، وَقَالَ الْبَوْنِيُّ: ثِيَابٌ تُعْمَلُ بِالصَّعِيدِ غِلَاظٌ رَدِيَّةٌ، وَنَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ. (أَوِ الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ) بِفَتْحَتَيْنِ نِسْبَةً إِلَى هَرَاةَ مَدِينَةٍ بِخُرَاسَانَ. (أَوِ الْمَرْوِيِّ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ نِسْبَةً إِلَى مَرْوَ بَلْدَةٍ بِفَاسَ وَيُنْسَبُ إِلَيْهَا الْآدَمِيُّ بِزِيَادَةِ زَايٍ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلِذَا تَظَرَّفَ الْقَائِلُ: وَمَرْوَزِيٌّ جَاءَ فِي الْأَنَاسِي ... وَالثَّوْبُ مَرْوِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ (بِالْمَلَاحِفِ الْيَمَانِيَّةِ) جَمْعُ مِلْحَفَةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمُلَاءَةُ الَّتِي يُلْتَحَفُ بِهَا. (وَالشَّقَائِقِ) مِنَ الثِّيَابِ وَهِيَ الْأُزْرُ الضَّيِّقَةُ الرَّدِيَّةُ قَالَهُ الْبَوْنِيُّ كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ. (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ بِالِاثْنَيْنِ أَوِ الثَّلَاثَةِ يَدًا بِيَدٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ نَسِيئَةٌ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) لَا يَجُوزُ (وَلَا يَصْلُحُ حَتَّى يَخْتَلِفَ فَيَبِينَ) بِالنَّصْبِ يَظْهَرَ (اخْتِلَافُهُ) ظُهُورًا وَاضِحًا (فَإِذَا أَشْبَهَ بَعْضُ ذَلِكَ بَعْضًا وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ وَذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَيْنِ مِنَ الْهَرَوِيِّ بِالثَّوْبِ مِنَ الْمَرْوِيِّ أَوِ الْقُوهِيِّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الْوَاوِ فَهَاءٍ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: ثِيَابٌ بِيضٌ (إِلَى أَجَلٍ أَوْ يَأْخُذَ الثَّوْبَيْنِ مِنَ الْفُرْقُبِيِّ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْقَافِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ وَبَاءٌ نِسْبَةً إِلَى فُرْقُبٍ قَالَ الْمَجْدُ: كَقُنْفُذٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 مَوْضِعٌ وَمِنْهُ الثِّيَابُ الْفُرْقُبِيَّةُ أَوْ هِيَ ثِيَابٌ بِيضٌ مِنْ كَتَّانٍ (بِالثَّوْبِ مِنَ الشَّطَوِيِّ، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يُشْتَرَى مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ) وَجَازَ يَدًا بِيَدٍ. (وَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْتَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ) أَيْ لِغَيْرِ (الَّذِي اشْتَرَيْتَ مِنْهُ إِذَا أُنْقِدْتَ ثَمَنَهُ) مِنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 [بَاب السُّلْفَةِ فِي الْعُرُوضِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ سَلَّفَ فِي سَبَائِبَ فَأَرَادَ بَيْعَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تِلْكَ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَكَرِهَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي رَقِيقٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ عُرُوضٍ فَإِذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَوْصُوفًا فَسَلَّفَ فِيهِ إِلَى أَجَلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي سَلَّفَهُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ مَا سَلَّفَهُ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَهُ فَهُوَ الرِّبَا صَارَ الْمُشْتَرِي إِنْ أَعْطَى الَّذِي بَاعَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَانْتَفَعَ بِهَا فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِ السِّلْعَةُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي بَاعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا سَلَّفَهُ فِيهَا فَصَارَ أَنْ رَدَّ إِلَيْهِ مَا سَلَّفَهُ وَزَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ سَلَّفَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ أَوْ بَعْدَ مَا يَحِلُّ بِعَرْضٍ مِنْ الْعُرُوضِ يُعَجِّلُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ ذَلِكَ الْعَرْضُ إِلَّا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرْضٍ مِنْ الْعُرُوضِ يَقْبِضُ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِأَنَّهُ إِذَا أَخَّرَ ذَلِكَ قَبُحَ وَدَخَلَهُ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَالْكَالِئُ بِالْكَالِئِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ سَلَّفَ فِي سِلْعَةٍ إِلَى أَجَلٍ وَتِلْكَ السِّلْعَةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبِيعُهَا مِمَّنْ شَاءَ بِنَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ إِلَّا بِعَرْضٍ يَقْبِضُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ لَمْ تَحِلَّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهَا بَيِّنٍ خِلَافُهُ يَقْبِضُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَلَّفَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِي أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ تَقَاضَى صَاحِبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا عِنْدَهُ وَوَجَدَ عِنْدَهُ ثِيَابًا دُونَهَا مِنْ صِنْفِهَا فَقَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَثْوَابُ أُعْطِيكَ بِهَا ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ مِنْ ثِيَابِي هَذِهِ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا أَخَذَ تِلْكَ الْأَثْوَابَ الَّتِي يُعْطِيهِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَيْضًا إِلَّا أَنْ يَبِيعَهُ ثِيَابًا لَيْسَتْ مِنْ صِنْفِ الثِّيَابِ الَّتِي سَلَّفَهُ فِيهَا   31 - بَابُ السُّلْفَةِ فِي الْعُرُوضِ 1365 - 1350 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ سَلَّفَ فِي سَبَائِبَ) بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ أَوَّلَهُ وَمُوَحَّدَةٍ آخِرَهُ شُقَقٌ رَقِيقَةٌ جَمْعُ سِبَّةٍ بِالْكَسْرِ وَسَبِيبَةٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى سُبُوبٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: السَّبَائِبُ عَمَائِمُ الْكَتَّانِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: شُقَقُ الْكَتَّانِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْمَلَاحِفُ. (فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تِلْكَ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَكَرِهَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى) نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ) فَيُتَّهَمَانِ عَلَى السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ وَجَعَلَا الْعَقْدَ عَلَى السَّبَائِبِ مُحَلَّلًا بَيْنَهُمَا. (وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ) أَيْ يَجُوزُ لِانْتِفَاءِ الحديث: 1365 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 التُّهْمَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: وَأَحْسَبُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ، لَكِنَّ حُجَّةَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ كَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ الطَّعَامَ فَإِدْخَالُ غَيْرِهِ فِي مَعْنَاهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ وَلَا قِيَاسٍ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَاللَّهُ أَحَلَّ الْبَيْعَ مُطْلَقًا إِلَّا مَا خَصَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ أَوْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ، وَحَدِيثُ حَكِيمٍ رَفَعَهُ: " «إِذَا ابْتَعْتَ شَيْئًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» " إِنَّمَا أَرَادَ الطَّعَامَ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْحُفَّاظِ حَدِيثَ حَكِيمٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: إِذَا ابْتَعْتَ طَعَامًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» " اهـ. (فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي رَقِيقٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ عُرُوضٍ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَوْصُوفًا فَسَلَّفَ فِيهِ إِلَى أَجَلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي سَلَّفَهُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ مَا سَلَّفَهُ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ الرِّبَا) بِعَيْنِهِ (صَارَ الْمُشْتَرِي إِنْ أَعْطَى الَّذِي بَاعَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ) فَانْتَفَعَ بِهَا فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِ السِّلْعَةُ الَّتِي بَاعَهَا وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي بَاعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا سَلَّفَهُ فِيهَا فَصَارَ الْأَمْرُ (أَنْ رَدَّ إِلَيْهِ مَا سَلَّفَهُ وَزَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ) وَذَلِكَ الرِّبَا. (وَمَنْ سَلَّفَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ) بِالْجَمْعِ، وَفِي نُسْخَةٍ عَرْضٍ (إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنَ الْبَائِعِ) أَيْ لَهُ (قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ أَوْ بَعْدَمَا يَحِلُّ بِعَرْضٍ مِنَ الْعُرُوضِ يُعَجِّلُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا وَإِنِ اتَّحَدَ مَعْنَاهُمَا (بَالِغًا مَا بَلَغَ ذَلِكَ الْعَرْضُ إِلَّا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ. (وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ) أَيْ لِغَيْرِ (الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرْضٍ مِنَ الْعُرُوضِ يَقْبِضُ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِأَنَّهُ إِذَا أَخَّرَ ذَلِكَ قَبُحَ) حَرُمَ (وَدَخَلَهُ مَا يُكْرَهُ) أَيْ يَحْرُمُ (مِنَ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ) بِالْهَمْزِ أَيِ التَّأْخِيرِ وَمِنْهُ: بَلَغَ بِكَ أَكْلَأَ الْعُمْرِ أَيْ أَطْوَلَهُ وَأَشَدَّهُ قَالَ الشَّاعِرُ: تَعَفَّفْتُ عَنْهَا فِي الْعُصُورِ الَّتِي خَلَتْ ... فَكَيْفَ التَّصَابِي بَعْدَمَا كَلَأَ الْعُمُرُ (وَالْكَالِئُ بِالْكَالِئِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ) وَقِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنَ الْكَلْأِ وَهُوَ الْحِفْظُ وَإِطْلَاقُ هَذَا الِاسْمِ عَلَى الدَّيْنِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ مَكْلُوءٌ لَا كَالِئٌ، وَإِنَّمَا الْكَالِئُ صَاحِبُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَكْلَأُ صَاحِبَهُ أَيْ يَحْرُسُهُ لِأَجْلِ مَالِهِ قِبَلَهُ، فَعَلَاقَةُ الْمَجَازِ الْمُلَازَمَةُ أَيْ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَازِمًا لِلْآخَرِ، إِذْ يَلْزَمُ مِنَ الْحَافِظِ مَحْفُوظٌ وَعَكْسُهُ، وَقَدْ جَاءَ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَدَافِقٍ أَوْ مَدْفُوقٍ، أَوْ هُوَ مَجَازٌ فِي الْإِسْنَادِ إِلَى مُلَابِسِ الْفِعْلِ أَيْ كَالِئُ صَاحِبِهِ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أَوْ مَجَازٌ بِالْحَذْفِ أَيْ مِنْ بَيْعِ مَالِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» " قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ وَهْمٌ فَإِنَّ رَاوِيَهُ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ لَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي هَذَا حَدِيثٌ يَصِحُّ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. (وَمَنْ سَلَّفَ فِي سِلْعَةٍ إِلَى أَجَلٍ وَتِلْكَ السِّلْعَةُ مِمَّا لَا تُؤْكَلُ وَلَا تُشْرَبُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبِيعُهَا مِمَّنْ شَاءَ بِنَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنَ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ إِلَّا بِعَرْضٍ يَقْبِضُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ) لِمَا مَرَّ بَيَانُهُ (وَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ لَمْ تَحِلَّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهَا بَيِّنٍ) أَيْ ظَاهِرٍ (خِلَافُهُ يَقْبِضُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ) لِمَا مَرَّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَلَّفَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِي أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ تَقَاضَى صَاحِبَهَا) طَلَبَهَا مِنْهُ (فَلَمْ يَجِدْهَا عِنْدَهُ وَوَجَدَ عِنْدَهُ ثِيَابًا دُونَهَا مِنْ صِنْفِهَا فَقَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَثْوَابُ: أُعْطِيكَ بِهَا ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ مِنْ ثِيَابِي هَذِهِ: إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا أَخَذَ تِلْكَ الْأَثْوَابَ الَّتِي يُعْطِيهِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا، فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ) لَا يَجُوزُ (وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّ) أَيْ حُلُولِ (الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَيْضًا إِلَّا أَنْ يَبِيعَهُ ثِيَابًا لَيْسَتْ مِنْ صِنْفِ الثِّيَابِ الَّتِي سَلَّفَهُ فِيهَا) فَيَجُوزُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 [بَاب بَيْعِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا يُوزَنُ] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا كَانَ مِمَّا يُوزَنُ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ النُّحَاسِ وَالشَّبَهِ وَالرَّصَاصِ وَالْآنُكِ وَالْحَدِيدِ وَالْقَضْبِ وَالتِّينِ وَالْكُرْسُفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُوزَنُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ رِطْلُ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْ حَدِيدٍ وَرِطْلُ صُفْرٍ بِرِطْلَيْ صُفْرٍ قَالَ مَالِكٌ وَلَا خَيْرَ فِيهِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْ ذَلِكَ فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ فَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ مِنْهُ يُشْبِهُ الصِّنْفَ الْآخَرَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْاسْمِ مِثْلُ الرَّصَاصِ وَالْآنُكِ وَالشَّبَهِ وَالصُّفْرِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ وَمَا اشْتَرَيْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ إِذَا قَبَضْتَ ثَمَنَهُ إِذَا كُنْتَ اشْتَرَيْتَهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَإِنْ اشْتَرَيْتَهُ جِزَافًا فَبِعْهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ بِنَقْدٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ وَذَلِكَ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ جِزَافًا وَلَا يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ وَزْنًا حَتَّى تَزِنَهُ وَتَسْتَوْفِيَهُ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ مِثْلُ الْعُصْفُرِ وَالنَّوَى وَالْخَبَطِ وَالْكَتَمِ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ فَإِنْ اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ وَمَا اشْتُرِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى إِذَا قَبَضَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ مِنْ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَتْ الْحَصْبَاءَ وَالْقَصَّةَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ رِبًا وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ وَزِيَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ رِبًا   32 - بَابُ بَيْعِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا يُوزَنُ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا كَانَ مِمَّا يُوزَنُ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنَ النُّحَاسِ وَالشَّبَهِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَعْلَى النُّحَاسِ يُشْبِهُ الذَّهَبَ (وَالرَّصَاصِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ رَصَاصَةٌ. (وَالْآنُكِ) بِهَمْزَةٍ وَنُونٍ وَكَافٍ وِزَانُ أَفْلُسٍ: الرَّصَاصُ الْخَالِصُ وَيُقَالُ الْأَسْوَدُ، وَقِيلَ: وَزْنُ فَاعِلٍ إِذْ لَيْسَ فِي الْعَرَبِيِّ فَاعُلٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَأَمَّا الْآنُكُ وَالْآجُرُ فِيمَنْ خَفَّفَ وَآمُلٌ وَكَابُلٌ فَأَعْجَمِيَّاتٌ، (وَالْحَدِيدِ) الْمَعْدِنُ الْمَعْرُوفُ، (وَالْقَضْبِ) بِإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، (وَالتِّينِ) الْمَأْكُولُ، (وَالْكُرْسُفِ) الْقُطْنُ (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُوزَنُ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا بِأَسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ رِطْلُ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْ حَدِيدٍ وَرِطْلُ صُفْرٍ بِرِطْلَيْ صُفْرٍ) بِضَمِّ الصَّادِ وَتُكْسَرُ النُّحَاسُ الْجَيِّدُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 (وَلَا خَيْرَ فِيهِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْ ذَلِكَ فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ مِنْهُ يُشْبِهُ الصِّنْفَ الْآخَرَ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ مِثْلُ الرَّصَاصِ وَالْآنُكِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الثَّانِيَةِ وَضَمِّ النُّونِ (وَالشَّبَهِ وَالصُّفْرِ) فَإِنَّهُمَا شَدِيدَا الشَّبَهِ (فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ) لِاتِّحَادِ الصِّنْفِ حَقِيقَةً. (وَمَا اشْتَرَيْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ إِذَا قَبَضْتَ ثَمَنَهُ إِذَا كُنْتَ اشْتَرَيْتَهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، فَإِنِ اشْتَرَيْتَهُ جِزَافًا فَبِعْهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ بِنَقْدٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ جِزَافًا) لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِكَ بِالْعَقْدِ (وَلَا يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ وَزْنًا حَتَّى تَزِنَهُ وَتَسْتَوْفِيَهُ) تَقْبِضَهُ (وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ. (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ مِثْلُ الْعُصْفُرِ وَالنَّوَى) التَّمْرِ (وَالْخَبَطِ) بِفَتْحَتَيْنِ مَا يُخْبَطُ بِالْعَصَا مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ لِيُعْلَفَ لِلدَّوَابِّ. (وَالْكَتَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ نَبْتٌ فِيهِ حُمْرَةٌ يُخْلَطُ بِالْوَسْمَةِ وَيُخْتَضَبُ بِهِ لِلسَّوَادِ، وَفِي كُتُبِ الطِّبِّ: الْكَتَمُ مِنْ نَبَاتِ الْجِبَالِ وَرَقُهُ كَوَرَقِ الْآسِ يُخْضَبُ بِهِ مَدْقُوقًا، ثَمَرٌ كَقَدْرِ الْفُلْفُلِ وَيَسْوَدُّ إِذَا نَضِجَ، وَقَدْ يُعْتَصَرُ مِنْهُ دُهْنٌ يُسْتَصْبَحُ بِهِ فِي الْبَوَادِي (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُ) بِالْجَرِّ صِفَةُ صِنْفٍ (اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، وَمَا اشْتُرِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى إِذَا قَبَضَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ) أَيْ لِغَيْرِ (الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ) لَا لَهُ فَيُمْنَعُ لِمَا مَرَّ. (وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ مِنَ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَتِ الْحَصْبَاءَ) بِالْمَدِّ صِغَارُ الْحَصَى يُنْتَفَعُ بِهَا فِي فَرْشٍ كَمَسْجِدٍ (وَالْقَصَّةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمُهْمَلَةِ الْجِصُّ بِلُغَةِ الْحِجَازِ (وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلَيْهِ) مُثَنًّى (إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ رِبًا، وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ) بِالْإِفْرَادِ (وَزِيَادَةُ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ رِبًا) فَإِنْ كَانَ نَقْدًا جَازَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 [بَاب النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ   33 - بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ 1351 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ» ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا ضَبَطَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ الرِّوَايَةُ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا عَلَى إِرَادَةِ الْهَيْئَةِ، وَقِيلَ إِنَّهُ الْأَحْسَنُ (فِي بَيْعَةٍ) قَالَ الْبَاجِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ عَقْدُ الْبَيْعِ بَيْعَتَيْنِ عَلَى أَنْ لَا يَتِمَّ مِنْهُمَا إِلَّا وَاحِدَةٌ مَعَ لُزُومِ الْعَقْدِ كَشُرْبٍ بِدِينَارٍ وَآخَرَ بِدِينَارَيْنِ أَيُّهُمَا شَاءَ وَقَدْ لَزِمَهُمَا ذَلِكَ أَوْ لَزِمَ أَحَدَهُمَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ كَانَ أَحَدُهُمَا بِنَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِنَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَعْنَى الْفَسَادِ فِيهِ أَنْ يُقَدِّرَ أَنَّهُ أَخَذَ أَحَدَهُمَا بِدِينَارٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 ثُمَّ تَرَكَهُ، وَأَخَذَ الثَّانِيَ بِدِينَارَيْنِ فَصَارَ إِلَى أَنْ بَاعَ ثَوْبًا وَدِينَارًا بِثَوْبَيْنِ وَدِينَارَيْنِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ هَذَيْنِ أَيَّهُمَا شَاءَ وَقَدْ أَلْزَمَهُمَا ذَلِكَ أَوْ لَزِمَ أَحَدُهُمَا فَيَجُوزُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ ابْتَعْ لِي هَذَا الْبَعِيرَ بِنَقْدٍ حَتَّى أَبْتَاعَهُ مِنْكَ إِلَى أَجَلٍ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَكَرِهَهُ وَنَهَى عَنْهُ   1352 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ: ابْتَعْ لِي هَذَا الْبَعِيرَ بِنَقْدٍ حَتَّى أَبْتَاعَهُ مِنْكَ إِلَى أَجَلٍ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَكَرِهَهُ وَنَهَى عَنْهُ) أُدْخِلَ تَحْتَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِأَنَّ مُبْتَاعَهُ بِالنَّقْدِ إِنَّمَا ابْتَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَزِمَ مُبْتَاعَهُ لِأَجَلٍ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ، فَتَضَمَّنَ بَيْعَتَيْنِ: بَيْعَةَ النَّقْدِ وَبَيْعَةَ الْأَجَلِ، وَفِيهَا مَعَ ذَلِكَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ لِأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ الْبَعِيرَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ وَسَلَّفَ بِزِيَادَةٍ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ مَا نَقَدَهُ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالْعِينَةُ فِيهَا أَظْهَرُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ قَدْ وَجَبَتْ لِلْمُشْتَرِي بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ أَخَّرَ الْعَشَرَةَ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ إِلَى أَجَلٍ وَإِنْ نَقَدَ الْعَشَرَةَ كَانَ إِنَّمَا اشْتَرَى بِهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي إِلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِدِينَارٍ نَقْدًا أَوْ بِشَاةٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَا يَنْبَغِي لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَهَذَا مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ أَشْتَرِي مِنْكَ هَذِهِ الْعَجْوَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوْ الصَّيْحَانِيَّ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ أَوْ الْحِنْطَةَ الْمَحْمُولَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوْ الشَّامِيَّةَ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ بِدِينَارٍ قَدْ وَجَبَتْ لِي إِحْدَاهُمَا إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَا يَحِلُّ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ لَهُ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ صَيْحَانِيًّا فَهُوَ يَدَعُهَا وَيَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ الْعَجْوَةِ أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ الْحِنْطَةِ الْمَحْمُولَةِ فَيَدَعُهَا وَيَأْخُذُ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ مِنْ الشَّامِيَّةِ فَهَذَا أَيْضًا مَكْرُوهٌ لَا يَحِلُّ وَهُوَ أَيْضًا يُشْبِهُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ أَنْ يُبَاعَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الطَّعَامِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ   1353 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ) مِنْ بَابِ الذَّرِيعَةِ كَمَا أَوْضَحَهُ حَيْثُ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ) حَالَ كَوْنِهَا (قَدْ وَجَبَتْ لِلْمُشْتَرِي بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ أَخَّرَ الْعَشَرَةَ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ إِلَى أَجَلٍ، وَإِنْ نَقَدَ الْعَشَرَةَ كَانَ إِنَّمَا اشْتَرَى بِهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي إِلَى أَجَلٍ) لِجَوَازِ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ اخْتَارَ أَوَّلًا إِنْفَاذَ الْبَيْعِ بِأَخْذِ الثَّمَنَيْنِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَلَمْ يُظْهِرْهُ وَعَدَلَ إِلَى الْآخَرِ، وَهَذَا لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ إِلَى التَّرْجِيحِ فِي أَفْضَلِ الْأَمْرَيْنِ فَمُنِعَ لِلذَّرِيعَةِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ عَلَى الْإِلْزَامِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ بِالْخِيَارِ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِدِينَارٍ نَقْدًا أَوْ بِشَاةٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ) حَالَ كَوْنِهِ (قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ) أَيْ لَزِمَهُ (بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَا يَنْبَغِي لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَهَذَا مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) فَيُمْنَعُ لِذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: أَشْتَرِي مِنْكَ هَذِهِ الْعَجْوَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوِ الصَّيْحَانِيَّ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ عَلَى لُزُومِ الْبَيْعِ بِأَحَدِهِمَا (أَوِ الْحِنْطَةَ الْمَحْمُولَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوِ الشَّامِيَّةَ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ بِدِينَارٍ) حَالَ كَوْنِهِ (قَدْ وَجَبَتْ لِي إِحْدَاهُمَا) أَيْ لَزِمَتْ (أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَا يَحِلُّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ لَهُ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ صَيْحَانِيًّا فَهُوَ يَدَعُهَا وَيَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنَ الْعَجْوَةِ) وَمَنْ خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ عُدَّ مُنْتَقِلًا (أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ) وَفِي نُسْخَةٍ لَهُ: (خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنَ الْحِنْطَةِ الْمَحْمُولَةِ فَيَدَعُهَا وَيَأْخُذُ عَشَرَةَ آصُعٍ مِنَ الشَّامِيَّةِ فَهَذَا أَيْضًا مَكْرُوهٌ لَا يَحِلُّ) لِجَوَازِ أَنَّهُ رَضِيَ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْآخَرِ فَبَاعَ الْأَوَّلَ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ (وَهُوَ أَيْضًا يُشْبِهُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) وَالشَّبَهُ ظَاهِرٌ (وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ أَنْ يُبَاعَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنَ الطَّعَامِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ) لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمُخَيَّرَ يُعَدُّ مُنْتَقِلًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 [بَاب بَيْعِ الْغَرَرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ قَدْ ضَلَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ أَبَقَ غُلَامُهُ وَثَمَنُ الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُونَ دِينَارًا فَيَقُولُ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُ مِنْكَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ وَجَدَهُ الْمُبْتَاعُ ذَهَبَ مِنْ الْبَائِعِ ثَلَاثُونَ دِينَارًا وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ ذَهَبَ الْبَائِعُ مِنْ الْمُبْتَاعِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ وَفِي ذَلِكَ عَيْبٌ آخَرُ إِنَّ تِلْكَ الضَّالَّةَ إِنْ وُجِدَتْ لَمْ يُدْرَ أَزَادَتْ أَمْ نَقَصَتْ أَمْ مَا حَدَثَ بِهَا مِنْ الْعُيُوبِ فَهَذَا أَعْظَمُ الْمُخَاطَرَةِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ وَالْغَرَرِ اشْتِرَاءَ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ مِنْ النِّسَاءِ وَالدَّوَابِّ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيَخْرُجُ أَمْ لَا يَخْرُجُ فَإِنْ خَرَجَ لَمْ يُدْرَ أَيَكُونُ حَسَنًا أَمْ قَبِيحًا أَمْ تَامًّا أَمْ نَاقِصًا أَمْ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى وَذَلِكَ كُلُّهُ يَتَفَاضَلُ إِنْ كَانَ عَلَى كَذَا فَقِيمَتُهُ كَذَا وَإِنْ كَانَ عَلَى كَذَا فَقِيمَتُهُ كَذَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي بَيْعُ الْإِنَاثِ وَاسْتِثْنَاءُ مَا فِي بُطُونِهَا وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ ثَمَنُ شَاتِي الْغَزِيرَةِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ فَهِيَ لَكَ بِدِينَارَيْنِ وَلِي مَا فِي بَطْنِهَا فَهَذَا مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَلَا الْجُلْجُلَانِ بِدُهْنِ الْجُلْجُلَانِ وَلَا الزُّبْدِ بِالسَّمْنِ لِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ تَدْخُلُهُ وَلِأَنَّ الَّذِي يَشْتَرِي الْحَبَّ وَمَا أَشْبَهَهُ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا يَدْرِي أَيَخْرُجُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ فَهَذَا غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا اشْتِرَاءُ حَبِّ الْبَانِ بِالسَّلِيخَةِ فَذَلِكَ غَرَرٌ لِأَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ حَبِّ الْبَانِ هُوَ السَّلِيخَةُ وَلَا بَأْسَ بِحَبِّ الْبَانِ بِالْبَانِ الْمُطَيَّبِ لِأَنَّ الْبَانَ الْمُطَيَّبَ قَدْ طُيِّبَ وَنُشَّ وَتَحَوَّلَ عَنْ حَالِ السَّلِيخَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ إِنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِرِبْحٍ إِنْ كَانَ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ وَإِنْ بَاعَ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِنُقْصَانٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَذَهَبَ عَنَاؤُهُ بَاطِلًا فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَلِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا أُجْرَةٌ بِمِقْدَارِ مَا عَالَجَ مِنْ ذَلِكَ وَمَا كَانَ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ رِبْحٍ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَعَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ وَبِيعَتْ فَإِنْ لَمْ تَفُتْ فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً يَبُتُّ بَيْعَهَا ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ لِلْبَائِعِ ضَعْ عَنِّي فَيَأْبَى الْبَائِعُ وَيَقُولُ بِعْ فَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَضَعَهُ لَهُ وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ عَقَدَا بَيْعَهُمَا وَذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا   34 - بَابُ بَيْعِ الْغَرَرِ الْغَرَرُ اسْمٌ جَامِعٌ لِبِيَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَجَهْلِ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ وَسَمَكٍ فِي مَاءٍ وَطَيْرٍ فِي الْهَوَاءِ. وَعَرَّفَهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ السَّلَامَةِ وَالْعَطَبِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 لِخُرُوجِ الْغَرَرِ الَّذِي فِي فَاسِدِ بَيْعِ الْجِزَافِ وَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَعَرَّفَهُ بِأَنَّهُ مَا شُكَّ فِي حُصُولِ أَحَدِ عِوَضَيْهِ وَالْمَقْصُودِ مِنْهُ غَالِبًا. 1370 - 1354 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ) سَلَمَةَ (بْنِ دِينَارٍ) الْمَدَنِيِّ أَحَدِ الْأَعْلَامِ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) مُرْسَلًا بِاتِّفَاقِ رُوَاةِ مَالِكٍ فِيمَا عَلِمْتُ. وَرَوَاهُ أَبُو حُذَافَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَهَذَا مُنْكَرٌ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ خَطَأٌ، وَلَيْسَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ بِحُجَّةٍ إِذَا خَالَفَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِحَافِظٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ مِنْ كِبَارِ رُوَاتِهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ) لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَحْصُلَ الْمَبِيعُ، وَقَدْ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِقَوْلِهِ: " «أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْكُلُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» " قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَقِيلَ عِلَّتُهُ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنَ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَرُدَّ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ صُوَرِ بَيْعِ الْغَرَرِ عَرِيٌّ مِنَ التَّنَازُعِ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَقِيلَ الْعِلَّةُ الْغَرَرُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حِكْمَةٍ هِيَ عَجْزُ الْبَائِعِ عَنِ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمَازِرِيُّ مِنْ ذَهَابِ الْمَالِ بَاطِلًا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْحُصُولِ، وَهَذَا كَتَعْلِيلِ الْقَصْرِ بِوَصْفِ السَّفَرِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حِكْمَةِ دَرْءِ الْمَشَقَّةِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُنْكِرُ عَلَى فُقَهَاءِ وَقْتِهِ يَقُولُ: تُعَلِّلُوهُ بِالْغَرَرِ وَلَا تَعْرِفُونَ وَجْهَ الْعِلَّةِ فِيهِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى فَسَادِ بَيْعِ الْغَرَرِ كَجَنِينٍ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ، وَعَلَى صِحَّةِ بَعْضِهَا كَبَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ كَانَ حَشْوُهَا لَا يُرَى، وَكِرَاءِ الدَّارِ شَهْرًا مَعَ احْتِمَالِ نُقْصَانِهِ وَتَمَامِهِ، وَدُخُولِ الْحَمَّامِ مَعَ اخْتِلَافِ لُبْثِهِمْ فِيهِ وَالشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ مَعَ اخْتِلَافِ الشُّرْبِ، وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِهَا فَوَجَبَ أَنْ يُفْهَمَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا مَنَعُوا مَا أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِ لِقُوَّةِ الْغَرَرِ وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا أَجَازُوا مَا أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ لِيَسَارَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ وَتَدْعُو الضَّرُورَةُ إِلَى الْعَفْوِ عَنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ مَا اسْتَنْبَطْنَاهُ مِنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ وَجَبَ رَدُّ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَيْهَا، فَالْمُجِيزُ رَأَى الْغَرَرَ قَلِيلًا لَمْ يُقْصَدْ، وَالْمَانِعُ رَآهُ كَثِيرًا مَقْصُودًا اهـ. وَسَبَقَهُ لِنَحْوِهِ الْبَاجِيُّ فَإِنْ شَكَّ فِي يَسَارَةِ الْغَرَرِ فَالْمَنْعُ أَقْرَبُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ عِلْمُ صِفَةِ الْمَبِيعِ وَالْغَرَرُ يَمْنَعُ ذَلِكَ، فَالشَّكُّ فِي يَسَارَتِهِ شَكٌّ فِي الشَّرْطِ قَادِحٌ، نَعَمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مَانِعٌ وَالشَّكُّ فِي الْمَانِعِ لَا يَقْدَحُ وَيَرُدُّ الْجَوَازَ أَنَّ أَكْثَرَ الْبِيَاعَاتِ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ الحديث: 1370 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 غَرَرٍ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ إِذَا شُكَّ فِي صُورَةٍ أَنْ تَلْحَقَ بِأَكْثَرِ نَوْعِهَا وَأَكْثَرُ نَوْعِهَا الْيَسِيرُ الْمُغْتَفَرُ يُعَارِضُهُ أَنَّ أَكْثَرَ صُوَرِ الْفَاسِدِ لَا يَخْلُو عَنْ غَرَرٍ كَثِيرٍ، فَلَيْسَ إِلْحَاقُهُ بِصُورَةِ الْجَوَازِ أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِهِ بِصُورَةِ الْمَنْعِ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التُّونُسِيُّ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمَازِرِيِّ فِي قَيْدِ الْيَسَارَةِ بِالضَّرُورَةِ، وَأَجَابَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِمَا فِي إِيرَادِهِ طُولٌ. (قَالَ مَالِكٌ: وَمِنَ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ أَنْ يَعْمِدَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ يَقْصُدَ (الرَّجُلُ) حَالَ كَوْنِهِ (قَدْ ضَلَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ أَبَقَ غُلَامُهُ وَثَمَنُ الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ دَابَّةٍ وَغُلَامٍ (خَمْسُونَ دِينَارًا فَيَقُولُ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُ مِنْكَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ وَجَدَهُ الْمُبْتَاعُ ذَهَبَ مِنَ الْبَائِعِ ثَلَاثُونَ دِينَارًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ ذَهَبَ الْبَائِعُ مِنَ الْمُبْتَاعِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا) وَذَلِكَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. (وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا عَيْبٌ آخَرُ أَنَّ تِلْكَ الضَّالَّةَ إِنْ وُجِدَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَكَذَا (لَمْ يُدْرَ أَزَادَتْ أَمْ نَقَصَتْ أَمْ مَا حَدَثَ بِهَا مِنَ الْعُيُوبِ فَهَذَا أَعْظَمُ الْمُخَاطَرَةِ) فَلِذَلِكَ فَسَدَ الْبَيْعُ وَضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ وَيُفْسَخُ وَإِنْ قَبَضَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ وَالْغَرَرِ اشْتِرَاءَ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ مِنَ النِّسَاءِ وَالدَّوَابِّ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيَخْرُجُ أَمْ لَا يَخْرُجُ؟ فَإِنْ خَرَجَ لَمْ يُدْرَ أَيَكُونُ حَسَنًا أَمْ قَبِيحًا أَمْ تَامًّا أَمْ نَاقِصًا أَمْ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى؟ وَذَلِكَ كُلُّهُ يَتَفَاضَلُ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ عَلَى كَذَا فَقِيمَتُهُ كَذَا وَإِنْ كَانَ عَلَى) صِفَةِ (كَذَا فَقِيمَتُهُ كَذَا) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ مَجْهُولٌ، وَقَدْ «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْحَصَاةِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ» ، وَفِي حَدِيثٍ: " «وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ» " قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي بَيْعُ الْإِنَاثِ وَاسْتِثْنَاءُ مَا فِي بُطُونِهَا وَذَلِكَ) أَيْ وَجْهُ الْمَنْعِ (أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 لِلرَّجُلِ: ثَمَنُ شَاتِي الْغَزِيرَةِ) كَثِيرَةِ اللَّبَنِ (ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ فَهِيَ لَكَ بِدِينَارَيْنِ وَلِي مَا فِي بَطْنِهَا فَهَذَا مَكْرُوهٌ) أَيْ حَرَامٌ (لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ) أَمَّا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَبِيعٌ فَبَيِّنٌ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ مُبْقًى فَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْمَرْئِيَّةَ إِذَا اسْتُثْنِيَ مِنْهَا مَجْهُولٌ مُتَنَاهِي الْجَهَالَةِ أَثَّرَ ذَلِكَ فِي بَاقِي الْجُمْلَةِ جَهَالَةً تَمْنَعُ صِحَّةَ عَقْدِ الْبَيْعِ عَلَيْهَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَلَا الْجُلْجُلَانِ) بِضَمِّ الْجِيمَيْنِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ لَامٌ فَأَلِفٌ فَنُونٌ السِّمْسِمُ فِي قِشْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ (بِدُهْنِ الْجُلْجُلَانِ وَلَا الزُّبْدِ بِالسَّمْنِ لِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ تَدْخُلُهُ) إِذْ لَا يُدْرَى هَلْ يَخْرُجُ مِثْلُ مَا أَعْطَى أَمْ لَا. (وَلِأَنَّ الَّذِي يَشْتَرِي الْحَبَّ وَمَا أَشْبَهَهُ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا يَدْرِي أَيَخْرُجُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ فَهَذَا غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ) وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. (وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا اشْتِرَاءُ حَبِّ الْبَانِ بِالسَّلِيخَةِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ الْمَجْدُ: دُهْنُ ثَمَرِ الْبَانِ قَبْلَ أَنْ يُزَيَّتَ (فَذَلِكَ غَرَرٌ لِأَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ حَبِّ الْبَانِ هُوَ السَّلِيخَةُ) وَذَلِكَ مَجْهُولٌ (وَلَا بَأْسَ بِحَبِّ الْبَانِ بِالْبَانِ الْمُطَيَّبِ ; لِأَنَّ الْبَانَ الْمُطَيَّبَ قَدْ طُيِّبَ وَنُشَّ) بِضَمِّ النُّونِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ خُلِطَ، يُقَالُ: دُهْنٌ مَنْشُوشٌ أَيْ مَخْلُوطٌ (وَتَحَوَّلَ عَنْ حَالِ السَّلِيخَةِ) أَيْ صِفَتِهَا فَيَجُوزُ كَلَحْمٍ طُبِخَ بِتَابِلٍ فَيَجُوزُ يَدًا بِيَدٍ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ، إِنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ) أَيِ الْغَرَرِ. (وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِرِبْحٍ إِنْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ (فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ وَإِنْ بَاعَ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِنُقْصَانٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَذَهَبَ عَنَاؤُهُ) بِالْمَدِّ تَعَبُهُ (بَاطِلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 فَهَذَا لَا يَصْلُحُ، وَلِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا أُجْرَةٌ بِمِقْدَارِ) وَفِي نُسْخَةٍ بِقَدْرِ (مَا عَالَجَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ (وَمَا كَانَ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ رِبْحٍ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَعَلَيْهِ) لِبَقَاءِ السِّلْعَةِ عَلَى مِلْكِهِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ. (وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا فَاتَتِ السِّلْعَةُ وَبِيعَتْ فَإِنْ لَمْ تَفُتْ فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا) لِفَسَادِهِ بِجَهْلِ الثَّمَنِ، (وَأَمَّا أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً يَبُتُّ بَيْعَهُمَا) أَيْ عَقْدَاهُ عَلَى اللُّزُومِ وَالْقَطْعِ (ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ لِلْبَائِعِ: ضَعْ) أَسْقِطْ (عَنِّي فَيَأْبَى) يَمْتَنِعُ (الْبَائِعُ وَيَقُولُ بِعْ فَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ) لِوُقُوعِهِ بَعْدَ بَتِّ الْبَيْعِ (وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَصَفَهُ لَهُ) أَيْ لِأَجْلِهِ (وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ عَقَدَا بَيْعَهُمَا وَذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) وَهُوَ عِدَّةٌ، اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْقَضَاءِ بِهَا، فَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ: وَذَلِكَ لَهُ لَزِمَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَمَلَهُ بِمَا وَعَدَهُ عَلَى بَيْعِ سِلْعَتِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَنْقُصُهُ بِحَسَبِ مَا يُشْبِهُ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ إِنْ نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُرْضِيهِ بِحَسَبِ مَا نَوَى، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: جَعَلَهُ مَالِكٌ مَرَّةً إِجَارَةً فَاسِدَةً أَيْ كَمَا هُنَا وَمَرَّةً بَيْعًا فَاسِدًا. وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ الْقِيَاسُ إِذْ لَوْ وَطِئَهَا لَمْ يُحَدَّ، وَلَوْ كَانَ إِجَارَةً لَحُدَّ وَهِيَ فِي ضَمَانِهِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ، وَأَجَابَ ابْنُ زَرْقُونَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ عَلَى أَنَّهَا إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ إِنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَلِاسْمِ الْبَيْعِ الَّذِي قَصَدَاهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 [بَاب الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ] حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» قَالَ مَالِكٌ وَالْمُلَامَسَةُ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ وَلَا يَنْشُرُهُ وَلَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهِ أَوْ يَبْتَاعَهُ لَيْلًا وَلَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ عَلَى غَيْرِ تَأَمُّلٍ مِنْهُمَا وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا بِهَذَا فَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ قَالَ مَالِكٌ وَالْمُلَامَسَةُ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ وَلَا يَنْشُرُهُ وَلَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهِ أَوْ يَبْتَاعَهُ لَيْلًا وَلَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ عَلَى غَيْرِ تَأَمُّلٍ مِنْهُمَا وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا بِهَذَا فَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي السَّاجِ الْمُدْرَجِ فِي جِرَابِهِ أَوْ الثَّوْبِ الْقُبْطِيِّ الْمُدْرَجِ فِي طَيِّهِ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا حَتَّى يُنْشَرَا وَيُنْظَرَ إِلَى مَا فِي أَجْوَافِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَهُمَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَهُوَ مِنْ الْمُلَامَسَةِ قَالَ مَالِكٌ وَبَيْعُ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ مُخَالِفٌ لِبَيْعِ السَّاجِ فِي جِرَابِهِ وَالثَّوْبِ فِي طَيِّهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْمَعْمُولُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ فِي صُدُورِ النَّاسِ وَمَا مَضَى مِنْ عَمَلِ الْمَاضِينَ فِيهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مِنْ بُيُوعِ النَّاسِ الْجَائِزَةِ وَالتِّجَارَةِ بَيْنَهُمْ الَّتِي لَا يَرَوْنَ بِهَا بَأْسًا لِأَنَّ بَيْعَ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ عَلَى غَيْرِ نَشْرٍ لَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ وَلَيْسَ يُشْبِهُ الْمُلَامَسَةَ   35 - بَابُ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ 1371 - 1355 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ (وَعَنْ الحديث: 1371 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ كِلَاهُمَا (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ) بَيْعِ (الْمُلَامَسَةِ) مُفَاعَلَةٌ مِنَ اللَّمْسِ (وَ) عَنِ (الْمُنَابَذَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ (قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُلَامَسَةُ أَنْ يَلْمُسَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مِنْ بَابَيْ نَصَرَ وَضَرَبَ أَيْ يَمَسَّ (الرَّجُلُ الثَّوْبَ) بِيَدِهِ (وَلَا يَنْشُرُهُ) يُفْرِدُهُ (وَلَا يَتَبَيَّنُ) يَظْهَرُ لَهُ (مَا فِيهِ أَوْ يَبْتَاعُهُ لَيْلًا وَلَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ يَطْرَحَ (الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ وَيَنْبِذَ إِلَيْهِ الْآخَرُ ثَوْبَهُ عَلَى غَيْرِ تَأَمُّلٍ مِنْهُمَا) بِنَظَرٍ وَلَا تَقْلِيبٍ (وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا بِهَذَا) عَلَى الْإِلْزَامِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ بَلْ بِمَا فَعَلَاهُ مِنْ مُنَابَذَةٍ أَوْ مُلَامَسَةٍ (فَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ) فَلَوْ جَعَلَاهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إِذَا زَالَ الظَّلَامُ وَنَشَرَ الثَّوْبَ فَإِنْ رَضِيَهُ أَمْسَكَهُ جَازَ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَيْعِ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَنَصَّ عَلَى جَوَازِهِ الْإِمَامُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْبَاجِيِّ فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْبَائِعُ مِنْ تَقْلِيبِهِ وَقَنِعَ الْمُشْتَرِي بِلَمْسِهِ بِيعَ مُلَامَسَةً وَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ اهـ. وَتَفْسِيرُ مَالِكٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: " «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ» " وَالْمُلَامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ وَلَا يُقَلِّبُهُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا عَنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «نُهِيَ عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» " أَمَّا الْمُلَامَسَةُ: فَأَنْ يَلْمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ، وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إِلَى الْآخَرِ وَلَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَقْعَدُ بِلَفْظِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ لِأَنَّهُمَا مُفَاعَلَةٌ فَتَسْتَدْعِي وُجُودَ الْفِعْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ لَكِنْ لِلنَّسَائِيِّ مَا يَشْعِرُ بِأَنَّهُ كَلَامُ مَنْ دُونَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَفْظُهُ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَبِيعُكَ ثَوْبِي بِثَوْبِكَ وَلَا يَنْظُرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى ثَوْبِ الْآخَرِ وَلَكِنْ يَلْمِسُهُ لَمْسًا، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَقُولَ: أَنْبِذُ مَا مَعِي وَتَنْبِذُ مَا مَعَكَ لِيَشْتَرِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْآخَرِ وَلَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمْ مَعَ الْآخَرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مِنَ الصَّحَابِيِّ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ زَعَمَ، وَقِيلَ: الْمُنَابَذَةُ نَبْذُ الْحَصَاةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا غَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَفْسِيرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 مَالِكٍ وَتَفْسِيرُ غَيْرِهِ قَرِيبٌ مِنَ السَّوَاءِ، وَكَانَ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَبَيْعُ الْحَصَاةِ بُيُوعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا قَالَ: وَالْحَصَاةُ أَنْ تَكُونَ ثِيَابٌ مَبْسُوطَةً فَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ لِلْبَائِعِ: أَيُّ ثَوْبٍ مِنْ هَذِهِ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِي بِهَا فَهُوَ لِي بِكَذَا فَيَقُولُ الْبَائِعُ: نَعَمْ، فَهَذَا وَمَا كَانَ مِثْلُهُ غَرَرٌ وَقِمَارٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ بِدُونِ تَفْسِيرِهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي السَّاجِ) بِمُهْمَلَةٍ وَجِيمٍ الطَّيْلَسَانُ الْأَخْضَرُ أَوِ الْأَسْوَدُ (الْمُدْرَجِ فِي جِرَابِهِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَلَا تُفْتَحُ أَوْ فَتْحُهَا لُغَةٌ فِيمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْمِزْوَدُ أَوِ الْوِعَاءُ (أَوِ الثَّوْبُ الْقُبْطِيُّ) بِضَمِّ الْقَافِ ثِيَابٌ تُنْسَبُ إِلَى الْقِبْطِ بِالْكَسْرِ نَصَارَى مِصْرَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَقَدْ تُكْسَرُ الْقَافُ فِي النِّسْبَةِ عَلَى الْقِيَاسِ (الْمُدْرَجِ فِي طَيِّهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا حَتَّى يُنْشَرَ أَوْ يُنْظَرَ إِلَى مَا فِي أَجْوَافِهِمَا) أَيْ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمَا حَالَةَ الطَّيِّ تَشْبِيهًا بِجَوْفِ الْحَيَوَانِ (وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَهُمَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَهُوَ مِنَ الْمُلَامَسَةِ) الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فَيُمْنَعُ اتِّفَاقًا، فَإِنْ عَرَفَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَنَظَرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَاشْتَرَى عَلَى ذَلِكَ جَازَ فَإِنْ خَالَفَ كَانَ لَهُ الْقِيَامُ كَالْعَيْبِ. (وَبَيْعُ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامِجِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبِكَسْرِهِمَا. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: رُوِّينَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عِيَاضٌ غَيْرَ الْكَسْرِ مُعَرَّبُ بَرْنَامَهْ بِالْفَارِسِيَّةِ مَعْنَاهُ الْوَرَقَةُ الْمَكْتُوبُ فِيهَا مَا فِي الْعَدْلِ (مُخَالِفٌ لِبَيْعِ السَّاجِ فِي جِرَابِهِ وَالثَّوْبِ فِي طَيِّهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْأَمْرُ) فِي الْحُكْمِ (الْمَعْمُولُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ فِي صُدُورِ النَّاسِ) أَيْ مُتَقَدِّمِيهِمْ (وَمَا مَضَى مِنْ عَمَلِ الْمَاضِينَ فِيهِ وَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ) أَيِ اسْتَمَرَّ (مِنْ بُيُوعِ النَّاسِ الْجَائِزَةِ وَالتِّجَارَةِ بَيْنَهُمُ الَّتِي لَا يَرَوْنَ بِهَا بَأْسًا) شِدَّةً لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ (لِأَنَّ بَيْعَ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامِجِ عَلَى غَيْرِ نَشْرٍ لَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ وَلَيْسَ يُشْبِهُ الْمُلَامَسَةَ) لِكَثْرَةِ ثِيَابِ الْأَعْدَالِ وَعِظَمِ الْمَئُونَةِ فِي فَتْحِهَا وَنَشْرِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ بَيْعَ الْبَرْنَامِجِ بَيْعٌ عَلَى صِفَةٍ وَالسَّاجُ فِي الْجِرَابِ وَالْقُبْطِيُّ الْمَطْوِيُّ بَيْعٌ عَلَى غَيْرِ صِفَةٍ وَلَا رُؤْيَةٍ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 [بَاب بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْبَزِّ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ بِبَلَدٍ ثُمَّ يَقْدَمُ بِهِ بَلَدًا آخَرَ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً إِنَّهُ لَا يَحْسِبُ فِيهِ أَجْرَ السَّمَاسِرَةِ وَلَا أَجْرَ الطَّيِّ وَلَا الشَّدِّ وَلَا النَّفَقَةَ وَلَا كِرَاءَ بَيْتٍ فَأَمَّا كِرَاءُ الْبَزِّ فِي حُمْلَانِهِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ وَلَا يُحْسَبُ فِيهِ رِبْحٌ إِلَّا أَنْ يُعْلِمَ الْبَائِعُ مَنْ يُسَاوِمُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنْ رَبَّحُوهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الْقِصَارَةُ وَالْخِيَاطَةُ وَالصِّبَاغُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَزِّ يُحْسَبُ فِيهِ الرِّبْحُ كَمَا يُحْسَبُ فِي الْبَزِّ فَإِنْ بَاعَ الْبَزَّ وَلَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِمَّا سَمَّيْتُ إِنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ فِيهِ رِبْحٌ فَإِنْ فَاتَ الْبَزُّ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يُحْسَبُ وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ رِبْحٌ فَإِنْ لَمْ يَفُتْ الْبَزُّ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْمَتَاعَ بِالذَّهَبِ أَوْ بِالْوَرِقِ وَالصَّرْفُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ فَيَقْدَمُ بِهِ بَلَدًا فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَوْ يَبِيعُهُ حَيْثُ اشْتَرَاهُ مُرَابَحَةً عَلَى صَرْفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي بَاعَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ ابْتَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَبَاعَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ ابْتَاعَهُ بِدَنَانِيرَ وَبَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَكَانَ الْمَتَاعُ لَمْ يَفُتْ فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ فَإِنْ فَاتَ الْمَتَاعُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ الْبَائِعُ وَيُحْسَبُ لِلْبَائِعِ الرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ عَلَى مَا رَبَّحَهُ الْمُبْتَاعُ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ سِلْعَةً قَامَتْ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِتِسْعِينَ دِينَارًا وَقَدْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ خُيِّرَ الْبَائِعُ فَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ قِيمَةُ سِلْعَتِهِ يَوْمَ قُبِضَتْ مِنْهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِهِ الْبَيْعُ أَوَّلَ يَوْمٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ مِائَةُ دِينَارٍ وَعَشْرَةُ دَنَانِيرَ وَإِنْ أَحَبَّ ضُرِبَ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى التِّسْعِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَلَغَتْ سِلْعَتُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَيُخَيَّرُ فِي الَّذِي بَلَغَتْ سِلْعَتُهُ وَفِي رَأْسِ مَالِهِ وَرِبْحِهِ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ بَاعَ رَجُلٌ سِلْعَةً مُرَابَحَةً فَقَالَ قَامَتْ عَلَيَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا قَامَتْ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا خُيِّرَ الْمُبْتَاعُ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الْبَائِعَ قِيمَةَ السِّلْعَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الثَّمَنَ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ عَلَى حِسَابِ مَا رَبَّحَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ السِّلْعَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنَقِّصَ رَبَّ السِّلْعَةِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ رَضِيَ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا جَاءَ رَبُّ السِّلْعَةِ يَطْلُبُ الْفَضْلَ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنْ يَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ   36 - بَابُ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْبَزِّ) بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَزَايٍ الثِّيَابُ أَوْ مَتَاعُ الْبَيْتِ مِنَ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَبَائِعُهُ الْبَزَّازُ (يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ بِبَلَدٍ ثُمَّ يَقْدَمُ بِهِ بَلَدًا آخَرَ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً، أَنَّهُ لَا يَحْسِبُ فِيهِ أَجْرَ السَّمَاسِرَةِ) جَمْعُ سِمْسَارٍ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (وَلَا أَجْرَ الطَّيِّ وَلَا الشَّدِّ وَلَا النَّفَقَةَ وَلَا كِرَاءَ الْبَيْتِ) لِأَنَّهُ لَا عَيْنَ لَهُ قَائِمَةٌ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَبِيعِ غَالِبًا. (فَأَمَّا كِرَاءُ الْبَزِّ فِي حُمْلَانِهِ) بِضَمِّ الْحَاءِ أَيْ حَمْلِهِ (فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ وَلَا يُحْسَبُ فِيهِ رِبْحٌ) لِأَنَّهُ لَا عَيْنَ لَهُ قَائِمَةٌ (إِلَّا أَنْ يُعْلِمَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يُخْبِرَ (الْبَائِعُ مَنْ يُسَاوِمُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنْ رَبَّحُوهُ) بِالتَّثْقِيلِ وَالْجَمْعِ عَلَى مَعْنَى مَنْ (بَعْدِ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ (وَأَمَّا الْقِصَارَةُ وَالْخِيَاطَةُ وَالصِّبَاغُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) كَطَرْزٍ وَفَتْلٍ وَكَمَدٍّ وَتَطْرِيَةٍ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فِي الْمَبِيعِ وَيَخْتَصُّ بِهِ غَالِبًا (فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَزِّ يُحْسَبُ فِيهِ الرِّبْحُ كَمَا يُحْسَبُ فِي الْبَزِّ) لِزِيَادَتِهِ بِذَلِكَ. (فَإِنْ بَاعَ الْبَزَّ وَلَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِمَّا سَمَّيْتُ) بِضَمِّ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ (أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ فِيهِ رِبْحٌ، فَإِنْ فَاتَ الْبَزُّ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يُحْسَبُ وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ رِبْحٌ، فَإِنْ لَمْ يَفُتِ الْبَزُّ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا) فَلَا يُفْسَخُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْمَتَاعَ بِالذَّهَبِ أَوْ بِالْوَرِقِ) الْفِضَّةِ (وَالصَّرْفُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ فَيَقْدَمُ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 بَلَدًا فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَوْ يَبِيعُهُ حَيْثُ اشْتَرَاهُ) أَيْ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي اشْتَرَاهُ (بِهِ مُرَابَحَةً عَلَى صَرْفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي بَاعَهُ فِيهِ) وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّرْفُ فِي وَقْتِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ ابْتَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَبَاعَهُ بِدَنَانِيرَ أَوِ ابْتَاعَهُ بِدَنَانِيرَ وَبَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَكَانَ الْمُبْتَاعُ لَمْ يَفُتْ فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَهُ إِيَّاهُ بِمَا نَقَدَ ; لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ لَمْ يُرِدِ الشِّرَاءَ بِهَذِهِ. (وَإِنْ فَاتَ الْمَتَاعُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ الْبَائِعُ وَيُحْسَبُ لِلْبَائِعِ الرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ عَلَى مَا رَبِحَهُ الْمُبْتَاعُ) وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُضْرَبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لِلْمُشْتَرِي. وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إِلَّا أَنْ يَجِيءَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِمَّا رَضِيَ بِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ مَالِكٌ فِي هَذَا قِيمَةً كَمَا جَعَلَ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ. (وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ سِلْعَةً قَامَتْ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ) صِفَةُ سِلْعَةٍ مُرَابَحَةً (لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِتِسْعِينَ دِينَارًا وَقَدْ فَاتَتِ السِّلْعَةُ خُيِّرَ الْبَائِعُ فَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ قِيمَةُ سِلْعَتِهِ يَوْمَ قُبِضَتْ) أَيْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ كَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تَعْلِيلُهُ بِذَلِكَ وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَرَوَى فِيهَا عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ لَهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ بَاعَهَا أَيْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِهِ الْبَيْعُ أَوَّلَ يَوْمٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ مِائَةُ دِينَارٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ) الَّذِي وَقَعَ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَيْهَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا. (وَإِنْ أَحَبَّ ضُرِبَ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى التِسْعِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَلَغَتْ سِلْعَتُهُ مِنَ الثَّمَنِ أَقَلَّ مِنَ الْقِيمَةِ) فَيُخَيَّرُ (فِي الَّذِي بَلَغَتْ سِلْعَتُهُ، وَفِي رَأْسِ مَالِهِ وَرِبْحِهِ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِينَارًا) لَا يُزَادُ عَلَيْهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 (وَإِنْ بَاعَ رَجُلٌ سِلْعَةً مُرَابَحَةً فَقَالَ: قَامَتْ عَلَيَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ) غَلَطًا عَلَى نَفْسِهِ (ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ) الْعِلْمُ (أَنَّهَا قَامَتْ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا خُيِّرَ الْمُبْتَاعُ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الْبَائِعَ قِيمَةَ السِّلْعَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الثَّمَنَ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ عَلَى حِسَابِ مَا رَبِحَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ السِّلْعَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْقِصَ رَبَّ السِّلْعَةِ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ) فَيَلْزَمُهُ مَا رَضِيَ بِهِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ. (وَإِنَّمَا جَاءَ رَبُّ السِّلْعَةِ يَطْلُبُ الْفَضْلَ) الزَّائِدَ الَّذِي غَلِطَ فِيهِ (فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنْ يَضَعَ) يُسْقِطَ (مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي بِهِ ابْتَاعَ عَلَى الْبَرْنَامِجِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: كَذَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَرِوَايَةُ عَلِيٍّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى لَفْظِ التَّخْيِيرِ وَلَا مَعْنَى لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْدُبُ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ لَا يُنْقِصَهُ شَيْئًا، فَإِنَّ السِّلْعَةَ إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهَا أَوْ يُضْرَبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَإِنْ فَاتَتْ فَالْقِيمَةُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِنَ الْمِائَةِ وَرِبْحِهَا فَلَا يَنْقُصُ أَوْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَرِبْحِهَا فَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 [بَاب الْبَيْعِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْقَوْمِ يَشْتَرُونَ السِّلْعَةَ الْبَزَّ أَوْ الرَّقِيقَ فَيَسْمَعُ بِهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ الْبَزُّ الَّذِي اشْتَرَيْتَ مِنْ فُلَانٍ قَدْ بَلَغَتْنِي صِفَتُهُ وَأَمْرُهُ فَهَلْ لَكَ أَنْ أُرْبِحَكَ فِي نَصِيبِكَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُرْبِحُهُ وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْقَوْمِ مَكَانَهُ فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ رَآهُ قَبِيحًا وَاسْتَغْلَاهُ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ إِذَا كَانَ ابْتَاعَهُ عَلَى بَرْنَامَجٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقْدَمُ لَهُ أَصْنَافٌ مِنْ الْبَزِّ وَيَحْضُرُهُ السُّوَّامُ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمْ بَرْنَامَجَهُ وَيَقُولُ فِي كُلِّ عِدْلٍ كَذَا وَكَذَا مِلْحَفَةً بَصْرِيَّةً وَكَذَا وَكَذَا رَيْطَةً سَابِرِيَّةً ذَرْعُهَا كَذَا وَكَذَا وَيُسَمِّي لَهُمْ أَصْنَافًا مِنْ الْبَزِّ بِأَجْنَاسِهِ وَيَقُولُ اشْتَرُوا مِنِّي عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَيَشْتَرُونَ الْأَعْدَالَ عَلَى مَا وَصَفَ لَهُمْ ثُمَّ يَفْتَحُونَهَا فَيَسْتَغْلُونَهَا وَيَنْدَمُونَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُمْ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامَجِ الَّذِي بَاعَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا يُجِيزُونَهُ بَيْنَهُمْ إِذَا كَانَ الْمَتَاعُ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامَجِ وَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَهُ   37 - بَابُ الْبَيْعِ عَلَى الْبَرْنَامِجِ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْقَوْمِ يَشْتَرُونَ السِّلْعَةَ الْبَزَّ أَوِ الرَّقِيقَ فَيَسْمَعُ بِهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لِرَجُلٍ مِنْهُمُ: الْبَزُّ الَّذِي اشْتَرَيْتَ مِنْ فُلَانٍ قَدْ بَلَغَتْنِي صِفَتُهُ وَأَمْرُهُ فَهَلْ لَكَ أَنْ أُرْبِحَكَ فِي نَصِيبِكَ كَذَا وَكَذَا؟) لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ (فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُرْبِحُهُ وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْقَوْمِ) بِحِصَّةِ مَنْ بَاعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 مِنْهُمْ (مَكَانَهُ) أَيْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَبْلَ فَتْحِ الْمَتَاعِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ: (فَإِذَا نَظَرُوا إِلَيْهِ رَأَوْهُ قَبِيحًا وَاسْتَغْلَوْهُ) وَفِي نُسْخَةٍ بِإِفْرَادِ نَظَرَ وَرَأَى وَاسْتَغْلَى وَهِيَ أَنْسَبُ. (قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ إِذَا كَانَ ابْتَاعَهُ عَلَى بَرْنَامِجٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ) يَذْكُرُهَا، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: بَلَغَتْنِي صِفَتُهُ وَأَمْرُهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَدَّعِيَ مِنَ الصِّفَةِ مَا شَاءَ وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ عَلَى صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فَفِيهِ اخْتِصَارٌ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَالِاخْتِصَارُ إِنَّمَا وَقَعَ فِيمَا هُوَ صُورَةُ سُؤَالٍ وَإِلَّا فَالْإِمَامُ قَيَّدَ اللُّزُومَ وَنَفَى الْخِيَارَ بِقَوْلِهِ: إِذَا كَانَ ابْتَاعَهُ. . . . . إِلَخْ، وَهُوَ حَاصِلُ مَعْنَى مَا بَسَطَهُ الْبَاجِيُّ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقْدَمُ لَهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (أَصْنَافٌ مِنَ الْبَزِّ وَيَحْضُرُهُ السُّوَّامُ) جَمْعُ سَائِمٍ (وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمْ بَرْنَامِجَهُ وَيَقُولُ فِي كُلِّ عَدْلٍ كَذَا وَكَذَا مِلْحَفَةً) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مُلَاءَةٌ يُلْتَحَفُ بِهَا (بَصْرِيَّةً) بِفَتْحٍ نِسْبَةً إِلَى الْبَصْرَةِ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ (وَكَذَا وَكَذَا رَيْطَةً) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ كُلُّ مُلَاءَةٍ لَيْسَتْ لِفْقَتَيْنِ أَيْ قِطْعَتَيْنِ وَالْجَمْعُ رِيَاطٌ مِثْلُ كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ، وَرَيْطٌ أَيْضًا مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ، وَقَدْ يُسَمَّى كُلُّ ثَوْبٍ رَقِيقٍ رَيْطَةً (سَابَرِيَّةً) بِمُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ نَوْعٌ رَقِيقٌ مِنَ الثِّيَابِ، قِيلَ إِنَّهُ نِسْبَةٌ إِلَى سَابُورَ كُورَةٍ مِنْ كُوَرِ فَارِسَ. (ذَرْعُهَا) قِيَاسُهَا (كَذَا وَكَذَا وَيُسَمِّي لَهُمْ أَصْنَافًا مِنَ الْبَزِّ بِأَجْنَاسِهِ وَيَقُولُ: اشْتَرُوا مِنِّي عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ) عَلَى وَجْهِ الْمُرَابَحَةِ (فَيَشْتَرُونَ الْأَعْدَالَ عَلَى مَا وَصَفَ لَهُمْ ثُمَّ يَفْتَحُونَهَا فَيَسْتَغْلُونَهَا) يَسْتَكْثِرُونَ ثَمَنَهَا (وَيَنْدَمُونَ، قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُمْ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامِجِ الَّذِي بَاعَهُمْ عَلَيْهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ وَقَدِ اشْتَرَوْا مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْمُرَابَحَةِ، فَأَمَّا وَجْهُهَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ وَهَذَا يَدْخُلُهُ الْخَدِيعَةُ. (وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا يُجِيزُونَهُ بَيْنَهُمْ إِذَا كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 الْمَتَاعُ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامِجِ وَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَهُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: بَيْعُ الْبَرْنَامِجِ مِنْ بُيُوعِ الْمُرَابَحَةِ وَهُوَ بَيْعُ الْمُشَاعِ عَلَى الصِّفَةِ الْعَشَرَةُ أَحَدَ عَشَرَ وَنَحْوُ ذَلِكَ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَكَرِهَهُ آخَرُونَ لِأَنَّ الصِّفَةَ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْمَضْمُونِ وَهُوَ السَّلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 [بَاب بَيْعِ الْخِيَارِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ   38 - بَابُ بَيْعِ الْخِيَارِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ مِنَ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ. 1374 - 1356 - « (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمُتَبَايِعَانِ) تَثْنِيَةُ مُتَبَايِعٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِغَيْرِ مَالِكٍ: " الْبَيِّعَانِ " تَثْنِيَةُ بَيِّعٍ (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ) » خَبَرُ كُلُّ أَيْ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ قَوْلِهِ الْمُتَبَايِعَانِ. (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) بِفَوْقِيَّةٍ قَبْلَ الْفَاءِ، وَلِلنَّسَائِيِّ يَفْتَرِقَا بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ، وَنَقَلَ ثَعْلَبٌ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ سَلَمَةَ افْتَرَقَا بِالْكَلَامِ وَتَفَرَّقَا بِالْأَبْدَانِ وَرَدَّهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4] (سُورَةُ الْبَيِّنَةِ: الْآيَةُ 4) فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّفَرُّقِ بِالْكَلَامِ لِأَنَّهُ بِالِاعْتِقَادِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَنْ لَازَمَهُ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَ آخَرَ فِي عَقِيدَتِهِ كَانَ مُسْتَدْعِيًا لِمُفَارَقَتِهِ إِيَّاهُ بِبَدَنِهِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْجَوَابِ، وَالْحَقُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُفَضَّلِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ بِالْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَ أَحَدُهُمَا فِي مَوْضِعِ الْآخَرِ اتِّسَاعًا (إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا أَصْلٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، قَالَ الْأَبِيُّ: يَعْنِي بِالْمُطْلَقِ الْمَسْكُوتَ عَنْ تَعْيِينِ مُدَّةِ الْخِيَارِ فِيهِ، وَبِالْمُقَيَّدِ مَا عُيِّنَ فِيهِ أَمَدُ الْخِيَارِ وَإِنَّمَا يَكُونُ أَصْلًا فِي بَيْعِ الْخِيَارِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ مَفْهُومِ الْغَايَةِ أَيْ فَإِنْ تَفَرَّقَا فَلَا خِيَارَ إِلَّا فِي بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ، وَقِيلَ إِنَّمَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْحُكْمِ وَالْمَعْنَى الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا فِي بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ عَدَمُ الْخِيَارِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، وَقِيلَ الْمَعْنَى إِلَّا بَيْعًا جَرَى فِيهِ التَّخَايُرُ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ: اخْتَرْ فَيَخْتَارُ فَيُلْزَمُ بِالْعَقْدِ لِبَعْضِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، فَعَلَى هَذَيْنِ لَا يَكُونُ أَصْلًا فِي بَيْعِ الْخِيَارِ انْتَهَى. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْخِيَارَ إِذَا أُطْلِقَ شَرْعًا فُهِمَ مِنْهُ إِثْبَاتُهُ لَا قَطْعُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، الحديث: 1374 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 وَرَدَّهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَدَّهُ غَيْرَهُمْ. قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: رَفَعَهُ مَالِكٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ وَذَلِكَ عِنْدَهُ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: إِذَا رَأَيْتَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَجْمَعُوا عَلَى شَيْءٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ الْحَقُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَابْنَ شِهَابٍ رُوِيَ عَنْهُمَا نَصًّا تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ، وَهُمَا مِنْ أَجَلِّ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا نَصًّا تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ إِلَّا عَنْ مَالِكٍ وَرَبِيعَةَ بِخَلَفٍ عَنْهُ، وَأَنْكَرَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَهُوَ مِنْ فُقَهَائِهَا فِي عَصْرِ مَالِكٍ عَلَيْهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهِ حَتَّى جَرَى مِنْهُ فِي مَالِكٍ قَوْلٌ خَشِنٌ حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْغَضَبُ لَمْ يُسْتَحْسَنْ مِثْلُهُ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: مَنْ قَالَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَفْتَرِقَا اسْتُتِيبَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنَّ يَدَّعِيَ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ قَالَ هَذَا الْبَعْضُ وَإِنَّمَا مَعْنَى مَا (قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ) أَيْ لَيْسَ لِلْخِيَارِ عِنْدَنَا حَدٌّ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا حَدَّهُ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ بَلْ هُوَ عَلَى حَالِ الْمَبِيعِ انْتَهَى. وَفِي قَوْلِهِ: لَا أَعْلَمُ مَنْ رَدَّهُ غَيْرَهُمْ قُصُورٌ كَبِيرٌ مِنْ مِثْلِهِ، فَقَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعْظَمِ السَّلَفِ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَفُقَهَائِهَا السَّبْعَةِ وَقِيلَ إِلَّا ابْنَ الْمُسَيَّبِ وَقِيلَ لَهُ قَوْلَانِ نَفْيُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ إِذْ هِيَ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنَ الْأَعْيَانِ، وَتَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا هُوَ الْأَصْلُ، فَالْبَيْعُ لَازِمٌ تَفَرَّقَا أَمْ لَا. وَأُجِيبَ عَنِ الْحَدِيثِ بِحَمْلِ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى الْمُتَشَاغِلَيْنِ بِالْبَيْعِ، فَإِنَّ بَابَ الْمُفَاعَلَةِ شَأْنُهَا اتِّحَادُ الزَّمَانِ كَالْمُضَارَبَةِ وَيَكُونُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَقْوَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 130) وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الطَّلَاقِ التَّفَرُّقُ بِالْأَدْيَانِ، فَكَمَا أَنَّ الْمُتَضَارِبَيْنِ صَدَقَ عَلَيْهِمَا حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فَكَذَلِكَ الْمُتَبَايِعَانِ، وَيَكُونُ الِافْتِرَاقُ مَجَازًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ؛ وَلِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، فَوَصْفُ الْمُفَاعَلَةِ هُوَ عِلَّةٌ لِلْخِيَارِ فَإِذَا انْقَضَتْ بَطَلَ الْخِيَارُ لِبُطْلَانِ سَبَبِهِ، وَحَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْبَيْعُ مَجَازٌ، كَتَسْمِيَةِ الْخُبْزِ قَمْحًا وَالْإِنْسَانِ نُطْفَةً، وَلَا يَرِدُ أَنَّا تَمَسَّكْنَا بِالْمَجَازِ وَهُوَ حَمْلُ الِافْتِرَاقِ عَلَى الْأَقْوَالِ وَإِنَّمَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ لِأَنَّهُ رَاجِحٌ عَلَى الْمَجَازِ الثَّانِي لِاعْتِضَادِهِ بِالْقِيَاسِ وَالْقَوَاعِدِ سَلَّمْنَا عَدَمَ التَّرْجِيحِ فَلَيْسَ أَحَدُ الْمَجَازَيْنِ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، فَالْحَدِيثُ مُجْمَلٌ فَيَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَالُ وَهَذَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَهَذَا مِنْهُ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَدْرِي مَا يَحْصُلُ لَهُ هَلِ الثَّمَنُ أَوِ الْمَثْمُونُ وَهُوَ أَيْضًا خِيَارٌ مَجْهُولُ الْعَاقِبَةِ فَيَبْطُلُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 1) لِلْوُجُوبِ وَهُوَ يُنَافِي الْخِيَارَ، وَقَوْلُ أَبِي عُمَرَ لَا حُجَّةَ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْوَفَاءِ بِهِ مِنَ الْعُقُودِ مَا وَافَقَ السُّنَّةَ لَا مَا خَالَفَهَا كَمَا لَوْ عَقَدَا عَلَى الرِّبَا فِيهِ نَظَرٌ فَلَيْسَ هَذَا مِمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 خَالَفَهَا، فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْوِبَةِ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَأْخُذْ بِالْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ رَوَاهُ ; لِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ: الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ، فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تُسْقِطُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ إِذْ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ لِلِاسْتِقَالَةِ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا أَشْبَهُ الْأَجْوِبَةِ، وَقَوْلُ عِيَاضٍ: الزِّيَادَةُ قَوِيَّةٌ فِي وُجُوبِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ رَدَّهُ الْأَبِيُّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَوِيَّةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ قِيَامُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَصَدَ أَخْذَ الْخِيَارِ حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً فِي إِثْبَاتِهِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لَهُ الْقِيَامُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ طَلَبِ الْإِقَالَةِ فِي الْمَجْلِسِ، فَالزِّيَادَةُ تُسْقِطُ خِيَارَهُ إِذْ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى طَلَبِ الْإِقَالَةِ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَاسْتَبْعَدَهُ الْقُرْطُبِيُّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْنَى الْحَدِيثِ إِذَا قَالَ بِعْتُكَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقُلِ الْمُشْتَرِي: قَدْ قَبِلْتُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ سِجْنٍ كَيْفَ يَفْتَرِقَانِ. وَقَدْ أَكْثَرَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَجْوِبَةِ عَنِ الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُوَ أَنْ يَتَوَارَى أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: هُوَ أَنْ يَقُومَ أَحَدُهُمَا، وَقَالَ الْبَاقُونَ: هُوَ افْتِرَاقُهُمَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ: كَانَ إِذَا ابْتَاعَ بَيْعًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيُجِيبَ لَهُ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: إِذَا بَاعَ انْصَرَفَ لِيَجِبَ الْبَيْعُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِعْلُهُ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَفْعَلُ انْتَهَى. وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ بِحَسَبِ فَهْمِهِ مِنَ اللَّفْظِ لَا مِنْ نَفْسِ الْمُصْطَفَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَأَيُّوبُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ جُرَيْجٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِنَحْوِهِ، وَتَابَعَ نَافِعًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَجَاءَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَيُّمَا بَيِّعَيْنِ تَبَايَعَا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً فَقَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ مُوَاجَبَةِ الْبَيْعِ أَبِيعُكَ عَلَى أَنْ أَسْتَشِيرَ فُلَانًا فَإِنْ رَضِيَ فَقَدْ جَازَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَرِهَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا فَيَتَبَايَعَانِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَشِيرَ الْبَائِعُ فُلَانًا إِنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ لَازِمٌ لَهُمَا عَلَى مَا وَصَفَا وَلَا خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ وَهُوَ لَازِمٌ لَهُ إِنْ أَحَبَّ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ الْبَائِعُ أَنْ يُجِيزَهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ فَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُكَهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ ابْتَعْتُهَا مِنْكَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ إِنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِهَا لِلْمُشْتَرِي بِمَا قَالَ وَإِنْ شِئْتَ فَاحْلِفْ بِاللَّهِ مَا بِعْتَ سِلْعَتَكَ إِلَّا بِمَا قُلْتَ فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إِمَّا أَنْ تَأْخُذَ السِّلْعَةَ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ بِاللَّهِ مَا اشْتَرَيْتَهَا إِلَّا بِمَا قُلْتَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ   1374 - 1357 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَصَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّمَا) زِيدَتْ مَا عَلَى أَيِّ لِزِيَادَةِ التَّعْمِيمِ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ (بَيِّعَيْنِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ تَثْنِيَةُ بَيِّعٍ (تَبَايَعَا) ثُمَّ تَخَالَفَا ( «فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جَعَلَ مَالِكٌ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ كَالْمُفَسِّرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِذْ قَدْ يَخْتَلِفَانِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَالتَّرَادُّ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ عِنْدَهُ مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ الْعَمَلَ عَلَيْهِ وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: لَعَلَّهُ مِمَّا تُرِكَ وَلَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 يَعْمَلُ بِهِ قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعٌ لَا يَكَادُ يَتَّصِلُ، خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ مُنْقَطِعَةٍ انْتَهَى. وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ: عَوْنٌ لَمْ يُدْرِكِ ابْنَ مَسْعُودٍ. (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ فَقَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ مُوَاجَبَةِ الْبَيْعِ: أَبِيعُكَ عَلَى أَنْ تَسْتَشِيرَ فُلَانًا، فَإِنْ رَضِيَ فَقَدْ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَرِهَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا، فَيَتَبَايَعَانِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَشِيرَ الْبَائِعُ فُلَانًا) الَّذِي أَرَادَهُ (أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ لَازِمٌ لَهُمَا عَلَى مَا وَصَفَا، وَلَا خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ، وَهُوَ لَازِمٌ لَهُ إِنْ أَحَبَّ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ الْبَائِعُ) الْخِيَارَ (أَنْ يُجِيزَهُ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ، فَإِنْ بَعُدَتْ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ مُعَيَّنٌ يَسْتَحِقُّ قَبْضُهُ إِلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنَ الرَّجُلِ فَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ) قَبْلَ قَبْضِ السِّلْعَةِ وَفَوَاتِهَا (فَيَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْتُكَهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ: ابْتَعْتُهَا مِنْكَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ: إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِهَا الْمُشْتَرِيَ بِمَا قَالَ، وَإِنْ شِئْتَ فَاحْلِفْ بِاللَّهِ مَا نَظِيرُ سِلْعَتِكَ إِلَّا بِمَا قُلْتَ، فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي: إِمَّا أَنْ تَأْخُذَ السِّلْعَةَ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ بِاللَّهِ مَا اشْتَرَيْتَهَا إِلَّا بِمَا قُلْتَ) ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْهَا، وَذَلِكَ: أَيْ وَجْهُ حَلِفِهِمَا جَمِيعًا (أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ) فَيَبْدَأُ الْبَائِعُ بِالْيَمِينِ، وَقِيلَ يَبْدَأُ الْمُبْتَاعُ وَهُوَ شُذُوذٌ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، فَإِنِ اخْتَلَفَا بَعْدَ قَبْضِ السِّلْعَةِ وَقَبْلَ فَوَاتِهَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، فَإِنْ فَاتَتْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ حَوَالَةِ سُوقٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ، رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 [بَاب مَا جَاءَ فِي الرِّبَا فِي الدَّيْنِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدٍ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى السَّفَّاحِ أَنَّهُ قَالَ بِعْتُ بَزًّا لِي مِنْ أَهْلِ دَارِ نَخْلَةَ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى الْكُوفَةِ فَعَرَضُوا عَلَيَّ أَنْ أَضَعَ عَنْهُمْ بَعْضَ الثَّمَنِ وَيَنْقُدُونِي فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ لَا آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَ هَذَا وَلَا تُوكِلَهُ   39 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّبَا فِي الدَّيْنِ 1376 1358 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَاد) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ (عَنْ بُسْرِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ (ابْنِ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمَدَنِيِّ الْعَابِدِ الْحَافِظِ الثِّقَةِ التَّابِعِيِّ الصَّغِيرِ (عَنْ عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْبَاءِ بِلَا إِضَافَةٍ (أَبِي صَالِحٍ) كُنْيَتُهُ (مَوْلَى السَّفَّاحِ) لَقَبُ أَوَّلِ خُلَفَاءَ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ قَالَ: بِعْتُ بَزًّا لِي مِنْ أَهْلِ دَارِ نَخْلَةَ) مَحَلٌّ بِالْمَدِينَةِ فِيهِ الْبَزَّازُونَ (إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى الْكُوفَةِ فَعَرَضُوا عَلَيَّ أَنْ أَضَعَ عَنْهُمْ) أُسْقِطَ (بَعْضَ الثَّمَنِ وَيَنْقُدُونِي) يُعَجِّلُوا لِي بَاقِيَهُ بَعْدَ الْوَضْعِ قَبْلَ الْأَجَلِ (فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ) الصَّحَابِيَّ الْعَالِمَ الشَّهِيرَ (فَقَالَ: لَا آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَ هَذَا) أَنْتَ (وَلَا تُؤْكِلَهُ) لِلَّذِينِ اشْتَرَوْهُ لِمَنْعِ (ضَعْ وَتَعَجَّلْ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: مَنْ لَهُ مِائَةٌ مُؤَجَّلَةٌ فَأَخَذَ خَمْسِينَ قَبْلَ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يَضَعَ خَمْسِينَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِائَةً مُؤَجَّلَةً بِخَمْسِينَ مُعَجَّلَةٍ فَدَخَلَهُ النَّسَاءُ وَالتَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصِ بْنِ خَلْدَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى الرَّجُلِ إِلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَيُعَجِّلُهُ الْآخَرُ فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَنَهَى عَنْهُ   1377 - 1359 - (مَالِكٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصِ بْنِ خَلْدَةَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ الثِّقَةِ الصَّالِحِ قَاضِي الْمَدِينَةِ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ شَيْخِ الْإِمَامِ رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ) أَبِيهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى الرَّجُلِ إِلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَيُعَجِّلُهُ الْآخَرُ) الْبَاقِيَ بَعْدَ الْوَضْعِ (فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَنَهَى عَنْهُ) لِمَنْعِ: ضَعْ وَتَعَجَّلْ، وَبِهِ قَالَ الْحَكَمُ بْنُ الحديث: 1377 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 عُتَيْبَةَ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَجَازَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَرَآهُ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ ابْنُ زُرْقُونَ: وَأُرَاهُ وَهْمًا. وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَالشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ، وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُ بِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «لَمَّا أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِ بَنِي النَّضِيرِ قَالُوا: لَنَا عَلَى النَّاسِ دُيُونٌ لَمْ تَحِلَّ، فَقَالَ: ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا» " وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَبْلَ نُزُولِ تَحْرِيمِ الرِّبَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي فَإِنْ قَضَى أَخَذَ وَإِلَّا زَادَهُ فِي حَقِّهِ وَأَخَّرَ عَنْهُ فِي الْأَجَلِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ إِلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ الطَّالِبُ وَيُعَجِّلُهُ الْمَطْلُوبُ وَذَلِكَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُؤَخِّرُ دَيْنَهُ بَعْدَ مَحِلِّهِ عَنْ غَرِيمِهِ وَيَزِيدُهُ الْغَرِيمُ فِي حَقِّهِ قَالَ فَهَذَا الرِّبَا بِعَيْنِهِ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِائَةُ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّتْ قَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِعْنِي سِلْعَةً يَكُونُ ثَمَنُهَا مِائَةَ دِينَارٍ نَقْدًا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إِلَى أَجَلٍ هَذَا بَيْعٌ لَا يَصْلُحُ وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِيهِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ بِعَيْنِهِ وَيُؤَخِّرُ عَنْهُ الْمِائَةَ الْأُولَى إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ آخِرَ مَرَّةٍ وَيَزْدَادُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ دِينَارًا فِي تَأْخِيرِهِ عَنْهُ فَهَذَا مَكْرُوهٌ وَلَا يَصْلُحُ وَهُوَ أَيْضًا يُشْبِهُ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي بَيْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا حَلَّتْ دُيُونُهُمْ قَالُوا لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ فَإِنْ قَضَى أَخَذُوا وَإِلَّا زَادُوهُمْ فِي حُقُوقِهِمْ وَزَادُوهُمْ فِي الْأَجَلِ   1378 - 1360 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ: أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي؟) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ تُزِيدُ حَتَّى أَصْبِرَ عَلَيْكَ (فَإِذَا قَضَى أَخَذَ، وَإِلَّا زَادَهُ فِي حَقِّهِ وَأَخَّرَ عَنْهُ) بِمَعْنَى زَادَ لَهُ (فِي الْأَجَلِ) وَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا الرِّبَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ تَعْرِفِ الْعَرَبُ الرِّبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ، وَزَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانًا وَحَرَّمَ رِبَا الْفَضْلِ كَمَا مَرَّ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ إِلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ الطَّالِبُ وَيُعَجِّلُهُ الْمَطْلُوبُ، وَذَلِكَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُؤَخِّرُ دَيْنَهُ بَعْدَ مَحِلِّهِ) أَيْ حُلُولِهِ (عَنْ غَرِيمِهِ وَيَزِيدُهُ الْغَرِيمُ) الْمَدِينُ (فِي حَقِّهِ، فَهَذَا الرِّبَا بِعَيْنِهِ لَا شَكَّ فِيهِ) لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ رِبَا النَّسَاءِ وَالتَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَمَا مَرَّ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِائَةُ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّتْ قَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ: بِعْنِي سِلْعَةً يَكُونُ ثَمَنُهَا مِائَةَ دِينَارٍ نَقْدًا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إِلَى أَجَلٍ، هَذَا بَيْعٌ لَا يَصْلُحُ) أَيْ فَاسِدٌ (وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ، الحديث: 1378 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِيهِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ بِعَيْنِهِ وَيُؤَخِّرُ عَنْهُ الْمِائَةَ الْأُولَى إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي ذَكَرَهُ آخِرَ مَرَّةٍ وَيَزْدَادُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ دِينَارًا فِي) أَيْ بِسَبَبِ (تَأْخِيرِهِ عَنْهُ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ) أَيْ حَرَامٌ (لَا يَصْلُحُ) لِفَسَادِهِ (وَهُوَ أَيْضًا يُشْبِهُ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي بَيْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا حَلَّتْ دُيُونُهُمْ قَالُوا لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ: إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ، فَإِنْ قَضَى أَخَذُوا، وَإِلَّا زَادُوهُمْ فِي حُقُوقِهِمْ وَزَادُوهُمْ فِي الْأَجَلِ) وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بَيْعٌ وَسَلَفٌ؛ لِأَنَّهُ ابْتَاعَ السِّلْعَةَ بِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ وَخَمْسِينَ مُؤَجَّلَةٍ لِيُؤَخِّرَهُ الَّتِي حَلَّتْ، وَوُجُوهٌ مِنَ الْفَسَادِ كَثِيرَةٌ، فَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ فَإِنْ فَاتَ فَالْقِيمَةُ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ مَنْ قَالَ بِقَطْعِ الذَّرَائِعِ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا، وَمَنْ قَالَ: لَا يَلْزَمُ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلِهِمَا وَلَمْ يَظُنَّ بِهَا السُّوءَ أَجَازَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 [بَاب جَامِعِ الدَّيْنِ وَالْحِوَلِ] حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ»   40 - بَابُ جَامِعِ الدَّيْنِ وَالْحِوَلِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ أَيِ التَّحَوُّلِ لِلدَّيْنِ الْمَدِينِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 108] (سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةُ 108) أَيْ تَحَوُّلًا، يُقَالُ: حَالَ مِنْ مَكَانِهِ حِوَلًا، وَعَادَ فِي حُبِّهَا عِوَدًا. - 1379 1361 (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ» ) الْقَادِرِ عَلَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ وَلَوْ فَقِيرًا. قَالَ عِيَاضٌ: الْمَطْلُ مَنْعُ قَضَاءِ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ، زَادَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَلِكَ وَطَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ حَقَّهُ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ مُضَافًا إِلَى الْمَفْعُولِ، وَإِنَّ الْغَنِيَّ هُوَ الْمَمْطُولُ. عِيَاضٌ: وَهُوَ بَعِيدٌ، قَالَ الْأُبِّيُّ: وَعَلَيْهِ فَالتَّقْدِيرُ أَنْ يُمْطِلَ بِضَمِّ الْيَاءِ، فَالْمَصْدَرُ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَفِي صِحَّةِ بِنَائِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 كَذَلِكَ خِلَافٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ انْتَهَى. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ وَفَاءُ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا وَلَا يَكُونُ غِنَاهُ سَبَبًا لِتَأْخِيرِهِ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ فَالْفَقِيرُ أَوْلَى، وَأَصْلُ الْمَطْلِ الْمَدُّ تَقُولُ: مَطَلْتُ الْحَدِيدَةَ أَمْطُلُهَا مَطْلًا إِذَا مَدَدْتَهَا لِتَطُولَ، قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْمَطْلُ الْمُدَافَعَةُ. (ظُلْمٌ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ، وَالْمَاطِلُ وَضَعَ الْمَنْعَ مَوْضِعَ الْقَضَاءِ اهـ. وَخَرَجَ بِالْغَنِيِّ الْمُعْسِرُ فَلَيْسَ بِظُلْمٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ مَا يَجِبُ مِنْ إِنْظَارِهِ، قَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ: تُرَدُّ شَهَادَةُ الْمَاطِلِ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا تُرَدُّ. وَفِي الْإِكْمَالِ: اخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ جُرْحَةٌ أَوْ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ عَادَةً. وَفِي الْفَتْحِ: لَفْظُ (مَطْلُ) يُشْعِرُ بِتَقَدُّمِ الطَّلَبِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْغَنِيَّ لَوْ أَخَّرَ الدَّفْعَ مَعَ عَدَمِ طَلَبِ صَاحِبِهِ الْحَقَّ لَهُ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَضِيَّةَ كَوْنِهِ ظُلْمًا أَنَّهُ كَبِيرَةٌ، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ: مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا اعْتِبَارُ تَكْرَارِهِ، وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْحَقِّ بَعْدَ طَلَبِهِ وَانْتِفَاءَ الْعُذْرِ عَنْ أَدَائِهِ كَالْغَصْبِ، وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْرَارُ، وَفِيهِ الزَّجْرُ عَنِ الْمَطْلِ. (وَإِذَا أُتْبِعَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ عَلَى الْمَشْهُورِ رِوَايَةً وَلُغَةً، قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَعِيَاضٌ، وَقَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ عِنْدَ الْجَمِيعِ مَرْدُودٌ بِقَوْلِ الْخَطَّابِيِّ: أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَهُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ، وَالصَّوَابُ التَّخْفِيفُ، وَقَالَ عِيَاضٌ: شَدَّدَهَا بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْوَجْهُ إِسْكَانُهَا يُقَالُ: تَبِعْتُ فُلَانًا بِحَقِّي أَتْبَعُهُ تَبَاعَةً بِالْفَتْحِ إِذَا طَلَبْتَهُ، وَأَنَا لَهُ تَبِيعٌ بِالتَّخْفِيفِ، وَالْمَعْنَى إِذَا أُحِيلَ (أَحَدُكُمْ) فَضَمِنَ مَعْنَى أُحِيلَ فَعُدِّيَ بِعَلَى فِي قَوْلِهِ (عَلَى مَلِيءٍ) بِالْهَمْزِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِمْلَاءِ، يُقَالُ مَلُؤَ الرَّجُلُ بِضَمِّ اللَّامِ أَيْ: صَارَ مَلِيئًا، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مَلِيٌّ كَغَنِيٍّ لَفْظًا وَمَعْنًى، قَالَ الْحَافِظُ: فَاقْتَضَى أَنَّهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ إِنَّهُ فِي الْأَصْلِ بِالْهَمْزِ وَمَنْ رَوَاهُ بِتَرْكِهَا فَقَدْ سَهَّلَهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْوَجْهَيْنِ. (فَلْيَتْبَعْ) بِإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ رِوَايَةً وَلُغَةً، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِشَدِّهَا، وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ: «إِذَا أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ» ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ، وَأَشَارَ إِلَى تَفَرُّدِ يَعْلَى بِذَلِكَ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ كَمَا تَرَى، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا بِالْمَعْنَى، فَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِلَفْظِ الْجَادَّةِ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: «إِذَا أُحِلْتَ عَلَى مَلِيءٍ فَاتَّبِعْهُ» ، وَهَذِهِ بِشَدِّ التَّاءِ خِلَافٌ، وَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَوَهِمَ مَنْ نَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَقِيلَ أَمْرُ إِبَاحَةٍ وَإِرْشَادٍ وَهُوَ شَاذٌّ، وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الصَّارِفَ لَهُ عَنْهُ إِلَى النَّدْبِ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَى الْمُحِيلِ بِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ مِنْ تَحْوِيلِ الْحَقِّ عَنْهُ، وَتَرْكُ تَكْلِيفِهِ التَّحْصِيلَ وَالْإِحْسَانَ مُسْتَحَبٌّ، وَبِأَنَّ الصَّارِفَ كَوْنُهُ أَمْرًا بَعْدَ نَهْيٍ، وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَيَكُونُ لِلْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ عَلَى الْمُرَجَّحِ فِي الْأُصُولِ، وَإِذَا أُتْبِعَ بِالْوَاوِ لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ فَلَا تَعَلُّقَ لِلْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ بِالْأُولَى، وَلِلتِّنِّيسِيِّ وَغَيْرِهِ: فَإِذَا أُتْبِعَ بِالْفَاءِ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِ مَطْلِ الْغَنِيِّ ظُلْمًا. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ ظُلْمٌ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْأَمْرِ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرِ الْمَطْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلِيءَ لَا يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ إِذَا امْتَنَعَ، بَلْ يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ قَهْرًا عَلَيْهِ وَيُوَفِّيهِ، فَفِي قَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةٍ فِي الْحَقِّ، قَالَ: وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَقَاءِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ، وَعَلَى الثَّانِي تَكُونُ الْعِلَّةُ عَدَمُ وَفَاءِ الْحَقِّ لَا الظُّلْمُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: قَدْ يُدَّعَى أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بَقَاءَ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ حَذْفٍ بِهِ يَحْصُلُ الِارْتِبَاطُ فَيُقَدَّرُ فِي الْأَوَّلِ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَالْمُسْلِمُ فِي الظَّاهِرِ يَجْتَنِبُهُ فَمَنْ أُتْبِعَ. . . . . إِلَخْ. وَفِي الثَّانِي: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَالظُّلْمُ تُزِيلُهُ الْحُكَّامُ وَلَا تُقِرُّهُ، فَمَنْ أُتْبِعَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ وَلَا يَخْشَى مِنَ الْمَطْلِ انْتَهَى. وَالظُّلْمُ حَرَامٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، وَأَعْظَمُهُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] (سُورَةُ لُقْمَانَ: الْآيَةَ 13) . كُنْ كَيْفَ شِئْتَ فَإِنَّ اللَّهَ ذُو كَرَمٍ لَا تَجْزَعَنَّ فَمَا فِي ذَاكَ مِنْ بَاسِ إِلَّا اثْنَتَانِ فَلَا تَقْرَبْهُمَا أَبَدًا الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالْإِضْرَارُ لِلنَّاسِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: 111] (سُورَةُ طه: الْآيَةُ 111) أَيْ خَابَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِحَسَبَ مَا ارْتَكَبَ مِنَ الظُّلْمِ. وَقَالَ: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: 19] (سُورَةُ الْفُرْقَانِ: الْآيَةَ 19) وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَيْكُمْ فَلَا تَظَالَمُوا» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» ، أَيْ مَطْلُ الْغَنِيِّ يُبِيحُ التَّظَلُّمَ مِنْهُ بِأَنْ يُقَالَ: ظَلَمَنِي وَمَطَلَنِي وَعُقُوبَتُهُ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ وَنَحْوِهِمَا إِذَا لَدَّ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ بَقِيَّةُ السِّتَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ إِنِّي رَجُلٌ أَبِيعُ بِالدَّيْنِ فَقَالَ سَعِيدٌ لَا تَبِعْ إِلَّا مَا آوَيْتَ إِلَى رَحْلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ تِلْكَ السِّلْعَةَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِمَّا لِسُوقٍ يَرْجُو نَفَاقَهَا فِيهِ وَإِمَّا لِحَاجَةٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُخْلِفُهُ الْبَائِعُ عَنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ فَيُرِيدُ الْمُشْتَرِي رَدَّ تِلْكَ السِّلْعَةِ عَلَى الْبَائِعِ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ لَهُ وَإِنَّ الْبَائِعَ لَوْ جَاءَ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ لَمْ يُكْرَهْ الْمُشْتَرِي عَلَى أَخْذِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيَكْتَالُهُ ثُمَّ يَأْتِيهِ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ فَيُخْبِرُ الَّذِي يَأْتِيهِ أَنَّهُ قَدْ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ وَاسْتَوْفَاهُ فَيُرِيدُ الْمُبْتَاعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَأْخُذَهُ بِكَيْلِهِ إِنَّ مَا بِيعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ بِنَقْدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَا بِيعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إِلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ حَتَّى يَكْتَالَهُ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا كُرِهَ الَّذِي إِلَى أَجَلٍ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى الرِّبَا وَتَخَوُّفٌ أَنْ يُدَارَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ فَإِنْ كَانَ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَى دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ وَلَا حَاضِرٍ إِلَّا بِإِقْرَارٍ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَا عَلَى مَيِّتٍ وَإِنْ عَلِمَ الَّذِي تَرَكَ الْمَيِّتُ وَذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاءَ ذَلِكَ غَرَرٌ لَا يُدْرَى أَيَتِمُّ أَمْ لَا يَتِمُّ قَالَ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى دَيْنًا عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ أَنَّهُ لَا يُدْرَى مَا يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ بِهِ فَإِنْ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ ذَهَبَ الثَّمَنُ الَّذِي أَعْطَى الْمُبْتَاعُ بَاطِلًا قَالَ مَالِكٌ وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا عَيْبٌ آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ ذَهَبَ ثَمَنُهُ بَاطِلًا فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَصْلُحُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فُرِقَ بَيْنَ أَنْ لَا يَبِيعَ الرَّجُلُ إِلَّا مَا عِنْدَهُ وَأَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْعِينَةِ إِنَّمَا يَحْمِلُ ذَهَبَهُ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَبْتَاعَ بِهَا فَيَقُولُ هَذِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَمَا تُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ لَكَ بِهَا فَكَأَنَّهُ يَبِيعُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ نَقْدًا بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ فَلِهَذَا كُرِهَ هَذَا وَإِنَّمَا تِلْكَ الدُّخْلَةُ وَالدُّلْسَةُ   1380 - 1362 - (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أَبِيعُ بِالدَّيْنِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: لَا تَبِعْ إِلَّا مَا آوَيْتَ إِلَى رَحْلِكَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ يُدَايِنُ النَّاسَ خَافَ عَلَيْهِ الْعِينَةَ لِذَرِيعَةٍ، أَنْ يَبِيعَ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ أَوْ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ مُوَافَقَةِ الْمُبْتَاعِ مِنْهُ عَلَى بَيْعِهِ بِثَمَنٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا يُوَلَّى قَبْضَهُ هَذَا الْمُبْتَاعُ الْأَخِيرُ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ ثَمَنَهُ الحديث: 1380 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ فِي ثَمَنِهِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ بِهِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنَ الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ تِلْكَ السِّلْعَةَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِمَّا لِسُوقٍ يَرْجُو نَفَاقَهُ) بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ رَوَاجَهُ لِيَرْبَحَ فِي السِّلْعَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ نَفَاقَهَا، أَيِ السِّلْعَةِ بِهِ (وَإِمَّا لِحَاجَةٍ) لَهُ بِالسِّلْعَةِ (فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي اشْتَرَطَ عَلَيْهِ) أَنْ يُوَفِّيَهَا إِيَّاهُ فِيهِ (ثُمَّ يُخْلِفُهُ الْبَائِعُ عَنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ فَيُرِيدُ الْمُشْتَرِي رَدَّ تِلْكَ السِّلْعَةِ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي، وَأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ لَهُ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ (وَأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ جَاءَ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ لَمْ يُكْرَهِ) أَيْ يُجْبَرِ (الْمُشْتَرِي عَلَى أَخْذِهَا) لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي التَّأْخِيرِ الَّذِي وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيَكْتَالُهُ ثُمَّ يَأْتِيهِ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ فَيُخْبِرُ) أَيْ يُعْلِمُ (الَّذِي يَأْتِيهِ أَنَّهُ قَدِ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ وَاسْتَوْفَاهُ) قَبْضَهُ (فَيُرِيدُ الْمُبْتَاعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَأْخُذَهُ بِكَيْلِهِ أَنَّهُ مَا بِيعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ بِنَقْدٍ) أَيْ مُعَجَّلًا (فَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ، وَمِثْلُ الْكَيْلِ الْوَزْنُ. (وَمَا بِيعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إِلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ حَتَّى يَكْتَالَهُ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ لِنَفْسِهِ) وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ» ". (وَإِنَّمَا كُرِهَ الَّذِي إِلَى أَجَلٍ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ: وَسِيلَةٌ (إِلَى الرِّبَا) يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ إِلَّا مِنْ أَجْلِ الْأَجَلِ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَ لِلْأَجْلِ ثَمَنًا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (وَتَخَوُّفٌ) بِفَوْقِيَّةِ وَالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى ذَرِيعَةٍ (أَنْ يُدَارَ) مِنَ الْإِدَارَةِ (ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ) فَيُؤَدِّي إِلَى تَعْدَادِ الْبَيْعِ لِلطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ (فَإِنْ كَانَ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ) أَيْ مَمْنُوعٌ (وَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 بِالْمَدِينَةِ (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَى دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ) إِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ غَرَرٌ كَشِرَاءِ الْآبِقِ، وَلَعَلَّهُ يُنْكِرُ فَيَبْطُلُ، وَإِنْ نَقَدَ كَانَ أَشَدَّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَارَةً بَيْعًا وَتَارَةً سَلَفًا، قَالَهُ الْبَاجِيُّ: (وَلَا حَاضِرَ إِلَّا بِإِقْرَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَلَا عَلَى مَيِّتٍ وَإِنْ عَلِمَ الَّذِي تَرَكَ الْمَيِّتُ، وَذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاءَ ذَلِكَ غَرَرٌ) لِأَنَّهُ (لَا يَدْرِي أَيَتِمُّ أَمْ لَا يَتِمُّ، وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُ وَإِيضَاحُ وَجْهِ الْكَرَاهَةِ بِمَعْنَى الْمَنْعِ (أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى دَيْنًا عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ أَنَّهُ لَا يَدْرَى مَا يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مِنَ الدَّيْنِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمُ بِهِ، فَإِنْ لَحِقَ الْمَيِّتَ) أَيْ كَانَ عَلَيْهِ (دَيْنٌ ذَهَبَ الثَّمَنُ الَّذِي أَعْطَى الْمُبْتَاعُ بَاطِلًا) وَقَدْ نُهِيَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ (وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا عَيْبٌ آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ ذَهَبَ ثَمَنُهُ بَاطِلًا، فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَصْلُحُ) فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ (وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ لَا يَبِيعَ الرَّجُلُ إِلَّا مَا عِنْدَهُ) وَيُمْنَعُ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ (وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّفَ) أَيْ يُسَلِّمَ (الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ لَيْسَ عِنْدَهُ) فَيَجُوزَ (أَصْلُهُ) أَيْ بِنَاؤُهُ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ (أَنَّ صَاحِبَ الْعِينَةِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالنُّونِ (إِنَّمَا يَحْمِلُ ذَهَبَهُ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَبْتَاعَ بِهَا فَيَقُولُ هَذِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَمَا تُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ لَكَ بِهَا؟ فَكَأَنَّهُ يَبِيعُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ نَقْدًا بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ، فَلِهَذَا كُرِهَ هَذَا) سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ (وَإِنَّمَا تِلْكَ الدُّخِلَةُ) مُثَلَّثَ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونَ الْمُعْجَمَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، أَيِ النِّيَّةُ إِلَى التَّوَصُّلِ إِلَى الرِّبَا (وَالدُّلْسَةُ) بِضَمِّ الدَّالِ التَّدْلِيسُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: رَوَى جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَبِيعُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُهُ مِنَ السُّوقِ فَقَالَ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» " وَهَذَا أَحْسَنُ أَسَانِيدِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَأَمَّا السَّلَمُ فَلَهُ حُكْمُهُ وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مُؤَجَّلًا، وَإِذَا جَوَّزْنَا السَّلَمَ الْحَالَّ حُمِلَ الْحَدِيثُ أَنَّ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ هُوَ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا وَيَضْمَنَ خُرُوجَهُ مِنْ مِلْكِ رَبِّهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 [بَاب مَا جَاءَ فِي الشِّرْكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ] قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْبَزَّ الْمُصَنَّفَ وَيَسْتَثْنِي ثِيَابًا بِرُقُومِهَا إِنَّهُ إِنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ الرَّقْمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُ حِينَ اسْتَثْنَى فَإِنِّي أَرَاهُ شَرِيكًا فِي عَدَدِ الْبَزِّ الَّذِي اشْتُرِيَ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ يَكُونُ رَقْمُهُمَا سَوَاءً وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الثَّمَنِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ مِنْهُ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ قَبَضَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِالنَّقْدِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ وَلَا وَضِيعَةٌ وَلَا تَأْخِيرٌ لِلثَّمَنِ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ رِبْحٌ أَوْ وَضِيعَةٌ أَوْ تَأْخِيرٌ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ بَيْعًا يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ وَلَيْسَ بِشِرْكٍ وَلَا تَوْلِيَةٍ وَلَا إِقَالَةٍ قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بَزًّا أَوْ رَقِيقًا فَبَتَّ بِهِ ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُشَرِّكَهُ فَفَعَلَ وَنَقَدَا الثَّمَنَ صَاحِبَ السِّلْعَةِ جَمِيعًا ثُمَّ أَدْرَكَ السِّلْعَةَ شَيْءٌ يَنْتَزِعُهَا مِنْ أَيْدِيهِمَا فَإِنَّ الْمُشَرَّكَ يَأْخُذُ مِنْ الَّذِي أَشْرَكَهُ الثَّمَنَ وَيَطْلُبُ الَّذِي أَشْرَكَ بَيِّعَهُ الَّذِي بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشَرِّكُ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ وَعِنْدَ مُبَايَعَةِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَفَاوَتَ ذَلِكَ أَنَّ عُهْدَتَكَ عَلَى الَّذِي ابْتَعْتُ مِنْهُ وَإِنْ تَفَاوَتَ ذَلِكَ وَفَاتَ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ فَشَرْطُ الْآخَرِ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَانْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ حِينَ قَالَ انْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ سَلَفٌ يُسْلِفُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا لَهُ وَلَوْ أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ هَلَكَتْ أَوْ فَاتَتْ أَخَذَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ شَرِيكِهِ مَا نَقَدَ عَنْهُ فَهَذَا مِنْ السَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ مَنْفَعَةً قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ سِلْعَةً فَوَجَبَتْ لَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَشْرِكْنِي بِنِصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ جَمِيعًا كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ جَدِيدٌ بَاعَهُ نِصْفَ السِّلْعَةِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ   41 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الشِّرْكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ قَالَ الْمَجْدُ: الشِّرْكُ وَالشِّرْكَةُ بِكَسْرِهِمَا وَضَمِّ الثَّانِي بِمَعْنًى، وَقَدِ اشْتَرَكَا وَتَشَارَكَا وَشَارَكَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَالشِّرْكُ بِالْكَسْرِ وَكَأَمِيرٍ: الْمُشَارِكُ، وَالْجَمْعُ أَشَرَاكٌ وَشُرَكَاءُ، وَهِيَ شَرِيكَةٌ جَمْعُهَا شَرَائِكُ، وَشَرِكَهُ فِي الْبَيْعِ وَالْمِيرَاثِ كَعَلِمَهُ شَرِكَةً بِالْكَسْرِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْبَزَّ الْمُصَنَّفَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَالنُّونِ الثَّقِيلَةِ: الْمَجْمُوعُ مِنْ أَصْنَافٍ (وَيَسْتَثْنِي ثِيَابًا بِرُقُومِهَا) جَمْعُ رَقْمٍ (أَنَّهُ إِنِ اشْتَرَطَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ الرَّقْمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَكْثَرَ (وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُ حِينَ اسْتَثْنَى فَإِنِّي أَرَاهُ) أَعْتَقِدُهُ (شَرِيكًا فِي عَدَدِ الْبَزِّ الَّذِي اشْتُرِيَ مِنْهُ) فَإِنْ كَانَ ثَلَاثِينَ ثَوْبًا وَاسْتَثْنَى مِنْهَا عَشَرَةً كَانَ لَهُ ثُلُثُهَا وَلِلْمُبْتَاعِ الثُّلُثَانِ (وَذَلِكَ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ يَكُونُ رَقْمُهُمَا سَوَاءً وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الثَّمَنِ) فَلِذَا جُعِلَ شَرِيكًا (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرْكِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْمَصْدَرِ وَإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِهِ، أَيِ التَّشْرِيكِ لِغَيْرِهِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ (وَالتَّوْلِيَةِ) لِغَيْرِهِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ (وَالْإِقَالَةِ مِنْهُ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ قَبَضَ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَقْبِضْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِالنَّقْدِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ) أَيْ زِيَادَةٌ (وَلَا وَضِيعَةٌ) أَيْ نَقْصٌ (وَلَا تَأْخِيرٌ لِلثَّمَنِ) لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ عُقُودِ الْمُكَارَمَةِ، فَاسْتُثْنِيَتْ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا اسْتُثْنِيَ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَلِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ بِاسْتِثْنَائِهَا كَمَا مَرَّ. (فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ رِبْحٌ أَوْ وَضِيعَةٌ أَوْ تَأْخِيرٌ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ بَيْعًا يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ، وَلَيْسَ بِشِرْكٍ وَلَا تَوْلِيَةٍ وَلَا إِقَالَةٍ) حِينَ دَخَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَتَسَاوَى الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي. (وَمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً) بَزًّا (أَوْ رَقِيقًا فَبَتَّ بِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ: فَبَتَّ شِرَاءَهُ، وَأُخْرَى بِيعَهُ مِنْ إِطْلَاقِ الْبَيْعِ عَلَى الشِّرَاءِ (ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُشَرِّكَهُ فَفَعَلَ وَنَقَدَا) بِالتَّثْنِيَةِ أَيِ الْمُشْتَرِي وَمَنْ شَرَّكَهُ (الثَّمَنَ صَاحِبَ السِّلْعَةِ جَمِيعًا) تَأْكِيدٌ لِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ (ثُمَّ أَدْرَكَ السِّلْعَةَ شَيْءٌ يَنْتَزِعُهَا مِنْ أَيْدِيهِمَا) بِأَنِ اسْتُحِقَّتْ (فَإِنَّ الْمُشَرَّكَ) بِلَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ (يَأْخُذُ مِنَ الَّذِي أَشْرَكَهُ الثَّمَنَ) لِأَنَّ عُهْدَةَ الشَّرِيكِ عَلَى مَنْ شَرَّكَهُ (وَيَطْلُبُ الَّذِي أَشْرَكَ بَيِّعَهُ) بِكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ الثَّقِيلَةِ بِمَعْنَى بَائِعِهِ (الَّذِي بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ) لِأَنَّ عُهْدَتَهُ عَلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشَرِّكُ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ وَعِنْدَ مُبَايَعَةِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَفَاوَتَ ذَلِكَ أَنَّ عُهْدَتَكَ عَلَى الَّذِي ابْتَعْتُ) بِضَمِّ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ (مِنْهُ) فَلَا عُهْدَةَ عَلَى الْمُشَرِّكِ بِالْكَسْرِ عَمَلًا بِشَرْطِهِ. (وَإِنْ تَفَاوَتَ ذَلِكَ وَفَاتَ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ فَشَرْطُ الْآخَرِ) الَّذِي أَشْرَكَ غَيْرَهُ (بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ) وَوَافَقَ الْإِمَامُ عَلَى هَذَا أَصْبَغَ، وَقَالَ عِيسَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْعُهْدَةُ فِي الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ إِذَا كَانَتْ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ أَنَّهَا أَبَدًا عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ ذَلِكَ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَانْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ، إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ حِينَ قَالَ انْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ، إِنَّمَا ذَلِكَ سَلَفٌ يُسْلِفُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا لَهُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: فَإِنْ وَقَعَ هَذَا فَالسِّلْعَةُ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيْعُ حَظِّ الْمُسْلِفِ مِنَ السِّلْعَةِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِئْجَارًا صَحِيحًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 مُسْتَأْنَفًا، وَعَلَيْهِ مَا أَسْلَفَهُ نَقْدًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَاعَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي بَيْعِ نَصِيبِ الْمُسْلِفِ، وَلَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ النَّقْدِ لَأَمْسَكَ الْمُسْلِفُ فَلَمْ يَنْقُدْ عَنْهُ، وَهُمَا فِيهَا شَرِيكَانِ يَبِيعُ كُلٌّ نَصِيبَهُ أَوْ يَسْتَأْجِرُ عَلَى بَيْعِهِ. (وَلَوْ أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ هَلَكَتْ أَوْ فَاتَتْ أَخَذَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ شَرِيكِهِ مَا نَقَدَ عَنْهُ فَهَذَا مِنَ السَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ مَنْفَعَةً) فَلِذَا مُنِعَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ أَسْلَفَ رَجُلًا سَلَفًا لِيُشَارِكَهُ، وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ وَالْمَعْرُوفِ، فَكَرِهَهُ مَرَّةً وَأَجَازَهُ مَرَّةً، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ كَانَ لِنَفَادِ بَصِيرَتِهِ بِالتِّجَارَةِ امْتَنَعَ، لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا. (وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ فَوَجَبَتْ لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ أَشْرِكْنِي بِنِصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ جَمِيعًا كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ) لَا شِدَّةَ وَلَا حَرَجَ لِحِلِّهِ (وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُهُ (أَنَّ هَذَا بَيْعٌ جَدِيدٌ بَاعَهُ نِصْفَ السِّلْعَةِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ) وَاجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اللُّزُومِ فَلَا يَتَنَافَيَانِ، وَمَمْنُوعٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ عِنْدَهُمْ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ مَبْلَغُهُ مِنْ مَبْلَغِ ثَمَنِ الْإِجَارَةِ حِينَ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ مَنَافِعَ فَصَارَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 [بَاب مَا جَاءَ فِي إِفْلَاسِ الْغَرِيمِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ»   42 - بَابُ مَا جَاءَ فِي إِفْلَاسِ الْغَرِيمِ يُقَالُ: أَفْلَسَ الرَّجُلُ كَأَنَّهُ صَارَ إِلَى حَالٍ لَيْسَ لَهُ فُلُوسٌ كَمَا يُقَالُ لَهُ أَقْهَرَ إِذَا صَارَ إِلَى حَالٍ يُقْهَرُ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: صَارَ ذَا فُلُوسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، فَهُوَ مُفْلِسٌ وَالْجَمْعُ مَفَالِيسُ، وَحَقِيقَتُهُ الِانْتِقَالُ مِنْ حَالَةِ الْيُسْرِ إِلَى حَالَةِ الْعُسْرِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ. وَفِي الْمُفْهِمِ: الْمُفْلِسُ لُغَةً: مَنْ لَا عَيْنَ لَهُ وَلَا عَرَضَ، وَشَرْعًا: مَنْ قَصَّرَ مَا بِيَدِهِ عَمَّا عَلَيْهِ مِنَ الدُّيُونِ. 1382 - 1363 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحديث: 1382 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) الْمَخْزُومِيِّ الْفَقِيهِ التَّابِعِيِّ الْوَسَطِ، وَلِأَبِيهِ رُؤْيَةٌ فَهُوَ صَحَابِيٌّ مِنْ حَيْثُهَا، تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ، وَجَدُّهُ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، سَأَلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْوَحْيِ كَمَا مَرَّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا فِي جَمِيعِ الْمُوَطَّآتِ وَلِجَمِيعِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ مُرْسَلًا إِلَّا عَبْدَ الرَّزَّاقِ بِخُلْفٍ عَنْهُ فَوَصَلَهُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ فِي إِرْسَالِهِ وَوَصْلِهِ، وَرِوَايَةُ مَنْ وَصَلَهُ صَحِيحَةٌ، فَقَدْ رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبَشِيرُ بْنُ نُهَيْكٍ، وَهُشَامُ بْنُ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا الثَّلَاثَةُ فِي الْفَلْسِ دُونَ ذِكْرِ حُكْمِ الْمَوْتِ، وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَرْوِيهِ غَيْرُهُ فِيمَا عَلِمْتُ اهـ مُلَخَّصًا. (قَالَ: أَيُّمَا) مُرَكَّبَةٌ مِنْ أَيٍّ وَهِيَ اسْمٌ يَنُوبُ مَنَابَ حَرْفِ الشَّرْطِ، وَمِنْ مَا الْمُبْهَمَةِ الْمَزِيدَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: مِنَ الْمُقْحَمَاتِ الَّتِي يُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ تَفْصِيلٍ غَيْرِ حَاصِرٍ أَوْ عَنْ تَطْوِيلٍ غَيْرِ مُمِلٍّ (رَجُلٍ) بِجَرِّهِ بِإِضَافَةِ أَيٍّ إِلَيْهِ وَرَفْعِهِ بَدَلٌ مِنْ أَيٍّ، وَلَيْسَ الْمُبْدَلُ مِنْهُ عَلَى نِيَّةِ الطَّرْحِ، وَمَا زَائِدَةٌ وَذِكْرُهُ غَالِبِيٌّ وَالْمُرَادُ إِنْسَانٌ (بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ) اشْتَرَاهُ، وَقَوْلُهُ: (مِنْهُ) كَذَا لِيَحْيَى، وَسَقَطَ لِغَيْرِهِ (وَلَمْ يَقْبِضِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ) أَيْ مَتَاعَهُ (بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) مِنَ الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّ الْمُفْلِسَ يُمْكِنُ أَنْ تَطْرَأَ لَهُ ذِمَّةٌ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، وَلِذَا قَالَ: (وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِنَصِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ، وَهُوَ قَاطِعٌ لِمَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَيْسَ أَحَقَّ بِهِ فِيهِمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ أَحَقُّ بِهِ فِيهِمَا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ الزُّرَقِيِّ قَالَ: " أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فِي صَاحِبٍ لَنَا أَفْلَسَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ» " وَأُجِيبُ بِأَنَّ أَبَا الْمُعْتَمِرِ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ بِحَمْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَقِبَ رِوَايَتِهِ: مَنْ يَأْخُذُ بِهَذَا أَبُو الْمُعْتَمِرِ مَنْ هُوَ؟ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ، وَفِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ مَجْهُولُ الْحَالِ، فَحَدِيثُ التَّفْرِيقِ أَرْجَحُ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَتَقْدِيمُهُ، وَلَوْ سُلِّمَ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْحُجِّيَّةِ فَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ بَيْعًا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ فِي الْوَدَائِعِ أَوْ غَصْبًا أَوْ تَعَدِّيًا، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ لَفْظُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ ذَكَرَهُ لَأَمْكَنَ فِيهِ التَّأْوِيلُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَعَلَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ فَلَسُهُ قَامَ وَطَلَبَ فَلَسَهُ فَبَادَرَ الْمَوْتَ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ ذِمَّةَ الْمُشْتَرِي عُيِّنَتْ فِي الْفَلَسِ فَصَارَ الْبَائِعُ بِمَنْزِلَةِ مَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهَا وَاسْتِرْجَاعُ شَيْئِهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ لِبَقَاءِ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَفِي الْمَوْتِ وَإِنْ عُيِّنَتِ الذِّمَّةُ أَيْضًا لَكِنَّهَا ذَهَبَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 رَأْسًا، فَلَوِ اخْتَصَّ الْبَائِعُ بِسِلْعَتِهِ عَظُمَ الضَّرَرُ عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ لِخَرَابِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَذَهَابِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِرَبِّ السِّلْعَةِ اسْتِرْجَاعُهَا فِي الْفَلَسِ إِذَا لَمْ يُعْطِهِ الْغُرَمَاءُ الثَّمَنَ، فَإِنْ أَعْطَوْهُ فَذَلِكَ لَهُمْ، لِأَنَّ اسْتِرْجَاعَهَا إِنَّمَا كَانَ لِعِلَّةٍ وَقَدْ زَالَتْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي اسْتِرْجَاعِهَا، وَلَوْ دَفَعَ لَهُ الْغُرَمَاءُ الثَّمَنَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ غَرِيمٌ فَلَا يَرْضَى مَا صَنَعَ هَؤُلَاءِ اهـ. وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُفْلِسِ وَلَا وَرَثَتِهِ أَخْذُهَا، لِأَنَّ الْحَدِيثَ جَعَلَ صَاحِبَهَا أَحَقَّ بِهَا مِنْهُمْ، فَالْغُرَمَاءُ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إِنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَحَاصَصَ بِثَمَنِهَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ الْحِجَازِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ، وَأَجْمَعَ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَتِهِ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ فُرُوعِهِ، وَدَفَعَهُ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ مِمَّا يُعَدُّ عَلَيْهِمْ مِنَ السُّنَنِ الَّتِي رَدُّوهَا بِغَيْرِ سُنَّةٍ صَارُوا إِلَيْهَا وَأَدْخَلُوا النَّظَرَ حَيْثُ لَا مَدْخَلَ لَهُ مَعَ صَحِيحِ الْأَثَرِ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ السِّلْعَةَ مَالُ الْمُشْتَرِي، وَثَمَنُهَا فِي ذِمَّتِهِ، فَغُرَمَاؤُهُ أَحَقُّ بِهَا كَسَائِرِ مَالِهِ وَهَذَا مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ لَوْلَا أَنَّ صَاحِبَ الشَّرِيعَةِ جَعَلَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إِذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا أَخَذَهَا {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةَ 36) {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةَ 65) الْآيَةَ. وَلَوْ جَازَ مِثْلُ رَدِّ هَذِهِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ بِإِمْكَانِ الْوَهْمِ وَالْغَلَطِ فِيهَا لَجَازَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ السُّنَنِ حَتَّى لَا تَبْقَى سُنَّةٌ إِلَّا قَلِيلٌ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ السُّنَّةُ أَصْلٌ بِرَأْسِهَا، فَلَا سَبِيلَ أَنْ تُرَدَّ إِلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ لَا تَنْقَاسُ، وَإِنَّمَا تَنْقَاسُ الْفُرُوعُ رَدًّا عَلَى أُصُولِهَا، وَلَا أَعْلَمُ لِلْكُوفِيِّينَ سَلَفًا إِلَّا مَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ خِلَاسِ ابْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: هُوَ فِيهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ إِذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا. وَأَحَادِيثُ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ ضَعِيفَةٌ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إِذَا انْفَرَدَ حُجَّةٌ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ حُجَّةٌ عَلَى الْجُمْهُورِ؛ إِذِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِلسُّنَّةِ فَكَيْفَ يُقَلَّدُ وَيُتْبَعُ؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الْمُبْتَاعُ فَإِنَّ الْبَائِعَ إِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَ بَعْضَهُ وَفَرَّقَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ لَا يَمْنَعُهُ مَا فَرَّقَ الْمُبْتَاعُ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وَجَدَ بِعَيْنِهِ فَإِنْ اقْتَضَى مِنْ ثَمَنِ الْمُبْتَاعِ شَيْئًا فَأَحَبَّ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَقْبِضَ مَا وَجَدَ مِنْ مَتَاعِهِ وَيَكُونَ فِيمَا لَمْ يَجِدْ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فَذَلِكَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ غَزْلًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ بُقْعَةً مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَى عَمَلًا بَنَى الْبُقْعَةَ دَارًا أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ ثَوْبًا ثُمَّ أَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَ ذَلِكَ فَقَالَ رَبُّ الْبُقْعَةِ أَنَا آخُذُ الْبُقْعَةَ وَمَا فِيهَا مِنْ الْبُنْيَانِ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ وَلَكِنْ تُقَوَّمُ الْبُقْعَةُ وَمَا فِيهَا مِمَّا أَصْلَحَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُ الْبُقْعَةِ وَكَمْ ثَمَنُ الْبُنْيَانِ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ ثُمَّ يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَيَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْبُنْيَانِ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسَ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَتَكُونُ قِيمَةُ الْبُقْعَةِ خَمْسَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الْبُنْيَانِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ الثُّلُثُ وَيَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ الثُّلُثَانِ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الْغَزْلُ وَغَيْرُهُ مِمَّا أَشْبَهَهُ إِذَا دَخَلَهُ هَذَا وَلَحِقَ الْمُشْتَرِيَ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ عِنْدَهُ وَهَذَا الْعَمَلُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا مَا بِيعَ مِنْ السِّلَعِ الَّتِي لَمْ يُحْدِثْ فِيهَا الْمُبْتَاعُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ نَفَقَتْ وَارْتَفَعَ ثَمَنُهَا فَصَاحِبُهَا يَرْغَبُ فِيهَا وَالْغُرَمَاءُ يُرِيدُونَ إِمْسَاكَهَا فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا رَبَّ السِّلْعَةِ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ وَلَا يُنَقِّصُوهُ شَيْئًا وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِ سِلْعَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَدْ نَقَصَ ثَمَنُهَا فَالَّذِي بَاعَهَا بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ سِلْعَتَهُ وَلَا تِبَاعَةَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ غَرِيمًا مِنْ الْغُرَمَاءِ يُحَاصُّ بِحَقِّهِ وَلَا يَأْخُذُ سِلْعَتَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ دَابَّةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْجَارِيَةَ أَوْ الدَّابَّةَ وَوَلَدَهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَرْغَبَ الْغُرَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَيُعْطُونَهُ حَقَّهُ كَامِلًا وَيُمْسِكُونَ ذَلِكَ   1383 - 1364 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ (عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) بْنِ مَرْوَانَ الْأُمَوِيِّ الْخَلِيفَةِ الْعَادِلِ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، وَفِي هَذَا السَّنَدِ أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ « (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الحديث: 1383 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ) أَيْ وَجَدَ (الرَّجُلُ) الَّذِي بَاعَهُ وَأَقْرَضَهُ (مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ) » مِنْ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: إِنَّهُ كَالْغُرَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 280) فَاسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إِلَيْهَا بِالْآيَةِ، وَلَيْسَ لَهُ الطَّلَبُ قَبْلَهَا، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ مِلْكَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الدَّيْنُ، وَذَلِكَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ، وَحَمَلُوا حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى الْمَغْصُوبِ وَالْعَوَارِي وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَمَا أَشْبَهَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مَالُهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَلَيْسَ الْمَبِيعُ مَالَ الْبَائِعِ وَلَا مَتَاعًا لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْمُشْتَرِي، إِذْ هُوَ قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَعَنْ ضَمَانِهِ بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ، وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ سُرِقَ لَهُ مَتَاعٌ أَوْ ضَاعَ لَهُ مَتَاعٌ فَوَجَدَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي سَنَدِهِ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ وَهُوَ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَإِنْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فَمَقْرُونٌ بِغَيْرِهِ، وَلَنَا أَنَّهُ وَقَعَ النَّصُّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ، فَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: " «إِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَفْلَسَ وَهِيَ عِنْدَهُ بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الْغُرَمَاءِ» " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِسَنَدِهِ: " «فِي الرَّجُلِ الَّذِي يَعْدَمُ إِذَا وُجِدَ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ وَلَمْ يُعَرِّفْهُ إِنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ» " فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ وَارِدٌ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا أَحَقُّ بِهَا، سَوَاءٌ وَجَدَهَا عِنْدَ الْمُفْلِسِ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ شَرَطَا الْإِفْلَاسَ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي الْبَيْعِ وَالسِّلْعَةِ تَمْنَعُ مِنْ حَمْلِ الْحُكْمِ فِيهَا عَلَى الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِي وَالْمَغْصُوبِ مَعَ تَعْلِيقِهِ إِيَّاهُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِالْإِفْلَاسِ اهـ. وَأَيْضًا فَصَاحِبُ الشَّرْعِ جَعَلَ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ الرُّجُوعَ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ وَالْمُودِعُ أَحَقُّ بِعَيْنِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى صِفَتِهِ أَوْ تَغَيَّرَ عَنْهَا، فَلَمْ يَجُزْ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ وَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَرْجِعُ بِعَيْنِهِ إِذَا كَانَ عَلَى صِفَتِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَإِذَا تَغَيَّرَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَأَيْضًا لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ إِلَّا إِذَا عُدِمَتِ السُّنَّةُ، فَإِنْ وُجِدَتْ فَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ تَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ نَحْوَهُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الْمُبْتَاعُ فَإِنَّ الْبَائِعَ إِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ) إِذَا وَجَدَهُ كُلَّهُ (وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَ بَعْضَهُ وَفَرَّقَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْغُرَمَاءِ لَا يَمْنَعُهُ مَا فَرَّقَ الْمُبْتَاعُ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وَجَدَ) بِنَصِيبِهِ مِنَ الثَّمَنِ (بِعَيْنِهِ) لِصِدْقِ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ، وَيُحَاصِصَ بِنَصِيبِ الْغَائِبِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ مَا وَجَدَ وَحَاصَّ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِنَ الثَّمَنِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ مَا بَقِيَ مِنْ سِلْعَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذِ السِّلْعَةَ، فَكَذَا هُنَا. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا لَا يَلْزَمُنَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَبَضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ فَقَدْ سَلِمَ الْعَقْدُ بِأَخْذِ الْعِوَضِ، وَإِذَا قَبَضَ بَعْضَهُ فَقَدْ أَدْرَكَ بَقِيَّةَ الثَّمَنِ عَيْبُ الْفَلَسِ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ بِتَقَسُّطٍ عَلَى الْمَبِيعِ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِيهِ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا بَاعَ عَبْدًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ جُزْءٌ مِنْهُ لَحِقَهُ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ. (فَإِنِ اقْتَضَى مِنْ ثَمَنِ الْمُبْتَاعِ شَيْئًا) قَبْلَ الْفَلَسِ (فَأَحَبَّ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَقْبِضَ مَا وَجَدَ مِنْ مَتَاعِهِ وَيَكُونَ فِيمَا لَمْ يَجِدْ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فَذَلِكَ لَهُ) وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ لَا يَأْخُذُ مَا وَجَدَ وَيُحَاصَّ بِمَا بَقِيَ لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ أَيْضًا. (وَمَنِ اشْتَرَى مِنَ السِّلَعِ غَزْلًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ بُقْعَةً) بِضَمِّ الْبَاءِ قِطْعَةً (مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَى عَمَلًا) كَمَا إِذَا (بَنَى الْبُقْعَةَ دَارًا أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ ثَوْبًا ثُمَّ أَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَ ذَلِكَ فَقَالَ رَبُّ الْبُقْعَةِ أَنَا آخُذُ الْبُقْعَةَ وَمَا فِيهَا مِنَ الْبُنْيَانِ: إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَلَمْ تَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ (وَلَكِنْ تَقُومُ الْبُقْعَةُ وَمَا فِيهَا مِمَّا أَصْلَحَ الْمُشْتَرِي) فَيُقَالُ: مَا قِيمَةُ هَذِهِ الدَّارِ مَبْنِيَّةً (ثُمَّ يُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُ الْبُقْعَةِ) بِأَنْ يُقَالَ مَا قِيمَتُهَا بَرَاحًا (وَكَمْ ثَمَنُ الْبُنْيَانِ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ، ثُمَّ يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، وَيَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْبُنْيَانِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُهُ بِالْمِثَالِ (أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَتَكُونَ قِيمَةُ الْبُقْعَةِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقِيمَةُ الْبُنْيَانِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَيَكُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ الثُّلُثُ، وَيَكُونَ لِلْغُرَمَاءِ الثُّلُثَانِ) وَالتَّقْوِيمُ يَوْمَ الْحُكْمِ (وَكَذَلِكَ الْغَزْلُ وَغَيْرُهُ مِمَّا أَشْبَهَهُ إِذَا دَخَلَهُ هَذَا وَلَحِقَ الْمُشْتَرِي دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ) عِنْدَهُ وَ (هَذَا الْعَمَلُ فِيهِ، فَأَمَّا مَا بِيعَ مِنَ السِّلَعِ الَّتِي لَمْ يُحْدِثُ فِيهَا الْمُبْتَاعُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ نَفَقَتْ) رَاجَتْ (وَارْتَفَعَ) زَادَ (ثَمَنُهَا فَصَاحِبُهَا يَرْغَبُ فِيهَا وَالْغُرَمَاءُ يُرِيدُونَ إِمْسَاكَهَا، فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا رَبَّ السِّلْعَةِ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ وَلَا يُنَقِّصُونَهُ شَيْئًا) وَتَكُونُ لَهُمُ الزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ فِيهَا (وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِ سِلْعَتَهُ) لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَاعَهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَلَمْ يَجُزْ تَنْقِيصُهُ عَنْهُ (وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَصَ ثَمَنُهَا فَالَّذِي بَاعَهَا بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ سِلْعَتَهُ وَلَا تِبَاعَةَ) بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ بِزِنَةِ (كِتَابَةَ) ، الشَّيْءُ الَّذِي لَكَ فِيهِ بَقِيَّةُ شِبْهِ ظَلَامَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمُرَادُ هُنَا لَا رُجُوعَ (لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ غَرِيمًا مِنَ الْغُرَمَاءِ يُحَاصُّ بِحَقِّهِ وَلَا يَأْخُذُ سِلْعَتَهُ فَذَلِكَ لَهُ) فَخِيَرَتُهُ تَنْفِي ضَرَرَهُ. (وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنِ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ دَابَّةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْجَارِيَةَ أَوِ الدَّابَّةَ وَوَلَدَهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَرْغَبَ الْغُرَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَيُعْطُونَهُ) حَقَّهُ (كَامِلًا وَيُمْسِكُونَ ذَلِكَ) فَإِنْ فَاتَ الْوَلَدُ بِبَيْعٍ فَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَازِيَةِ: لَهُ أَخْذُ الْأُمِّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يُسَلِّمُهَا وَيُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ، وَلَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى الْأُمِّ وَالْوَلَدِ، فَيَأْخُذُ الْأُمَّ بِحِصَّتِهَا، وَيُحَاصُّ بِمَا أَصَابَ الْوَلَدَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 [بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَفِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكْرًا فَجَاءَتْهُ إِبِلٌ مِنْ الصَّدَقَةِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَقُلْتُ لَمْ أَجِدْ فِي الْإِبِلِ إِلَّا جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطِهِ إِيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً»   43 - بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ السَّلَفِ - 1384 1365 (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَى عُمَرَ الْمَدَنِيِّ الْعَالِمِ الثِّقَةِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ) أَسْلَمَ أَوْ إِبْرَاهِيمَ أَوْ ثَابِتٍ أَوْ هُرْمُزٍ أَوْ سِنَانٍ أَوْ صَالِحٍ أَوْ يَسَارٍ أَوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ يَزِيدَ أَوْ قُزْمَانَ، أَقْوَالٌ عَشَرَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَشْهَرُ مَا قِيلَ فِي اسْمِهِ أَسْلَمُ الْقِبْطِيُّ (مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَسْلَمَ قَبْلَ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْهَا، وَشَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا، وَقِيلَ كَانَ مَوْلَى الْعَبَّاسِ فَوَهَبَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَهُ، وَرَوَى عَنْهُ أَحَادِيثَ وَمَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ عَلَى الصَّحِيحِ. (أَنَّهُ قَالَ: اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ الْأُبِّيُّ: السِّينُ فِي اسْتَسْلَفَ لِلطَّلَبِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّحْقِيقِ، وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ مَاضٍ (بَكْرًا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ، وَهُوَ الْفَتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ كَالْغُلَامِ مِنَ الذُّكُورِ، وَالْقَلُوصُ الْفِتْيَةُ مِنَ النُّوقِ كَالْجَارِيَةِ مِنَ الْإِنَاثِ، وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ الدَّيْنِ لِلضَّرُورَةِ، وَقَدْ كَانَ يَكْرَهُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِلَّا فَقَدْ خُيِّرَ فَاخْتَارَ التَّقْلِيلَ مِنَ الدُّنْيَا وَالْقَنَاعَةَ، قَالَهُ فِي الْإِكْمَالِ وَفِي الْمُفْهِمِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ عَمَرَ ذِمَّتَهُ بِالدَّيْنِ وَقَدْ كَانَ يَكْرَهُهُ، وَقَالَ فِي حَدِيثٍ: " «إِيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فَإِنَّهُ شَيْنٌ» " وَفِي آخَرَ: " «فَإِنَّهُ هَمٌّ بِاللَّيْلِ وَمَذَلَّةٌ بِالنَّهَارِ» " وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَتَعَوَّذُ مِنْهُ حَتَّى قِيلَ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا تَدَايَنَ لِضَرُورَةٍ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لَهَا. فَإِنْ قِيلَ: لَا ضَرُورَةَ لِأَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ أَنْ تَكُونَ بَطْحَاءُ مَكَّةَ لَهُ ذَهَبًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ فَأَيْنَ الضَّرُورَةُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا خَيَّرَهُ اخْتَارَ الْإِقْلَالَ مِنَ الدُّنْيَا وَالْقَنَاعَةَ، وَمَا عَدَلَ عَنْهُ زُهْدًا فِيهِ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ فَالضَّرُورَةُ لَازِمَةٌ، وَأَيْضًا فَالدَّيْنُ إِنَّمَا هُوَ مَذْمُومٌ لِتِلْكَ اللَّوَازِمِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْهَا وَقَدْ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كُرِهَ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ النَّفْسِ لِلْمَذَلَّةِ. وَأَمَّا السَّلَفُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُعْطِيهِ فَمُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْإِعَانَةِ عَلَى الْخَيْرِ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «قَرْضٌ مَرَّتَيْنِ يَعْدِلُ صَدَقَةً مَرَّتَيْنِ» " وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " «دِرْهَمُ الصَّدَقَةِ بِعَشَرَةٍ، وَدِرْهَمُ الْقَرْضِ بِسَبْعِينَ» ". (فَجَاءَتْهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ) أَيِ الزَّكَاةِ ( «قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ» ) أَيْ بَكْرًا مِثْلَ بَكْرِهِ الَّذِي تَسَلَّفَهُ مِنْهُ، وَلَمْ يُسَمَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَعْرَابِيٌّ. وَفِي أَوْسَطِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 الطَّبَرَانِيِّ عَنِ الْعِرْبَاضِ مَا يُفْهِمُ أَنَّهُ هُوَ، لَكِنْ فِي النَّسَائِيِّ وَالْحَاكِمِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُهُ، فَكَأَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِأَعْرَابِيٍّ وَوَقَعَ نَحْوُهَا لِلْعِرْبَاضِ. ( «فَقُلْتُ: لَمْ أَجِدْ فِي الْإِبِلِ إِلَّا جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًا» ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَالْأُنْثَى رَبَاعِيَةٌ وَهُوَ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ. قَالَ الْهَرَوِيُّ: إِذَا أَلْقَى الْبَعِيرَ رَبَاعِيَتَهُ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ فَهُوَ رَبَاعِيٌ، وَرَبَاعِيَاتُ الْأَسْنَانِ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي تَلِي الثَّنَايَا مِنْ جَانِبِهَا. ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْطِهِ» ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ الطَّاءِ ( «إِيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» ) لِلدَّيْنِ، قَالَ الْبَوْنِيُّ: أَظُنُّهُ أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ يُوَفِّقُ لِهَذَا خِيَارَ النَّاسِ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: وَهُوَ الْكَرَمُ الْخَفِيُّ اللَّاحِقُ بِصَدَقَةِ السِّرِّ، فَإِنَّ الْمُعْطَى لَهُ لَا يَشْعُرُ بِأَنَّهُ صَدَقَةُ سِرٍّ فِي عَلَانِيَةٍ، وَيُورِثُ ذَلِكَ صُحْبَةً وَوِدَادًا فِي نَفْسِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَتَخْفَى نِعْمَتُكَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فِي حُسْنِ الْقَضَاءِ فَوَائِدُ جَمَّةٌ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَا يُشْكِلُ الْحَدِيثُ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يَقْضِي مِنْهَا؟ إِمَّا لِأَنَّ هَذَا قَبْلَ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ كَمَا قِيلَ، وَإِمَّا لِأَنَّهَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا لِلْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ، ثُمَّ صَارَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِمَّا لِأَنَّ اسْتِقْرَاضَهُ إِنَّمَا كَانَ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ وَكَانَ مِنَ الْغَارِمِينَ، فَيَكُونُ فَضْلُ الشَّيْءِ صَدَقَةً عَلَيْهِ، فَلَا يُقَالُ: كَيْفَ قَضَى مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ أَجْوَدَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ الْغَرِيمُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِنَاظِرِ الصَّدَقَاتِ تَبَرُّعُهُ مِنْهَا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَقَاضَاهُ فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا، ثُمَّ قَالَ: أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا نَجِدُ إِلَّا أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: اشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» " فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَحَفِظَ أَبُو رَافِعٍ أَنَّ أَصْلَهُ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَحَفِظَ أَبُو هُرَيْرَةَ الشِّرَاءَ، اهـ مُلَخَّصًا. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، وَفِيهِ جَوَازُ قَرْضِ الْحَيَوَانِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْكَافَّةِ فِيهِ، وَمَنَعَهُ الْكُوفِيُّونَ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ بِلَا دَلِيلٍ وَيَأْتِي لَهُ مَزِيدٌ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ زَيْدٍ بِمِثْلِهِ أَنَّهُ قَالَ: «فَإِنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللَّهِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» كَمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ أَيْضًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ اسْتَسْلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَضَاهُ دَرَاهِمَ خَيْرًا مِنْهَا فَقَالَ الرَّجُلُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذِهِ خَيْرٌ مِنْ دَرَاهِمِي الَّتِي أَسْلَفْتُكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ عَلِمْتُ وَلَكِنْ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُقْبِضَ مَنْ أُسْلِفَ شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ الْحَيَوَانِ مِمَّنْ أَسْلَفَهُ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ مِنْهُمَا أَوْ عَادَةٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ أَوْ وَأْيٍ أَوْ عَادَةٍ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى جَمَلًا رَبَاعِيًا خِيَارًا مَكَانَ بَكْرٍ اسْتَسْلَفَهُ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اسْتَسْلَفَ دَرَاهِمَ فَقَضَى خَيْرًا مِنْهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى طِيبِ نَفْسٍ مِنْ الْمُسْتَسْلِفِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ وَلَا وَأْيٍ وَلَا عَادَةٍ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ   1385 - 1366 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ (ابْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ) بْنِ جَبْرٍ الْمَكِّيِّ (أَنَّهُ قَالَ: اسْتَسْلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَضَى دَرَاهِمَ خَيْرًا مِنْهَا) أَفْضَلَ الحديث: 1385 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 صِفَةً (فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ ابْنِ عُمَرَ (هَذِهِ خَيْرٌ مِنْ دَرَاهِمِي الَّتِي أَسْلَفْتُكَ) أَيْ: فَهَلْ عَلِمْتَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ لِي أَخْذُهُ؟ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: قَدْ عَلِمْتُ) أَنَّهَا خَيْرٌ (وَلَكِنَّ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ) فَيَحِلُّ لَكَ، وَهَذَا حُسْنُ قَضَاءٍ وَمَعْرُوفٌ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُقْبِضَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَقْبَضَ (مَنْ أُسْلِفَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (شَيْئًا مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ أَوِ الطَّعَامِ أَوِ الْحَيَوَانِ مِمَّنْ) أَيْ لِمَنْ (أَسْلَفَهُ ذَلِكَ أَفْضَلَ) مَفْعُولُ يُقْبِضَ (مِمَّا أَسْلَفَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ مِنْهُمَا) وَقْتَ التَّسَلُّفِ (أَوْ عَادَةٍ) جَارِيَةً بِذَلِكَ (فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ أَوْ وَأْيٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْهَمْزَةِ فَتَحْتِيَّةٍ أَيْ مُوَاعَدَةٍ (أَوْ عَادَةٍ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ) أَيْ حَرَامٌ (وَلَا خَيْرَ فِيهِ) لِمَنْعِهِ (وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى جَمَلًا رَبَاعِيًا خِيَارًا مَكَانَ بَكْرٍ اسْتَسْلَفَهُ) فَأَفَادَ جَوَازَ الْقَضَاءِ بِأَفْضَلِ صِفَةٍ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ كَانَتْ قِيمَةُ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً، إِذْ لَا شَكَّ أَنَّ قِيمَةَ الْجَمَلِ الْمَوْصُوفِ بِمَا ذُكِرَ أَزْيَدُ بِكَثِيرٍ مِنْ قِيمَةِ الْبَكْرِ (وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اسْتَسْلَفَ دَرَاهِمَ فَقَضَى خَيْرًا مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى طِيبِ نَفْسٍ مِنَ الْمُتَسَلَّفِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ وَلَا وَأْيٍ وَلَا عَادَةٍ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ) مَا لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَةِ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ نَقْصٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، كَأَنْ يُسْلِفَهُ عَشَرَةً رِدِيَّةً فَيَقْضِيَهُ ثَمَانِيَةً جَيِّدَةً، أَوْ يَكُونَ لَهُ عَشَرَةٌ مَسْكُوكَةٌ رِدِيَّةٌ فَيَقْضِيَهُ عَشَرَةً جَيِّدَةً فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُبَايَعَةٌ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 [بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَفِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا طَعَامًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَكَرِهَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَ فَأَيْنَ الْحَمْلُ يَعْنِي حُمْلَانَهُ   44 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ السَّلَفِ 1388 - 1367 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا طَعَامًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَكَرِهَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَ: فَأَيْنَ الْحَمْلُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (يَعْنِي حُمْلَانَهُ) يُرِيدُ أَنَّهُ ازْدَادَ عَلَيْهِ فِي الْقَرْضِ حَمْلَهُ، فَيُمْنَعُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَيُرْوَى: فَأَيْنَ الْحِمَالُ؟ يُرِيدُ الضَّمَانَ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الحديث: 1388 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي أَسْلَفْتُ رَجُلًا سَلَفًا وَاشْتَرَطْتُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْتُهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَذَلِكَ الرِّبَا قَالَ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ السَّلَفُ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ سَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَلَكَ وَجْهُ اللَّهِ وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِكَ فَلَكَ وَجْهُ صَاحِبِكَ وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ لِتَأْخُذَ خَبِيثًا بِطَيِّبٍ فَذَلِكَ الرِّبَا قَالَ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ أَرَى أَنْ تَشُقَّ الصَّحِيفَةَ فَإِنْ أَعْطَاكَ مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفْتَهُ قَبِلْتَهُ وَإِنْ أَعْطَاكَ دُونَ الَّذِي أَسْلَفْتَهُ فَأَخَذْتَهُ أُجِرْتَ وَإِنْ أَعْطَاكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْتَهُ طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَكَ وَلَكَ أَجْرُ مَا أَنْظَرْتَهُ   1388 - 1368 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي أَسْلَفْتُ رَجُلًا سَلَفًا وَاشْتَرَطْتُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَذَلِكَ الرِّبَا) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟) فِيمَا فَعَلْتُ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: السَّلَفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: سَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ) أَيِ الثَّوَابَ مِنَ اللَّهِ (فَلَكَ وَجْهُ اللَّهِ، وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِكَ) الْمُتَسَلَّفِ، أَيِ التَّحَبُّبَ إِلَيْهِ وَالْحُظْوَةَ (فَلَكَ وَجْهُ صَاحِبِكَ، وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ لِتَأْخُذَ خَبِيثًا بِطَيِّبٍ) أَيْ حَرَامًا بَدَلَ حَلَالٍ (فَذَلِكَ الرِّبَا) الْمُحَرَّمُ بِالْقُرْآنِ (قَالَ: فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَشُقَّ الصَّحِيفَةَ) الَّتِي كَتَبْتَ عَلَى الرَّجُلِ الْمُتَسَلَّفِ (فَإِنْ أَعْطَاكَ مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفْتَهُ قَبِلْتَهُ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 279) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 (وَإِنْ أَعْطَاكَ دُونَ الَّذِي أَسْلَفْتَهُ فَأَخَذْتَهُ أُجِرْتَ) لِأَنَّهُ حُسْنُ اقْتِضَا (وَإِنْ أَعْطَاكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْتَهُ) فِي الصِّفَةِ (طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَكَ وَلَكَ أَجْرُ مَا أَنْظَرْتَهُ) أَخَّرْتَهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: مَنْ شَرَطَ زِيَادَةً فِي السَّلَفِ وَكَانَ مُؤَجِّلًا فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقَرْضَ جُمْلَةً وَيَتَعَجَّلَ قَبْضَ مَالِهِ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ الشَّرْطَ وَيُبْقِيَهُ عَلَى أَجَلِهِ دُونَ شَرْطٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ إِلَّا قَضَاءَهُ   1388 - 1369 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ إِلَّا قَضَاءَهُ) أَيْ يُمْنَعُ أَنْ يَشْتَرِطَ غَيْرَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ أَفْضَلَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ قَبْضَةً مِنْ عَلَفٍ فَهُوَ رِبًا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ اسْتَسْلَفَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِصِفَةٍ وَتَحْلِيَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ الْوَلَائِدِ فَإِنَّهُ يُخَافُ فِي ذَلِكَ الذَّرِيعَةُ إِلَى إِحْلَالِ مَا لَا يَحِلُّ فَلَا يَصْلُحُ وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَيُصِيبُهَا مَا بَدَا لَهُ ثُمَّ يَرُدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا بِعَيْنِهَا فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَلَا يَحِلُّ وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَلَا يُرَخِّصُونَ فِيهِ لِأَحَدٍ   1388 - 1370 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ أَفْضَلَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ قَبْضَةً مِنْ عَلَفٍ) مَا يُعْلَفُ لِلْبَهَائِمِ (فَهُوَ رِبًا) وَالْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَطُ شَيْئًا قَلِيلًا جِدًّا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا رِبَا فِي الزِّيَادَةِ إِلَّا أَنْ تُشْتَرَطَ، وَالْوَأْيُ وَالْعَادَةُ مِنْ قَطْعِ الذَّرَائِعِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ» " وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: اتْرُكُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ، فَالْوَأْيُ وَالْعَادَةُ هُنَا مِنَ الرِّيبَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنِ اسْتَسْلَفَ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ بِصِفَةٍ وَتَحْلِيَةٍ) عَطْفٌ مُسَاوٍ (مَعْلُومَةٍ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْوَلَائِدِ) الْإِمَاءِ جَمْعِ وَلِيدَةٍ، وَهِيَ الْأَمَةُ (فَإِنَّهُ يُخَافُ فِي ذَلِكَ الذَّرِيعَةُ) الْوَسِيلَةُ (إِلَى إِحْلَالِ مَا لَا يَحِلُّ) مِنْ عَارِيَةِ الْفُرُوجِ (فَلَا يَصْلُحُ) سَلَفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 الْإِمَاءِ. (وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَيُصِيبُهَا مَا بَدَا لَهُ، ثُمَّ يَرُدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا بِعَيْنِهَا) لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يُنَافِي رَدَّ الْعَيْنِ، فَلِلْمُقْتَرِضِ رَدُّ عَيْنِ مَا اقْتَرَضَ (فَذَلِكَ لَا يَحِلُّ وَلَا يَصْلُحُ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَلَا يُرَخِّصُونَ فِيهِ لِأَحَدٍ) فَإِنْ أُمِنَ ذَلِكَ جَازَ، كَإِقْرَاضِهَا لِذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا، أَوْ لِامْرَأَةٍ أَوْ لِصَغِيرٍ اقْتَرَضَهَا لَهُ وَلَيُّهُ، أَوْ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ لَا تُشْتَهَى، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى عَكْسِ الْعِلَّةِ، وَمَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ انْعِكَاسُهَا إِذَا كَانَتْ بَسِيطَةً غَيْرَ مُرَكَّبَةٍ، وَانْعِكَاسُهَا هُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَائِهَا، فَإِنْ وَقَعَ قَرْضُ الْجَارِيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَإِنْ لَمْ يَطَأْ فُسِخَ وَرُدَّتْ إِلَى رَبِّهَا، وَإِنْ وُطِئَتْ فَقِيلَ: تَجِبُ الْقِيمَةُ، وَقِيلَ: الْمِثْلُ، قَالَهُ الْأُبِّيُّ، وَاقْتَصَرَ أَبُو عُمَرَ عَلَى مَالِكٍ عَنِ الْقِيمَةِ قَالَ: وَيُمْنَعُ قَرْضُ الْإِمَاءِ، قَالَ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لِأَنَّ الْفُرُوجَ لَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ بِعِقْدٍ لَازِمٍ، وَالْقَرْضُ لَيْسَ بِعِقْدٍ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَرُدُّ مَتَى شَاءَ، فَأَشْبَهَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَاةَ بِالْخِيَارِ، وَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا بِإِجْمَاعٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ الْخِيَارِ، فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ فِيهَا، وَأَجَازَ دَاوُدُ وَالْمُزَنِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ اسْتِقْرَاضَ الْإِمَاءِ، لِأَنَّ مِلْكَ الْمُقْتَرِضِ صَحِيحٌ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ التَّصَرُّفُ كُلُّهُ، وَكَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ قَرْضُهُ، وَأَجَازَ الْجُمْهُورُ اسْتِقْرَاضَ الْحَيَوَانِ وَالسَّلَمَ فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَإِيجَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَةَ الْخَطَأِ وَدِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ وَدِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ الْمُجْتَمِعِ عَلَى ثُبُوتِهَا، وَذَلِكَ إِثْبَاتُ الْحَيَوَانِ بِالصِّفَةِ فِي الذِّمَّةِ، فَكَذَلِكَ الْقَرْضُ وَالسَّلَمُ، وَمَنَعَ ذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَةِ وَصْفِهِ، وَادَّعَوْا نَسْخَ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى فِي الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فِي عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بِقِيمَةِ نِصْفِ شَرِيكِهِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ نِصْفَ عَبْدٍ» مِثْلِهِ. وَقَالَ دَاوُدُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إِلَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَلِحَدِيثِ: " «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» " فَخَصَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ مِنْ سَائِرِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ. وَقَالَ الْحِجَازِيُّونَ: مَعْنَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ مِنَ الْأَعْيَانِ وَأَمَّا الْمَضْمُونُ فَلَا. وَقَدْ أَجَازَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ عَلَى مَمْلُوكٍ بِصِفَةٍ، وَأَجَازَ الْجَمِيعُ النِّكَاحَ عَلَى حَيَوَانٍ مَوْصُوفٍ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ. اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلَالَةٌ عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ لَا نَصًّا وَلَا ظَاهِرًا، وَلِذَا قَالَ عِيَاضٌ: لَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ بِلَا دَلِيلٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 [بَاب مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُبَايَعَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ»   بَابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُبَايَعَةِ 1390 - 1371 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا يَبِعْ) بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ، وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا يَبِيعُ " بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ مُرَادًا بِهِ النَّهْيُ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي النَّهْيِ مِنَ النَّهْيِ الصَّرِيحِ (بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ) عُدِّيَ بِعَلَى لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ، وَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ بِالسَّوْمِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: " «لَا يَسِمِ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ الْمُسْلِمِ» " وَذِكْرُ الْمُسْلِمِ لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِ، بَلْ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ امْتِثَالًا، فَذِكْرُ الْمُسْلِمِ أَوِ الْأَخِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: " «لَا يَبِعْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» " لَا مَفْهُومَ لَهُ لِمَا ذُكِرَ، أَوْ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ. قَالَ الْأُبِّيُّ: النِّكَاحُ إِذَا كَانَ الْأَوَّلُ فَاسِقًا تَجُوزُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَتِهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَذَا عِنْدِي فِي الصَّوْمِ إِذَا كَانَ الْأَوَّلُ حَرَامًا جَازَ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِهِ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي النَّجْشِ أَنَّ السِّلْعَةَ إِذَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا جَازَ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِهِ، فَقِيلَ لَهُ: يُفَرَّقُ بِأَنَّ الثَّانِيَ فِي السَّوْمِ سَلَمٌ حَقُّهُ فِي الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ النَّجْشِ فَلَمْ يُقْبَلِ الْفَرْقُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَجَمَاعَةٌ مُخْتَصَرًا، وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بُرْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ: " «وَلَا تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى الْأَسْوَاقِ» " قَالَ: وَهِيَ زِيَادَةٌ مَحْفُوظَةٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ اهـ، وَأَصْلُهُ لَا تَتَلَقَّوْا، فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَالسِّلَعُ بِكَسْرِ السِّينِ جَمْعُ سِلْعَةٍ وَهِيَ الْمُبَاعُ، وَيُهْبَطُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ أَيْ يُنْزَلُ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ مُخْتَصَرًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ تَامًّا. الحديث: 1390 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى أَنْ يَسُومَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ إِذَا رَكَنَ الْبَائِعُ إِلَى السَّائِمِ وَجَعَلَ يَشْتَرِطُ وَزْنَ الذَّهَبِ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الْعُيُوبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أَرَادَ مُبَايَعَةَ السَّائِمِ فَهَذَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِالسَّوْمِ بِالسِّلْعَةِ تُوقَفُ لِلْبَيْعِ فَيَسُومُ بِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ وَلَوْ تَرَكَ النَّاسُ السَّوْمَ عِنْدَ أَوَّلِ مَنْ يَسُومُ بِهَا أُخِذَتْ بِشِبْهِ الْبَاطِلِ مِنْ الثَّمَنِ وَدَخَلَ عَلَى الْبَاعَةِ فِي سِلَعِهِمْ الْمَكْرُوهُ وَلَمْ يَزَلْ الْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى هَذَا   1391 - 1372 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا تَلَقَّوُا) بِفَتْحِ التَّاءِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ، وَأَصْلُهُ لَا تَتَلَقَّوْا فَحُذِفَتْ الحديث: 1391 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 إِحْدَى التَّاءَيْنِ، أَيْ لَا تَسْتَقْبِلُوا (الرُّكْبَانَ) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْمَتَاعَ إِلَى الْبَلَدِ قَبْلَ أَنْ يَقْدِمُوا (لِلْبَيْعِ) أَيْ لِمَحَلِّ بَيْعِهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ: وَلَا تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى الْأَسْوَاقِ، وَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ قُرْبَ الْمِصْرِ وَأَطْرَافِهِ وَفِي حَدِّهِ بِمِيلٍ وَفَرْسَخَيْنِ وَيَوْمَيْنِ، رِوَايَاتٍ عَنْ مَالِكٍ حَكَاهَا فِي الْمُعَارَضَةِ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَهُ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ، قَالَ الْأُبِّيُّ: وَالْمَذْهَبُ مَنَعَهُ كَلَامُ شَيْخِنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَمْتَنِعُ التَّلَقِّي فِيمَا قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: النَّهْيُ عَنْهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ، وَلَا يُعَارِضُهُ: " «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» " الْمُقْتَضَى عَدَمُ الِاسْتِقْصَاءِ لِلْجَالِبِ، وَالتَّلَقِّي يَقْتَضِي الِاسْتِقْصَاءَ لَهُ لِأَنَّهُمَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ وَمِنْهَا تَقْدِيمُ مَصْلَحَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ، وَلِذَا قُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ عَلَى مَصْلَحَةِ الْوَاحِدِ الْجَالِبِ فَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ مُتَعَارِضَانِ. أَبُو عُمَرَ: أُرِيدَ بِالنَّهْيِ نَفْعُ أَهْلِ السُّوقِ لَا رَبِّ السِّلْعَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَكْسُهُ، وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ التَّلَقِّي إِلَّا أَنْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ. (وَلَا يَبِعْ) مَجْزُومٌ بِلَا النَّاهِيَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَبِيعُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا نَافِيَةٌ ( «بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ لَا يَشْتَرِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إِنَّمَا النَّهْيُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَكَادُ يَدْخُلُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ زِيَادَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمُشْتَرَى. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيُحْتَمَلُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَيُمْنَعُ الْبَائِعُ أَيْضًا أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إِذَا رَكَنَ الْمُشْتَرِي لَهُ، وَإِنَّمَا حُمِلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْخَاصَ مُسْتَحَبٌّ مَشْرُوعٌ، فَإِذَا أَتَى مَنْ يَبِيعُ بِأَرْخَصَ مِنْ بَيْعِ الْأَوَّلِ لَمْ يُمْنَعْ، وَقَدْ مُنِعَ مِنْ تَلَقِّي السِّلَعِ، وَفِيهِ إِرْخَاصٌ عَلَى مُتَلَقِّيهَا، غَيْرَ أَنَّ فِيهِ إِغْلَاءً عَلَى أَهْلِ الْأَسْوَاقِ الَّذِينَ هُمْ أَعَمُّ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلضَّعِيفِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّلَقِّي. وَقَالَ عِيَاضٌ: الْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ أَنْ يَعْرِضَ سِلْعَتَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِرُخْصٍ لِيَزِيدَهُ فِي شِرَاءِ سِلْعَةِ الْآخَرِ الرَّاكِنِ إِلَى شِرَائِهَا، قَالَ الْأُبِّيُّ: الْبَيْعُ حَقِيقَةً إِنَّمَا هُوَ إِذَا انْعَقَدَ الْأَوَّلُ، فَلَمَّا تَعَذَّرَتِ الْحَقِيقَةُ حُمِلَ عَلَى أَقْرَبِ الْمَجَازِ إِلَيْهَا وَهُوَ الْمُرَاكَنَةُ، وَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنَ الضَّرَرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ وَالْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَهِيَ أَنْ يَعْرِضَ بَائِعٌ سِلْعَتَهُ عَلَى مُشْتَرٍ رَاكِنٍ لِلْأَوَّلِ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ الْيَوْمَ، يَرَاكِنُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ الْمُشْتَرِي فَيَنْشُرُ الْآخَرُ بِحَانُوتِهِ سِلْعَةً نَظِيرَهَا بِحَيْثُ يَرَاهَا الْمُشْتَرِي ( «وَلَا تَنَاجَشُوا» ) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ. (وَلَا يَبِعْ) بِالْجَزْمِ نَهْيًا، وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا يَبِيعُ " بِالرَّفْعِ نَفْيًا بِمَعْنَاهُ (حَاضِرٌ لِبَادٍ) أَيْ لَا يَكُونُ سِمْسَارًا لَهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى أَهْلِ الْعَمُودِ خَاصَّةً الْبَعِيدِينَ عَنِ الْحَاضِرَةِ الْجَاهِلِينَ بِالسِّعْرِ فِيمَا يَجْلِبُونَهُ مِنْ فَوَائِدِ الْبَادِيَةِ دُونَ شِرَاءٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْحَدِيثِ إِرْفَاقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 أَهْلِ الْحَضَرِ بِأَهْلِ الْبَادِيَةِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَحْصُلُ بِمَجْمُوعِ تِلْكَ الْقُيُودِ، وَبَيَانُهُ إِذَا لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ عَمُودٍ فَهُمْ أَهْلُ بِلَادٍ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ السِّعْرَ، فَلَهُمْ أَنْ يَتَوَصَّلُوا إِلَى تَحْصِيلِهِ بِأَنْفُسِهِمْ وَبِغَيْرِهِمْ، وَكَذَا إِنْ كَانَ الَّذِي جَلَبُوهُ اشْتَرَوْهُ فَهُمْ فِيهِ تُجَّارٌ يَقْصِدُونَ الرِّبْحَ فَلَا يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَلَهُمْ أَنْ يَتَوَصَّلُوا إِلَيْهِ بِالسَّمَاسِرَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا أَهْلُ الْعَمُودِ الْمَوْصُوفُونَ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ بَاعَ لَهُمُ السَّمَاسِرَةُ أَوْ غَيْرُهُمْ ضَرَّ بِأَهْلِ الْحَضَرِ فِي اسْتِخْرَاجِ غَايَةِ الثَّمَنِ فِيمَا أَصْلُهُ عَلَى أَهْلِ الْعَمُودِ بِلَا ثَمَنٍ، وَقَصَدَ الشَّارِعُ إِرْفَاقَ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ بِهِ، وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ بِيعَ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي لِحَدِيثِ: " «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» " وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَامٌّ، " «وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» " خَاصٌّ، وَالْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ اسْتُثْنِيَ مِنْهُ فَيُسْتَعْمَلُ الْحَدِيثَانِ. (وَلَا تُصَرُّوا) بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ، وَالرَّاءُ الْمُشَدَّدَةُ بَعْدَهَا وَاوُ الْجَمْعِ، وَنَصْبُ (الْإِبِلَ) عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (وَالْغَنَمَ) عَطْفٌ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ فِي الرِّوَايَةِ، وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِضَبْطِ الْمُتْقِنِينَ مِنْ شُيُوخِهِ، قَالَ: وَكَانَ شَيْخُنَا ابْنُ عَتَّابٍ يُقَرِّبُهُ لِلطَّلَبَةِ فَيَقُولُ: هُوَ مِثْلُ {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَيَّدْنَاهُ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الصَّادِ وَنَصْبِ الْإِبِلِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَيْضًا، وَبِضَمِّ التَّاءِ وَحَذْفِ الْوَاوِ وَرَفْعِ الْإِبِلِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَاشْتِقَاقُهُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنَ التَّصْرِيَةِ مَصْدَرِ صَرَّى بِشَدِّ الرَّاءِ وَبِالْأَلْفِ يُصْرِي تَصْرِيَةً إِذَا جُمِعَ، يُقَالُ: صَرَّيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْتُهُ، وَمِنْهُ صَرَّى الْمَاءَ فِي الظَّهْرِ إِذَا حَبَسَهُ سِنِينَ لَا يَتَزَوَّجُ، فَالتَّصْرِيَةُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ جَمْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حَتَّى يَعْظُمَ فَيَظُنُّ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لِكَثْرَةِ اللَّبَنِ، وَالْمُصَرَّاةُ الْمَذْكُورَةُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ هِيَ النَّاقَةُ أَوِ الشَّاةُ الْمَفْعُولُ بِهَا ذَلِكَ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْمُحَفَّلَةَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، يُقَالُ: ضَرْعٌ حَافِلٌ أَيْ: عَظِيمٌ. وَأَمَّا عَلَى الضَّبْطِ الثَّانِي فَهُوَ مِنَ الصَّرِّ الَّذِي هُوَ الرَّبْطُ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ مِنَ التَّصْرِيَةِ لَا مِنَ الصَّرِّ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِذْ لَوْ كَانَ مِنَ الصَّرِّ لَقِيلَ: نَاقَةٌ أَوْ شَاةٌ مَصْرُورَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ مُصَرَّاةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّصْرِيَةُ أَنْ تُرْبَطَ أَخْلَافُ النَّاقَةِ أَوِ الشَّاةِ وَيُتْرَكَ حَلْبُهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ، فَيُزِيدُ الْمُشْتَرِي فِي ثَمَنِهَا لِمَا يَرَى مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالَّذِي قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ جَيِّدٌ، وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُصِرُّ ضُرُوعَ الْمَحْلُوبَاتِ أَيْ تَرْبُطُهَا فَسُمِّيَ ذَلِكَ الرِّبَاطُ صِرَارًا، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْعَرَبِ: الْعَبْدُ لَا يُحْسِنُ الْكَرَّ وَإِنَّمَا يُحْسِنُ الْحَلْبَ وَالصَّرَّ، وَبِقَوْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ: فَقُلْتُ لِقَوْمِي هَذِهِ صَدَقَاتُكُمْ ... مُصَرَّرَةً أَخْلَافُهَا لَمْ تُجَرَّدِ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُصَرَّاةٌ مُصَرَّرَةً، أُبْدِلَ إِحْدَى الرَّاءَيْنِ يَاءً كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10] (سُورَةُ الشَّمْسِ: الْآيَةَ 10) كَرِهُوا اجْتِمَاعَ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، قَالَ الْأُبِّيُّ: وَمَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهُ مِنَ التَّصْرِيَةِ، وَلِذَا أَنْكَرُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الصَّرِّ الَّذِي هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 الرَّبْطُ وَالنَّهْيُ لِحَقِّ الْغَيْرِ. (فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ وَهُوَ التَّصْرِيَةُ أَوْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَذَا النَّهْيِ (فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ) أَفْضَلِ الرَّأْيَيْنِ (بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا) بِضَمِّ اللَّامِ مِنْ بَابِ نَصَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَحْتَلِبَهَا، بِفَوْقِيَّةٍ قَبْلَ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ (إِنْ رَضِيَهَا) أَيِ الْمُصَرَّاةَ (أَمْسَكَهَا) وَلَا شَيْءَ لَهُ (وَإِنْ سَخِطَهَا) كَرِهَهَا (رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ) نُصِبَ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى مَعَ، أَوْ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا مَفْعُولًا مَعَهُ ; لِأَنَّ جُمْهُورَ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْمَفْعُولِ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا نَحْوَ جِئْتُ أَنَا وَزَيْدًا، وَالْجُمْلَتَانِ شَرْطِيَّتَانِ عُطِفَتِ الثَّانِيَةُ عَلَى الْأُولَى فَلَا مَحَلَّ لَهُمَا مِنَ الْإِعْرَابِ، إِذْ هُمَا تَفْسِيرِيَّتَانِ أُتِيَ بِهِمَا لِبَيَانِ الْمُرَادِ بِالنَّظَرَيْنِ مَا هُوَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ، إِنَّمَا خَصَّ التَّمْرَ لِأَنَّهُ غَالِبُ عَيْشِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَكَذَلِكَ فِي كُلِّ بَلَدٍ إِنَّمَا يُقْضَى بِالصَّاعِ مِنْ غَالِبِ عَيْشِهِمْ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَمُسْلِمٍ: " «وَصَاعًا مِنْ طَعَامٍ» " زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَعَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ إِنَّمَا تَظْهَرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ فِي مَعْنَى ثَلَاثِ حَلْبَاتٍ؛ لِأَنَّ الْأُولَى هِيَ الدُّلْسَةُ، وَبِالثَّانِيَةِ ظَهَرَتْ، وَبِالثَّالِثَةِ تَحَقَّقَتْ ; لِأَنَّ الثَّانِيَةَ يُظَنُّ أَنَّهَا لِاخْتِلَافِ الْمَرْعَى وَالْمَرَاحِ، أَوْ لِاخْتِلَالٍ فِي الضَّرْعِ بِإِمْسَاكِهَا مُدَّةَ التَّسَوُّقِ بِهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّجْشِ وَالدُّلْسَةِ بِالْعَيْبِ، وَأَصْلٌ فِي الرَّدِّ بِهِ، وَأَنَّ بَيْعَ الْمَعِيبَ صَحِيحٌ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَمِمَّنْ قَالَ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَهُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: أَتَأْخُذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَوْ لِأَحَدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَأْيٌ؟ وَقَوْلُهُ فِي الْعُتَبِيَّةِ عَنْهُ لَيْسَ بِالثَّابِتِ وَلَا الْمُوَطَّأُ عَلَيْهِ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ عَنْ مَالِكٍ. وَرَدَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْحَدِيثَ وَأَتَوْا بِأَشْيَاءَ لَا مَعْنَى لَهَا إِلَّا مُجَرَّدَ الدَّعْوَى فَقَالُوا: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَالْغَلَّةِ بِالضَّمَانِ، قَالُوا: وَالْمُسْتَهْلَكَاتُ بِالْمِثْلِ أَوِ الْقِيمَةِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَهَذَا يُبَيِّنُ نَسْخَهُ. وَقَوْلُهُ وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَنْسُوخٌ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا فِي حَدِيثِ: " «التَّمْرُ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ» " قَالَ أَبُو عُمَرَ: حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ صَحِيحٌ فِي أُصُولِ السُّنَنِ، وَذَلِكَ أَنَّ لَبَنَ التَّصْرِيَةِ اخْتَلَطَ بِاللَّبَنِ الطَّارِي فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَتَهَيَّأْ تَقْوِيمُ مَا لِلْبَائِعِ مِنْهُ، لِأَنَّ مَا لَا يُعْرَفُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَحَكَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ كَحُكْمِهِ فِي الْجَنِينِ بِغِرَّةٍ قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ، إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا حِينَ ضُرِبَ بَطْنُ أُمِّهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ، أَوْ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ، فَقَطَعَ النِّزَاعَ بِالْغُرَّةِ، وَكَحُكْمِهِ فِي الْأَصَابِعِ وَالْأَسْنَانِ بِأَنَّ الصَّغِيرَ فِيهَا كَالْكَبِيرِ؛ إِذْ لَا تُوقَفُ لِصِحَّةِ تَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَكَذَا الْمُوضِحَةُ حَكَمَ فِي صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا بِحُكْمٍ وَاحِدٍ اهـ. وَفِي الْمُعَلِّمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ لِحَدِيثِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَبِالْأُصُولِ الَّتِي خَالَفَتْهُ، وَهِيَ أَنَّ اللَّبَنَ مِثْلِيٌّ فَيَلْزَمُ مِثْلُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَقِيمَتُهُ، وَالْمِثْلُ هُنَا تَعَذَّرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ، فَكَانَ فِيهِ الْقِيمَةُ بِالْعَيْنِ لَا مِثْلُهُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا عَدَلَ عَنِ الْمِثْلِ إِلَى غَيْرِهِ نَحَّى بِهِ عَنِ الْبَيْعِ فَهُوَ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ ; وَلِأَنَّ لَبَنَ النَّاقَةِ أَثْقَلُ مِنْ لَبَنِ الشَّاةِ، وَلَبَنُ النُّوقِ فِي نَفْسِهِ يَخْتَلِفُ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَالصَّاعُ مَحْدُودٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَلْزَمَ مُتْلِفَ الْقَلِيلِ مِثْلُ مَا يَلْزَمُ مُتْلِفَ الْكَثِيرِ؟ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ غَلَّةٌ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي كَسَائِرِ الْغَلَّاتِ، فَإِنَّهَا لَا تُرَدُّ فِي الْعَيْبِ، فَالْحَدِيثُ إِمَّا مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ أَوْ مَرْجُوحٌ لِمُعَارَضَتِهِ هَذِهِ الْأَرْبَعَ قَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ اللَّبَنَ خَرَاجٌ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ، وَبِأَنَّهُ عَامٌّ وَالْمُصَرَّاةُ خَاصٌّ، وَالْعَامُّ يُرَدُّ إِلَى الْخَاصِّ، فَلَا تَعَارُضَ وَلَا نَسْخَ، وَعَنِ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى أَنَّ اللَّبَنَ إِنَّمَا يُرَادُ لِلْقُوتِ، وَغَالِبُ قُوتِهِمُ التَّمْرُ، فَلِذَا حَكَمَ بِهِ؛ حَتَّى لَوْ كَانَ غَالِبَ قُوتِ بَلَدِ غَيْرِهِ لَقَضَى بِذَلِكَ الْغَيْرِ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّرْعُ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ الْإِبِلَ، وَالذَّهَبِ الذَّهَبَ، وَالْوَرِقِ الْوَرِقَ، مَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُ غَالِبُ كَسْبِهِمْ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْمَرْدُودُ لَبَنًا لَدَخَلَ التَّفَاضُلُ وَالْمُزَابِنَةُ، إِذْ مَا فِي الضَّرْعِ لَا يَتَحَقَّقُ تَقْدِيرُهُ بِالصَّاعِ، وَلَوْ رُدَّ جَمِيعُ مَا حُلِبَ لَخِيفَ أَنَّ فِيهِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ غَلَّةٌ وَحَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ؟ وَعَنِ الثَّانِيَةِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُبَايَعَةً حَقِيقِيَّةً حَتَّى يُقَالَ إِنَّهَا طَعَامٌ بِطَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِمَا فَيُتَّهَمَانِ. وَعَنِ الثَّالِثَةِ بِمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّمَا قَضَى بِالصَّاعِ الْمَحْدُودِ عَنِ اللَّبَنِ الْمُخْتَلِفِ قَدْرُهُ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ رِفْقًا لِلْخِصَامِ وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ التَّنَازُعِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرِيصًا عَلَى رَفْعِ التَّنَازُعِ عَنْ أُمَّتِهِ كَقَضَائِهِ بِالْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الدِّيَةِ، وَحَدَّ دِيَةَ الْجَرَّاحِ بِقَدْرٍ مَحْدُودٍ مَعَ اخْتِلَافِ قَدْرِهَا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، فَقَدْ تَعُمُّ الْمُوضِحَةُ جِلْدَةَ الرَّأْسِ، وَقَدْ تَكُونُ مَدْخَلَ مِسَلَّةٍ، وَلِهَذَا أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ، وَعَنِ الرَّابِعِ بِأَنَّ الْغَلَّةَ مَا نَشَأَ وَالشَّيْءُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا كَانَ وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَكَانَ الْأَصْلُ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ، لَكِنْ لَمَّا اسْتَحَالَ رَدُّ عَيْنِهِ لِاخْتِلَاطِهِ بِمَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَجَبَ رُدَّ الْعِوَضِ وَقُدِّرَ بِمَعْلُومٍ رَفْعًا لِلنِّزَاعِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْمُفْهِمِ: قَدْ يُجَابُ عَنِ الْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ بِأَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ أَصْلٌ مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ مُسْتَثْنًى مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ كَمَا اسْتُثْنِيَ ضَرْبُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَدِيَةِ الْجَنِينِ وَالْعَرِيَّةِ وَالْقَرَاضِ مِنْ أَصُولٍ مَمْنُوعَةٍ لِلْحَاجَةِ إِلَى هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ، وَلَوْ سُلِّمَ مُعَارَضَتُهُ بِأُصُولِ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ فَلَا نُسَلِّمُ تَقْدِيمَ الْقِيَاسِ عَلَى الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاذٍ: " «بِمَ تَحْكُمُ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي» " اهـ. وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ غَيْرَ مَا مَرَّ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا نَرَى) بِضَمِّ النُّونِ، فَظَنَّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بِمُرَادِ رَسُولِهِ ( «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» ) أَيْ يَحْرُمُ (أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى أَنْ يَسُومَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ) فَفَسَّرَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 بِالسَّوْمِ مِنَ الْمُشْتَرِي لِلرِّوَايَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِذَلِكَ وَخَيْرُ مَا فَسَّرَتْهُ بِالْوَارِدِ، وَإِنْ كَانَ لَا مَانِعَ مِنْ أَنَّهُ الْبَائِعُ أَيْضًا بِجَامِعِ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ دَفْعُ الضَّرَرِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ وَالسَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ وَبِمَا قَيَّدَهُ (إِذَا رَكَنَ الْبَائِعُ إِلَى السَّائِمِ) أَيِ الْمُشْتَرِي (وَجَعَلَ يَشْتَرِطُ وَزْنَ الذَّهَبِ) أَوِ الْفِضَّةِ وَيَتَبَرَّأُ مِنَ الْعُيُوبِ (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أَرَادَ مُبَايَعَةَ السَّائِمِ فَهَذَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ) لَا قَبْلَ الرُّكُونِ فَيَجُوزُ كَمَا قَالَ. (وَلَا بَأْسَ بِالسَّوْمِ بِالسِّلْعَةِ تُوقَفُ لِلْبَيْعِ فَيَسُومُ بِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، فَإِذَا كَانَ النَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الرَّكْنِ جَازَ هَذَا وَهُوَ الْمُزَايَدَةُ. (وَلَوْ تَرَكَ النَّاسُ السَّوْمَ عِنْدَ أَوَّلِ مَنْ يَسُومُ بِهَا أُخِذَتْ بِشِبْهِ الْبَاطِلِ مِنَ الثَّمَنِ، وَدَخَلَ عَلَى الْبَاعَةِ فِي سِلَعِهِمُ الْمَكْرُوهُ) وَهُوَ الْبَخْسُ وَنَقْصُ الثَّمَنِ (وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى هَذَا) أَيْ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ قَبْلَ الرُّكُونِ، وَبِنَحْوِهِ فَسَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ: عِنْدِي خَيْرٌ مِنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ أَنْ يَبْتَاعَ فَيَقْبِضَهَا وَلَمْ يَفْتَرِقَا وَهُوَ مُغْتَبِطُهَا، فَيَأْتِيهِ مَنْ يَعْرِضُ عَلَيْهِ أَرْشَدَ أَيْ أَحْسَنَ مِنْهَا فَيَفْسَخُ بَيْعَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَمَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ مُتَقَارِبَةٌ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، فَحَمَلَاهُ عَلَى أَنَّهُ نُهِيَ لِلْبَائِعِ، لَكِنَّ تَفْسِيرَ الشَّافِعِيِّ عَلَى قَوْلِهِ بِخِيَارِ الْمَجَالِسِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 قَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ النَّجْشِ» قَالَ مَالِكٌ وَالنَّجْشُ أَنْ تُعْطِيَهُ بِسِلْعَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا وَلَيْسَ فِي نَفْسِكَ اشْتِرَاؤُهَا فَيَقْتَدِي بِكَ غَيْرُكَ   1392 - 1373 - « (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى) تَحْرِيمًا (عَنِ النَّجْشِ) » بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ لُغَةً: تَنْفِيرُ الصَّيْدِ وَاسْتِثَارَتُهُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُصَادَ، يُقَالُ: نَجَشْتُ الصَّيْدَ أَنْجُشُهُ نَجْشًا، وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّائِدِ: نَاجِشٌ لِأَنَّهُ يُثِيرُ الصَّيْدَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: فَكَأَنَّ غَيْرَهُ لِلسِّلْعَةِ يُثِيرُ الزِّيَادَةَ فِيهَا، وَشَرْعًا (قَالَ) مَالِكٌ: (وَالنَّجْشُ أَنْ تُعْطِيَهُ بِسِلْعَتِهِ) أَيْ فِيهَا (أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا وَلَيْسَ فِي نَفْسِكَ اشْتِرَاؤُهَا فَيَقْتَدِي بِكَ غَيْرُكَ) وَقَالَ الحديث: 1392 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 الْأَكْثَرُ: وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ لِيَغْتَرَّ بِهِ غَيْرُهُ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ تَفْسِيرِ مَالِكٍ لِدُخُولِ إِعْطَائِهِ مِثْلَ ثَمَنِهَا أَوْ أَقَلَّ وَخُرُوجِهِ مِنْ تَفْسِيرِ مَالِكٍ، قَالَ الْأُبِّيُّ: وَالْمَذْهَبُ النَّهْيُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَعِنْدِي إِنْ بَلَّغَهَا لِنَاجِشِ قِيمَتَهَا وَرَفَعَ الْغَبْنَ عَنْ صَاحِبِهَا جَازَ وَهُوَ مَأْجُورٌ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ إِتْلَافٌ لِمَالِ الْمُشْتَرِي، ابْنُ عَرَفَةَ وَكَانَ يَسُوقُ الْكُتُبِيِّينَ بِتُونُسَ رَجُلٌ مَشْهُورٌ بِالصَّلَاحِ عَارِفٌ بِقِيمَةِ الْكُتُبِ يَسْتَفْتِحُ لِلدَّلَّالِينَ مَا يَبْنُونَ عَلَيْهِ وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي الشِّرَاءِ، وَهَذَا الْفِعْلُ جَائِزٌ عَلَى ظَاهِرِ تَفْسِيرِ مَالِكٍ وَقَوْلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، لَا عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا وَفِي تَرْكِ الْحِيَلِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 [بَاب جَامِعِ الْبُيُوعِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ قَالَ فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ لَا خِلَابَةَ»   46 - بَابُ جَامِعِ الْبُيُوعِ 1393 - 1374 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا) هُوَ حَبَّانُ بْنُ مُنْقِذٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا وَصَدَّرَ بِهِ عِيَاضٌ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ، وَمُنْقِذٌ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ قَبْلَهَا قَافٌ مَكْسُورَةٌ الْأَنْصَارِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ أَبُو مُنْقِذِ بْنُ عَمْرٍو كَمَا فِي ابْنِ مَاجَهْ وَتَارِيخِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي مُبْهَمَاتِهِ ( «ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ» ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يُرَادُ بِهِ الْمَكْرُوهُ (فِي الْبُيُوعِ) مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ، وَيُبْدَى لَهُ غَيْرُ مَا يُكْتَمُ، قَالَ عِيَاضٌ: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ الَّذِي ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْقِدِ التَّمْيِيزَ وَالنَّظَرَ لِنَفْسِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ يَعْتَرِيهِ أَحْيَانًا وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ اهـ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ حَبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ كَانَ ضَرِيرًا، وَكَانَ قَدْ شُجَّ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ وَقَدْ ثَقُلَ لِسَانُهُ. وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ أَنَّ جَدَّهُ مُنْقِذَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ سَبْعُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ فَكَانَ إِذَا بَايَعَ غُبِنَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَخَبَلَتْ لِسَانَهُ فَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ. (فَقَالَ) لَهُ ( «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ» ) بِكَسْرِ الحديث: 1393 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَخِفَّةِ اللَّامِ وَمُوَحَّدَةٍ، أَيْ: لَا خَدِيعَةَ فِي الدِّينِ، لِأَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، فَلَا لِنَفْيِ الْجِنْسِ، وَخَبَرُ لَا خِلَابَةَ مَحْذُوفٌ، قَالَ التُّورِبِشَتِيُّ: لَقَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْقَوْلَ لِيَلْفِظَ بِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ لِيُطْلِعَ بِهِ صَاحِبَهُ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْبَصَائِرِ فِي مَعْرِفَةِ السِّلَعِ وَمَقَادِيرِ الْقِيمَةِ فِيهَا لِيَرَى لَهُ كَمَا يَرَى لِنَفْسِهِ، وَكَانَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِخْوَانًا لَا يَغْبِنُونَ أَخَاهُمُ الْمُسْلِمَ، وَيَنْظُرُونَ لَهُ أَكْثَرَ مَا يَنْظُرُونَ لِأَنْفُسِهِمُ اهـ. زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ: ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ بَيْعِكَ، قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: جَعْلُهُ لَهُ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مُبَايَعَتِهِ كَانَتْ فِي الرَّقِيقِ لِيَتَبَصَّرَ وَيَثْبُتَ عَيْبُهُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ. (فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ لَا خِلَابَةَ) أَيْ مَعْنَاهُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ النُّطْقِ. فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ يَقُولُ: لَا خِيَابَةَ، قَالَ عِيَاضٌ: بِالتَّحْتِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْثَغَ يُخْرِجُ اللَّامَ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهَا، وَلِبَعْضِهِمْ: لَا خِنَابَةَ بِالنُّونِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ: لَا خِذَابَةَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ اهـ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِذَا بَاعَ لَا خِذَابَةَ لَا خِذَابَةَ. وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: «ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ» ، فَبَقِيَ حَتَّى أَدْرَكَ زَمَنَ عُثْمَانَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً فَكَثُرَ النَّاسُ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ، فَكَانَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ غُبِنْتَ فِيهِ رَجَعَ بِهِ فَيَشْهَدُ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَيَرُدُّ لَهُ دَرَاهِمَهُ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي عَقْلِهِ ضَعْفٌ وَكَانَ يُبَايِعُ، وَأَنَّ أَهْلَهُ أَتَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: احْجُرْ عَلَيْهِ، فَدَعَاهُ فَنَهَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَصْبِرُ عَلَى الْبَيْعِ، فَقَالَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، وَأَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ» " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا خَاصٌّ بِهَذَا الرَّجُلِ وَحْدَهُ، جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، اشْتَرَطَهُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى الْمُبَايَعَةِ مَعَ ضَعْفِ عَقْلِهِ وَلِسَانِهِ، وَقِيلَ إِنَّمَا جَعَلَ لَهُ أَنْ يُشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثًا مَعَ قَوْلِهِ لَا خِلَابَةَ فَيَكُونَ عَامًّا كَسَائِرِ مُشْتَرِطِي الْخِيَارِ اهـ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ أَحْمَدُ وَالْبَغْدَادِيُّونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ وَحَدُّوهُ بِالثُّلُثِ لَا أَقَلَّ، لِأَنَّهُ غَبْنٌ يَسِيرٌ انْتَصَبَ لَهُ التُّجَّارُ فَهُوَ كَالْمَدْخُولِ عَلَيْهِ، وَأَبَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَقَالُوا: لَا رَدَّ بِالْغَبْنِ لَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ وَتَجَاذَبَ الطَّرِيقَانِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} [البقرة: 188] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 188) فَقَالَ: الْأَقَلُّ الْغَبْنُ الْمُخَالِفُ لِلْعَادَةِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: قَدِ اسْتَثْنَى مِنْهُ التِّجَارَةَ عَنْ تَرَاضٍ، وَهَذَا عَنْ تَرَاضٍ، وَكَذَلِكَ تَجَاذَبُوا فَهْمَ الْحَدِيثِ، فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ وَأَحْمَدُ: فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمَغْبُونِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هِيَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ وَحِكَايَةُ حَالٍ لَا يَصِحُّ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ الْخِيَارَ إِلَّا بِشَرْطٍ، فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِعَدَمِ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ إِذْ لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ يَقُولَ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 خِلَابَةَ، فَلَوْ قِيلَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ الْيَوْمَ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ ظَهَرَ الْغَبْنُ فَقَالَ الْأَكْثَرُ: لَا يُوجِبُ قَوْلُهَا قِيَامًا بِالْغَبْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّهَا كَانَتْ خَاصَّةً بِذَلِكَ الرَّجُلِ وَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ وَقِيلَ: إِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ، وَيُصَدِّرُهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ حَضًّا لِمَنْ عَامَلَهُ عَلَى النَّصِيحَةِ وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الْخِلَابَةِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «قُلْ لَا خِلَابَةَ وَاشْتَرِطِ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» ، وَلِيُعْلِمَ صَاحِبَهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْبَصِيرَةِ فِي الْبَيْعِ فَيَنْظُرَ لَهُ كَمَا يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: تُوجِبُ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ لِقَائِلِهَا إِذْ كَأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ لَا يَزِيدَ الثَّمَنُ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَلَا أَنْ تَنْقُصَ السِّلْعَةُ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَهَا الْبَائِعُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَرَطَ وَصْفًا فِي الْمَبِيعِ فَبَانَ خِلَافُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِإِمْضَاءِ بَيْعِ مَنْ لَا يُحْسِنُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَشِرَائِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي تَرْكِ الْحِيَلِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَسُفْيَانُ وَشُعْبَةُ، الثَّلَاثَةُ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ إِذَا جِئْتَ أَرْضًا يُوفُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَطِلْ الْمُقَامَ بِهَا وَإِذَا جِئْتَ أَرْضًا يُنَقِّصُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَقْلِلْ الْمُقَامَ بِهَا   1394 - 1375 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبَ يَقُولُ: إِذَا جِئْتَ أَرْضًا يُوفُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَطِلِ الْمُقَامَ) بِضَمِّ الْمِيمِ: الْإِقَامَةَ (بِهَا وَإِذَا جِئْتَ أَرْضًا يُنْقِصُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَقْلِلِ الْمُقَامَ بِهَا) لِأَنَّ ظُهُورَ الْمُنْكَرِ وَعُمُومَهُ مِمَّا يُحْذَرُ تَعْجِيلُ عُقُوبَتِهِ. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: " نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» " فَكَيْفَ مَعَ قِلَّةِ الصَّالِحِينَ أَوْ عَدَمِهِمْ؟ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَفِي الِاسْتِذْكَارِ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْمُقَامَ بِأَرْضٍ يَظْهَرُ فِيهَا الْمُنْكَرُ ظُهُورًا لَا يُطَاقُ، وَالْمُقَامُ بِمَوْضِعٍ يَظْهَرُ فِيهِ الْحَقُّ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي الْأَغْلَبِ إِذَا وُجِدَ مَرْغُوبٌ فِيهِ، وَأَمَّا بَخْسُ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ فَحَرَامٌ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف: 85] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةَ 85) وَقَالَ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] (سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: الْآيَةَ 1) الْآيَاتِ. قَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ: ابْنَ آدَمَ أَوْفِ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُوفَى لَكَ، وَاعْدِلْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُعْدَلَ عَلَيْكَ. وَمَرَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى رَجُلٍ يَكِيلُ كَيْلًا يَعْتَدِي فِيهِ، فَقَالَ لَهُ: وَيْلَكَ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: أَمَرَنَا اللَّهُ بِالْوَفَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَنَهَى عَنِ الْعُدْوَانِ. وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: بَخْسُ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ سَوَادُ الْوَجْهِ غَدًا فِي الْقِيَامَةِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ التُّجَّارَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَنْ بَرَّ وَصَدَقَ» ". وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «التُّجَّارُ هُمُ الْفُجَّارُ، قَالُوا: أَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ فَيَأْثَمُونَ وَيَخُونُونَ فَيَكْذِبُونَ» ". الحديث: 1394 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ: الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الشَّيْطَانَ وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ مَعَكُمْ فَشَوِّبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» " رَوَى الْأَرْبَعَةَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ بِأَسَانِيدِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِنْ بَاعَ سَمْحًا إِنْ ابْتَاعَ سَمْحًا إِنْ قَضَى سَمْحًا إِنْ اقْتَضَى قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْإِبِلَ أَوْ الْغَنَمَ أَوْ الْبَزَّ أَوْ الرَّقِيقَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْعُرُوضِ جِزَافًا إِنَّهُ لَا يَكُونُ الْجِزَافُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُعَدُّ عَدًّا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ السِّلْعَةَ يَبِيعُهَا لَهُ وَقَدْ قَوَّمَهَا صَاحِبُهَا قِيمَةً فَقَالَ إِنْ بِعْتَهَا بِهَذَا الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ فَلَكَ دِينَارٌ أَوْ شَيْءٌ يُسَمِّيهِ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَبِعْهَا فَلَيْسَ لَكَ شَيْءٌ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا سَمَّى ثَمَنًا يَبِيعُهَا بِهِ وَسَمَّى أَجْرًا مَعْلُومًا إِذَا بَاعَ أَخَذَهُ وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى غُلَامِي الْآبِقِ أَوْ جِئْتَ بِجَمَلِي الشَّارِدِ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا فَهَذَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْلُحْ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ يُعْطَى السِّلْعَةَ فَيُقَالُ لَهُ بِعْهَا وَلَكَ كَذَا وَكَذَا فِي كُلِّ دِينَارٍ لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ كُلَّمَا نَقَصَ دِينَارٌ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقَصَ مِنْ حَقِّهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَدْرِي كَمْ جَعَلَ لَهُ   1395 - 1376 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيَّ الْمَدَنِيَّ الْفَاضِلَ التَّابِعِيَّ الثِّقَةَ (يَقُولُ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (أَحَبَّ اللَّهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ دُعَاءٌ أَوْ خَبَرٌ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ: رَحِمَ اللَّهُ لَكِنْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: أَحَبَّ اللَّهُ (عَبْدًا) أَيْ إِنْسَانًا (سَمْحًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مِنَ السَّمَاحَةِ وَهِيَ الْجُودُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ تَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ (إِنْ بَاعَ) بِأَنْ يَرْضَى بِقَلِيلِ الرِّبْحِ ( «سَمْحًا إِنِ ابْتَاعَ سَمْحًا إِنْ قَضَى» ) أَيْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ وَيَقْضِي أَفْضَلَ مَا يَجِدُ وَيُعَجِّلُ الْقَضَاءَ ( «سَمْحًا إِنِ اقْتَضَى» ) أَيْ طَلَبَ قَضَاءَ حَقِّهِ بِرِفْقٍ وَلِينٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: رَتَّبَ الْمَحَبَّةَ عَلَيْهِ لِيَدُلَّ عَلَى السُّهُولَةِ وَالتَّسَامُحِ فِي التَّعَامُلِ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَحَبَّةِ وَلِكَوْنِهِ أَهْلًا لِلرَّحْمَةِ، وَفِيهِ فَضْلُ الْمُسَامَحَةِ وَعَدَمِ احْتِقَارِ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ، فَلَعَلَّهَا تَكُونُ سَبَبًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ لِلسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ، ثُمَّ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ: " «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا قَضَى» "، وَبِمِثْلِ لَفْظِ الْمُوَطَّأِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، لَكِنْ بِلَفْظِ: رَحِمَ بَدَلَ: أَحَبَّ، وَبِلَفْظِ إِذَا بَدَلَ إِنْ فِي الْكُلِّ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الدُّعَاءَ وَالْخَبَرَ كَمَا مَرَّ. وَيُؤَيِّدُ الْخَبَرَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " «غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ سَهْلًا إِذَا بَاعَ» " لَكِنْ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُ: قَرِينَةُ الِاسْتِقْبَالِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ إِذَا تَجْعَلُهُ دُعَاءً وَتَقْدِيرُهُ يَكُونُ رَجُلًا سَمْحًا، وَقَدْ يُسْتَفَادُ الْعُمُومُ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا: أَعْمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ، قِيلَ: انْظُرْ، قَالَ: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، قَالَ: فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ» ". وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «فَقَالَ اللَّهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي» ". وَلَهُمَا أَيْضًا: " «فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ» ". قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ: تُسْتَحَبُّ الْمُسَامَحَةُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَيْسَ هِيَ تَرْكَ الْمُكَايَسَةِ فِيهِ إِنَّمَا هِيَ تَرْكُ الْمُوَازَنَةِ وَالْمُضَاجَرَةِ وَالْكَزَازَةِ وَالرِّضَا بِيَسِيرِ الرِّبْحِ وَحُسْنِ الطَّلَبِ، قَالَ: وَيُكْرَهُ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ فِي التَّبَايُعِ، وَلَا يُفْسَخُ بِهِ وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ لِشِبْهِهِ بِالْخَدِيعَةِ. الحديث: 1395 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْإِبِلَ أَوِ الْغَنَمَ أَوِ الْبَزَّ) بِالْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ (أَوِ الرَّقِيقَ أَوْ شَيْئًا مِنَ الْعُرُوضِ جُزَافًا أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْجُزَافُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُعَدُّ عَدًّا) وَفِي نُسْخَةٍ: عَدَدًا. قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مَا الْغَالِبُ أَنْ يَسْهُلَ عَدَدُهُ لِقِلَّتِهِ وَلَا يَتَقَدَّرُ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِتَعَذُّرِ آلَتِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَلَكِنْ قَيَّدَهُ حُذَّاقُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْمَعْدُودِ الْمَقْصُودِ آحَادُهُ كَالرَّقِيقِ وَالْأَنْعَامِ، وَمَا تَقَارَبَ جَازَ الْجُزَافُ فِي كَثِيرِهِ لِمَشَقَّةِ عَدَدِهِ دُونَ يَسِيرِهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ السِّلْعَةَ يَبِيعُهَا لَهُ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ قَوَّمَهَا صَاحِبُهَا قِيمَةً فَقَالَ: إِنْ بِعْتَهَا بِهَذَا الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ فَلَكَ دِينَارٌ أَوْ شَيْءٌ يُسَمِّيهِ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَبِعْهَا فَلَيْسَ لَكَ شَيْءٌ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ: (إِذَا سَمَّى ثَمَّنَا يَبِيعُهَا بِهِ وَسَمَّى أَجْرًا مَعْلُومًا إِذَا بَاعَ أَخَذَهُ وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَلَا شَيْءَ لَهُ) زِيَادَةُ إِيضَاحٍ لِمَا قَبْلَهُ. (وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: إِنْ قَدَرْتَ عَلَى غُلَامِي الْآبِقِ أَوْ جِئْتَ بِجَمَلِي الشَّارِدِ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا) لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ (فَهَذَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ) الَّذِي قَالَ الْجُمْهُورُ بِجَوَازِهِ فِي الْإِبَاقِ وَالضَّوَالِّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةَ 72) (وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْلُحْ) بَلْ يَفْسُدُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا عِلْمَ الثَّمَنِ، وَأَوْضَحَ ذَلِكَ فَقَالَ: (فَأَمَّا الرَّجُلُ يُعْطَى السِّلْعَةَ فَيُقَالُ لَهُ بِعْهَا وَلَكَ كَذَا وَكَذَا فِي كُلِّ دِينَارٍ لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ) كَأَنْ يَقُولُ: لَكَ فِي كُلِّ دِينَارٍ دِرْهَمَانِ (فَإِنَّ ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ كُلَّمَا نَقَصَ دِينَارٌ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقَصَ مِنْ حَقِّهِ الَّذِي سُمِّيَ لَهُ) وَفِي نُسْخَةٍ سَمَّاهُ (فَهَذَا غَرَرٌ) لِأَنَّهُ (لَا يَدْرِي كَمْ جُعِلَ لَهُ) وَالْإِجَارَةُ بَيْعُ مَنَافِعٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ فِيهَا إِلَّا مَعْلُومًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ الظَّاهِرِيَّةُ وَبَعْضُ السَّلَفِ: يَجُوزُ جَهْلُ الْبَدَلِ فِيهَا كَمَنْ يُعْطِي حِمَارَهُ لِمَنْ يَسْقِي عَلَيْهِ أَوْ يَعْمَلُ بِهِ بِنِصْفِ مَا يُرْزَقُ بِسَقْيِهِ عَلَى ظَهْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ، قَالُوا: وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِجَوَازِ الرَّضَاعِ، وَمَا يَأْخُذُهُ الصَّبِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ لَبَنِهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاخْتِلَافِ وَاخْتِلَافِ أَلْبَانِ النِّسَاءِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الرَّجُلِ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ ثُمَّ يُكْرِيهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا تَكَارَاهَا بِهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ   1395 - 1377 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الرَّجُلِ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ ثُمَّ يُكْرِيهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا تَكَارَاهَا بِهِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ مَالِكٌ مَنَافِعَ الْأَصْلِ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 [كِتَاب الْقِرَاضِ] [بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْقِرَاضِ بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي جَيْشٍ إِلَى الْعِرَاقِ فَلَمَّا قَفَلَا مَرَّا عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ ثُمَّ قَالَ لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْتُ ثُمَّ قَالَ بَلَى هَاهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسْلِفُكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونُ الرِّبْحُ لَكُمَا فَقَالَا وَدِدْنَا ذَلِكَ فَفَعَلَ وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ فَلَمَّا قَدِمَا بَاعَا فَأُرْبِحَا فَلَمَّا دَفَعَا ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ قَالَ أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ مَا أَسْلَفَكُمَا قَالَا لَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ مَا يَنْبَغِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا لَوْ نَقَصَ هَذَا الْمَالُ أَوْ هَلَكَ لَضَمِنَّاهُ فَقَالَ عُمَرُ أَدِّيَاهُ فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا فَقَالَ عُمَرُ قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نِصْفَ رِبْحِ الْمَالِ   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 32 - كِتَابُ الْقِرَاضِ هَكَذَا فِي نُسَخٍ صَحِيحَةٍ مَقْرُوءَةٍ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمُسَاقَاةِ، وَفِي نُسَخٍ تَأْخِيرُهُ عَنْهَا وَعَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَالْخَطْبُ سَهْلٌ. 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ أَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَهُ الْقِرَاضَ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهُ الْمُضَارَبَةَ وَلَا يَقُولُونَ قِرَاضًا الْبَتَّةَ، وَأَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 101] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةَ 101) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} [المزمل: 20] (سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: الْآيَةَ 20) ، وَقَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ: لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا يَقْتَضِي أَنَّهُ لُغَةٌ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأُقِرَّ فِي الْإِسْلَامِ وَعَمِلَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَدِيجَةَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَنَقَلَتْهُ الْكَافَّةُ عَنِ الْكَافَّةِ كَمَا نَقَلَتِ الدِّيَةَ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ. 1396 - 1378 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ) أَسْلَمَ الْعَدَوِيِّ مَوْلَى عُمَرَ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ، وَقِيلَ بَعْدَ سَنَةِ سِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةِ سَنَةٍ (أَنَّهُ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ أَحَدُ الْعَبَادِلَةِ (وَعُبَيْدُ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وُلِدَ مَضْمُومَ الْعَيْنِ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ غَزَا فِي خِلَافَةِ أَبِيهِ كَمَا قَالَ (فِي جَيْشٍ إِلَى الْعِرَاقِ) لِلْغَزْوِ وَكَانَ مِنْ شُجْعَانِ قُرَيْشٍ وَفُرْسَانِهِمْ، وَقُتِلَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ (فَلَمَّا قَفَلَا) رَجَعَا مِنَ الْغَزْوِ (مَرَّا عَلَى أَبِي مُوسَى) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ (الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ) مِنْ جِهَةِ عُمَرَ (فَرَحَّبَ بِهِمَا) قَالَ: مَرْحَبًا (وَسَهَّلَ، الحديث: 1396 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ) لَوْ لِلتَّمَنِّي فَلَا جَوَابَ لَهَا، وَفِي نُسْخَةٍ لَفَعَلْتُ فَهِيَ الْجَوَابُ (ثُمَّ قَالَ: بَلَى، هَهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ) عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (فَأُسْلِفُكُمَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أُقْرِضُكُمَاهُ (فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونُ لَكُمَا الرِّبْحُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: لَمْ يُرِدْ بِإِسْلَافِهِمَا إِحْرَازَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْعَهُمَا، وَمِنْ مُقْتَضَاهُ ضَمَانُهُمَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ السَّلَفُ لِمَنْفَعَةِ الْمُتَسَلِّفِ، فَإِنْ قَصَدَ الْمُسَلِّفُ نَفْعَ نَفْسِهِ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ (فَقَالَا: وَدِدْنَا) أَحْبَبْنَا (ذَلِكَ فَفَعَلَ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ، فَلَمَّا قَدِمَا بَاعَا فَأُرْبِحَا فَلَمَّا دَفَعَا ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ) وَأَخْبَرَاهُ أَوْ بَلَغَهُ مِنْ غَيْرِهِمَا (قَالَ: أَكُلَّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ مَا أَسْلَفَكُمَا؟ قَالَا: لَا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) أَنْتُمَا (ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا) مُحَابَاةً لَهُ (أَدِّيَا الْمَالَ وَرَبْحَهُ) احْتِيَاطًا لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُمْ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ) الْمُكَبَّرُ (فَسَكَتَ) أَدَبًا وَلِشِدَّةِ وَرَعِهِ. (وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا) الْفِعْلُ (لَوْ نَقَصَ هَذَا الْمَالُ أَوْ هَلَكَ لَضَمِنَّاهُ) لِأَنَّهُ سَلَفٌ (فَقَالَ عُمَرُ: أَدِّيَاهُ) قَالَ عِيسَى: كَرَاهَةً لِتَفْضِيلِ أَبِي مُوسَى لِوَلَدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا إِنَّ أَبَا مُوسَى تَسَلَّفَ الْمَالَ وَكَانَ بِيَدِهِ عَلَى مَعْنَى الْوَدِيعَةِ وَأَسْلَفَهُمَا إِيَّاهُ، وَإِنْ قُلْنَا كَانَ بِيَدِهِ لِلتَّنْمِيَةِ وَالْإِصْلَاحِ فَلِعُمَرَ تَعَقُّبُ ذَلِكَ كَالْمُبْضِعِ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ فَلِلَّذِي أَبْضَعَهُ تَعَقُّبُهُ، وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا وَفَاءٌ لَضَمِنَهُ أَبُو مُوسَى، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ) أَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ، وَفِيهِ احْتِجَاجُ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعُقُوقٍ وَلَا هَضْمٍ مِنْ حَقِّ الْأُبُوَّةِ وَلَا حَقِّ الْخِلَافَةِ، وَجَوَازِ الِاحْتِجَاجِ حَيْثُ لَا نَصَّ. (فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ) يُقَالُ إِنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا) إِشَارَةً إِلَى عَرْضِ مَا رَآهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ عُمَرُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 وَكَذَا الْمُفْتِي يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْحُكْمَ بِالْفَتْوَى إِذَا عَرَفَ مِنْ حَالَتِهِ اسْتِشَارَتَهُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا) أَيْ أَعْطَيْتُهُ حُكْمَهُ (فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ) جَعَلَهُ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ (وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ نِصْفَ رِبْحِ الْمَالِ) وَكَأَنَّهُ جَعَلَ كَذَلِكَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ إِذْ لَيْسَ مِنَ الْقِرَاضِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا سَاقَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ إِعْلَامًا بِأَنَّ الْقِرَاضَ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ مِنْ عَهْدِ عُمَرَ، وَقِيلَ هُوَ أَوَّلُ قِرَاضٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ أَوَّلُهُ أَنَّ عُمَرَ أَخْرَجَ مِنَ السُّوقِ مَنْ لَا يَعْلَمُ الْبَيْعَ وَكَانَ فِيهِمْ يَعْقُوبُ مَوْلَى الْحُرَقَةِ فَأَعْطَاهُ عُثْمَانُ مَالًا قِرَاضًا وَأَجْلَسَهُ فِي السُّوقِ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَمَعْنَاهُ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُعَلِّمُهُ وَيُرَاعِي أَحْوَالَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ بِعُثْمَانَ فِي فَضْلِهِ وَوَرَعِهِ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا أَصْلَ لِلْقِرَاضِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأُقِرَّ فِي الْإِسْلَامِ، وَأُجْمِعَ عَلَى جَوَازِهِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَعْطَاهُ مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا   1397 - 1379 - (مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْحُرَقِيِّ - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَقَافٍ - الْمَدَنِيِّ الصَّدُوقِ (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيِّ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ (عَنْ جَدِّهِ) يَعْقُوبَ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى الْحُرَقَةِ، مَقْبُولٌ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَعْطَاهُ) أَيْ يَعْقُوبَ (مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا) قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقِرَاضِ سُنَّةٌ مَعْمُولٌ بِهَا، وَقَالَ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعَائِشَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ: اتَّجَرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ، وَكَانُوا يُضَارِبُونَ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَرُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ وَقَالَ: " «أَلَا مَنْ وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ فَلْيَتَّجِرْ لَهُ فِيهِ وَلَا يَتْرُكْهُ فَتَأْكُلُهُ الزَّكَاةُ» ". الحديث: 1397 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 [بَاب مَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ] قَالَ مَالِكٌ وَجْهُ الْقِرَاضِ الْمَعْرُوفِ الْجَائِزِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ الْمَالَ مِنْ صَاحِبِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَنَفَقَةُ الْعَامِلِ فِي الْمَالِ فِي سَفَرِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَا يُصْلِحُهُ بِالْمَعْرُوفِ بِقَدْرِ الْمَالِ إِذَا شَخَصَ فِي الْمَالِ إِذَا كَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَلَا كِسْوَةَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعِينَ الْمُتَقَارِضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ رَبُّ الْمَالِ مِمَّنْ قَارَضَهُ بَعْضَ مَا يَشْتَرِي مِنْ السِّلَعِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ وَإِلَى غُلَامٍ لَهُ مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلَانِ فِيهِ جَمِيعًا إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الرِّبْحَ مَالٌ لِغُلَامِهِ لَا يَكُونُ الرِّبْحُ لِلسَّيِّدِ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ   2 - بَابُ مَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ: وَجْهُ الْقِرَاضِ الْمَعْرُوفِ الْجَائِزِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ الْمَالَ مِنْ صَاحِبِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 فِيهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَنَفَقَةُ الْعَامِلِ فِي الْمَالِ فِي سَفَرِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ وَمَا يُصْلِحُهُ بِالْمَعْرُوفِ بِقَدْرِ الْمَالِ إِذَا شَخَصَ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ سَافَرَ (فِي الْمَالِ إِذَا كَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ ذَلِكَ) لَا إِنْ قُلَّ (فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنَ الْمَالِ وَلَا كُسْوَةَ) ، وَإِنْ كَانَ يُتْعَبُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ نَظَرًا لِأَنَّهُ مُقِيمٌ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعِينَ الْمُتَقَارِضَانِ) رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا) بِأَنْ كَانَ بِلَا شَرْطٍ وَلَمْ يَكُنْ لِإِبْقَاءِ الْمَالِ بِيَدِهِ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ رَبُّ الْمَالِ مِمَّنْ قَارَضَهُ بَعْضَ مَا يَشْتَرِي مِنَ السِّلَعِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ) بِأَنْ لَا يَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى أَخْذِ شَيْءٍ مِنَ الرِّبْحِ قَبْلَ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ اشْتَرَى بِنَقْدٍ أَوْ لِأَجَلٍ. (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ وَإِلَى غُلَامٍ لَهُ مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلَانِ فِيهِ جَمِيعًا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ مَالٌ لِغُلَامِهِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ (لَا يَكُونُ) الرِّبْحُ (لِلسَّيِّدِ حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ) يَكُونُ لَهُ حَتَّى يَنْزِعَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 [بَاب مَا لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ] قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا إِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ ثُمَّ يُقَارِضُهُ بَعْدُ أَوْ يُمْسِكُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ بِمَالِهِ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَهَلَكَ بَعْضُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَ الْمَالِ بَقِيَّةَ الْمَالِ بَعْدَ الَّذِي هَلَكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ رِبْحِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى شَرْطِهِمَا مِنْ الْقِرَاضِ قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ الْقِرَاضُ إِلَّا فِي الْعَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ وَلَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ وَمِنْ الْبُيُوعِ مَا يَجُوزُ إِذَا تَفَاوَتَ أَمْرُهُ وَتَفَاحَشَ رَدُّهُ فَأَمَّا الرِّبَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ إِلَّا الرَّدُّ أَبَدًا وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279]   3 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلِ دَيْنٌ فَيَسْأَلُهُ أَنْ يُقِرَّهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْقَافِ يُبْقِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 (عِنْدَهُ قِرَاضًا إِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) كَرَاهَةَ مَنْعٍ (حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ ثُمَّ يُقَارِضُهُ بَعْدُ) بِالضَّمِّ (أَوْ يُمْسِكُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ بِمَالِهِ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ) فَيَكُونَ ذَرِيعَةً لِلرِّبَا، وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْحُكْمِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَعُودُ أَمَانَةً حَتَّى يُقْبَضَ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَهَلَكَ بَعْضُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَ الْمَالِ بَقِيَّةَ الْمَالِ بَعْدَ الَّذِي هَلَكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ قَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ رِبْحِهِ) وَمَفْهُومُهُ: لَوْ صَحَّ التَّلَفُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ لَمْ يَكُنْ رَأْسُ الْمَالِ إِلَّا مَا بَقِيَ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ كُلِّهِمْ، وَقَالَ عِيسَى: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ. ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يَكُونُ كَذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ الْمَالَ ثُمَّ يَرُدَّهُ قِرَاضًا ثَانِيًا، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ يُجْبَرُ التَّلَفُ بِالرِّبْحِ (ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى شَرْطِهِمَا مِنَ الْقِرَاضِ) مِنْ نِصْفٍ وَغَيْرِهِ. (وَلَا يَصْلُحُ الْقِرَاضُ إِلَّا فِي الْعَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ) لِأَنَّهَا قِيَمُ الْمَتْلَفَاتِ وَأُصُولُ الْأَثْمَانِ، وَلَا يَدْخُلُ أَسْوَاقَهَا تَغَيُّرٌ، وَمَا يَدْخُلُهُ تَغَيُّرُ الْأَسْوَاقِ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ. (وَ) لِذَا (لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعَرُوضِ وَالسِّلَعِ وَمِنَ الْبُيُوعِ) الْمَمْنُوعَةِ (مَا يَجُوزُ) أَيْ يَمْضِي (إِذَا تَفَاوَتَ أَمْرُهُ وَتَفَاحَشَ رَدُّهُ) كَبَيْعِ حَبٍّ أُفْرِكَ قَبْلَ يُبْسِهِ وَبَيْعِ ثَمَرٍ بَعْدَ أَنْ أَزْهَى يُؤْخَذُ كَيْلًا بَعْدَ أَنْ يُثْمِرَ، قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: وَإِنَّمَا خَرَجَ مَالِكٌ مِنْ ذِكْرِ الْقِرَاضِ إِلَى ذِكْرِ الْبُيُوعِ تَمْثِيلًا أَنَّ لِلْقِرَاضِ مَكْرُوهًا كَالْبُيُوعِ، فَمَكْرُوهُ الْقِرَاضِ إِذَا فَاتَ بِالْعَمَلِ رُدَّ إِلَى قِرَاضٍ مِثْلِهِ كَالْقِرَاضِ بِالْعُرُوضِ أَوِ الضَّمَانِ أَوْ إِلَى أَجَلٍ. وَحَرَامُ الْقِرَاضِ إِذَا فَاتَ بِالْعَمَلِ رُدَّ إِلَى أَجْرِ مِثْلِهِ. (فَأَمَّا الرِّبَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ إِلَّا الرَّدُّ أَبَدًا وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ) وَفِي نُسْخَةٍ فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 (قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: " {وَإِنْ تُبْتُمْ} [البقرة: 279] ") رَجَعْتُمْ عَنِ الرِّبَا (" {فَلَكُمْ رُءُوسُ} [البقرة: 279] ") أُصُولُ (" {أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ} [البقرة: 279] ") بِزِيَادَةٍ (" {وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] ") بِنَقْصٍ، فَلَمْ يُبِحْ فِيهِ شَيْئًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَقَعَتْ هُنَا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 [بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا تَشْتَرِيَ بِمَالِي إِلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَنْهَاهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِاسْمِهَا قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَطَ عَلَى مَنْ قَارَضَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ حَيَوَانًا أَوْ سِلْعَةً بِاسْمِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَمَنْ اشْتَرَطَ عَلَى مَنْ قَارَضَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إِلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ غَيْرَهَا كَثِيرَةً مَوْجُودَةً لَا تُخْلِفُ فِي شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ نِصْفَ الرِّبْحِ لَهُ وَنِصْفَهُ لِصَاحِبِهِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَإِذَا سَمَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ سَمَّى مِنْ ذَلِكَ حَلَالٌ وَهُوَ قِرَاضُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَلَكِنْ إِنْ اشْتَرَطَ أَنَّ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَمَا فَوْقَهُ خَالِصًا لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ قِرَاضُ الْمُسْلِمِينَ   4 - بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا تَشْتَرِيَ بِمَالِي إِلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا) لِسِلْعَةٍ يُسَمِّيهَا (أَوْ يَنْهَاهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِاسْمِهَا قَالَ مَالَكٌ: مَنِ اشْتَرَطَ عَلَى مَنْ قَارَضَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ حَيَوَانًا أَوْ سِلْعَةً بِاسْمِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ قَدْ أَبْقَى كَثِيرًا مِمَّا يُتَّجَرُ فِيهِ. (وَمَنِ اشْتَرَطَ عَلَى مَنْ قَارَضَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إِلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ) لِلتَّحْجِيرِ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ غَيْرَهَا) وَقَوْلُهُ: (كَثِيرَةً) ثَابِتٌ لِابْنِ وَضَّاحٍ عَنْ يَحْيَى سَاقِطٌ لِابْنِهِ (مَوْجُودَةً لَا تُخْلِفُ فِي شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) فَإِنْ تَعَذَّرَتْ لِقِلَّتِهَا مُنِعَ، وَإِنْ نَزَلَ فُسِخَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئًا مِنَ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا) إِذْ لَعَلَّ ذَلِكَ الْعَدَدَ يَسْتَغْرِقُ الرِّبْحَ وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 الْأَجْزَاءِ الْمُشْتَرَطَةِ، وَلَا يَجُوزُ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ نِصْفَ الرِّبْحِ) لِلْعَامِلِ (وَنِصْفَهُ لِصَاحِبِهِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِذَا سَمَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ سُمِّيَ مِنْ ذَلِكَ حَلَالٌ وَهُوَ قِرَاضُ الْمُسْلِمِينَ) الْجَارِي بَيْنَهُمْ (وَلَكِنْ إِنِ اشْتَرَطَ أَنَّ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَمَا فَوْقَهُ خَالِصًا لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ وَمَا بَقِيَ مِنَ الرِّبْحِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ قِرَاضُ الْمُسْلِمِينَ) يُشْبِهُ التَّعْلِيلَ لِعَدَمِ الصُّلُوحِ أَيْ لِمُخَالَفَةِ سُنَّةِ الْقِرَاضِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 [بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ الْعَامِلِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ صَاحِبِهِ وَلَا يَكُونُ مَعَ الْقِرَاضِ بَيْعٌ وَلَا كِرَاءٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا سَلَفٌ وَلَا مِرْفَقٌ يَشْتَرِطُهُ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُعِينَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُتَقَارِضَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ زِيَادَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ يَزْدَادُهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ فَإِنْ دَخَلَ الْقِرَاضَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ صَارَ إِجَارَةً وَلَا تَصْلُحُ الْإِجَارَةُ إِلَّا بِشَيْءٍ ثَابِتٍ مَعْلُومٍ وَلَا يَنْبَغِي لِلَّذِي أَخَذَ الْمَالَ أَنْ يَشْتَرِطَ مَعَ أَخْذِهِ الْمَالَ أَنْ يُكَافِئَ وَلَا يُوَلِّيَ مِنْ سِلْعَتِهِ أَحَدًا وَلَا يَتَوَلَّى مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ فَإِذَا وَفَرَ الْمَالُ وَحَصَلَ عَزْلُ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِ رِبْحٌ أَوْ دَخَلَتْهُ وَضِيعَةٌ لَمْ يَلْحَقْ الْعَامِلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا مِمَّا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا مِنْ الْوَضِيعَةِ وَذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي مَالِهِ وَالْقِرَاضُ جَائِزٌ عَلَى مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ مِنْ نِصْفِ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِلَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ قِرَاضًا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ سِنِينَ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ قَالَ وَلَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّكَ لَا تَرُدُّهُ إِلَيَّ سِنِينَ لِأَجَلٍ يُسَمِّيَانِهِ لِأَنَّ الْقِرَاضَ لَا يَكُونُ إِلَى أَجَلٍ وَلَكِنْ يَدْفَعُ رَبُّ الْمَالِ مَالَهُ إِلَى الَّذِي يَعْمَلُ لَهُ فِيهِ فَإِنْ بَدَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ وَالْمَالُ نَاضٌّ لَمْ يَشْتَرِ بِهِ شَيْئًا تَرَكَهُ وَأَخَذَ صَاحِبُ الْمَالِ مَالَهُ وَإِنْ بَدَا لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقْبِضَهُ بَعْدَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ سِلْعَةً فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يُبَاعَ الْمَتَاعُ وَيَصِيرَ عَيْنًا فَإِنْ بَدَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَرُدَّهُ وَهُوَ عَرْضٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يَبِيعَهُ فَيَرُدَّهُ عَيْنًا كَمَا أَخَذَهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَصْلُحُ لِمَنْ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ خَاصَّةً لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إِذَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ فَقَدْ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ فَضْلًا مِنْ الرِّبْحِ ثَابِتًا فِيمَا سَقَطَ عَنْهُ مِنْ حِصَّةِ الزَّكَاةِ الَّتِي تُصِيبُهُ مِنْ حِصَّتِهِ وَلَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى مَنْ قَارَضَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إِلَّا مِنْ فُلَانٍ لِرَجُلٍ يُسَمِّيهِ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ أَجِيرًا بِأَجْرٍ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَدْفَعُ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَيَشْتَرِطُ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ الْمَالَ الضَّمَانَ قَالَ لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي مَالِهِ غَيْرَ مَا وُضِعَ الْقِرَاضُ عَلَيْهِ وَمَا مَضَى مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ فَإِنْ نَمَا الْمَالُ عَلَى شَرْطِ الضَّمَانِ كَانَ قَدْ ازْدَادَ فِي حَقِّهِ مِنْ الرِّبْحِ مِنْ أَجْلِ مَوْضِعِ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى مَا لَوْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ عَلَى غَيْرِ ضَمَانٍ وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ لَمْ أَرَ عَلَى الَّذِي أَخَذَهُ ضَمَانًا لِأَنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ فِي الْقِرَاضِ بَاطِلٌ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبْتَاعَ بِهِ إِلَّا نَخْلًا أَوْ دَوَابَّ لِأَجْلِ أَنَّهُ يَطْلُبُ ثَمَرَ النَّخْلِ أَوْ نَسْلَ الدَّوَابِّ وَيَحْبِسُ رِقَابَهَا قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ هَذَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقِرَاضِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبِيعَهُ كَمَا يُبَاعُ غَيْرُهُ مِنْ السِّلَعِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُقَارِضُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ غُلَامًا يُعِينُهُ بِهِ عَلَى أَنْ يَقُومَ مَعَهُ الْغُلَامُ فِي الْمَالِ إِذَا لَمْ يَعْدُ أَنْ يُعِينَهُ فِي الْمَالِ لَا يُعِينُهُ فِي غَيْرِهِ   5 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ الْعَامِلِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ صَاحِبِهِ) فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْمُوَازِيَةِ: إِنْ تَرَكَ ذَلِكَ مُشْتَرِطُهُ قَبْلَ الْعَمَلِ جَازَ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَرَوَى يَحْيَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إِنْ أَسْقَطَهُ مُشْتَرِطُهُ صَحَّ وَتَمَادَيَا عَلَيْهِ، وَأَنْكَرَهُ يَحْيَى بَعْدَ الْعَمَلِ (وَلَا يَكُونُ مَعَ الْقِرَاضِ بَيْعٌ وَلَا كِرَاءٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا سَلَفٌ وَلَا مَرْفِقٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَعَكْسِهِ: مَا يُرْتَفَقُ بِهِ (يَشْتَرِطُهُ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُعِينَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُتَقَارِضَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 صَاحِبِهِ زِيَادَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَلَا شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ يَزْدَادُهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ دَخَلَ الْقِرَاضَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ صَارَ إِجَارَةً، وَلَا تَصْلُحُ الْإِجَارَةُ إِلَّا بِشَيْءٍ ثَابِتٍ مَعْلُومٍ) لِأَنَّهَا بَيْعُ مَنَافِعٍ فَيُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطُ الْبَيْعِ (وَلَا يَنْبَغِي) أَيْ يَحْرُمُ (لِلَّذِي أَخَذَ الْمَالَ) أَيِ الْعَامِلُ (أَنْ يَشْتَرِطَ مَعَ أَخْذِهِ الْمَالَ أَنْ يُكَافِئَ) مَنْ أَسْدَى إِلَيْهِ مَعْرُوفًا يَخْتَصُّ بِهِ، فَلَوْ كَافَأَ لِمَعْرُوفٍ أُسْدِيَ إِلَيْهِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ وَلِلنَّظَرِ جَازَ. (وَلَا يُوَلِّيَ مِنْ سِلْعَتِهِ) أَيِ الْقِرَاضِ الْمُشْتَرَاةِ بِمَالِهِ (أَحَدًا) غَيْرَهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهَا بِهِ إِذَا كَانَ يَرْجُو فِيهَا النَّمَاءَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ رَبِّ الْمَالِ بِالرِّبْحِ فِيهَا وَقُيِّدَ بِمَا لَمْ يَخَفِ الْوَضِيعَةَ وَإِلَّا جَازَ. (وَلَا يَتَوَلَّى شَيْئًا مِنْهَا لِنَفْسِهِ) يَسْتَقِلُّ بِهِ (فَإِذَا وَفَرَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ زَادَ (وَحَصَلَ عَزْلُ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ اقْتَسَمَا الْمَالَ) أَيْ رِبْحَهُ (عَلَى شَرْطِهِمَا) إِنْ كَانَ رِبْحٌ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِ رِبْحٌ أَوْ دَخَلَتْهُ وَضِيعَةٌ) نَقْصٌ (لَمْ يَلْحَقِ الْعَامِلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا مِمَّا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا مِنَ الْوَضِيعَةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ (وَذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي مَالِهِ) دُونَ الْعَامِلِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ أَيْضًا. (وَالْقِرَاضُ جَائِزٌ عَلَى مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ مِنْ نِصْفِ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ) أَعَادَهُ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ غَيْرَ مَقْصُودٍ. (وَلَا يَجُوزُ لِلَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ قِرَاضًا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ سِنِينَ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ وَ) كَذَلِكَ (لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّكَ) يَا عَامِلُ (لَا تَرُدُّهُ إِلَى سِنِينَ لِأَجَلٍ يُسَمِّيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ لَا يَكُونُ إِلَى أَجَلٍ) لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ قَبْلَهُ، وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَصْحَابُهُ. (وَلَكِنْ يَدْفَعُ رَبُّ الْمَالِ مَالَهُ إِلَى الَّذِي يَعْمَلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 لَهُ فِيهِ، فَإِنْ بَدَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ وَالْمَالُ نَاضٌّ لَمْ يَشْتَرِ بِهِ شَيْئًا تَرَكَهُ) لِأَنَّ عَقْدَهُ غَيْرُ لَازِمٍ بِإِجْمَاعٍ (وَأَخَذَ صَاحِبُ الْمَالِ مَالَهُ، وَإِنْ بَدَا لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقْبِضَهُ بَعْدَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ سِلْعَةً فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يُبَاعَ وَيَصِيرَ عَيْنًا) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَامِلِ بِالرِّبْحِ (فَإِنْ بَدَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَرُدَّهُ وَهُوَ عَرْضٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَتَّى يَبِيعَهُ فَيَرُدَّهُ عَيْنًا كَمَا أَخَذَهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ رَبِّهِ بِذَلِكَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِكُلٍّ فَسْخُهُ قَبْلَ الْعَمَلِ لَا بَعْدَهُ حَتَّى يَعُودَ عَيْنًا كَمَا أَخَذَهُ. (وَلَا يَصْلُحُ لِمَنْ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي حِصَّتِهِ مِنَ الرِّبْحِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إِذَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَضْلًا) زِيَادَةً (مِنَ الرِّبْحِ فِيمَا سَقَطَ عَنْهُ مِنْ حِصَّةِ الزَّكَاةِ الَّتِي تُصِيبُهُ) تَلْزَمُهُ (مِنْ حِصَّتِهِ) وَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يَكُونُ الْمَالُ حِينَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَرُبَّمَا هَلَكَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ. (وَلَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى مَنْ قَارَضَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إِلَّا مِنْ فُلَانٍ لِرَجُلٍ يُسَمِّيهِ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ أَجِيرًا) وَفِي نُسْخَةٍ رَسُولًا (بِأَجْرٍ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ) وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِالرَّجُلِ مُوسِرًا لَا تَعْدَمُ عِنْدَهُ السِّلَعُ أَوْ مُعْسِرًا، فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ، فَإِنْ فَاتَ صَحَّ بِهِ الْقِرَاضُ الْفَاسِدُ، قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَدْفَعُ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَيَشْتَرِطُ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ الْمَالَ الضَّمَانَ قَالَ: لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي مَالِهِ غَيْرَ مَا وُضِعَ الْقِرَاضُ عَلَيْهِ وَمَا مَضَى مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ) وَلَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ أَنَّ الْقِرَاضَ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 الْأَمَانَةِ لَا عَلَى الضَّمَانِ. (فَإِنْ نَمَا الْمَالُ عَلَى شَرْطِ الضَّمَانِ كَانَ قَدْ زَادَ فِي حَقِّهِ مِنَ الرِّبْحِ مِنْ أَجْلِ مَوْضِعِ الضَّمَانُ) وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَإِنَّمَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى مَا لَوْ أَعْطَاهُ عَلَى غَيْرِ ضَمَانٍ، وَإِنْ تَلِفَ لَمْ أَرَ عَلَى الَّذِي أَخَذَهُ ضَمَانًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ فِي الْقِرَاضِ بَاطِلٌ) فَإِنْ دَفَعَ عَلَى الضَّمَانِ فُسِخَ مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِنْ عَمِلَ بَطَلَ الشَّرْطُ وَرُدَّ إِلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَعَنْهُ إِلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقِرَاضُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبْتَاعُ بِهِ إِلَّا نَخْلًا أَوْ دَوَابَّ لِأَجْلِ أَنَّهُ يَطْلُبُ ثَمَرَ النَّخْلِ أَوْ نَسْلَ الدَّوَابِّ وَيَحْبِسُ رِقَابَهَا، قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ هَذَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقِرَاضِ) وَبِهِ قَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ، فَإِنْ وَقَعَ لَمْ يَصِحَّ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا اشْتَرَاهُ، وَالدَّوَابُّ وَالنَّخْلُ لِرَبِّ الْمَالِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَلَا يَجُوزُ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبِيعَهُ كَمَا يُبَاعُ غَيْرُهُ مِنَ السِّلَعِ) لِأَنَّ الَّذِي يُعَامِلُ عَلَيْهِ فِي الْقِرَاضِ هُوَ التِّجَارَةُ دُونَ السَّقْيِ وَالْقِيَامِ عَلَى الدَّوَابِّ لِأَنَّهَا تَنْمُو بِلَا عَمَلٍ، وَلِأَنَّ الْعَامِلَ قَدْ يَرْبَحُ بِبَيْعِ الرِّقَابِ فَيَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْقِرَاضِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمُقَارِضُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ غُلَامًا يُعِينُهُ بِهِ عَلَى أَنْ يَقُومَ مَعَهُ الْغُلَامُ فِي الْمَالِ إِذَا لَمْ يَعْدُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (أَنْ يُعِينَهُ فِي الْمَالِ لَا يُعِينُهُ فِي غَيْرِهِ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 [بَاب الْقِرَاضِ فِي الْعُرُوضِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُقَارِضَ أَحَدًا إِلَّا فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْمُقَارَضَةُ فِي الْعُرُوضِ لِأَنَّ الْمُقَارَضَةَ فِي الْعُرُوضِ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إِمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ صَاحِبُ الْعَرْضِ خُذْ هَذَا الْعَرْضَ فَبِعْهُ فَمَا خَرَجَ مِنْ ثَمَنِهِ فَاشْتَرِ بِهِ وَبِعْ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ فَقَدْ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْمَالِ فَضْلًا لِنَفْسِهِ مِنْ بَيْعِ سِلْعَتِهِ وَمَا يَكْفِيهِ مِنْ مَئُونَتِهَا أَوْ يَقُولَ اشْتَرِ بِهَذِهِ السِّلْعَةِ وَبِعْ فَإِذَا فَرَغْتَ فَابْتَعْ لِي مِثْلَ عَرْضِي الَّذِي دَفَعْتُ إِلَيْكَ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْعَرْضِ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى الْعَامِلِ فِي زَمَنٍ هُوَ فِيهِ نَافِقٌ كَثِيرُ الثَّمَنِ ثُمَّ يَرُدَّهُ الْعَامِلُ حِينَ يَرُدُّهُ وَقَدْ رَخُصَ فَيَشْتَرِيَهُ بِثُلُثِ ثَمَنِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْعَامِلُ قَدْ رَبِحَ نِصْفَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَرْضِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ يَأْخُذَ الْعَرْضَ فِي زَمَانٍ ثَمَنُهُ فِيهِ قَلِيلٌ فَيَعْمَلُ فِيهِ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ يَغْلُو ذَلِكَ الْعَرْضُ وَيَرْتَفِعُ ثَمَنُهُ حِينَ يَرُدُّهُ فَيَشْتَرِيهِ بِكُلِّ مَا فِي يَدَيْهِ فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ وَعِلَاجُهُ بَاطِلًا فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَصْلُحُ فَإِنْ جُهِلَ ذَلِكَ حَتَّى يَمْضِيَ نُظِرَ إِلَى قَدْرِ أَجْرِ الَّذِي دُفِعَ إِلَيْهِ الْقِرَاضُ فِي بَيْعِهِ إِيَّاهُ وَعِلَاجِهِ فَيُعْطَاهُ ثُمَّ يَكُونُ الْمَالُ قِرَاضًا مِنْ يَوْمَ نَضَّ الْمَالُ وَاجْتَمَعَ عَيْنًا وَيُرَدُّ إِلَى قِرَاضٍ مِثْلِهِ   6 - بَابُ الْقِرَاضِ فِي الْعُرُوضِ (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُقَارِضَ أَحَدًا إِلَّا فِي الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْمُقَارَضَةُ فِي الْعُرُوضِ ; لِأَنَّ الْمُقَارَضَةَ فِي الْعُرُوضِ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ) كُلٌّ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ (إِمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ صَاحِبُ الْعَرْضِ خُذْ هَذَا الْعَرْضَ فَبِعْهُ فَمَا خَرَجَ مِنْ ثَمَنِهِ فَاشْتَرِ بِهِ وَبِعْ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ، فَقَدِ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْمَالِ فَضْلًا لِنَفْسِهِ مِنْ بَيْعِ سِلْعَتِهِ وَمَا يَكْفِيهِ مِنْ مُؤْنَتِهَا) وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. (أَوْ) يُجْعَلُ الْعَرْضَ نَفْسَهُ رَأْسَ الْمَالِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي بِأَنْ (يَقُولُ: اشْتَرِ بِهَذِهِ السِّلْعَةِ وَبِعْ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَابْتَعْ لِي مِثْلَ عَرْضِي الَّذِي دَفَعْتُ إِلَيْكَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) فَلَا يَجُوزُ، وَأَجَازَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى. (وَ) وَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ (لَعَلَّ صَاحِبَ الْعَرْضِ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى الْعَامِلِ فِي زَمَانٍ هُوَ فِيهِ نَافِقٌ) رَائِجٌ (كَثِيرُ الثَّمَنِ ثُمَّ يَرُدَّهُ الْعَامِلُ حِينَ يَرُدُّهُ وَقَدْ رَخُصَ) بِضَمِّ الْخَاءِ (فَيَشْتَرِيَهِ بِثُلُثِ ثَمَنِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونَ الْعَامِلُ قَدْ رَبِحَ نِصْفَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَرْضِ فِي حِصَّتِهِ مِنَ الرِّبْحِ، أَوْ يَأْخُذَ الْعَرْضَ فِي زَمَانٍ ثَمَنُهُ فِيهِ قَلِيلٌ فَيَعْمَلَ فِيهِ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ يَغْلُوَ ذَلِكَ الْعَرْضُ وَيَرْتَفِعَ ثَمَنُهُ حِينَ يَرُدُّهُ فَيَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ مَا فِي يَدَيْهِ فَيَذْهَبَ عَمَلُهُ وَعِلَاجُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (بَاطِلًا) بِلَا شَيْءٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 (فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَصْلُحُ) فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْعَمَلِ (فَإِنْ جُهِلَ ذَلِكَ) وَاسْتَمَرَّ (حَتَّى يَمْضِيَ) يَنْقَضِيَ الْعَمَلُ (نُظِرَ إِلَى قَدْرِ أَجْرِ الَّذِي دُفِعَ إِلَيْهِ الْقِرَاضُ فِي بَيْعِهِ إِيَّاهُ وَعِلَاجِهِ فَيُعْطَاهُ، ثُمَّ يَكُونُ الْمَالُ قِرَاضًا مِنْ يَوْمِ نَضَّ الْمَالُ وَاجْتَمَعَ عَيْنًا) تَفْسِيرٌ لَنَضَّ (وَيُرَدُّ إِلَى قِرَاضٍ مِثْلِهِ) وَهَذَا بَيَانٌ شَافٍ لِكَرَاهَةِ الْقِرَاضِ بِالْعُرُوضِ لَا يُشْكِلُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 [بَاب الْكِرَاءِ فِي الْقِرَاضِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ مَتَاعًا فَحَمَلَهُ إِلَى بَلَدِ التِّجَارَةِ فَبَارَ عَلَيْهِ وَخَافَ النُّقْصَانَ إِنْ بَاعَهُ فَتَكَارَى عَلَيْهِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فَبَاعَ بِنُقْصَانٍ فَاغْتَرَقَ الْكِرَاءُ أَصْلَ الْمَالِ كُلَّهُ قَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ فِيمَا بَاعَ وَفَاءٌ لِلْكِرَاءِ فَسَبِيلُهُ ذَلِكَ وَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ بَعْدَ أَصْلِ الْمَالِ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ شَيْءٌ يُتْبَعُ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتِّجَارَةِ فِي مَالِهِ فَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُتْبَعُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ لَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي قَارَضَهُ فِيهِ فَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يَحْمِلَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ   7 - بَابُ الْكِرَاءِ فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ مَتَاعًا فَحَمَلَهُ إِلَى بَلَدِ التِّجَارَةِ فَبَارَ) كَسَدَ (عَلَيْهِ وَخَافَ النُّقْصَانَ إِنْ بَاعَهُ فَتَكَارَى عَلَيْهِ) أَكْرَى عَلَى حَمْلِهِ (إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فَبَاعَ بِنُقْصَانٍ فَاغْتَرَقَ الْكِرَاءُ أَصْلَ الْمَالِ كُلَّهِ، قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ فِيمَا بَاعَ وَفَاءٌ لِلْكِرَاءِ فَسَبِيلُ ذَلِكَ) أَيْ طَرِيقُهُ (وَإِنْ بَقِيَ مِنَ الْكِرَاءِ شَيْءٌ بَعْدَ أَصْلِ الْمَالِ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ شَيْءٌ يُتْبَعُ بِهِ وَ) بَيَانُ (ذَلِكَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتِّجَارَةِ فِي مَالِهِ) الَّذِي دَفَعَهُ إِلَيْهِ (فَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيِ الْعَامِلِ (أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَالِ) أَيْ مَالِهِ الَّذِي لَمْ يُقَارِضْ بِهِ (وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُتْبَعُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ لَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي قَارَضَهُ فِيهِ، فَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يَحْمِلَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، أَيْ يَجْعَلَ (ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَطْلَقَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ دُونَ غَيْرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 [بَاب التَّعَدِّي فِي الْقِرَاضِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ رِبْحِ الْمَالِ أَوْ مِنْ جُمْلَتِهِ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ ثُمَّ نَقَصَ الْمَالُ قَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أُخِذَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ مِنْ مَالِهِ فَيُجْبَرُ بِهِ الْمَالُ فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ بَعْدَ وَفَاءِ الْمَالِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ بِيعَتْ الْجَارِيَةُ حَتَّى يُجْبَرَ الْمَالُ مِنْ ثَمَنِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مَالِكٌ صَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إِنْ بِيعَتْ السِّلْعَةُ بِرِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ أَوْ لَمْ تُبَعْ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ أَخَذَهَا وَقَضَاهُ مَا أَسْلَفَهُ فِيهَا وَإِنْ أَبَى كَانَ الْمُقَارَضُ شَرِيكًا لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي النَّمَاءِ وَالنُّقْصَانِ بِحِسَابِ مَا زَادَ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ فَعَمِلَ فِيهِ قِرَاضًا بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ إِنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ إِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ وَإِنْ رَبِحَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ شَرْطُهُ مِنْ الرِّبْحِ ثُمَّ يَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ شَرْطُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَعَدَّى فَتَسَلَّفَ مِمَّا بِيَدَيْهِ مِنْ الْقِرَاضِ مَالًا فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ عَلَى شَرْطِهِمَا فِي الْقِرَاضِ وَإِنْ نَقَصَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنُّقْصَانِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاسْتَسْلَفَ مِنْهُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ الْمَالُ مَالًا وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ إِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ شَرِكَهُ فِي السِّلْعَةِ عَلَى قِرَاضِهَا وَإِنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ مِنْهُ رَأْسَ الْمَالِ كُلَّهُ وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِكُلِّ مَنْ تَعَدَّى   8 - بَابُ التَّعَدِّي فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ رَبْحِ الْمَالِ أَوْ مِنْ جُمْلَتِهِ) أَصْلِهِ وَرِبْحِهِ (جَارِيَةً) لِلْقِرَاضِ أَوْ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ مِنْهُ فَوَطِئَهَا (فَحَمَلَتْ مِنْهُ ثُمَّ نَقَصَ الْمَالُ قَالَ: إِنْ كَانَ لَهُ) أَيِ الْعَامِلِ (مَالٌ أُخِذَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ مِنْ مَالِهِ فَيُجْبَرُ بِهِ الْمَالُ) أَيْ نُقْصَانُهُ. (فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ بَعْدَ وَفَاءِ) رَأْسِ (الْمَالِ) لِرَبِّهِ (فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ) مِنْ نِصْفٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ بِيعَتِ الْجَارِيَةُ حَتَّى) لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلِ أَنْ (يُجْبَرَ الْمَالُ مِنْ ثَمَنِهَا) الَّذِي بِيعَتْ بِهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إِنْ بِيعَتِ السِّلْعَةُ بِرِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ) نَقْصٍ (أَوْ لَمْ تُبَعْ) أَصْلًا (إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ أَخَذَهَا وَقَضَاهُ مَا أَسْلَفَهُ فِيهَا) أَيْ زَادَ مِنْ عِنْدِهِ (وَإِنْ أَبَى) امْتَنَعَ مِنْ أَخْذِهَا بِذَلِكَ (كَانَ الْمُقَارِضُ شَرِيكًا لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ فِي النَّمَاءِ) أَيِ الزِّيَادَةِ (وَالنُّقْصَانِ بِحَسَبِ مَا زَادَ الْعَامِلَ فِيهَا مِنْ عِنْدِهِ) - مُتَعَلِّقٌ بِشَرِيكًا -. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ فَعَمِلَ فِيهِ قِرَاضًا بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ إِنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ إِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إِذْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 لَيْسَ لَهُ دَفْعُهُ لِغَيْرِهِ قِرَاضًا. (وَإِنْ رَبِحَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ شَرْطُهُ مِنَ الرِّبْحِ ثُمَّ يَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ شَرْطُهُ مِمَّا بَقِيَ مِنَ الْمَالِ) بَعْدَ أَخْذِ رَبِّهِ رَأْسَهُ وَمَا شَرَطَهُ مِنَ الرِّبْحِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي هَذَا، إِلَّا أَنَّ الْمُزَنِيَّ قَالَ: لَيْسَ لِلثَّانِي إِلَّا أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ عَلَى فَسَادِ مَالِ الْقِرَاضِ، وَهُوَ أَصْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَقَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ كَمَالِكٍ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَعَدَّى فَتَسَلَّفَ مِمَّا بِيَدَيْهِ مِنَ الْقِرَاضِ مَالًا فَابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ، إِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ عَلَى شَرْطِهِمَا فِي الْقِرَاضِ، وَإِنْ نَقَصَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنُّقْصَانِ) لِتَعَدِّيهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاسْتَسْلَفَ مِنْهُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ الْمَالُ) أَيِ الْعَامِلُ (مَالًا وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ: إِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَشْرَكَهُ فِي السِّلْعَةِ عَلَى قِرَاضِهَا، وَإِنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ مِنْهُ رَأْسَ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِكُلِّ مَنْ تَعَدَّى) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ أَوِ الْقِنْيَةِ، وَمَعْنَى الْمَسْأَلَتَيْنِ مُتَقَارِبٌ، بَلْ وَاحِدٌ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، غَايَتُهُ أَنَّ الثَّانِيَةَ أَوَضَحُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 [بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا إِنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا يَحْمِلُ النَّفَقَةَ فَإِذَا شَخَصَ فِيهِ الْعَامِلُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَيَكْتَسِيَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ قَدْرِ الْمَالِ وَيَسْتَأْجِرَ مِنْ الْمَالِ إِذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ بَعْضَ مَنْ يَكْفِيهِ بَعْضَ مَئُونَتِهِ وَمِنْ الْأَعْمَالِ أَعْمَالٌ لَا يَعْمَلُهَا الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ وَلَيْسَ مِثْلُهُ يَعْمَلُهَا مِنْ ذَلِكَ تَقَاضِي الدَّيْنِ وَنَقْلُ الْمَتَاعِ وَشَدُّهُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ الْمَالِ مَنْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ أَنْ يَسْتَنْفِقَ مِنْ الْمَالِ وَلَا يَكْتَسِيَ مِنْهُ مَا كَانَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ النَّفَقَةُ إِذَا شَخَصَ فِي الْمَالِ وَكَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ النَّفَقَةَ فَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ مُقِيمٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَلَا كِسْوَةَ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَخَرَجَ بِهِ وَبِمَالِ نَفْسِهِ قَالَ يَجْعَلُ النَّفَقَةَ مِنْ الْقِرَاضِ وَمِنْ مَالِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِ الْمَالِ   9 - بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا: إِذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا يَحْمِلُ النَّفَقَةَ، فَإِذَا شَخَصَ) بِفَتَحَاتٍ: سَافَرَ (فِيهِ الْعَامِلُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَيَكْتَسِيَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ قَدْرِهِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ مِنْ قَدْرِ الْمَالِ (وَيَسْتَأْجِرَ مِنَ الْمَالِ إِذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ) وَحْدَهُ (بَعْضَ) مَفْعُولُ يَسْتَأْجِرُ (مَنْ يَكْفِيهِ بَعْضَ مَؤُونَتِهِ) مَفْعُولُ يَكْفِي (وَمِنَ الْأَعْمَالِ أَعْمَالٌ لَا يَعْمَلُهَا الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ) أَيِ الْعَامِلُ (وَلَيْسَ مِثْلُهُ يَعْمَلُهَا مِنْ ذَلِكَ تَقَاضِي الدَّيْنِ) طَلَبُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ (وَنَقْلُ الْمَتَاعِ وَشَدُّهُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنَ الْمَالِ مَنْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ) بِالْفَتْحِ (أَنْ يَسْتَنْفِقَ) بِسِينِ الطَّلَبِ أَيْ يَطْلُبَ أَنْ يُنْفِقَ (مِنَ الْمَالِ وَلَا يَكْتَسِيَ مِنْهُ) وَمَنْعُهُ مِنْ طَلَبِ ذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ فِعْلِهِ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةَ 32) فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ لَا تَزْنُوا، وَقَوْلِ الشَّاعِرِ: يَا عَاذِلَانِي لَا تُرِدْنَ مَلَامَتِي ... إِنَّ الْعَوَاذِلَ لَسْنَ لِي بِأَمِيرِ أَبْلَغُ مِنْ لَا تَلُمْنِي. (مَا كَانَ) أَيْ مُدَّةُ كَوْنِهِ (مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ إِنَّمَا تَجُوزُ لَهُ النَّفَقَةُ إِذَا شَخَصَ) سَافَرَ (فِي الْمَالِ وَكَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ النَّفَقَةَ، فَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَتَّجِرُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ مُقِيمٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنَ الْمَالِ وَلَا كُسْوَةَ) وَكَذَا إِذَا كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا فَلَا كُسْوَةَ وَلَا نَفَقَةَ قَرُبَ السَّفَرُ أَوْ بَعُدَ، قَالَهُ مَالِكٌ أَيْضًا، نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَخَرَجَ بِهِ وَبِمَالٍ لِنَفْسِهِ قَالَ: يَجْعَلُ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَمِنْ مَالِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِ الْمَالِ) وَاخْتُلِفَ فِي مُطْلَقِ عَقْدِ الْقِرَاضِ هَلْ يَقْتَضِي السَّفَرَ بِالْمَالِ؟ فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} [المزمل: 20] (سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: الْآيَةَ 20) أَيْ يُسَافِرُونَ فَلَا يُنَافِيهِ مُطْلَقُ عَقْدِ الْقِرَاضِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُسَافِرُ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلَانِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُسَافِرُ بِالْقَلِيلِ سَفَرًا بَعِيدًا إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 [بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ مَعَهُ مَالٌ قِرَاضٌ فَهُوَ يَسْتَنْفِقُ مِنْهُ وَيَكْتَسِي إِنَّهُ لَا يَهَبُ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يُعْطِي مِنْهُ سَائِلًا وَلَا غَيْرَهُ وَلَا يُكَافِئُ فِيهِ أَحَدًا فَأَمَّا إِنْ اجْتَمَعَ هُوَ وَقَوْمٌ فَجَاءُوا بِطَعَامٍ وَجَاءَ هُوَ بِطَعَامٍ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاسِعًا إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ ذَلِكَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ حَلَّلَهُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ أَبَى أَنْ يُحَلِّلَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَافِئَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا لَهُ مُكَافَأَةٌ   10 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ مَعَهُ مَالٌ قِرَاضٌ فَهُوَ يَسْتَنْفِقُ) بِسِينِ التَّأْكِيدِ (مِنْهُ وَيَكْتَسِي: إِنَّهُ لَا يَهَبُ مِنْهُ شَيْئًا) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى النَّفَقَةَ إِلَى التَّفَضُّلِ عَلَى النَّاسِ (وَلَا يُعْطِي مِنْهُ سَائِلًا) الدَّرَاهِمَ أَوِ الثِّيَابَ، وَأَمَّا الْكُسْوَةُ وَالْقِطْعَةُ لِلسَّائِلِ الْمُتَكَفِّفِ فَيَجُوزُ. (وَلَا) يُعْطِي (غَيْرَهُ) شَيْئًا (وَلَا يُكَافِئُ فِيهِ أَحَدًا) أَسْدَى إِلَيْهِ مَعْرُوفًا يَخْتَصُّ بِهِ، فَلَوْ كَافَأَ عَلَى مَعْرُوفٍ أُسْدِيَ إِلَيْهِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَالتِّجَارَةِ جَازَ، وَهَذَا فِعْلُهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَمَرَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ فَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ هُوَ. (فَأَمَّا إِنِ اجْتَمَعَ هُوَ وَقَوْمٌ فَجَاءُوا بِطَعَامٍ وَجَاءَ هُوَ بِطَعَامٍ) عَلَى عَادَةِ الرُّفَقَاءِ فِي السَّفَرِ (فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاسِعًا) أَيْ جَائِزًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ (إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ) بِأَنْ أَتَى بِأَمْرٍ مُسْتَنْكَرٍ (أَوْ مَا يُشْبِهُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ فَعَلَيْهِ) أَيْ يَجِبُ (أَنْ يَتَحَلَّلَ ذَلِكَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ، فَإِنْ حَلَّلَهُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُحَلِّلَهُ) يُسَامِحَهُ (فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَافِئَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا لَهُ مُكَافَأَةٌ) وَهُوَ مَا قُصِدَ بِهِ التَّفَضُّلُ، لَا إِنْ قَلَّ كَالْعِدَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 [بَاب الدَّيْنِ فِي الْقِرَاضِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَةَ بِدَيْنٍ فَرَبِحَ فِي الْمَالِ ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ قَالَ إِنْ أَرَادَ وَرَثَتُهُ أَنْ يَقْبِضُوا ذَلِكَ الْمَالَ وَهُمْ عَلَى شَرْطِ أَبِيهِمْ مِنْ الرِّبْحِ فَذَلِكَ لَهُمْ إِذَا كَانُوا أُمَنَاءَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَرِهُوا أَنْ يَقْتَضُوهُ وَخَلَّوْا بَيْنَ صَاحِبِ الْمَالِ وَبَيْنَهُ لَمْ يُكَلَّفُوا أَنْ يَقْتَضُوهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ إِذَا أَسْلَمُوهُ إِلَى رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ اقْتَضَوْهُ فَلَهُمْ فِيهِ مِنْ الشَّرْطِ وَالنَّفَقَةِ مِثْلُ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ فِي ذَلِكَ هُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِأَمِينٍ ثِقَةٍ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ الْمَالَ فَإِذَا اقْتَضَى جَمِيعَ الْمَالِ وَجَمِيعَ الرِّبْحِ كَانُوا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا عَلَى أَنَّهُ يَعْمَلُ فِيهِ فَمَا بَاعَ بِهِ مِنْ دَيْنٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إِنْ بَاعَ بِدَيْنٍ فَقَدْ ضَمِنَهُ   11 - بَابُ الدَّيْنِ فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 بِهِ ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَةَ بِدَيْنٍ) بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ (فَرَبِحَ فِي الْمَالِ ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ قَالَ: إِنْ أَرَادَ وَرَثَتُهُ) أَيِ الْعَامِلِ (أَنْ يَقْبِضُوا ذَلِكَ الْمَالَ وَهُمْ عَلَى شَرْطِ أَبِيهِمْ مِنَ الرِّبْحِ فَذَلِكَ لَهُمْ) إِلَى تَمَامِ الْعَمَلِ (إِذَا كَانُوا أُمَنَاءَ عَلَى ذَلِكَ) عَالِمِينَ بِالْعَمَلِ (فَإِذَا كَرِهُوا أَنْ يَقْتَضُوهُ وَخَلَّوْا بَيْنَ صَاحِبِ الْمَالِ وَبَيْنَهُ لَمْ يُكَلَّفُوا أَنْ يَقْتَضُوهُ) وَإِنْ كَانُوا أُمَنَاءَ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ إِذَا أَسْلَمُوهُ إِلَى رَبِّ الْمَالِ) لِأَنَّ الْقِرَاضَ إِنَّمَا انْعَقَدَ فِي مَنَافِعِهِ وَأَمَانَتِهِ لَا فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا مَاتَ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ مَالُهُ. (فَإِنِ اقْتَضَوْهُ فَلَهُمْ فِيهِ مِنَ الشَّرْطِ) عَلَى جُزْءِ الرِّبْحِ (وَالنَّفَقَةِ مِثْلَ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ فِي ذَلِكَ هُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ) وَإِنَّمَا خُيِّرُوا لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِمُورِثِهِمْ حَقٌّ فِي الرِّبْحِ، وَمَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَارِثِهِ. (فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ لَمْ يَعْلَمُوا بِالْعَمَلِ (فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِأَمِينٍ) عَالِمٍ بِالْعَمَلِ (فَيَقْتَضِي ذَلِكَ الْمَالَ، فَإِذَا اقْتَضَى جَمِيعَ الْمَالِ وَجَمِيعَ الرِّبْحِ كَانُوا بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ) فَلَهُمْ جُزْءُ الرِّبْحِ الَّذِي كَانَ شَرَطَهُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ فَمَا بَاعَ بِهِ مِنْ دَيْنٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إِنْ بَاعَ بِدَيْنٍ فَقَدْ ضَمِنَهُ) إِذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِدَيْنٍ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ ذَلِكَ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ إِلَّا أَنْ يَنْهَاهُ صَاحِبُ الْمَالِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 [بَاب الْبِضَاعَةِ فِي الْقِرَاضِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ سَلَفًا أَوْ اسْتَسْلَفَ مِنْهُ صَاحِبُ الْمَالِ سَلَفًا أَوْ أَبْضَعَ مَعَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِضَاعَةً يَبِيعُهَا لَهُ أَوْ بِدَنَانِيرَ يَشْتَرِي لَهُ بِهَا سِلْعَةً قَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ إِنَّمَا أَبْضَعَ مَعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ عِنْدَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَعَلَهُ لِإِخَاءٍ بَيْنَهُمَا أَوْ لِيَسَارَةِ مَئُونَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْزِعْ مَالَهُ مِنْهُ أَوْ كَانَ الْعَامِلُ إِنَّمَا اسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ أَوْ حَمَلَ لَهُ بِضَاعَتَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالُهُ فَعَلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْدُدْ عَلَيْهِ مَالَهُ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْقِرَاضِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ شَرْطٌ أَوْ خِيفَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْعَامِلُ لِصَاحِبِ الْمَالِ لِيُقِرَّ مَالَهُ فِي يَدَيْهِ أَوْ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَالِ لِأَنْ يُمْسِكَ الْعَامِلُ مَالَهُ وَلَا يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ وَهُوَ مِمَّا يَنْهَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ   12 - بَابُ الْبِضَاعَةِ فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 الْمَالِ سَلَفًا أَوِ اسْتَسْلَفَ مِنْهُ) أَيِ الْعَامِلُ (صَاحِبُ الْمَالِ سَلَفًا أَوْ أَبَضَعَ مَعَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِضَاعَةً يَبِيعُهَا لَهُ أَوْ بِدَنَانِيرَ يَشْتَرِي لَهُ بِهَا سِلْعَةً. قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ إِنَّمَا أَبْضَعَ مَعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ عِنْدَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَعَلَهُ لِإِخَاءٍ) بِالْمَدِّ: صَدَاقَةٍ وَمَوَدَّةٍ بَيْنَهُمَا (أَوْ لِيَسَارَةِ) سُهُولَةِ (مَؤُونَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْزِعْ مَالَهُ) الْمَجْعُولَ قِرَاضًا (مِنْهُ، أَوْ كَانَ الْعَامِلُ إِنَّمَا اسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ أَوْ حَمَلَ لَهُ بِضَاعَتَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالُهُ فَعَلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْدُدْ عَلَيْهِ مَالَهُ، فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِ) عَقْدِ (الْقِرَاضِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ) كَأَنَّهُ أَرَادَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ أَوْ تَأْكِيدَ الْجَوَازِ. (وَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ شَرْطٌ أَوْ خِيفَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْعَامِلُ لِصَاحِبِ الْمَالِ لِيُقِرَّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ: يُبْقِيَ (مَالَهُ فِي يَدَيْهِ، أَوْ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَالِ لِأَنْ يُمْسِكَ الْعَامِلُ مَالَهُ وَلَا يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ، وَهُوَ مِمَّا يَنْهَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ) لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَعْلُومِ فَيَعُودُ مَجْهُولًا ; لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبِضَاعَةِ لَهُ أُجْرَةٌ يَسْتَحِقُّهَا الْعَامِلُ فِيهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 [بَاب السَّلَفِ فِي الْقِرَاضِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا مَالًا ثُمَّ سَأَلَهُ الَّذِي تَسَلَّفَ الْمَالَ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا قَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ مِنْهُ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ قِرَاضًا إِنْ شَاءَ أَوْ يُمْسِكَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَهُ عَلَيْهِ سَلَفًا قَالَ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ مَالَهُ ثُمَّ يُسَلِّفَهُ إِيَّاهُ إِنْ شَاءَ أَوْ يُمْسِكَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَقَصَ فِيهِ فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْهُ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَجُوزُ وَلَا يَصْلُحُ   13 - بَابُ السِّلَفِ فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا مَالًا ثُمَّ سَأَلَهُ الَّذِي تَسَلَّفَ الْمَالَ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ مِنْهُ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ قِرَاضًا) إِنْ شَاءَ (أَوْ يُمْسِكَهُ) وَقَدَّمَ ذَلِكَ مُعَلِّلًا فِي تَرْجَمَةِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَهُ عَلَيْهِ سَلَفًا فَقَالَ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ مَالَهُ ثُمَّ يُسَلِّفَهُ إِيَّاهُ إِنْ شَاءَ أَوْ يُمْسِكَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ مَحَبَّتِهِ (مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَقَصَ فِيهِ فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْهُ إِلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْهُ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلَا يَجُوزُ وَلَا يَصْلُحُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَيَدْخُلُهُ أَيْضًا فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، لِأَنَّ الْقِرَاضَ بَعْضُ التَّعَلُّقِ بِذِمَّتِهِ، إِذْ لَوِ ادَّعَى الْخَسَارَةَ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهَا فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا؟ يَضْمَنُ، وَلَوِ ادَّعَى التَّبْرِئَةَ لَمْ يَضْمَنْ، فَإِذَا أَسْلَفَهُ إِيَّاهُ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ، فَهُوَ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 [بَاب الْمُحَاسَبَةِ فِي الْقِرَاضِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَصَاحِبُ الْمَالِ غَائِبٌ قَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ حَتَّى يُحْسَبَ مَعَ الْمَالِ إِذَا اقْتَسَمَاهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِلْمُتَقَارِضَيْنِ أَنْ يَتَحَاسَبَا وَيَتَفَاصَلَا وَالْمَالُ غَائِبٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ فَيَسْتَوْفِي صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَطَلَبَهُ غُرَمَاؤُهُ فَأَدْرَكُوهُ بِبَلَدٍ غَائِبٍ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ وَفِي يَدَيْهِ عَرْضٌ مُرَبَّحٌ بَيِّنٌ فَضْلُهُ فَأَرَادُوا أَنْ يُبَاعَ لَهُمْ الْعَرْضُ فَيَأْخُذُوا حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ قَالَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ رِبْحِ الْقِرَاضِ شَيْءٌ حَتَّى يَحْضُرَ صَاحِبُ الْمَالِ فَيَأْخُذَ مَالَهُ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَتَجَرَ فِيهِ فَرَبِحَ ثُمَّ عَزَلَ رَأْسَ الْمَالِ وَقَسَمَ الرِّبْحَ فَأَخَذَ حِصَّتَهُ وَطَرَحَ حِصَّةَ صَاحِبِ الْمَالِ فِي الْمَالِ بِحَضْرَةِ شُهَدَاءَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَالَ لَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الرِّبْحِ إِلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ أَخَذَ شَيْئًا رَدَّهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ هَذِهِ حِصَّتُكَ مِنْ الرِّبْحِ وَقَدْ أَخَذْتُ لِنَفْسِي مِثْلَهُ وَرَأْسُ مَالِكَ وَافِرٌ عِنْدِي قَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ كُلُّهُ فَيُحَاسِبَهُ حَتَّى يَحْصُلَ رَأْسُ الْمَالِ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ وَافِرٌ وَيَصِلَ إِلَيْهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يَرُدُّ إِلَيْهِ الْمَالَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَحْبِسُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ حُضُورُ الْمَالِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ قَدْ نَقَصَ فِيهِ فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ لَا يُنْزَعَ مِنْهُ وَأَنْ يُقِرَّهُ فِي يَدِهِ   14 - بَابُ الْمُحَاسَبَةِ فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 الرِّبْحِ وَصَاحِبُ الْمَالِ غَائِبٌ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا إِلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ حَتَّى يُحْسَبَ مَعَ الْمَالِ إِذَا اقْتَسَمَاهُ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مُقَاسِمًا لِنَفْسِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا آخِذًا لَهَا، وَمُعْطِيًا لَهَا. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمُتَقَارِضَيْنِ أَنْ يَتَحَاسَبَا وَيَتَفَاصَلَا وَالْمَالُ غَائِبٌ عَنْهُمَا، حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ فَيَسْتَوْفِي صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ) عَيْنًا أَوْ سِلْعَةً إِنِ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ يُرِيدُ سِلْعَةً يَجُوزُ سَلَمُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهَا (ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا) فِيهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَطَلَبَهُ غُرَمَاؤُهُ فَأَدْرَكُوهُ بِبَلَدٍ غَائِبٍ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ وَفِي يَدِهِ عَرْضٌ مُرْبِحٌ بَيِّنٌ) ظَاهِرٌ (فَضْلُهُ) زِيَادَتُهُ (فَأَرَادُوا أَنْ يُبَاعَ لَهُمُ الْعَرْضُ فَيَأْخُذُوا حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ فَقَالَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ رِبْحِ الْقِرَاضِ شَيْءٌ حَتَّى يَحْضُرَ صَاحِبُ الْمَالِ فَيَأْخُذَ مَالَهُ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا) لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ إِلَّا بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَتَجَرَ فِيهِ فَرَبِحَ ثُمَّ عَزَلَ رَأْسَ الْمَالِ وَقَسَّمَ الرِّبْحَ فَأَخَذَ حِصَّتَهُ وَطَرَحَ) أَلْقَى (حِصَّةَ صَاحِبِ الْمَالِ فِي الْمَالِ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ) وَفِي نُسْخَةٍ: شُهَدَاءَ (أَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: لَا يَجُوزُ قِسْمَةُ الرِّبْحِ إِلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 وَإِنْ كَانَ أَخَذَ شَيْئًا رَدَّهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ثُمَّ يَقْسِمَانِ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا مِنَ الرِّبْحِ عَلَى شَرْطِهِمَا) وَلَا يَنْفَعُهُ الْإِشْهَادُ؛ لِأَنَّهُ أَشْهَدَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ، فَإِنْ تَجَرَ فِيهِ فَحِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ الرِّبْحِ وَهُوَ قِطْعَةٌ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَجَاءَهُ فَقَالَ: هَذِهِ حِصَّتُكَ مِنَ الرِّبْحِ وَقَدْ أَخَذْتُ لِنَفْسِي مِثْلَهُ وَرَأْسُ مَالِكَ وَافِرٌ عِنْدِي قَالَ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ كُلُّهُ فَيُحَاسِبُهُ حَتَّى يَحْصُلَ رَأْسُ الْمَالِ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ وَافِرٌ) أَيْ كَامِلٌ (وَيَصِلَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يَرُدُّ إِلَيْهِ الْمَالَ) إِنْ شَاءَ (أَوْ يَحْبِسُهُ) يَمْنَعُهُ عَنْهُ. (وَإِنَّمَا يَجِبُ حُضُورُ الْمَالِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ قَدْ نَقَصَ فِيهِ فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ لَا يُنْزَعَ مِنْهُ وَأَنْ يُقِرَّهُ فِي يَدِهِ) يُبْقِيهِ عِنْدَهُ لِئَلَّا يُشَاعَ عَنْهُ أَنَّهُ نَقَصَ مَالَ الْقِرَاضِ فَيُنْفَرَ مِنْ مُعَامَلَتِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِعْهَا وَقَالَ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ لَا أَرَى وَجْهَ بَيْعٍ فَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ قَالَ لَا يُنْظَرُ إِلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالْبَصَرِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ فَإِنْ رَأَوْا وَجْهَ بَيْعٍ بِيعَتْ عَلَيْهِمَا وَإِنْ رَأَوْا وَجْهَ انْتِظَارٍ انْتُظِرَ بِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ ثُمَّ سَأَلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ عَنْ مَالِهِ فَقَالَ هُوَ عِنْدِي وَافِرٌ فَلَمَّا آخَذَهُ بِهِ قَالَ قَدْ هَلَكَ عِنْدِي مِنْهُ كَذَا وَكَذَا لِمَالٍ يُسَمِّيهِ وَإِنَّمَا قُلْتُ لَكَ ذَلِكَ لِكَيْ تَتْرُكَهُ عِنْدِي قَالَ لَا يَنْتَفِعُ بِإِنْكَارِهِ بَعْدَ إِقْرَارِهِ أَنَّهُ عِنْدَهُ وَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ فِي هَلَاكِ ذَلِكَ الْمَالِ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَمْرٍ مَعْرُوفٍ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَلَمْ يَنْفَعْهُ إِنْكَارُهُ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ قَالَ رَبِحْتُ فِي الْمَالِ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَهُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ وَرِبْحَهُ فَقَالَ مَا رَبِحْتُ فِيهِ شَيْئًا وَمَا قُلْتُ ذَلِكَ إِلَّا لِأَنْ تُقِرَّهُ فِي يَدِي فَذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ وَيُؤْخَذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ قَوْلُهُ وَصِدْقُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَرَبِحَ فِيهِ رِبْحًا فَقَالَ الْعَامِلُ قَارَضْتُكَ عَلَى أَنَّ لِي الثُّلُثَيْنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ قَارَضْتُكَ عَلَى أَنَّ لَكَ الثُّلُثَ قَالَ مَالِكٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَمِينُ إِذَا كَانَ مَا قَالَ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ وَكَانَ ذَلِكَ نَحْوًا مِمَّا يَتَقَارَضُ عَلَيْهِ النَّاسُ وَإِنْ جَاءَ بِأَمْرٍ يُسْتَنْكَرُ لَيْسَ عَلَى مِثْلِهِ يَتَقَارَضُ النَّاسُ لَمْ يُصَدَّقْ وَرُدَّ إِلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَعْطَى رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً ثُمَّ ذَهَبَ لِيَدْفَعَ إِلَى رَبِّ السِّلْعَةِ الْمِائَةَ دِينَارٍ فَوَجَدَهَا قَدْ سُرِقَتْ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بِعْ السِّلْعَةَ فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ كَانَ لِي وَإِنْ كَانَ فِيهَا نُقْصَانٌ كَانَ عَلَيْكَ لِأَنَّكَ أَنْتَ ضَيَّعْتَ وَقَالَ الْمُقَارَضُ بَلْ عَلَيْكَ وَفَاءُ حَقِّ هَذَا إِنَّمَا اشْتَرَيْتُهَا بِمَالِكَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُ الْعَامِلَ الْمُشْتَرِيَ أَدَاءُ ثَمَنِهَا إِلَى الْبَائِعِ وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْمَالِ الْقِرَاضِ إِنْ شِئْتَ فَأَدِّ الْمِائَةَ الدِّينَارِ إِلَى الْمُقَارَضِ وَالسِّلْعَةُ بَيْنَكُمَا وَتَكُونُ قِرَاضًا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْمِائَةُ الْأُولَى وَإِنْ شِئْتَ فَابْرَأْ مِنْ السِّلْعَةِ فَإِنْ دَفَعَ الْمِائَةَ دِينَارٍ إِلَى الْعَامِلِ كَانَتْ قِرَاضًا عَلَى سُنَّةِ الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ وَإِنْ أَبَى كَانَتْ السِّلْعَةُ لِلْعَامِلِ وَكَانَ عَلَيْهِ ثَمَنُهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُتَقَارِضَيْنِ إِذَا تَفَاصَلَا فَبَقِيَ بِيَدِ الْعَامِلِ مِنْ الْمَتَاعِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ خَلَقُ الْقِرْبَةِ أَوْ خَلَقُ الثَّوْبِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ تَافِهًا لَا خَطْبَ لَهُ فَهُوَ لِلْعَامِلِ وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا أَفْتَى بِرَدِّ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُرَدُّ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ ثَمَنٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَهُ اسْمٌ مِثْلُ الدَّابَّةِ أَوْ الْجَمَلِ أَوْ الشَّاذَكُونَةِ أَوْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ ثَمَنٌ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ مِنْ هَذَا إِلَّا أَنْ يَتَحَلَّلَ صَاحِبَهُ مِنْ ذَلِكَ   15 - جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْمَالِ: بِعْهَا، وَقَالَ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ لَا أَرَى وَجْهَ بَيْعٍ) لِلْكَسَادِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ (فَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ قَالَ: لَا يُنْظَرُ إِلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالْبَصَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ: الْخِبْرَةِ (بِتِلْكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 السِّلْعَةِ، فَإِنْ رَأَوْا وَجْهَ بَيْعٍ بِيعَتْ عَلَيْهِمَا وَإِنْ رَأَوْا وَجْهَ انْتِظَارٍ انْتُظِرَ بِهَا) لِأَنَّ الْقِرَاضَ قَدْ لَزِمَ بِالشِّرَاءِ وَالْعَمَلِ فَلَيْسَ لَهُمَا الِانْفِكَاكُ مِنْهُ إِلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْهُودِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ الْمَالُ دَيْنًا دَايَنَ بِهِ الْعَامِلُ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُهُمَا تَعْجِيلَ بَيْعِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآبِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ مِنَ التِّجَارَةِ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ: تُبَاعُ السِّلْعَةُ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَهُ نَقْضَ الْقِرَاضِ عِنْدَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ ثُمَّ سَأَلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ عَنْ مَالِهِ فَقَالَ هُوَ عِنْدِي وَافِرٌ) أَيْ كَامِلٌ (فَلَمَّا أَخَذَهُ بِهِ قَالَ: قَدْ هَلَكَ عِنْدِي مِنْهُ كَذَا وَكَذَا لِمَالٍ يُسَمِّيهِ، وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِكَيْ تَتْرُكَهُ عِنْدِي، قَالَ: لَا يَنْتَفِعُ بِإِنْكَارِهِ بَعْدَ إِقْرَارِهِ أَنَّهُ عِنْدَهُ وَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ) وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ فِي حُقُوقِ النَّاسِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لَا يَنْفَعُ الرَّاجِعَ (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ فِي هَلَاكِ ذَلِكَ الْمَالِ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ قَوْلُهُ) فَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْهَلَاكِ (فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَمْرٍ مَعْرُوفٍ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَلَمْ يَنْفَعْهُ إِنْكَارُهُ) بَلْ سَيَكُونُ نَدَمًا. (وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ قَالَ: رَبِحْتُ فِي الْمَالِ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَهُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ وَرِبْحَهُ فَقَالَ: مَا رَبِحْتُ فِيهِ شَيْئًا وَمَا قُلْتُ ذَلِكَ إِلَّا لِأَنْ تُقَرِّرَهُ فِي يَدِي، فَذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ وَيُؤْخَذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ قَوْلُهُ وَصِدْقُهُ) كَاشْتِهَارِ بَوَارِ مَا اتَّجَرَ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ (فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ) لِظُهُورِ صِدْقِهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَرَبِحَ فِيهِ رِبْحًا فَقَالَ الْعَامِلُ: قَارَضْتُكَ عَلَى أَنَّ لِيَ الثُّلُثَيْنِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ: قَارَضْتُكَ عَلَى أَنَّ لَكَ الثُّلُثَ، قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَمِينُ إِذَا كَانَ مَا قَالَ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ وَكَانَ ذَلِكَ نَحْوًا مِمَّا يَتَقَارَضُ عَلَيْهِ النَّاسُ) بَيَانٌ لِلشَّبَهِ، وَكَذَا إِنْ أَشْبَهَ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَوْلُ لِلْعَامِلِ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ أَشْبَهَ صَاحِبَ الْمَالِ وَحْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ. (وَإِنْ) لَمْ يُشْبِهِ الْعَامِلُ بِأَنْ (جَاءَ بِأَمْرٍ يُسْتَنْكَرُ لَيْسَ عَلَى مِثْلِهِ يَتَقَارَضُ النَّاسُ لَمْ يُصَدَّقْ وَرُدَّ إِلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ) وَكَذَا إِنْ لَمْ يُشْبِهْ أَحَدًا مِنْهُمَا يُرَدَّانِ إِلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَعْطَى رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهَا ثُمَّ ذَهَبَ لِيَدْفَعَ إِلَى رَبِّ السِّلْعَةِ الْمِائَةَ دِينَارٍ فَوَجَدَهَا قَدْ سُرِقَتْ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: بِعِ السِّلْعَةَ فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ كَانَ لِي وَإِنْ كَانَ فِيهَا نُقْصَانٌ كَانَ عَلَيْكَ لِأَنَّكَ أَنْتَ ضَيَّعْتَ، وَقَالَ الْمُقَارَضُ:) بِالْفَتْحِ (بَلْ عَلَيْكَ وَفَاءُ حَقِّ هَذَا) لِأَنِّي (إِنَّمَا اشْتَرَيْتُهَا بِمَالِكَ الَّذِي أَعْطَيْتِنِي، قَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُ الْعَامِلَ الْمُشْتَرِيَ أَدَاءُ ثَمَنِهَا إِلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ الَّذِي تَوَلَّى الشِّرَاءَ مِنْهُ. (وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْمَالِ الْقِرَاضِ) بِالْخَفْضِ بَدَلٌ (إِنْ شِئْتَ فَأَدِّ الْمِائَةَ الدِّينَارِ إِلَى الْمُقَارَضِ) بِالْفَتْحِ (وَالسِّلْعَةُ بَيْنَكُمَا أَوْ تَكُونُ قِرَاضًا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْمِائَةُ الْأُولَى، وَإِنْ شِئْتَ فَابْرَأْ مِنَ السِّلْعَةِ) وَتَكُونُ خَسَارَةُ الْمِائَةِ عَلَيْكَ (فَإِنْ دَفَعَ الْمِائَةَ الدِّينَارِ إِلَى الْعَامِلِ كَانَتْ قِرَاضًا عَلَى سُنَّةِ الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ) أَيْ طَرِيقَتِهِ عَلَى مَا شَرَطَا مِنَ الرِّبْحِ. (وَإِنْ أَبَى) امْتَنَعَ (كَانَتِ السِّلْعَةُ لِلْعَامِلِ وَكَانَ عَلَيْهِ ثَمَنُهَا) وَتَمَّتْ خَسَارَةُ الْمِائَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُتَقَارِضَيْنِ إِذَا تَفَاصَلَا فَبَقِيَ بِيَدِ الْعَامِلِ مِنَ الْمَتَاعِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ خَلَقُ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ أَيْ بَالِي (الْقِرْبَةِ أَوْ خَلَقُ الثَّوْبِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) كَالْغِرَارَةِ وَالْإِدَاوَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ تَافِهًا) بِالْفَوْقِيَّةِ وَالْفَاءِ أَيْ قَلِيلًا (لَا خَطْبَ) لَا شَأْنَ (لَهُ فَهُوَ لِلْعَامِلِ، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا أَفْتَى بِرَدِّ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ غَالِبًا؛ خُصُوصًا مِنْ رَبِّ الْمَالِ؛ لَا سِيَّمَا إِذَا رَبِحَ (وَإِنَّمَا يُرَدُّ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ ثَمَنٌ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَهُ اسْمٌ مِثْلَ الدَّابَّةِ أَوِ الْجَمَلِ أَوِ الشَّاذَكُونَةِ) بِشِينٍ وَذَالٍ مُعْجَمَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَضَمِّ الْكَافَ: ثِيَابٌ غِلَاظٌ مُضَرَّبَةٌ تُعْمَلُ بِالْيَمَنِ (أَوْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ ثَمَنٌ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ مِنْ هَذِهِ، إِلَّا أَنْ يَتَحَلَّلَ صَاحِبَهُ مِنْ ذَلِكَ) وَوَافَقَهُ اللَّيْثُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يَرُدُّ قَلِيلَ ذَلِكَ وَكَثِيرَهُ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَا عَائِشَةُ إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللَّهِ طَالِبًا» " وَلَا حُجَّةَ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 [كِتَاب الْمُسَاقَاةِ] [بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُسَاقَاةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْمُسَاقَاةِ بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُسَاقَاةِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيَهُودِ خَيْبَرَ يَوْمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ أُقِرُّكُمْ فِيهَا مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ يَقُولُ إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِيَ فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ»   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 33 - كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُسَاقَاةِ مُفَاعَلَةٌ مِنَ السَّقْيِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ عَمَلِهَا وَأَصْلُ مَنْفَعَتِهَا وَأَكْثَرُهَا مُؤْنَةً، وَالْبَعْلُ يَجُوزُ مَسَاقَاتُهُ، وَلَا سَقْيَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنَ الْمُؤَنِ يَقُومُ مَقَامَ السَّقْيِ، وَالْمُفَاعَلَةُ إِمَّا لِلْوَاحِدِ نَحْوُ: عَافَاكَ اللَّهُ، أَوْ لُوحِظَ الْعَقْدُ وَهُوَ مِنْهُمَا فَيَكُونُ مِنَ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلَّقِ عَنِ الْمُتَعَلِّقِ وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَالْإِجَارَةِ بِهَا قَبْلَ طِيبِهَا وَقَبْلَ وُجُودِهَا، وَمِنَ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ وَمِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ قَالَهُ عِيَاضٌ. وَبُحِثَ فِي الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مُكْتَرَاةٍ فِي الْمُسَاقَاةِ، إِنَّمَا الْمُكْتَرِي الْعَامِلُ، وَلِذَا قَالُوا فِي حَدِّهَا إِنَّهَا إِجَارَةٌ عَلَى الْعَمَلِ فِي حَائِطٍ وَشِبْهِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْمُسَاقَاةِ فِيهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَذَلِكَ كَافٍ فِي الِاسْتِثْنَاءِ. 1412 - 1380 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرْسَلَهُ جَمِيعُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ، وَوَصَلَهُ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ، مِنْهُمْ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ أَيْ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَزَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِيَهُودِ خَيْبَرَ) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ، مَدِينَةٌ كَبِيرَةٌ ذَاتُ حُصُونٍ وَمَزَارِعَ وَنَخْلٍ كَثِيرٍ عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرَدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ (يَوْمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ) فِي صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَعْدَمَا حَاصَرَهَا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَمَنْ قَالَ سَنَةَ سِتٍّ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّارِيخِ مِنْ شَهْرِ الْهِجْرَةِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ رَبِيعُ الْأَوَّلُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ الحديث: 1412 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 يَكْفُوهُ الْعَمَلَ وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «أُقِرُّكُمْ فِيهَا مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ» ) عَزَّ وَجَلَّ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ الْمُسَاقَاةِ مُدَّةً مَجْهُولَةً، لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ الْعَهْدِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَازِمًا عَلَى إِخْرَاجِ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كَمَحَبَّتِهِ اسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَتَقَدَّمُ فِي شَيْءٍ إِلَّا بِوَحْيٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلْيَهُودِ مُنْتَظِرًا لِلْقَضَاءِ فِيهِمْ إِلَى أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَتَاهُ الْوَحْيُ فَقَالَ: لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ ذَلِكَ فَحَصَ عَنْهُ حَتَّى أَتَاهُ الثَّبْتُ فَأَجْلَاهُمْ، أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَظِرُ قَضَاءَ اللَّهِ، وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَبِيدًا لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَيَجُوزُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ؛ إِذْ لِلسَّيِّدِ أَخْذُ مَا بِيَدِهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّهُ بَيَّنَ لَهُمْ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ الرَّاوِي؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْمُسَاقَاةُ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ بَعْدَ وَصْفِ الْعَمَلِ وَالِاتِّفَاقِ مِنْهُ عَلَى مَعْلُومٍ بِعَادَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَالَ عِيَاضٌ: وَقِيلَ: لَيْسَ الْقَصْدُ بِهَذَا الْكَلَامِ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُؤَبَّدَةً، وَأَنَّ لَنَا إِخْرَاجَكُمْ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَدُّ الْأَجَلِ فَلَمْ يَسْمَعْهُ الرَّاوِي فَلَمْ يَنْقُلْهُ اهـ. وَفِيهِ بُعْدٌ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ. (عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ) بِمُثَلَّثَةٍ (بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) نِصْفَيْنِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» " قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِلْإِبْهَامِ فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ، فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ لَا تَجُوزُ مُبْهَمَةً، وَالْجُزْءُ فِيهَا مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. (قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ الشَّاعِرَ أَحَدَ السَّابِقِينَ، شَهِدَ بَدْرًا وَاسْتُشْهِدَ بِمُؤْتَةَ، وَكَانَ ثَالِثَ الْأُمَرَاءِ بِهَا فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ، وَفِيهِ أَنْ كَانَ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَعَثَهُ عَامًا وَاحِدًا وَقُتِلَ بَعْدَهُ بِأَشْهُرٍ كَمَا رَأَيْتَ. (فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ يَقُولُ إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ) وَتَضْمَنُونَ نَصِيبَ الْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي) وَأَضْمَنُ نَصِيبَكُمْ (فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ) وَعَنْ جَابِرٍ: خَرَصَ ابْنُ رَوَاحَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ، وَلَمَّا خَيَّرَهُمْ أَخَذُوا الثَّمَرَةَ وَأَدَّوْا عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ. قَالَ ابْنُ مُزَيِّنٍ: سَأَلْتُ عِيسَى عَنْ فِعْلِ ابْنِ رَوَاحَةَ أَيَجُوزُ لِلْمُتَسَاقِيَيْنِ أَوِ الشَّرِيكَيْنِ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَا يَصْلُحُ قَسْمُهُ إِلَّا كَيْلًا؛ إِلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ حَاجَتُهُمَا إِلَيْهِ فَيَقْتَسِمَانِهِ بِالْخَرْصِ، فَتَأَوَّلَ خَرْصَ ابْنِ رَوَاحَةَ لِلْقِسْمَةِ خَاصَّةً. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَرَصَهَا بِتَمْيِيزِ حَقِّ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهَا غَيْرُ مَصْرِفِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعْطِيهَا الْإِمَامُ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، فَيَسْلَمُ مِمَّا خَافَهُ عِيسَى وَأَنْكَرَهُ. وَقَوْلُهُ: إِنْ شِئْتُمْ. . . . . إِلَخْ، حَمَلَهُ عِيسَى عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ إِلَيْهِمْ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْخَرْصِ لِيَضْمَنُوا حِصَّةَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مَعْنَاهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالثَّمَرِ بِالْخَرْصِ فِي غَيْرِ الْعُرْيَةِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ خَرْصُ الزَّكَاةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 تَأْخُذُوا الثَّمَرَةَ عَلَى أَنْ تُؤَدُّوا زَكَاتَهَا عَلَى مَا خَرَصْتُهُ، وَإِلَّا فَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنَ الْفَيْءِ بِمَا يُشْتَرَى بِهِ فَيَخْرُجُ بِهَذَا الْخَرْصُ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِسِعْرِ الثَّمَرِ إِنْ حُمِلَ عَلَى خَرْصِ الْقِسْمَةِ لِاخْتِلَافِ الْحَاجَةِ، فَمَعْنَاهُ إِنْ شِئْتُمْ هَذَا النَّصِيبَ فَلَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي، يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَرَةَ مَا دَامَتْ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ لَيْسَ بِوَقْتِ قِسْمَةِ ثَمَرِ الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِلِ جَذَّهَا وَالْقِيَامَ عَلَيْهَا حَتَّى يَجْرِيَ فِيهَا الْكَيْلُ أَوِ الْوَزْنُ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْخَرْصَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ إِلَّا بِمَعْنَى اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْخَرْصُ فِي الْمُسَاقَاةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقِيَيْنِ شَرِيكَانِ لَا يَقْتَسِمَانِ إِلَّا بِمَا يَجُوزُ بِهِ بَيْعُ الثِّمَارِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَإِلَّا دَخَلَتْهُ الْمُزَابَنَةُ، قَالُوا: وَإِنَّمَا بَعَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَخْرُصُ عَلَى الْيَهُودِ لِإِحْصَاءِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ لَيْسُوا شُرَكَاءَ مُعَيَّنِينَ، فَلَوْ تَرَكَ الْيَهُودَ وَأَكَلَهَا رَطْبًا وَتَصَرَّفَ فِيهَا أَضَرَّ ذَلِكَ سَهْمَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّمَا أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَرْصِ لِكَيْ تُحْصَى الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتُفَرَّقَ، وَفِيهِ جَوَازُ الْمُسَاقَاةِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ مُسْتَدِلًّا بِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمُخَابَرَةِ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ خَيْبَرَ، أَيْ نَهَى عَنِ الْفِعْلِ الَّذِي وَقَعَ فِي خَيْبَرَ مِنَ الْمُسَاقَاةِ، فَحَدِيثُ الْجَوَازِ مَنْسُوخٌ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَعْرِفُ الْمُخَابَرَةَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ عِنْدَهُمْ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْخِبْرَةِ الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ بِالْخِفِيَّاتِ، وَقِيلَ: الْخَبْرُ الْحَرْثُ، وَالْمُخَابَرَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الزَّارِعُ خَيْبَرًا، وَبِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «عَامَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» " ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، ثُمَّ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَا وَأَرِيحَا، وَكَذَا عَمِلَ بِهَا عُثْمَانُ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُمْ. أَفَتَرَاهُمْ كَانُوا يَجْهَلُونَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنِ الْمُخَابَرَةِ، أَوْ يُدَّعَى نَسْخُ الْحَدِيثِ وَقَدْ عَمِلَ بِهِ الصَّحَابَةُ وَالْعَمَلُ بِالْمَنْسُوخِ حَرَامٌ إِجْمَاعًا؟ . ثَانِيهَا: أَنَّ يَهُودَ خَيْبَرَ كَانُوا عَبِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَجُوزُ مَعَ الْعَبْدِ مَا يَمْتَنِعُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَالَّذِي قَدَّرَهُ لَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَطْرِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ هُوَ قُوتٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْعَبْدِ عَلَى الْمَالِكِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عَبِيدًا امْتَنَعَ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ وَإِخْرَاجُهُمْ إِلَى الشَّامِ وَنَفْيُهُمْ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إِضَاعَةٌ لِمَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِأَنَّ ابْنَ رَوَاحَةَ قَالَ لَهُمْ: إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَتَضْمَنُونَ نَصِيبَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي وَأَضْمَنُ نَصِيبَكُمْ، وَالسَّيِّدُ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ عَنْ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عِنْدَهُمْ، إِذْ مَالُهُ لِلسَّيِّدِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مَالِكِينَ. ثَالِثُهَا: نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَالْأُجْرَةُ هُنَا فِيهَا غَرَرٌ إِذْ لَا يُدْرَى هَلْ تَسْلَمُ الثَّمَرَةُ أَمْ لَا؟ وَعَلَى سَلَامَتِهَا لَا يُدْرَى كَيْفَ تَكُونُ وَمَا مِقْدَارُهَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ حَدِيثَ الْجَوَازِ خَاصٌّ وَالنَّهْيُ عَنِ الْغَرَرِ عَامٌّ، وَالْخَاصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ. رَابِعُهَا: أَنَّ الْخَبَرَ إِذَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ رُدَّ إِلَيْهَا، وَحَدِيثُ الْجَوَازِ عَلَى خِلَافِ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ: بَيْعِ الْغَرَرِ، وَالْإِجَارَةِ بِمَجْهُولٍ، وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 وَالْكُلُّ حَرَامٌ إِجْمَاعًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخَبَرَ إِنَّمَا يَجِبُ رَدُّهُ إِلَى الْقَوَاعِدِ إِذَا لَمْ يُعْمَلُ بِهِ، أَمَّا إِذَا عُمِلَ بِهِ قَطَعْنَا بِإِرَادَةِ مَعْنَاهُ فَيُعْتَقَدُ، وَلَا يَلْزَمُ الشَّارِعَ إِذَا شَرَعَ حُكْمًا أَنْ يَشْرَعَهُ مِثْلَ غَيْرِهِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَشْرَعَ مَا لَهُ نَظِيرٌ وَمَا لَا نَظِيرَ لَهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ لِلضَّرُورَةِ؛ إِذْ لَا يَقْدِرُ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى الْقِيَامِ بِشَجَرِهِ وَلَا زَرْعِهِ. خَامِسُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى تَنْمِيَةِ الْمَاشِيَةِ بِبَعْضِ نَمَائِهَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَاشِيَةَ لَا يَتَعَذَّرُ بَيْعُهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا، بِخِلَافِ الزَّرْعِ الصَّغِيرِ وَالثَّمَرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ قَالَ فَجَمَعُوا لَهُ حَلْيًا مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا لَهُ هَذَا لَكَ وَخَفِّفْ عَنَّا وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنْ الرَّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا فَقَالُوا بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ» قَالَ مَالِكٌ إِذَا سَاقَى الرَّجُلُ النَّخْلَ وَفِيهَا الْبَيَاضُ فَمَا ازْدَرَعَ الرَّجُلُ الدَّاخِلُ فِي الْبَيَاضِ فَهُوَ لَهُ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنَّهُ يَزْرَعُ فِي الْبَيَاضِ لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّ الرَّجُلَ الدَّاخِلَ فِي الْمَالِ يَسْقِي لِرَبِّ الْأَرْضِ فَذَلِكَ زِيَادَةٌ ازْدَادَهَا عَلَيْهِ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَطَ الزَّرْعَ بَيْنَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَتْ الْمَئُونَةُ كُلُّهَا عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ الْبَذْرُ وَالسَّقْيُ وَالْعِلَاجُ كُلُّهُ فَإِنْ اشْتَرَطَ الدَّاخِلُ فِي الْمَالِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنَّ الْبَذْرَ عَلَيْكَ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَنَّهُ قَدْ اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زِيَادَةً ازْدَادَهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ الْمَئُونَةَ كُلَّهَا وَالنَّفَقَةَ وَلَا يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهَا شَيْءٌ فَهَذَا وَجْهُ الْمُسَاقَاةِ الْمَعْرُوفُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَيْنِ تَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَنْقَطِعُ مَاؤُهَا فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَيْنِ وَيَقُولُ الْآخَرُ لَا أَجِدُ مَا أَعْمَلُ بِهِ إِنَّهُ يُقَالُ لِلَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَيْنِ اعْمَلْ وَأَنْفِقْ وَيَكُونُ لَكَ الْمَاءُ كُلُّهُ تَسْقِي بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُكَ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْتَ فَإِذَا جَاءَ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْتَ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْ الْمَاءِ وَإِنَّمَا أُعْطِيَ الْأَوَّلُ الْمَاءَ كُلَّهُ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا بِعَمَلِهِ لَمْ يَعْلَقْ الْآخَرَ مِنْ النَّفَقَةِ شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ كُلُّهَا وَالْمَئُونَةُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُ يَعْمَلُ بِيَدِهِ إِنَّمَا هُوَ أَجِيرٌ بِبَعْضِ الثَّمَرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ إِجَارَتُهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا يَعْرِفُهُ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ لَا يَدْرِي أَيَقِلُّ ذَلِكَ أَمْ يَكْثُرُ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مُقَارِضٍ أَوْ مُسَاقٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ الْمَالِ وَلَا مِنْ النَّخْلِ شَيْئًا دُونَ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ أَجِيرًا بِذَلِكَ يَقُولُ أُسَاقِيكَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي فِي كَذَا وَكَذَا نَخْلَةً تَسْقِيهَا وَتَأْبُرُهَا وَأُقَارِضُكَ فِي كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ مِمَّا أُقَارِضُكَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي وَلَا يَصْلُحُ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ الَّتِي يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُسَاقَى شَدُّ الْحِظَارِ وَخَمُّ الْعَيْنِ وَسَرْوُ الشَّرَبِ وَإِبَّارُ النَّخْلِ وَقَطْعُ الْجَرِيدِ وَجَذُّ الثَّمَرِ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ عَلَى أَنَّ لِلْمُسَاقَى شَطْرَ الثَّمَرِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَصْلِ لَا يَشْتَرِطُ ابْتِدَاءَ عَمَلٍ جَدِيدٍ يُحْدِثُهُ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ بِئْرٍ يَحْتَفِرُهَا أَوْ عَيْنٍ يَرْفَعُ رَأْسَهَا أَوْ غِرَاسٍ يَغْرِسُهُ فِيهَا يَأْتِي بِأَصْلِ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ ضَفِيرَةٍ يَبْنِيهَا تَعْظُمُ فِيهَا نَفَقَتُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ رَبُّ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ مِنْ النَّاسِ ابْنِ لِي هَاهُنَا بَيْتًا أَوْ احْفِرْ لِي بِئْرًا أَوْ أَجْرِ لِي عَيْنًا أَوْ اعْمَلْ لِي عَمَلًا بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ ثَمَرُ الْحَائِطِ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ فَهَذَا بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا إِذَا طَابَ الثَّمَرُ وَبَدَا صَلَاحُهُ وَحَلَّ بَيْعُهُ ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ اعْمَلْ لِي بَعْضَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ لِعَمَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ مَعْلُومٍ قَدْ رَآهُ وَرَضِيَهُ فَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَائِطِ ثَمَرٌ أَوْ قَلَّ ثَمَرُهُ أَوْ فَسَدَ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ وَأَنَّ الْأَجِيرَ لَا يُسْتَأْجَرُ إِلَّا بِشَيْءٍ مُسَمًّى لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إِلَّا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا الْإِجَارَةُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ إِنَّمَا يَشْتَرِي مِنْهُ عَمَلَهُ وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إِذَا دَخَلَهُ الْغَرَرُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ عِنْدَنَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَصْلِ كُلِّ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ أَوْ زَيْتُونٍ أَوْ رُمَّانٍ أَوْ فِرْسِكٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ نِصْفَ الثَّمَرِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ قَالَ مَالِكٌ وَالْمُسَاقَاةُ أَيْضًا تَجُوزُ فِي الزَّرْعِ إِذَا خَرَجَ وَاسْتَقَلَّ فَعَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ سَقْيِهِ وَعَمَلِهِ وَعِلَاجِهِ فَالْمُسَاقَاةُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا جَائِزَةٌ قَالَ مَالِكٌ لَا تَصْلُحُ الْمُسَاقَاةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُصُولِ مِمَّا تَحِلُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ إِذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ طَابَ وَبَدَا صَلَاحُهُ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَاقَى مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَإِنَّمَا مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ مِنْ الثِّمَارِ إِجَارَةٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَاقَى صَاحِبَ الْأَصْلِ ثَمَرًا قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ إِيَّاهُ وَيَجُذَّهُ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ يُعْطِيهِ إِيَّاهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمُسَاقَاةِ إِنَّمَا الْمُسَاقَاةُ مَا بَيْنَ أَنْ يَجُذَّ النَّخْلَ إِلَى أَنْ يَطِيبَ الثَّمَرُ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ سَاقَى ثَمَرًا فِي أَصْلٍ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ فَتِلْكَ الْمُسَاقَاةُ بِعَيْنِهَا جَائِزَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُسَاقَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا كِرَاؤُهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَثْمَانِ الْمَعْلُومَةِ قَالَ فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُعْطِي أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ مَرَّةً وَرُبَّمَا هَلَكَ رَأْسًا فَيَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَدْ تَرَكَ كِرَاءً مَعْلُومًا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ بِهِ وَأَخَذَ أَمْرًا غَرَرًا لَا يَدْرِي أَيَتِمُّ أَمْ لَا فَهَذَا مَكْرُوهٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِسَفَرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ قَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ عُشْرَ مَا أَرْبَحُ فِي سَفَرِي هَذَا إِجَارَةً لَكَ فَهَذَا لَا يَحِلُّ وَلَا يَنْبَغِي قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ وَلَا أَرْضَهُ وَلَا سَفِينَتَهُ إِلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ لَا يَزُولُ إِلَى غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ وَالْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَصَاحِبُ الْأَرْضِ يُكْرِيهَا وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَا شَيْءَ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي النَّخْلِ أَيْضًا إِنَّهَا تُسَاقِي السِّنِينَ الثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ قَالَ وَذَلِكَ الَّذِي سَمِعْتُ وَكُلُّ شَيْءٍ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ يَجُوزُ فِيهِ لِمَنْ سَاقَى مِنْ السِّنِينَ مِثْلُ مَا يَجُوزُ فِي النَّخْلِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُسَاقِي إِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي سَاقَاهُ شَيْئًا مِنْ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ يَزْدَادُهُ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الْمُسَاقَى مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ شَيْئًا يَزِيدُهُ إِيَّاهُ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَالزِّيَادَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَا تَصْلُحُ قَالَ مَالِكٌ وَالْمُقَارِضُ أَيْضًا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَا يَصْلُحُ إِذَا دَخَلَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَوْ الْمُقَارَضَةِ صَارَتْ إِجَارَةً وَمَا دَخَلَتْهُ الْإِجَارَةُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْإِجَارَةُ بِأَمْرٍ غَرَرٍ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا يَكُونُ أَوْ يَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُسَاقِي الرَّجُلَ الْأَرْضَ فِيهَا النَّخْلُ وَالْكَرْمُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ فَيَكُونُ فِيهَا الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ الْبَيَاضُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَكَانَ الْأَصْلُ أَعْظَمَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَهُ فَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاتِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّخْلُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونَ الْبَيَاضُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيَاضَ حِينَئِذٍ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ فِيهَا نَخْلٌ أَوْ كَرْمٌ أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ فَكَانَ الْأَصْلُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ وَالْبَيَاضُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ فِي ذَلِكَ الْكِرَاءُ وَحَرُمَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يُسَاقُوا الْأَصْلَ وَفِيهِ الْبَيَاضُ وَتُكْرَى الْأَرْضُ وَفِيهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ يُبَاعَ الْمُصْحَفُ أَوْ السَّيْفُ وَفِيهِمَا الْحِلْيَةُ مِنْ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ أَوْ الْقِلَادَةُ أَوْ الْخَاتَمُ وَفِيهِمَا الْفُصُوصُ وَالذَّهَبُ بِالدَّنَانِيرِ وَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ الْبُيُوعُ جَائِزَةً يَتَبَايَعُهَا النَّاسُ وَيَبْتَاعُونَهَا وَلَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مَوْصُوفٌ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ إِذَا هُوَ بَلَغَهُ كَانَ حَرَامًا أَوْ قَصُرَ عَنْهُ كَانَ حَلَالًا وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الَّذِي عَمِلَ بِهِ النَّاسُ وَأَجَازُوهُ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مِنْ ذَلِكَ الْوَرِقِ أَوْ الذَّهَبِ تَبَعًا لِمَا هُوَ فِيهِ جَازَ بَيْعُهُ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّصْلُ أَوْ الْمُصْحَفُ أَوْ الْفُصُوصُ قِيمَتُهُ الثُّلُثَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَالْحِلْيَةُ قِيمَتُهَا الثُّلُثُ أَوْ أَقَلُّ   1413 - 1381 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) مُرْسَلٌ فِي جَمِيعِ الْمُوَطَّآتِ، وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَمَاعُ سُلَيْمَانَ مِنْهُ صَحِيحٌ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طِهْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ» ) لِتَمْيِيزِ حَقِّ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا لِاخْتِلَافِ الْمَصْرِفَيْنِ، أَوْ لِلْقِسْمَةِ لِاخْتِلَافِ الْحَاجَةِ كَمَا مَرَّ، وَفِيهِ جَوَازُ التَّخْرِيصِ لِذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ، وَلَمْ يُجِزْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِحَالٍ، وَقَالَ: إِنَّمَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إِخْرَاجُ عُشْرِ مَا يَصِيرُ بِيَدِهِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: الْخَرْصُ الْيَوْمَ بِدْعَةٌ كَأَنَّهُ يَرَى نَسْخَهُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَأَجَازَهُ دَاوُدُ فِي النَّخْلِ خَاصَّةً. وَدَفَعَ حَدِيثَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ وَيُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ زَبِيبًا كَمَا يُؤَدِّي زَكَاةَ النَّخْلِ تَمْرًا بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ ; لِأَنَّ عَتَّابًا مَاتَ قَبْلَ مَوْلِدِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَبِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَدَعْوَى الْإِرْسَالِ بِمَعْنَى الِانْقِطَاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ: إِنَّ عَتَّابًا مَاتَ يَوْمَ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لِعُمَرَ عَلَى مَكَّةَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَدْ وُلِدَ سَعِيدٌ لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ عَلَى الْأَصَحِّ، فَسَمَاعُهُ مِنْ عَتَّابٍ مُمْكِنٌ فَلَا انْقِطَاعَ. وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ فَصَدُوقٌ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. (قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ حُلْيًا) ضُبِطَ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ عَلَى أَنَّهُ مُفْرَدٌ، وَبِضَمٍّ فَكَسْرٍ وَشَدِّ الْيَاءِ عَلَى الْجَمْعِ (مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا: هَذَا لَكَ وَخَفِّفْ عَنَّا وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ) أَجْمِلْهُ وَأَغْمِضْ فِيهِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: رَامُوا بِهِ أَنْ يَسْتَنْزِلُوهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا} [البقرة: 109] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 109) الحديث: 1413 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 وَقَالَ تَعَالَى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا} [النساء: 89] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةَ 89) وَلَمْ يُعَاقِبْهُمْ وَامْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: 109] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 109) (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ) قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ كَمَا زَادَهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ (وَمَا ذَاكَ) أَيِ الْبُغْضُ (بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ: أَجُورَ (عَلَيْكُمْ) لِأَنَّهُ يَكُونُ ظُلْمًا. وَفِي الْحَدِيثِ: " «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» " وَفِيهِ: " «إِنَّ الْمُؤْمِنَ وَإِنْ أَبْغَضَ فِي اللَّهِ لَا يَحْمِلُهُ الْبُغْضُ عَلَى ظُلْمِ مَنْ أَبْغَضَ» " (فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنَ الرَّشْوَةِ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ (فَإِنَّهَا سُحْتٌ) أَيْ حَرَامٌ (وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا) لِحُرْمَتِهَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ فِي الْيَهُودِ: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةَ 42) إِنَّهُ الرَّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَقِيلَ: كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ كَسْبُهُ (فَقَالُوا بِهَذَا) الْعَدْلِ (قَامَتِ السَّمَاوَاتُ) فَوْقَ الرُّءُوسِ بِغَيْرِ عَمَدٍ (وَالْأَرْضُ) اسْتَقَرَّتْ عَلَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَقْدَامِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّشْوَةَ عِنْدَ الْيَهُودِ حَرَامٌ لِقَوْلِهِمْ بِهَذَا، وَلَوْلَا حُرْمَتُهُ فِي كِتَابِهِمْ مَا عَيَّرَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَفِيهِ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ أَوِ الشَّاهِدُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْحَقِّ أَوِ الشَّهَادَةِ بِهِ رِشْوَةٌ، وَكُلُّ رِشْوَةٍ سُحْتٌ، وَكُلُّ سُحْتٍ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْحُكْمُ مَا بَعَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ رَوَاحَةَ وَحْدَهُ. (قَالَ مَالِكٌ: إِذَا سَاقَى الرَّجُلُ النَّخْلَ وَفِيهَا الْبَيَاضُ فَمَا ازْدَرَعَ) أَيْ زَرَعَ (الرَّجُلُ الدَّاخِلُ) أَيْ عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ (فِي الْبَيَاضِ فَهُوَ لَهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «عَلَى أَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» " فَلَمْ يَشْتَرِطْ إِلَّا نِصْفَ الثَّمَرِ، وَذَلِكَ وَقْتُ تَبْيِينِ الْحُقُوقِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَكُونُ لَهُ، وَأَيْضًا فَالْأَرْضُ بِيَدِ الْعَامِلِينَ، وَإِنَّمَا لِرَبِّهَا مَا شَرَطَهُ دُونَ سَائِرِ مَا بِأَيْدِيهِمْ، وَلِذَا انْفَرَدُوا بِمَسَاكِنِهَا وَمَزَارِعِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا جَاءَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدَيْنِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (فَإِنِ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنَّهُ يَزْرَعُ فِي الْبَيَاضِ لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّ الرَّجُلَ الدَّاخِلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 فِي الْمَالِ يَسْقِي لِرَبِّ الْأَرْضِ، فَذَلِكَ زِيَادَةٌ زَادَهَا عَلَيْهِ) وَالزِّيَادَةُ مَمْنُوعَةٌ. (وَإِنِ اشْتَرَطَ الزَّرْعَ بَيْنَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْمَؤُونَةُ كُلُّهَا عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ الْبَذْرُ وَالسَّقْيُ وَالْعِلَاجُ كُلُّهُ) بَيَانٌ لِلْمَؤُونَةِ لِمَا جَاءَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَهُمْ فِي الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ عَلَى النِّصْفِ. (فَإِنِ اشْتَرَطَ الدَّاخِلُ فِي الْمَالِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنَّ الْبَذْرَ عَلَيْكَ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زِيَادَةً ازْدَادَهَا عَلَيْهِ) وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ (وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ الْمَؤُونَةَ كُلَّهَا وَالنَّفَقَةَ، وَلَا يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهَا شَيْءٌ، فَهَذَا وَجْهُ الْمُسَاقَاةِ الْمَعْرُوفِ) الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَيْنِ تَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَنْقَطِعُ مَاؤُهَا فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَيْنِ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: لَا أَجِدُ مَا أَعْمَلُ بِهِ: إِنَّهُ يُقَالُ لِلَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَيْنِ اعْمَلْ وَأَنْفِقْ وَيَكُونَ لَكَ الْمَاءُ كُلُّهُ تَسْقِي بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُكَ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْتَ، فَإِذَا جَاءَ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْتَ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنَ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا أُعْطِيَ الْأَوَّلُ الْمَاءَ كُلَّهُ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا بِعَمَلِهِ لَمْ يَعْلَقِ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ لَمْ يَلْزَمْ (الْآخَرَ مِنَ النَّفَقَةِ شَيْءٌ) ; لِأَنَّ إِنْفَاقَهُ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا. (وَإِذَا كَانَتِ النَّفَقَةُ كُلُّهَا وَالْمَؤُونَةُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُ يَعْمَلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 بِيَدَيْهِ إِنَّمَا هُوَ أَجِيرٌ بِبَعْضِ الثَّمَرَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ إِجَارَتُهُ إِذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا يَعْرِفُهُ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ لَا يَدْرِي أَيَقِلُّ ذَلِكَ أَمْ يَكْثُرُ) فَهِيَ إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ. (قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مُقَارِضٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (أَوْ مُسَاقٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنَ الْمَالِ وَلَا مِنَ النَّخْلِ شَيْئًا دُونَ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ أَجِيرًا بِذَلِكَ يَقُولُ: أُسَاقِيكَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي فِي كَذَا وَكَذَا نَخْلَةٍ تَسْقِيهَا وَتَأْبُرُهَا) بِضَمِّ الْمُوَحِّدَةِ وَكَسْرِهَا تُلَقِّحُهَا وَتُصْلِحُهَا (وَأُقَارِضُكَ فِي كَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَالِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ مِمَّا أُقَارِضُكَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي وَلَا يَصْلُحُ) لِخِلَافِ سُنَّةِ الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: (وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (وَالسُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ الَّتِي يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمَسَاقِي) بِفَتْحِ الْقَافِ (شَدُّ الْحِظَارِ) بِالشِّينِ الْمَنْقُوطَةِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ عَنْ مَالِكٍ، أَيْ تَحْصِينُ الزُّرُوبِ، وَيُرْوَى عَنْهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ يَعْنِي سَدَّ الثُّلْمَةِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. وَنَقَلَ فِي الْمَشَارِقِ عَنْ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيِّ أَنَّ مَا حَظَرَ بِزَرْبٍ فَبِالْمُعْجَمَةِ، وَمَا كَانَ بِجِدَارٍ فَبِالْمُهْمَلَةِ، وَالْحَظَائِرُ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ حَظِيرَةٍ هِيَ الْعِيدَانُ الَّتِي بِأَعْلَى الْحَائِطِ لِتَمْنَعَ مِنَ التَّسَوُّرِ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هُوَ حَائِطُ الْبُسْتَانِ، الْبَاجِيُّ: مِثْلَ أَنْ يُسْتَرْخَى رِبَاطٌ لِحَظِيرَةٍ فَيَشْتَرِطُ عَلَى الْعَامِلِ شَدَّهُ. (وَخَمُّ الْعَيْنِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ تَنْقِيَتُهَا، وَالْمَخْمُومُ النَّقِيُّ، وَرَجُلٌ مَخْمُومُ الْقَلْبِ أَيْ نَقِيُّهُ مِنَ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ. (وَسَرْوُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ وَاوٍ أَيْ: كَنْسُ (الشَّرَبِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَمُوَحَّدَةٍ جَمْعُ شَرْبَةٍ وَهِيَ حِيَاضٌ يُسْتَنْقَعُ فِيهَا الْمَاءُ حَوْلَ الشَّجَرِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تَنْقِيَةُ الْحِيَاضِ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الشَّجَرِ وَتَحْصِينُ حُرُوفِهَا وَمَجِيءُ الْمَاءِ إِلَيْهَا. الْبَاجِيُّ: وَرُوِيَ (سَوْقُ الشَّرَبِ) وَهُوَ جَلْبُ الْمَاءِ الَّذِي يُسْقَى بِهِ. (وَإِبَّارُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ (النَّخْلِ) أَيْ تَذْكِيرُهَا (وَقَطْعُ الْجَرِيدِ) مِنَ النَّخْلِ إِذَا كُسِرَتْ، وَقَدْ يُفْعَلُ مِثْلُهُ بِالشَّجَرِ لِقَطْعِ قُضْبَانِ الْكَرْمِ. (وَجَذُّ الثَّمَرِ) أَيْ قَطْعُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 (هَذَا وَأَشْبَاهُهُ) كَرْمُ الْقُفِّ وَهُوَ الْحَوْضُ الَّذِي فِيهِ الدَّلْوُ وَيَجْرِي مِنْهُ إِلَى الضَّفِيرَةِ (عَلَى أَنَّ لِلْمَسَاقِي شَطْرَ) أَيْ نِصْفَ (الثَّمَرِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَصْلِ لَا يَشْتَرِطُ ابْتِدَاءَ عَمَلٍ جَدِيدٍ) بِالْجِيمِ (يُحْدِثُهُ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ بِئْرٍ يَحْتَفِرُهَا أَوْ عَيْنٍ يَرْفَعُ رَأْسَهَا أَوْ غِرَاسٍ يَغْرِسُهُ فِيهَا يَأْتِي بِأَصْلِ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ ضَفِيرَةٍ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ: مَوْضِعٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ كَالصِّهْرِيجِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هِيَ عِيدَانٌ تُنْسَجُ وَتُضَفَّرُ وَتُطَيَّنُ وَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ كَالصِّهْرِيجِ (يَبْنِيهَا تَعْظُمُ فِيهَا نَفَقَتُهُ) فَيُمْنَعُ اشْتِرَاطُ هَذَا (وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ رَبُّ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ مِنَ النَّاسِ: ابْنِ لِي هَاهُنَا بَيْتًا أَوِ احْفِرْ لِي بِئْرًا، أَوْ أَجْرِ لِي عَيْنًا، أَوِ اعْمَلْ لِي عَمَلًا بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا قَبْلَ أَنْ تَطِيبَ ثَمَرُ الْحَائِطِ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ، فَهَذَا بَيْعٌ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا) فَيُمْنَعُ كَذَلِكَ لِدُخُولِهِ فِي النَّهْيِ. (فَأَمَّا إِذَا طَابَ وَبَدَا صَلَاحُهُ) تَفْسِيرٌ لِطِيبِهِ (وَحَلَّ بَيْعُهُ ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: اعْمَلْ لِي بَعْضَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ - لِعَمَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ - بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ (وَ) وَجْهُهُ أَنَّهُ (إِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ مَعْلُومٍ قَدْ رَآهُ وَرَضِيَهُ) فَهِيَ إِجَارَةٌ صَحِيحَةٌ. (فَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَائِطِ) أَيِ الْبُسْتَانِ (ثَمَرٌ أَوْ قَلَّ ثَمَرُهُ أَوْ فَسَدَ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَجِيرَ لَا يُسْتَأْجَرُ إِلَّا بِشَيْءٍ مُسَمًّى لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إِلَّا بِذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 وَإِنَّمَا الْإِجَارَةُ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ) لِأَنَّهَا بَيْعُ مَنَافِعَ (إِنَّمَا يَشْتَرِي مِنْهُ عَمَلَهُ وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إِذَا دَخَلَهُ الْغَرَرُ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرَادَ مَالِكٌ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ، وَأَنَّ الْمُسَاقَاةَ أَصْلٌ فِي نَفْسِهَا كَالْقِرَاضِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ الْإِجَارَاتِ، وَالْإِجَارَةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بَيْعٌ، وَقَالَتِ الظَّاهِرِيَّةَ: لَيْسَتْ مِنَ الْبُيُوعِ لِأَنَّهَا مَنَافِعُ لَمْ تُخْلَقْ، وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَيْنًا وَلَيْسَتِ الْبُيُوعُ إِلَّا فِي الْأَعْيَانِ، قَالُوا: فَالْإِجَارَةُ بَيْعٌ مُنْفَرِدٌ بِسُنَّةٍ كَالْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ. (قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ عِنْدَنَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَصْلِ كُلِّ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ) شَجَرِ الْعِنَبِ (أَوْ زَيْتُونٍ أَوْ رُمَّانٍ أَوْ فِرْسِكٍ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَكَافٍ: الْخَوْخُ أَوْ ضَرْبٌ مِنْهُ أَحْمَرُ أَجْرُدُ أَوْ مَا يَنْفَلِقُ عَنْ نَوَاهُ (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ نِصْفَ الثَّمَرِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ) فَالشَّرْطُ عَلَى قَدْرِ الْجُزْءِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ (وَالْمُسَاقَاةُ أَيْضًا تَجُوزُ فِي الزَّرْعِ إِذَا خَرَجَ) مِنَ الْأَرْضِ (وَاسْتَقَلَّ فَعَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ سَقْيِهِ وَعَمَلِهِ وَعِلَاجِهِ، فَالْمُسَاقَاةُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا جَائِزَةٌ) وَمَنَعَهَا الشَّافِعِيُّ إِلَّا فِي النَّخْلِ الْكَرْمِ ; لِأَنَّ ثَمَرَهُمَا بَائِنٌ مِنْ شَجَرِهِ يُحِيطُ النَّظَرُ بِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّ الْكُمَّثْرَى وَالتِّينَ وَالرُّمَّانَ وَالْأُتْرُجَّ وَشِبْهَ ذَلِكَ يُحِيطُ النَّظَرُ بِهَا، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ لَهُ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ إِنَّمَا تَجُوزُ فِيمَا يُخْرَصُ، وَالْخَرْصُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِيمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَأَخْرَجَتْهُ عَنِ الْمُزَابَنَةِ كَمَا أَخْرَجَتِ الْعَرَايَا عَنْهَا النَّخْلَ وَالْعِنَبَ خَاصَّةً. (وَلَا تَصْلُحُ الْمُسَاقَاةُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُصُولِ مِمَّا تَحِلُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ إِذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ طَابَ وَبَدَا صَلَاحُهُ وَحَلَّ بَيْعُهُ) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 لِجَوَازِ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ (وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَاقَى مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَأَمَّا مُسَاقَاةٌ مَا حَلَّ بَيْعُهُ مِنَ الثِّمَارِ إِجَارَةً؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَاقَى صَاحِبَ الْأَصْلِ ثَمَرًا قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ إِيَّاهُ وَيَجُذَّهُ لَهُ) يَقْطَعُهُ (بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ يُعْطِيهِ إِيَّاهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمُسَاقَاةِ وَإِنَّمَا الْمُسَاقَاةُ مَا بَيْنَ أَنْ يَجُذَّ النَّخْلَ إِلَى أَنْ يَطِيبَ الثَّمَرُ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ) وَلَيْسَ ذَلِكَ أَيْضًا بِالْإِجَارَةِ. قَالَ مَالِكٌ: إِنْ وَقَعَتْ فُسِخَ الْعَقْدُ مَا لَمْ يَفُتْ وَلَا تَكُونُ إِجَارَةً لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَتَضَمَّنُ أَنَّ عَلَى الْعَامِلِ النَّفَقَةَ عَلَى رَقِيقِ الْحَائِطِ وَجَمِيعِ الْمُؤَنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْلُومًا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ. (وَمَنْ سَاقَى ثَمَرًا فِي أَصْلٍ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ فَتِلْكَ الْمُسَاقَاةُ بِعَيْنِهَا جَائِزَةٌ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: كُلُّ مَنْ أَجَازَ الْمُسَاقَاةَ إِنَّمَا أَجَازَهَا فِيمَا لَمْ يُخْلَقْ أَوْ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، وَالْمُسَاقَاةُ وَالْقِرَاضُ أَصْلَانِ مُخَالِفَانِ لِلْبُيُوعِ، وَكُلُّ أَصْلٍ فِي نَفْسِهِ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ، وَأَجَازَهَا سَحْنُونٌ لِأَنَّهَا إِجَارَةٌ. (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُسَاقَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا كِرَاؤُهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَثْمَانِ الْمَعْلُومَةِ) يُرِيدُ إِلَّا الطَّعَامَ أَوْ مَا يُثْبِتُهُ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ مَنْعُهُمَا (فَأَمَّا الَّذِي يُعْطِي أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِالثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ ; لِأَنَّ الزَّرْعَ يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ مَرَّةً، وَرُبَّمَا هَلَكَ رَأْسًا فَيَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَدْ تَرَكَ كِرَاءً مَعْلُومًا يَصْلُحُ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ بِهِ وَأَخَذَ أَمْرًا غَرَرًا لَا يَدْرِي أَيَتِمُّ أَمْ لَا فَهَذَا مَكْرُوهٌ) أَيْ حَرَامٌ، وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا. (وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِسَفَرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ قَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ: هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ عُشْرَ مَا أَرْبَحُ فِي سَفَرِي هَذَا إِجَارَةً لَكَ؟ فَهَذَا لَا يَحِلُّ وَلَا يَنْبَغِي) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ إِلَى عَقْدٍ فَاسِدٍ. (وَلَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ وَلَا أَرْضَهُ وَلَا سَفِينَتَهُ إِلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ لَا يَزُولُ) يَنْتَقِلُ (إِلَى غَيْرِهِ) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَأَجَازَ طَائِفَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يُعْطِيَ سَفِينَتَهُ وَدَابَّتَهُ وَأَرْضَهُ بِجُزْءٍ مِمَّا يَرْزُقُهُ اللَّهُ قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاضِ. (وَإِنَّمَا فَرَّقَ) بِالتَّشْدِيدِ أَيِ الشَّرْعُ (بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ) فَيَجُوزُ (وَالْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ) فَيُمْنَعُ (أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَصَاحِبُ الْأَرْضِ يُكْرِيهَا وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَا شَيْءَ فِيهَا) لِعَدَمِ النَّهْيِ. (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي النَّخْلِ أَيْضًا أَنَّهَا لِلسَّاقِي السِّنِينَ الثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ وَذَلِكَ الَّذِي سَمِعْتُ) فَيَجُوزُ سِنِينَ مَعْلُومَةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا مُدَّةً مَجْهُولَةً، خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ وَطَائِفَةٍ تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ: أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ، وَمَرَّتِ الْأَجْوِبَةُ عَنْهُ. (وَكُلُّ شَيْءٍ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ يَجُوزُ فِيهِ لِمَنْ سَاقَى مِنَ السِّنِينَ مِثْلَ مَا يَجُوزُ فِي النَّخْلِ) مِنَ الْمُدَّةِ الْمَعْلُومَةِ، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ مَا لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُسَاقِي) بِكَسْرِ الْقَافِ: (إِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي سَقَاهُ شَيْئًا مِنْ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ يَزْدَادُهُ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ) لَا يَجُوزُ (وَ) كَذَلِكَ (لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 الْمُسَاقَى) بِفَتْحِ الْقَافِ (مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ شَيْئًا يَزِيدُهُ إِيَّاهُ مَنْ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَالزِّيَادَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا) عَلَى جُزْئِهِ الْمَعْلُومِ (لَا تَصْلُحُ) لِأَنَّهُ يَعُودُ الْجُزْءُ مَجْهُولًا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. (وَالْمُقَارِضُ أَيْضًا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَا يَصْلُحُ) لِأَنَّهُ (إِذَا دَخَلَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَوِ الْمُقَارَضَةِ صَارَتْ إِجَارَةً، وَمَا دَخَلَتْهُ الْإِجَارَةُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ إِجَارَةٌ بِأَمْرٍ غَرَرٍ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا أَوْ يَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ) فَتَفْسُدُ الْإِجَارَةُ. (وَفِي الرَّجُلِ يُسَاقِي الرَّجُلَ الْأَرْضَ فِيهَا النَّخْلُ أَوِ الْكَرْمُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ فَتَكُونُ فِيهَا الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ. قَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ الْبَيَاضُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَكَانَ الْأَصْلُ أَعْظَمَ ذَلِكَ وَأَكْثَرَهُ فَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ أَعْظَمُ ذَلِكَ وَأَكْثَرُهُ فَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاتِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّخْلُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونَ الْبَيَاضُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيَاضَ حِينَئِذٍ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ) وَعَلَى هَذَا تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ مَالِكٌ: وَكَانَ الْبَيَاضُ فِي خَيْبَرَ يَسِيرًا بَيْنَ أَضْعَافِ السَّوَادِ، وَالْمَشْهُورُ مَا قَالَ هُنَا الثُّلُثُ يَسِيرٌ، وَعَلَيْهِ فَيَجُوزُ دُخُولُهُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَإِلْغَاؤُهُ لِلْعَامِلِ، سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ أَضْعَافٍ أَوِ انْفَرَدَ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الْحَائِطِ فِيهِمَا. وَفِيهَا لِمَالِكٍ إِلْغَاؤُهُ لِلْعَامِلِ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُلْغِهِ لِلْعَامِلِ، وَهُوَ إِنَّمَا يَفْعَلُ الرَّاجِحَ. وَأَجَابَ عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّ فِي حَدِيثٍ آخَرَ إِلْغَاؤُهُ الْبَاجِيُّ، وَحُكْمُ مَا تُمْنَعُ مُسَاقَاتُهُ حُكْمُ الْبَيَاضِ مَعَ الشَّجَرَةِ. (وَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ فِيهَا نَخْلٌ أَوْ كَرْمٌ أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ فَكَانَ الْأَصْلُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ وَالْبَيَاضُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ فِي ذَلِكَ الْكِرَاءُ وَحَرُمَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ إِذَا جُمِعَا، أَمَّا إِذَا أُفْرِدَتِ النَّخْلُ بِالْمُسَاقَاةِ فَيَجُوزُ. (وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يُسَاقُوا الْأَصْلَ وَفِيهِ الْبَيَاضُ، وَتُكْرَى الْأَرْضُ وَفِيهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ مِنَ الْأَصْلِ، أَوْ يُبَاعَ الْمُصْحَفُ أَوِ السَّيْفُ وَفِيهِمَا الْحِلْيَةُ مِنَ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُبَاعَ، (أَوِ الْقِلَادَةُ) مَا يُعَلَّقُ فِي الْعُنُقِ، (أَوِ الْخَاتَمُ وَفِيهِمَا الْفُصُوصُ) جَمْعُ فَصٍّ مُثَلَّثُ الْفَاءِ. (وَ) فِيهَا (الذَّهَبُ) تُبَاعُ (بِالدَّنَانِيرِ وَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ الْبُيُوعُ جَائِزَةً يَتَبَايَعُهَا النَّاسُ وَيَبْتَاعُونَهَا وَلَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ) نَصٌّ مِنْ سُنَّةٍ وَلَا كِتَابٍ (مَوْصُوفٌ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ؛ إِذْ لَوْ بَلَغَهُ كَانَ حَرَامًا أَوْ قَصُرَ عَنْهُ كَانَ حَلَالًا) وَحِينَئِذٍ فَيَرْجِعُ إِلَى عَمَلِ الْمَدِينَةِ كَمَا قَالَ: (وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الَّذِي عَمِلَ بِهِ النَّاسُ وَأَجَازُوهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مِنْ ذَلِكَ الْوَرِقِ أَوِ الذَّهَبِ تَبَعًا لِمَا هُوَ فِيهِ) مِنَ الْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ (جَازَ بَيْعُهُ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّصْلُ أَوِ الْمُصْحَفُ أَوِ الْفُصُوصُ قِيمَتُهُ الثُّلُثَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَالْحِلْيَةُ قِيمَتُهَا الثُّلُثُ أَوْ أَقَلُّ) فَتَبَيَّنَ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 [بَاب الشَّرْطِ فِي الرَّقِيقِ فِي الْمُسَاقَاةِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي عُمَّالِ الرَّقِيقِ فِي الْمُسَاقَاةِ يَشْتَرِطُهُمْ الْمُسَاقَى عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عُمَّالُ الْمَالِ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمْ لِلدَّاخِلِ إِلَّا أَنَّهُ تَخِفُّ عَنْهُ بِهِمْ الْمَئُونَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي الْمَالِ اشْتَدَّتْ مَئُونَتُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَاقَاةِ فِي الْعَيْنِ وَالنَّضْحِ وَلَنْ تَجِدَ أَحَدًا يُسَاقَى فِي أَرْضَيْنِ سَوَاءٍ فِي الْأَصْلِ وَالْمَنْفَعَةِ إِحْدَاهُمَا بِعَيْنٍ وَاثِنَةٍ غَزِيرَةٍ وَالْأُخْرَى بِنَضْحٍ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لِخِفَّةِ مُؤْنَةِ الْعَيْنِ وَشِدَّةِ مُؤْنَةِ النَّضْحِ قَالَ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ وَالْوَاثِنَةُ الثَّابِتُ مَاؤُهَا الَّتِي لَا تَغُورُ وَلَا تَنْقَطِعُ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِلْمُسَاقَى أَنْ يَعْمَلَ بِعُمَّالِ الْمَالِ فِي غَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي سَاقَاهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَجُوزُ لِلَّذِي سَاقَى أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ رَقِيقًا يَعْمَلُ بِهِمْ فِي الْحَائِطِ لَيْسُوا فِيهِ حِينَ سَاقَاهُ إِيَّاهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الَّذِي دَخَلَ فِي مَالِهِ بِمُسَاقَاةٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رَقِيقِ الْمَالِ أَحَدًا يُخْرِجُهُ مِنْ الْمَالِ وَإِنَّمَا مُسَاقَاةُ الْمَالِ عَلَى حَالِهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ رَقِيقِ الْمَالِ أَحَدًا فَلْيُخْرِجْهُ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ أَوْ يُرِيدُ أَنْ يُدْخِلَ فِيهِ أَحَدًا فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ ثُمَّ يُسَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ قَالَ وَمَنْ مَاتَ مِنْ الرَّقِيقِ أَوْ غَابَ أَوْ مَرِضَ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخْلِفَهُ   2 - بَابُ الشَّرْطِ فِي الرَّقِيقِ فِي الْمُسَاقَاةِ - (مَالِكٌ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي عُمَّالِ الرَّقِيقِ فِي الْمُسَاقَاةِ يَشْتَرِطُهُمُ الْمُسَاقَى) بِفَتْحِ الْقَافِ (عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ الَّذِينَ كَانُوا عُمَّالَهُ وَقْتَ الْمُسَاقَاةِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَ إِخْرَاجَهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْرَجَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اشْتِرَاطُ الْعَامِلِ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ رَفْعِ الْإِلْبَاسِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ إِقْرَارِ رَبِّ الْحَائِطِ أَنَّهُمْ فِي حَائِطِهِ عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ (لِأَنَّهُمْ عُمَّالُ الْمَالِ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمْ لِلدَّاخِلِ) يُرِيدُ أَنَّ ظُهُورَ الْمَالِ وَقُوَّتَهُ بِعِلْمِهِمْ وَلَهُمْ فِيهِ تَأْثِيرٌ فَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُ الْحَائِطِ اهـ. (إِلَّا أَنَّهُ يَخِفُّ عَنْهُمُ الْمَؤُونَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي الْمَالِ اشْتَدَّتْ) قَوِيَتْ (مَؤُونَتُهُ) لِعَدَمِ الْمُسَاعِدِ. (وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَاقَاةِ فِي الْعَيْنِ وَالنَّضْحِ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ الْمَاءِ الَّذِي يَحْمِلُهُ النَّاضِحُ وَهُوَ الْجَمَلُ. (وَلَنْ تَجِدَ أَحَدًا يُسَاقَى فِي أَرْضِينَ) بِالتَّثْنِيَةِ (سَوَاءٍ) بِالْجَرِّ صِفَةً أَيْ مُسْتَوِيَيْنِ (فِي الْأَصْلِ وَالْمَنْفَعَةِ إِحْدَاهُمَا بِعَيْنٍ وَاثِنَةٍ) بِوَاوٍ فَأَلِفٍ فَمُثَلَّثَةٍ فَنُونٍ فَهَاءٍ: دَائِمَةٍ لَا تَنْقَطِعُ (غَزِيرَةٍ) كَثِيرَةِ الْمَاءِ. (وَالْأُخْرَى) تُسْقَى (بِنَضْحٍ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ) كَبَعِيرٍ (لِخِفَّةٍ مَؤُونَةِ الْعَيْنِ وَشِدَّةِ مَؤُونَةِ النَّضْحِ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا، وَالْوَاثِنَةُ الثَّابِتُ) أَيِ الدَّائِمُ (مَاؤُهَا الَّتِي لَا تَغُورُ وَلَا تَنْقَطِعُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ يَحْيَى وَغَيْرِهِ: وَاتِنَةٌ، بِتَاءٍ بِنُقْطَتَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبَيْنِ وَصَاحِبُ الْعَيْنِ أَنَّهُ بِالْمُثَلَّثَةِ بِمَعْنَى الدَّائِمِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ بِفَوْقِيَّةٍ اهـ. وَفِي الْبَارِعِ اسْتَوْثَنَ مِنَ الْمَاءِ إِذَا اسْتَكْثَرَ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ. (وَلَيْسَ لِلْمُسَاقَى) بِالْفَتْحِ (أَنْ يَعْمَلَ بِعُمَّالِ الْمَالِ فِي غَيْرِهِ) الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مَنْ وَجَدَهُ فِي الْحَائِطِ مِنْ رَقِيقٍ وَعُمَّالٍ فَإِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ اسْتَعْمَلَهُمْ فِيمَا شَاءَ. (وَلَا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي سَاقَاهُ) فَإِنِ اسْتَعْمَلَهُمْ فِي غَيْرِهِ بِلَا شَرْطٍ مُنِعَ وَلَمْ تَفْسُدْ، وَبِشَرْطٍ فَسَدَتْ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ، فَإِنْ فَاتَتْ بِالْعَمَلِ رُدَّ إِلَى أَجْرِ مِثْلِهِ. (وَلَا يَجُوزُ لِلَّذِي سَاقَى) أَيِ الْعَامِلِ (أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ رَقِيقًا يَعْمَلُ بِهِمْ فِي الْحَائِطِ لَيْسُوا فِيهِ حِينَ سَاقَاهُ إِيَّاهُ) لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 (وَ) كَذَا (لَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الَّذِي دَخَلَ فِي مَالِهِ بِمُسَاقَاةٍ) أَيِ الْعَامِلِ (أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رَقِيقِ الْمَالِ أَحَدًا يُخْرِجُهُ مِنَ الْمَالِ، وَإِنَّمَا مُسَاقَاةُ الْمَالِ عَلَى حَالِهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُنَافَاةِ ازْدِيَادِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَا عَقَدَ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا جَوَّزَ لِلْعَامِلِ شَرْطَ الْيَسِيرِ كَعَبْدٍ وَدَابَّةٍ فِي الْحَائِطِ الْكَبِيرِ لَا الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَرْطَ جَمِيعِ الْعَمَلِ حِينَئِذٍ. (فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ رَقِيقِ الْمَالِ أَحَدًا فَلْيُخْرِجْهُ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ، أَوْ يُرِيدُ أَنْ يُدْخِلَ فِيهِ أَحَدًا فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ، ثُمَّ يُسَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ) لِيَخْرُجَ مِنَ الْخَطَرِ. (وَمَنْ مَاتَ مِنَ الرَّقِيقِ أَوْ غَابَ أَوْ مَرِضَ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَخْلُفَهُ) يَأْتِي بِبَدَلِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ الْإِتْيَانُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَاقَى لِيَسْقِيَ الْحَائِطَ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، ثُمَّ عَلَى الْعَامِلِ مَا زَادَ، فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا مَعَهُ لَمْ يُمْكِنْهُ عَمَلُ مَا زَادَ عَلَى عَمَلِهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 [كِتَاب كِرَاءِ الْأَرْضِ] [بَاب مَا جَاءَ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب كِرَاءِ الْأَرْضِ بَاب مَا جَاءَ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» قَالَ حَنْظَلَةُ فَسَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ   17 - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 34 - كِتَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ. 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ 1415 - 1382 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فُرُوخٍ الْمَدَنِيِّ الْمَعْرُوفِ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ (عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ) بْنِ عَمْرِو بْنِ حِصْنٍ (الزُّرَّقِيِّ) الْأَنْصَارِيِّ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ قِيلَ: وَلَهُ رُؤْيَةٌ (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَجِيمٍ، ابْنِ رَافِعِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ، أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ ثُمَّ الْخَنْدَقُ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ. ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» ) جَمْعُ مَزْرَعَةٍ، وَهِيَ مَكَانُ الزَّرْعِ، وَظَاهِرُهُ مَنْعُ كِرَائِهَا مُطْلَقًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ قَالَ: لِأَنَّهَا إِذَا اسْتُؤْجِرَتْ وَخَرِبَتْ لَعَلَّهَا يَحْتَرِقُ زَرْعُهَا فَيَرُدُّهَا وَقَدْ زَادَتْ وَانْتَفَعَ رَبُّهَا بِهَا وَلَمْ يَنْتَفِعِ الْمُسْتَأْجِرُ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَرْفُوعًا: " «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَزْرَعَهَا وَعَجَزَ عَنْهَا فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَلَا يُؤَجِّرْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» " (قَالَ حَنْظَلَةُ: فَسَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ) أَنَهَى عَنْ كِرَائِهَا (بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ) الْفِضَّةِ (فَقَالَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: قَالَ: لَا، إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. (أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ اجْتِهَادًا، أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ عَلَى جَوَازِهِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ رَافِعٍ قَالَ: " «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَقَالَ: إِنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ، وَرَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا، وَرَجُلٌ الحديث: 1415 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 أَكْرَى أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ» " وَهَذَا يُرَجِّحُ أَنَّ مَا قَالَهُ رَافِعٌ مَرْفُوعٌ، وَلَكِنْ بَيَّنَ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ النَّهْيُ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ، وَأَنَّ بَقِيَّتَهُ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَقَدْ تَأَوَّلَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ أَحَادِيثَ الْمَنْعِ عَلَى كِرَائِهَا بِالطَّعَامِ أَوْ بِمَا تُنْبِتُهُ كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ إِلَّا الْخَشَبَ وَالْحَطَبَ، وَأَجَازُوا كِرَاءَهَا بِمَا سِوَى ذَلِكَ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ رَافِعٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ وَلَا يُكْرِهَا بِثُلُثٍ وَلَا رُبُعٍ وَلَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى» " وَتَأَوَّلُوا النَّهْيَ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ بِأَنَّهَا كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ وَجَعَلُوهُ مِنْ بَابِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً ; لِأَنَّ الثَّانِيَ يُقَدَّرُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ بَاعَهُ بِطَعَامٍ فَصَارَ بَيْعَ طَعَامٍ بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ، وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ كِرَاءَهَا بِكُلِّ مَعْلُومٍ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَافِعٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَأَقْيَالِ الْجَدَاوِلِ فَيَهْلَكُ هَذَا وَيُسَلِّمُ هَذَا، فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مَضْمُونٍ فَلَا بَأْسَ، فَبَيَّنَ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ الْغَرَرُ، وَأَمَّا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ فَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، فَمِثْلُهُمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنَ الْأَثْمَانِ الْمَعْلُومَةِ، وَالْمَاذِيَانَاتُ بِكَسْرِ الذَّالِ وَفَتْحِهَا مُعَرَّبَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ: مَسَايِلُ الْمَاءِ الْكِبَارُ سَمَّى بِذَلِكَ مَا يَنْبُتُ عَلَى الْحَافَّتَيْنِ مَجَازًا لِلْمُجَاوَرَةِ، وَأَجَازَ أَحْمَدُ كِرَاءَهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يُزْرَعُ فِيهَا لِحَدِيثِ الْمُسَاقَاةِ وَقَالَ: إِنَّهُ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعٍ لِاضْطِرَابِ أَلْفَاظِهِ، وَبِأَنَّهُ يَرْوِيهِ مَرَّةً عَنْ عُمُومَتِهِ وَمَرَّةً بِلَا وَاسِطَةٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عُمُومَتِهِ وَمِنَ الْمُصْطَفَى فَكَانَ يَرْوِيهِ بِالْوَجْهَيْنِ. وَأَمَّا اخْتِلَافُ أَلْفَاظِهِ فَمِنَ الرُّوَاةِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَتَدَافَعُ بِحَدِيثٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ، وَشَرْطُ الِاضْطِرَابِ أَنْ يَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَأَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حَنْظَلَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ   1416 - 1383 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ) كَمَا فِي حَدِيثِ رَافِعٍ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مَرْفُوعًا فَهُوَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا سَمِعَ؛ لِأَنَّهُ رَوَى حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَاجِيُّ فَقَالَ: لَمْ يَنْقُلْ رَافِعٌ لَفْظَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي أَخْبَرَ بِجَوَازِهِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ. الحديث: 1416 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَقُلْتُ لَهُ أَرَأَيْتَ الْحَدِيثَ الَّذِي يُذْكَرُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَقَالَ أَكْثَرَ رَافِعٌ وَلَوْ كَانَ لِي مَزْرَعَةٌ أَكْرَيْتُهَا   1417 - 1384 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَقُلْتُ لَهُ أَرَأَيْتَ) أَخْبِرْنِي (الْحَدِيثَ الَّذِي يُذْكَرُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» كَأَنَّهُ فَهِمَهُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ (فَقَالَ) سَالِمٌ: (أَكْثَرَ رَافِعٌ) أَيْ أَتَى بِكَثِيرٍ مُوهَمٍ لِغَيْرِ الْمُرَادِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ إِخْبَارُ رَافِعٍ بِجَوَازِهِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ (وَلَوْ كَانَتْ لِي مَزْرَعَةٌ) أَرْضٌ تُزْرَعُ (أَكْرَيْتُهَا) بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: " أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ عَمَّيْهِ وَكَانَا شَهِدَا بَدْرًا أَخْبَرَاهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» ، قُلْتُ لِسَالِمٍ: فَتُكْرِيهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ رَافِعًا أَكْثَرَ عَلَى نَفْسِهِ " وَفِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ: " أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يُكْرِي أَرْضَهُ حَتَّى بَلَغَهُ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ فَلَقِيَهُ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّيَّ وَكَانَا قَدْ شَهِدَا بَدْرًا يُحَدِّثَانِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ» ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُكْرَى حَتَّى خَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ فَتَرَكَ كِرَاءَ الْأَرْضِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانُ وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ حُدِّثَ عَنْ رَافِعٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» ، فَذَهَبَ إِلَى رَافِعٍ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا بِمَا عَلَى الْأَرْبِعَاءِ وَبِشَيْءٍ مِنَ التِّبْنِ، وَالْأَرْبِعَاءُ بِالْمَدِّ جَمْعُ رَبِيعٍ وَهُوَ النَّهَرُ الصَّغِيرُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى رَافِعٍ إِطْلَاقَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الْكِرَاءُ الْفَاسِدُ الَّذِي كَانُوا يَكْرَهُونَهُ بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الْأَرْبِعَاءِ وَبَعْضِ التِّبْنِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ مَعَ أَنَّهُ مُخَابَرَةٌ لَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَنَحْوِهِمَا، وَتَرَكَ ابْنُ عُمَرَ الْكِرَاءَ تَوَرُّعًا، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ حَتَّى خَشِيَ. . . . . إِلَخْ. وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ عِلَّةُ النَّهْيِ لِاشْتِرَاطِهِمْ نَاحِيَةً مِنْهَا أَوْ لِاشْتِرَاطِهِمْ مَا زُرِعَ عَلَى الْجَدَاوِلِ وَالسَّوَاقِي، أَوْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَهَا عَلَى الْجَزَاءِ أَوْ بِالطَّعَامِ وَالْأَوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ، أَوْ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ كَمَا جَاءَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: " يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، أَنَا وَاللَّهِ كُنْتُ أَعْلَمَ مِنْهُ بِالْحَدِيثِ، إِنَّمَا جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِ اقْتَتَلَا، فَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ، فَسَمِعَ قَوْلَهُ «لَا الحديث: 1417 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 تُكْرُوا الْمَزَارِعَ» " أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ، فَكَأَنَّ نَهْيَهُ تَأْدِيبٌ أَوْ لِلرِّفْقِ وَالْمُوَاسَاةِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْهَ عَنْهُ» . وَفِي التِّرْمِذِيِّ لَمْ يُحَرِّمِ الْمُزَارَعَةَ وَلَكِنْ قَالَ: " «أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا» ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَكَارَى أَرْضًا فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدَيْهِ بِكِرَاءٍ حَتَّى مَاتَ قَالَ ابْنُهُ فَمَا كُنْتُ أُرَاهَا إِلَّا لَنَا مِنْ طُولِ مَا مَكَثَتْ فِي يَدَيْهِ حَتَّى ذَكَرَهَا لَنَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَمَرَنَا بِقَضَاءِ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ كِرَائِهَا ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ   1417 - 1385 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَكَارَى أَرْضًا فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدَيْهِ بِكِرَاءٍ حَتَّى مَاتَ، قَالَ ابْنُهُ) أَبُو سَلَمَةَ أَوْ حُمَيْدٌ (فَمَا كُنْتُ أُرَاهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَظُنُّهَا (إِلَّا) مَمْلُوكَةً (لَنَا مِنْ طُولِ مَا مَكَثَتْ فِي يَدَيْهِ حَتَّى ذَكَرَهَا لَنَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَمَرَ بِقَضَاءِ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ كِرَائِهَا ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُكْرِي أَرْضَهُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَكْرَى مَزْرَعَتَهُ بِمِائَةِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَكَرِهَ ذَلِكَ   1419 - 1386 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُكْرِي أَرْضَهُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ) وَالْقَصْدُ بِهَذَا وَمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى تَخْصِيصِ حَدِيثِ النَّهْيِ. (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَكْرَى مَزْرَعَتَهُ بِمِائَةِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنَ الْحِنْطَةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) وَهُوَ مِمَّا تُنْبِتُهُ أَوْ مِنَ الطَّعَامِ كَلَبَنٍ وَعَسَلٍ (فَكَرِهَ ذَلِكَ) كَرَاهَةَ مَنْعٍ حَمْلًا لِأَحَادِيثِ الْمَنْعِ عَلَى ذَلِكَ؛ إِلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا يَطُولُ مَقَامُهُ فِيهَا، قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ لِأَبِيهِ: لِمَ جَازَ كِرَاؤُهَا بِالْخَشَبِ وَالْحَطَبِ وَالْعُودِ وَالصَّنْدَلِ وَالْجُذُوعِ وَكُلِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِمَّا يَطُولُ مُكْثُهَا وَوَقْتُهَا فَلِذَا سُهِّلَ فِيهَا. الحديث: 1419 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 [كِتَاب الشُّفْعَةِ] [باب مَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الشُّفْعَةِ بَاب مَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ بَيْنَهُمْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ» قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 35 - كِتَابُ الشُّفْعَةِ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ غَيْرُ السُّكُونِ وَهِيَ لُغَةُ الضَّمِّ عَلَى الْأَشْهَرِ مِنْ شَفَعْتُ الشَّيْءَ ضَمَمْتُهُ، فَهُوَ ضَمُّ نَصِيبٍ إِلَى نَصِيبٍ، وَمِنْهُ شُفِعَ الْأَذَانُ، وَقِيلَ مِنَ الشَّفْعِ ضِدُّ الْوَتْرِ، لِأَنَّهُ ضَمُّ نَصِيبِ شَرِيكِهِ إِلَى نَصِيبِهِ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ، وَقِيلَ مِنَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ إِلَى مَالِهِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النساء: 85] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةَ 85) أَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ يَزِدْ عَمَلًا صَالِحًا إِلَى عَمَلِهِ، وَقِيلَ: مِنَ الشَّفَاعَةِ لِأَنَّهُ يَتَشَفَّعُ بِنَصِيبِهِ إِلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا بَاعَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ أَتَى الْمُجَاوِرُ شَافِعًا إِلَى الْمُشْتَرِي لِيُولِيَهُ مَا اشْتَرَاهُ وَهَذَا أَظْهَرُ، وَشَرْعًا: اسْتِحْقَاقُ شَرِيكٍ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ بِثَمَنٍ. 1 - بَابُ مَا يَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَا مَرَّةٍ أَنَّ الْإِمَامَ تَارَةً يُقَدِّمُ الْبَسْمَلَةَ عَلَى (كِتَابُ) وَتَارَةً يُؤَخِّرُهَا عَنْهُ تَفَنُّنًا. 1420 - 1387 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بْنِ حَزَنٍ الْمَخْزُومِيِّ (وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مُرْسَلٌ عَنْ مَالِكٍ لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِمْ، وَوَصَلَهُ عَنْهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي قَتِيلَةَ وَابْنُ وَهْبٍ بِخُلْفٍ عَنْهُ، فَقَالُوا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ قُتَيْبَةَ وَصَلَهُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَا اخْتَلَفَ فِيهِ رُوَاةُ ابْنِ شِهَابٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْهُ عَنْ سَعِيدٍ وَحْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُونُسُ عَنْهُ عَنْ سَعِيدٍ وَحْدَهُ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ الحديث: 1420 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ أَحْمَدُ: رِوَايَةُ مَعْمَرٍ حَسَنَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: رِوَايَةُ مَالِكٍ أَحَبُّ إِلَيَّ وَأَصَحُّ، يَعْنِي مُرْسَلًا عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، وَأَسْنَدَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا فِي التَّمْهِيدِ ثُمَّ قَالَ: كَانَ ابْنُ شِهَابٍ أَكْثَرَ النَّاسِ بَحْثًا عَنْ هَذَا الشَّأْنِ، فَرُبَّمَا احْتَجَّ لَهُ فِي الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ فَحَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَنْ أَحَدِهِمْ بِقَدْرِ نَشَاطِهِ حِينَ تَحْدِيثِهِ، وَرُبَّمَا أَدْخَلَ حَدِيثَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ كَمَا صَنَعَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ وَغَيْرِهِ، وَرُبَّمَا كَسُلَ فَأَرْسَلَ، وَرُبَّمَا انْشَرَحَ فَوَصَلَ، فَلِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا اهـ. وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي مَالِكٍ وَرِوَايَةِ مَعْمَرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالشُّفْعَةِ) بَيْنَ الشُّرَكَاءِ (فِيمَا) أَيْ فِي كُلِّ مُشْتَرَكٍ مُشَاعٍ قَابِلٍ لِلْقِسْمَةِ (لَمْ يُقْسَمْ) بِالْفِعْلِ (بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ) جَمْعُ حَدٍّ، وَهُوَ هُنَا مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الْأَمْلَاكُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَأَصْلُ الْحَدِّ الْمَنْعُ، فَتَحْدِيدُ الشَّيْءِ بِمَنْعِ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ وَبِمَنْعِ دُخُولِهِ فِيهِ، زَادَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مُخَفَّفَةً وَمُثْقَلَةً أَيْ بُيِّنَتْ مَصَارِفُهَا وَشَوَارِعُهَا (بَيْنَهُمْ) أَيِ الشُّرَكَاءِ (فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا مَحِلَّ لَهَا بَعْدَ تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَتْ غَيْرَ مُشَاعَةٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الْمُشَاعِ، وَصَدْرُهُ يُشْعِرُ بِثُبُوتِهَا فِي الْمَنْقُولَاتِ، وَسِيَاقُهُ يُشْعِرُ بِاخْتِصَاصِهَا بِالْعَقَارِ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا، وَالْمُرَادُ الْعَقَارُ الْمُحْتَمِلُ لِلْقِسْمَةِ، فَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ بِقَسْمِهِ تَبْطُلُ مَنْفَعَتُهُ. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ بِالشُّفْعَةِ احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ أَمْ لَا. وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» " وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنْ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ، إِلَّا أَنَّ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَشَذَّ عَطَاءٌ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ فَقَالَ: فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الثَّوْبِ، وَنَقَلَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الْعَقَارِ لِحَدِيثِ الْبَابِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ: " «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكٍ لَمْ يُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» " وَالرَّبْعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ تَأْنِيثُ الرَّبْعِ وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَالْحَائِطُ وَالْبُسْتَانُ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ؛ لِأَنَّهُ حَصَرَ الشُّفْعَةَ فِيمَا لَا يُقْسَمُ، فَمَا قُسِمَ لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَقَدْ صَارَ جَارًا، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورَ، وَأَثْبَتَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لِلْجَارِ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ لَكَانَ قَوِيًّا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ ضَمَّ إِلَيْهِ قَوْلَهُ " وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ " فَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ بِهَا الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْقَسْمِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْمُرَادُ صَرْفُ الطُّرُقِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْجَارُ، وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي أَيِّ التَّأْوِيلَيْنِ أَظْهَرُ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ: " «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا، وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 حُجَّةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِتَحْوِيزِهِ وَصِلَتِهِ وَهُوَ أَوْلَى، إِذْ حَمْلُهُ عَلَى الشُّفْعَةِ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْجَارَ أَحَقُّ مِنَ الشَّرِيكِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَالصَّقَبُ بِفَتْحَتَيْنِ وَصَادٍ أَوْ سِينٍ، أَيْ بِسَبَبِ قُرْبِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا: " «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدَارِ الْجَارِ» " وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَا هُوَ أَحَقُّ هَلْ بِالشُّفْعَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ وُجُوهِ الرِّفْقِ وَالْمَعْرُوفِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ بِالْجَارِ الشَّرِيكَ وَالْمَخَالِطَ كَمَا قَالَ الْأَعْشَى يُخَاطِبُ زَوْجَتَهُ: أَجَارَتَنَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقُ. فَسَمَّاهَا جَارَةً لِأَنَّهَا مُخَالِطَةٌ، وَأَقْوَى حُجَجِهِمْ حَدِيثُ أَصْحَابِ السُّنَنِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يَنْتَظِرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» ، فَإِنَّهُ بَيَّنَ بِمَا يَكُونُ أَحَقَّ، وَنَبَّهَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الطَّرِيقِ، لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ، وَبِالْجُمْلَةِ فَأَحَادِيثُ الشُّفْعَةِ لَيْسَ فِيهَا مَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ أَوْ نَصٌّ فِي نَفْيِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ بِخِلَافِ تِلْكَ، فَيَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالَاتُ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ. . . . إِلَخْ مُدْرَجٌ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَلَامٌ تَامٌّ، وَالثَّانِيَ مُسْتَقِلٌّ، وَلَوْ كَانَ الثَّانِي مَرْفُوعًا لَقِيلَ: وَقَالَ وَإِذَا وَقَعَتْ. . . . . إِلَخْ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْإِدْرَاجَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ الْعَقْلِيِّ وَالتَّشَهِّي، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِدْرَاجُ بِدَلِيلٍ كَمَجِيءِ رِوَايَةٍ مَبْنِيَّةٍ لِلْقَدْرِ الْمُدْرَجِ، أَوِ اسْتِحَالَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهُ، وَقَدْ قَوَّى حَدِيثَنَا إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ (كَمَا قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا) وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ فَالْحُجَّةُ فِيمَا عَمِلَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 قَالَ مَالِكٌ إِنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ الشُّفْعَةِ هَلْ فِيهَا مِنْ سُنَّةٍ فَقَالَ نَعَمْ الشُّفْعَةُ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَلَا تَكُونُ إِلَّا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ   1420 - 1388 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنِ الشُّفْعَةِ هَلْ فِيهَا مِنْ سُنَّةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، الشُّفْعَةُ) ثَابِتَةٌ (فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ، وَلَا تَكُونُ إِلَّا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ) لَا بِالْجِوَارِ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تَثْبُتِ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ إِذَا قَسَمَ وَضَرَبَ الْحُدُودَ فَالْجَارُ الْمُلَاصِقُ الَّذِي لَمْ يَقْسِمْ وَلَا ضَرَبَ الْحُدُودَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا مَعَ قَوْمٍ فِي أَرْضٍ بِحَيَوَانٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ فَجَاءَ الشَّرِيكُ يَأْخُذُ بِشُفْعَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَجَدَ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ قَدْ هَلَكَا وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ قَدْرَ قِيمَتِهِمَا فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ الْوَلِيدَةِ مِائَةُ دِينَارٍ وَيَقُولُ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ الشَّرِيكُ بَلْ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّ قِيمَةَ مَا اشْتَرَى بِهِ مِائَةُ دِينَارٍ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ أَخَذَ أَوْ يَتْرُكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ الشَّفِيعُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ أَوْ الْوَلِيدَةِ دُونَ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي قَالَ مَالِكٌ مَنْ وَهَبَ شِقْصًا فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَأَثَابَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِهَا نَقْدًا أَوْ عَرْضًا فَإِنَّ الشُّرَكَاءَ يَأْخُذُونَهَا بِالشُّفْعَةِ إِنْ شَاءُوا وَيَدْفَعُونَ إِلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ قِيمَةَ مَثُوبَتِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ قَالَ مَالِكٌ مَنْ وَهَبَ هِبَةً فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلَمْ يُثَبْ مِنْهَا وَلَمْ يَطْلُبْهَا فَأَرَادَ شَرِيكُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا فَإِنْ أُثِيبَ فَهُوَ لِلشَّفِيعِ بِقِيمَةِ الثَّوَابِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا فِي أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ فَأَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ مَلِيًّا فَلَهُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِذَا جَاءَهُمْ بِحَمِيلٍ مَلِيٍّ ثِقَةٍ مِثْلِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الشِّقْصَ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ فَذَلِكَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ لَا تَقْطَعُ شُفْعَةَ الْغَائِبِ غَيْبَتُهُ وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ وَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا حَدٌّ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الشُّفْعَةُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُوَرِّثُ الْأَرْضَ نَفَرًا مِنْ وَلَدِهِ ثُمَّ يُولَدُ لِأَحَدِ النَّفَرِ ثُمَّ يَهْلِكُ الْأَبُ فَيَبِيعُ أَحَدُ وَلَدِ الْمَيِّتِ حَقَّهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ فَإِنَّ أَخَا الْبَائِعِ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ مِنْ عُمُومَتِهِ شُرَكَاءِ أَبِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ الشُّفْعَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ يَأْخُذُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ إِنْ كَانَ قَلِيلًا فَقَلِيلًا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَبِقَدْرِهِ وَذَلِكَ إِنْ تَشَاحُّوا فِيهَا قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَائِهِ حَقَّهُ فَيَقُولُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنَا آخُذُ مِنْ الشُّفْعَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِي وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي إِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْخُذَ الشُّفْعَةَ كُلَّهَا أَسْلَمْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَدَعَ فَدَعْ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا خَيَّرَهُ فِي هَذَا وَأَسْلَمَهُ إِلَيْهِ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ الشُّفْعَةَ كُلَّهَا أَوْ يُسْلِمَهَا إِلَيْهِ فَإِنْ أَخَذَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْأَرْضَ فَيَعْمُرُهَا بِالْأَصْلِ يَضَعُهُ فِيهَا أَوْ الْبِئْرِ يَحْفِرُهَا ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا فَيُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ إِنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا إِلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا عَمَرَ فَإِنْ أَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا عَمَرَ كَانَ أَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ مَنْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الشُّفْعَةِ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ اسْتَقَالَ الْمُشْتَرِيَ فَأَقَالَهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَالشَّفِيعُ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي كَانَ بَاعَهَا بِهِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ وَحَيَوَانًا وَعُرُوضًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فِي الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي خُذْ مَا اشْتَرَيْتُ جَمِيعًا فَإِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ جَمِيعًا قَالَ مَالِكٌ بَلْ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فِي الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ بِحِصَّتِهَا مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ يُقَامُ كُلُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَتِهِ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ بِالَّذِي يُصِيبُهَا مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ رَأْسِ الثَّمَنِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَسَلَّمَ بَعْضُ مَنْ لَهُ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِلْبَائِعِ وَأَبَى بَعْضُهُمْ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ بِشُفْعَتِهِ إِنَّ مَنْ أَبَى أَنْ يُسَلِّمَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ كُلِّهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَيَتْرُكَ مَا بَقِيَ قَالَ مَالِكٌ فِي نَفَرٍ شُرَكَاءَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ وَشُرَكَاؤُهُ غُيَّبٌ كُلُّهُمْ إِلَّا رَجُلًا فَعُرِضَ عَلَى الْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكَ فَقَالَ أَنَا آخُذُ بِحِصَّتِي وَأَتْرُكُ حِصَصَ شُرَكَائِي حَتَّى يَقْدَمُوا فَإِنْ أَخَذُوا فَذَلِكَ وَإِنْ تَرَكُوا أَخَذْتُ جَمِيعَ الشُّفْعَةِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يَتْرُكَ فَإِنْ جَاءَ شُرَكَاؤُهُ أَخَذُوا مِنْهُ أَوْ تَرَكُوا إِنْ شَاءُوا فَإِذَا عُرِضَ هَذَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَلَا أَرَى لَهُ شُفْعَةً   1420 - 1389 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلَ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 (قَالَ مَالِكٌ: رَجُلٌ اشْتَرَى شِقْصًا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ: قِطْعَةً (مَعَ قَوْمٍ فِي أَرْضٍ بِحَيَوَانٍ) مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَى (عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ) أَيْ أَمَةٍ، بَدَلٌ مِنْ حَيَوَانٍ (أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ فَجَاءَ الشَّرِيكُ يَأْخُذُ بِشُفْعَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَجَدَ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ قَدْ هَلَكَا وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ قَدْرَ قِيمَتِهِمَا، فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوِ الْوَلِيدَةِ مِائَةُ دِينَارٍ، وَيَقُولُ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ الشَّرِيكُ: قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا، قَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّ قِيمَةَ مَا اشْتَرَى بِهِ مِائَةُ دِينَارٍ ثُمَّ) بَعْدَ حَلِفِهِ (إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ) بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي (أَخَذَ أَوْ يَتْرُكَ؛ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ الشَّفِيعُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ أَوِ الْوَلِيدَةِ دُونَ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي) فَيَأْخُذُهُ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ ; لِأَنَّ الشَّفِيعَ طَالِبٌ آخِذٌ، وَالْمُشْتَرِيَ مَطْلُوبٌ مَأْخُوذٌ، فَوَجَبَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعَى عَلَيْهِ وَالشَّفِيعُ مُدَّعٍ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ، وَإِلَّا عَمِلَ بِهَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (وَمَنْ وَهَبَ شِقْصًا فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَأَثَابَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِهَا نَقْدًا أَوْ عَرْضًا فَإِنَّ الشُّرَكَاءَ يَأْخُذُونَهَا بِالشُّفْعَةِ إِنْ شَاءُوا وَيَدْفَعُونَ إِلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ قِيمَةَ مَثُوبَتِهِ) أَيْ مَا أَثَابَ بِهِ (دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ) وَإِنْ شَاءُوا سَلَّمُوا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ. (وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلَمْ يُثَبْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (مِنْهَا) أَيْ بَدَلَهَا (وَلَمْ يَطْلُبْهَا فَأَرَادَ شَرِيكُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ مَا) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِهِ (لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا، فَإِنْ أُثِيبَ فَهُوَ لِلشَّفِيعِ بِقِيمَةِ الثَّوَابِ) الَّذِي حَصَلَ إِنْ عَلِمَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ حَلَفَ كَمَا فَوْقَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 (وَفِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا فِي أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ فَأَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَهَا قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ مَلِيًّا فَلَهُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ) لِأَنَّهُ عَدِيمٌ. (فَإِنْ جَاءَهُمْ بِحَمِيلٍ) ضَامِنٍ (مَلِيءٍ) غَنِيٍّ (ثِقَةٍ مِثْلَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الشِّقْصَ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ فَذَلِكَ لَهُ) وَإِلَّا فَلَا شُفْعَةَ. (وَلَا تَقْطَعُ شُفْعَةَ الْغَائِبِ غَيْبَتُهُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ (وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا حَدٌّ تُقْطَعُ) إِذَا انْتَهَى (إِلَيْهِ الشُّفْعَةُ) لِعُذْرِهِ بِالْغَيْبَةِ فَحَقُّهُ بَاقٍ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ حَاضِرًا فَهَلْ حَقُّهُ بَاقٍ مُطْلَقًا حَتَّى يُصَرِّحَ بِالْإِسْقَاطِ؟ وَهُوَ قَوْلٌ لِمَالِكٍ، قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ، فَلَا يُبْطِلُهُ سُكُوتُهُ أَوْ لَا شُفْعَةَ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ، رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَبَالَغَ فِيهِ حَتَّى قَالَ: إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ السَّنَةِ فَلَا شُفْعَةَ، لَكِنِ الْمُعْتَمَدُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَا قَارَبَهَا لَهُ حُكْمُهَا، وَفِيهِ أَنَّهُ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعٌ، خِلَافٌ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُورِثُ الْأَرْضَ نَفَرًا مِنْ وَلَدِهِ ثُمَّ يُولَدُ لِأَحَدِ النَّفَرِ) أَوْلَادٌ (ثُمَّ يَهْلَكُ الْأَبُ) الَّذِي وَلَدَ (فَيَبِيعُ أَحَدُ وَلَدِ الْمَيِّتِ حَقَّهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ فَإِنَّ أَخَا الْبَائِعِ) الَّذِي هُوَ وَلَدُ الْمَيِّتِ (أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ مِنْ عُمُومَتِهِ شُرَكَاءِ أَبِيهِ) لِأَنَّهُ شَرِيكٌ لِأَخِيهِ دُونَ عُمُومَتِهِ (وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ. (وَالشُّفْعَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ، يَأْخُذُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرٍ نَصِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَقَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَبِقَدْرِهِ وَذَلِكَ إِذَا تَشَاحُّوا فِيهَا) فَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمُ النِّصْفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 وَآخَرُ الثُّلُثُ وَآخُرُ السُّدُسُ فَبَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَيِ النِّصْفِ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ ثُلُثُهُ، فَيَصِيرُ لَهُ ثُلُثُ الدَّارِ، وَلِذَلِكَ ثُلُثَاهَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ. (فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَائِهِ حَقَّهُ) نَصِيبَهُ فِي الْمَكَانِ (فَيَقُولُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ: أَنَا آخُذُ مِنَ الشُّفْعَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِي، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْخُذَ الشُّفْعَةَ كُلَّهَا أَسْلَمْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَدَعَ) تَتْرُكَ (فَدَعْ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا خَيَّرَهُ فِي هَذَا وَأَسْلَمَهُ إِلَيْهِ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ الشُّفْعَةَ كُلَّهَا أَوْ يُسْلِمَهَا إِلَيْهِ، فَإِنْ أَخَذَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِتَضَرُّرِ الْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِ مَا اشْتَرَى. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْأَرْضَ فَيَعْمُرُهَا) بِضَمِّ الْمِيمِ (بِالْأَصْلِ يَضَعُهُ فِيهَا أَوِ الْبِئْرَ يَحْفِرُهَا) بِكَسْرِ الْفَاءِ (ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا فَيُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ: إِنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا؛ إِلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا عَمَرَ، فَإِنْ أَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا عَمَرَ) قَائِمَةً (كَانَ أَحَقَّ بِشُفْعَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا) بَلْ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ فِعْلٌ بِوَجْهٍ جَائِزٍ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ. (وَمَنْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الشُّفْعَةِ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ اسْتَقَالَ الْمُشْتَرِي) طَلَبَ مِنْهُ الْإِقَالَةَ (فَأَقَالَهُ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَالشَّفِيعُ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي كَانَ بَاعَهَا بِهِ) إِنْ شَاءَ (وَمَنِ اشْتَرَى شِقْصًا فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ وَحَيَوَانًا وَعُرُوضًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 563 فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فِي الْأَرْضِ أَوِ الدَّارِ) أَوْ فِيهِمَا (فَقَالَ الْمُشْتَرِي: خُذْ مَا اشْتَرَيْتُ جَمِيعًا فَإِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ جَمِيعًا) فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. (قَالَ مَالِكٌ: بَلْ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فِي الْأَرْضِ أَوِ الدَّارِ) أَوْ فِيهِمَا (بِحِصَّتِهَا مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ) وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ (يُقَامُ) أَيْ يَقُومُ (كُلُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ عَلَى حِدَّتِهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ: مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ (عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ بِالَّذِي يُصِيبُهَا مِنَ الْقِيمَةِ مِنْ رَأْسِ الثَّمَنِ وَلَا يَأْخُذُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ شَيْئًا) إِذْ لَا شُفْعَةَ فِيهَا (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ) فَيَأْخُذُ لَا بِالشُّفْعَةِ، إِذْ لَا شُفْعَةَ فِي حَيَوَانٍ وَعَرْضٍ بَلْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَرَادَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ. (وَمَنْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَسَلَّمَ بَعْضُ مَنْ لَهُ فِيهَا الشُّفْعَةَ لِلْبَائِعِ وَأَبَى بَعْضُهُمْ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ بِشُفْعَتِهِ إِنَّ مَنْ أَبَى أَنْ يُسَلِّمَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ كُلَّهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَيَتْرُكَ مَا بَقِيَ) لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ. (وَفِي نَفَرٍ شُرَكَاءَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ وَشُرَكَاؤُهُ غُيَّبٌ) جَمْعَ غَائِبٍ (كُلُّهُمْ إِلَّا رَجُلًا فَعَرَضَ عَلَى الْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكَ فَقَالَ: أَنَا آخُذُ بِحِصَّتِي وَأَتْرُكُ حِصَصَ شُرَكَائِي حَتَّى يَقْدَمُوا، فَإِنْ أَخَذُوا فَذَلِكَ وَإِنْ تَرَكُوا أَخَذْتُ جَمِيعَ الشُّفْعَةِ، قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يَتْرُكَ، فَإِنْ جَاءَ شُرَكَاؤُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 أَخَذُوا مِنْهُ أَوْ تَرَكُوا) إِنْ شَاءُوا (فَإِذَا عَرَضَ هَذَا) التَّخْيِيرَ (عَلَيْهِ) أَيِ الرَّجُلِ الْحَاضِرِ (فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَلَا أَرَى لَهُ شُفْعَةً) فَإِنْ قَبِلَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 [باب مَا لَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ إِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فِي الْأَرْضِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا وَلَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا فِي فَحْلِ النَّخْلِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا شُفْعَةَ فِي طَرِيقٍ صَلُحَ الْقَسْمُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَصْلُحْ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي عَرْصَةِ دَارٍ صَلُحَ الْقَسْمُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَصْلُحْ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ عَلَى أَنَّهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ فَأَرَادَ شُرَكَاءُ الْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذُوا مَا بَاعَ شَرِيكُهُمْ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْمُشْتَرِي إِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي وَيَثْبُتَ لَهُ الْبَيْعُ فَإِذَا وَجَبَ لَهُ الْبَيْعُ فَلَهُمْ الشُّفْعَةُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي أَرْضًا فَتَمْكُثُ فِي يَدَيْهِ حِينًا ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا بِمِيرَاثٍ إِنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ إِنْ ثَبَتَ حَقُّهُ وَإِنَّ مَا أَغَلَّتْ الْأَرْضُ مِنْ غَلَّةٍ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إِلَى يَوْمِ يَثْبُتُ حَقُّ الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ضَمِنَهَا لَوْ هَلَكَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ غِرَاسٍ أَوْ ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ قَالَ فَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ هَلَكَ الشُّهُودُ أَوْ مَاتَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ هُمَا حَيَّانِ فَنُسِيَ أَصْلُ الْبَيْعِ وَالِاشْتِرَاءِ لِطُولِ الزَّمَانِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَنْقَطِعُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فِي حَدَاثَةِ الْعَهْدِ وَقُرْبِهِ وَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْبَائِعَ غَيَّبَ الثَّمَنَ وَأَخْفَاهُ لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ حَقَّ صَاحِبِ الشُّفْعَةِ قُوِّمَتْ الْأَرْضُ عَلَى قَدْرِ مَا يُرَى أَنَّهُ ثَمَنُهَا فَيَصِيرُ ثَمَنُهَا إِلَى ذَلِكَ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى مَا زَادَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ أَوْ عِمَارَةٍ فَيَكُونُ عَلَى مَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَنْ ابْتَاعَ الْأَرْضَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ بَنَى فِيهَا وَغَرَسَ ثُمَّ أَخَذَهَا صَاحِبُ الشُّفْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَمَا هِيَ فِي مَالِ الْحَيِّ فَإِنْ خَشِيَ أَهْلُ الْمَيِّتِ أَنْ يَنْكَسِرَ مَالُ الْمَيِّتِ قَسَمُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهِ شُفْعَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَا شُفْعَةَ عِنْدَنَا فِي عَبْدٍ وَلَا وَلِيدَةٍ وَلَا بَعِيرٍ وَلَا بَقَرَةٍ وَلَا شَاةٍ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَلَا فِي ثَوْبٍ وَلَا فِي بِئْرٍ لَيْسَ لَهَا بَيَاضٌ إِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا يَصْلُحُ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ وَتَقَعُ فِيهِ الْحُدُودُ مِنْ الْأَرْضِ فَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ فِيهِ الْقَسْمُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا شُفْعَةٌ لِنَاسٍ حُضُورٍ فَلْيَرْفَعْهُمْ إِلَى السُّلْطَانِ فَإِمَّا أَنْ يَسْتَحِقُّوا وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ السُّلْطَانُ فَإِنْ تَرَكَهُمْ فَلَمْ يَرْفَعْ أَمْرَهُمْ إِلَى السُّلْطَانِ وَقَدْ عَلِمُوا بِاشْتِرَائِهِ فَتَرَكُوا ذَلِكَ حَتَّى طَالَ زَمَانُهُ ثُمَّ جَاءُوا يَطْلُبُونَ شُفْعَتَهُمْ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُمْ   2 - بَابُ مَا لَا يَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ 1423 - 1390 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، صَدُوقٌ (عَنْ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو (بْنِ حَزْمٍ) فَنَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ الْأَعْلَى لِشُهْرَتِهِ بِهِ (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) ذُو النُّورَيْنِ (قَالَ: «إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ فِي الْأَرْضِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا» ) بِنَصِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا فِي فَحْلِ النَّخْلِ) كَمَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ. (قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (وَلَا شُفْعَةَ فِي طَرِيقٍ صَلُحَ الْقَسْمُ فِيهَا) أَيِ الطَّرِيقِ، لِأَنَّهُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (أَوْ لَمْ يَصْلُحْ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِمَا قَدْ قُسِمَ (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي عَرْصَةِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ سَاحَةِ (دَارٍ) قُسِمَتْ بُيُوتُهَا (صَلُحَ الْقَسْمُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَصْلُحْ) لِأَنَّهَا تَبَعٌ. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا) قِطْعَةً (مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ عَلَى أَنَّهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ فَأَرَادَ شُرَكَاءُ الْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذُوا مَا بَاعَ شَرِيكُهُمْ قَبْلَ الْمُشْتَرِي إِنَّ ذَلِكَ لَا الحديث: 1423 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 يَكُونُ حَتَّى يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي وَيَثْبُتَ لَهُ الْبَيْعُ، فَإِذَا وَجَبَ) أَيْ ثَبَتَ (لَهُ الْبَيْعُ فَلَهُمُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُنْحَلٌّ فَلَا تَثْبُتُ شُفْعَةٌ حَتَّى يَلْزَمَ. (وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي أَرْضًا فَتَمْكُثُ فِي يَدَيْهِ حِينًا) زَمَانًا (ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا بِمِيرَاثٍ: إِنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ إِنْ ثَبَتَ حَقُّهُ، وَإِنَّ مَا أَغَلَّتِ الْأَرْضُ مِنْ غَلَّةٍ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إِلَى يَوْمِ يَثْبُتُ حَقُّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ضَمِنَهَا لَوْ هَلَكَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ غِرَاسٍ أَوْ ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ) مَطَرٌ شَدِيدٌ، وَمَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَهُ الْغَلَّةُ (فَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ هَلَكَ) مَاتَ (الشُّهُودُ أَوْ مَاتَ الْبَائِعُ أَوِ الْمُشْتَرِي أَوْ هُمَا حَيَّانِ فَنُسِيَ أَصْلُ الْبَيْعِ وَالِاشْتِرَاءِ لِطُولِ الزَّمَانِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَنْقَطِعُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فِي حَدَاثَةِ) قُرْبِ (الْعَهْدِ وَقُرْبِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِحَدَاثَةٍ (وَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْبَائِعَ غَيَّبَ) بِالتَّثْقِيلِ (الثَّمَنَ وَأَخْفَاهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ حَقَّ صَاحِبِ الشُّفْعَةِ قُوِّمَتِ الْأَرْضُ عَلَى قَدْرِ مَا يُرَى أَنَّهُ ثَمَنُهَا؛ فَيَصِيرُ ثَمَنُهَا إِلَى ذَلِكَ) أَيْ مَا قُوِّمَتْ بِهِ (ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى مَا زَادَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ) بِالْكَسْرِ فِعَالٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلَ كِتَابٍ وَبِسَاطٍ وَمِهَادٍ بِمَعْنَى مَبْسُوطٍ وَمَكْتُوبٍ وَمَمْهُودٍ (أَوْ عِمَارَةٍ فَتَكُونُ عَلَى مَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَنِ ابْتَاعَ) اشْتَرَى الْأَرْضَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ بَنَى فِيهَا وَغَرَسَ ثُمَّ أَخَذَهَا صَاحِبُ الشُّفْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ يَكُونُ لَهُ حُكْمُهُ. (وَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَمَا هِيَ) ثَابِتَةٌ (فِي مَالِ الْحَيِّ، فَإِنْ خَشِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 أَهْلُ الْمَيِّتِ أَنْ يَنْكَسِرَ مَالُ الْمَيِّتِ قَسَّمُوهُ وَبَاعُوهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهِ شُفْعَةٌ. وَلَا شُفْعَةَ عِنْدِنَا فِي عَبْدٍ وَلَا وَلِيدَةٍ وَلَا بَعِيرٍ وَلَا بَقَرَةٍ وَلَا شَاةٍ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ) كَفَرَسٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ (وَلَا ثَوْبٍ وَلَا بِئْرٍ لَيْسَ لَهَا بَيَاضٌ) لِأَنَّ أُصُولَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَشْهَدُ أَنْ لَا يَحِلُّ إِخْرَاجُ مِلْكٍ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ مِلْكًا صَحِيحًا إِلَّا بِحُجَّةٍ لَا مُعَارِضَ لَهَا، وَالْمُشْتَرِي ذَلِكَ شِرَاءً صَحِيحًا قَدْ مَلَكَهُ، فَكَيْفَ يُؤْخَذُ عَنْهُ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ! (إِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَنْقَسِمَ) بِأَنْ يَقْبَلَ الْقِسْمَةَ (وَتَقَعَ فِيهِ الْحُدُودُ مِنَ الْأَرْضِ، فَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ فِيهِ الْقَسْمُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ) اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ فَلَا يُتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ. (وَمَنِ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا شُفْعَةٌ لِنَاسٍ حُضُورٍ فَلْيَرْفَعْهُمْ إِلَى السُّلْطَانِ فَإِمَّا أَنْ يَسْتَحِقُّوا) أَنْ يَأْخُذُوا بِاسْتِحْقَاقِهِمُ الشُّفْعَةَ (وَإِمَّا أَنْ) يَتْرُكُوا فَحِينَئِذٍ (يُسَلِّمَ لَهُ السُّلْطَانُ) مَا اشْتَرَى. (فَإِنْ تَرَكَهُمْ فَلَمْ يَرْفَعْ أَمْرَهُمْ إِلَى السُّلْطَانِ وَقَدْ عَلِمُوا بِاشْتِرَائِهِ فَتَرَكُوا ذَلِكَ حَتَّى طَالَ زَمَانُهُ ثُمَّ جَاءُوا يَطْلُبُونَ شُفْعَتَهُمْ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُمْ) وَالطُّولُ بِسَنَةٍ وَمَا قَارَبَهَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي أَنَّهُ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعٌ خِلَافٌ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 [كِتَاب الْأَقْضِيَةِ] [باب التَّرْغِيبِ فِي الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْأَقْضِيَةِ بَاب التَّرْغِيبِ فِي الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ»   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 36 - كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ 1 - بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ 1424 - 1391 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ (عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ الصَّحَابِيِّ (عَنْ) أُمِّهَا (أُمِّ سَلَمَةَ) هِنْدِ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ (زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي إِسْنَادِهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ. وَفِي أُخْرَى: جَلَبَةَ خِصَامٍ، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَالْمُوَحَّدَةِ، اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْهَا قَالَتْ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوَارِيثَ لَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ إِلَّا دَعْوَاهُمَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ) بِفَتْحَتَيْنِ، الْخَلْقُ، يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مُشَارِكٌ لَهُمْ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَوْ زَادَ عَلَيْهِمْ بِالْمَزَايَا الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا فِي ذَاتِهِ، وَالْحَصْرُ مَجَازِيٌّ لِأَنَّهُ حَصْرٌ خَاصٌّ، أَيْ بِاعْتِبَارِ عِلْمِ الْبَوَاطِنِ وَيُسَمَّى عِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ: قَصْرُ قَلْبٍ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ كَانَ رَسُولًا يَعْلَمُ كُلَّ غَيْبٍ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْمَظْلُومُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْوَضْعَ الْبَشَرِيَّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُدْرِكَ مِنَ الْأُمُورِ إِلَّا ظَوَاهِرَهَا، فَإِنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَسْلَمُ مِنْ قَضَايَا تَحْجُبُهُ عَنْ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ، فَإِذَا تُرِكَ عَلَى مَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَضَايَا الْبَشَرِيَّةِ وَلَمْ يُؤَيَّدْ بِالْوَحْيِ السَّمَاوِيِّ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يَطْرَأُ عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ: مِثْلُكُمْ (وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ) الحديث: 1424 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 فِيمَا بَيْنَكُمْ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَحْكُمَ إِلَّا هُوَ أَوْ مَنْ قَدَّمَهُ لِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 65) الْآيَةَ، وَقَالَ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 49) الْآيَةَ. وَقَالَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [النساء: 105] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 105) الْآيَةَ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. ثُمَّ تَرُدُّونَهُ إِلَيَّ، وَلَا أَعْلَمُ بَاطِنَ الْأَمْرِ (فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ أَبْلَغَ وَأَعْلَمَ (بِحُجَّتِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " أَبْلَغَ " وَهُوَ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مِنَ اللَّحَنِ، بِفَتْحِ الْحَاءِ، الْفِطْنَةِ، أَيْ أَبْلَغَ وَأَفْصَحَ، وَأَعْلَمَ بِتَقْرِيرِ مَقْصُودِهِ، وَأَعْلَمَ بِبَيَانِ دَلِيلِهِ، وَأَقْدَرَ عَلَى الْبَرْهَنَةِ عَلَى دَفْعِ دَعْوَى خَصْمِهِ بِحَيْثُ يُظَنُّ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ وَهُوَ كَاذِبٌ. هَذَا مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّحْنِ، بِسُكُونِ الْحَاءِ، وَهُوَ الصَّرْفُ عَنِ الصَّوَابِ، أَيْ يَكُونُ أَعْجَزَ عَنِ الْإِعْرَابِ بِالْحُجَّةِ، وَضَعْفُهُ لَا يَخْفَى، وَجُمْلَةُ " أَنْ يَكُونَ " خَبَرُ " لَعَلَّ " مِنْ قَبِيلِ رَجُلٍ عَدْلٍ، أَيْ كَائِنٍ، أَوْ " أَنْ " زَائِدَةٌ، أَوِ الْمُضَافُ مَحْذُوفٌ، أَيْ لَعَلَّ وَصْفَ بَعْضِكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ (مِنْ بَعْضٍ) فَيَغْلِبُ خَصْمَهُ وَهُوَ كَاذِبٌ. وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: فَأَحْسَبُ أَنَّهُ صَدَقَ (فَأَقْضِيَ) فَأَحْكُمُ (لَهُ) أَيْ لِلَّذِي غَلَبَ بِحُجَّتِهِ عَلَى خَصْمِهِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى قَوْلِهِ فِي الِاسْتِذْكَارِ " فَأَقْضِيَ لَهُ "، أَيْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّ الْحَقَّ لِخَصْمِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَفْطِنْ لِحُجَّتِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُعَارَضَتِهِ. (وَإِنَّمَا أَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ) لِبِنَاءِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الظَّاهِرِ. وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى نَحْوٍ، بِالتَّنْوِينِ، مِمَّا أَسْمَعُ (مِنْهُ) وَمِنْ فِي (مِمَّا) بِمَعْنَى لِأَجْلِ أَوْ بِمَعْنَى عَلَى، أَيْ أَقْضِي عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ كَلَامِهِ، وَتَمَسَّكَ بِهِ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ لِإِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بِمَا سَمِعَ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى نَحْوِ مَا عَلِمْتُ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ: (وَفَصْلَ الْخِطَابِ) إِنَّهُ الْبَيِّنَةُ أَوِ الْإِقْرَارُ، وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ التُّهْمَةُ، وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا جَهْمٍ عَلَى صَدَقَةٍ، فَلَاحَاهُ رَجُلٌ فِي فَرِيضَةٍ، فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ شِجَاجٌ، فَأَتَوْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ فَأَعْطَاهُمُ الْأَرْشَ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي خَاطِبٌ النَّاسَ وَمُخْبِرُهُمْ أَنَّكُمْ رَضِيتُمْ، أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَقَالَ: أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: لَا، فَهَمَّ بِهِمُ الْمُهَاجِرُونَ، فَنَزَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ صَعَدَ فَقَالَ: أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ» ". فَهَذَا بَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُمْ بِمَا عَلِمَ مِنْ رِضَاهُمُ الْأَوَّلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ قَاطِعٌ بِصِحَّةِ مَا يَقْضِي بِهِ إِذَا حَقَّقَ عِلْمَهُ، وَلَيْسَتِ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ كَذَلِكَ ; إِذْ لَعَلَّهَا كَاذِبَةٌ أَوْ وَاهِمَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي الْمَالِ فَقَطْ دُونَ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 يُجَرِّحُ وَيُعَدِّلُ بِعِلْمِهِ. (فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ) بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ. وَفِي رِوَايَةٍ: بِحَقِّ مُسْلِمٍ، وَذَكَرَهُ لِيَكُونَ أَهْوَلَ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ لِأَنَّ وَعِيدَ غَيْرِهِ مَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ، فَذَكَرَ الْمُسْلِمَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ فِي حَقِّهِ أَشَدُّ وَإِنْ كَانَ الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ كَذَلِكَ. (فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) أَيْ مَآلُهُ إِلَى النَّارِ، فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي حُصُولِ النَّارِ لَهُ، فَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 10) قَالَ السُّبْكِيُّ: هَذِهِ قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ لَا تَسْتَدْعِي وُجُودَهَا، بَلْ مَعْنَاهَا بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزُ الْوُقُوعِ، قَالَ: وَلَمْ يَثْبُتْ لَنَا قَطُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِحُكْمٍ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ، لَا بِسَبَبِ تَبَيُّنِ حُجَّةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا، وَقَدْ صَانَ اللَّهُ أَحْكَامَ نَبِيِّهِ عَنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَحْذُورٌ. وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ لِلتَّخَيُّرِ بَلْ لِلتَّهْدِيدِ كَقَوْلِهِ: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] (سورة الْكَهْفِ: الْآيَةُ 29) وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: هُوَ خِطَابٌ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ هَلْ هُوَ مُحِقٌّ أَوْ مُبْطِلٌ؟ فَإِنْ كَانَ مُحِقًّا فَلْيَأْخُذْ وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا فَلْيَتْرُكْ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَنْقُلُ الْأَصْلَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ لِمَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْجُمْهُورِ: أَنَّ الْحُكْمَ فِي مَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ وَلَا عَكْسُهُ، فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ فَحَكَمَ بِهِ الْقَاضِي لِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ الْمَالُ، وَإِنْ شَهِدَا بِقَتْلٍ لَمْ يَحِلَّ لِلْوَلِيِّ قَتْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَحِلَّ لِمَنْ عَلِمَ كَذِبَهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُحِلُّ الْحَرَامَ فِي الْعُقُودِ كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ، فَإِذَا ادَّعَتِ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَأَقَامَتْ شَاهِدَيْ زُورٍ، حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَادَّعَاهُ الرَّجُلُ وَهِيَ تَجْحَدُ أَوْ تَعَمَّدَ رَجُلَانِ شَهَادَةَ الزُّورِ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَيَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ تَزَوُّجُهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِ وَأَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يُطَلِّقْهَا ; لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَمَّا أَحَلَّهَا لِلْأَزْوَاجِ إِجْمَاعًا كَانَ الشُّهُودُ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءً وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا خِلَافُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحِ، فَمِنْ حَقِّ الرَّجُلِ عِصْمَةُ زَوْجَتِهِ الَّتِي لَمْ يُطَلِّقْهَا، وَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ مِنْ قَبْلِهِ، وَمُخَالِفٌ لِقَاعِدَةٍ اتَّفَقَ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَيْهَا وَهِيَ أَنَّ الْأَبْضَاعَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنَ الْأَمْوَالِ. هَذَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مُلَخِّصًا لِكَلَامِ مَنْ تَقَدَّمَهُ كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَاجِيِّ وَعِيَاضٍ وَغَيْرِهِمْ: مَعْنَى الْحَدِيثِ التَّنْبِيهُ عَلَى حَالَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَأَنَّ الْبَشَرَ لَا يَعْلَمُونَ مِنَ الْغَيْبِ وَبَوَاطِنِ الْأَمْرِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُطْلِعَهُمُ اللَّهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ فِي أُمُورِ الْأَحْكَامِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الظَّاهِرِ مَعَ إِمْكَانِ أَنَّهُ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا كُلِّفَ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَطْلَعَهُ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِ الْخَصْمَيْنِ فَحَكَمَ فِيهِ بِيَقِينِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى شَهَادَةٍ أَوْ يَمِينٍ، وَلَكِنْ لَمَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 أَمَرَ اللَّهُ أُمَّتَهُ بِاتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِأَقْوَالِهِ وَأَحْكَامِهِ أَجْرَى لَهُ حُكْمَهُمْ فِي عَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَاطِنِ الْأُمُورِ لِيَكُونَ حُكْمُ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ حُكْمَهُ، فَأَجْرَى اللَّهُ أَحْكَامَهُ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ لِيَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَتَطِيبَ نُفُوسُ الْعِبَادِ لِلِانْقِيَادِ لِلْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْبَاطِنِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمٌ فِي الظَّاهِرِ مُخَالِفٌ لِلْبَاطِنِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقَرُّ عَلَى خَطَأٍ فِي الْأَحْكَامِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَقَاعِدَةِ الْأُصُولِيِّينَ ; لِأَنَّ مُرَادَهُمْ فِيمَا حَكَمَ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِ، أَمَّا إِذَا حَكَمَ فِيمَا خَالَفَ ظَاهِرُهُ بَاطِنَهُ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى الْحُكْمُ خَطَأً، بَلِ الْحُكْمُ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى مَا اسْتَقَرَّ بِهِ التَّكْلِيفُ وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِشَاهِدَيْنِ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَا شَاهِدَيْ زُورٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالتَّقْصِيرُ مِنْهُمَا وَمِمَّنْ سَاعَدَهُمَا، وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَلَا حِيلَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا عَتْبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَخْطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي حَكَمَ بِهِ لَيْسَ هُوَ حُكْمَ الشَّرْعِ. اهـ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: قَدْ أَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ عَلَى بَوَاطِنِ كُلِّ مَنْ يَتَخَاصَمُ إِلَيْهِ فَيَحْكُمُ بِخَفِيِّ ذَلِكَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مُعْجِزَاتِهِ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ ذَلِكَ طَرِيقًا عَامًّا وَلَا قَاعِدَةً كُلِّيَّةً لِلْأَنْبِيَاءِ وَلَا غَيْرِهِمْ لِاسْتِمْرَارِ الْعَادَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ لَهُمْ وَإِنْ وَقَعَ فَنَادِرٌ، وَتِلْكَ سُنَّةُ اللَّهِ {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62] . فَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْبَاطِنِ أَيْضًا وَأَنْ يَقْتُلَ بِعِلْمِهِ، وَأَجْمَعْتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتُلَ بِعِلْمِهِ إِلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَقَدْ شَاهَدْتُ بَعْضَ الْمُخَرِّفِينَ وَسَمِعْتُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يُعْرِضُونَ عَنِ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَحْكُمُونَ بِالْخَوَاطِرِ الْقَلْبِيَّةِ وَيَقُولُونَ: الشَّاهِدُ الْمُتَّصِلُ بِي أَعْدَلُ مِنَ الشَّاهِدِ الْمُنْفَصِلِ عَنِّي، وَهَذِهِ مَخْرَقَةٌ أَبْرَزَتْهَا زَنْدَقَةٌ يُقْتَلُ صَاحِبُهَا قَطْعًا، وَهَذَا خَيْرُ الْبَشَرِ يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ: " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ " مُعْتَرِفًا بِالْقُصُورِ عَنْ إِدْرَاكِ الْمُغَيَّبَاتِ وَعَامِلًا بِمَا نَصَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنِ اعْتِبَارِ الْأَيْمَانِ وَالْبَيِّنَاتِ. اهـ. وَقَدْ زَادَ فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْهَا: " «فَبَكَى الرَّجُلَانِ وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: حَقِّي لَكَ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا إِذْ فَعَلْتُمَا فَاقْتَسِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسَتَهِمَا ثُمَّ تَحَالَلَا وَتَوَخَّيَا» "، أَيِ اقْصِدَا الْحَقَّ فِي الْقِسْمَةِ ثُمَّ اسْتَهِمَا، أَيِ اقْتَرِعَا لِيَظْهَرَ سَهْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا. وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا سَبَقَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ وَفِي الْأَحْكَامِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَوَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ هِشَامٍ، وَتَابَعَهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ فَقَضَى لَهُ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ ثُمَّ قَالَ وَمَا يُدْرِيكَ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ إِنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إِلَّا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ   1425 - 1392 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحديث: 1425 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 الْمُسَيَّبِ) بْنِ حَزْنٍ الْقُرَشِيِّ الْمَخْزُومِيِّ التَّابِعِيِّ، ابْنِ الصَّحَابِيِّ، حَفِيدِ الصَّحَابِيِّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيُّ) لَمْ يُسَمَّيَا (فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ فَقَضَى لَهُ) لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ (فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) لِأَنَّهُ كَرِهَ مَدْحَهُ لَهُ فِي وَجْهِهِ (بِالدِّرَّةِ) بِكَسْرِ الدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ، آلَةٌ يُضْرَبُ بِهَا (ثُمَّ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إِنَّا نَجِدُ) فِي الْكُتُبِ (أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إِلَّا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ) وَهُمَا جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ (يُسَدِّدَانِهِ) بِسِينٍ وَدَالَيْنِ مُهْمَلَاتٍ (وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا) إِلَى السَّمَاءِ (وَتَرَكَاهُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِجَوَابٍ لِقَوْلِهِ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ وَلَكِنْ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ عُمَرَ كَرِهَ مَدْحَهُ لَهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَجِدُ فِي كُتُبِهِ مَا ذَكَرَ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: " وَاللَّهِ إِنَّ الْمَلَكَيْنِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ لَيَتَكَلَّمَانِ بِلِسَانِكَ، وَإِنَّهُمَا عَنْ يَمِينِكَ وَشِمَالِكَ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: لَا أُمَّ لَكَ وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُمَا مَعَ كُلِّ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا أَرَاكَ إِلَّا أَبْعَدْتَ ". وَفِيهِ كَرَاهَةُ الْمَدْحِ فِي الْوَجْهِ وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي تَأْدِيبِ فَاعِلِهِ، وَأَنَّ الرَّاضِيَ بِهِ ضَعِيفُ الرَّأْيِ. " «وَسَمِعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَمْدَحُ رَجُلًا فَقَالَ: أَمَا لَوْ أَسْمَعْتَهُ لَقَطَعْتَ ظَهْرَهُ» ". وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْمَدْحُ فِي الْوَجْهِ هُوَ الذَّبْحُ» ". وَصَحَّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «احْثُوا فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ» ". وَهَذَا عِنْدَهُمْ فِي الْمُوَاجَهَةِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَرْفُوعًا: " مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 [باب مَا جَاءَ فِي الشَّهَادَاتِ] حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا أَوْ يُخْبِرُ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا»   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّهَادَاتِ جَمْعُ شَهَادَةٍ، وَهِيَ مَصْدَرُ شَهِدَ يَشْهَدُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشَّهَادَةُ خَبَرٌ قَاطِعٌ، وَالْمُشَاهَدَةُ الْمُعَايَنَةُ، مَأْخُوذَةٌ مِنَ الشُّهُودِ، أَيِ الْحُضُورِ ; لِأَنَّ الشَّاهِدَ مُشَاهِدٌ لِمَا غَابَ عَنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْإِعْلَامِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 1426 - 1393 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ سَاكِنَةٍ، الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي بَكْرٍ، اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ، وَقِيلَ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، ثِقَةٌ عَابِدٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ عُثْمَانَ) الْأُمَوِيِّ، يُلَقَّبُ الْمِطْرَافَ، بِسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، ثِقَةٌ، شَرِيفٌ، تَابِعِيٌّ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ. (عَنْ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى وَيَحْيَى بْنُ بَكِيرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ وَسَمَّيَاهُ فَقَالَا: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، فَرَفَعَا الْإِشْكَالَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا مِنْ خِيَارِ التَّابِعِينَ. اهـ. وَمَا صَوَّبَهُ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ عَنْ مَالِكٍ كَمَا فِي الْإِصَابَةِ، وَلَيْسَ اسْمُ أَبِي عَمْرَةَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَمَا زَعَمَ بَعْضٌ، إِنَّمَا هُوَ اسْمُ ابْنِهِ، وَأَمَّا أَبُوهُ فَقِيلَ اسْمُهُ بِشْرٌ وَقِيلَ بَشِيرٌ وَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ ثَعْلَبَةُ، صَحَابِيٌّ شَهِدَ بَدْرًا وَغَيْرَهَا، كَمَا بَسَطَهُ فِي الْإِصَابَةِ. فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ يَكُونُ فِي الْإِسْنَادِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَقَلِّ فَإِنَّمَا فِيهِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ وَصَحَابِيٌّ عَنْ صَحَابِيٍّ وَهُمَا أَبُو عَمْرَةَ (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ، الْمَدَنِيِّ الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ، مَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَخِفَّةِ اللَّامِ، حَرْفُ افْتِتَاحٍ مَعْنَاهُ التَّنْبِيهُ، فَيَدُلُّ عَلَى تَحْقِيقِ مَا بَعْدَهُ وَتَوْكِيدِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: صَدَّرَ الْجُمْلَةَ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ طَلَائِعِ الْقَسَمِ إِيذَانًا بِعِظَمِ الْمُحَدَّثِ بِهِ (أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ) جَمْعُ شَهِيدٍ، قَالُوا: أَخْبِرْنَا (الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (أَوْ: يُخْبِرُ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا) شَكَّ الرَّاوِي، أَوْ لَيْسَ بِشَكٍّ وَإِنَّمَا هُوَ تَنْوِيعٌ، أَيْ يَأْتِي الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا فِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ الْمُسْتَدَامِ تَحْرِيمُهُ كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَوَقْفٍ، أَوْ يُخْبِرُ بِهَا رَجُلًا لَا يَعْلَمُهَا وَهَذَا يُومِي إِلَيْهِ كَلَامُ الْبَاجِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: تَفْسِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فِي الْحَقِّ لِرَجُلٍ لَا يَعْلَمُهَا فَيُخْبِرُهُ بِشَهَادَتِهِ وَيَرْفَعُهَا إِلَى السُّلْطَانِ. زَادَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا الَّذِي لَهُ الشَّهَادَةُ، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا نَسِيَ شَاهِدَهُ فَظَلَّ مَغْمُومًا لَا يَدْرِي مَنْ هُوَ، فَإِذَا أَخْبَرَهُ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ فَرَّجَ كَرْبَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَنْ الحديث: 1426 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» ". وَلَا يُعَارِضُ هَذَا حَدِيثَ: " «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يُعْطُونَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا» ". لِأَنَّ النَّخَعِيَّ قَالَ: مَعْنَى الشَّهَادَةِ هُنَا الْيَمِينُ، أَيْ يَحْلِفُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ، وَالْيَمِينُ قَدْ تُسَمَّى شَهَادَةً، قَالَ تَعَالَى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] (سورة النُّورِ: الْآيَةُ 6) . اهـ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ تَأْوِيلَانِ أَصَحُّهُمَا حَمْلُهُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِإِنْسَانٍ بِحَقٍّ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ شَاهَدٌ فَيَأْتِي إِلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ بِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ وُجُوبًا لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ عِنْدَهُ. وَالثَّانِي: حَمْلُهُ عَلَى شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ فِي غَيْرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ، فَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَفْعُهُ إِلَى الْقَاضِي وَإِعْلَامُهُ بِهِ وَالشَّهَادَةُ بِهِ وَالشَّهَادَةُ. وَحَكَى ثَالِثٌ أَنَّهُ مَجَازٌ وَمُبَالَغَةٌ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ طَلَبِهَا لَا قَبْلَهُ كَمَا يُقَالُ: الْجَوَادُ يُعْطِي قَبْلَ السُّؤَالِ، أَيْ يُعْطِي سَرِيعًا عَقِبَ السُّؤَالِ بِلَا تَوَقُّفٍ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُنَاقَضَةٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي ذَمِّ مَنْ يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ ". لِحَمْلِهِ عَلَى مَنْ مَعَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ عَالِمٍ بِهَا فَيَشْهَدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَوْ عَلَى مَنْ يَنْتَصِبُ شَاهِدًا وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، أَوْ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لِقَوْمٍ بِالْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ. اهـ. وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّ الذَّمَّ وَرَدَ فِي الشَّهَادَةِ بِدُونِ اسْتِشْهَادٍ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْمَغِيبِ مَذْمُومَةٌ هَبْهَا بِاسْتِشْهَادٍ أَوْ دُونِهِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ لَقَدْ جِئْتُكَ لِأَمْرٍ مَا لَهُ رَأْسٌ وَلَا ذَنَبٌ فَقَالَ عُمَرُ مَا هُوَ قَالَ شَهَادَاتُ الزُّورِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِنَا فَقَالَ عُمَرُ أَوَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ   1427 - 1394 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فَرُّوخَ الْمَدَنِيِّ، مُنْقَطِعٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْمَسْعُودِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ الْمَسْعُودِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ عَابِدٌ، رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْأَرْبَعَةُ (قَالَ: قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ) لَمْ يُسَمَّ (فَقَالَ: لَقَدْ جِئْتُكَ لِأَمْرٍ مَا لَهُ رَأْسٌ وَلَا ذَنَبٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ وَلَا آخِرٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: هَذَا جَيْشٌ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ. يُرِيدُونَ لِكَثْرَتِهِ، وَقَدْ تَقُولُ ذَلِكَ فِي الْأَمْرِ الْمُبْهَمِ لَا يُعْرَفُ وَجْهُهُ وَلَا يُهْتَدَى لِإِصْلَاحِهِ. (فَقَالَ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ (مَا هُوَ؟) الْأَمْرُ (فَقَالَ: شَهَادَاتُ الزُّورِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِنَا) الْعِرَاقِ. (فَقَالَ عُمَرُ: أَوَقَدْ كَانَ ذَلِكَ؟) يَدُلُّ الحديث: 1427 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عِلْمُهُ بِهِ لِأَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ عُدُولٌ بِتَعْدِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] (سورة آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 110) ، وَقَوْلِهِ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29] (سورة الْفَتْحِ: الْآيَةُ 29) الْآيَةَ. (قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ) أَيْ لَا يُحْبَسُ، وَالْأَسْرُ الْحَبْسُ، أَوْ لَا يَمْلِكُ مَلِكٌ الْأَسِيرَ ; لِإِقَامَةِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ إِلَّا بِالصَّحَابَةِ الَّذِينَ جَمِيعُهُمْ عُدُولٌ، وَبِالْعُدُولِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ صَحَابِيًّا وَلَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ حَتَّى تُعْرَفَ عَدَالَتُهُ مِنْ فِسْقِهِ. اهـ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ رَجَعَ عَمَّا كَتَبَ بِهِ إِلَى أَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِ مِنْ عُمَّالِهِ: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا خَصْمًا أَوْ ظَنِينًا مُتَّهَمًا. أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ   1427 - 1395 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَقَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مِنْ رِوَايَةِ الْحِجَازِيِّينَ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ) فِي أَمْرٍ جَسِيمٍ، مِثْلُهُ يُورِثُ الْعَدَاوَةَ عَلَى خَصْمِهِ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ وَفِي غَيْرِهِ، فَإِنْ خَاصَمَ فِي يَسِيرٍ كَثَوْبٍ قَلِيلِ الثَّمَنِ، وَمَا لَا يُوجِبُ عَدَاوَةً، جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ مَا خَاصَمَهُ فِيهِ، قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ وَهْبٍ: الْخَصْمُ هُنَا الْوَكِيلُ عَلَى خُصُومَتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا يُخَاصِمُ فِيهِ، وَالْوَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَلَا ظَنِينَ، بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ مُتَّهَمٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 [باب الْقَضَاءِ فِي شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ] قَالَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ جُلِدَ الْحَدَّ أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَقَالُوا نَعَمْ إِذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ التَّوْبَةُ   3 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ 1427 - 1396 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الْمَدَنِيِّ الْفَقِيهِ (وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ سُئِلُوا عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 رَجُلٍ جُلِدَ) ضُرِبَ (الْحَدَّ: أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ التَّوْبَةُ) فِي غَيْرِ مَا حُدَّ فِيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 4] قَالَ مَالِكٌ فَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الَّذِي يُجْلَدُ الْحَدَّ ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ   1427 - 1397 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ. وَعَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِعُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ وَابْنِ قُسَيْطٍ، وَرِوَايَةٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَقَالَ: وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقٍ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ. (وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْعَفِيفَاتِ بِالزِّنَى (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) عَلَى زِنَاهِنَّ بِرُؤْيَتِهِنَّ (فَاجْلِدُوهُمْ) ، أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً) فِي شَيْءٍ (أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) لِإِتْيَانِهِمْ كَبِيرَةً {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [آل عمران: 89] عَمَلَهُمْ {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} [البقرة: 192] لَهُمْ قَذْفَهُمْ (رَحِيمٌ) بِهِمْ بِإِلْهَامِهِمُ التَّوْبَةَ، فَبِهَا يَنْتَهِي فِسْقُهُمْ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالثَّوْرِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ أَبَدًا تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ، وَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 192] (سورة النُّورِ: الْآيَةُ 5) قَالُوا: فَتَوْبَتُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ. (قَالَ مَالِكٌ: فَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الَّذِي يُجْلَدُ الْحَدَّ ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ عَمَلَهُ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ) فِي غَيْرِ مَا حُدَّ فِيهِ (وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَتَخْصِيصُ الِاسْتِثْنَاءِ بِصِلَةِ الْأَخِيرَةِ لَا يَنْهَضُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 [باب الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ»   4 - بَابُ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ 1428 - 1398 - (مَالِكٌ، عَن جَعْفَرِ) الصَّادِقِ (ابْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مُرْسَلٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَوَصَلَهُ عَنْ مَالِكٍ جَمَاعَةٌ فَقَالُوا: عَنْ جَابِرٍ. مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ خَالِدٍ الْعُثْمَانِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْكُوفِيُّ، وَأَسْنَدَهُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ جَمَاعَةٌ حُفَّاظٌ، وَخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَكُلُّهَا مُتَوَاتِرَةٌ، وَقَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: لَا يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُفْسَخُ الْقَضَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَهَذَا جَهْلٌ وَعِنَادٌ وَكَيْفَ يَكُونُ خِلَافُهُ وَهُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ كَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَعَلَى خَالَتِهَا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) وَكَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَتَحْرِيمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، مَعَ قَوْلِهِ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] (سورة الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 145) الْآيَةَ، فَكَذَلِكَ مَا قَضَى بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى الْقَضَاءِ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَضَوْا بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنِ الْيَمِينِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ، وَبِمَعَاقِدِ الْقَمْطِ وَنَصْبِ اللَّبِنِ وَالْجُذُوعِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْحِيطَانِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ أَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالسُّنَّةِ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا جُعِلَتْ لِلنَّفْيِ لَا لِلْإِثْبَاتِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي عَلِمْنَا مِنْهُ أَنَّهَا لِلنَّفْيِ هُوَ الَّذِي عَلِمْنَا مِنْهُ الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. اهـ مُلَخَّصًا. وَالْمُرَادُ بِالْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 282) قَالَ الْحَافِظُ: وَإِنَّمَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ بِهِ عَلَى أَصْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ الْخَبَرَ إِذَا تَضَمَّنَ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، هَلْ يَكُونُ نَسْخًا وَالسُّنَّةُ لَا تَنْسَخُ الْقُرْآنَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، أَوْ لَا يَكُونُ نَسْخًا بَلْ زِيَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِحُكْمٍ مُسْتَقِلٍّ إِذَا ثَبَتَ سَنَدُهُ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَهْلُ الْحِجَازِ، وَمَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ لَا تَنْهَضُ الْحُجَّةُ بِالْآيَةِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُعَارِضَةً لِلنَّصِّ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِهِ، الحديث: 1428 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 وَأَجَابَ عَنْهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ النَّصِّ عَلَى الشَّيْءِ نَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ. وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: الزِّيَادَةُ عَلَى الْقُرْآنِ نَسْخٌ، وَأَخْبَارُ الْآحَادِ لَا تَنْسَخُ الْمُتَوَاتِرَ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ زِيَادَةُ الْآحَادِ إِذَا كَانَ الْخَبَرُ بِهَا مَشْهُورًا - رُدَّ بِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ وَلَا رَفْعَ هُنَا، وَبِأَنَّ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَهَذَا غَيْرُ مُحَقَّقٍ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ، غَايَتُهُ أَنَّ تَسْمِيَةَ الزِّيَادَةِ كَالتَّخْصِيصِ نَسْخًا، اصْطِلَاحٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ، لَكِنَّ تَخْصِيصَهُ بِهَا جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ كَقَوْلِهِ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْعَمَّةِ مَعَ بِنْتِ أَخِيهَا، وَسَنَدُ الْإِجْمَاعِ السُّنَّةُ، وَكَذَا قَطْعُ رِجْلِ السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. قَدْ أَخَذَ مَنْ رَدَّ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِكَوْنِهِ زِيَادَةً عَلَى الْقُرْآنِ بِأَحَادِيثٍ كَثِيرَةٍ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ، كُلُّهَا زِيَادَةٌ عَمَّا فِي الْقُرْآنِ كَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَمِنَ الْقَهْقَهَةِ وَمِنَ الْقَيْءِ، وَكَذَا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فِي الْغُسْلِ دُونَ الْوُضُوءِ، وَاسْتِبْرَاءُ الْمَسْبِيَّةِ، وَتَرْكُ قَطْعِ سَارِقِ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، وَشَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْوِلَادَةِ، وَلَا قَوْدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ وَلَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، وَلَا تُقْطَعُ الْأَيْدِيَ فِي الْغَزْوِ، وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَلَا يُؤْكَلُ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ، وَيَحْرُمُ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ، وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ، وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ مِنَ الْقَتِيلِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الزِّيَادَةَ عَلَى عُمُومِ الْكِتَابِ. وَأَجَابُوا بِأَنَّهَا أَحَادِيثُ شَهِيرَةٌ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا لِشُهْرَتِهَا، فَيُقَالُ لَهُمْ: وَحَدِيثُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ جَاءَ مَنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ، بَلْ ثَبَتَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْن عَبَّاسٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ» ". وَقَالَ فِي التَّمْيِيزِ، أَيْ قَالَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ التَّمْيِيزِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا يُرْتَابُ فِي صِحَّتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا مَطْعَنَ لِأَحَدٍ فِي صِحَّتِهِ وَلَا إِسْنَادِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: إِنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ لَا تُعْرَفُ لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فَلَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ لِأَنَّهُمَا تَابِعِيَّانِ ثِقَتَانِ مَكِّيَّانِ، وَقَدْ سَمِعَ قَيْسٌ مِنْ أَقْدَمَ مِنْ عَمْرٍو، وَبِمِثْلِ هَذَا لَا تُرَدُّ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ. وَمِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» ". أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَرِجَالُهُ مَدَنِيُّونَ ثِقَاتٌ. وَمِنْهَا: حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو عُوَانَةَ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي الْبَابِ عَنْ نَحْوِ عِشْرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهَا الْحِسَانُ وَالضِّعَافُ، وَبِدُونِ ذَلِكَ تَثْبُتُ الشُّهْرَةُ، وَدَعْوَى نَسْخِهِ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ، يَعْنِي وَالْمُخَالِفُ لِذَلِكَ لَا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ فَضْلًا عَنْ مَفْهُومِ الْعَدَدِ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 وَعَنْ مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَامِلٌ عَلَى الْكُوفَةِ أَنْ اقْضِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ   1429 - 1399 الحديث: 1429 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ) الْإِمَامِ الْعَادِلِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: كَانَ صَالِحًا فَلَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ ازْدَادَ صَلَاحًا وَخَيْرًا (كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ) الْعَدَوِيِّ أَبِي عُمَرَ الْمَدَنِيِّ، تَابِعِيٍّ صَغِيرٍ ثِقَةٍ، مَاتَ بِحَرَّانَ فِي زَمَنِ هِشَامٍ (وَهُوَ عَامِلٌ) أَمِيرٌ (عَلَى الْكُوفَةِ) مِنْ جِهَتِهِ (أَنِ اقْضِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ) عَمَلًا بِالْحَدِيثِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا هَلْ يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَقَالَا نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْحَقِّ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ أُحْلِفَ الْمَطْلُوبُ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْحَقُّ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً وَلَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَلَا فِي نِكَاحٍ وَلَا فِي طَلَاقٍ وَلَا فِي عَتَاقَةٍ وَلَا فِي سَرِقَةٍ وَلَا فِي فِرْيَةٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ الْعَتَاقَةَ مِنْ الْأَمْوَالِ فَقَدْ أَخْطَأَ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ لَحَلَفَ الْعَبْدُ مَعَ شَاهِدِهِ إِذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ وَأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى مَالٍ مِنْ الْأَمْوَالِ ادَّعَاهُ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّ حَقَّهُ كَمَا يَحْلِفُ الْحُرُّ قَالَ مَالِكٌ فَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى عَتَاقَتِهِ اسْتُحْلِفَ سَيِّدُهُ مَا أَعْتَقَهُ وَبَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الطَّلَاقِ إِذَا جَاءَتْ الْمَرْأَةُ بِشَاهِدٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أُحْلِفَ زَوْجُهَا مَا طَلَّقَهَا فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ قَالَ مَالِكٌ فَسُنَّةُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقَةِ فِي الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَاحِدَةٌ إِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى زَوْجِ الْمَرْأَةِ وَعَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا الْعَتَاقَةُ حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ لَا تَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ إِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ وَوَقَعَتْ لَهُ الْحُدُودُ وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ رُجِمَ وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدَ قُتِلَ بِهِ وَثَبَتَ لَهُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُوَارِثُهُ فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ فَقَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَجَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ سَيِّدَ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَشَهِدَ لَهُ عَلَى حَقِّهِ ذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُثْبِتُ الْحَقَّ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ حَتَّى تُرَدَّ بِهِ عَتَاقَتُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ مَالٌ غَيْرُ الْعَبْدِ يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْعَتَاقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى مَا قَالَ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَعْتِقُ عَبْدَهُ ثُمَّ يَأْتِي طَالِبُ الْحَقِّ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ ثُمَّ يَسْتَحِقُّ حَقَّهُ وَتُرَدُّ بِذَلِكَ عَتَاقَةُ الْعَبْدِ أَوْ يَأْتِي الرَّجُلُ قَدْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِ الْعَبْدِ مُخَالَطَةٌ وَمُلَابَسَةٌ فَيَزْعُمُ أَنَّ لَهُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ مَالًا فَيُقَالُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ احْلِفْ مَا عَلَيْكَ مَا ادَّعَى فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ حُلِّفَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ يَرُدُّ عَتَاقَةَ الْعَبْدِ إِذَا ثَبَتَ الْمَالُ عَلَى سَيِّدِهِ قَالَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا الرَّجُلُ يَنْكِحُ الْأَمَةَ فَتَكُونُ امْرَأَتَهُ فَيَأْتِي سَيِّدُ الْأَمَةِ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فَيَقُولُ ابْتَعْتَ مِنِّي جَارِيَتِي فُلَانَةَ أَنْتَ وَفُلَانٌ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا فَيُنْكِرُ ذَلِكَ زَوْجُ الْأَمَةِ فَيَأْتِي سَيِّدُ الْأَمَةِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَيَشْهَدُونَ عَلَى مَا قَالَ فَيَثْبُتُ بَيْعُهُ وَيَحِقُّ حَقُّهُ وَتَحْرُمُ الْأَمَةُ عَلَى زَوْجِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ فِرَاقًا بَيْنَهُمَا وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ فِي الطَّلَاقِ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الرَّجُلُ يَفْتَرِي عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ فَيَقَعُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَيَأْتِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَيَشْهَدُونَ أَنَّ الَّذِي افْتُرِيَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ فَيَضَعُ ذَلِكَ الْحَدَّ عَنْ الْمُفْتَرِي بَعْدَ أَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ فِي الْفِرْيَةِ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَمَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ فَيَجِبُ بِذَلِكَ مِيرَاثُهُ حَتَّى يَرِثَ وَيَكُونُ مَالُهُ لِمَنْ يَرِثُهُ إِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ شَهِدَتَا رَجُلٌ وَلَا يَمِينٌ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالرِّبَاعِ وَالْحَوَائِطِ وَالرَّقِيقِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَوْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ عَلَى دِرْهَمٍ وَاحِدٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَقْطَعْ شَهَادَتُهُمَا شَيْئًا وَلَمْ تَجُزْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا شَاهِدٌ أَوْ يَمِينٌ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا تَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَوْلُهُ الْحَقُّ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] يَقُولُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا يُحَلَّفُ مَعَ شَاهِدِهِ قَالَ مَالِكٌ فَمِنْ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا أَلَيْسَ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ مَا ذَلِكَ الْحَقُّ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حُلِّفَ صَاحِبُ الْحَقِّ إِنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَهَذَا مَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَلَا بِبَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَخَذَ هَذَا أَوْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدَهُ فَإِنْ أَقَرَّ بِهَذَا فَلْيُقْرِرْ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُ لَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ وَلَكِنْ الْمَرْءُ قَدْ يُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ وَمَوْقِعَ الْحُجَّةِ فَفِي هَذَا بَيَانُ مَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى   1429 - 1400 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ (وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا: هَلْ يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ؟ فَقَالَا: نَعَمْ) وَالْقَصْدُ بِهَذَا وَسَابِقِهِ بَعْدَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ اتِّصَالُ الْعَمَلِ بِهِ فَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ دَعْوَى النَّسْخِ. (قَالَ مَالِكٌ: مَضَتِ السُّنَّةُ فِي الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْحَقِّ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ، فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ أُحْلِفَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ (الْمَطْلُوبُ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْحَقُّ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ) بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ. (وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً) بِإِجْمَاعِ الْقَائِلِينَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَجَزَمَ بِهِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ رَاوِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (وَلَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحُدُودِ) فَلَا تَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ. (وَلَا فِي نِكَاحٍ) فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ وَلَا يَحْلِفُ إِذَا قَامَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ بِهِ. (وَلَا فِي طَلَاقٍ، وَلَا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 عَتَاقَةٍ) وَإِنْ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ لِرَدِّ شَاهِدَيْهِمَا. (وَلَا فِي سَرِقَةٍ، وَلَا فِي فَرِيَّةٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَشَدِّ الْيَاءِ، كَذَا ضُبِطَ بِالْقَلَمِ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ، وَالَّذِي فِي اللُّغَةِ: الْفِرْيَةُ، بِالْكَسْرِ وَالسُّكُونِ، الْكَذِبُ. (فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ الْعَتَاقَةَ مِنَ الْأَمْوَالِ) فَتَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (فَقَدْ أَخْطَأَ) لِأَنَّهُ (لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ لَحَلَفَ الْعَبْدُ مَعَ شَاهِدِهِ إِذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ أَنَّ سَيَّدَهُ أَعْتَقَهُ) مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ السَّيِّدُ كَمَا يَجِيءُ. (وَأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى مَالٍ مِنَ الْأَمْوَالِ ادَّعَاهُ، حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّ حَقَّهُ كَمَا يَحْلِفُ الْحُرُّ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمَالِ تُخْرِجُهُ مِنْ مُتَمَوِّلٍ إِلَى مُتَمَوِّلٍ آخَرَ، وَالرَّقَبَةُ فِي الْعِتْقِ لَا تَخْرُجُ إِلَى مُتَمَوِّلٍ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (فَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى عَتَاقَتِهِ اسْتُحْلِفَ سَيِّدُهُ مَا أَعْتَقَهُ وَبَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَسْتَمِرُّ مَمْلُوكًا لَهُ. (وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الطَّلَاقِ إِذَا جَاءَتِ الْمَرْأَةُ) أَوْ غَيْرُهَا (بِشَاهِدٍ) وَاحِدٍ (أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، أُحْلِفَ زَوْجُهَا مَا طَلَّقَهَا، فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، فَسُنَّةُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَاحِدَةٌ، إِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى زَوْجِ الْمَرْأَةِ وَعَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ) فَإِنْ نَكَلَا حُبِسَا كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْأَكْثَرُ، وَكَانَ يَقُولُ: تُطَلَّقُ الزَّوْجَةُ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ هُنَا: إِذَا حَلَفَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ فَقَالَ مَالِكٌ: يُحْبَسُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ، وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِنْ طَالَ حَبْسُهُ خُلِّيَ عَنْهُ، وَالطُّولُ سَنَةٌ. (وَإِنَّمَا الْعَتَاقَةُ حَدٌّ مِنَ الْحُدُودِ) لِأَنَّهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوِ اتَّفَقَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ عَلَى إِبْطَالِهَا لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ، وَذَكَرَ اللَّهُ الطَّلَاقَ ثُمَّ قَالَ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 229) فَجَعَلَهُ مِنَ الْحُدُودِ. (لَا يَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ ; لِأَنَّهُ إِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ وَوَقَعَتْ لَهُ الْحُدُودُ وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ) الْحُدُودُ كَالْحُرِّ الْأَصْلِيِّ. (وَإِنْ زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ رُجِمَ، وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ) الَّذِي تَحَرَّرَ (قُتِلَ بِهِ) قَاتِلُهُ (وَثَبَتَ لَهُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُوَارِثُهُ) مِنْ عَصَبَتِهِ وَغَيْرِهِمْ (فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَجَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ سَيِّدَ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَشَهِدَ لَهُ عَلَى حَقِّهِ ذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُثْبِتُ) الرَّجُلُ الطَّالِبُ (الْحَقَّ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ حَتَّى تُرَدَّ عَتَاقَتُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ مَالٌ غَيْرُ الْعَبْدِ يُرِيدُ) هَذَا الْمُحْتَجُّ (أَنْ يُجْبِرَ بِذَلِكَ) الِاحْتِجَاجِ (شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْعَتَاقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى مَا قَالَ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إِنَّمَا تَنَاوَلَتْ إِثْبَاتَ الدَّيْنِ، فَرُدَّ الْعِتْقُ لِأَجْلِهِ. (وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَعْتِقُ عَبْدَهُ ثُمَّ يَأْتِي طَالِبُ الْحَقِّ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ ثُمَّ يَسْتَحِقُّ حَقَّهُ وَتُرَدُّ بِذَلِكَ عَتَاقَةُ الْعَبْدِ) لِثُبُوتِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مَالٌ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. (أَوْ يَأْتِي الرَّجُلُ قَدْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِ الْعَبْدِ مُخَالَطَةٌ وَمُلَابَسَةٌ) فِي الْأَمْوَالِ (فَيَزْعُمُ أَنَّ لَهُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ مَالًا، فَيُقَالُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ: احْلِفْ مَا عَلَيْكَ مَا ادَّعَى، فَإِنْ) حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ (نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ) تَفْسِيرٌ لِنَكَلَ (حُلِّفَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ يَرُدُّ عَتَاقَةَ الْعَبْدِ إِذَا ثَبَتَ الْمَالُ عَلَى سَيِّدِهِ) وَلَيْسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 لَهُ غَيْرُهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: مِثْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيِّنٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا تُرَدُّ بِذَلِكَ عَتَاقَةُ عَبْدٍ وَلَا بِإِقْرَارِهِ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا. (وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَنْكِحُ الْأَمَةَ) أَيْ يَتَزَوَّجُهَا (فَتَكُونُ امْرَأَتَهُ، فَيَأْتِي سَيِّدُ الْأَمَةِ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي يَتَزَوَّجُهَا فَيَقُولُ: ابْتَعْتَ مِنِّي جَارِيَتِي فُلَانَةَ أَنْتَ وَفُلَانٌ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا، فَيُنْكِرُ ذَلِكَ زَوْجُ الْأَمَةِ، فَيَأْتِي سَيِّدُ الْأَمَةِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَيَشْهَدُونَ عَلَى مَا قَالَ، فَيَثْبُتُ بَيْعُهُ وَيَحِقُّ حَقُّهُ) ثَمَنُهُ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ (وَتَحْرُمُ الْأَمَةُ عَلَى زَوْجِهَا) لِمِلْكِهِ نِصْفَهَا (وَيَكُونُ ذَلِكَ فِرَاقًا بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ يَفْسَخُ النِّكَاحَ (وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ فِي الطَّلَاقِ) وَإِنَّمَا جَازَتْ هُنَا فِي الْمَالِ، وَجَرَّ إِلَى الْفِرَاقِ فَوَقَعَ تَبَعًا. (وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: الرَّجُلُ يَفْتَرِي عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ فَيَقَعُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَيَأْتِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَيَشْهَدُونَ أَنَّ الَّذِي افْتَرَى عَلَيْهِ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ فَيَضَعُ) يُسْقِطُ (ذَلِكَ الْحَدَّ عَلَى الْمُفْتَرِي بَعْدَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ) أَيْ يَثْبُتُ لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُ عَبْدٍ (وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ فِي الْفِرْيَةِ) وَإِنَّمَا جَازَتْ هُنَا لِدَفْعِ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ (وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَمَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ تَشْهَدَانِ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ) أَيْ خُرُوجِهِ حَيًّا مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، فَيَجِبُ بِذَلِكَ مِيرَاثُهُ (حَتَّى يَرِثَ وَيَكُونُ مَالُهُ لِمَنْ يَرِثُهُ إِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ، وَلَيْسَ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ شَهِدَتَا رَجُلٌ وَلَا يَمِينٌ) وَكَذَا فِي كُلِّ مَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ (وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ) الْكَثِيرَةِ (مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 وَالرِّبَاعِ وَالْحَوَائِطِ) الْبَسَاتِينِ (وَالرَّقِيقِ وَمَا سِوَى) أَيْ غَيْرِ (ذَلِكَ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَلَوْ شَهِدَتِ امْرَأَتَانِ عَلَى دِرْهَمٍ وَاحِدٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَقْطَعْ شَهَادَتُهُمَا شَيْئًا) أَيْ لَا يُعْمَلُ بِهَا (وَلَمْ تَجُزْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا شَاهِدٌ أَوْ يَمِينٌ) فَيُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. قَالَ: لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ دُونَ الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا حَلَفَ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لِلْحَدِيثِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَمِنَ النَّاسِ) كَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَعَطَاءٍ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ بِخُلْفٍ عَنْهُ (مَنْ يَقُولُ: لَا تَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ) أَيْ لَا يُقْضَى بِهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ (وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ) الصِّدْقُ الْوَاقِعُ لَا مَحَالَةَ (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا) أَيِ الشَّاهِدَانِ (رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) يَشْهَدُونَ (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) لِدِينِهِ وَعَدَالَتِهِ (يَقُولُ) ذَلِكَ الْمُحْتَجُّ بَيَانًا لِوَجْهِ احْتِجَاجِهِ مِنَ الْآيَةِ (فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا يُحَلَّفُ مَعَ شَاهِدِهِ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَتَقَدَّمَ رَدُّهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُمْنَعْ أَقَلُّ مِمَّا نُصَّ عَلَيْهِ، وَالْمُخَالِفُ لَا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ فَضْلًا عَنْ مَفْهُومِ الْعَدَدِ. (قَالَ مَالِكٌ: فَمِنَ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ) أَخْبِرْنِي (لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا أَلَيْسَ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ مَا ذَلِكَ الْحَقُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ) سَقَطَ (ذَلِكَ) الْحَقُّ (عَنْهُ) بِاتِّفَاقٍ (وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ حَلَفَ صَاحِبُ الْحَقِّ إِنَّ حَقَّهُ) أَيْ مَا ادَّعَى بِهِ (لَحَقٌّ) أَيْ بَاقٍ لَمْ يَقْبِضْهُ (وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 صَاحِبِهِ فَهَذَا مَا) أَيْ شَيْءٌ (لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَلَا بِبَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ دُونَ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَلَا يُظَنُّ بِمَالِكٍ مَعَ عِلْمِهِ بِاخْتِلَافِ مَنْ مَضَى أَنَّهُ جَهِلَ هَذَا، وَإِنَّمَا أَتَى بِمَا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ خَاصَّةً أَحْرَى أَنْ يَحْكُمَ بِالنُّكُولِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ، وَمَالِكٌ كَالْحِجَازِيِّينَ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يَقْضِي بِالنُّكُولِ حَتَّى تُرَدَّ الْيَمِينُ وَيَحْلِفَ الطَّالِبُ، وَإِنْ لَمْ يُدْعَ الْمَطْلُوبُ إِلَى يَمِينِهِ لِحَدِيثِ الْقَسَامَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ فِيهَا الْيَمِينَ عَلَى الْيَهُودِ ; إِذْ أَبَى الْأَنْصَارُ مِنْهَا. اهـ. وَبِهِ سَقَطَ قَوْلُ فَتْحِ الْبَارِي: إِنَّ احْتِجَاجَ مَالِكٍ هَذَا مُتَعَقَّبٌ وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِرَدِّ الْيَمِينِ. (فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَخَذَ هَذَا؟) قِيلَ: أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ: " «كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي شَيْءٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، فَقُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي» ". الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَرَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَزَادَ فِيهَا: لَيْسَ لَكَ إِلَّا ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، فَفِي الْحَصْرِ دَلِيلٌ عَلَى رَدِّ الْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شَاهِدَاكَ " بَيِّنَتُكَ، سَوَاءٌ كَانَتْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَيَمِينَ الطَّالِبِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الشَّاهِدَيْنِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ، فَالْمَعْنَى شَاهِدَاكَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا، وَلَوْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ رَدُّ الشَّاهِدَيْنِ وَالْيَمِينِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُذْكَرْ لَلَزِمَ رَدُّ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ، فَوَضَحَ التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ وَثَبَتَ الْخَبَرُ بِاعْتِبَارِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الشَّاهِدَيْنِ غَيْرُ مُرَادٍ، بَلِ الْمُرَادُ هُمَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا. (أَوْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدَهُ، فَإِذَا أَقَرَّ) اعْتَرَفَ (بِهَذَا) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ إِنْكَارَهُ (فَلْيُقْرِرْ) بِفَكِّ الْإِدْغَامِ، وَفِي نُسْخَةٍ: فَلْيُقِرَّ، بِالْإِدْغَامِ (بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ) لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ ; إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ النَّصِّ عَلَى شَيْءٍ نَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ، وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُ لَا التَّعَرُّضُ لِعَدَمِهِ، وَالْحَدِيثُ قَدْ تَضَمَّنَ زِيَادَةً مُسْتَقِلَّةً عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ بِحُكْمٍ مُسْتَقِلٍّ، وَلَمْ يُغَيِّرْ حُكْمَ الشَّاهِدَيْنِ وَلَا الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، بَلْ زَادَ عَلَيْهِمَا حُكْمًا آخَرَ، وَيَلْزَمُ الْمُخَالِفَ أَنَّهُ لَا يُثْبِتُ حُكْمًا بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ وَلَا قِيَاسٍ ; لِأَنَّهُ كُلُّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْقُرْآنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ زِيَادَةً لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ فَكَذَا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ. (وَإِنَّهُ لِيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ) فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْمُخَالِفِ (مَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ) أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَمُعَارَضَتُهُ بِالرَّأْيِ وَالِاسْتِنْبَاطِ لَا تُعْتَبَرُ. (وَلَكِنَّ الْمَرْءَ قَدْ يُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ وَمَوْقِعَ الْحُجَّةِ) فَلِذَا ذَكَرْتُهُ. (فَفِي هَذَا بَيَانُ مَا أَشْكَلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) لِلتَّبَرُّكِ، وَقَدْ تَعَسَّفُوا الْجَوَابَ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ قَضَى بِيَمِينِ الْمُنْكِرِ مَعَ الشَّاهِدِ الطَّالِبِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ، فَتَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَمْلِهِ عَلَى صُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى مِنْ آخَرَ عَبْدًا مَثَلًا فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ بِهِ عَيْبًا وَأَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُهُ بِالْبَرَاءَةِ، فَحَلَفَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا اشْتَرَى بِالْبَرَاءَةِ: وَأَبْطَلَهُمَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُ جَهْلٌ بِاللُّغَةِ لِأَنَّ الْمَعِيَّةَ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ شَيْئَيْنِ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لَا فِي الْمُتَضَادَّيْنِ، وَالثَّانِي أَيْضًا بِأَنَّهَا صُورَةٌ نَادِرَةٌ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا الْخَبَرُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ. اهـ. وَأَجَابُوا أَيْضًا بِاحْتِمَالِ أَنَّ الشَّاهِدَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَتَيْنِ. وَأَبْطَلَهُ الْبَاجِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْيَمِينِ وَجْهٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِخُزَيْمَةَ خُصُوصًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَا تَرَى أَنَّ خُزَيْمَةَ لَمْ يَشْهَدْ بِأَمْرِ شَاهِدِهِ وَإِنَّمَا شَهِدَ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ لِعِلْمِهِ بِصِدْقِهِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ لَا يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 [باب الْقَضَاءِ فِيمَنْ هَلَكَ وَلَهُ دَيْنٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَهْلِكُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ لَهُمْ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَيَأْبَى وَرَثَتُهُ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى حُقُوقِهِمْ مَعَ شَاهِدِهِمْ قَالَ فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يَحْلِفُونَ وَيَأْخُذُونَ حُقُوقَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَيْمَانَ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ قَبْلُ فَتَرَكُوهَا إِلَّا أَنْ يَقُولُوا لَمْ نَعْلَمْ لِصَاحِبِنَا فَضْلًا وَيُعْلَمُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا تَرَكُوا الْأَيْمَانَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْلِفُوا وَيَأْخُذُوا مَا بَقِيَ بَعْدَ دَيْنِهِ   5 - بَابُ الْقَضَاءِ فِيمَنْ هَلَكَ وَلَهُ دَيْنٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ - (مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَهْلَكُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ لَهُمْ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَتَأْبَى) تَمْتَنِعُ (وَرَثَتُهُ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى حُقُوقِهِمْ) مَعَ شَاهِدِهِمْ (قَالَ: فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ) أَصْحَابَ الدُّيُونِ (يَحْلِفُونَ وَيَأْخُذُونَ حُقُوقَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ) عَنِ الدُّيُونِ (لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَيْمَانَ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ قَبْلُ فَتَرَكُوهَا) قَالَ ابْنُ زَرْقُونَ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ إِذَا كَانَ فِي الْحَقِّ فَضْلٌ أَنْ تَبْدَأَ الْوَرَثَةُ بِالْيَمِينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 فَقَالَ مَالِكٌ: تَبْدَأُ الْوَرَثَةُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَسَحْنُونٌ: تَبْدَأُ الْغُرَمَاءُ. (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا لَمْ نَعْلَمْ لِصَاحِبِنَا) أَيْ مُوَرِّثِنَا (فَضْلًا وَيَعْلَمُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا تَرَكُوا الْأَيْمَانَ) أَوَّلًا (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْلِفُوا وَيَأْخُذُوا مَا بَقِيَ بَعْدَ دَيْنِهِ) وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ مُطْلَقًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 [باب الْقَضَاءِ فِي الدَّعْوَى] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ عَنْ جَمِيلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُؤَذِّنِ أَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ فَإِذَا جَاءَهُ الرَّجُلُ يَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ حَقًّا نَظَرَ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلَابَسَةٌ أَحْلَفَ الَّذِي ادُّعِيَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُحَلِّفْهُ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِدَعْوَى نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلَابَسَةٌ أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ الْحَقُّ عَنْهُ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَحَلَفَ طَالِبُ الْحَقِّ أَخَذَ حَقَّهُ   6 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الدَّعْوَى 1432 - 1401 - (مَالِكٌ، عَنْ جَمِيلِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُؤَذِّنِ) الْمَدَنِيِّ، أُمُّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ سَعْدٍ الْقُرَظِيِّ، وَكَانَ يُؤَذِّنُ مَعَهُمْ، وَيُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُوَيْدٍ أَوْ سِوَادَةَ وَالصَّوَابُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَهُ ابْنُ الْحَذَّاءِ. (أَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ، فَإِذَا جَاءَهُ الرَّجُلُ يَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ حَقًّا، نَظَرَ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلَابَسَةٌ أَحْلَفَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُحَلِّفْهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) وَقَالَ بِهِ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ وَغَيْرُهُمْ (أَنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (مَنِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِدَعْوَى، نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ) مِثْلُ التُّجَّارِ، وَمَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ (أَوْ مُلَابَسَةٌ، أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ الْحَقُّ عَنْهُ) أَيْ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَحَلَفَ طَالِبُ الْحَقِّ أَخَذَ حَقَّهُ) وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهُمْ إِلَى تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ أَمْ لَا ; لِعُمُومِ حَدِيثِ الحديث: 1432 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» ". لَكِنْ حَمَلَهُ مَالِكٌ وَمُوَافِقُوهُ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ خُلْطَةٌ لِئَلَّا يَبْتَذِلَ أَهْلُ السَّفَهِ أَهْلَ الْفَضْلِ بِتَحْلِيفِهِمْ مِرَارًا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ، فَاشْتُرِطَتِ الْخُلْطَةُ لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} [يوسف: 26] (سورة يُوسُفَ: الْآيَةُ 26) الْآيَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا أُتِيَ يَعْقُوبُ بِقَمِيصِ يُوسُفَ وَلَمْ يَرَ فِيهِ خَرْقًا كَذَّبَهُمْ وَقَالَ: لَوْ أَكَلَهُ السَّبُعُ لَخَرَقَ قَمِيصَهُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ فِي قَمِيصِ يُوسُفَ ثَلَاثُ آيَاتٍ، فَزَادَ: حِينَ أُلْقِيَ عَلَى وَجْهِ أَبِيهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا، وَهَذَا أَصْلٌ فِي ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 [باب الْقَضَاءِ فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقْضِي بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ تَجُوزُ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ وَلَا تَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ وَحْدَهَا لَا تَجُوزُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا أَوْ يُخَبَّبُوا أَوْ يُعَلَّمُوا فَإِنْ افْتَرَقُوا فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ أَشْهَدُوا الْعُدُولَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقُوا   7 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ 1433 - 1402 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ) عَمَّهُ (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ) الصَّحَابِيَّ، أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (كَانَ يَقْضِي فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِرَاحِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتُلِفَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُهَا إِذَا جِيءَ بِهِ فِي حَالِ نُزُولِ النَّازِلَةِ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ تَجُوزُ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِرَاحِ، وَلَا تَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِمْ) أَيِ الْكِبَارِ. (وَإِنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ) أَيْ فِي (الْجِرَاحِ وَحْدَهَا، لَا تَجُوزُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ) مِنَ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا (إِذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقُوا أَوْ يُخَبَّبُوا) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ فَمُوَحَّدَتَيْنِ، يُخْدَعُوا، مِنَ الْخِبِّ بِالْكَسْرِ الْخِدَاعِ (أَوْ يُعَلَّمُوا، فَإِنِ افْتَرَقُوا فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ) أَيْ لَا تُقْبَلُ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَشْهَدَ الْعُدُولَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقُوا) فَتُقْبَلُ بِبَاقِي الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفُرُوعِ وَبِإِجَازَتِهَا. قَالَ مُعَاوِيَةُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ الحديث: 1433 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 شِهَابٍ وَالنَّخَعِيُّ بِخُلْفٍ عَنْهُ، وَلَمْ يُجِزْهَا الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَحَمَلَ مَالِكٌ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَدَمِ إِجَازَتِهَا عَلَى شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْكِبَارِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 [باب مَا جَاءَ فِي الْحِنْثِ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قَالَ يَحْيَى حَدَّثَنَا مَالِك عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِسْطَاسٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي آثِمًا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ»   8 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحِنْثِ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1434 - 1403 - (مَالِكٌ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ) وَيُقَالُ فِيهِ هِشَامُ بْنُ هِشَامٍ (عَنْ عُتْبَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ فَمُوَحَّدَةٌ (ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٍ، الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، وَعُمِّرَ طَوِيلًا، وَمَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَشُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ وَأَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ وَمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُمْ، وَمَنْ رَوَى عَنْهُ رَجُلَانِ ارْتَفَعَتْ عَنْهُ الْجَهَالَةُ، لِمَالِكٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِسْطَاسٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ، الْمَدَنِيِّ مَوْلَى كِنْدَةَ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ. كَذَا فِي التَّقْرِيبِ، وَفِي الِاسْتِذْكَارِ أَنَّهُ ذُهْلِيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، قَالَ مُصْعَبٌ: أَبُوهُ نِسْطَاسٌ مَوْلَى أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ. اهـ. وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ مَوْلَى قُرَيْشٍ. (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ) الْخَزْرَجِيِّ، الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي) قَالَ مَالِكٌ: يُرِيدُ عِنْدَ مِنْبَرِي، وَهُوَ الْآنَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنَ الْقِبْلَةِ وَالْمِحْرَابِ ; لِأَنَّهُ زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَتِ الْيَمِينُ عِنْدَ مِنْبَرِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَوْضِعُ مُصَلَّاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا الْقِبْلَةُ وَالْمِحْرَابُ فَشَيْءٌ بُنِيَ بَعْدَهُ (آثِمًا) بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ بَكِيرٍ، وَالْأَكْثَرُ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ بِلَفْظِ: " «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ» " وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَفِيهِ اشْتِرَاطُ الْإِثْمِ فَلَا يَقَعُ الْوَعِيدُ إِلَّا مَعَ تَعَمُّدِ الْإِثْمِ فِي الْيَمِينِ وَاقْتِطَاعِ حَقِّ الْمُسْلِمِ بِهَا، زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: " وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ أَخْضَرَ " (تَبَوَّأَ) أَيِ اتَّخَذَ (مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) وَعِيدٌ شَدِيدٌ يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْكَبَائِرِ الْعَظِيمَةِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَعْنَى الْقَصْدِ فِي الذَّنْبِ وَجَزَائِهِ، أَيْ كَمَا أَنَّهُ قَصَدَ الْإِثْمَ فِي الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فِي ذَا الْمَكَانِ الْعَظِيمِ الحديث: 1434 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 كَذَلِكَ يَقْصِدُ فِي جَزَائِهِ التَّبَوُّءَ قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَذْهَبُنَا، أَيْ أَهْلِ السُّنَّةِ، فِي الْوَعِيدِ أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ بَلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَفَرَ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 48) وَقَالَ الشَّاعِرُ: وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفٌ إِيعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوْعِدِي. فَمَدَحَ نَفْسَهُ بِإِخْلَافِ الْوَعِيدِ وَلَوْ كَانَ كَذِبًا مَا مَدَحَ بِهِ نَفْسَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65] (سورة هُودٍ: الْآيَةُ 65) ، وَقَالَ: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54] (سورة مَرْيَمَ: الْآيَةُ 54) فَوَصَفَ الْوَعْدَ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بِوُجُوبِ التَّغْلِيظِ بِالْمَكَانِ، فَفِي الْمَدِينَةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَبِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَبِغَيْرِهِمَا بِالْمَسْجِدِ الْجَامِعِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يُغَلَّظُ بِهِ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ، وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ مَرْفُوعًا: " مَنْ «حَلَفَ عِنْدَ مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ يَسْتَحِلُّ بِهَا مَالَ مُسْلِمٍ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» ". أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ السَّلَمِيِّ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ قَالُوا وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»   1435 - 1404 - (مَالِكٌ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيِّ أَحَدِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ تَابِعِيٍّ صَغِيرٍ، رَأَى أَنَسًا، وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ السَّلَمِيِّ) بِفَتْحَتَيْنِ، نِسْبَةً إِلَى بَنِي سَلَمَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ، الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَوْلُ بَعْضِ الرُّوَاةِ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ خَطَأٌ، إِنَّمَا هُوَ مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ (عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ) الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ، وَيُقَالُ: لَهُ رُؤْيَةٌ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ، وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ، أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) لَيْسَ هُوَ الْبَاهِلِيَّ إِنَّمَا هُوَ الْأَنْصَارِيُّ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ، قِيلَ اسْمُهُ إِيَاسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَقِيلَ ثَعْلَبَةُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَفِي الْإِصَابَةِ: اسْمُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ إِيَاسٌ، وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ، وَبِهِ جَزَمَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقِيلَ ثَعْلَبَةُ، وَقِيلَ سَهْلٌ، وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ إِيَاسٍ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ مِنْهَا فِي مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهُ مِنْ أَجْلِ أُمِّهِ فَوَجَدَهَا مَاتَتْ فَصَلَّى عَلَيْهَا. أَخْرَجَهُ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ اقْتَطَعَ) الحديث: 1435 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 افْتَعَلَ مِنَ الْقَطْعِ (حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ (بِيَمِينِهِ) بِحَلِفِهِ الْكَاذِبِ (حَرَّمَ) مَنَعَ (اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ) إِنِ اسْتَحَلَّ أَوْ إِنْ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ، أَوْ هُوَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَيَجُوزُ تَخَلُّفُهُ كَمَا مَرَّ (قَالُوا: وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ غُصْنًا مَقْطُوعًا (مِنْ أَرَاكٍ) شَجَرٍ يُسْتَاكُ بِقُضْبَانِهِ، الْوَاحِدَةُ أَرَاكَةٌ، وَيُقَالُ هِيَ شَجَرَةٌ طَوِيلَةٌ نَاعِمَةٌ كَثِيرَةُ الْوَرَقِ وَالْأَغْصَانِ وَلَهَا ثَمَرٌ فِي عَنَاقِيدَ يُسَمَّى الْبَرِيرُ، بِمُوَحَّدَةٍ، وِزَانَ أَمِيرٍ، يَمْلَأُ الْعُنْقُودُ الْكَفَّ (وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا) وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِنْ كَانَ سِوَاكًا (مِنْ أَرَاكٍ، وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ، قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) زِيَادَةً فِي التَّنْفِيرِ لِئَلَّا يُتَهَاوَنَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْحَقِّ وَكَثِيرِهِ فِي التَّحْرِيمِ، أَمَّا فِي الْإِثْمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مَنِ اقْتَطَعَ الْقَنَاطِيرَ الْمُقَنْطَرَةَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَنِ اقْتَطَعَ الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ، وَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَنْعِ وَتَعْظِيمِ الْأَمْرِ وَتَهْوِيلِهِ، بِدَلِيلِ تَأْكِيدِ تَحْرِيمِ الْجَنَّةِ وَإِيجَابِ النَّارِ، وَأَحَدُهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ، وَالْحَالُ يَقْتَضِي هَذَا التَّأْكِيدَ لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الِاعْتِدَاءِ الْغَايَةَ حَيْثُ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ سَبِيلٌ، وَاسْتَخَفَّ بِحُرْمَةٍ وَاجِبَةِ الرِّعَايَةِ وَهِيَ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ قَوْلُهُ " مُسْلِمٍ " قَيْدٌ فَلَوِ اقْتَطَعَ حَقَّ كَافِرٍ لَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الْوَعِيدَ، أَوْ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ وَرَدَ لِبَيَانِ أَنَّ رِعَايَةَ حَقِّ الْمُسْلِمِ أَشَدُّ لِأَنَّ حُرْمَةَ حَقِّ الْمُسْلِمِ أَقْوَى؟ وَقِيلَ إِنَّمَا ذَكَرَهُ لِلدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْكَافِرِ أَوْجَبُ رِعَايَةً، فَإِنَّ إِرْضَاءَ الْمُسْلِمِ بِإِدْخَالِهِ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْرٌ مُمْكِنٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرْضِيَ اللَّهُ خَصْمَهُ فَيَعْفُوَ عَنْ ظَالِمِهِ، وَأَمَّا إِرْضَاءُ الْكَافِرِ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ فَيَكُونُ الْأَمْرُ صَعْبًا، فَإِذَا كَانَ حَقُّ مَنْ يُتَصَوَّرُ الْخَلَاصُ مِنْ ظُلْمِهِ وَاجِبَ الرِّعَايَةِ فَحَقُّ مَنْ لَا يُتَصَوَّرُ أَوْلَى. وَقَالَ عِيَاضٌ: الْحَدِيثُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، فَالْمُسْلِمُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هُمَا سَوَاءٌ فِي حُرْمَةِ الْقَطْعِ. فَأَمَّا فِي الْعُقُوبَةِ فَيَنْبَغِي أَنَّ حَقَّ الْكَافِرِ أَخَفُّ، قَالَ الْآبِيُّ: وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ، يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ، وَوَجْهُهُ بِمَا ثَبَتَ مِنْ رَفْعِ دَرَجَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ - وَهِيَ الْيَمِينُ الصَّبْرُ الَّتِي يُقْتَطَعُ بِهَا مَالُ مُسْلِمٍ - مِنَ الْكَبَائِرِ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَلَا كَفَارَّةَ فِي ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا اقْتَطَعَهُ مِنَ الْمَالِ ثُمَّ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرَهُ، عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَعْمَرٌ وَطَائِفَةٌ: يُكَفِّرُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِمَّا عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " كُنَّا نَعُدُّ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي لَا كَفَّارَةَ لَهُ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ: أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى مَالِ أَخِيهِ كَاذِبًا ". . اهـ. وَهَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 الْحَدِيثُ تَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ عِنْدِ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 [باب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ يَقُولُ اخْتَصَمَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ مُطِيعٍ فِي دَارٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي قَالَ فَقَالَ مَرْوَانُ لَا وَاللَّهِ إِلَّا عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ قَالَ فَجَعَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ وَيَأْبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ فَجَعَلَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى أَنْ يُحَلَّفَ أَحَدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ   9 - بَابُ جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ 1436 - 1405 - (مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ، مُصَغَّرًا (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ) بِمُعْجَمَةٍ فَمُهْمَلَةٍ فَفَاءٍ مَفْتُوحَاتٍ، قِيلَ اسْمُهُ سَعْدٌ (ابْنَ طَرِيفٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَقِيلَ ابْنُ مَالِكٍ (الْمُرِّيَّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، الْمَدَنِيَّ التَّابِعِيَّ الثِّقَةَ (يَقُولُ: اخْتَصَمَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ) الصَّحَابِيُّ الشَّهِيرُ (وَ) عَبْدُ اللَّهِ (ابْنُ مُطِيعٍ) بْنُ الْأَسْوَدِ الْعَدَوِيُّ الْمَدَنِيُّ، لَهُ رُؤْيَةٌ، وَكَانَ رَأْسَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحَرَّةِ، وَأَمَّرَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى الْكُوفَةِ، ثُمَّ قُتِلَ مَعَهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ (فِي دَارٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ) مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ (فَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ) النَّبَوِيِّ، أَيْ عِنْدَهُ (فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي) أَيْ فِيهِ (قَالَ) أَبُو غَطَفَانَ (فَقَالَ مَرْوَانُ: لَا وَاللَّهِ) لَا تَحْلِفُ (إِلَّا عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ، قَالَ: فَجَعَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ) ، أَيْ بَاقٍ لَمْ يَقْبِضْهُ (وَيَأْبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ: فَجَعَلَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنِ امْتِنَاعِ زَيْدٍ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا تَغْلُظُ بِالْمَكَانِ، قَالَ مَالِكٌ: كَرِهَ زِيدٌ صَبْرَ الْيَمِينِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ حَلَفَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي خُصُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ، وَأَنَّ عُثْمَانَ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَافْتَدَى مِنْهَا وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ تُوَافِقَ قَدَرَ بَلَاءٍ فَيُقَالُ: بِيَمِينِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِي قَدِيمٍ وَلَا حَدِيثٍ، فَعَابَ قَوْلَنَا هَذَا عَائِبٌ، تَرَكَ فِيهِ مَوْضِعَ حُجَّتِنَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآثَارِ بَعْدَهُ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَزَعَمَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَا يَرَى الْيَمِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ الحديث: 1436 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 وَأَنَّا رَوَيْنَا عَنْهُ ذَلِكَ وَخَالَفْنَاهُ إِلَى قَوْلِ مَرْوَانَ، فَمَا مَنَعَ زِيدًا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ حَقٌّ أَنْ يَقُولَ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ مَجْلِسُ الْحُكْمِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا: أَتُحِلُّ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ؟ فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ، قَالَ: فَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الصُّكُوكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُوهَا، فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ. فَإِذَا لَمْ يُنْكِرْ مَرْوَانُ عَلَى زَيْدٍ هَذَا فَكَيْفَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُنِي الْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ، لَقَدْ كَانَ زَيْدٌ مِنْ أَعْظَمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ مَرْوَانَ وَأَرْفَعِهِمْ مَنْزِلَةً، وَلَكِنْ عَلِمَ زَيْدٌ أَنَّ مَا قَضَى بِهِ مَرْوَانُ حَقٌّ، وَكَرِهَ أَنْ تَصِيرَ يَمِينُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ. قَالَ: وَقَدْ رَوَى الَّذِينَ خَالَفُونَا حَدِيثًا يُثْبِتُونَهُ عِنْدَهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ، وَعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ جَلَبَ قَوْمًا مِنَ الْيَمَنِ فَأَدْخَلَهُمُ الْحِجْرَ فَأَحْلَفَهُمْ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عَنْ عُمَرَ فَكَيْفَ أَنْكَرُوا عَلَيْنَا أَنْ يَحْلِفَ مَنْ بِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَمَنْ بِالْمَدِينَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنَحْنُ لَا نَجْلِبُ أَحَدًا مِنْ بَلَدِهِ، وَلَوْ لَمْ نَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِأَكْثَرَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ وَبِمَا احْتَجُّوا بِهِ عَلَيْنَا مِنْ زَيْدٍ لَكَانَتِ الْحُجَّةُ بِذَلِكَ لَازِمَةً، فَكَيْفَ وَالْحُجَّةُ ثَابِتَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ؟ نَقَلَهُ فِي التَّمْهِيدِ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: وَجَدْتُ لِمَرْوَانَ سَلَفًا، فَأَخْرَجَ الْكَرَابِيسِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ غَصَبَ لَهُ بَعِيرًا، فَخَاصَمَهُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُ حَيْثُ شَاءَ، فَأَبَى عَلَيْهِ عُثْمَانُ أَنْ يَحْلِفَ إِلَّا عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَغَرِمَ مِثْلَ بَعِيرِهِ وَلَمْ يَحْلِفْ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يُحَلَّفَ) بِالتَّثْقِيلِ (أَحَدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْلِفُ فِي أَقَلِّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجُمْهُورَ اتَّفَقُوا عَلَى التَّغْلِيظِ بِالْمَكَانِ فِي الدِّمَاءِ وَالْمَالِ الْكَثِيرِ لَا فِي الْقَلِيلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 [باب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ غَلَقِ الرَّهْنِ] قَالَ يَحْيَى حَدَّثَنَا مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ عِنْدَ الرَّجُلِ بِالشَّيْءِ وَفِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَمَّا رُهِنَ بِهِ فَيَقُولُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ إِنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ إِلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ بِمَا رُهِنَ فِيهِ قَالَ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَلَا يَحِلُّ وَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ بِالَّذِي رَهَنَ بِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ لَهُ وَأُرَى هَذَا الشَّرْطَ مُنْفَسِخًا   10 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ غَلَقِ الرَّهْنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: غَلِقَ الرَّهْنُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَلَامٍ مَكْسُورَةٍ وَقَافٍ، يَغْلَقُ، بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَاللَّامِ، غَلَقًا، بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاللَّامِ، أَيِ اسْتَحَقَّهُ الْمُرْتَهِنُ إِذَا لَمْ يُفْتَكَّ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوطِ. 1437 - 1406 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا، قَالَ الحديث: 1437 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 أَبُو عُمَرَ: أَرْسَلَهُ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ إِلَّا مَعْنَ بْنَ عِيسَى، فَوَصَلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَغْلَقُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَاللَّامِ (الرَّهْنُ) الرِّوَايَةُ بِرَفْعِ الْقَافِ عَلَى الْخَبَرِ، أَيْ لَيْسَ يَغْلَقُ، أَيْ لَا يَذْهَبُ وَيَتْلَفُ بَاطِلًا، وَقَالَ النُّحَاةُ: لَمْ يُوجَدْ لَهُ مُخَلِّصٌ، وَقَالَ زُهَيْرٌ: وَفَارَقْتُكِ بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلَقَا. وَقَالَ قُعْنُبُ بْنُ حَمْزَةَ الْغَطَفَانِيُّ: بَانَتْ سُعَادُ وَأَمْسَى دُونَهَا عَدَنٌ ... وَغَلَقَتْ عِنْدَهَا مِنْ قَلْبِكَ الرَّهْنُ. قَالَ أَبُو عَبِيدٍ: لَا يَجُوزُ لُغَةً غَلِقَ الرَّهْنُ: إِذَا ضَاعَ، إِنَّمَا يُقَالُ: غَلِقَ: إِذَا اسْتَحَقَّهُ الْمُرْتَهِنُ فَذَهَبَ بِهِ، قَالَ: وَهَذَا كَانَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبْطَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» . (قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ، نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بِمُرَادِ نَبِيِّهِ (أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ عِنْدَ الرَّجُلِ بِالشَّيْءِ وَفِي الرَّهْنِ فَضْلٌ) زِيَادَةٌ (عَمَّا رُهِنَ بِهِ، فَيَقُولُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: إِنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ إِلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ) أَخَذْتُ رَهْنِي (وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ بِمَا رُهِنَ فِيهِ، قَالَ: فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَلَا يَحِلُّ. وَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ بِالَّذِي رَهَنَ بِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ) أَيِ الرَّهْنُ (لَهُ) أَوْ يُبَاعُ فَيَأْخُذُ حَقَّهُ وَيَرُدُّ مَا فَضَلَ (وَأُرَى هَذَا الشَّرْطَ مُنْفَسِخًا) لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَبِنَحْوِهِ فَسَّرَهُ طَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالزَّهْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ هَذَا وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى الَّذِي وَصَلَهُ عَنْ مَالِكٍ ثِقَةٌ، لَكِنْ أَخْشَى أَنَّ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ رَاوِيَهُ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ مُوسَى عَنْ مَعْنٍ أَخْطَأَ فِي وَصْلِهِ، لَكِنْ تَابَعَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْأَصَحُّ إِرْسَالُهُ، وَإِنْ وُصِلَ مِنْ جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ فَكُلُّهَا مُعَلَّلَةٌ، وَزَادَ فِيهِ بَعْضُ: الرُّوَاةِ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ. وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَأَنَّهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ. اهـ، كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُنَضَّدِ أَنَّ لَا نَافِيَةٌ أَوْ نَاهِيَةٌ، فَعَلَيْهِ تُكْسَرُ الْقَافُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُفْصِحْ بِأَنَّهُ رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ أَفْصَحَ أَبُو عُمَرَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ بِالرَّفْعِ خَبَرٌ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي النَّهْيِ مِنْ صَرِيحِ النَّهْيِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 [باب الْقَضَاءِ فِي رَهْنِ الثَّمَرِ وَالْحَيَوَانِ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ رَهَنَ حَائِطًا لَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَيَكُونُ ثَمَرُ ذَلِكَ الْحَائِطِ قَبْلَ ذَلِكَ الْأَجَلِ إِنَّ الثَّمَرَ لَيْسَ بِرَهْنٍ مَعَ الْأَصْلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فِي رَهْنِهِ وَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا ارْتَهَنَ جَارِيَةً وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ ارْتِهَانِهِ إِيَّاهَا إِنَّ وَلَدَهَا مَعَهَا قَالَ مَالِكٌ وَفُرِقَ بَيْنَ الثَّمَرِ وَبَيْنَ وَلَدِ الْجَارِيَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ قَالَ وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ بَاعَ وَلِيدَةً أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ أَنَّ ذَلِكَ الْجَنِينَ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فَلَيْسَتْ النَّخْلُ مِثْلَ الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ الثَّمَرُ مِثْلَ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخْلِ وَلَا يَرْهَنُ النَّخْلَ وَلَيْسَ يَرْهَنُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِنْ الرَّقِيقِ وَلَا مِنْ الدَّوَابِّ   11 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي رَهْنِ الثَّمَرِ وَالْحَيَوَانِ - (مَالِكٌ: فِيمَنْ رَهَنَ حَائِطًا) بُسْتَانًا (لَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَيَكُونُ) يُوجَدُ (ثَمَرُ ذَلِكَ الْحَائِطِ قَبْلَ ذَلِكَ الْأَجَلِ: أَنَّ الثَّمَرَ لَيْسَ بِرَهْنٍ مَعَ الْأَصْلِ) سَوَاءٌ حَدَثَتْ أَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ الرَّهْنِ مُزْهِيَةً أَوْ غَيْرَ مُزْهِيَةٍ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فِي رَهْنِهِ) فَيَكُونُ رَهْنًا (وَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا ارْتَهَنَ الْجَارِيَةَ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ ارْتِهَانِهِ إِيَّاهَا أَنَّ وَلَدَهَا) يَكُونُ رَهْنًا (مَعَهَا. وَفَرَّقَ بَيْنَ الثَّمَرِ وَبَيْنَ وَلَدِ الْجَارِيَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ خَفِيفَةٍ وَثَقِيلَةٍ (فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ) كَمَا مَرَّ مُسْنَدًا (وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ بَاعَ وَلِيدَةً) أَمَةً (أَوْ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ: أَنَّ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، فَلَيْسَتِ النَّخْلُ مِثْلَ الْحَيَوَانِ) لِافْتِرَاقِ حُكْمَيْهِمَا (وَلَيْسَ الثَّمَرُ مِثْلَ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) زَادَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ الْأَمَةَ رَهْنٌ دُونَ مَا تَلِدُهُ لَمْ يَجُزْ (وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخْلِ وَلَا يَرْهَنُ النَّخْلَ، وَلَيْسَ يَرْهَنُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِنَ الرَّقِيقِ وَلَا مِنَ الدَّوَابِّ) لِقُوَّةِ الْغَرَرِ، وَإِنْ جَازَ أَصْلُهُ فِي الرَّهْنِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 [باب الْقَضَاءِ فِي الرَّهْنِ مِنْ الْحَيَوَانِ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِي الرَّهْنِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ يُعْرَفُ هَلَاكُهُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَعُلِمَ هَلَاكُهُ فَهُوَ مِنْ الرَّاهِنِ وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا وَمَا كَانَ مِنْ رَهْنٍ يَهْلِكُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يُعْلَمُ هَلَاكُهُ إِلَّا بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ لِقِيمَتِهِ ضَامِنٌ يُقَالُ لَهُ صِفْهُ فَإِذَا وَصَفَهُ أُحْلِفَ عَلَى صِفَتِهِ وَتَسْمِيَةِ مَالِهِ فِيهِ ثُمَّ يُقَوِّمُهُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَمَّا سَمَّى فِيهِ الْمُرْتَهِنُ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا سَمَّى أُحْلِفَ الرَّاهِنُ عَلَى مَا سَمَّى الْمُرْتَهِنُ وَبَطَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ الَّذِي سَمَّى الْمُرْتَهِنُ فَوْقَ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يَحْلِفَ أُعْطِيَ الْمُرْتَهِنُ مَا فَضَلَ بَعْدَ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا عِلْمَ لِي بِقِيمَةِ الرَّهْنِ حُلِّفَ الرَّاهِنُ عَلَى صِفَةِ الرَّهْنِ وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ إِذَا جَاءَ بِالْأَمْرِ الَّذِي لَا يُسْتَنْكَرُ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ إِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَلَمْ يَضَعْهُ عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ   12 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الرَّهْنِ مِنَ الْحَيَوَانِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِي الرَّهْنِ أَنَّهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ يُعْرَفُ هَلَاكُهُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ أَوْ حَيَوَانٍ) مِنْ كُلِّ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ (فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَعُلِمَ هَلَاكُهُ فَهُوَ مِنَ الرَّاهِنِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا) وَكَذَا إِذَا ادَّعَى إِبَاقَ الْعَبْدِ وَهُرُوبَ الْحَيَوَانِ، فَلَا ضَمَانَ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُ، كَدَعْوَاهُ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ عُدُولٍ فَأَنْكَرُوهُ. (وَمَا كَانَ مِنْ رَهْنٍ يَهْلَكُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يُعْلَمُ هَلَاكُهُ إِلَّا بِقَوْلِهِ) كَثِيَابٍ وَعُرُوضٍ وَعَيْنٍ وَحُلِيٍّ وَكُلِّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ (فَهُوَ مِنَ الْمُرْتَهِنِ) قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِهِ فَلَا يُضَمَّنُ (وَهُوَ) حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ (لِقِيمَتِهِ ضَامِنٌ) فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى وَصْفِهِ، حُكِمَ بِقِيمَةِ تِلْكَ الصِّفَةِ (وَيُقَالُ) إِذَا اخْتَلَفَا (لَهُ صِفْهُ، فَإِذَا وَصَفَهُ أُحْلِفَ عَلَى صِفَتِهِ) أَنَّهَا كَمَا وَصَفَ (وَ) عَلَى (تَسْمِيَةِ مَا) أَيْ الدَّيْنِ الَّذِي (لَهُ فِيهِ) أَيْ فِي الرَّهْنِ، أَيْ فِي مُقَابَلَتِهِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ إِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ (ثُمَّ يُقَوِّمُهُ أَهْلُ الْبَصَرِ) أَيِ الْخِبْرَةِ (بِذَلِكَ) الْوَصْفِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ قِيمَةُ الرَّهْنِ (فَضْلٌ) زِيَادَةٌ (عَمَّا سَمَّى فِيهِ الْمُرْتَهِنُ أَخَذَهَ الرَّاهِنُ، وَإِنْ كَانَ) قِيمَةُ الرَّهْنِ (أَقَلَّ مِمَّا سَمَّى) الْمُرْتَهِنُ مِنَ الدَّيْنِ (حَلَفَ الرَّاهِنُ عَلَى مَا سَمَّى الْمُرْتَهِنُ وَبَطَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ) الزَّائِدُ (الَّذِي سَمَّى الْمُرْتَهِنُ فَوْقَ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يَحْلِفَ أُعْطِيَ) أَيْ لَزِمَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْمُرْتَهِنَ (مَا فَضَلَ بَعْدَ قِيمَةِ الرَّهْنِ، فَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: لَا عِلْمَ لِي بِقِيمَةِ الرَّهْنِ، حَلَفَ الرَّاهِنُ عَلَى صِفَةِ الرَّهْنِ) لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ صَارَ مُدَّعِيًا عَلَى الرَّاهِنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 (وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ إِذَا جَاءَ بِالْأَمْرِ الَّذِي لَا يُسْتَنْكَرُ) بِأَنْ أَشْبَهَ مَا قَالَ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَقُولُ: أَنَا إِنَّمَا ادَّعَيْتُ الْجَهْلَ بِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ فَأَنَا أَصِفُهُ بِصِفَةٍ لَا أَشُكُّ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ صِفَةِ الرَّهْنِ. وَهِيَ دُونَ صِفَةِ الرَّاهِنِ بِكَثِيرٍ، فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ يُسْقِطُ عَنْ نَفْسِهِ مَا يُسْتَنْكَرُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (وَذَلِكَ) كُلُّهُ (إِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَلَمْ يَضَعْهُ عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ) فَإِنْ كَانَ بِيَدَيْ غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِذَا اخْتُلِفَ فِي مَبْلَغِ الدَّيْنِ فَلَا خِلَافَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَةِ الرَّهْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يُنْظَرُ إِلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مُدَّعٍ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: وَالْحُجَّةُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 283) فَجَعَلَ الرَّهْنَ بَدَلًا مِنَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَخَذَهُ وَثِيقَةً بِحَقِّهِ، فَكَأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ مَبْلَغِ الدَّيْنِ، وَمَا جَاوَزَ قِيمَتَهُ فَلَا وَثِيقَةَ فِيهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الرَّاهِنِ. قَالَ: وَوَافَقَ مَالِكًا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُهُ إِلَّا لِبَيِّنَةٍ، وَبَيْنَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ إِلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ. الْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هُوَ مَضْمُونٌ مُطْلَقًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ: الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِقِيمَةِ الدَّيْنِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَمَانَةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ: الرَّهْنُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ لَا يُضْمَنُ إِلَّا بِمَا تُضْمَنُ بِهِ الْوَدَائِعُ مِنَ التَّعَدِّي وَالتَّضْيِيعِ، سَوَاءٌ كَانَ حُلِيًّا أَوْ حَيَوَانًا مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ ثَابِتٌ عَلَى حَالِهِ لِلْحَدِيثِ: " لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ ". قَالُوا: " لَهُ غُنْمُهُ " أَيْ غَلَّتُهُ وَخَرَاجُهُ، " وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ " أَيْ فِكَاكُهُ وَمِنْهُ مُصِيبَتُهُ. وَالْمُرْتَهِنُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي حَبْسِهِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَنْ تَعَدَّى. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: غُنْمُهُ مَا فَضَلَ مِنَ الدَّيْنِ وَغُرْمُهُ مَا نَقَصَ مِنْهُ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: غُرْمُهُ نَفَقَتُهُ لَا فِكَاكُهُ وَمُصِيبَتُهُ، وَإِذَا كَانَ لَهُ الْخَرَاجُ وَالْغَلَّةُ وَهُوَ غُنْمُهُ كَانَ الْغُرْمُ مَا قَابَلَ ذَلِكَ مِنَ النَّفَقَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 [باب الْقَضَاءِ فِي الرَّهْنِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلَيْنِ يَكُونُ لَهُمَا رَهْنٌ بَيْنَهُمَا فَيَقُومُ أَحَدُهُمَا بِبَيْعِ رَهْنِهِ وَقَدْ كَانَ الْآخَرُ أَنْظَرَهُ بِحَقِّهِ سَنَةً قَالَ إِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُقْسَمَ الرَّهْنُ وَلَا يَنْقُصَ حَقُّ الَّذِي أَنْظَرَهُ بِحَقِّهِ بِيعَ لَهُ نِصْفُ الرَّهْنِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا فَأُوفِيَ حَقَّهُ وَإِنْ خِيفَ أَنْ يَنْقُصَ حَقُّهُ بِيعَ الرَّهْنُ كُلُّهُ فَأُعْطِيَ الَّذِي قَامَ بِبَيْعِ رَهْنِهِ حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُ الَّذِي أَنْظَرَهُ بِحَقِّهِ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ الثَّمَنِ إِلَى الرَّاهِنِ وَإِلَّا حُلِّفَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ مَا أَنْظَرَهُ إِلَّا لِيُوقِفَ لِي رَهْنِي عَلَى هَيْئَتِهِ ثُمَّ أُعْطِيَ حَقَّهُ عَاجِلًا قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فِي الْعَبْدِ يَرْهَنُهُ سَيِّدُهُ وَلِلْعَبْدِ مَالٌ إِنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِرَهْنٍ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُرْتَهِنُ   13 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الرَّهْنِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ - (مَالِكٌ: فِي الرَّجُلَيْنِ يَكُونُ لَهُمَا رَهْنٌ بَيْنَهُمَا، فَيَقُومُ أَحَدُهُمَا بِبَيْعِ رَهْنِهِ وَقَدْ كَانَ الْآخَرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 أَنْظَرَهُ) أَخَّرَهُ (بِحَقِّهِ سَنَةً، قَالَ: إِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَقْسِمَ الرَّهْنَ) بِأَنْ لَا يُنْقِصَ قِيمَتَهُ بِالْقِسْمَةِ (وَلَا يُنْقِصَ حَقَّ الَّذِي أَنْظَرَهُ بِحَقِّهِ - بِيعَ لَهُ نِصْفُ الرَّهْنِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا فَأَوفَى حَقَّهُ) فَإِنْ قَصَرَ عَنْهُ طَلَبَهُ بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الرَّهْنِ شَيْءٌ. (وَإِنْ خِيفَ أَنْ يَنْقُصَ حَقُّهُ بِيعَ الرَّهْنُ كُلُّهُ، فَأُعْطِيَ الَّذِي قَامَ بِبَيْعِ رَهْنِهِ حَقُّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُ الَّذِي أَنْظَرَهُ بِحَقِّهِ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ الثَّمَنِ إِلَى الرَّاهِنِ) فَعَلَ (وَإِلَّا حُلِّفَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ مَا أَنْظَرَهُ إِلَّا لِيُوقِفَ لِي رَهْنِي عَلَى هَيْئَتِهِ) صِفَتِهِ (ثُمَّ أُعْطِيَ حَقَّهُ عَاجِلًا) لِحَلِفِهِ . (مَالِكٌ: فِي الْعَبْدِ يَرْهَنُهُ سَيِّدُهُ وَلِلْعَبْدِ مَالٌ: أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِرَهْنٍ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُرْتَهِنُ) اتِّفَاقًا، وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ إِلَّا بِشَرْطٍ فَالرَّهْنُ أَحْرَى، وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَسْتَفِيدُهُ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: لَا يَكُونُ مَا وُهِبَ لَهُ وَلَا خَرَاجُهُ رَهْنًا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: ذَلِكَ كُلُّهُ رَهْنٌ مَعَهُ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 [باب الْقَضَاءِ فِي جَامِعِ الرُّهُونِ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ ارْتَهَنَ مَتَاعًا فَهَلَكَ الْمَتَاعُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَأَقَرَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ بِتَسْمِيَةِ الْحَقِّ وَاجْتَمَعَا عَلَى التَّسْمِيَةِ وَتَدَاعَيَا فِي الرَّهْنِ فَقَالَ الرَّاهِنُ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَالْحَقُّ الَّذِي لِلرَّجُلِ فِيهِ عِشْرُونَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ يُقَالُ لِلَّذِي بِيَدِهِ الرَّهْنُ صِفْهُ فَإِذَا وَصَفَهُ أُحْلِفَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ تِلْكَ الصِّفَةَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِمَّا رُهِنَ بِهِ قِيلَ لِلْمُرْتَهِنِ ارْدُدْ إِلَى الرَّاهِنِ بَقِيَّةَ حَقِّهِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِمَّا رُهِنَ بِهِ أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ بَقِيَّةَ حَقِّهِ مِنْ الرَّاهِنِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي الرَّهْنِ يَرْهَنُهُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَيَقُولُ الرَّاهِنُ أَرْهَنْتُكَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَقُولُ الْمُرْتَهِنُ ارْتَهَنْتُهُ مِنْكَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَالرَّهْنُ ظَاهِرٌ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ قَالَ يُحَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ حَتَّى يُحِيطَ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نُقْصَانَ عَمَّا حُلِّفَ أَنَّ لَهُ فِيهِ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ بِحَقِّهِ وَكَانَ أَوْلَى بِالتَّبْدِئَةِ بِالْيَمِينِ لِقَبْضِهِ الرَّهْنَ وَحِيَازَتِهِ إِيَّاهُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الرَّهْنِ أَنْ يُعْطِيَهُ حَقَّهُ الَّذِي حُلِّفَ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَ رَهْنَهُ قَالَ وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ أَقَلَّ مِنْ الْعِشْرِينَ الَّتِي سَمَّى أُحْلِفَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعِشْرِينَ الَّتِي سَمَّى ثُمَّ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ إِمَّا أَنْ تُعْطِيَهُ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَتَأْخُذَ رَهْنَكَ وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ عَلَى الَّذِي قُلْتَ أَنَّكَ رَهَنْتَهُ بِهِ وَيَبْطُلُ عَنْكَ مَا زَادَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِنْ حَلَفَ الرَّاهِنُ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ غُرْمُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ وَتَنَاكَرَا الْحَقَّ فَقَالَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ كَانَتْ لِي فِيهِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ لَمْ يَكُنْ لَكَ فِيهِ إِلَّا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ قِيمَةُ الرَّهْنِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا قِيلَ لِلَّذِي لَهُ الْحَقُّ صِفْهُ فَإِذَا وَصَفَهُ أُحْلِفَ عَلَى صِفَتِهِ ثُمَّ أَقَامَ تِلْكَ الصِّفَةَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فِيهِ الْمُرْتَهِنُ أُحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَى ثُمَّ يُعْطَى الرَّاهِنُ مَا فَضَلَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِمَّا يَدَّعِي فِيهِ الْمُرْتَهِنُ أُحْلِفَ عَلَى الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ قَاصَّهُ بِمَا بَلَغَ الرَّهْنُ ثُمَّ أُحْلِفَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ عَلَى الْفَضْلِ الَّذِي بَقِيَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ مَبْلَغِ ثَمَنِ الرَّهْنِ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ الرَّهْنُ صَارَ مُدَّعِيًا عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ عَنْهُ بَقِيَّةُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ مِمَّا ادَّعَى فَوْقَ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ قِيمَةِ الرَّهْنِ   14 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي جَامِعِ الرُّهُونِ - (مَالِكٌ: فِيمَنِ ارْتَهَنَ مَتَاعًا فَهَلَكَ الْمَتَاعُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَأَقَرَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ بِتَسْمِيَةِ الْحَقِّ وَاجْتَمَعَا) تَوَافَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (عَلَى التَّسْمِيَةِ وَتَدَاعَيَا) تَحَالَفَا (فِي الرَّهْنِ، فَقَالَ الرَّاهِنُ: قِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَالْحَقُّ الَّذِي لِلرَّجُلِ) الْمُرْتَهِنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 (فِيهِ عِشْرُونَ دِينَارًا، قَالَ مَالِكٌ: يُقَالُ لِلَّذِي بِيَدِهِ الرَّهْنُ: صِفْهُ، فَإِذَا وَصَفَهُ أُحْلِفُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الرَّاهِنَ خَالَفَهُ فِي الْوَصْفِ وَادَّعَى أَفْضَلَ مِنْهُ (ثُمَّ أَقَامَ) قَوَّمَ (تِلْكَ الصِّفَةَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا، فَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِمَّا رُهِنَ بِهِ قِيلَ لِلْمُرْتَهِنِ: ارْدُدْ إِلَى الرَّاهِنِ بَقِيَّةَ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِمَّا رُهِنَ بِهِ أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ بَقِيَّةَ حَقِّهِ مِنَ الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي الرَّهْنِ يَرْهَنُهُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَيَقُولُ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُكَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَيَقُولُ الْمُرْتَهِنُ: ارْتَهَنْتُهُ مِنْكَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، وَالرَّهْنُ ظَاهِرٌ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ) أَوْ بِيَدِ أَمِينٍ لِأَنَّهُ حَائِزٌ لِلْمُرْتَهِنِ (قَالَ: يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ حَتَّى يُحِيطَ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نُقْصَانَ عَمَّا حَلَفَ أَنَّ لَهُ فِيهِ، أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ بِحَقِّهِ وَكَانَ أَوْلَى بِالتَّبْدِيَةِ بِالْيَمِينِ) عَلَى الرَّاهِنِ (لِقَبْضِهِ الرَّهْنَ وَحِيَازَتِهِ إِيَّاهُ) وَلِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الرَّهْنِ أَنْ يُعْطِيَهُ حَقَّهُ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَ رَهْنَهُ) فَلَهُ ذَلِكَ. (وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ أَقَلَّ مَنِ الْعِشْرِينَ الَّتِي سَمَّى، أُحْلِفَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعِشْرِينَ الَّتِي سَمَّى ثُمَّ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ: إِمَّا أَنْ تُعْطِيَهُ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَتَأْخُذَ رَهْنَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ عَلَى الَّذِي قُلْتَ أَنَّكَ رَهَنْتَهُ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 وَيَبْطُلَ عَنْكَ مَا زَادَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ، فَإِذَا حَلَفَ الرَّاهِنُ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ غُرْمُ) أَيْ دَفْعُ (مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ وَتَنَاكَرَ الْحَقَّ فَقَالَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ:) أَيِ الْمُرْتَهِنُ (كَانَتْ لِي فِيهِ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَقَالَ) الرَّاهِنُ (الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ: لَمْ يَكُنْ لَكَ فِيهِ إِلَّا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ:) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (قِيمَةُ الرَّهْنِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) أَيِ (الرَّاهِنِ: قِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا) فَتَنَاكَرَا فِي أَصْلِ الْحَقِّ وَفِي قِيمَةِ الرَّهْنِ (قِيلَ لِلَّذِي لَهُ الْحَقُّ:) وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ (صِفْهُ) لِأَنَّهُ الْغَارِمُ (فَإِذَا وَصَفَهُ أُحْلِفَ) أَنَّهُ (عَلَى صِفَتِهِ) الَّتِي وَصَفَهَا (ثُمَّ أَقَامَ تِلْكَ الصِّفَةَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرُ مِمَّا ادَّعَى فِيهِ الْمُرْتَهِنُ) وَهُوَ الْعِشْرُونَ دِينَارًا (أُحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَى ثُمَّ يُعْطَى الرَّاهِنُ مَا فَضَلَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِمَّا يَدَّعِي فِيهِ الْمُرْتَهِنُ، أُحْلِفَ عَلَى الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ لَهُ فِيهِ) وَهُوَ الْعِشْرُونَ (ثُمَّ قَاصَّهُ بِمَا بَلَغَ الرَّهْنُ) مِنَ الْقِيمَةِ (ثُمَّ أُحْلِفَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ عَلَى الْفَضْلِ الَّذِي بَقِيَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ مَبْلَغِ ثَمَنِ الرَّهْنِ، وَذَلِكَ) أَيْ وَجْهُ حَلِفِ الرَّاهِنِ (أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ الرَّهْنُ) وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ (صَارَ مُدَّعِيًا عَلَى الرَّاهِنِ) بِمَا بَقِيَ لَهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ (فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ عَنْهُ بَقِيَّةُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ مِمَّا ادَّعَى فَوْقَ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَإِنْ نَكَلَ الرَّاهِنُ لَزِمَهُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ قِيمَةِ الرَّهْنِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: ذَكَرَ الْمُوَطَّأُ يَمِينَيْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ: إِحْدَاهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 عَلَى صِفَةِ الرَّهْنِ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى إِثْبَاتِ دَيْنِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا يَلْزَمَانِهِ مُنْفَصِلَيْنِ ; لِأَنَّ الْأُولَى تَجِبُ قَبْلَ وُجُوبِ الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ إِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الرَّاهِنُ فَلَا مَعْنًى لِيَمِينِ الْمُرْتَهِنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ ذِكْرَ مَا تَنَاوَلَهُ الْيَمِينُ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُفَرِّقَهُمَا بَلْ يَجْمَعُهُمَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ عِنْدِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 [باب الْقَضَاءِ فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ وَالتَّعَدِّي بِهَا] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَسْتَكْرِي الدَّابَّةَ إِلَى الْمَكَانِ الْمُسَمَّى ثُمَّ يَتَعَدَّى ذَلِكَ الْمَكَانَ وَيَتَقَدَّمُ إِنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ يُخَيَّرُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ كِرَاءَ دَابَّتِهِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي تُعُدِّيَ بِهَا إِلَيْهِ أُعْطِيَ ذَلِكَ وَيَقْبِضُ دَابَّتَهُ وَلَهُ الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ وَإِنْ أَحَبَّ رَبُّ الدَّابَّةِ فَلَهُ قِيمَةُ دَابَّتِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي تَعَدَّى مِنْهُ الْمُسْتَكْرِي وَلَهُ الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ إِنْ كَانَ اسْتَكْرَى الدَّابَّةَ الْبَدْأَةَ فَإِنْ كَانَ اسْتَكْرَاهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا ثُمَّ تَعَدَّى حِينَ بَلَغَ الْبَلَدَ الَّذِي اسْتَكْرَى إِلَيْهِ فَإِنَّمَا لِرَبِّ الدَّابَّةِ نِصْفُ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ أَنَّ الْكِرَاءَ نِصْفُهُ فِي الْبَدْأَةِ وَنِصْفُهُ فِي الرَّجْعَةِ فَتَعَدَّى الْمُتَعَدِّي بِالدَّابَّةِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِلَّا نِصْفُ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَنَّ الدَّابَّةَ هَلَكَتْ حِينَ بَلَغَ بِهَا الْبَلَدَ الَّذِي اسْتَكْرَى إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُسْتَكْرِي ضَمَانٌ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُكْرِي إِلَّا نِصْفُ الْكِرَاءِ قَالَ وَعَلَى ذَلِكَ أَمْرُ أَهْلِ التَّعَدِّي وَالْخِلَافِ لِمَا أَخَذُوا الدَّابَّةَ عَلَيْهِ قَالَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَنْ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا مِنْ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ لَا تَشْتَرِ بِهِ حَيَوَانًا وَلَا سِلَعًا كَذَا وَكَذَا لِسِلَعٍ يُسَمِّيهَا وَيَنْهَاهُ عَنْهَا وَيَكْرَهُ أَنْ يَضَعَ مَالَهُ فِيهَا فَيَشْتَرِي الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ وَيَذْهَبَ بِرِبْحِ صَاحِبِهِ فَإِذَا صَنَعَ ذَلِكَ فَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِي السِّلْعَةِ عَلَى مَا شَرَطَا بَيْنَهُمَا مِنْ الرِّبْحِ فَعَلَ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ رَأْسُ مَالِهِ ضَامِنًا عَلَى الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ وَتَعَدَّى قَالَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا الرَّجُلُ يُبْضِعُ مَعَهُ الرَّجُلُ بِضَاعَةً فَيَأْمُرُهُ صَاحِبُ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ سِلْعَةً بِاسْمِهَا فَيُخَالِفُ فَيَشْتَرِي بِبِضَاعَتِهِ غَيْرَ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ فَإِنَّ صَاحِبَ الْبِضَاعَةِ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتُرِيَ بِمَالِهِ أَخَذَهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ الْمُبْضِعُ مَعَهُ ضَامِنًا لِرَأْسِ مَالِهِ فَذَلِكَ لَهُ   15 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ وَالتَّعَدِّي بِهَا - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَسْتَكْرِي الدَّابَّةَ إِلَى الْمَكَانِ الْمُسَمَّى ثُمَّ يَتَعَدَّى) يَتَجَاوَزُ (ذَلِكَ الْمَكَانَ أَنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ يُخَيَّرُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ كِرَاءَ دَابَّتِهِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي تُعُدِّيَ بِهَا إِلَيْهِ أُعْطِيَ ذَلِكَ) أَيْ كِرَاءَ الْمِثْلِ فِيمَا تَعَدَّى لَا عَلَى قَدْرِ مَا تَكَارَى، قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَيَقْبِضُ دَابَّتَهُ وَلَهُ الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ) أَيْضًا. (وَإِنْ أَحَبَّ رَبُّ الدَّابَّةِ فَلَهُ قِيمَةُ دَابَّتِهِ) يَوْمَ التَّعَدِّي (مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي تَعَدَّى مِنْهُ الْمُسْتَكْرِي) وَلَهُ الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ فَقَطْ دُونَ مَا زَادَ، وَهَذَا التَّخْيِيرُ إِذَا تَغَيَّرَتْ بِالزَّائِدِ أَوْ حَبَسَهَا حَتَّى تَغَيَّرَ سُوقُهَا، أَمَّا لَوْ رَدَّهَا بِحَالِهَا فَإِنَّمَا لِرَبِّهَا كِرَاءُ مَا تَعَدَّى فِيهِ الْأَوَّلُ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ الْأَوَّلَ بِتَمَامِهِ (إِنْ كَانَ اسْتَكْرَى الدَّابَّةَ الْبَدَاءَةَ) أَيْ الذَّهَابَ (فَإِنْ كَانَ اسْتَكْرَاهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا ثُمَّ تَعَدَّى حِينَ بَلَغَ الْبَلَدَ الَّذِي اسْتَكْرَى إِلَيْهِ، فَإِنَّمَا لِرَبِّ الدَّابَّةِ نِصْفُ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ) ثُمَّ يُخَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَذَلِكَ أَنَّ الْكِرَاءَ نِصْفُهُ فِي الْبَدْأَةِ وَنِصْفُهُ فِي الرَّجْعَةِ، فَتَعَدَّى الْمُتَعَدِّي بِالدَّابَّةِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِلَّا نِصْفُ الْكِرَاءِ) هَذَا إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ سَوَاءٌ، فَإِنِ اخْتَلَفَتْ لِرَغْبَةِ النَّاسِ فِي أَحَدِهِمَا لَزِمَ التَّقْوِيمُ (وَلَوْ أَنَّ الدَّابَّةَ هَلَكَتْ حِينَ بَلَغَ بِهَا الْبَلَدَ الَّذِي اسْتَكْرَى) الدَّابَّةَ (إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 عَلَى الْمُسْتَكْرِي ضَمَانٌ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أَكْرَاهَا عَلَيْهِ (وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُكْرِي إِلَّا نِصْفُ الْكِرَاءِ) إِذَا اكْتَرَى ذَهَابًا وَإِيَابًا. (قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ أَمْرُ أَهْلِ التَّعَدِّي وَالْخِلَافِ) أَيِ الْمُخَالَفَةِ (لِمَا أَخَذُوا الدَّابَّةَ عَلَيْهِ) كَأَنْ يُحَمِّلُوهَا غَيْرَ مَا أَكْرُوهَا عَلَيْهِ، أَوْ يَزِيدُوا عَلَى قَدْرِ مَا أَكْرُوهَا مِمَّا بُيِّنَ فِي الْفُرُوعِ وَبَسَطَهُ الْبَاجِيُّ. (وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَنْ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا مِنْ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ: لَا تَشْتَرِ بِهِ حَيَوَانًا وَلَا سِلَعًا كَذَا وَكَذَا. لِسِلَعٍ يُسَمِّيهَا وَيَنْهَاهُ عَنْهَا وَيَكْرَهُ أَنْ يَضَعَ مَالَهُ فِيهَا، فَيَشْتَرِي الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ) أَيْ عَامِلُ الْقِرَاضِ (الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ وَيَذْهَبَ بِرِبْحِ صَاحِبِهِ، فَإِذَا صَنَعَ ذَلِكَ فَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِي السِّلْعَةِ عَلَى مَا شَرَطَا بَيْنَهُمَا مِنَ الرِّبْحِ فَعَلَ، وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ رَأْسُ مَالِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (ضَامِنًا) أَيْ مَضْمُونًا (عَلَى الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ وَتَعَدَّى) فَخَيَّرَهُ فِي أَمْرَيْنِ، وَزَادَ الْإِمَامُ فِي الْوَاضِحَةِ ثَالِثًا: بَيْعَ السِّلْعَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ فَعَلَى الْقِرَاضِ، وَإِنْ كَانَ نَقْصٌ ضَمِنَ، أَيْ لِتَعَدِّيهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى بَاعَ السِّلْعَةَ ضَمِنَ إِنْ بِيعَتْ بِنَقْصٍ وَبِرِبْحٍ فَعَلَى الْقِرَاضِ (وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُبْضِعُ مَعَهُ الرَّجُلُ بِضَاعَةً فَيَأْمُرُهُ صَاحِبُ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ سِلْعَةً بِاسْمِهَا، فَيُخَالِفُ فَيَشْتَرِي بِضَاعَتَهُ غَيْرَ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْبِضَاعَةِ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ: إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَى بِمَالِهِ أَخَذَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ الْمُبْضِعُ مَعَهُ ضَامِنًا لِرَأْسِ مَالِهِ فَذَلِكَ لَهُ) فَإِنْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ بَيْعِ السِّلْعَةِ، فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ إِنْ كَانَ فِيهَا رِبْحٌ فَلِصَاحِبِ الْبِضَاعَةِ، وَنَقْصٌ فَعَلَى الْمُبْضِعِ مَعَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 [باب الْقَضَاءِ فِي الْمُسْتَكْرَهَةِ مِنْ النِّسَاءِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ قَضَى فِي امْرَأَةٍ أُصِيبَتْ مُسْتَكْرَهَةً بِصَدَاقِهَا عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهَا قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَغْتَصِبُ الْمَرْأَةَ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَعَلَيْهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا وَالْعُقُوبَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُغْتَصِبِ وَلَا عُقُوبَةَ عَلَى الْمُغْتَصَبَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِنْ كَانَ الْمُغْتَصِبُ عَبْدًا فَذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُسَلِّمَهُ   16 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الْمُسْتَكْرَهَةِ مِنَ النِّسَاءِ 1443 - 1407 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ) الْأُمَوِيَّ (قَضَى فِي امْرَأَةٍ أُصِيبَتْ) جُومِعَتْ (مُسْتَكْرَهَةً بِصَدَاقِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَضَى (عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهَا) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَغْتَصِبُ الْمَرْأَةَ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَعَلَيْهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَالْعُقُوبَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُغْتَصِبِ) رَوَاهُ يَحْيَى وَالْقَعْنَبِيُّ، وَلَمْ يَرْوِهِ ابْنُ بُكَيْرٍ وَلَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا مُطَرِّفٌ، وَرَوَوْا كُلُّهُمْ (وَلَا عُقُوبَةَ عَلَى الْمُغْتَصَبَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) فَلَمْ يَرْوُوهُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا وَلَا عُقُوبَةَ، وَإِذَا صَحَّ إِكْرَاهُهَا وَاسْتِغَاثَتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ دَمِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَصِحُّ بِهِ أَمْرُهَا. خَرَّجَ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: أَنَّ امْرَأَةً اسْتُكْرِهَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْخُلَفَاءِ وَفُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُغْتَصِبَ الْمُسْتَكْرِهَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُهُ أَوْ أَقَرَّ، وَإِلَّا فَالْعُقُوبَةُ وَالصَّدَاقُ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ: عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا صَدَاقَ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِمْ إِذَا قُطِعَ السَّارِقُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الصَّدَاقِ وَالْغُرْمِ، وَحَدُّ اللَّهِ لَا يُسْقِطُ حَدَّ الْآدَمِيِّ، وَهُمَا حَقَّانِ أَوْجَبَهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ. قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (وَإِنْ كَانَ الْمُغْتَصِبُ عَبْدًا، فَذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ) يَعْنِي أَنَّهَا جِنَايَةٌ فِي رَقَبَتِهِ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَفْتَكَّهُ بِالْجِنَايَةِ مَا بَلَغَتْ (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُسْلِمَهُ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ مَمْلُوكًا لِمَنْ جَنَى عَلَيْهَا. قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَا لَزِمَهُ مِنْ صَدَاقِ الْحُرَّةِ وَنَقْصِ الْأَمَةِ فَفِي رَقَبَتِهِ وَيُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِفَوْرِ الحديث: 1443 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 فِعْلِهِ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ تُدْمِي، فَأَمَّا بَعْدُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَلْحَقُ بِرَقَبَتِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ تَسْتَحِقُّ فِيهِ الصَّدَاقَ بِيَمِينِهَا فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّهُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ. اهـ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عَبْدًا اسْتَكْرَهَ امْرَأَةً فَوَطِئَهَا فَاخْتَصَمَا إِلَى الْحَسَنِ وَهُوَ قَاضٍ يَوْمَئِذٍ، فَضَرَبَهُ الْحَدَّ وَقَضَى بِالْعَبْدِ لِلْمَرْأَةِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَسْلَمَهُ بِجِنَايَتِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 [باب الْقَضَاءِ فِي اسْتِهْلَاكِ الْحَيَوَانِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِهِ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْخَذَ بِمِثْلِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَهُ فِيمَا اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ وَلَكِنْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ الْقِيمَةُ أَعْدَلُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ فَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلَ طَعَامِهِ بِمَكِيلَتِهِ مِنْ صِنْفِهِ وَإِنَّمَا الطَّعَامُ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِنَّمَا يَرُدُّ مِنْ الذَّهَبِ الذَّهَبَ وَمِنْ الْفِضَّةِ الْفِضَّةَ وَلَيْسَ الْحَيَوَانُ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ السُّنَّةُ وَالْعَمَلُ الْمَعْمُولُ بِهِ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ إِذَا اسْتُوْدِعَ الرَّجُلُ مَالًا فَابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَرَبِحَ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الرِّبْحَ لَهُ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إِلَى صَاحِبِهِ   17 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي اسْتِهْلَاكِ الْحَيَوَانِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِهِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنِ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ إِذَنِ صَاحِبِهِ، أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْخَدَ بِمِثْلِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَهُ فِيمَا اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ الْقِيمَةُ أَعْدَلُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيمَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ دُونَ حِصَّةٍ مِنْ عَبْدٍ مِثْلِهِ، وَقِيمَةُ الْعَدْلِ فِي الْحَقِيقَةِ مِثْلٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، وَعَنْهُ أَيْضًا كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُدَ: لَا يُقْضَى بِالْقِيمَةِ فِي شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ ; لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] (سورة النَّحْلِ: الْآيَةُ 126) وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ: " مَا رَأَيْتُ صَانِعًا مِثْلَ صَفِيَّةَ، صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَبَعَثَتْ بِهِ، فَغِرْتُ فَكَسَرْتُ الْإِنَاءَ، فَقَالَ: إِنَاءٌ مِثْلُ إِنَاءٍ وَطَعَامٌ مِثْلُ طَعَامٍ ". وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: غَارَتْ أُمُّكُمْ، كُلُوا وَحَبَسَ الرَّسُولَ وَالْقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا، فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الرَّسُولِ وَحَبَسَ الْمَكْسُورَةَ. وَأَجَابَ أَبُو عُمَرَ بِأَنَّ حَدِيثَ الشِّقْصِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الْقَصْعَةِ فَهُوَ أَوْلَى. وَالْبَاجِيُّ بِأَنَّ بُيُوتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا فِيهَا مِنْ إِنَاءٍ وَطَعَامٍ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَفْعَلُ فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ، وَيَرْضَى مِنْ ذَلِكَ بِمَا شَاءَ. (وَمَنِ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنَ الطَّعَامِ بِغَيْرِ إِذَنِ صَاحِبِهِ، فَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلَ طَعَامِهِ بِمَكِيلَتِهِ مِنْ صِنْفِهِ) إِنْ عُلِمَتْ مَكِيلَتُهُ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ مِثْلَ حِرْزِهَا لَمْ يَأْمَنْ مِنَ التَّفَاضُلِ مِنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 الطَّعَامِ (وَإِنَّمَا الطَّعَامُ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِثْلُهُ اتِّفَاقًا. (وَلَيْسَ الْحَيَوَانُ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ، فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ السُّنَّةُ وَالْعَمَلُ الْمَعْمُولُ بِهِ، وَإِذَا اسْتُودِعَ الرَّجُلُ مَالًا فَابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَرَبِحَ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الرِّبْحَ لَهُ ; لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إِلَى صَاحِبِهِ) هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ: يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ وَلَا يَطِيبُ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا اشْتَرَى بِمَالٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَفَقَدَ الْمَغْصُوبَ أَوِ الْوَدِيعَةَ فَالرِّبْحُ لَهُ، وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِالْمَالِ بِعَيْنِهِ خُيِّرَ رَبُّهُ بَيْنَ أَخْذِ الْمَالِ وَالسِّلْعَةِ وَالرِّبْحِ لَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الرِّبْحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِرَبِّ الْمَالِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 [باب الْقَضَاءِ فِيمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ] حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ مِثْلُ الزَّنَادِقَةِ وَأَشْبَاهِهِمْ فَإِنَّ أُولَئِكَ إِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِمْ قُتِلُوا وَلَمْ يُسْتَتَابُوا لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُمْ وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ الْكُفْرَ وَيُعْلِنُونَ الْإِسْلَامَ فَلَا أَرَى أَنْ يُسْتَتَابَ هَؤُلَاءِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ قَوْلُهُمْ وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا عَلَى ذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ يُدْعَوْا إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُسْتَتَابُوا فَإِنْ تَابُوا قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا قُتِلُوا وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ وَلَا مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ وَلَا مَنْ يُغَيِّرُ دِينَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ فَمَنْ خَرَجَ مِنْ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَذَلِكَ الَّذِي عُنِيَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ   18 - بَابُ الْقَضَاءِ فِيمَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ 1444 - 1408 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) مُرْسَلًا عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ، وَهُوَ مَوْصُولٌ فِي الْبُخَارِيِّ وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. " مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ ") أَيِ انْتَقَلَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَتَمَادَى عَلَى ذَلِكَ (فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ) أَيْ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ وُجُوبًا كَمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ، أَوْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكِنْ فِي الزَّنَادِقَةِ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ. (وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ، نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بِمَا أَرَادَ نَبِيُّهُ (مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ ; أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ عَنِ الْإِسْلَامِ) إِذْ هُوَ الدِّينُ الْمُعْتَبَرُ (إِلَى غَيْرِهِ مِثْلُ الزَّنَادِقَةِ وَأَشْبَاهِهِمْ) مِنْ كُلِّ مَنْ أَسَرَّ مِنَ الْكُفْرِ دِينًا غَيْرَ الْإِسْلَامِ مِنْ الحديث: 1444 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ صَابِئَةٍ أَوْ عِبَادَةِ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَوْ نَجْمٍ (فَإِنَّ أُولَئِكَ إِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِمْ قُتِلُوا وَلَمْ يُسْتَتَابُوا ; لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُمْ وَ) ذَلِكَ (أَنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ الْكُفْرَ وَيُعْلِنُونَ) يُظْهِرُونَ (الْإِسْلَامَ، فَلَا أَرَى أَنْ يُسْتَتَابَ هَؤُلَاءِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ قَوْلُهُمْ) أَيْ تَلَفُّظُهُمْ بِالْإِسْلَامِ إِذْ كَانُوا يَقُولُونَهُ قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَخْرُجُوا بَعْدَهُ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فَيَتَحَتَّمُ قَتْلُهُمْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلَانِ. (وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَلَا عَطَشٍ (فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ) بِضَرْبِ عُنُقِهِ (وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا عَلَى ذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ يُدْعَوْا إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُسْتَتَابُوا، فَإِنْ تَابُوا قُبِلَ) بِمُوَحَّدَةٍ (ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا) لَمْ يُسْلِمُوا (قُتِلُوا، وَلَمْ يَعْنِ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، وَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ لِلْفَاعِلِ، أَيْ لَمْ يُرِدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ، مَنْ خَرَجَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ وَلَا مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَلَا مَنْ يُغَيِّرُ دِينَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا) إِلَى غَيْرِهِ (إِلَّا الْإِسْلَامَ، فَمَنْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ، فَذَلِكَ الَّذِي عُنِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْفَاعِلِ (بِهِ) أَيِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: أَنَّ لِلْإِمَامِ قَتْلَ الذِّمِّيِّ إِذَا غَيَّرَ دِينَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ ; لِأَنَّ الذِّمَّةَ إِنَّمَا انْعَقَدَتْ لَهُ عَلَى أَنْ يَبْقَى عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ، فَلَمَّا خَرَجَ عَنْهُ عَادَ كَالْحَرْبِيِّ. وَرَوَى الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ يُخْرِجُهُ مِنْ بَلَدِهِ لِدَارِ الْحَرْبِ، وَعَلَّلَهُ بِمَا ذَكَرَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ الْحَدِيثِ مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ ظَاهِرًا لَكِنْ مَعَ الْإِكْرَاهِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] (سورة النَّحْلِ: الْآيَةُ 106) وَشَمِلَ عُمُومُهُ الرَّجُلَ وَهُوَ إِجْمَاعٌ، وَالْمَرْأَةَ وَعَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالْجُمْهُورُ، وَخَصَّهُ الْحَنَفِيَّةُ بِالذَّكَرِ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، فَكَمَا لَا تُقْتَلُ فِي الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ لَا تُقْتَلُ فِي الْكُفْرِ الطَّارِئِ، وَلِأَنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَعُمُّ الْمُؤَنَّثَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَى الْقِصَّةَ، قَالَ: تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 وَقَتَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي خِلَافَتِهِ امْرَأَةً ارْتَدَّتْ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ. وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: " «وَأَيُّمَا رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فَادْعُهُ فَإِنْ عَادَ وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٌ ارْتَدَّتْ عَنِ الْإِسْلَامِ فَادْعُهَا فَإِنْ عَادَتْ وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقَهَا» ". وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ قِصَّةٍ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: " أُتِيَ عَلِيٌّ بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أَحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ. وَلَقَتَلْتُهُمْ ; لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ". زَادَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ: " فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: وَيْحَ أُمِّ ابْنِ عَبَّاسٍ ". وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ اعْتِرَاضَهُ عَلَيْهِ وَرَأَى أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ ; لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَرَى جَوَازَ التَّحْرِيقِ، وَكَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَغَيْرُهُمَا تَشْدِيدًا عَلَى الْكُفَّارِ وَمُبَالَغَةً فِي النِّكَايَةِ وَالنَّكَالِ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ. لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ مِنْ حَيْثُ التَّنْزِيهُ، لَكِنْ قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدْ رُوِّينَا مِنْ وُجُوهٍ أَنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا أَحْرَقَهُمْ بَعْدَ قَتْلِهِمْ. رَوَى الْعَقِيلِيُّ عَنْ عُثْمَانَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الشِّيعَةِ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ هُوَ؟ قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالُوا: أَنْتَ هُوَ؟ قَالَ: وَيْلَكُمْ مَنْ أَنَا؟ قَالُوا: أَنْتَ رَبُّنَا، قَالَ: وَيَلْكُمُ ارْجِعُوا وَتُوبُوا، فَأَبَوْا فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ ثُمَّ قَالَ: يَا قُنْبُرُ ائْتِنِي بِحِزَمِ الْحَطَبِ، فَحَفَرَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ أُخْدُودًا فَأَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ ثُمَّ قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ الْأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرًا ... أَجَّجْتُ نَارِي وَدَعَوْتُ قُنْبُرًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَسَأَلَهُ عَنْ النَّاسِ فَأَخْبَرَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ هَلْ كَانَ فِيكُمْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ فَقَالَ نَعَمْ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ قَالَ فَمَا فَعَلْتُمْ بِهِ قَالَ قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ فَقَالَ عُمَرُ أَفَلَا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ وَلَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي   1445 - 1409 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ) بِالتَّنْوِينِ بِلَا إِضَافَةٍ (الْقَارِيِّ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ، نِسْبَةً إِلَى الْقَارَةِ، بَطْنٌ مِنْ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ (عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ (أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ قِبَلِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، أَيِ جِهَةِ (أَبِي مُوسَى) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ (الْأَشْعَرِيِّ، فَسَأَلَهُ عَنِ النَّاسِ، فَأَخْبَرَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ مِنْ مُغَرِّبَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا، مُثَقَّلَةً فِيهِمَا ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ فَتَاءِ تَأْنِيثٍ، مُضَافٍ إِلَى (خَبَرٍ) أَيْ: هَلْ مِنْ حَالَةٍ حَامِلَةٍ لِخَبَرٍ مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ؟ (فَقَالَ: نَعَمْ، رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، قَالَ: فَمَا فَعَلْتُمْ بِهِ؟ قَالَ: قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ) بِلَا اسْتِتَابَةٍ أَخْذًا الحديث: 1445 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَرَ بِقَتْلِ قَوْمٍ ارْتَدُّوا كَابْنِ خَطَلٍ وَلَمْ يَذْكُرِ اسْتِتَابَةً. وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ أَبَا مُوسَى عَلَى الْيَمَنِ ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلًا مُقَيَّدًا فِي الْحَدِيدِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ، فَقَالَ مُعَاذٌ: لَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ؛ قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى قَدِ اسْتَتَابَهُ شَهْرَيْنِ، وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ الْفَتْحِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَالْجُمْهُورُ عَلَى الِاسْتِتَابَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِهَا (فَقَالَ عُمَرُ: أَفَلَا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا) مِنَ الْأَيَّامِ، كَذَا قَالَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَقِيلَ: يُسْتَتَابُ مَرَّةً، وَقِيلَ شَهْرًا، وَقِيلَ ثَلَاثَةً جَمْعٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّلَاثَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] (سورة هُودٍ: الْآيَةُ 65) وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ جُعِلَتْ أَصْلًا فِي مَعَانٍ كَالْمُصَرَّاةِ وَاسْتِظْهَارِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَعُهْدَةِ الرَّقِيقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا) يُرِيدُ أَنْ لَا يُوَسَّعَ عَلَيْهِ تَوْسِعَةَ إِحْسَانٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ، وَلَكِنْ يُطْعَمُ مَا يَقُوتُهُ وَيَكْفِيهِ وَلَا يُجَوَّعُ وَإِنَّمَا يُطْعَمُ مِنْ مَالِهِ. قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: يَعْنِي تُوَسِّعُ وَلَا تَفُكُّهُ، قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُقَوَّتُ مِنَ الطَّعَامِ مَا لَا يَضُرُّهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ لَا يُجْعَلَ الرَّغِيفُ حَدًّا، وَإِنَّمَا أَشَارَ عُمَرُ إِلَى قِلَّةِ مُؤْنَتِهِ وَرَزِيَّتِهِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ، وَبَيْتِ الْمَالِ إِنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَدَّ (وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ) يَرْجِعُ إِلَى الْإِسْلَامِ، احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِتَابَةِ بِقَوْلِ عُمَرَ هَذَا، وَأَنَّهُ لَا مُخَالِفَ لَهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَا يَصِحُّ إِلَّا إِنْ ثَبَتَ رُجُوعُ أَبِي مُوسَى وَمَنْ وَافَقَهُ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ (ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ) قَتْلَهُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ (وَلَمْ آمُرْ بِهِ وَلَمْ أَرْضَ) بِهِ (إِذْ بَلَغَنِي) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِخَطَأِ فَاعِلِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَتَابَ أَهْلَ الرِّدَّةِ. وَرَوَى عِيسَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَتَابَ أُمَّ قِرْفَةَ لَمَّا ارْتَدَّتْ فَلَمْ تَتُبْ فَقَتَلَهَا، فَلَعَلَّ عُمَرَ عَلِمَ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ زَمَنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَنْكَرَ عَلَى أَبِي مُوسَى تَغْيِيرَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَأَبُو مُوسَى مُجْتَهِدٌ، فَإِذَا حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إِجْمَاعَ لَمْ يَبْلُغْ عُمَرُ مِنَ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدَّ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لِأَبِي مُوسَى ذَلِكَ مَا جَازَ لِعُمْرَ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْحُكْمَ حَتَّى يُطَالِعَهُ عَلَى قَضِيَّتِهِ، وَفِي هَذَا مِنْ فَسَادِ الْأَحْوَالِ وَتَوَقُّفِ الْأَحْكَامِ مَا لَا يَخْفَى، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 [باب الْقَضَاءِ فِيمَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا] حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ»   19 - بَابُ الْقَضَاءِ فِيمَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا 1446 - 1410 - (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْهَاءِ، مُصَغَّرًا (ابْنِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ) بَائِعِ السَّمْنِ (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ الْمَدَنِيِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ، أَوْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ (أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، سَيِّدَ الْخَزْرَجِ (قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ) ، أَيْ أَخْبِرْنِي (إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَأُمْهِلُهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْأَوْلَى وَضَمِّ الثَّانِيَةِ (حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ) زَادَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ: " قَالَ - أَيْ سَعْدٌ -: كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ إِنَّهُ لَغَيُورٌ وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي ". زَادَ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: " «مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةَ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا نَزَلَتْ ": {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] (سورة النُّورِ: الْآيَةُ 4) قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - وَهُوَ سَيِّدُ الْأَنْصَارِ -: أَهَكَذَا نَزَلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَا تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَلُمْهُ فَإِنَّهُ رَجُلٌ غَيُورٌ، وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً قَطُّ فَاجْتَرَأَ رَجُلٌ مِنَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ وَأَنَّهَا مِنَ اللَّهِ، وَلَكِنْ تَعَجَّبْتُ أَنِّي لَوْ وَجَدْتُ لُكَاعًا قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهَيِّجَهُ وَلَا أُحَرِّكَهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَوَاللَّهِ لَا آتِي بِهِمْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ» ". الْحَدِيثَ. وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ النَّهْيُ عَنْ إِقَامَةِ حَدٍّ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ وَلَا شُهُودٍ وَقَطْعُ الذَّرِيعَةِ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ بِهِ بِزِيَادَةٍ، رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَبِهِ شَنَّعَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى الْبَزَّارِ فِي زَعْمِهِ تَفَرُّدَ مَالِكٍ بِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَلَا تَابَعَهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ، قَالَ: الحديث: 1446 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحَامُلِ الْبَزَّارِ فِيمَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عَلِمٌ وَكِتَابُهُ مَمْلُوءٌ مِنْ مِثْلِ هَذَا، وَلَوْ سُلِّمَ تَفَرُّدُ مَالِكٍ بِهِ كَمَا زَعَمَ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، فَأَكْثَرُ السُّنَنِ وَالْأَحَادِيثِ قَدِ انْفَرَدَ بِهَا الثِّقَاتُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِضَارٍّ لِشَيْءٍ مِنْهَا، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَنَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فَأَيُّ انْفِرَادٍ فِي هَذَا؟ وَلَيْتَ كُلَّ مَا انْفَرَدَ بِهِ الْمُحَدِّثُونَ كَانَ مِثْلَ هَذَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ خَيْبَرِيٍّ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُمَا مَعًا فَأَشْكَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْقَضَاءُ فِيهِ فَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ يَسْأَلُ لَهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَ أَبُو مُوسَى عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ إِنَّ هَذَا الشَّيْءَ مَا هُوَ بِأَرْضِي عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَتُخْبِرَنِّي فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى كَتَبَ إِلَيَّ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَبُو حَسَنٍ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ   1447 - 1411 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ خَيْبَرِيٍّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ فَرَاءٍ فَتَحْتِيَّةٍ آخِرَهُ (وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُمَا مَعًا) شَكَّ الرَّاوِي، وَفِي نُسْخَةٍ " قَتَلَهَا " بِالْإِفْرَادِ (فَأَشْكَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ (الْقَضَاءُ فِيهِ فَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ يَسْأَلُ لَهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ ذَلِكَ) وَلَمْ يَكْتُبْ إِلَى عَلِيٍّ لِمَا كَانَ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ طَاعَتِهِ (فَسَأَلَ أَبُو مُوسَى عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنَّ هَذَا الشَّيْءَ مَا هُوَ بِأَرْضِي) أَيِ الْعِرَاقِ (عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَتُخْبِرَنِّي، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: كَتَبَ إِلَيَّ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَبُو حَسَنٍ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: الْقَرْمُ (إِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) يَشْهَدُونَ عَلَى مُعَايَنَةِ الْوَطْءِ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ (فَلْيُعْطَ) يُسَلَّمْ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ يَقْتُلُونَهُ قِصَاصًا (بِرُمَّتِهِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتُكْسَرُ، قِطْعَةٌ مِنْ حَبْلٍ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُودُونَ الْقَاتِلَ إِلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ بِحَبْلٍ، وَلِذَا قِيلَ الْقَوْدُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا، فَمَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ قَتْلُ مُسْلِمٍ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ قَتْلُهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ حَتَّى يُثْبِتَ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ الْقِصَاصَ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْمَخْرَجِ مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: " «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا الحديث: 1447 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 أَيَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ» ". وَرَوَى أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ عُمَرَ أَهْدَرَ دَمَهُ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ، إِنَّمَا أَهْدَرَ دَمَ الَّذِي أَرَادَ اغْتِصَابَ الْجَارِيَةِ الْهُذَلِيَّةِ، فَعَصَبَ كَبِدَهُ فَمَاتَ. ذَكَرَهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَتَابَعَ مَالِكًا ابْنُ جُرَيْجٍ وَالثَّوْرِيُّ وَمَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 [باب الْقَضَاءِ فِي الْمَنْبُوذِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ فَجِئْتُ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ فَقَالَ وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتُهَا فَقَالَ لَهُ عَرِيفُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَكَذَلِكَ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَلَكَ وَلَاؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ هُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ   20 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الْمَنْبُوذِ 1448 - 1412 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ سُنَيْنٍ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَنُونٍ (أَبِي جَمِيلَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ (رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ، قِيلَ اسْمُ أَبِيهِ فَرْقَدٌ، حَكَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ، لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ مَعَهُ عَامَ الْفَتْحِ، لِذَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو عُمَرَ فِي الصَّحَابَةِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنَ التَّابِعِينَ، وَقَالَ: لَهُ أَحَادِيثٌ، وَقَالَ الْعِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ. (أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، أَيْ لَقِيطًا. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ يُسَمَّ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ: أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَأَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا (فِي زَمَانِ) خِلَافَةِ (عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَجِئْتُ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ) بِفَتْحَتَيْنِ، رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اتَّهَمَهُ أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ أَتَى بِهِ لِيَفْرِضَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. الْبَاجِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَافَ التَّسَارُعَ إِلَى أَخْذِ الْأَطْفَالِ مِنْ غَيْرِ نَبْذٍ حِرْصًا عَلَى أَخْذِ النَّفَقَةِ لَهُمْ وَمُوَالَاتِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ لِئَلَّا يَلْتَقِطَهُ مُدَّعِيًا لَهُ. أَبُو عُمَرَ: إِنَّمَا أَنْكَرَ عُمَرُ عَلَيْهِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَلِيَ أَمْرَهُ وَيَأْخُذَ مَا يُفْرَضُ لَهُ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ. اهـ. وَقِيلَ: اتَّهَمَهُ بِأَنَّهُ زَنَى بِأُمِّهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ بَعِيدٌ وَمَا تَقَدَّمَ أَوْلَى (فَقَالَ: وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً وَأَخَذْتُهَا) لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيَّ (فَقَالَ لَهُ عَرِيفُهُ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ جَمْعُهُ عُرَفَاءُ، أَيْ مَنْ يَعْرِفُ أُمُورَ النَّاسِ حَتَّى يُعَرِّفَ بِهَا مَنْ فَوْقَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ الحديث: 1448 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 لِذَلِكَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَاسْمُ عَرِيفِ عُمَرَ سِنَانٌ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِي (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ) لَا يُتَّهَمُ (فَقَالَ عُمَرُ: أَكَذَلِكَ) هُوَ (قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَلَكَ وَلَاؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ: وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: حُكْمُهُ بِأَنَّهُ حُرٌّ يَقْتَضِي أَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ ; إِذْ لَا وَلَاءَ عَلَى حُرٍّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ". فَنَفَى الْوَلَاءَ عَنْ غَيْرِ الْمُعْتِقِ، وَلِذَا (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ هُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ مَالِكٌ: لَوْ عُلِمَ أَنَّ عُمَرَ قَالَهُ مَا خُولِفَ. قَالَ الْبَاجِيُّ: الْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَكِنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ إِذْ لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَوَلَّى تَرْبِيَتَهُ وَالْقِيَامَ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ مُلْتَقِطَهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ نَزَعَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ رُدَّ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ قَوِيًّا عَلَى مُؤْنَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَا سَوَاءً أَوْ مُتَقَارِبَيْنِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَإِنْ خِيفَ أَنْ يَضِيعَ عِنْدَ الْأَوَّلِ فَالثَّانِي أَوْلَى، إِلَّا لِطُولِ مُكْثِهِ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَلَا ضَرَرَ فَهُوَ أَحَقُّ، قَالَهُ أَشْهَبُ. وَخَرَّجَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ وَالْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ سُنَيْنٍ بِأَتَمِّ أَلْفَاظٍ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، قَالَ: " وَجَدْتُ مَنْبُوذًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ عَرِيفِي لِعُمَرَ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَجِئْتُ وَالْعَرِيفُ عِنْدَهُ، فَلَمَّا رَآنِي مُقْبِلًا قَالَ: عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا، كَأَنَّهُ اتَّهَمَهُ، فَقَالَ لَهُ عَرِيفُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ، فَقَالَ عُمَرُ: عَلَامَ أَخَذْتَ هَذِهِ النَّسَمَةَ؟ قُلْتُ: وَجَدْتُ نَفْسًا بِمَضْيَعَةٍ فَخِفْتُ أَنْ يُؤَاخِذَنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ حُرٌّ وَلَكَ وَلَاؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ ". قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: " قَوْلُهُ: عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا " مَثَلٌ لِلْعَرَبِ إِذَا تَوَقَّعَتْ شَرًّا، قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: الْغُوَيْرُ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ فِيهِ مَاءٌ لَبَنِي كَلْبٍ كَانَ فِيهِ نَاسٌ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَكَانَ مَنْ مَرَّ يَتَوَاصَوْنَ بِالْحِرَاسَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا الْمَثَلِ الزَّبَّاءُ، بِفَتْحِ الزَّايِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ، إِذْ بَعَثَتْ قَصِيرًا اللَّخْمِيَّ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَانَ يَطْلُبُهَا بِدَمِ جَذِيمَةَ بْنِ الْأَبْرَشِ، فَتَوَاطَأَ هُوَ وَعَمْرُو ابْنُ أُخْتِ جَذِيمَةَ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ أَنْفَ قَصِيرٍ، فَأَظْهَرَ أَنَّهُ هَرَبَ مِنْهُ إِلَى الزَّبَّاءِ، فَأَمِنَتْ إِلَيْهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْهُ تَاجِرًا فَرَجَعَ إِلَيْهَا بِرِبْحٍ كَثِيرٍ مِرَارًا، ثُمَّ رَجَعَ الْمَرَّةَ الْأَخِيرَةَ وَمَعَهُ الرِّجَالُ فِي الْأَعْدَالِ، فَنَظَرَتْ إِلَى الْجِمَالِ تَمْشِي رُوَيْدًا لِثِقَلِ مَنْ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا، أَيْ لَعَلَّ الشَّرَّ يَأْتِيكُمْ مِنْ قِبَلِ الْغُوَيْرِ، وَكَانَ قَصِيرٌ أَعْلَمَهَا أَنَّهُ يَسْلُكُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ طَرِيقَ الْغُوَيْرِ، فَلَمَّا دَخَلَتِ الْأَحْمَالُ قَصْرَهَا خَرَجَ الرِّجَالُ مَنِ الْأَعْدَالِ فَهَلَكَتْ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْغُوَيْرُ تَصْغِيرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 غَارٍ دَخَلَهُ قَوْمٌ يَبِيتُونَ فِيهِ فَانْهَارَ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: وَجَدُوا فِيهِ عَدُوًّا لَهُمْ فَقَتَلَهُمْ فِيهِ، وَالْأَبْؤُسُ الْبَائِسُ. قَالَ أَبُو عَبِيدٍ: وَقَوْلُ الْكَلْبِيِّ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ. اهـ. وَنُصِبَ أَبْؤُسًا بِتَقْدِيرِ: يَكُونُ أَبْؤُسًا، جَمْعُ بُؤْسٍ وَهُوَ الشِّدَّةُ، وَفِيهِ تَثَبُّتُ عُمَرَ فِي الْأَحْكَامِ، وَأَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا تَوَقَّفَ فِي أَمْرِ أَحَدٍ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِيهِ، وَرُجُوعُ الْحَاكِمِ إِلَى قَوْلِ أَمِينِهِ، وَأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَا يُكْرَهُ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الْإِطْنَابُ، وَالِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ فِي التَّزْكِيَةِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْحُكْمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ. وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ اشْتِرَاطُ اثْنَيْنِ كَالشَّهَادَةِ، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ ; إِذْ لَيْسَ فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ إِلَّا عَرِيفُهُ وَحْدُهُ. وَفِي الْمَظَالِمِ مِنَ الْبُخَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ لَمَّا اتَّهَمَ أَبَا جَمِيلَةَ شَهِدَ لَهُ جَمَاعَةٌ بِالسَّتْرِ، وَاسْتَثْنَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِطَانَةَ الْحَاكِمِ ; لِأَنَّهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ، وَالْحَاكِمُ لَا يُشْتَرَطُ تَعَدُّدُهُ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا يَشْهَدُونَ لَهُ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ الْحَاجَةِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى، وَتَابَعَ مَالِكًا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 [باب الْقَضَاءِ بِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ] قَالَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ وَقَالَ ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ»   21 - بَابُ الْقَضَاءِ بِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ 1449 - 1413 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٍ الزُّهْرِيِّ، مَاتَ عَلَى شِرْكِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الدُّمْيَاطِيُّ وَالسَّفَاقِسِيُّ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ إِلَّا ابْنَ مَنْدَهْ، وَاشْتَدَّ إِنْكَارُ أَبِي نُعَيْمٍ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: هُوَ الَّذِي كَسَرَ رُبَاعِيَّةَ النَّبِيِّ يَوْمَ أُحُدٍ مَا عَلِمْتُ لَهُ إِسْلَامًا. بَلْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمِقْسَمِ بْنِ عُتْبَةَ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَى عُتْبَةَ يَوْمَئِذٍ أَنْ لَا يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَتَّى يَمُوتَ كَافِرًا، فَمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَتَّى مَاتَ كَافِرًا إِلَى النَّارِ» ". وَرَوَى الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَجَاهِيلُ عَنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ: " «أَنَّهُ لَمَّا رَأَى مَا فَعَلَ عُتْبَةُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا؟ قَالَ عُتْبَةُ. قُلْتُ: أَيْنَ تَوَجَّهَ؟ فَأَشَارَ إِلَى حَيْثُ تَوَجَّهَ، فَمَضَيْتُ حَتَّى ظَفِرْتُ بِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ فَطَرَحْتُ رَأْسَهُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُ رَأْسَهُ وَسَيْفَهُ وَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَنَظَرَ إِلَى ذَلِكَ وَدَعَا لِي فَقَالَ: رَضِيَ اللَّهُ الحديث: 1449 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 عَنْكَ، مَرَّتَيْنِ» ". وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ كَيْفَ كَانَ يُوصِي أَخَاهُ سَعْدًا؟ وَقَدْ يُقَالُ: لَعَلَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ قَبْلَ وُقُوعِ الْحَرْبِ احْتِيَاطًا، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِسْلَامِهِ، بَلْ فِيهَا مَا يُصَرِّحُ بِمَوْتِهِ عَلَى الْكُفْرِ فَلَا مَعْنًى لِإِيرَادِهِ فِي الصَّحَابَةِ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ ابْنُ مَنْدَهْ بِمَا لَا دِلَالَةَ فِيهِ عَلَى إِسْلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ (عَهِدَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، أَيْ أَوْصَى (إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) أَحَدِ الْعَشَرَةِ وَأَوَّلِ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَحَدِ مَنْ فَدَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ. رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْهُ: مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ قَطُّ حِرْصِي عَلَى قَتْلِ أَخِي عُتْبَةَ ; لِمَا صَنَعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ كَفَانِي مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رَسُولِهِ» . (أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ اللَّامِ، أَيْ جَارِيَةَ (زَمْعَةَ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَقَدْ تُفْتَحُ، وَصَوَّبَهُ الْوَقَشِيُّ. وَزَمْعَةُ بْنُ قَيْسٍ الْعَامِرِيُّ وَالِدُ سَوْدَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ تُسَمَّ الْوَلِيدَةُ، نَعَمْ، ذَكَرَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَابْنُ أَخِيهِ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي نَسَبِ قُرَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً يَمَانِيَّةً وَأَمَّا ابْنُهَا فَصَحَابِيٌّ صَغِيرٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَخْتَلِفِ النَّسَّابُونَ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَخَلَطَ ابْنُ مَنْدَهْ وَتَبِعَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي نَسَبِهِ فَجَعَلَاهُ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَوَهِمَ ابْنُ قَانِعٍ فَجَعَلَهُ الْمُخَاصِمَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَكَأَنَّهُ انْقَلَبَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ الْمُخَاصَمُ فِيهِ لَا الْمُخَاصِمُ فَإِنَّهُ عَبْدٌ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ بِلَا نِزَاعٍ (مِنِّي) أَيِ ابْنِي (فَاقْبِضْهُ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (إِلَيْكَ) وَأَصْلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِمَاءٌ يَزْنِينَ وَكَانَتْ سَادَاتُهُنَّ تَأْتِيهِنَّ فِي خِلَالِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَتَتْ إِحْدَاهُنَّ بِوَلَدٍ فَرُبَّمَا يَدَّعِيهِ السَّيِّدُ وَرُبَّمَا يَدَّعِيهِ الزَّانِي، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَلَمْ يَكُنِ ادَّعَاهُ وَلَا أَنْكَرَهُ فَادَّعَاهُ وَرَثَتُهُ لَحِقَ بِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ مُسْتَلْحِقَهُ فِي مِيرَاثِهِ إِلَّا أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَانَ أَنْكَرَهُ السَّيِّدُ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ، وَكَانَ لِزَمْعَةَ بْنِ قَيْسٍ أَمَةٌ عَلَى مَا وُصِفَ وَعَلَيْهَا ضَرِيبَةٌ وَهُوَ يُلِمُّ بِهَا فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ عُتْبَةَ أَخِي سَعْدٍ، فَعَهِدَ عُتْبَةُ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ قَبْلَ مَوْتِهِ أَنْ يَسْتَلْحِقَ الْحَمْلَ الَّذِي بِأَمَةِ زَمْعَةَ. (قَالَتْ) عَائِشَةُ (فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ) لِمَكَّةَ، بِرَفْعِ عَامٍ، اسْمُ كَانَ، وَفِي رِوَايَةٍ بِنَصْبِهِ بِتَقْدِيرِ فِي (أَخَذَهُ سَعْدٌ وَقَالَ) هُوَ (ابْنُ أَخِي) عُتْبَةَ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ رَأَى سَعْدٌ الْغُلَامَ فَعَرَفَهُ بِالشَّبَهِ فَاحْتَضَنَهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: ابْنُ أَخِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ (قَدْ كَانَ عَهِدَ) أَوْصَى (إِلَيَّ فِيهِ) فَاحْتَجَّ بِاسْتِلْحَاقِ عُتْبَةَ عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ (فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ) بِلَا إِضَافَةٍ (ابْنُ زَمْعَةَ) بْنِ قَيْسٍ الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ، أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، رَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَةَ: " «تَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، فَجَاءَ أَخُوهَا عَبْدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 بْنُ زَمْعَةَ مِنَ الْحِجْرِ فَجَعَلَ يَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ: إِنِّي لَسَفِيهٌ يَوْمَ أَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِي أَنْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوْدَةَ أُخْتِي» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي) أَيْ جَارِيَتِهِ (وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) مِنْ أَمَتِهِ الْمَذْكُورَةِ، كَأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ حُكْمَ الْفِرَاشِ فَاحْتَجَّ بِهِ، وَقَدْ كَانَتْ عَادَةُ الْجَاهِلِيَّةِ إِلْحَاقَ النَّسَبِ بِالزِّنَى وَكَانُوا يَسْتَأْجِرُونَ الْإِمَاءَ لِلزِّنَى، فَمَنِ اعْتَرَفَتِ الْأُمُّ أَنَّهُ لَهُ لُحِقَ، وَلَمْ يَقَعْ إِلْحَاقُ ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ; إِمَّا لِعَدَمِ الدَّعْوَى، وَإِمَّا لِأَنَّ الْأَمَةَ لَمْ تَعْتَرِفْ لِعُتْبَةَ، وَقِيلَ: كَانَتْ مَوَالِي الْوَلَائِدِ يُخْرِجُوهُنَّ لِلزِّنَى وَيَضْرِبُونَ عَلَيْهِنَّ الضَّرَائِبَ، وَكَانَتْ وَلِيدَةُ زَمْعَةَ كَذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الْقِصَّةِ أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً مُسْتَفْرَشَةً لِزِمْعَةَ فَزَنَى بِهَا عُتْبَةُ، وَكَانَتْ عَادَةُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ وَإِنْ نَفَاهُ انْتَفَى عَنْهُ وَإِنِ ادَّعَاهُ غَيْرُهُ رُدَّ ذَلِكَ إِلَى السَّيِّدِ أَوِ الْقَافَةِ، فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ ظُنَّ أَنَّهُ مِنْ عُتْبَةَ فَاخْتَصَمَ فِيهَا (فَتَسَاوَقَا) أَيْ تَدَافَعَا بَعْدَ تَخَاصُمِهِمَا وَتَنَازُعِهِمَا فِي الْوَلَدِ، أَيْ سَاقَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) هَذَا (ابْنُ أَخِي) عُتْبَةَ (قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ) بِشَدِّ الْيَاءِ (فِيهِ) وَلِلْقَعْنَبِيِّ: عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ. زَادَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ (وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هُوَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) وَلِلْقَعْنَبِيِّ: «فَنَظَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَإِذَا هُوَ أَشْبَهُ النَّاسِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ لَكَ) » زَادَ الْقَعْنَبِيُّ: هُوَ أَخُوكَ (يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ) بِضَمِّ الدَّالِ عَلَى الْأَصْلِ، وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا وَنَصْبِ نُونِ ابْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَسَقَطَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَدَاةُ النِّدَاءِ فَبَنَى عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: إِنَّمَا مَلَّكَهُ إِيَّاهُ لِأَنَّهُ ابْنُ أَمَةِ أَبِيهِ لَا أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِهِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ فَالرِّوَايَةُ إِنَّمَا هِيَ بِالْيَاءِ، وَعَلَى تَسْلِيمِ إِسْقَاطِهَا فَعَبْدٌ هَنَا عَلَمٌ وَالْعَلَمُ يُحْذَفُ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ، وَمِنْهُ: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29] (سورة يُوسُفَ: الْآيَةُ 29) اهـ. وَرِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ صَرِيحَةٌ فِي رَدِّ هَذَا الزَّعْمِ، وَلِذَا قَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ لَكَ، أَيْ هُوَ أَخُوكَ كَمَا ادَّعَيْتَ. قَضَى فِي ذَلِكَ بِعِلْمِهِ لِأَنَّ زَمْعَةَ كَانَ صِهْرَهُ فَفِرَاشُهُ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَى عَبْدٍ عَلَى أَبِيهِ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَثْبُتْ إِقْرَارُهُ بِهِ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا لِاسْتِلْحَاقِ عَبْدٍ لَهُ ; لِأَنَّ الْأَخَ لَا يَصْلُحُ اسْتِلْحَاقُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَفِي الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ خِلَافٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَلَى أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَعْنَى هُوَ لَكَ، أَيْ بِيَدِكَ تَمْنَعُ مِنْهُ مِنْ سِوَاكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 كَمَا قَالَ فِي اللُّقَطَةِ: هِيَ لَكَ، أَيْ بِيَدِكَ تَدْفَعُ غَيْرَكَ عَنْهَا حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا لَا عَلَى أَنَّهَا مِلْكٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهُ ابْنًا لِزَمْعَةَ ثُمَّ يَأْمُرَ أُخْتَهُ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ، وَلَمَّا كَانَ لِعَبْدٍ شَرِيكٌ فِيمَا ادَّعَاهُ وَهُوَ أُخْتُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْهَا تَصْدِيقَهُ أَلْزَمَ عَبْدًا مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ أُخْتِهِ ; إِذْ لَمْ تُصَدِّقْهُ فَلَمْ يَجْعَلْهُ أَخًا لَهَا وَأَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ، وَنَصُّ زِيَادَةِ الْقَعْنَبِيِّ: هُوَ أَخُوكَ، وَقِيَاسُهَا عَلَى اللُّقَطَةِ فَاسِدٌ ; لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ هَذَا، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ. . . إِلَخْ، مَمْنُوعٌ وَسَنَدُهُ أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَ زَوْجَتِهِ مِنْ رُؤْيَةِ أَخِيهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ: لَمْ يُصَدِّقْهُ، فَإِنَّهُ أَقَرَّ قَوْلَهُ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وَقَالَ: هُوَ لَكَ هُوَ أَخُوكَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَيْ هُوَ لَكَ عَبْدٌ ابْنُ أَمَةِ أَبِيكَ، فَكُلُّ أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا فَوَلَدُهَا عَبْدٌ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: يُرِيدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْحَدِيثِ اعْتِرَافُ سَيِّدِهَا بِأَنَّهُ كَانَ يُلِمُّ بِهَا وَلَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ، وَالْأُصُولُ تَدْفَعُ قَوْلَ ابْنِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقَضَاءُ بِأَنَّهُ عَبْدٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ قَوْلَهُ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي. اهـ. وَأَيْضًا فَيَرُدُّهُ زِيَادَةُ الْقَعْنَبِيِّ فَإِنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ فَتُقْبَلُ، وَقَدْ خَرَّجَهَا الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا يَصِحُّ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالْأُخُوَّةِ إِرَادَةُ مَا قَالَهُ الطَّبَرِيُّ، وَقَوْلُهُ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِزَمْعَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَى عَبْدٍ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ وَأُخُوَّتِهِ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا تَدَّعِيهِ فِيمَا يَخُصُّكَ، وَعَبْدٌ انْفَرَدَ بِمِيرَاثِ زَمْعَةَ لِأَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ وَسَوْدَةُ أُخْتُهُ مَسْلِمَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لِعَبْدٍ بَيْعُهُ وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ بُنُوَّتُهُ لِزَمْعَةَ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: يُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ إِذَا ادَّعَى صَاحِبُ فِرَاشٍ وَصَاحِبُ زِنًى ; لِأَنَّهُ مَا قَبِلَ عَلَى عُتْبَةَ قَوْلَ أَخِيهِ سَعْدٍ وَلَا عَلَى زَمْعَةَ أَنَّهُ أَوْلَدَهَا هَذَا الْوَلَدَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخْبَرَ عَنْ غَيْرِهِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ حَكَى اللَّهُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ دَاوُدَ وَالْمَلَائِكَةِ: {إِذْ دَخَلُوا عَلَى} [ص: 22] (سورة ص: الْآيَةُ 22) الْآيَةَ، وَلَمْ يَكُونُوا خَصْمَيْنِ وَلَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً، وَلَكِنَّهُمْ كَلَّمُوهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ لِيَعْرِفَ بِهَا مَا أَرَادُوا تَعْرِيفَهُ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ حُكْمٌ فِيمَا دَنَا فِيهِ التَّنَازُعُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَابْنُ الْعَرَبِيِّ: بِأَنَّهُ كَيْفَ يُقَالُ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ وَقَدْ مَكَّنَ عَبْدًا مِنْ أُخُوَةِ الْغُلَامِ؟ (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ) (الْ) لِلْعَهْدِ، أَيِ الْوَلَدُ لِلْحَالَةِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الِافْتِرَاشُ، أَيْ تَأَتِّي الْوَطْءِ، فَالْحُرَّةُ فِرَاشٌ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا مَعَ إِمْكَانِ الْوَطْءِ وَالْحَمْلِ فَلَا يَنْتَفِي عَنْ زَوْجِهَا سَوَاءٌ أَشْبَهَهُ أَمْ لَا، وَتَجْرِي بَيْنَهُمَا الْأَحْكَامُ مِنْ إِرْثٍ وَغَيْرِهِ، إِلَّا بِلِعَانٍ، وَالْأَمَةُ إِنْ أَقَرَّ سَيِّدُهَا بِوَطْئِهَا أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِنْ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ. وَقَدَّرُوا مُضَافًا، أَيْ صَاحِبُ الْفِرَاشِ وَهُوَ الزَّوْجُ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ جَرِيرٍ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 بَاتَتْ تُعَانِقُهُ وَبَاتَ فِرَاشُهَا ... خَلِقَ الْعَبَاءَةِ فِي الدِّمَاءِ قَتِيلَا. أَيْ صَاحِبُ فِرَاشِهَا يَعْنِي زَوْجَهَا. قَالَ عِيَاضٌ: وَالْفِرَاشُ وَإِنْ صَحَّ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْفِرَاشُ الْمَعْهُودُ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ قِيلَ أَيْ وَجَزَمَ بِهِ الْبَاجِيُّ أَنَّ إِطْلَاقَ الْفِرَاشِ عَلَى الزَّوْجِ لَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ. الْمَازِرِيُّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحُرَّةَ لَمَّا كَانَتْ لَا تُرَادُ إِلَّا لِلْوَطْءِ جُعِلَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ، وَالْأَمَةُ تُشْتَرَى لِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ فَلَا تَكُونُ فِرَاشًا حَتَّى يَثْبُتَ الْوَطْءُ، قَالَ: وَشَذَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَمَةِ فَقَالَ: لَا تَكُونُ فِرَاشًا إِلَّا بِوَلَدٍ اسْتَلْحَقَهُ فَمَا تَلِدُهُ بَعْدَهُ فَهُوَ لَهُ إِنْ لَمْ يَنْفِهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْأَمَةَ لَوْ صَارَتْ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ لَصَارَتْ فِرَاشًا بِالْمِلْكِ، وَتَعَلَّقَ بِهَا أَحْكَامُ الْحُرَّةِ عَلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ. وَمَا قَالَهُ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَمَّا لَمْ تُرَدْ لِلْوَطْءِ جَعَلَ الشَّرْعُ الْعَقْدَ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ، وَتَنَازَعَ الْفَرِيقَانِ الْحَدِيثَ، فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ: هُوَ رَدٌّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِزِمْعَةَ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: هُوَ يَرُدُّ عَلَيْكُمْ لِأَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِزَمْعَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِوَطْئِهَا. وَالْجَوَابُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ زَمْعَةَ عُرِفَ وَطْؤُهُ لَهَا بِاعْتِرَافِهِ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِاسْتِفَاضَةٍ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ اضْطَرَّنَا إِلَيْهِ مَا ذَكَرْتُمْ مِنِ اتِّفَاقِنَا جَمِيعًا عَلَى مَنْعِ إِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ سَبَبُهُ، وَاخْتَلَفَا فِي السَّبَبِ فَقُلْنَا: ثُبُوتُ الْوَطْءِ. وَقُلْتُمْ: اسْتِلْحَاقُ وَلَدٍ سَابِقٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ سَابِقٌ، وَثُبُوتُ الْوَطْءِ لَا يُعْلَمُ عَدَمُهُ فَامْتَنَعَ تَأْوِيلُكُمْ وَأَمْكَنَ تَأْوِيلُنَا فَوَجَبَ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ. اهـ. ثُمَّ اللَّفْظُ عَامٌّ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ وَالْمُعْتَبَرُ عُمُومُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَقِيلَ: يُقْصَرُ عَلَى السَّبَبِ لِوُرُودِهِ فِيهِ وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْ غَيْرِهِ، وَصُورَةُ السَّبَبِ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَامُّ قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لِوُرُودِهِ فِيهَا فَلَا تُخَصُّ مِنْهُ بِالِاجْتِهَادِ. قَالَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا يَنْبَغِي عِنْدِي أَنْ يَكُونَ إِذَا دَلَّتْ قَرَائِنُ حَالِيَّةٌ أَوْ مَقَالِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يَشْمَلُهُ بِطَرِيقٍ لَا مَحَالَةَ وَإِلَّا فَقَدَ يُنَازِعُ الْخَصْمُ فِي دُخُولِهِ وَضْعًا تَحْتَ اللَّفْظِ الْعَامِّ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْعَامِّ إِخْرَاجَ السَّبَبِ وَبَيَانَ أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ الْقَائِلِينَ أَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ الْمُسْتَفْرَشَةِ لَا يَلْحَقُ سَيِّدَهَا مَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِلْحَاقِ الْإِقْرَارُ، لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ". وَإِنْ كَانَ وَارِدًا فِي أَمَةٍ فَهُوَ وَارِدٌ لِبَيَانِ حُكْمِ ذَلِكَ الْوَلَدِ، وَبَيَانُ حُكْمِهِ إِمَّا بِالثُّبُوتِ أَوْ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْفِرَاشَ هِيَ الزَّوْجَةُ لِأَنَّهَا الَّتِي يُتَّخَذُ لَهَا الْفِرَاشُ غَالِبًا، وَقَالَ: " «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» " كَانَ فِيهِ حَصْرُ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْحُرَّةِ، وَبِمُقْتَضَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلْأَمَةِ، فَكَانَ فِيهِ بَيَانُ الْحُكْمَيْنِ جَمِيعًا، نَفْيِ النَّسَبِ عَنِ السَّبَبِ وَإِثْبَاتِهُ لِغَيْرِهِ، وَلَا يَلِيقُ دَعْوَى الْقَطْعِ هُنَا وَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ نِزَاعٌ فِي أَنَّ اسْمَ الْفِرَاشِ هَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ، أَوْ لِلْحُرَّةِ فَقَطْ؟ فَالْحَنَفِيَّةُ يَدَّعُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 الثَّانِيَ فَلَا عُمُومَ عِنْدَهُمْ لَهُ فِي الْأَمَةِ، فَتَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَوْ بِخُصُوصِ السَّبَبِ. نَعَمْ، تَرْكِيبُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِهِ عَلَى حُكْمِ السَّبَبِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا مِنْ قَوْلِهِ لِلْفِرَاشِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا الْبَحْثِ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ جِدًّا. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا أَصْلٌ فِي إِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِصَاحِبِ الْفِرَاشِ وَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ. اهـ. (وَلِلْعَاهِرِ) الزَّانِي، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ عَهِرَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ: إِذَا أَتَاهَا لِلْفُجُورِ، وَعَهِرَتْ هِيَ وَتَعَهَّرَتْ: إِذَا زَنَتْ، وَالْعُهْرُ: الزِّنَى، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: " «اللَّهُمَّ أَبْدِلِ الْعُهْرَ بِالْعِفَّةِ» ". قَالَهُ عِيَاضٌ (الْحَجَرُ) أَيْ الْخَيْبَةُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَدِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِي حِرْمَانِ الشَّخْصِ: لَهُ الْحَجَرُ وَبِفِيهِ التُّرَابُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيُرِيدُونَ لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْخَيْبَةُ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، أَيْ الرَّجْمُ بِالْحِجَارَةِ، وَضُعِّفَ بِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ زَانٍ يُرْجَمُ بَلِ الْمُحْصَنُ، وَأَيْضًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ رَجْمِهِ نَفْيُ الْوَلَدِ، وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ فِي نَفْيِهِ عَنْهُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ الرَّجْمَ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْجُمُ زَانِيَ الْمُشْرِكِينَ، لَكِنَّ اللَّفْظَ خَرَجَ عَلَى الْعُمُومِ، وَلَمَّا قَصَدَ عَيْبَ الزِّنَى أَخْبَرَ بِأَشَدِّ أَحْكَامِهِ. لَطِيفَةٌ: كَانَ أَبُو الْعَيْنَا الشَّاعِرُ الْأَعْمَى كَثِيرَ الدُّعَابَةِ وَشَدِيدَ الِانْتِزَاعِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، فَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَتَى بَعْضُ مَنْ يُرِيدُ دُعَابَتَهُ فَهَنَّأَهُ بِالْوَلَدِ وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَجَرًا وَذَهَبَ، فَلَمَّا تَحَرَّكَ أَبُو الْعَيْنَا وَجَدَ الْحَجَرَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ فَقِيلَ: فُلَانٌ، فَقَالَ: عَرَّضَ بِي وَاللَّهِ ابْنُ الْفَاعِلَةِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» ". وَلَهُ سَبَبٌ غَيْرُ قِصَّةِ ابْنِ زَمْعَةَ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " «لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا ابْنِي، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا دَعْوَةَ فِي الْإِسْلَامِ، ذَهَبَ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْأَثْلَبُ، قِيلَ: وَمَا الْأَثْلَبُ؟ قَالَ: الْحَجَرُ» ". وَسَقَطَ قَوْلُهُ: وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. هَذَا الْحَدِيثُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَدْ أَتْقَنَهُ وَجَوَّدَهُ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ ثَابِتَةٌ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (ثُمَّ قَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ (احْتَجِبِي مِنْهُ) أَيْ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (لِمَا) بِكَسْرِ اللَّامِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ، أَيْ لِأَجْلِ مَا (رَأَى) وَلِلتُّنِيسِيِّ: رَآهُ (مِنْ شَبَهِهِ) الْبَيِّنِ (بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَتْ) عَائِشَةُ (فَمَا رَآهَا) عَبْدُ الرَّحْمَنِ (حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ) أَيْ مَاتَ. قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: قِيلَ هُوَ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَغْلِيظِ أَمْرِ الْحِجَابِ عَلَيْهِنَّ وَزِيَادَتِهِنَّ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِنَّ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَهُوَ كَقَوْلِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةَ وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِمَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: " «احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقَالَتَا: إِنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 أَعْمَى، فَقَالَ: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ» ؟ ". وَقَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: «انْتَقِلِي إِلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ تَضَعِينَ ثِيَابَكَ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَرَاكِ» . فَأَبَاحَ لَهَا مَا مَنَعَهُ لِأَزْوَاجِهِ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَخُوهَا مَا أَمَرَهَا أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ بُعِثَ بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ. وَقَدْ قَالَ لِعَائِشَةَ فِي عَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ: " «إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ» ". وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ أَخُوهَا لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَإِقْرَارِ مَنْ يَلْزَمُهُ إِقْرَارُهُ، وَزَادَهُ بُعْدًا فِي الْقُلُوبِ شَبَهُهُ بِعُتْبَةَ، أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ. قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: وَجَوَابُ الْمُزَنِيِّ هَذَا أَصَحُّ فِي النَّظَرِ وَأَجْرَى عَلَى الْقَوَاعِدِ مِنْ قَوْلِ سَائِرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَخُوهَا لِأَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِفِرَاشِ زَمْعَةَ وَقَضَى بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ، وَمَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ بِأَمْرِهَا بِالِاحْتِجَابِ حُكْمًا آخَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ رُؤْيَةِ أَخِيهَا. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: جَعَلَ لِلزِّنَى حُكْمَ التَّحْرِيمِ فَمَنَعَهَا مِنْ رُؤْيَةِ أَخِيهَا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَخِيهَا فِي غَيْرِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ مِنْ زِنًى فِي الْبَاطِنِ. وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُمْ نَسَبُوا لَهُ أَنَّهُ جَعَلَهُ أَخَاهَا مَنْ وَجْهٍ وَغَيْرَ أَخِيهَا مِنْ وَجْهٍ، وَهَذَا لَا يُعْقَلُ وَلَا يَجُوزُ إِضَافَتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِشَبَهِ عُتْبَةَ فِي الْبَاطِنِ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُلَاعِنَةِ: إِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى شَبَهِ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ فَهُوَ لَهُ، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَأَمْضَى حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ. وَفِي التَّمْهِيدِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ لِقَطْعِ الذَّرِيعَةِ بَعْدَ حُكْمِهِ بِالظَّاهِرِ فَكَأَنَّهُ حَكَمَ بِحُكْمَيْنِ: حُكْمٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَحُكْمٍ بَاطِنٍ وَهُوَ الِاحْتِجَابُ لِأَجْلِ الشَّبَهِ، كَأَنَّهُ قَالَ لِسَوْدَةَ: لَيْسَ لَكِ بِأَخٍ إِلَّا فِي حُكْمِ اللَّهِ بِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ فَاحْتَجِبِي مِنْهُ لِشَبَهِهِ بِعُتْبَةَ. وَقَالَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَضَارَعَ فِيهِ قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ. اهـ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَيْسَ هَذَا مِنْ مَعْنَى الذَّرَائِعِ، وَإِنَّمَا هُوَ لَوْ صَحَّ مَا تَأَوَّلَهُ مِنْ تَغْلِيبِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَهُوَ وَجْهٌ قَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَالْأَمَةِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ تَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ النَّسَائِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ لِسَوْدَةَ: لَيْسَ لَكِ بِأَخٍ» . وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: إِنَّهَا زِيَادَةٌ لَمْ تَثْبُتْ، وَأَعَلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ " «لَيْسَ لَكِ بِأَخٍ» " أَيْ شَبَهًا، فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ لِعَبْدٍ " هُوَ أَخُوكَ ". قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَوْ مَعْنَاهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِيرَاثِ مِنْ زَمْعَةَ لِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا وَخَلَّفَ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ وَالْوَلَدَ الْمَذْكُورَ وَسَوْدَةَ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي إِرْثِهِ، بَلْ حَازَهُ عَبْدٌ قَبْلَ الِاسْتِلْحَاقِ، فَإِذَا اسْتَلْحَقَ الِابْنَ الْمَذْكُورَ شَارَكَهُ فِي الْإِرْثِ دُونَ سَوْدَةَ، فَلِذَا قَالَ: لِعَبْدٍ هُوَ أَخُوكَ، وَقَالَ لِسَوْدَةَ: لَيْسَ لَكِ بِأَخٍ. اهـ. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافَقُوهُ بِالْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِ الْأَخِ لِأَخِيهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرُهُ ; لِأَنَّ زَمْعَةَ لَمْ يَسْتَلْحِقْ وَلَا اعْتَرَفَ بِالْوَطْءِ فَلَيْسَ إِلَّا اسْتِلْحَاقُ أَخِيهِ، وَأَبَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّ فِيهِ إِثْبَاتَ حُقُوقٍ عَلَى الْأَبِ بِغَيْرِ إِقْرَارِهِ، وَقَدْ أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَرَسُولُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18] (سورة فَاطِرٍ: الْآيَةُ 18) وَقَالَ لِأَبِي رَمْثَةَ فِي ابْنِهِ: " «إِنَّكَ لَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 يَجْنِي عَلَيْكَ» ". قَالَ عِيَاضٌ: وَالْجَوَابُ أَنَّهُ بَقِيَ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَطْءُ زَمَعَةَ بِاسْتِفَاضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اعْتِرَافٍ، وَإِنَّمَا يَصْعُبُ هَذَا عَلَى الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ: لَا يَثْبُتُ الْفِرَاشُ إِلَّا بِوَلَدٍ سَابِقٍ وَلَا وَلَدٌ سَابِقٌ هُنَا وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَشْتَرِطُ أَنْ لَا يَكُونَ وَارِثٌ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ فَحَتَّى يُوَافِقَهُ جَمِيعُ الْأَوْلَادِ وَعَبْدٌ ثَمَّ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَهِيَ سَوْدَةُ وَلَمْ تُسْتَلْحَقْ مَعَهُ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُ بِالْحَدِيثِ. وَأَجَابَ أَصْحَابُهُ بِأَنَّ زَمْعَةَ مَاتَ كَافِرًا وَسَوْدَةُ مَسْلِمَةٌ لَا تَرِثُ مِنْهُ، فَصَارَتْ كَالْعَدَمِ وَعَبْدٌ كَأَنَّهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ، وَرَدَّهُ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا وَإِنْ مُنِعَتِ الْمِيرَاثَ فَهِيَ ابْنَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا إِذْ لَا يُلْحِقُ أَخُوهَا عَلَيْهَا مَنْ لَمْ تَرْضَهُ. قَالَ: وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ أَنَّ الزِّنَى يُحَرِّمُ الْحَلَالَ، وَجَعَلُوا الْأَمْرَ بِالِاحْتِجَابِ وَاجِبًا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِهِ وَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الزِّنَى لَا يُحَرِّمُ حَلَالًا إِلَّا مَا جَرَى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَحِلُّ لِلزَّانِي نِكَاحُ مَنْ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ، وَأَحَلَّهَا ابْنُ الْمَاجِشُونَ طَرْدًا لِلْأَصْلِ وَإِبْطَالًا لِحُكْمِ الْحَرَامِ. اهـ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ احْتِجَابِهَا لَا يَلِيقُ بِمَرَاتِبِهِمْ لَا سِيَّمَا الْمُزَنِيُّ فِي جَعْلِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ مَكَّنَ عَبْدًا مِنْ أُخُوَّةِ الْغُلَامِ وَحَجَبَ سَوْدَةَ عَنِ الْخُلْطَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْأُخُوَّةِ وَلَمْ يُرَاعِ شَبَهًا وَلَوْ رَاعَاهُ لَرَاعَاهُ فِي الْإِلْحَاقِ. وَاحْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّ الْفَرْعَ إِذَا أَشْبَهَ أَصْلَيْنِ وَدَارَ بَيْنَهُمَا يُعْطَى حُكْمًا بَيْنَ حُكْمَيْنِ ; إِذْ لَوْ أُعْطِيَ حُكْمَ أَحَدِهِمَا لَزِمَ إِلْغَاءُ شَبَهِهِ بِالْآخَرِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ أَشْبَهُهُ، وَبَيَانُهُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أُعْطِيَ حُكْمَ الْفِرَاشِ فَأُلْحِقَ النَّسَبُ وَلَمْ يُمَحِّضْهُ فَأَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ لِلشَّبَهِ، وَلَمْ يُمَحِّضْهُ فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ صُورَةَ النِّزَاعِ فِي الْقَاعِدَةِ إِنَّمَا هِيَ إِذَا دَارَ الْفَرْعُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ يَقْتَضِي الشَّرْعُ إِلْحَاقَهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالشَّبَهُ هُنَا لَا يَقْتَضِي الشَّرْعُ إِلْحَاقَهُ بِعُتْبَةَ فَأَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ احْتِيَاطًا وَإِرْشَادًا إِلَى مَصْلَحَةٍ وُجُودِيَّةٍ لَا عَلَى الْوُجُوبِ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ. اهـ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَيْعِ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ قَزْعَةَ، وَفِي الْوَصَايَا وَفَتْحِ مَكَّةَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَفِي الْفَرَائِضِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْأَحْكَامِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ «الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ» مِنْ أَصَحِّ مَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ عَنْ بِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَنَّ امْرَأَةً هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ حِينَ حَلَّتْ فَمَكَثَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا تَامًّا فَجَاءَ زَوْجُهَا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَدَعَا عُمَرُ نِسْوَةً مِنْ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ قُدَمَاءَ فَسَأَلَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ أَنَا أُخْبِرُكَ عَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا حِينَ حَمَلَتْ مِنْهُ فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ فَحَشَّ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَلَمَّا أَصَابَهَا زَوْجُهَا الَّذِي نَكَحَهَا وَأَصَابَ الْوَلَدَ الْمَاءُ تَحَرَّكَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَكَبِرَ فَصَدَّقَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ عُمَرُ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْكُمَا إِلَّا خَيْرٌ وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْأَوَّلِ   1450 - 1414 - (مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ) بِلَا يَاءٍ عِنْدَ كَثِيرِينَ وَبِالْيَاءِ، وَصُحِّحَ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) تَيْمِ قُرَيْشٍ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الحديث: 1450 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 بِتَحْتِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ) وَاسْمُهُ حُذَيْفَةُ، وَقِيلَ: سَهْلُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ، صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ، أخِي أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ ثَمَانِ سِنِينَ، قَالَ الْخَطِيبُ فِي الْمُتَّفَقِ: ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الَّذِي اسْتُشْهِدَ بِالطَّائِفِ ; لِأَنَّ هَذَا قَدْ رَوَى عَنْهُ عُرْوَةُ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، قَالَ: " «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ» ". أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ، وَعُرْوَةُ وَكَذَا سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وُلِدَا بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُدَّةٍ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ عُرْوَةُ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ الْأَكْبَرُ، وَلَا أَنَّ سُلَيْمَانَ يَحْكِي عَنْهُ مَا وَقَعَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَإِنْكَارُ بَعْضِهِمْ أَنْ يَكُونَ لِأُمِّ سَلَمَةَ أَخٌ غَيْرُ الَّذِي اسْتُشْهِدَ بِالطَّائِفِ، وَتَرْجِيحُ الْخَطِيبِ لَهُ بِأَنَّ أَهْلَ النَّسَبِ لَمْ يَذْكُرُوهُ - لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي لَوْ كَانَ، وَإِلَّا فَعَدَمُ الذِّكْرِ لَا يَقْتَضِي النَّفْيَ، وَيَلْزَمُ عَلَى الْإِنْكَارِ رَدُّ الْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ بِلَا مُسْتَنَدٍ، وَتَجْوِيزُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَمْنُوعٌ فَالْأَصْلُ خِلَافُهُ. (أَنَّ امْرَأَةً هَلَكَ) مَاتَ (عَنْهَا زَوْجُهَا فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ حِينَ حَلَّتْ) بِحَسَبِ الظَّاهِرِ (فَمَكَثَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا تَامًّا، فَجَاءَ زَوْجُهَا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ) لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ (فَدَعَا عُمَرُ نِسْوَةً مِنْ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ قُدَمَاءَ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَالْمَدِّ، جَمْعُ قَدِيمَةٍ، أَيْ مُسِنَّاتٍ لَهُنَّ مَعْرِفَةٌ (فَسَأَلَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ) لِيَعْلَمَ هَلْ يَصِحُّ خَفَاءُ الْحَمْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ مَعَ تَيَقُّنِهَا انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ (فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَنَا أُخْبِرُكَ عَنْ) حَالِ (هَذِهِ الْمَرْأَةِ: هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا حِينَ حَمَلَتْ مِنْهُ فَأُهْرِيقَتْ) صَبَّتْ بِكَثْرَةٍ (عَلَيْهِ) أَيِ الْحَمْلِ (الدِّمَاءُ) بِالرَّفْعِ نَائِبُ الْفَاعِلِ (فَحَشَّ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ، قَالَ أَبُو عَبِيدٍ الْهَرَوِيُّ: أَيْ يَبِسَ (وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا) فَلَمْ يَتَحَرَّكْ لِضَعْفِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ ضَمُرَ وَنَقَصَ (فَلَمَّا أَصَابَهَا) وَطِئَهَا (زَوْجُهَا الَّذِي نَكَحَهَا) عَقَدَ عَلَيْهَا (وَأَصَابَ الْوَلَدَ) مَفْعُولٌ، فَاعِلُهُ (الْمَاءُ تَحَرَّكَ الْوَلَدُ) (وَكَبِرَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ لِانْتِعَاشِهِ بِالْمَاءِ (فَصَدَّقَهَا عُمَرُ بْنُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 الْخِطَابِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ (وَقَالَ عُمَرُ: أَمَا) بِخِفَّةِ الْمِيمِ (إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْكُمَا إِلَّا خَيْرٌ) لِلْعُذْرِ الْمَذْكُورِ (وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْأَوَّلِ) الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ إِذِ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُلِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَتَى رَجُلَانِ كِلَاهُمَا يَدَّعِي وَلَدَ امْرَأَةٍ فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَائِفًا فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَقَالَ الْقَائِفُ لَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ ثُمَّ دَعَا الْمَرْأَةَ فَقَالَ أَخْبِرِينِي خَبَرَكِ فَقَالَتْ كَانَ هَذَا لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ يَأْتِينِي وَهِيَ فِي إِبِلٍ لِأَهْلِهَا فَلَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَظُنَّ وَتَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَمَرَّ بِهَا حَبَلٌ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاءٌ ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا هَذَا تَعْنِي الْآخَرَ فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ قَالَ فَكَبَّرَ الْقَائِفُ فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلَامِ وَالِ أَيَّهُمَا شِئْتَ   1451 - 1415 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الْمَدَنِيِّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُلِيطُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ، يُلْصِقُ، أَيْ يُلْحِقُ (أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنِ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ) إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فِرَاشٌ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ أَنْ أَحْكَمَ اللَّهُ شَرِيعَتَهُ فَلَا يَلْحَقُ وَلَدُ الزِّنَى بِمُدَّعِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَانَ هُنَاكَ فِرَاشٌ أَمْ لَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (فَأَتَى رَجُلَانِ كِلَاهُمَا يَدَّعِي وَلَدَ امْرَأَةٍ، فَدَعَا عُمَرُ قَائِفًا) بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ (فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، فَقَالَ الْقَائِفُ: لَقَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ فَضَرَبَهُ) أَيِ الْقَائِفَ (عُمَرُ بِالدِّرَّةِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ مَاءَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَاءٍ وَاحِدٍ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] (سورة الْحُجُرَاتِ: الْآيَةُ 13) وَلَمْ يَقُلْ مِنْ ذَكَرَيْنِ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ قَوْلَهُ شَيْئًا كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ مَنْ لَا يَرَى الْقَافَةَ، فَإِنَّ قَضَاءَ عُمَرَ بِالْقَافَةِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى شَاهِدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ حَكَمَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ فَقَالَ: وَالِ أَيَّهُمَا شِئْتَ. قَالَهُ الْبَاجِيُّ (ثُمَّ دَعَا الْمَرْأَةَ فَقَالَ: أَخْبِرِينِي خَبَرَكِ، فَقَالَتْ: كَانَ هَذَا) تُشِيرُ (لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ يَأْتِينِي وَهِيَ) الْتِفَاتٌ وَالْأَصْلُ وَأَنَا (فِي إِبِلٍ لِأَهْلِهَا فَلَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَظُنَّ) هُوَ (وَتَظُنَّ) هِيَ (أَنَّهُ قَدِ اسْتَمَرَّ) أَيْ دَامَ وَثَبَتَ (بِهَا حَبَلٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، أَيْ حَمَلَتْ بِالْوَلَدِ (ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا فَأُهْرِيقَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ هِيَ (عَلَيْهِ دَمًا ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا هَذَا - تَعْنِي الْآخَرَ - فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ) أَيِ الحديث: 1451 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 الْوَلَدُ (قَالَ) سُلَيْمَانُ (فَكَبَّرَ الْقَائِفُ) سُرُورًا بِمُوَافَقَةِ قَوْلِهِ (فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلَامِ: وَالِ أَيَّهُمَا) أَيِ الرَّجُلَيْنِ (شِئْتَ) وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُوَالِي إِذَا بَلَغَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَلَهُ مُوَالَاتُهُمَا جَمِيعًا، وَيَكُونُ ابْنًا لَهُمَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَوْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى أَحَدُهُمَا فِي امْرَأَةٍ غَرَّتْ رَجُلًا بِنَفْسِهَا وَذَكَرَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَقَضَى أَنْ يَفْدِيَ وَلَدَهُ بِمِثْلِهِمْ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَالْقِيمَةُ أَعْدَلُ فِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ   1451 - 1416 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَوْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) شَكَّ الرَّاوِي (قَضَى أَحَدُهُمَا فِي امْرَأَةٍ غَرَّتْ رَجُلًا بِنَفْسِهَا وَذَكَرَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ) وَهِيَ أَمَةٌ (فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، فَقَضَى أَنْ يَفْدِيَ وَلَدَهُ بِمِثْلِهِمْ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ جَمِيعًا، وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ: رَقِيقٌ وَلَا قِيمَةَ فِيهِمْ عَلَى أَحَدٍ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهُوَ الْقِيَاسُ لَكِنَّهُمْ تَرَكُوهُ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ، وَعَلَى الْأَبِ قِيمَتُهُمْ. أَبُو عُمَرَ: لَا دَخْلَ لِلْقِيَاسِ فِيمَا يُخَالِفُ السَّلَفَ فَاتِّبَاعُهُمْ خَيْرٌ مِنَ الِابْتِدَاعِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْقِيمَةُ أَعْدَلُ) مِنَ الْمِثْلِ (فِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ) وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ أَهْلُ مَذْهَبِهِ، وَقَالَ مَرَّةً: عَلَيْهِ الْمِثْلُ. ثُمَّ رَجَعَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 [باب الْقَضَاءِ فِي مِيرَاثِ الْوَلَدِ الْمُسْتَلْحَقِ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَهْلِكُ وَلَهُ بَنُونَ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ قَدْ أَقَرَّ أَبِي أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ إِنَّ ذَلِكَ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ إِقْرَارُ الَّذِي أَقَرَّ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ مَالِ أَبِيهِ يُعْطَى الَّذِي شَهِدَ لَهُ قَدْرَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي بِيَدِهِ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَهْلِكَ الرَّجُلُ وَيَتْرُكَ ابْنَيْنِ لَهُ وَيَتْرُكَ سِتَّ مِائَةِ دِينَارٍ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَ مِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ يَشْهَدُ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ الْهَالِكَ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ فَيَكُونُ عَلَى الَّذِي شَهِدَ لِلَّذِي اسْتُلْحِقَ مِائَةُ دِينَارٍ وَذَلِكَ نِصْفُ مِيرَاثِ الْمُسْتَلْحَقِ لَوْ لَحِقَ وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ الْآخَرُ أَخَذَ الْمِائَةَ الْأُخْرَى فَاسْتَكْمَلَ حَقَّهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ وَهُوَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ تُقِرُّ بِالدَّيْنِ عَلَى أَبِيهَا أَوْ عَلَى زَوْجِهَا وَيُنْكِرُ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ إِلَى الَّذِي أَقَرَّتْ لَهُ بِالدَّيْنِ قَدْرَ الَّذِي يُصِيبُهَا مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لَوْ ثَبَتَ عَلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ إِنْ كَانَتْ امْرَأَةً وَرِثَتْ الثُّمُنَ دَفَعَتْ إِلَى الْغَرِيمِ ثُمُنَ دَيْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ ابْنَةً وَرِثَتْ النِّصْفَ دَفَعَتْ إِلَى الْغَرِيمِ نِصْفَ دَيْنِهِ عَلَى حِسَابِ هَذَا يَدْفَعُ إِلَيْهِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ عَلَى مِثْلِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى أَبِيهِ دَيْنًا أُحْلِفَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَأُعْطِيَ الْغَرِيمُ حَقَّهُ كُلَّهُ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرَّجُلَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَيَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَ حَقَّهُ كُلَّهُ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ أَخَذَ مِنْ مِيرَاثِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ قَدْرَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّهِ وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ وَجَازَ عَلَيْهِ إِقْرَارُهُ   22 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي مِيرَاثِ الْوَلَدِ الْمُسْتَلْحَقِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَهْلِكُ) بِكَسْرِ اللَّامِ، يَمُوتُ (وَلَهُ بَنُونَ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: قَدْ أَقَرَّ) اعْتَرَفَ (أَبِي أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ، إِنَّ ذَلِكَ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ) بَلْ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ. (وَلَا يَجُوزُ إِقْرَارُ الَّذِي أَقَرَّ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ مَالِ أَبِيهِ يُعْطَى الَّذِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 شَهِدَ) أَيْ أَقَرَّ لَهُ بِالْأُخُوَّةِ (قَدْرَ مَا يُصِيبُهُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي بِيَدِهِ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُهُ وَإِيضَاحُهُ بِالْمِثَالِ (أَنْ يَهْلِكَ الرَّجُلُ وَيَتْرُكَ ابْنَيْنِ لَهُ وَيَتْرُكَ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ فَيَأْخُذُ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ يَشْهَدُ) يُقِرُّ (أَحَدُهُمَا بِأَنَّ أَبَاهُ الْهَالِكَ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ، فَيَكُونُ عَلَى الَّذِي شَهِدَ) أَيْ أَقَرَّ (لِلَّذِي اسْتُلْحِقَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ لِلْمَفْعُولِ، أَيِ الْمُقَرِّ بِهِ (مِائَةُ دِينَارٍ وَذَلِكَ نِصْفُ مِيرَاثِ الْمُسْتَلْحَقِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (لَوْ لَحِقَ) وَفِي إِطْلَاقِ الِاسْتِلْحَاقِ عَلَيْهِ تَجَوُّزٌ عَنِ الْمُقَرِّ بِهِ ; لِأَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ مَخْصُوصٌ بِالْأَبِ. (وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ الْآخَرُ أَخَذَ الْمِائَةَ الْأُخْرَى فَاسْتَكْمَلَ حَقَّهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ) إِذَا كَانَ الْآخَرَانِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَوَافَقَهُ عَلَى هَذَا ابْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ وَالْكُوفِيُّونَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا بِيَدِهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ شَرِيكُهُ فَلَا يَسْتَأْثِرُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَا لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ إِذَا كَانَ ثَمَّ مِنَ الْوَرَثَةِ مَنْ يَدْفَعُهُ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَعْطَاهُ. (وَهُوَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ تُقِرُّ بِالدَّيْنِ عَلَى أَبِيهَا أَوْ عَلَى زَوْجِهَا وَيُنْكِرُ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ إِلَى الَّذِي أَقَرَّتْ لَهُ بِالدَّيْنِ قَدْرَ الَّذِي يُصِيبُهَا مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لَوْ ثَبَتَ عَلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ إِنْ كَانَتْ) الْمُقِرَّةُ (امْرَأَةً وَرِثَتِ الثُّمُنُ دَفَعَتْ إِلَى الْغَرِيمِ ثُمُنَ دَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَتِ ابْنَةً وَرِثَتِ النِّصْفَ دَفَعَتْ إِلَى الْغَرِيمِ نِصْفَ دَيْنِهِ، عَلَى حِسَابِ هَذَا يَدْفَعُ إِلَيْهِ مَنْ أَقَرَّ مِنَ النِّسَاءِ) وَعَلَى هَذَا أَصْحَابُهُ بِالْحِجَازِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ. وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ أَصْحَابَهُ كُلَّهُمْ يَرَوْنَهُ وَهْمًا مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ إِلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: بَلْ أَصْحَابُهُ كُلُّهُمْ عَلَى مَا قَالَ، وَأَنْكَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ، وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ أَحْمَدُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ إِقْرَارَ الْمُقِرِّ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ بِالدَّيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 لَمْ يَلْزَمِ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إِلَّا مِقْدَارُ حِصَّتِهِ مِنَ الْمِيرَاثِ وَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَأَيْضًا فَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَدْلَانِ مِنَ الْوَرَثَةِ بِالدَّيْنِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَكَانَ عَلَى كُلِّ وَارِثٍ قَدْرُ إِرْثِهِ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَوْ كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ لَزِمَهُمَا الدَّيْنُ كُلُّهُ فِي حِصَّتِهِمَا وَلَمْ يَلْزَمْ سَائِرَ الْوَرَثَةِ شَيْءٌ، فَكَيْفَ تَقْبَلُونَ شَهَادَةً جَرَّ بِهَا إِلَى نَفْسِهِ أَوْ دَفَعَ عَنْهَا؟ (فَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ) مِنَ الْوَرَثَةِ وَهُوَ عَدْلٌ (عَلَى مِثْلِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى أَبِيهِ دَيْنًا، أُحْلِفَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَأُعْطِيَ الْغَرِيمُ حَقَّهُ كُلَّهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ ; لِأَنَّ الرَّجُلَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَيَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَ حَقَّهُ كُلَّهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ أَخَذَ مِنْ مِيرَاثِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ قَدْرَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّهِ وَأَنْكَرَ) بَاقِي (الْوَرَثَةُ وَجَازَ عَلَيْهِ إِقْرَارُهُ) لَا عَلَيْهِمْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ، وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ مِنَ الْوَرَثَةِ مَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِلْمَ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ: يَلْزَمُ الْمُقِرَّ بِالدَّيْنِ أَدَاؤُهُ كُلَّهُ مِنْ حِصَّتِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِرْثُ وَعَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ، وَجَعَلُوا الْجَاحِدَ كَالْغَاصِبِ لِبَعْضِ مَالِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 [باب الْقَضَاءِ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يَعْزِلُوهُنَّ لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا إِلَّا أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا فَاعْزِلُوا بَعْدُ أَوْ اتْرُكُوا   23 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ 1454 - 1417 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عُمَرَ (عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا بَالُ) ، أَيْ حَالُ وَشَأْنُ (رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ) إِمَاءَهُمْ، جَمْعُ وَلِيدَةٍ (ثُمَّ يَعْزِلُوهُنَّ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْعَزْلَ الْمَعْرُوفَ، أَيْ عَزْلَ الْمَاءِ مَعَ الْجِمَاعِ بِصَبِّهِ خَارِجَ الحديث: 1454 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 الْفَرْجِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ اعْتِزَالَهُنَّ فِي الْوَطْءِ وَإِزَالَتَهُنَّ عَنْ حُكْمِ التَّسَرِّي انْتِفَاءً مِنَ الْوَلَدِ (لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا) أَيْ وَطِئَهَا (إِلَّا أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا) عَمَلًا بِحَدِيثِ: " «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» " (فَاعْزِلُوا بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ (أَوِ اتْرُكُوا) لَا يَنْفَعُكُمُ الْعَزْلُ لِأَنَّ الْمَاءَ سَبَّاقٌ قَدْ يَنْزِلُ مِنْهُ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ، وَبِهَذَا أَخَذَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ مَا لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ بَعْدَ الْعَزْلِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْكُوفِيُّونَ: لَا يَلْحَقُ بِهِ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا أَمْ لَا، كَانَتْ مِمَّنْ تُخْرِجُ أَمْ لَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يَدَعُوهُنَّ يَخْرُجْنَ لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا إِلَّا قَدْ أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا فَأَرْسِلُوهُنَّ بَعْدُ أَوْ أَمْسِكُوهُنَّ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا جَنَتْ جِنَايَةً ضَمِنَ سَيِّدُهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ قِيمَتِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ جِنَايَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا   1455 - 1418 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، الثَّقَفِيَّةِ، زَوْجِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ) أَيْ نَافِعًا (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائَدَهُمْ ثُمَّ يَدَعُونَهُنَّ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالدَّالِ، يَتْرُكُونَهُنَّ (يَخْرُجْنَ) أَيْ ثُمَّ يَتَوَقَّفُونَ فِيمَا وَلَدْنَ (لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا) جَامَعَهَا، وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ (وَلِيدَةٌ) (إِلَّا أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا) عَمَلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» ". فَإِنَّ عُمَرَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (فَأَرْسِلُوهُنَّ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ سَمَاعِكُمْ قَوْلِي (أَوْ أَمْسِكُوهُنَّ) عَنِ الْإِرْسَالِ، فَلَا يَنْفَعُكُمْ ذَلِكَ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِالْوَطْءِ. (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا جَنَتْ جِنَايَةً ضَمِنَ سَيِّدُهَا مِمَّا بَيْنَهَا) أَيِ الْجِنَايَةِ (وَبَيْنَ قِيمَتِهَا) أَيْ أُمِّ الْوَلَدِ، أَيْ يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَتِهَا جَبْرًا عَلَيْهِ. (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا) فِي الْجِنَايَةِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى مَنْعِ بَيْعِهِنَّ فِي غَيْرِ الدَّيْنِ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ جِنَايَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لَهُ. الحديث: 1455 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 [باب الْقَضَاءِ فِي عِمَارَةِ الْمَوَاتِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» قَالَ مَالِكٌ وَالْعِرْقُ الظَّالِمُ كُلُّ مَا احْتُفِرَ أَوْ أُخِذَ أَوْ غُرِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ   24 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي عِمَارَةِ الْمَوَاتِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمَوَاتُ بِالضَّمِّ الْمَوْتُ، وَبِالْفَتْحِ مَا لَا رُوحَ فِيهِ، وَالْأَرْضُ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ، وَالْمَوَتَانُ بِالتَّحْرِيكِ خِلَافُ الْحَيَوَانِ، يُقَالُ: اشْتَرِ الْمَوَتَانِ وَلَا تَشْتَرِ الْحَيَوَانَ، أَيِ اشْتَرِ الْأَرَضِينَ وَالدُّورَ وَلَا تَشْتَرِ الرَّقِيقَ وَالدَّوَابَّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَوَتَانُ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي لَمْ تَحْيَ بَعْدُ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَوَتَانُ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَمَنْ أَحْيَا مِنْهَا شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» ". 1456 - 1419 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) مُرْسَلٌ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هِشَامٍ: فَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ مُرْسَلًا كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَهُوَ أَصَحُّ، وَطَائِفَةٌ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَطَائِفَةٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ، وَطَائِفَةٌ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَابِرٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ جَابِرٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى عُرْوَةَ، فَرَوَاهُ ابْنُهُ يَحْيَى عَنْهُ عَنْ صَحَابِيٍّ لَمْ يُسَمِّهِ، وَرَوَاهُ جَرِيرٌ عَنْهُ فَقَالَ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْهُ عَنْ عَائِشَةَ. فَهَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى عُرْوَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ الْإِرْسَالُ، وَهُوَ أَيْضًا صَحِيحٌ مُسْنَدٌ، وَهُوَ حَدِيثٌ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ وَغَيْرُهُمْ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَصَحَّحَهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الضِّيَاءُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَارَةِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً» ) بِالتَّشْدِيدِ، قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: وَلَا يُقَالُ بِالتَّخْفِيفِ ; لِأَنَّهُ إِذَا خُفِّفَ تُحْذَفُ مِنْهُ تَاءُ التَّأْنِيثِ، وَالْمَيِّتَةُ وَالْمَوَاتُ وَالْمَوَتَانُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ: الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ تُعَمَّرْ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْمَيْتَةِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهَا. (فَهِيَ لَهُ) بِمُجَرَّدِ الْإِحْيَاءِ وَلَا يَحْتَاجُ لِإِذْنِ الْإِمَامِ فِي الْبَعِيدَةِ عَنِ الْعِمَارَةِ اتِّفَاقًا. قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي فَيَافِي الْأَرْضِ وَمَا بَعُدَ مِنَ الْعُمْرَانِ، فَإِنْ قَرُبَ فَلَا يَجُوزُ إِحْيَاؤُهُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ: يُحْيِيهَا مَنْ شَاءَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، قَالَهُ سَحْنُونٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَإِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيِّ، قَائِلًا: عَطِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا الحديث: 1456 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 أَثْبَتُ مِنْ عَطِيَّةِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ سُلْطَانٍ وَغَيْرِهِ. وَاسْتَحَبَّ أَشْهَبُ إِذْنَهُ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى أَحَدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُحْيِيهَا إِلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ، وَصَارَ الْخِلَافُ هَلِ الْحَدِيثُ حُكْمٌ أَوْ فَتْوَى؟ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ: لَا بُدَّ مِنَ الْإِذْنِ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي قَالَ: لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَهَذَا نَظِيرُ حَدِيثِ: " «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» ". وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: " «أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ، وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ، وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» ". جَاءَنَا بِهَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ جَاءُوا بِالصَّلَاةِ عَنْهُ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الْجَارُودِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ وَالْبِلَادُ بِلَادُ اللَّهِ، فَمَنْ أَحْيَا مِنْ مَوَاتِ الْأَرْضِ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» ". (وَلَيْسَ لِعِرْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَالتَّنْوِينِ (ظَالِمٍ) صِفَةٌ لِلْعِرْقِ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّسَاعِ، كَأَنَّ الْعِرْقَ بِغَرْسِهِ صَارَ ظَالِمًا حَتَّى كَانَ الْفِعْلُ لَهُ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ فَجَعَلَ الْعِرْقَ نَفْسَهُ ظَالِمًا وَالْحَقُّ لِصَاحِبِهِ، أَوْ يَكُونُ الظَّالِمُ مِنْ صِفَةِ الْعِرْقِ اهـ، أَيْ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ. وَرُوِيَ بِالْإِضَافَةِ فَالظَّالِمُ صَاحِبُ الْعِرْقِ وَهُوَ الْغَارِسُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَيْسَ لَهُ (حَقٌّ) فِي الْإِبْقَاءِ فِيهَا. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْعِرْقُ الظَّالِمُ كُلُّ مَا احْتُفِرَ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، أَيْ حُفِرَ (أَوْ أُخِذَ أَوْ غُرِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ) وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالتَّنْوِينِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فَقَالَ: وَاخْتَارَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ تَنْوِينَ عِرْقٍ وَذَكَرَ نَصَّهُ هَذَا، وَنَصَّ الشَّافِعِيِّ بِنَحْوِهِ، وَبِالتَّنْوِينِ جَزَمَ الْأَزْهَرِيُّ وَابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُمَا، وَبَالَغَ الْخَطَّابِيُّ فَغَلَّطَ مَنْ رَوَاهُ بِالْإِضَافَةِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فَقَدْ ثَبَتَتْ وَوَجْهُهَا ظَاهِرٌ فَلَا يَكُونُ غَلَطًا فَالْحَدِيثُ يُرْوَى بِالْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: أَصْلُ الْعِرْقِ الظَّالِمِ فِي الْغَرْسِ يَغْرِسُهُ فِي الْأَرْضِ غَيْرُ رَبِّهَا لِيَسْتَوْجِبَهَا بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ بِنَاءٍ وَاسْتِنْبَاطِ مَاءٍ أَوِ اسْتِخْرَاجِ مَعْدِنٍ، سُمِّيَتْ عِرْقًا لِشَبَهِهَا فِي الْإِحْيَاءِ بِعِرْقِ الْغَرْسِ. وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ عُرْوَةُ وَرَبِيعَةُ: الْعُرُوقُ أَرْبَعَةٌ عِرْقَانِ ظَاهِرَانِ: الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَعِرْقَانِ بَاطِنَانِ: الْمِيَاهُ وَالْمَعَادِنُ، فَلَيْسَ لِلظَّالِمِ فِي ذَلِكَ حَقٌّ فِي بَقَاءٍ أَوِ انْتِفَاعٍ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ظُلْمًا فَلِرَبِّهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ أَوْ يُخْرِجَهُ مِنْهُ وَيَدْفَعَ إِلَيْهِ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا، وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ بَقِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى حَالِهِ بِلَا عِوَضٍ. اهـ. وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا مِنَ الْأَرْضِ فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» ". وَكَثِيرٌ ضَعِيفٌ لَكِنَّ شَاهِدَهُ حَدِيثُ الْبَابِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا   1457 - 1420 الحديث: 1457 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عُمَرَ (عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ) وَالْمَيِّتَةُ الْخَرَابُ الَّتِي لَا عِمَارَةَ بِهَا، وَإِحْيَاؤُهَا عِمَارَتُهَا، شُبِّهَتْ عِمَارَةُ الْأَرْضِ بِحَيَاةِ الْأَبْدَانِ وَتَعَطُّلُهَا وَخُلُوُّهَا عَنِ الْعِمَارَةِ بِفَقْدِ الْحَيَاةِ وَزَوَالِهَا عَنْهَا. وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْمَوْقُوفِ عَقِبَ الْمَرْفُوعِ مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ بِهِ ; الْإِشَارَةُ إِلَى عَدَمِ تَطَرُّقِ نَسْخِهِ وَلِذَا أَكَّدَهُ حَيْثُ قَالَ (مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 [باب الْقَضَاءِ فِي الْمِيَاهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنِبٍ يُمْسَكُ حَتَّى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ»   25 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الْمِيَاهِ 1458 - 1421 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ) وَفِي نُسْخَةٍ: قَضَى (فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَضَمِّ الزَّايِ وَسُكُونِ الْوَاوِ آخِرُهُ رَاءٌ (وَمُذَيْنِبٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَنُونٍ مَكْسُورَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ، وَادِيَانِ يَسِيلَانِ بِالْمَطَرِ بِالْمَدِينَةِ، يَتَنَافَسُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي سَيْلِهِمَا (يُمْسَكُ) سَيْلُهُمَا، فَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ يُمْسِكُهُ الْأَعْلَى أَيِ الْأَقْرَبُ إِلَى الْمَاءِ فَيَسْقِي زَرْعَهُ أَوْ حَدِيقَتَهُ (حَتَّى الْكَعْبَيْنِ) هَكَذَا ضُبِطَ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، فَإِنْ كَانَ رِوَايَةً وَإِلَّا فَيَصِحُّ ضَبْطُهُ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ الْأَعْلَى فِي قَوْلِهِ: (ثُمَّ يُرْسِلُ الْأَعْلَى) الْمَاءَ (عَلَى الْأَسْفَلِ) الْأَبْعَدِ مِنْهُ عَنِ الْمَاءِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُهُ يَتَّصِلُ مِنْ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَهُمْ مَعْرُوفٌ مَعْمُولٌ بِهِ. وَسُئِلَ الْبَزَّارُ عَنْهُ فَقَالَ: لَسْتُ أَحْفَظُ فِيهِ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا يَثْبُتُ. اهـ. وَهُوَ تَقْصِيرٌ شَدِيدٌ مِنْ مِثْلِهِمَا فَلَهُ إِسْنَادٌ مَوْصُولٌ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْغَرَائِبِ وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَاهُ الحديث: 1458 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنَّهُ مُرْسَلُ ثَعْلَبَةَ مِنَ الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ: " يُرْسِلُ صَاحِبُ الْحَائِطِ الْأَعْلَى جَمِيعَ الْمَاءِ فِي حَائِطِهِ وَيَسْقِي حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ فِي الْحَائِطِ إِلَى كَعْبَيْ مَنْ يَقُومُ فِيهِ أَغْلَقَ مَدْخَلَ الْمَاءِ ". وَرَوَى عِيسَى فِي الْمَدَنِيَّةِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: " يَسْقِي الْأَوَّلُ حَتَّى يَرْوِيَ حَائِطَهُ ثُمَّ يُمْسِكُ بَعْدَ رَيِّهِ مَا كَانَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ إِلَى أَسْفَلَ ثُمَّ يُرْسِلُ ". وَرَوَى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ: " يُجْرِي الْأَوَّلُ مِنَ الْمَاءِ فِي سَاقِيَتِهِ إِلَى حَائِطِهِ قَدْرَ مَا يَكُونُ الْمَاءُ فِي السَّاقِيَةِ حَتَّى يَرْوِيَ حَائِطَهُ أَوْ يَفْنَى الْمَاءُ، فَإِذَا رَوَى أَرْسَلَهُ كُلَّهُ ". قَالَ ابْنُ مُزَيَّنٍ: هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ إِذَا سَقَى بِالسَّيْلِ الزَّرْعَ أَمْسَكَ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ شِرَاكَ النَّعْلِ، وَإِذَا سَقَى النَّخْلَ وَالشَّجَرَ وَمَا لَهُ أَصْلٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، وَأَحَبُّ إِلَيْنَا أَنْ يُمْسِكَ فِي الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الرَّيِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ»   1459 - 1422 - (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يُمْنَعُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ (فَضْلُ الْمَاءِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: بَعْدَ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ (لِيُمْنَعَ) مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْضًا (بِهِ الْكَلَأُ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَقْصُورَةٌ، اسْمٌ لِجَمِيعِ النَّبَاتِ ثُمَّ الْأَخْضَرَ مِنْهُ يُسَمَّى الرَّطْبُ، بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ، وَالْكَلَأُ الْيَابِسُ يُسَمَّى حَشِيشًا، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلنَّاقَةِ أَحْشَتْ وَلَدَهَا: إِذَا أَلْقَتْهُ يَابِسًا، وَحَشَتْ يَدُ فُلَانٍ: إِذَا يَبِسَتْ. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ مَنْ سَبَقَ الْمَاءَ بِفَلَاةٍ وَكَانَ حَوْلَ ذَلِكَ الْمَاءِ كَلَأٌ لَا يُوصَلُ إِلَى رَعْيِهِ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الْمَوَاشِي تَرِدُ ذَلِكَ الْمَاءَ، فَنَهَى صَاحِبَ الْمَاءِ أَنْ يَمْنَعَ فَضْلَهُ لِأَنَّهُ إِذَا مُنِعَتْ مِنْهُ مُنِعَتْ مِنْ رَعْيِ ذَلِكَ الْكَلَأِ، وَالْكَلَأُ لَا يُمْنَعُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ، قَالَهُ عِيَاضٌ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَاللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 8] (سورة الْقَصَصِ: الْآيَةُ 8) الْآيَةَ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَنَا فِي الْقَوْلِ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ لِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنْ مَنْعِ الْكَلَأِ. اهـ، وَسَبَقَهُ إِلَيْهِ الْبَاجِيُّ. وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِالنَّهْيِ عَنْ مَنْعِ الْكَلَأِ، فَصَحَّحَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي غِفَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الحديث: 1459 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 مَرْفُوعًا: " «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ وَلَا تَمْنَعُوا الْكَلَأَ، فَيَهْزِلُ الْمَالُ وَتَجُوعُ الْعِيَالُ» ". وَهُوَ مَحْمُولُ الْمَمْلُوكِ وَهُوَ الْكَلَأُ النَّابِتُ فِي أَرْضِهِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ بِالْإِحْيَاءِ، فَفِيهِ خِلَافٌ: صَحَّحَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ الْجَوَازَ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَمُطَرِّفٍ عَنْهُ فِي الْوَاضِحَةِ، وَأَنْكَرَهَا أَشْهَبُ فَلَمْ يُجِزْ بَيْعَ الْكَلَأِ بِمَالٍ وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِهِ وَمَرْجِهِ وَحِمَاهُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْوَاضِحَةِ: مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي آبَارِ الْمَاشِيَةِ الَّتِي فِي الْفَلَوَاتِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ: ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ يَنْزِلُهَا لِلرَّعْيِ لَا لِلْعِمَارَةِ فَهُوَ وَالنَّاسُ فِي الرَّعْيِ سَوَاءٌ وَلَكِنْ يَبْدُونَ بِمَالِهِمْ. الْبَاجِيُّ: بِئْرُ الْمَاشِيَةِ مَا حَفَرَهَا الرَّجُلُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فِي الْبَرَارِيِّ وَالْقِفَارِ لِشُرْبِ مَاشِيَتِهِ وَيُبِيحُ فَضْلَهَا لِلنَّاسِ، فَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ فَضْلُهَا. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُبَاعُ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ مَا حُفِرَ مِنْهَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَإِنْ حُفِرَتْ فِي قُرْبٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرِيدُ قُرْبَ الْمَنَازِلِ إِذَا حَفَرَهَا لِلصَّدَقَةِ فَمَا فُضِّلَ مِنْهَا فَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ، أَمَّا مَنْ حَفَرَهَا لِبَيْعِ مَائِهَا أَوْ سَقْيِ مَاشِيَتِهِ لَا لِلصَّدَقَةِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا اهـ. وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: هُوَ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الشُّرْبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي تَرْكِ الْحِيَلِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْبَيْعِ عَنْ يَحْيَى، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ»   1460 - 1423 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ) بِالْجِيمِ (مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ حَارِثَةَ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ (أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ) مُرْسَلًا، وَوَصَلَهُ أَبُو قُرَّةَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُمْنَعُ» ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( «نَقْعُ بِئْرٍ» ) بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَمُهْمَلَةٍ، زَادَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ: يَعْنِي فَضْلَ مَائِهَا. قَالَ الْهَرَوِيُّ: قِيلَ لَهُ " نَقْعٌ " لِأَنَّهُ يُنْقَعُ بِهِ، أَيْ يُرْوَى بِهِ، يُقَالُ: نَقَعَ بِالرَّيِّ وَشَرِبَ حَتَّى نَقَعَ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيُرْوَى وَهُوَ مَاءٌ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا: مَعْنَاهُ فَضْلُ مَاءٍ. قَالَ أَبُو الرِّجَالِ: النَّقْعُ وَالرَّهْوُ هُوَ الْمَاءُ الْوَاقِفُ الَّذِي لَا يُسْقَى عَلَيْهِ أَوْ يُسْقَى وَفِيهِ فَضْلٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ: مَعْنَاهُ الْبِئْرُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ يَسْقِي هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا، وَيَسْتَغْنِي أَحَدُهُمَا يَوْمَهُ أَوْ بَعْضَهُ عَنِ السَّقْيِ، فَيُرِيدُ صَاحِبُهُ السَّقْيَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِمَّا لَا يَنْفَعُهُ حَبْسُهُ وَلَا يَضُرُّهُ تَرْكُهُ، فَإِنِ احْتَاجَ مَنْ لَا شِرْكَ لَهُ إِلَى فَضْلِ مَائِهَا فَلَا، إِلَّا أَنْ تَنْهَارَ بِئْرُهُ فَيَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ وَيَسْقِي الحديث: 1460 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 بِفَضْلِ مَاءِ جَارِهِ إِنْ زَرَعَ أَوْ غَرَسَ عَلَى أَصْلِ مَاءٍ فَانْهَارَ وَخِيفَ عَلَى زَرْعِهِ أَوْ غَرْسِهِ وَشَرَعَ فِي إِصْلَاحِ مَا انْهَارَ وَفَضَلَ عَنْ حَاجَةِ صَاحِبِ الْمَاءِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 [باب الْقَضَاءِ فِي الْمَرْفِقِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»   26 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الْمِرْفَقِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَبِفَتْحِهَا وَكَسْرِ الْمِيمِ، مَا ارْتَفَقَ بِهِ، وَبِهِمَا قُرِئَ: {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا} [الكهف: 16] (سورة الْكَهْفِ: الْآيَةُ 16) وَمِنْهُ مِرْفَقُ الْإِنْسَانِ. 1461 - 1424 - (مَالِكٌ، عَنْ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ) بِكَسْرِ الزَّايِ، مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ الْأَنْصَارِيِّ الثِّقَةِ الْمُتَوَفَّى بَعْدَ الثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ) يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ، وَاسْمُهُ تَمِيمُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ التَّابِعِيُّ الثِّقَةُ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا ضَرَرَ» ) خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، أَيْ لَا يَضُرُّ الْإِنْسَانُ أَخَاهُ فَيُنْقِصُهُ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ (وَلَا ضِرَارَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ " فِعَالَ "، أَيْ لَا يُجَازِي مَنْ ضَرَّهُ بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ بَلْ يَعْفُو، فَالضَّرَرُ فِعْلُ وَاحِدٍ، وَالضِّرَارُ فِعْلُ اثْنَيْنِ، فَالْأَوَّلُ إِلْحَاقُ مَفْسَدَةٍ بِالْغَيْرِ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي إِلْحَاقُهَا بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمُقَابَلَةِ، أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقْصِدُ ضَرَرَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ جِهَةِ الِاعْتِدَاءِ بِالْمِثْلِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ لِلتَّأْكِيدِ، وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنَى الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ، أَيْ لَا يَضُرُّهُ ابْتِدَاءً وَلَا يُضَارُّهُ إِنْ ضَرَّهُ وَلْيَصْبِرْ، فَهِيَ مُفَاعَلَةٌ وَإِنِ انْتَصَرَ فَلَا يَعْتَدِي كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» ". يُرِيدُ بِأَكْثَرِ مِنَ انْتِصَافِكَ مِنْهُ {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] (سورة الشُّورَى: الْآيَةُ 43) وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الضَّرَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ الِاسْمُ، وَالضِّرَارُ الْفِعْلُ، أَيْ لَا تُدْخِلْ عَلَى أَحَدٍ ضِرَارًا بِحَالٍ. وَقَالَ الْخُشَنِيُّ: الضَّرَرُ الَّذِي لَكَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَعَلَى جَارِكَ فِيهِ مَضَرَّةٌ، وَالضِّرَارُ مَا لَيْسَ لَكَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَعَلَى جَارِكَ فِيهِ مَضَرَّةٌ، وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ لَفْظٌ عَامٌّ يَنْصَرِفُ فِي أَكْثَرِ الْأُمُورِ، وَالْفُقَهَاءُ يَنْزِعُونَ بِهِ فِي أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: اخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُمَا لَفْظَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ لِلتَّأْكِيدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا ضَرَرَ عَلَى أَحَدٍ، أَيْ لَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ إِضْرَارُهُ بِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ فِي الْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ; لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِيفَاءٌ لِحَقٍّ أَوْ رَدْعٍ عَنِ اسْتِدَامَةِ ظُلْمٍ، فَمَا أَحْدَثَهُ الرَّجُلُ بِعَرْصَتِهِ مِمَّا الحديث: 1461 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 يَضُرُّ بِجِيرَانِهِ مِنْ بِنَاءِ حَمَّامٍ أَوْ فُرْنٍ لِخُبْزٍ أَوْ سَبْكِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَمَلِ حَدِيدٍ أَوْ رَحًى فَلَهُمْ مَنْعُهُ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ اهـ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ حَذْفًا، أَيْ لَا لُحُوقَ أَوْ إِلْحَاقَ، أَوْ لَا فَعَلَ ضَرَرًا وَضِرَارًا بِأَحَدٍ، أَيْ لَا يَجُوزُ شَرْعًا إِلَّا لِمُوجِبٍ خَاصٍّ، فَقَيَّدَ النَّفْيَ بِالشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ بِحُكْمِ الْقَدَرِ لَا يُنْتَفَى، وَخَصَّ مِنْهُ مَا وَرَدَ لُحُوقُهُ بِأَهْلِهِ كَحَدٍّ وَعُقُوبَةِ جَانٍ وَذَبْحِ مَأْكُولٍ، فَإِنَّهَا ضَرَرٌ وَلَاحِقٌ بِأَهْلِهِ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ إِجْمَاعًا، وَفِيهِ تَحْرِيمُ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ، ثُمَّ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا فِي التَّمْهِيدِ. وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَوْصُولًا بِزِيَادَةِ: " «وَمَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» ". أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْحَاكِمُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَقْوَى مِنْهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَهُ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. وَقَالَ الْعَلَائِيُّ: لَهُ شَوَاهِدُ وَطُرُقٌ يَرْتَقِي بِمَجْمُوعِهَا إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفُتُوحِ الطَّائِيُّ فِي الْأَرْبَعِينَ لَهُ أَنَّ الْفِقْهَ يَدُورُ عَلَى خَمْسَةِ أَحَادِيثَ هَذَا أَحَدُهَا، وَمِنْ شَوَاهِدِهِ حَدِيثُ: " «مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ أَوْ مَاكَرَهُ» ". أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الصِّدِّيقِ مَرْفُوعًا وَضَعَّفَ إِسْنَادَهُ، وَقَالَ: لَكِنَّهُ مِمَّا يَخَافُ عُقُوبَةَ مَا جَاءَ فِيهِ. قَالَ: وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِ أَخِيهِ» ". وَجَابِرٌ ضَعِيفٌ اهـ، أَيْ فَلَا يُعْتَبَرُ بِزِيَادَتِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَلِلرَّجُلِ. . . إِلَخْ، فَالزِّيَادَةُ إِنَّمَا تُقْبَلُ مِنَ الثِّقَةِ إِنْ لَمْ يُخَالِفْ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ كَمَا تَقَرَّرَ، ثُمَّ الْإِنْكَارُ إِنَّمَا هُوَ وُرُودُهَا فِي حَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» ; إِذْ هُوَ حَدِيثٌ آخَرُ مُسْتَقِلٌّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ التَّالِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ خَشَبَةً يَغْرِزُهَا فِي جِدَارِهِ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ   1462 - 1425 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ: عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بَدَلَ الزُّهْرِيِّ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، وَقَالَ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، وَهِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بَدَلَ الْأَعْرَجِ، وَكَذَا قَالَ مَعْمَرٌ، رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ وَقَالَ: الْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ الْأَوَّلُ، أَيْ مَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْجَمِيعِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَمْنَعُ) بِالرَّفْعِ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّ " لَا " نَاهِيَةٌ، وَلِأَحْمَدَ: " لَا الحديث: 1462 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 يَمْنَعَنَّ " بِزِيَادَةِ نُونِ التَّوْكِيدِ وَهِيَ تُؤَكِّدُ رِوَايَةَ الْجَزْمِ (أَحَدُكُمْ جَارَهُ) الْمُلَاصِقَ لَهُ (خَشَبَةً) بِالتَّنْوِينِ مُفْرَدٌ، وَفِي رِوَايَةٍ بِالْهَاءِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ: " خَشَبَةَ " بِلَا تَنْوِينٍ، وَقَالَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ " خَشَبَةً " بِالتَّنْوِينِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاحِدَةِ الْجِنْسُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا الَّذِي يَتَعَيَّنُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَإِلَّا فَقَدْ يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى لِأَنَّ أَمْرَ الْخَشَبَةِ الْوَاحِدَةِ أَخَفُّ فِي مُسَامَحَةِ الْجَارِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ الْكَثِيرِ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمَشَايِخِ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ بِالْإِفْرَادِ، وَأَنْكَرَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ، فَقَالَ: كُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَهُ بِالْجَمْعِ إِلَّا الطَّحَاوِيَّ فَقَالَ: " خَشَبَةً " بِالتَّوْحِيدِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا إِنْ أَرَادَ خَاصًّا مِنَ النَّاسِ كَالَّذِينَ رَوَى عَنْهُمُ الطَّحَاوِيُّ فَلَهُ اتِّجَاهٌ اهـ. وَفِي الْمُفْهِمِ: إِنَّمَا اعْتَنَى الْأَئِمَّةُ بِضَبْطِ هَذَا الْحَرْفِ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تَخِفٌّ عَلَى الْجَارِ أَنْ يَسْمَحَ بِهَا بِخِلَافِ الْخَشَبِ الْكَثِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِهِ، وَرَجَّحَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ رِوَايَةَ الْإِفْرَادِ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ مِرْفَقٌ وَهِيَ الَّتِي يُحْتَاجُ لِلسُّؤَالِ عَنْهَا، وَأَمَّا الْخَشَبُ فَكَثِيرٌ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْحَائِطِ عَلَى الْجَارِ وَيَشْهَدُ لَهُ وَضْعُ الْخَشَبِ، يَعْنِي فَلَا يَنْدُبُهُ الشَّرْعُ إِلَى ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ. (يَغْرِزُهَا) ، أَيِ الْخَشَبَةَ أَوِ الْخَشَبَ، وَلِلْقَعْنَبِيِّ: أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً (فِي جِدَارِهِ) أَيِ الْأَحَدُ الْمَنْهِيُّ تَنْزِيهًا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُمْنَعَ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» ". رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ. الْقُرْطُبِيُّ: وَإِذَا لَمْ يُجْبَرِ الْمَالِكُ عَلَى إِخْرَاجِ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ فَأَحْرَى بِغَيْرِ عِوَضٍ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلنَّدْبِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّرْكِيبِ جَاءَ لِلنَّدْبِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا» ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ: يُجْبَرُ إِنِ امْتَنَعَ لِأَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْأُصُولِ أَنَّ صِيغَةَ " لَا تَفْعَلْ " لِلتَّحْرِيمِ، فَالْإِذْنُ لَازِمٌ بِشَرْطِ احْتِيَاجِ الْجَارِ، وَأَنْ لَا يَضَعَ عَلَيْهِ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَالِكُ، وَأَنْ لَا يُقَدَّمَ عَلَى حَاجَةِ الْمَالِكِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْتَاجَ فِي وَضْعِ الْجِذْعِ إِلَى ثَقْبِ الْجِدَارِ أَوْ لَا; لِأَنَّ رَأْسَ الْجِذْعِ يَسُدُّ الْمُنْفَتِحَ وَيُقَوِّي الْجِدَارَ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ تَقَدُّمَ اسْتِئْذَانِ الْجَارِ فِي ذَلِكَ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ: " «مَنْ سَأَلَهُ جَارُهُ» ". وَكَذَا لِابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ مَالِكٍ، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَعُقَيْلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَزِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ، الثَّلَاثَةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَجَزَمَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ بِالْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ نَجِدْ فِي السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحُكْمَ إِلَّا عُمُومَاتٍ لَا يُنْكَرُ أَنْ يَخُصَّهَا، وَقَدْ حَمَلَهُ الرَّاوِي عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ بِمَا حَدَّثَ بِهِ، يُشِيرُ إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 قَوْلِهِ: (ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ) بَعْدَ رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَافَظَةً عَلَى الْعَمَلِ بِهِ وَحَضًّا عَلَيْهِ لَمَّا رَآهُمْ تَوَقَّفُوا عَنْهُ، فَفِي التِّرْمِذِيِّ: أَنَّهُ لَمَّا حَدَّثَهُمْ بِذَلِكَ لَمَّا طَاطَوْا رُءُوسَهُمْ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ: فَنَكَّسُوا رُءُوسَهُمْ، فَقَالَ: (مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا) أَيْ عَنْ هَذِهِ السُّنَّةِ أَوِ الْمَقَالَةِ (مُعْرِضِينَ) إِنْكَارًا لِمَا رَأَى مِنْ إِعْرَاضِهِمْ وَاسْتِثْقَالِهِمْ مَا سَمِعُوا مِنْهُ وَعَدَمِ إِقْبَالِهِمْ عَلَيْهَا بَلْ طَاطَوْا رُءُوسَهُمْ (وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا) أَيْ لَأَصْرُخَنَّ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ (بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ) رَوَيْنَاهُ بِالْفَوْقِيَّةِ، جَمْعُ كَتِفٍ، وَبِالنُّونِ جَمْعُ كَنَفٍ بِفَتْحِهَا وَهُوَ الْجَانِبُ، وَهَذَا بَيِّنٌ فِي أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْوُجُوبِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، أَيْ لَأَشِيعَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِيكُمْ وَلَأَقْرَعَنَّكُمْ بِهَا كَمَا يُضْرَبُ الْإِنْسَانُ بِالشَّيْءِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَيَسْتَيْقِظُ مِنْ غَفْلَتِهِ، أَوِ الضَّمِيرُ لِلْخَشَبَةِ، وَالْمَعْنَى: إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا هَذَا الْحُكْمَ وَتَعْمَلُوا بِهِ رَاضِينَ لَأَجْعَلَنَّ الْخَشَبَةَ بَيْنَ رِقَابِكُمْ كَارِهِينَ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ جَزَمَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حِينَ كَانَ يَلِي إِمْرَةَ الْمَدِينَةِ، لَكِنَّ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: " «لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَعْيُنِكُمْ وَإِنْ كَرِهْتُمْ» ". وَهَذَا يُرَجِّحُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ إِلْزَامِهِمْ بِالْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ، أَيْ لَا أَقُولُ الْخَشَبَةَ تُرْمَى عَلَى الْجِدَارِ بَلْ بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ لِمَا وَصَّى بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بِرِّ الْجَارِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَحَمْلِ أَثْقَالِهِ، وَهَذَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَرَى الْوُجُوبَ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّهُ الظَّاهِرُ، وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ: يَحْتَمِلُ أَنَّ مَذْهَبَهُ النَّدْبُ؛ إِذْ لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ لِلْوُجُوبِ لَوَبَّخَ الْحُكَّامَ عَلَى تَرْكِهِ وَلَحَكَمَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَخْلَفًا بِالْمَدِينَةِ، فِيهِ نَظَرٌ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَلِي إِمْرَةَ الْمَدِينَةِ نِيَابَةً عَنْ مَرْوَانَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَتَرَافَعْ إِلَيْهِ حِينَ تَوْلِيَتِهِ وَلَمْ يُوَبِّخِ الْحُكَّامَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُمُوا بِهِ، وَاسْتَدَلَّ الْمُهَلَّبُ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْوُجُوبِ لَمَا جَهِلَ الصَّحَابَةُ تَأْوِيلَهُ وَلَا أَعْرَضُوا عَنْهُ لِأَنَّهُمْ لَا يُعْرِضُونَ عَنْ وَاجِبٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ حَمَلُوا الْأَمْرَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ فَقَالَ: مَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ الْمُعْرِضِينَ صَحَابَةٌ وَأَنَّهُمْ عَدَدٌ لَا يَجْهَلُ مِثْلُهُمُ الْحُكْمَ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنَّ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُونُوا فُقَهَاءَ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ; إِذْ لَوْ كَانُوا صَحَابَةً أَوْ فُقَهَاءَ مَا وَاجَهَهُمْ بِذَلِكَ اهـ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَظَالِمِ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْقَضَاءِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ فِي الْبُيُوعِ عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ خَلِيفَةَ سَاقَ خَلِيجًا لَهُ مِنْ الْعُرَيْضِ فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَأَبَى مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ لِمَ تَمْنَعُنِي وَهُوَ لَكَ مَنْفَعَةٌ تَشْرَبُ بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَلَا يَضُرُّكَ فَأَبَى مُحَمَّدٌ فَكَلَّمَ فِيهِ الضَّحَّاكُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا فَقَالَ عُمَرُ لِمَ تَمْنَعُ أَخَاكَ مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ لَكَ نَافِعٌ تَسْقِي بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَهُوَ لَا يَضُرُّكَ فَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا وَاللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فَفَعَلَ الضَّحَّاكُ   1463 - 1426 - (مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِيهِ) عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ الحديث: 1463 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 بِضَمِّ الْعَيْنِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ (أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ خَلِيفَةَ) بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيَّ الْأَشْهَلِيَّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَهِدَ غَزْوَةَ بَنِي النَّضِيرِ وَلَهُ فِيهَا ذِكْرٌ، وَلَيْسَتْ لَهُ رِوَايَةٌ. وَقَالَ ابْنُ شَاهِينَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ يَقُولُ: هُوَ الَّذِي قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ: " «يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ذُو مَسْحَةٍ مِنْ جَمَالٍ، زِنَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ زِنَةَ أُحُدٍ» ". فَطَلَعَ الضَّحَّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ، وَكَانَ يُتَّهَمُ بِالنِّفَاقِ ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ كَمَا فِي الْإِصَابَةِ. (سَاقَ خَلِيجًا لَهُ) قَالَ الْمَجْدُ: الْخَلِيجُ النَّهْرُ وَشَرْمٌ مِنَ الْبَحْرِ وَالْجَفْنَةُ وَالْحَبْلُ (مِنَ الْعُرَيْضِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ، وَادٍ بِالْمَدِينَةِ بِهِ أَمْوَالٌ لِأَهْلِهَا (فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ) الْأَنْصَارِيِّ، أَكْبَرُ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مِنَ الْفُضَلَاءِ، مَاتَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ (فَأَبَى) امْتَنَعَ (مُحَمَّدٌ، فَقَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ: لِمَ) لِأَيِّ شَيْءٍ (تَمْنَعُنِي وَهُوَ لَكَ مَنْفَعَةٌ تَشْرَبُ بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَلَا يَضُرُّكَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَارَضَةِ لَا يَجُوزُ لِجَهْلِ قَدْرِ شُرْبِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ الْمَاءِ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ الْأَعْلَى أَوْلَى حَتَّى يُرْوَى (فَأَبَى مُحَمَّدٌ، فَكَلَّمَ فِيهِ الضَّحَّاكُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا) أَفْعَلُ ذَلِكَ (فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ تَمْنَعُ أَخَاكَ) فِي الْإِسْلَامِ وَالصُّحْبَةِ (مَا يَنْفَعُهُ، وَهُوَ لَكَ نَافِعٌ) لِأَنَّكَ (تَسْقِي بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَهُوَ لَا يَضُرُّكَ؟ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا) أَرْضَى بِهَذَا (وَاللَّهِ) أَكَّدَهُ بِالْقَسَمِ (فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ) الْبَاجِيُّ: فِيهِ اعْتِبَارُ الْمَقَاصِدِ لَا الْأَلْفَاظِ إِنْ كَانَتْ يَمِينُ عُمَرَ عَلَى مَعْنَى الْحُكْمِ عَلَيْهِ; إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّ عُمَرَ لَا يَسْتَجِيزُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ عَلَى بَطْنِ مُحَمَّدٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ: إِنْ خَالَفْتَ حُكْمِي عَلَيْكَ وَحَارَبْتَ وَأَدَّتِ الْمُحَارَبَةُ إِلَى قَتْلِكَ وَإِجْرَائِهِ عَلَى بَطْنِكَ لَفَعَلْتُ ذَلِكَ نُصْرَةً لِلْحُكْمِ بِالْحَقِّ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ) أَيْ يُجْرِيهِ فِي أَرْضِ مُحَمَّدٍ (فَفَعَلَ الضَّحَّاكُ) ذَلِكَ، أَيْ أَجْرَاهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يَحْتَمِلُ قَوْلُ عُمَرَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلِمَالِكٍ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: الْمُخَالَفَةُ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِحَدِيثِ: " «لَا يَحْلُبَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ» ". وَاللَّبَنُ مُتَجَدِّدٌ وَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ وَالْأَرْضُ الَّتِي يَمُرُّ فِيهَا بِالسَّاقِيَةِ لَا يُعْتَاضُ مِنْهَا. وَالثَّانِي: الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا، وَهِيَ رِوَايَةُ زِيَادٍ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ. وَالثَّالِثُ: الْمُوَافَقَةُ لَهُ عَلَى وَجْهِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مُخَالَفَةُ أَهْلِ زَمَنِ مَالِكٍ لِزَمَنِ عُمَرَ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ، كَأَنْ يُقَالُ: تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا يُحْدِثُونَ مِنَ الْفُجُورِ، وَأَخَذَ بِهِ مَنْ يُوثَقُ بِرَأْيِهِ، فَلَوْ كَانَ الشَّأْنُ مُعْتَدِلًا فِي زَمَانِنَا كَاعْتِدَالِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَأَيْتُ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِإِجْرَاءِ مَائِهِ فِي أَرْضِكَ لِأَنَّكَ تَشْرَبُ بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَلَا يَضُرُّكَ، وَلَكِنْ فَسَدَ النَّاسُ وَاسْتَحَقُّوا التُّهْمَةَ، فَأَخَافُ أَنْ يَطُولَ وَيَنْسَى مَا كَانَ عَلَيْهِ جَرْيُ هَذَا الْمَاءِ، وَقَدْ يَدَّعِي بِهِ جَارُكَ دَعْوَى فِي أَرْضِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ مُحَمَّدًا إِنَّمَا صَارَتْ لَهُ أَرْضُهُ بِإِحْيَائِهِ لَهَا بَعْدَ أَنْ أَحْيَا الضَّحَّاكُ أَرْضَهُ عَلَى مَا قَالَ أَشْهَبُ: إِنْ أَحْيَيْتَ أَرْضَكَ بَعْدَ إِحْيَاءِ عَيْنِهِ وَأَرْضِهِ قَضَى عَلَيْكَ بِمَمَرِّهِ فِي أَرْضِكَ وَإِجْرَاءِ مَائِهِ فِيهَا إِلَى أَرْضِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضُكَ قَبْلَ عَيْنِهِ وَأَرْضِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَقْضِ عَلَى مُحَمَّدٍ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ إِلَى الْأَفْضَلِ ثِقَةً أَنَّهُ لَا يُحَنِّثُهُ اهـ مُلَخَّصًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ فِي حَائِطِ جَدِّهِ رَبِيعٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَأَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنْ يُحَوِّلَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْحَائِطِ هِيَ أَقْرَبُ إِلَى أَرْضِهِ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ فَقَضَى لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِتَحْوِيلِهِ   1464 - 1427 - (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ) يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ (أَنَّهُ) أَيْ يَحْيَى (قَالَ: كَانَ جَدُّهُ) جَدُّ يَحْيَى وَهُوَ أَبُو حَسَنٍ وَاسْمُهُ تَمِيمُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ (رَبِيعٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ جَدْوَلٌ وَهُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ (لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ أَحَدِ الْعَشَرَةِ (فَأَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنْ يُحَوِّلَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ) جِهَةٍ (مِنَ الْحَائِطِ هِيَ أَقْرَبُ إِلَى أَرْضِهِ) أَيْ أَرْضِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِيَكُونَ أَسْهَلَ فِي سَقْيِهَا مِنَ الْبَعِيدِ (فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ) أَبُو الْحَسَنِ (فَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَضَى لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِتَحْوِيلِهِ) لِأَنَّهُ حَمَلَ حَدِيثَ: " «لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ» ". عَلَى ظَاهِرِهِ وَعَدَّاهُ إِلَى كُلِّ مَا يَحْتَاجُ الْجَارُ إِلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ دَارِ جَارِهِ وَأَرْضِهِ. رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ هَذَا وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ، وَرَوَى زِيَادٌ عَنْهُ: إِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ قَضَى عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ: لَمْ يَرُدَّ مَالِكٌ عَنِ الصَّحَابَةِ خِلَافَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا فِي هَذَا الْبَابِ، بَلْ رَدَّ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَالْأَنْصَارِيَّ صَاحِبَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ رَأْيُهُمَا خِلَافَ رَأْيِ عُمَرَ الحديث: 1464 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ رَجَعَ إِلَى النَّظَرِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ حَرَامٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنَ الْمَالِ خَاصَّةً، وَحَدِيثُ «أَنَّ غُلَامًا اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلَتْ أُمُّهُ تَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَتَقُولُ: هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا يُدْرِيكِ لَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَيَمْنَعُ مَا لَا يَضُرُّهُ» "، ضَعِيفٌ وَمَشْهُورٌ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنْ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ مِمَّا فِي هَذَا الْبَابِ لِحَدِيثِ: " «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» ". وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرَوَى أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يُؤْخَذُ بِقَضَاءِ عُمَرَ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي الْخَلِيجِ، وَأَمَّا تَحْوِيلُ الرَّبِيعِ فَيُؤْخَذُ بِهِ لِأَنَّ مَجْرَاهُ ثَابِتٌ لِابْنِ عَوْفٍ فِي الْحَائِطِ، وَإِنَّمَا حَوَّلَهُ لِنَاحِيَةٍ أُخْرَى أَقْرَبُ إِلَيْهِ وَأَرْفَقُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ اهـ. وَمَرَّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَمَشْهُورٌ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ: أَنْ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 [باب الْقَضَاءِ فِي قَسْمِ الْأَمْوَالِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ قُسِمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَدْرَكَهَا الْإِسْلَامُ وَلَمْ تُقْسَمْ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ» قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ هَلَكَ وَتَرَكَ أَمْوَالًا بِالْعَالِيَةِ وَالسَّافِلَةِ إِنَّ الْبَعْلَ لَا يُقْسَمُ مَعَ النَّضْحِ إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهُ بِذَلِكَ وَإِنَّ الْبَعْلَ يُقْسَمُ مَعَ الْعَيْنِ إِذَا كَانَ يُشْبِهُهَا وَأَنَّ الْأَمْوَالَ إِذَا كَانَتْ بِأَرْضٍ وَاحِدَةٍ الَّذِي بَيْنَهُمَا مُتَقَارِبٌ أَنَّهُ يُقَامُ كُلُّ مَالٍ مِنْهَا ثُمَّ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ وَالْمَسَاكِنُ وَالدُّورُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ   27 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي قَسْمِ الْأَمْوَالِ 1465 - 1428 - (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ (بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ (أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي) قَالَ أَبُو عُمَرَ: تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَهُوَ ثِقَةٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّمَا) أَيُّ مُبْتَدَأٌ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ وَزِيدَتْ " مَا " لِتَوْكِيدِهِ وَزِيَادَةِ التَّعْمِيمِ. (دَارٍ أَوْ أَرْضٍ قُسِمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) هِيَ مَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَقِيلَ مَا قَبْلَ الْفَتْحِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: اسْقِنِي كَأْسًا دِهَاقًا. وَابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّمَا وُلِدَ فِي الشِّعْبِ (فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْجَاهِلِيَّةِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ: تَقَدَّمَ قَسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَأْوِيلِ ابْنِ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ اسْتَحَقَّتْ سِهَامُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ مَاتَ مَيِّتٌ فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ رَدِّ مَا سَلَفَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَأَمْضَاهَا عَلَى مَا وَقَعَتْ، وَلِذَا لَا يُرَدُّ تَبَرُّعَاتُهُمْ وَأَنْكِحَتُهُمُ الْفَاسِدَةُ بَلْ يُصَحِّحُ الْإِسْلَامُ الْمِلْكَ الْوَاقِعَ بِهَا، قَالَ: وَقَوْلُهُ (وَأَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَدْرَكَهَا الْإِسْلَامُ فَلَمْ تُقْسَمْ) الْفَاءُ لِلْحَالِ عَلَى مَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْفَاءَ تَجِيءُ لَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ: وَلَمْ تُقَسَّمْ (فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ) يَحْتَمِلُ الحديث: 1465 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 التَّأْوِيلَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَا كَانَ مُشْتَرِكًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الْقَسَمِ فَهُوَ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ، مِثْلُ أَنْ يَرِثُوا دَارًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ يُسْلِمُوا قَبْلَ قَسْمِهَا فَيَقْتَسِمُونَهَا عَلَى مَوَارِيثِ الْإِسْلَامِ، قَالَ عِيسَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: إِنَّ هَذَا فِي الْمَجُوسِ وَالْفُرْسِ وَالْفَرَازِنَةِ وَكُلِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ كِتَابٌ، وَأَمَّا الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يُقْسِمُونَهَا عَلَى مُقْتَضَى شَرْعِهِمْ يَوْمَ وَرِثُوهَا، وَدَلِيلُ ذَلِكَ ذِكْرُهُ الْجَاهِلِيَّةَ. وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ فِي الْكُفَّارِ كُلِّهِمْ: أَهْلِ كِتَابٍ أَمْ لَا. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَوَاهُ أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، وَهُوَ أَوْلَى لِاسْتِعْمَالِ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِأَنَّ الْكُفْرَ لَا تَفْتَرِقُ أَحْكَامُهُ فِيمَنْ أَسْلَمَ أَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهِ، وَفِي الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ مَالِكٍ، فَلَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ أَحْكَامِهِمْ إِلَّا مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ مِنْ أَكْلِ ذَبَائِحِ الْكِتَابِيِّينَ وَنِكَاحِ نِسَائِهِمْ، وَمُحَالٌ أَنْ يُقْسِمَ الْمُؤْمِنُونَ مِيرَاثَهُمْ عَلَى شَرِيعَةِ الْكُفْرِ. - (مَالِكٌ: فِيمَنْ هَلَكَ) مَاتَ (وَتَرَكَ أَمْوَالًا) أَرَضِينَ وَمَا فِيهَا مِنْ شَجَرٍ (بِالْعَالِيَةِ وَالسَّافِلَةِ) جِهَتَانِ بِالْمَدِينَةِ (إِنَّ الْبَعْلَ) مَا يُشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ وَلَا سَمَاءٍ، قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ. وَقِيلَ: هُوَ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ، أَيِ الْمَطَرُ (لَا يُقْسَمُ مَعَ النَّضْحِ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، أَيِ الْمَاءُ الَّذِي يَحْمِلُهُ النَّاضِحُ وَهُوَ الْبَعِيرُ; لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ لَا يُجْمَعَانِ فِي الْقَسْمِ، يُرِيدُ بِالْقُرْعَةِ الَّتِي تَكُونُ بِالْجَبْرِ (إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهُ بِذَلِكَ) ، أَيْ قَسْمَهَا بَيْنَهُمْ بِالْقَرْعَةِ أَوْ يَقْسِمُهَا مُرَاضَاةً دُونَ قُرْعَةٍ (وَإِنَّ الْبَعْلَ يُقْسَمُ مَعَ الْعَيْنِ إِذَا كَانَ يُشْبِهُهَا) لِأَنَّهُمَا يُزَكَّيَانِ بِالْعُشْرِ، بِخِلَافِ النَّضْحِ الَّذِي يُزَكَّى بِنِصْفِهِ وَهَذَا مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ. (وَأَنَّ الْأَمْوَالَ إِذَا كَانَتْ بِأَرْضٍ وَاحِدَةٍ الَّذِي بَيْنَهُمَا مُتَقَارِبٌ فَإِنَّهُ يُقَامُ كُلُّ مَالٍ مِنْهَا ثُمَّ يُقْسَمُ) وَفِي نُسْخَةٍ: يُسْهَمُ (بَيْنَهُمْ وَالْمَسَاكِنُ وَالدُّورُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ) لِأَنَّ جَمْعَهَا لِلْقَسْمِ أَقَلُّ ضَرَرًا، وَإِذَا قُسِمَتْ كُلُّ دَارٍ فَسَدَ كَثِيرٌ مِنْ مَنَافِعِهَا وَلِذَا ثَبَتَتِ الشُّفْعَةُ فِي الْأَمْلَاكِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يُقْسَمُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ نَصِيبُهُ مِنْ كُلِّ دَارٍ وَمِنْ كُلِّ أَرْضٍ; لِأَنَّ كُلَّ بُقْعَةٍ وَدَارٍ تُعْتَبَرُ بِنَفْسِهَا، وَلِتَعَلُّقِ الشُّفْعَةِ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 [باب الْقَضَاءِ فِي الضَّوَارِي وَالْحَرِيسَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ «أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا»   28 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الضَّوَارِي وَالْحَرِيسَةِ الضَّوَارِي بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ الْعَوَادِيَ، وَهِيَ الْبَهَائِمُ الَّتِي ضَرَبَتْ أَكْلَ زُرُوعِ النَّاسِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالرُّمُكِ الَّتِي تَعْدُو فِي زُرُوعِ النَّاسِ قَدْ ضَرَبَتْ ذَلِكَ تُغَرَّبُ وَتُبَاعُ فِي بَلَدٍ لَا زَرْعَ فِيهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَا الْغَنَمُ وَالدَّوَابُّ إِلَّا أَنْ يَحْبِسَهَا أَهْلُهَا عَنِ النَّاسِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: الْحَرِيسَةُ الْمَحْرُوسَةُ فِي الْمَرْعَى. 1467 - 1429 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (عَنْ حَرَامِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (بْنِ سَعْدِ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ، وَيُقَالُ: بْنُ سَاعِدَةَ (بْنُ مُحَيِّصَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ التَّحْتَانِيَّةِ وَقَدْ تُسَكَّنُ، بْنِ مَسْعُودِ بْنِ كَعْبٍ الْخَزْرَجِيِّ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ، جَدُّهُ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ، وَأَبُوهُ قِيلَ لَهُ صُحْبَةٌ أَوْ رُؤْيَةٌ، وَرِوَايَتُهُ مُرْسَلَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامٍ عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَلَى ذَلِكَ، وَأُنْكِرَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: لَمْ يُتَابَعْ مَعْمَرٌ عَلَى ذَلِكَ فَجَعَلَ الْخَطَأَ مِنْ مَعْمَرٍ. وَالْحَدِيثُ مِنْ مَرَاسِيلِ الثِّقَاتِ، وَتَلَقَّاهُ أَهْلُ الْحِجَازِ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعِرَاقِ بِالْقَبُولِ، وَجَرَى عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ. (أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ، نَزَلَ الْكُوفَةَ وَاسْتُصْغِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ (دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى) حَكَمَ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ) الْبَسَاتِينِ (حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ) فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَهْلِهَا فِيمَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِالنَّهَارِ إِنْ سَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ وَلَا رَاعِيَ مَعَهَا، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِهَا ضَمِنَ. (وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ مَضْمُونٌ (عَلَى أَهْلِهَا) زَادَ الرَّافِعِيُّ: كَقَوْلِهِمْ سِرٌّ كَاتِمٌ أَيْ مَكْتُومٌ، وَعِيشَةٌ رَاضِيَةٌ أَيْ مَرْضِيَّةٌ اهـ. فَيَضْمَنُونَ قِيمَةَ مَا أَفْسَدَتْهُ لَيْلًا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَاشِيَةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا ضَمَانَ فِيهِمَا لِحَدِيثِ: " «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» ". وَقَالَ اللَّيْثُ وَعَطَاءٌ: يَضْمَنُ فِيهِمَا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: الْحَدِيثُ الحديث: 1467 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] (سورة الْأَنْبِيَاءِ: الْآيَةُ 78) وَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا فِيمَنْ أَمَرَهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي قَوْلِهِ: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] (سورة الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 90) وَلَا خِلَافَ بَيْنِ عُلَمَاءِ التَّأْوِيلِ وَاللُّغَةِ أَنَّ النَّفْشَ لَا يَكُونُ إِلَّا لَيْلًا، وَالْهَمْلُ بِالنَّهَارِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَنَا أَنَّ حَرْثَهُمْ كَانَ عِنَبًا، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا بِبَيِّنٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْآيَةِ بِالْحُكْمِ، وَلَوْ صَرَّحَ أَنَّهُ ضَمِنَ أَهْلَ الْمَاشِيَةِ الَّتِي نَفَشَتْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْيُ الْحُكْمِ عَنِ الرَّاعِيَةِ نَهَارًا إِلَّا مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ، أَيِ الْمَفْهُومِ، فَكَيْفَ وَالْآيَةُ لَمْ تَتَضَمَّنْ تَفْسِيرًا وَلَا بَيَانًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ قَوْلُ الْمُفَسِّرِينَ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَانْتَحَرُوهَا فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَمَرَ عُمَرُ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ أَرَاكَ تُجِيعُهُمْ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْكَ ثُمَّ قَالَ لِلْمُزَنِيِّ كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِكَ فَقَالَ الْمُزَنِيُّ قَدْ كُنْتُ وَاللَّهِ أَمْنَعُهَا مِنْ أَرْبَعِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ عُمَرُ أَعْطِهِ ثَمَانَ مِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَنَا فِي تَضْعِيفِ الْقِيمَةِ وَلَكِنْ مَضَى أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَغْرَمُ الرَّجُلُ قِيمَةَ الْبَعِيرِ أَوْ الدَّابَّةِ يَوْمَ يَأْخُذُهَا   1468 - 1430 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبِ) بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، وَأَبُوهُ لَهُ رُؤْيَةٌ، وَعَدُّوهُ فِي كِبَارِ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، وَجَدُّهُ بَدْرِيٌّ شَهِيرٌ (أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ، قَبِيلَةٌ مِنَ الْعَرَبِ يُنْسَبُونَ إِلَى جَدَّتِهِمُ الْعُلْيَا مُزَيْنَةَ بِنْتِ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ (فَانْتَحَرُوهَا) أَيْ نَحَرُوهَا (فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ: فَاعْتَرَفَ الْعَبِيدُ، أَيْ بِالسَّرِقَةِ (فَأَمَرَ عُمَرُ كَثِيرَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ (بْنَ الصَّلْتِ) بْنِ مَعْدِ يكَرِبٍ الْكِنْدِيَّ الْمَدَنِيَّ التَّابِعِيَّ الْكَبِيرَ الثِّقَةَ، وَوَهَمَ مَنْ جَعَلَهُ صَحَابِيًّا (أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ) زَادَ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ: ثُمَّ أَرْسَلَ وَرَاءَهُ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بِهِمْ (ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَرَاكَ) أَظُنُّكَ (تُجِيعُهُمْ) وَلِابْنِ وَهْبٍ: وَقَالَ وَاللَّهِ لَوْلَا أَظُنُّ أَنَّكُمْ تَسْتَعْمِلُونَهُمْ وَتُجِيعُونَهُمْ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ وَجَدَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَكَلَهُ حَلَّ لَهُ لَقَطَعْتُ أَيْدِيَهُمْ. (ثُمَّ قَالَ عُمَرُ) لِحَاطِبٍ (وَاللَّهِ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْكَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّهُ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ لِإِجَاعَتِهِ رَقِيقَهُ وَإِحْوَاجِهِ لَهُمْ إِلَى السَّرِقَةِ، وَلَعَلَّهُ قَدْ كَرَّرَ نَهْيَهُ إِيَّاهُ عَنْ ذَلِكَ وَحَدَّ لَهُ فِي قُوَّتِهِمْ حَدًّا لَمْ يَمْتَثِلْهُ، وَلَعَلَّهُ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِدَعْوَى الْمُزَنِيِّ مَعْرِفَةَ حَاطِبٍ ذَلِكَ، وَطَلَبَ يَمِينَهُ فَنَكَلَ، وَحَلَفَ الْمُزَنِيُّ، فَغَرَّمَ حَاطِبًا وَتَرَكَ قَطْعَ الْعَبِيدِ لِلْجُوعِ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ جَمَعَ بَيْنَ الْقَطْعِ. وَالْغُرْمُ غَلَّطَهُ الدَّاوُدِيُّ وَقَالَ: إِنَّمَا أَمَرَ بِهِ ثُمَّ عَذَرَهُمْ بِالْجُوعِ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ سَارِقًا عَامَ الرَّمَادَةِ (ثُمَّ قَالَ) الحديث: 1468 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 عُمَرُ (لِلْمُزَنِيِّ: كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِكَ؟ فَقَالَ الْمُزَنِيُّ: قَدْ كُنْتُ وَاللَّهِ أَمْنَعُهَا مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ عُمَرُ) لِحَاطِبٍ (أَعْطِهِ ثَمَانِمِائَةَ دِرْهَمٍ) اجْتِهَادًا مِنْهُ خُولِفَ فِيهِ، وَلِذَا قَالَ (مَالِكٌ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا فِي تَضْعِيفِ الْقِيمَةِ، وَلَكِنْ مَضَى أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَغْرَمُ الرَّجُلُ قِيمَةَ الْبَعِيرِ أَوِ الدَّابَّةِ يَوْمَ يَأْخُذُهَا) فَلَا يَعْمَلُ بِفِعْلِ عُمَرَ هَذَا، فَإِنَّهُمْ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِحَدِيثٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُرِكَ وَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوهُ إِلَّا لِأَمْرٍ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ مَنِ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا إِلَّا مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ وَأَنَّهُ لَا يُعْطَى أَحَدٌ بِدَعْوَاهُ لِحَدِيثِ: " «لَوْ أُعْطِيَ قَوْمٌ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ ". وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي» ، وَهُنَا صَدَقَ الْمُزَنِيُّ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ ثَمَنِ نَاقَتِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إِقْرَارَ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ فِي مَالِهِ لَا يَلْزَمُهُ، وَهُنَا أَغْرَمَهُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ عَبِيدُهُ، وَهُوَ خَبَرٌ تَدْفَعُهُ الْأُصُولُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. وَمَرَّ عَنِ الْبَاجِيِّ جَوَابُ بَعْضِ هَذَا تَرْجِيحًا. وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: سَأَلْتُ أَصْبَغَ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى تَضْعِيفِ الْقِيمَةِ، أَكَانَ مَالِكٌ يَرَى الْغُرْمَ عَلَى السَّيِّدِ بِلَا تَضْعِيفٍ؟ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ فِي مَالِهِ وَلَا فِي رِقَابِ الْعَبِيدِ الَّذِينَ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْقَطْعُ، وَإِنَّمَا غُرْمُهَا فِي مَالِ الْعَبِيدِ إِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي رِقَابِهِمْ سَرِقَةٌ لَا قَطْعَ فِيهَا فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُمْ بَيْنَ إِسْلَامِهِمْ وَافْتِكَاكِهِمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 [باب الْقَضَاءِ فِيمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ الْبَهَائِمِ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ الْبَهَائِمِ إِنَّ عَلَى الَّذِي أَصَابَهَا قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فِي الْجَمَلِ يَصُولُ عَلَى الرَّجُلِ فَيَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يَعْقِرُهُ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُ وَصَالَ عَلَيْهِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ إِلَّا مَقَالَتُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْجَمَلِ   29 - بَابُ الْقَضَاءِ فِيمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنَ الْبَهَائِمِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنَ الْبَهَائِمِ أَنَّ عَلَى الَّذِي أَصَابَهَا قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا) إِنْ لَمْ تُتْلَفْ مَنْفَعَتُهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا مِنْ عَمَلٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا عَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ وَالْبَقَرَةِ رُبْعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 ثَمَنِهَا، وَفِي شَاةِ الْقَصَّابِ مَا نَقَصَهَا، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ إِيجَابُ النُّقْصَانِ، لَكِنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ لِقَضَاءِ عُمَرَ فِي عَيْنِ دَابَّةٍ بِرُبْعِ قِيمَتِهَا بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَ خِلَافٍ (مَالِكٌ فِي الْجَمَلِ يَصُولُ) يَثِبُ (عَلَى الرَّجُلِ فَيَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يَعْقِرُهُ) بِكَسْرِ قَوَائِمِهِ (فَإِنَّهُ إِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُ وَصَالَ عَلَيْهِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ) كَمَا لَوْ قَصَدَهُ رَجُلٌ لِيَقْتُلَهُ فَعَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ إِلَّا بِضَرْبِهِ فَقَتَلَهُ كَانَ هَدَرًا، وَإِذَا سَقَطَ الْأَكْثَرُ فَالْأَقَلُّ أَوْلَى. (وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ إِلَّا مَقَالَتُهُ) أَيْ دَعْوَاهُ (فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْجَمَلِ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِدَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 [باب الْقَضَاءِ فِيمَا يُعْطَى الْعُمَّالُ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ دَفَعَ إِلَى الْغَسَّالِ ثَوْبًا يَصْبُغُهُ فَصَبَغَهُ فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ لَمْ آمُرْكَ بِهَذَا الصِّبْغِ وَقَالَ الْغَسَّالُ بَلْ أَنْتَ أَمَرْتَنِي بِذَلِكَ فَإِنَّ الْغَسَّالَ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ وَالْخَيَّاطُ مِثْلُ ذَلِكَ وَالصَّائِغُ مِثْلُ ذَلِكَ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتُوا بِأَمْرٍ لَا يُسْتَعْمَلُونَ فِي مِثْلِهِ فَلَا يَجُوزُ قَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ وَلْيَحْلِفْ صَاحِبُ الثَّوْبِ فَإِنْ رَدَّهَا وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ حُلِّفَ الصَّبَّاغُ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فِي الصَّبَّاغِ يُدْفَعُ إِلَيْهِ الثَّوْبُ فَيُخْطِئُ بِهِ فَيَدْفَعُهُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ حَتَّى يَلْبَسَهُ الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ إِنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَى الَّذِي لَبِسَهُ وَيَغْرَمُ الْغَسَّالُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ وَذَلِكَ إِذَا لَبِسَ الثَّوْبَ الَّذِي دُفِعَ إِلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فَإِنْ لَبِسَهُ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَيْسَ ثَوْبَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ   30 - بَابُ الْقَضَاءِ فِيمَا يُعْطَى الْعُمَّالُ بِضَمِّ الْعَيْنِ جَمْعُ عَامِلٍ، أَيِ الصُّنَّاعُ، وَفِي نُسْخَةٍ: الْغَسَّالُ. (مَالِكٌ فِيمَنْ دَفَعَ إِلَى الْغَسَّالِ ثَوْبًا يَصْبُغُهُ) مُثَلَّثَ الْبَاءِ (فَصَبَغَهُ، فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ: لَمْ آمُرْكَ بِهَذَا الصِّبْغِ) الْأَحْمَرِ مَثَلًا بَلْ أَسْوَدُ (وَقَالَ الْغَسَّالُ: بَلْ أَنْتَ أَمَرْتَنِي بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْغَسَّالَ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ) حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِأَنَّ رَبَّهُ مُقِرٌّ بِإِذْنِهِ لِلصَّبَّاغِ فِي الْعَمَلِ وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَا أَمَرَهُ بِهِ لِيَمْضِيَ عَمَلُهُ بَاطِلًا. وَقَالَ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ لِاعْتِرَافِ الصَّبَّاغِ بِأَنَّهُ لِرَبِّهِ وَأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ حَدَثًا ادَّعَى إِذْنَهُ وَإِجَازَتَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً وَإِلَّا حَلَفَ صَاحِبُهُ وَضَمِنَهُ مَا أَحْدَثَ فِيهِ. (وَالْخَيَّاطُ مِثْلُ ذَلِكَ) يُصَدَّقُ إِذَا قَطَعَ الثَّوْبَ قَمِيصًا وَقَالَ لِرَبِّهِ: أَمَرْتَنِي بِهِ، وَقَالَ صَاحِبُهُ: أَمَرْتُكَ بِقَبَاءٍ مَثَلًا. (وَالصَّائِغُ مِثْلُ ذَلِكَ) إِذَا صَاغَ الْفِضَّةَ أَسَاوِرَ وَقَالَ صَاحِبُهَا: بَلْ خَلَاخِلَ (وَيَحْلِفُونَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتُوا بِأَمْرٍ لَا يُسْتَعْمَلُونَ فِي مِثْلِهِ، فَلَا يَجُوزُ قَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ وَلْيَحْلِفْ صَاحِبُ الثَّوْبِ فَإِنْ رَدَّهَا) أَيِ الْيَمِينُ (وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ حُلِّفَ الصَّبَّاغُ) وَكَانَ الْقَوْلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 قَوْلَهُ. (مَالِكٌ فِي الصَّبَّاغِ يُدْفَعُ إِلَيْهِ الثَّوْبُ فَيُخْطِئُ بِهِ) أَيْ يَدْفَعُهُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَهُوَ الَّذِي فِي النُّسَخِ الْقَدِيمَةِ وَلَمْ يَفْهَمْهُ مَنْ زَادَ فِي الْمَتْنِ: فَيَدْفَعُهُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ لِأَنَّهُ عَيْنُ قَوْلِهِ فَيُخْطِئُ بِهِ (حَتَّى يَلْبَسَهُ الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ: إِنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَى الَّذِي لَبِسَهُ) لِأَنَّ الْخَطَأَ لَيْسَ مِنْهُ. (وَيَغْرَمُ الْغَسَّالُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ، وَذَلِكَ إِذَا لَبِسَ الثَّوْبَ الَّذِي دُفِعَ إِلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ) بَلْ ظَنَّ أَنَّهُ ثَوْبُهُ (فَإِنْ لَبِسَهُ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَيْسَ ثَوْبَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ) لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 [باب الْقَضَاءِ فِي الْحَمَالَةِ وَالْحِوَلِ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يُحِيلُ الرَّجُلَ عَلَى الرَّجُلِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِنْ أَفْلَسَ الَّذِي أُحِيلَ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ فَلَمْ يَدَعْ وَفَاءً فَلَيْسَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الَّذِي أَحَالَهُ شَيْءٌ وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ يَتَحَمَّلُ لَهُ الرَّجُلُ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ ثُمَّ يَهْلِكُ الْمُتَحَمِّلُ أَوْ يُفْلِسُ فَإِنَّ الَّذِي تُحُمِّلَ لَهُ يَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ الْأَوَّلِ   31 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الْحَمَالَةِ وَالْحِوَلِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يُحِيلُ الرَّجُلَ عَلَى الرَّجُلِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِنْ أَفْلَسَ الَّذِي أُحِيلَ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ فَلَمْ يَدَعْ وَفَاءً، فَلَيْسَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الَّذِي أَحَالَهُ شَيْءٌ وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ) أَيِ الْمُحِيلِ (وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي جَامِعِ الدَّيْنِ وَالْبُيُوعِ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى حَدِيثُ: " «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» ". وَ " «إِذَا اتَّبَعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» ". وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ هُنَا، وَمَرَّ شَرْحُهُ هُنَاكَ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (فَأَمَّا الرَّجُلُ يَتَحَمَّلُ لَهُ الرَّجُلُ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ ثُمَّ يَهْلِكُ الْمُتَحَمِّلُ أَوْ يُفْلِسُ، فَإِنَّ الَّذِي تُحُمِّلَ لَهُ) بِضَمِّ التَّاءِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (يَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ حَقُّهُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُتَحَمَّلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 عَنْهُ إِلَى ذِمَّةِ الْمُتَحَمِّلِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَثِيقَةٌ، فَإِنْ أَفْلَسَ الْحَمِيلُ أَوْ مَاتَ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ عَلَى الْغَرِيمِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 [باب الْقَضَاءِ فِيمَنْ ابْتَاعَ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ إِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ مِنْ حَرْقٍ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ عَلِمَهُ الْبَائِعُ فَشُهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ أَقَرَّ بِهِ فَأَحْدَثَ فِيهِ الَّذِي ابْتَاعَهُ حَدَثًا مِنْ تَقْطِيعٍ يُنَقِّصُ ثَمَنَ الثَّوْبِ ثُمَّ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ بِالْعَيْبِ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي ابْتَاعَهُ غُرْمٌ فِي تَقْطِيعِهِ إِيَّاهُ قَالَ وَإِنْ ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ مِنْ حَرْقٍ أَوْ عَوَارٍ فَزَعَمَ الَّذِي بَاعَهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَقَدْ قَطَعَ الثَّوْبَ الَّذِي ابْتَاعَهُ أَوْ صَبَغَهُ فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ الْحَرْقُ أَوْ الْعَوَارُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَيُمْسِكُ الثَّوْبَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَغْرَمَ مَا نَقَصَ التَّقْطِيعُ أَوْ الصِّبْغُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَيَرُدُّهُ فَعَلَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ قَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ صِبْغًا يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لِلَّذِي بَاعَهُ الثَّوْبَ فَعَلَ وَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُ الثَّوْبِ وَفِيهِ الْحَرْقُ أَوْ الْعَوَارُ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَثَمَنُ مَا زَادَ فِيهِ الصِّبْغُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الثَّوْبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَعَلَى حِسَابِ هَذَا يَكُونُ مَا زَادَ الصِّبْغُ فِي ثَمَنِ الثَّوْبِ   32 - بَابُ الْقَضَاءِ فِيمَنِ ابْتَاعَ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ - (مَالِكٌ: إِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ مِنْ حَرْقٍ أَوْ غَيْرِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (قَدْ عَلِمَهُ الْبَائِعُ فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، أَوْ أَقَرَّ بِهِ فَأَحْدَثَ فِيهِ الَّذِي ابْتَاعَهُ حَدَثًا مِنْ تَقْطِيعٍ يُنَقِّصُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ، ثُمَّ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ بِالْعَيْبِ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ مُدَلِّسٌ إِنْ شَاءَ الْمُبْتَاعُ (وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي ابْتَاعَهُ غُرْمٌ فِي تَقْطِيعِهِ إِيَّاهُ) وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَإِذَا رُدَّ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، وَلَا يَرُدُّ مَا نَقَصَهُ فِعْلُهُ فِيهِ إِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ، وَيَشْتَرِي لَهُ غَالِبًا، وَإِلَّا كَثَوْبٍ رَفِيعٍ قَطَّعَهُ جَوَارِبَ أَوْ رَقَاعٍ فَاتٍّ رَدَّهُ عَلَى الْمُدَلِّسِ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَإِنِ ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ مِنْ حَرْقٍ بِنَارٍ أَوْ عَوَارٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ بِزِنَةِ كَلَامٍ، وَفِي لُغَةٍ بِضَمِّهَا: الْعَيْبُ مِنْ شَقٍّ وَخَرْقٍ، بِمُعْجَمَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَزَعَمَ الَّذِي بَاعَهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ قَطَعَ الثَّوْبَ) بِالنَّصْبِ، فَاعِلُهُ (الَّذِي ابْتَاعَهُ أَوْ صَبَغَهُ، فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ الْحَرْقُ أَوِ الْعَوَارُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَيُمْسِكَ الثَّوْبَ) يُبْقِيَهُ عِنْدَهُ (فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَغْرَمَ) يَدْفَعُ (مَا نَقَصَ التَّقْطِيعُ أَوِ الصِّبْغُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَيَرُدُّهُ فَهُوَ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ) تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ. (فَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ قَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ صِبْغًا يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ فَالْمُبْتَاعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ) وَيَتَمَسَّكَ بِهِ لِأَنَّ الصِّبْغَ عَيْنُ مَالِهِ (وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لِلَّذِي بَاعَهُ الثَّوْبَ فَعَلَ) بِأَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَيُقَوِّمَهُ مَعِيبًا غَيْرَ مَصْبُوغٍ ثُمَّ يُقَوِّمَهُ مَصْبُوغًا، فَيَكُونُ الْمُبْتَاعُ شَرِيكًا بِمَا زَادَهُ الصِّبْغُ كَمَا قَالَ. (وَيَنْظُرُ كَمْ ثَمَنُ الثَّوْبِ وَفِيهِ الْخَرْقُ أَوِ الْعَوَارُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَثَمَنُ مَا زَادَ فِيهِ الصِّبْغُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الثَّوْبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ ثُلُثَاهُ وَلِلْمُبْتَاعِ الَّذِي رَدَّهُ ثُلُثُهُ (فَعَلَى حِسَابِ هَذَا يَكُونُ مَا زَادَ الصِّبْغُ فِي ثَمَنِ الثَّوْبِ) أَيْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 [باب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النُّحْلِ] حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ «إِنَّ أَبَاهُ بَشِيرًا أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ لَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَجِعْهُ»   33 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النُّحْلِ بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، مَصْدَرُ نَحَلَهُ إِذَا أَعْطَاهُ بِلَا عِوَضٍ، وَبِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ الْحَاءِ جَمْعُ نِحْلَةٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 4) أَيْ هِبَةً مِنَ اللَّهِ لَهُنَّ وَفَرِيضَةً عَلَيْكُمْ. 1473 - 1431 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ حُمَيْدِ) بِضَمِّ الْحَاءِ (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الْقُرَشِيِّ الزُّهْرِيِّ، أَحَدِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ. (وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ) الْأَنْصَارِيِّ أَبِي سَعِيدٍ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ (أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ) أَيِ ابْنَ شِهَابٍ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ) الْخَزْرَجِيِّ، سَكَنَ الشَّامَ ثُمَّ وَلِيَ إِمْرَةَ الْكُوفَةِ ثُمَّ قُتِلَ بِحِمْصٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، صَحَابِيٌّ وَأَبَوَاهُ صَحَابِيَّانِ، هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ وَحُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَاهُ عَنْ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ بَشِيرٍ، فَشَذَّ بِذَلِكَ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النُّعْمَانِ الحديث: 1473 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 (أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَبَاهُ بَشِيرًا) بْنَ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْجُلَاسِ، بِضَمِّ الْجِيمِ وَخِفَّةِ اللَّامِ آخِرُهُ مُهْمَلَةٌ، الْخَزْرَجِيَّ الْبَدْرِيَّ وَشَهِدَ غَيْرَهَا، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقِيلَ: عَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عُمَرَ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النُّعْمَانِ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ، وَأَبُو الضُّحَى عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ وَأَحْمَدَ وَالطَّحَاوِيِّ، وَالْمُفَضَّلُ بْنُ الْمُهَلَّبِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمْ. (أَتَى بِهِ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ: انْطَلَقَ أَبِي يَحْمِلُنِي (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَلِابْنِ حِبَّانَ: فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ. وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ أَخَذَ بِيَدِهِ فَمَشَى مَعَهُ بَعْضَ الطَّرِيقِ وَحَمَلَهُ فِي بَعْضِهَا لِضَعْفِ سِنِّهِ، أَوْ عَبَّرَ عَنِ اسْتِتْبَاعِهِ إِيَّاهُ بِالْحَمْلِ (فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، أَيْ أَعْطَيْتُ (ابْنِي هَذَا) النُّعْمَانَ (غُلَامًا) لَمْ يُسَمِّ (كَانَ لِي) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ «عَنِ النُّعْمَانِ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ عَطِيَّةً» . وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ: «سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً» ، أَيْ مَطَلَهَا. وَلِابْنِ حِبَّانَ: حَوْلَيْنِ، وَجُمِعَ بِأَنَّ الْمُدَّةَ أَزْيَدُ مِنْ سَنَةٍ فَجَبَرَ الْكَسْرَةَ تَارَةً وَأَلْغَى أُخْرَى، قَالَ: بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ لَهُ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ فَقَالَ: أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (أَكُلَّ وَلَدِكَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الِاسْتِخْبَارِيِّ وَالنَّصْبِ بِقَوْلِهِ: (نَحَلْتَهُ) أَعْطَيْتَهُ (مِثْلَ هَذَا؟) وَلِمُسْلِمٍ: أَكُّلُّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ (قَالَ: لَا) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُوَطَّأِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَقَالَ مُسْلِمٌ لَمَّا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ: أَمَّا يُونُسُ وَمَعْمَرٌ فَقَالَا: أَكُلَّ بَنِيكَ؟ وَأَمَّا اللَّيْثُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ فَقَالَا: أَكُلَّ وَلَدِكَ؟ قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ لَفْظَ وَلَدٍ يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ. وَأَمَّا لَفْظُ بَنِينَ فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانُوا إِنَاثًا وَذُكُورًا فَعَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ سَعْدٍ لِبَشِيرٍ وَلَدًا غَيْرَ النُّعْمَانِ، وَذَكَرَ لَهُ بِنْتًا اسْمَهَا أُبَيَّةُ بِمُوَحَّدَةٍ تَصْغِيرُ أُبَيٍّ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَارْتَجِعْهُ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ مَجْزُومٍ أَمْرًا، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ، أَيِ الْغُلَامُ. وَهُوَ مَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنِ النُّعْمَانِ، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي السَّلْمِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ النُّعْمَانَ خَطَبَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ: «إِنَّ وَالِدِي أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ عَمْرَةَ بِنْتَ رَوَاحَةَ نُفِسَتْ بِغُلَامٍ وَإِنِّي سَمَّيْتُهُ النُّعْمَانَ، وَإِنَّهَا أَبَتْ أَنْ تُرَبِّيَهُ حَتَّى جَعَلْتُ لَهُ حَدِيقَةً مِنْ أَفْضَلِ مَا هُوَ لِي وَأَنَّهَا قَالَتْ: أَشْهِدْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ قَوْلُهُ: لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» . وَجَمَعَ ابْنُ حِبَّانَ بِالْحَمْلِ عَلَى وَاقِعَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا عِنْدَ وِلَادَةِ النُّعْمَانِ وَكَانَتِ الْعَطِيَّةُ حَدِيقَةً، وَالْأُخْرَى بَعْدَ أَنْ كَبِرَ النُّعْمَانُ وَكَانَتْ عَبْدًا. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا بَأْسَ بِجَمْعِهِ، لَكِنْ يَبْعُدُ أَنْ يَنْسَى بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ مَعَ جَلَالَتِهِ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى يَعُودَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُشْهِدُهُ عَلَى الْعَطِيَّةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْأُولَى لَهُ: لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ. وَجَوَّزَ ابْنُ حِبَّانَ أَنَّ بَشِيرًا ظَنَّ نَسْخَ الْحُكْمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهُ حَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الِامْتِنَاعِ فِي الْحَدِيقَةِ الِامْتِنَاعُ فِي الْعَبْدِ; لِأَنَّ ثَمَنَ الْحَدِيقَةِ غَالِبًا أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، قَالَ: وَظَهَرَ لِي وَجْهٌ فِي الْجَمْعِ سَلِيمٌ مِنْ هَذَا الْخَدْشِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى جَوَابِهِ، وَهُوَ أَنَّ عَمْرَةَ لَمَّا امْتَنَعَتْ مِنْ تَرْبِيَتِهِ إِلَّا أَنْ يَهَبَ لَهُ شَيْئًا، وَهَبَهُ الْحَدِيقَةَ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَارْتَجَعَهَا; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، فَعَاوَدَتْهُ عَمْرَةُ فِي ذَلِكَ فَمَطَلَهَا سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ طَابَتْ نَفْسُهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ بَدَلَ الْحَدِيقَةِ غُلَامًا، وَرَضِيَتْ عَمْرَةُ بِهِ لَكِنْ خَشِيَتْ أَنْ يَرْتَجِعَهُ أَيْضًا فَقَالَتْ: أَشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تُرِيدُ تَثْبِيتَ الْعَطِيَّةِ وَأَمْنَ رُجُوعِهِ فِيهَا، وَيَكُونُ مَجِيئُهُ لِإِشْهَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ الْأَخِيرَةُ، وَغَايَةُ مَا فِيهَا أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْ بَعْضٌ، أَوْ كَانَ النُّعْمَانُ يَقُصُّ تَارَةً بَعْضَ الْقِصَّةِ وَيَقُصُّ بَعْضَهَا أُخْرَى، فَسَمِعَ كُلٌّ مَا رَوَاهُ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ قَالَ: «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ» ، وَفِي أُخْرَى: «لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» . وَلِمُسْلِمٍ فَقَالَ: «فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» . وَلَهُ أَيْضًا: «أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» . وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا، وَإِنِّي لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ» . وَلِلنَّسَائِيِّ: وَكَرِهَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ. وَلِمُسْلِمٍ: «اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي النُّحْلِ كَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يَعْدِلُوا بَيْنَكُمْ فِي الْبِرِّ» . وَلِأَحْمَدَ: «إِنَّ لِبَنِيكَ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ، فَلَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ، أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا إِذًا» . وَلِأَبِي دَاوُدَ: «إِنَّ لَهُمْ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ كَمَا أَنَّ لَكَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يَبَرُّوكَ» . وَلِلنَّسَائِيِّ: «أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ» . وَلَهُ وَلِابْنِ حِبَّانَ: سَوِّ بَيْنَهُمْ. وَاخْتِلَافُ الْأَلْفَاظِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْوَاحِدَةِ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ أَوْجَبَ التَّسْوِيَةَ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ كَطَاوُسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالْبُخَارِيِّ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ وَعَنْ أَحْمَدَ تَصِحُّ، وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ لِسَبَبٍ كَأَنْ يَحْتَاجُ الْوَلَدُ لِزَمَانَتِهِ أَوْ دَيْنِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ دُونَ الْبَاقِينَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجِبُ التَّسْوِيَةُ إِنْ قَصَدَ بِالتَّفْضِيلِ الْإِضْرَارَ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّهَا مُقَدِّمَةٌ لِوَاجِبٍ ; لِأَنَّ قَطْعَ الرَّحِمِ وَالْعُقُوقَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 مُحَرَّمَانِ فَالْمُؤَدِّي إِلَيْهِمَا حَرَامٌ وَالتَّفْضِيلُ يُؤَدِّي إِلَيْهِمَا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ التَّسْوِيَةِ: فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ: الْعَدْلُ أَنْ يُعْطَى الذَّكَرُ حَظَّيْنِ كَالْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ حَظُّ الْأُنْثَى لَوْ أَبْقَاهُ الْوَاهِبُ حَتَّى مَاتَ. وَقَالَ غَيْرُهُمْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَفَارَقَ الْإِرْثُ بِأَنَّ الْوَارِثَ رَاضٍ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ بِخِلَافِ هَذَا، وَبِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْمِيرَاثِ بِالْعُصُوبَةِ، أَمَّا بِالرَّحِمِ الْمُحَدَّدَةِ فَهُمَا فِيهَا سَوَاءٌ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأُمِّ، وَالْهِبَةُ لِلْأَوْلَادِ أَمَرَ بِهَا صِلَةُ الرَّحِمِ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ بِالتَّسْوِيَةِ يَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ، وَاسْتَأْنَسُوا لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: " «سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ، فَلَوْ كُنْتُ مُفَضِّلًا أَحَدًا لَفَضَّلْتُ النِّسَاءَ» ". أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: التَّسْوِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، فَإِنْ فَضَّلَ بَعْضًا صَحَّ وَكُرِهَ، وَنُدِبَتِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّسْوِيَةِ أَوِ الرُّجُوعُ حَمْلًا لِلْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ وَالنَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْمَوْهُوبَ لِلنُّعْمَانِ كَانَ جَمِيعَ مَالِ وَالِدِهِ، وَلِذَا مَنَعَهُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى مَنْعِ التَّفْضِيلِ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ، وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ النُّعْمَانِ صَرِيحٌ بِالْبَعْضِيَّةِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَمِنْ أَبْعَدِ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْ وَهَبَ جَمِيعَ مَالِهِ لِبَعْضِ وَلَدِهِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سَحْنُونٌ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ كَانَ غُلَامًا وَأَنَّهُ وَهَبَ لَهُ لَمَّا سَأَلَتْهُ أُمُّهُ الْهِبَةَ مِنْ بَعْضِ مَالِهِ، وَهَذَا يُعْلَمُ مِنْهُ بِالْقَطْعِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَالُ غَيْرِهِ. ثَانِيهَا: أَنَّ الْعَطِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تَتَنَجَّزْ، وَإِنَّمَا جَاءَ بَشِيرٌ يَسْتَشِيرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَفْعَلَ فَتَرَكَ، حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَكْثَرُ طُرُقِ الْحَدِيثِ يُنَابِذُهُ. ثَالِثُهَا: أَنَّ النُّعْمَانَ كَانَ كَبِيرًا وَلَمْ يَقْبِضِ الْمَوْهُوبَ، فَجَازَ لِأَبِيهِ الرُّجُوعُ، ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي أَكْثَرِ طُرُقِ الْحَدِيثِ خُصُوصًا قَوْلَهُ " ارْتَجِعْهُ " فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ وُقُوعِ الْقَبْضِ، وَالَّذِي تَضَافَرَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا وَكَانَ أَبُوهُ قَابِضًا لَهُ لِصِغَرِهِ، فَأُمِرَ بِرَدِّ الْعَطِيَّةِ بَعْدَمَا كَانَتْ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ. رَابِعُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: " فَارْتَجِعْهُ " دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ; إِذْ لَوْ لَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ مَا صَحَّ الرُّجُوعُ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِهِ لَأَنَّ الْوَالِدَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ خِلَافَ ذَلِكَ، لَكِنَّ اسْتِحْبَابَ التَّسْوِيَةِ رَجَحَ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِذَلِكَ نَظَرٌ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى " ارْتَجِعْهُ "، أَيْ لَا تُمْضِ الْهِبَةَ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَقَدُّمُ صِحَّتِهَا. خَامِسُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ " «أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» " إِذْنٌ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا أَشْهَدُ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ الشَّهَادَةُ، وَإِنَّمَا شَأْنُهُ الْحُكْمُ، حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَارْتَضَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ الشَّهَادَةُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَحَمُّلِهَا وَلَا مِنْ أَدَائِهَا إِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُحْتَجُّ بِهَذَا أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا شَهِدَ عِنْدَ بَعْضِ نُوَّابِهِ جَازَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ " أَشْهِدْ " صِيغَةَ إِذْنٍ فَلَيْسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 كَذَلِكَ بَلْ هُوَ لِلتَّوْبِيخِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: قَوْلُهُ " أَشْهِدْ " صِيغَةُ أَمْرٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْجَوَازِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ لِعَائِشَةَ: " «اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ» ". سَادِسُهَا: دَلَّ قَوْلُهُ " «أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ» " عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ وَالنَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ، وَهَذَا جَيِّدٌ لَوْلَا وُرُودُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الزَّائِدَةِ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَلَا سِيَّمَا وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ وَرَدَتْ بِعَيْنِهَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ حَيْثُ قَالَ: سَوِّ بَيْنَهُمْ. سَابِعُهَا: فِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحْفُوظَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ: قَارِبُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، لَا: سَوُّوا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَا يُوجِبُونَ الْمُقَارَبَةَ كَمَا لَا يُوجِبُونَ التَّسْوِيَةَ. ثَامِنُهَا: التَّشْبِيهُ الْوَاقِعُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ بِالتَّسْوِيَةِ مِنْهُمْ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ إِطْلَاقَ الْجَوْرِ عَلَى عَدَمِ التَّسْوِيَةِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ، يَدُلُّ لِلْوُجُوبِ، وَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا التَّشْبِيهُ: فَلَا إِذًا، لَكِنَّ فِي التَّمْهِيدِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِلَّا عَلَى حَقٍّ، الْحَقَّ الَّذِي لَا تَقْصِيرَ فِيهِ عَنْ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مَا دُونَهُ حَقًّا. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْجَوْرُ الْمَيْلُ عَنِ الِاعْتِدَالِ فَالْمَكْرُوهُ أَيْضًا جَوْرٌ اهـ. تَاسِعُهَا: عَمَلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدَمِ التَّسْوِيَةِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ، فَأَبُو بَكْرٍ نَحَلَ عَائِشَةَ دُونَ سَائِرِ وَلَدِهِ كَمَا يَأْتِي، وَعُمَرُ نَحَلَ ابْنَهُ عَاصِمًا دُونَ سَائِرِ أَوْلَادِهِ. ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ أَجَابَ عُرْوَةُ عَنْ قِصَّةِ عَائِشَةَ بِأَنَّ إِخْوَتَهَا كَانُوا رَاضِينَ بِذَلِكَ، وَيُجَابُ بِمِثْلِهِ عَنْ قِصَّةِ عُمَرَ. عَاشِرُهَا: انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ عَطِيَّةِ الرَّجُلِ مَالَهُ لِغَيْرِ وَلَدِهِ، فَمَنْ جَازَ أَنْ يُخْرِجَ جَمِيعَ وَلَدِهِ عَنْ مَالِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ ذَلِكَ بَعْضَهُمْ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، أَيْ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى " «لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» " أَيْ لَا أَشْهَدُ عَلَى مَيْلِ الْأَبِ لِبَعْضِ أَوْلَادِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ: «لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ» ، وَفِيهِ أَنَّ لِلْأَبِ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ وَكَذَا لِلْأُمِّ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا تَرْجِعُ الْأُمُّ إِذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا، وَمَحَلُّ رُجُوعِ الْأَبِ مَا لَمْ يُدَايَنِ الِابْنُ أَوْ يَنْكِحْ لِلْهِبَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا، وَفِيهِ نَدْبُ التَّأَلُّفِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَتَرْكُ مَا يُوقِعُ بَيْنَهُمُ الشَّحْنَاءَ وَيُورِثُ الْعُقُوقَ لِلْآبَاءِ، وَأَنَّ عَطِيَّةَ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي حِجْرِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى قَبْضٍ، وَأَنَّ الْإِشْهَادَ فِيهَا مُغْنٍ عَنِ الْقَبْضِ، وَكَرَاهَةُ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فِيمَا لَيْسَ بِمُبَاحٍ، وَأَنَّ الْإِشْهَادَ فِي الْهِبَةِ مَشْرُوعٌ لَا وَاجِبٌ، وَجَوَازُ الْمَيْلِ إِلَى بَعْضِ الْأَوْلَادِ وَالزَّوْجَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وَأَنَّ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنْ يَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ لِيَحْكُمَ بِعِلْمِهِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهُ أَوْ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ بَعْضِ نُوَّابِهِ، وَمَشْرُوعِيَّةُ اسْتِفْصَالِ الْحَاكِمِ وَالْمُفْتِي عَمَّا يَحْتَمِلُ الِاسْتِفْصَالَ; لِقَوْلِهِ: " «أَلَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: لَا أَشْهَدُ» ". فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ نَعَمْ، لَشَهِدَ، وَأَنَّ لِلْإِمَامِ التَّكَلُّمَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 مَصْلَحَةِ الْوَلَدِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى قَبُولِ الْحَقِّ، وَأَمْرُ الْحَاكِمِ وَالْمُفْتِي بِتَقْوَى اللَّهِ فِي كُلِّ حَالٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى سُوءِ عَاقِبَةِ الْحِرْصِ وَالتَّنَطُّعِ; لِأَنَّ عَمْرَةَ لَوْ رَضِيَتْ بِمَا وَهَبَهُ زَوْجُهَا لِوَلَدِهِ لَمَّا رَجَعَ فِيهِ، فَلَمَّا اشْتَدَّ حِرْصُهَا فِي تَثْبِيتِ ذَلِكَ أَفْضَى إِلَى بُطْلَانِهِ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الْمَصَابِيحِ بِأَنَّ إِبْطَالَهَا ارْتَفَعَ بِهِ جَوْرٌ وَقَعَ فِي الْقِصَّةِ، فَلَيْسَ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ فِي شَيْءٍ، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْهِبَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْوَصَايَا عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ وَلَا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ يَا أَبَتِ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَتَرَكْتُهُ إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ فَمَنْ الْأُخْرَى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ذُو بَطْنِ بِنْتِ خَارِجَةَ أُرَاهَا جَارِيَةً   1474 - 1432 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ) خَالَتِهِ (عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ) عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ (كَانَ نَحَلَهَا) بِفَتْحَتَيْنِ (جَادَّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ (عِشْرِينَ وَسْقًا) مِنْ نَخْلَةٍ إِذَا جُدَّ، أَيْ قُطِعَ، قَالَهُ عِيسَى فَهُوَ صِفَةٌ لِلثَّمَرَةِ، وَقَالَ ثَابِتٌ: يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ يُجَدُّ مِنْهَا، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هَذِهِ أَرْضٌ جَادٌّ مِائَةُ وَسْقٍ، أَيْ يُجَدُّ ذَلِكَ مِنْهَا فَهُوَ صِفَةٌ لِلنَّخْلِ الَّتِي وَهَبَهَا ثَمَرَتَهَا، يُرِيدُ نَخْلًا يُجَدُّ مِنْهَا عِشْرُونَ (مِنْ مَالِهِ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَأَوَّلَ حَدِيثَ النُّعْمَانِ بِبَعْضِ الْوُجُوهِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ (بِالْغَابَةِ) بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَصَحَّفَ مَنْ قَالَهَا بِتَحْتِيَّةٍ، مَوْضِعُ عَلَى بَرِيدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي طَرِيقِ الشَّامِ، وَوَهَمَ مَنْ قَالَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، كَانَ بِهَا أَمْلَاكٌ لِأَهْلِهَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْخَرَابُ، وَغَلِطَ الْقَائِلُ أَنَّهَا شَجَرٌ لَا مَالِكَ لَهُ بَلْ لِاحْتِطَابِ النَّاسِ وَمَنَافِعِهِمْ. (فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ) ، أَيْ أَسْبَابُهَا (قَالَ: وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ) بِتَصْغِيرِ الْحَنَانِ وَالشَّفَقَةِ (مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ (وَلَا أَعَزُّ) أَشَقُّ وَأَصْعَبُ (عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ) وَفِيهِ: أَنَّ الْغِنَى أَحَبُّ إِلَى الْفُضَلَاءِ مِنَ الْفَقْرِ (وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالدَّالِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الثَّانِيَةِ، قَطَعْتِيهِ (وَاحْتَزْتِيهِ) بِإِسْكَانِ الْحَاءِ وَالزَّايِ بَيْنَهُمَا فَوْقِيَّةٌ مَفْتُوحَةٌ، أَيْ حُزْتِيهِ (كَانَ لَكِ) لِأَنَّ الْحِيَازَةَ وَالْقَبْضَ شَرْطٌ فِي تَمَامِ الْهِبَةِ، فَإِنْ وَهَبَ الثَّمَرَةَ عَلَى الْكَيْلِ فَلَا تَكُونُ الْحِيَازَةُ إِلَّا بِالْكَيْلِ بَعْدَ الْجَدِّ، وَلِذَا قَالَ: جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: الحديث: 1474 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 اتَّفَقَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعُ عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا مَقْبُوضَةً، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ: تَصِحُّ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ بِلَا قَبْضٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وَجْهٍ لَا يَصِحُّ. (وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ) عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدٌ (وَأُخْتَاكِ) يُرِيدُ مَنْ يَرِثُهُ بِالْبُنُوَّةِ لِأَنَّهُ وَرِثَهُ مَعَهُمْ زَوْجَتَاهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَحَبِيبَةُ بِنْتُ خَارِجَةَ وَأَبُوهُ أَبُو قُحَافَةَ، وَإِنْ رُوِيَ أَنَّهُ رُدَّ سُدُسُهُ عَلَى وَلَدِ أَبِي بَكْرٍ (فَاقْتَسَمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا) كِنَايَةً عَنْ شَيْءٍ كَثِيرٍ أَزْيَدَ مِمَّا وَهَبَهُ لَهَا (لَتَرَكْتُهُ) اتِّبَاعًا لِلشَّرْعِ وَطَلَبًا لِرِضَاكَ (إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ فَمَنِ الْأُخْرَى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذُو) أَيْ صَاحِبَةُ (بَطْنِ) بِمَعْنَى الْكَائِنَةِ فِي بَطْنِ حَبِيبَةَ (بِنْتِ خَارِجَةَ) بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ، صَحَابِيَّةٌ بِنْتُ صَحَابِيٍّ شَهِدَ بَدْرًا وَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ (أُرَاهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، أَظُنُّهَا (جَارِيَةً) أُنْثَى فَلِذَا قُلْتُ: أُخْتَاكِ، فَكَانَ كَمَا ظَنَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُمِّيَتْ أُمَّ كُلْثُومٍ، قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا وَذَلِكَ لِرُؤْيَا رَآهَا أَبُو بَكْرٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ أَبْنَاءَهُمْ نُحْلًا ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا فَإِنْ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمْ قَالَ مَا لِي بِيَدِي لَمْ أُعْطِهِ أَحَدًا وَإِنْ مَاتَ هُوَ قَالَ هُوَ لِابْنِي قَدْ كُنْتُ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ مَنْ نَحَلَ نِحْلَةً فَلَمْ يَحُزْهَا الَّذِي نُحِلَهَا حَتَّى يَكُونَ إِنْ مَاتَ لِوَرَثَتِهِ فَهِيَ بَاطِلٌ   1475 - 1433 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ) بِدُونِ إِضَافَةٍ (الْقَارِيِّ) بِشَدِّ الْيَاءِ، نِسْبَةً إِلَى الْقَارَةِ بَطْنٍ مِنْ خُزَيْمَةَ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ، يُعْطُونَ (أَبْنَاءَهُمْ نُحْلًا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، عَطِيَّةً بِلَا عِوَضٍ (ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا، فَإِنْ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمْ قَالَ: مَالِي بِيَدِي لَمْ أُعْطِهِ أَحَدًا، وَإِنْ مَاتَ هُوَ) أَيِ الْأَبُ (قَالَ) قُرْبَ مَوْتِهِ (هُوَ لِابْنِي قَدْ كُنْتُ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ) لِيَحْرِمَ بَاقِيَ وَرَثَتِهِ، وَلَا يَصِحُّ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَوْزِ فِي حَيَاتِهِ (مَنْ نَحَلَ نِحْلَةً فَلَمْ يَحُزْهَا الَّذِي نُحِلَهَا حَتَّى يَكُونَ) بِالتَّاءِ أَيِ النِّحْلَةُ، وَبِالْيَاءِ الَّذِي نُحِلَ (إِنْ مَاتَ لِوَرَثَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْحِيَازَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْمِلْكِ لِلْهِبَةِ. الحديث: 1475 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 [باب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْعَطِيَّةِ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أَعْطَى أَحَدًا عَطِيَّةً لَا يُرِيدُ ثَوَابَهَا فَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ لِلَّذِي أُعْطِيَهَا إِلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الَّذِي أُعْطِيَهَا قَالَ وَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي إِمْسَاكَهَا بَعْدَ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إِذَا قَامَ عَلَيْهِ بِهَا صَاحِبُهَا أَخَذَهَا قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً ثُمَّ نَكَلَ الَّذِي أَعْطَاهَا فَجَاءَ الَّذِي أُعْطِيَهَا بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ ذَلِكَ عَرْضًا كَانَ أَوْ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا أَوْ حَيَوَانًا أُحْلِفَ الَّذِي أُعْطِيَ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ فَإِنْ أَبَى الَّذِي أُعْطِيَ أَنْ يَحْلِفَ حُلِّفَ الْمُعْطِي وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ أَيْضًا أَدَّى إِلَى الْمُعْطَى مَا ادَّعَى عَلَيْهِ إِذَا كَانَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً لَا يُرِيدُ ثَوَابَهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطَى فَوَرَثَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُعْطَى عَطِيَّتَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ أُعْطِيَ عَطَاءً لَمْ يَقْبِضْهُ فَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي أَنْ يُمْسِكَهَا وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا حِينَ أَعْطَاهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إِذَا قَامَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا   34 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الْعَطِيَّةِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أَعْطَى أَحَدًا عَطِيَّةً لَا يُرِيدُ ثَوَابَهَا) مِمَّنْ أَعْطَاهَا لَهُ بَلْ أَرَادَ ثَوَابَ اللَّهِ تَعَالَى (فَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ لِلَّذِي أُعْطِيَهَا) لِلُزُومِهَا بِالْقَوْلِ، لَكِنْ إِنَّمَا تَتِمُّ بِالْحِيَازَةِ كَمَا قَالَ (إِلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُعْطِي) بِكَسْرِ الطَّاءِ (قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الَّذِي أُعْطِيَهَا) فَتَبْطُلُ كَالْهِبَةِ (قَالَ: وَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي إِمْسَاكَهَا بَعْدَ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إِذَا قَامَ عَلَيْهِ بِهَا صَاحِبُهَا أَخَذَهَا) جَبْرًا عَلَيْهِ (وَمَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً ثُمَّ نَكَلَ الَّذِي أَعْطَى) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنْكَرَ ذَلِكَ (فَجَاءَ الَّذِي أُعْطِيَهَا بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ ذَلِكَ عَرَضًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا أَوْ حَيَوَانًا، أُحْلِفَ الَّذِي أُعْطِيَ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ، فَإِنْ أَبَى الَّذِي أُعْطِيَ أَنْ يَحْلِفَ حُلِّفَ الْمُعْطِي) بِالْكَسْرِ، وَبُرِّئَ (وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ أَيْضًا أَدَّى إِلَى الْمُعْطَى) بِفَتْحِ الطَّاءِ (مَا ادَّعَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ نُكُولَهُ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ ثَانٍ (إِذَا كَانَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ دَعْوَى. (وَمَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً لَا يُرِيدُ ثَوَابَهَا) مِمَّنْ أَعْطَاهَا لَهُ (ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطَى) بِفَتْحِ الطَّاءِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا (فَوَرَثَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ) فَلَهُمْ طَلَبُهَا مِنَ الْمُعْطِي; لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِمُورِثِهِمْ (وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 مَاتَ الْمُعْطِي) بِالْكَسْرِ (قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُعْطَى) بِالْفَتْحِ (عَطِيَّتَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ أُعْطِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (عَطَاءً لَمْ يَقْبِضْهُ) قَبْلَ مَوْتِ مَنْ أَعْطَاهُ، فَبَطَلَتْ لِعَدَمِ الْحَوْزِ (فَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي أَنْ يُمْسِكَهَا وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا حِينَ أَعْطَاهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إِذَا قَامَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا) جَبْرًا عَلَيْهِ وَسَمَّاهُ صَاحِبُهَا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْحَوْزُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 [باب الْقَضَاءِ فِي الْهِبَةِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْهِبَةَ إِذَا تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِلثَّوَابِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَإِنَّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَهَا قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا   35 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الْهِبَةِ 1477 - 1434 - (مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٍ (عَنْ أَبِي غَطَفَانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ، يُقَالُ: اسْمُهُ سَعْدُ (ابْنُ طَرِيفٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ (الْمُرِّيِّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَشَدِّ الرَّاءِ بِلَا نُقَطٍ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا) ، أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُعْمَلُ بِرُجُوعِهِ (وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ) أَيِ الْجَزَاءُ عَلَيْهَا مِمَّنْ وَهَبَهَا لَهُ (فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا) مِنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَمَحِلُّ رُجُوعِهِ مَا لَمْ تَفُتْ كَمَا قَالَ. (مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْهِبَةَ إِذَا تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِلثَّوَابِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، فَإِنَّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَهَا قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا) لِفَوَاتِهَا. الحديث: 1477 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 [باب الْاعْتِصَارِ فِي الصَّدَقَةِ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ بِصَدَقَةٍ قَبَضَهَا الِابْنُ أَوْ كَانَ فِي حَجْرِ أَبِيهِ فَأَشْهَدَ لَهُ عَلَى صَدَقَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّدَقَةِ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ نَحَلَ وَلَدَهُ نُحْلًا أَوْ أَعْطَاهُ عَطَاءً لَيْسَ بِصَدَقَةٍ إِنَّ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثْ الْوَلَدُ دَيْنًا يُدَايِنُهُ النَّاسُ بِهِ وَيَأْمَنُونَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْعَطَاءِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ فَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَنْ يَعْتَصِرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ الدُّيُونُ أَوْ يُعْطِي الرَّجُلُ ابْنَهُ أَوْ ابْنَتَهُ فَتَنْكِحُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ وَإِنَّمَا تَنْكِحُهُ لِغِنَاهُ وَلِلْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ فَيُرِيدُ أَنْ يَعْتَصِرَ ذَلِكَ الْأَبُ أَوْ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قَدْ نَحَلَهَا أَبُوهَا النُّحْلَ إِنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا وَيَرْفَعُ فِي صِدَاقِهَا لِغِنَاهَا وَمَالِهَا وَمَا أَعْطَاهَا أَبُوهَا ثُمَّ يَقُولُ الْأَبُ أَنَا أَعْتَصِرُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ مِنْ ابْنِهِ وَلَا مِنْ ابْنَتِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ   36 - بَابُ الِاعْتِصَارِ فِي الصَّدَقَةِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ بِصَدَقَةٍ قَبَضَهَا الِابْنُ) الْكَبِيرُ الرَّشِيدُ (أَوْ كَانَ فِي حِجْرِ أَبِيهِ) لِصِغَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَأَشْهَدَ) الْأَبُ (لَهُ عَلَى صَدَقَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ) أَنْ يَرْتَجِعَ (شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ; لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّدَقَةِ) وَلَوْ عَلَى وَلَدِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْعَائِدُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» ". وَقَوْلِهِ: " «لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ» ". رَوَاهُمَا الْإِمَامُ فِي الزَّكَاةِ. (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ نَحَلَ وَلَدَهُ نُحْلًا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ (أَوْ أَعْطَاهُ عَطَاءً لَيْسَ بِصَدَقَةٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ ذَلِكَ) أَيْ يَرْجِعُ فِي هِبَتِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: " «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلَّا الْوَالِدَ» ". (مَا لَمْ يَسْتَحْدِثْ) أَيْ يُحْدِثِ (الْوَلَدُ دَيْنًا يُدَايِنُهُ النَّاسُ بِهِ وَيَأْمَنُونَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْعَطَاءِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ، وَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَنْ يَعْتَصِرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ الدُّيُونُ) لِأَنَّهُ وَرَّطَهُ بِالْهِبَةِ حَتَّى أَدَانَ (أَوْ يُعْطِي الرَّجُلُ ابْنَهُ) الذَّكَرَ (أَوِ ابْنَتَهُ) الْأُنْثَى (فَتَنْكِحُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ، وَإِنَّمَا تَنْكِحُهُ لِغِنَاهُ وَلِلْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ) عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ، أَيْ لِغِنَاهُ (بِالْمَالِ، فَيُرِيدُ الْأَبُ أَنْ يَعْتَصِرَ ذَلِكَ، أَوْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قَدْ نَحَلَهَا أَبُوهَا النُّحْلَ إِنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا وَيَرْفَعُ) يَزِيدُ (فِي صَدَاقِهَا لِغِنَاهَا وَمَالِهَا وَمَا أَعْطَاهَا أَبُوهَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 ثُمَّ يَقُولُ الْأَبُ: أَنَا أَعْتَصِرُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ مِنِ ابْنِهِ وَلَا مِنِ ابْنَتِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ) مِنْ أَنَّهُ هِبَةٌ لَيْسَ بِصَدَقَةٍ، فَلَهُ الِاعْتِصَارُ مَا لَمْ يُدَايَنْ أَوْ يَنْكِحْ لِأَجْلِهَا، أَمَّا الصَّدَقَةُ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُدَايَنْ وَلَا نَكَحَ لِأَنَّهَا إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 [باب الْقَضَاءِ فِي الْعُمْرَى] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي يُعْطَاهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا أَبَدًا» لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ   37 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الْعُمْرَى بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَعَ الْقَصْرِ، وَحُكِيَ ضَمُّ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ، يُقَالُ: أَعْمَرْتُهُ دَارًا أَوْ أَرْضًا أَوْ إِبِلًا إِذَا أَعْطَيْتَهُ إِيَّاهَا، وَقُلْتُ لَهُ: هِيَ لَكَ عُمْرَى أَوْ عُمْرَكَ فَإِذَا مِتَّ رَجَعَتْ إِلَيَّ. قَالَ لَبِيدٌ: وَمَا الْمَالُ إِلَّا مُعْمَرَاتٌ وَدَائِعُ ... وَلَا بُدَّ يَوْمًا أَنْ تُرَدَّ الْوَدَائِعُ. وَاصْطِلَاحًا، قَالَ الْبَاجِيُّ: هِيَ هِبَةُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ عُمْرَ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَعُمْرِ عَقِبِهِ لَا هِبَةَ الرَّقَبَةِ. ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَسَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ ذِكْرُ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْعُمْرَى، أَيْ كَقَوْلِهِ أَعْمَرْتُكَ دَارِي أَوِ الِاعْتِمَارِ أَوِ السُّكْنَى أَوِ الِاغْتِلَالِ أَوِ الْإِرْفَاقِ أَوِ الْإِنْحَالِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَطَايَا. 1479 - 1435 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) إِسْمَاعِيلَ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ أَوِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّمَا) مُرَكَّبَةٌ مِنْ " أَيِّ " اسْمٌ يَنُوبُ مَنَابَ حَرْفِ الشَّرْطِ، وَمِنْ " مَا " الزَّائِدَةِ لِلتَّعْمِيمِ (رَجُلٍ) بِجَرِّهِ بِإِضَافَةِ " أَيِّ " إِلَيْهِ وَرَفْعِهِ بَدَلٌ مِنْ " أَيِّ وَمَا زَائِدَةٌ " وَذِكْرُهُ غَالِبِيٌّ، وَالْمُرَادُ إِنْسَانٌ (أُعْمِرَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ، مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (عُمْرَى) كَأَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ مَثَلًا (لَهُ وَلِعَقِبِهِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا، أَوْلَادُ الْإِنْسَانِ مَا تَنَاسَلُوا الحديث: 1479 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 (فَإِنَّهَا لِلَّذِي يُعْطَاهَا) وَفِي رِوَايَةٍ: أُعْطِيَهَا (لَا تَرْجِعُ إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا أَبَدًا) هَذَا آخَرُ الْمَرْفُوعِ، وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ) مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَلَمَةَ، بَيَّنَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَنَّهُ قَضَى فِيمَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَهِيَ لَهُ بَتْلَةٌ لَا يَجُوزُ لِلْمُعْطِي فِيهَا شَرْطٌ وَلَا مَثْنَوِيَّةٌ» ". قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ فَقَطَعَتِ الْمَوَارِيثُ شَرْطَهُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جَوَّدَهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فَبَيَّنَ فِيهِ مَوْضِعَ الرَّفْعِ وَجَعَلَ سَائِرَهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَلَمَةَ خِلَافَ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ اللَّيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَقَدْ قَطَعَ قَوْلُهُ حَقَّهُ فِيهَا، وَهِيَ لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَلِعَقِبِهِ» ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَلَمْ يَذْكُرِ التَّعْلِيلَ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْهُ إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ. فَأَمَّا إِذَا قَالَ: هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا، قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يُفْتِي بِهِ. وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " «جَعَلَ الْأَنْصَارُ يُعَمِّرُونَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ» ". وَفِيهِ صِحَّةُ الْعُمْرَى، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُدَ وَطَائِفَةٍ، لَكِنَّ ابْنَ حَزْمٍ قَالَ بِصِحَّتِهَا وَهُوَ شَيْخُ الظَّاهِرِيَّةِ، ثُمَّ الْجُمْهُورُ: إِنَّهَا تَتَوَجَّهُ إِلَى الرَّقَبَةِ كَسَائِرِ الْهِبَاتِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: تَتَوَجَّهُ إِلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ، فَفِي رُجُوعِهَا إِلَيْهِ مُعْقِبَةً أَمْ لَا قَوْلُ مَالِكٍ أَوَّلًا مُطْلَقًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: وَرُجُوعُهَا إِنْ لَمْ تُعْقَبْ لَا إِنْ عُقِبَتْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ، قِيلَ: وَهُوَ أَسْعَدُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا أَعْطَى الْمَنَافِعَ لِرَجُلٍ وَلِعَقِبِهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ عَقِبِهِ بِمَوْتِهِ بَلْ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْعَقِبُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمِنْ أَحْسَنِ مَا احْتَجُّوا بِهِ أَنَّ مِلْكَ الْمُعْطِي الْمُعَمِّرَ ثَابِتٌ بِإِجْمَاعٍ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ الْعُمْرَى، فَلَمَّا أَحْدَثَهَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ أَزَالَ لَفْظُهُ ذَلِكَ مِلْكَهُ عَنْ رَقَبَةِ مَا أَعْمَرَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَزَلْ مِلْكُهُ عَنْ رَقَبَةِ مَالِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ. فَالْوَاجِبُ بِحَقِّ النَّظَرِ أَنْ لَا يَزُولَ مِلْكُهُ إِلَّا بِيَقِينٍ. وَهُوَ الْإِجْمَاعُ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ لَا يَثْبُتُ بِهِ يَقِينٌ، وَقَدْ ثَبَتَ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ يَنْوِ بِلَفْظِهِ ذَلِكَ إِخْرَاجَ شَيْئِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَقَدِ اشْتَرَطَ فِيهِ شَرْطًا فَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ لِحَدِيثِ: " «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» ". اهـ وَحَاصِلُ مَا اجْتَمَعَ مِنْ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ مُسَابَقَةُ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَهُ وَلِعَقِبِهِ لَا تَرْجِعُ إِلَى الْمُعَمَّرِ حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 يَنْقَرِضَ الْعَقِبُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا تَرْجِعُ أَبَدًا. ثَانِيهَا: أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ، فَإِذَا مِتَّ رَجَعَتْ إِلَيَّ، فَهَذِهِ عَارِيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ، فَإِذَا مَاتَ رَجَعَتْ إِلَى الْمُعْطِي، وَقَدْ بَيَّنَتْ هَذِهِ وَالَّتِي قَبْلَهَا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ لَا تَرْجِعُ، وَقَالُوا: إِنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ مُلْغًى وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَهَا وَيُطْلِقُ، فَرِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ حُكْمَهَا كَالْأُولَى ثُمَّ فِي رُجُوعِهَا لِلْمُعَمِّرِ الْخِلَافُ فَمَالِكٌ تَرْجِعُ وَغَيْرُهُ لَا تَرْجِعُ. وَأَمَّا الرُّقْبَى فَمَنَعَهَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ وَأَجَازَهَا الْأَكْثَرُ. وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءٍ: " «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى، قُلْتُ: وَمَا الرُّقْبَى؟ قَالَ: يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: هِيَ لَكَ حَيَاتَكَ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ فَهُوَ جَائِزٌ» ". وَلِلنَّسَائِيِّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «لَا عُمْرَى وَلَا رُقْبَى، وَمَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَمَاتَهُ» ". رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنْ فِي سَمَاعِ حَبِيبٍ لَهُ مِنَ ابْنِ عُمَرَ خِلَافٌ، فَأَثْبَتَهُ النَّسَائِيُّ فِي طَرِيقٍ وَنَفَاهُ فِي أُخْرَى، وَجَمَعَ بَيْنَ هَذَا النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِأَنَّ النَّهْيَ إِرْشَادِيٌّ لِإِمْسَاكِ الْمَالِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ السَّابِقِ، فَالرُّقْبَى بِهَذَا التَّفْسِيرِ هِيَ بِمَعْنَى الْعُمْرَى، وَهَذِهِ لَمْ يَمْنَعْهَا مَالِكٌ بَلْ تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا، وَإِنَّمَا مَنَعَ الرُّقْبَى بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ لِشَخْصَيْنِ دَارَانِ لِكُلٍّ دَارٌ فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: إِنْ مِتَّ قَبْلِي فَهُمَا لِي وَإِنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَهُمَا لَكَ، مِنَ الْمُرَاقَبَةِ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْوَصَايَا تِلْوَ الْفَرَائِضِ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا بِنَحْوِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولًا الدِّمَشْقِيَّ يَسْأَلُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ الْعُمْرَى وَمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أُعْطُوا قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعُمْرَى تَرْجِعُ إِلَى الَّذِي أَعْمَرَهَا إِذَا لَمْ يَقُلْ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ   1480 - 1436 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ، شَيْخِ الْإِمَامِ، رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ (أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولًا) أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، الثِّقَةَ الْفَقِيهَ الْمَشْهُورَ (الدِّمَشْقِيَّ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَيُقَالُ بِكَسْرِهِمَا، نِسْبَةً إِلَى دِمَشْقَ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفَةِ بِالشَّامِ، الْمُتَوَفَّى سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ (يَسْأَلُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعُمْرَى: وَمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا؟ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ) مُجِيبًا لَهُ (مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ) وَالْقَاسِمُ أَدْرَكَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (إِلَّا وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أُعْطُوا) فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ مَا أَرَادُوهُ مِنْ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ لَا الذَّاتِ خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَهُ مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِهِ: لَا تَرْجِعُ إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا أَبَدًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَعْنَاهُ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْعَقِبُ. الحديث: 1480 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 (قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِدَارِ الْهِجْرَةِ، مَعَ رِوَايَتِهِمْ لِلْحَدِيثِ فَهُمْ أَدْرَى، وَلَمْ يَأْخُذُوا بِالتَّعْلِيلِ الظَّاهِرِ فِي مِلْكِ الذَّاتِ; لِأَنَّهُ مُدْرَجٌ لَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَرِثَ مِنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ دَارَهَا قَالَ وَكَانَتْ حَفْصَةُ قَدْ أَسْكَنَتْ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ مَا عَاشَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ بِنْتُ زَيْدٍ قَبَضَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْمَسْكَنَ وَرَأَى أَنَّهُ لَهُ   1481 - 1437 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَرِثَ مِنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ (دَارَهَا قَالَ: وَكَانَتْ حَفْصَةُ قَدْ أَسْكَنَتْ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ) دَارَهَا الْمَذْكُورَةَ (مَا عَاشَتْ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ قَبَضَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْمَسْكَنَ وَرَأَى أَنَّهُ لَهُ) لِأَنَّ الْإِسْكَانَ بِمَعْنَى الْعُمْرَى، وَهِيَ تَرْجِعُ لِوَارِثِ الْمُعَمِّرِ أَوِ الْمُسَكِّنِ، لَكِنْ فِي التَّمْهِيدِ هَذَا مَعَ مَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ وَسَأَلَهُ أَعْرَابِيٌّ أَعْطَى ابْنَهُ نَاقَةً لَهُ حَيَاتَهُ فَأَنْتَجَهَا فَكَانَتْ لَهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هِيَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَهُ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْعُمْرَى خِلَافُ السُّكْنَى وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. الحديث: 1481 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 [باب الْقَضَاءِ فِي اللُّقَطَةِ] 1528 - 1482 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا قَالَ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ قَالَ فَضَالَّةُ الْإِبِلِ قَالَ مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا»   38 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي اللُّقَطَةِ اللُّقَطَةُ: الشَّيْءُ الَّذِي يُلْتَقَطُ، وَهِيَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْمُحَدِّثِينَ، وَقَالَ عِيَاضٌ: لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ: بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْعَامَّةُ تُسَكِّنُهَا اهـ. لَكِنْ جَزْمَ الْخَلِيلُ بِالسُّكُونِ، قَالَ: وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ اللَّاقِطُ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَا قَالَهُ هُوَ الْقِيَاسُ، لَكِنَّ الَّذِي سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ الْفَتْحُ، وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ لُقَاطَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ، وَرَابِعَةٌ لَقَطَةٌ بِفَتْحِ اللَّامِ. وَوَجَّهَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَتْحَ الْقَافِ فِي الْمَأْخُوذِ بِأَنَّهُ لِلْمُبَالَغَةِ فِيمَا اخْتَصَّتْ بِهِ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَاهَا يَمِيلُ لِأَخْذِهَا فَسُمِّيَتْ بِاسْمِ الْفَاعِلِ لِذَلِكَ. 1482 - 1438 الحديث: 1528 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فَرُّوخَ، الْمَعْرُوفِ بِرَبِيعَةِ الرَّأْيِ، بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ (عَنْ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ، الْمَدَنِيِّ الصَّدُوقِ (مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ نَزَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِصَارِ الطَّائِفِ، وَكَانَ يُسَمَّى الْمُضْطَجِعَ فَسَمَّاهُ الْمُنْبَعِثَ، وَكَانَ مِنْ مَوَالِي آلِ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ مُعْتِبٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ، الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْحَافِظُ: زَعَمَ ابْنُ بَشْكُوالٍ وَعَزَاهُ لِأَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ بِلَالٌ الْمُؤَذِّنُ، وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ، وَيُبْعِدُهُ رِوَايَةُ الشَّيْخَيْنِ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، وَبِلَالٌ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ هُوَ الرَّاوِي; لِرِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ بُعْدٌ لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَلَى الشَّكِّ، وَأَيْضًا فَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: أَتَى رَجُلٌ وَأَنَا مَعَهُ، فَدَلَّ أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَلَعَلَّهُ نَسَبَ السُّؤَالَ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَعَ السَّائِلِ ثُمَّ ظَهَرَتْ لِي تَسْمِيَةُ السَّائِلِ، وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ السَّكَنِ وَالْبَاوَرْدِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ، كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ الْغِفَارِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ سُوَيْدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللُّقَطَةِ، الْحَدِيثَ، وَهُوَ أَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ هَذَا الْمُبْهَمُ لِكَوْنِهِ مِنْ رَهْطِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: «قُلْتُ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ الْوَرِقُ تُوجَدُ عِنْدَ الْقَرْيَةِ، قَالَ عَرِّفْهَا حَوْلًا» ". الْحَدِيثَ، وَفِيهِ سُؤَالُهُ عَنِ الشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَجَوَابُهُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ. وَرَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: «إِنْ وَجَدْتَ مَنْ يَعْرِفُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ» ". الْحَدِيثَ، وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ جِدًّا. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ الْجَارُودِ الْعَبْدِيِّ قَالَ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اللُّقَطَةُ نَجِدُهَا، قَالَ: أَنْشِدْهَا وَلَا تَكْتُمْ وَلَا تُغَيِّبْ» ". الْحَدِيثَ اهـ. يَعْنِي فَيَحْتَمِلُ تَفْسِيرُ الْمُبْهَمِ أَيْضًا بِأَبِي ثَعْلَبَةَ أَوْ عُمَيْرٍ وَالْجَارُودِ، لَكِنْ يُرَجِّحُ أَنَّهُ سُوِيدٌ كَوْنُهُ مِنْ رَهْطِ زَيْدٍ الرَّاوِي كَمَا قَالَ، وَإِنْ تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ سُوِيدٍ مِنْ رَهْطِ زِيدٍ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُهُمَا وَاحِدًا بِحَسَبِ الصُّورَةِ، وَإِنْ كَانَا فِي الْمَعْنَى مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ هَذَا جُمُودٌ، فَالْحَافِظُ لَمْ يَجْزِمْ بِأَنَّهُ هُوَ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُصَرِّحَةِ بِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا رَجَّحَهُ بِقَوْلِهِ أَوْلَى لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ عِنْدَهُمْ (فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ) هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَزِيدَ: الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَهُوَ كَالْمِثَالِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَمْتَعُ بِهِ غَيْرَ الْحَيَوَانِ فِي تَسْمِيَتِهِ لُقَطَةً، وَإِعْطَائِهِ حُكْمَهَا وَهُوَ: (فَقَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَفَاءٍ خَفِيفَةٍ فَأَلِفٍ فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ، أَيْ وِعَائِهَا الَّذِي يَكُونُ فِيهِ النَّفَقَةُ جِلْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهَا، مِنَ الْعَفْصِ وَهُوَ الْمُثَنَّى، أَيْ لِأَنَّ الْوِعَاءَ يُثَنَّى عَلَى مَا فِيهِ (وَوِكَاءَهَا) بِكَسْرِ الْوَاوِ الثَّانِيَةِ وَبِالْهَمْزَةِ مَمْدُودُ الْخَيْطِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الصُّرَّةُ وَالْكِيسُ وَنَحْوُهُمَا، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زَيْدٍ: وَعَدَدُهَا، وَكَذَا فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: لِيُعْرَفَ صِدْقُ مُدَّعِيهَا عِنْدَ طَلَبِهَا، وَفِي وُجُوبِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ وَنَدْبِهَا قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا الْأَمْرُ، وَقِيلَ: يَجِبُ عِنْدَ الِالْتِقَاطِ وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَهُ، فَعَلَى الْوُجُوبِ إِذَا عَرَّفَ بَعْضَ الصِّفَاتِ دُونَ بَعْضٍ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جَمِيعِهَا، وَكَذَا قَالَ أَصْبَغُ لَكِنْ قَالَ: لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَدَدِ، قِيلَ: وَقَوْلُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَقْوَى لِثُبُوتِ ذِكْرِ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَزِيَادَةُ الْحَافِظِ حُجَّةٌ. (ثُمَّ عَرِّفْهَا) بِكَسْرِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ، أَيِ اذْكُرْهَا لِلنَّاسِ (سَنَةً) بِمَظَانِّ طَلَبِهَا كَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهِمَا، يَقُولُ: مَنْ ضَاعَتْ لَهُ نَفَقَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ، وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا مِنَ الصِّفَاتِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُعَرِّفُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ مَرَّةً ثُمَّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ ثُمَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُعَرِّفَهَا بِنَفْسِهِ بَلْ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ. قَالَ الْحَافِظُ: هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ، وَالْأَكْثَرُ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّ التَّعْرِيفَ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْعَلَامَاتِ. وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ رَبِيعَةَ: عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا. فَجَعَلَ التَّعْرِيفَ يَسْبِقُ الْمَعْرِفَةَ، وَوَافَقَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ، وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ بِأَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِالْمَعْرِفَةِ فِي حَالَتَيْنِ فَيُعَرِّفُ الْعَلَامَاتِ أَوَّلَ مَا يَلْتَقِطُ حَتَّى يَعْلَمَ صِدْقَ وَاصِفِهَا إِذَا وَصَفَهَا، ثُمَّ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا سَنَةً إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فَيُعَرِّفُهَا مَرَّةً أُخْرَى تَعَرُّفًا وَافِيًا مُحَقَّقًا لِيُعْلَمَ قَدْرُهَا وَصِفَتُهَا فَيَرُدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ " ثُمَّ " فِي الرِّوَايَتَيْنِ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَلَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَلَا تَقْتَضِي تَخَالُفًا يَحْتَاجُ إِلَى الْجَمْعِ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْمَخْرَجَ وَاحِدٌ وَالْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ مَا تَقَدَّمَ لَوِ اخْتَلَفَ الْمَخْرَجُ فَيُحْمَلُ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، وَلَيْسَ الْغَرَضُ إِلَّا أَنْ يَقَعَ التَّعَرُّفُ وَالتَّعْرِيفُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَيِّهِمَا أَسْبَقُ، ثُمَّ أَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّ التَّعْرِيفَ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ. وَفِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «وَجَدْتُ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: اعْرِفْ عَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا» ". وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ حَدِيثِ أُبَيٍّ عَلَى مَزِيدِ التَّوَرُّعِ عَنِ التَّعَرُّفِ فِي اللُّقَطَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 التَّعَفُّفِ عَنْهَا. وَحَدِيثُ زَيْدٍ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ لِاحْتِيَاجِ الْأَعْرَابِيِّ وَاسْتِغْنَاءِ أُبَيٍّ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ تَعْرِيفَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، فَأَمَرَ ثَانِيًا بِإِعَادَةِ التَّعْرِيفِ كَمَا قَالَ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا عَلَى مِثْلِ أُبَيٍّ مَعَ أَنَّهُ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَائِهِمْ. وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ رِوَايَةً عِنْدَهُمْ أَنَّ التَّعْرِيفَ مُفَوَّضٌ لِلْمُلْتَقِطِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ. (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا) فَأَدِّهَا إِلَيْهِ، فَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بِلَفْظِ: " «فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» ". وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ رَبِيعَةَ: " «فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا» ". فَبِهَذَا أَخَذَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ أَنَّهَا تُدْفَعُ لِمَنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لِمَنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهُ جَازَ أَنْ تُدْفَعَ إِلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ الصِّفَةَ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ أَعْرِفْ عِفَاصَهَا. . . إِلَخْ، وَقَدْ صَحَّتْ هَذِهِ اللُّقَطَةُ، أَيِ الْأَمْرُ بِدَفْعِهَا لِمَنْ عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ، وَفِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَيْضًا بِلَفْظِ: فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ، عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طُرُقٍ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا، وَيُخَصُّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ حَدِيثِ ( «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» ) ، وَقَوْلُ أَبِي دَاوُدَ - إِنَّهَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، وَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ حَاوَلَ تَضْعِيفَهَا - غَيْرُ صَوَابٍ، بَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَتْ بِشَاذَّةٍ، وَمَا اعْتَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ وَصَفَهَا فَأَصَابَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَجَاءَ آخَرُ فَوَصَفَهَا فَأَصَابَ، لَا يَقْتَضِي الطَّعْنَ فِي الثَّانِي; لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، فَجَاءَ آخَرُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً أُخْرَى أَنَّهَا لَهُ، وَفِي ذَلِكَ تَفَاصِيلُ لِلْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. (وَإِلَّا) يَجِيءُ صَاحِبُهَا (فَشَأْنَكَ) أَيِ الْزَمْ شَأْنَكَ، أَيْ حَالَكَ (بِهَا) أَيْ تَصَرَّفْ فِيهَا، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ بِهَا، أَيْ شَأْنُكَ مُتَعَلِّقٌ بِهَا، وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ: فَاسْتَمْتِعْ بِهَا. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ عَنْ رَبِيعَةَ: " «فَإِنْ لَمْ يَأْتِ لَهَا طَالِبٌ فَاسْتَنْفِقْهَا» ". وَفِيهِ أَنَّ اللَّاقِطَ يَمْلِكُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: شَأْنَكَ بِهَا، تَفْوِيضٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ، وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فَاسْتَنْفِقْهَا لِلْإِبَاحَةِ، وَفِي اشْتِرَاطِ التَّلَفُّظِ بِالتَّمَلُّكِ وَكِفَايَةِ النِّيَّةِ، وَهُوَ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا، وَدُخُولُهَا فِي مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ الِالْتِقَاطِ أَقْوَالٌ، وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بِلَفْظِ: " «وَإِلَّا فَتَصْنَعُ بِهَا مَا تَصْنَعُ بِمَالِكٍ» ". وَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهَا بَعْدَ تَعْرِيفِهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا ضَمِنَهَا لَهُ فَيَرُدُّهَا إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَبَدَلَهَا إِنِ اسْتُهْلِكَتْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. فَفِي مُسْلِمٍ: " «وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ» ". وَلَهُ أَيْضًا: " «فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ كُلْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» ". فَظَاهِرُهُ وُجُوبُ رَدِّهَا بَعْدَ أَكْلِهَا، فَيُحْمَلُ عَلَى رَدِّ الْبَدَلِ، أَوْ فِيهِ حَذْفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ، وَالتَّقْدِيرُ: ثُمَّ كُلْهَا إِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 جَاءَ. . . إِلَخْ. وَأَصْرَحُ مِنْهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: " «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ وَإِلَّا فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ كُلْهَا، فَإِنْ جَاءَ بَاغِيهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» ". فَأَمَرَ بِأَدَائِهَا قَبْلَ الْإِذْنِ فِي أَكْلِهَا وَبَعْدَهُ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدٍ: " «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ وَإِلَّا فَاعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اقْبِضْهَا فِي مَالِكَ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ» ". (قَالَ) السَّائِلُ (فَضَالَّةُ الْغَنَمِ) أَيْ مَا حُكْمُهَا، فَحَذَفَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: الضَّالَّةُ لَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى الْحَيَوَانِ، وَمَا سِوَاهُ يُقَالُ لَهُ لُقَطَةٌ (يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هِيَ لَكَ) إِنْ أَخَذْتَهَا فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى إِبَاحَةِ أَخْذِهَا كَأَنَّهُ قِيلَ: هِيَ ضَعِيفَةٌ لِعَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ مُعَرَّضَةٌ لِلْهَلَاكِ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَهَا أَنْتَ فَتَكُونَ لَكَ (أَوْ لِأَخِيكَ) فِي الدِّينِ إِنْ لَمْ تَأْخُذْهَا، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ صَاحِبِهَا أَوْ مِنْ مُلْتَقِطٍ آخَرَ، كَذَا قِيلَ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْبَلَاغَةَ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْتَرِنَ صَاحِبُهَا بِالدَّيْنِ الْعَادِيِّ، فَالْمُرَادُ مُلْتَقِطٌ آخَرُ. (أَوْ لِلذِّئْبِ) وَالْمُرَادُ بِهِ جِنْسُ مَا يَأْكُلُ الشَّاةَ، وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى أَخْذِهَا; لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَأْخُذْهَا تَعَيَّنَتْ لِلذِّئْبِ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى أَخْذِهَا. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ. . . إِلَخْ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِالْأَخْذِ، فَيَدُلُّ عَلَى رَدِّ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَدَ بِتَرْكِ الْتِقَاطِ الشَّاةِ، وَتَمَسَّكَ بِهِ مَالِكٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَجَدَهَا فِي فَلَاةٍ مَلَكَهَا وَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهَا وَلَا تَعْرِيفُهَا; لِأَنَّ اللَّامَ لِلْمِلْكِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي غَيْرِهَا: فَاسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ; إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى التَّمَتُّعِ، وَلِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنِ الذِّئْبِ وَالْمُلْتَقِطِ، وَالذِّئْبُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ الْمُلْتَقِطُ. وَقَالَ الْأَكْثَرُ: يَجِبُ تَعْرِيفُهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّعْرِيفِ أَكَلَهَا إِنْ شَاءَ وَغَرِمَ لِصَاحِبِهَا، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ لِلتَّمْلِيكِ لِأَنَّهُ قَالَ: أَوْ لِلذِّئْبِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ بِاتِّفَاقٍ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَالِكَهَا لَوْ جَاءَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهَا الْوَاجِدُ لِأَخْذِهَا، وَيُرَدُّ بِأَنَّ اللَّامَ لِلْمِلْكِ، وَأُطْلِقَتْ عَلَى الذِّئْبِ لِلْمُشَاكَلَةِ أَوِ التَّغْلِيبِ فَلَا يَمْنَعُ كَوْنُهَا لِلتَّمْلِيكِ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَلَا يَرُدُّ نَقْضًا، فَإِنِ الْتَقَطَهَا فِي الْفَلَاةِ وَدَخَلَ بِهَا الْعُمْرَانَ أَوِ الْتَقَطَهَا فِي الْعُمْرَانِ وَجَبَ التَّعْرِيفُ وَصَارَتْ لُقَطَةً، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي ضَالَّةِ الشَّاةِ: " «فَاجْمَعْهَا حَتَّى يَأْتِيَهَا بَاغِيهَا» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: " «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ» ". وَأَجَابُوا عَنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْغَرَامَةَ وَلَا نَفَاهَا فَثَبَتَ حُكْمُهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ، فَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى مِنْ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ فِيهَا ذِكْرُ حُكْمِ الشَّاةِ إِذَا أَكَلَهَا الْمُلْتَقِطُ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ. (قَالَ) السَّائِلُ (فَضَالَّةُ الْإِبِلِ) مَا حُكْمُهَا؟ (قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا؟) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ، وَفِي رِوَايَةٍ: " «فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجَنَتَاهُ أَوْ وَجْهُهُ» ". وَفِي أُخْرَى: " «فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ". بِشَدِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ تَغَيَّرَ مِنَ الْغَضَبِ. وَفِي أُخْرَى: " «فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» ". (مَعَهَا سِقَاؤُهَا) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ، جَوْفُهَا، أَيْ حَيْثُ وَرَدَتِ الْمَاءَ شَرِبَتْ مَا يَكْفِيهَا حَتَّى تَرِدَ مَاءً آخَرَ، وَقِيلَ: عُنُقُهَا فَتَشْرَبُ مِنْ غَيْرِ سَاقٍ يَسْقِيهَا لِطُولِهِ. (وَحِذَاؤُهَا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ، أَخْفَافُهَا فَتَقْوَى بِهَا عَلَى السَّيْرِ وَقَطْعِ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لِمَّا كَانَتْ مُسْتَغْنِيَةً عَنِ الْحَافِظِ وَالْمُتَعَهِّدِ وَعَنِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا بِمَا رُكِّبَ فِي طَبْعِهَا مِنَ الْجَلَدِ عَلَى الْعَطَشِ وَالْجَفَاءِ، عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالسِّقَاءِ وَالْحِذَاءِ مَجَازًا، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ التَّعَرُّضِ لَهَا لِأَنَّ الْأَخْذَ إِنَّمَا هُوَ لِلْحِفْظِ عَلَى صَاحِبِهَا إِمَّا بِحِفْظِ الْعَيْنِ أَوْ بِحِفْظِ الْقِيمَةِ، وَهِيَ لَا تَحْتَاجُ إِلَى حِفْظٍ لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِمَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الْقُوَّةِ وَالْمَنَعَةِ وَمَا يُسِّرَ لَهَا مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَمَا قَالَ. (تَرِدُ الْمَاءَ) فَتَشْرَبُ مِنْهُ بِلَا تَعَبٍ (وَتَأْكُلُ مِنَ الشَّجَرِ) بِسُهُولَةٍ لِطُولِهَا وَطُولِ عُنُقِهَا (حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا) أَيْ مَالِكُهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: " فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا ". وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَنَّهَا لَا تُلْتَقَطُ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَحِكْمَتُهُ أَنَّ بَقَاءَهَا حَيْثُ ضَلَّتْ أَقْرَبُ إِلَى وِجْدَانِ مَالِكِهَا لَهَا مِنْ تَطَلُّبِهِ لَهَا فِي رِحَالِ النَّاسِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْأَوْلَى أَنْ تُلْتَقَطَ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ النَّهْيَ عَلَى مَنِ الْتَقَطَهَا لِلتَّمَلُّكِ لَا لِيَحْفَظَهَا فَيَجُوزُ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ. وَفِيهِ جَوَازُ الِالْتِقَاطِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَصْلَحَةِ حِفْظِهَا وَصِيَانَتِهَا عَنِ الْخَوَنَةِ وَتَعْرِيفِهَا لِتَصِلَ إِلَى صَاحِبِهَا، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأَرْجَحُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَمَتَى رَجَحَ أَخْذُهَا وَجَبَ أَوِ اسْتُحِبَّ، وَمَتَى رَجَحَ تَرْكُهَا حَرُمَ أَوْ كُرِهَ وَإِلَّا فَهُوَ جَائِزٌ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي اللُّقَطَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْمُسَاقَاةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْقَضَاءِ عَنْ يَحْيَى، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ السُّفْيَانَانِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَهُمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلَ قَوْمٍ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَوَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا فَذَكَرَهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ عَرِّفْهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَاذْكُرْهَا لِكُلِّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الشَّأْمِ سَنَةً فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَشَأْنَكَ بِهَا   1483 - 1439 - (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي الْمَكِّيِّ الْأُمَوِيِّ الثِّقَةِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ الْجُهَنِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ، نِسْبَةً إِلَى جُهَيْنَةَ قَبِيلَةٍ مِنْ قُضَاعَةَ (أَنَّ أَبَاهُ) الصَّحَابِيَّ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الْعُزَّى فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ حَامِلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 لِوَاءِ جُهَيْنَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَذَكَرَ ابْنُ شَاهِينَ أَنَّهُ شَهِدَ أُحُدًا وَخَطَّ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ مَسْجِدًا بِالْمَدِينَةِ. (أَخْبَرَهُ أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلَ) أَيْ مَوْضِعَ نُزُولٍ (قَوْمٍ بِطَرِيقِ الشَّامِ) نَزَلُوا فِيهِ ثُمَّ ارْتَحَلُوا (فَوَجَدَ صُرَّةً) بِضَمِّ الصَّادِ وَشَدِّ الرَّاءِ، جَمْعُهَا صُرَرٌ (فِيهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا فَذَكَرَهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: عَرِّفْهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ) لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ طَلَبِهَا (وَاذْكُرْهَا لِكُلِّ مَنْ يَأْتِي مِنَ الشَّامِ) كَأَنْ يَقُولَ: مَنْ ضَاعَ لَهُ مِنْكُمْ نَفَقَةٌ (سَنَةً فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ فَشَأْنَكَ بِهَا) وَالرَّفْعُ كَمَا مَرَّ، أَيْ تَصَرَّفْ فِيهَا. وَفَائِدَةُ ذِكْرِهِ بَعْدَ الْمَرْفُوعِ الْإِشَارَةُ إِلَى اسْتِمْرَارِ الْعَمَلِ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ سُنَّةٌ لَا أَزْيَدَ وَأَنَّهُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ لُقَطَةً فَجَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ إِنِّي وَجَدْتُ لُقَطَةً فَمَاذَا تَرَى فِيهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَرِّفْهَا قَالَ قَدْ فَعَلْتُ قَالَ زِدْ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَهَا وَلَوْ شِئْتَ لَمْ تَأْخُذْهَا   1484 - 1440 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا) لَمْ يُسَمَّ (وَجَدَ لُقَطَةً فَجَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ لُقَطَةً فَمَاذَا تَرَى فِيهَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: عَرِّفْهَا قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ) أَيْ عَرَّفْتُهَا (قَالَ: زِدْ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَا آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَهَا) أَيْ تَمْلِكُهَا بِلَا ضَمَانٍ (وَلَوْ شِئْتَ لَمْ تَأْخُذْهَا) وَكَانَ يَرَى كَرَاهَةَ الِالْتِقَاطِ مُطْلَقًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 [باب الْقَضَاءِ فِي اسْتِهْلَاكِ الْعَبْدِ اللُّقَطَةَ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يَجِدُ اللُّقَطَةَ فَيَسْتَهْلِكُهَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الْأَجَلَ الَّذِي أُجِّلَ فِي اللُّقَطَةِ وَذَلِكَ سَنَةٌ أَنَّهَا فِي رَقَبَتِهِ إِمَّا أَنْ يُعْطِيَ سَيِّدُهُ ثَمَنَ مَا اسْتَهْلَكَ غُلَامُهُ وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ غُلَامَهُ وَإِنْ أَمْسَكَهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْأَجَلُ الَّذِي أُجِّلَ فِي اللُّقَطَةِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ يُتْبَعُ بِهِ وَلَمْ تَكُنْ فِي رَقَبَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهَا شَيْءٌ   39 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي اسْتِهْلَاكِ اللُّقَطَةِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يَجِدُ اللُّقَطَةَ فَيَسْتَهْلِكُهَا) أَيْ يُهْلِكُهَا بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا (قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الْأَجَلَ الَّذِي أُجِّلَ فِي اللُّقَطَةِ، وَذَلِكَ سَنَةٌ إِنَّهَا) جِنَايَةٌ (فِي رَقَبَتِهِ) فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ (إِمَّا أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 يُعْطِيَ سَيِّدَهُ ثَمَنَ مَا اسْتَهْلَكَ غُلَامُهُ، وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ غُلَامَهُ وَإِنْ أَمْسَكَهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْأَجَلُ الَّذِي أُجِّلَ فِي اللُّقَطَةِ) فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ سَنَةٌ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ يُتْبَعُ بِهِ إِذَا عُتِقَ (وَلَمْ يَكُنْ فِي رَقَبَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهَا شَيْءٌ) وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُسْقِطَهَا عَنْهُ; لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُسَلِّطْ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَلَوْلَا الشُّبْهَةُ لَكَانَتْ فِي رَقَبَتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنَ التَّعْرِيفِ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ عَنْ تَصَرُّفِهِ لِسَيِّدِهِ فَيُعَرِّفُهَا حِينَ تَصَرُّفِهِ لَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 [باب الْقَضَاءِ فِي الضَّوَالِّ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَجَدَ بَعِيرًا بِالْحَرَّةِ فَعَقَلَهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يُعَرِّفَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ إِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي عَنْ ضَيْعَتِي فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ   40 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الضَّوَالِّ جَمْعُ ضَالَّةٍ مِثْلُ دَابَّةٍ وَدَوَابَّ، وَالْأَصْلُ فِي الضَّلَالِ الْغَيْبَةُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحَيَوَانِ الضَّائِعِ ضَالَّةٌ بِالْهَاءِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْجَمْعُ الضَّوَالُّ، وَيُقَالُ لِغَيْرِ الْحَيَوَانِ ضَائِعٌ وَلُقَطَةٌ، وَضَلَّ الْبَعِيرُ غَابَ وَخَفِيَ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَأَضْلَلْتُهُ بِالْأَلِفِ فَقَدْتُهُ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. 1486 - 1441 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالسِّينِ الْخَفِيفَةِ، الْفَقِيهِ (أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ) بْنِ خَلِيفَةَ (الْأَنْصَارِيَّ) الْأَشْهَلِيَّ الصَّحَابِيَّ الشَّهِيرَ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ عَلَى الصَّوَابِ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ (أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَجَدَ بَعِيرًا بِالْحَرَّةِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الثَّقِيلَةِ، أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ بِظَاهِرِ الْمَدِينَةِ (فَعَقَلَهُ) شَدَّهُ بِالْعِقَالِ، وَهُوَ الْحَبْلُ (ثُمَّ ذَكَرَهُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُعَرِّفَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: إِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي) مَنَعَنِي (عَنْ ضَيْعَتِي) بِفَتْحِ الضَّادِ، عَقَارِي (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ) أَيْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَجَدْتَهُ فِيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ   1487 - 1442 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ: مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ) عَنْ طَرِيقِ الصَّوَابِ، أَوْ آثِمٌ، أَوْ ضَامِنٌ إِنْ هَلَكَتْ عِنْدَهُ. عَبَّرَ بِهِ عَنِ الضَّمَانِ لِلْمُشَاكَلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا الْتَقَطَهَا فَلَمْ يُعَرِّفْهَا فَقَدْ أَضَرَّ بِصَاحِبِهَا وَصَارَ سَبَبًا فِي تَضْلِيلِهِ عَنْهَا فَكَانَ مُخْطِئًا ضَالًّا عَنِ الْحَقِّ، وَأَصْلُ هَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا» ". فَقَيَّدَ الضَّلَالَ بِعَدَمِ التَّعْرِيفِ، فَلَا حُجَّةَ لِمَنْ كَرِهَ اللُّقَطَةَ مُطْلَقًا فِي أَثَرِ عُمَرَ هَذَا، وَلَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرَقُ النَّارِ» ". أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْجَارُودِ الْعَبْدِيِّ ; لِأَنَّ الْجُمْهُورَ حَمَلُوهُمَا عَلَى مَنْ لَمْ يُعَرِّفْهَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. وَحَرَقُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ وَقَدْ تُسَكَّنُ، أَيْ يُؤَدِّي أَخْذُهَا لِلتَّمْلِيكِ إِلَى النَّارِ، فَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ لِلْمُبَالَغَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِبِلًا مُؤَبَّلَةً تَنَاتَجُ لَا يَمَسُّهَا أَحَدٌ حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا   1488 - 1443 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِبِلًا مُؤَبَّلَةً) كَمُعَظَّمَةٍ هِيَ فِي الْأَصْلِ الْمَجْعُولَةُ لِلْقِنْيَةِ كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، فَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ، أَيْ كَالْمُؤَبَّلَةِ الْمُقْتَنَاةِ فِي عَدَمِ تَعَرُّضِ أَحَدٍ إِلَيْهَا وَاجْتِزَائِهَا بِالْكَلَأِ كَمَا أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ: (تَنَاتَجُ) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّائَيْنِ، أَيْ تَتَنَاتَجُ بَعْضُهَا بَعْضًا كَالْمُقْتَنَاةِ (لَا يُمْسِكُهَا أَحَدٌ) لِلنَّهْيِ عَنِ الْتِقَاطِهَا (حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا) بَعْدَ الْتِقَاطِهَا خَوْفًا مِنَ الْخَوَنَةِ (ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا) لِأَنَّ هَذَا أَضْبَطُ لَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 [باب صَدَقَةِ الْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَحَضَرَتْ أُمَّهُ الْوَفَاةُ بِالْمَدِينَةِ فَقِيلَ لَهَا أَوْصِي فَقَالَتْ فِيمَ أُوصِي إِنَّمَا الْمَالُ مَالُ سَعْدٍ فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ سَعْدٌ فَلَمَّا قَدِمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ فَقَالَ سَعْدٌ حَائِطُ كَذَا وَكَذَا صَدَقَةٌ عَنْهَا لِحَائِطٍ سَمَّاهُ»   41 - بَابُ صَدَقَةِ الْحَيِّ عَنِ الْمَيِّتِ وَفِي نُسْخَةٍ " عَلَى " بَدَلُ " عَنْ "، وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ. 1489 - 1444 - (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ بَعْدَهُمَا تَحْتِيَّةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا قَالَ يَحْيَى وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَالْأَكْثَرُ: سَعْدٌ، أَيْ بِسُكُونِ الْعَيْنِ بِلَا يَاءٍ، قَالَ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (ابْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ شُرَحْبِيلَ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَلَامٍ (ابْنِ سَعِيدِ) هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ يَحْيَى، وَهُوَ الصَّوَابُ وَصَحَّفَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: عَنْ سَعِيدِ (ابْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ عَدْلٌ، مِنْ شُيُوخِ الْإِمَامِ، لَهُ عَنْهُ فِي مَرْفُوعِ الْمُوَطَّأِ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ (عَنْ أَبِيهِ) عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ الثِّقَةِ (عَنْ جَدِّهِ) ثِقَةٌ، أَوْ أَرَادَ جَدَّهُ الْأَعْلَى سَعِيدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، أَوْ ضَمِيرُ جَدِّهِ لِعَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ فَيَكُونُ مُتَّصِلًا، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مُسْنَدٌ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَهُ صُحْبَةٌ رَوَى عَنْهُ أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَغَيْرُهُ، وَشُرَحْبِيلُ ابْنُهُ غَيْرُ نَكِيرٍ أَنْ يَلْقَى جَدَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ خَرَّجَ الْحَدِيثَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الِاتِّصَالِ وَهُوَ الْأَغْلَبُ مِنْهُ، وَكَذَا رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أُمَّهُ تُوُفِّيَتْ، الْحَدِيثَ. أَخْرَجَ الطَّرِيقَيْنِ فِي التَّمْهِيدِ، وَإِنَّمَا يُتِمُّ لَهُ أَنَّ مَا فِي الْمُوَطَّأِ مَوْصُولٌ بِجَعْلِ ضَمِيرِ جَدِّهِ عَائِدًا عَلَى عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ فَيَكُونُ جَدُّهُ سَعِيدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ، أَمَّا إِذَا عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو شَيْخِ مَالِكٍ فَمُرْسَلٌ; لِأَنَّ جَدَّهُ شُرَحْبِيلَ تَابِعِيٌّ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ جَدَّهُ الْأَعْلَى فَيَكُونُ مَوْصُولًا. وَلَوَّحَ لِهَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي بِقَوْلِهِ: الرَّاوِي فِي الْمُوَطَّأِ سَعِيدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَوْ وَلَدُهُ شُرَحْبِيلُ مُرْسَلًا (أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ) سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، أَحَدُ النُّقَبَاءِ وَالْأَجْوَادِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ بِالشَّامِ (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ) هِيَ غَزْوَةُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَكَانَتْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 سَنَةَ خَمْسٍ، كَمَا فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ (فَحَضَرَتْ أُمَّهُ) مَفْعُولٌ فَاعِلُهُ (الْوَفَاةُ بِالْمَدِينَةِ) وَهِيَ عَمْرَةُ بِنْتُ مَسْعُودٍ، وَقِيلَ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْخَزْرَجِيَّةُ، أَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ (فَقِيلَ لَهَا: أَوْصِي) بِشَيْءٍ (فَقَالَتْ: فِيمَ) أَيْ فِي أَيِّ شَيْءٍ (أُوصِي) وَلَا مَالَ لِي (إِنَّمَا الْمَالُ مَالُ سَعْدٍ) ابْنِي (فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ سَعْدٌ) مِنَ الْغَزْوِ (فَلَمَّا قَدِمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ذُكِرَ) بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِ الْكَافِ (ذَلِكَ) الَّذِي قَالَتْ أُمُّهُ (لَهُ) لِسَعْدٍ (فَقَالَ سَعْدٌ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا» ) بِشَيْءٍ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: إِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ) يَنْفَعُهَا ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُدْرِكَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عَمَلُ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْهُمْ وَلَا يَلْحَقُهُمْ وِزْرٌ يَعْمَلُهُ غَيْرُهُمْ وَلَا شَرٌّ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ سَبَبٌ يَسُنُّونَهُ أَوْ يَبْتَدِعُونَهُ فَيُعْمَلُ بِهِ بَعْدَهُمْ، وَقَدْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِصَدَقَةِ الْحَيِّ عَنْهُ وَكَفَى بِهِ حُجَّةً، قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ. زَادَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِنَ الْوَلَدِ وَهُوَ مُخَصَّصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] (سورة النَّجْمِ: الْآيَةُ 39) وَيَلْتَحِقُ بِالصَّدَقَةِ الْعِتْقُ عَنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِ الصَّدَقَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ: هَلْ يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ؟ اهـ. لَكِنْ مَا قَالَ إِنَّهُ الْمَشْهُورُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، فَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يَتَطَوَّعُ عَنْهُ بِالْعِتْقِ. (فَقَالَ سَعْدٌ: حَائِطُ) أَيْ بُسْتَانُ (كَذَا وَكَذَا صَدَقَةٌ عَنْهَا) يُشِيرُ بِكَذَا وَكَذَا (لِحَائِطٍ سَمَّاهُ) وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا. وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ آخِرُهُ فَاءٌ، اسْمٌ لِلْحَائِطِ أَوْ وَصْفٌ لَهُ بِالثَّمَرِ سُمِّي بِذَلِكَ لِمَا يُخْتَرَفُ مِنْهُ، أَيْ يُجْنَى مِنَ الثَّمَرِ، وَفِيهِ الْمُسَارَعَةُ إِلَى عَمَلِ الْبِرِّ وَالْمُبَادَرَةُ إِلَى بِرِّ الْوَالِدَةِ، وَأَنَّ إِظْهَارَ الصَّدَقَةِ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ إِخْفَائِهَا إِذَا صَدَقَتِ النِّيَّةُ وَالْجِهَادُ فِي حَيَاةِ الْأُمِّ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَأْذَنَهَا، وَفِيهِ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنَ اسْتِشَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ. وَأَسْنَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ كَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَعَلَيْكَ بِالْمَاءِ» ". وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ سَعْدًا أَنْ يَسْقِيَ عَنْهَا الْمَاءَ» ". وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " «أَيَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْتِقْ عَنْ أُمِّكَ» ". وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَنْهَا بِالْحَائِطِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَالْمَاءُ وَالْعِتْقُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 بِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بَعْدَ سُؤَالِهِ عَنْهُمَا. فَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ أَيْضًا: " «إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ» ". وَمَرَّ فِي النُّذُورِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ»   1490 - 1445 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) بْنِ الزُّبَيْرِ (عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا) هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ وَبِهِ جَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ (قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي) عَمْرَةَ الصَّحَابِيَّةَ (افْتُلِتَتْ) بِفَاءٍ سَاكِنَةٍ فَفَوْقِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ فَلَامٍ مَكْسُورَةٍ فَفَوْقِيَّتَيْنِ أُولَاهُمَا مَفْتُوحَةٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ أُخِذَتْ فَلْتَةً، أَيْ بَغْتَةً (نَفْسُهَا) بِالرَّفْعِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ: نَائِبُ الْفَاعِلِ وَرُوِيَ مَفْعُولٌ ثَانٍ، أَيْ أَفْلَتَهَا اللَّهُ نَفْسَهَا أَيْ رُوحَهَا، قَالَ الْحَافِظُ: أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ بِالْقَافِ وَتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ، وَقَالَ: هِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِمَنْ قَتَلَهُ الْحُبُّ وَلِمَنْ مَاتَ فَجْأَةً، وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ بِالْفَاءِ اهـ. زَادَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ: وَلَمْ تُوصِ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الْبَاقُونَ، قَالَهُ مُسْلِمٌ، أَيْ بَاقِي الرُّوَاةِ عَنْ هِشَامٍ. (وَأُرَاهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، أَظُنُّهَا، وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَخَمْسَةِ رِجَالٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ " أَظُنُّهَا " وَهُوَ يُشْعِرُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ بِأَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ " وَأَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ " تَصْحِيفٌ (لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَمْ تَتَكَلَّمْ فَلَمْ تَتَصَدَّقْ. وَفِي السَّابِقِ أَنَّهَا قَالَتْ فِيمَا أُوصِي إِنَّمَا الْمَالُ مَالُ سَعْدٍ، فَالْمُرَادُ هُنَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِالصَّدَقَةِ وَلَوْ تَكَلَّمَتْ بِهَا تَصَدَّقَتْ أَوْ أَنَّ سَعْدًا مَا عَرَفَ مَا وَقَعَ مِنْهَا، فَإِنَّ رَاوِيَ السَّابِقِ سَعِيدُ بْنُ سَعْدٍ أَوْ وَلَدُهُ شُرَحْبِيلُ مُرْسَلًا، فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَمْ يَتَّحِدْ رَاوِي الْإِثْبَاتِ وَرَاوِي النَّفْيِ فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي النَّذْرِ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: «إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَلَمْ تَقْضِهِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْضِهِ عَنْهَا» لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنِ النَّذْرِ وَعَنِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: (أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟) وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ: " فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ " وَبَعْضُهُمْ: " «أَتَصَدَّقُ عَلَيْهَا وَأَصْرِفُهُ عَلَى مَصْلَحَتِهَا؟» " (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ) زَادَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: " تَصَدَّقْ عَنْهَا " بِالْجَزْمِ عَلَى الْأَمْرِ. وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: " «قُلْتُ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ» ". وَمَرَّ قَرِيبًا أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَنْهَا بِحَائِطٍ وَبِالْعِتْقِ أَيْضًا، وَفِيهِ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ وَالسُّؤَالُ عَنِ الْمُحْتَمَلِ وَفَضْلُ الصَّدَقَةِ وَأَنَّهَا تَنْفَعُ عَنِ الْمَيِّتِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 كَمَا مَرَّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فِيهِ جَوَازُ تَرْكِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذُمَّ أُمَّ سَعْدٍ عَلَى تَرْكِهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْإِنْكَارَ عَلَيْهَا تَعَذَّرَ بِمَوْتِهَا وَسَقَطَ التَّكْلِيفُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ إِنْكَارِهِ لَوْ كَانَ مُنْكِرًا إِيقَاظُ غَيْرِهَا مِمَّنْ سَمِعَهُ، فَلَمَّا قَرَّ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَفِي أَصْلِ الدَّلَالَةِ لِذَلِكَ نَظَرٌ لِقَوْلِهَا: إِنَّمَا الْمَالُ مَالُ سَعْدٍ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ فَهِيَ لَا مَالَ لَهَا، فَلَا يَتَأَتَّى ذَمُّهَا عَلَى تَرْكِ الْوَصِيَّةِ وَلَا عَدَمُ الذَّمِّ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْوَصَايَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْجَنَائِزِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو أُسَامَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي الزَّكَاةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ تَصَدَّقَ عَلَى أَبَوَيْهِ بِصَدَقَةٍ فَهَلَكَا فَوَرِثَ ابْنُهُمَا الْمَالَ وَهُوَ نَخْلٌ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَدْ أُجِرْتَ فِي صَدَقَتِكَ وَخُذْهَا بِمِيرَاثِكَ   1490 - 1446 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وُجُوهٍ (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ) بِخَاءٍ وَزَايٍ مَنْقُوطَتَيْنِ وَرَاءٍ وَجِيمٍ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الَّذِي أُرِيَ الْأَذَانَ كَمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ وَأَبَوَاهُ صَحَابِيَّانِ (تَصَدَّقَ عَلَى أَبَوَيْهِ بِصَدَقَةٍ فَهَلَكَا) مَاتَا (فَوَرِثَ ابْنُهُمَا الْمَالَ) الَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ (وَهُوَ نَخْلٌ) بِالْمُعْجَمَةِ (فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: قَدْ أُجِرْتَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، أَيْ أَعْطَاكَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَجْرَ (فِي صَدَقَتِكَ وَخُذْهَا بِمِيرَاثِكَ) فَفِيهِ جَوَازُ تَمَلُّكِ الصَّدَقَةِ بِالْمِيرَاثِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ ثَوَابَهَا إِذْ هُوَ قَدْ وَقَعَ مِنَ الْجَوَّادِ الْكَرِيمِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 [كِتَابُ الْوَصِيَّةِ] [باب الْأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ] بَاب الْأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُوصِيَ إِذَا أَوْصَى فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ بِوَصِيَّةٍ فِيهَا عَتَاقَةُ رَقِيقٍ مِنْ رَقِيقِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُغَيِّرُ مِنْ ذَلِكَ مَا بَدَا لَهُ وَيَصْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ حَتَّى يَمُوتَ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَطْرَحَ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ وَيُبْدِلَهَا فَعَلَ إِلَّا أَنْ يُدَبِّرَ مَمْلُوكًا فَإِنْ دَبَّرَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى تَغْيِيرِ مَا دَبَّرَ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ قَالَ مَالِكٌ فَلَوْ كَانَ الْمُوصِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ وَصِيَّتِهِ وَلَا مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ الْعَتَاقَةِ كَانَ كُلُّ مُوصٍ قَدْ حَبَسَ مَالَهُ الَّذِي أَوْصَى فِيهِ مِنْ الْعَتَاقَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ يُوصِي الرَّجُلُ فِي صِحَّتِهِ وَعِنْدَ سَفَرِهِ قَالَ مَالِكٌ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ يُغَيِّرُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ غَيْرَ التَّدْبِيرِ   37 - كِتَابُ الْوَصِيَّةِ 1 - بَابُ الْأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ 1492 - 1447 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) الثِّقَةِ الثَّبْتِ الْفَقِيهِ الْمَشْهُورِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا) نَافِيَةٌ، أَيْ لَيْسَ (حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَسَقَطَ لَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ، وَالْوَصْفُ بِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، أَوْ ذُكِرَ لِلتَّهْيِيجِ لِتَقَعَ الْمُبَادَرَةُ لِامْتِثَالِهِ لِمَا يُشْعِرُ بِهِ مِنْ نَفْيِ الْإِسْلَامِ عَنْ تَارِكِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الَّذِي يَمْتَثِلُ لِأَمْرٍ وَيَجْتَنِبُ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ لِمُسْلِمٍ، وَوَصِيَّةُ الْكَافِرِ جَائِزَةٌ فِي الْجُمْلَةِ إِجْمَاعًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبَحَثَ فِيهِ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهَا شُرِعَتْ زِيَادَةً فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْكَافِرُ لَا عَمَلَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَالْإِعْتَاقِ وَهُوَ يَصِحُّ مِنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ (لَهُ شَيْءٌ) صِفَةٌ لِامْرِئٍ (يُوصَى فِيهِ) صِفَةٌ لِشَيْءٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: " «لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ» ". وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: " «مَا حَقُّ امْرِئٍ يُؤْمِنُ بِالْوَصِيَّةِ» ". قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَسَّرَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَيْ يُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: " «لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ» ". . . إِلَخْ. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ عَوْنٍ جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: " «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ» ". وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طُرُقِ ابْنِ عَوْنٍ بِلَفْظِ: " «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ» ". قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ يُتَابِعِ ابْنَ عَوْنٍ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: إِنْ عَنَى عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِهِمَا فَمُسْلِمٌ، لَكِنَّ الْمَعْنَى يُمْكِنُ أَنْ يَتَّحِدَ كَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 يَأْتِي، وَإِنْ عَنَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَمَرْدُودٌ، فَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» ". قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رِوَايَةُ " لَهُ مَالٌ " أَوْلَى عِنْدِي مِنْ رِوَايَةِ " لَهُ شَيْءٌ " لِأَنَّ الشَّيْءَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْمَالِ، كَذَا قَالَ وَهِيَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَعَلَى تَسْلِيمِهَا فَرِوَايَةُ " شَيْءٌ " أَشْمَلُ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْمُتَمَوِّلَ وَغَيْرَهُ كَالْمُخْتَصَّاتِ اهـ. (يَبِيتُ) صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِمُسْلِمٍ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ " آمَنَّا " أَوْ " ذَاكِرًا " أَوْ " مَوْعُوكًا " كَمَا جَزَمَ بِهِ الطِّيبِيُّ، وَالْخَبَرُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ (يَبِيتُ) خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ بِتَأْوِيلِهِ بِالْمَصْدَرِ تَقْدِيرُهُ: مَا حَقُّهُ بَيْتُوتَةُ لَيْلَتَيْنِ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَارْتَفَعَ الْفِعْلُ بَعْدَ حَذْفِ (أَنْ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} [الروم: 24] (سورة الرُّومِ: الْآيَةُ 24) قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ وَفِيهِ تَغَيُّرُ الْمَعْنَى أَيْضًا، وَإِنَّمَا قَدْ رَأَتْ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمِنْ آيَاتِهِ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَالْفِعْلُ لَا يَقَعُ مُبْتَدَأٌ فَيُقَدَّرَانِ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ وُقُوعُهُ مُبْتَدَأً، فَمَنْ لَهُ ذَوْقٌ يَعْلَمُ هَذَا وَيَعْلَمُ أَنَّ مَا قَالَهُ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَرَدَ بِأَنَّ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ " أَنْ يَبِيتَ " فَصَرَّحَ بِأَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ فَسَادٌ وَلَا تَغَيُّرُ مَعْنًى إِذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ ظَرْفٌ وَالْآيَةُ مُبْتَدَأٌ، فَاخْتِلَافُ الْإِعْرَابِ فِيهِمَا لَا يَقْتَضِي فَسَادَ الْقِيَاسِ; إِذِ التَّنْظِيرُ مِنْ حَيْثُ تَقْدِيرِ أَنَّ وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَابِ، وَالْفِعْلُ مَرْفُوعٌ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ (لَيْلَتَيْنِ) كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ. وَلِأَبِي عَوَانَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ. وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَكَأَنَّ ذِكْرَ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ لِتَزَاحُمِ أَشْغَالِ الْمَرْءِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهَا، فَفُسِحَ لَهُ هَذَا الْقَدْرُ لِيَتَذَكَّرَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّقْرِيبِ لَا لِلتَّحْدِيدِ، وَالْمَعْنَى: لَا يَمْضِي عَلَيْهِ زَمَانٌ وَلَوْ قَلَّ (إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ) الْوَاوُ لِلْحَالِ (عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ) بِخَطِّهِ أَوْ بِغَيْرِ خَطِّهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى اغْتِفَارِ الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ غَايَةٌ لِلتَّأْخِيرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي تَخْصِيصِ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ بِالذِّكْرِ تَسَامُحٌ فِي إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ، أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ زَمَنًا مَا وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ تَجَاوُزُ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَشْيَاءَ يَنْبَغِي أَنْ تُضْبَطَ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا أَثْبَتُ مِنَ الضَّبْطِ بِالْحِفْظِ لِأَنَّهُ يَخُونُ غَالِبًا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ وَلَوْ لَمْ يَقْتَرِنْ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ. وَخَصَّ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ ذُكِرَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَبْطِ الْمَشْهُودِ بِهِ، قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ " «وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» " أَيْ بِشَرْطِهَا مَشْهُودٌ عَلَيْهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ إِضْمَارَ الْإِشْهَادِ فِيهِ بَعْدُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمُ احْتَجُّوا لَهُ بِأَمْرٍ خَارِجٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ} [المائدة: 106] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 106) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِشْهَادِ فِي الْوَصِيَّةِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ذَكَرَ الْكِتَابَةَ مُبَالَغَةً فِي زِيَادَةِ التَّوَثُّقِ وَإِلَّا فَالْوَصِيَّةُ الْمَشْهُودُ بِهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَكْتُوبَةً اهـ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ: إِذَا وُجِدَتْ وَصِيَّةٌ بِخَطِّ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ إِشْهَادٍ وَعُلِمَ أَنَّهَا خَطُّهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهَا ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكْتُبُ وَلَا يَعْزِمُ، وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَدَاوُدُ وَآخَرُونَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى اسْتِحْبَابِهَا حَتَّى نَسَبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى الْإِجْمَاعِ سِوَى مَنْ شَذَّ، وَأَجَابُوا عَنِ الْآيَةِ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَعَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا حَقُّ الْجَزْمِ وَالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْجَأُهُ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وَصِيَّةٍ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَغْفَلَ عَنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ، وَبِهَذَا أَجَابَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحَقُّ لُغَةً الشَّيْءُ الثَّابِتُ، وَيُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ الْحُكْمُ، وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُبَاحِ أَيْضًا لَكِنْ بِقِلَّةٍ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، قَالَ: فَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ عَلَى أَوْ نَحْوُهَا كَانَ ظَاهِرًا فِي الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا حُجَّةَ فِي الْحَدِيثِ لِلْوُجُوبِ، بَلِ اقْتَرَنَ هَذَا الْحَقُّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ وَهُوَ تَفْوِيضُهُ الْوَصِيَّةَ إِلَى إِرَادَةِ الْمُوصِي فِي رِوَايَةِ " لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ "، فَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمَا عَلَّقَهَا بِإِرَادَتِهِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ " لَا يَحِلُّ " فَيَحْتَمِلُ أَنَّ رَاوِيهَا ذَكَرَهَا بِالْمَعْنَى، وَأَرَادَ بِنَفْيِ الْحِلِّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ، وَأَجَابَ أَبُو ثَوْرٍ بِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ يُخْشَى ضَيَاعُهُ عَلَى صَاحِبِهِ إِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ كَوَدِيعَةٍ وَدَيْنٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ " لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ " ; لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى قُدْرَتِهِ عَلَى تَنْجِيزِهِ وَلَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا، فَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ سَاغَ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ بِهِ سَاغَ لَهُ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجِبُ لِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا تَجِبُ لِعَيْنِ الْخُرُوجِ مِنَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ لِلْغَيْرِ بِتَنْجِيزٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَمَحِلُّ وُجُوبِهَا إِذَا عَجَزَ عَنْ تَنْجِيزِ مَا عَلَيْهِ وَكَانَ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِشَهَادَتِهِ، فَإِنْ قَدَرَ أَوْ عَلِمَ غَيْرُهُ فَلَا وُجُوبَ، فَعُلِمَ أَنَّهَا قَدْ تَجِبُ وَقَدْ تُسْتَحَبُّ لِمَنْ رَجَا مِنْهَا كَثْرَةَ الْأَجْرِ، وَقَدْ تُكْرَهُ فِي عَكْسِهِ وَتُبَاحُ فِيمَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِيهِ، فَتُحَرَّمُ كَمَا إِذَا كَانَ فِيهَا إِضْرَارٌ لِحَدِيثِ الْإِضْرَارِ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَبَعًا لِغَيْرِهِ، رَفَعَهُ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْهُ مَوْقُوفًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَاحْتَجَّ ابْنُ بَطَّالٍ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يُوصِ فَلَوْ وَجَبَتْ لَمَا تَرَكَهَا، وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا رَوَى لَا بِمَا رَأَى. عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ: لَمْ أَبِتْ لَيْلَةً مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا وَوَصِيَّتِي مَكْتُوبَةٌ عِنْدِي. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يُوصِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 بِمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: أَلَا تُوصِي؟ قَالَ: أَمَّا مَالِي فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِهِ، وَأَمَا رِبَاعِي فَلَا أُحِبُّ أَنْ يُشَارِكَ وَلَدِي فِيهَا أَحَدٌ. وَجَمَعَ الْحَافِظُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِالْحَمْلِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَصِيَّتَهُ وَيَتَعَاهَدُهَا ثُمَّ صَارَ يُنْجِزُ مَا كَانَ يُوصِي بِهِ مُعَلَّقًا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ، وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُهُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، الْحَدِيثَ. وَفِي قَوْلِهِ " لَهُ شَيْءٌ " صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَمَنَعَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَدَاوُدُ وَأَتْبَاعُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَمُطْلَقُهَا يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ، لَكِنْ خَصَّهَا السَّلَفُ بِالْمَرِيضِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِهِ فِي الْخَبَرِ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ، وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى التَّأَهُّبِ لِلْمَوْتِ وَالِاحْتِرَازِ قَبْلَ الْفَوْتِ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْرِي مَتَى يَفْجَأُهُ الْمَوْتُ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سِنٍّ يُفْرَضُ إِلَّا وَقَدْ مَاتَ فِيهِ جَمْعٌ جَمٌّ، فَكُلُّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ جَائِزٌ أَنْ يَمُوتَ فِي الْحَالِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَأَهِّبًا لِذَلِكَ فَيَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ وَيَجْمَعَ فِيهِ مَا يَحْصُلُ لَهُ الْأَجْرُ وَيَحُطُّ عَنْهُ الْوِزْرَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَيُّوبُ وَأُسَامَةُ اللَّيْثِيُّ وَيُونُسُ وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُوصِيَ إِذَا أَوْصَى فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ بِوَصِيَّةٍ فِيهَا عَتَاقَةُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، مَصْدَرٌ كَالْعِتْقِ (رَقِيقٍ مِنْ رَقِيقِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَوَصِيَّةٍ بِمَالٍ (فَإِنَّهُ يُغَيِّرُ) يُبَدِّلُ (مِنْ ذَلِكَ مَا بَدَا لَهُ) لِأَنَّ عَقْدَهَا مُنْحَلٌّ (وَيَصْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ حَتَّى يَمُوتَ) فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُبَدِّلْ لَزِمَتْ فِي ثُلُثِهِ. (وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَطْرَحَ) يُلْقِيَ، أَيْ يُبْطِلَ (تِلْكَ الْوَصِيَّةَ وَيُبْدِلَهَا) بِغَيْرِهَا (فَعَلَ) بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِلَا إِبْدَالٍ (إِلَّا أَنْ يُدَبِّرَ مَمْلُوكًا) لَهُ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٌ بِنَحْوِ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ (فَإِنْ دَبَّرَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى تَغْيِيرِ مَا دَبَّرَ) لِأَنَّهُ صَارَ فِيهِ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ (وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» ") قَالَ الطِّيبِيُّ وَالْكِرْمَانِيُّ: " مَا " نَافِيَةٌ " وَلَهُ شَيْءٌ " صِفَةُ امْرِئٍ " وَيُوصَى فِيهِ " صِفَةٌ لِشَيْءٍ " وَيَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ " صِفَةٌ ثَالِثَةٌ، وَالْمُسْتَثْنَى خَبَرٌ، وَمَفْعُولُ (يَبِيتُ) مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: ذَاكِرًا أَوْ آمِنًا. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: تَقْدِيرُهُ " مَوْعُوكًا " وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ لَا يَخْتَصُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 بِالْمَرِيضِ، نَعَمْ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَا يُنْدَبُ أَنْ يَكْتُبَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ الْمُحَقَّرَةِ وَلَا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْوَفَاءِ لَهُ عَنْ قُرْبٍ. (قَالَ مَالِكٌ: فَلَوْ كَانَ الْمُوصِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ وَصِيتِهِ وَلَا مَا ذَكَرَ فِيهَا مِنَ الْعَتَاقَةِ كَانَ كُلُّ مُوصٍ قَدْ حَبَسَ) مَنَعَ (مَالَهُ الَّذِي أَوْصَى فِيهِ مِنَ الْعَتَاقَةِ وَغَيْرِهَا) فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ عَقْدَ الْوَصِيَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ (وَقَدْ يُوصِي الرَّجُلُ فِي صِحَّتِهِ وَعِنْدَ سَفَرِهِ) فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ لَزِمَ الْحَجْرُ (وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ يُغَيِّرُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ غَيْرَ التَّدْبِيرِ) لِأَنَّهُ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 [باب جَوَازِ وَصِيَّةِ الصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمُصَابِ وَالسَّفِيهِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِنَّ هَاهُنَا غُلَامًا يَفَاعًا لَمْ يَحْتَلِمْ مِنْ غَسَّانَ وَوَارِثُهُ بِالشَّامِ وَهُوَ ذُو مَالٍ وَلَيْسَ لَهُ هَاهُنَا إِلَّا ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَلْيُوصِ لَهَا قَالَ فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ بِئْرُ جُشَمٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ فَبِيعَ ذَلِكَ الْمَالُ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَابْنَةُ عَمِّهِ الَّتِي أَوْصَى لَهَا هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ   2 - بَابُ جَوَازِ وَصِيَّةِ الصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمُصَابِ وَالسَّفِيهِ 1493 - 1448 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو (بْنِ حَزْمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي بَكْرٍ اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ (أَنَّ عَمْرَو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنَ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ (الزُّرَقِيَّ) بِضَمِّ الزَّايِ، نِسْبَةً إِلَى بَنِي زُرَيْقٍ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَيُقَالُ لَهُ رُؤْيَةُ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ (أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّ هَاهُنَا) بِالْمَدِينَةِ (غُلَامًا يَفَاعًا) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْفَاءِ بِزِنَةِ كَلَامٍ، مُرْتَفِعًا (لَمْ يَحْتَلِمْ مِنْ غَسَّانَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، قَبِيلَةٌ مِنَ الْأَزْدِ (وَوَارِثُهُ بِالشَّامِ، وَهُوَ ذُو مَالٍ وَلَيْسَ لَهُ هَاهُنَا إِلَّا ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ) فَهَلْ يُوصِي لَهَا؟ (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَلْيُوصِ لَهَا، قَالَ) عَمْرٌو (: فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ بِئْرُ جُشَمَ) بِضَمِّ الْجِيمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ: فَبِيعَ ذَلِكَ الْمَالُ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَابْنَةُ عَمِّهِ) أَيِ الْغُلَامِ (الَّتِي أَوْصَى لَهَا هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ) رَاوِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ غُلَامًا مِنْ غَسَّانَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِالْمَدِينَةِ وَوَارِثُهُ بِالشَّامِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ فُلَانًا يَمُوتُ أَفَيُوصِي قَالَ فَلْيُوصِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ الْغُلَامُ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً قَالَ فَأَوْصَى بِبِئْرِ جُشَمٍ فَبَاعَهَا أَهْلُهَا بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الضَّعِيفَ فِي عَقْلِهِ وَالسَّفِيهَ وَالْمُصَابَ الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانًا تَجُوزُ وَصَايَاهُمْ إِذَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ عُقُولِهِمْ مَا يَعْرِفُونَ مَا يُوصُونَ بِهِ فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ عَقْلِهِ مَا يَعْرِفُ بِذَلِكَ مَا يُوصِي بِهِ وَكَانَ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ فَلَا وَصِيَّةَ لَهُ   1493 - 1449 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ غُلَامًا مِنْ غَسَّانَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِالْمَدِينَةِ وَوَارِثُهُ بِالشَّامِ، فَذُكِرَ) بِضَمِّ الذَّالِ (ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ فَلَانًا يَمُوتُ أَفَيُوصِي؟ قَالَ: فَلْيُوصِ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ الْغُلَامُ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ أَوِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَ: فَأَوْصَى بِبِئْرِ جُشَمَ) لِابْنَةِ عَمِّهِ أُمِّ عَمْرٍو كَمَا فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى (فَبَاعَهَا أَهْلُهَا) أَيِ الَّتِي أَوْصَى إِلَيْهَا بِهَا (بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) فِضَّةٍ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ هَذِهِ الطَّرِيقَ الثَّانِيَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ بَيَانِ سِنِّ الْغُلَامِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو بَكْرٍ فِيهَا مَنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ فَقَدْ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَفِيهِ صِحَّةُ وَصِيَّةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَيَّدَهُ بِمَا إِذَا عَقَلَ وَلَمْ يُخَلِّطْ، وَأَحْمَدُ، وَقَيَّدَهُ بِابْنِ سَبْعٍ وَعَنْهُ بِعَشْرٍ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ رَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ وَمَالَ إِلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَأَيَّدَهُ بِأَنَّ الْوَارِثَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الثُّلُثِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ وَصِيَّةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَمَنَعَهُمَا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَظْهَرِ عَنْهُ، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ أَثَرِ عُمَرَ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ وَلَهُ شَاهِدٌ. - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الضَّعِيفَ فِي عَقْلِهِ وَالسَّفِيهَ) الْمُبَذِّرَ لِلْمَالِ (وَالْمُصَابَ) الْمَجْنُونَ (الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانًا تَجُوزُ وَصَايَاهُمْ إِذَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ عُقُولِهِمْ مَا) أَيْ تَمْيِيزٌ (يَعْرِفُونَ مَا يُوصُونَ بِهِ، فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ مَعَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 مِنْ عَقْلِهِ مَا يَعْرِفُ بِذَلِكَ مَا يُوصِي بِهِ، وَكَانَ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ فَلَا وَصِيَّةَ لَهُ) صَحِيحَةً، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى التَّمْيِيزِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 [باب الْوَصِيَّةِ فِي الثُّلُثِ لَا تَتَعَدَّى] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا فَقُلْتُ فَالشَّطْرُ قَالَ لَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ» قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُوصِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَيَقُولُ غُلَامِي يَخْدُمُ فُلَانًا مَا عَاشَ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ فَيُوجَدُ الْعَبْدُ ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ قَالَ فَإِنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ تُقَوَّمُ ثُمَّ يَتَحَاصَّانِ يُحَاصُّ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِالثُّلُثِ بِثُلُثِهِ وَيُحَاصُّ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ بِمَا قُوِّمَ لَهُ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ إِجَارَتِهِ إِنْ كَانَتْ لَهُ إِجَارَةٌ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَإِذَا مَاتَ الَّذِي جُعِلَتْ لَهُ خِدْمَةُ الْعَبْدِ مَا عَاشَ عَتَقَ الْعَبْدُ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فِي الَّذِي يُوصِي فِي ثُلُثِهِ فَيَقُولُ لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا يُسَمِّي مَالًا مِنْ مَالِهِ فَيَقُولُ وَرَثَتُهُ قَدْ زَادَ عَلَى ثُلُثِهِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا أَهْلَ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ وَيَأْخُذُوا جَمِيعَ مَالِ الْمَيِّتِ وَبَيْنَ أَنْ يَقْسِمُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ فَيُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ ثُلُثَهُ فَتَكُونُ حُقُوقُهُمْ فِيهِ إِنْ أَرَادُوا بَالِغًا مَا بَلَغَ   3 - بَابُ الْوَصِيَّةِ فِي الثُّلُثِ لَا تَتَعَدَّى 1495 - 1450 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ) سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، أَحَدُ الْعَشَرَةِ (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي) بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ، يَزُورُنِي (عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ) سَنَةَ عَشْرٍ، هَكَذَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ إِلَّا ابْنَ عُيَيْنَةَ فَقَالَ: فِي فَتْحِ مَكَّةَ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ وَهْمٌ مِنْهُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ طَرِيقِهِ فَقَالَ: بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْفَتْحَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ وَجَدْتُ لِابْنِ عُيَيْنَةَ مُسْتَنَدًا عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْبُخَارِيِّ فِي التَّارِيخِ وَابْنِ سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْقَارِيِّ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ فَخَلَفَ سَعْدًا مَرِيضًا حَيْثُ خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ، فَلَمَّا قَدِمَ مِنَ الْجِعِرَّانَةِ مُعْتَمِرًا دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَغْلُوبٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَإِنِّي أُورَثُ كَلَالَةً أَفَأُوصِي بِمَالِي؟ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَيِّتٌ أَنَا بِالدَّارِ الَّتِي خَرَجْتُ مِنْهَا مُهَاجِرًا؟ قَالَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَرْفَعَكَ اللَّهُ حَتَّى يَنْفَعَ بِكَ أَقْوَامًا» ". الْحَدِيثَ، فَلَعَلَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ انْتَقَلَ ذِهْنُهُ مِنْ حَدِيثٍ إِلَى حَدِيثٍ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً عَامَ الْفَتْحِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مِنَ الْأَوْلَادِ أَصْلًا، وَمَرَّةً عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَتْ لَهُ بِنْتٌ فَقَطْ (مِنْ وَجَعٍ) اسْمٌ لِكُلِّ مَرَضٍ (اشْتَدَّ بِي) أَيْ قَوِيَ عَلَيَّ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ ( «فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى» ) أَيِ الْغَايَةَ (وَأَنَا ذُو مَالٍ) كَثِيرٍ ; لِأَنَّ التَّنْوِينَ لِلْكَثْرَةِ، وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: ذُو مَالٍ كَثِيرٍ (وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي) قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ لَا يَرِثُنِي مِنَ الْوَلَدِ أَوْ مِنْ خَوَاصِّ الْوَرَثَةِ أَوْ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِلَّا فَقَدَ كَانَ لِسَعْدٍ عَصَبَاتٌ لِأَنَّهُ مِنْ زُهْرَةَ وَكَانُوا كَثِيرًا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَرِثُنِي مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ أَوْ خَصَّهَا بِذِكْرٍ عَلَى تَقْدِيرِ: لَا يَرِثُنِي مِمَّنْ أَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ وَالْعَجْزَ إِلَّا ابْنَةٌ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تَرِثُ جَمِيعَ الْمَالِ أَوِ اسْتَكْثَرَ لَهَا التَّرِكَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذِهِ الْبِنْتُ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ أَنَّ اسْمَهَا عَائِشَةُ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهِيَ غَيْرُ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ الَّتِي رَوَتْ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْوَصَايَا وَالطِّبِّ، وَهِيَ تَابِعِيَّةٌ عَمَّرَتْ حَتَّى أَدْرَكَهَا مَالِكٌ وَرَوَى عَنْهَا، وَمَاتَتْ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنَ النَّسَّابِينَ لِسَعْدٍ ابْنَةً تُسَمَّى عَائِشَةَ غَيْرَ هَذِهِ، وَذَكَرُوا أَنَّ أَكْبَرَ بَنَاتِهِ أُمُّ الْحَكَمِ الْكُبْرَى وَأُمُّهَا بِنْتُ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، وَذَكَرُوا لَهُ بَنَاتٍ أُخْرَى أُمَّهَاتُهُنَّ مُتَأَخِّرَاتُ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبِنْتَ هِيَ أُمُّ الْحَكَمِ الْمَذْكُورَةُ لِتَقَدُّمِ تَزْوِيجِ سَعْدٍ بِأُمِّهَا وَلَمْ أَرَ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ: وَهَمَ مَنْ قَالَ عَائِشَةَ لِأَنَّهَا أَصْغَرُ أَوْلَادِهِ. ( «أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي» ؟) بِالتَّثْنِيَةِ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلِاسْتِخْبَارِ، هَكَذَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا فِي الصَّحِيحِ، وَفِيهِ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ» ؟ " وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ سَأَلَ أَوَّلًا عَنِ الْكُلِّ ثُمَّ عَنِ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ عَنِ النِّصْفِ ثُمَّ عَنِ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ مَجْمُوعٌ فِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَحْمَدَ وَبِكِيرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنِ النَّسَائِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، وَكَذَا لَهُمَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ، وَالْمُرَادُ بِالتَّصَدُّقِ الْوَصِيَّةُ، وَإِنِ احْتَمَلَ التَّنْجِيزَ لِأَنَّ الْمَخْرَجَ مُتَّحِدٌ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيقِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ. (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، قَالَ) سَعْدٌ (فَقُلْتُ: فَالشَّطْرِ) بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى " ثُلُثَيْ مَالِي "، أَيْ: فَأَتَصَدَّقُ بِالنِّصْفِ؟ وَقَيَّدَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ بِالنَّصْبِ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، أَيْ: أُسَمِّي أَوْ أُعَيِّنُ الشَّطْرَ، وَرَجَّحَ السُّهَيْلِيُّ فِي أَمَالِيهِ الْجَرَّ، قَالَ: لِأَنَّ النِّصْفَ بِإِضْمَارِ أَفْعَلُ وَالْخَفْضُ مَرْدُودٌ، أَيْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " ثُلُثَيْ مَالِي " وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ تَقْدِيرُهُ " أَتَصْدَّقُ بِهِ ". (قَالَ: لَا) وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: النِّصْفُ كَثِيرٌ، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ. (ثُمَّ قَالَ) بَعْدَ أَنْ سَأَلَ عَنِ الثُّلُثِ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثُّلُثَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَوْ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ نَحْوَ: عَيِّنِ الثُّلُثَ، وَبِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: مَشْرُوعٌ الثُّلُثُ، أَوْ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ، أَيِ: الثُّلُثُ كَافٍ، أَوْ فَاعِلُ فِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: يَكْفِيكَ الثُّلُثُ. (وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) بِمُثَلَّثَةٍ، أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دُونَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَسُوقٌ بِالنِّسْبَةِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ بِالثُّلُثِ، وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ وَهُوَ مَا يَبْتَدِرُهُ الْفَهْمُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِبَيَانِ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِالثُّلُثِ هُوَ الْأَكْمَلُ، أَيْ كَثِيرٌ أَجْرُهُ وَأَنَّ مَعْنَاهُ كَثِيرٌ غَيْرُ قَلِيلٍ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَوْلَى مَعَانِيهِ، يَعْنِي أَنَّ الْكَثْرَةَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ عَوَّلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: " لَوْ غَضَّ النَّاسُ إِلَى الرُّبُعِ لَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» ". رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، وَغَضَّ بِغَيْنٍ وَضَادٍ مُعْجَمَتَيْنِ، أَيْ نَقَصَ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ فِي مُسْنَدِهِ: كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ. وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ قَالَ: " «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» "، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ سَعْدٍ: " أَوْصَيْتُ بِمَالِي كُلِّهِ، قَالَ: فَمَا تَرَكْتَ لِوَلَدِكَ، أَوْصِ بِالْعُشُرِ، فَمَا زَالَ يَقُولُ وَأَقُولُ حَتَّى قَالَ: «أَوْصِ بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ» ". يَعْنِي بِالْمُثَلَّثَةِ أَوْ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَكَذَا وَقَعَ فِي مُوَطَّأِ التِّنِّيسِيِّ بِالشَّكِّ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمَحْفُوظُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالْمُثَلَّثَةِ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ تَسَمُّحُ مَنْ قَالَ رُوِيَ بِمُثَلَّثَةٍ وَبِمُوَحَّدَةٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ عِنْدَ بَعْضِ الرُّوَاةِ بِالشَّكِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُ الْعُلَمَاءِ فِي قَصْرِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الثُّلُثِ لَا أَصْلَ لَهُمْ غَيْرَهُ. (إِنَّكَ) بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَبِالْفَتْحِ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الْجَرِّ، أَيْ لِأَنَّكَ (أَنْ تَذَرَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، تَتْرُكَ (وَرَثَتَكَ) بِنْتَكَ الْمَذْكُورَةَ وَأَوْلَادَ أَخِيكَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الصَّحَابِيِّ وَإِخْوَتِهِ، فَعَبَّرَ بِوَرَثَةٍ لِيُدْخِلَ الْبِنْتَ وَغَيْرَهَا مِمَّنْ يَرِثُ لَوْ مَاتَ إِذْ ذَاكَ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ (أَغْنِيَاءَ) بِمَا تَتْرُكُ لَهُمْ (خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً) فُقَرَاءَ، جَمْعُ عَائِلٍ وَفِعْلُهُ يُعِيلُ إِذَا افْتَقَرَ (يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) أَيْ يَسْأَلُونَهُمْ بِأَكُفِّهِمْ، يُقَالُ: تَكَفَّفَ النَّاسَ وَاسْتَكَفَّ إِذَا بَسَطَ كَفَّهُ لِلسُّؤَالِ، أَوْ سَأَلَ مَا يَكُفُّ عَنْهُ الْجُوعَ، أَوْ سَأَلَ كَفَافًا مِنْ طَعَامِ، أَوِ الْمَعْنَى يَطْلُبُونَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَكُفِّ النَّاسِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ: " وَأَنَا ذُو مَالٍ " يُؤْذِنُ بِكَثْرَتِهِ، فَإِذَا تَصَدَّقَ بِثُلُثَيْهِ أَوْ شَطْرِهِ وَأَبْقَى ثُلُثَهُ بَيْنَ بِنْتِهِ وَغَيْرِهَا لَا يَصِيرُونَ عَالَةً ; لِأَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ عَلَى التَّقْدِيرِ لِأَنَّ بَقَاءَ الْمَالِ الْكَثِيرِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ، إِذْ لَوْ تَصَدَّقَ الْمَرِيضُ بِثُلُثَيْهِ مَثَلًا ثُمَّ طَالَتْ حَيَاتُهُ وَنَقَصَ وَفَنِيَ الْمَالُ فَقَدْ تَحْجُفُ الْوَصِيَّةُ بِالْوَرَثَةِ، فَرَدَّ الشَّارِعُ الْأَمْرَ إِلَى شَيْءٍ مُعْتَدِلٍ وَهُوَ الثُّلُثُ، وَقَدْ رُوِيَ: أَنْ تَذَرَ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى التَّعْلِيلِ وَبِكَسْرِهَا عَلَى الشَّرْطِيَّةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُمَا صَحِيحَانِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا مَعْنَى لِلشَّرْطِ هُنَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَا جَوَابَ لَهُ وَيَبْقَى خَيْرٌ لَا رَافِعَ لَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: سَمِعْنَاهُ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ بِالْكَسْرِ، وَأَنْكَرَهُ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ يَعْنِي ابْنَ الْخَشَّابِ، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ الْكَسْرُ لِأَنَّهُ لَا جَوَابَ لَهُ لِخُلُوِّ لِفْظَةِ (خَيْرٌ) مِنَ الْفَاءِ وَغَيْرِهَا مِمَّا اشْتُرِطَ فِي الْجَوَابِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَقْدِيرِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: جَزَاءُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ " خَيْرٌ " وَحَذْفُ الْفَاءِ جَائِزٌ كَقِرَاءَةِ طَاوُسٍ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ 220) أَيْ فَهُوَ خَيْرٌ، وَمِنْ خَصَّ ذَلِكَ بِالشِّعْرِ كَقَوْلِهِ: مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرْهَا. فَقَدْ بَعُدَ عَنِ التَّحْقِيقِ وَضَيَّقَ حَيْثُ لَا ضِيقَ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 الشِّعْرِ قَلِيلٌ فِي غَيْرِهِ، قَالَ: وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ اللُّقَطَةِ، أَيْ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا بِحَذْفِ الْفَاءِ، وَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ اللِّعَانِ: الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّكَ إِنْ تَذَرَ مَا هُوَ عِلَّةٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، فَقَالَ: « (وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا) تَطْلُبُ (وَجْهَ اللَّهِ) ذَاتَهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِلَّا أُجِرْتَ) » بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، فَهُوَ عِلَّةٌ لِلنَّهْيِ كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تَفْعَلْ لِأَنَّكَ إِنْ مِتَّ تَرَكْتَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ وَإِنْ عِشْتَ تَصَدَّقْتَ وَأَنْفَقْتَ، فَالْأَجْرُ حَاصِلٌ لَكَ فِي الْحَالَيْنِ وَنَبَّهَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ (حَتَّى مَا تَجْعَلُ) أَيِ الَّذِي تَجْعَلُهُ (فِي فِي) أَيْ فَمِ (امْرَأَتِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ: " «اللُّقْمَةُ تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ» ". وَقَوْلُ ابْنِ بَطَّالٍ " تَجْعَلُ " بِالرَّفْعِ وَ " مَا " كَافَّةٌ كَفَّتْ حَتَّى عَمَلَهَا تَعَقَبَّهُ فِي الْمَصَابِيحِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّرْكِيبِ حِينَئِذٍ إِنْ تَأَمَّلْتَ، بَلْ هِيَ اسْمٌ مَوْصُولٌ وَحَتَّى عَاطِفَةٌ، أَيْ إِلَّا أُجِرْتَ بِتِلْكَ النَّفَقَةِ حَتَّى بِالشَّيْءِ الَّذِي تَجْعَلُهُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ، وَلَا يُرَدُّ أَنَّ شَرْطَ حَتَّى الْعَاطِفَةِ عَلَى الْمَجْرُورِ وَإِعَادَةِ الْخَافِضِ ; لِأَنَّ ابْنَ مَالِكٍ قَيَّدَهُ بِأَنْ لَا تَتَعَيَّنَ لِلْعَطْفِ نَحْوَ: عَجِبْتُ مِنَ الْقَوْمِ حَتَّى بَنِيهِمْ، وَمَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ جَوَازُ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَخْفُوضِ بِغَيْرِ إِعَادَةِ الْخَافِضِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ مَالِكٍ لِكَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ نَثْرًا وَنَظْمًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْعَطْفَ عَلَى الْمَنْصُوبِ الْمُتَقَدِّمِ، أَيْ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً حَتَّى الشَّيْءَ الَّذِي تَجْعَلُهُ فِي فِي امْرَأَتِكَ، لَاسْتَقَامَ وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ اهـ. وَوَجْهُ تَعَلُّقِ هَذَا بِالْوَصِيَّةِ أَنَّ سُؤَالَ سَعْدٍ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ رَغِبَ فِي كَثْرَةِ الْأَجْرِ، فَلَمَّا مَنَعَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ سَلَّاهُ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ فِي مَالِهِ مِنْ صَدَقَةٍ نَاجِزَةٍ وَمِنْ نَفَقَةٍ وَلَوْ وَاجِبَةٍ يُؤْجَرُ بِهَا إِذَا ابْتَغَى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ، وَلَعَلَّهُ خَصَّ الْمَرْأَةَ بِالذِّكْرِ لِاسْتِمْرَارِ نَفَقَتِهَا دُونَ غَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ أَجْرَ الْوَاجِبِ يَزْدَادُ بِالنِّيَّةِ ; لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَاجِبٌ وَفِيهِ الْأَجْرُ، فَإِذَا نَوَى بِهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ازْدَادَ أَجْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِيهِ أَنَّ الثَّوَابَ فِي الْإِنْفَاقِ مَشْرُوطٌ بِصِحَّةِ النِّيَّةِ وَابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا عَسِرٌ إِذَا عَارَضَهُ مُقْتَضَى الشَّهْوَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُحَصِّلُ الْغَرَضَ مِنَ الثَّوَابِ حَتَّى يَبْتَغِيَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، وَيَشُقَّ تَخْلِيصُ هَذَا الْقَصْدِ مِمَّا يَشُوبُهُ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَاتِ إِذَا أُدِّيَتْ عَلَى قَصْدِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ أُثِيبَ عَلَيْهَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: حَتَّى مَا تَجْعَلُ لَا تَخْصِيصَ لَهُ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ، وَلَفْظَةُ حَتَّى هُنَا تَقْتَضِي الْمُبَالَغَةَ فِي تَحْصِيلِ الْأَجْرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَى، كَمَا يُقَالُ: جَاءَ الْحَاجُّ حَتَّى الْمُشَاةُ. هَذَا وَقَوْلُ الزَّيْنِ بْنِ الْمُنِيرِ عَبَّرَ بِوَرَثَتِكَ وَلَمْ يَقُلْ " بَنِيكَ " مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ ; لِأَنَّ الْوَارِثَ حِينَئِذٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِأَنَّ سَعْدًا إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَوْتِهِ مِنَ الْمَرَضِ وَبَقَائِهَا بَعْدَهُ حَتَّى تَرِثَهُ، وَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ تَمُوتَ قَبْلَهُ فَأَجَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلَامٍ كُلِّيٍّ مُطَابِقٍ لِكُلِّ حَالَةٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ " وَرَثَتَكَ " وَلَمْ يَخُصَّ بِنْتًا مِنْ غَيْرِهَا. تَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 بِأَنَّ قَوْلَهُ " «أَنْ تَذَرَ بِنْتَكَ» " لَيْسَ مُتَعَيَّنًا لِأَنَّ مِيرَاثَهُ لَمْ يَكُنْ مُنْحَصِرًا فِيهَا، فَقَدْ كَانَ لِأَخِيهِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَوْلَادٌ إِذْ ذَاكَ مِنْهُمْ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ الصَّحَابِيُّ، قُتِلَ بِصِفِّينَ، فَعَبَّرَ بِوَرَثَتِكَ لِتَدْخُلَ الْبِنْتُ وَغَيْرُهَا مِمَّنْ يَرِثُ لَوْ مَاتَ إِذْ ذَاكَ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ: وَقَوْلُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ عَبَّرَ بِوَرَثَتِكَ لِأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ سَعْدًا يَعِيشُ وَيَأْتِيهِ أَوْلَادٌ غَيْرُ الْبِنْتِ، فَكَانَ كَذَلِكَ وَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ بَنِينَ لَا أَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ، قُصُورٌ شَدِيدٌ فَإِنَّ أَسْمَاءَهُمْ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَامِرٍ وَمُصْعَبٍ وَمُحَمَّدٍ ثَلَاثَتِهِمْ عَنْ أَبِيهِمْ سَعِدٍ، وَذَكَرَ مُسْلِمٌ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَمَّا ذَكَرْتُ الثَّلَاثَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ اقْتَصَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَلَيْهِمْ فَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ ذُكُورٍ غَيْرَهُمْ عُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ وَيَحْيَى وَإِسْحَاقَ ذَكَرَهُمُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ، وَفَاتَهُ أَنَّ ابْنَ سَعْدٍ ذَكَرَ لَهُ مِنَ الذُّكُورِ غَيْرِ السَّبْعَةِ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ وَهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَمْرٌو وَعِمْرَانُ وَصَالِحٌ وَعُثْمَانُ وَإِسْحَاقُ الْأَصْغَرُ وَعُمَرُ الْأَصْغَرُ وَعُمَيْرٌ مُصَغَّرٌ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ لَهُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ بِنْتًا وَكَأَنَّ ابْنَ الْمَدِينِيِّ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ مِنْهُمْ. (قَالَ) سَعْدٌ: (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأُخَلَّفُ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ، مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (بَعْدَ أَصْحَابِي) الْمُنْصَرِفِينَ مَعَكَ بِمَكَّةَ لِأَجْلِ مَرَضِي، وَكَانُوا يَكْرَهُونَ الْإِقَامَةَ بِهَا لِكَوْنِهِمْ هَاجَرُوا مِنْهَا وَتَرَكُوهَا لِلَّهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ) بَعْدَ أَصْحَابِكَ (فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ) أَيْ بِالْعَمَلِ (دَرَجَةً وَرِفْعَةً) عِنْدَ اللَّهِ (وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ) بِأَنْ يَطُولَ عُمُرُكَ فَلَا تَمُوتَ بِمَكَّةَ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ: " وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ "، أَيْ يُطِيلَ عُمُرَكَ (حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ) أَيِ الْمُسْلِمُونَ بِالْغَنَائِمِ بِمَا سَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ. (وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ) وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ الْهَالِكُونَ عَلَى يَدَيْكَ وَجُنْدِكَ. وَزَعَمَ ابْنُ التِّينِ أَنَّ النَّفْعَ مَا وَقَعَ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْفُتُوحِ كَالْقَادِسِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَبِالضُّرِّ مَا وَقَعَ مِنْ تَأْمِيرِ ابْنِهِ عُمَرَ عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ وَمَنْ مَعَهُ. وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ بِلَا ضَرُورَةٍ تُحْمَلُ عَلَى إِرَادَةِ الضُّرِّ الْحَاصِلِ مِنْ وَلَدِهِ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ هُوَ الضَّرَرُ لِلْكُفَّارِ. وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: لَمَّا أُمِّرَ سَعْدٌ عَلَى الْعِرَاقِ أُتِيَ بِقَوْمٍ ارْتَدُّوا فَاسْتَتَابَهُمْ، فَتَابَ بَعْضُهُمْ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ فَقَتَلَهُمْ، فَانْتَفَعَ بِهِ مَنْ تَابَ وَحَصَلَ الضَّرَرُ لِلْآخَرِينَ، وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِخْبَارِهِ بِالْغَيْبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 فَإِنَّهُ عَاشَ حَتَّى فَتَحَ الْعِرَاقَ وَحَصَلَ نَفْعُ الْمُسْلِمِينَ بِهِ وَضُرُّ الْكُفَّارِ، وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، فَيَكُونُ عَاشَ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. (اللَّهُمَّ أَمْضِ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مِنَ الْإِمْضَاءِ وَهُوَ الْإِنْفَاذُ، أَيْ أَتْمِمْ (لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ) الَّتِي هَاجَرُوهَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ (وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ) بِتَرْكِ هِجْرَتِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ عَنْ مُسْتَقِيمِ حَالِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ سَدُّ الذَّرِيعَةِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَذَرَّعَ بِالْمَرَضِ أَحَدٌ لِأَجْلِ حُبِّ الْوَطَنِ. (لَكِنِ الْبَائِسُ) بِمُوَحَّدَةٍ وَهَمْزَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ، الَّذِي عَلَيْهِ أَثَرُ الْبُؤْسِ، أَيْ شِدَّةُ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ (سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَلَامٍ وَتَاءِ تَأْنِيثٍ، الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ، وَقِيلَ مِنْ حُلَفَائِهِمْ، وَقِيلَ مِنْ مَوَالِيهِمْ، وَقِيلَ هُوَ فَارِسِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ حَالَفَ بَنِي عَامِرٍ وَشَهِدَ بَدْرًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي اسْمِهِ " خَوْلِيٌّ " بِكَسْرِ اللَّامِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ بِسُكُونِ الْوَاوِ، وَأَغْرَبَ الْقَابِسِيُّ فَقَالَ بِفَتْحِهَا. وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحِ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْرَاءَ. وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ: يَرْحَمُ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عَفْرَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ الدَّاوُدِيُّ: هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَقَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: هُوَ وَهْمٌ، وَالْمَعْرُوفُ ابْنُ خَوْلَةَ، قَالَ: وَلَعَلَّ الْوَهْمَ مِنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فَالزُّهْرِيُّ أَحْفَظُ مِنْهُ اهـ. وَقَدْ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ التَّيْمِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ لِأُمِّهِ اسْمَيْنِ خَوْلَةَ وَعَفْرَاءَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَحَدَهُمَا اسْمٌ وَالْآخَرُ لَقَبٌ، أَوْ أَحَدُهُمَا اسْمُ أُمِّهِ وَالْآخَرُ اسْمُ أَبِيهِ أَوِ الْآخَرُ اسْمُ جَدَّةٍ لَهُ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ عَفْرَاءَ اسْمُ أُمِّهِ وَالْآخَرُ اسْمُ أَبِيهِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّهُ خَوْلَةُ أَوْ خَوْلِيٌّ (يَرْثِي) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ، يَتَوَجَّعُ وَيَتَحَزَّنُ (لَهُ) لِأَجْلِهِ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَلَا يَصِحُّ كَسْرُهَا ; لِأَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ وَهُوَ كَانَ قَدْ (مَاتَ بِمَكَّةَ) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَبِهِ جَزَمَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي تَارِيخِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: مَاتَ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ مَعَ قُرَيْشٍ سَنَةَ سَبْعٍ، فَتَوَجَّعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَوْتِهِ فِي أَرْضٍ هَاجَرَ مِنْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَمْ يُهَاجِرْ، فَسَبَبُ بُؤْسِهِ عَدَمُ هِجْرَتِهِ، فَإِنَّمَا بُؤْسُهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْإِقَامَةَ فِي أَرْضٍ هَاجَرُوا مِنْهَا وَتَرَكُوهَا مَعَ حُبِّهِمْ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى ; فَلِذَا خَشِيَ سَعْدٌ أَنْ يَمُوتَ بِهَا، وَتَوَجَّعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ خَوْلَةَ أَنْ مَاتَ بِهَا، وَرُوِيَ أَنَّهُ خَلَّفَ مَعَ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَجُلًا وَقَالَ: إِنْ تُوفِّيَ بِمَكَّةَ فَلَا تَدْفِنْهُ بِهَا. وَالرِّثَاءُ يُطْلَقُ عَلَى التَّوَجُّعِ وَالتَّحَزُّنِ وَهَذَا هُوَ الْمُبَاحُ الَّذِي فَعَلَهُ الْمُصْطَفَى، وَيُطْلَقُ عَلَى ذِكْرِ أَوْصَافِ الْمَيِّتِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَهْيِيجِ الْحُزْنِ وَاللَّوْعَةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 الْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: " «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَرَاثِي» " وَهُوَ عِنْدَ «ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ» بِلَفْظِ: نَهَانَا أَنْ نَتَرَاثَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: زَعَمَ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ: يَرْثِي. . . إِلَخْ، مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ الْحَافِظُ: وَكَأَنَّهُمُ اسْتَنَدُوا إِلَى مَا رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُ فَصَّلَ ذَلِكَ، لَكِنْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الدَّعَوَاتِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، قَالَ سَعْدٌ يَرْثِي لَهُ. . . إِلَخْ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي وَصْلِهِ فَلَا يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِإِدْرَاجِهِ. وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي الطِّبِّ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا: " ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِي ثُمَّ مَسَحَ وَجْهِي وَبَطْنِي ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَهَا» ". وَلِمُسْلِمٍ: " قُلْتُ: «فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يَشْفِيَنِي، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» ". وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ زِيَارَةِ الْمَرِيضِ لِلْإِمَامِ فَمَنْ دُونَهُ، وَيَتَأَكَّدُ بِاشْتِدَادِ الْمَرَضِ وَوَضْعِ الْيَدِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَمَسْحِ وَجْهِهِ وَالْعُضْوِ الَّذِي يَأْلَمُهُ وَالْفَسْحِ لَهُ بِطُولِ الْعُمْرِ، وَجَوَازُ إِخْبَارِ الْمَرِيضِ بِشِدَّةِ مَرَضِهِ وَقُوَّةِ أَلَمِهِ إِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا يُمْنَعُ أَوْ يُكْرَهُ مِنَ التَّبَرُّمِ وَعَدَمِ الرِّضَا بَلْ لِطَلَبِ دُعَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ وَرُبَّمَا اسْتُحِبَّ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الِاتِّصَافَ بِالصَّبْرِ الْمَحْمُودِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ أَثْنَاءَ الْمَرَضِ كَانَ الْإِخْبَارُ بِهِ بَعْدَ الْبُرْءِ أَجْوَزَ، وَأَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ وَالطَّاعَةِ إِذَا كَانَ مِنْهَا مَا لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ قَامَ غَيْرُهُ فِي الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ مَقَامَهُ، وَرُبَّمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ سَعْدًا خَافَ أَنْ يَمُوتَ فِي الدَّارِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا فَيَفُوتَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَجْرِ هِجْرَتِهِ، فَأَخْبَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ إِنْ تَخَلَّفَ عَنْ دَارِ هِجْرَتِهِ فَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا مِنْ حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ بِهِ أَجْرٌ يُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ مِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى، وَالْحَثُّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْأَقَارِبِ وَأَنَّ صِلَتَهُمْ أَفْضَلُ، وَالْإِنْفَاقُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ ; لِأَنَّ الْمُبَاحَ إِذَا قُصِدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ صَارَ طَاعَةً، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِأَقَلِّ الْحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْعَادِيَّةِ، وَهِيَ وَضْعُ اللُّقْمَةِ فِي فَمِ الزَّوْجَةِ ; إِذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ غَالِبًا إِلَّا عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالْمُمَازَحَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَيُؤْجَرُ فَاعِلُهُ إِذَا قَصَدَ بِهِ قَصْدًا صَحِيحًا، فَكَيْفَ بِمَا فَوْقَ ذَلِكَ؟ قِيلَ: وَجَوَازُ الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ لِمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ; لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ أَنَّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لَا يُبَالِي بِالْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ مَنْ يَخْشَى عَلَيْهِ الْفَقْرَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيلًا مَحْضًا وَإِنَّمَا فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْأَحَظِّ الْأَنْفَعِ، وَلَوْ كَانَ تَعْلِيلًا مَحْضًا لَاقْتَضَى جَوَازُ الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ لِمَنْ وَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءُ، وَلَنَفَّذَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إِجَازَتِهِمْ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ مَحْضٌ فَهُوَ لِلنَّقْصِ عَنِ الثُّلُثِ لَا لِلزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا شَرَعَ الْإِيصَاءَ بِالثُّلُثِ، وَأَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ فِيهِ عَلَى الْمُوصِي قَالَ: إِلَّا أَنَّ الِانْحِطَاطَ عَنْهُ أَوْلَى وَلَا سِيَّمَا لِمَنْ تَرَكَ وَرَثَتَهُ فُقَرَاءَ، وَفِيهِ الِاسْتِفْسَارُ عَنِ الْمُجْمَلِ إِذَا احْتَمَلَ وُجُوهًا ; لِأَنَّ سَعْدًا لَمَّا مُنِعَ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ احْتَمَلَ عِنْدَهُ الْمَنْعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 فِيمَا دُونَهُ وَالْجَوَازُ فَاسْتَفْسَرَ عَنْهُ، وَالنَّظَرُ فِي مَصَالِحِ الْوَرَثَةِ، وَأَنَّ خِطَابَ الشَّارِعِ الْوَاحِدِ يَعُمُّ مَنْ كَانَ بِصِفَتِهِ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ لِإِطْبَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ سَعْدٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ إِنَّمَا وَقَعَ لَهُ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِالرَّدِّ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ لِلْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ كَمَا مَرَّ، وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَقُولُ بِظَاهِرِهِ لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَهَا فَرْضَهَا ثُمَّ يَرُدُّونَ عَلَيْهَا الْبَاقِيَ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهَا تَرِثُ الْجَمِيعَ ابْتِدَاءً، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجَنَائِزِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَتَابَعَ شَيْخَهُ الزُّهْرِيَّ جَمَاعَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ. (مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُوصِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَيَقُولُ: غُلَامِي يَخْدُمُ فُلَانًا مَا عَاشَ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ) بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ (فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، فَيُوجَدُ الْعَبْدُ ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ، قَالَ: فَإِنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ) وَفِي نُسْخَةٍ الْغُلَامِ (تُقَوَّمُ ثُمَّ يَتَحَاصَّانِ، يُحَاصُّ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِالثُّلُثِ بِثُلُثِهِ وَيُحَاصُّ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ بِمَا قُوِّمَ لَهُ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ، فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ إِجَارَتِهِ إِنْ كَانَتْ لَهُ إِجَارَةٌ بِقِدْرِ حِصَّتِهِ، فَإِذَا مَاتَ الَّذِي جُعِلَتْ لَهُ خِدْمَةُ الْعَبْدِ مَا عَاشَ عَتَقَ الْعَبْدُ) عَمَلًا بِالْوَصِيَّةِ. (مَالِكٌ: فِي الَّذِي يُوصِي فِي ثُلُثِهِ فَيَقُولُ لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا يُسَمِّي مَالًا مِنْ مَالِهِ، فَيَقُولُ وَرَثَتُهُ: قَدْ زَادَ عَلَى ثُلُثِهِ، فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا أَهْلَ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ وَيَأْخُذُوا جَمِيعَ مَالِ الْمَيِّتِ) الْبَاقِيَ بَعْدَ إِعْطَائِهِمْ (وَبَيْنَ أَنْ يَقْسِمُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ فَيُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ ثُلُثَهُ فَتَكُونَ حُقُوقُهُمْ فِيهِ إِنْ أَرَادُوا بَالِغًا مَا بَلَغَ) لِأَنَّ الْوَرَثَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 كَمَا لَمْ يُمَكِّنُوا الْمَيِّتَ مِنْ بَخْسِ حُقُوقِهِمْ فَلَا يَبْخَسُونَ حَقَّهُ، فَإِمَّا أَجَازُوا فِعْلَهُ وَإِلَّا دَفَعُوا جَمِيعَ مَالِهِ وَهُوَ الثُّلُثُ، وَتُلَقَّبُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِخَلْعِ الثُّلُثِ وَلَهَا صُوَرٌ فِي الْفُرُوعِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 [باب أَمْرِ الْحَامِلِ وَالْمَرِيضِ وَالَّذِي يَحْضُرُ الْقِتَالَ فِي أَمْوَالِهِمْ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي وَصِيَّةِ الْحَامِلِ وَفِي قَضَايَاهَا فِي مَالِهَا وَمَا يَجُوزُ لَهَا أَنَّ الْحَامِلَ كَالْمَرِيضِ فَإِذَا كَانَ الْمَرَضُ الْخَفِيفُ غَيْرُ الْمَخُوفِ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَصْنَعُ فِي مَالِهِ مَا يَشَاءُ وَإِذَا كَانَ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لِصَاحِبِهِ شَيْءٌ إِلَّا فِي ثُلُثِهِ قَالَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ أَوَّلُ حَمْلِهَا بِشْرٌ وَسُرُورٌ وَلَيْسَ بِمَرَضٍ وَلَا خَوْفٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71] وَقَالَ {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 189] فَالْمَرْأَةُ الْحَامِلُ إِذَا أَثْقَلَتْ لَمْ يَجُزْ لَهَا قَضَاءٌ إِلَّا فِي ثُلُثِهَا فَأَوَّلُ الْإِتْمَامِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] وَقَالَ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] فَإِذَا مَضَتْ لِلْحَامِلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمَ حَمَلَتْ لَمْ يَجُزْ لَهَا قَضَاءٌ فِي مَالِهَا إِلَّا فِي الثُّلُثِ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَحْضُرُ الْقِتَالَ إِنَّهُ إِذَا زَحَفَ فِي الصَّفِّ لِلْقِتَالِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي مَالِهِ شَيْئًا إِلَّا فِي الثُّلُثِ وَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَامِلِ وَالْمَرِيضِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ مَا كَانَ بِتِلْكَ الْحَالِ   4 - بَابُ أَمْرِ الْحَامِلِ وَالْمَرِيضِ وَالَّذِي يَحْضُرُ الْقِتَالَ فِي أَمْوَالِهِمْ - (مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي وَصِيَّةِ الْحَامِلِ وَفِي قَضَايَاهَا فِي مَالِهَا وَمَا يَجُوزُ لَهَا: أَنَّ الْحَامِلَ كَالْمَرِيضِ فَإِذَا كَانَ) وُجِدَ (الْمَرَضُ الْخَفِيفُ غَيْرُ الْمَخُوفِ) مِنْهُ الْمَوْتُ (عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَصْنَعُ فِي مَالِهِ مَا يَشَاءُ) كَالصَّحِيحِ (وَإِذَا كَانَ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ عَلَيْهِ) الْمَوْتُ مِنْهُ (لَمْ يَجُزْ لِصَاحِبِهِ) شَيْءٌ (إِلَّا فِي ثُلُثِهِ) لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ إِنَّمَا هِيَ فِيهِ (قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ أَوَّلُ حَمْلِهَا بِشْرٌ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، فَرَحٌ (وَسُرُورٌ وَلَيْسَ بِمَرَضٍ وَلَا خَوْفٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: فَبَشَّرْنَاهَا) أَيِ امْرَأَةَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (بِإِسْحَاقَ) تَحْمِلُ بِهِ بَعْدَ الْكِبَرِ، وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَلِذَا قَالَتْ: {يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} [هود: 72] ؟ (وَمِنْ وَرَاءِ) بَعْدِ (إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) بْنَ إِسْحَاقَ، تَعِيشُ إِلَى أَنْ تَرَاهُ، فَجَعَلَ أَوَّلَ الْحَمْلِ بِشَارَةً وَفَرَحًا فَلَيْسَ بِمَرَضٍ. (وَقَالَ) فَلَمَّا تَغَشَّاهَا (حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا) هُوَ النُّطْفَةُ (فَمَرَّتْ بِهِ) ذَهَبَتْ وَجَاءَتْ لِخِفَّتِهِ (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) بِكِبَرِ الْوَلَدِ فِي بَطْنِهَا، وَإِشْفَاقًا أَنْ يَكُونَ بَهِيمَةً (دَعَوُا) أَيْ آدَمُ وَحَوَّاءُ {اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا} [الأعراف: 189] وَلَدًا (صَالِحًا) سَوِيًّا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 63] لَكَ عَلَيْهِ، فَسَمَّى أَوَّلَ الْحَمْلِ خَفِيفًا وَآخِرَهُ ثَقِيلًا. (قَالَ: وَالْمَرْأَةُ الْحَامِلُ إِذَا أَثْقَلَتْ لَمْ يَجُزْ لَهَا قَضَاءٌ إِلَّا فِي ثُلُثِهَا، فَأَوَّلُ الْإِتْمَامِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 وَهِيَ مَبْدَأُ الثِّقَلِ الَّذِي يُصَيِّرُهَا كَالْمَرِيضِ (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233] أَيْ لِيُرْضِعْنَ {أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ} [البقرة: 233] عَامَيْنِ (كَامِلَيْنِ) صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ. (وَقَالَ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ} [الأحقاف: 15] مِنَ الرَّضَاعِ {ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] سِتَّةٌ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَالْبَاقِي أَكْثَرُ مُدَّةِ الرَّضَاعِ. (فَإِذَا مَضَتْ لِلْحَامِلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمَ حَمَلَتْ لَمْ يَجُزْ لَهَا قَضَاءٌ) حُكْمٌ (فِي مَالِهَا إِلَّا فِي الثُّلُثِ) إِلَى أَنْ تَضَعَ (وَالرَّجُلِ يَحْضُرُ الْقِتَالَ إِذَا زَحَفَ فِي الصَّفِّ لِلْقِتَالِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي مَالِهِ شَيْئًا إِلَّا فِي الثُّلُثِ وَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَامِلِ) لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ (وَالْمَرِيضِ الْمَخُوِفِ عَلَيْهِ) الْمَوْتُ (مَا كَانَ بِتِلْكَ الْحَالِ) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِهِ بِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 [باب الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَالْحِيَازَةِ] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] نَسَخَهَا مَا نَزَلَ مِنْ قِسْمَةِ الْفَرَائِضِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ يُجِيزَ لَهُ ذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ إِنْ أَجَازَ لَهُ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضٌ جَازَ لَهُ حَقُّ مَنْ أَجَازَ مِنْهُمْ وَمَنْ أَبَى أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي يُوصِي فَيَسْتَأْذِنُ وَرَثَتَهُ فِي وَصِيَّتِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ لَيْسَ لَهُ مِنْ مَالِهِ إِلَّا ثُلُثُهُ فَيَأْذَنُونَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِي ذَلِكَ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَهُمْ صَنَعَ كُلُّ وَارِثٍ ذَلِكَ فَإِذَا هَلَكَ الْمُوصِي أَخَذُوا ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ وَمَنَعُوهُ الْوَصِيَّةَ فِي ثُلُثِهِ وَمَا أُذِنَ لَهُ بِهِ فِي مَالِهِ قَالَ فَأَمَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ وَرَثَتَهُ فِي وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا لِوَارِثٍ فِي صِحَّتِهِ فَيَأْذَنُونَ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُمْ وَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَرُدُّوا ذَلِكَ إِنْ شَاءُوا وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ صَحِيحًا كَانَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ إِنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ جَمِيعِهِ خَرَجَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يُعْطِيهِ مَنْ شَاءَ وَإِنَّمَا يَكُونُ اسْتِئْذَانُهُ وَرَثَتَهُ جَائِزًا عَلَى الْوَرَثَةِ إِذَا أَذِنُوا لَهُ حِينَ يُحْجَبُ عَنْهُ مَالُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا فِي ثُلُثِهِ وَحِينَ هُمْ أَحَقُّ بِثُلُثَيْ مَالِهِ مِنْهُ فَذَلِكَ حِينَ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ وَمَا أَذِنُوا لَهُ بِهِ فَإِنْ سَأَلَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَنْ يَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهُ حِينَ تَحْضُرُهُ الْوَفَاةُ فَيَفْعَلُ ثُمَّ لَا يَقْضِي فِيهِ الْهَالِكُ شَيْئًا فَإِنَّهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ وَهَبَهُ إِلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ الْمَيِّتُ فُلَانٌ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ ضَعِيفٌ وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَهَبَ لَهُ مِيرَاثَكَ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إِذَا سَمَّاهُ الْمَيِّتُ لَهُ قَالَ وَإِنْ وَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهُ ثُمَّ أَنْفَذَ الْهَالِكُ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضٌ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الَّذِي وَهَبَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ مَا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاةِ الَّذِي أُعْطِيَهُ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فِيمَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَعْطَى بَعْضَ وَرَثَتِهِ شَيْئًا لَمْ يَقْبِضْهُ فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى الْوَرَثَةِ مِيرَاثًا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ وَلَا يُحَاصُّ أَهْلُ الْوَصَايَا فِي ثُلُثِهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ   5 - بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَالْحِيَازَةِ (سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَوْلُ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ وَالرَّفْعُ أَيْ وَهِيَ قَوْلُ (اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] أَيْ مَالًا (الْوَصِيَّةُ) مَرْفُوعٌ نَائِبُ فَاعِلٍ بِكُتِبَ، وَمُتَعَلِّقُ إِذَا إِنْ كَانَتْ ظَرْفِيَّةً وَدَالًّا عَلَى جَوَابِهَا إِنْ كَانَتْ شَرْطِيَّةً، وَجَوَابُ إِنْ فَلْيُوصِ (لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (نَسَخَهَا مَا نَزَلَ مِنْ قِسْمَةِ الْفَرَائِضِ) لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ (فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَهُوَ مَوْقُوفٌ لَفْظًا لَا أَنَّهُ فِي تَفْسِيرٍ وَأَخْبَارٍ كَمَا كَانَ مِنَ الْحُكْمِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ بِهَذَا التَّقْدِيرِ، وَقَدْ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ عَلَى مَا يَرَاهُ الْمُوصِي مِنَ الْمُسَاوَاةِ وَالتَّفْضِيلِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الْفَرَائِضِ، وَقِيلَ بِحَدِيثِ: " لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ". وَقِيلَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ دَلِيلُهُ، وَزَعَمَ ابْنُ سُرَيْجٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مُكَلَّفِينَ بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِقَدْرِ الْفَرِيضَةِ الَّتِي فِي عِلْمِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَهَا، وَشَدَّدَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي إِنْكَارِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالَ طَاوُسٌ وَغَيْرُهُ: لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً بَلْ مَخْصُوصَةً لِأَنَّ الْأَقْرَبِينَ أَعَمُّ مِنَ الْوَارِثِ، فَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِجَمِيعِهِمْ فَخَصَّ مِنْهَا مَنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ لِآيَةِ الْفَرَائِضِ وَالْحَدِيثِ، وَبَقِيَ حَقُّ مَنْ لَا يَرِثُ مِنَ الْأَقْرَبِينَ عَلَى حَالِهِ. - (مَالِكٌ: السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ) لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ". وَفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَقَدْ قَوَّى حَدِيثَهُ عَنِ الشَّامِيِّينَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَهَذَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ شَامِيٌّ ثِقَةٌ، وَصَرَّحَ فِي رِوَايَتِهِ بِالتَّحْدِيثِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ، وَجَاءَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَعَلِيٍّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَعَنْ جَابِرٍ كِلَاهُمَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: الصَّوَابُ إِرْسَالُهُ وَلَا يَخْلُو إِسْنَادٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ، لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يَقْتَضِي أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا، بَلْ جَنَحَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إِلَى أَنَّ الْمَتْنَ مُتَوَاتِرٌ فَقَالَ: وَجَدْنَا أَهْلَ الْفُتْيَا وَمَنْ حَفِظْنَا عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَامَ الْفَتْحِ: " «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ". وَيَأْثُرُونَهُ عَمَّنْ حَفِظُوهُ عَنْهُ مِمَّنْ لَقَوْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَكَانَ نَقْلَ كَافَّةٍ عَنْ كَافَّةٍ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ نَقْلِ وَاحِدٍ، وَنَازَعَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي كَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ مُتَوَاتِرًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُنْسَخُ بِالسُّنَّةِ، لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي هَذَا إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى مُقْتَضَاهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْمُوَطَّأِ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا لِلْوَارِثِ عَدَمُ اللُّزُومِ ; لِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِجَازَةِ الْوَارِثِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ. (إِلَّا أَنْ يُجِيزَ لَهُ ذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ، وَإِنَّهُ إِنْ أَجَازَ لَهُ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضٌ جَازَ لَهُ حَقُّ مَنْ أَجَازَ مِنْهُمْ وَمَنْ أَبَى أَخَذَ حَقَّهُ) لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي الْأَصْلِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا أَجَازُوهُ لَمْ يَمْتَنِعْ، وَقَدْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ الْوَرَثَةُ» ". وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَإِنْ أُعِلَّ بِأَنَّهُ قِيلَ إِنَّ عَطَاءً هُوَ الْخُرَاسَانِيُّ، فَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى دَاوُدَ وَالْمُزَنِيِّ فِي قَوْلِهِمَا: إِنَّهَا بَاطِلَةٌ لِلْوَارِثِ وَلِغَيْرِهِ بِأَزْيَدَ مِنَ الثُّلُثِ، لَوْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ. (وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي يُوصِي فَيَسْتَأْذِنُ وَرَثَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ لَيْسَ لَهُ مِنْ مَالِهِ إِلَّا ثُلُثَهُ) يَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيَأْذَنُونَ لَهُ (أَنْ يُوصِيَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ أَوْ) لِغَيْرِ وَارِثٍ (بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِي ذَلِكَ) إِذَا مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ فِي عَائِلَتِهِ وَيَخْشَى مِنَ امْتِنَاعِهِ قَطْعَ مَعْرُوفِهِ عَنْهُ لَوْ عَاشَ فَلَهُ الرُّجُوعُ (وَلَوْ جَازَ لَهُمْ ذَلِكَ) أَيِ الرُّجُوعُ (صَنَعَ كُلُّ وَارِثٍ ذَلِكَ، فَإِذَا هَلَكَ الْمُوصِي أَخَذُوا ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَمَنَعُوهُ الْوَصِيَّةَ فِي ثُلُثِهِ وَ) مَنَعُوهُ (مَا أُذِنَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (لَهُ بِهِ فِي مَالِهِ، قَالَ: فَأَمَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ وَرَثَتَهُ فِي وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا لِوَارِثٍ فِي صِحَّتِهِ فَيَأْذَنُونَ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُمْ) لِأَنَّهُمْ أَسْقَطُوا قَبْلَ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ جَرَيَانِ سَبَبِهِ (وَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَرُدُّوا ذَلِكَ إِنْ شَاءُوا، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ صَحِيحًا كَانَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ جَمِيعِهِ خَرَجَ) وَبَيَّنَ الْخُرُوجَ بِقَوْلِهِ: (يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يُعْطِيهِ مَنْ شَاءَ) فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَحْجُوبًا عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ إِذْنُهُمْ ; إِذْ لَوْ شَاءَ لَمَلَّكَ مَنْ أَوْصَى لَهُ فِي الْحَالِ بِلَا اسْتِئْذَانٍ (وَإِنَّمَا يَكُونُ اسْتِئْذَانُهُ وَرَثَتَهُ جَائِزًا عَلَى الْوَرَثَةِ إِذَا أَذِنُوا لَهُ حِينَ يُحْجَبُ عَنْهُ مَالُهُ) بِسَبَبِ الْمَرَضِ الْقَوِيِّ (وَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا فِي ثُلُثِهِ، وَحِينَ هُمْ أَحَقُّ بِثُلُثَيْ مَالِهِ مِنْهُ فَذَلِكَ حِينَ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ وَمَا أَذِنُوا لَهُ بِهِ) لِكَوْنِهِ بَعْدَ جَرَيَانِ السَّبَبِ فَلَيْسَ مِنْ إِسْقَاطِ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 بِلَا سَبَبٍ. (فَإِنْ سَأَلَ) الْمَرِيضُ (بَعْضَ وَرَثَتِهِ أَنْ يَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهُ حِينَ تَحْضُرُهُ الْوَفَاةُ) أَيْ أَسْبَابُهَا (فَيَفْعَلُ ثُمَّ لَا يَقْضِي فِيهِ الْهَالِكُ شَيْئًا فَإِنَّهُ رَدٌّ) مَرْدُودٌ (عَلَى مَنْ وَهَبَهُ إِلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ الْمَيِّتُ فُلَانٌ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ ضَعِيفٌ وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَهَبَ لَهُ مِيرَاثَكَ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إِذَا سَمَّاهُ الْمَيِّتُ لَهُ) لِأَنَّهَا هِبَةٌ لِمُعَيَّنٍ (وَإِنْ وَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهُ ثُمَّ أَنْفَذَ الْهَالِكُ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضٌ فَهُوَ) أَيِ الْبَعْضُ الْبَاقِي (رَدٌّ عَلَى الَّذِي وَهَبَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ مَا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاةِ الَّذِي أُعْطِيَهُ، مَالِكٌ: فِيمَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَعْطَى بَعْضَ وَرَثَتِهِ شَيْئًا لَمْ يَقْبِضْهُ) الْمُعْطَى، بِالْفَتْحِ (فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى الْوَرَثَةِ مِيرَاثًا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ وَ) لِذَلِكَ (لَا يُحَاصُّ أَهْلُ الْوَصَايَا فِي ثُلُثِهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 [باب مَا جَاءَ فِي الْمُؤَنَّثِ مِنْ الرِّجَالِ وَمَنْ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الطَّائِفَ غَدًا فَأَنَا أَدُلُّكَ عَلَى ابْنَةِ غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ»   6 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُؤَنَّثِ مِنَ الرِّجَالِ وَمَنْ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ نُبِّهَ بِالتَّعْبِيرِ بِالْمُؤَنَّثِ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْمُخَنَّثِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَهُوَ كَمَا فِي التَّمْهِيدِ مَنْ لَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ، وَلَا يَهْتَدِي إِلَى شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِنَّ فَيَجُوزُ دُخُولُهُ عَلَيْهِنَّ، فَإِنْ فَهِمَ مَعَانِيَهُنَّ مُنِعَ دُخُولُهُ، كَمَا مُنِعَ الْمُخَنَّثُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31] (سورة النُّورِ: الْآيَةَ 31) وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 اخْتِلَافًا مُتَقَارِبًا مَعْنَاهُ يَجْمَعُهُ أَنَّهُ مَنْ لَا فَهْمَ لَهُ وَلَا هِمَّةَ يَتَنَبَّهُ بِهَا إِلَى أَمْرِ النِّسَاءِ وَلَا يَشْتَهِيهِنَّ وَلَا يَسْتَطِيعُ غِشْيَانَهُنَّ، وَلَيْسَ الْمُخَنَّثُ الَّذِي يُعْرَفُ فِيهِ الْفَاحِشَةُ خَاصَّةً وَإِنَّمَا هُوَ شِدَّةُ التَّأْنِيثِ فِي الْخِلْقَةِ حَتَّى يُشْبِهَ الْمَرْأَةَ فِي اللِّينِ وَالْكَلَامِ وَالنَّظَرِ وَالنَّغْمَةِ وَالْفِعْلِ وَالْعَقْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِيهِ عَاهَةُ الْفَاحِشَةِ أَمْ لَا. 1498 - 1451 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) هَكَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ: الصَّوَابُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ عُرْوَةُ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ بِنْتِهَا زَيْنَبَ عَنْهَا. كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ، وَرِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي، وَرِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي الِاسْتِئْذَانِ، وَلَهُ طُرُقٌ عَدِيدَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كُلُّهَا عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (أَنَّ مُخَنَّثًا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَكَسْرُهَا أَفْصَحُ آخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ، وَهُوَ مَنْ فِيهِ انْخِنَاثٌ، أَيْ تَكَسُّرٌ وَلِينٌ كَالنِّسَاءِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْيَوْمَ بِالْمُؤَنَّثِ، وَاسْمُهُ هِيتٌ كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَائِشَةَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ ثُمَّ فَوْقِيَّةٍ، وَقِيلَ بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَضَبَطَهُ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَمُوَحَّدَةٍ، وَزَعَمَ أَنَّ مَا سِوَاهُ تَصْحِيفٌ، قَالَ: وَالْهِنْبُ الْأَحْمَقُ، وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ اسْمَهُ مَاتِعٌ بِفَوْقِيَّةٍ، وَقِيلَ بِنُونٍ، وَفِي أَنَّ مَاتِعًا لَقَبُ هِيتٍ أَوْ عَكْسُهُ أَوْ هُمَا اثْنَانِ خِلَافٌ، وَقِيلَ اسْمُهُ أَنَّةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ النُّونِ، وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ اسْمَهُ هِيتٌ. (كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ) هِنْدِ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ (زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ هِيتًا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ (فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ) الْمَخْزُومِيِّ أُخَيْ أُمِّ سَلَمَةَ لِأَبِيهَا وَأُمُّهُ عَاتِكَةُ عَمَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاهِبٌ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ فَشَهِدَهُ وَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ فَاسْتُشْهِدَ بِهَا بِسَهْمٍ أَصَابَهُ، وَكَانَ هِيتٌ مَوْلًى فَقَالَ لَهُ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا) زَادَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: وَهُوَ مُحَاصِرٌ الطَّائِفَ يَوْمَئِذٍ (فَأَنَا أَدُلُّكَ عَلَى ابْنَةِ غَيْلَانَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، ابْنِ سَلَمَةَ بْنِ مُعْتِبِ بْنِ مَالِكٍ الثَّقَفِيِّ، أَسْلَمَ بَعْدَ فَتْحِ الطَّائِفِ عَلَى عَشْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 نِسْوَةٍ، فَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا، وَاسْمُهَا بَادِيَةُ، بِمُوَحَّدَةٍ فَأَلِفٍ فَمُهْمَلَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ، عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ بِالنُّونِ، وَصَوَّبَ أَبُو عُمَرَ التَّحْتِيَّةَ، أَسْلَمَتْ وَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَلَدَتْ لَهُ بُرَيْهَةَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ (فَإِنَّهَا تُقْبِلُ فِي أَرْبَعٍ) مِنَ الْعُكَنِ، بِضَمٍّ فَفَتْحٍ، جَمْعُ عُكْنَةٍ، وَهِيَ مَا انْطَوَى وَتَثَنَّى مِنْ لَحْمِ الْبَطْنِ سِمَنًا (وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ) مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ: مَعْنَاهُ أَنَّ فِي بَطْنِهَا أَرْبَعَ عُكَنٍ يَنْعَطِفُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ رُؤِيَتْ مَوَاضِعُهَا بَارِزَةً مُتَكَسِّرًا بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ كَأَنَّ أَطْرَافَهَا عِنْدَ مُنْقَطَعِ جَنْبَيْهَا ثَمَانِيَةٌ وَلَمْ يَقُلْ بِثَمَانِيَةٍ مَعَ أَنَّ وَاحِدَ الْأَطْرَافِ مُذَكَّرٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ثَمَانِيَةَ أَطْرَافٍ كَمَا يُقَالُ: هَذَا الثَّوْبُ سَبْعٌ فِي ثَمَانٍ، أَيْ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ فِي ثَمَانِيَةِ أَشْبَارٍ، فَلَمَّا لَمْ يَذْكُرِ الْأَشْبَارَ أَنَّثَ لِتَأْنِيثِ الْأَذْرُعِ الَّتِي قَبْلَهَا، أَوْ لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلًّا مِنَ الْأَطْرَافِ عُكْنَةً تَسْمِيَةً لِلْجُزْءِ بِاسْمِ الْكُلِّ، قِيلَ: وَهَذَا أَحْسَنُ. وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى: إِذَا أَقْبَلَتْ قُلْتَ تَمْشِي عَلَى سِتَّةٍ وَإِذَا أَدْبَرَتْ قُلْتَ عَلَى أَرْبَعٍ، فَكَأَنَّهُ يَعْنِي ثَدْيَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَطَرَفَيْ ذَلِكَ مِنْهَا مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً، وَإِنَّمَا نَقَصَ إِذَا أَدْبَرَتْ لِأَنَّ الثَّدْيَيْنِ يَحْتَجِبَانِ حِينَئِذٍ، وَزَادَ الْكَلْبِيُّ وَالْوَاقِدِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ بِثَمَانٍ مَعَ ثَغْرٍ كَالْأُقْحُوَانِ إِنْ جَلَسَتْ تَثَنَّتْ وَإِنْ تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ بَيْنَ رِجْلَيْهَا مِثْلُ الْإِنَاءِ الْمَكْفُوءِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ حَلَّقْتَ النَّظَرَ فِيهَا يَا عَدُوَّ اللَّهِ، ثُمَّ أَجْلَاهُ عَنِ الْمَدِينَةِ إِلَى الْحِمَى» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالُوا: قَوْلُهُ تَغَنَّتْ مِنَ الْغُنَّةِ لَا مِنَ الْغِنَاءِ، أَيْ تَتَغَنَّنُ فِي كَلَامِهَا مِنْ لِينِهَا وَرَخَامَةِ صَوْتِهَا، يُقَالُ: تَغَنَّنَ وَتَغَنَّى مِثْلُ تَظَنَّنَ وَتَظَنَّى ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ» ) الْمُخَنَّثُونَ (عَلَيْكُمْ) بِالْمِيمِ فِي جَمِيعِ النِّسْوَةِ لِلتَّعْظِيمِ، كَقَوْلِهِ: وَإِنْ شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُو ... وَإِنْ شِئْتِ لَمْ أُطْعَمْ نُقَاخًا وَلَا بَرْدَا. وَقَوْلِهِ: وَكَمْ ذَكَرْتُكِ لَوْ أُجْزَى بِذِكْرِكُمُو ... يَا أَشْبَهَ النَّاسِ كُلِّ النَّاسِ بِالْقَمَرِ. وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَيْكُنَّ، بِالنُّونِ. وَفِي شَرْحِ أَمَالِي الْقَالِي لِأَبِي عُبَيْدٍ الْبَكْرِيِّ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْمُخَنَّثِينَ يَدْخُلُونَ عَلَى النِّسَاءِ فَلَا يَحْجُبُهُمْ: هِيتٌ وَهَرَمٌ وَمَانِعٌ اهـ. فَكَأَنَّ الْإِشَارَةَ بِهَؤُلَاءِ إِلَيْهِمْ. وَذَكَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ حَبِيبٍ، كَاتِبُ مَالِكٍ، قُلْتُ لِمَالِكٍ: إِنَّ سُفْيَانَ زَادَ فِي حَدِيثِ ابْنَةِ غَيْلَانَ: أَنَّ مُخَنَّثًا يُقَالُ لَهُ هِيتٌ، فَقَالَ مَالِكٌ: صَدَقَ وَغَرَّبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحِمَى، وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ذَاتُ الشِّمَالِ مِنْ مَسْجِدِهَا، قَالَ حَبِيبٌ: وَقُلْتُ لِمَالِكٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ فِي الْحَدِيثِ: إِذَا قَعَدَتْ تَثَنَّتْ وَإِذَا تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ. فَقَالَ: صَدَقَ كَذَلِكَ هُوَ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَا سُفْيَانَ، وَلَمْ يَقُلْ فِي نَسَقِ الْحَدِيثِ إِنَّ مُخَنَّثًا يُدْعَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 هَيْتًا، إِنَّمَا قَالَهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بَعْدَ تَمَامِ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا إِذَا قَعَدَتْ. . . إِلَخْ، فَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فِي حَدِيثِ هِشَامٍ وَلَا يُحْفَظُ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ وَابْنِ الْكَلْبِيِّ، فَعَجَبٌ مِنْ حَبِيبٍ يَحْكِيهِ عَنْ سُفْيَانَ وَأَنَّ مَالِكًا صَدَّقَهُ فَصَارَ رِوَايَةً عَنْهُمَا وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ عَنْهُمَا غَيْرَ حَبِيبٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ بِاتِّفَاقٍ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ «عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً وَهُوَ بِمَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَيْتَ عِنْدِي مَنْ رَآهَا وَمَنْ يُخْبِرُنِي عَنْهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مُخَنَّثٌ يُدْعَى هِيتًا: أَنَا أَنْعَتُهَا لَكَ إِذَا أَقْبَلَتْ قُلْتَ تَمْشِي عَلَى سِتَّةٍ وَإِذَا أَدْبَرَتْ قُلْتَ تَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَرَى هَذَا إِلَّا مُنْكَرًا، وَمَا أُرَاهُ إِلَّا يَعْرِفُ أَمْرَ النِّسَاءِ، وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى سَوْدَةَ فَنَهَاهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَفَاهُ» ، فَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى أُمِّرَ عُمَرُ فَجُهِدَ فَكَانَ يُرَخِّصُ لَهُ، يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: يَعْنِي يَسْأَلُ النَّاسَ، وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي خَطَبَهَا سَعْدٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا ابْنَةُ غَيْلَانَ وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا ابْنُ عَوْفٍ كَمَا مَرَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا غَيْرُهَا وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِلَافِ السِّيَاقِ. وَأَخْرَجَ الْمُسْتَغْفِرِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَى هِيتًا فِي كَلِمَتَيْنِ تَكَلَّمَ بِهِمَا، قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: إِذَا فَتَحْتُمُ الطَّائِفَ غَدًا فَعَلَيْكُمْ بِابْنَةِ غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا تُدْخِلُوهُمْ بُيُوتَكُمْ» ". وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ. " «إِذَا فَتَحْتَ الطَّائِفَ فَلَا تُفْلِتَنَّ مِنْكَ بَادِيَةُ بِنْتُ غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ هَذَا مِنْهُ: أَلَا أُرَى هَذَا الْخَبِيثَ يَفْطِنُ لِمَا أَسْمَعُ، ثُمَّ قَالَ لِنِسَائِهِ: لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ، فَحُجِبَ عَنْ بَيْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ". وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّهُ حَضَّ كُلًّا مِنْ سَيِّدِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَخَالِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الصِّدِّيقِ عَلَيْهَا وَوَصَفَهَا لَهُمْ بِتِلْكَ الْمَحَاسِنِ فَسَمِعَهُ الْمُصْطَفَى لَمَّا أَخْبَرَ سَيِّدَهُ وَابْنَ الصِّدِّيقِ، وَبَلَغَهُ لَمَّا أَخْبَرَ خَالِدًا، قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: وَلَمْ يَزَلْ هِيتٌ بِالْمَكَانِ الَّذِي نُفِيَ إِلَيْهِ حَتَّى وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ فَكُلِّمَ فِيهِ فَأَبَى رَدَّهُ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ كُلِّمَ فِيهِ فَأَبَى ثُمَّ كُلِّمَ فِيهِ بَعْدُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَبِرَ وَضَعُفَ وَاحْتَاجَ فَأَذِنَ لَهُ يَدْخُلُ كُلَّ جُمُعَةٍ يَسْأَلُ وَيَرْجِعُ إِلَى مَكَانِهِ، وَنَحْوُ هَذَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ. وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا مَعْشَرٍ قَالَ: أَمَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغُرِّبَ إِلَى عَيْرِ جَبَلٍ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَشَفَعَ لَهُ نَاسٌ عَنِ الصَّحَابَةِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ يَمُوتُ جُوعًا فَأُذِنَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ كُلَّ جُمُعَةٍ يَسْتَطْعِمُ ثُمَّ يَلْحَقُ بِمَكَانِهِ، فَلَمْ يَزَلْ هُنَاكَ حَتَّى مَاتَ. وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَصْلَ الْإِذْنِ فِي دُخُولِهِ كُلَّ جُمُعَةٍ وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَفَاعَةِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَ كُلِّمَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ فِي رَدِّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ رَأْسًا نَظَرًا لِمَنْ تَكَلَّمَ إِلَى أَنَّ تَعْزِيرَهُ بِالنَّفْيِ قَدِ اسْتَوْفَى الْمُدَّةَ فَامْتَنَعَ الْعُمَرَانُ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا نَقْضَ فِعْلِ الْمُصْطَفَى، وَلَعَلَّ عُمَرَ زَادَ فِي مَنْعِهِ حَتَّى عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِقَطْعِ طَمَعِ مَنْ أَرَادَ إِدْخَالَهُ رَأْسًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 إِلَى أَنْ وَصَفَ لَهُ حَالَهُ فَأَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ يَوْمَهَا، فَنُسِبَ إِلَيْهِ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ كَانَتْ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَوَلَدَتْ لَهُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ ثُمَّ إِنَّهُ فَارَقَهَا فَجَاءَ عُمَرُ قُبَاءً فَوَجَدَ ابْنَهُ عَاصِمًا يَلْعَبُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَأَخَذَ بِعَضُدِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الدَّابَّةِ فَأَدْرَكَتْهُ جَدَّةُ الْغُلَامِ فَنَازَعَتْهُ إِيَّاهُ حَتَّى أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فَقَالَ عُمَرُ ابْنِي وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ ابْنِي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ قَالَ فَمَا رَاجَعَهُ عُمَرُ الْكَلَامَ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي آخُذُ بِهِ فِي ذَلِكَ   1498 - 1452 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ (يَقُولُ: كَانَتْ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) هِيَ جَمِيلَةُ، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، بِنْتُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ بِالْقَافِ وَاللَّامِ وَالْمُهْمَلَةِ، الْأَنْصَارِيَّةُ أُخْتُ عَاصِمٍ، كَانَ اسْمُهَا عَاصِيَةَ فَسَمَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيلَةَ، تَزَوَّجَهَا عُمَرُ سَنَةَ سَبْعٍ (فَوَلَدَتْ لَهُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) وُلِدَ فِي الْحَيَاةِ النَّبَوِيَّةِ، وَمَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ سَنَتَانِ، قَالَهُ كُلَّهُ فِي الِاسْتِيعَابِ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ: وُلِدَ فِي السَّادِسَةِ فَعَلَيْهِ يَكُونُ عُمَرُ تَزَوَّجَ أُمَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ عُمَرَ زَوَّجَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ شَهْرًا ثُمَّ قَالَ: حَسْبُكَ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا إِلَّا وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِبَعْضِ مَا لَا يُرِيدُ إِلَّا عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ، وَقَالَ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ: (أَنَا وَأَخِي عَاصِمٌ لَا نَغْتَابُ النَّاسَ، وَكَانَ طَوِيلًا جَسِيمًا حَتَّى أَنَّ ذِرَاعَهُ يَزِيدُ عَلَى نَحْوِ شِبْرَيْنِ، وَهُوَ جَدُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِأُمِّهِ ثُمَّ إِنَّهُ فَارَقَهَا) فَتَزَوَّجَهَا يَزِيدُ بْنُ جَارِيَةَ، بِالْجِيمِ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ (فَجَاءَ عُمَرُ قُبَاءً) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْمَدِّ، مُذَكَّرٌ (فَوَجَدَ ابْنَهُ عَاصِمًا يَلْعَبُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ) أَيْ مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ كَمَا عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ: ابْنُ سِتِّ سِنِينَ (فَأَخَذَ بِعَضُدِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الدَّابَّةِ فَأَدْرَكَتْهُ جَدَّةُ الْغُلَامِ) لِأُمِّهِ الشَّمُوسُ، بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ، بِنْتُ أَبِي عَامِرِ بْنِ صَيْفِيٍّ الْأَنْصَارِيَّةُ، مَنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مِنْ أَوَّلِ مَنْ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ هِيَ وَبِنْتُهَا (فَنَازَعَتْهُ إِيَّاهُ) طَلَبَتْ أَخْذَهُ مِنْهُ فَامْتَنَعَ (حَتَّى أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ) وَهُوَ خَلِيفَةٌ (فَقَالَ عُمَرُ: ابْنِي) فَأَنَا أَحَقُّ بِهِ (وَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: ابْنِي) فَأَنَا أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّ النِّسَاءَ أَعْلَمُ بِمَصَالِحِ الصِّبْيَانِ مِنَ الرِّجَالِ. (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَمَا رَاجَعَهُ عُمَرُ الْكَلَامَ) وَخَلَّى بَيْنَهُمَا انْقِيَادًا لِلْحَقِّ، وَمَاتَ عَاصِمٌ بِالرَّبَذَةِ سَنَةَ سَبْعِينَ عِنْدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 الْوَاقِدِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقَبْلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ. (مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي آخُذُ بِهِ فِي ذَلِكَ) وَهُوَ أَنَّ الْجَدَّةَ لِلْأُمِّ مُقَدَّمَةٌ فِي الْحَضَانَةِ عَلَى الْأَبِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 [باب الْعَيْبِ فِي السِّلْعَةِ وَضَمَانِهَا] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ السِّلْعَةَ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ الثِّيَابِ أَوْ الْعُرُوضِ فَيُوجَدُ ذَلِكَ الْبَيْعُ غَيْرَ جَائِزٍ فَيُرَدُّ وَيُؤْمَرُ الَّذِي قَبَضَ السِّلْعَةَ أَنْ يَرُدَّ إِلَى صَاحِبِهِ سِلْعَتَهُ قَالَ مَالِكٌ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إِلَّا قِيمَتُهَا يَوْمَ قُبِضَتْ مِنْهُ وَلَيْسَ يَوْمَ يَرُدُّ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَمِنَهَا مِنْ يَوْمَ قَبَضَهَا فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ نُقْصَانٍ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ فَبِذَلِكَ كَانَ نِمَاؤُهَا وَزِيَادَتُهَا لَهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْبِضُ السِّلْعَةَ فِي زَمَانٍ هِيَ فِيهِ نَافِقَةٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا فِي زَمَانٍ هِيَ فِيهِ سَاقِطَةٌ لَا يُرِيدُهَا أَحَدٌ فَيَقْبِضُ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ فَيَبِيعُهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيُمْسِكُهَا وَثَمَنُهَا ذَلِكَ ثُمَّ يَرُدُّهَا وَإِنَّمَا ثَمَنُهَا دِينَارٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ يَقْبِضُهَا مِنْهُ الرَّجُلُ فَيَبِيعُهَا بِدِينَارٍ أَوْ يُمْسِكُهَا وَإِنَّمَا ثَمَنُهَا دِينَارٌ ثُمَّ يَرُدُّهَا وَقِيمَتُهَا يَوْمَ يَرُدُّهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي قَبَضَهَا أَنْ يَغْرَمَ لِصَاحِبِهَا مِنْ مَالِهِ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ إِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا قَبَضَ يَوْمَ قَبْضِهِ قَالَ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ السَّارِقَ إِذَا سَرَقَ السِّلْعَةَ فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى ثَمَنِهَا يَوْمَ يَسْرِقُهَا فَإِنْ كَانَ يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَأْخَرَ قَطْعُهُ إِمَّا فِي سِجْنٍ يُحْبَسُ فِيهِ حَتَّى يُنْظَرَ فِي شَأْنِهِ وَإِمَّا أَنْ يَهْرُبَ السَّارِقُ ثُمَّ يُؤْخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ اسْتِئْخَارُ قَطْعِهِ بِالَّذِي يَضَعُ عَنْهُ حَدًّا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ سَرَقَ وَإِنْ رَخُصَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا بِالَّذِي يُوجِبُ عَلَيْهِ قَطْعًا لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ أَخَذَهَا إِنْ غَلَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ   7 - بَابُ الْعَيْبِ فِي السِّلْعَةِ وَضَمَانِهَا - (مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ السِّلْعَةَ مِنَ الْحَيَوَانِ أَوِ الثِّيَابِ أَوِ الْعُرُوضِ فَيُوجَدُ ذَلِكَ الْبَيْعُ غَيْرَ جَائِزٍ فَيُرَدُّ وَيُؤْمَرُ الَّذِي قَبَضَ السِّلْعَةَ أَنْ يَرُدَّ إِلَى صَاحِبِهِ سِلْعَتَهُ، قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ دَخَلَهَا زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ) لِتَغَيُّرِ سُوقِهَا وَنَحْوِهِ (فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إِلَّا قِيمَتُهَا يَوْمَ قُبِضَتْ مِنْهُ وَلَيْسَ يَوْمَ يَرُدُّ ذَلِكَ إِلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يُخَالِفُ يَوْمَ الْقَبْضِ (وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَمِنَهَا مِنْ يَوْمَ قَبَضَهَا) لِأَنَّ ضَمَانَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ (فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ نُقْصَانٍ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ فَبِذَلِكَ) أَيْ بِسَبَبِهِ (كَانَ نَمَاؤُهَا وَزِيَادَتُهَا) عُطْلُ تَفْسِيرٍ (لَهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْبِضُ السِّلْعَةَ فِي زَمَانٍ هِيَ فِيهِ نَافِقَةٌ) بِالْقَافِ، رَابِحَةٌ (مَرْغُوبٌ فِيهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا فِي زَمَانٍ هِيَ فِيهِ سَاقِطَةٌ) بَائِرَةٌ كَاسِدَةٌ (لَا يُرِيدُهَا أَحَدٌ، فَيَقْبِضُ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ مِنَ الرَّجُلِ فَيَبِيعُهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيُمْسِكُهَا وَثَمَنُهَا ذَلِكَ) أَيِ الْعَشَرَةُ (ثُمَّ يَرُدُّهَا وَإِنَّمَا ثَمَنُهَا دِينَارٌ) لِكَسَادِهَا (فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ يَقْبِضُهَا مِنْهُ الرَّجُلُ فَيَبِيعُهَا بِدِينَارٍ، أَوْ يُمْسِكُهَا وَإِنَّمَا ثَمَنُهَا دِينَارٌ ثُمَّ يَرُدُّهَا، وَقِيمَتُهَا يَوْمَ يَرُدُّهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي قَبَضَهَا أَنْ يَغْرَمَ لِصَاحِبِهَا مِنْ مَالِهِ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ، إِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا قَبَضَ يَوْمَ قَبْضِهِ) وَذَلِكَ هُوَ الْعَدْلُ. (وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ السَّارِقَ إِذَا سَرَقَ السِّلْعَةَ فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى ثَمَنِهَا يَوْمَ يَسْرِقُهَا، فَإِنْ كَانَ يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ) بِأَنْ بَلَغَ النِّصَابَ (كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنِ اسْتَأْخَرَ قَطْعُهُ إِمَّا فِي) أَيْ بِسَبَبِ (سِجْنٍ يُحْبَسُ فِيهِ حَتَّى يُنْظَرَ فِي شَأْنِهِ) أَيَلْزَمُهُ الْقَطْعُ أَمْ لَا؟ (وَإِمَّا أَنْ يَهْرُبَ) بِضَمِّ الرَّاءِ (السَّارِقُ ثُمَّ يُؤْخَذُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ اسْتِئْخَارُ) أَيْ تَأْخِيرُ (قَطْعِهِ) لِوَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ (بِالَّذِي يَضَعُ) يُسْقِطُ (عَنْهُ حَدًّا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ سَرَقَ، وَإِنْ رَخُصَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ) مُبَالَغَةً (وَلَا بِالَّذِي يُوجِبُ عَلَيْهِ قَطْعًا لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ أَخْذِهَا) لِنَقْصِ ثَمَنِهَا عَنِ النِّصَابِ (إِنْ غَلَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ) فَالْعِبْرَةُ بِيَوْمِ السَّرِقَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 [باب جَامِعِ الْقَضَاءِ وَكَرَاهِيَتِهِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَنْ هَلُمَّ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ إِنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْإِنْسَانَ عَمَلُهُ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ جُعِلْتَ طَبِيبًا تُدَاوِي فَإِنْ كُنْتَ تُبْرِئُ فَنَعِمَّا لَكَ وَإِنْ كُنْتَ مُتَطَبِّبًا فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ إِنْسَانًا فَتَدْخُلَ النَّارَ فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ أَدْبَرَا عَنْهُ نَظَرَ إِلَيْهِمَا وَقَالَ ارْجِعَا إِلَيَّ أَعِيدَا عَلَيَّ قِصَّتَكُمَا مُتَطَبِّبٌ وَاللَّهِ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ مَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فِي شَيْءٍ لَهُ بَالٌ وَلِمِثْلِهِ إِجَارَةٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ الْعَبْدَ إِنْ أُصِيبَ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ وَإِنْ سَلِمَ الْعَبْدُ فَطَلَبَ سَيِّدُهُ إِجَارَتَهُ لِمَا عَمِلَ فَذَلِكَ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَعْضُهُ حُرًّا وَبَعْضُهُ مُسْتَرَقًّا إِنَّهُ يُوقَفُ مَالُهُ بِيَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يَأْكُلُ فِيهِ وَيَكْتَسِي بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا هَلَكَ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَقِيَ لَهُ فِيهِ الرِّقُّ قَالَ وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْوَالِدَ يُحَاسِبُ وَلَدَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ يَكُونُ لِلْوَلَدِ مَالٌ نَاضًّا كَانَ أَوْ عَرْضًا إِنْ أَرَادَ الْوَالِدُ ذَلِكَ   8 - بَابُ جَامِعِ الْقَضَاءِ وَكَرَاهَتِهِ 1500 - 1453 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ) عُوَيْمِرًا، بِالتَّصْغِيرِ، وَقِيلَ عَامِرٌ، الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ، أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَكِنْ أَخْرَجَهُ الدِّينَوَرِيُّ فِي الْمُجَالَسَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ: (كَتَبَ) أَبُو الدَّرْدَاءِ (إِلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّامَهُرْمُزِيِّ، وَقِيلَ الْأَصْبِهَانِيُّ، وَيُقَالُ لَهُ سَلْمَانُ الْخَيْرِ، أَوَّلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 مَشَاهِدِهِ الْخَنْدَقُ (أَنْ هَلُمَّ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ) زَادَ الدِّينَوَرِيُّ: وَأَرْضِ الْجِهَادِ (فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ: إِنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا) لَا تُطَهِّرُهُ مِنْ ذُنُوبِهِ وَلَا تَرْفَعُهُ إِلَى أَعْلَى الدَّرَجَاتِ (وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْإِنْسَانَ عَمَلُهُ) الصَّالِحُ فِي أَيِّ مَكَانٍ (وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ جُعِلْتَ طَبِيبًا) أَيْ قَاضِيًا، وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ جُعِلَ قَاضِيًا بِالشَّامِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِهَا، كَأَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُبْرِئُ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَمَا يُبْرِئُ الْمُدَاوِي مِنَ الْحِسِّيَّةِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ: (تُدَاوِي، فَإِنْ كُنْتَ تُبْرِئُ فَنِعِمَّا لَكَ) بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَالْعَيْنُ مَكْسُورَةٌ، وَبِهِمَا قُرِئَ، أَيْ نِعْمَ شَيْئًا الْإِبْرَاءُ (وَإِنْ كُنْتَ مُتَطَبِّبًا) بِمُوَحَّدَتَيْنِ، مُتَعَاطِيًا لِعِلْمِ الطِّبِّ بِدُونِ إِبْرَاءٍ (فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ إِنْسَانًا فَتَدْخُلَ النَّارَ) أَيْ تَسْتَحِقُّ دُخُولَهَا إِنْ لَمْ يَعْفُ عَنْكَ (فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ أَدْبَرَا) وَلَّيَا (عَنْهُ نَظَرَ إِلَيْهِمَا وَقَالَ: ارْجِعَا إِلَيَّ أَعِيدَا عَلَيَّ قِصَّتَكُمَا) لِكَيْ أَتَثَبَّتَ فِي الْأَمْرِ (مُتَطَبِّبٌ وَاللَّهِ) مُتَعَاطٍ لِلطِّبِّ بِلَا إِبْرَاءٍ. (مَالِكٌ: مَنِ اسْتَعَانَ عَبْدًا بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فِي شَيْءٍ لَهُ بَالٌ، وَلِمِثْلِهِ إِجَارَةٌ فَهُوَ) أَيِ الْمُسْتَعِينُ (ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ الْعَبْدَ إِنْ أُصِيبَ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ سَلِمَ الْعَبْدُ فَطَلَبَ سَيِّدُهُ إِجَارَتَهُ لِمَا عَمِلَ فَذَلِكَ لِسَيِّدِهِ، وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِدَارِ الْهِجْرَةِ. (مَالِكٌ: فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَعْضُهُ حُرًّا وَبَعْضُهُ مُسْتَرَقًّا) أَيْ رَقِيقًا (أَنَّهُ يُوقَفُ مَالُهُ بِيَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يَأْكُلُ فِيهِ) وَلِابْنِ وَضَّاحٍ مِنْهُ (وَيَكْتَسِي بِالْمَعْرُوفِ) بِلَا سَرَفٍ (فَإِذَا هَلَكَ) مَاتَ (فَمَالُهُ لِلَّذِي بَقِيَ لَهُ فِيهِ الرِّقُّ) وَلَوْ قَلَّ جُزْءُ رِقِّهِ (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْوَالِدَ يُحَاسِبُ وَلَدَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 مِنْ يَوْمِ يَكُونُ لِلْوَلَدِ مَالٌ) إِذْ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى وَلَدِهِ الْغَنِيِّ بِمَالٍ (نَاضًّا) أَيْ نَقْدًا (كَانَ) الْمَالُ (أَوْ عَرْضًا إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ) لَا إِنْ لَمْ يُرِدْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دَلَافٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَ يَسْبِقُ الْحَاجَّ فَيَشْتَرِي الرَّوَاحِلَ فَيُغْلِي بِهَا ثُمَّ يُسْرِعُ السَّيْرَ فَيَسْبِقُ الْحَاجَّ فَأَفْلَسَ فَرُفِعَ أَمْرُهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ الْأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ بِأَنْ يُقَالَ سَبَقَ الْحَاجَّ أَلَا وَإِنَّهُ قَدْ دَانَ مُعْرِضًا فَأَصْبَحَ قَدْ رِينَ بِهِ فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا بِالْغَدَاةِ نَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَهُمْ وَإِيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ وَآخِرَهُ حَرْبٌ   1501 - 1454 - (مَالِكٌ، عَنْ عُمَرَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَطِيَّةَ (بْنِ دَلَافٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ، مَضْبُوطٌ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ، وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّهَا وَآخِرُهُ فَاءٌ (الْمُزَنِيِّ) نِسْبَةً إِلَى مُزَيْنَةَ الْمَدَنِيِّ، وَقَدْ يَسْقُطُ عَطِيَّةُ مِنْ نَسَبِهِ كَمَا هُنَا، رَوَى عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ فِي خُرُوجِ الدَّابَّةِ. وَعَنْهُ مَالِكٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَقُرَيْشُ بْنُ حَيَّانَ وَغَيْرُهُمْ. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ جَرْحًا، وَكَفَى بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُ تَوْثِيقًا (عَنْ أَبِيهِ) هَكَذَا لِبَعْضِ الرُّوَاةِ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ، قَالَهُ ابْنُ الْحَذَّاءِ، وَقَدْ وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ دَلَافٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عُمَرَ (أَنَّ رَجُلًا) هُوَ الْأُسَيْفِعُ (مِنْ جُهَيْنَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ، قَبِيلَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ (كَانَ يَسْبِقُ الْحَاجَّ فَيَشْتَرِي الرَّوَاحِلَ) جَمْعُ رَاحِلَةٍ، النَّاقَةُ الصَّالِحَةُ لِلرَّحْلِ (يُغْلِي) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ، يَزِيدُ (بِهَا ثُمَّ يُسْرِعُ السَّيْرَ فَيَسْبِقُ الْحَاجَّ، فَأَفْلَسَ) افْتَقَرَ وَقَلَّ مَالُهُ (فَرُفِعَ أَمْرُهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ) وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: فَدَارَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَتَّى أَفْلَسَ، فَقَامَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: لَا يَغُرَّنَّكُمْ صِيَامُ رَجُلٍ وَلَا صَلَاتُهُ، وَلَكِنِ انْظُرُوا إِلَى صِدْقِهِ إِذَا حَدَّثَ وَإِلَى أَمَانَتِهِ إِذَا اؤْتُمِنَ، وَإِلَى وَرَعِهِ إِذَا اسْتَغْنَى ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ الْأُسَيْفِعَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ، مُصَغَّرٌ، الْجُهَنِيَّ، أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهُ (أُسَيْفِعُ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ بِأَنْ يُقَالَ سَبَقَ الْحَاجَّ) وَذَلِكَ لَيْسَ بِدِينٍ وَلَا أَمَانَةٍ، وَالْمَعْنَى بِذَلِكَ ذَمُّهُ تَحْذِيرًا لِغَيْرِهِ وَزَجْرًا لَهُ. (أَلَا) بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ (وَإِنَّهُ قَدْ دَانَ) اشْتَرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (مُعْرِضًا) عَنْ قَضَائِهِ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: أَيِ اشْتَرَى بِدَيْنٍ وَلَمْ يَهْتَمَّ بِقَضَائِهِ (فَأَصْبَحَ قَدْ رِينَ بِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَنُونٍ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: يَعْنِي أَحَاطَ بِمَالِهِ الدَّيْنُ (فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا بِالْغَدَاةِ نَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَهُمْ) أَيْ بَيْنِ غُرَمَائِهِ (وَإِيَّاكُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 وَالدَّيْنَ) أَيِ احْذَرُوهُ (فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ) أَيْ حُزْنٌ (وَآخِرَهُ حَرَبٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا، أَخْذُ مَالِ الْإِنْسَانِ وَتَرْكُهُ لَا شَيْءَ لَهُ. فَائِدَةٌ: أَخْرَجَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ تَالِي التَّلْخِيصِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ جَبَلِ جِيَادٍ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالنَّاسُ بِمِنًى قَالَ: فَلِذَلِكَ جَاءَ سَابِقُ الْحَاجِّ يُخْبِرُ بِسَلَامَةِ النَّاسِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: هَذَا أَصْلٌ لِقُدُومِ الْمُبَشِّرِ عَنِ الْحَاجِّ، وَفِيهِ بَيَانُ سَبَبِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَّا أَنَّ الْمُبَشِّرَ الْآنَ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الْعِيدِ، وَحَقُّهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ إِلَّا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لَكِنْ خَرَّجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ، أَرَاهُ رَفَعَهُ قَالَ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً، فَبَيْنَمَا هُمْ قُعُودٌ تَرْبُو الْأَرْضُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ تَصَدَّعَتْ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: تَخْرُجُ حِينَ يَسِيرُ الْإِمَامُ مِنْ جَمْعٍ، وَإِنَّمَا جُعِلَ سَابِقَ الْحَاجِّ لِيُخْبِرَ النَّاسَ أَنَّ الدَّابَّةَ لَمْ تَخْرُجْ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ خُرُوجَ الْمُبَشِّرِ يَوْمَ الْعِيدِ وَاقِعٌ مَوْقِعَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 [باب مَا جَاءَ فِيمَا أَفْسَدَ الْعَبِيدُ أَوْ جَرَحُوا] قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ السُّنَّةُ عِنْدَنَا فِي جِنَايَةِ الْعَبِيدِ أَنَّ كُلَّ مَا أَصَابَ الْعَبْدُ مِنْ جُرْحٍ جَرَحَ بِهِ إِنْسَانًا أَوْ شَيْءٍ اخْتَلَسَهُ أَوْ حَرِيسَةٍ احْتَرَسَهَا أَوْ ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ جَذَّهُ أَوْ أَفْسَدَهُ أَوْ سَرِقَةٍ سَرَقَهَا لَا قَطْعَ عَلَيْهِ فِيهَا إِنَّ ذَلِكَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ لَا يَعْدُو ذَلِكَ الرَّقَبَةَ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ أَنْ يُعْطِيَ قِيمَةَ مَا أَخَذَ غُلَامُهُ أَوْ أَفْسَدَ أَوْ عَقْلَ مَا جَرَحَ أَعْطَاهُ وَأَمْسَكَ غُلَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُسْلِمَهُ أَسْلَمَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَسَيِّدُهُ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ   9 - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا أَفْسَدَ الْعَبِيدُ أَوْ جَرَحُوا - (مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا فِي جِنَايَةِ الْعَبِيدِ أَنَّ كُلَّ مَا أَصَابَ الْعَبْدَ مِنْ جُرْحٍ) بِالضَّمِّ مَصْدَرٌ (جَرَحَ) بِالْفَتْحِ، فَعَلَ (بِهِ إِنْسَانًا أَوْ شَيْءٍ اخْتَلَسَهُ) أَخَذَهُ بِخُفْيَةٍ (أَوْ حَرِيسَةٍ) فَعِيلَةٍ بِمَعْنَى مُفَعْوِلَةٍ، أَيْ مَحْرُوسَةٍ (احْتَرَسَهَا) سَرَقَهَا، وَحَرِيسَةُ الْجَبَلِ الشَّاةُ يُدْرِكُهَا اللَّيْلُ قَبْلَ رُجُوعِهَا إِلَى مَأْوَاهَا فَتُسْرَقُ مِنَ الْجَبَلِ فَلَا قَطْعَ فِيهَا لِأَنَّ الْجَبَلَ لَيْسَ بِحِرْزٍ (أَوْ ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ جَذَّهُ) قَطَعَهُ (أَوْ أَفْسَدَهُ) وَإِنْ لَمْ يَجُذَّهُ (أَوْ سَرِقَةٍ سَرَقَهَا لَا قَطْعَ عَلَيْهِ فِيهَا) لِفَقْدِ شَرْطِهِ (إِنَّ ذَلِكَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ لَا تَعْدُو ذَلِكَ الرَّقَبَةَ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ) عَنْ قِيمَةِ رَقَبَتهِ. (فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ أَنْ يُعْطِيَ قِيمَةَ مَا أَخَذَ غُلَامُهُ أَوْ أَفْسَدَ أَوْ عَقَلَ) أَيْ دِيَةَ (مَا جَرَحَ أَعْطَاهُ وَأَمْسَكَ غُلَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُسَلِّمَهُ أَسْلَمَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ، فَسَيِّدُهُ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ) بَيْنَ فِدَائِهِ وَإِسْلَامِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 [باب مَا يَجُوزُ مِنْ النُّحْلِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ مَنْ نَحَلَ وَلَدًا لَهُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَحُوزَ نُحْلَهُ فَأَعْلَنَ ذَلِكَ لَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَهِيَ جَائِزَةٌ وَإِنْ وَلِيَهَا أَبُوهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ نَحَلَ ابْنًا لَهُ صَغِيرًا ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا ثُمَّ هَلَكَ وَهُوَ يَلِيهِ إِنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْابْنِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ عَزَلَهَا بِعَيْنِهَا أَوْ دَفَعَهَا إِلَى رَجُلٍ وَضَعَهَا لِابْنِهِ عِنْدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لِلْابْنِ   10 - بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ النَّحْلِ 1503 - 1455 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ: مَنْ نَحَلَ) أَعْطَى (وَلَدًا لَهُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَحُوزَ نِحْلَهُ) بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا (فَأَعْلَنَ ذَلِكَ لَهُ) أَظْهَرَهُ (وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا) أَيِ النَّحْلَةِ (فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَإِنْ وَلِيَهَا أَبُوهُ) لَهُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ نَقْدًا لَكِنْ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ نَحَلَ ابْنًا لَهُ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا) فِضَّةً (ثُمَّ هَلَكَ) مَاتَ الِابْنُ (وَهُوَ يَلِيهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلِابْنِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ) الْأَبُ (عَزَلَهَا بِعَيْنِهَا أَوْ دَفَعَهَا إِلَى رَجُلٍ وَضَعَهَا لِابْنِهِ عِنْدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لِلِابْنِ) لِتَمَامِ مِلْكِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 [كِتَاب الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ] [باب مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 38 - كِتَابُ الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ بَاب مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يُعْتِقُ سَيِّدُهُ مِنْهُ شِقْصًا ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ سَهْمًا مِنْ الْأَسْهُمِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ إِلَّا مَا أَعْتَقَ سَيِّدُهُ وَسَمَّى مِنْ ذَلِكَ الشِّقْصِ وَذَلِكَ أَنَّ عَتَاقَةَ ذَلِكَ الشِّقْصِ إِنَّمَا وَجَبَتْ وَكَانَتْ بَعْدَ وَفَاةِ الْمَيِّتِ وَأَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ مَا عَاشَ فَلَمَّا وَقَعَ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ الْمُوصِي لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي إِلَّا مَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَعْتِقْ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ لِأَنَّ مَالَهُ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ فَكَيْفَ يَعْتِقُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ لَيْسُوا هُمْ ابْتَدَءُوا الْعَتَاقَةَ وَلَا أَثْبَتُوهَا وَلَا لَهُمْ الْوَلَاءُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ وَإِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْمَيِّتُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ وَأُثْبِتَ لَهُ الْوَلَاءُ فَلَا يُحْمَلُ ذَلِكَ فِي مَالِ غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يَعْتِقَ مَا بَقِيَ مِنْهُ فِي مَالِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِشُرَكَائِهِ وَوَرَثَتِهِ وَلَيْسَ لِشُرَكَائِهِ أَنْ يَأْبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ ثُلُثَ عَبْدِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَتَّ عِتْقَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ فِي ثُلُثِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ الَّذِي يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَوْ عَاشَ رَجَعَ فِيهِ وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ وَأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَبِتُّ سَيِّدُهُ عِتْقَ ثُلُثِهِ فِي مَرَضِهِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كُلُّهُ إِنْ عَاشَ وَإِنْ مَاتَ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ وَذَلِكَ أَنَّ أَمْرَ الْمَيِّتِ جَائِزٌ فِي ثُلُثِهِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ الصَّحِيحِ جَائِزٌ فِي مَالِهِ كُلِّهِ   الْعِتْقُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ إِزَالَةُ الْمِلْكِ، يُقَالُ: عَتَقَ يَعْتِقُ عِتْقًا بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَتُفْتَحُ وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ عَتَقَ الْفَرَسُ إِذَا سَبَقَ، وَعَتَقَ الْفَرْخُ إِذَا طَارَ ; لِأَنَّ الرَّقِيقَ يَتَخَلَّصُ بِالْعِتْقِ وَيَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ. 1 - بَابُ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ لَفْظَ عَبْدٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الْمُرَادُ بِهِ الْمَمْلُوكُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَهُوَ تَنْبِيهٌ لَطِيفٌ تَرْجَمَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِلَفْظِ مَمْلُوكٍ، وَقَدْ أَسْلَفْتُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ تَارَةً يُقَدِّمُ التَّرْجَمَةَ بِكِتَابٍ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا كَالْعُنْوَانِ فَيَجْعَلُ الْبَسْمَلَةَ مَبْدَأَ الْمَقْصُودِ، وَتَارَةً يُقَدِّمُ الْبَسْمَلَةَ عَلَى كِتَابٍ تَفَنُّنًا. 1504 - 1456 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ) يُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْ شَرْطِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهِيَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، فَتَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ، وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ لَا صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَعَبْدٌ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ، فَإِنْ أَذِنَ أَوْ أَمْضَاهُ لَزِمَهُ وَقُوِّمَ عَلَيْهِ، وَلَا كَافِرٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ قُرْبَةٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِالْفُرُوعِ عَلَى الصَّحِيحِ، كَذَا قَالَهُ الْأُبِّيُّ (شِرْكًا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ " شِقْصًا " بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَقَافٍ سَاكِنَةٍ وَمُهْمَلَةٍ، وَفِي أُخْرَى عَنْ أَيُّوبَ أَيْضًا وَكِلَاهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ " نَصِيبَا " وَالْكُلُّ بِمَعْنًى، وَالشِّرْكُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ أُطْلِقَ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ، وَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ " جُزْءًا مُشْتَرَكًا " وَمَا أَشْبَهَهُ لِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْجُمْلَةُ (لَهُ فِي عَبْدٍ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْعَبْدُ لُغَةً الْمَمْلُوكُ الذَّكَرُ وَمُؤَنَّثُهُ أَمَةٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، وَسُمِعَ: عَبْدَةٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْجِنْسُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] (سورة مَرْيَمَ: الْآيَةُ 93) فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى قَطْعًا أَوْ إِلْحَاقًا لِلْأُنْثَى بِهِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَغَلِطَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ فَقَالَ: لَا تَقْوِيمَ فِي عِتْقِ الْإِنَاثِ وُقُوفًا مَعَ لَفْظِ عَبْدٍ، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ حُذَّاقُ أَهْلِ الْأُصُولِ ; لِأَنَّ الْأَمَةَ فِي مَعْنَى الْعَبْدِ فَهُوَ مِنَ الْقِيَاسِ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ، وَالْقِيَاسُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَمِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: " «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ» ". وَهُوَ يَشْمَلُ الْأُنْثَى نَصًّا، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ» ". (فَكَانَ لَهُ مَالٌ) هُوَ مَا يُتَمَوَّلُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَسَعُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ، قَالَهُ عِيَاضٌ، وَفِي رِوَايَةٍ مَا بَلَا لَامٍ، أَيْ شَيْءٌ (يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ) أَيْ ثَمَنَ بَقِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ بِحِصَّتِهِ وَالْمُرَادُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا اشْتُرِيَ بِهِ وَاللَّازِمَ هُنَا الْقِيمَةُ لَا الثَّمَنُ، وَقَدْ بُيِّنَ الْمُرَادُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " «وَلَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ أَنْصِبَاءِ شُرَكَائِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِشُرَكَائِهِ أَنْصِبَاءَهُمْ وَيَعْتِقُ الْعَبْدَ» ". (قُوِّمَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ ثَقِيلَةٍ (عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ) بِأَنْ لَا يُزَادَ عَلَى قِيمَتِهِ وَلَا يُنْقَصَ عَنْهَا، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ: " «لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ» ". بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَمُهْمَلَةٍ، أَيْ نَقْصٍ، وَشَطَطٌ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَتَيْنِ وَالْفَتْحِ، أَيْ جَوْرٌ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ، وَالْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بِأَعْلَى الْقِيمَةِ أَوْ قِيمَةِ عَدْلٍ، وَهُوَ شَكٌّ مِنْ سُفْيَانَ، وَقَدْ رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ عَنْهُ بِلَفْظِ: قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَدْلٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ " يَبْلُغُ " يُخْرِجُ مَا إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَبْلُغُ قِيمَةَ النَّصَبِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، لَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَسْرِي إِلَى الْقَدْرِ الَّذِي هُوَ مُوسِرٌ بِهِ تَنْفِيذًا لِلْعِتْقِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، قَالَهُ الْحَافِظُ. (فَأَعْطَى) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (شُرَكَاءَهُ) بِالنَّصْبِ هَكَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ، وَلِبَعْضِهِمْ بِبِنَاءِ أَعْطَى لِلْمَجْهُولِ وَرَفْعِ شُرَكَائِهِ (حِصَصَهُمْ) أَيْ قِيمَةُ حِصَصِهِمْ فَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ وَاحِدًا أَعْطَاهُ جَمِيعَ الْبَاقِي اتِّفَاقًا، فَلَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ وَهِيَ الثُّلْثُ وَالثَّانِي حِصَّتَهُ وَهِيَ السُّدُسُ فَفِي تَقْوِيمِ نَصِيبِ صَاحِبِ النِّصْفِ بِالسَّوِيَّةِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْإِتْلَافِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوِ انْفَرَدَ لَقُوِّمَ عَلَيْهِ قَلَّ نَصِيبُهُ أَوْ كَثُرَ، أَوْ يُقَوَّمُ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، قَوْلَانِ: الْجُمْهُورُ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ كَامِلًا لَا عِتْقَ فِيهِ، وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ يُقَوَّمُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُ حُرٌّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّ سَبَبَ التَّقْوِيمِ جِنَايَةُ الْمُعْتِقِ بِتَفْوِيتِهِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فَيَقُومُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ كَالْحُكْمِ فِي سَائِرِ الْجِنَايَاتِ الْمُقَوَّمَةِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَلِأَنَّ الْمُعْتِقَ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَدْعُوَ شَرِيكَهُ لِيَبِيعَ جَمِيعَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ نِصْفُ جَمِيعِ الثَّمَنِ، فَلَمَّا مَنَعَهُ هَذَا ضَمِنَهُ مَا مَنَعَهُ مِنْهُ (وَعَتَقَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (عَلَيْهِ الْعَبْدُ) بَعْدَ إِعْطَاءِ الْقِيمَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَلَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ (فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ فِي الثَّانِي، كَذَا قَالَ الدَّرَاوَرْدِيُّ: وَرَدَّدَهُ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ عَتَقَ بِالْفَتْحِ، وَأُعْتِقَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَلَا يُعْرَفُ عُتْقٌ - بِضَمِّ أَوَّلِهِ - لِأَنَّ الْفِعْلَ لَازِمٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ. ثُمَّ هَذَا مِنْ لَفْظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْ مَالِكٍ فِي وَصْلِهَا، وَكَذَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَإِنِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إِثْبَاتِهَا وَحَذْفِهَا، وَزَعَمَ ابْنُ وَضَّاحٍ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ تَعَلُّقًا بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ نَافِعٌ: وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ. قَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي أَشَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ أَوْ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ؟ قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا شَكٌّ مِنْ أَيُّوبَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُكْمِ الْمُعْسِرِ هَلْ هِيَ مَوْصُولَةٌ مَرْفُوعَةٌ أَوْ مُدْرَجَةٌ مَقْطُوعَةٌ؟ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ، فَقَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ، وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْهُ، وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ شَيْءٌ يَقُولُهُ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَوَافَقَ أَيُّوبَ عَلَى الشَّكِّ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ، وَرَوَاهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَحْيَى فَجَزَمَ أَنَّهَا عَنْ نَافِعٍ أَدْرَجَهَا، وَجَزَمَ مُسْلِمٌ بِأَنَّ أَيُّوبَ وَيَحْيَى شَكَّا، وَالَّذِينَ أَثْبَتُوهَا حُفَّاظٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْ مَالِكٍ فِي وَصْلِهَا وَلَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَإِنِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إِثْبَاتِهَا وَحَذْفِهَا فَأَثْبَتَهَا عَنْهُ كَثِيرُونَ وَلَمْ يَذْكُرْهَا آخَرُونَ، أَيْ وَالْحُجَّةُ فِيمَنْ ذَكَرَ لَا فِيمَنْ تَرَكَ، وَأَثْبَتَهَا أَيْضًا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَرَجَّحَ الْأَئِمَّةُ رِوَايَةَ مَنْ أَثْبَتَهَا مَرْفُوعَةً، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَحْسَبُ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ يَشُكُّ فِي أَنَّ مَالِكًا أَحْفَظُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ مِنْ أَيُّوبَ ; لِأَنَّهُ كَانَ أَلْزَمَ لَهُ مِنْهُ حَتَّى لَوِ اسْتَوَيَا فَشَكَّ أَحَدُهُمَا فِي شَيْءٍ لَمْ يَشُكَّ فِيهِ صَاحِبُهُ كَانَتِ الْحُجَّةُ مَعَ مَنْ لَمْ يَشُكَّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ عُثْمَانَ الدَّارَمِيِّ: قُلْتُ لِابْنِ مَعِينٍ: مَالِكٌ فِي نَافِعٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ أَيُّوبُ؟ قَالَ: مَالِكٌ. وَتَضَمَّنَ الْحَدِيثُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ عِتْقِ نَصِيبٍ لِلْمُعَتَقِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ مِنْ إِبْطَالِهِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، وَهُوَ قَوْلٌ لَا أَصْلَ لَهُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَكَأَنَّهُ رَاعَى حَقَّ الشَّرِيكِ لِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ الضَّرَرِ بِحُرِّيَّةِ الشِّقْصِ، وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدُ الْوَضْعِ ; لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ، ثُمَّ يَلْزَمُهُ أَنْ يُبْطِلَ حُكْمَ الْحَدِيثِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِخْرَاجِ مِلْكِ الْإِنْسَانِ جَبْرًا عَلَيْهِ، وَقَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 الْحَافِظُ: كَأَنَّ رَبِيعَةَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ، قَالَ: وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ: يُعْتَقُ كُلُّهُ وَيَكُونُ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يُعْتِقْ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِتَصْرِيحِهِ بِالتَّقْوِيمِ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: يُخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ أَنْ يُقَوَّمَ نَصِيبُهُ أَوْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ إِلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ حَتَّى وَلَا صَاحِبَاهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ أَنَّ التَّقْوِيمَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى الْمُوسِرِ، ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْعِتْقِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ - فِي الْأَصَحِّ - وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: يُعْتَقُ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ كَانَ لَغْوًا، وَيُغَرَّمُ الْمُعْتِقُ حِصَّةَ نَصِيبِهِ بِالتَّقْوِيمِ لِرِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا وَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ فَهُوَ عَتِيقٌ» ". وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَلَهُ فِيهِ وَفَاءٌ فَهُوَ حُرٌّ، وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ بِقِيمَتِهِ» ". وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ احْتِجَاجٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَثُرَتْ أَلْفَاظُهَا فَالْحَدِيثُ وَاحِدٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِرَدِّ الْمُطْلَقِ إِلَى الْمُقَيَّدِ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ فَيُقَيَّدُ قَوْلُهُ فَهُوَ عَتِيقٌ أَوْ فَهُوَ حُرٌّ بِمَا إِذَا دَفَعَ الْقِيمَةَ لِشَرِيكِهِ لِحَدِيثِ الْبَابِ الظَّاهِرِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ كَانَتِ الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا لَكِنَّهَا فِي سِيَاقِ الْإِخْبَارِ بِالْأَحْكَامِ ظَاهِرَةٌ فِيهِ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ بِالْآيَةِ مَعَ أَنَّهَا بِالْوَاوِ، وَيُؤَيِّدُهُ هُنَا رِوَايَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ: قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ عُتِقَ، وَإِنْ أَجَازَ الْمُخَالِفُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْتِيبِ الْعِتْقِ عَلَى التَّقْوِيمِ تَرْتِيبُهُ عَلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ ; لِأَنَّ التَّقْوِيمَ يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْقِيمَةِ، وَأَمَّا الدَّفْعُ فَقَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ جَعْلَ الْعِتْقِ مُتَرَاخِيًا عَنِ التَّقْوِيمِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِي الْحَالِ كَمَا قَالُوا، فَلَوْ بَادَرَ الشَّرِيكُ بِعِتْقِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ نَفَّذَ كَمَا قُلْنَا، وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْغَرَضَ مِنَ التَّكْمِيلِ وَجَبْرِ مَالِكِ الْبَعْضِ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ إِنَّمَا هُوَ تَتْمِيمُ الْعِتْقِ، فَإِذَا طَلَعَ بِهِ نَفَذَ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ تَصَرُّفِ الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَرَى اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ، وَإِكْمَالَ عِتْقِهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ عِتْقَ مَا عَتَقَ وَرَدَّ مَا سِوَاهُ. وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» ". فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ. . . إِلَخْ، مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتٍ أُخَرَ، وَبِهِ جَزَمَ جَمْعٌ مِنَ الْحُفَّاظِ. بَالَغَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، فَقَالَ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ لَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَأَبَى ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَصَحَّحَا كَوْنَ الْجَمِيعِ مَرْفُوعًا، وَفِي ذَلِكَ كَلَامٌ طَوِيلٌ. وَحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَأَيُّوبُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 أُمَيَّةَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ كُلُّهُمْ عَنْ مُسْلِمٍ قَائِلًا: كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْن عُمَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَبَعْضُ هَؤُلَاءِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا وَغَيْرِهِ وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ، وَتَابَعَ نَافِعًا عَلَيْهِ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يَعْتِقُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (سَيِّدُهُ مِنْهُ شِقْصًا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ (ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ سَهْمًا مِنَ الْأَسْهُمِ) وَلَوْ قُلْتَ: (بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ مِنْهُ إِلَّا مَا عَتَقَ سَيِّدُهُ، وَيُسَمَّى مِنْ ذَلِكَ الشِّقْصُ) الَّذِي أَوْصَى بِعِتْقِهِ (وَذَلِكَ أَنَّ عَتَاقَةَ ذَلِكَ الشِّقْصِ إِنَّمَا وَجَبَتْ) أَيْ ثَبَتَتْ (وَكَانَتْ) أَيْ وُجِدَتْ (بَعْدَ وَفَاةِ الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ (وَأَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ مَا عَاشَ) أَيْ مُدَّةَ حَيَاتِهِ (فَلَمَّا وَقَعَ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ) الْمُوصِي (لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي إِلَّا مَا أُخِذَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَعْتِقْ مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ) وَهُوَ وَرَثَتُهُ، وَصَارَ الْمَيِّتُ مُعْسِرًا (فَكَيْفَ يَعْتِقُ مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ لَيْسَ هُمُ ابْتَدَءُوا الْعِتْقَ وَلَا أَثْبَتُوهَا) أَيِ الْعَتَاقَةَ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا أَوَّلًا، فَلِذَا أَنَّثَ (وَلَا لَهُمُ الْوَلَاءُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْمَيِّتُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ وَأُثْبِتَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (الْوَلَاءُ لَهُ) بِالسُّنَّةِ (فَلَا يُحْمَلُ ذَلِكَ فِي مَالِ غَيْرِهِ) وَوَافَقَهُ الْجُمْهُورُ، وَحُجَّتُهُمْ مَعَ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ السِّرَايَةَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَخْتَصُّ بِمُورِدِ النَّصِّ، وَلِأَنَّ التَّقْوِيمَ سَبِيلُهُ سَبِيلُ غَرَامَةِ الْمَتْلَفَاتِ فَيَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِصُدُورِ أَمْرٍ يَجْعَلُ إِتْلَافًا (إِلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يَعْتِقَ مَا بَقِيَ مِنْهُ فِي مَالِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِشُرَكَائِهِ وَوَرَثَتِهِ، وَلَيْسَ لِشُرَكَائِهِ أَنْ يَأْبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ حَقَّهُ وَهُوَ الثُّلُثُ، وَحَاصِلُهُ تَخْصِيصُ التَّكْمِيلِ فِي الْحَدِيثِ بِحَيَاةِ الْمُعْتِقِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 لِلْبَعْضِ أَوْ إِيصَائِهِ بِذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَمَّا إِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ الْبَعْضِ فَلَا يَكْمُلُ لِلتَّوْجِيهِ الْوَجِيهِ الَّذِي قَالَهُ. (وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ ثُلُثَ عَبْدِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَتَّ عِتْقَهُ أَعْتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ فِي ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ) أَيْ يُوصِي بِعِتْقِهِ (بَعْدَ مَوْتِهِ ; لِأَنَّ الَّذِي يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَوْ عَاشَ رَجَعَ فِيهِ) لَأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي الْوَصِيَّةِ (وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ، وَأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَبُتُّ سَيِّدُهُ عِتْقَ ثُلُثِهِ فِي مَرَضِهِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ كُلُّهُ إِنْ عَاشَ) أَيْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ دُونَ نَظَرٍ لِثُلُثٍ. (وَإِنْ مَاتَ أُعْتِقَ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَمْرَ الْمَيِّتِ جَائِزٌ فِي ثُلُثِهِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ الصَّحِيحِ جَائِزٌ فِي مَالِهِ كُلِّهِ) لِعَدَمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 [باب الشَّرْطِ فِي الْعِتْقِ] قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فَبَتَّ عِتْقَهُ حَتَّى تَجُوزَ شَهَادَتُهُ وَتَتِمَّ حُرِّيَّتُهُ وَيَثْبُتَ مِيرَاثُهُ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا يَشْتَرِطُ عَلَى عَبْدِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ خِدْمَةٍ وَلَا يَحْمِلَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الرِّقِّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ قَالَ مَالِكٌ فَهُوَ إِذَا كَانَ لَهُ الْعَبْدُ خَالِصًا أَحَقُّ بِاسْتِكْمَالِ عَتَاقَتِهِ وَلَا يَخْلِطُهَا بِشَيْءٍ مِنْ الرِّقِّ   2 - بَابُ الشَّرْطِ فِي الْعِتْقِ - (مَالِكٌ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فَبَتَّ عِتْقَهُ) أَيْ نَجَّزَهُ (حَتَّى تَجُوزَ شَهَادَتُهُ وَتَتِمَّ حُرِّيَّتُهُ وَيَثْبُتَ مِيرَاثُهُ، فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا يَشْتَرِطُ عَلَى عَبْدِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ خِدْمَةٍ وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الرِّقِّ) أَيْ لَا يُجْرِيهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ (لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ) نَاجِزًا أَوْ مُعَلِّقًا عَلَى شَيْءٍ وُجِدَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (شِرْكًا) أَيْ شِقْصًا، أَيْ نَصِيبًا لَهُ (فِي عَبْدٍ) أَيْ رَقِيقٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (قُوِّمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قِيمَةَ الْعَدْلِ) فَلَا يُزَادُ عَلَى قِيمَتِهِ وَلَا يُنْقَصُ (فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ) أَيْ قِيمَتَهَا (وَعَتَقَ عَلَيْهِ) الْعَبْدُ بَعْدَ الْإِعْطَاءِ بِالْحُكْمِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْإِمَامِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ قُوِّمَ، وَظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي كُلِّ مَنْ أَعْتَقَ لَكِنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 مَخْصُوصٌ بِاتِّفَاقٍ فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَفِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ وَالْكَافِرِ تَفَاصِيلُ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ أَدِلَّةِ التَّخْصِيصِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: أَعْتَقَ مَا إِذَا أَعْتَقَ عَلَيْهِ بِأَنْ وَرِثَ بَعْضَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِقَرَابَةٍ فَلَا سِرَايَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِالسِّرَايَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: فَهُوَ إِذَا كَانَ لَهُ الْعَبْدُ خَالِصًا) أَيْ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ (أَحَقُّ بِاسْتِكْمَالِ عَتَاقَتِهِ) إِذَا أَعْتَقَ بَعْضَهُ (وَلَا يَخْلِطُهَا بِشَيْءٍ مِنَ الرِّقِّ) لِأَنَّهُ إِذَا لَزِمَهُ تَكْمِيلُهُ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ لِشُرَكَائِهِ فَأَوْلَى إِذَا كَانَ لَهُ كُلُّهُ وَأَعْتَقَ بَعْضَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 [باب مَنْ أَعْتَقَ رَقِيقًا لَا يَمْلِكُ مَالًا غَيْرَهُمْ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ «أَنَّ رَجُلًا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ سِتَّةً عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ ثُلُثَ تِلْكَ الْعَبِيدِ» قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الرَّجُلِ مَالٌ غَيْرُهُمْ   3 - بَابُ مَنْ أَعْتَقَ رَقِيقًا لَا يَمْلِكُ مَالًا غَيْرَهُمْ 1506 - 1457 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ) كُلُّهُمْ (عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ) وَاسْمُ أَبِيهِ يَسَارٌ، بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ، الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَاهُمُ الثِّقَةُ الْفَقِيهُ الْفَاضِلُ الْمَشْهُورُ، وَكَانَ يُرْسِلُ كَثِيرًا وَيُدَلِّسُ، قَالَ الْبَزَّارُ: كَانَ يَرْوِي عَنْ جَمَاعَةٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَيَتَجَوَّزُ وَيَقُولُ: حَدَّثَنَا وَخَطَبَنَا، يَعْنِي قَوْمَهُ الَّذِينَ حَدَّثُوا أَوْ خَطَبُوا بِالْبَصْرَةِ، مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ وَقَدْ قَارَبَ التِسْعِينَ. (وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) الْأَنْصَارِيِّ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْبَصْرِيِّ، ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ كَبِيرُ الْقَدْرِ، كَانَ لَا يَرَى الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى، وَمَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ عَامَ مَوْتِ الْحَسَنِ وَهُمَا تَابِعِيَّانِ، فَهُوَ مُرْسَلٌ، وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَسِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ وَيَحْيَى بْنَ عَتِيقٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (أَنَّ رَجُلًا) مِنَ الْأَنْصَارِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ (فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ سِتَّةً عِنْدَ مَوْتِهِ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ: " وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 قَوْلًا شَدِيدًا ". وَفُسِّرَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَهِيَ: لَوْ عَلِمْتُ ذَلِكَ مَا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ فَدَعَاهُمْ (فَأَسْهَمَ) أَيْ أَقْرَعَ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ ثُلُثَ تِلْكَ الْعَبِيدِ) وَلِمُسْلِمٍ: " «فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» ، وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ أَبْطَلَ الِاسْتِسْعَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَنَجَّزَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِتْقَ ثُلُثِهِ وَأَمْرَهُ بِالِاسْتِسْعَاءِ فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَأَجَابَ مَنْ أَثْبَتَهُ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا قَبْلَ مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِسْعَاءِ، وَبِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ إِلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ مَا إِذَا أَعْتَقَ جَمِيعَ مَا لَيْسَ لَهُ عِتْقُهُ ". (قَالَ مَالِكٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الرَّجُلِ مَالٌ غَيْرُهُمْ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَلَاغَهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ كَمَا رَأَيْتَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا فِي إِمَارَةِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَعْتَقَ رَقِيقًا لَهُ كُلَّهُمْ جَمِيعًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَأَمَرَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بِتِلْكَ الرَّقِيقِ فَقُسِمَتْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَسْهَمَ عَلَى أَيِّهِمْ يَخْرُجُ سَهْمُ الْمَيِّتِ فَيَعْتِقُونَ فَوَقَعَ السَّهْمُ عَلَى أَحَدِ الْأَثْلَاثِ فَعَتَقَ الثُّلُثُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ السَّهْمُ   1507 - 1458 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا فِي إِمَارَةِ أَبَانِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ فَأَلِفٍ فَنُونٍ (ابْنِ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ عَلَى الْمَدِينَةِ (أَعْتَقَ رَقِيقًا لَهُ كُلَّهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَأَمَرَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بِتِلْكَ الرَّقِيقِ فَقُسِّمَتْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَسْهَمَ) أَيْ أَقْرَعَ (عَلَى أَيِّهِمْ يَخْرُجُ سَهْمُ الْمَيِّتِ فَيَعْتِقُونَ، فَوَقَعَ السَّهْمُ عَلَى أَحَدِ الْأَثْلَاثِ فَعَتَقَ الثُّلُثُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ السَّهْمُ) وَرَقَّ الثُّلُثَانِ عَمَلًا بِالْحَدِيثِ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ هَذَا عَقِبَهُ مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ بِهِ بَيَانُ اتِّصَالِ الْعَمَلِ بِهِ فَلَا يَتَطَرَّقُ احْتِمَالُ نَسْخِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 [باب الْقَضَاءِ فِي مَالِ الْعَبْدِ إِذَا عَتَقَ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أُعْتِقَ تَبِعَهُ مَالُهُ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أُعْتِقَ تَبِعَهُ مَالُهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا كُوتِبَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُكَاتِبُ وَذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ هُوَ عَقْدُ الْوَلَاءِ إِذَا تَمَّ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَالُ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ لَهُمَا مِنْ وَلَدٍ إِنَّمَا أَوْلَادُهُمَا بِمَنْزِلَةِ رِقَابِهِمَا لَيْسُوا بِمَنْزِلَةِ أَمْوَالِهِمَا لِأَنَّ السُّنَّةَ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَتَقَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا كُوتِبَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ إِذَا أَفْلَسَا أُخِذَتْ أَمْوَالُهُمَا وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِمَا وَلَمْ تُؤْخَذْ أَوْلَادُهُمَا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَمْوَالٍ لَهُمَا قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا بِيعَ وَاشْتَرَطَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مَالَهُ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهُ فِي مَالِهِ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا جَرَحَ أُخِذَ هُوَ وَمَالُهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ وَلَدُهُ   4 - بَابُ مَالِ الْعَبْدِ إِذَا عَتَقَ 1508 - 1459 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَعْتَقَ) بِفَتْحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 الْهَمْزَةِ وَالْفَوْقِيَّةِ وَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ لِأَنَّهُ يُبْنَى لِلْمَفْعُولِ إِذَا كَانَ فِيهِ هَمْزَةُ التَّعْدِيَةِ (تَبِعَهُ مَالُهُ) إِلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ السَّيِّدُ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالُوا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ. (قَالَ مَالِكٌ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ) وَأَبْدَلَ مِنْ هَذِهِ الْإِشَارَةِ قَوْلَهُ: (أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَعْتَقَ تَبِعَهُ مَالُهُ) كَمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ. (وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا كُوتِبَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ بِالْكِتَابَةِ (وَذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ هُوَ عَقْدُ الْوَلَاءِ إِذَا تَمَّ ذَلِكَ) بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ (وَلَيْسَ مَالُ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ لَهُمَا مِنْ وَلَدٍ إِنَّمَا أَوْلَادُهُمَا بِمَنْزِلَةِ رِقَابِهِمَا) أَيْ ذَوَاتِهِمَا (لَيْسُوا بِمَنْزِلَةِ أَمْوَالِهِمَا ; لِأَنَّ السُّنَّةَ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَتَقَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ، وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا كُوتِبَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ) لِأَنَّ الْأَوْلَادَ ذَوَاتٌ كَالْآبَاءِ فَلَا يَدْخُلُونَ فِي الْكِتَابَةِ وَلَا الْعِتْقِ لِلْآبَاءِ (وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ إِذَا أَفْلَسَا أُخِذَتْ أَمْوَالُهُمَا وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِمَا وَلَمْ تُؤْخَذْ أَوْلَادُهُمَا؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَمْوَالٍ لَهُمَا) بَلْ لِسَادَتِهِمَا. (وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا بِيعَ وَاشْتَرَطَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مَالَهُ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهُ فِي مَالِهِ) بَلْ هُوَ لِسَيِّدِهِ (وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا جَرَحَ) إِنْسَانًا (أُخِذَ هُوَ وَمَالُهُ) فِي جِنَايَتِهِ (وَلَمْ يُؤْخَذْ وَلَدُهُ) وَلَوْ كَانَ كَمَالِهِ لَأُخِذَ، وَأَصْلُ الْبَابِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ إِلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ سَيِّدُهُ» ". وَسَبَقَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 الْبَيْعِ حَدِيثُ أَنَّ مَالَهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ. وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ مِلْكًا تَامًّا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْعِتْقُ صُورَةَ إِحْسَانٍ إِلَيْهِ نَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُنْزَعَ مِنْهُ مَا بِيَدِهِ تَكْمِيلًا لِلْإِحْسَانِ، وَمِنْ ثَمَّ شُرِعَتِ الْمُكَاتَبَةُ وَسَاغَ لَهُ أَنْ يَكْتَسِبَ وَيُؤَدِّيَ إِلَى سَيِّدِهِ، وَلَوْلَا أَنَّ لَهُ تَسَلُّطًا عَلَى مَا بِيَدِهِ فِي الْعِتْقِ مَا أَغْنَى عَنْهُ ذَلِكَ شَيْئًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 [باب عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَجَامِعِ الْقَضَاءِ فِي الْعَتَاقَةِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ أَيُّمَا وَلِيدَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا وَلَا يَهَبُهَا وَلَا يُوَرِّثُهَا وَهُوَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ   5 - بَابُ عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَجَامِعِ الْقَضَاءِ فِي الْعَتَاقَةِ 1509 - 1460 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ) أَبَاهُ (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ: أَيُّمَا وَلِيدَةٍ) أَيْ أَمَةٍ (وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا وَلَا يَهَبُهَا وَلَا يُوَرِّثُهَا) ، أَيْ أَنَّهَا لَا تُورَثُ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَهُوَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا) بِالْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَالْخِدْمَةِ الْقَلِيلَةِ (فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ) وَالْحُرَّةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَبِهَذَا قَالَ عُثْمَانُ وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا نَهَى عَنْهُ فَانْتَهَوْا صَارَ إِجْمَاعًا، فَلَا عِبْرَةَ بِنُدُورِ الْمُخَالِفِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَعَيَّنُ مَعْرِفَةُ سَنَدِ الْإِجْمَاعِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ الْأَئِمَّةُ بِأَحَادِيثَ أَصَحُّهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّا نُصِيبُ سَبَايَانَا فَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي الْبَيْعِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَلَوْلَا أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ لَمْ يَكُنْ لِعَزْلِهِمْ لِأَجْلِ مَحَبَّةِ الْأَثْمَانِ فَائِدَةٌ. وَحَدِيثُ: " «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا وَلَا أَمَةً» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَدْ عَاشَتْ مَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِهِ إِبْرَاهِيمَ بَعْدَهُ، فَلَوْلَا أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ وَصْفِ الرِّقِّ لَمَا صَحَّ قَوْلُهُ: لَمْ يَتْرُكْ أَمَةً، وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ نَجَّزَ عِتْقَهَا خِلَافُ الْأَصْلِ، وَلَمْ يُنْقَلْ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ وَلَا يُعَارِضُهَا حَدِيثُ جَابِرٍ: " «كُنَّا نَبِيعُ سَرَارِيَّنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا» ". أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. وَفِي لَفْظٍ: " «بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا» ". لِأَنَّهُمْ لَمَّا انْتَهَوْا صَارَ إِجْمَاعًا فَلَا عِبْرَةَ بِنُدُورِ الْمُخَالِفِ بَعْدَهُ كَمَا مَرَّ مَعَ عِلْمِ سَنَدِ الْإِجْمَاعِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَتْهُ وَلِيدَةٌ قَدْ ضَرَبَهَا سَيِّدُهَا بِنَارٍ أَوْ أَصَابَهَا بِهَا فَأَعْتَقَهَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَتَاقَةُ رَجُلٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَتَاقَةُ الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ أَوْ يَبْلُغَ مَبْلَغَ الْمُحْتَلِمِ وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَتَاقَةُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَإِنْ بَلَغَ الْحُلُمَ حَتَّى يَلِيَ مَالَهُ   1509 - 1461 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا أَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَغَيْرُهُ مِنْ وُجُوهٍ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَتْهُ وَلِيدَةٌ) أَمَةٌ (قَدْ ضَرَبَهَا سَيِّدُهَا بِنَارٍ وَأَصَابَهَا) أَيْ بِالنَّارِ، شَكَّ الرَّاوِي، وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: قَالَ: أَقْعَدَ سُفْيَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَمَةً لَهُ عَلَى مِقْلَاةٍ لَهُ فَاحْتَرَقَ عَجُزُهَا، فَأَتَتْ عُمُرَ (فَأَعْتَقَهَا) أَيْ حَكَمَ عُمَرُ بِعِتْقِهَا لِوُقُوعِ الْحُكْمِ بِالْعِتْقِ بِالْمُثْلَةِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ سَنْدَرَ مَعَ سَيِّدِهِ زِنْبَاعِ بْنِ سَلَامَةَ الْجُذَامِيِّ، أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " أَنَّ زِنْبَاعَ أَبَا رَوْحٍ وَجَدَ غُلَامًا مَعَ جَارِيَةٍ لَهُ فَجَدَعَ أَنْفَهُ وَجَبَّهُ، فَأَتَى الْعَبْدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، «فَقَالَ لِزِنْبَاعٍ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ فَذَكَرَهُ، فَقَالَ لِلْعَبْدِ: انْطَلِقْ فَأَنْتَ حُرٌّ» ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ، وَسَمَّى الْعَبْدَ سَنْدَرَ، وَإِنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِ بِي، قَالَ: أُوصِي بِكَ كُلَّ مُسْلِمٍ. وَرَوَى الْبَغَوِيُّ عَنْ سَنَدٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لِزِنْبَاعِ بْنِ سَلَامَةَ الْجُذَامِيِّ فَذَكَرَهُ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ الْقِصَّةَ عَنْ زِنْبَاعٍ نَفْسِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَتَاقَةُ رَجُلٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ) أَيْ يَسْتَغْرِقُهُ (وَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ عَتَاقَةُ الْغُلَامِ) الصَّبِيِّ وَلَوْ رَاهَقَ (حَتَّى يَحْتَلِمَ) أَيْ يُنْزِلَ فِي الْمَنَامِ (أَوْ حَتَّى يَبْلُغَ مَبْلَغَ الْمُحْتَلِمِ) بِأَنْ يَبْلُغَ بِغَيْرِ الِاحْتِلَامِ كَالسِّنِّ ; لِأَنَّ مِنَ الرِّجَالِ مَنْ لَا يَحْتَلِمُ (وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَتَاقَةُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي مَالِهِ) وَإِنْ بَلَغَ الْحُلُمَ (حَتَّى يَلِيَ مَالَهُ) بِرُشْدِهِ وَفَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 [باب مَا يَجُوزُ مِنْ الْعِتْقِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ جَارِيَةً لِي كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لِي فَجِئْتُهَا وَقَدْ فُقِدَتْ شَاةٌ مِنْ الْغَنَمِ فَسَأَلْتُهَا عَنْهَا فَقَالَتْ أَكَلَهَا الذِّئْبُ فَأَسِفْتُ عَلَيْهَا وَكُنْتُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأُعْتِقُهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ فَقَالَتْ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ مَنْ أَنَا فَقَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتِقْهَا»   6 - بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الْعِتْقِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ 1511 - 1462 - (مَالِكٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ) نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، وَهُوَ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ أُسَامَةَ، وَهُوَ هِلَالُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، يُعْرَفُ أَبُوهُ بِكُنْيَتِهِ وَهُوَ بِهَا أَشْهَرُ الْعَامِرِيُّ، مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ، مَاتَ سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَهُوَ وَهْمٌ عِنْدَ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْحَكَمِ وَإِنَّمَا هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ كَمَا قَالَ كُلُّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِلَالٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ مَعْرُوفٌ فِي الصَّحَابَةِ وَحَدِيثُهُ هَذَا مَعْرُوفٌ، وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ الْحَكَمِ فَتَابِعِيٌّ أَنْصَارِيٌّ مَدَنِيٌّ مَعْرُوفٌ يَعْنِي فَلَا يَصِحُّ (أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارِيَةً) لَمْ تُسَمَّ (كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لِي) زَادَ فِي رِوَايَةٍ فِي نَاحِيَةِ أُحُدٍ (فَجِئْتُهَا وَقَدْ فُقِدَتْ) فِعْلٌ مَاضٍ تَاؤُهُ مَضْمُومَةٌ أَوْ سَاكِنَةٌ كَمَا ضَبَطَهُ فِي نُسَخٍ صَحِيحَةٍ (شَاةٌ مِنَ الْغَنَمِ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: وَقَدْ فُقِدَتْ مِنْهَا شَاةٌ (فَسَأَلْتُهَا عَنْهَا، فَقَالَتْ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ فَأَسِفْتُ عَلَيْهَا) أَيْ غَضِبْتُ (وَكُنْتُ مِنْ بَنِي آدَمَ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، تَقْدِيمٌ لِعُذْرِهِ فِي قَوْلِهِ: (فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا) ضَرَبْتُهَا عَلَيْهِ بِبَيَاضِ كَفِّي (وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأُعْتِقُهَا؟) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَفَاءٍ فَهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَبِي عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: " «فَصَكَكْتُهَا صَكَّةً ثُمَّ انْصَرَفَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ، فَعَظُمَ عَلَيَّ فَقُلْتُ: هَلَّا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: ائْتِنِي بِهَا، فَجِئْتُ بِهَا إِلَيْهِ» " (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ اللَّهُ؟ فَقَالَتْ: فِي السَّمَاءِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] (سورة الْمُلْكِ: الْآيَةَ: 16) ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] (سورة فَاطِرٍ: الْآيَةَ: 10) وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّهَا تُرِيدُ وَصْفَهُ بِالْعُلُوِّ، وَبِذَلِكَ يُوصَفُ مَنْ كَانَ شَأْنُهُ الْعُلُوَّ، يُقَالُ مَكَانُ فُلَانٍ فِي السَّمَاءِ، يَعْنِي عُلُوَّ حَالِهِ وَرِفْعَتَهُ وَشَرَفَهُ. ( «فَقَالَ: مَنْ أَنَا؟ فَقَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْتِقْهَا» ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: إِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ فَزَادُوا: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْيَاءُ كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كُنَّا نَأْتِي الْكُهَّانَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَأْتُوا الْكُهَّانَ، قُلْتُ: وَكُنَّا نَتَطَيَّرُ، قَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ» ". وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 بْنِ الْحَكَمِ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُمُورٌ كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَأْتِي الْكُهَّانَ، قَالَ: فَلَا تَأْتُوهَا، قُلْتُ: كُنَّا نَتَطَيَّرُ، قَالَ: ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ» ". فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ كَمَا قَالَ النَّاسُ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ عُمَرُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ هِلَالٍ فَرُبَّمَا كَانَ الْوَهْمُ مِنْ هِلَالٍ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ عَنْهُ فَقَالُوا مُعَاوِيَةُ، انْتَهَى. مُلَخَّصًا وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ تَجْوِيزَ أَنَّ الْوَهْمَ مِنْهُ لَمَّا حَدَّثَ مَالِكًا وَتَنَبَّهَ لَمَّا حَدَّثَ غَيْرَهُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا مَرَّ فِي الْفَرَائِضِ أَنَّ مَعْنَ بْنَ عِيسَى قَالَ لِمَالِكٍ: النَّاسُ يَقُولُونَ إِنَّك تُخْطِئُ أَسَامِيَ الرِّجَالِ، تَقُولُ: عُمَرُ بْنُ الْحَكَمِ وَإِنَّمَا هُوَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ مَالِكٌ: هَذَا حِفْظُنَا وَهَكَذَا وَقَعَ فِي كِتَابِي، أَخْرَجَهُ أَبُو الْفَضْلِ السُّلَيْمَانِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَإِنْ كُنْتَ تَرَاهَا مُؤْمِنَةً أُعْتِقُهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ أَتَشْهَدِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتِقْهَا»   1512 - 1463 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ (ابْنِ مَسْعُودٍ) أَحَدِ الْفُقَهَاءِ (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ) ظَاهِرُهُ الْإِرْسَالُ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ لِلِقَاءِ عُبَيْدِ اللَّهِ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَفِيهِ نَظَرٌ ; إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا وُجِدَ مُرْسَلٌ قَطُّ ; إِذْ وَالْجَوَابُ مَا رَفَعَهُ التَّابِعِيُّ وَهُوَ مَنْ لَقِيَ الصَّحَابِيَّ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ لِلِقَاءِ عُبَيْدِ اللَّهِ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ جَاءَ بِأَمَةٍ لَهُ، وَهَذَا مَوْصُولٌ، وَرَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ (جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً) نَذَرَ عِتْقَهَا أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِكَفَّارَةِ قَتْلٍ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ كُنْتَ تَرَاهَا مُؤْمِنَةً أُعْتِقُهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَشْهَدِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ) أَيْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ (قَالَ: أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ) أُوقِنُ بِهِ» ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِالْبَعْثِ فَمَنْ أَنْكَرَهُ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ. ( «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْتِقْهَا» ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: " فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ " قَالَ ابْنُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ جَوَّدَ يَحْيَى لَفْظَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ فَلَمْ يَذْكُرَا " فَإِنْ كُنْتَ تَرَاهَا مُؤْمِنَةً، وَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ أَفَأَعْتِقُ هَذِهِ؟ وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ بِلَفْظِ: " «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُعْتِقُهَا؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ» ". الْحَدِيثَ، فَحَذَفَ مِنْهُ " أَنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً " مَعَ أَنَّهُ فَائِدَةُ الْحَدِيثِ. وَرَوَاهُ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ أَعْجَمِيَّةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَفَأَعْتِقُ هَذِهِ؟ فَقَالَ لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ اللَّهُ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ لَهَا: فَمَنْ أَنَا؟ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ وَإِلَى السَّمَاءِ، أَيْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» ". أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ: إِنَّهُ خَالَفَ حَدِيثَ ابْنِ شِهَابٍ فِي لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ وَجَعَلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنُ شِهَابٍ يَقُولُ: رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِنَّهُ جَاءَ بِأَمَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ، وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ عَوْنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، انْتَهَى. فَإِنْ كَانَتِ الْقِصَّةُ تَعَدَّدَتْ فَلَا خُلْفَ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّحِدَةً فَيُمْكِنُ أَنَّ لِعُبَيْدِ اللَّهِ فِيهِ شَيْخَيْنِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَوَاهَا لَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَوَاهَا عَنْ قِصَّةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَيُؤَوَّلُ قَوْلُهُ قَالَتْ: نَعَمْ، عَلَى أَنَّهَا قَالَتْ بِالْإِشَارَةِ أَوْ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهَا الْأَمْرَانِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ، بِاللَّفْظِ حِينَ قَوْلِهِ أَتَشْهَدِينَ. . . إِلَخْ، فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ حِينَ قَوْلِهِ " أَيْنَ اللَّهُ؟ وَمَنْ أَنَا؟ " فَذَكَرَ كُلٌّ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَعَوْنٍ مَا لَمْ يَذْكُرِ الْآخَرُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ هَلْ يُعْتِقُ فِيهَا ابْنَ زِنًا فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَعَمْ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ   1512 - 1464 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا، كَيْسَانَ أَوِ ابْنِهِ سَعِيدٍ (أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ هَلْ يُعْتَقُ فِيهَا ابْنُ زِنًى؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ، يُجْزِئُهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِنَسَبٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ وَلَدَ زِنًا قَالَ نَعَمْ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ   1512 - 1465 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ فَضَالَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (ابْنِ عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، بِغَيْرِ إِضَافَةٍ (الْأَنْصَارِيِّ) الْأَوْسِيِّ (وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ ثُمَّ نَزَلَ دِمَشْقَ وَوَلِيَ قَضَاءَهَا، وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ قَبْلَهَا (أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 عَلَيْهِ رَقَبَةٌ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ وَلَدَ زِنًى؟ فَقَالَ: نَعَمْ، ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ) إِنْ كَانَ مُؤْمِنًا فِي الْقَتْلِ وَإِجْمَاعًا وَفِي الظِّهَارِ خِلَافٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 [باب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْعِتْقِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ] حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ هَلْ تُشْتَرَى بِشَرْطٍ فَقَالَ لَا قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا الَّذِي يُعْتِقُهَا فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِشَرْطٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِرَقَبَةٍ تَامَّةٍ لِأَنَّهُ يَضَعُ مِنْ ثَمَنِهَا لِلَّذِي يَشْتَرِطُ مِنْ عِتْقِهَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّقَبَةَ فِي التَّطَوُّعِ وَيَشْتَرِطَ أَنْ يُعْتِقَهَا قَالَ مَالِكٌ إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَ فِيهَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا يُعْتَقُ فِيهَا مُكَاتَبٌ وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ وَلَا مُعْتَقٌ إِلَى سِنِينَ وَلَا أَعْمَى وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ تَطَوُّعًا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] فَالْمَنُّ الْعَتَاقَةُ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرِّقَابُ الْوَاجِبَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِيهَا إِلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ فِي إِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ فِي الْكَفَّارَاتِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْعَمَ فِيهَا إِلَّا الْمُسْلِمُونَ وَلَا يُطْعَمُ فِيهَا أَحَدٌ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ   7 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الْعِتْقِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ 1466 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنِ الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ، هَلْ تُشْتَرَى بِشَرْطٍ؟ فَقَالَ: لَا) تُشْتَرَى بِشَرْطِ الْعِتْقِ (قَالَ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا الَّذِي يُعْتِقُهَا فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِشَرْطِ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا ; لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِرَقَبَةٍ تَامَّةٍ لِأَنَّهُ) أَيْ بَائِعُهَا (يَضَعُ) يُسْقِطُ (مِنْ ثَمَنِهَا) أَيْ بَعْضِهِ (لِلَّذِي يَشْتَرِطُ مِنْ عِتْقِهَا) تَحْصِيلًا لِبَعْضِ الثَّوَابِ (وَلَا بَأْسَ) أَيْ يَجُوزُ (أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّقَبَةَ فِي التَّطَوُّعِ وَيَشْتَرِطَ أَنْ يُعْتِقَهَا) إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ فِي شِرَاءِ رَقَبَةٍ وَيُعْتِقُوهَا تَطَوُّعًا فَوَاحِدٌ بِشَرْطِ الْعِتْقِ أَوْلَى. (قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَ فِيهَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا يَهُودِيٌّ) وَلَا غَيْرُهُمَا مِنَ الْكُفَّارِ بِالْأَوْلَى. (وَلَا يُعْتَقُ فِيهَا مُكَاتَبٌ وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ وَلَا مُعْتَقٌ إِلَى سِنِينَ) أَيْ بَعْدَهَا لِمَا فِيهِمْ مِنْ عَقْدِ الْحُرِّيَّةِ فَلَمْ تَكُنْ مُحَرَّرَةً لَمَا وَجَبَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةَ: 92) (وَلَا أَعْمَى) وَلَا نَحْوُهُ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْفُرُوعِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 (وَلَا بَأْسَ) أَيْ يَجُوزُ (أَنْ يُعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ تَطَوُّعًا ; لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ:) {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [محمد: 4] (سورة مُحَمَّدٍ: الْآيَةَ: 4) (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ شَدِّ الْوَثَاقِ (وَإِمَّا فِدَاءً) بِمَالٍ أَوْ أَسْرَى مُسْلِمِينَ (فَالْمَنُّ الْعَتَاقَةُ) أَيِ الْإِطْلَاقُ بِلَا شَيْءٍ (وَأَمَّا الرِّقَابُ الْوَاجِبَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ) فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ وَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ (فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِيهَا إِلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ) لِأَنَّهُ قَيَّدَ بِهَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَحَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ. (وَكَذَلِكَ فِي إِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ فِي الْكَفَّارَاتِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْعِمَ فِيهَا إِلَّا الْمُسْلِمُونَ وَلَا يُطْعِمَ فِيهَا أَحَدٌ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ) مِنْ أَيِّ دِينٍ كَانَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 [باب عِتْقِ الْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ أُمَّهُ أَرَادَتْ أَنْ تُوصِيَ ثُمَّ أَخَّرَتْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ تُصْبِحَ فَهَلَكَتْ وَقَدْ كَانَتْ هَمَّتْ بِأَنْ تُعْتِقَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ «أَيَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ إِنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي هَلَكَتْ فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ»   8 - بَابُ عِتْقِ الْحَيِّ عَنِ الْمَيِّتِ 1516 - 1467 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ) عَمْرِو بْنِ (أَبِي عَمْرَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، الثِّقَةِ فَنَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ، رَوَى عَنِ الْقَاسِمِ وَعَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ، وَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَمَا أَظُنُّهُ سَمِعَ مِنْهُ وَلَا أَدْرَكَهُ، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ عَمِّهِ عَنْهُ، وَيَرْوِي عَنْهُ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدٍ، وَابْنُ أَبِي الْمَوَالِي وَغَيْرُهُمْ، وَجَدُّهُ أَبُو عَمْرَةَ صَحَابِيٌّ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (أَنَّ أُمَّهُ أَرَادَتْ أَنْ تُوصِيَ ثُمَّ أَخَّرَتْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ تُصْبِحَ فَهَلَكَتْ) مَاتَتْ (وَقَدْ كَانَتْ هَمَّتْ بِأَنْ تَعْتِقَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) ابْنُهَا (فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) ابْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 الصِّدِّيقِ (أَيَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ الْقَاسِمُ:) يَنْفَعُهَا (إِنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ) سَيِّدَ الْخَزْرَجِ (قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي) عَمْرَةَ بِنْتَ مَسْعُودٍ الْخَزْرَجِيَّةَ الصَّحَابِيَّةَ (هَلَكَتْ) مَاتَتْ وَأَنَا غَائِبٌ مَعَكَ فِي غَزْوَةِ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ سَنَةَ خَمْسٍ (فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ) زَادَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الرُّوَاةِ " أَعْتِقْ عَنْهَا " وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْقَاسِمَ لَمْ يَلْقَ سَعْدًا، لَكِنَّ قِصَّةَ سَعْدٍ جَاءَتْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مُتَّصِلَةٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، فَلَعَلَّ الْقَاسِمَ رَوَاهُ عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ، فَقَدْ رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْهَا كَمَا مَرَّ قَرِيبًا لَكِنْ بِلَفْظِ " أَنْ تَصَدَّقْ عَنْهَا " نَعَمْ، فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: أَفَيُجْزِئُ عَنْهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ قَالَ: أَعْتِقْ عَنْ أُمِّكَ. فَقَدْ وُجِدَ الْعِتْقُ عَنِ الْمَيِّتِ فِي قِصَّةِ سَعْدٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مَالِكٍ أَيْضًا لَا كَمَا يُوهِمُهُ قَوْلُ أَبِي عُمَرَ: لَا يَكَادُ يُوجَدُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا، وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ فِي قِصَّةِ سَعْدٍ إِنَّمَا هِيَ فِي الصَّدَقَةِ، قَالَ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا جَائِزٌ عَنِ الْمَيِّتِ إِجْمَاعًا وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَلِمَنْ أَعْتَقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْمَيِّتِ فَالْوَلَاءُ لَهُ وَإِلَّا فَلِلْمُعْتِقِ، قَالَ - أَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ -: وَجَدْتُ فِي أَصْلِ سَمَاعِ أَبِي بِخَطِّهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ قَاسِمٍ حَدَّثَهُمْ إِلَى أَنْ قَالَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالِدَتِي كَانَتْ تَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِي وَتَعْتِقُ مِنْ مَالِي حَيَاتَهَا، فَقَدْ مَاتَتْ أَرَأَيْتَ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا أَوْ عَتَقْتُ عَنْهَا أَتَرْجُو لَهَا شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى صَدَقَةٍ، قَالَ: اسْقِ الْمَاءَ، قَالَ: فَمَا زَالَتْ جِرَارُ سَعِدٍ بِالْمَدِينَةِ» ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي نَوْمٍ نَامَهُ فَأَعْتَقَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِقَابًا كَثِيرَةً قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ   1517 - 1468 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) أَسْلَم قُبَيْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَشَهِدَ الْيَمَامَةَ وَالْفُتُوحَ، وَمَاتَ (فِي نَوْمٍ نَامَهُ) فَجْأَةً فِي طَرِيقِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا (فَأَعْتَقَتْ عَنْهُ) شَقِيقَتُهُ (عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِقَابًا كَثِيرَةً) لِأَنَّهَا دُونَ قَوْلِ سَعْدٍ: «أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ» ، مَرَّ. وَالْعِتْقُ مِنْ أَفْضَلِ أَنْوَاعِ الصَّدَقَةِ، وَمَرَّتْ رِوَايَةُ: أَعْتِقْ عَنْ أُمِّكَ فَلَعَلَّهَا سَمِعَتْ ذَلِكَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يُرْوَى فِي الْعِتْقِ عَنِ الْمَيِّتِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ وَائِلَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: " «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقُلْنَا: إِنَّ صَاحِبًا لَنَا قَدْ مَاتَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْتِقُوا عَنْهُ يَعْتِقِ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ» ". ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 [باب فَضْلِ عِتْقِ الرِّقَابِ وَعِتْقِ الزَّانِيَةِ وَابْنِ الزِّنَا] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرِّقَابِ أَيُّهَا أَفْضَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»   9 - بَابُ فَضْلِ عِتْقِ الرِّقَابِ وَعِتْقِ الزَّانِيَةِ وَابْنِ الزِّنَى 1518 - 1469 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَذَا لِيَحْيَى، وَأَبِي مُصْعَبٍ، وَمُطَرِّفٍ، وَابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَرَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وَأَرْسَلَهُ الْأَكْثَرُ، وَكَذَا حَدَّثَ بِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ مُرْسَلًا، وَهُوَ عِنْدَنَا فِي مُوَطَّأِ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ هِشَامٍ عَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ ابْنُ الْجَارُودِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ عَنْ عَائِشَةَ غَيْرُ مَالِكٍ، وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ هِشَامٍ يُخَالِفُونَهُ فِي إِسْنَادِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْفَتْحِ، ذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ نَحْوَ عِشْرِينَ نَفْسًا رَوَوْهُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَخَالَفَ مَالِكٌ فَأَرْسَلَهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَرَوَاهُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ وَطَائِفَةٌ " فَقَالَتْ عَائِشَةُ "، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الرِّوَايَةُ الْمُرْسَلَةُ عَنْ مَالِكٍ أَصَحُّ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ هِشَامٍ كَمَا قَالَ الْجَمَاعَةُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الرِّقَابِ أَيُّهَا أَفْضَلُ) فِي الْعِتْقِ، وَالسَّائِلُ أَبُو ذَرٍّ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ فِي حَدِيثٍ فِيهِ قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَغْلَاهَا ثَمَنًا) بِالْعَيْنِ مُعْجَمَةٌ وَمُهْمَلَةٌ رِوَايَتَانِ، قَالَ ابْنُ قُرْقُولٍ: وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ: أَكْثَرُهَا ثَمَنًا، وَهُوَ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ (وَأَنْفَسُهَا) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ أَكْثَرُهَا رَغْبَةً (عِنْدَ أَهْلِهَا) لِمَحَبَّتِهِمْ فِيهَا؛ لِأَنَّ عِتْقَ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَقَعُ إِلَّا خَالِصًا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] (سورة آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةَ: 92) قَالَ النَّوَوِيُّ: مَحَلُّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً، أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَ الشَّخْصِ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا رَقَبَةً فَيَعْتِقَهَا فَوَجَدَ رَقَبَةً نَفِيسَةً وَرَقَبَتَيْنِ مَفْضُولَتَيْنِ فَالرَّقَبَتَانِ أَفْضَلُ، قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ الضَّحِيَّةِ، فَالْوَاحِدَةُ السَّمِينَةُ فِيهَا أَفْضَلُ ; لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا فَكُّ الرَّقَبَةِ وَهُنَاكَ طِيبُ اللَّحْمِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 الْأَشْخَاصِ، فَرُبَّ شَخْصٍ وَاحِدٍ إِذَا عَتَقَ انْتَفَعَ بِالْعِتْقِ وَانْتَفَعَ بِهِ أَضْعَافَ مَا يَحْصُلُ مِنَ النَّفْعِ بِعِتْقٍ أَكْثَرَ عَدَدًا مِنْهُ، وَرُبَّ مُحْتَاجٍ إِلَى كَثْرَةِ اللَّحْمِ لِتَفْرِقَتِهِ عَلَى الْمَحَاوِيجِ الَّذِي يَنْتَفِعُونَ بِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْتَفِعُ هُوَ بِطِيبِ اللَّحْمِ، فَالضَّابِطُ أَنَّ مَهْمَا كَانَ أَكْثَرَ نَفْعًا كَانَ أَفْضَلَ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَاحْتُجَّ بِهِ لِمَالِكٍ فِي أَنَّ عِتْقَ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ إِذَا كَانَتْ أَغْلَى ثَمَنًا فَمِنَ الْمُسْلِمَةِ أَفْضَلُ، وَخَالَفَهُ أَصْبَغُ وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا: الْمُرَادُ أَغْلَى ثَمَنًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ عِيَاضٌ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ عِتْقِ الْكَافِرِ، لَكِنَّ الْفَضْلَ التَّامَّ إِنَّمَا هُوَ فِي عِتْقِ الْمُؤْمِنِ. وَعَنْ مَالِكٍ: أَنَّ عِتْقَ الْأَغْلَى ثَمَنًا أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، يَعْنِي لِظَاهِرِ حَدِيثِهِ هَذَا، قَالَ: وَخَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لِحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ وَلِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ مِنَ الْمَنَافِعِ الدِّينِيَّةِ كَالشَّهَادَةِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ الْمُرَجَّحُ أَنَّ عِتْقَ الذَّكَرِ أَفْضَلُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيِّ مَرْفُوعًا: " «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ عَظْمَيْنِ مِنْهُمَا بِعَظْمٍ مِنْهُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنَ النَّارِ» ". فَجُعِلَ عِتْقُ الذَّكَرِ كَامْرَأَتَيْنِ. وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَنَافِعَ الذَّكَرِ أَفْضَلُ كَالْجِهَادِ وَالشَّهَادَاتِ وَالْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّ الطَّاعَةَ مِنْهُمْ أَوْجَهُ، وَالرِّقَّ فِيهِمْ أَكْثَرُ حَتَّى إِنَّ الْجَوَارِيَ مَنْ لَا يَرْغَبُ فِي الْعِتْقِ وَتَضِيعُ مَعَهُ، وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِسِرَايَةِ الْحُرِّيَّةِ فِيمَنْ تَلِدُ الْأُنْثَى كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ مَا ذُكِرَ أَنَّ عِتْقَ الْأُنْثَى غَالِبًا يَسْتَلْزِمُ ضَيَاعَهَا، وَأَنَّ فِي عِتْقِ الذَّكَرِ مِنَ الْمَعَانِي الْعَامَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْإِنَاثِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ وَلَدَ زِنًا وَأُمَّهُ   1518 - 1470 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ وَلَدَ زِنًى وَأُمَّهُ) أَيْ وَالِدَتَهُ الَّتِي زَنَتْ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 [باب مَصِيرِ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «جَاءَتْ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَنْكِ عَدَدْتُهَا وَيَكُونَ لِي وَلَاؤُكِ فَعَلْتُ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا عَلَيْهَا فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا عَلَيَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»   10 - بَابُ مَصِيرِ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ 1519 - 1471 - (مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ (عَنْ) خَالَتِهِ (عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ بَرِيرَةُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَرَاءَيْنَ بِلَا نَقْطٍ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 بِوَزْنِ فَعِيلَةٍ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْبَرِيرِ وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ، وَقِيلَ كَأَنَّهَا فَعِيلَةٌ مِنَ الْبُرِّ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَمَبْرُورَةٍ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ كَرَحِيمَةٍ، هَكَذَا وَجَّهَهُ الْقُرْطُبِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اسْمَ جُوَيْرِيَةَ، وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، وَقَالَ: " لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ» ". فَلَوْ كَانَتْ بَرِيرَةُ مِنَ الْبِرِّ لَشَارَكَتْهَا فِي ذَلِكَ، وَكَانَتْ بَرِيرَةُ لِنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كَمَا عِنْد أَبِي نُعَيْمٍ، وَقِيلَ لِنَاسٍ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ، وَقِيلَ لِآلِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ زَوْجَهَا مُغِيثٌ هُوَ الَّذِي كَانَ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ، وَقِيلَ لِآلِ عُقْبَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّ مَوْلَى عُقْبَةَ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَذَكَرَتْ لَهُ قِصَّةَ بَرِيرَةَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَكَانَتْ بَرِيرَةُ تَخْدِمُ عَائِشَةَ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ، وَعَاشَتْ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَتَفَرَّسَتْ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّهُ يَلِي الْخِلَافَةَ فَبَشَّرَتْهُ بِذَلِكَ، وَرَوَاهُ هُوَ عَنْهَا كَمَا قَدَّمْتُهُ. (فَقَالَتْ: إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي) يَعْنِي سَادَاتَهَا، وَالْأَهْلُ فِي الْأَصْلِ الْآلُ (عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ) بِوَزْنِ جَوَارٍ، وَالْأَصْلُ أَوَاقِيُّ بِشَدِّ الْيَاءِ فَحُذِفَتْ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ تَخْفِيفًا وَالثَّانِيَةُ عَلَى طَرِيقَةِ قَاضٍ (فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنْ بَرِيرَةَ دَخَلَتْ عَلَيْهَا تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَعَلَيْهَا خَمْسُ أَوَاقٍ نَجَمَتْ عَلَيْهَا فِي خَمْسِ سِنِينَ، وَجَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّهَا غَلَطٌ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ التِّسْعَ أَصْلٌ وَالْخَمْسَ كَانَتْ بَقِيَتْ عَلَيْهَا، وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُعَكَّرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: وَلَمْ تَكُنْ أَدَّتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَصَّلَتِ الْأَرْبَعَ أَوَاقٍ قَبْلَ أَنْ تَسْتَعِينَ بِعَائِشَةَ ثُمَّ جَاءَتْهَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهَا خَمْسَةٌ، وَأَجَابَ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ الْخَمْسَ هِيَ الَّتِي كَانَتِ اسْتَحَقَّتْ عَلَيْهَا بِحُلُولِ نُجُومِهَا مِنْ جُمْلَةِ التِّسْعِ الْأَوَاقِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: فَقَالَ أَهْلُهَا: إِنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ مَا تَبَقَّى (فَأَعِينِينِي) بِصِيغَةِ أَمْرِ الْمُؤَنَّثِ مِنَ الْإِعَانَةِ، وَوَقَعَ عِنْدَ بَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ " فَأَعْيَتْنِي " بِصِيغَةِ الْخَبَرِ الْمَاضِي مِنَ الْإِعْيَاءِ، أَيْ أَعْجَزَتْنِي الْأَوَاقِيُّ عَنْ تَحْصِيلِهَا وَهُوَ مُتَّجِهُ الْمَعْنَى، وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ: فَأَعْتِقِينِي، مِنَ الْعِتْقِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، لَكِنَّ الثَّابِتَ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ هِشَامٍ الْأَوَّلُ. (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ، مَوَالِيكِ (أَنْ أَعُدَّهَا) أَيِ التِّسْعَ أَوَاقٍ (لَهُمْ) ثَمَنًا (عَنْكِ عَدَدْتُهَا) فِيهِ أَنَّ الْعَدَّ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَعْلُومَةِ الْوَزْنِ يَكْفِي عَنِ الْوَزْنِ، وَأَنَّ الْمُعَامَلَةَ حِينَئِذٍ كَانَتْ بِالْأَوَاقِيِّ، وَزَعَمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 بَعْضُهُمْ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِالْعَدِّ حَتَّى قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ بِالْوَزْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قِصَّةً بَرِيرَةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِنَحْوِ ثَمَانِ سِنِينَ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ أَنْ أَعُدَّهَا أَيْ أَدْفَعَهَا لَا حَقِيقَةَ الْعَدِّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهَا فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ الْآتِيَةِ: أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً (وَيَكُونَ) عَطْفًا عَلَى " أَعُدَّهَا " (وَلَاؤُكِ لِي) بَعْدَ أَنْ أُعْتِقَكِ (فَعَلْتُ) جَوَابُ الشَّرْطِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ طَلَبَتْ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهَا إِذَا بَذَلَتْ جَمِيعَ مَالِ الْمُكَاتَبَةِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ ; إِذْ لَوْ وَقَعَ لَكَانَ اللَّوْمُ عَلَى عَائِشَةَ بِطَلَبِهَا وَلَاءَ مَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهَا، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ وَوُهَيْبٌ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظٍ يُزِيلُ الْإِشْكَالَ، فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عِدَّةً وَاحِدَةً، وَأُعْتِقَكِ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَهَا شِرَاءً صَحِيحًا ثُمَّ تَعْتِقَهَا ; إِذِ الْعِتْقُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي (فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَتْهُ عَائِشَةُ (فَأَبَوْا عَلَيْهَا) أَيِ امْتَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِعَائِشَةَ (فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهَا) إِلَى عَائِشَةَ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ) عِنْدَهَا (فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ عَلَيْهِمْ ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ الَّذِي قُلْتِيهِ (فَأَبَوْا عَلَيَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ) اسْتِثْنَاءٌ مُفْرَّغٌ ; لِأَنَّ فِي أَبَى مَعْنَى النَّفْيِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ جَازَ أَبَى اللَّهُ إِلَّا كَذَا وَلَا يُقَالُ كَرِهْتُ وَأَبْغَضْتُ إِلَّا زَيْدًا؟ قُلْتُ: قَدْ أَجْرَى أَبَى مَجْرَى لَمْ يُرِدْ، أَلَا تَرَى كَيْفَ قُوبِلَ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: وَيَأْبَى اللَّهُ، وَكَيْفَ أُوقِعَ مَوْقِعَ وَلَا يُرِيدُ اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ. (فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ بَرِيرَةَ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ (فَسَأَلَهَا) أَيْ عَائِشَةَ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: فَقَالَ: «مَا شَأْنُ بَرِيرَةَ» ؟ (فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ) بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ، وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ: فَجَاءَتْنِي بَرِيرَةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَقَالَتْ لِي: فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهَا مَا رَدُّ أَهْلِهَا، فَقُلْتُ: لَاهَا اللَّهِ إِذًا وَرَفَعْتُ صَوْتِي وَانْتَهَرْتُهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذِيهَا) أَيِ اشْتَرِيهَا مِنْهُمْ، لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، فَقَالَ: ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي، فَهَذِهِ مُفَسِّرَةٌ لِقَوْلِهِ خُذِيهَا، وَكَذَا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ: دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ قَالَتْ: اشْتَرِينِي وَأَعْتِقِينِي، قُلْتُ: نَعَمْ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ التَّالِي: لِهَذَا أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتُعْتِقَهَا (فَاشْتَرِطِي) بِصِيغَةِ أَمْرِ الْمُؤَنَّثِ مِنَ الشَّرْطِ (لَهُمُ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) فَعَبَّرَ بِإِنَّمَا الَّتِي لِلْحَصْرِ وَهُوَ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ وَنَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا لَزِمَ مِنْ إِثْبَاتِ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ نَفْيُهُ عَنْ غَيْرِهِ (فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ) الشِّرَاءَ وَالْعِتْقَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ: كَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ هِشَامٍ، وَأَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْهُ عَنْ هِشَامٍ، وَاسْتُشْكِلَ صُدُورُ إِذْنهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ يُفْسِدُ الْبَيْعَ، وَخِدَاعِ الْبَائِعِينَ، وَشَرْطِ مَا لَا يَصِحُّ وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ، وَلِذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، وَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إِلَى تَضْعِيفِ رِوَايَةِ هِشَامٍ الْمُصَرِّحَةِ بِالِاشْتِرَاطِ لِانْفِرَادِهِ بِهَا دُونَ أَصْحَابِ أَبِيهِ، وَرِوَايَاتُ غَيْرِهِ قَابِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّ هِشَامًا رَوَى بِالْمَعْنَى مَا سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ، وَأَثْبَتَ الرِّوَايَةَ آخَرُونَ، وَقَالُوا: هِشَامٌ ثِقَةٌ حَافِظٌ، وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ فَلَا وَجْهَ لِرَدِّهِ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: وَكَلَامُ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ غَلَطٌ، ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي التَّوْجِيهِ فَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ عَنِ الْمُزَنِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ بِلَفْظِ: " وَأَشْرِطِي " بِهَمْزَةِ قَطْعٍ بِغَيْرِ فَوْقِيَّةٍ، وَمَعْنَاهُ أَظْهِرِي لَهُمْ حُكْمَ الْوَلَاءِ، وَالِاشْتِرَاطُ الْإِظْهَارُ، قَالَ أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ يَذْكُرُ رَجُلًا نَزَلَ مِنْ رَأْسِ جَبَلٍ إِلَى نَبْقَةٍ يَقْطَعُهَا لِيَتَّخِذَ مِنْهَا قَوْسًا: فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسَهُ وَهُوَ مُعْصِمٌ ... وَأَلْقَى بِأَسْبَابٍ لَهُ وَتَوَكَّلَا أَيْ أَظْهَرَ نَفْسَهُ لَمَّا حَاوَلَ أَنْ يَفْعَلَ، انْتَهَى. فَأَنْكَرَ غَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ كَرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ " وَاشْتَرِطِي " بِالْفَوْقِيَّةِ، وَقِيلَ: إِنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] (سورة الْإِسْرَاءِ: الْآيَةَ 7) قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْمُزَنِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْكَرَ الِاشْتِرَاطَ وَلَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى عَلَى لَمْ يُنْكِرْهُ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا أَنْكَرَ إِرَادَةَ الِاشْتِرَاطِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يَأْبَى ذَلِكَ. وَضَعَّفَهُ أَيْضًا ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ اللَّامَ لَا تَدُلُّ بِوَضْعِهَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ النَّافِعِ بَلْ عَلَى مُطْلَقِ الِاخْتِصَاصِ، فَلَا بُدَّ فِي حَمْلِهَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَرِينَةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْأَمْرُ فِي اشْتَرِطِي لِلْإِبَاحَةِ عَلَى جِهَةِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ، فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ كَأَنَّهُ قَالَ: اشْتَرِطِي أَوْ لَا تَشْتَرِطِي. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: اشْتَرِيهَا وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُونَ مَا شَاءُوا. وَقِيلَ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَائِعِ الْوَلَاءَ بَاطِلٌ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ بَرِيرَةَ، فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرِطُوا مَا تَقَدَّمَ لَهُمْ عُلِمَ بُطْلَانُهُ، أَطْلَقَ الْأَمْرَ مُرِيدًا التَّهْدِيدَ عَلَى مَآلِ الْحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 105] (سورة التَّوْبَةِ: الْآيَةَ: 105) وَكَقَوْلِ مُوسَى: {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [يونس: 80] (سورة يُونُسَ: الْآيَةَ: 80) فَلَيْسَ بِنَافِعِكُمْ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: اشْتَرِطِي لَهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 فَسَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَبَّخَهُمْ فِي خُطْبَتِهِ بِأَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ بَيَانُ حُكْمِ اللَّهِ بِإِبْطَالِهِ ; إِذْ لَوْ لَمْ يُقَدِّمْ بَيَانَ ذَلِكَ لَبَدَأَ بِبَيَانِ الْحُكْمِ فِي الْخُطْبَةِ لَا بِتَوْبِيخِ الْفَاعِلِ ; لِأَنَّهُ كَانَ بَاقِيًا عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَقِيلَ: الْأَمْرُ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَعِيدِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْأَمْرُ وَبَاطِنُهُ النَّهْيُ كَقَوْلِهِ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] (سورة فُصِّلَتْ: الْآيَةَ: 40) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا كَانَ مَنِ اشْتَرَطَ خِلَافَ مَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَاصِيًا وَكَانَ فِي الْمَعَاصِي حُدُودٌ وَأَدَبٌ، كَانَ مِنْ أَدَبِ الْعَاصِينَ أَنْ تُعَطَّلَ عَلَيْهِمْ شُرُوطُهُمْ لِيَرْتَدِعُوا عَنْ ذَلِكَ وَيَرْتَدِعَ غَيْرُهُمْ، وَذَلِكَ مِنْ أَيْسَرِ الْأَدَبِ، وَقِيلَ: مَعْنَى " اشْتَرِطِي " اتْرُكِي مُخَالَفَتَهُمْ فِيمَا شَرَطُوهُ وَلَا تُظْهِرِي نِزَاعَهُمْ فِيمَا طَلَبُوهُ مُرَاعَاةً لِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ لِتَشَوُّفِ الشَّرْعِ إِلَيْهِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ التَّرْكِ بِالْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ: 102) أَيْ بِتَرْكِهِمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِذْنِ إِبَاحَةَ الْإِضْرَارِ بِالسِّحْرِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا إِلَّا أَنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الْمَجَازِ مِنْ حَيْثُ السِّيَاقُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَقْوَى الْأَجْوِبَةِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِعَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، وَأَنَّ سَبَبَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ لِمُخَالَفَتِهِ حُكْمَ الشَّرْعِ، وَهُوَ كَفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ كَانَ خَاصًّا بِتِلْكَ الْحَجَّةِ مُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ إِذَا اسْتَلْزَمَ إِزَالَةَ أَشَدِّهِمَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَبِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَلَاءِ وَالْعِتْقِ كَانَ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ سَابِقًا عَلَيْهِ، فَالْأَمْرُ بِقَوْلِهِ " اشْتَرِطِي " مُجَرَّدُ وَعْدٍ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ شَخْصًا أَنْ يَعِدَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَفِي بِذَلِكَ الْوَعْدِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَ الْحُكْمُ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ فَوَقَعَ الْأَمْرُ بِاشْتِرَاطِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ جَائِزًا فِيهِ ثُمَّ نُسِخَ بِالْخُطْبَةِ. وَقَوْلُهُ: إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَخْفَى بَعْدَهُ وَسِيَاقُ طُرُقِ الْحَدِيثِ تَدْفَعُ فِي وَجْهِ هَذَا الْجَوَابِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَاءَ لَمَّا كَانَ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، وَالْإِنْسَانُ إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ، وَلَوْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ، وَلَوْ أَرَادَ نَقْلَ وَلَائِهِ عَنْهُ أَوْ أَذِنَ فِي نَقْلِهِ عَنْهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لَمْ يَعْبَأْ بِاشْتِرَاطِهِمُ الْوَلَاءَ، وَقِيلَ: اشْتَرِطِي وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُونَ مَا شَاءُوا، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْعَقْدِ، بَلْ بِمَنْزِلَةِ لَغْوِ الْكَلَامِ وَأَخَّرَ إِعْلَامَهُمْ لِيَكُونَ رَدُّهُ وَإِبْطَالُهُمْ قَوْلًا شَهِيرًا يُخْطَبُ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ظَاهِرًا، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي النَّكِيرِ وَآكَدُ فِي التَّغْيِيرِ، انْتَهَى. وَهُوَ يُؤَوَّلُ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. (ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ) خَطِيبًا (فَحَمِدَ اللَّهَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 وَأَثْنَى عَلَيْهِ) بِمَا هُوَ أَهْلُهُ (ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَفِيهِ الْقِيَامُ فِي الْخُطْبَةِ وَابْتِدَاؤُهَا بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَأَمَّا بَعْدُ (فَمَا) بِالْفَاءِ فِي جَوَابِ أَمَّا، وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ بِلَا فَاءٍ عَلَى الْقَلِيلِ (بَالُ) أَيْ حَالُ (رِجَالٍ) وَفِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ وَالْعِشْرَةِ فَلَمْ يُوَاجِهْهُمْ بِالْخِطَابِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَسْمَائِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ تَقْرِيرُ شَرْعٍ عَامٍّ لِلْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ وَلِلصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ قِصَّةِ عَلِيٍّ فِي خِطْبَتِهِ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَكَانَتْ خَاصَّةً بِفَاطِمَةَ فَلِذَا عَيَّنَهَا ( «يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ» ) أَيْ لَيْسَتْ فِي حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ مِنْ كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ جَازَ أَنْ يُقَالَ: لِمَا حَكَمَ بِهِ حُكْمُ اللَّهِ وَقَضَاؤُهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ فِي نَصِّ الْكِتَابِ وَلَا دَلَالَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. زَادَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَوْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: أَيْ لَيْسَ فِي حُكْمِ اللَّهِ جَوَازُهُ أَوْ وُجُوبُهُ ; لِأَنَّ كُلَّ شَرْطِ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ الْقُرْآنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُشْتَرَطُ الْكَفِيلُ فَلَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ شَرْطٌ مِنْ أَوْصَافِهِ أَوْ نُجُومِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَبْطُلُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ لَيْسَ مَشْرُوعًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَأْصِيلًا وَلَا تَفْصِيلًا، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يُوجَدُ تَفْصِيلُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَالْوُضُوءِ، وَمِنْهَا مَا يُوجَدُ تَأْصِيلُهُ دُونَ تَفْصِيلِهِ كَالصَّلَاةِ، وَمِنْهَا مَا أُصِّلَ أَصْلُهُ لِدَلَالَةِ الْكِتَابِ عَلَى أَصْلِيَّةِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَكَذَلِكَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ فَكُلُّ مَا يُقْتَبَسُ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ تَفْصِيلًا فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَأْصِيلًا. ( «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» ) جَوَابُ مَا الْمَوْصُولَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِمَعْنَى الشَّرْطِ ( «وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: خَرَجَ مَخْرَجَ التَّكْثِيرِ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ فِي قَوْلِهِ: مَا كَانَ. . . إِلَخْ، دَالٌّ عَلَى بُطْلَانِ جَمِيعِ الشُّرُوطِ وَلَوْ زَادَتْ عَلَى مِائَةِ شَرْطٍ، يَعْنِي أَنَّ الشُّرُوطَ الْغَيْرَ مَشْرُوعَةٍ بَاطِلَةٌ وَإِنْ كَثُرَتْ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمَشْرُوعَةَ صَحِيحَةٌ، وَقَالَ الْمَازَرِيُّ: الشُّرُوطُ ثَلَاثَةٌ: شَرْطُ الْعَقْدِ كَالتَّسْلِيمِ وَالتَّصَرُّفِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَلُزُومِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ. وَشَرْطٌ لَا يَقْتَضِهِ بَلْ هُوَ مُصْلِحٌ لَهُ كَرَهْنٍ وَحَمِيلٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يَلْزَمُ إِلَّا بِشَرْطٍ. وَشَرْطٌ مُنَاقِضٌ لِلْعَقْدِ، فَهَذَا اضْطَرَبَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ مَعًا لِحَدِيثِ: " «مَنْ أَدْخَلَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» " وَلِمَا فِي الْعَقْدِ مِنَ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُضِعَ لَهُ مِنَ الثَّمَنِ فَلَهُ حِصَّةٌ مِنَ الْمُعَاوَضَةِ، فَيَجِبُ بُطْلَانُ مَا قَابَلَهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَجَهَالَتُهُ تُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةِ مَا سِوَاهُ فَيَجِبُ فَسْخُ الْجَمِيعِ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ الشَّرْطُ خَاصَّةً (قَضَاءُ اللَّهِ) أَيْ حُكْمُهُ (أَحَقُّ) بِالِاتِّبَاعِ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُخَالِفَةِ. (وَشَرْطُ اللَّهِ) أَيْ قَوْلُهُ: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] (سورة الْأَحْزَابِ: الْآيَةَ: 5) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 وَقَوْلُهُ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] (سورة الْحَشْرِ: الْآيَةُ 7) لِآيَةٍ قَالَهَا الدَّاوُدِيُّ. قَالَ عِيَاضٌ: وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ". وَقَوْلُهُ: " «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ". وَقَوْلُهُ: " «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» ". (أَوْثَقُ) أَقْوَى بِاتِّبَاعِ حُدُودِهِ الَّتِي حَدَّهَا وَأَفْعَلُ فِيهِمَا لَيْسَ عَلَى بَابِهِ إِذْ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَقَدْ جَاءَ أَفْعَلُ لِغَيْرِ التَّفْضِيلِ كَثِيرًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ وَرَدَ عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ مِنَ الْجَوَازِ. ( «وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثًى وَاحِدًا أَوْ جَمْعًا ; لِأَنَّ " مَنْ " لِلْعُمُومِ لَا لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَلَا يَحْلِفُ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَلَا لِلْمُلْتَقَطِ خِلَافًا لِإِسْحَاقَ، وَفِيهِ جَوَازُ السَّجْعِ غَيْرِ الْمُتَكَلَّفِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ سَجْعِ الْكُهَّانِ وَشَبَّهَهُ لِتَكَلُّفِهِ وَاشْتِمَالِهِ عَلَى مَطْوِيِّ الْغَيْبِ، وَجَوَازُ كِتَابَةِ الْأَمَةِ كَالْعَبْدِ، وَكِتَابَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ الزَّوْجُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهَا لَوْ كَانَتْ تُؤَدِّي إِلَى فِرَاقِهَا، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمُتَزَوِّجِ مَنْعُ السَّيِّدِ مِنْ عِتْقِ أَمَتِهِ الَّتِي تَحْتَهُ وَإِنْ أَدَّى إِلَى بُطْلَانِ نِكَاحِهَا، وَجَوَازُ سَعْيِ الْمُكَاتَبَةِ وَسُؤَالِهَا وَاكْتِسَابِهَا وَتَمْكِينِ السَّيِّدِ لَهَا مِنْ ذَلِكَ، وَمَحَلُّهُ إِذَا عَلِمَ حِلَّ كَسْبِهَا، وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ كَسْبِ الْأَمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حِلَّهُ أَوْ غَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ، وَأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ حِينِ الْكِتَابَةِ وَلَا يُشْتَرَطَ عَجْزُهُ خِلَافًا لِمَنْ شَرَطَهُ، وَجَوَازُ السُّؤَالِ لِمَنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ غُرْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْجِيلُ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَالْمُسَاوَمَةِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَتَشْدِيدِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ فِيهَا، وَتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ الرَّشِيدَةِ لِنَفْسِهَا فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ مُتَزَوِّجَةً خِلَافًا لِمَنْ أَبَى ذَلِكَ، وَأَنَّ مَنْ لَا يَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ لَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مُقَامَهُ، وَأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ جَازَ تَصَرُّفُهُ، وَجَوَازُ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْعِتْقِ إِظْهَارُ ذَلِكَ لِأَصْحَابِ الرَّقَبَةِ لِيُسَاهِلُوهُ فِي الثَّمَنِ، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنَ الرِّيَاءِ وَإِنْكَارِ الْقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِلشَّرْعِ وَانْتِهَارِ الرَّسُولِ فِيهِ، وَأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا بِيعَ بِالنَّقْدِ فَالرَّغْبَةُ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا إِذَا بِيعَ بِالنَّسِيئَةِ، وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ عَجَّلَ بَعْضَ كِتَابَتِهِ قَبْلَ الْمَحَلِّ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَنْهُ سَيِّدُهُ الْبَاقِيَ يُجْبَرُ، وَجَوَازُ الْكِتَابَةِ عَلَى قِيمَةِ الرَّقِيقِ وَأَقَلَّ مِنْهَا وَأَكْثَرَ ; لِأَنَّ مِنَ الثَّمَنِ الْمَنَجَّزِ وَالْمُؤَجَّلِ فَرْقًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ بَذَلَتْ عَائِشَةُ الْمُؤَجَّلَ نَاجِزًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهَا بِالتَّأْجِيلِ أَكْثَرُ مِمَّا كُوتِبَتْ بِهِ وَكَانَ أَهْلُهَا بَاعُوهَا بِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (سورة النُّورِ: الْآيَةَ: 33) الْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ وَالْوَفَاءِ بِمَا وَقَعَتِ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَالَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ الْمَالُ مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ: إِنِ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، فَنُسِبَ إِلَى التَّنَاقُضِ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ فَكَيْفَ يُكَاتِبُهُ بِمَالِهِ؟ وَمَنْ يَقُولُ: الْعَبْدُ يَمْلِكُ، لَا يُرَدُّ هَذَا عَلَيْهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ. وَفِيهِ جَوَازُ مَنْ لَا حِرْفَةَ لَهُ وَقَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَاخْتَلَفَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَذَلِكَ أَنْ بَرِيرَةَ اسْتَعَانَتْ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 كِتَابَتِهَا، فَلَوْ كَانَ لَهَا حِرْفَةٌ أَوْ مَالٌ لَمْ تَحْتَجْ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهَا لَمْ تَكُنْ حَالَّةً. وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ ابْتَاعَتْ بَرِيرَةَ مُكَاتَبَةً، وَهِيَ لَمْ تَقْبِضْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا. وَجَوَازُ أَخْذِ الْكِتَابَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ، وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَزَعَمَ أَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ. وَمَشْرُوعِيَّةُ إِعَانَةِ الْمُكَاتَبِ بِالصَّدَقَةِ، وَجَوَازُ التَّأْقِيتِ فِي الدُّيُونِ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِانْقِضَاءِ الشَّهْرِ الْحُلُولُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَنَظَرَ فِيهِ بِاحْتِمَالِ أَنَّ قَوْلَ بَرِيرَةَ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، أَيْ فِي غُرَّتِهِ مَثَلًا، وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالدُّيُونِ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا عَجَزَ حَلَّ لِسَيِّدِهِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الدُّيُونِ وَغَيْرِهَا، وَقِصَّةُ بَرِيرَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ قَصَّرَ فِي بَيَانِ تَعْيِينِ الْوَقْتِ وَإِلَّا يَصِيرُ الْأَجَلُ مَجْهُولًا، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَيْعِ إِلَّا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ أَنَّ النَّاسَ أَكْثَرُوا فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَادَ وَمِنْهُمْ مَنْ خَلَطَ وَأَتَى بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ، كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: فِيهِ إِبَاحَةُ الْبُكَاءِ فِي الْمَحَبَّةِ لِبُكَاءِ زَوْجِ بَرِيرَةَ، وَذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فِي النِّكَاحِ أَنَّ ابْنَ خُزَيْمَةَ، وَابْنَ جَرِيرٍ أَلَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا كِتَابًا فِي ذَلِكَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَبَلَّغَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَوَائِدَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ أَكْثَرُهَا مُسْتَبْعَدٌ مُتَكَلَّفٌ، كَمَا وَقَعَ نَظِيرُ ذَلِكَ لِلَّذِي صَنَّفَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ فَبَلَغَ بِهِ أَلْفَ فَائِدَةٍ وَوَاحِدَةً. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبُيُوعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الشُّرُوطِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَجَمَاعَةٌ بِكَثْرَةٍ عَنْ هِشَامٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ عِنْدَهُمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا فَقَالَ أَهْلُهَا نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا يَمْنَعَنَّكِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»   1520 - 1472 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ) وَلِيَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِهَا، وَأَشَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَفَرُّدِهِ عَنْ مَالِكٍ بِذَلِكَ، وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ عَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِعْنَ هُنَا الرِّوَايَةَ عَنْهَا نَفْسِهَا بَلْ فِي السِّيَاقِ شَيْءٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: عَنْ قِصَّةِ عَائِشَةَ فِي أَنَّهَا (أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً) هِيَ بَرِيرَةُ (تُعْتِقُهَا) بِالرَّفْعِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِتُعْتِقَهَا بِلَامٍ، وَفِي أُخْرَى فَتُعْتِقَهَا بِالْفَاءِ بَدَلَ اللَّامِ، فَهُوَ بِالنَّصْبِ (فَقَالَ أَهْلُهَا) مَوَالِيهَا (نَبِيعُكِهَا) بِكَسْرِ الْكَافِ (عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا فَذَكَرَتْ) عَائِشَةُ (ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَعْدَ مَا سَأَلَهَا حِينَ سَمِعَ إِخْبَارَ بَرِيرَةَ لَهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 كَمَا مَرَّ (فَقَالَ: لَا يَمْنَعَنَّكِ) بِنُونِ التَّوْكِيدِ الثَّقِيلَةِ، وَلِيَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ بِدُونِهَا (ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ: ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي، وَلَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنَ الْإِشْكَالِ الْوَاقِعِ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ السَّابِقَةِ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَعَلَّ هِشَامًا أَوْ عُرْوَةَ حِينَ سَمِعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَمْنَعَنَّكِ ذَلِكَ، رَأَى أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِطَ لَهُمُ الْوَلَاءَ فَلَمْ يَقِفْ مِنْ حَفِظَهُ عَلَى مَا وَقَفَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ، وَرُدَّ بِأَنَّ هِشَامًا ثِقَةٌ، حَافِظٌ، حَدِيثُهُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، فَلَا وَجْهَ لِرَدِّهِ، فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ بِمَا مَرَّ. (فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) بِلَامِ الِاخْتِصَاصِ، أَيْ أَنَّ الْوَلَاءَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ أَعْتَقَ، قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ، وَجَوَّزَ غَيْرُهُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَهِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] (سورة الْمُطَفِّفِينَ: الْآيَةَ: 1) أَوْ لِلصَّيْرُورَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِغَيْرِ مَنْ أَعْتَقَ، قَالَ الْمَازَرِيُّ: فِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِمُلْتَقِطِ اللَّقِيطِ خِلَافًا لِإِسْحَاقَ، وَلَا لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَالْوَلَاءُ فِي جَمِيعِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ وَارِثٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ فَيَرِثَهُ. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ تُثْبِتُ الْحُكْمَ لِلْمَذْكُورِ وَتَنْفِيهِ عَمَّا سِوَاهُ، وَعَبَّرَ عَنْهَا بَعْضُهُمْ بِتَحْقِيقِ الْمُتَّصِلِ وَتَمْحِيقِ الْمُنْفَصِلِ، قَالَ الْأُبِّيُّ: " إِنَّمَا " مُرَكَّبَةٌ مِنْ " إِنَّ " الَّتِي هِيَ حَرْفُ نَفْيٍ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحُرُوفِ عَلَى مَعَانِيهَا، ثُمَّ الضَّمِّ، وَلَمَّا اسْتَحَالَ رَدُّ النَّفْيِ إِلَى نَفْسِ الْمُثْبَتِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّنَاقُضِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى إِثْبَاتِهِ لِلْمَذْكُورِ وَنَفْيِهِ عَمَّا سِوَاهُ، وَبِهِ عُرِفَ الْمُتَّصِلُ وَتَمْحِيقُ الْمُنْفَصِلِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْفَرَائِضِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقَكِ فَعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا فَقَالُوا لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَنَا وَلَاؤُكِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَزَعَمَتْ عَمْرَةُ أَنَّ عَائِشَةَ «ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»   1521 - 1473 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ، الْمُكْثِرَةِ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ) تَطْلُبُ مِنْهَا الْإِعَانَةَ عَلَى مَا كُوتِبَتْ بِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: صُورَةُ سِيَاقِهِ الْإِرْسَالُ وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنِ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ يَحْيَى: سَمِعْتُ عَمْرَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، فَظَهَرَ أَنَّهُ مَوْصُولٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: عَنْ عَائِشَةَ أَنْ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ) سَادَاتُكِ (أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً) أَيْ أَدْفَعَهُ عَاجِلًا فِي مَرَّةٍ، تَشْبِيهًا بِصَبِّ الْمَاءِ وَهُوَ انْسِكَابُهُ (وَأُعْتِقَكِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالنُّصْبِ عَطْفًا عَلَى " أَصُبَّ " (فَعَلْتُ) ذَلِكَ (فَذَكَرَتْ) بِإِسْكَانِ التَّاءِ (ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا) لِمَوَالِيهَا (فَقَالُوا: لَا) نَبِيعُكِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَنَا وَلَاؤُكِ، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ) شَيْخُهُ (فَزَعَمَتْ عَمْرَةُ) الزَّعْمُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْقَوْلِ الْمُحَقَّقِ أَيْ قَالَتْ (أَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) لَا لِغَيْرِهِ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ بِيعِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ إِذَا رَضِيَ بِذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يُعَجِّزْ نَفْسَهُ، قَوْلُ أَحْمَدَ وَرَبِيعَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَلَى تَفَاصِيلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمَنَعَهُ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ، وَأَجَابُوا عَنْ قِصَّةِ بَرِيرَةَ بِأَنَّهَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَاسْتَدَلُّوا بِاسْتِعَانَةِ بَرِيرَةَ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي اسْتِعَانَتِهَا مَا يَسْتَلْزِمُ الْعَجْزَ وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ مَنْ لَا مَالَ عِنْدَهُ وَلَا حِرْفَةَ لَهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ بَرِيرَةَ أَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ أَدَاءِ النَّجْمِ وَلَا أَخْبَرَتْ بِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَلَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ اسْتِفْصَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَشْبَهُ مَا قِيلَ إِنَّهَا عَجَزَتْ، كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى مِنَ الْحُقُوقِ إِلَّا مَا وَجَبَتِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ قَوْلَهَا " كَاتَبْتُ أَهْلِي " فَقَالَ: مَعْنَاهُ رَاوَضْتُهُمْ وَاتَّفَقْتُ مَعَهُمْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ وَلَمْ يَقَعِ الْعَقْدُ فَبَعْدَ رَدِّ ذَلِكَ بِيعَتْ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى بَيْعِ الْمُكَاتَبِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ سِيَاقِ الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: الَّذِي اشْتَرَتْهُ عَائِشَةُ كِتَابَةُ بَرِيرَةَ لَا رَقَبَتُهَا، وَقَدْ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَقَالَ: يُؤَدَّى إِلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ عَجَزَ رَقَّ لَهُ. وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَرَأَيَاهُ غَرَرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَحْصُلُ لَهُ النُّجُومُ أَوِ الرَّقَبَةُ، وَاسْتَبْعَدَهُ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ بَاعُوهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَإِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ صَحَّ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَبْطُلُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَجَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ، أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَبْتَاعُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ عَلَى أَنَّهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَذِنَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ مَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ فَإِذَا جَازَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ لَهُ وَأَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ فَتِلْكَ الْهِبَةُ   1522 - 1474 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ مَمْدُودٌ وَأَصْلُهُ مِنَ الْوَلِيِّ؛ وَأَمَّا مِنَ الْإِمَارَةِ فَالْوِلَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَقِيلَ فِيهِمَا بِالْوَجْهَيْنِ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ وَالْمُرَادُ بِهِ هَنَا وَلَاءُ الْإِنْعَامِ بِالْعِتْقِ. (وَعَنْ هِبَتِهِ) أَيِ الْوَلَاءِ، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَنْقُلُونَ الْوَلَاءَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ ابْنِ دِينَارٍ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ فِيهِ إِلَيْهِ كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ حَتَّى قَالَ مُسْلِمٌ: النَّاسُ كُلُّهُمْ عِيَالٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ سَبْعَةٍ فِي صَحِيحِهِ، وَأَوْرَدَهُ غَيْرُهُ عَنْ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ حَدَّثُوا بِهِ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَوَاهُ ابْنُ المَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ خَطَأٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَالصَّوَابُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ، وَجَمِيعُ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَذْكُرُوا عُمَرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى، وَابْنُ حِبَّانَ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» ". قَالَ الْأُبِّيُّ: هَذَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِيفٌ لِحَقِيقَةِ الْوَلَاءِ شَرْعًا، وَلَا تَجِدُ تَعْرِيفًا أَتَمَّ مِنْهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْعَتِيقِ نِسْبَةً تُشْبِهُ نِسْبَةَ النَّسَبِ وَلَيْسَتْ بِهِ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الْعَبْدَ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّقِّ كَالْمَعْدُومِ فِي نَفْسِهِ وَالْمُعْتِقُ صَيَّرَهُ مَوْجُودًا، كَمَا أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مَعْدُومًا فَتَسَبَّبَ الْأَبُ فِي وُجُودِهِ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: مَعْنَى " الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ " أَنَّ اللَّهَ أَخْرَجَهُ بِالْحُرِّيَّةِ إِلَى النَّسَبِ حُكْمًا كَمَا أَنَّ الْأَبَ أَخْرَجَهُ بِالنُّطْفَةِ إِلَى الْوُجُودِ حِسًّا ; لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ لَا يَقْضِي وَلَا يَلِي وَلَا يَشْهَدُ، فَأَخْرَجَهُ سَيِّدُهُ بِالْحُرِّيَّةِ إِلَى وُجُودِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ عَدَمِهَا، فَلَمَّا شَابَهَ حُكْمَ النِّسَبِ أُنِيطَ بِالْعِتْقِ فَلِذَا جَاءَ: إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَأُلْحِقَ بِرُتْبَةِ النَّسَبِ، فَنَهَى عَنْ بَيْعِهِ وَعَنْ هِبَتِهِ، وَأَجَازَ بَعْضُ السَّلَفِ نَقْلَهُ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمُ الْحَدِيثُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَبْتَاعُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ عَلَى أَنَّهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ) لَا يَصِحُّ (وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) بِنَصِّ الْحَدِيثِ، وَبِهَذَا قَالَ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ. (وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَذِنَ لِمَوْلَاهُ) عَتِيقَهُ (أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ مَا جَازَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) هَكَذَا وَرَدَ أَيْضًا بِدُونِ إِنَّمَا عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْخَطِيبِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. ( «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ» ) بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، حَقُّ مِيرَاثِ الْمُعْتِقِ مِنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 الْعَتِيقِ (وَعَنْ هِبَتِهِ، فَإِذَا جَازَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ) أَيِ الْوَلَاءَ (لَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ (أَوْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ فَتِلْكَ الْهِبَةُ) الْمَنْهِيُّ عَنْهَا، فَلِذَا لَا يَجُوزُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 [باب جَرِّ الْعَبْدِ الْوَلَاءَ إِذَا أُعْتِقَ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَلِذَلِكَ الْعَبْدِ بَنُونَ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ فَلَمَّا أَعْتَقَهُ الزُّبَيْرُ قَالَ هُمْ مَوَالِيَّ وَقَالَ مَوَالِي أُمِّهِمْ بَلْ هُمْ مَوَالِينَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَضَى عُثْمَانُ لِلزُّبَيْرِ بِوَلَائِهِمْ   11 - بَابُ جَرِّ الْعَبْدِ الْوَلَاءَ إِذَا أُعْتِقَ 1523 - 1475 - (مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فَرُّوخَ الْمَدَنِيِّ (أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ) الْحَوَارِيِّ (اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، وَلِذَلِكَ الْعَبْدِ بَنُونَ) جَمْعُ ابْنٍ (مِنَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ، فَلَمَّا أَعْتَقَهُ الزُّبَيْرُ قَالَ: هُمْ) أَيْ بَنُوهُ (مَوَالِيَّ) بِيَاءِ الْإِضَافَةِ (وَقَالَ: مَوَالِي أُمِّهِمْ بَلْ هُمْ مَوَالِينَا) لِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ (فَاخْتَصَمُوا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (فَقَضَى عُثْمَانُ لِلزُّبَيْرِ بِوَلَائِهِمْ) دُونَ مَوَالِي أُمِّهِمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ عَبْدٍ لَهُ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ لِمَنْ وَلَاؤُهُمْ فَقَالَ سَعِيدٌ إِنْ مَاتَ أَبُوهُمْ وَهُوَ عَبْدٌ لَمْ يُعْتَقْ فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي أُمِّهِمْ قَالَ مَالِكٌ وَمَثَلُ ذَلِكَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنْ الْمَوَالِي يُنْسَبُ إِلَى مَوَالِي أُمِّهِ فَيَكُونُونَ هُمْ مَوَالِيَهُ إِنْ مَاتَ وَرِثُوهُ وَإِنْ جَرَّ جَرِيرَةً عَقَلُوا عَنْهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ أَبُوهُ أُلْحِقَ بِهِ وَصَارَ وَلَاؤُهُ إِلَى مَوَالِي أَبِيهِ وَكَانَ مِيرَاثُهُ لَهُمْ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ وَيُجْلَدُ أَبُوهُ الْحَدَّ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمُلَاعِنَةُ مِنْ الْعَرَبِ إِذَا اعْتَرَفَ زَوْجُهَا الَّذِي لَاعَنَهَا بِوَلَدِهَا صَارَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ إِلَّا أَنَّ بَقِيَّةَ مِيرَاثِهِ بَعْدَ مِيرَاثِ أُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ لِأُمِّهِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يُلْحَقْ بِأَبِيهِ وَإِنَّمَا وَرَّثَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ الْمُوَالَاةَ مَوَالِيَ أُمِّهِ قَبْلَ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ أَبُوهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ وَلَا عَصَبَةٌ فَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ صَارَ إِلَى عَصَبَتِهِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي وَلَدِ الْعَبْدِ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَأَبُو الْعَبْدِ حُرٌّ أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الْعَبْدِ يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِ ابْنِهِ الْأَحْرَارِ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ يَرِثُهُمْ مَا دَامَ أَبُوهُمْ عَبْدًا فَإِنْ عَتَقَ أَبُوهُمْ رَجَعَ الْوَلَاءُ إِلَى مَوَالِيهِ وَإِنْ مَاتَ وَهُوَ عَبْدٌ كَانَ الْمِيرَاثُ وَالْوَلَاءُ لِلْجَدِّ وَإِنْ الْعَبْدُ كَانَ لَهُ ابْنَانِ حُرَّانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَأَبُوهُ عَبْدٌ جَرَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ الْوَلَاءَ وَالْمِيرَاثَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تُعْتَقُ وَهِيَ حَامِلٌ وَزَوْجُهَا مَمْلُوكٌ ثُمَّ يَعْتِقُ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَوْ بَعْدَمَا تَضَعُ إِنَّ وَلَاءَ مَا كَانَ فِي بَطْنِهَا لِلَّذِي أَعْتَقَ أُمَّهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ قَدْ كَانَ أَصَابَهُ الرِّقُّ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ أُمُّهُ وَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ لِأَنَّ الَّذِي تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ إِذَا عَتَقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلَاءَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا لَهُ فَيَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ إِنَّ وَلَاءَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ لَا يَرْجِعُ وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَإِنْ عَتَقَ   1523 - 1476 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ عَبْدٍ لَهُ وَلَدٌ مِنَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ، لِمَنْ وَلَاؤُهُمْ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنْ مَاتَ أَبُوهُمْ وَهُوَ عَبْدٌ لَمْ يُعْتَقْ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِ " عَبْدٍ " لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ إِطْلَاقَهُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ (فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي أُمِّهِمْ) وَإِنْ عُتِقَ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَكُنْ لَهُمُ الْوَلَاءُ (قَالَ مَالِكٌ: وَمَثَلُ) بِفُتْحَتَيْنِ (ذَلِكَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنَ الْمَوَالِي) صِفَةٌ لَهَا (يُنْسَبُ إِلَى مَوَالِي أُمِّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 فَيَكُونُونَ هُمْ مَوَالِيَهُ إِنْ مَاتَ وَرِثُوهُ وَإِنَّ جَرَّ جَرِيرَةً) فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى مُفَعْوِلَةٍ، مَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ ذَنْبٍ، وَالْمَعْنَى: وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً (عَقَلُوا عَنْهُ) لِأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ (فَإِنِ اعْتَرَفَ بِهِ أَبُوهُ أُلْحِقَ بِهِ وَصَارَ وَلَاؤُهُ إِلَى مَوَالِي أَبِيهِ وَكَانَ مِيرَاثُهُ لَهُمْ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ وَيُجْلَدُ أَبُوهُ الْحَدَّ) أَيْ حَدَّ الْقَذْفِ. (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمُلَاعَنَةُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا (مِنَ الْعَرَبِ) أَيِ الْأَحْرَارِ أَصَالَةً (إِذَا اعْتَرَفَ زَوْجُهَا الَّذِي لَاعَنَهَا بِوَلَدِهَا صَارَ بِمِثْلِ) أَيْ صِفَةِ (هَذِهِ الْمَنْزِلَة إِلَّا أَنَّ بَقِيَّةَ مِيرَاثِهِ بَعْدَ مِيرَاثِ أُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ لِأُمِّهِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَلْحَقْ بِأَبِيهِ) فَإِنِ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَ بِهِ (وَإِنَّمَا وَرَّثَ) بِشَدِّ الرَّاءِ (وَلَدُ) فَاعِلٌ (الْمُلَاعَنَةِ الْمُوَالَاةَ) بِالْجَرِّ صِفَةٌ (مَوَالِيَ أُمِّهِ) مَفْعُولٌ (قَبْلَ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ أَبُوهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ وَلَا عَصَبَةٌ، فَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ) بِاعْتِرَافِ أَبِيهِ (صَارَ إِلَى عَصَبَتِهِ) أَيْ عَادَ إِلَيْهِمْ (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي وَلَدِ الْعَبْدِ مِنَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَأَبُو الْعَبْدِ حُرٌّ: أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الْعَبْدِ يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِ ابْنِهِ الْأَحْرَارِ مِنَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ تَرِثُهُمْ مَا دَامَ أَبُوهُمْ عَبْدًا، فَإِنْ عَتَقَ أَبُوهُمْ رَجَعَ الْوَلَاءُ إِلَى مَوَالِيهِ، وَإِنْ مَاتَ وَهُوَ عَبْدٌ كَانَ) أَيِ اسْتَمَرَّ (الْمِيرَاثُ وَالْوَلَاءُ لِلْجَدِّ، وَإِنِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ الْخَفِيفَةِ (الْعَبْدُ كَانَ لَهُ ابْنَانِ حُرَّانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَأَبُوهُ عَبْدٌ حُرٌّ) سَحَبَ (الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ الْوَلَاءَ وَالْمِيرَاثَ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 (قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تُعْتَقُ وَهِيَ حَامِلٌ وَزَوْجُهَا مَمْلُوكٌ، ثُمَّ يُعْتَقُ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَوْ بَعْدَمَا تَضَعُ: إِنَّ وَلَاءَ مَا كَانَ فِي بَطْنِهَا لِلَّذِي أَعْتَقَ أُمَّهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ قَدْ كَانَ أَصَابَهُ الرِّقُّ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ أُمُّهُ) فَثَبَتَ لِمُعْتِقِهَا فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ (وَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ ; لِأَنَّ الَّذِي تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ إِذَا أُعْتِقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلَاءَهُ) أَيْ سَحَبَهُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا لَهُ فَيَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ) فِي عِتْقِهِ (إِنَّ وَلَاءَ الْمُعْتَقِ) بِالْفَتْحِ (لِسَيِّدِ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ الْمُعَتِقُ حَقِيقَةً (لَا يَرْجِعُ وَلَاؤُهُ إِلَى سَيِّدِهِ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَإِنْ عَتَقَ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ لَا يَنْتَقِلُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 [باب مِيرَاثِ الْوَلَاءِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلَاثَةً اثْنَانِ لِأُمٍّ وَرَجُلٌ لِعَلَّةٍ فَهَلَكَ أَحَدُ اللَّذَيْنِ لِأُمٍّ وَتَرَكَ مَالًا وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَالَهُ وَوَلَاءَهُ مَوَالِيهِ ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي وَرِثَ الْمَالَ وَوَلَاءَ الْمَوَالِي وَتَرَكَ ابْنَهُ وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ فَقَالَ ابْنُهُ قَدْ أَحْرَزْتُ مَا كَانَ أَبِي أَحْرَزَ مِنْ الْمَالِ وَوَلَاءِ الْمَوَالِي وَقَالَ أَخُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا أَحْرَزْتَ الْمَالَ وَأَمَّا وَلَاءُ الْمَوَالِي فَلَا أَرَأَيْتَ لَوْ هَلَكَ أَخِي الْيَوْمَ أَلَسْتُ أَرِثُهُ أَنَا فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَضَى لِأَخِيهِ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي   12 - بَابُ مِيرَاثِ الْوَلَاءِ 1524 - 1477 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ حَزْمٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) الْقُرَشِيِّ الْمَخْزُومِيِّ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي بَكْرٍ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ (أَنَّ الْعَاصِي بْنَ هِشَامٍ) أَخَا الْحَارِثِ (هَلَكَ) قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا (وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلَاثَةً اثْنَانِ لِأُمٍّ) أَيْ شَقِيقَانِ (وَرَجُلٌ لِعَلَّةٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ الثَّقِيلَةِ، أَيِ امْرَأَةٍ أُخْرَى، وَالْجَمْعُ عَلَّاتٌ إِذَا كَانَ الْأَبُ وَاحِدًا وَالْأُمَّهَاتُ شَتَّى، قِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنَ الْعِلَلِ وَهُوَ الشُّرْبُ بَعْدَ الشُّرْبِ ; لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ أُخْرَى صَارَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 كَأَنَّهُ شَرِبَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، قَالَ الشَّاعِرُ: أَفِي الْوَلَائِمِ أَوْلَادٌ لِوَاحِدَةٍ ... وَفِي الْعِيَادَةِ أَوْلَادٌ لِعَلَّاتٍ (فَهَلَكَ أَحَدُ اللَّذَيْنِ لِأُمٍّ وَتَرَكَ مَالًا وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَالَهُ وَوَلَاءَ مَوَالِيهِ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ وَرِثَهُ (ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي وَرِثَ الْمَالَ وَوَلَاءَ الْمُوَالِي وَتَرَكَ ابْنَهُ وَأَخَاهُ) لِأَبِيهِ (فَقَالَ: ابْنُهُ قَدْ أَحْرَزْتُ) ضَمَمْتُ وَمَلَكْتُ (مَا كَانَ أَبِي أَحْرَزَ مِنَ الْمَالِ وَوَلَاءِ الْمَوَالِي، فَقَالَ أَخُوهُ) أَخُو الْمَيِّتِ، وَهُوَ عَمُّ الْمُنَازِعِ (لَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا أَحْرَزْتَ الْمَالَ، وَأَمَّا وَلَاءُ الْمَوَالِي فَلَا، أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (لَوْ هَلَكَ أَخِي) الْأَوَّلُ الَّذِي وَرِثَ أَبُوكَ مِنْهُ الْمَالَ وَالْوَلَاءَ (الْيَوْمَ بَعْدَ مَوْتِ شَقِيقِهِ) الَّذِي هُوَ أَبُوكَ (أَلَسْتُ أَرِثُهُ أَنَا؟) دُونَكَ ; لِأَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى ابْنِ الْأَخِ الشَّقِيقِ (فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَضَى عُثْمَانُ لِأَخِيهِ بِوَلَاءِ الْمُوَالِي) دُونَ ابْنِهِ، وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الْعَاصِيَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا فَكَيْفَ يَمُوتُ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ وَيَتَحَاكَمُ إِلَيْهِ فِي إِرْثِهِ؟ وَالَّذِي يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ أَنْ يَكُونَ التَّحَاكُمُ فِي الْإِرْثِ تَأَخَّرَ إِلَى زَمَنِ عُثْمَانَ، لَكِنَّ مَنْ يُقْتَلُ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا لَا يُتَحَاكَمُ فِي إِرْثِهِ إِلَى عُثْمَانَ فِي خِلَافَتِهِ، ثُمَّ وَجَدْتُ أَنَّ الَّذِي تَحَاكَمَ إِلَى عُثْمَانَ وَلَدُ الْعَاصِي بْنِ هِشَامٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَعِيدٌ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، كَذَا قَالَ الْحَافِظُ: تَعْجِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَسَهْوُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَخَاصَمْ فِي إِرْثِ الْعَاصِي، وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي صَدْرِ الْخَبَرِ لِبَيَانِ أَنَّهُ خَلَّفَ شَقِيقَيْنِ وَوَاحِدًا لِأُمٍّ أُخْرَى، وَالَّذِي تَخَاصَمَ إِلَى عُثْمَانَ إِنَّمَا هُوَ ابْنُ الْعَاصِي وَابْنُ ابْنِهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ وَرِثَ شَقِيقُهُ مَالَهُ وَوَلَاءَ مَوَالِيهِ لِمَوْتِهِ بِلَا وَلَدٍ فَاخْتَصَمَا فِي وَلَاءِ مَوَالِيهِ دُونَ إِرْثِهِ لَا ذِكْرَ لِمِيرَاثِ الْعَاصِي أَصْلًا فَلَا إِشْكَالَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَبُوهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ فَاخْتَصَمَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ جُهَيْنَةَ وَنَفَرٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ كُلَيْبٍ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ مَالًا وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهَا ابْنُهَا وَزَوْجُهَا ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا فَقَالَ وَرَثَتُهُ لَنَا وَلَاءُ الْمَوَالِي قَدْ كَانَ ابْنُهَا أَحْرَزَهُ فَقَالَ الْجُهَنِيُّونَ لَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا هُمْ مَوَالِي صَاحِبَتِنَا فَإِذَا مَاتَ وَلَدُهَا فَلَنَا وَلَاؤُهُمْ وَنَحْنُ نَرِثُهُمْ فَقَضَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ لِلْجُهَنِيِّينَ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي   1525 - 1478 - (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَبُوهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْد أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ (فَاخْتَصَمَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ جُهَيْنَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 الْهَاءِ (وَنَفَرٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ) بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ كُلَيْبٍ) بِضَمِّ الْكَافِ، مُصَغَّرٌ (فَمَاتَتِ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ مَالًا وَمَوَالِيَ) عُتَقَاءً لَهَا (فَوَرِثَهَا ابْنُهَا) لَمْ يُسَمَّ (وَزَوْجُهَا) إِبْرَاهِيمُ (ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا، فَقَالَتْ وَرَثَتُهُ: لَنَا وَلَاءُ الْمَوَالِي) لِأَنَّهُ (قَدْ كَانَ ابْنُهَا أَحْرَزَهُ) ضَمَّهُ وَحَازَهُ (فَقَالَ الْجُهَنِيُّونَ: لَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا هُمْ مَوَالِي صَاحِبَتِنَا فَإِذَا مَاتَ وَلَدُهَا فَلَنَا وَلَاؤُهُمْ وَنَحْنُ نَرِثُهُمْ، فَقَضَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ لِلْجُهَنِيِّينَ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي) دُونَ وَرَثَةِ الِابْنِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فِي رَجُلٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلَاثَةً وَتَرَكَ مَوَالِيَ أَعْتَقَهُمْ هُوَ عَتَاقَةً ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَيْنِ مِنْ بَنِيهِ هَلَكَا وَتَرَكَا أَوْلَادًا فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يَرِثُ الْمَوَالِيَ الْبَاقِي مِنْ الثَّلَاثَةِ فَإِذَا هَلَكَ هُوَ فَوَلَدُهُ وَوَلَدُ إِخْوَتِهِ فِي وَلَاءِ الْمَوَالِي شَرَعٌ سَوَاءٌ   1525 - 1479 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فِي رَجُلٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلَاثَةً وَتَرَكَ مَوَالِيَ أَعْتَقَهُمْ هُوَ عَتَاقَةً) بِفَتْحِ السِّينِ وَوَهِمَ مَنْ كَسَرَهَا (ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَيْنِ مِنْ بَنِيهِ هَلَكَا) مَاتَا (وَتَرَكَ أَوْلَادًا، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: يَرِثُ الْمَوَالِي) كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَهُوَ خَطَأٌ وَصَوَابُهُ الْوَلَاءُ كَذَا قِيلَ، وَالرِّوَايَةُ صَوَابٌ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ وَلَاءُ الْمَوَالِي وَهُوَ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ وَالْفَاعِلُ الِابْنُ (الْبَاقِي مِنْ) بَنِيهِ (الثَّلَاثَةِ فَإِذَا هَلَكَ هُوَ) أَيِ الثَّالِثُ (فَوَلَدُهُ وَوُلَدُ إِخْوَتِهِ فِي وَلَاءِ الْمَوَالِي شَرْعٌ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَتُسَكَّنُ لِلتَّخْفِيفِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، أَيْ (سَوَاءٌ) فَهُوَ عَطْفُ بَيَانٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 [باب مِيرَاثِ السَّائِبَةِ وَوَلَاءِ مَنْ أَعْتَقَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ] وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبَةِ قَالَ يُوَالِي مَنْ شَاءَ فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُوَالِي أَحَدًا فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ قَالَ مَالِكٌ إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي السَّائِبَةِ أَنَّهُ لَا يُوَالِي أَحَدًا وَأَنَّ مِيرَاثَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَعَقْلَهُ عَلَيْهِمْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ عَبْدُ أَحَدِهِمَا فَيُعْتِقُهُ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ إِنَّ وَلَاءَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ الْوَلَاءُ أَبَدًا قَالَ وَلَكِنْ إِذَا أَعْتَقَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا عَلَى دِينِهِمَا ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ الَّذِي أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ الَّذِي أَعْتَقَهُ رَجَعَ إِلَيْهِ الْوَلَاءُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ يَوْمَ أَعْتَقَهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَ لِلْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ وَلَدٌ مُسْلِمٌ وَرِثَ مَوَالِيَ أَبِيهِ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ إِذَا أَسْلَمَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ حِينَ أُعْتِقَ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ النَّصْرَانِيِّ أَوْ الْيَهُودِيِّ الْمُسْلِمَيْنِ مِنْ وَلَاءِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْيَهُودِيِّ وَلَا لِلنَّصْرَانِيِّ وَلَاءٌ فَوَلَاءُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ   13 - بَابُ مِيرَاثِ السَّائِبَةِ وَوَلَاءِ مَنْ أَعْتَقَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ هِيَ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ سَائِبَةٌ، يُرِيدُ بِهِ الْعِتْقَ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَلُزُومِهِ وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ الْعِتْقَ بِلَفْظِ سَائِبَةٍ لِاسْتِعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ لَهَا فِي الْأَنْعَامِ، وَلِقَوْلِهِ إِنَّهُ أَمْرٌ تَرَكَهُ النَّاسُ وَتَرَكُوا الْعَمَلَ بِهِ. 1527 - 1480 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ السَّائِبَةِ، فَقَالَ: يُوَالِي مَنْ شَاءَ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ) وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ. وَقَالَ (مَالِكٌ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي السَّائِبَةِ أَنَّهُ لَا يُوَالِي أَحَدًا وَأَنَّ مِيرَاثَهُ لِلْمُسْلِمِينَ) وَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَنْهُمْ (وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ. وَقَالَ ابْنُ المَاجِشُونِ وَابْنُ نَافِعٍ، وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: وَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ، وَقِيلَ: يَشْتَرِي بِتَرِكَتِهِ رِقَابًا فَتُعْتَقُ. (مَالِكٌ: فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ عَبْدُ أَحَدِهِمَا فَيُعْتِقُهُ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ) فَيَمْضِي عِتْقُهُ نَظَرًا لِتَشَوُّفِ الشَّرْعِ لِلْعِتْقِ (أَنَّ وَلَاءَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ) بِفَتْحِ التَّاءِ (لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ الْوَلَاءُ أَبَدًا) لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُمْ (وَلَكِنْ إِذَا أَعْتَقَ الْيَهُودِيُّ عَبْدًا عَلَى دِينِهِمَا ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ) بِالْفَتْحِ (قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الْيَهُودِيُّ أَوِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 النَّصْرَانِيُّ الَّذِي أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ الَّذِي أَعْتَقَهُ رَجَعَ إِلَيْهِ الْوَلَاءُ ; لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ يَوْمَ أَعْتَقَهُ) وَهُوَ لَا يَنْتَقِلُ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، فَلَمَّا أَسْلَمَ رَجَعَ لَهُ الْوَلَاءُ (وَإِنْ كَانَ لِلْيَهُودِيِّ وَلَدٌ مُسْلِمٌ وَرِثَ مَوَالِيَ أَبِيهِ الْيَهُودِيِّ إِذَا أَسْلَمَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ) بِفَتْحِ التَّاءِ (قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الَّذِي أَعْتَقَهُ) وَهُمَا كَافِرَانِ (وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ) بِالْفَتْحِ (حِينَ أُعْتِقَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ النَّصْرَانِيِّ أَوِ الْيَهُودِيِّ الْمُسْلِمَيْنِ) بِالتَّثْنِيَةِ صِفَةٌ لِلْوَلَدَيْنِ (مِنْ وَلَاءِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْيَهُودِيِّ وَلَا لِلنَّصْرَانِيِّ وَلَاءٌ، فَوَلَاءُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُسْلِمُ ابْنُ الْمُعْتِقِ الْكَافِرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 [كِتَاب الْمُكَاتَبِ] [باب الْقَضَاءِ فِي الْمُكَاتَبِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْمُكَاتَبِ باب الْقَضَاءِ فِي الْمُكَاتَبِ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْمُكَاتَبِ بِالْفَتْحِ مَنْ تَقَعُ عَلَيْهِ الْكِتَابَةُ، وَبِالْكَسْرِ مَنْ تَقَعُ مِنْهُ، وَكَافُ الْكِتَابَةِ تُفْتَحُ وَتُكْسَرُ، قَالَ الرَّاغِبُ: اشْتِقَاقُهَا مِنْ كَتَبَ بِمَعْنَى أَوْجَبَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ: 183) ، {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةَ: 103) أَوْ بِمَعْنَى جَمَعَ وَضَمَّ، وَمِنْهُ كَتَبَ عَلَى الْخَطِّ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ مَأْخُوذَةً مِنْ مَعْنَى الِالْتِزَامِ، وَعَلَى الثَّانِي مَأْخُوذَةً مِنَ الْخَطِّ لِوُجُودِهِ عِنْدَ عَقْدِهَا غَالِبًا. قَالَ ابْنُ التِّينِ: كَانَتِ الْكِتَابَةُ مُتَعَارَفَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ فِي الْإِسْلَامِ أَبُو الْمُؤَمِّلِ، «فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعِينُوا أَبَا الْمُؤَمِّلِ فَأُعِينَ فَقَضَى كِتَابَتَهُ وَفَضَلَتْ عِنْدَهُ فَضْلَةٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْفِقْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: كَانُوا يَتَكَاتَبُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الرِّجَالِ سَلْمَانُ ثُمَّ بَرِيرَةُ، فَقَوْلُ الرُّويَانِيُّ لِلْكِتَابَةِ إِسْلَامِيَّةٌ، وَلَمْ تُعْرَفْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِلَافُ الصَّحِيحِ. 1 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الْمُكَاتَبِ 1528 - 1481 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ) وَلَوْ قَلَّ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ ". وَقَدْ وَرَدَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ» ". وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا يَقُولَانِ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ رَأْيِي قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ هَلَكَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ وَلَهُ وَلَدٌ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ أَوْ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ وَرِثُوا مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ قَضَاءِ كِتَابَتِهِ   1528 - 1482 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ؛ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا يَقُولَانِ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ) وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ سَعْدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: " اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَعَرَفَتْ صَوْتِي فَقَالَتْ: سُلَيْمَانُ؟ فَقُلْتُ: سُلَيْمَانُ، فَقَالَتْ: أَدَّيْتَ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْ كِتَابَتِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، إِلَّا شَيْئًا يَسِيرًا، قَالَتْ: ادْخُلْ فَإِنَّكَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ شَيْءٌ ". وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: " الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ ". (قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ رَأْيِي) وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَكَانَ فِيهِ خِلَافٌ عَنِ السَّلَفِ فَعَنْ عَلِيٍّ إِذَا أَدَّى الشَّطْرَ فَهُوَ غَرِيمٌ، وَعَنْهُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَتَيْنِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ فَأَدَّى الْمِائَةَ عُتِقَ. وَعَنْ عَطَاءٍ: إِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ كِتَابَتِهِ عَتَقَ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى» ". وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ، لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي إِرْسَالِهِ وَوَصْلِهِ، حُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَهُوَ أَقْوَى، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنْ بَرِيرَةَ بِيعَتْ بَعْدَ أَنْ كُوتِبَتْ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَصِيرُ بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ حُرًّا لَمُنِعَ بَيْعُهَا، وَقَدْ نَاظَرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَيْهَا فَقَالَ: أَتَرْجُمُهُ وَلَوْ زَنَى أَوْ تُجِيزُ شَهَادَتَهُ إِنْ شَهِدَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا، فَقَالَ زَيْدٌ: فَهُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. (قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ هَلَكَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ وَلَهُ وَلَدٌ وُلِدُوا فِي) زَمَنِ (كِتَابَتِهِ) أَيْ بَعْدَ عَقْدِهَا (أَوْ) كَانُوا مَوْجُودِينَ قَبْلَهَا وَ (كَاتَبَ عَلَيْهِمْ وَرِثُوا مَا بَقِيَ مِنَ الْمَالِ بَعْدَ قَضَاءِ كِتَابَتِهِ) إِلَى سَيِّدِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ أَنَّ مُكَاتَبًا كَانَ لِابْنِ الْمُتَوَكِّلِ هَلَكَ بِمَكَّةَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ بَقِيَّةً مِنْ كِتَابَتِهِ وَدُيُونًا لِلنَّاسِ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ فَأَشْكَلَ عَلَى عَامِلِ مَكَّةَ الْقَضَاءُ فِيهِ فَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ ابْدَأْ بِدُيُونِ النَّاسِ ثُمَّ اقْضِ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ ثُمَّ اقْسِمْ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ بَيْنَ ابْنَتِهِ وَمَوْلَاهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يُكَاتِبَهُ إِذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] يَتْلُو هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا - فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 2 - 10] قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْرٌ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ لِلنَّاسِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِمْ قَالَ مَالِكٌ وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] إِنَّ ذَلِكَ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ غُلَامَهُ ثُمَّ يَضَعُ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا مُسَمًّى قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَدْرَكْتُ عَمَلَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَضَعَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ تَبِعَهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُمْ فِي كِتَابَتِهِ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْمُكَاتَبِ يُكَاتِبُهُ سَيِّدُهُ وَلَهُ جَارِيَةٌ بِهَا حَبَلٌ مِنْهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ هُوَ وَلَا سَيِّدُهُ يَوْمَ كِتَابَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ ذَلِكَ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ وَهُوَ لِسَيِّدِهِ فَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَإِنَّهَا لِلْمُكَاتَبِ لِأَنَّهَا مِنْ مَالِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَرِثَ مُكَاتَبًا مِنْ امْرَأَتِهِ هُوَ وَابْنُهَا إِنَّ الْمُكَاتَبَ إِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ كِتَابَتَهُ اقْتَسَمَا مِيرَاثَهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَإِنْ أَدَّى كِتَابَتَهُ ثُمَّ مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مِنْ مِيرَاثِهِ شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ قَالَ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ إِنَّمَا أَرَادَ الْمُحَابَاةَ لِعَبْدِهِ وَعُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا كَاتَبَهُ عَلَى وَجْهِ الرَّغْبَةِ وَطَلَبِ الْمَالِ وَابْتِغَاءِ الْفَضْلِ وَالْعَوْنِ عَلَى كِتَابَتِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَطِئَ مُكَاتَبَةً لَهُ إِنَّهَا إِنْ حَمَلَتْ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ عَلَى كِتَابَتِهَا فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَهِيَ عَلَى كِتَابَتِهَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ إِنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُكَاتِبُ نَصِيبَهُ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ صَاحِبُهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ إِلَّا أَنْ يُكَاتِبَاهُ جَمِيعًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَعْقِدُ لَهُ عِتْقًا وَيَصِيرُ إِذَا أَدَّى الْعَبْدُ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَعْتِقَ نِصْفُهُ وَلَا يَكُونُ عَلَى الَّذِي كَاتَبَ بَعْضَهُ أَنْ يَسْتَتِمَّ عِتْقَهُ فَذَلِكَ خِلَافُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ رَدَّ إِلَيْهِ الَّذِي كَاتَبَهُ مَا قَبَضَ مِنْ الْمُكَاتَبِ فَاقْتَسَمَهُ هُوَ وَشَرِيكُهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا وَبَطَلَتْ كِتَابَتُهُ وَكَانَ عَبْدًا لَهُمَا عَلَى حَالِهِ الْأُولَى قَالَ مَالِكٌ فِي مُكَاتَبٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَنْظَرَهُ أَحَدُهُمَا بِحَقِّهِ الَّذِي عَلَيْهِ وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يُنْظِرَهُ فَاقْتَضَى الَّذِي أَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ بَعْضَ حَقِّهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ قَالَ مَالِكٌ يَتَحَاصَّانِ مَا تَرَكَ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُمَا عَلَيْهِ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَإِنْ تَرَكَ الْمُكَاتَبُ فَضْلًا عَنْ كِتَابَتِهِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ وَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوَاءِ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَقَدْ اقْتَضَى الَّذِي لَمْ يُنْظِرْهُ أَكْثَرَ مِمَّا اقْتَضَى صَاحِبُهُ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ فَضْلَ مَا اقْتَضَى لِأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي لَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَإِنْ وَضَعَ عَنْهُ أَحَدُهُمَا الَّذِي لَهُ ثُمَّ اقْتَضَى صَاحِبُهُ بَعْضَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَرُدُّ الَّذِي اقْتَضَى عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ لِلرَّجُلَيْنِ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيُنْظِرُهُ أَحَدُهُمَا وَيَشِحُّ الْآخَرُ فَيَقْتَضِي بَعْضَ حَقِّهِ ثُمَّ يُفْلِسُ الْغَرِيمُ فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي اقْتَضَى أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا مِمَّا أَخَذَ   1530 - 1483 - (مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ) الْأَعْرَجِ الْقَارِي (أَنَّ مُكَاتَبًا) اسْمُهُ عَبَّادٌ (كَانَ لِابْنِ الْمُتَوَكِّلِ، هَلَكَ بِمَكَّةَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ بَقِيَّةً مِنْ كِتَابَتِهِ وَدُيُونًا لِلنَّاسِ) عَلَيْهِ (وَتَرَكَ ابْنَتَهُ فَأَشْكَلَ الحديث: 1530 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 عَلَى عَامِلِ) أَيْ أَمِيرِ (مَكَّةَ) يَوْمَئِذٍ (الْقَضَاءُ فِيهِ) لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ (فَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ) الْخَلِيفَةِ إِذْ ذَاكَ (يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ) وَأَرْسَلَهُ إِلَى الشَّامِ (فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنِ ابْدَأْ بِدُيُونِ النَّاسِ) فَاقْضِهَا لَهُمْ (ثُمَّ اقْضِ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ) لِسَيِّدِهِ (ثُمَّ اقْسِمْ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ بَيْنَ ابْنَتِهِ وَمَوْلَاهُ) مُعْتِقِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ نِصْفَيْنِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَضَى بِذَلِكَ مُعَاوِيَةُ قَبْلَهُ، ذَكَرَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: سَأَلَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ عَنِ الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَلَهُ وَلَدٌ حُرٌّ، فَقُلْتُ: قَضَى عُمَرُ أَنَّ مَالَهُ كُلَّهُ لِسَيِّدِهِ. وَقَضَى مُعَاوِيَةُ أَنَّ سَيِّدَهُ يُعْطِي بَقِيَّةَ كِتَابَتِهِ ثُمَّ مَا بَقِيَ لِوَلَدِهِ الْأَحْرَارِ. وَمَالِكٌ لَا يَقُولُ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّ بِنْتَهُ كَانَتْ حُرَّةً أُمُّهَا حُرَّةٌ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يَرِثُهُ وَارِثُهُ الْحُرُّ إِذَا مَاتَ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا يَرِثُهُ مَنْ مَعَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ فِي كِتَابَتِهِ وَإِلَّا فَكُلُّهُ لِسَيِّدِهِ كَمَا قَضَى بِهِ عَمْرٌو، قَالَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، انْتَهَى. مُلَخَّصًا. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ) يَجِبُ (عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يُكَاتِبَهُ إِذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ) وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ (وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْأَئِمَّةِ أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ) وَفِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا، وَأَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ سِيرِينَ وَالِدَ مُحَمَّدٍ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْمُكَاتَبَةَ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ فَاسْتَعْدَاهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ لِأَنَسٍ: كَاتِبْهُ، فَأَبَى فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَتَلَا عُمَرُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (سورة النُّورِ: الْآيَةَ: 33) فَكَاتَبَهُ أَنَسٌ. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَاتَبَ أَنَسٌ أَبِي عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَاتَبَنِي أَنَسٌ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ كَانَا مَحْفُوظَيْنِ جُمِعَ بَيْنِهِمَا بِحَمْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْوَزْنِ وَالْآخَرِ عَلَى الْعَدَدِ. وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: هَذِهِ مُكَاتَبَةُ أَنَسٍ عِنْدَنَا، هَذَا مَا كَاتَبَ أَنَسٌ غُلَامَهُ سِيرِينَ عَلَى كَذَا وَكَذَا أَلْفًا، وَعَلَى غُلَامَيْنِ يَعْمَلَانِ مِثْلَ عَمَلِهِ. فَظَاهِرُ ضَرْبِ عُمَرَ لِأَنَسٍ حِينَ امْتَنَعَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى وُجُوبَ الْكِتَابَةِ إِذَا سَأَلَهَا الْعَبْدُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَدَّبَهُ عَلَى تَرْكِ الْمَنْدُوبِ الْمُؤَكَّدِ. وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ الْكِتَابَةَ: لَوْلَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا فَعَلْتُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى الْوُجُوبَ، قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: إِنَّمَا عَلَا عُمَرُ أَنَسًا بِالدِّرَّةِ عَلَى وَجْهِ النُّصْحِ لِأَنَسٍ وَلَوْ لَزِمَتْهُ مَا أَبَى، وَإِنَّمَا نَدَبَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 عُمَرُ إِلَى الْأَفْضَلِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ عُمَرَ بِأَنَسٍ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَالِاسْتِحْسَانِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ. (وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ:) {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 33] (سورة النُّورِ: الْآيَةَ: 33) {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] قِيلَ مَالًا، وَقِيلَ صَلَاحًا، وَقِيلَ هَنَاءً وَأَدَاءً، وَقِيلَ صِدْقًا وَوَفَاءً وَقُوَّةً. قَالَ أَبُو عُمَرَ: دَلَّ حَدِيثُ بَرِيرَةَ أَنَّهُ الْكَسْبُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْهَا أَمَعَكِ مَالٌ أَمْ لَا؟ وَلَمْ يَنْهَهَا عَنِ السُّؤَالِ، وَقَدْ يَكُونُ الْكَسْبُ بِالْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ قِيلَ الْمَسْأَلَةُ آخِرُ كَسْبِ الْمُؤْمِنِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ: لَا يُحْتَمَلُ أَنَّ الْخَيْرَ فِي الْآيَةِ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لُغَةً أَنْ يُقَالَ فِي الْعَبْدِ مَالٌ أَوْ فِي الْأَمَةِ مَالٌ ; لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَكُونُ فِي الْإِنْسَانِ إِنَّمَا يَكُونُ لَهُ وَعِنْدَهُ وَفِي يَدِهِ لَا فِيهِ، قَالَ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ يَعْنِي دِينًا وَأَمَانَةً وَصِدْقًا وَوَفَاءً أَوْلَى، فَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ كَمَا قَالَ بِهِ مَسْرُوقٌ، وَعَطَاءٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَعَمْرُوبْنُ دِينَارٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَدَاوُدُ وَأَتْبَاعُهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إِمَّا بَيْعٌ أَوْ عِتْقٌ وَكِلَاهُمَا لَا يَجِبُ، وَالْأَمْرُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ لِغَيْرِ الْوُجُوبِ، وَلِذَا كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ (يَتْلُو هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَالصَّيْدُ بَعْدَ الْإِحْلَالِ لَا يَجُبْ إِجْمَاعًا فَهُوَ أَمْرُ إِبَاحَةٍ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] وَالِانْتِشَارُ وَالِابْتِغَاءُ لَا يَجِبَانِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ فَهُوَ لِلْإِبَاحَةِ. وَلِذَا (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْرٌ أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ لِلنَّاسِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ غَرَرٍ، فَالْأَصْلُ أَنْ لَا تَجُوزَ فَلَمَّا أَذِنَ فِيهَا كَانَ أَمْرًا بَعْدَ مَنْعٍ، وَالْأَمْرُ بَعْدَ الْمَنْعِ لِلْإِبَاحَةِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ؛ لِأَنَّ اسْتِحْبَابَهَا ثَبَتَ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمَّا لَمْ يُجِبْ عَلَى السَّيِّدِ بَيْعُهُ بِإِجْمَاعٍ، وَفِي الْكِتَابَةِ إِخْرَاجُ مَلْكِهِ عَنْهُ بِغَيْرِ رِضًى وَلَا طِيبِ نَفْسٍ كَانَتِ الْكِتَابَةُ أَحْرَى أَنْ لَا تَجِبَ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ عَلَى النَّدْبِ لَا عَلَى الْإِيجَابِ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ لَهُ عَنِ الْوُجُوبِ الشَّرْطُ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (سورة النُّورِ: الْآيَةَ: 33) فَإِنَّهُ وَكَّلَ الِاجْتِهَادَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْمَوَالِي، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا رَأَى عَدَمَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمَّا ثَبَتَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 أَنَّ الْعَبْدَ وَكَسْبَهُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِكِتَابَتِهِ غَيْرُ وَاجِبٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ: خُذْ كَسْبِي وَأَعْتِقْنِي، بِمَنْزِلَةِ أَعْتِقْنِي بِلَا شَيْءٍ وَذَلِكَ لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا. (قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] أَمْرٌ لِلْمَوَالِي أَنْ يَبْذُلُوا لَهُمْ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَالنَّدْبِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ الْإِعَانَةُ عَلَى الْعِتْقِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَجِبُ، وَفِي مَعْنَى الْإِيتَاءِ حَطُّ جُزْءٍ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ كَمَا قَالَ (إِنَّ ذَاكَ أَنْ يَكْتُبَ الرَّجُلُ غُلَامَهُ ثُمَّ يَضَعَ) يَحُطَّ (عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا مُسَمًّى) وَهُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ؛ لِأَنَّ بِهِ يَخْرُجُ حُرًّا فَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ. (قَالَ: فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ بَعْضِهِمْ كَمَا عَبَّرَ بِهِ أَوَّلًا (وَأَدْرَكْتُ عَمَلَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَدْ بَلَغَنِي) لَعَلَّهُ مِنْ نَافِعٍ أَوِ ابْنِ دِينَارٍ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) فِضَّةٍ (ثُمَّ وَضَعَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ) فَخَرَجَ حُرًّا (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ تَبِعَهُ مَالُهُ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْعِتْقِ وَهُوَ يَتْبَعُهُ إِذَا أَعْتَقَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ (وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ) لِأَنَّهُمْ ذَوَاتٌ أُخَرُ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُمْ فِي كِتَابَتِهِ) فَيَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّهُ بِالشَّرْطِ كَأَنَّ الْكِتَابَةَ وَقَعَتْ عَلَى الْجَمِيعِ. (مَالِكٌ: فِي الْمُكَاتَبِ يُكَاتِبُهُ سَيِّدُهُ وَلَهُ جَارِيَةٌ بِهَا حَبَلٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ، أَيْ حَمْلٌ (مِنْهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ هُوَ وَلَا سَيِّدُهُ يَوْمَ كِتَابَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ ذَلِكَ الْوَلَدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ وَهُوَ لِسَيِّدِهِ، فَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَإِنَّهَا لِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَالِهِ) وَهُوَ يَتْبَعُهُ مَالُهُ. (مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ وَرِثَ مُكَاتَبًا مِنَ امْرَأَتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِوَرِثَ (هُوَ) أَيِ الرَّجُلُ (وَابْنُهَا) أَيِ الْمَرْأَةِ (أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ كِتَابَتِهِ) اقْتَسَمَا مِيرَاثَهُ (عَلَى كِتَابِ اللَّهِ) لِلزَّوْجِ الرُّبْعُ وَلِلِابْنِ الْبَاقِي ; لِأَنَّهُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ قَضَاءِ الْكِتَابَةِ بَانَ أَنَّهُ مَوْرُوثٌ عَنِ الْمَرْأَةِ (وَإِنْ أَدَّى كِتَابَتَهُ ثُمَّ مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمَرْأَةِ لَيْسَ لِلزَّوْجِ مِنْ مِيرَاثِهِ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَرِثَ بِالْوَلَاءِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ فِيهِ دَخْلٌ (وَالْمُكَاتَبُ) بِفَتْحِ التَّاءِ (يُكَاتِبُ عَبْدَهُ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ إِنَّمَا أَرَادَ الْمُحَابَاةَ) الْمُسَامَحَةَ، مَأْخُوذٌ مِنْ حَبَوْتُهُ إِذَا أَعْطَيْتُهُ (لِعَبْدِهِ وَعُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُ) فِي قَدْرِ الْكِتَابَةِ، وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ (فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا كَاتَبَهُ عَلَى وَجْهِ الرَّغْبَةِ وَابْتِغَاءِ) طَلَبِ (الْفَضْلِ) الزِّيَادَةِ (وَالْعَوْنِ عَلَى كِتَابَتِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ) لِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ بِالْكِتَابَةِ، فَصَارَ كَالْحُرِّ فِي تَصَرُّفِهِ إِلَّا فِي التَّبَرُّعَاتِ وَالْمُحَابَاةِ الْمُودِيَةِ إِلَى عَجْزِهِ. (مَالِكٌ فِي رَجُلٍ) وَلِغَيْرِ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ مُكَاتَبَتَهُ، فَإِنْ جَهِلَ وَ (وَطِئَ مُكَاتَبَةً لَهُ أَنَّهَا إِنْ حَمَلَتْ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِ) وَإِنْ كَانَ لَهَا مَالٌ كَثِيرٌ ظَاهِرٌ وَقُوَّةٌ عَلَى السَّعْيِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: إِذَا حَمَلَتْ بَطَلَتْ كِتَابَتُهَا وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ (وَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ عَلَى كِتَابَتِهَا) وَنَفَقَتُهَا عَلَى السَّيِّدِ مُدَّةَ حَمْلِهَا كَالْمَبْتُوتَةِ (فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَهِيَ عَلَى كِتَابَتِهَا) بَاقِيَةٌ، وَيُؤَدَّبُ السَّيِّدُ فِي وَطْءِ مُكَاتَبَتِهِ إِلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُكَاتِبُ نَصِيبَهُ) أَيْ حِصَّتَهُ (مِنْهُ أَذِنَ بِذَلِكَ صَاحِبُهُ) أَيْ شَرِيكُهُ (أَوْ لَمْ يَأْذَنْ إِلَّا أَنْ يُكَاتِبَا جَمِيعًا) فَيَجُوزُ، وَعَلَّلَ مَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ ذَلِكَ يَعْقِدُ لَهُ عِتْقًا وَيَصْبِرُ إِذَا أَدَّى الْعَبْدُ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يُعْتَقَ نِصْفُهُ وَلَا يَكُونُ عَلَى الَّذِي كَاتَبَ بَعْضَهُ أَنْ يَسْتَتِمَّ عِتْقَهُ) لِأَنَّ السِّرَايَةَ بِالتَّكْمِيلِ أَوِ التَّقْوِيمِ إِنَّمَا هِيَ بِالْعِتْقِ النَّاجِزِ لَا بِالْكِتَابَةِ (فَذَلِكَ خِلَافُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا» ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ نَصِيبًا ( «لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ» ) أَيْ يَلْزَمُ، لَوْ قِيلَ بِالْجَوَازِ مُخَالَفَتُهُ الْحَدِيثَ (فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ) أَيْ لَمْ يَعْلَمْ بِكِتَابَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ (حَتَّى يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ رَدَّ عَلَيْهِ الَّذِي كَاتَبَهُ مَا قَبَضَ مِنَ الْمُكَاتَبِ فَاقْتَسَمَهُ هُوَ وَشَرِيكُهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا) لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُمَا (وَبَطَلَتْ كِتَابَتُهُ وَكَانَ عَبْدًا لَهُمَا عَلَى حَالَتِهِ الْأُولَى) الَّتِي قَبْلَ الْكِتَابَةِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي مُكَاتَبٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَنْظَرَهُ أَحَدُهُمَا بِحَقِّهِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يُنْظِرَهُ) يُؤَخِّرَهُ (فَاقْتَضَى الَّذِي أَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ بَعْضَ حَقِّهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَا لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ، قَالَ مَالِكٌ: يَتَحَاصَّانِ) أَيْ يَقْتَسِمَانِ (مَا تَرَكَهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُمَا عَلَيْهِ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) بَيَانٌ لِلْتَحَاصُصِ (فَإِنْ تَرَكَ الْمُكَاتَبُ فَضْلًا) زِيَادَةً (عَنْ كِتَابَتِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 أَخَذَ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَقِيَ مِنَ الْكِتَابَةِ وَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوَاءِ) أَيْ بِقَدْرِ حِصَصِهِمَا (فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَقَدِ اقْتَضَى الَّذِي لَمْ يُنْظِرْهُ أَكْثَرَ مِمَّا اقْتَضَى صَاحِبُهُ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) إِذَا كَانَ مِلْكُهُمَا لَهُ كَذَلِكَ (وَلَا يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ فَضْلَ مَا اقْتَضَى لِأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي لَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) فَكَانَ تَرْكُهُ لَهُ (وَإِنْ وَضَعَ عَنْهُ أَحَدُهُمَا الَّذِي لَهُ ثُمَّ اقْتَضَى صَاحِبُهُ بَعْضَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ عَجَزَ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَرُدُّ الَّذِي اقْتَضَى عَلَى صَاحِبِهِ) أَيْ لَهُ (شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ) وَذَلِكَ أَسَقَطَ مَالَهُ (وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَكُونُ لِلرَّجُلَيْنِ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَيُنْظِرُهُ أَحَدُهُمَا وَيَشِحُّ) أَيْ يَأْبَى (الْآخَرُ فَيَقْضِي بَعْضَ حَقِّهِ ثُمَّ يُفْلِسُ الْغَرِيمُ، فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي اقْتَضَى أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا مِمَّا أَخَذَ) لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ مَالَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 [باب الْحَمَالَةِ فِي الْكِتَابَةِ] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبِيدَ إِذَا كُوتِبُوا جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ وَإِنَّهُ لَا يُوضَعُ عَنْهُمْ لِمَوْتِ أَحَدِهِمْ شَيْءٌ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمْ قَدْ عَجَزْتُ وَأَلْقَى بِيَدَيْهِ فَإِنَّ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِيمَا يُطِيقُ مِنْ الْعَمَلِ وَيَتَعَاوَنُونَ بِذَلِكَ فِي كِتَابَتِهِمْ حَتَّى يَعْتِقَ بِعِتْقِهِمْ إِنْ عَتَقُوا وَيَرِقَّ بِرِقِّهِمْ إِنْ رَقُّوا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَنْبَغِ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ لَهُ بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ أَحَدٌ إِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ عَجَزَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ تَحَمَّلَ رَجُلٌ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ ثُمَّ اتَّبَعَ ذَلِكَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ قِبَلَ الَّذِي تَحَمَّلَ لَهُ أَخَذَ مَالَهُ بَاطِلًا لَا هُوَ ابْتَاعَ الْمُكَاتَبَ فَيَكُونَ مَا أُخِذَ مِنْهُ مِنْ ثَمَنِ شَيْءٍ هُوَ لَهُ وَلَا الْمُكَاتَبُ عَتَقَ فَيَكُونَ فِي ثَمَنِ حُرْمَةٍ ثَبَتَتْ لَهُ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ وَكَانَ عَبْدًا مَمْلُوكًا لَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ يُتَحَمَّلُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِهَا إِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ إِنْ أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ سَيِّدُهُ بِكِتَابَتِهِ وَكَانَ الْغُرَمَاءُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ سَيِّدِهِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ رُدَّ عَبْدًا مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهِ وَكَانَتْ دُيُونُ النَّاسِ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ لَا يَدْخُلُونَ مَعَ سَيِّدِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ رَقَبَتِهِ قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَاتَبَ الْقَوْمُ جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً وَلَا رَحِمَ بَيْنَهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِهَا فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ وَلَا يَعْتِقُ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ حَتَّى يُؤَدُّوا الْكِتَابَةَ كُلَّهَا فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَتَرَكَ مَالًا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِمْ أُدِّيَ عَنْهُمْ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِمْ وَكَانَ فَضْلُ الْمَالِ لِسَيِّدِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ كَاتَبَ مَعَهُ مِنْ فَضْلِ الْمَالِ شَيْءٌ وَيَتْبَعُهُمْ السَّيِّدُ بِحِصَصِهِمْ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ الْكِتَابَةِ الَّتِي قُضِيَتْ مِنْ مَالِ الْهَالِكِ لِأَنَّ الْهَالِكَ إِنَّمَا كَانَ تَحَمَّلَ عَنْهُمْ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا مَا عَتَقُوا بِهِ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ الْهَالِكِ وَلَدٌ حُرٌّ لَمْ يُولَدْ فِي الْكِتَابَةِ وَلَمْ يُكَاتَبْ عَلَيْهِ لَمْ يَرِثْهُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى مَاتَ   2 - بَابُ الْحَمَالَةِ فِي الْكِتَابَةِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبِيدَ إِذَا كُوتِبُوا جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ) ضَامِنُونَ (عَنْ بَعْضٍ، وَإِنَّهُ لَا يُوضَعُ عَنْهُمْ لِمَوْتِ أَحَدِهِمْ شَيْءٌ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمْ: قَدْ عَجَزْتُ، وَأَلْقَى بِيَدَيْهِ) لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ (فَإِنَّ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلُوهُ مَا يُطِيقُ مِنَ الْعَمَلِ) لَا مَا لَا يُطِيقُهُ (وَيَتَعَاوَنُونَ بِذَلِكَ فِي كِتَابَتِهِمْ حَتَّى يَعْتِقَ بِعِتْقِهِمْ إِنْ عَتَقُوا أَوْ يَرِقَّ بِرِقِّهِمْ إِنْ رَقُّوا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 وَهَذَا مِنْ ثَمَرَةِ كَوْنِهِمْ حُمَلَاءَ. (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَنْبَغِ) لَمْ يَجُزْ (لِسَيِّدِهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ لَهُ بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ أَحَدٌ) فَاعِلُ يَتَحَمَّلُ (إِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ عَجَزَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ حَمَلَ) ضَمِنَ (رَجُلٌ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ قِبَلَ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ، جِهَةَ (الَّذِي تَحَمَّلَ لَهُ أَخَذَ مَالَهُ بَاطِلًا) بَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ الْبُطْلَانِ بِقَوْلِهِ: (لَا هُوَ) أَيِ الْمُتَحَمِّلُ (ابْتَاعَ) اشْتَرَى (الْمُكَاتَبَ فَيَكُونُ مَا أُخِذَ مِنْهُ مِنْ ثَمَنِ شَيْءٍ هُوَ لَهُ، وَلَا لِمُكَاتَبٍ عُتِقَ فَيَكُونُ فِي ثَمَنِ حُرْمَةٍ ثَبَتَتْ لَهُ) وَهِيَ حُرْمَةُ الْعِتْقِ لَوْ كَانَ (فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ، وَكَانَ عَبْدًا مَمْلُوكًا لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ يُتَحَمَّلُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ (لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِهَا إِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ إِنْ أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ) وَإِلَّا رَقَّ، وَالْحَمَالَةُ إِنَّمَا هِيَ فِي الدُّيُونِ السَّابِقَةِ. (وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُحَاصَّ) بِالْإِدْغَامِ (الْغُرَمَاءَ) مَفْعُولُ فَاعِلِهِ (سَيِّدُهُ بِكِتَابَتِهِ) أَيْ بِمَا بَقِيَ مِنْهَا أَوْ بِمَا حَلَّ مِنْ نُجُومِهِ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ (وَكَانَ الْغُرَمَاءُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ سَيِّدِهِ) أَيْ أَحَقُّ، أَيْ أَنَّهُ حَقُّهُمْ دُونَهُ وَلَوْ كَانَتْ دَيْنًا ثَابِتًا لَحَاصَصَهُمْ (وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ، رُدَّ عَبْدًا مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهِ، وَكَانَتْ دُيُونُ النَّاسِ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ) وَيَتْبَعُونَهُ إِذَا عَتَقَ (لَا يَدْخُلُونَ مَعَ سَيِّدِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ رَقَبَتِهِ) لِأَنَّ مُعَامَلَتَهُمْ لَهُ إِنَّمَا هِيَ فِي ذِمَّتِهِ لَا فِي رَقَبَتِهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ: " إِنَّ الْحَمَالَةَ لَا تَصِحُّ عَنِ الْمُكَاتَبِ " الْجُمْهُورُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَأَحْسَنَ مَالِكٌ فِي احْتِجَاجِهِ لِذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 (وَإِذَا كَاتَبَ الْقَوْمُ جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً وَلَا رَحِمَ بَيْنَهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِهَا، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ، وَلَا يَعْتِقُ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ حَتَّى يُؤَدُّوا الْكِتَابَةَ كُلَّهَا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَتَرَكَ مَالًا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِمْ أَدَّى عَنْهُمْ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ فَضْلُ الْمَالِ) أَيْ مَا بَقِيَ مِنْهُ (لِسَيِّدِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ كَاتَبَ مَعَهُ مِنْ فَضْلِ الْمَالِ) أَيْ بَاقِيهِ (شَيْءٌ وَيُتْبِعُهُمُ السَّيِّدُ بِحِصَصِهِمُ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْكِتَابَةِ الَّتِي قُضِيَتْ مِنْ مَالِ الْهَالِكِ) الْمَيِّتِ (لِأَنَّ الْهَالِكَ إِنَّمَا كَانَ يَحْمِلُ عَنْهُمْ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا مَا عَتَقُوا بِهِ مِنْ مَالِهِ) لِأَجْلِ الْحَمَالَةِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِسَيِّدِهِ مِلْكًا (وَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَدٌ حُرٌّ لَمْ يُولَدْ فِي الْكِتَابَةِ وَلَمْ يُكَاتَبْ عَلَيْهِ لَمْ يَرِثْهُ ; لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى مَاتَ) وَهُوَ عَبْدٌ فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 [باب الْقِطَاعَةِ فِي الْكِتَابَةِ] حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تُقَاطِعُ مُكَاتَبِيهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَاطِعَهُ عَلَى حِصَّتِهِ إِلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ إِلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَلَوْ قَاطَعَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ ثُمَّ حَازَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ مَالٌ أَوْ عَجَزَ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَاطَعَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا قَاطَعَهُ عَلَيْهِ وَيَرْجِعَ حَقَّهُ فِي رَقَبَتِهِ وَلَكِنْ مَنْ قَاطَعَ مُكَاتَبًا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَإِنْ أَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ مِنْ الْقِطَاعَةِ وَيَكُونُ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا اسْتَوْفَى الَّذِي بَقِيَتْ لَهُ الْكِتَابَةُ حَقَّهُ الَّذِي بَقِيَ لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ بَيْنَ الَّذِي قَاطَعَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَاطَعَهُ وَتَمَاسَكَ صَاحِبُهُ بِالْكِتَابَةِ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قِيلَ لِلَّذِي قَاطَعَهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَرُدَّ عَلَى صَاحِبِكَ نِصْفَ الَّذِي أَخَذْتَ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا شَطْرَيْنِ وَإِنْ أَبَيْتَ فَجَمِيعُ الْعَبْدِ لِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ خَالِصًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُقَاطِعُهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ ثُمَّ يَقْتَضِي الَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ مِثْلَ مَا قَاطَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ قَالَ مَالِكٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ اقْتَضَى أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ الَّذِي قَاطَعَهُ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَأَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا تَفَضَّلَهُ بِهِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَبَى فَجَمِيعُ الْعَبْدِ لِلَّذِي لَمْ يُقَاطِعْهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا فَأَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا تَفَضَّلَهُ بِهِ وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي تَمَسَّكَ بِالْكِتَابَةِ قَدْ أَخَذَ مِثْلَ مَا قَاطَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ أَوْ أَفْضَلَ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ حَقَّهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُقَاطِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ حَقِّهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ ثُمَّ يَقْبِضُ الَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ أَقَلَّ مِمَّا قَاطَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ قَالَ مَالِكٌ إِنْ أَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَ الْعَبْدَ أَنْ يُرَدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا تَفَضَّلَهُ بِهِ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَرُدَّ فَلِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ حِصَّةُ صَاحِبِهِ الَّذِي كَانَ قَاطَعَ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبَ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ فَيُكَاتِبَانِهِ جَمِيعًا ثُمَّ يُقَاطِعُ أَحَدُهُمَا الْمُكَاتَبَ عَلَى نِصْفِ حَقِّهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ الرُّبُعُ مِنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ فَيُقَالُ لِلَّذِي قَاطَعَهُ إِنْ شِئْتَ فَارْدُدْ عَلَى صَاحِبِكَ نِصْفَ مَا فَضَلْتَهُ بِهِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا شَطْرَيْنِ وَإِنْ أَبَى كَانَ لِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالْكِتَابَةِ رُبُعُ صَاحِبِهِ الَّذِي قَاطَعَ الْمُكَاتَبَ عَلَيْهِ خَالِصًا وَكَانَ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ فَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ وَكَانَ لِلَّذِي قَاطَعَ رُبُعُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ أَبَى أَنْ يَرُدَّ ثَمَنَ رُبُعِهِ الَّذِي قَاطَعَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يُقَاطِعُهُ سَيِّدُهُ فَيَعْتِقُ وَيَكْتُبُ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ قَطَاعَتِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّ سَيِّدَهُ لَا يُحَاصُّ غُرَمَاءَهُ بِالَّذِي عَلَيْهِ مِنْ قَطَاعَتِهِ وَلِغُرَمَائِهِ أَنْ يُبَدَّءُوا عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُقَاطِعَ سَيِّدَهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ فَيَعْتِقُ وَيَصِيرُ لَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّ أَهْلَ الدَّيْنِ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَائِزٍ لَهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ ثُمَّ يُقَاطِعُهُ بِالذَّهَبِ فَيَضَعُ عَنْهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مَا قَاطَعَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَنْ كَرِهَهُ لِأَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ إِلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ وَيَنْقُدُهُ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الدَّيْنِ إِنَّمَا كَانَتْ قَطَاعَةُ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مَالًا فِي أَنْ يَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ فَيَجِبُ لَهُ الْمِيرَاثُ وَالشَّهَادَةُ وَالْحُدُودُ وَتَثْبُتُ لَهُ حُرْمَةُ الْعَتَاقَةِ وَلَمْ يَشْتَرِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ وَلَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ قَالَ لِغُلَامِهِ ائْتِنِي بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَأَنْتَ حُرٌّ فَوَضَعَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنْ جِئْتَنِي بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَيْسَ هَذَا دَيْنًا ثَابِتًا وَلَوْ كَانَ دَيْنًا ثَابِتًا لَحَاصَّ بِهِ السَّيِّدُ غُرَمَاءَ الْمُكَاتَبِ إِذَا مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي مَالِ مُكَاتَبِهِ   3 - بَابُ الْقَطَاعَةِ فِي الْكِتَابَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا، اسْمُ مَصْدَرِ قَاطَعَ وَالْمَصْدَرُ الْمُقَاطَعَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَطَعَ طَلَبَ سَيِّدِهِ عَنْهُ بِمَا أَعْطَاهُ، أَوْ قَطَعَ لَهُ بِتَمَامِ حُرِّيَّتِهِ بِذَلِكَ، أَوْ قَطَعَ بَعْضَ مَا كَانَ لَهُ عِنْدَهُ، قَالَهُ عِيَاضٌ. 1484 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ) هِنْدَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ الْقُرَشِيَّةَ الْمَخْزُومِيَّةَ (زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَرَضِيَ عَنْهَا (كَانَتْ تُقَاطِعُ مُكَاتَبِيهَا) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، جَمْعُ مُكَاتَبٍ، وَكَاتَبَتْ عِدَّةً مِنْهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 سُلَيْمَانُ، وَعَطَاءٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ الْأَرْبَعَةُ أَوْلَادُ يَسَارٍ، وَكُلُّهُمْ أُخِذَ عَنْهُ الْعِلْمُ، وَعَطَاءٌ أَكْثَرُهُمْ حَدِيثًا، وَسُلَيْمَانُ أَفْقَهُهُمْ، وَالْآخَرَانِ قَلِيلَا الْحَدِيثِ، وَكُلُّهُمْ ثِقَةٌ رِضًا كَمَا فِي التَّمْهِيدِ، وَكَاتَبَتْ أَيْضًا نَبْهَانَ وَنُفَيْعًا (بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ) أَيْ تَأْخُذُهُ مِنْهُمْ عَاجِلًا فِي نَظِيرِ مَا كَاتَبَتْهُمْ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: ذَكَرَ مَالِكٌ هَذَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى عَنِ الْقَطَاعَةِ إِلَّا بِالْعُرُوضِ، وَيَرَاهُ مِنْ بَابِ ضَعْ وَتَعَجَّلْ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَاطِعَهُ عَلَى حِصَّتِهِ إِلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ بَيْنَهُمَا) مُنَاصَفَةً أَوْ غَيْرَهَا (فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ إِلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ) أَيْ يَحْرُمُ (وَلَوْ) وَقَعَ ذَلِكَ وَ (قَاطَعَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ ثُمَّ حَازَ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ (ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ مَالٌ، أَوْ عَجَزَ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَاطَعَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ) لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنَ الْمُقَاطَعَةِ (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا قَاطَعَهُ عَلَيْهِ وَيَرْجِعَ حَقُّهُ فِي رَقَبَتِهِ) إِذْ لَا حَقَّ لَهُ حَتَّى يَرْجِعَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَهُ (وَلَكِنْ مَنْ قَاطَعَ مُكَاتَبًا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَإِنْ أَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ مِنَ الْقَطَاعَةِ وَيَكُونُ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ) وَإِنْ أَحَبَّ لَمْ يَرُدَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمُكَاتَبِ. (وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا اسْتَوْفَى الَّذِي بَقِيَتْ لَهُ الْكِتَابَةُ حَقَّهُ الَّذِي بَقِيَ لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ) رَأْسِ (مَالِهِ ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ بَيْنَ الَّذِي قَاطَعَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا فِي الْمُكَاتَبِ) نِصْفًا أَوْ ثُلْثًا وَغَيْرَهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 (وَإِنْ أَحَدُهُمَا قَاطَعَهُ وَتَمَاسَكَ صَاحِبُهُ بِالْكِتَابَةِ) أَيْ لَمْ يُقَاطِعْهُ (ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، قِيلَ لِلَّذِي قَاطَعَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَرُدَّ عَلَى صَاحِبِكَ نِصْفَ الَّذِي أَخَذْتَ وَيَكُونَ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا شَطْرَيْنِ) فَلَكَ ذَلِكَ. (وَإِنْ أَبَيْتَ فَجَمِيعُ الْعَبْدِ لِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ خَالِصًا) لَا شَيْءَ لَكَ فِيهِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُقَاطِعُهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُ الَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ) مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ (مِثْلَ مَا قَاطَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، قَالَ مَالِكٌ: فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ) فَلَا يَرْجِعُ الْمُقَاطَعُ عَلَى الْمُتَمَسِّكِ بِمَا زَادَ. (وَإِنِ اقْتَضَى أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ الَّذِي قَاطَعَهُ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَأَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا تَفَضَّلَهُ) أَيْ زَادَ عَلَيْهِ (بِهِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَبَى فَجَمِيعُ الْعَبْدِ لِلَّذِي لَمْ يُقَاطِعْهُ) لِبَقَاءِ حَقِّهِ. (وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا فَأَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا تَفَضَّلَهُ بِهِ وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي تَمَسَّكَ بِالْكِتَابَةِ قَدْ أَخَذَ مِثْلَ مَا قَاطَعَ عَلَيْهِ شَرِيكَهُ أَوْ أَفْضَلَ، فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مَلْكِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ حَقَّهُ) فَلَا كَلَامَ عَلَيْهِ لِمَنْ قَاطَعَ. (وَفِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُقَاطِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ حَقِّهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ ثُمَّ يَقْبِضُ الَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ) وَلَمْ يُقَاطِعْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 (أَقَلَّ مِمَّا قَاطَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ، قَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَ الْعَبْدَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا تَفَضَّلَهُ بِهِ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ) نِصْفَيْنِ إِنْ كَانَا مَلَكَاهُ كَذَلِكَ (وَإِنْ أَبَى أَنْ يَرُدَّ فَلِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ حِصَّةُ صَاحِبِهِ الَّذِي كَانَ قَاطَعَ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبَ) أَيْ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا لِسُقُوطِ حَقِّ الْمُقَاطِعِ بِالْمُقَاطَعَةِ، وَأَعَادَ هَذَا لِقَوْلِهِ: (وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُ وَجْهِهِ (أَنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ فَيُكَاتِبَانِهِ جَمِيعًا ثُمَّ يُقَاطِعُ أَحَدُهُمَا الْمُكَاتَبُ عَلَى نِصْفِ حَقِّهِ) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مِائَةٌ فَيَأْخُذَ خَمْسِينَ (بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ الرُّبْعُ مِنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ فَيُقَالُ لِلَّذِي قَاطَعَهُ: إِنْ شِئْتَ فَارْدُدْ عَلَى صَاحِبِكَ) شَرِيكَكَ (نِصْفَ مَا فَضَلْتَهُ بِهِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا شَطْرَيْنِ، وَإِنْ أَبَى كَانَ لِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالْكِتَابَةِ رُبُعُ صَاحِبِهِ الَّذِي قَاطَعَ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبَ خَالِصًا) لَا شِرْكَ لَهُ فِيهِ (وَكَانَ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ) أَصَالَةً (فَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ، وَكَانَ لِلَّذِي قَاطَعَ رُبُعُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ أَبَى أَنْ يَرُدَّ ثَمَنَ رُبُعِهِ الَّذِي قَاطَعَ عَلَيْهِ) وَهَذَا تَوْجِيهٌ وَجِيهٌ (وَفِي الْمُكَاتَبِ يُقَاطِعُهُ سَيِّدُهُ فَيَعْتِقُ وَيَكْتُبُ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ قَطَاعَتِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ، قَالَ مَالِكٌ: فَإِنَّ سَيِّدَهُ لَا يُحَاصُّ غُرَمَاءَهُ بِالَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَطَاعَتِهِ وَلِغُرَمَائِهِ أَنْ يَبْدُوا عَلَيْهِ) أَيْ أَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ (وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُقَاطِعَ سَيِّدَهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 لِلنَّاسِ فَيَعْتِقُ وَيَصِيرُ لَا شَيْءَ لَهُ ; لِأَنَّ أَهْلَ الدَّيْنِ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَائِزٍ لَهُ) لِأَنَّهُ يُقَاطِعُ بِأَمْوَالِ النَّاسِ. (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ ثُمَّ يُقَاطِعُهُ بِالذَّهَبِ فَيَضَعُ عَنْهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابَةِ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مَا قَاطَعَهُ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ) أَيْ يَجُوزُ (وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَنْ كَرِهَهُ لِأَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ إِلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ) بَعْضَهُ (وَيُنْقِدُهُ) الْبَاقِي يُعَجِّلُهُ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ لِضَعْ وَتَعَجَّلْ، فَقَالَ: عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْمُكَاتَبِ (وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الدَّيْنِ إِنَّمَا كَانَتْ قَطَاعَةُ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ عَلَى أَنَّهُ فِي أَنْ يَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ فَيَجِبُ) يَثْبُتُ (لَهُ الْمِيرَاثُ وَالشَّهَادَةُ وَالْحُدُودُ وَتَثْبُتُ لَهُ حُرْمَةُ الْعَتَاقَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ وَلَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ) حَتَّى يَكُونَ فِيهِ وَضْعٌ وَتَعَجُّلٌ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ ; إِذِ الْعِتْقُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ ثَابِتٍ إِنَّمَا هِيَ عِتْقٌ عَلَى مَالٍ. (وَإِنَّمَا مَثَلُ) أَيْ صِفَةُ (ذَلِكَ) مَثَلُ (رَجُلٌ قَالَ لِغُلَامِهِ: ائْتِنِي بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا) كِنَايَةً عَنْ عَدَدٍ سَمَّاهُ (وَأَنْتَ حُرٌّ فَوَضَعَ) حَطَّ (عَنْهُ مِنْ) أَيْ بَعْضِ (ذَلِكَ فَقَالَ: إِنْ جِئْتَنِي بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَلَيْسَ هَذَا دَيْنًا وَلَوْ كَانَ دَيْنًا لَحَاصَّ بِهِ السَّيِّدُ غُرَمَاءَ الْمَكَاتَبِ إِذَا مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي مَالِ مُكَاتَبَتِهِ) مَعَ أَنَّهُ لَا يُحَاصِصُ وَلَا يَدْخُلُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 [باب جِرَاحِ الْمُكَاتَبِ] قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الْمُكَاتَبِ يَجْرَحُ الرَّجُلَ جَرْحًا يَقَعُ فِيهِ الْعَقْلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِنْ قَوِيَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ مَعَ كِتَابَتِهِ أَدَّاهُ وَكَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ عَجَزَ عَنْ كِتَابَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَإِنْ هُوَ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ عَقْلِ ذَلِكَ الْجَرْحِ خُيِّرَ سَيِّدُهُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ فَعَلَ وَأَمْسَكَ غُلَامَهُ وَصَارَ عَبْدًا مَمْلُوكًا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُسَلِّمَ الْعَبْدَ إِلَى الْمَجْرُوحِ أَسْلَمَهُ وَلَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُسَلِّمَ عَبْدَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يُكَاتَبُونَ جَمِيعًا فَيَجْرَحُ أَحَدُهُمْ جَرْحًا فِيهِ عَقْلٌ قَالَ مَالِكٌ مَنْ جَرَحَ مِنْهُمْ جَرْحًا فِيهِ عَقْلٌ قِيلَ لَهُ وَلِلَّذِينَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَدُّوا جَمِيعًا عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ فَإِنْ أَدَّوْا ثَبَتُوا عَلَى كِتَابَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يُؤَدُّوا فَقَدْ عَجَزُوا وَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُمْ فَإِنْ شَاءَ أَدَّى عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ وَرَجَعُوا عَبِيدًا لَهُ جَمِيعًا وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ الْجَارِحَ وَحْدَهُ وَرَجَعَ الْآخَرُونَ عَبِيدًا لَهُ جَمِيعًا بِعَجْزِهِمْ عَنْ أَدَاءِ عَقْلِ ذَلِكَ الْجَرْحِ الَّذِي جَرَحَ صَاحِبُهُمْ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا أُصِيبَ بِجَرْحٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ عَقْلٌ أَوْ أُصِيبَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ فَإِنَّ عَقْلَهُمْ عَقْلُ الْعَبِيدِ فِي قِيمَتِهِمْ وَأَنَّ مَا أُخِذَ لَهُمْ مِنْ عَقْلِهِمْ يُدْفَعُ إِلَى سَيِّدِهِمْ الَّذِي لَهُ الْكِتَابَةُ وَيُحْسَبُ ذَلِكَ لِلْمُكَاتَبِ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ فَيُوضَعُ عَنْهُ مَا أَخَذَ سَيِّدُهُ مِنْ دِيَةِ جَرْحِهِ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَكَانَ دِيَةُ جَرْحِهِ الَّذِي أَخَذَهَا سَيِّدُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ إِلَى سَيِّدِهِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَ الَّذِي أَخَذَ مِنْ دِيَةِ جَرْحِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَدْ عَتَقَ وَإِنْ كَانَ عَقْلُ جَرْحِهِ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَخَذَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ وَعَتَقَ وَكَانَ مَا فَضَلَ بَعْدَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ لِلْمُكَاتَبِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ إِلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ مِنْ دِيَةِ جَرْحِهِ فَيَأْكُلَهُ وَيَسْتَهْلِكَهُ فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ أَعْوَرَ أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدِ أَوْ مَعْضُوبَ الْجَسَدِ وَإِنَّمَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ عَلَى مَالِهِ وَكَسْبِهِ وَلَمْ يُكَاتِبْهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ وَلَدِهِ وَلَا مَا أُصِيبَ مِنْ عَقْلِ جَسَدِهِ فَيَأْكُلَهُ وَيَسْتَهْلِكَهُ وَلَكِنْ عَقْلُ جِرَاحَاتِ الْمُكَاتَبِ وَوَلَدِهِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ أَوْ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ يُدْفَعُ إِلَى سَيِّدِهِ وَيُحْسَبُ ذَلِكَ لَهُ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ   4 - بَابُ جِرَاحِ الْمُكَاتَبِ - (مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الْمُكَاتَبِ يَجْرَحُ الرَّجُلَ جَرْحًا يَقَعُ فِيهِ الْعَقْلُ عَلَيْهِ) أَيْ يَلْزَمُهُ عَقْلُ مَا جَرَحَ (أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِنْ قَوِيَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ مَعَ كِتَابَتِهِ، أَدَّاهُ وَكَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ) بَقِيَ عَلَيْهَا (وَإِنْ لَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ عَجَزَ عَنْ كِتَابَتِهِ) فَعَادَ قِنًّا (وَذَلِكَ أَنَّهُ يَنْبَغِي) يَجِبُ (أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ هُوَ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ عَقْلِ ذَلِكَ الْجُرْحِ، فَعَلَ وَأَمْسَكَ غُلَامَهُ وَصَارَ عَبْدًا مَمْلُوكًا) لِعَجْزِهِ عَنِ الْكِتَابَةِ (وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُسَلِّمَ الْعَبْدَ إِلَى الْمَجْرُوحِ أَسْلَمَهُ، وَلَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُسَلِّمَ عَبْدَهُ) وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَمَّا فِي الْجُرْحِ. (وَفِي الْقَوْمِ يَتَكَاتَبُونَ جَمِيعًا فَيُجْرَحُ أَحَدُهُمْ جُرْحًا فِيهِ عَقْلٌ، قَالَ مَالِكٌ: مَنْ جَرَحَ مِنْهُمْ جُرْحًا فِيهِ عَقْلٌ قِيلَ لَهُ وَلِلَّذِينِ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ: أَدُّوا جَمِيعًا عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ) لِأَنَّكُمْ حُمَلَاءُ (فَإِنْ أَدَّوْا ثَبَتُوا عَلَى كِتَابَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يُؤَدُّوهُ فَقَدْ عَجَزُوا، وَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُمْ فَإِنْ شَاءَ أَدَّى عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ وَرَجَعُوا عَبِيدًا لَهُ جَمِيعًا، وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ الْجَارِحَ وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ الْجَانِي (وَرَجَعَ الْآخَرُونَ عَبِيدًا لَهُ جَمِيعًا بِعَجْزِهِمْ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ (عَنْ أَدَاءِ عَقْلِ ذَلِكَ الْجُرْحِ الَّذِي جَرَحَ صَاحِبُهُمْ) الَّذِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 مَعَهُمْ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُمْ حُمَلَاءُ. (مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا أُصِيبَ بِجُرْحٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ عَقْلٌ، أَوْ أُصِيبَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ، فَإِنَّ عَقْلَهُمْ عَقْلُ الْعَبِيدِ فِي قِيمَتِهِمْ) لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ (وَأَنَّ مَا أُخِذَ لَهُمْ مِنْ عَقْلِهِمْ يُدْفَعُ إِلَى سَيِّدِهِمُ الَّذِي لَهُ الْكِتَابَةُ، وَيُحْسَبُ ذَلِكَ لِلْمُكَاتَبِ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ فَيُوضَعُ عَنْهُ مَا أَخَذَ سَيِّدُهُ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ) لِإِحْرَازِهِ مَالَهُ وَهُوَ مَالُهُ. (وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ) أَيْ بَيَانُهُ وَإِيضَاحُ عِلَّةِ حُكْمِهِ (أَنَّهُ كَانَ كَاتَبَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ) مَثَلًا (وَكَانَ دِيَةُ جُرْحِهِ الَّذِي أَخَذَهَا سَيِّدُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ إِلَى سَيِّدِهِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَ الَّذِي أَخَذَ مِنْ دِيَةِ جَرْحِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَدْ عَتَقَ) لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَانَ عَقْلُ جُرْحِهِ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ، أَخَذَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ وَعَتَقَ) الْمُكَاتَبُ (وَكَانَ مَا فَضَلَ بَعْدَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ لِلْمُكَاتَبِ، وَلَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (أَنْ يُدْفَعَ إِلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ فَيَأْكُلَهُ وَيَسْتَهْلِكَهُ، فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ أَعْوَرَ أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدِ أَوْ مَعْضُوبَ) بِمُهْمَلَةِ فَمُعْجَمَةٍ، أَيْ مَقْطُوعَ (الْجَسَدِ) وَالْمَعْنَى يَرْجِعُ بِمَا أَصَابَهُ مِنَ الْجُرْحِ (وَإِنَّمَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ عَلَى مَالِهِ وَكَسْبِهِ وَلَمْ يُكَاتِبْهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ وَلَدِهِ وَلَا مَا أُصِيبَ مِنْ عَقْلِ جَسَدِهِ فَيَأْكُلَهُ وَيَسْتَهْلِكَهُ) فَلِذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ عَقْلُ جِرَاحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 (وَلَكِنْ عَقْلُ جِرَاحَاتِ الْمُكَاتَبِ وَوَلَدِهِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ أَوْ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ، يُدْفَعُ إِلَى سَيِّدِهِ وَيُحْسَبُ ذَلِكَ لَهُ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ) لِيَخْرُجَ حُرًّا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 [باب بَيْعِ الْمُكَاتَبِ] قَالَ مَالِكٌ إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي مُكَاتَبَ الرَّجُلِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ إِذَا كَانَ كَاتَبَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ إِلَّا بِعَرْضٍ مِنْ الْعُرُوضِ يُعَجِّلُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِأَنَّهُ إِذَا أَخَّرَهُ كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ قَالَ وَإِنْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ بِعَرْضٍ مِنْ الْعُرُوضِ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ أَوْ الرَّقِيقِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَرْضٍ مُخَالِفٍ لِلْعُرُوضِ الَّتِي كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ عَلَيْهَا يُعَجِّلُ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرُهُ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ إِذَا بِيعَ كَانَ أَحَقَّ بِاشْتِرَاءِ كِتَابَتِهِ مِمَّنْ اشْتَرَاهَا إِذَا قَوِيَ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى سَيِّدِهِ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ نَقْدًا وَذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاءَهُ نَفْسَهُ عَتَاقَةٌ وَالْعَتَاقَةُ تُبَدَّأُ عَلَى مَا كَانَ مَعَهَا مِنْ الْوَصَايَا وَإِنْ بَاعَ بَعْضُ مَنْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبَ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَبَاعَ نِصْفَ الْمُكَاتَبِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ سَهْمًا مِنْ أَسْهُمِ الْمُكَاتَبِ فَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ فِيمَا بِيعَ مِنْهُ شُفْعَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْقَطَاعَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاطِعَ بَعْضَ مَنْ كَاتَبَهُ إِلَّا بِإِذْنِ شُرَكَائِهِ وَأَنَّ مَا بِيعَ مِنْهُ لَيْسَتْ لَهُ بِهِ حُرْمَةٌ تَامَّةٌ وَأَنَّ مَالَهُ مَحْجُورٌ عَنْهُ وَأَنَّ اشْتِرَاءَهُ بَعْضَهُ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ الْعَجْزُ لِمَا يَذْهَبُ مِنْ مَالِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاءِ الْمُكَاتَبِ نَفْسَهُ كَامِلًا إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَنْ بَقِيَ لَهُ فِيهِ كِتَابَةٌ فَإِنْ أَذِنُوا لَهُ كَانَ أَحَقَّ بِمَا بِيعَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ بَيْعُ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ غَرَرٌ إِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَطَلَ مَا عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لِلنَّاسِ لَمْ يَأْخُذْ الَّذِي اشْتَرَى نَجْمَهُ بِحِصَّتِهِ مَعَ غُرَمَائِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا الَّذِي يَشْتَرِي نَجْمًا مِنْ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ فَسَيِّدُ الْمُكَاتَبِ لَا يُحَاصُّ بِكِتَابَةِ غُلَامِهِ غُرَمَاءَ الْمُكَاتَبِ وَكَذَلِكَ الْخَرَاجُ أَيْضًا يَجْتَمِعُ لَهُ عَلَى غُلَامِهِ فَلَا يُحَاصُّ بِمَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنْ الْخَرَاجِ غُرَمَاءَ غُلَامِهِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ بِعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ مُخَالِفٍ لِمَا كُوتِبَ بِهِ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ الْعَرْضِ أَوْ غَيْرِ مُخَالِفٍ مُعَجَّلٍ أَوْ مُؤَخَّرٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَهْلِكُ وَيَتْرُكُ أُمَّ وَلَدٍ وَأَوْلَادًا لَهُ صِغَارًا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَقْوَوْنَ عَلَى السَّعْيِ وَيُخَافُ عَلَيْهِمْ الْعَجْزُ عَنْ كِتَابَتِهِمْ قَالَ تُبَاعُ أُمُّ وَلَدِ أَبِيهِمْ إِذَا كَانَ فِي ثَمَنِهَا مَا يُؤَدَّى بِهِ عَنْهُمْ جَمِيعُ كِتَابَتِهِمْ أُمَّهُمْ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ أُمِّهِمْ يُؤَدَّى عَنْهُمْ وَيَعْتِقُونَ لِأَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ لَا يَمْنَعُ بَيْعَهَا إِذَا خَافَ الْعَجْزَ عَنْ كِتَابَتِهِ فَهَؤُلَاءِ إِذَا خِيفَ عَلَيْهِمْ الْعَجْزُ بِيعَتْ أُمُّ وَلَدِ أَبِيهِمْ فَيُؤَدَّى عَنْهُمْ ثَمَنُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ثَمَنِهَا مَا يُؤَدَّى عَنْهُمْ وَلَمْ تَقْوَ هِيَ وَلَا هُمْ عَلَى السَّعْيِ رَجَعُوا جَمِيعًا رَقِيقًا لِسَيِّدِهِمْ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَبْتَاعُ كِتَابَةَ الْمُكَاتَبِ ثُمَّ يَهْلِكُ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ كِتَابَتَهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ الَّذِي اشْتَرَى كِتَابَتَهُ وَإِنْ عَجَزَ فَلَهُ رَقَبَتُهُ وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ إِلَى الَّذِي اشْتَرَاهَا وَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ لَيْسَ لِلَّذِي اشْتَرَى كِتَابَتَهُ مِنْ وَلَائِهِ شَيْءٌ   5 - بَابُ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ هُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ، أَيْ كِتَابَتَهُ الْمُكَاتَبَ بِدَلِيلِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّرْجَمَةِ ; إِذْ كُلُّهَا فِي كِتَابَتِهِ لَا رَقَبَتِهِ؛ وَلِأَنَّ أَشْهَرَ قَوْلَيْهِ مَنْعُ بَيْعِ رَقَبَتِهِ، وَمَرَّ الْجَوَابُ عَمَّا يَقْتَضِيهِ حَدِيثُ بَرِيرَةَ. - (مَالِكٌ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ) وَفِي نُسْخَةٍ: سَمِعْتُ (فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي مُكَاتَبَ الرَّجُلِ) أَيْ كِتَابَتَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (إِذَا كَانَ كَاتَبَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ إِلَّا بِعَرْضٍ مِنَ الْعُرُوضِ) لَا بِنَقْدٍ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ (وَيُعَجِّلُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ) أَتَى بِهِ ; لِأَنَّ التَّعْجِيلَ يَصْدُقُ بِمَا إِذَا كَانَ مَعَهُ تَأْخِيرٌ قَلِيلٌ (لِأَنَّهُ إِذَا أَخَّرَهُ كَانَ دَيْنًا) أَيْ يَبِيعُهُ (بَدَيْنٍ، وَقَدْ نُهِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِلْعِلْمِ بِالْفَاعِلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَنِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ) بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ. (وَإِنْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ بِعَرْضٍ مِنَ الْعُرُوضِ مِنَ الْإِبِلِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ أَوِ الرَّقِيقِ، فَإِنَّهُ يَصْلُحُ) يَجُوزُ (لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَرْضٍ مُخَالِفٍ لِلْعُرُوضِ الَّتِي كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ عَلَيْهَا يُعَجِّلُ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرُهُ) لِئَلَّا يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ. (مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ إِذَا بِيعَ) أَيْ بِيعَتْ كِتَابَتُهُ لِقَوْلِهِ: (كَانَ أَحَقَّ بِاشْتِرَاءِ كِتَابَتِهِ مِمَّنِ اشْتَرَاهَا إِذَا قَوِيَ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى سَيِّدِهِ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 نَقْدًا، وَذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاءَهُ نَفْسَهُ عَتَاقَةٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَوَهِمَ مَنْ كَسَرَهَا (وَالْعَتَاقَةُ تُبَدَّى عَلَى مَا كَانَ مَعَهَا مِنَ الْوَصَايَا) لِتَشَوُّفِ الشَّرْعِ لِلْحُرِّيَّةِ أَقْوَى مِنْ مُطْلَقِ الْوَصِيَّةِ. (وَإِنْ بَاعَ بَعْضُ مَنْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَبَاعَ نِصْفَ الْمُكَاتَبِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ سَهْمًا مِنْ أَسْهُمِ الْمُكَاتَبِ فَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ فِيمَا بِيعَ مِنْهُ شُفْعَةٌ وَ) وَجْهُ (ذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْقَطَاعَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاطِعَ بَعْضَ مَنْ كَاتَبَهُ إِلَّا بِإِذْنِ شُرَكَائِهِ، وَأَنَّ مَا بِيعَ مِنْهُ لَيْسَتْ لَهُ بِهِ حُرْمَةٌ تَامَّةٌ) لِعَدَمِ خُرُوجِهِ حُرًّا (وَأَنَّ مَالَهُ مَحْجُورٌ عَنْهُ، وَأَنَّ اشْتِرَاءَ بَعْضِهِ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ الْعَجْزُ لِمَا يَذْهَبُ مِنْ مَالِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاءِ الْمُكَاتَبِ نَفْسَهُ كَامِلًا) لِأَنَّهُ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِهِ. (إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَنْ بَقِيَ لَهُ فِيهِ كِتَابَةٌ) بِاشْتِرَاءِ الْبَعْضِ الْمَبِيعِ مِنْ كِتَابَتِهِ (وَإِنْ أَذِنُوا لَهُ كَانَ أَحَقَّ بِمَا بِيعَ مِنْهُ) مِنْ غَيْرِهِ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ بَيْعُ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ) وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُعَيَّنُ الَّذِي يُؤَدِّيهِ الْمُكَاتَبُ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَبْنُونَ أُمُورَهُمْ فِي الْمُعَامَلَةِ عَلَى طُلُوعِ النَّجْمِ وَالْمَنَازِلِ، لِكَوْنِهِمْ لَا يَعْرِفُونَ الْحِسَابَ يَقُولُونَ: إِذَا طَلَعَ النَّجْمُ الْفُلَانِيُّ أَدَّيْتَ حَقَّكَ فَسُمِّيَتِ الْأَوْقَاتُ نُجُومًا بِذَلِكَ ثُمَّ سُمِّيَ الْمُؤَدَّى فِي الْوَقْتِ نَجْمًا (وَذَلِكَ أَنَّهُ غَرَرٌ) لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ يَكُونُ لَهُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ (إِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبِ بَطَلَ مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لِلنَّاسِ لَمْ يَأْخُذِ الَّذِي اشْتَرَى نَجْمَهُ بِحِصَّتِهِ مَعَ غُرَمَائِهِ شَيْئًا) بَلْ يَخْتَصُّونَ دُونَهُ (وَإِنَّمَا الَّذِي يَشْتَرِي نَجْمًا مِنْ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ، فَسَيِّدُ الْمُكَاتَبِ لَا يُحَاصُّ بِكِتَابَةِ غُلَامِهِ غُرَمَاءَ الْمُكَاتَبِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 فَكَذَا الْمُشْتَرِي مِنْهُ (وَكَذَلِكَ الْخَرَاجُ أَيْضًا) الْمَجْعُولُ مِنَ السَّيِّدِ عَلَى الْعَبْدِ كُلَّ يَوْمٍ مَثَلًا (يَجْتَمِعُ لَهُ عَلَى غُلَامِهِ فَلَا يُحَاصُّ بِمَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ الْخَرَاجِ غُرَمَاءَ غُلَامِهِ) بَلْ يَكُونُ لَهُمْ دُونَهُ. (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ بِعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ مُخَالِفٍ لِمَا كُوتِبَ بِهِ مِنَ الْعَيْنِ أَوِ الْعَرْضِ أَوْ غَيْرِ مُخَالِفٍ) بَلْ مُوَافِقٌ كَذَهَبٍ بِذَهَبٍ أَوْ فَرَسٍ بِفَرَسٍ (مُعَجَّلٍ أَوْ مُؤَخَّرٍ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ كَالدُّيُونِ الثَّابِتَةِ وَلَا كَالْمُعَارَضَةِ الْمَحْضَةِ، فَيَجُوزُ فِيهَا مَا مُنِعَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ فَسْخُ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي شَيْءٍ مُؤَخَّرٍ عَلَيْهِ، وَفَسْخُ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَهَبٍ فِي وَرِقٍ وَعَكْسِهِ، وَمِثْلُهُ التَّعْجِيلُ عَلَى إِسْقَاطِ بَعْضِ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ ضَعْ وَتَعَجَّلْ وَسَلَفٌ يَجُرُّ مَنْفَعَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ عَجَّلَ الْعِتْقَ أَمْ لَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ سُحْنُونٌ إِلَّا بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَهْلِكُ) بِكَسْرِ اللَّامِ، يَمُوتُ (وَيَتْرُكُ أُمَّ وُلَدٍ وَأَوْلَادًا لَهُ صِغَارًا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَا يَقْوَوْنَ) يَقْدِرُونَ (عَلَى السَّعْيِ، وَيُخَافُ عَلَيْهِمُ الْعَجْزُ عَنْ كِتَابَتِهِمْ، قَالَ: تُبَاعُ أُمُّ وَلَدِ أَبِيهِمْ إِذَا كَانَ فِي ثَمَنِهَا مَا يُؤَدَّى بِهِ عَنْهُمْ جَمِيعُ كِتَابَتِهِمْ أُمَّهُمْ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ أُمِّهِمْ يُؤَدَّى عَنْهُمْ) ثَمَنُهَا لِلسَّيِّدِ (وَيَعْتِقُونَ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ لَا يَمْنَعُ بَيْعَهَا إِذَا خَافَ الْعَجْزَ عَنْ كِتَابَتِهِ فَهَؤُلَاءُ) بِمَنْزِلَتِهِ (إِذَا خِيفَ عَلَيْهِمُ الْعَجْزُ، بِيعَتْ أُمُّ وَلَدِ أَبِيهِمْ فَيُؤَدَّى عَنْهُمْ) ثَمَنُهَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ثَمَنِهَا مَا يُؤَدَّى عَنْهُمْ، وَلَمْ تَقْوَ هِيَ وَلَا هُمْ عَلَى السَّعْيِ رَجَعُوا جَمِيعًا رَقِيقًا لِسَيِّدِهِمْ) وَبَطَلَتِ الْكِتَابَةُ. (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَبْتَاعُ كِتَابَةَ الْمُكَاتَبِ ثُمَّ يَهْلِكُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ كِتَابَتَهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ) أَيْ يَأْخُذُ مَالَهُ (الَّذِي اشْتَرَى كِتَابَتَهُ، وَإِنْ عَجَزَ فَلَهُ رَقَبَتُهُ) مِلْكًا (وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ إِلَى الَّذِي اشْتَرَاهَا وَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ) وَهُوَ بَائِعُهَا (لَيْسَ لِلَّذِي اشْتَرَى كِتَابَتَهُ مِنْ وَلَائِهِ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِلْعَاقِدِ وَهُوَ لَا يَنْتَقِلُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 [باب سَعْيِ الْمُكَاتَبِ] حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ كَاتَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى بَنِيهِ ثُمَّ مَاتَ هَلْ يَسْعَى بَنُو الْمُكَاتَبِ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِمْ أَمْ هُمْ عَبِيدٌ فَقَالَا بَلْ يَسْعَوْنَ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِمْ وَلَا يُوضَعُ عَنْهُمْ لِمَوْتِ أَبِيهِمْ شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا لَا يُطِيقُونَ السَّعْيَ لَمْ يُنْتَظَرْ بِهِمْ أَنْ يَكْبَرُوا وَكَانُوا رَقِيقًا لِسَيِّدِ أَبِيهِمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُكَاتَبُ تَرَكَ مَا يُؤَدَّى بِهِ عَنْهُمْ نُجُومُهُمْ إِلَى أَنْ يَتَكَلَّفُوا السَّعْيَ فَإِنْ كَانَ فِيمَا تَرَكَ مَا يُؤَدَّى عَنْهُمْ أُدِّيَ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَتُرِكُوا عَلَى حَالِهِمْ حَتَّى يَبْلُغُوا السَّعْيَ فَإِنْ أَدَّوْا عَتَقُوا وَإِنْ عَجَزُوا رَقُّوا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ مَالًا لَيْسَ فِيهِ وَفَاءُ الْكِتَابَةِ وَيَتْرُكُ وَلَدًا مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ وَأُمَّ وَلَدٍ فَأَرَادَتْ أُمُّ وَلَدِهِ أَنْ تَسْعَى عَلَيْهِمْ إِنَّهُ يُدْفَعُ إِلَيْهَا الْمَالُ إِذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً عَلَى ذَلِكَ قَوِيَّةً عَلَى السَّعْيِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَوِيَّةً عَلَى السَّعْيِ وَلَا مَأْمُونَةً عَلَى الْمَالِ لَمْ تُعْطَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَرَجَعَتْ هِيَ وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ رَقِيقًا لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَاتَبَ الْقَوْمُ جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً وَلَا رَحِمَ بَيْنَهُمْ فَعَجَزَ بَعْضُهُمْ وَسَعَى بَعْضُهُمْ حَتَّى عَتَقُوا جَمِيعًا فَإِنَّ الَّذِينَ سَعَوْا يَرْجِعُونَ عَلَى الَّذِينَ عَجَزُوا بِحِصَّةِ مَا أَدَّوْا عَنْهُمْ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ   6 - بَابُ سَعْيِ الْمُكَاتَبِ 1485 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ كَاتَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى بَنِيهِ ثُمَّ مَاتَ، هَلْ يَسْعَى بَنُو الْمُكَاتَبِ فِي أَبِيهِمْ أَمْ هُمْ عَبِيدٌ؟) فَلَا يَسْعَوْا (فَقَالَا: بَلْ يَسْعَوْنَ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِمْ وَلَا يُوضَعُ) يُحَطُّ (عَنْهُمْ لِمَوْتِ أَبِيهِمْ شَيْءٌ) وَلَوْ قَلَّ هَذَا إِنْ قَدَرُوا عَلَى السَّعْيِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا لَا يُطِيقُونَ السَّعْيَ، لَمْ يُنْتَظَرْ بِهِمْ أَنْ يَكْبَرُوا) بِفَتْحِ الْبَاءِ (وَكَانُوا رَقِيقًا لِسَيِّدِ أَبِيهِمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْمُكَاتَبِ مَا يُؤَدَّى بِهِ عَنْهُمْ نُجُومُهُمْ إِلَى أَنْ يَتَكَلَّفُوا السَّعْيَ) أَيْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ. (فَإِنْ كَانَ فِيمَا تَرَكَ مَا يُؤَدَّى عَنْهُمْ أُدِّيَ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَتُرِكُوا عَلَى حَالِهِمْ حَتَّى يَبْلُغُوا السَّعْيَ، فَإِنْ أَدَّوْا) مَا بَقِيَ (عَتَقُوا وَإِنْ عَجَزُوا رَقُّوا) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ مَالًا لَيْسَ فِيهِ وَفَاءُ الْكِتَابَةِ وَيَتْرُكُ وَلَدًا مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ وَأُمَّ وَلَدٍ، فَأَرَادَتْ أُمُّ وَلَدِهِ أَنْ تَسْعَى عَلَيْهِمْ: إِنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (يُدْفَعُ إِلَيْهَا الْمَالُ) الْمَتْرُوكُ عَنْهُ (إِذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً عَلَى ذَلِكَ) الْمَالِ بِأَنْ لَا تُضَيِّعَهُ (قَوِيَّةً عَلَى السَّعْيِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَوِيَّةً عَلَى السَّعْيِ وَلَا مَأْمُونَةً عَلَى الْمَالِ لَمْ تُعْطَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِعْطَاءِ حِينَئِذٍ. (وَرَجَعَتْ هِيَ وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ رَقِيقًا لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ) لِلْعَجْزِ. (وَإِذَا كَاتَبَ الْقَوْمُ كِتَابَةً وَاحِدَةً وَلَا رَحِمَ) أَيْ قَرَابَةَ (بَيْنَهُمْ فَعَجَزَ بَعْضُهُمْ وَسَعَى بَعْضُهُمْ حَتَّى عَتَقُوا جَمِيعًا، فَإِنَّ الَّذِينَ سَعَوْا يَرْجِعُونَ عَلَى الَّذِينَ عَجَزُوا بِحِصَّةِ مَا أَدَّوْا عَنْهُمْ ; لِأَنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ) أَيْ ضَامِنُونَ حُكْمًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 [باب عِتْقِ الْمُكَاتَبِ إِذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ] حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرَهُ يَذْكُرُونَ أَنَّ مُكَاتَبًا كَانَ لِلْفُرَافِصَةِ بْنِ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيِّ وَأَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ فَأَبَى الْفُرَافِصَةُ فَأَتَى الْمُكَاتَبُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَدَعَا مَرْوَانُ الْفُرَافِصَةَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَأَبَى فَأَمَرَ مَرْوَانُ بِذَلِكَ الْمَالِ أَنْ يُقْبَضَ مِنْ الْمُكَاتَبِ فَيُوضَعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ لِلْمُكَاتَبِ اذْهَبْ فَقَدْ يُقْرَآنِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْفُرَافِصَةُ قَبَضَ الْمَالَ قَالَ مَالِكٌ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا أَدَّى جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِهِ قَبْلَ مَحِلِّهَا جَازَ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَضَعُ عَنْ الْمُكَاتَبِ بِذَلِكَ كُلَّ شَرْطٍ أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ سَفَرٍ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ عَتَاقَةُ رَجُلٍ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ رِقٍّ وَلَا تَتِمُّ حُرْمَتُهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَجِبُ مِيرَاثُهُ وَلَا أَشْبَاهُ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ وَلَا يَنْبَغِي لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً بَعْدَ عَتَاقَتِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي مُكَاتَبٍ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ نُجُومَهُ كُلَّهَا إِلَى سَيِّدِهِ لِأَنْ يَرِثَهُ وَرَثَةٌ لَهُ أَحْرَارٌ وَلَيْسَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ وَلَدٌ لَهُ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ لِأَنَّهُ تَتِمُّ بِذَلِكَ حُرْمَتُهُ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَيَجُوزُ اعْتِرَافُهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ دُيُونِ النَّاسِ وَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ فَرَّ مِنِّي بِمَالِهِ   7 - بَابُ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ إِذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ 1536 - 1486 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْمَعْرُوفَ بِالرَّأْيِ (وَ) سَمِعَ (غَيْرَهُ يَذْكُرُونَ أَنَّ مُكَاتَبًا كَانَ لِلْفُرَافِصَةِ) بِضَمِّ الْفَاءِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ فَأَلِفٍ، وَكَسْرِ الْفَاءِ الثَّانِيَةِ فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ (ابْنِ عُمَيْرٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، مُصَغَّرٌ (الْحَنَفِيِّ) نِسْبَةً إِلَى بَنِي حَنِيفَةَ الْيَمَامِيِّ بِالْمِيمِ، الْمَدَنِيِّ، الثِّقَةِ (وَأَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ، فَأَبَى الْفُرَافِصَةُ) امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ الحديث: 1536 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 ذَلِكَ (فَأَتَى الْمُكَاتَبُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ الْأُمَوِيَّ (وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ) مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ (فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَدَعَا مَرْوَانُ الْفُرَافِصَةَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ تَعَجَّلْ مِنْهُ مَا كَاتَبْتَهُ عَلَيْهِ (فَأَبَى، فَأَمَرَ مَرْوَانُ بِذَلِكَ الْمَالِ أَنْ يُقْبَضَ مِنَ الْمُكَاتَبِ فَيُوضَعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَالَ لِلْمُكَاتَبِ: اذْهَبْ فَقَدْ عَتَقْتَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْفُرَافِصَةُ قَبَضَ الْمَالَ) وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى الْحُكْمِ بِذَلِكَ عُمَرُ، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كَاتَبَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَتَيْتُهُ بِكِتَابَتِهِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا مِنِّي إِلَّا نُجُومًا، فَأَتَيْتُ عُمَرَبْنَ الْخَطَّابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَرَادَ أَنَسٌ الْمِيرَاثَ، وَكَتَبَ إِلَى أَنَسٍ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنَ الرَّجُلِ، فَقَبِلَهَا ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ مُكَاتَبًا لِأَنَسٍ جَاءَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُ بِمُكَاتَبَتِي إِلَى أَنَسٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَقَالَ: أَنَسٌ يُرِيدُ الْمِيرَاثَ، ثُمَّ أَمَرَ أَنَسًا أَنْ يَقْبَلَهَا أَحْسَبُهُ قَالَ: فَأَبَى، فَقَالَ: آخُذُهَا فَأَصُبُّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَقَبِلَهَا أَنَسٌ. وَسَبَقَهُ أَيْضًا عُثْمَانُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَظُنُّ مَرْوَانَ بَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَضَى بِهِ. رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قُلَابَةَ قَالَ: " كَاتَبَ عَبْدٌ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ أَوْ خَمْسَةٍ، فَجَاءَ بِهَا إِلَى سَيِّدِهِ فَأَبَى سَيِّدُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إِلَّا فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمًا رَجَاءَ أَنْ يَرِثَهُ، فَأَتَى عُثْمَانَ فَدَعَاهُ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهَا، فَأَبَى فَقَالَ لِلْعَبْدِ: ائْتِنِي بِمَا عَلَيْكَ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَكَتَبَ لَهُ عِتْقًا، وَقَالَ لِلْمَوْلَى: ائْتِنِي كُلَّ سَنَةٍ فَخُذْ نَجْمًا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَخَذَ مَالَهُ وَكَتَبَ لَهُ عِتْقَهُ ". (قَالَ مَالِكٌ: فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا دَفَعَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِهِ قَبْلَ مَحِلِّهَا) أَيْ حُلُولِهَا (جَازَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَ) وَجْهُ (ذَلِكَ أَنْ يَضَعَ) يَحُطَّ (عَنِ الْمُكَاتَبِ بِذَلِكَ كُلَّ شَرْطٍ أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ سَفَرٍ ; لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ عَتَاقَةُ رَجُلٍ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ رِقٍّ وَلَا تَتِمُّ حُرْمَتُهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَجِبُ مِيرَاثُهُ وَلَا أَشْبَاهُ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ، وَلَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً بَعْدَ عَتَاقَتِهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 (وَفِي مَكَاتَبٍ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا) قَوِيًّا يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ (فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ نُجُومَهَا كُلَّهَا إِلَى سَيِّدِهِ لِأَنْ يَرِثَهُ وَرَثَةٌ لَهُ أَحْرَارٌ وَلَيْسَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ وَلَدٌ لَهُ، قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَتِمُّ بِذَلِكَ حُرْمَتُهُ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَيَجُوزُ اعْتِرَافُهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ دُيُونِ النَّاسِ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ: فَرَّ مِنِّي بِمَالِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ ثَمَرَاتِ كِتَابَتِهِ لَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 [باب مِيرَاثِ الْمُكَاتَبِ إِذَا عَتَقَ] حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنََّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ مُكَاتَبٍ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَمَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا كَثِيرًا فَقَالَ يُؤَدَّى إِلَى الَّذِي تَمَاسَكَ بِكِتَابَتِهِ الَّذِي بَقِيَ لَهُ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بِالسَّوِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ فَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِمَنْ كَاتَبَهُ مِنْ الرِّجَالِ يَوْمَ تُوُفِّيَ الْمُكَاتَبُ مِنْ وَلَدٍ أَوْ عَصَبَةٍ قَالَ وَهَذَا أَيْضًا فِي كُلِّ مَنْ أُعْتِقَ فَإِنَّمَا مِيرَاثُهُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مِنْ وَلَدٍ أَوْ عَصَبَةٍ مِنْ الرِّجَالِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُعْتَقُ بَعْدَ أَنْ يَعْتِقَ وَيَصِيرَ مَوْرُوثًا بِالْوَلَاءِ قَالَ مَالِكٌ الْإِخْوَةُ فِي الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ إِذَا كُوتِبُوا جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَدٌ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ أَوْ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ أَوْ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمْ وَتَرَكَ مَالًا أُدِّيَ عَنْهُمْ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ كِتَابَتِهِمْ وَعَتَقُوا وَكَانَ فَضْلُ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ دُونَ إِخْوَتِهِ   8 - بَابُ مِيرَاثِ الْمُكَاتَبِ إِذَا عَتَقَ 1487 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ مُكَاتَبٍ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَمَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا كَثِيرًا، فَقَالَ: يُؤَدَّى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ، يُعْطَى (إِلَى الَّذِي تَمَاسَكَ بِكِتَابَتِهِ) فَلَمْ يَعْتِقْ (الَّذِي بَقِيَ لَهُ) نَائِبُ فَاعِلِ يُؤَدَّى (ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بِالسَّوِيَّةِ) عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِمَا فِيهِ. (قَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ، فَعَتَقَ فَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ مِمَّنْ كَاتَبَهُ مِنَ الرِّجَالِ يَوْمَ تُوُفِّيَ الْمُكَاتَبُ مِنْ وَلَدٍ أَوْ عَصَبَةٍ) بَيَانٌ لِأَوْلَى. (قَالَ: وَهَذَا أَيْضًا فِي كُلِّ مَنْ) أَيْ رَقِيقٍ (أُعْتِقَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (فَإِنَّمَا مِيرَاثُهُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مِنْ وَلَدٍ أَوْ مِنْ عَصَبَةٍ مِنَ الرِّجَالِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُعْتَقُ) بِالْفَتْحِ (بَعْدَ أَنْ يُعْتَقَ وَيَصِيرَ) بِالنَّصْبِ بِالْعَطْفِ عَلَى مَا قَبْلَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 (مَوْرُوثًا بِالْوَلَاءِ) لِلْعِتْقِ. (وَالْإِخْوَةُ فِي الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ إِذَا كُوتِبُوا جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَدٌ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ أَوْ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ أَوْ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمْ وَتَرَكَ مَالًا أُدِّيَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الدَّالِ (عَنْهُمْ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ كِتَابَتِهِمْ وَعَتَقُوا) لِأَنَّهُمْ حُمَلَاءُ بِجَمْعِهِمْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ (وَكَانَ فَضْلُ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ) إِرْثًا (دُونَ إِخْوَتِهِ) لِأَنَّ الْوَلَدَ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 [باب الشَّرْطِ فِي الْمُكَاتَبِ] حَدَّثَنِي مَالِك فِي رَجُلٍ كَاتَبَ عَبْدَهُ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ سَفَرًا أَوْ خِدْمَةً أَوْ ضَحِيَّةً إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سَمَّى بِاسْمِهِ ثُمَّ قَوِيَ الْمُكَاتَبُ عَلَى أَدَاءِ نُجُومِهِ كُلِّهَا قَبْلَ مَحِلِّهَا قَالَ إِذَا أَدَّى نُجُومَهُ كُلَّهَا وَعَلَيْهِ هَذَا الشَّرْطُ عَتَقَ فَتَمَّتْ حُرْمَتُهُ وَنُظِرَ إِلَى مَا شَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ خِدْمَةٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَالِجُهُ هُوَ بِنَفْسِهِ فَذَلِكَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ لَيْسَ لِسَيِّدِهِ فِيهِ شَيْءٌ وَمَا كَانَ مِنْ ضَحِيَّةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ شَيْءٍ يُؤَدِّيهِ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ يُقَوَّمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَيَدْفَعُهُ مَعَ نُجُومِهِ وَلَا يَعْتِقُ حَتَّى يَدْفَعَ ذَلِكَ مَعَ نُجُومِهِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ خِدْمَةِ عَشْرِ سِنِينَ فَإِذَا هَلَكَ سَيِّدُهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ قَبْلَ عَشْرِ سِنِينَ فَإِنَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ خِدْمَتِهِ لِوَرَثَتِهِ وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلَّذِي عَقَدَ عِتْقَهُ وَلِوَلَدِهِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الْعَصَبَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِطُ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَنَّكَ لَا تُسَافِرُ وَلَا تَنْكِحُ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ أَرْضِي إِلَّا بِإِذْنِي فَإِنْ فَعَلْتَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْنِي فَمَحْوُ كِتَابَتِكَ بِيَدِي قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ مَحْوُ كِتَابَتِهِ بِيَدِهِ إِنْ فَعَلَ الْمُكَاتَبُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلْيَرْفَعْ سَيِّدُهُ ذَلِكَ إِلَى السُّلْطَانِ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَنْكِحَ وَلَا يُسَافِرَ وَلَا يَخْرُجَ مِنْ أَرْضِ سَيِّدِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ اشْتَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَهُ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيَنْطَلِقُ فَيَنْكِحُ الْمَرْأَةَ فَيُصْدِقُهَا الصَّدَاقَ الَّذِي يُجْحِفُ بِمَالِهِ وَيَكُونُ فِيهِ عَجْزُهُ فَيَرْجِعُ إِلَى سَيِّدِهِ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ أَوْ يُسَافِرُ فَتَحِلُّ نُجُومُهُ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَلَا عَلَى ذَلِكَ كَاتَبَهُ وَذَلِكَ بِيَدِ سَيِّدِهِ إِنْ شَاءَ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ   9 - بَابُ الشَّرْطِ فِي الْمُكَاتَبِ (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَاتَبَ عَبْدَهُ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ سَفَرًا أَوْ خِدْمَةً أَوْ أُضْحِيَةً) يَأْتِيهِ بِهَا (إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سُمِّي بِاسْمِهِ ثُمَّ قَوِيَ الْمُكَاتَبُ عَلَى أَدَاءِ نُجُومِهِ كُلِّهَا قَبْلَ مَحِلِّهَا) أَيْ حُلُولِهَا (قَالَ: إِذَا أَدَّى نُجُومَهُ كُلَّهَا وَعَلَيْهِ هَذَا الشَّرْطُ عَتَقَ فَتَمَّتْ حُرْمَتُهُ) بِسَبَبِ عِتْقِهِ (وَنُظِرَ إِلَى مَا شَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ خِدْمَةٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَالِجُهُ هُوَ بِنَفْسِهِ، فَذَلِكَ مَوْضُوعٌ) مَحْطُوطٌ سَاقِطٌ (عَنْهُ لَيْسَ لِسَيِّدِهِ فِيهِ شَيْءٌ، وَمَا كَانَ مِنْ ضَحِيَّةٍ أَوْ كِسْوَةٍ، أَوْ شَيْءٍ يُؤَدِّيهِ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ يُقَوَّمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَيَدْفَعُهُ مَعَ نُجُومِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 وَلَا يَعْتِقُ حَتَّى يَدْفَعَ ذَلِكَ مَعَ نُجُومِهِ) لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ وَقَعَ عَلَيْهِ أَيْضًا. (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ) تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ، حَسَّنَهُ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ (أَنَّ الْمُكَاتَبَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ خِدْمَةِ عَشْرِ سِنِينَ) مَثَلًا (فَإِذَا هَلَكَ سَيِّدُهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ قَبْلَ عَشْرِ سِنِينَ فَإِنَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ خِدْمَتِهِ لِوَرَثَتِهِ) فَيَخْدِمُهُمْ إِلَى تَمَامِهَا ثُمَّ يُعْتَقُ (وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلَّذِي عَقَدَ عِتْقَهُ وَلِوَلَدِهِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الْعَصَبَةِ) لَا الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهُ أُنْثَى. (وَفِي الرَّجُلِ يَشْتَرِطُ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَنَّكَ لَا تُسَافِرُ، وَلَا تَنْكِحُ، وَلَا تَخْرُجُ مِنْ أَرْضِي إِلَّا بِإِذْنِي، فَإِنْ فَعَلْتَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْنِي فَمَحْوُ) إِبْطَالُ (كِتَابَتِكَ بِيَدِي، قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ مَحْوُ كِتَابَتِهِ بِيَدِهِ إِنْ فَعَلَ الْمُكَاتَبُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلْيَرْفَعِ) الْمُكَاتَبُ (سَيِّدَهُ ذَلِكَ) الْأَمْرَ (إِلَى السُّلْطَانِ) فَيَحْكُمُ بِعَدَمِ بُطْلَانِ الْكِتَابَةِ. (وَ) إِنْ كَانَ (لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَنْكِحَ وَلَا يُسَافِرَ وَلَا يَخْرُجَ مِنْ أَرْضِ سَيِّدِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) سَوَاءٌ (اشْتَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَ) وَجْهُ (ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ) مَثَلًا (وَلَهُ) أَيِ الْعَبْدُ (أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ أَكَثُرُ مِنْ ذَلِكَ، فَيَنْطَلِقُ فَيَنْكِحُ الْمَرْأَةَ فَيُصْدِقُهَا الصَّدَاقَ الَّذِي يُجْحِفُ بِمَالِهِ) أَيْ يَنْقُصُهُ نَقْصًا فَاحِشًا (وَيَكُونُ فِيهِ عَجْزُهُ فَيَرْجِعُ إِلَى سَيِّدِهِ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ) وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَقْصُودِ مِنَ الْكِتَابَةِ (أَوْ يُسَافِرُ) السَّفَرَ الْبَعِيدَ (فَتَحِلُّ نُجُومُهُ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 لَهُ) أَيِ الْعَبْدِ (وَلَا عَلَى ذَلِكَ كَاتَبَهُ) سَيِّدُهُ (وَذَلِكَ بِيَدِ سَيِّدِهِ إِنْ شَاءَ أَذِنَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ) لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ لَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 [باب وَلَاءِ الْمُكَاتَبِ إِذَا أَعْتَقَ] قَالَ مَالِكٌ إِنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ إِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ سَيِّدُهُ لَهُ ثُمَّ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ كَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُكَاتَبِ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ كَانَ وَلَاءُ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ مَاتَ الْمُعْتَقُ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ الْمُكَاتَبُ وَرِثَهُ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا فَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ الْآخَرُ قَبْلَ سَيِّدِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ فَإِنَّ وَلَاءَهُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ مَا لَمْ يَعْتِقْ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ الَّذِي كَاتَبَهُ فَإِنْ عَتَقَ الَّذِي كَاتَبَهُ رَجَعَ إِلَيْهِ وَلَاءُ مُكَاتَبِهِ الَّذِي كَانَ عَتَقَ قَبْلَهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ أَوْ عَجَزَ عَنْ كِتَابَتِهِ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ لَمْ يَرِثُوا وَلَاءَ مُكَاتَبِ أَبِيهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِأَبِيهِمْ الْوَلَاءُ وَلَا يَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ حَتَّى يَعْتِقَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَتْرُكُ أَحَدُهُمَا لِلْمُكَاتَبِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ وَيَشِحُّ الْآخَرُ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُكَاتَبُ وَيَتْرُكُ مَالًا قَالَ مَالِكٌ يَقْضِي الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ لَهُ شَيْئًا مَا بَقِيَ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الْمَالَ كَهَيْئَتِهِ لَوْ مَاتَ عَبْدًا لِأَنَّ الَّذِي صَنَعَ لَيْسَ بِعَتَاقَةٍ وَإِنَّمَا تَرَكَ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ وَتَرَكَ مُكَاتَبًا وَتَرَكَ بَنِينَ رِجَالًا وَنِسَاءً ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُ الْبَنِينَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ إِنَّ ذَلِكَ لَا يُثْبِتُ لَهُ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَتْ عَتَاقَةً لَثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ مِنْهُمْ مِنْ رِجَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُمْ إِذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَى الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَلَوْ كَانَتْ عَتَاقَةً قُوِّمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِقَ فِي مَالِهِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ قَالَ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مُكَاتَبٍ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَلَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ دُونَ شُرَكَائِهِ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ عَقَدَ الْكِتَابَةَ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ وَرِثَ سَيِّدَ الْمُكَاتَبِ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ وَلَاءِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ أَعْتَقْنَ نَصِيبَهُنَّ شَيْءٌ إِنَّمَا وَلَاؤُهُ لِوَلَدِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ الذُّكُورِ أَوْ عَصَبَتِهِ مِنْ الرِّجَالِ   10 - بَابُ وَلَاءِ الْمُكَاتَبِ إِذَا أَعْتَقَ (قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ إِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ) لِأَنَّهُ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهَا فَلِسَيِّدِهِ رَدُّهُ (إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) فَيَجُوزُ (فَإِنْ) أَعْتَقَ بِلَا إِذْنِهِ وَ (أَجَازَ ذَلِكَ سَيِّدُهُ لَهُ ثُمَّ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ كَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ فِي وَقْتٍ أَحْرَزَ فِيهِ مَالَهُ وَتَمَّ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ. (وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ كَانَ وَلَاءُ الْمُعْتَقِ) بِفَتْحِ التَّاءِ (لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ) لِمَوْتِهِ وَهُوَ عَبْدٌ. (وَإِنْ مَاتَ الْمُعْتَقُ) بِالْفَتْحِ (قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ الْمُكَاتَبُ وَرِثَهُ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ) لَا هُوَ لِرِقِّهِ (وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا فَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ الْآخِرُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ (قَبْلَ سَيِّدِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ، فَإِنَّ وَلَاءَهُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ) لَا لَهُ لِرِقِّهِ (مَا) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِهِ (لَمْ يَعْتِقِ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ الَّذِي كَاتَبَهُ رَجَعَ إِلَيْهِ وَلَاءُ مُكَاتَبِهِ الَّذِي كَانَ عَتَقَ قَبْلَهُ) لِأَنَّهُ الَّذِي عَقَدَهُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِلرِّقِّ فَلَمَّا زَالَ عَادَ لَهُ. (وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ أَوْ عَجَزَ عَنْ كِتَابَتِهِ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ) صِفَةُ وَلَدٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا (لَمْ يَرِثُوا وَلَاءَ مُكَاتَبِ أَبِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِأَبِيهِمُ الْوَلَاءُ) لِرِقِّهِ (وَلَا يَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ حَتَّى يَعْتِقَ) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِرَقِيقٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 (وَفِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَتْرُكُ أَحَدُهُمَا لِلْمُكَاتَبِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ وَيَشِحُّ الْآخَرُ) بِمَعْنَى يَمْتَنِعُ مِنَ التَّرْكِ لَا حَقِيقَةَ الشُّحِّ (ثُمَّ يَمُوتُ الْمُكَاتَبُ وَيَتْرُكُ مَالًا، قَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ لَهُ شَيْئًا مَا بَقِيَ لَهُ عَلَيْهِ) مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الْمَالَ كَهَيْئَتِهِ) أَيْ صِفَتِهِ (لَوْ مَاتَ عَبْدًا لَأَنَّ الَّذِي فَعَلَ) التَّارِكُ (لَيْسَ بِعَتَاقَةٍ، وَإِنَّمَا تَرَكَ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ) وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعِتْقَ. (وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ) يُوَضِّحُهُ (أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ وَتَرَكَ مُكَاتَبًا وَتَرَكَ بَنِينَ رِجَالًا وَ) تَرَكَ (نِسَاءً ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُ الْبَنِينَ نَصِيبَهُ مِنَ الْمُكَاتَبِ إِنَّ ذَلِكَ لَا يُثْبِتُ لَهُ مِنَ الْوَلَاءِ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَتْ عَتَاقَةً لَثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ مِنْهُمْ مِنْ رِجَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ مِنْهُمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَرْكٌ فَقَطْ. (وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُمْ إِذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، لَمْ يُقَوَّمْ عَلَى الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مَا بَقِيَ) نَائِبُ فَاعِلِ " يُقَوَّمْ " (مِنَ الْمُكَاتَبِ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَرْكٌ. (وَلَوْ كَانَ عَتَاقَةً قُوِّمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِقَ فِي مَالِهِ) إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ (كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا) نَصِيبًا (لَهُ فِي عَبْدٍ) أَيْ رَقِيقٍ (قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ) بِلَا زَيْدٍ وَلَا نَقْصٍ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ) وَبَقِيَ بَاقِيهِ رَقِيقًا. (وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 الْمُسْلِمِينَ) طَرِيقَتِهِمْ (الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مُكَاتَبٍ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَلَيْهِ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ دُونَ شُرَكَائِهِ) عَمَلًا بِالْحَدِيثِ. (وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ) طَرِيقَتِهِمْ (أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ عَقَدَ الْكِتَابَةَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ وَرِثَ سَيِّدَ الْمُكَاتَبِ مِنَ النِّسَاءِ مِنْ وَلَاءِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ أَعْتَقْنَ نِصِيبَهُنَّ شَيْءٌ) وَلَوْ كَانَ عِتْقًا حَقِيقَةً لَكَانَ لَهُنَّ وَلَاءُ نَصِيبِهِنَّ إِذَا أَعْتَقْنَ ; لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقَةِ (إِنَّمَا وَلَاؤُهُ لِوَلَدِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ الذُّكُورِ) إِنْ كَانُوا (أَوْ عَصَبَتِهِ مِنَ الرِّجَالِ) إِنْ لَمْ يَكُونُوا ; لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَرِثُهُ أُنْثًى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 [باب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ] قَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ جَمِيعًا فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُعْتِقْ سَيِّدُهُمْ أَحَدًا مِنْهُمْ دُونَ مُؤَامَرَةِ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَرِضًا مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا فَلَيْسَ مُؤَامَرَتُهُمْ بِشَيْءٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا كَانَ يَسْعَى عَلَى جَمِيعِ الْقَوْمِ وَيُؤَدِّي عَنْهُمْ كِتَابَتَهُمْ لِتَتِمَّ بِهِ عَتَاقَتُهُمْ فَيَعْمِدُ السَّيِّدُ إِلَى الَّذِي يُؤَدِّي عَنْهُمْ وَبِهِ نَجَاتُهُمْ مِنْ الرِّقِّ فَيُعْتِقُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَجْزًا لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْفَضْلَ وَالزِّيَادَةَ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ وَهَذَا أَشَدُّ الضَّرَرِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبِيدِ يُكَاتَبُونَ جَمِيعًا إِنَّ لِسَيِّدِهِمْ أَنْ يُعْتِقَ مِنْهُمْ الْكَبِيرَ الْفَانِيَ وَالصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا وَلَيْسَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَوْنٌ وَلَا قُوَّةٌ فِي كِتَابَتِهِمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ   11 - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ - (مَالِكٌ: إِذَا كَانَ الْقَوْمُ جَمِيعًا فِي وَاحِدَةٍ لَمْ يُعْتِقْ سَيِّدُهُمْ أَحَدًا مِنْهُمْ دُونَ مُؤَامَرَةِ) أَيْ مُشَاوَرَةِ (أَصْحَابِهِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَرِضًا مِنْهُمْ) فَإِنْ رَضُوا فَعَلَ وَإِلَّا فَلَا. (وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا فَلَيْسَ مُؤَامَرَتُهُمْ) مُشَاوَرَتُهُمْ (بِشَيْءٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ) أَيْ رِضَاهُمْ (عَلَيْهِمْ) لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ. (وَ) وَجْهُ (ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ) مِنَ الْعَبِيدِ (رُبَّمَا كَانَ يَسْعَى عَلَى جَمِيعِ الْقَوْمِ وَيُؤَدِّي عَنْهُمْ كِتَابَتَهُمْ لِيَتِمَّ بِهِ عَتَاقَتُهُمْ فَيَعْمِدَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، يَقْصِدُ (السَّيِّدُ إِلَى الَّذِي يُؤَدِّي عَنْهُمْ وَبِهِ نَجَاتُهُمْ مِنَ الرِّقِّ فَيُعْتِقُهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَجْزًا لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْفَضْلَ وَالزِّيَادَةَ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (لِنَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ) بَلْ يُرَدُّ. (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» ) جَمَعَهُمَا تَأْكِيدًا أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَعْنًى، فَهُوَ تَأْسِيسٌ وَقَدْ مَرَّ شَرْحُهُ (وَهَذَا أَشَدُّ الضَّرَرِ) أَقْوَاهُ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ، فَإِنْ تَحَقَّقَ نَفْيُ الضَّرَرِ جَازَ، وَلِذَا (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبِيدِ يُكَاتَبُونَ جَمِيعًا: أَنَّ لِسَيِّدِهِمْ أَنْ يُعْتِقَ مِنْهُمُ الْكَبِيرَ الْفَانِيَ وَالصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا وَلَيْسَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَوْنٌ وَلَا قُوَّةٌ فِي كِتَابَتِهِمْ، فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ) بِغَيْرِ رِضَاهُمْ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 [باب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي عِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَأُمِّ وَلَدِهِ] قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُكَاتَبُ وَيَتْرُكُ أُمَّ وَلَدِهِ وَقَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ بَقِيَّةٌ وَيَتْرُكُ وَفَاءً بِمَا عَلَيْهِ إِنَّ أُمَّ وَلَدِهِ أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ حِينَ لَمْ يُعْتَقْ الْمُكَاتَبُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا فَيُعْتَقُونَ بِأَدَاءِ مَا بَقِيَ فَتُعْتَقُ أُمُّ وَلَدِ أَبِيهِمْ بِعِتْقِهِمْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يُعْتِقُ عَبْدًا لَهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِبَعْضِ مَالِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ سَيِّدُهُ حَتَّى عَتَقَ الْمُكَاتَبُ قَالَ مَالِكٌ يَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ فَإِنْ عَلِمَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ الْمُكَاتَبُ فَرَدَّ ذَلِكَ وَلَمْ يُجِزْهُ فَإِنَّهُ إِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَذَلِكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ ذَلِكَ الْعَبْدَ وَلَا أَنْ يُخْرِجَ تِلْكَ الصَّدَقَةَ إِلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ طَائِعًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ   12 - بَابٌ جَامِعٌ مَا جَاءَ فِي عِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَأُمِّ وَلَدِهِ - (مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُكَاتَبُ وَيَتْرُكُ أُمَّ وَلَدِهِ وَقَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ بَقِيَّةٌ، وَيَتْرُكُ وَفَاءً بِمَا عَلَيْهِ: أَنَّ أُمَّ وَلَدِهِ أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ حِينَ لَمْ يُعْتَقِ الْمُكَاتَبُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا، فَيُعْتَقُونَ بِأَدَاءِ مَا بَقِيَ، فَتُعْتَقُ أُمُّ وَلَدِ أَبِيهِمْ بِعِتْقِهِمْ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ مُسَبَّبٌ عَلَيْهِ، فَالْمَعْنَى انْتَفَى عِتْقُهَا لِعَدَمِ وَلَدٍ تُعْتَقُ تَبَعًا لِعِتْقِهِ. (وَفِي الْمُكَاتَبِ يُعْتِقُ عَبْدًا لَهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِبَعْضِ مَالِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ سَيِّدُهُ حَتَّى عَتَقَ الْمُكَاتَبُ) بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ (قَالَ مَالِكٌ: يَنْفُذُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، يَمْضِي (ذَلِكَ عَلَيْهِ) أَيِ الْمُكَاتَبِ (وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ، فَإِنَّ عَلِمَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ الْمُكَاتَبُ فَرَدَّ ذَلِكَ وَلَمْ يُجِزْهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ مُسَاوٍ، حَسَّنَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 اخْتِلَافُ اللَّفْظِ (فَإِنَّهُ إِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَذَلِكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتِقَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، وَلَا أَنْ يُخْرِجَ تِلْكَ الصَّدَقَةَ) لِأَنَّ رَدَّ السَّيِّدِ إِبْطَالٌ لِفِعْلِهِ (إِلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ طَائِعًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ) فَيَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 [باب الْوَصِيَّةِ فِي الْمُكَاتَبِ] قَالَ مَالِكٌ إِنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعْتُ فِي الْمُكَاتَبِ يُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ يُقَامُ عَلَى هَيْئَتِهِ تِلْكَ الَّتِي لَوْ بِيعَ كَانَ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي يَبْلُغُ فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ وُضِعَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يُنْظَرْ إِلَى عَدَدِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ لَمْ يَغْرَمْ قَاتِلُهُ إِلَّا قِيمَتَهُ يَوْمَ قَتْلِهِ وَلَوْ جُرِحَ لَمْ يَغْرَمْ جَارِحُهُ إِلَّا دِيَةَ جَرْحِهِ يَوْمَ جَرَحَهُ وَلَا يُنْظَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لَمْ يُحْسَبْ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ إِلَّا مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَ الْمَيِّتُ لَهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ فَصَارَتْ وَصِيَّةً أَوْصَى بِهَا قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ كِتَابَتِهِ إِلَّا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَوْصَى سَيِّدُهُ لَهُ بِالْمِائَةِ دِرْهَمٍ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ حُسِبَتْ لَهُ فِي ثُلُثِ سَيِّدِهِ فَصَارَ حُرًّا بِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَاتَبَ عَبْدَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ إِنَّهُ يُقَوَّمُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ فِي ثُلُثِهِ سَعَةٌ لِثَمَنِ الْعَبْدِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَ دِينَارٍ فَيُكَاتِبُهُ سَيِّدُهُ عَلَى مِائَتَيْ دِينَارٍ عِنْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ ثُلُثُ مَالِ سَيِّدِهِ أَلْفَ دِينَارٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ أَوْصَى لَهُ بِهَا فِي ثُلُثِهِ فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ قَدْ أَوْصَى لِقَوْمٍ بِوَصَايَا وَلَيْسَ فِي الثُّلُثِ فَضْلٌ عَنْ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ بُدِئَ بِالْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَتَاقَةٌ وَالْعَتَاقَةُ تُبَدَّأُ عَلَى الْوَصَايَا ثُمَّ تُجْعَلُ تِلْكَ الْوَصَايَا فِي كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ يَتْبَعُونَهُ بِهَا وَيُخَيَّرُ وَرَثَةُ الْمُوصِي فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يُعْطُوا أَهْلَ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ كَامِلَةً وَتَكُونُ كِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ لَهُمْ فَذَلِكَ لَهُمْ وَإِنْ أَبَوْا وَأَسْلَمُوا الْمُكَاتَبَ وَمَا عَلَيْهِ إِلَى أَهْلِ الْوَصَايَا فَذَلِكَ لَهُمْ لِأَنَّ الثُّلُثَ صَارَ فِي الْمُكَاتَبِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا أَحَدٌ فَقَالَ الْوَرَثَةُ الَّذِي أَوْصَى بِهِ صَاحِبُنَا أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِهِ وَقَدْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ قَالَ فَإِنَّ وَرَثَتَهُ يُخَيَّرُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ قَدْ أَوْصَى صَاحِبُكُمْ بِمَا قَدْ عَلِمْتُمْ فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تُنَفِّذُوا ذَلِكَ لِأَهْلِهِ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ وَإِلَّا فَأَسْلِمُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ كُلِّهِ قَالَ فَإِنْ أَسْلَمَ الْوَرَثَةُ الْمُكَاتَبَ إِلَى أَهْلِ الْوَصَايَا كَانَ لِأَهْلِ الْوَصَايَا مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ أَخَذُوا ذَلِكَ فِي وَصَايَاهُمْ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ كَانَ عَبْدًا لِأَهْلِ الْوَصَايَا لَا يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ حِينَ خُيِّرُوا وَلِأَنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا حِينَ أُسْلِمَ إِلَيْهِمْ ضَمِنُوهُ فَلَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْوَرَثَةِ شَيْءٌ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ كِتَابَتَهُ وَتَرَكَ مَالًا هُوَ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْهِ فَمَالُهُ لِأَهْلِ الْوَصَايَا وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ عَتَقَ وَرَجَعَ وَلَاؤُهُ إِلَى عَصَبَةِ الَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَيَضَعُ عَنْهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ يُقَوَّمُ الْمُكَاتَبُ فَيُنْظَرُ كَمْ قِيمَتُهُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالَّذِي وُضِعَ عَنْهُ عُشْرُ الْكِتَابَةِ وَذَلِكَ فِي الْقِيمَةِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَهُوَ عُشْرُ الْقِيمَةِ فَيُوضَعُ عَنْهُ عُشْرُ الْكِتَابَةِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ إِلَى عُشْرِ الْقِيمَةِ نَقْدًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَهَيْئَتِهِ لَوْ وُضِعَ عَنْهُ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُحْسَبْ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ إِلَّا قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَانَ الَّذِي وُضِعَ عَنْهُ نِصْفُ الْكِتَابَةِ حُسِبَ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ قَالَ مَالِكٌ إِذَا وَضَعَ الرَّجُلُ عَنْ مُكَاتَبِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ كِتَابَتِهِ أَوْ مِنْ آخِرِهَا وُضِعَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ نَجْمٍ عُشْرُهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا وَضَعَ الرَّجُلُ عَنْ مُكَاتَبِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ أَوَّلِ كِتَابَتِهِ أَوْ مِنْ آخِرِهَا وَكَانَ أَصْلُ الْكِتَابَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ قُوِّمَ الْمُكَاتَبُ قِيمَةَ النَّقْدِ ثُمَّ قُسِمَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ فَجُعِلَ لِتِلْكَ الْأَلْفِ الَّتِي مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابَةِ حِصَّتُهَا مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ بِقَدْرِ قُرْبِهَا مِنْ الْأَجَلِ وَفَضْلِهَا ثُمَّ الْأَلْفُ الَّتِي تَلِي الْأَلْفَ الْأُولَى بِقَدْرِ فَضْلِهَا أَيْضًا ثُمَّ الْأَلْفُ الَّتِي تَلِيهَا بِقَدْرِ فَضْلِهَا أَيْضًا حَتَّى يُؤْتَى عَلَى آخِرِهَا تَفْضُلُ كُلُّ أَلْفٍ بِقَدْرِ مَوْضِعِهَا فِي تَعْجِيلِ الْأَجَلِ وَتَأْخِيرِهِ لِأَنَّ مَا اسْتَأْخَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ أَقَلَّ فِي الْقِيمَةِ ثُمَّ يُوضَعُ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ قَدْرُ مَا أَصَابَ تِلْكَ الْأَلْفَ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى تَفَاضُلِ ذَلِكَ إِنْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِرُبُعِ مُكَاتَبٍ أَوْ أَعْتَقَ رُبُعَهُ فَهَلَكَ الرَّجُلُ ثُمَّ هَلَكَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا كَثِيرًا أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ يُعْطَى وَرَثَةُ السَّيِّدِ وَالَّذِي أَوْصَى لَهُ بِرُبُعِ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ لَهُمْ عَلَى الْمُكَاتَبِ ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ مَا فَضَلَ فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِرُبُعِ الْمُكَاتَبِ ثُلُثُ مَا فَضَلَ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَلِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ الثُّلُثَانِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ فَإِنَّمَا يُورَثُ بِالرِّقِّ قَالَ مَالِكٌ فِي مُكَاتَبٍ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ قَالَ إِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ ثُلُثُ الْمَيِّتِ عَتَقَ مِنْهُ قَدْرُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَيُوضَعُ عَنْهُ مِنْ الْكِتَابَةِ قَدْرُ ذَلِكَ إِنْ كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ نَقْدًا وَيَكُونُ ثُلُثُ الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَتَقَ نِصْفُهُ وَيُوضَعُ عَنْهُ شَطْرُ الْكِتَابَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ غُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ وَكَاتِبُوا فُلَانًا تُبَدَّأُ الْعَتَاقَةُ عَلَى الْكِتَابَةِ   13 - بَابُ الْوَصِيَّةِ فِي الْمُكَاتَبِ - (مَالِكٌ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ) وَفِي نُسْخَةٍ: سَمِعْتُ (فِي الْمُكَاتَبِ يُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ: أَنَّ الْمُكَاتَبَ يُقَامُ) أَيْ يَقُومُ (عَلَى هَيْئَتِهِ) صِفَتِهِ (تِلْكَ الَّتِي لَوْ بِيعَ كَانَ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي يَبْلُغُ، فَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابَةِ وُضِعَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يُنْظَرْ إِلَى عِدَّةِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ لَمْ يَغْرَمْ قَاتِلُهُ إِلَّا قِيمَتَهُ يَوْمَ قَتَلَهُ، وَلَوْ جَرَحَهُ لَمْ يَغْرَمْ جَارِحُهُ إِلَّا دِيَةَ جُرْحِهِ يَوْمَ جَرَحَهُ، وَلَا يُنْظَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لَمْ يُحْسَبْ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ إِلَّا مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَ الْمَيِّتُ لَهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ فَصَارَتْ وَصِيَّةً) أَيْ كَوَصِيَّةٍ (أَوْصَى بِهَا) فَهُوَ تَشْبِيهٌ حُذِفَتْ أَدَاتُهُ إِذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يُوصِ، وَإِنَّمَا نَجَّزَ عِتْقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَحُكْمُهُ كَالْوَصِيَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 (وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ) إِيضَاحُهُ بِالْمِثَالِ (أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ كِتَابَتِهِ إِلَّا مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَأَوْصَى سَيِّدُهُ لَهُ بِالْمِائَةِ دِرْهَمٍ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ حُسِبَتْ لَهُ فِي ثُلُثِ سَيِّدِهِ فَصَارَ حُرًّا بِهَا) وَلَا يُعْطَاهَا وَيَبْقَى بَعْضُهُ رَقِيقًا. (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَاتَبَ عَبْدَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ: أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ فِي ثُلُثِهِ سَعَةٌ لِثَمَنِ الْعَبْدِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ) وَعَتَقَ (وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفُ دِينَارٍ فَيُكَاتِبُهُ سَيِّدُهُ عَلَى مِائَتَيْ دِينَارٍ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَيَكُونُ ثُلُثُ مَالِ سَيِّدِهِ أَلْفَ دِينَارٍ، فَذَلِكَ جَائِزٌ) لِحَمْلِ الثُّلُثِ لَهُ (وَإِنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ أَوْصَى بِهَا فِي ثُلُثِهِ) لَا كِتَابَةً حَقِيقَةً. (فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ قَدْ أَوْصَى لِقَوْمٍ بِوَصَايَا وَلَيْسَ فِي الثُّلُثِ فَضْلٌ عَنْ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ بُدِئَ بِالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَتَاقَةٌ، وَالْعَتَاقَةُ تُبَدَّى عَلَى الْوَصَايَا) لِتَشَوُّفِ الشَّرْعِ لِلْحُرِّيَّةِ (ثُمَّ تُجْعَلُ تِلْكَ الْوَصَايَا فِي كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ يَتْبَعُونَهُ بِهَا، وَتُخَيَّرُ وَرَثَةُ الْمُوصِي فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يُعْطُوا أَهْلَ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ كَامِلَةً وَتَكُونَ كِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ لَهُمْ) خَاصَّةً (فَذَلِكَ) لَهُمْ (وَإِنْ أَبَوْا وَأَسْلَمُوا الْمُكَاتَبَ، وَمَا عَلَيْهِ إِلَى أَهْلِ الْوَصَايَا، فَذَلِكَ لَهُمْ) وَإِنَّمَا خُيِّرُوا (لِأَنَّ الثُّلُثَ صَارَ فِي الْمُكَاتَبِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا أَحَدٌ، فَقَالَ الْوَرَثَةُ: الَّذِي أَوْصَى بِهِ صَاحِبُنَا) أَيْ مُورِثُنَا (أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 وَقَدْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ، فَإِنَّ وَرَثَتَهُ يُخَيَّرُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: قَدْ أَوْصَى صَاحِبُكُمْ بِمَا قَدْ عَلِمْتُمْ فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تُنْفِذُوا) تُمْضُوا (ذَلِكَ لِأَهْلِهِ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ، وَإِلَّا فَأَسْلِمُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ كُلِّهِ) وَتُعْرَفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَسْأَلَةِ خَلْعِ الثُّلُثِ، وَتَقَدَّمَتْ وَأَعَادَهَا هُنَا اسْتِظْهَارًا. (فَإِنْ أَسْلَمَ الْوَرَثَةُ الْمُكَاتَبَ إِلَى أَهْلِ الْوَصَايَا، كَانَ لِأَهْلِ الْوَصَايَا مَا عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (مَا عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابَةِ أَخَذُوا ذَلِكَ فِي وَصَايَاهُمْ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ كَانَ عَبْدًا لِأَهْلِ الْوَصَايَا لَا يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ ; لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ حِينَ خُيِّرُوا) فَصَارَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ (وَلِأَنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا حِينَ أَسْلَمَ إِلَيْهِمْ ضَمِنُوهُ، فَلَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْوَرَثَةِ شَيْءٌ) مِنَ التَّرِكَةِ. (وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ كِتَابَتَهُ وَتَرَكَ مَالًا هُوَ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْهِ، فَمَالُهُ لِأَهْلِ الْوَصَايَا) لِمَلْكِهِمْ لَهُ (وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ عَتَقَ، وَرَجَعَ وَلَاؤُهُ إِلَى عَصَبَتِهِ الَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَنْتَقِلُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَيَضَعُ) يَحُطُّ (عَنْهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ: أَنَّهُ يُقَوَّمُ الْمُكَاتَبُ فَيُنْظَرُ كَمْ قِيمَتُهُ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالَّذِي وُضِعَ عَنْهُ عُشْرُ الْكِتَابَةِ، وَذَلِكَ فِي الْقِيمَةِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَهُوَ عُشْرُ الْقِيمَةِ فَيُوضَعُ عَنْهُ عُشْرُ الْكِتَابَةِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ إِلَى عُشْرِ الْقِيمَةِ نَقْدًا) يُحَطُّ عَنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 (وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَهَيْئَتِهِ لَوْ وُضَعَ عَنْهُ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُحْسَبْ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ إِلَّا قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ أَلْفُ دِرْهَمٍ) فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ. (وَإِنْ كَانَ الَّذِي وُضِعَ عَنْهُ نِصْفَ الْكِتَابَةِ حُسِبَ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) كَالثُّلُثِ (أَوْ أَكْثَرَ) كَالثُّلُثَيْنِ (فَهُوَ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ) الَّذِي قُلْنَا. (وَإِذَا وَضَعَ الرَّجُلُ عَنْ مُكَاتَبِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ السَّيِّدِ (أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ) كَاتَبَهُ عَلَيْهَا (وَلَمْ يُسَمِّ أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابَةِ أَوْ مِنْ آخِرِهَا وُضِعَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ نَجْمٍ عَشْرَةٌ) لِأَنَّ هَذَا عَدْلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَةِ سَيِّدِهِ. (وَإِذَا وَضَعَ الرَّجُلُ عَنْ مُكَاتَبِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ أَوَّلِ كِتَابَتِهِ أَوْ مِنْ آخِرِهَا، وَكَانَ أَصْلُ الْكِتَابَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ قُوِّمَ الْمُكَاتَبُ قِيمَةَ النَّقْدِ ثُمَّ قُسِّمَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ، فَجُعِلَ لِتِلْكَ الْأَلْفِ الَّتِي مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابَةِ حِصَّتُهَا مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ بِقَدْرِ قُرْبِهَا مِنَ الْأَجَلِ وَفَضْلِهَا، ثُمَّ الْأَلْفُ الَّتِي تَلِي الْأَلْفَ الْأُولَى) أَيِ الثَّانِيَةِ تُجْعَلُ (بِقَدْرِ فَضْلِهَا أَيْضًا ثُمَّ الْأَلْفُ الَّتِي تَلِيهَا) أَيِ الثَّالِثَةُ (بِقَدْرِ فَضْلِهَا أَيْضًا، حَتَّى يُؤْتَى عَلَى آخِرِهَا بِفَضْلِ كُلِّ أَلْفٍ بِقَدْرِ مَوْضِعِهَا فِي تَعْجِيلِ الْأَجَلِ وَتَأْخِيرِهِ ; لِأَنَّ مَا) أَيِ الَّذِي (اسْتَأْخَرَ مِنْ ذَلِكَ أَقَلُّ فِي الْقِيمَةِ) مِمَّا يُعَجَّلُ. (ثُمَّ يُوضَعُ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ قَدْرُ مَا أَصَابَ تِلْكَ الْأَلْفَ مِنَ الْقِيمَةِ عَلَى تَفَاضُلِ ذَلِكَ إِنْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، فَهُوَ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 الْمَذْكُورِ. (وَفِي رَجُلٍ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِرُبُعِ مُكَاتَبٍ لَهُ أَوْ أَعْتَقَ) وَفِي نُسَخٍ: وَعَتَقَ، بِالْوَاوِ (رُبُعَهُ، فَهَلَكَ الرَّجُلُ) الْمُوصِي (ثُمَّ) بَعْدَهُ (هَلَكَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا كَثِيرًا أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابَةِ، قَالَ مَالِكٌ: يُعْطَى وَرَثَةُ السَّيِّدِ، وَالَّذِي أَوْصَى لَهُ بِرُبُعِ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ لَهُمْ عَلَى الْمُكَاتَبِ) مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ مَا) أَيِ الْمَالَ الَّذِي (فَضَلَ، فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِرُبُعِ الْمُكَاتَبِ ثُلُثُ مَا فَضَلَ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ، وَلِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ الثُّلُثَانِ) لِأَنَّ حِصَّةَ الْحَرِّيَّةَ الرُّبُعُ لَا يُؤْخَذُ بِهَا شَيْءٌ، فَرَجَعَ ذَلِكَ إِلَى النِّصْفِ وَالرُّبُعِ، فَالنِّصْفُ ثُلُثَانِ، وَالرُّبُعُ ثُلُثٌ بِمَا رَجَعَ إِلَيْهِ مِنْ حِصَّةِ الْحُرِّيَّةِ. (وَذَلِكَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ، فَإِنَّمَا يُورَثُ بِالرِّقِّ) أَيْ يُؤْخَذُ مَا خَلَّفَهُ، وَتَسْمِيَتُهُ إِرْثًا مَجَازٌ. (مَالِكٌ: فِي مُكَاتَبٍ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ) لِلسَّيِّدِ (إِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ ثُلُثُ الْمَيِّتِ عَتَقَ مِنْهُ قَدْرَ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ، وَيُوضَعُ عَنْهُ مِنَ الْكِتَابَةِ قَدْرُ ذَلِكَ) مَثَلًا (إِنْ كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ نَقْدًا وَيَكُونُ ثُلُثُ الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، عَتَقَ نَصِفُهُ وَيُوضَعُ عَنْهُ شَطْرُ الْكِتَابَةِ) أَيْ نِصْفُهَا. (وَفِي رَجُلٍ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: غُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ وَكَاتِبُوا فُلَانًا) لِعَبْدٍ آخَرَ (تُبَدَّى الْعَتَاقَةُ) عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ (عَلَى الْكِتَابَةِ) لِأَنَّ الْعَتَاقَةَ تَحْرِيرٌ نَاجِزٌ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 [كِتَاب الْمُدَبَّرِ] [باب الْقَضَاءِ فِي الْمُدَبَّرِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْمُدَبَّرِ باب الْقَضَاءِ فِي الْمُدَبَّرِ حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ قَالَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ دَبَّرَ جَارِيَةً لَهُ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا بَعْدَ تَدْبِيرِهِ إِيَّاهَا ثُمَّ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ قَبْلَ الَّذِي دَبَّرَهَا إِنَّ وَلَدَهَا بِمَنْزِلَتِهَا قَدْ ثَبَتَ لَهُمْ مِنْ الشَّرْطِ مِثْلُ الَّذِي ثَبَتَ لَهَا وَلَا يَضُرُّهُمْ هَلَاكُ أُمِّهِمْ فَإِذَا مَاتَ الَّذِي كَانَ دَبَّرَهَا فَقَدْ عَتَقُوا إِنْ وَسِعَهُمْ الثُّلُثُ وَقَالَ مَالِكٌ كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا إِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَوَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا فَوَلَدُهَا أَحْرَارٌ وَإِنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُعْتَقَةً إِلَى سِنِينَ أَوْ مُخْدَمَةً أَوْ بَعْضَهَا حُرًّا أَوْ مَرْهُونَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَوَلَدُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى مِثَالِ حَالِ أُمِّهِ يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّونَ بِرِقِّهَا قَالَ مَالِكٌ فِي مُدَبَّرَةٍ دُبِّرَتْ وَهِيَ حَامِلٌ وَلَمْ يَعْلَمْ سَيِّدُهَا بِحَمْلِهَا إِنَّ وَلَدَهَا بِمَنْزِلَتِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَعْتَقَ جَارِيَةً لَهُ وَهِيَ حَامِلٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِحَمْلِهَا قَالَ مَالِكٌ فَالسُّنَّةُ فِيهَا أَنَّ وَلَدَهَا يَتْبَعُهَا وَيَعْتِقُ بِعِتْقِهَا قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ جَارِيَةً وَهِيَ حَامِلٌ فَالْوَلِيدَةُ وَمَا فِي بَطْنِهَا لِمَنْ ابْتَاعَهَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَا فِي بَطْنِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ يَضَعُ مِنْ ثَمَنِهَا وَلَا يَدْرِي أَيَصِلُ ذَلِكَ إِلَيْهِ أَمْ لَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ قَالَ مَالِكٌ فِي مُكَاتَبٍ أَوْ مُدَبَّرٍ ابْتَاعَ أَحَدُهُمَا جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَوَلَدَتْ قَالَ وَلَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ جَارِيَتِهِ بِمَنْزِلَتِهِ يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهِ وَيَرِقُّونَ بِرِقِّهِ قَالَ مَالِكٌ فَإِذَا أُعْتِقَ هُوَ فَإِنَّمَا أُمُّ وَلَدِهِ مَالٌ مِنْ مَالِهِ يُسَلَّمُ إِلَيْهِ إِذَا أُعْتِقَ   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 40 - كِتَابُ الْمُدَبَّرِ أَيِ الَّذِي عَلَّقَ سَيِّدُهُ عِتْقَهُ عَلَى مَوْتِهِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْمَوْتَ دُبُرُ الْحَيَاةِ، وَدُبُرُ كُلِّ شَيْءٍ مَا وَرَاءَهُ، بِسُكُونِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا، وَالْجَارِحَةُ بِالضَّمِّ فَقَطْ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي غَيْرِهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ السَّيِّدَ دَبَّرَ أَمْرَ دُنْيَاهُ بِاسْتِخْدَامِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ وَأَمْرَ آخِرَتِهِ بِإِعْتَاقِهِ. 1 - بَابُ الْقَضَاءِ فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ دَبَّرَ جَارِيَةً لَهُ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا بَعْدَ تَدْبِيرِهِ إِيَّاهَا ثُمَّ مَاتَتِ الْجَارِيَةُ قَبْلَ الَّذِي دَبَّرَهَا) وَخَبَرُ الْأَمْرِ قَوْلُهُ: (إِنَّ وَلَدَهَا بِمَنْزِلَتِهَا، قَدْ ثَبَتَ لَهُمْ مِنَ الشَّرْطِ مِثْلُ الَّذِي ثَبَتَ لَهَا) مِنَ التَّدْبِيرِ (وَلَا يَضُرُّهُمْ هَلَاكُ أُمِّهِمْ) مَوْتُهَا قَبْلَ سَيِّدِهَا. (فَإِذَا مَاتَ الَّذِي كَانَ دَبَّرَهَا فَقَدْ عَتَقُوا إِنْ حَمَلَهُمْ) وَفِي نُسْخَةٍ: إِنْ وَسِعَهُمْ (الثُّلُثُ) لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي الثُّلُثِ. (وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا، إِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَوَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا فَوَلَدُهَا أَحْرَارٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُعْتَقَةً إِلَى سِنِينَ) أَيْ بَعْدَ مُضِيِّهَا (أَوْ مُخْدَمَةً) لِإِنْسَانٍ ثُمَّ تُعْتَقُ بَعْدَهُ (أَوْ بَعْضُهَا حُرًّا) وَبَعْضُهَا رَقِيقًا (أَوْ مَرْهُونَةً أَوْ أُمَّ وُلَدٍ، فَوَلَدُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى مِثَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 حَالِ أُمِّهِ يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا) إِذَا عَتَقَتْ (وَيَرِقُّونَ بِرِقِّهَا) أَيْ مُدَّةَ دَوَامِهَا رَقِيقَةً (وَفِي مُدَبَّرَةٍ دُبِّرَتْ وَهِيَ حَامِلَةٌ أَنَّ وَلَدَهَا بِمَنْزِلَتِهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَعْتَقَ جَارِيَةً لَهُ وَهِيَ حَامِلٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِحَمْلِهَا، قَالَ مَالِكٌ: فَالسُّنَّةُ فِيهَا أَنَّ وَلَدَهَا يَتْبَعُهَا وَيَعْتِقُ بِعِتْقِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ جَارِيَةً وَهِيَ حَامِلٌ فَالْوَلِيدَةُ) أَيِ الْأَمَةُ (وَمَا فِي بَطْنِهَا لِمَنِ ابْتَاعَهَا، اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ) لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ تَنَاوَلَ ذَلِكَ شَرْعًا (وَلَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَا فِي بَطْنِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ يَضَعُ مِنْ ثَمَنِهَا وَلَا يَدْرِي أَيَصِلُ ذَلِكَ إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ) وَقَدْ «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الْأَجِنَّةِ» . (وَفِي مُكَاتَبٍ أَوْ مُدَبَّرٍ ابْتَاعَ أَحَدَهُمَا جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَوُلَدَتْ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ جَارِيَتِهِ بِمَنْزِلَتِهِ يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهِ وَيَرِقُّونَ بِرِقِّهِ، فَإِذَا أُعْتِقَ هُوَ) بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ أَوْ مَوْتِ السَّيِّدِ (فَإِنَّمَا أُمُّ وَلَدِهِ مَالٌ مِنْ مَالِهِ يُسَلَّمُ إِلَيْهِ إِذَا عَتَقَ) فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِالْحَمْلِ الْوَاقِعِ زَمَنَ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّحْرِيرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 [باب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي التَّدْبِيرِ] قَالَ مَالِكٌ فِي مُدَبَّرٍ قَالَ لِسَيِّدِهِ عَجِّلْ لِي الْعِتْقَ وَأُعْطِيكَ خَمْسِينَ مِنْهَا مُنَجَّمَةً عَلَيَّ فَقَالَ سَيِّدُهُ نَعَمْ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْكَ خَمْسُونَ دِينَارًا تُؤَدِّي إِلَيَّ كُلَّ عَامٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْعَبْدُ ثُمَّ هَلَكَ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قَالَ مَالِكٌ يَثْبُتُ لَهُ الْعِتْقُ وَصَارَتْ الْخَمْسُونَ دِينَارًا دَيْنًا عَلَيْهِ وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ وَثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ وَمِيرَاثُهُ وَحُدُودُهُ وَلَا يَضَعُ عَنْهُ مَوْتُ سَيِّدِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَمَالٌ غَائِبٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ مَا يَخْرُجُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ قَالَ يُوقَفُ الْمُدَبَّرُ بِمَالِهِ وَيُجْمَعُ خَرَاجُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْ الْمَالِ الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ فِيمَا تَرَكَ سَيِّدُهُ مِمَّا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ عَتَقَ بِمَالِهِ وَبِمَا جُمِعَ مِنْ خَرَاجِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَرَكَ سَيِّدُهُ مَا يَحْمِلُهُ عَتَقَ مِنْهُ قَدْرُ الثُّلُثِ وَتُرِكَ مَالُهُ فِي يَدَيْهِ   2 - بَابٌ جَامِعٌ مَا جَاءَ فِي التَّدْبِيرِ - (مَالِكٌ: فِي مُدَبَّرٍ قَالَ لِسَيِّدِهِ: عَجِّلْ لِي الْعِتْقَ وَأُعْطِيكَ خَمْسِينَ دِينَارًا مُنَجَّمَةً عَلَيَّ، فَقَالَ سَيِّدُهُ: نَعَمْ، أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْكَ خَمْسُونَ دِينَارًا تُؤَدِّي إِلَيَّ فِي كُلِّ عَامٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْعَبْدُ، ثُمَّ هَلَكَ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، قَالَ مَالِكٌ: يَثْبُتُ لَهُ الْعِتْقُ) لِأَنَّهُ نَجَّزَ عِتْقَهُ (وَصَارَتِ الْخَمْسُونَ دِينَارًا دَيْنًا عَلَيْهِ) عَلَى تَنْجِيمِهَا (وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ وَثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ وَمِيرَاثُهُ وَحُدُودُهُ) لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا (وَلَا يَضَعُ) لَا يُسْقِطُ (عَنْهُ مَوْتُ سَيِّدِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ) لِأَنَّ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ عَلَيْهِ وَقَعَ فَلَزِمَهُ. (وَفِي رَجُلٍ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَمَالٌ غَائِبٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ مَا يَخْرُجُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ) حُرًّا مِنْ ثُلُثِهِ (قَالَ مَالِكٌ: يُوقَفُ الْمُدَبَّرُ بِمَالِهِ وَيُجْمَعُ خَرَاجُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنَ الْمَالِ الْغَائِبِ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا تَرَكَ سَيِّدُهُ مِمَّا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ) مِنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ (عَتَقَ بِمَالِهِ وَبِمَا جُمِعَ مِنْ خَرَاجِهِ) أَيْ يَكُونَانِ لَهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَرَكَ سَيِّدُهُ مَا يَحْمِلُهُ عَتَقَ مِنْهُ قَدْرُ) مَحْمِلُ (الثُّلُثِ، وَتُرِكَ مَالُهُ فِي يَدَيْهِ) يَتَصَرَّفُ فِيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 [باب الْوَصِيَّةِ فِي التَّدْبِيرِ] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ عَتَاقَةٍ أَعْتَقَهَا رَجُلٌ فِي وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ أَنَّهُ يَرُدُّهَا مَتَى شَاءَ وَيُغَيِّرُهَا مَتَى شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ تَدْبِيرًا فَإِذَا دَبَّرَ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى رَدِّ مَا دَبَّرَ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ أَمَةٌ أَوْصَى بِعِتْقِهَا وَلَمْ تُدَبَّرْ فَإِنَّ وَلَدَهَا لَا يَعْتِقُونَ مَعَهَا إِذَا عَتَقَتْ وَذَلِكَ أَنَّ سَيِّدَهَا يُغَيِّرُ وَصِيَّتَهُ إِنْ شَاءَ وَيَرُدُّهَا مَتَى شَاءَ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا عَتَاقَةٌ وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ قَالَ لِجَارِيَتِهِ إِنْ بَقِيَتْ عِنْدِي فُلَانَةُ حَتَّى أَمُوتَ فَهِيَ حُرَّةٌ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ أَدْرَكَتْ ذَلِكَ كَانَ لَهَا ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ قَبْلَ ذَلِكَ بَاعَهَا وَوَلَدَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْ وَلَدَهَا فِي شَيْءٍ مِمَّا جَعَلَ لَهَا قَالَ وَالْوَصِيَّةُ فِي الْعَتَاقَةِ مُخَالِفَةٌ لِلتَّدْبِيرِ فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ مَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ التَّدْبِيرِ كَانَ كُلُّ مُوصٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ وَصِيَّتِهِ وَمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ الْعَتَاقَةِ وَكَانَ قَدْ حَبَسَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَبَّرَ رَقِيقًا لَهُ جَمِيعًا فِي صِحَّتِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ إِنْ كَانَ دَبَّرَ بَعْضَهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ وَإِنْ كَانَ دَبَّرَهُمْ جَمِيعًا فِي مَرَضِهِ فَقَالَ فُلَانٌ حُرٌّ وَفُلَانٌ حُرٌّ وَفُلَانٌ حُرٌّ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ إِنْ حَدَثَ بِي فِي مَرَضِي هَذَا حَدَثُ مَوْتٍ أَوْ دَبَّرَهُمْ جَمِيعًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَحَاصَّوْا فِي الثُّلُثِ وَلَمْ يُبَدَّأْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ وَإِنَّمَا لَهُمْ الثُّلُثُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ ثُمَّ يَعْتِقُ مِنْهُمْ الثُّلُثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ قَالَ وَلَا يُبَدَّأُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَرَضِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَبَّرَ غُلَامًا لَهُ فَهَلَكَ السَّيِّدُ وَلَا مَالَ لَهُ إِلَّا الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ وَلِلْعَبْدِ مَالٌ قَالَ يُعْتَقُ ثُلُثُ الْمُدَبَّرِ وَيُوقَفُ مَالُهُ بِيَدَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فِي مُدَبَّرٍ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ قَالَ مَالِكٌ يُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثُهُ وَيُوضَعُ عَنْهُ ثُلُثُ كِتَابَتِهِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ ثُلُثَاهَا قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَتَّ عِتْقَ نِصْفِهِ أَوْ بَتَّ عِتْقَهُ كُلَّهُ وَقَدْ كَانَ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ آخَرَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ يُبَدَّأُ بِالْمُدَبَّرِ قَبْلَ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرُدَّ مَا دَبَّرَ وَلَا أَنْ يَتَعَقَّبَهُ بِأَمْرٍ يَرُدُّهُ بِهِ فَإِذَا عَتَقَ الْمُدَبَّرُ فَلْيَكُنْ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فِي الَّذِي أَعْتَقَ شَطْرَهُ حَتَّى يَسْتَتِمَّ عِتْقُهُ كُلُّهُ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَضْلَ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْهُ مَا بَلَغَ فَضْلَ الثُّلُثِ بَعْدَ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ الْأَوَّلِ   3 - بَابُ الْوَصِيَّةِ فِي التَّدْبِيرِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ عَتَاقَةٍ أَعْتَقَهَا رَجُلٌ فِي وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ أَنَّهُ يَرُدُّهَا) أَيْ لَهُ ذَلِكَ (مَتَى شَاءَ وَيُغَيِّرُهَا مَتَى شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ تَدْبِيرًا، فَإِذَا دَبَّرَ فَلَا سَبِيلَ) لَهُ (إِلَى رَدِّ مَا دَبَّرَ) لِحَدِيثِ: " «الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» ". (وَكُلُّ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ أَمَةٌ أُوصِيَ بِعِتْقِهَا وَلَمْ تُدَبَّرْ، فَإِنَّ وَلَدَهَا لَا يَعْتِقُونَ مَعَهَا إِذْ عَتَقَتْ، وَذَلِكَ أَنَّ سَيِّدَهَا يُغَيِّرُ وَصِيَّتَهُ إِنْ شَاءَ وَيَرُدُّهَا مَتَى شَاءَ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا عَتَاقَةٌ) حَتَّى يَكُونَ وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا (وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: إِنْ بَقِيَتْ عِنْدِي فُلَانَةُ حَتَّى أَمُوتَ فَهِيَ حُرَّةٌ، فَإِنْ أَدْرَكَتْ ذَلِكَ) أَيْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ (كَانَ لَهَا ذَلِكَ) التَّحْرِيرُ (وَإِنْ شَاءَ قَبْلَ ذَلِكَ بَاعَهَا وَوَلَدَهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْ وَلَدَهَا فِي شَيْءٍ مِمَّا جُعِلَ لَهَا، وَالْوَصِيَّةُ فِي الْعَتَاقَةِ) أَيْ بِهَا (مُخَالِفَةٌ لِلتَّدْبِيرِ، فَرْقٌ بَيْنَ ذَلِكَ مَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ) فَيُتْبَعُ (وَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ التَّدْبِيرِ كَانَ كُلُّ مُوصٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ وَصِيَّتِهِ وَمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنَ الْعَتَاقَةِ) وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ (وَكَانَ قَدْ حَبَسَ) مَنَعَ (عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ) وَذَلِكَ حَرَجٌ شَدِيدٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 (مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَبَّرَ رَقِيقًا لَهُ جَمِيعًا فِي صِحَّتِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، إِنْ كَانَ دَبَّرَ بَعْضَهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ) فَالْأَوَّلُ التَّالِي لَهُ سُمِّيَ أَوَّلًا بِالنَّظَرِ لِمَا بَعْدَهُ (حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ، وَإِنْ كَانَ دَبَّرَهُمْ جَمِيعًا فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ: فُلَانٌ حُرٌّ وَفُلَانٌ حُرٌّ وَفُلَانٌ حُرٌّ) لِثَلَاثَةِ أَرِقَّاءَ (فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ) مَنْسُوقٍ بِلَا فَاصِلٍ (إِنْ حَدَثَ بِي فِي مَرَضِي هَذَا حَدَثُ مَوْتٍ، أَوْ دَبَّرَهُمْ جَمِيعًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَحَاصَّوْا فِي الثُّلُثِ، وَلَمْ يُبْدَأْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ وَإِنَّمَا لَهُمُ الثُّلُثُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ ثُمَّ يَعْتِقُ مِنْهُمُ الثُّلُثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَا يُبْدَأُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِذَا كَانَ كُلُّهُ فِي مَرَضِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ. (وَفِي رَجُلٍ دَبَّرَ غُلَامًا لَهُ فَهَلَكَ السَّيِّدُ، وَلَا مَالَ لَهُ إِلَّا الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ وَلِلْعَبْدِ مَالٌ، قَالَ مَالِكٌ: يُعْتَقُ ثُلُثُ الْمُدَبَّرِ وَيُوقَفُ مَالُهُ بِيَدَيْهِ) وَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَزْعِهِ مِنْهُ وَتَرْكِهِ فَقِيرًا. (وَفِي مُدَبَّرٍ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ، قَالَ مَالِكٌ: يُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثُهُ وَيُوضَعُ عَنْهُ ثُلُثُ كِتَابَتِهِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ ثُلُثَاهَا. وَفِي رَجُلٍ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَتَّ عِتْقَ نِصْفِهِ أَوْ بَتَّ عِتْقَهُ كُلَّهُ وَقَدْ كَانَ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ آخَرَ قَبْلَ ذَلِكَ) فِي صِحَّتِهِ (قَالَ مَالِكٌ: يُبْدَأُ بِالْمُدَبَّرِ) فِي صِحَّتِهِ (قَبْلَ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرُدَّ مَا دَبَّرَ وَلَا أَنْ يَتَعَقَّبَهُ بِأَمْرٍ يَرُدُّهُ بِهِ) وَإِنَّمَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهُ لِلْعِتْقِ أَوِ الْكِتَابَةِ. (فَإِذَا عَتَقَ الْمُدَبَّرُ فَلْيَكُنْ مَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ فِي الَّذِي أَعْتَقَ شَطْرَهُ حَتَّى يَسْتَتِمَّ عِتْقُهُ كُلِّهِ) بِالْجَرِّ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ (فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَضْلَ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْهُ مَا بَلَغَ فَضْلَ الثُّلُثِ) زِيَادَتَهُ (بَعْدَ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ الْأَوَّلِ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 [باب مَسِّ الرَّجُلِ وَلِيدَتَهُ إِذَا دَبَّرَهَا] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ دَبَّرَ جَارِيَتَيْنِ لَهُ فَكَانَ يَطَؤُهُمَا وَهُمَا مُدَبَّرَتَانِ   - بَابُ مَسِّ الرَّجُلِ وَلِيدَتَهُ إِذَا دَبَّرَهَا 1546 - 1488 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ دَبَّرَ جَارِيَتَيْنِ لَهُ فَكَانَ يَطَؤُهُمَا وَهُمَا مُدَبَّرَتَانِ) . الحديث: 1546 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا وَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا   1547 - 1489 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ: إِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا) لِأَنَّهَا إِنْ حَمَلَتْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ تُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ عِتْقِ الْمُدَبَّرَةِ مِنَ الثُّلُثِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا) لِأَنَّهُ انْعَقَدَ فِيهَا عَقْدُ حَرِّيَّةٍ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا (وَوَلَدُهَا بِمُنْزِلَتِهَا) لِلْقَاعِدَةِ. الحديث: 1547 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 [باب بَيْعِ الْمُدَبَّرِ] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمُدَبَّرِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَبِيعُهُ وَلَا يُحَوِّلُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ وَأَنَّهُ إِنْ رَهِقَ سَيِّدَهُ دَيْنٌ فَإِنَّ غُرَمَاءَهُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى بَيْعِهِ مَا عَاشَ سَيِّدُهُ فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي ثُلُثِهِ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى عَلَيْهِ عَمَلَهُ مَا عَاشَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْدُمَهُ حَيَاتَهُ ثُمَّ يُعْتِقَهُ عَلَى وَرَثَتِهِ إِذَا مَاتَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَكَانَ ثُلُثَاهُ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِالْمُدَبَّرِ بِيعَ فِي دَيْنِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَعْتِقُ فِي الثُّلُثِ قَالَ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يُحِيطُ إِلَّا بِنِصْفِ الْعَبْدِ بِيعَ نِصْفُهُ لِلدَّيْنِ ثُمَّ عَتَقَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُدَبَّرُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ أَوْ يُعْطِيَ أَحَدٌ سَيِّدَ الْمُدَبَّرِ مَالًا وَيُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ الَّذِي دَبَّرَهُ فَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي دَبَّرَهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ إِذْ لَا يُدْرَى كَمْ يَعِيشُ سَيِّدُهُ فَذَلِكَ غَرَرٌ لَا يَصْلُحُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُدَبِّرُ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ إِنَّهُمَا يَتَقَاوَمَانِهِ فَإِنْ اشْتَرَاهُ الَّذِي دَبَّرَهُ كَانَ مُدَبَّرًا كُلَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ انْتَقَضَ تَدْبِيرُهُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الَّذِي بَقِيَ لَهُ فِيهِ الرِّقُّ أَنْ يُعْطِيَهُ شَرِيكَهُ الَّذِي دَبَّرَهُ بِقِيمَتِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ بِقِيمَتِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَكَانَ مُدَبَّرًا كُلَّهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ نَصْرَانِيٍّ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ قَالَ مَالِكٌ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَيُخَارَجُ عَلَى سَيِّدِهِ النَّصْرَانِيِّ وَلَا يُبَاعُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ فَإِنْ هَلَكَ النَّصْرَانِيُّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قُضِيَ دَيْنُهُ مِنْ ثَمَنِ الْمُدَبَّرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَالِهِ مَا يَحْمِلُ الدَّيْنَ فَيَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ   5 - بَابُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمُدَبَّرِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَبِيعُهُ وَلَا يُحَوِّلُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ) بِنَحْوِ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالسَّلَفُ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ ; لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: " «الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَهُوَ حُرٌّ مِنَ الثُّلُثِ» ". أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَضَعَّفَهُ هُوَ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالُوا: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ لَكِنَّهُ اعْتَضَدَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنَّا عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَاعَهُ، فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةٍ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ» ". أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا بَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. فَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ لِلْحَدِيثِ زِيَادَةٌ وَهِيَ: كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَفِيهِ فَأَعْطَاهَا، فَقَالَ: اقْضِ دَيْنَكَ. وَلَا يُعَارِضُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ، فَقَالَ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا» . لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ صَدَقَتِهِ عَلَيْهَا قَضَاءُ دَيْنِهِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا، فَتُحْمَلُ عَلَى بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ تَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِمَا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَوَرَدَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، أَيْ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ لِذَلِكَ. (وَإِنَّهُ إِنْ رَهِقَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ، أَيْ غَشَّى (سَيِّدَهُ دَيْنٌ) بَعْدَ التَّدْبِيرِ (فَإِنَّ غُرَمَاءَهُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى بَيْعِهِ مَا عَاشَ سَيِّدُهُ، فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي ثُلُثِهِ ; لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى عَلَيْهِ عَمَلَهُ مَا عَاشَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْدُمَهُ حَيَاتَهُ ثُمَّ يُعْتِقَهُ عَلَى وَرَثَتِهِ إِذَا مَاتَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِأَنَّهُ يَظْلِمُهُمْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ. (وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَكَانَ ثُلُثَاهُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي الثُّلُثِ. (فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِالْمُدَبَّرِ، بِيعَ فِي دَيْنِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَعْتِقُ فِي الثُّلُثِ) وَالْمُحِيطُ لَا ثُلُثَ لَهُ (فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يُحِيطُ إِلَّا بِنِصْفِ الْعَبْدِ، بِيعَ نَصِفُهُ لِلدَّيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 ثُمَّ عَتَقَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ) وَهُوَ سُدُسُهُ وَيَرِقُّ الثُّلُثُ لِلْوَرَثَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ) أَيْ يَحْرُمُ (بَيْعُ الْمُدَبَّرِ) لِأَنَّ فِيهِ إِرْقَاقَهُ بَعْدَ جَرَيَانِ شَائِبَةِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ، وَالشَّرْعُ مُتَشَوِّفٌ لِلْحُرِّيَّةِ. (وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ) ذَكَرَهُ، وَإِنْ عُلِمَ مِنْ لَفْظِ بَيْعٍ لِقَوْلِهِ: (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُدَبَّرُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ) لِأَنَّهُ إِذَا مَلَكَ نَفْسَهُ عَتَقَ نَاجِزًا وَهُوَ خَيْرٌ مِنَ التَّدْبِيرِ (أَوْ يُعْطِيَ أَحَدٌ سَيِّدَ الْمُدَبَّرِ مَالَا وَيُعْتِقَهُ سَيِّدُهُ الَّذِي دَبَّرَهُ، فَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا) لِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ (وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي دَبَّرَهُ) لِأَنَّهُ الَّذِي عَقَدَ ذَلِكَ لَا لِمَنْ أَعْطَى الْمَالَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى التَّنْجِيزِ، وَلِذَا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ ; لِأَنَّهُ غَرَرٌ إِذْ لَا يَدْرِي كَمْ يَعِيشُ سَيِّدُهُ فَذَلِكَ غَرَرٌ لَا يَصْلُحُ) مِنَ الصَّلَاحِ ضِدَّ الْفَسَادِ، فَهُوَ بَاطِلٌ لِفَسَادِهِ بِالْغَرَرِ، وَلِذَا تُعُقِّبَ مَنْ أَجَابَ عَنْ حَدِيثِ بَيْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُدَبَّرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ رَقَبَتَهُ، وَإِنَّمَا بَاعَ خِدْمَتَهُ لِأَنَّ الْمَانِعِينَ مِنْ بَيْعِ رَقَبَتِهِ لَا يُجِيزُونَ بَيْعَ خِدْمَتِهِ أَيْضًا، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: إِنَّمَا بَاعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ. مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ مَوْصُولًا وَلَا يَصِحُّ بِهِ. (مَالِكٌ: فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُدَبِّرُ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ: أَنَّهُمَا يَتَقَاوَمَانِهِ فَإِنِ اشْتَرَاهُ الَّذِي دَبَّرَهُ كَانَ مُدَبَّرًا كُلَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ) بَلِ اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ (انْتَقَضَ تَدْبِيرُهُ) مُرَاعَاةً لِحَقِّ الشَّرِيكِ، وَهَذَا أَمْرٌ جَرَّ إِلَيْهِ حُكْمَ التَّقْوِيمِ فَلَيْسَ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ كَمَا زَعَمَ (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الَّذِي بَقِيَ لَهُ فِيهِ الرِّقُّ أَنْ يُعْطِيَهُ شَرِيكَهُ الَّذِي دَبَّرَهُ بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ بِقِيمَتِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ مُدَبَّرًا كُلَّهُ) فَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 مَاتَ مُدَبَّرُ نَصْفِهِ عَتَقَ نِصْفُهُ وَلَمْ يُقَوَّمِ النِّصْفُ لِأَنَّهُ صَارَ لِلْوَرَثَةِ (وَفِي رَجُلٍ نَصْرَانِيٍّ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ، قَالَ مَالِكٌ: يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ) لِئَلَّا يَسْتَخْدِمَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ. (وَيُخَارَجُ عَلَى) أَيْ يُجْعَلُ لَهُ عَلَيْهِ خَرَاجٌ (وَلَا يُبَاعُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، فَإِنْ هَلَكَ النَّصْرَانِيُّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قُضِيَ دَيْنُهُ مِنْ ثَمَنِ الْمُدَبَّرِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَالِهِ مَا يَحْمِلُ الدَّيْنَ) يَسَعُهُ (فَيَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ) مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 [باب جِرَاحِ الْمُدَبَّرِ] حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ أَنَّ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُسَلِّمَ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ إِلَى الْمَجْرُوحِ فَيَخْتَدِمُهُ الْمَجْرُوحُ وَيُقَاصُّهُ بِجِرَاحِهِ مِنْ دِيَةِ جَرْحِهِ فَإِنْ أَدَّى قَبْلَ أَنْ يَهْلِكَ سَيِّدُهُ رَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ ثُمَّ هَلَكَ سَيِّدُهُ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ أَنَّهُ يُعْتَقُ ثُلُثُهُ ثُمَّ يُقْسَمُ عَقْلُ الْجَرْحِ أَثْلَاثًا فَيَكُونُ ثُلُثُ الْعَقْلِ عَلَى الثُّلُثِ الَّذِي عَتَقَ مِنْهُ وَيَكُونُ ثُلُثَاهُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ اللَّذَيْنِ بِأَيْدِي الْوَرَثَةِ إِنْ شَاءُوا أَسْلَمُوا الَّذِي لَهُمْ مِنْهُ إِلَى صَاحِبِ الْجَرْحِ وَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْهُ ثُلُثَيْ الْعَقْلِ وَأَمْسَكُوا نَصِيبَهُمْ مِنْ الْعَبْدِ وَذَلِكَ أَنَّ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ إِنَّمَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ مِنْ الْعَبْدِ وَلَمْ تَكُنْ دَيْنًا عَلَى السَّيِّدِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الَّذِي أَحْدَثَ الْعَبْدُ بِالَّذِي يُبْطِلُ مَا صَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ عِتْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ مَعَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ بِيعَ مِنْ الْمُدَبَّرِ بِقَدْرِ عَقْلِ الْجَرْحِ وَقَدْرِ الدَّيْنِ ثُمَّ يُبَدَّأُ بِالْعَقْلِ الَّذِي كَانَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ فَيُقْضَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ سَيِّدِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْعَبْدِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ وَذَلِكَ أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ هِيَ أَوْلَى مِنْ دَيْنِ سَيِّدِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا هَلَكَ وَتَرَكَ عَبْدًا مُدَبَّرًا قِيمَتُهُ خَمْسُونَ وَمِائَةُ دِينَارٍ وَكَانَ الْعَبْدُ قَدْ شَجَّ رَجُلًا حُرًّا مُوضِحَةً عَقْلُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا وَكَانَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُونَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِالْخَمْسِينَ دِينَارًا الَّتِي فِي عَقْلِ الشَّجَّةِ فَتُقْضَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ سَيِّدِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ فَالْعَقْلُ أَوْجَبُ فِي رَقَبَتِهِ مِنْ دَيْنِ سَيِّدِهِ وَدَيْنُ سَيِّدِهِ أَوْجَبُ مِنْ التَّدْبِيرِ الَّذِي إِنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ شَيْءٌ مِنْ التَّدْبِيرِ وَعَلَى سَيِّدِ الْمُدَبَّرِ دَيْنٌ لَمْ يُقْضَ وَإِنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ مَا يَعْتِقُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ عَتَقَ وَكَانَ عَقْلُ جِنَايَتِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ يُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَقْلُ الدِّيَةَ كَامِلَةً وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ رَجُلًا فَأَسْلَمَهُ سَيِّدُهُ إِلَى الْمَجْرُوحِ ثُمَّ هَلَكَ سَيِّدُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ فَقَالَ الْوَرَثَةُ نَحْنُ نُسَلِّمُهُ إِلَى صَاحِبِ الْجُرْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَنَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ إِنَّهُ إِذَا زَادَ الْغَرِيمُ شَيْئًا فَهُوَ أَوْلَى بِهِ وَيُحَطُّ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَدْرُ مَا زَادَ الْغَرِيمُ عَلَى دِيَةِ الْجَرْحِ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا لَمْ يَأْخُذْ الْعَبْدَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ وَلَهُ مَالٌ فَأَبَى سَيِّدُهُ أَنْ يَفْتَدِيَهُ فَإِنَّ الْمَجْرُوحَ يَأْخُذُ مَالَ الْمُدَبَّرِ فِي دِيَةِ جُرْحِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَجْرُوحُ دِيَةَ جُرْحِهِ وَرَدَّ الْمُدَبَّرَ إِلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ اقْتَضَاهُ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ وَاسْتَعْمَلَ الْمُدَبَّرَ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ   6 - بَابُ جِرَاحِ الْمُدَبَّرِ بِكَسْرِ الْجِيمِ، جَمْعُ جِرَاحَةٍ بِالْكَسْرِ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى جِرَاحَاتٍ. 1490 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَبْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ) الْخَلِيفَةَ الْعَادِلَ (قَضَى فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ) إِنْسَانًا (أَنَّ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُسَلِّمَ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ) وَهُوَ خِدْمَتُهُ (إِلَى الْمَجْرُوحِ فَيَخْتَدِمَهُ الْمَجْرُوحُ وَيُقَاصَّهُ بِجِرَاحِهِ مِنْ دِيَةِ جَرْحِهِ، فَإِذَا أَدَّى قَبْلَ أَنْ يَهْلَكَ سَيِّدُهُ رَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ) مُدَبَّرًا عَلَى حَالِهِ (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ) شَخْصًا (ثُمَّ هَلَكَ سَيِّدُهُ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، أَنَّهُ يُعْتَقُ ثُلُثُهُ ثُمَّ يُقْسَمُ عَقْلُ الْجِرَاحِ أَثْلَاثًا، فَيَكُونُ ثُلُثُ الْعَقْلِ الثُّلُثَ الَّذِي عَتَقَ مِنْهُ، وَيَكُونُ ثُلُثَاهُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ لِلَّذِينِ بِأَيْدِي الْوَرَثَةِ، إِنْ شَاءُوا أَسْلَمُوا الَّذِي لَهُمْ مِنْهُ) مِنَ الْعَبْدِ وَهُوَ الثُّلُثَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 (إِلَى صَاحِبِ الْجَرْحِ، وَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْا ثُلُثَيِ الْعَقْلِ وَأَمْسَكُوا نَصِيبَهُمْ مِنَ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ إِنَّمَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ مِنَ الْعَبْدِ وَلَمْ تَكُنْ دَيْنًا عَلَى السَّيِّدِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الَّذِي أَحْدَثَ الْعَبْدُ بِالَّذِي يُبْطِلُ مَا صَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ عِتْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (فَإِنْ كَانَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ مَعَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ بِيعَ مِنَ الْمُدَبَّرِ بِقَدْرِ عَقْلِ الْجُرْحِ وَقَدْرِ الدَّيْنِ، ثُمَّ يُبْدَأُ بِالْعَقْلِ الَّذِي كَانَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ فَيُقْضَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ سَيِّدِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ فَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ وَ) وَجْهُ (ذَلِكَ أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ هِيَ أَوْلَى مِنْ دَيْنِ سَيِّدِهِ) لِتَعَلُّقِهَا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ (وَذَلِكَ) أَيْ إِيضَاحُهُ بِالْمِثَالِ (أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا هَلَكَ وَتَرَكَ عَبْدًا مُدَبَّرًا قِيمَتُهُ خَمْسُونَ وَمِائَةُ دِينَارٍ، وَكَانَ الْعَبْدُ قَدْ شَجَّ رَجُلًا حُرًّا مُوضِحَةً) أَوْضَحَتِ الْعَظْمَ (عَقْلُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا وَكَانَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ مِنَ الدَّيْنِ خَمْسُونَ دِينَارًا، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَمْسِينَ دِينَارًا الَّتِي فِي عَقْلِ الشَّجَّةِ، فَتُقْضَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ سَيِّدِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ فَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ فَالْعَقْلُ أَوْجَبُ) أَثْبَتُ وَأَحَقُّ (فِي رَقَبَتِهِ مِنْ دَيْنِ سَيِّدِهِ، وَدَيْنُ سَيِّدِهِ أَوْجَبُ) أَحَقُّ (مِنَ التَّدْبِيرِ الَّذِي إِنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فَلَا يَنْبَغِي) لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 يَصِحُّ (أَنْ يَجُوزَ شَيْءٌ مِنَ التَّدْبِيرِ وَعَلَى سَيِّدِ الْمُدَبَّرِ دَيْنٌ لَمْ يُقْضَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (وَإِنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ، ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ إِجْمَاعًا. (فَإِنْ كَانَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ مَا يَعْتِقُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ عَتَقَ وَكَانَ عَقْلُ جِنَايَتِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ يُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَقْلُ الدِّيَةَ كَامِلَةً) مُبَالَغَةً (وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ) وَإِلَّا فَعَلَى مَا مَرَّ. (وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ رَجُلًا فَأَسْلَمَهُ) أَيْ أَسْلَمَ خِدْمَتَهُ (سَيِّدُهُ إِلَى الْمَجْرُوحِ ثُمَّ هَلَكَ سَيِّدُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ، فَقَالَ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نُسَلِّمُهُ إِلَى صَاحِبِ الْجُرْحِ) بِضَمِّ الْجِيمِ (وَقَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ: أَنَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، إِنَّهُ إِذَا زَادَ الْغَرِيمُ شَيْئًا فَهُوَ أَوْلَى) أَحَقُّ (بِهِ) وَلَا يُسَلَّمُ لِلْمَجْرُوحِ (وَيُحَطُّ عَنِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَدْرُ مَا زَادَ الْغَرِيمُ عَلَى دِيَةِ الْجَرْحِ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا لَمْ يَأْخُذِ الْعَبْدَ) بَلْ يُسَلَّمُ إِلَى الْمَجْرُوحِ إِنْ شَاءَ الْوَارِثُ. (وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ) شَخْصًا (وَلَهُ مَالٌ فَأَبَى سَيِّدُهُ أَنْ يَفْتَدِيَهُ، فَإِنَّ الْمَجْرُوحَ يَأْخُذُ مَالَ الْمُدَبَّرِ فِي دِيَةِ جُرْحِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَجْرُوحُ دِيَةَ جُرْحِهِ وَرُدَّ الْمُدَبَّرُ إِلَى سَيِّدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ اقْتَضَاهُ) أَخَذَهُ (مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ وَاسْتَعْمَلَ الْمُدَبَّرَ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ) حَتَّى يَسْتَوْفِيَهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 [باب مَا جَاءَ فِي جِرَاحِ أُمِّ الْوَلَدِ] قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ تَجْرَحُ إِنَّ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ ضَامِنٌ عَلَى سَيِّدِهَا فِي مَالِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَقْلُ ذَلِكَ الْجَرْحِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ فَلَيْسَ عَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يُخْرِجَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّ الْعَبْدِ أَوْ الْوَلِيدَةِ إِذَا أَسْلَمَ غُلَامَهُ أَوْ وَلِيدَتَهُ بِجُرْحٍ أَصَابَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَثُرَ الْعَقْلُ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِمَا مَضَى فِي ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ إِذَا أَخْرَجَ قِيمَتَهَا فَكَأَنَّهُ أَسْلَمَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ جِنَايَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا   7 - بَابُ جِرَاحِ أُمِّ الْوَلَدِ (قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ تَجْرَحُ:) شَخْصًا (إِنَّ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ ضَامِنٌ) أَيْ مَضْمُونٌ (عَلَى سَيِّدِهَا فِي مَالِهِ) كَقَوْلِهِمْ: سِرٌّ كَاتِمٌ أَيْ مَكْتُومٌ، وَعِيشَةٌ رَاضِيَةٌ أَيْ مَرَضِيَّةٌ. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَقْلُ ذَلِكَ الْجُرْحِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ، فَلَيْسَ عَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يُخْرِجَ) أَيْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ (أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا وَ) وَجْهُ (ذَلِكَ أَنَّ رَبَّ) أَيْ سَيِّدَ (الْعَبْدِ أَوِ الْوَلِيدَةِ إِذَا أَسْلَمَ غُلَامَهُ أَوْ وَلِيدَتَهُ) أَمَتَهُ (بِجُرْحٍ) أَيْ فِي جُرْحٍ (أَصَابَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَثُرَ) زَادَ (الْعَقْلُ) عَلَى قِيمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا (فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ) لَمْ يَقْدِرْ (سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِمَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِدَاؤُهَا (فَإِنَّهُ إِذَا أَخْرَجَ قِيمَتَهَا فَكَأَنَّهُ أَسْلَمَهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لَهُ إِذْ هُوَ لَيْسَ بِجَانٍ (وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ جِنَايَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا) بَلْ إِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أَرْشُ مَا جَنَتْ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 [كِتَاب الْحُدُودِ] [باب مَا جَاءَ فِي الرَّجْمِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْحُدُودِ باب مَا جَاءَ فِي الرَّجْمِ حَدَّثَنَا مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَتْ الْيَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ قَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَقَالُوا صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا» فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ قَالَ مَالِكٌ يَعْنِي يَحْنِي يُكِبُّ عَلَيْهَا حَتَّى تَقَعَ الْحِجَارَةُ عَلَيْهِ   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 41 - كِتَابُ الْحُدُودِ جَمْعُ حَدٍّ، وَهُوَ الْحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ يَمْنَعُ اخْتِلَاطَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ الْحُدُودُ الشَّرْعِيَّةُ لِكَوْنِهِ مَانِعًا لِمُتَعَاطِيهِ عَنْ مُعَاوَدَةِ مِثْلِهِ وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَسْلُكَ مَسْلَكَهُ. 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجْمِ 1551 - 1491 - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتِ الْيَهُودُ) مِنْ خَيْبَرَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنِ الطَّبَرِيِّ عَنِ الْمُفَسِّرِينَ مِنْهُمْ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَكَعْبُ بْنُ الْأَسْعَدِ، وَسَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ، وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ، وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ، وَيُوسُفُ بْنُ عَازُورَاءَ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ (فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ) لَمْ يَعْرِفِ الْحَافِظُ اسْمَهُ، وَفُتِحَتْ أَنَّ لِسَدِّهَا مَسَدَّ الْمَفْعُولِ (وَامْرَأَةً) اسْمُهَا بُسْرَةُ، بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ (زَنَيَا) وَ " مِنْهُمْ " صِفَةُ " رَجُلًا " وَصِفَةُ " امْرَأَةً " مَحْذُوفَةٌ، أَيْ مِنْهُمْ لِدَلَالَةِ السَّابِقِ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ " مِنْهُمْ " بِحَالٍ مِنْ ضَمِيرِ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فِي " زَنَيَا "، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَةً زَنَيَا فِي حَالَةِ كَوْنِهِمَا مِنَ الْيَهُودِ. وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ سَبَبَ مَجِيئِهِمْ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ مِمَّنْ يَتْبَعُ الْعِلْمَ، وَكَانَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " «زَنَا رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ بِامْرَأَةٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَإِنَّهُ بُعِثَ بِالتَّخْفِيفِ، فَإِنْ أَفْتَانَا بِفُتْيَا دُونَ الرَّجْمِ قَبِلْنَاهَا وَاحْتَجَجْنَا بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَقُلْنَا فُتْيَا نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ، قَالَ: فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: يَا الحديث: 1551 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 أَبَا الْقَاسِمِ مَا تَرَى فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَيَا» ؟ (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ) " مَا " مُبْتَدَأٌ مِنْ أَسْمَاءِ الِاسْتِفْهَامِ وَ " تَجِدُونَ " جُمْلَةٌ فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ، وَالْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ مَعْمُولٌ لِلْقَوْلِ وَالتَّقْدِيرُ: أَيُّ شَيْءٍ تَجِدُونَهُ فِي التَّوْرَاةِ؟ فَيَتَعَلَّقُ حَرْفُ الْجَرِّ بِمَفْعُولٍ ثَانٍ لِوَجَدَ (فِي شَأْنِ الرَّجْمِ) أَيْ فِي حُكْمِهِ، وَهَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ لِتَقْلِيدِهِمْ وَلَا مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ لِإِلْزَامِهِمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي كِتَابِهِمُ الْمُوَافِقِ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ; إِقَامَةً لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَإِظْهَارًا لِمَا كَتَبُوهُ وَبَدَّلُوهُ مِنْ حُكْمِ التَّوْرَاةِ، فَأَرَادُوا تَعْطِيلَ نَصِّهَا فَفَضَحَهُمُ اللَّهُ، وَذَلِكَ إِمَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي التَّوْرَاةِ لَمْ يُغَيَّرْ، وَإِمَّا بِإِخْبَارِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ (فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بَيْنَهُمَا فَاءٌ سَاكِنَةٌ، مِنَ الْفَضِيحَةِ، أَيْ نَكْشِفُ مَسَاوِيَهُمْ وَنُبَيِّنُهَا لِلنَّاسِ (وَيُجْلَدُونَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، أَيْ نَجِدُ أَنْ نَفْضَحَهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَهُوَ مَعْمُولٌ عَلَى الْحِكَايَةِ لِـ " نَجِدُ " الْمُقَدَّرَ، أَيْ زَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ وَهُمْ كَاذِبُونَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا فَسَّرُوا بِهِ التَّوْرَاةَ، يَكُونُ مَقْطُوعًا عَنِ الْجَوَابِ، أَيِ الْحُكْمُ عِنْدَنَا أَنْ نَفْضَحَهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَيَكُونُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ بِتَقْدِيرِ أَنْ، وَإِنَّمَا بُنِيَ أَحَدُ الْفِعْلَيْنِ لِلْفَاعِلِ وَالْآخَرُ لِلْمَفْعُولِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْفَضِيحَةَ مَوْكُولَةٌ إِلَيْهِمْ وَإِلَى اجْتِهَادِهِمْ بِكَشْفِ مَسَاوِيهِمْ. وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، فَقَالُوا: «نَسْخَمُ وُجُوهَهُمَا وَنُخْزِيهِمَا» . وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَالُوا: «نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا وَيُطَافُ بِهِمَا» . (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ) بِخِفَّةِ اللَّامِ، الْإِسْرَائِيلِيُّ الْحَبْرُ، مِنْ ذُرِّيَّةِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ، حَلِيفُ الْخَزْرَجِ، لَهُ أَحَادِيثٌ وَفَضْلٌ وَشَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ (كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ) عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: «فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ادْعُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِالتَّوْرَاةِ، فَأَتَى بِهَا» . وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ قَالَ، أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (فَأَتَوْا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْفَوْقِيَّةِ (بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا) أَيْ فَتَحُوهَا وَبَسَطُوهَا، زَادَ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ: فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَرْضَوْنَ: يَا أَعْوَرُ اقْرَأْ (فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَاءَ الْيَهُودِيُّ الْأَعْوَرُ (يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ قَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ) عَنْهَا (فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: فَإِذَا آيَةُ الرَّجْمِ تَحْتَ يَدِهِ، وَ " بَيَّنَهَا " فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُهُ: «الْمُحْصَنُ وَالْمُحْصَنَةُ إِذَا زَنَيَا وَقَامَتْ عَلَيْهِمَا الْبَيِّنَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 رُجِمَا، وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ حُبْلَى تُرُبِّصَ بِهَا حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَعِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: «إِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ رُجِمَا» . زَادَ الْبَزَّارُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: «فَإِنْ وَجَدُوا الرَّجُلَ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتٍ أَوْ فِي ثَوْبِهَا أَوْ عَلَى بَطْنِهَا فَهِيَ رِيبَةٌ وَفِيهَا عُقُوبَةٌ» . (فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ: وَلَكِنَّنَا نُكَاتِمُهُ بَيْنَنَا. وَفِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ قَالَ: قَالَ - يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَمَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَرْجُمُوهُمَا؟ قَالُوا: ذَهَبَ سُلْطَانُنَا فَكَرِهْنَا الْقَتْلَ. زَادَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ: «نَجِدُ الرَّجْمَ وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقُلْنَا: تَعَالَوْا نَجْتَمِعُ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ» . وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ: " «فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّهُودِ، فَجَاءَ أَرْبَعَةٌ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ» " (فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ عِنْدَ الْبَلَاطِ، وَهُوَ مَكَانٌ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ شُيُوخِنَا عَنْ يَحْيَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ بِالْجِيمِ وَالصَّوَابُ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ " يَجْنَأُ " بِالْجِيمِ وَالْهَمْزَةِ، أَيْ يَمِيلُ (عَلَى الْمَرْأَةِ) وَالرُّؤْيَا بَصَرِيَّةٌ " فَيَحْنِي " فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَ " عَلَى الْمَرْأَةِ " مُتَعَلِّقٌ بِهَا (يَقِيهَا الْحِجَارَةَ) أَيْ حِجَارَةَ الرَّمْيِ، فَأَلْ عَهْدِيَّةٌ وَالْجُمْلَةُ بَدَلٌ مِنْ " يَحْنِي " أَوْ حَالٌ أُخْرَى. (مَالِكٌ: مَعْنَى يَحْنِي يُكِبُّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ، أَيْ يَمِيلُ (عَلَيْهَا حَتَّى تَقَعَ الْحِجَارَةُ عَلَيْهِ) دُونَهَا مِنْ حُبِّهِ لَهَا. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي حَرْفِ الْجِيمِ: يُقَالُ: أَجَنَى يَجْنِي إِجْنَاءً، وَجَنَا عَلَى الشَّيْءِ يَجْنُو إِذَا أَكَبَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ هُوَ مَهْمُوزٌ، وَقِيلَ الْأَصْلُ فِيهِ الْهَمْزَةُ مِنْ: جَنَأَ إِذَا مَالَ عَلَيْهِ وَعَطَفَ ثُمَّ خَفَّفَ وَهُوَ لُغَةٌ فِي الْجَنَأِ، وَلَوْ رُوِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى عَلَيْهِ لَكَانَ أَشْبَهَ، وَقَالَ فِي حَرْفِ الْحَاءِ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الَّذِي جَاءَ فِي السُّنَنِ يَجْنِي بِالْجِيمِ وَالْمَحْفُوظ بِالْحَاءِ، أَيْ يُكِبُّ عَلَيْهَا يُقَالُ: حَنَا يَحْنُو حُنُوًّا، وَمَرَّ أَنَّ أَبَا عُمَرَ صَوَّبَ رِوَايَةَ الْجِيمِ وَالْهَمْزَةِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إِنَّهُ الرَّاجِحُ فِي الرِّوَايَةِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْإِحْصَانِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ شَرْطٌ فَلَا يُرْجَمُ كَافِرٌ، وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا رَجَمَهُمَا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ تَنْفِيذًا لِلْحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِمَا فِي كِتَابِهِمْ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ، وَهُوَ فِعْلٌ وَقَعَ فِي وَاقِعَةِ حَالٍ عَيْنِيَّةٍ مُحْتَمَلَةٍ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى الْعُمُومِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 كُلِّ كَافِرٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمُحَارِبِينَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَقَبْلَهُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَيُّوبُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ نَافِعٍ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِنَحْوِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَهُمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ لَهُ إِنَّ الْأَخِرَ زَنَى فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ هَلْ ذَكَرْتَ هَذَا لِأَحَدٍ غَيْرِي فَقَالَ لَا فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ فَتُبْ إِلَى اللَّهِ وَاسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ فَلَمْ تُقْرِرْهُ نَفْسُهُ حَتَّى أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تُقْرِرْهُ نَفْسُهُ حَتَّى جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ إِنَّ الْأَخِرَ زَنَى فَقَالَ سَعِيدٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا أَكْثَرَ عَلَيْهِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ أَيَشْتَكِي أَمْ بِهِ جِنَّةٌ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَحِيحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ فَقَالُوا بَلْ ثَيِّبٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَ»   1552 - 1492 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) مُرْسَلٌ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ طَائِفَةٌ عَلَى إِرْسَالِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ يُونُسُ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، وَشُعَيْبٌ، وَعَقِيلٌ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مُرْسَلًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهُوَ مَوْصُولٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ) هُوَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ، كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحُفَّاظُ (جَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَقَالَ: إِنَّ الْأَخِرَ زَنَى) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الرِّوَايَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَمَعْنَاهُ الرَّذْلُ الدَّنِيُّ زَنَى، كَأَنَّهُ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ وَيَعِيبُهَا بِمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ مُوَاقَعَةِ الزِّنَى، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ: السُّؤَالُ أَخِرُ كَسْبِ الرَّجُلِ، أَيْ أَرْذَلُ كَسْبِ الرَّجُلِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: كَنَّى عَنْ نَفْسِهِ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ حَدَثَ مِنْ نَفْسِهِ بِقَبِيحِ فِكْرِهِ أَنْ يَنْسُبَ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَخِرُ بِهَمْزَةٍ مَقْصُورَةٍ وَخَاءٍ مَكْسُورَةٍ وَمَعْنَاهُ الْأَرْذَلُ وَالْأَبْعَدُ وَالْأَدْنَى، وَقِيلَ اللَّئِيمُ، وَقِيلَ الشَّقِيُّ، وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ، وَمُرَادُهُ نَفْسُهُ فَحَقَّرَهَا وَعَابَهَا بِمَا فَعَلَ (فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ ذَكَرْتَ هَذَا لِأَحَدٍ غَيْرِي؟) وَفِي رِوَايَةٍ: لِأَحَدٍ قَبْلِي (فَقَالَ: لَا، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ:) لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنَ الرَّأْفَةِ بِالْأُمَّةِ، وَفِي الْحَدِيثِ: " «أَرْأَفُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ» ". (فَتُبْ إِلَى اللَّهِ) بِالنَّدَمِ عَلَى مَا فَعَلْتَ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ وَالِاسْتِغْفَارِ (وَاسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ) الَّذِي أَسْبَلَهُ عَلَيْكَ إِذْ لَوْ شَاءَ لَأَظْهَرَهُ لِلنَّاسِ وَفَضَحَكَ فَلَا تُظْهِرْ أَنْتَ مَا سَتَرَهُ عَلَيْكَ. (فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) أَيْ مِنْهُمْ (فَلَمْ تُقْرِرْهُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى، أَيْ لَمْ تُمَكِّنْهُ (نَفْسُهُ) مِنَ الثُّبُوتِ عَلَى مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِمَا عَلِمَ مِنْ رَأْفَتِهِ وَشَفَقَتِهِ، وَمَاعِزٌ رَضِيَ الحديث: 1552 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 اللَّهُ عَنْهُ حَصَلَ لَهُ شِدَّةُ خَوْفٍ مِنْ ذَنْبِهِ (حَتَّى أَتَى عُمَرَبْنَ الْخَطَّابِ) لَمَّا عَلِمَ مِنْ صَلَابَتِهِ فِي الدِّينِ وَفِي الْحَدِيثِ: " «وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ» ". (فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ) لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَدِيدًا فِي أَمْرِ اللَّهِ لَكِنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَطْلُوبٌ بِالسَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْرِ اللَّهِ (فَلَمْ تُقْرِرْهُ نَفْسُهُ) لِشِدَّةِ إِشْفَاقِهِ (حَتَّى جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ (فَقَالَ: إِنَّ الْأَخِرَ) بِهَمْزَةٍ مَقْصُورَةٍ وَخَاءٍ مَكْسُورَةٍ، أَيِ الرَّذْلَ الدَّنِيَّ (زَنَى، قَالَ سَعِيدٌ) ابْنُ الْمُسَيَّبِ (فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنِّي زَنَيْتُ» (حَتَّى إِذَا أَكْثَرَ عَلَيْهِ) بِالْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ، فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ: " «فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ: أُحْصِنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ» " وَلَا يُنَافِي سُؤَالُهُ عَنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ: ( «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ: أَيَشْتَكِي» ) مَرَضًا أَذْهَبَ عَقْلَهُ ( «أَمْ بِهِ جِنَّةٌ؟» ) بِكَسْرِ الْجِيمِ، أَيْ جُنُونٌ ; لِأَنَّهُ سَأَلَهُ أَوَّلًا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَنْكَرَ مَا وَقَعَ مِنْهُ ; إِذْ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَقَعُ مِنْ صَحِيحٍ عَاقِلٍ. ( «فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَحِيحٌ» ) فِي الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ. ( «فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبِكْرٌ» ) هُوَ ( «أَمْ ثَيِّبٌ؟» ) أَيْ تَزَوَّجَ زَوْجَةً وَدَخَلَ بِهَا وَأَصَابَهَا بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَوَطْءٍ مُبَاحٍ ( «فَقَالُوا: بَلْ ثَيِّبٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَ» ) زَادَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ: فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَلَمَّا أَدْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرَّ فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَةِ: وَالَّذِي أَدْرَكَهُ لَمَّا هَرَبَ فَقَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عُمَرُ، حَكَاهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَأْسَ الَّذِينَ رَجَمُوهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ، انْتَهَى. فَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ أَوَّلًا بِنُصْحِهِ بِأَمْرِهِ بِالتَّوْبَةِ وَالسَّتْرِ فَلَمَّا ثَبَتَ عَلَى الْإِقْرَارِ تَقَرَّبَ ثَانِيًا إِلَى اللَّهِ فَكَانَ رَأْسَ مَنْ رَجَمَهُ. وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِظَاهِرِهِ فِي اشْتِرَاطِ الْإِقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِمَا دُونَهَا قِيَاسًا عَلَى الشُّهُودِ، وَأَجَابَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 " «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» ". وَلَمْ يَقُلْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَبِحَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ إِذْ لَمْ يُنْقَلُ أَنَّهُ تَكَرَّرَ إِقْرَارُهَا، وَإِنَّمَا كَرَّرَ عَلَى مَاعِزٍ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي عَقْلِهِ وَلِذَا قَالَ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ وَقَالَ لِأَهْلِهِ: أَيَشْتَكِي أَمْ بِهِ جِنَّةٌ؟ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ غَالِبًا لَا يُصِرُّ عَلَى إِقْرَارِ مَا يَقْتَضِي هَلَاكَهُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ، مَعَ أَنَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالتَّوْبَةِ، وَلِذَا سَأَلَ أَهْلَهُ مُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِ حَالِهِ وَصِيَانَةِ دَمِ الْمُسْلِمِ، فَيُبْنَى عَلَيْهِ الْأَمْرُ لَا عَلَى مُجَرَّدِ إِقْرَارِهِ بِعَدَمِ الْجُنُونِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْنُونًا لَمْ يُفِدْ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ جُنُونٌ لَأَنَّ إِقْرَارَ الْمَجْنُونِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِيهِ أَنَّ الْمَجْنُونَ الْمَعْتُوهَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ، وَأَنَّ إِظْهَارَ الْإِنْسَانِ مَا يَأْتِيهِ مِنَ الْفَوَاحِشِ جُنُونٌ لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا الْمَجَانِينُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ ذَوِي الْعُقُولِ كَشْفُ ذَلِكَ، وَالِاعْتِرَافُ بِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا مِنْ شَأْنِهِمُ السَّتْرُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالتَّوْبَةُ، وَكَمَا يَلْزَمُهُمُ السَّتْرُ عَلَى غَيْرِهِمْ يَلْزَمُهُمُ السَّتْرُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّ حَدَّ الثَّيِّبِ غَيْرُ حَدِّ الْبِكْرِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ لَكِنْ قَلِيلٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَأَى عَلَى الثَّيِّبِ الْجَلْدَ وَالرَّجْمَ مَعًا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُبَادَةَ وَتَعَلَّقَ بِهِ دَاوُدُ وَأَصْحَابُهُ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُرْجَمُ وَلَا يُجْلَدُ. وَقَالَ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ: لَا رَجْمَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا الْحَدُّ الْجَلْدُ لِثَيِّبٍ أَوْ بِكْرٍ، وَهُوَ خِلَافُ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ هَزَّالٌ يَا هَزَّالُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ» قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ الْأَسْلَمِيِّ فَقَالَ يَزِيدُ هَزَّالٌ جَدِّي وَهَذَا الْحَدِيثُ حَقٌّ   1553 - 1493 - (مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي) لَا خِلَافَ فِي إِسْنَادِهِ فِي الْمُوَطَّأِ كَمَا تَرَى، وَهُوَ يَسْتَنِدُ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ النَّسَائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنِ ابْنِ هَزَّالٍ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، قَبِيلَةٌ، قَالَ فِيهَا الْمُصْطَفَى «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ» (يُقَالُ لَهُ) أَيِ اسْمُهُ (هَزَّالٌ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالزَّايِ الْمَنْقُوطَةِ الشَّدِيدَةِ، ابْنُ يَزِيدَ الصَّحَابِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَنَّ هَزَّالًا كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ وَأَنَّ مَاعِزًا وَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ هَزَّالٌ: «انْطَلِقْ فَأَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَسَى أَنْ يَنْزِلَ فِيكَ قُرْآنٌ، فَانْطَلَقَ فَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا هَزَّالُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ) » مِنْ أَمْرِكَ لَهُ بِإِخْبَارِي لِمَا فِي السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ الْمَذْكُورِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ. (قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ يَزِيدُ) بِيَاءٍ قَبْلَ الزَّايِ (ابْنُ نُعَيْمِ) بِضَمِّ النُّونِ الحديث: 1553 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 (ابْنِ هَزَّالٍ الْأَسْلَمِيُّ) تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، ثِقَةٌ، مَقْبُولٌ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ جَدِّهِ مُرْسَلَةٌ، وَأَمَّا أَبُوهُ نُعَيْمٌ فَصَحَابِيٌّ نَزَلَ الْمَدِينَةَ مَا لَهُ رَاوٍ إِلَّا ابْنُهُ يَزِيدُ. (فَقَالَ يَزِيدُ: هَزَّالٌ جَدِّي وَهَذَا الْحَدِيثُ حَقٌّ) أَيْ صِدْقٌ لَا مَحَالَةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِاعْتِرَافِهِ عَلَى نَفْسِهِ   1554 - 1494 - (مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ) مُرْسَلًا، وَقَدْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ، وَشُعَيْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَمَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ رَجُلًا) هُوَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيُّ بِاتِّفَاقٍ، وَبِهِ صُرِّحَ فِي كَثِيرٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ (اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَى عَلَى عَهْدِ) أَيْ زَمَنِ (رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثَلَاثَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ ثُمَّ قَالَ لِأَهْلِهِ: أَيَشْتَكِي أَمْ بِهِ جِنَّةٌ؟ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لِمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَالِ الَّذِي يُشْبِهُ حَالَ الْمَجْنُونِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ مُنْتَفِشَ الشَّعْرِ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ يَقُولُ: زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَاسْمُ الْمَرْأَةِ الَّتِي زَنَى بِهَا فَاطِمَةُ، فَتَاةُ هَزَّالٍ، وَقِيلَ مُنِيرَةُ، وَفِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ: اسْمُهَا مُهَيْرَةُ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ: " «جَاءَ مَاعِزٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، فَقَالَ: وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ، فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَ أُطَهِرُّكَ؟ قَالَ: مِنَ الزِّنَى، فَسَأَلَ أَبِهِ جُنُونٌ؟ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، فَقَالَ: أَشَرِبَ خَمْرًا؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَزَنَيْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ " (فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَ) » زَادَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: بِالْمُصَلَّى «فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرَّ فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرًا» . وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ: «فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فَرِيقَيْنِ: قَائِلٌ يَقُولُ: هَلَكَ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ. وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلُ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ، فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ جَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالُوا: غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ» . وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَيْنَ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغَمِسُ» ". يَعْنِي يَتَنَعَّمُ. وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَفَعَهُ: " «قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» ". وَفِي هَذَا مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِمَاعِزٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَحَدِيثِ الْبَابِ ; لِأَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَى طَلَبِ إِقَامَةِ الْحَدِّ الحديث: 1554 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 عَلَيْهِ مَعَ تَوْبَتِهِ لِيَتِمَّ تَطْهِيرُهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ إِقْرَارِهِ مَعَ أَنَّ الطَّبْعَ الْبَشَرِيَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَسْتَمِرُّ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا يَقْتَضِي مَوْتَهُ، فَجَاهَدَ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَوِيَ عَلَيْهَا. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ، قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَنِكْتَهَا؟ لَا يُكَنِّي، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ» ". (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِاعْتِرَافِهِ عَلَى نَفْسِهِ) بِالزِّنَى أَوْ بِغَيْرِهِ حَيْثُ كَانَ مُكَلَّفًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا زَنَتْ وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي فَلَمَّا وَضَعَتْ جَاءَتْهُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبِي حَتَّى تُرْضِعِيهِ فَلَمَّا أَرْضَعَتْهُ جَاءَتْهُ فَقَالَ اذْهَبِي فَاسْتَوْدِعِيهِ قَالَ فَاسْتَوْدَعَتْهُ ثُمَّ جَاءَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ»   1555 - 1495 - (مَالِكٌ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ) التَّيْمِيِّ أَبِي يُوسُفَ الصَّدُوقِ الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا (عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ) التَّيْمِيِّ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، أَرْسَلَ هَذَا الْحَدِيثَ فَظَنَّهُ الْحَاكِمُ صَحَابِيًّا وَقَالَ: إِنَّ مَالِكًا هُوَ الْحَاكِمُ فِي حَدِيثِ الْمَدَنِيِّينَ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الْإِصَابَةِ، فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا ظَنَّ، فَلَيْسَ لِزَيْدٍ وَلَا لِأَبِيهِ وَلَا لِجَدِّهِ صُحْبَةٌ فَهُوَ زَيْدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، كَمَا نَسَبَهُ الْقَعْنَبِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَجَدُّهُ مَشْهُورٌ فِي التَّابِعِينَ (عَنْ) جَدِّهِ (عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، ابْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، بِضَمِّهَا (ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) بِالتَّصْغِيرِ، ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ، وَيُقَالُ: اسْمُ أَبِي مُلَيْكَةَ زُهَيْرٌ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ، أَدْرَكَ ثَلَاثِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، ثِقَةٌ فَقِيهٌ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ. (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا قَالَ يَحْيَى فَجَعَلَ الْحَدِيثَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلًا عَنْهُ. وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ بُكَيْرٍ: مَالِكٌ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، فَجَعَلُوا الْحَدِيثَ لِزَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ مُرْسَلًا، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَرُوِيَ مُرْسَلًا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَصَحَّ بِمَعْنَاهُ عَنْ بُرَيْدَةَ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (أَنَّ امْرَأَةً) مِنْ غَامِدٍ، كَمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَلَهُ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ مِنْ جُهَيْنَةَ، وَلَا تَنَافِيَ: فَغَامِدٌ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ فَأَلِفٍ فَمِيمٍ مَكْسُورَةٍ فَدَالٍ مُهْمَلَةٍ، بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، وَرَوَى ابْنُ مَنْدَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَائِشَةَ: " «سَمِعْتُ سُبَيْعَةَ الْقُرَشِيَّةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَيَّ حَدَّ اللَّهِ» ". الْحَدِيثُ بِنَحْوِ حَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ صَحَّ فَيَكُونُ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُمَا مَعًا. ( «جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا زَنَتْ» ) وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَة الحديث: 1555 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، فَقَالَ: وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَى» " (وَهِيَ حَامِلٌ) مِنَ الزِّنَى كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عِمْرَانَ وَبُرَيْدَةَ. (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي) حَمْلَكِ لِمَنْعِ رَجْمِ الْحُبْلَى ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ قَتْلُ الْوَلَدِ بِلَا جِنَايَةٍ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، وَفِيهِ عَنْ عِمْرَانَ: فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ وَلِيَّهَا، فَقَالَ: أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا (فَلَمَّا وَضَعَتْ جَاءَتْهُ) وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ: فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبِي حَتَّى تُرْضِعِيهِ) وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ: «فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَ: إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا، لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إِلَيَّ رِضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: فَرَجَمَهَا» . وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْضَ قَوْلَ الرَّجُلِ إِلَيَّ رِضَاعُهُ ; لِأَنَّ أُمَّهُ أَرْفَقُ بِهِ فِي رِضَاعِهِ فَدَفَعَهُ إِلَيْهَا حَتَّى فَطَمَتْهُ، وَيَكُونُ التَّعْقِيبُ فِي قَوْلِهِ فِي الْأُولَى فَرَجَمَهَا نَحْوَ: تَزَوَّجَ زَيْدٌ فَوُلِدَ لَهُ، هَكَذَا ظَهَرَ لِي، ثُمَّ رَأَيْتُ النَّوَوِيَّ قَالَ: الرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ، وَالثَّانِيَةُ صَرِيحَةٌ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا بِخِلَافِ الْأُولَى، فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهَا عَلَى وَفْقِ الثَّانِيَةِ، بِأَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ إِلَيَّ رِضَاعُهُ إِنَّمَا قَالَ بَعْدَ الْفِطَامِ، وَأَرَادَ بِهِ كَفَالَتَهُ وَتَرْبِيَتَهُ وَسَمَّاهُ رِضَاعًا مَجَازًا، انْتَهَى. وَلَعَلَّ مَا قُلْتُهُ أَقْرَبُ لِإِبْقَاءِ الرِّضَاعِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلَا يُنَافِيهِ التَّعْقِيبُ ; لِأَنَّهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ. (فَلَمَّا أَرْضَعَتْهُ جَاءَتْهُ فَقَالَ: اذْهَبِي فَاسْتَوْدِعِيهِ) اجْعَلِيهِ عِنْدَ مَنْ يَحْفَظُهُ (قَالَ فَاسْتَوْدَعَتْهُ) لَا يُنَافِي رِوَايَةَ مُسْلِمٍ: «فَدُفِعَ الصَّبِيُّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَمَّا اسْتَوْدَعَتْهُ وَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ أَحْضَرَهُ بِالصَّبِيِّ وَدَفَعَهُ إِلَيْهِ ; لِيَكُونَ أَشَدَّ تَوَثُّقًا فِي حِفْظِهِ مِنْ مَزِيدِ رَأْفَتهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ. (ثُمَّ جَاءَتْهُ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ) وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ: " «ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجْرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَخَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ، فَسَبَّهَا فَسَمِعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 فَدُفِنَتْ» " وَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عِمْرَانَ: " «ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ؟ قَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا» ؟ " وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهَا. وَأَمَّا الْأُولَى فَقَالَ عِيَاضٌ: هِيَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَاللَّامِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِضَمِّ الصَّادِ، قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: «ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهَا» " انْتَهَى. وَقَدْ يُجْمَعُ بِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ أَوَّلًا ثُمَّ قَبْلَ الصَّلَاةِ صَلَّى عَلَيْهَا لَمَّا عَلِمَ تَوْبَتَهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِي فِي أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ تَكَلَّمْ فَقَالَ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا» قَالَ مَالِكٌ وَالْعَسِيفُ الْأَجِيرُ   1556 - 1496 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ أَوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ مِنْ نَحْوِ ثَلَاثِينَ قَوْلًا فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ (وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ (أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ) لَمْ يَعْرِفِ الْحَافِظُ اسْمَهُمَا (اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ) احْكُمْ (بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَلَا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ " (وَقَالَ الْآخَرُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ (وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا) قَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدَّيْنِ الْعِرَاقِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّاوِيَ كَانَ عَارِفًا بِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَاكَمَا فَوَصَفَ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ أَفْقَهُ مِنَ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا، وَيُحْتَمَلُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْخَاصَّةِ لِحُسْنِ أَدَبِهِ فِي اسْتِئْذَانِهِ أَوَّلًا، وَتَرْكِ رَفْعِ صَوْتِهِ إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ رَفَعَهُ (أَجَلْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ وَخِفَّةِ اللَّامِ أَيْ نَعَمْ (يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ) إِنَّمَا سَأَلَا ذَلِكَ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بِحُكْمِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِالْحُكْمِ الصَّرْفِ لَا بِالتَّصَالُحِ وَالتَّرْغِيبِ فِيمَا هُوَ الْأَرْفَقُ بِهِمَا، أَوْ أَمْرِهِمَا بِالصُّلْحِ إِذْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ (وَأْذَنْ لِي) فِي (أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ: تَكَلَّمْ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي) لَمْ يَعْرِفِ الْحَافِظُ اسْمَهُ (كَانَ عَسِيفًا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالْفَاءِ أَيْ أَجِيرًا (عَلَى هَذَا) أَيْ عِنْدَهُ أَوْ عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ (فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ) لَمْ يَعْرِفِ الْحَافِظُ اسْمَهَا (فَأَخْبَرَنِي) بِالْإِفْرَادِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَكَذَا رَوَاهُ الحديث: 1556 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 يَحْيَى وَابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلِلْقَعْنَبِيِّ: فَأَخْبَرُونِي أَيْ بِالْجَمْعِ، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: فَسَأَلْتُ مَنْ لَا يَعْلَمُ فَأَخْبَرَنِي (أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِافْتَدَيْتُ، وَمِنْ لِلْبَدَلِ نَحْوُ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ، أَيِ افْتَدَيْتُ بِمِائَةِ شَاةٍ بَدَلَ الرَّجْمِ (وَبِجَارِيَةٍ لِي) وَفِي رِوَايَةٍ وَجَارِيَةٍ بِلَا مُوَحَّدَةٍ (ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى أَسْمَائِهِمْ، وَلَا عَلَى عَدَدِهِمْ ( «فَأَخْبَرُونِي أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» ) بِالْإِضَافَةِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ بِكْرٌ ( «وَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ» ) لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) أَقْسَمَ تَأْكِيدًا (لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ) أَيِ الْقُرْآنِ عَلَى ظَاهِرِهِ، الْمَنْسُوخِ لَفْظُهُ الثَّابِتِ حُكْمُهُ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ عُمَرَ الْآتِي: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مِنَ الْقُرْآنِ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَثَبَتَ خَطُّهُ، وَعَكْسُهُ فِي الْقِيَاسِ مِثْلُهُ، أَوْ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15] (سورة النِّسَاءِ الْآيَةُ 15) وَفَسَّرَ النَّبِيُّ السَّبِيلَ بِرَجْمِ الْمُحْصَنِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، أَوِ الْمَعْنَى بِحُكْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24] (سورة النِّسَاءِ الْآيَةُ 80) أَيْ حُكْمُهُ فِيكُمْ وَقَضَاؤُهُ عَلَيْكُمْ، وَمَا قَضَى بِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 80) {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] (سورة الْحَشْرِ: الْآيَةُ 7) فَلَمَّا أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ جَازَ أَنْ يُقَالَ لِكُلِّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ: حُكْمُ اللَّهِ وَقَضَاؤُهُ، إِذْ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ مَنْ زَنَى وَافْتَدَى يُرَدُّ فَدَاؤُهُ، وَلَا أَنَّ عَلَيْهِ نَفْيَ سَنَةٍ مَعَ الْجَلْدِ وَلَا أَنَّ عَلَى الثَّيِّبِ الرَّجْمَ، وَقَدْ أَقْسَمَ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ صَادِقٌ وَقَالَ: (أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ) أَيْ مَرْدُودٌ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ، نَحْوِ: نَسْجِ الْيَمَنِ أَيْ مَنْسُوجِهِ ; وَلِذَا كَانَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِلْجَمْعِ وَالْوَاحِدِ (وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً) أَيْ أَمَرَ مَنْ يَجْلِدُهُ فَجَلَدَهُ (وَغَرَّبَهُ عَامًا) عَنْ وَطَنِهِ، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ أَنَّ ابْنَهُ كَانَ بِكْرًا، وَأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالزِّنَى، فَإِنَّ إِقْرَارَ الْأَبِ عَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ، وَقَرِينَةُ اعْتِرَافِهِ حُضُورُهُ مَعَ أَبِيهِ، كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ ابْنِي هَذَا، وَسُكُوتُهُ عَلَى مَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ. وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ ابْنِي أَجِيرًا لِامْرَأَةِ هَذَا، وَابْنِي لَمْ يُحْصِنْ فَصَرَّحَ بِأَنَّهُ بِكْرٌ، وَفِيهِ تَغْرِيبُ الْبِكْرِ الزَّانِي خِلَافًا لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُغَرَّبُ ; لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 بِخَبَرِ الْوَاحِدِ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِنَسْخٍ إِذْ حُكْمُ النَّصِّ بَاقٍ وَهُوَ الْجَلْدُ وَالتَّغْرِيبُ بِالسَّنَةِ. (وَأَمَرَ أُنَيْسًا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرٌ (الْأَسْلَمِيَّ) جَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ أُنَيْسُ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ فِي نَقْدِي أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ السَّكَنِ: لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ وَلَمْ أَجِدْ لَهُ رِوَايَةً غَيْرَ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَيُقَالُ: هُوَ أُنَيْسُ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ هُوَ أُنَيْسُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ ; لِأَنَّهُ غَنَوِيٌّ وَهَذَا أَسْلَمِيٌّ، كَذَا فِي الْإِصَابَةِ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَةِ: أُنَيْسٌ هُوَ ابْنُ الضَّحَّاكِ نَقَلَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ عَنِ الْأَكْثَرِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ (الْأَسْلَمِيَّ) ، وَوَهِمَ ابْنُ التِّينِ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَلَكِنَّهُ صُغِّرَ انْتَهَى. فَإِنَّهُ خَصَّ الْأَسْلَمِيَّ قَصْدًا إِلَى أَنَّهُ لَا يُؤَمَّرُ فِي الْقَبِيلَةِ إِلَّا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِنُفُورِهِمْ عَنْ حُكْمِ غَيْرِهِمْ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ أَسْلَمِيَّةً. (أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ) لِيُعْلِمَهَا أَنَّ الرَّجُلَ قَذَفَهَا بِابْنِهِ فَلَهَا عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ فَتُطَالِبُهُ أَوْ تَعْفُو عَنْهُ. (فَإِنِ اعْتَرَفَتْ) بِأَنَّهُ زَنَى بِهَا (رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا) أُنَيْسٌ لِأَنَّهُ حَكَّمَهُ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ أُنَيْسًا إِنَّمَا كَانَ رَسُولًا لِيَسْمَعَ إِقْرَارَهَا فَقَطْ، وَأَنَّ تَنْفِيذَ الْحُكْمِ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُشْكِلُ كَوْنُهُ اكْتَفَى بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ أَوْلَى لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ ضَبْطِهِ وَخُصُوصًا فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، فَإِنَّهُ أَعْرَفُ النَّاسِ بِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ أُنَيْسًا كَانَ حَاكِمًا، وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ رَسُولٌ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ نَصٌّ عَلَى انْفِرَادِهِ بِالشَّهَادَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ غَيْرَهُ شَهِدَ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهَادَةِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مِنَ الثَّلَاثَةِ وَالِدُ الْعَسِيفِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْعَسِيفُ وَالزَّوْجُ فَلَا، وَغَفَلَ بَعْضُ مَنْ تَبِعَ عِيَاضًا فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْحَمْلِ وَإِلَّا لَزِمَ الِاكْتِفَاءُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فِي الْإِقْرَارِ بِالزِّنَى وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَيُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ أُنَيْسًا بُعِثَ حَاكِمًا فَاسْتَوْفَى شُرُوطَ الْحُكْمِ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجْمِهَا فَأَذِنَ لَهُ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ حُجَّةٌ فِي جَوَازِ إِنْفَاذِ الْحَاكِمِ رَجُلًا وَاحِدًا فِي الْإِعْذَارِ، وَفِي أَنْ يَتَّخِذَ وَاحِدًا يَثِقُ بِهِ يَكْشِفُ لَهُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ فِي السِّرِّ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ الْوَاحِدِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْخَبَرُ لَا الشَّهَادَةُ انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُفْتُونَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بَلَدِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يُفْتُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُفْتِيَانِ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ حِرَاشٍ الْأَسْلَمِيِّ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِمَّنْ يُفْتِي فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَقْبَلُ الْفِدَاءَ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَالْحِرَابَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْقَذْفِ وَالصَّحِيحُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 أَنَّهُ كَغَيْرِهِ، وَإِرْسَالُ الْإِمَامِ إِلَى الْمَرْأَةِ لِيَسْأَلَهَا عَمَّا رُمِيَتْ بِهِ، وَقَدْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ وُجُوبَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِنَا، وَاحْتَجَّ لَهُ بِبَعْثِ أُنَيْسٍ، لَكِنْ تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي وَاقِعَةِ حَالٍ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ سَبَبَ الْبَعْثِ مَا وَقَعَ بَيْنَ زَوْجِهَا، وَبَيْنَ وَالِدِ الْعَسِيفِ مِنَ الْخِصَامِ، وَالْمُصَالَحَةِ عَلَى الْحَدِّ، وَاشْتِهَارِ الْقِصَّةِ حَتَّى صَرَّحَ وَالِدُ الْعَسِيفِ بِمَا صَرَّحَ بِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ زَوْجُهَا، فَالْإِرْسَالُ إِلَى هَذِهِ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِهَا مِنَ التُّهْمَةِ الْقَوِيَّةِ بِالْفُجُورِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَسِيفُ الْأَجِيرُ) وَزْنًا وَمَعْنًى لِأَنَّهُ يَعْسِفُ الطُّرُقَ أَيْ يَسْلُكُهَا مُتَرَدِّدًا فِي الِاشْتِغَالِ، وَالْجَمْعُ عُسَفَاءُ بِزِنَةِ أُجَرَاءَ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَوْلَى بِالْقَضَاءِ الْخَلِيفَةُ الْعَالِمُ بِوُجُوهِ الْقَضَاءِ، وَأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، وَالطَّالِبَ أَحَقُّ بِالتَّقَدُّمِ بِالْكَلَامِ، وَإِنْ بَدَأَ الْمَطْلُوبُ بِرَدِّ هَذَا الْبَاطِلِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِقَبْضِهِ فِي مِلْكِهِ وَلَا يُصَحِّحُهُ لَهُ، وَعَلَيْهِ رَدُّهُ، وَأَنَّهُ لَا جَلْدَ مَعَ الرَّجْمِ، وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ، وَبَعْضِ السَّلَفِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا: " خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ ". وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ ; لِأَنَّهُ رَجَمَ جَمَاعَةً وَلَمْ يَجْلِدْهُمْ، وَرَجَمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَلَمْ يَجْلِدُوا، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي شُرَاحَةِ الْهَمْدَانِيَّةِ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَمُنْقَطِعٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَغَيْرُهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِنَحْوِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ»   1557 - 1497 - (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرٌ (ابْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ) ذَكْوَانَ السَّمَّانِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ) الْأَنْصَارِيَّ الْجَوَادَ الْمَشْهُورَ سَيِّدَ الْخَزْرَجِ (قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] (سورة النُّورِ: الْآيَةُ 4) الْآيَةَ (أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا) وَفِي رِوَايَةٍ: لَوْ وَجَدْتُ لَكَاعًا يَعْنِي امْرَأَتَهُ قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ (أَأُمْهِلُهُ) بِفَتْحِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَضَمِّ الثَّانِيَةِ (حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ قَالَ: " كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ الحديث: 1557 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ إِنَّهُ لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي " وَفِيهِ قَطْعُ الذَّرِيعَةِ عَنْ سَفْكِ الدَّمِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَالنَّهْيُ عَنْ إِقَامَةِ حَدٍّ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ وَلَا شُهُودٍ، وَهُوَ وَجْهُ إِدْخَالِهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وَمَرَّ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا أُحْصِنَ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الْاعْتِرَافُ   1558 - 1498 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا (ابْنِ مَسْعُودٍ) أَحَدِ الْفُقَهَاءِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ) عَلَى الْمِنْبَرِ النَّبَوِيِّ (الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ) ثَابِتُ الْحُكْمِ مَنْسُوخُ اللَّفْظِ. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ " (عَلَى مَنْ زَنَى مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا أُحْصِنَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ تَزَوَّجَ وَوَطِئَ مُبَاحًا، وَكَانَ بَالِغًا عَاقِلًا (إِذَا أُقِيمَتِ الْبَيِّنَةُ) بِالزِّنَى (أَوْ كَانَ الْحَبَلُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ وُجِدَتِ الْمَرْأَةُ حُبْلَى (أَوْ) كَانَ (الِاعْتِرَافُ) الْإِقْرَارُ بِالزِّنَى وَالِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهِ، وَهَذَا مُخْتَصَرٌ مِنْ خُطْبَةٍ لِعُمَرَ طَوِيلَةٍ قَالَهَا فِي آخِرِ عُمُرِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ بِتَمَامِهَا مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ. الحديث: 1558 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَاهُ رَجُلٌ وَهُوَ بِالشَّامِ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَبَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ إِلَى امْرَأَتِهِ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ فَأَتَاهَا وَعِنْدَهَا نِسْوَةٌ حَوْلَهَا فَذَكَرَ لَهَا الَّذِي قَالَ زَوْجُهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَخْبَرَهَا أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ وَجَعَلَ يُلَقِّنُهَا أَشْبَاهَ ذَلِكَ لِتَنْزِعَ فَأَبَتْ أَنْ تَنْزِعَ وَتَمَّتْ عَلَى الْاعْتِرَافِ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَرُجِمَتْ   1559 - 1499 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ (عَنْ أَبِي وَاقِدٍ) بِالْقَافِ (اللَّيْثِيِّ) الصَّحَابِيِّ قِيلَ اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ، وَقِيلَ ابْنُ عَوْفٍ، وَقِيلَ اسْمُهُ عَوْنُ بْنُ الْحَارِثِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ عَلَى الصَّحِيحِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَاهُ رَجُلٌ) لَمْ يُسَمَّ (وَهُوَ بِالشَّامِ) لَمَّا قَدِمَهَا فِي خِلَافَتِهِ (فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَبَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا وَاقَدٍ اللِّيثِيَّ) الصَّحَابِيَّ الْمَذْكُورَ الحديث: 1559 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 (إِلَى امْرَأَتِهِ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ قَذْفِ زَوْجِهَا لَهَا (فَأَتَاهَا وَعِنْدَهَا نِسْوَةٌ حَوْلَهَا) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَذَكَرَ لَهَا الَّذِي قَالَ زَوْجُهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) مِنْ رَمْيِهَا بِالزِّنَى (وَأَخْبَرَهَا) أَبُو وَاقَدٍ (أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ) بَلْ إِنْ كَذَّبَتْهُ لَاعَنَ وَإِلَّا حُدَّ (وَجَعَلَ يُلَقِّنُهَا أَشْبَاهَ ذَلِكَ لِتَنْزِعَ) بِفَوْقِيَّةٍ فَنُونٍ سَاكِنَةٍ فَزَايٍ مَنْقُوطَةٍ أَيْ تَرْجِعَ (فَأَبَتْ أَنْ تَنْزِعَ) تَرْجِعَ عَنِ الِاعْتِرَافِ بِالزِّنَى (وَتَمَّتْ) اشْتَدَّتْ وَصَلُبَتْ، وَفِي نُسْخَةٍ وَهِيَ أَظْهَرُ وَثَبَتَتْ بِمُثَلَّثَةٍ مِنَ الثُّبُوتِ (عَلَى الِاعْتِرَافِ) بِالزِّنَى (فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَرُجِمَتْ) لِثُبُوتِهَا عَلَى الِاعْتِرَافِ، وَعَدَمِ رُجُوعِهَا عَنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ «مِنْ مِنًى أَنَاخَ بِالْأَبْطَحِ ثُمَّ كَوَّمَ كَوْمَةً بَطْحَاءَ ثُمَّ طَرَحَ عَلَيْهَا رِدَاءَهُ وَاسْتَلْقَى ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي وَضَعُفَتْ قُوَّتِي وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ سُنَّتْ لَكُمْ السُّنَنُ وَفُرِضَتْ لَكُمْ الْفَرَائِضُ وَتُرِكْتُمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ إِلَّا أَنْ تَضِلُّوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى ثُمَّ قَالَ إِيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَتَبْتُهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا» قَالَ مَالِكٌ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ قَوْلُهُ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ يَعْنِي الثَّيِّبَ وَالثَّيِّبَةَ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ   1560 - 1500 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ) رِوَايَةُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ تَجْرِي مَجْرَى الْمُتَّصِلِ ; لِأَنَّهُ رَآهُ وَقَدْ صَحَّحَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ سَمَاعَهُ مِنْهُ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (مِنْ مِنًى) فِي آخِرِ حَجَّاتِهِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ (أَنَاخَ) رَاحِلَتَهُ (بِالْأَبْطَحِ) أَيِ الْمُحَصَّبِ (ثُمَّ كَوَّمَ) بِشَدِّ الْوَاوِ أَيْ جَمَعَ (كَوْمَةً) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا أَيْ قِطْعَةً (بَطْحَاءَ) أَيْ صِغَارَ الْحَصَى أَيْ جَمَعَهَا وَجَعَلَ لَهَا رَأْسًا (ثُمَّ طَرَحَ) أَلْقَى (عَلَيْهَا رِدَاءَهُ وَاسْتَلْقَى) عَلَى ظَهْرِهِ (ثُمَّ مَدَّ) رَفَعَ (يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ) لِأَنَّهَا قِبْلَةُ الدُّعَاءِ (فَقَالَ: اللَّهُمَّ كَبِرَتْ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (سِنِّي) أَيْ عُمُرِي فَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ (وَضَعُفَتْ قُوَّتِي) بِسَبَبِ كِبَرِ سِنِّي (وَانْتَشَرَتْ) كَثُرَتْ وَتَفَرَّقَتْ (رَعِيَّتِي) الَّتِي أَقُومُ بِتَدْبِيرِهَا وَسِيَاسَتِهَا (فَاقْبِضْنِي) تَوَفَّنِي (إِلَيْكَ) حَالَ كَوْنِي (غَيْرَ مُضَيِّعٍ) لِمَا أَمَرْتَنِي بِهِ (وَلَا مُفَرِّطٍ) مُتَهَاوِنٍ بِهِ. (ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ) وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الْحِجَّةِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجَّلْنَا بِالرَّوَاحِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ الحديث: 1560 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعْقِلَهَا فَلَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ. (فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ سُنَّتْ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ النُّونِ الثَّقِيلَةِ، وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ (لَكُمُ السُّنَنُ) جُمَعُ سُنَّةٍ (وَفُرِضَتْ لَكُمُ الْفَرَائِضُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا لِلْعِلْمِ بِالْفَاعِلِ (وَتُرِكْتُمْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْضًا (عَلَى) الطَّرِيقِ (الْوَاضِحَةِ) الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَا تَخْفَى (إِلَّا أَنْ تَضِلُّوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا) عَنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ الْوَاضِحَةِ لِهَوَى أَنْفُسِكُمْ (وَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى) أَسَفًا وَتَعَجُّبًا مِمَّنْ يَقَعُ مِنْهُ ضَلَالٌ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ الْبَالِغِ (ثُمَّ قَالَ: إِيَّاكُمْ) أُحَذِّرُكُمْ (أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ) أَنْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (يَقُولُ قَائِلٌ: لَا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ) إِنَّمَا فِيهِ حَدٌّ وَاحِدٌ وَهُوَ الْجَلْدُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ: " أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا " (فَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ أَمَرَ بِرَجْمِ مَنْ أُحْصِنَ: مَاعِزٌ وَالْغَامِدِيَّةُ، وَالْيَهُودِيُّ وَالْيَهُودِيَّةُ (وَرَجَمْنَا) بَعْدَهُ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ: ظَاهِرُهُ أَنَّ كِتَابَتَهَا جَائِزَةٌ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ قَوْلُ النَّاسِ، وَالْجَائِزُ فِي نَفْسِهِ قَدْ يَقُومُ مِنْ خَارِجِ مَا يَمْنَعُهُ، وَإِذَا كَانَتْ جَائِزَةً لَزِمَ أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً ; لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْمَكْتُوبِ، قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ لَوْ كَانَتِ التِّلَاوَةُ بَاقِيَةً لَبَادَرَ عُمَرُ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى مَقَالَةِ النَّاسِ ; لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ مَانِعًا، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْمُلَازَمَةُ مُشْكِلَةٌ انْتَهَى. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ عُمَرَ هَذَا الظَّاهِرَ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ الْمُبَالَغَةُ وَالْحَثُّ عَلَى الْعَمَلِ بِالرَّجْمِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ بَاقٍ وَإِنْ نُسِخَ لَفْظُهَا إِذْ لَا يَسَعُ مِثْلُ عُمَرَ مَعَ مَزِيدِ فِقْهِهِ تَجْوِيزَ كَتْبِهَا مَعَ نَسْخِ لَفْظِهَا، فَلَا إِشْكَالَ وَضَمِيرُ كَتَبْتُهَا لِآيَةِ الرَّجْمِ، وَهِيَ (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ) إِذَا زَنَيَا (فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ أَيْ جَزْمًا (قَدْ قَرَأْنَاهَا) ثُمَّ نُسِخَ لَفْظُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهُمَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْنَا. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ: " وَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا انْسَلَخَ) أَيْ مَضَى (ذُو الْحِجَّةِ) الشَّهْرُ الَّذِي خَطَبَ فِيهِ هَذِهِ الْخُطْبَةَ (حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَرَضِيَ عَنْهُ شَهِيدًا بِيَدِ فَيْرُوزَ النَّصْرَانِيِّ عَبْدِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. (مَالِكٌ: قَوْلُهُ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ يَعْنِي الثَّيِّبَ وَالثَّيِّبَةَ) أَيِ الْمُحْصَنَ وَالْمُحْصَنَةَ، وَإِنْ كَانَا شَابَّيْنِ لَا حَقِيقَةَ الشَّيْخِ، وَهُوَ مَنْ طَعَنَ فِي السِّنِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ) فَإِنَّ الرَّجْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى الْإِحْصَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَاعِزٍ: أَحْصَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَهْلِ مَاعِزٍ: أَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ؟ فَقَالُوا: بَلْ ثَيِّبٌ كَمَا مَرَّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ قَدْ وَلَدَتْ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُرْجَمَ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهَا إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَالَ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَالْحَمْلُ يَكُونُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَلَا رَجْمَ عَلَيْهَا فَبَعَثَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي أَثَرِهَا فَوَجَدَهَا قَدْ رُجِمَتْ   1560 - 1501 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أُتِيَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (بِامْرَأَةٍ) تَزَوَّجَتْ (قَدْ وَلَدَتْ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ زَوَاجِهَا (فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُرْجَمَ) لِأَنَّ الْغَالِبَ الْكَثِيرَ أَنَّ الْحَمْلَ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ (فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَيْسَ ذَلِكَ) الرَّجْمُ (عَلَيْهَا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ} [الأحقاف: 15] مِنَ الرِّضَاعِ {ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] سِتَّةٌ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَالْبَاقِي أَكْثَرُ مُدَّةِ الرَّضَاعِ. (وَقَالَ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ} [البقرة: 233] عَامَيْنِ (كَامِلَيْنِ) صِفَةٌ مُؤَكَّدَةٌ، ذَلِكَ {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] ، فَالْحَمْلُ يَكُونُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ) كَمَا أَفَادَتْهُ الْآيَتَانِ (فَلَا رَجْمَ عَلَيْهَا فَبَعَثَ عُثْمَانُ فِي إِثْرِهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ (فَوَجَدَهَا قَدْ رُجِمَتْ) وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ بَعْجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ قَالَ: تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنَّا امْرَأَةً فَوَلَدَتْ لَهُ تَمَامًا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَانْطَلَقَ إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 عُثْمَانَ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] (سورة الْأَحْقَافِ: الْآيَةُ 15) وَقَالَ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] (سورة لُقْمَانَ: الْآيَةُ 14) فَلَمْ نَجِدْ بَقِيَ إِلَّا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: وَاللَّهِ مَا فَطِنْتُ لِهَذَا. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَالَ: " رُفِعَ إِلَى عُمَرَ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَسَأَلَ عَنْهَا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَالَ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَكَانَ الْحَمْلُ هَاهُنَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَتَرَكَهَا عُمَرُ " فَلَعَلَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَحْضُرْ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَبْلُغْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ عَلَيْهِ الرَّجْمُ أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ   1561 - 1502 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ) أَيْ يَأْتِي الذَّكَرُ فِي الدُّبُرِ (فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: عَلَيْهِ الرَّجْمُ أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَنْ) وَلَوْ كَانَ كَافِرًا. الحديث: 1561 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 [باب مَا جَاءَ فِيمَنْ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ فَوْقَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ دُونَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُلِدَ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ»   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنِ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَى 1562 - 1503 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمْ مُرْسَلًا لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مُرْسَلًا مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ مُرْسَلِ كُرَيْبٍ نَحْوَهُ وَلَا أَعْلَمُهُ يَسْتَنِدُ بِلَفْظِهِ مِنْ وَجْهٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَى عَلَى عَهْدِ) أَيْ زَمَانِ (رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا) طَلَبَ (لَهُ) لِأَجْلِهِ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوْطٍ) لِيُجْلَدَ بِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ (فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ فَوْقَ هَذَا) لِخِفَّةِ إِيلَامِهِ (فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ وَالرَّاءِ وَفَوْقِيَّةٍ أَيْ طَرَفُهُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَثَمَرَةُ السِّيَاطِ عُقَدُ أَطْرَافِهَا، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَيْ لَمْ يَمْتَهِنْ وَلَمْ يَلِنْ وَالثَّمَرَةُ الطَّرَفُ (فَقَالَ دُونَ) أَيْ أَقَلَّ مِنْ (هَذَا) وَفَوْقَ الْأَوَّلِ (فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ) فَذَهَبَتْ عُقْدَةُ طَرَفِهِ (وَلَانَ) الحديث: 1562 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 صَارَ لَيِّنًا مَعَ بَقَاءِ صَلَابَتِهِ بِعَدَمِ كَسْرِهِ (فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُلِدَ) مِائَةَ جَلْدَةٍ (ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ) بِالْمَدِّ أَيْ حَانَ (لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ) الَّتِي حَرَّمَهَا (مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ) كُلُّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُسْتَقْبَحُ كَالزِّنَى وَالشُّرْبِ وَالْقَذْفِ وَجَمْعُهَا قَاذُورَاتٌ، سُمِّيَتْ قَاذُورَةً ; لِأَنَّ حَقَّهَا أَنْ تُقْذَرَ فَوُصِفَتْ بِمَا يُوصَفُ بِهِ صَاحِبُهَا (شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ) الَّذِي أَسْبَلَهُ عَلَيْهِ وَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ وَلَا يُظْهِرْهُ لَنَا (فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي) بِالْيَاءِ لِلْإِشْبَاعِ كَقِرَاءَةِ مَنْ يَتَّقِي، وَفِي رِوَايَةٍ بِحَذْفِهَا أَيْ يُظْهِرُ (لَنَا) مَعَاشِرَ الْحُكَّامِ (صَفْحَتَهُ) هِيَ لُغَةً: جَانِبُهُ وَوَجْهُهُ وَنَاحِيَتُهُ، وَالْمُرَادُ مَنْ يُظْهِرُ لَنَا مَا سَتَرَهُ أَفْضَلُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيزٍ (نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ) أَيِ الْحَدَّ الَّذِي حَدَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالسُّنَّةُ مِنَ الْكِتَابِ، فَيَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ إِذَا فَعَلَ مَا يُوجِبُ حَدًّا السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ وَالتَّوْبَةُ، فَإِنْ خَالَفَ وَاعْتَرَفَ ثُمَّ الْحَاكِمُ أَقَامَهُ عَلَيْهِ، وَكَمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ جَلْدِ هَذَا الرَّجُلِ قَالَهُ أَيْضًا بَعْدَ رَجْمِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيِّ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا فَمَنْ أَلَمَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ وَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ " أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُهُ مَوْصُولًا بِوَجْهٍ، قَالَ الْحَافِظُ: مُرَادُهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَلَمَّا ذَكَرَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ، قَالَ: صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَقَالَ: أَوْقَعَهُ فِيهِ عَدَمُ إِلْمَامِهِ بِصِنَاعَةِ الْحَدِيثِ الَّتِي يَفْتَقِرُ إِلَيْهَا كُلُّ عَالَمٍ انْتَهَى. لِأَنَّ اصْطِلَاحَهُمْ أَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مَعًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ فَأَحْبَلَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَلَمْ يَكُنْ أَحْصَنَ فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَجُلِدَ الْحَدَّ ثُمَّ نُفِيَ إِلَى فَدَكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَعْتَرِفُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا ثُمَّ يَرْجِعُ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنِّي عَلَى وَجْهِ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ يَذْكُرُهُ إِنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ الَّذِي هُوَ لِلَّهِ لَا يُؤْخَذُ إِلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إِمَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ تُثْبِتُ عَلَى صَاحِبِهَا وَإِمَّا بِاعْتِرَافٍ يُقِيمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى اعْتِرَافِهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَ مَالِكٌ الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا نَفْيَ عَلَى الْعَبِيدِ إِذَا زَنَوْا   1563 - 1504 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الثَّقَفِيَّةَ زَوْجَ ابْنِ عُمَرَ (أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أُتِيَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (بِرَجُلٍ) لَمْ يُسَمَّ (قَدْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ فَأَحْبَلَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَى وَلَمْ يَكُنْ أَحْصَنَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَجُلِدَ الْحَدَّ) مِائَةَ جَلْدَةٍ (ثُمَّ نُفِيَ إِلَى فَدَكَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمُهْمَلَةِ وَكَافٍ، بَلْدَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ الحديث: 1563 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَيْبَرَ دُونَ مَرْحَلَةٍ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَعْتَرِفُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَى ثُمَّ يَرْجِعُ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ) أَيْ لَمْ أَزْنِ (وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنِّي عَلَى وَجْهِ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ يَذْكُرُهُ) يُعَذَّرُ بِهِ كَقَوْلِهِ: إِنَّمَا أَصَبْتُ امْرَأَتِي أَوْ أَمَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَظَنَنْتُ ذَلِكَ زِنًا (أَنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَكْذِيبَ نَفْسِهِ بِدُونِ إِبْدَاءِ عُذْرٍ لَا يُقْبَلُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْإِمَامِ نَصًّا وَأَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ. وَالْمَذْهَبُ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ، وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِقَبُولِ رُجُوعِهِ مُطْلَقًا (وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ الَّذِي هُوَ لِلَّهِ) كَالزِّنَى وَالشُّرْبِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ (لَا يُؤْخَذُ إِلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ تُثْبِتُ عَلَى صَاحِبِهَا) مَا شَهِدَتْ بِهِ (وَإِمَّا بِاعْتِرَافٍ يُقِيمُ) يَسْتَمِرُّ (عَلَيْهِ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ) فَإِنْ رَجَعَ قُبِلَ (وَإِنْ أَقَامَ عَلَى اعْتِرَافِهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ) وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي قَبُولِ عُذْرِهِ إِلَّا مَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُ وَهُوَ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ فِي مَذْهَبِهِ، وَكَذَا يُتْرَكُ حَدُّ الْمُعْتَرِفِ إِذَا هَرَبَ وَإِنْ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيْ مَالِكٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ أَنَّ مَاعِزًا لَمَّا فَرَّ وَأَدْرَكُوهُ، وَرَجَمُوهُ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ " خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: بَلْ يُتَّبَعُ وَيُرْجَمُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُلْزِمْهُمْ دِيَتَهُ مَعَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ بَعْدَ هُرُوبِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ وَقَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ بُرَيْدَةَ: كُنَّا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّثُ أَنَّ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ لَوْ رَجَعَا لَمْ يَطْلُبْهُمَا. (قَالَ مَالِكٌ: الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا نَفْيَ عَلَى الْعَبِيدِ إِذَا زَنَوْا) وَإِنَّمَا النَّفْيُ عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ ; لِأَنَّ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ عُقُوبَةً لِمَالِكِهِ بِمَنْعِهِ مَنْفَعَتَهُ مُدَّةَ نَفْيِهِ، وَتَصَرُّفُ الشَّرْعِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُعَاقَبَ غَيْرُ الْجَانِي ; وَلِأَنَّهُ يُخْشَى فَسَادُ الْأُنْثَى وَضَيَاعُهَا بِالنَّفْيِ، وَعَمَّمَهُ الشَّافِعِيُّ، وَلَهُ قَوْلٌ لَا يُنْفَى الرَّقِيقُ، وَعَنْ أَحْمَدَ الْقَوْلَانِ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَا نَفْيَ عَلَى الزَّانِي مُطْلَقًا، وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَيَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ " ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تِلْكَ السُّنَّةَ، فَلَوْ كَانَ مَنْسُوخًا مَا عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَالْعَمَلُ بِالْمَنْسُوخِ حَرَامٌ إِجْمَاعًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 [باب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي حَدِّ الزِّنَا] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ فَقَالَ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَا أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ   3 - بُابٌ جَامِعٌ: مَا جَاءَ فِي حَدِّ الزِّنَى 1564 - 1505 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِهَا (ابْنِ عُتْبَةَ) بِضَمِّهَا وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ (ابْنِ مَسْعُودٍ) الْهُذَلِيِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ الصَّحَابِيِّ الشَّهِيرِ الْمَدَنِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَلَمْ يَقِفِ الْحَافِظُ عَلَى اسْمِ السَّائِلِ (عَنِ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ بِإِسْنَادِ الْإِحْصَانِ إِلَيْهَا ; لِأَنَّهَا تُحْصِنُ نَفْسَهَا بِعَفَافِهَا، وَرُوِيَ وَلَمْ تُحْصَنْ بِفَتْحِ الصَّادِ بِإِسْنَادِ الْإِحْصَانِ إِلَى غَيْرِهَا، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّتِي جَاءَتْ نَوَادِرُ، يُقَالُ أَحْصَنَ فَهُوَ مُحْصَنٌ، وَأَسْهَبَ فَهُوَ مُسْهَبٌ، وَأَلْفَجَ فَهُوَ مُلْفَجٌ قَلِيلٌ، وَيُرْوَى أَيْضًا وَلَمْ تُحَصِّنْ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَشَدِّ الصَّادِ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ زَنَتْ، وَصَحِبَتِ الْوَاوُ مَعَ لَمْ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ، وَجَاءَتْ بِلَا وَاوٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 174] (سورة آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 174) وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ: تَفَرُّدَ مَالِكٍ بِقَوْلِهِ وَلَمْ تُحْصِنْ، أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهَا بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَلَيْسَتْ بِقَيْدٍ إِنَّمَا هِيَ حِكَايَةُ حَالٍ فِي السُّؤَالِ، وَلِذَا أَجَابَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ: إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا) غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْإِحْصَانِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنْ لَا أَثَرَ لَهُ، وَأَنَّ مُوجِبَهُ فِي الْأُمَّةِ مُطْلَقُ الزِّنَى أَوِ الْمُرَادُ بِالْإِحْصَانِ الْمَنْفِيِّ الْحُرِّيَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 25) أَوِ الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ أَوْ لَمْ تُسْلِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 25) الْآيَةَ قِيلَ مَعْنَاهُ أَسْلَمْنَ وَقِيلَ تَزَوَّجْنَ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تُرْجَمُ إِذَا أُحْصِنَتْ بِمَعْنَى تَزَوَّجَتْ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَصَرِيحِ قَوْلِهِ: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 25) فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى جَلْدِ مَنْ لَمْ تُحْصِنْ، وَالْآيَةُ عَلَى جَلْدِ الْمُحْصِنِ، إِذِ الرَّجْمُ لَا يَنْتَصِفُ فَتُجْلَدُ وَلَوْ مُتَزَوِّجَةً عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ. (ثُمَّ إِنْ زَنَتْ) ثَانِيَةً (فَاجْلِدُوهَا) خِطَابٌ لِمُلَّاكِهَا فَفِيهِ أَنَّ السَّيِّدَ يُقِيمُ عَلَى رَقِيقِهِ الْحَدَّ وَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِمَا، الحديث: 1564 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثُ وَالْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي آخَرِينَ، لَكِنِ اسْتَثْنَى مَالِكٌ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ ; لِأَنَّ فِيهِ مُثْلَةً فَلَا يُؤْمَنُ السَّيِّدُ أَنْ يُمَثِّلَ بِرَقِيقِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ الْقَطْعَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ. (ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا) وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ زِيَادَةُ الْحَدِّ لَكِنْ قَالَ أَبُو عُمَرَ: انْفَرَدَ بِهَا رَاوِيهَا وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهُ غَيْرَهُ. (ثُمَّ بِيعُوهَا) أَتَى بِثُمَّ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ مَطْلُوبٌ لِمَنْ أَرَادَ التَّمَسُّكَ بِأَمَتِهِ الزَّانِيَةِ، أَمَّا مَنْ أَرَادَ بَيْعَهَا مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ فَلَهُ ذَلِكَ (وَلَوْ بِضَفِيرٍ) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَفَاءِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، عَبَّرَ بِهِ مُبَالَغَةً فِي التَّنْفِيرِ عَنْهَا، وَالْحَضِّ عَلَى مُبَاعَدَةِ الزَّانِيَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْمُنْكَرِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْعَوْنِ عَلَى الْخُبْثِ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ. وَفَسَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِأَوْلَادِ الزِّنَى قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَلَوْ شَرْطِيَّةٌ بِمَعْنَى إِنْ أَيْ وَإِنْ كَانَ بِضَفِيرٍ فَيَتَعَلَّقُ بِخَبَرِ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ، وَحَذْفُ كَانَ بَعْدَ لَوْ هَذِهِ كَثِيرٌ، وَيَجُوزُ أَنَّ التَّقْدِيرَ وَلَوْ تَبِيعُونَهَا بِضَفِيرٍ وَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ فِي وُجُوبِ بَيْعِهَا إِذَا زَنَتْ رَابِعَةً لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى الْحَدِّ وَهُوَ وَاجِبٌ، وَتُعُقِّبُ بِأَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِرَانِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عِنْدَ غَيْرِ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ. (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَا أَدْرِي أَبَعْدَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ هَلْ أَرَادَ أَنَّ بَيْعَهَا يَكُونُ بَعْدَ الزَّنْيَةِ (الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ) وَجَزَمَ أَبُو سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِأَنَّهُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَلَفْظُهُ: " ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ " (قَالَ مَالِكٌ: وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ) قِيلَ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ، وَقِيلَ مِنَ الشَّعْرِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي الرِّوَايَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِهِ وَهَذَا عَلَى جِهَةِ التَّزْهِيدِ فِيهَا وَلَيْسَ مِنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَحَ بِإِبْعَادِهَا، وَالنَّصِيحَةُ عَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَدْخُلُ فِيهَا الْمُشْتَرِي فَيُنْصَحُ فِي أَنْ لَا يَشْتَرِيَهَا، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ نَصِيحَةُ الْجَانِبَيْنِ وَكَيْفَ يَقَعُ الْبَيْعُ إِذَا انْتَصَحَا مَعًا؟ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُبَاعَدَةَ إِنَّمَا تَوَجَّهَتْ عَلَى الْبَائِعِ ; لِأَنَّهُ الَّذِي لُدِغَ فِيهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَمْ يُجَرِّبْ مِنْهَا سُوءًا، فَلَيْسَتْ وَظِيفَتُهُ فِي الْمُبَاعَدَةِ كَالْبَائِعِ انْتَهَى. وَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يُزَوِّجَهَا أَوْ يَعِفَّهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَصُونَهَا بِهَيْبَتِهِ أَوْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا، وَفِيهِ جَوَازُ بِيعِ الْغَبْنِ، وَإِنَّ الْمَالِكَ الصَّحِيحَ الْمِلْكِ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ مَالِهِ الْكَثِيرِ بِالتَّافِهِ الْيَسِيرِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ إِذْ عَرَفَ قَدْرَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فَخِلَافٌ، وَحُجَّةُ مَنْ أَطْلَقَ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لَبَادٍ " وَفِيهِ أَنَّ الزِّنَى عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ الرَّقِيقُ لِلْأَمْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 بِالْحَطِّ مِنْ قِيمَتِهِ إِذَا زَنَى، وَتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ لِجَوَازِ أَنَّ الْقَصْدَ الْأَمْرُ بِالْبَيْعِ وَلَوِ انْحَطَّتِ الْقِيمَةُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُتَعَلِّقًا بِأَمْرٍ وُجُودِيٍّ لَا إِخْبَارًا عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، إِذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِالْأَمْرِ مِنْ حَطِّ الْقِيمَةِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَيْعِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَفِي الْمُحَارِبِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ عَنْ يَحْيَى وَالْقَعْنَبِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يُونُسُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمَعْمَرٌ وَغَيْرُهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ نَحْوَهُ وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَهُمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا كَانَ يَقُومُ عَلَى رَقِيقِ الْخُمُسِ وَأَنَّهُ اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فَوَقَعَ بِهَا فَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَنَفَاهُ وَلَمْ يَجْلِدْ الْوَلِيدَةَ لِأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا   1565 - 1506 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا كَانَ يَقُومُ عَلَى رَقِيقِ الْخُمُسِ) بِضَمَّتَيْنِ، وَإِسْكَانُ الْمِيمِ لُغَةٌ (وَأَنَّهُ اسْتَكْرَهَ) بِسِينِ التَّأْكِيدِ أَيْ أَكْرَهَ (جَارِيَةً مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فَوَقَعَ بِهَا فَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَنَفَاهُ) لَمْ يَأْخُذْ بِهِ مَالِكٌ (وَلَمْ يَجْلِدِ الْوَلِيدَةَ) الْأَمَةَ (لِأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا) عَلَى الزِّنَى وَشَرْطُهُ الطَّوْعُ. الحديث: 1565 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ قَالَ أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَجَلَدْنَا وَلَائِدَ مِنْ وَلَائِدِ الْإِمَارَةِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ فِي الزِّنَا   1566 - 1507 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشٍ) بِشَدِّ التَّحْتِيَّةِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ (ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ) وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ (الْمَخْزُومِيُّ) الْقُرَشِيُّ صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ (قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي فِتْيَةٍ) جَمْعُ قِلَّةٍ لِفَتًى أَيْ شَبَابٍ أَحْدَاثٍ (مِنْ قُرَيْشٍ فَجَلَدْنَا وَلَائِدَ) إِمَاءً (مِنْ وَلَائِدِ الْإِمَارَةِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ) كُلُّ وَاحِدَةٍ (فِي الزِّنَى) أَيْ بِسَبَبِهِ. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَلَدَ وَلَائِدَ مِنَ الْخُمْسِ أَبْكَارًا فِي الزِّنَى، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا كُلُّهُ صَحَّ، وَأَثْبَتُ مِمَّا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ كَمْ حَدُّهَا؟ فَقَالَ: أَلْقَتْ فَرْوَتَهَا وَرَاءَ الدَّارِ، وَأَرَادَ بِالْفَرْوَةِ الْقِنَاعَ أَيْ لَيْسَ عَلَيْهَا قِنَاعٌ وَلَا حِجَابٌ لِخُرُوجِهَا إِلَى كُلِّ مَوْضِعٍ يُرْسِلُهَا أَهْلُهَا إِلَيْهِ لَا تَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ فَلِذَا لَا الحديث: 1566 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 تَكَادُ تَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنَ الْفُجُورِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، إِذْ لَا حِجَابَ لَهَا وَلَا قِنَاعَ وَإِنَّمَا عَلَيْهَا الْأَدَبُ وَتُجْلَدُ دُونَ الْحَدِّ، وَهَكَذَا قَالَ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ عَلَى الْأَمَةِ حَتَّى تَنْكِحَ، وَعَلَيْهِ تَأَوَّلُوا حَدِيثَ زَيْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَرُوِيَ الْقَوْلَانِ عَنْ أَنَسٍ وَقَدْ قُرِئَ: (فَإِذَا أَحْصَنَّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ أَسْلَمْنَ أَوْ عَفَفْنَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَمَعْنَاهُ عِنْدَ الْبَعْضِ تَزَوَّجْنَ، وَبِضَمِّهَا أَيْ أُحْصِنَّ بِالْأَزْوَاجِ أَيْ أَنَّهُمْ أَحْصَنُوهُنَّ عِنْدَ مَنْ شَرَطَهُ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ مَعْنَاهُ أُحْصِنَّ بِالْإِسْلَامِ، فَكَمَا أَنَّ الزَّوْجَ يُحْصِنُ الْأَمَةَ، فَكَذَلِكَ الْإِسْلَامُ يُحْصِنُهَا، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَدَاخِلَانِ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ انْتَهَى مُلَخَّصًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 [باب مَا جَاءَ فِي الْمُغْتَصَبَةِ] قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ تُوجَدُ حَامِلًا وَلَا زَوْجَ لَهَا فَتَقُولُ قَدْ اسْتُكْرِهْتُ أَوْ تَقُولُ تَزَوَّجْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهَا وَإِنَّهَا يُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا عَلَى مَا ادَّعَتْ مِنْ النِّكَاحِ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا اسْتُكْرِهَتْ أَوْ جَاءَتْ تَدْمَى إِنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ اسْتَغَاثَتْ حَتَّى أُتِيَتْ وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي تَبْلُغُ فِيهِ فَضِيحَةَ نَفْسِهَا قَالَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا مَا ادَّعَتْ مِنْ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَالْمُغْتَصَبَةُ لَا تَنْكِحُ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ قَالَ فَإِنْ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا فَلَا تَنْكِحُ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ   4 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُغْتَصَبَةِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ تُوجَدُ حَامِلًا وَلَا زَوْجَ لَهَا، فَتَقُولُ: قَدِ اسْتُكْرِهْتُ) أَيْ أُكْرِهْتُ عَلَى الزِّنَى (أَوْ تَقُولُ: تَزَوَّجْتُ) وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ (أَنَّ ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ مِنْ دَعْوَى الْإِكْرَاهِ وَالتَّزَوُّجِ (لَا يُقْبَلُ مِنْهَا وَإِنَّهَا يُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا عَلَى مَا ادَّعَتْ مِنَ النِّكَاحِ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا اسْتُكْرِهَتْ) بَيِّنَةٌ (أَوْ) كَمَا إِذَا (جَاءَتْ تَدْمَى) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ (إِنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوِ اسْتَغَاثَتْ حَتَّى أُتِيَتْ) أَيْ أَتَاهَا مَنْ يُغِيثُهَا (وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي تَبْلُغُ فِيهِ فَضِيحَةَ نَفْسِهَا) وَفِي نُسْخَةٍ لَا تَبْلُغُ وَهِيَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا بِتَقْدِيرِ لَا تَبْلُغُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ عِظَمِ مَا دَهَاهَا. (فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا مَا ادَّعَتْ مِنْ ذَلِكَ) بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا قَرِينَةٍ. (وَالْمُغْتَصَبَةُ لَا تَنْكِحُ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ) إِنْ كَانَتْ حُرَّةً ; لِأَنَّ اسْتِبْرَاءَهَا كَعِدَّتِهَا. (فَإِنِ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا) بِارْتِفَاعِهَا (فَلَا تَنْكِحُ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ) بِزَوَالِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 [باب الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ وَالنَّفْيِ وَالتَّعْرِيضِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ قَالَ جَلَدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ ثَمَانِينَ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ فَسَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَدْرَكْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَالْخُلَفَاءَ هَلُمَّ جَرًّا فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا جَلَدَ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ   5 - بَابُ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ وَالنَّفْيِ وَالتَّعْرِيضِ 1567 - 1508 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (أَنَّهُ قَالَ جَلَدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ قَذْفٍ (ثَمَانِينَ) حَمْلًا لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] (سورة النُّورِ: الْآيَةُ 4) عَلَى عُمُومِهِ إِذْ لَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ (قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: فَسَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) الْعَدَوِيَّ مَوْلَاهُمُ الْعَنْزِيَّ وُلِدَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ (عَنْ ذَلِكَ) الْفِعْلِ لِإِشْكَالِهِ إِذِ الْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْحُرِّ (فَقَالَ: أَدْرَكْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَالْخُلَفَاءَ هَلُمَّ جَرًّا) أَيْ بَعْدَهُمَا (فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا) مِنْهُمْ (جَلَدَ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ خَصَّصُوا الْآيَةَ بِالْأَحْرَارِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 25) وَالْعَبْدُ فِي مَعْنَى الْأَمَةِ بِجَامِعِ الرِّقِّ. الحديث: 1567 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ الْأَيْلِيِّ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مِصْبَاحٌ اسْتَعَانَ ابْنًا لَهُ فَكَأَنَّهُ اسْتَبْطَأَهُ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ لَهُ يَا زَانٍ قَالَ زُرَيْقٌ فَاسْتَعْدَانِي عَلَيْهِ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَجْلِدَهُ قَالَ ابْنُهُ وَاللَّهِ لَئِنْ جَلَدْتَهُ لَأَبُوءَنَّ عَلَى نَفْسِي بِالزِّنَا فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ أَشْكَلَ عَلَيَّ أَمْرُهُ فَكَتَبْتُ فِيهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ الْوَالِي يَوْمَئِذٍ أَذْكُرُ لَهُ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ أَنْ أَجِزْ عَفْوَهُ قَالَ زُرَيْقٌ وَكَتَبْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيْضًا أَرَأَيْتَ رَجُلًا افْتُرِيَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَبَوَيْهِ وَقَدْ هَلَكَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَالَ فَكَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ إِنْ عَفَا فَأَجِزْ عَفْوَهُ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ افْتُرِيَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَقَدْ هَلَكَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَخُذْ لَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ سِتْرًا قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ الْمُفْتَرَى عَلَيْهِ يَخَافُ إِنْ كُشِفَ ذَلِكَ مِنْهُ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَإِذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْتُ فَعَفَا جَازَ عَفْوُهُ   1568 - 1509 - (مَالِكٌ عَنْ رُزَيْقٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَقَافٍ وَيُقَالُ فِيهِ زُرَيْقٌ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ (ابْنِ حَكِيمٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ مُصَغَّرٌ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا مُكَبِّرًا (الْأَيْلِيِّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ ثِقَةٌ (أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مِصْبَاحٌ اسْتَعَانَ ابْنًا لَهُ) فِي شَيْءٍ (فَكَأَنَّهُ اسْتَبْطَأَهُ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ لَهُ يَا زَانٍ فَقَالَ زُرَيْقٌ فَاسْتَعْدَانِي) طَلَبَ تَقْوِيَتِي وَنَصْرَهُ (عَلَيْهِ فَلَمَّا أَنْ أَرَدْتُ أَنْ أَجْلِدَهُ) الْحَدَّ (قَالَ ابْنُهُ: وَاللَّهِ لَئِنْ جَلَدْتَهُ لِأَبُوأَنَّ) لَأَرْجِعَنَّ بِمَعْنَى لَأُقِرَّنَّ (عَلَى نَفْسِي الحديث: 1568 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 بِالزِّنَى فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ أَشْكَلَ عَلَيَّ أَمْرُهُ، فَكَتَبْتُ فِيهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ الْوَالِي يَوْمَئِذٍ) بِالْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَمِّهِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَالِي الْخَلِيفَةَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ وَقَعَ فِي زَمَنِ خِلَافَتِهِ (أَذْكُرُ لَهُ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَهُ مِصْبَاحٌ وَابْنُهُ (فَكَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ أَنْ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (أَجِزْ) بِالْجِيمِ وَالزَّايِ أَمْضِ (عَفْوَهُ) عَنْ أَبِيهِ (قَالَ زُرَيْقٌ وَكَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيْضًا أَرَأَيْتَ رَجُلًا) أَيْ أَخْبِرْنِي عَنِ الْحُكْمِ فِي رَجُلٍ (افْتُرِيَ) بِضَمِّ الْأَلْفِ مَبْنِيٍّ لِلْمَفْعُولِ (عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَبَوَيْهِ وَقَدْ هَلَكَا) مَاتَا مَعًا (أَوْ أَحَدُهُمَا قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ إِنْ عَفَا فَأَجِزْ عَفْوَهُ فِي) حَقِّ (نَفْسِهِ وَإِنِ افْتَرَى عَلَى أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَقَدْ هَلَكَا فَخُذْ لَهُ) لِلْهَالِكِ الْمُتَعَدِّدِ أَوِ الْمُتَّحِدِ (بِكِتَابِ اللَّهِ) أَيْ قَوْلِهِ: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] (سورة النُّورِ: الْآيَةُ 24) (إِلَّا أَنْ يُرِيدَ) الِابْنُ (سِتْرًا) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) أَيْ إِرَادَةُ السَّتْرِ (أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ الْمُفْتَرَى عَلَيْهِ يَخَافُ إِنْ كَشَفَ ذَلِكَ مِنْهُ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) بِمَا رُمِيَ بِهِ (فَإِذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْتُ) بِضَمِّ التَّاءِ (فَعَفَا جَازَ عَفْوُهُ) وَلَوْ بَلَغَ الْحَاكِمَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَذَفَ قَوْمًا جَمَاعَةً أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ تَفَرَّقُوا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ   1569 - 1510 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَذَفَ قَوْمَا جَمَاعَةً) أَيْ مُجْتَمِعِينَ بِأَنْ قَالَ لَهُمْ: يَا زُنَاةُ أَوْ أَنْتُمْ زُنَاةٌ مَثَلًا (أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ) لِلْجَمِيعِ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَفَرَّقُوا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ. الحديث: 1569 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اسْتَبَّا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ وَاللَّهِ مَا أَبِي بِزَانٍ وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ قَائِلٌ مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَقَالَ آخَرُونَ قَدْ كَانَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَدْحٌ غَيْرُ هَذَا نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ الْحَدَّ فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ ثَمَانِينَ قَالَ مَالِكٌ لَا حَدَّ عِنْدَنَا إِلَّا فِي نَفْيٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ تَعْرِيضٍ يُرَى أَنَّ قَائِلَهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيًا أَوْ قَذْفًا فَعَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْحَدُّ تَامًّا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إِذَا نَفَى رَجُلٌ رَجُلًا مِنْ أَبِيهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الَّذِي نُفِيَ مَمْلُوكَةً فَإِنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ   1569 - 1511 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ) بِجِيمٍ (مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ) بِمُهْمَلَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ (ابْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْجِيمِ الثَّقِيلَةِ بَطْنٍ مِنَ الْخَزْرَجِ قَالَ فِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ " (عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ (أَنَّ رَجُلَيْنِ) لَمْ يُسَمَّيَا (اسْتَبَّا فِي زَمَنِ) خِلَافَةِ (عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: وَاللَّهِ مَا أَبِي بِزَانٍ وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ) الْعُلَمَاءَ (فَقَالَ قَائِلٌ: مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْ كَانَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَدْحٌ غَيْرُ هَذَا) فَعُدُولُهُ إِلَى هَذَا فِي مَقَامِ الِاسْتِبَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَرَّضَ بِالْقَذْفِ الْمُخَاطَبَةَ فَلِذَا (نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ الْحَدَّ فَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْحَدَّ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) لِأَنَّهُ وَافَقَ رَأْيُهُ اجْتِهَادَهُمْ لَا تَقْلِيدًا لَهُمْ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا حَدَّ عِنْدِنَا إِلَّا فِي نَفْيٍ) عَنْ أَبٍ لِثَابِتِ نَسَبِهِ (أَوْ قَذْفٍ) رَمْيٍ بِالزِّنَى وَنَحْوَهُ صَرِيحٌ (أَوْ تَعْرِيضٍ يُرَى أَنَّ قَائِلَهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيًا أَوْ قَذْفًا، فَعَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْحَدُّ تَامًّا) كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ دُونَ إِنْكَارٍ (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إِذَا نَفَى) رَجُلٌ (رَجُلًا مِنْ أَبِيهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الَّذِي نُفِيَ مَمْلُوكَةً فَإِنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْأَبِ وَهُوَ ثَابِتٌ نَسَبُهُ لَهُ وَإِنَّ أُمَّهُ أَمَةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 [باب مَا لَا حَدَّ فِيهِ] قَالَ مَالِكٌ إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الْأَمَةِ يَقَعُ بِهَا الرَّجُلُ وَلَهُ فِيهَا شِرْكٌ أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَأَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ حِينَ حَمَلَتْ فَيُعْطَى شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ مِنْ الثَّمَنِ وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُحِلُّ لِلرَّجُلِ جَارِيَتَهُ إِنَّهُ إِنْ أَصَابَهَا الَّذِي أُحِلَّتْ لَهُ قُوِّمَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ أَصَابَهَا حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ وَدُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ بِذَلِكَ فَإِنْ حَمَلَتْ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةِ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ أَنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَتُقَامُ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ   6 - بَابُ مَا لَا حَدَّ فِيهِ 1571 - 1512 - (مَالِكٌ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الْأَمَةِ يَقَعُ بِهَا الرَّجُلُ) أَيْ يَطَؤُهَا (وَلَهُ فِيهَا شِرْكٌ أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) لِمَا لَهُ فِيهَا مِنَ الْمِلْكِ. (وَأَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَتُقَامُ) وَفِي نُسْخَةٍ وَتَتَقَوَّمُ (عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ حِينَ حَمَلَتْ فَيُعْطَى شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ مِنَ الثَّمَنِ وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لَهُ) كُلُّهَا (وَعَلَى هَذَا الْأَمْرِ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُحِلُّ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (لِلرَّجُلِ جَارِيَتَهُ إِنَّهُ) بِالْكَسْرِ (إِنْ أَصَابَهَا) جَامَعَهَا (الَّذِي أُحِلَّتْ لَهُ قُوِّمَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ أَصَابَهَا حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ) حَتَّى لَا يَتِمَّ مَا أَرَادَهُ مِنَ التَّحْلِيلِ (وَدُرِئَ) دُفِعَ (عَنْهُ الْحَدُّ بِذَلِكَ) لِلشُّبْهَةِ (فَإِنْ حَمَلَتْ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ) لِلْقَاعِدَةِ إِنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ يَدْرَأُ الْحَدَّ وَيُلْحِقُ الْوَلَدَ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةِ ابْنِهِ أَوِ ابْنَتِهِ أَنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ) لِمَا لَهُ فِي مَالِهِ مِنَ الشُّبْهَةِ لِخَبَرِ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ. (وَتُقَامُ) أَيْ تُقَوَّمُ عَلَيْهِ (الْجَارِيَةُ حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ) وَيُؤَدَّبُ. الحديث: 1571 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ خَرَجَ بِجَارِيَةٍ لِامْرَأَتِهِ مَعَهُ فِي سَفَرٍ فَأَصَابَهَا فَغَارَتْ امْرَأَتُهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ وَهَبَتْهَا لِي فَقَالَ عُمَرُ لَتَأْتِينِي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ لَأَرْمِيَنَّكَ بِالْحِجَارَةِ قَالَ فَاعْتَرَفَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهَا وَهَبَتْهَا لَهُ   (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ خَرَجَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 بِجَارِيَةٍ لِامْرَأَتِهِ مَعَهُ فِي سَفَرٍ فَأَصَابَهَا) جَامَعَهَا (فَغَارَتِ امْرَأَتُهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُ) أَيِ الرَّجُلَ (عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ) الَّذِي قَالَتْهُ امْرَأَتُهُ (فَقَالَ: وَهَبَتْهَا لِي، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَتَأْتِيَنِي بِالْبَيِّنَةِ) أَنَّهَا وَهَبَتْهَا لَكَ (أَوْ لَأَرْمِيَنَّكَ بِالْحِجَارَةِ) إِذْ لَا شُبْهَةَ لَكَ فِي مَالِ امْرَأَتِكَ. (قَالَ) رَبِيعَةُ (فَاعْتَرَفَتِ امْرَأَتُهُ أَنَّهَا وَهَبَتْهَا لَهُ) فَلَمْ يَرْجُمْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 [باب مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ»   7 - مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ 1572 - 1513 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ) يَدَ سَارِقٍ فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ أَيْ أَمَرَ بِقَطْعِهِ (فِي) سَبَبِيَّةٌ (مِجَنٍّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَشَدِّ النُّونِ مِفَعْلٍ مِنْ الِاجْتِنَانِ وَهُوَ الِاسْتِتَارُ وَالِاخْتِفَاءُ مِمَّا يُحَاذِرُهُ الْمُسْتَتِرُ وَكُسِرَتْ مِيمُهُ لِأَنَّهُ آلَةٌ. قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: وَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْتُ أَتَّقِي ... ثَلَاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ وَمُعْصِرُ وَحُذِفَ الْهَاءُ مِنْ ثَلَاثَةٍ مَعَ أَنَّهُ عَدَدُ شُخُوصٍ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ أَرَادَ شُخُوصَ الْمَرْأَةِ فَأَنَّثَ الْعَدَدَ لِذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ اسْتَتَرَ نِسْوَةٌ عَنْ أَعْيُنِ الرُّقَبَاءِ، وَاسْتَظْهَرَ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّصِ مِنْهُمْ بِهِنَّ، وَالْكَاعِبُ الَّتِي نَهَدَ ثَدْيُهَا، وَالْمُعْصِرُ الدَّاخِلَةُ فِي عَصْرِ شَبَابِهَا (ثَمَنُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) فِضَّةً هَكَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ عَنْ نَافِعٍ (ثَمَنُهُ) ، وَرَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْهُ بِلَفْظِ (قِيمَتُهُ) وَهُوَ الْمُرَادُ بِالثَّمَنِ هُنَا، وَأَصْلُ الثَّمَنِ مَا يُقَابَلُ بِهِ الشَّيْءُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَأُطْلِقَ عَلَى الْقِيمَةِ ثَمَنًا مَجَازًا أَوْ لِتَسَاوِيهِمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ فِي ظَنِّ الرَّاوِي أَوْ بِاعْتِبَارِ الْغَلَبَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعُهُ جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، كُلُّهُمْ بِلَفْظِ (ثَمَنُهُ) ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ الحديث: 1572 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 بِلَفْظِ (قِيمَتُهُ) كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ وَلَا فِي حَرِيسَةِ جَبَلٍ فَإِذَا آوَاهُ الْمُرَاحُ أَوْ الْجَرِينُ فَالْقَطْعُ فِيمَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْمِجَنِّ»   1573 - 1514 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ) ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ (الْمَكِّيِّ) النَّوْفَلِيِّ ثِقَةٌ عَالِمٌ بِالْمَنَاسِكِ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ تَخْتَلِفْ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ فِي إِرْسَالِهِ، وَيَتَّصِلُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ (مُعَلَّقٍ) بِالْخَلِّ وَالشَّجَرِ قَبْلَ أَنْ يُجَذَّ وَيُحْرَزَ. (وَلَا فِي حَرِيسَةِ جَبَلٍ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: أَيْ لَيْسَ فِيمَا يُحْرَسُ بِالْجَبَلِ إِذَا سُرِقَ قَطْعٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحِرْزٍ، وَحَرِيسَةٌ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ أَنَّ لَهَا مَنْ يَحْرُسُهَا وَيَحْفَظُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْحَرِيسَةَ السَّرِقَةَ نَفْسَهَا أَيْ لَيْسَ فِيمَا يُسْرَقُ مِنَ الْمَاشِيَةِ بِالْجَبَلِ قَطْعٌ. (فَإِذَا آوَاهُ الْمُرَاحُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَوْضِعُ مَبِيتِ الْغَنَمِ (أَوِ الْجَرِينِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ لِمَوْضِعٍ يُجَفَّفُ فِيهِ الثِّمَارُ، وَالْجَمْعُ جُرُنٌ كَبَرِيدٍ وَبُرُدٍ فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ. (فَالْقَطْعُ فِيمَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْمِجَنِّ) ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَالَةَ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْقَطْعُ، وَهِيَ حَالَةُ كَوْنِ الْمَالِ فِي حِرْزِهِ فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ إِجْمَاعًا إِلَّا مَا شَذَّ بِهِ الْحَسَنُ وَالظَّاهِرِيَّةُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مُحْرَزًا بِحِرْزٍ مِثْلِهِ مَمْنُوعًا مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ بِمَانِعٍ، خِلَافًا لِقَوْلِ الظَّاهِرِيَّةِ لَا قَطْعَ فِي كُلِّ فَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ وَلَوْ بِحِرْزِهَا، وَقَاسُوا عَلَى ذَلِكَ الْأَطْعِمَةَ الرَّطْبَةَ الَّتِي لَا تُدَّخَرُ، قَالَ: وَلَيْسَ مَقْصُودُ الْحَدِيثِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَإِذَا آوَاهُ. . . . إِلَخْ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ فِي غَيْرِ حِرْزٍ لَهُ. الحديث: 1573 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ أُتْرُجَّةً فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَنْ تُقَوَّمَ فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ   1574 - 1515 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي بَكْرٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ سِوَاهُ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ابْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ (أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ فِي زَمَانِ) أَيْ خِلَافَةِ (عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أُتْرُنْجَةً) وَاحِدُ تُرُنْجٍ فِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَاللُّغَةُ الصَّحِيحَةُ أُتْرُجٌّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ الْجِيمِ، الْوَاحِدَةُ أُتْرُجَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الحديث: 1574 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 الْفُصَحَاءُ وَارْتَضَاهُ النَّحْوِيُّونَ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ (فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ أَنْ تَقُومَ) لِيَنْظُرَ هَلْ تَبْلُغُ النِّصَابَ (فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ) أَيْ أَمَرَ بِقَطْعِهَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَانَتْ تِلْكَ الْأُتْرُجَّةُ تُؤْكَلُ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ لَمَا قَوَّمَهَا عُثْمَانُ أَيْ لِأَنَّ الذَّهَبَ لَا يُقَوَّمُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ وَزْنُهُ ; لِأَنَّهُ أَصْلُ الْأَثْمَانِ وَقَيِّمُ الْمُتْلَفَاتِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا طَالَ عَلَيَّ وَمَا نَسِيتُ الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا   1575 - 1516 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَمْرَةَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْمَدَنِيَّةِ الْأَنْصَارِيَّةِ (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا طَالَ عَلَيَّ) أَيِ الزَّمَانُ (وَمَا) وَفِي نُسْخَةٍ وَلَا (نَسِيتُ) حُكْمَ مَا يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ وَهُوَ (الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا) مِنَ الذَّهَبِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْوَقْفُ، لَكِنَّهُ مُشْعِرٌ بِالرَّفْعِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ". الحديث: 1575 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَمَعَهَا مَوْلَاتَانِ لَهَا وَمَعَهَا غُلَامٌ لِبَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَبَعَثَتْ مَعَ الْمَوْلَاتَيْنِ بِبُرْدٍ مُرَجَّلٍ قَدْ خِيطَ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ خَضْرَاءُ قَالَتْ فَأَخَذَ الْغُلَامُ الْبُرْدَ فَفَتَقَ عَنْهُ فَاسْتَخْرَجَهُ وَجَعَلَ مَكَانَهُ لِبْدًا أَوْ فَرْوَةً وَخَاطَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَوْلَاتَانِ الْمَدِينَةَ دَفَعَتَا ذَلِكَ إِلَى أَهْلِهِ فَلَمَّا فَتَقُوا عَنْهُ وَجَدُوا فِيهِ اللِّبْدَ وَلَمْ يَجِدُوا الْبُرْدَ فَكَلَّمُوا الْمَرْأَتَيْنِ فَكَلَّمَتَا عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَتَبَتَا إِلَيْهَا وَاتَّهَمَتَا الْعَبْدَ فَسُئِلَ الْعَبْدُ عَنْ ذَلِكَ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَقَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إِلَيَّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَإِنْ ارْتَفَعَ الصَّرْفُ أَوْ اتَّضَعَ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَطَعَ فِي أُتْرُجَّةٍ قُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ   1576 - 1517 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ نَسَبُهُ لِجَدِّهِ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ) فِي نُسُكٍ (وَمَعَهَا مَوْلَاتَانِ لَهَا وَمَعَهَا غُلَامٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ أَحَدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ (لِبَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (فَبَعَثَتْ مَعَ الْمَوْلَاتَيْنِ بِبُرْدٍ مُرَجَّلٍ) بِالْجِيمِ وَالْحَاءِ أَيْ عَلَيْهِ تَصَاوِيرُ الرِّجَالِ أَوِ الرِّحَالِ كَمَا أَفَادَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ، وَمَنْعُ تَصْوِيرِ الْحَيَوَانِ إِنَّمَا هُوَ إِذَا تَمَّ تَصْوِيرُهُ وَكَانَ لَهُ ظِلٌّ دَائِمٌ، وَهَذَا مُجَرَّدُ وَشْيٍ فِي الْبُرْدِ لَا ظِلَّ لَهُ وَلَيْسَ بِتَامٍّ (قَدْ الحديث: 1576 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 خِيطَ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ خَضْرَاءُ قَالَتْ: فَأَخَذَ الْغُلَامُ الْبُرْدَ فَفَتَقَ عَنْهُ) نَقَضَ خِيَاطَتَهُ (فَاسْتَخْرَجَهُ وَجَعَلَ مَكَانَهُ لِبْدًا) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مَا يَتَلَبَّدُ مِنْ شَعْرٍ أَوْ صُوفٍ (أَوْ فَرْوَةً) بِالْهَاءِ وَيُقَالُ أَيْضًا بِحَذْفِهَا مَا يُلْبَسُ مِنْ جِلْدِ الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا شَكَّ الرَّاوِي (وَخَاطَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَتَا) بِالْأَلِفِ عَلَى لُغَةٍ (الْمَوْلَاتَانِ الْمَدِينَةَ دَفَعَتَا ذَلِكَ إِلَى أَهْلِهِ فَلَمَّا فَتَقُوا عَنْهُ وَجَدُوا فِيهِ اللِّبْدَ وَلَمْ يَجِدُوا الْبُرْدَ فَكَلَّمُوا الْمَرْأَتَيْنِ) أَيِ الْمَوْلَاتَيْنِ (فَكَلَّمَتَا عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَتَبَتَا إِلَيْهَا) شَكَّ الرَّاوِي (وَاتَّهَمَتَا) أَيِ الْمَرْأَتَانِ (الْعَبْدَ فَسُئِلَ الْعَبْدُ عَنْ ذَلِكَ فَاعْتَرَفَ) بِأَنَّهُ سَرَقَهُ (فَأَمَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا) مِنَ الذَّهَبِ (قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ) لِلسَّارِقِ (إِلَيَّ) أَيْ عِنْدِي (ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) مِنَ الْفِضَّةِ (وَإِنِ ارْتَفَعَ) زَادَ (الصَّرْفُ أَوِ اتَّضَعَ) نَقَصَ (وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي) سَرِقَةِ (مِجَنٍّ) حُجْفَةٍ أَيْ تُرْسٍ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) أَيْ قِيمَتُهُ. (وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَطَعَ فِي أُتْرُجَّةٍ) الْفَاكِهَةِ الْمَأْكُولَةِ (قَوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ) فِضَّةً وَكَانَ الْأُتْرُجُّ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ غَالِيًا (وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) يَقْتَضِي أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَهُ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي قَدْرِ مَا يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ فَقِيلَ فِيمَا كَثُرَ وَقَلَّ تَافِهًا أَوْ غَيْرَهُ، وَقِيلَ إِلَّا فِي التَّافِهِ، وَقِيلَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَقِيلَ دِرْهَمَانِ، وَقِيلَ مَا زَادَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَبْلُغْ ثَلَاثَةً، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَيُقَوَّمُ مَا عَدَاهَا بِهَا، وَقِيلَ إِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ ذَهَبًا فَرُبُعُ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ وَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ نِصْفَ دِينَارٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ إِذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ غَيْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَالْقَطْعُ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ أَحَدَهُمَا، وَقِيلَ رُبُعُ دِينَارٍ أَوْ مَا بَلَغَ قِيمَتَهُ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ عَرَضٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ مَا بَلَغَ قِيمَتَهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ عَرَضٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 [باب مَا جَاءَ فِي قَطْعِ الْآبِقِ وَالسَّارِقِ] حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَرَقَ وَهُوَ آبِقٌ فَأَرْسَلَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ لِيَقْطَعَ يَدَهُ فَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ وَقَالَ لَا تُقْطَعُ يَدُ الْآبِقِ السَّارِقِ إِذَا سَرَقَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدْتَ هَذَا ثُمَّ أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ   8 - بَابُ مَا جَاءَ فِي قَطْعِ الْآبِقِ وَالسَّارِقِ 1577 - 1518 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا) لَمْ يُسَمَّ (لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (سَرَقَ وَهُوَ آبِقٌ فَأَرْسَلَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي) ابْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي بْنِ أُمَيَّةَ الْقُرَشِيِّ الْأُمَوِيِّ لَهُ صُحْبَةٌ وَكَانَ سِنُّهُ يَوْمَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ سِنِينَ، وَقُتِلَ أَبُوهُ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا، وَكَانَ سَعِيدٌ فَصِيحًا مَشْهُورًا بِالْكَرَمِ فَلَمَّا مَاتَ فِي قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ كَانَ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ أَلْفَ دِينَارٍ فَوَفَّاهَا عَنْهُ وَلَدُهُ عَمْرُو الْأَشْدَقُ (وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ) مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ عَاتَبَهُ عَلَى تَخَلُّفِهِ عَنْهُ فِي حُرُوبِهِ فَاعْتَذَرَ ثُمَّ وَلَّاهُ الْمَدِينَةَ فَكَانَ يُعَاقِبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَرْوَانَ فِي وِلَايَتِهَا (لِيَقْطَعَ يَدَهُ فَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ وَقَالَ: لَا تُقْطَعُ يَدُ الْآبِقِ إِذَا سَرَقَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) مُنْكِرًا عَلَيْهِ (فِي أَيِّ) آيَةٍ مِنْ (كِتَابِ اللَّهِ وَجَدْتَ هَذَا) الَّذِي تَقُولَهُ (ثُمَّ أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ) لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ. الحديث: 1577 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَخَذَ عَبْدًا آبِقًا قَدْ سَرَقَ قَالَ فَأَشْكَلَ عَلَيَّ أَمْرُهُ قَالَ فَكَتَبْتُ فِيهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْوَالِي يَوْمَئِذٍ قَالَ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّنِي كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إِذَا سَرَقَ وَهُوَ آبِقٌ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ قَالَ فَكَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَقِيضَ كِتَابِي يَقُولُ كَتَبْتَ إِلَيَّ أَنَّكَ كُنْتَ تَسْمَعُ أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إِذَا سَرَقَ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38] فَإِنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا فَاقْطَعْ يَدَهُ   1578 - 1519 - (مَالِكٌ عَنْ رُزَيْقٍ) بِالتَّصْغِيرِ وَتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ وَعَكْسِهِ (ابْنِ حَكِيمٍ) مُصَغَّرٌ وَقِيلَ مُكَبَّرٌ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَخَذَ عَبْدًا آبِقًا قَدْ سَرَقَ قَالَ: فَأَشْكَلَ عَلَيَّ أَمْرُهُ، قَالَ: فَكَتَبْتُ فِيهِ إِلَى عُمَرَبْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْوَالِي يَوْمَئِذٍ) عَلَى النَّاسِ (وَ) كَتَبْتُ إِلَيْهِ (أُخْبِرُهُ أَنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إِذَا سَرَقَ وَهُوَ آبِقٌ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ) وَكَأَنَّ الحديث: 1578 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 شُبْهَةَ قَائِلِ ذَلِكَ أَنَّ الْآبِقَ يَجُوعُ غَالِبًا وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقٍ زَمَنَ الْمَجَاعَةِ. (قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَقِيضَ كِتَابِي) أَيْ إِبْطَالَهُ، يُقَالُ: تَنَاقَضَ الْكَلَامَانِ تَدَافَعَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ نَقْضَ الْآخَرِ، وَفِي كَلَامِهِ تَنَاقُضٌ إِذَا كَانَ بَعْضُهُ يَقْتَضِي إِبْطَالَ بَعْضٍ (يَقُولُ: كَتَبْتَ إِلَيَّ أَنَّكَ كُنْتَ تَسْمَعُ أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إِذَا سَرَقَ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ) فَكَيْفَ تَعْتَمِدُ عَلَى سَمَاعٍ مُخَالِفٍ لِلنَّصِّ (وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) ارْتَفَعَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمُ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ أَوِ الْخَبَرُ (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) أَيْ يَدَيْهُمَا. وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَاتُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِهِمَا مَعْنَى الشَّرْطِ إِذِ الْمَعْنَى: وَالَّذِي سَرَقَ وَالَّتِي سَرَقَتْ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا، وَالِاسْمُ الْمَوْصُولُ مُضَمَّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَبَدَأَ بِالرَّجُلِ لِأَنَّ السَّرِقَةَ مِنَ الْجَرَاءَةِ وَهِيَ فِي الرِّجَالِ أَكْثَرُ، وَقُدِّمَتِ الزَّانِيَةُ عَلَى الزَّانِي لِأَنَّ دَاعِيَةَ الزِّنَى فِي الْإِنَاثِ أَكْثَرُ وَلِأَنَّ الْأُنْثَى سَبَبٌ فِي وُقُوعِ الزِّنَى ; لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى غَالِبًا إِلَّا بِطَوْعِهَا، وَأَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ ثُمَّ التَّثْنِيَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ السَّارِقِ فَلُوحِظَ فِيهِ الْمَعْنَى فَجُمِعَ وَالتَّثْنِيَةُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْجِنْسَيْنِ الْمُتَلَفَّظِ بِهِمَا (جَزَاءً) نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ (بِمَا كَسَبَا نَكَالًا) عُقُوبَةً لَهُمَا (مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ) غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ (حَكِيمٌ) فِي خَلْقِهِ (فَإِنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ) أَيِ الْآبِقِ (رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ (فَاقْطَعْ يَدَهُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمُفَسِّرُ: أَوَّلُ مَنْ حَكَمَ بِقَطْعِ السَّارِقِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَطْعِهِ فِي الْإِسْلَامِ فَكَانَ أَوَّلُ سَارِقٍ قَطَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرِّجَالِ الْجَبَّارَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَمِنَ النِّسَاءِ فَاطِمَةُ الْمَخْزُومِيَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا سَرَقَ الْعَبْدُ الْآبِقُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قُطِعَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إِذَا سَرَقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قُطِعَ   1578 - 1520 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عُمَرَ (وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ) وَالثَّلَاثَةُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ (كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا سَرَقَ الْعَبْدُ الْآبِقُ مَا يَجِبُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 فِيهِ الْقَطْعُ قُطِعَ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) أَيْ قَطْعُ الْآبِقُ (الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إِذَا سَرَقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ) بِسَرِقَةِ رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ مُقَوَّمٍ بِهَا (قُطِعَ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 [باب تَرْكِ الشَّفَاعَةِ لِلسَّارِقِ إِذَا بَلَغَ السُّلْطَانَ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قِيلَ لَهُ إِنَّهُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ فَقَدِمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَدِينَةَ فَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَخَذَ صَفْوَانُ السَّارِقَ فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ إِنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ»   9 - بَابُ تَرْكِ الشَّفَاعَةِ لِلسَّارِقِ إِذَا بَلَغَ السُّلْطَانَ 1579 - 1521 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ) بْنِ أُمَيَّةَ الْأُمَوِيِّ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَاهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ مَالِكٍ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ وَحْدَهُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَدِّهِ فَوَصَلَهُ، وَرَوَاهُ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ) بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ قُدَامَةَ بْنِ جُمَحٍ الْقُرَشِيَّ الْمَكِّيَّ صَحَابِيٌّ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ، مَاتَ أَيَّامَ قَتْلِ عُثْمَانَ، وَقِيلَ سَنَةَ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ (قِيلَ لَهُ إِنَّهُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ) وَكَأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ " وَفِي رِوَايَةٍ أَخْرَجَهَا أَبُو عُمَرَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ قَدْ هَاجَرَ فَقَالَ: لَا أَنْزِلُ مَنْزِلِي حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَدِمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَدِينَةَ فَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ) النَّبَوِيِّ (وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ) جَعَلَهُ وِسَادَةً تَحْتَ رَأْسِهِ (فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَخَذَ صَفْوَانُ السَّارِقَ فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فَقَالَ صَفْوَانُ: لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ) وَإِنَّمَا أَرَدْتُ تَأْدِيبَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ) الحديث: 1579 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 مِنِّي كَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْقَطْعَ مَوْكُولٌ إِلَى إِرَادَتِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهَلَّا) بِشَدِّ اللَّامِ (قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ) فَإِنَّ الْحُدُودَ إِذَا انْتَهَتْ إِلَيَّ فَلَيْسَ لَهَا مَتْرَكٌ، كَمَا زَادَهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ. وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَطْعِ سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنَ الْمَفْصِلِ " أَيْ مَفْصِلِ الْكُوعِ. وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ صَفْوَانَ قَالَ: " كُنْتُ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى خَمِيصَةٍ لِي، ثَمَنُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَجَاءَ رَجُلٌ فَاخْتَلَسَهَا مِنِّي، فَأَخَذَ الرَّجُلَ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ فَقُلْتُ لَهُ: أَتَقْطَعُهُ مِنْ أَجْلِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا أَنَا أُمَتِّعُهُ ثَمَنَهَا، فَقَالَ: فَهَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ لَقِيَ رَجُلًا قَدْ أَخَذَ سَارِقًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ فَقَالَ لَا حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ السُّلْطَانَ فَقَالَ الزُّبَيْرُ إِذَا بَلَغْتَ بِهِ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ   1580 - 1522 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فَرُّوخٍ الْمَدَنِيِّ (أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ لَقِيَ رَجُلًا قَدْ أَخَذَ سَارِقًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ) يُطْلِقَهُ وَلَا يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ (فَقَالَ لَا حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ السُّلْطَانَ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِذَا بَلَغْتَ بِهِ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ) عِنْدَهُ (وَالْمُشَفِّعَ) بِكَسْرِ الْفَاءِ شَدِيدَةٍ أَيْ قَابِلَ شَفَاعَتِهِ وَهُوَ السُّلْطَانُ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا: " اشْفَعُوا مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْوَالِي فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْوَالِي فَعَفَا فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي ذَوِي الذُّنُوبِ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ مَا لَمْ تَبْلُغِ السُّلْطَانَ، وَأَنَّ عَلَيْهِ إِذَا بَلَغَتْهُ إِقَامَتَهَا. الحديث: 1580 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 [باب جَامِعِ الْقَطْعِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدِمَ فَنَزَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَشَكَا إِلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ قَدْ ظَلَمَهُ فَكَانَ يُصَلِّ مِنْ اللَّيْلِ فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبِيكَ مَا لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ ثُمَّ إِنَّهُمْ فَقَدُوا عِقْدًا لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَطُوفُ مَعَهُمْ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ بَيَّتَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ فَوَجَدُوا الْحُلِيَّ عِنْدَ صَائِغٍ زَعَمَ أَنَّ الْأَقْطَعَ جَاءَهُ بِهِ فَاعْتَرَفَ بِهِ الْأَقْطَعُ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لَدُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَشَدُّ عِنْدِي عَلَيْهِ مِنْ سَرِقَتِهِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَسْرِقُ مِرَارًا ثُمَّ يُسْتَعْدَى عَلَيْهِ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ لِجَمِيعِ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنْ كَانَ قَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَرَقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قُطِعَ أَيْضًا   10 - بَابُ جَامِعِ الْقَطْعِ 1581 - 1523 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ (عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا الحديث: 1581 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ) لَمْ يُسَمَّ (أَقْطَعَ الْيَدِ) الْيُمْنَى (وَالرِّجْلِ) الْيُسْرَى فِي السَّرِقَةِ (قَدِمَ) الْمَدِينَةَ (فَنَزَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) فِي خِلَافَتِهِ (فَشَكَى إِلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ قَدْ ظَلَمَهُ فَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) أَيْ بَعْضِهِ (فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ) مُتَعَجِّبًا (وَأَبِيكَ) قَسَمٌ عَلَى مَعْنَى وَرَبِّ أَبِيكَ، أَوْ كَلِمَةٌ جَرَتْ عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ وَلَا يَقْصِدُونَ بِهَا الْقَسَمَ (مَا لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ) لِأَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ يُنَافِي السَّرِقَةَ (ثُمَّ إِنَّهُمْ فَقَدُوا) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْقَافِ (عِقْدًا) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ قِلَادَةً (لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ) بِضَمِّ الْمُهْمِلَةِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ مُصَغَّرٌ (امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) أُمِّ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ وَهِيَ صَحَابِيَّةٌ شَهِيرَةٌ (فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَطُوفُ) يَدُورُ (مَعَهُمْ) أَيْ مَعَ الَّذِينَ بُعِثُوا لِلتَّفْتِيشِ عَلَى الْعِقْدِ (وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ بَيَّتَ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالتَّحْتِيَّةِ الثَّقِيلَةِ (أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ) أَيْ أَغَارَ عَلَيْهِمْ لَيْلًا يَأْخُذُ الْعِقْدَ (فَوَجَدُوا الْحُلِيَّ) الَّذِي هُوَ الْعِقْدُ (عِنْدَ صَائِغٍ زَعَمَ أَنَّ الْأَقْطَعَ جَاءَهُ بِهِ فَاعْتَرَفَ بِهِ الْأَقْطَعُ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ) شَكَّ الرَّاوِي (فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَدُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَشَدُّ عِنْدِي) وَفِي نُسْخَةٍ عَلَيَّ وَفِي أُخْرَى عَلَيْهِ (مِنْ سَرِقَتِهِ) لِأَنَّ فِيهَا حَظًّا لِلنَّفْسِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ عَلَيْهَا، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِالْكَبَائِرِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَسْرِقُ مِرَارًا ثُمَّ يُسْتَعْدَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ لِجَمِيعِ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ) لِأَنَّ حَدَّ الْقَطْعِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِمَنْ سَرَقَ مِنْهُمْ وَإِلَّا لَجَازَ عَفْوُهُمْ إِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ، وَهَذَا (إِذَا لَمْ يَكُنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَرَقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قُطِعَ أَيْضًا) مِنْ خِلَافٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا الزِّنَادِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ نَاسًا فِي حِرَابَةٍ وَلَمْ يَقْتُلُوا أَحَدًا فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ أَوْ يَقْتُلَ فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ أَخَذْتَ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَسْرِقُ أَمْتِعَةَ النَّاسِ الَّتِي تَكُونُ مَوْضُوعَةً بِالْأَسْوَاقِ مُحْرَزَةً قَدْ أَحْرَزَهَا أَهْلُهَا فِي أَوْعِيَتِهِمْ وَضَمُّوا بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ إِنَّهُ مَنْ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ حِرْزِهِ فَبَلَغَ قِيمَتُهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعَ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ عِنْدَ مَتَاعِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَيْلًا ذَلِكَ أَوْ نَهَارًا قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَسْرِقُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ ثُمَّ يُوجَدُ مَعَهُ مَا سَرَقَ فَيُرَدُّ إِلَى صَاحِبِهِ إِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ تُقْطَعُ يَدُهُ وَقَدْ أُخِذَ الْمَتَاعُ مِنْهُ وَدُفِعَ إِلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّارِبِ يُوجَدُ مِنْهُ رِيحُ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ وَلَيْسَ بِهِ سُكْرٌ فَيُجْلَدُ الْحَدَّ قَالَ وَإِنَّمَا يُجْلَدُ الْحَدَّ فِي الْمُسْكِرِ إِذَا شَرِبَهُ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا شَرِبَهُ لِيُسْكِرَهُ فَكَذَلِكَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي السَّرِقَةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا وَرَجَعَتْ إِلَى صَاحِبِهَا وَإِنَّمَا سَرَقَهَا حِينَ سَرَقَهَا لِيَذْهَبَ بِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يَأْتُونَ إِلَى الْبَيْتِ فَيَسْرِقُونَ مِنْهُ جَمِيعًا فَيَخْرُجُونَ بِالْعِدْلِ يَحْمِلُونَهُ جَمِيعًا أَوْ الصُّنْدُوقِ أَوْ الْخَشَبَةِ أَوْ بِالْمِكْتَلِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْمِلُهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا إِنَّهُمْ إِذَا أَخْرَجُوا ذَلِكَ مِنْ حِرْزِهِ وَهُمْ يَحْمِلُونَهُ جَمِيعًا فَبَلَغَ ثَمَنُ مَا خَرَجُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِمْ الْقَطْعُ جَمِيعًا قَالَ وَإِنْ خَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَتَاعٍ عَلَى حِدَتِهِ فَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ بِمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ بِمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ دَارُ رَجُلٍ مُغْلَقَةً عَلَيْهِ لَيْسَ مَعَهُ فِيهَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهَا شَيْئًا الْقَطْعُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الدَّارِ كُلِّهَا وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا هِيَ حِرْزُهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ سَاكِنٌ غَيْرُهُ وَكَانَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يُغْلِقُ عَلَيْهِ بَابَهُ وَكَانَتْ حِرْزًا لَهُمْ جَمِيعًا فَمَنْ سَرَقَ مِنْ بُيُوتِ تِلْكَ الدَّارِ شَيْئًا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَخَرَجَ بِهِ إِلَى الدَّارِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ إِلَى غَيْرِ حِرْزِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يَسْرِقُ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ خَدَمِهِ وَلَا مِمَّنْ يَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهِ ثُمَّ دَخَلَ سِرًّا فَسَرَقَ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إِذَا سَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهَا لَا قَطْعَ عَلَيْهَا وَقَالَ فِي الْعَبْدِ لَا يَكُونُ مِنْ خَدَمِهِ وَلَا مِمَّنْ يَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهِ فَدَخَلَ سِرًّا فَسَرَقَ مِنْ مَتَاعِ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ قَالَ وَكَذَلِكَ أَمَةُ الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ لَيْسَتْ بِخَادِمٍ لَهَا وَلَا لِزَوْجِهَا وَلَا مِمَّنْ تَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهَا فَدَخَلَتْ سِرًّا فَسَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدَتِهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ أَمَةُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ مِنْ خَدَمِهَا وَلَا مِمَّنْ تَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهَا فَدَخَلَتْ سِرًّا فَسَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ زَوْجِ سَيِّدَتِهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَنَّهَا تُقْطَعُ يَدُهَا قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَسْرِقُ مِنْ مَتَاعِ امْرَأَتِهِ أَوْ الْمَرْأَةُ تَسْرِقُ مِنْ مَتَاعِ زَوْجِهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إِنْ كَانَ الَّذِي سَرَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ مَتَاعِ صَاحِبِهِ فِي بَيْتٍ سِوَى الْبَيْتِ الَّذِي يُغْلِقَانِ عَلَيْهِمَا وَكَانَ فِي حِرْزٍ سِوَى الْبَيْتِ الَّذِي هُمَا فِيهِ فَإِنَّ مَنْ سَرَقَ مِنْهُمَا مِنْ مَتَاعِ صَاحِبِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ وَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يُفْصِحُ أَنَّهُمَا إِذَا سُرِقَا مِنْ حِرْزِهِمَا أَوْ غَلْقِهِمَا فَعَلَى مَنْ سَرَقَهُمَا الْقَطْعُ وَإِنْ خَرَجَا مِنْ حِرْزِهِمَا وَغَلْقِهِمَا فَلَيْسَ عَلَى مَنْ سَرَقَهُمَا قَطْعٌ قَالَ وَإِنَّمَا هُمَا بِمَنْزِلَةِ حَرِيسَةِ الْجَبَلِ وَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَنْبِشُ الْقُبُورَ أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ مَا أَخْرَجَ مِنْ الْقَبْرِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَعَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ وَقَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ كَمَا أَنَّ الْبُيُوتَ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا قَالَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْقَبْرِ   1582 - 1524 الحديث: 1582 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 - (مَالِكٌ أَنَّ أَبَا الزِّنَادِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ نَاسًا فِي حِرَابَةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مُقَاتَلَةٍ وَبِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ أَيْضًا ضُبِطَ بِهِمَا بِالْقَلَمِ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ، وَيُقَالُ خَرَبَ بِالْمُعْجَمَةِ يَخْرُبُ مِنْ بَابِ قَتَلَ خِرَابَةً بِالْكَسْرِ إِذَا سَرَقَ لَكِنْ يُؤَيِّدُ الْإِهْمَالَ قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقْتُلُوا) أَحَدًا (فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ أَوْ يَقْتُلَ) إِذِ التَّخْيِيرُ فِي ذَلِكَ وَفِي الصَّلْبِ وَالنَّفْيِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحِرَابَةِ بِالْإِهْمَالِ لَا فِي الْخِرَابَةِ بِالْإِعْجَامِ بِمَعْنَى السَّرِقَةِ، إِذْ لَا قَتْلَ فِيهَا وَلَا غَيْرَهُ سِوَى الْقَطْعِ. (فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ أَخَذْتَ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ) أَهْوَنِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ، فَحُذِفَ جَوَابُ لَوْ أَوْ هِيَ لِلتَّمَنِّي فَلَا جَوَابَ لَهَا، وَهَذَا أَيْضًا يُؤَيِّدُ الْإِهْمَالَ إِذْ لَوْ كَانُوا سَرَقُوا لِأَمَرَ بِالْقَطْعِ جَزْمًا. (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَسْرِقُ أَمْتِعَةَ النَّاسِ الَّتِي تَكُونُ مَوْضُوعَةً بِالْأَسْوَاقِ مُحْرَزَةً) فِي حِرْزِ مِثْلِهَا (قَدْ أَحْرَزَهَا أَهْلُهَا) أَصْحَابُهَا (فِي أَوْعِيَتِهِمْ وَضَمُّوا بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ أَنَّهُ مَنْ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ حِرْزِهِ فَبَلَغَ قِيمَتُهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ) ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ (فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعَ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ عِنْدَ مَتَاعِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَيْلًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ نَهَارًا) إِذْ لَا فَرْقَ فِي الْمُخْرَجِ مِنَ الْحِرْزِ فِي ذَلِكَ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَسْرِقُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ ثُمَّ يُوجَدُ مَعَهُ مَا سَرَقَ فَيُرَدُّ إِلَى صَاحِبِهِ إِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ إِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ. (فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ تُقْطَعُ يَدُهُ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ أُخِذَ الْمَتَاعُ مِنْهُ وَدُفِعَ إِلَى صَاحِبِهِ) فَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 يَقُلْ ذَلِكَ (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيِ السَّارِقُ (بِمَنْزِلَةِ الشَّارِبِ) لِلْخَمْرِ (يُوجَدُ مِنْهُ رِيحُ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ) شَأْنُهُ (وَلَيْسَ بِهِ سُكْرٌ) لِنَحْوِ اعْتِيَادٍ فَصَارَ لَا يُسْكِرُهُ (فَيُجْلَدُ الْحَدَّ وَإِنَّمَا يُجْلَدُ الْحَدَّ فِي الْمُسْكِرِ إِذَا شَرِبَهُ وَلَمْ يُسْكِرْهُ وَ) وَجْهُ (ذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا شَرِبَهُ لِيُسْكِرَهُ، فَكَذَلِكَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي السَّرِقَةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا وَرَجَعَتْ إِلَى صَاحِبِهَا وَ) ذَلِكَ أَنَّهُ (إِنَّمَا سَرَقَهَا لِيَذْهَبَ بِهَا) فَحَاصِلُ جَوَابِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ الِانْتِفَاعُ بِالْفِعْلِ، بَلْ مُجَرَّدُ الْقَصْدِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْحِرْزِ كَافٍ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَدِّ الشُّرْبِ السُّكْرُ بِالْفِعْلِ بَلْ تَعَاطِيهِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يَأْتُونَ إِلَى الْبَيْتِ فَيَسْرِقُونَ مِنْهُ جَمِيعًا فَيَخْرُجُونَ بِالْعِدْلِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ الْحِمْلُ مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَنَحْوِهَا (يَحْمِلُونَهُ جَمِيعًا أَوْ) يَخْرُجُونَ (بِالصُّنْدُوقِ) بِضَمِّ الصَّادِ وَقَدْ تُفْتَحُ، وَالزُّنْدُوقُ وَالصُّنْدُوقُ لُغَاتٌ جَمْعُهُ صَنَادِيقُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (أَوْ بِالْخَشَبَةِ) وَاحِدَةُ الْخَشَبِ (أَوْ بِالْمِكْتَلِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ الزِّنْبِيلُ، وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنَ الْخُوصِ يُحْمَلُ فِيهِ التَّمْرُ وَغَيْرُهُ (أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِمَّا يَحْمِلُهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا) لِثِقَلِهِ (إِنَّهُمْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (إِذَا أَخْرَجُوا ذَلِكَ مِنْ حِرْزِهِ وَهُمْ يَحْمِلُونَهُ جَمِيعًا فَبَلَغَ ثَمَنَ مَا خَرَجُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِمُ الْقَطْعُ جَمِيعًا) أَيْ يُقْطَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِذْ لَوْلَا اجْتِمَاعُهُمْ مَا قَدَرُوا عَلَى إِخْرَاجِهِ. (وَإِنْ خَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَتَاعٍ عَلَى حِدَتِهِ) بِالْكَسْرِ (فَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ بِمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ بِمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ) لِنَقْصِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَهُوَ النِّصَابُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا إِذَا كَانَتْ دَارُ رَجُلٍ مُغْلَقَةً) مُقْفَلَةً (عَلَيْهِ لَيْسَ مَعَهُ فِيهَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهَا شَيْئًا الْقَطْعُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنَ الدَّارِ كُلِّهَا وَ) وَجْهُ (ذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا هِيَ حِرْزُهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ سَاكِنٌ غَيْرُهُ وَكَانَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يُغْلِقُ) بِكَسْرِ اللَّامِ (عَلَيْهِ بَابَهُ وَكَانَتْ حِرْزًا لَهُمْ جَمِيعًا، فَمَنْ سَرَقَ مِنْ بُيُوتِ تِلْكَ الدَّارِ شَيْئًا فَخَرَجَ بِهِ إِلَى الدَّارِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ إِلَى غَيْرِ حِرْزِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يَسْرِقُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ خَدَمِهِ وَلَا مِمَّنْ يَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهِ ثُمَّ دَخَلَ سِرًّا فَسَرَقَ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إِذَا سَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهَا لَا قَطْعَ عَلَيْهَا) وَحَاصِلُهُ أَنْ لَا قَطْعَ عَلَى رَقِيقٍ سَرَقَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ. (وَقَالَ فِي الْعَبْدِ لَا يَكُونُ مِنْ خَدَمِهِ وَلَا مِمَّنْ يَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهِ فَدَخَلَ سِرًّا فَسَرَقَ مِنْ مَتَاعِ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ، وَكَذَلِكَ أَمَةُ الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ لَيْسَتْ بِخَادِمٍ لَهَا وَلَا لِزَوْجِهَا وَلَا مِمَّنْ تَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهَا فَدَخَلَتْ سِرًّا فَسَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدَتِهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ) عَلَى غَيْرِهَا (فَلَا قَطْعَ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ أَمَةُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ مِنْ خَدَمِهَا وَلَا مِمَّنْ تَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 فَدَخَلَتْ سِرًّا فَسَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ زَوْجِ سَيِّدَتِهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَنَّهَا تُقْطَعُ يَدُهَا) إِذْ لَا مِلْكَ لِزَوْجِ سَيِّدَتِهَا فِيهَا. (وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَسْرِقُ مِنْ مَتَاعِ امْرَأَةٍ أَوِ الْمَرْأَةُ تَسْرِقُ مِنْ مَتَاعِ زَوْجِهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إِنْ كَانَ الَّذِي سَرَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ مَتَاعِ صَاحِبِهِ فِي بَيْتٍ سِوَى الْبَيْتِ الَّذِي يُغْلِقَانِ عَلَيْهِمَا وَكَانَ فِي حِرْزٍ سِوَى الْبَيْتِ الَّذِي هُمَا فِيهِ فَإِنَّ مَنْ سَرَقَ مِنْهُمَا مِنْ مَتَاعِ صَاحِبِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ) كَذَا إِنْ سُرِقَ كُلُّ مَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْآخَرُ وَلَوْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ وَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يُفْصِحُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ صِفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِأَعْجَمِيَّتِهِ (أَنَّهُمَا إِذَا سُرِقَا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (مِنْ حِرْزِهِمَا وَغَلْقِهِمَا فَعَلَى مَنْ سَرَقَهُمَا الْقَطْعُ فَإِنْ خَرَجًا مِنْ حِرْزِهِمَا وَغَلْقِهِمَا فَلَيْسَ عَلَى مَنْ سَرَقَهُمَا قَطْعٌ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ (وَإِنَّمَا هُمَا بِمَنْزِلَةِ حَرِيسَةِ الْجَبَلِ) أَيْ مَا يُحْرَسُ فِيهِ (وَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ) عَلَى شَجَرِهِ (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَنْبُشُ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا يَكْشِفُ (الْقُبُورَ أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ مَا أَخْرَجَ مِنَ الْقَبْرِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَعَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ كَمَا أَنَّ الْبُيُوتَ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنَ الْقَبْرِ) فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَا قَطْعَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 [باب مَا لَا قَطْعَ فِيهِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ «أَنَّ عَبْدًا سَرَقَ وَدِيًّا مِنْ حَائِطِ رَجُلٍ فَغَرَسَهُ فِي حَائِطِ سَيِّدِهِ فَخَرَجَ صَاحِبُ الْوَدِيِّ يَلْتَمِسُ وَدِيَّهُ فَوَجَدَهُ فَاسْتَعْدَى عَلَى الْعَبْدِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَسَجَنَ مَرْوَانُ الْعَبْدَ وَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ فَانْطَلَقَ سَيِّدُ الْعَبْدِ إِلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ فَقَالَ الرَّجُلُ فَإِنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَخَذَ غُلَامًا لِي وَهُوَ يُرِيدُ قَطْعَهُ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَمْشِيَ مَعِيَ إِلَيْهِ فَتُخْبِرَهُ بِالَّذِي سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَشَى مَعَهُ رَافِعٌ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ أَخَذْتَ غُلَامًا لِهَذَا فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ بِهِ قَالَ أَرَدْتُ قَطْعَ يَدِهِ فَقَالَ لَهُ رَافِعٌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ فَأَمَرَ مَرْوَانُ بِالْعَبْدِ فَأُرْسِلَ»   11 - بَابُ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ 1583 - 1525 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ (أَنَّ عَبْدًا) أَسْوَدَ لِوَاسِعِ ابْنِ حَبَّانَ عَمِّ مُحَمَّدٍ وَاسْمُ الْعَبْدِ فِيلٌ كَمَا فِي التَّمْهِيدِ، وَهُوَ بِلَفْظِ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ (سَرَقَ وَدِيًّا) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ أَيْ نَخْلًا صِغَارًا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ سَرَقَ نَخْلًا صِغَارًا (مِنْ حَائِطِ رَجُلٍ) لَمْ يُسَمَّ، وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَنَّ غُلَامًا لِعَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ سَرَقَ وَدِيًّا مِنْ أَرْضِ جَارٍ لَهُ (فَغَرَسَهُ فِي حَائِطِ سَيِّدِهِ فَخَرَجَ صَاحِبُ الْوَدِيِّ يَلْتَمِسُ وَدِيَّهُ فَوَجَدَهُ) فِي حَائِطِ جَارِهِ (فَاسْتَعْدَى عَلَى الْعَبْدِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ) أَمِيرَ الْمَدِينَةِ حِينَئِذٍ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ (فَسَجَنَ مَرْوَانُ الْعَبْدَ وَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ فَانْطَلَقَ سَيِّدُ الْعَبْدِ) وَاسِعُ بْنُ حَبَّانَ (إِلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَجِيمٍ ابْنِ رَافِعِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ الْحَارِثِيِّ، أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ ثُمَّ الْخَنْدَقُ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ (فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ) رَافِعٌ (أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا قَطْعَ) جَائِزٌ (فِي ثَمَرٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ مُعَلَّقٌ عَلَى الشَّجَرِ قَبْلَ أَنْ يُجَذَّ وَيُحْرَزَ (وَلَوْ فِي كَثَرٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمُثَلَّثَةِ (وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ) بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَمِيمٍ ثَقِيلَةٍ أَيْ جُمَّارُ النَّخْلِ وَهُوَ شَحْمُهُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ الْكَافُورُ وَهُوَ وِعَاءُ الطَّلْعِ مِنْ جَوْفِهِ سُمِّيَ جُمَّارًا وَكَثَرًا لِأَنَّهُ أَصْلُ الْكَوَافِيرِ، وَحَيْثُ تَجْتَمِعُ وَتَكْثُرُ كَمَا فِي الْفَائِقِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ مُدْرَجٌ، فَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: مَا الْكَثَرُ؟ فَقَالَ: الْجُمَّارُ، وَبِهِ تُعُقِّبَ تَفْسِيرُ ابْنِ الْأَثِيرِ بِالتَّمْرِ الرُّطَبِ مَا دَامَ فِي النَّخْلَةِ فَإِذَا قُطِعَ فَهُوَ رُطَبٌ فَإِذَا كَثَرَ فَهُوَ تَمْرٌ وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ، وَهُوَ الْقَصْدُ مِنَ الْوَدِيِّ الَّذِي هُوَ النَّخْلُ الصِّغَارُ فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهِ فَالدَّلِيلُ طِبْقَ الحديث: 1583 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 الْمَدْلُولِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ (فَقَالَ الرَّجُلُ: فَإِنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ (أَخَذَ غُلَامًا) عَبْدًا (لِي وَهُوَ يُرِيدُ قَطْعَهُ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَمْشِيَ مَعِيَ إِلَيْهِ فَتُخْبِرَهُ بِالَّذِي سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَشَى مَعَهُ رَافِعٌ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ: أَخَذْتَ غُلَامًا لِهَذَا) الرَّجُلِ (قَالَ نَعَمْ) أَخَذْتُهُ (قَالَ: فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ) فَاعِلٌ (بِهِ؟) وَفِي هَذَا مِنَ اللُّطْفِ فِي الْخِطَابِ مَا لَا يَخْفَى حَيْثُ لَمْ يَقُلْ لَهُ إِنَّ هَذَا قَدْ أَخَذْتَ لَهُ غُلَامًا وَأَرَدْتَ قَطْعَهُ (قَالَ: أَرَدْتُ قَطْعَ يَدِهِ) لِأَنَّهُ سَرَقَ (فَقَالَ لَهُ رَافِعٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: إِلَّا مَا آوَاهُ الْجَرِينُ. (فَأَمَرَ مَرْوَانُ بِالْعَبْدِ فَأُرْسِلَ) أُطْلِقَ مِنَ السِّجْنِ بَعْدَ أَنْ ضَرَبَهُ. فَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ: فَضَرَبَهُ وَحَبَسَهُ. وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: فَأَرْسَلَهُ مَرْوَانُ فَبَاعَهُ أَوْ نَفَاهُ أَيْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ كُلِّهَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَإِنْ كَانَ فِيهِ كَلَامٌ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَتَلَقَّتِ الْأَئِمَّةُ مَتْنَهُ بِالْقَبُولِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ رَافِعٍ، وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَيْهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَمَّادَانِ وَأَبُو عَوَانَةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَغَيْرُهُمْ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعٍ عَنْ رَافِعٍ، وَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ دُلَيْلٍ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَهُوَ مُتَّصِلٌ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ لَكِنْ قَدْ خُولِفَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ إِلَّا مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ دُلَيْلٍ فَقِيلَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ عَمَّةٍ لَهُ، وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ رَافِعٍ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَقَدْ خُولِفَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ دُلَيْلٍ أَيْضًا، فَإِنَّمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ رَافِعٍ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ غَيْرُ قَادِحٍ كَمَا قَدْ يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فَإِنْ كَانَ فِيهِ كَلَامٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَتْنُ فَصَحِيحٌ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو عُمَرَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ جَاءَ بِغُلَامٍ لَهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ اقْطَعْ يَدَ غُلَامِي هَذَا فَإِنَّهُ سَرَقَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَاذَا سَرَقَ فَقَالَ سَرَقَ مِرْآةً لِامْرَأَتِي ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا فَقَالَ عُمَرُ أَرْسِلْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ   1584 - 1526 الحديث: 1584 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ) بْنِ سَعِيدٍ الْكِنْدِيِّ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ لَهُ أَحَادِيثُ قَلِيلَةٌ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ قَبْلَهَا وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ) بِفَتْحِ الْمُهْمِلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمَّارٍ حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ وَهُوَ ابْنُ أَخِي الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ قُتِلَ أَبُوهُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ كَافِرًا، اسْتَدْرَكَهُ ابْنُ مُفَوَّزٍ وَابْنُ فَتْحُونٍ وَاسْتَبْعَدَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَمُقْتَضَى مَوْتِ أَبِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِنْدَ الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ نَحْوُ تِسْعِ سِنِينَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْقِسْمِ أَيِ الْأَوَّلِ مِنَ الصَّحَابَةِ. (جَاءَ بِغُلَامٍ لَهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ: اقْطَعْ يَدَ غُلَامِي هَذَا فَإِنَّهُ سَرَقَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَاذَا سَرَقَ؟ فَقَالَ: سَرَقَ مِرْآةً) وِزَانُ مِفْتَاحٍ وَالْجَمْعُ مَرَاءٍ وِزَانُ جَوَارٍ وَغَوَاشٍ آلَةُ النَّظَرِ (لِامْرَأَتِي ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا، فَقَالَ عُمَرُ: أَرْسِلْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ خَادِمِكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ) فَلَا يَجْتَمِعُ عَلَيْكُمْ أَمْرَانِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أُتِيَ بِإِنْسَانٍ قَدْ اخْتَلَسَ مَتَاعًا فَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ فَأَرْسَلَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَيْسَ فِي الْخُلْسَةِ قَطْعٌ   1585 - 1527 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أُتِيَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (بِإِنْسَانٍ قَدِ اخْتَلَسَ) أَيِ اخْتَطَفَ بِسُرْعَةٍ عَلَى غَفْلَةٍ (مَتَاعًا فَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ فَأَرْسَلَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أَحَدِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ (يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ زَيْدٌ: لَيْسَ فِي الْخُلْسَةِ قَطْعٌ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ أَيْ مَا يُخْلَسُ. الحديث: 1585 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ أَخَذَ نَبَطِيًّا قَدْ سَرَقَ خَوَاتِمَ مِنْ حَدِيدٍ فَحَبَسَهُ لِيَقْطَعَ يَدَهُ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَاةً لَهَا يُقَالُ لَهَا أُمَيَّةُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَتْنِي وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّاسِ فَقَالَتْ تَقُولُ لَكَ خَالَتُكَ عَمْرَةُ يَا ابْنَ أُخْتِي أَخَذْتَ نَبَطِيًّا فِي شَيْءٍ يَسِيرٍ ذُكِرَ لِي فَأَرَدْتَ قَطْعَ يَدِهِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَتْ فَإِنَّ عَمْرَةَ تَقُولُ لَكَ لَا قَطْعَ إِلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَأَرْسَلْتُ النَّبَطِيَّ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي اعْتِرَافِ الْعَبِيدِ أَنَّهُ مَنْ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ يَقَعُ الْحَدُّ فِيهِ أَوْ الْعُقُوبَةُ فِيهِ فِي جَسَدِهِ فَإِنَّ اعْتِرَافَهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ وَلَا يُتَّهَمُ أَنْ يُوقِعَ عَلَى نَفْسِهِ هَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَمَّا مَنْ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ بِأَمْرٍ يَكُونُ غُرْمًا عَلَى سَيِّدِهِ فَإِنَّ اعْتِرَافَهُ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى سَيِّدِهِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى الْأَجِيرِ وَلَا عَلَى الرَّجُلِ يَكُونَانِ مَعَ الْقَوْمِ يَخْدُمَانِهِمْ إِنْ سَرَقَاهُمْ قَطْعٌ لِأَنَّ حَالَهُمَا لَيْسَتْ بِحَالِ السَّارِقِ وَإِنَّمَا حَالُهُمَا حَالُ الْخَائِنِ وَلَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ قَطْعٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَسْتَعِيرُ الْعَارِيَةَ فَيَجْحَدُهَا إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَجَحَدَهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا جَحَدَهُ قَطْعٌ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي السَّارِقِ يُوجَدُ فِي الْبَيْتِ قَدْ جَمَعَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَمْرًا لِيَشْرَبَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ وَمَثَلُ ذَلِكَ رَجُلٌ جَلَسَ مِنْ امْرَأَةٍ مَجْلِسًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَهَا حَرَامًا فَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ حَدٌّ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخُلْسَةِ قَطْعٌ بَلَغَ ثَمَنُهَا مَا يُقْطَعُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ   1586 - 1528 الحديث: 1586 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) الْأَنْصَارِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ (أَنَّهُ أَخَذَ نَبَطِيًّا) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُوَحَّدَةِ نِسْبَةً إِلَى النَّبَطِ قَرْيَةٍ مِنَ الْعَجَمِ (قَدْ سَرَقَ خَوَاتِمَ مِنْ حَدِيدٍ فَحَبَسَهُ لِيَقْطَعَ يَدَهُ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَنْصَارِيَّةُ (مَوْلَاةً لَهَا يُقَالُ لَهَا أُمَيَّةُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَجَاءَتْنِي) أُمَيَّةُ (وَأَنَا بَيْنَ ظَهَرَانَيِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَلَا تُكْسَرُ أَيْ بَيْنَ (النَّاسِ) وَزِيدَ ظَهْرَانَيِ لِإِفَادَةِ أَنَّ إِقَامَتَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِظْهَارِ بِهِمْ وَالِاسْتِنَادِ إِلَيْهِمْ. كَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ ظَهْرًا مِنْهُمْ قُدَّامَهُ وَظَهْرًا وَرَاءَهُ فَكَأَنَّهُ مَكْتُوفٌ مِنْ جَانِبَيْهِ هَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اسْتُعْمِلَ فِي الْإِقَامَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَكْتُوفٍ بَيْنَهُمْ (فَقَالَتْ: تَقُولُ لَكَ خَالَتُكَ عَمْرَةُ يَا ابْنَ أُخْتِي أَخَذْتَ نَبَطِيًّا فِي شَيْءٍ يَسِيرٍ ذُكِرَ لِي فَأَرَدْتَ قَطْعَ يَدِهِ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَإِنَّ عَمْرَةَ تَقُولُ لَكَ لَا قَطْعَ إِلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ) ذَهَبًا (فَصَاعِدًا) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ، وَهَذَا قَدْ رَوَتْهُ عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِنَحْوِهِ كَمَا مَرَّ. (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَرْسَلْتُ النَّبَطِيَّ) أَطْلَقْتُهُ بِلَا قَطْعٍ ; لِأَنَّ الْخَوَاتِمَ لَا تُسَاوِي ذَلِكَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي اعْتِرَافِ الْعَبِيدِ) بِالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا (أَنَّ مَنِ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ تَقَعُ الْعُقُوبَةُ أَوِ الْحَدُّ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ) كَاعْتِرَافِهِ بِزِنًى أَوْ شُرْبٍ (فَإِنَّ اعْتِرَافَهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ (وَلَا يُتَّهَمُ أَنْ يُوقِعَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ جَسَدِهِ (هَذَا) أَيِ الضَّرْبَ أَوِ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَأَمَّا مَنِ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ بِأَمْرٍ يَكُونُ غُرْمًا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ (عَلَى سَيِّدِهِ فَإِنَّ اعْتِرَافَهُ غَيْرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 جَائِزٍ عَلَى سَيِّدِهِ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِ غَيْرِهِ (وَلَيْسَ عَلَى الْأَجِيرِ وَلَا عَلَى الرَّجُلِ يَكُونَانِ مَعَ الْقَوْمِ يَخْدُمَانِهِمْ) بِضَمِّ الدَّالِ (إِنْ سَرَقَاهُمْ) أَيْ شَيْئًا مِنْهُمْ (قَطْعٌ لِأَنَّ حَالَهُمَا لَيْسَتْ بِحَالِ السَّارِقِ) وَهُوَ مَنْ أَخَذَ مِنْ مَوْضِعٍ مَمْنُوعٍ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ (وَإِنَّمَا حَالُهُمَا حَالُ الْخَائِنِ) وَهُوَ الَّذِي خَانَ مَا جُعِلَ أَمِينًا عَلَيْهِ (وَلَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ قَطْعٌ) لِأَنَّ النَّصَّ إِنَّمَا جَاءَ فِي قَطْعِ السَّارِقِ دُونَهُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَسْتَعِيرُ الْعَارِيَةَ فَيَجْحَدُهَا: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ) إِذْ لَيْسَ بِسَارِقٍ (إِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ) أَيْ صِفَتُهُ بِمَعْنَى قِيَاسِهِ (مَثَلُ رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلِ دَيْنٌ فَجَحَدَهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا جَحَدَهُ قَطْعٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي السَّارِقِ يُوجَدُ فِي الْبَيْتِ) حَالَ كَوْنِهِ (قَدْ جَمَعَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْحِرْزِ (وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَمْرًا لِيَشْرَبَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ) لِعَدَمِ الشُّرْبِ (وَمَثَلُ ذَلِكَ) أَيْ قِيَاسُهُ (رَجُلٌ جَلَسَ مِنَ امْرَأَةٍ مَجْلِسًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَهَا) يُجَامِعَهَا (حَرَامًا فَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ مِنْهَا) أَيْ لَمْ يُدْخِلْ حَشَفَتَهُ فِيهَا (فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ حَدٌّ) لِعَدَمِ الْوَطْءِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَبُ (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخُلْسَةِ) أَيْ مَا يُخْلَسُ وَيُخْطَفُ بِسُرْعَةٍ عَلَى غَفْلَةٍ (قَطْعٌ بَلَغَ ثَمَنُهَا مَا يُقْطَعُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَرِقَةٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 [كِتَاب الْأَشْرِبَةِ] [باب الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْأَشْرِبَةِ باب الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ إِنِّي وَجَدْتُ مِنْ فُلَانٍ رِيحَ شَرَابٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرَابُ الطِّلَاءِ وَأَنَا سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ تَامًّا   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 42 - كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ جَمْعُ شَرَابٍ كَطَعَامٍ وَأَطْعِمَةٍ اسْمٌ لِمَا يُشْرَبُ وَلَيْسَ مَصْدَرًا لِأَنَّ الْمَصْدَرَ هُوَ الشُّرْبُ مُثَلَّثَةُ الشِّينِ. 1 - بَابُ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ 1587 - 1529 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ) مِنَ الزِّيَادَةِ الْكِنْدِيِّ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ مِنْ فُلَانٍ) هُوَ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ بِضَمِّ الْعَيْنِ (رِيحَ شَرَابٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرَابُ الطِّلَاءِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَةِ: هُوَ مَا طُبِخَ مِنَ الْعَصِيرِ حَتَّى يَغْلُظَ وَشُبِّهَ بِطِلَاءِ الْإِبِلِ وَهُوَ الْقَطِرَانُ الَّذِي تُطْلَى بِهِ الْجُرْبُ (وَأَنَا سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ) فَسَأَلَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ مُسْكِرًا (فَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْحَدَّ تَامًّا) ثَمَانِينَ جَلْدَةً. وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ فَسَمَّاهُ عُبَيْدَ اللَّهِ، وَزَادَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ قَالَ: فَرَأَيْتُ عُمَرَ يَجْلِدُهُ. الحديث: 1587 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ فَإِنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى أَوْ كَمَا قَالَ فَجَلَدَ عُمَرُ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ   1588 - 1530 - (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ (ابْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ (أَنَّ عُمَرَ الحديث: 1588 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَشَارَ) الصَّحَابَةَ (فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ) وَصْفٌ طَرْدِيٌّ فَالْمُرَادُ الْمُكَلَّفُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَإِنَّمَا اسْتَشَارَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبَيِّنْهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ أَيْ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ حَدًّا مَضْبُوطًا (فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَرَى أَنْ تَجَلِدَهُ ثَمَانِينَ) كَحَدِّ الْقَذْفِ (فَإِنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ) زَالَ عَقْلُهُ (وَإِذَا سَكِرَ هَذَى) خَلَطَ وَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي (وَإِذَا هَذَى افْتَرَى) كَذَبَ وَقَذَفَ (أَوْ كَمَا قَالَ) شَكَّ الرَّاوِي (فَجَلَدَ عُمَرُ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ) وَفِي أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ فِي قِصَّةِ الشَّارِبِ الَّذِي ضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُنَيْنٍ وَفِيهِ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ كَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنَّ النَّاسَ قَدِ انْهَمَكُوا فِي الشُّرْبِ وَتَحَاقَرُوا الْعُقُوبَةَ، قَالَ وَعِنْدَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَسَأَلَهُمْ فَاجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ ثَمَانِينَ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ التَّابِعِينَ وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ كَالشُّذُوذِ الْمَحْجُوجِ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَتُعُقِّبَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ «عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَلَدَ الْوَلِيدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ» ، فَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى الثَّمَانِينَ فِي زَمَنِ عُمَرَ لَمَا خَالَفُوا فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَجَلَدُوا أَرْبَعِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُ أَبِي عُمَرَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى الثَّمَانِينَ بَعْدَ عُثْمَانَ فَيَصِحُّ كَلَامُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِّ الْعَبْدِ فِي الْخَمْرِ فَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ فِي الْخَمْرِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَدْ جَلَدُوا عَبِيدَهُمْ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ فِي الْخَمْرِ   1589 - 1531 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِّ الْعَبْدِ) الرَّقِيقِ وَلَوْ أُنْثَى (فِي الْخَمْرِ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ فِي الْخَمْرِ) وَهُوَ أَرْبَعُونَ. (وَ) بَلَغَنِي (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ جَلَدُوا عَبِيدًا لَهُمْ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ فِي الْخَمْرِ) وَبِهِمُ الْقُدْوَةُ ; لِأَنَّ حَدَّ الرَّقِيقِ عَلَى نِصْفِ حَدِّ الْحُرِّ وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 25) . الحديث: 1589 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا اللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ حَدًّا قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ شَرِبَ شَرَابًا مُسْكِرًا فَسَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ   1590 - 1532 الحديث: 1590 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ) بْنِ حَزْنٍ يَقُولُ: (مَا مِنْ شَيْءٍ) نَكِرَةٌ وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَضُمَّ إِلَيْهَا مِنْ الِاسْتِغْرَاقِيَّةُ لِإِفَادَةِ الشُّمُولِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ أَيْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الذُّنُوبِ (إِلَّا اللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ حَدًّا) فَلَا يُحِبُّ الْعَفْوَ عَنْهُ إِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا فِي الْحُدُودِ» " قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ يَقُولُ: يَتَجَافَى الْمِرْجَلُ ذِي الْهَيْئَةِ عَنْ عَثْرَتِهِ مَا لَمْ تَكُنْ حَدًّا، قَالَ: وَهُمُ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ فَيَزِلُّ أَحَدُهُمُ الزَّلَّةَ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فِي عَثَرَاتِهِمْ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الصَّغَائِرُ، وَالثَّانِي أَوَّلُ مَعْصِيَةٍ زَلَّ فِيهَا مُطِيعٌ (قَالَ مَالِكٌ: وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ شَرِبَ شَرَابًا مُسْكِرًا فَسَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّ شَأْنَهُ الْإِسْكَارُ فَلَا يَمْنَعُ تَخَلُّفَهُ لِعَارِضِ الْحَدِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 [باب مَا يُنْهَى أَنْ يُنْبَذَ فِيهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ فَانْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ أَبْلُغَهُ فَسَأَلْتُ مَاذَا قَالَ فَقِيلَ لِي نَهَى أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ»   2 - مَا يُنْهَى أَنْ يُنْبَذَ فِيهِ 1591 - 1533 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ) لِأَسْمَعَ مَا يَقُولُ وَكَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ. (فَانْصَرَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنَ الْخُطْبَةِ (قَبْلَ أَنْ أَبْلُغَهُ) أَيْ أَصِلَ إِلَيْهِ (فَسَأَلْتُ مَاذَا قَالَ؟ فَقِيلَ لِي) إِبْهَامٌ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ صَحَابِيٌّ أَبْهَمَ صَحَابِيًّا (نَهَى أَنْ يُنْبَذَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ يُطْرَحَ (فِي الدُّبَّاءِ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ الحديث: 1591 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 وَالْمَدِّ الْقَرْعُ (وَالْمُزَفَّتِ) بِالزَّايِ وَالْفَاءِ الْمَطْلِيِّ بِالزِّفْتِ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إِلَيْهِمَا الْإِسْكَارُ، فَرُبَّمَا شَرِبَ مِنْهَا مَنْ لَا يَشْعُرُ بِذَلِكَ ظَانًّا أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغِ الْإِسْكَارَ وَقَدْ بَلَغَهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ وَأَيُّوبُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ وَأُسَامَةُ، كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ إِلَّا مَالِكٌ وَأُسَامَةُ قَالَهُ مُسْلِمٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ»   1592 - 1534 - (مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ) الْحُرَقِيِّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَقَافٍ الْمَدَنِيِّ الصَّدُوقِ مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيِّ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى الْحُرَقَةِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَقَافٍ، التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى) عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ وَقِيلَ التَّحْرِيمِ عَنْ (أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ) مِنَ الْجِرَارِ لِإِسْرَاعِ إِسْكَارِ مَا نُبِذَ فِيهِمَا. الحديث: 1592 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 [باب مَا يُكْرَهُ أَنْ يُنْبَذَ جَمِيعًا] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا»   3 - بَابُ مَا يُكْرَهُ أَنْ يُنْبَذَ جَمِيعًا 1593 - 1535 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مُرْسَلًا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ عَنْ مَالِكٍ وَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ» ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ التَّمْرُ قَبْلَ إِرْطَابِهِ وَاحِدَتُهُ بُسْرَةٌ بِالْهَاءِ (وَالرُّطَبُ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ مَا نَضِجَ مِنَ الْبُسْرِ، الْوَاحِدَةُ رُطَبَةٌ بِالْهَاءِ (جَمِيعًا) فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إِلَيْهِ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِسْكَارِ وَهُوَ قَدْ بَلَغَهُ. (وَالتَّمْرُ) بِفَوْقِيَّةٍ فَمِيمٍ (وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا) الحديث: 1593 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 لِاشْتِدَادِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحُبَابِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُشْرَبَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا وَالزَّهْوُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ   1593 - 1536 - (مَالِكٌ عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ) قِيلَ بْنُ بُكَيْرٍ أَوْ ابْنُ لَهِيعَةَ، فَقَدْ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ (عَنْ بُكَيْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرٌ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ) الْمَخْزُومِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ نَزِيلُ مِصْرَ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ بَعْدَهَا (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحُبَابِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ (الْأَنْصَارِيِّ) السَّلَمِيِّ بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ الْمَدَنِيِّ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) الْحَارِثِ وَيُقَالُ عَمْرٌو أَوِ النُّعْمَانُ (الْأَنْصَارِيِّ) السَّلَمِيِّ بِفَتْحَتَيْنِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَصَحِّ الْأَشْهَرِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُشْرَبَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ (التَّمْرُ) بِفَوْقِيَّةٍ وَمِيمٍ سَاكِنَةٍ (وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا) لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَشْتَدُّ بِهِ الْآخَرُ فَيُسْرِعُ الْإِسْكَارَ. (وَالزَّهْوُ) وَهُوَ الْبُسْرُ الْمُلَوَّنُ (وَالرُّطَبُ جَمِيعًا) نَهْيَ كَرَاهَةٍ وَقِيلَ تَحْرِيمٍ لِإِسْرَاعِ الْإِسْكَارِ بِخَلْطِهِمَا فَقَدْ يَظُنُّ عَدَمَ بُلُوغِهِ الْإِسْكَارَ وَيَكُونُ قَدْ بَلَغَهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّهْوِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَلْيُنْبَذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ» " وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ شَرِبَ مِنْكُمُ النَّبِيذَ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا أَوْ تَمْرًا فَرْدًا أَوْ بُسْرًا فَرْدًا» " وَجَاءَ أَيْضًا النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَحَادِيثُ الْبَابِ صَحِيحَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ تَلَقَّاهَا الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ، وَقَدْ (قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ يَكْرَهُ ذَلِكَ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ) فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ سَوَاءٌ نُبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ نُبِذَا جَمِيعًا وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيُّ وَحُمِلَ النَّهْيُ عَلَى أَنَّهُ لِلسَّرَفِ لِمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 [باب تَحْرِيمِ الْخَمْرِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «سُئِلَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِتْعِ فَقَالَ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ»   4 - بَابُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَهِيَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ كَمَا خَطَبَ بِذَلِكَ عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ الْأَكَابِرِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَشَمِلَ كُلَّ مُسْكِرٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهَا تَخْمُرُ الْعَقْلَ أَيْ تُغَطِّيهِ وَتَسْتُرُهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ غَطَّى شَيْئًا فَقَدْ خَمَرَهُ، كَخِمَارِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يُغَطِّي رَأْسَهَا، وَيُقَالُ لِلشَّجَرِ الْمُلْتَفِّ الْخَمْرُ لِأَنَّهُ يُغَطِّي مَا تَحْتَهُ أَوْ لِأَنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى أُدْرِكَتْ، كَمَا يُقَالُ خَمَرَ الرَّأْيُ وَاخْتَمَرَ أَيْ تُرِكَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِيهِ الْوَجْهُ، وَاخْتَمَرَ الْخُبْزُ إِذَا بَلَغَ إِدْرَاكَهُ، أَوْ لِأَنَّهَا اشْتُقَّتْ مِنَ الْمُخَامَرَةِ الَّتِي هِيَ الْمُخَالَطَةُ ; لِأَنَّهَا تُخَالِطُ الْعَقْلَ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَالثَّلَاثَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَمْرِ، لِأَنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى أَدْرَكَتِ الْغَلَيَانَ، وَحَّدَ الْإِسْكَارِ وَهِيَ مُخَالِطَةٌ لِلْعَقْلِ وَرُبَّمَا غَلَبَتْ عَلَيْهِ وَغَطَّتْهُ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. 1595 - 1537 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) إِسْمَاعِيلَ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ أَوِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِتْعِ» ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتُفْتَحُ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ وَقَدْ تُفْتَحُ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَهُوَ شَرَابُ الْعَسَلِ، وَكَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَشْرَبُونَهُ كَمَا زَادَهُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدِهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ أَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ السَّائِلِ صَرِيحًا لَكِنِّي أَظُنُّهُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ كَمَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا فَقَالَ مَا هِيَ؟ قَالَ: الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ. (فَقَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» ) عُمُومُهُ شَامِلٌ لِمَا اتُّخِذَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَمِنْ غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِذَا خَرَجَ الْخَبَرُ بِتَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ عَلَى شَرَابِ الْعَسَلِ فَكُلُّ مُسْكِرٍ مِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ ; وَلِذَا قَالَ عُمَرُ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: يُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِ السُّؤَالِ أَنَّهُ وَقَعَ عَنْ حُكْمِ جِنْسِ الْبِتْعِ لَا عَنِ الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ مِنْهُ ; لِأَنَّ السَّائِلَ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ أَخْبِرْنِي عَمَّا يَحِلُّ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ إِذَا سَأَلُوا عَنِ الْجِنْسِ قَالُوا: هَلْ هَذَا نَافِعٌ أَوْ ضَارٌّ مَثَلًا؟ وَإِذَا سَأَلُوا عَنِ الْقَدْرِ قَالُوا: كَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ؟ وَفِيهِ الحديث: 1595 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 أَنَّ الْمُفْتِيَ يُجِيبُ السَّائِلَ بِزِيَادَةٍ عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ إِذَا كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ السَّائِلُ، وَتَحْرِيمُ كُلِّ مُسْكِرٍ سَوَاءٌ اتُّخِذَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَصِيرَ الْعِنَبِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ حَلَالٌ، وَعَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ وَغَلَى وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ حُرِّمَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، ثُمَّ إِنْ حَصَلَ لَهُ تَخَلُّلٌ بِنَفْسِهِ حَلَّ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا، فَوَقَعَ النَّظَرُ فِي تَبَدُّلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عِنْدَ هَذِهِ الْمُحَدَّدَاتِ فَأَشْعَرَ ذَلِكَ بِارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الْإِسْكَارُ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ شَرَابٍ وُجِدَ فِيهِ الْإِسْكَارُ حَرَّمَ الرَّاوِي قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ، وَهَذَا الَّذِي اسْتَنْبَطَهُ الْمَازِرِيُّ ثَبَتَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» " وَفِي ذَلِكَ جَوَازُ الْقِيَاسِ بِاطِّرَادِ الْعِلَّةِ فَتَحْرُمُ جَمِيعُ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ، وَبِذَلِكَ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ فِي قِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ بِعِلَّةِ الْإِسْكَارِ وَالْإِطْرَابِ مِنْ أَجَلِّ الْأَقْيِسَةِ وَأَوْضَحِهَا وَالْمُقَايَسَةُ الَّتِي فِي الْخَمْرِ تُوجَدُ فِي النَّبِيذِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: نَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَنْبِذَةِ إِذَا غَلَى وَاشْتَدَّ حَرُمَ، وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ حَتَّى يَسْكَرَ وَلَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ، وَأَمَّا الَّذِي فِي مَاءِ الْعِنَبِ فَحَرَامٌ وَيُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَقَدْ وَرَدَ لَفْظُ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، مَضْمُونُهَا أَنَّ الْمُسْكِرَ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ، وَيَكْفِي ذَلِكَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ، وَقَدْ قَالَ جَابِرٌ: حُرِّمْتُ الْخَمْرُ يَوْمَ حَرُمَتْ وَمَا كَانَ شُرْبُ النَّاسِ إِلَّا الْبُسْرَ وَالتَّمْرَ. وَقَالَ مَالِكٌ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ بِالْمَدِينَةِ خَمْرٌ مِنْ عِنَبٍ. وَقَالَ الْحَكِيمِيُّ: لَنَا خَمْرٌ وَلَيْسَتْ خَمْرَ كَرْمٍ ... وَلَكِنْ مِنْ نِتَاجِ الْبَاسِقَاتِ كِرَامٌ فِي السَّمَاءِ ذَهَبْنَ طُولًا وَفَاتَ ... ثِمَارُهَا أَيْدِي الْجُنَاةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَهُوَ الْحَقُّ. ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى شَيْءٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ سُنَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا حُجَّةَ لِلْمُخَالِفِ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «حُرِّمَتِ الْخَمْرُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» " لِأَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَانْقِطَاعِهِ وَفِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ. وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَقَدْ رَجَّحَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ بِلَفْظِ وَالْمُسْكِرُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ لَا السُّكْرُ بِضَمِّ السِّينِ أَوْ بِفَتْحَتَيْنِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فَهُوَ حَدِيثُ فَرْدٍ وَلَفْظُهُ مُحْتَمَلٌ فَكَيْفَ يُعَارِضُ عُمُومَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ مَعَ كَثْرَتِهَا وَصِحَّتِهَا؟ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْغُبَيْرَاءِ فَقَالَ لَا خَيْرَ فِيهَا وَنَهَى عَنْهَا» قَالَ مَالِكٌ فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ مَا الْغُبَيْرَاءُ فَقَالَ هِيَ الْأُسْكَرْكَةُ   1596 - 1538 الحديث: 1596 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) مُرْسَلًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَكَرَ ابْنُ شَعْبَانَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَسْنَدَهُ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالَّذِي عِنْدَنَا فِي مُوَطَّأِ ابْنِ الْقَاسِمِ مُرْسَلًا كَالْجَمَاعَةِ، وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَحْدَهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْغُبَيْرَاءِ» ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فِرَاءٍ فَأَلْفٍ مَمْدُودَةٍ نَبِيذُ الذُّرَةِ، وَقِيلَ نَبِيذُ الْأَرُزِّ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو عُمَرَ (فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهَا) لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ (وَنَهَى عَنْهَا) تَحْرِيمًا. (قَالَ مَالِكٌ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ مَا الْغُبَيْرَاءُ؟ فَقَالَ: هِيَ الْأُسْكَرْكَةُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَكَافَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ هَاءٌ، وَفِي نُسْخَةٍ السَّكْرَكَةُ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْكَافِ الْأُولَى وَفَتْحِ الرَّاءِ وَالْكَافِ الثَّانِيَةِ وَبِالْهَاءِ، وَفِي الْحَدِيثِ: " «إِيَّاكُمْ وَالْغُبَيْرَاءَ فَإِنَّهَا خَمْرُ الْأَعَاجِمِ» " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ ضَرْبٌ مِنَ الشَّرَابِ يَتَّخِذُهُ الْحَبَشُ مِنَ الذُّرَةِ يُسْكِرُ وَيُقَالُ لَهَا السَّكْرَكَةُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: " أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ فَخَطَبَ بِذَلِكَ بِحُضُورِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، لِأَنَّهُ خَبَرُ صَحَابِيٍّ شَهِدَ التَّنْزِيلَ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الْخَمْرَ مِنَ الْعَصِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ» " فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الرَّفْعِ، وَعَدَّ عُمَرُ الْخَمْسَةَ لِاشْتِهَارِ أَسْمَائِهَا فِي زَمَنِهِ وَجَعَلَ مَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْ أَرُزٍّ وَغَيْرِهِ خَمْرًا إِذْ رُبَّمَا تُخَامِرُ الْعَقْلَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ»   1597 - 1539 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا) أَيْ عَنْ شُرْبِهَا حَتَّى مَاتَ وَفِي لَفْظِ ثُمَّ إِشْعَارٌ بِأَنَّ تَرَاخِي التَّوْبَةِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا مَا لَمْ يُغَرْغِرْ (حُرِمَهَا) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْخَفِيفَةِ مِنَ الْحِرْمَانِ أَيْ مُنِعَ مِنْ شُرْبِهَا (فِي الْآخِرَةِ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ: الحديث: 1597 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 " فَمَاتَ وَهُوَ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ " قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُهَا فِي الْجَنَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أُمِرَ بِتَأْخِيرِهِ وَوُعِدَ بِهِ، فَحُرِمَهُ عِنْدَ مِيقَاتِهِ كَالْوَارِثِ إِذَا قَتَلَ مَوْرُثَهُ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ مِيرَاثَهُ لِاسْتِعْجَالِهِ، وَبِهَذَا قَالَ نَفَرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَوْضِعُ احْتِمَالٍ وَتَوَقُّفٍ وَإِشْكَالٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: نَقُولُ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ يُحْرَمُ ذَلِكَ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِذَا لَمْ يَتُبْ لِاسْتِعْجَالِ مَا أَخَّرَ اللَّهُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَارْتِكَابِ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَلَمْ يَلْبَسْهُ هُوَ» " قَالَ: فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ إِنْ كَانَ كُلُّهُ مَرْفُوعًا، وَإِنْ كَانَتِ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ مُدْرَجَةً مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي فَهُوَ أَعْرَفُ بِالْحَدِيثِ، وَأَعْلَمُ بِالْحَالِ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْحَدِيثَ مُؤَوَّلٌ عَلَى حِرْمَانِهِ وَقْتَ تَعْذِيبِهِ فِي النَّارِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ أَوْ بِالرَّحْمَةِ الْعَامَّةِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ لَمْ يُحْرَمْ شَيْئًا مِنْهَا لَا خَمْرًا وَلَا حَرِيرًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ حِرْمَانَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ فِي الْجَنَّةِ يُعَدُّ عُقُوبَةً وَمُؤَاخَذَةً، وَالْجَنَّةُ لَيْسَتْ بِدَارِ عُقُوبَةٍ وَلَا مُؤَاخَذَةَ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ يَرُدُّهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالُوهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَهِي ذَلِكَ كَمَا لَا يَشْتَهِي مَنْزِلَةَ مَنْ هُوَ أَرْفَعُ مِنْهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ عُقُوبَةً انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ، مَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُهَا وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِيهَا إِلَّا إِنْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْكَبَائِرِ وَهُوَ فِي الْمَشِيئَةِ، فَالْمَعْنَى جَزَاؤُهُ فِي الْآخِرَةِ أَنْ يُحْرَمَهَا لِحِرْمَانِهِ دُخُولَ الْجَنَّةِ إِلَّا إِنْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَجَائِزٌ أَنْ يَدْخُلَهَا بِالْعَفْوِ ثُمَّ لَا يَشْرَبُ فِيهَا خَمْرًا وَلَا تَشْتَهِيهَا نَفْسُهُ وَإِنْ عَلِمَ وَجُودَهُ فِيهَا، وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفَصَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَ مَنْ يَشْرَبُهَا مُسْتَحِلًّا فَهُوَ الَّذِي لَا يَشْرَبُهَا أَصْلًا ; لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَبَيْنَ مَنْ يَشْرَبُهَا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهَا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، فَقِيلَ إِنَّهُ الَّذِي يُحْرَمُ شُرْبَهَا مُدَّةً وَلَوْ حَالَ تَعْذِيبِهِ إِنْ عُذِّبَ أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ جَزَاؤُهُ إِنْ جُوزِيَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَأَعْدَلُ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْفِعْلَ الْمَذْكُورَ يَقْتَضِي الْعُقُوبَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ ذَلِكَ لِمَانِعٍ كَالتَّوْبَةِ وَالْحَسَنَاتِ الَّتِي تُوزَنُ وَالْمَصَائِبِ الَّتِي تُكَفَّرُ، وَكَدُعَاءِ الْوَلَدِ بِشَرَائِطِ ذَلِكَ، وَكَذَا شَفَاعَةُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ، وَأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَفْوُ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ. وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ: أَنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الذَّنْبِ مُكَفِّرَةٌ لَهُ. وَبِهِ صَرَّحَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي الْكُفْرِ، أَمَّا غَيْرُهُ فَهَلْ هُوَ مَقْطُوعٌ أَوْ مَظْنُونٌ قَوْلَانِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالَّذِي أَقُولُهُ أَنَّ مَنِ اسْتَقْرَأَ الشَّرِيعَةَ قُرْآنًا وَسُنَّةً عَلِمَ الْقَطْعَ وَالْيَقِينَ أَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الصَّادِقِينَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 النَّيْسَابُورِيِّ وَالْقَعْنَبِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَأَيُّوبُ وَشُعْبَةُ عَنْ نَافِعٍ بِنَحْوِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 [باب جَامِعِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ الْمِصْرِيِّ «أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنْ الْعِنَبِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَهْدَى رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا قَالَ لَا فَسَارَّهُ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَ سَارَرْتَهُ فَقَالَ أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا فَفَتَحَ الرَّجُلُ الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا»   5 - بَابُ جَامِعِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ 1598 - 1540 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ (عَنِ ابْنِ وَعْلَةَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (الْمِصْرِيِّ) التَّابِعِيِّ الصَّدُوقِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ السَّبَائِيِّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ (أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (عَمَّا يُعْصَرُ مِنَ الْعِنَبِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَهْدَى رَجُلٌ) هُوَ كَيْسَانُ الثَّقَفِيُّ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِهِ (لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ) أَيْ مَزَادَةً وَأَصْلُ الرَّاوِيَةِ الْبَعِيرُ يَحْمِلُ الْمَاءَ، وَالْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، ثُمَّ أُطْلِقَتِ الرَّاوِيَةُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ يُحْمَلُ عَلَيْهَا الْمَاءُ ثُمَّ عَلَى الْمَزَادَةِ، وَلَفْظُ رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ كَيْسَانَ: " «أَنَّهُ كَانَ يَتَّجِرُ فِي الْخَمْرِ وَأَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي جِئْتُكَ بِشَرَابٍ جَيِّدٍ» ". وَعِنْدَهُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدِيقٌ مِنْ ثَقِيفٍ أَوْ دَوْسٍ فَلَقِيَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ بِرَاوِيَةِ خَمْرٍ يُهْدِيهَا إِلَيْهِ» (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا) بِالْفَتْحِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ وَلِابْنِ وَهْبٍ هَلْ (عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا) بِآيَةِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] إِلَى {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 90) (قَالَ لَا) أَيْ لَمْ أَعْلَمْ بِذَلِكَ (فَسَارَّهُ) بِالتَّثْقِيلِ (رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ عَلَى غُلَامِهِ فَقَالَ: بِعْهَا. وَلِابْنِ وَهْبٍ: فَسَارَّ إِنْسَانًا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَ سَارَرْتَهُ؟) بِأَيِّ شَيْءٍ كَلَّمْتَهُ سِرًّا؟ أَيْ خُفْيَةً (قَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا) لِيَنْتَفِعَ بِحَقِّهَا (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ) اللَّهَ (الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا) لِأَنَّهُ قَالَ: رِجْسٌ أَيْ نَجَسٌ وَهُوَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى شُرْبِهَا. وَفِي حَدِيثِ كَيْسَانَ قَالَ: إِنَّهَا قَدْ حُرِّمَتْ وَحُرِّمَ الحديث: 1598 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 ثَمَنُهَا. (فَفَتَحَ الرَّجُلُ الْمَزَادَتَيْنِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالزَّايِ، تَثْنِيَةُ مَزَادَةِ الْقِرْبَةِ ; لِأَنَّهُ يَتَزَوَّدُ فِيهَا الْمَاءُ (حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا) مِنَ الْخَمْرِ. فَفِيهِ وُجُوبُ إِرَاقَتِهِ لِفِعْلِهِ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ، وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الرَّجُلَ الْمُهْدِي رَاوِيَةَ الْخَمْرِ لَقِيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِ أَنَّهُ «كَانَ يُهْدِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ عَامٍ رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ حُرِّمَتْ جَاءَ بِرَاوِيَتِهِ فَقَالَ: أَشَعَرْتَ أَنَّهَا قَدْ حُرِّمَتْ بَعْدَكَ؟ قَالَ: أَفَلَا أَبِيعُهَا وَأَنْتَفِعُ بِحَقِّهَا؟ فَنَهَاهُ» ، فَفِي هَذَا تَأْيِيدُ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ إِسْلَامَ تَمِيمٍ كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ. وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتْ: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: 219] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 219) فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً فَنَزَلَتْ: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 43) فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمَائِدَةِ إِلَى قَوْلِهِ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] (سورة الْمَائِدَةِ الْآيَةُ 91) قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا. صَحَّحَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ انْتَهَى. وَبِحَدِيثِ عُمَرَ قَدْ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ بِاحْتِمَالِ أَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ كَانَتْ فِي سَنَةٍ مِنْهَا. وَزَعَمَ مُغَلْطَايُ أَنَّهَا حُرِّمَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ. وَالْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ عَقِبَ قَوْلِ حَمْزَةَ: إِنَّمَا أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِأَبِي يَعْنِي سَنَةَ اثْنَيْنِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ: اصْطَبَحَ الْخَمْرَ نَاسٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَقُتِلُوا مِنْ يَوْمِهِمْ جَمِيعًا شُهَدَاءَ. ثُمَّ احْذَرْ أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ الْخَمْرَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِهْدَاءِ الرَّاوِيَةِ إِلَيْهِ كُلَّ عَامٍ قَبْلَ التَّحْرِيمِ أَنْ يَشْرَبَ بَلْ يُهْدِيهَا أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَقَدْ صَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَبْلِ النُّبُوَّةِ عَمَّا يُخَالِفُ شَرْعَهُ، وَهُوَ لَمْ يَشْرَبِ الْخَمْرَ الْمُحْضَرَ مِنَ الْجَنَّةِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْبَيْعِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي وَعْلَةَ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَأَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ قَالَ فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أَنَسُ قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا قَالَ فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ   1599 - 1541 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٍ حُجَّةٍ، أَبِي يَحْيَى مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ بَعْدَهَا (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ) عَامِرَ (ابْنَ الْجَرَّاحِ) أَحَدَ الْعَشَرَةِ (وَأَبَا طَلْحَةَ) زَيْدَ بْنَ سَهْلٍ (الْأَنْصَارِيَّ) زَوْجَ أُمِّ الحديث: 1599 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 أَنَسٍ وَجَدَّ إِسْحَاقَ (وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ) سَيِّدَ الْقُرَّاءِ وَكَبِيرَ الْأَنْصَارِ وَعَالِمَهُمْ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: وَأَبَا دُجَانَةَ وَسُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَأَبَا أَيُّوبَ (شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ، وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنَ الْبُسْرِ الْمَنْضُوخِ وَهُوَ الْمَشْدُوخُ. (وَتَمْرٍ) بِفَوْقِيَّةٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ قَزَعَةَ مِنْ فَضِيخٍ وَهُوَ تَمْرٌ، وَلِإِسْمَاعِيلَ مِنْ خَمْرٍ فَضِيخٍ، وَزَهْوٍ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْهَاءِ فَوَاوٍ أَيْ مَشْدُوخِ بُسْرٍ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَسْقِيهِمْ مِنْ مَزَادَةٍ فِيهَا خَلِيطُ بُسْرٍ وَتَمْرٍ. وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ وَالْخَمْرُ يَوْمَئِذٍ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ. وَلِأَحْمَدَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: حَتَّى كَادَ الشَّرَابُ يَأْخُذُ فِيهِمْ. وَلِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ: حَتَّى مَالَتْ رُؤُوسُهُمْ. (قَالَ) أَنَسٌ (فَجَاءَهُمْ آتٍ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ (فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ) لِرَبِيبِهِ السَّاقِي (يَا أَنَسُ قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جَرَّةٍ الَّتِي فِيهَا الشَّرَابُ الْمَذْكُورُ (فَاكْسِرْهَا قَالَ) أَنَسٌ: (فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ فَرَاءٍ فَأَلِفٍ فَسِينٍ مُهْمَلَةٍ، حَجَرٍ مُسْتَطِيلٍ يُنْقَرُ وَيُدَقُّ فِيهِ وَيُتَوَضَّأُ، وَقَدِ اسْتُعِيرَ لِلْخَشَبَةِ الَّتِي يُدَقُّ فِيهَا الْحَبُّ فَقِيلَ لَهَا مِهْرَاسٌ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْمِهْرَاسِ مِنَ الْحَجَرِ أَوِ الصُّفْرِ الَّذِي يُهْرَسُ فِيهِ الْحُبُوبُ وَغَيْرُهَا. (فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ) وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: قُمْ يَا أَنَسُ فَأَهْرِقْهَا فَأَهْرَقْتُهَا. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا وَلَا رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ. وَفِيهِ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ ; لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا بِهِ نَسْخَ الشَّيْءِ الَّذِي كَانَ مُبَاحًا حَتَّى قَدِمُوا مِنْ أَجْلِهِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ مِنْ صَبِّ الْخَمْرِ وَكَسْرِ أَوَانِيهِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَشْرِبَةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي خَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْأَشْرِبَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ يَدْخُلُ فِي الْمُسْنَدِ عِنْدَ الْجَمِيعِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ شَكَا إِلَيْهِ أَهْلُ الشَّامِ وَبَاءَ الْأَرْضِ وَثِقَلَهَا وَقَالُوا لَا يُصْلِحُنَا إِلَّا هَذَا الشَّرَابُ فَقَالَ عُمَرُ اشْرَبُوا هَذَا الْعَسَلَ قَالُوا لَا يُصْلِحُنَا الْعَسَلُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ هَلْ لَكَ أَنْ نَجْعَلَ لَكَ مِنْ هَذَا الشَّرَابِ شَيْئًا لَا يُسْكِرُ قَالَ نَعَمْ فَطَبَخُوهُ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَبَقِيَ الثُّلُثُ فَأَتَوْا بِهِ عُمَرَ فَأَدْخَلَ فِيهِ عُمَرُ إِصْبَعَهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ فَتَبِعَهَا يَتَمَطَّطُ فَقَالَ هَذَا الطِّلَاءُ هَذَا مِثْلُ طِلَاءِ الْإِبِلِ فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ أَنْ يَشْرَبُوهُ فَقَالَ لَهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَحْلَلْتَهَا وَاللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ كَلَّا وَاللَّهِ اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمْتَهُ عَلَيْهِمْ وَلَا أُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا أَحْلَلْتَهُ لَهُمْ   1600 - 1542 - (مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ الْأُمَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ وَاقِدٍ) بِالْقَافِ (ابْنِ عُمَرَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْأَشْهَلِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الحديث: 1600 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 الْمَدَنِيِّ، الثِّقَةُ التَّابِعِيُّ الصَّغِيرُ مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ (الْأَنْصَارِيِّ) الْأَوْسِيِّ الْأَشْهَلِيِّ، صَحَابِيٍّ صَغِيرٍ وَجُلُّ رِوَايَتِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَلَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ) فِي خِلَافَتِهِ (شَكَا إِلَيْهِ أَهْلُ الشَّامِ وَبَاءَ الْأَرْضِ) أَيْ مَرَضَ أَرْضِهِمُ الْعَامَّ (وَثِقَلَهَا) بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ ضِدَّ الْخِفَّةِ (وَقَالُوا لَا يُصْلِحُنَا إِلَّا هَذَا الشَّرَابُ، فَقَالَ عُمَرُ: اشْرَبُوا هَذَا الْعَسَلَ) النَّحْلَ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً (فَقَالُوا لَا يُصْلِحُنَا الْعَسَلُ) لَا يُوَافِقُ أَمْزِجَتَنَا (فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ) يَعْنِي أَرْضَ الشَّامِ: (هَلْ لَكَ) رَغْبَةٌ فِي (أَنْ نَجْعَلَ لَكَ مِنْ هَذَا الشَّرَابِ شَيْئًا لَا يُسْكِرُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَطَبَخُوهُ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَبَقِيَ الثُّلُثُ فَأَتَوْا بِهِ عُمَرَ) لِيَعْرِضُوهُ عَلَيْهِ (فَأَدْخَلَ عُمَرُ فِيهِ إِصْبَعَهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ فَتَبِعَهَا يَتَمَطَّطُ) يَتَمَدَّدُ (فَقَالَ: هَذَا الطِّلَاءُ) بِالْمَدِّ مَا يُطْبَخُ مِنَ الْعَصِيرِ حَتَّى يَغْلُظَ (هَذَا مِثْلُ طِلَاءِ الْإِبِلِ) أَيِ الْقَطِرَانِ الَّذِي يُطْلَى بِهِ جَرَبُهَا (فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ أَنْ يَشْرَبُوهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مُسْكِرًا (فَقَالَ لَهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ) أَحَدُ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ (أَحْلَلْتَهَا وَاللَّهِ) أَيِ الْخَمْرَ (فَقَالَ عُمَرُ: كَلَّا) رَدْعٌ أَيِ انْزَجِرْ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ (وَاللَّهِ) لَمْ أُحَلِّلْهَا لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ حِينَئِذٍ أَدَّاهُ إِلَى جَوَازِ مَا لَا يُسْكِرُ. (اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمْتَهُ عَلَيْهِمْ وَلَا أُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا أَحْلَلْتَهُ لَهُمْ) وَكَأَنَّ عُمَرَ اجْتَهَدَ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَحَدَّ ابْنَهُ فِي شُرْبِ الطِّلَاءِ كَمَا مَرَّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالُوا لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّا نَبْتَاعُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ فَنَعْصِرُهُ خَمْرًا فَنَبِيعُهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتَهُ وَمَنْ سَمِعَ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَنِّي لَا آمُرُكُمْ أَنْ تَبِيعُوهَا وَلَا تَبْتَاعُوهَا وَلَا تَعْصِرُوهَا وَلَا تَشْرَبُوهَا وَلَا تَسْقُوهَا فَإِنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ   1600 - 1543 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 الْعِرَاقِ) الْإِقْلِيمِ الْمَعْرُوفِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، قِيلَ هُوَ مُعَرَّبٌ وَقِيلَ سُمِّيَ عِرَاقًا لِأَنَّهُ سَفَلَ عَنْ نَجْدٍ وَدَنَا مِنَ الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ عِرَاقِ الْقِرْبَةِ وَالْمَزَادَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هُوَ مَا ثُنِّيَ ثُمَّ خُرِزَ مَثْنِيًّا (قَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ ابْنِ عُمَرَ (إِنَّا نَبْتَاعُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ فَنَعْصِرُهُ خَمْرًا فَنَبِيعُهَا) فَهَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ أَمْ لَا؟ وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ. (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتَهُ وَمَنْ سَمِعَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أَتَى بِذَلِكَ لِزِيَادَةِ الزَّجْرِ وَالتَّهْوِيلِ وَالْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ حُرْمَةَ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا (إِنِّي لَا آمُرُكُمْ أَنْ تَبِيعُوهَا وَلَا تَبْتَاعُوهَا) تَشْتَرُوهَا (وَلَا تَعْصِرُوهَا وَلَا تَشْرَبُوهَا وَلَا تَسْقُوهَا) غَيْرَكُمْ (فَإِنَّهَا رِجْسٌ) خَبَثٌ مُسْتَقْذَرٌ (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) الَّذِي يُوَسْوِسُ. 511 - 1 1 . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 [كِتَاب الْعُقُولِ] [باب ذِكْرِ الْعُقُولِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْعُقُولِ باب ذِكْرِ الْعُقُولِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الْعُقُولِ أَنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِيَ جَدْعًا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِي الْجَائِفَةِ مِثْلُهَا وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ»   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 43 - كِتَابُ الْعُقُولِ جَمْعُ عَقْلٍ، يُقَالُ عَقَلْتُ الْقَتِيلَ عَقْلًا أَدَّيْتُ دِيَتَهُ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سُمِّيَتِ الدِّيَةُ عَقْلًا تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ ; لِأَنَّ الْإِبِلَ كَانَتْ تُعْقَلُ بِفِنَاءِ وَلِيِ الْقَتِيلِ ثُمَّ كَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ حَتَّى أُطْلِقَ الْعَقْلُ عَلَى الدِّيَةِ إِبِلًا كَانَتْ أَوْ نَقْدًا. 1 - بَابُ ذِكْرِ الْعُقُولِ أَخَّرَ الْبَسْمَلَةَ لِأَنَّهُ جَعَلَ التَّرْجَمَةَ بِكِتَابٍ كَالْعُنْوَانِ، فَالْمَقْصُودُ بِالْبَدَاءَةِ بِهِ مَا بَعْدَهَا فَجَعَلَ الْبَسْمَلَةَ أَوَّلَهُ، وَكَثِيرًا مَا يُقَدِّمُ الْبَسْمَلَةَ عَلَى كِتَابٍ نَظَرًا إِلَى الْبَدْءِ الْحَقِيقِيِّ وَذَلِكَ تَفَنُّنٌ لَطِيفٌ وَقَدَّمْتُ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ. 1601 - 1544 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي بَكْرٍ اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ، وَقِيلَ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ صَالِحٍ، وَرُوِيَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جِدِّهِ (أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمِ) بْنِ لَوْذَانَ الْأَنْصَارِيِّ النَّجَّارِيِّ شَهِدَ الْخَنْدَقَ وَمَا بَعْدَهَا، وَكَانَ عَامِلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَجْرَانَ مَاتَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ، وَغَلِطَ مَنْ قَالَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ (فِي الْعُقُولِ) أَيِ الدِّيَاتِ وَهُوَ كِتَابٌ جَلِيلٌ فِيهِ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْفِقْهِ فِي الزَّكَاةِ وَالدِّيَاتِ وَالْأَحْكَامِ، وَذِكْرِ الْكَبَائِرِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ وَأَحْكَامِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ الحديث: 1601 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 وَالِاحْتِبَاءِ فِيهِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَدِمَ بِهِ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ وَهَذِهِ نُسْخَتُهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إِلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كَلَالٍ وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كَلَالٍ، وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كَلَالٍ، قِيلَ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِيرَ وَهَمْدَانَ، أَمَّا بَعْدُ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَفِيهِ: (أَنَّ فِي) قَتْلِ (النَّفْسِ) خَطَأً (مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ) عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ وَفِي الطَّرِيقِ الْمَوْصُولَةِ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ قَبْلَ قَوْلِهِ: (وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا يَاءٌ أَيْ أُخِذَ كُلُّهُ (جَدْعًا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَتَيْنِ أَيْ قَطْعًا، وَوَعَى وَاسْتَوْعَى لُغَةً الِاسْتِيعَابُ وَهُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ كُلِّهِ، وَرُوِيَ وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِيَتْ جَدْعَةً، وَيُرْوَى اسْتُوعِبَ أَيِ اسْتُؤْصِلَ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ (مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ) عَلَى أَهْلِهَا، وَفِي الطَّرِيقِ الْمَوْصُولَةِ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ. (وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) قِيلَ لَهَا مَأْمُومَةٌ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمَفْعُولِيَّةِ فِي الْأَصْلِ، وَجَمْعُهَا عَلَى لَفْظِهَا مَأْمُومَاتٌ، وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إِلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَهِيَ أَشَدُّ الشِّجَاجِ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَصَاحِبُهَا يُصْعَقُ لِصَوْتِ الرَّعْدِ وَلِرُغَاءِ الْإِبِلِ، وَلَا يُطِيقُ الْبُرُوزَ فِي الشَّمْسِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا آمَةٌ وَجَمْعُهَا أُوَامٌ مِثْلُ دَابَّةٍ وَدَوَابٍّ. (وَفِي الْجَائِفَةِ مِثْلُهَا) ثُلُثُ الدِّيَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ جَافَتْهُ تَجُوفُهُ إِذَا وَصَلَتْ لِجَوْفِهِ. (وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ) مِنَ الْإِبِلِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لِأَعْوَرَ. (وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ) مِنَ الْإِبِلِ. (وَفِي الرِّجْلِ) الْوَاحِدَةِ (خَمْسُونَ) مِنَ الْإِبِلِ. (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ) فِي يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ) يَتَعَلَّقُ بِهِ وَبِالثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّنَازُعِ فَفِيهِ حُجَّةٌ لِمُجِيزِهِ. (وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ) مِنَ الْإِبِلِ أَضْرَاسٍ أَوْ ثَنَايَا أَوْ رُبَاعِيَّاتٍ. (وَفِي الْمُوضِحَةِ) الشَّجَّةِ الَّتِي تَكْشِفُ الْعَظْمَ (خَمْسٌ) مِنَ الْإِبِلِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 [باب الْعَمَلِ فِي الدِّيَةِ] حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ فَأَهْلُ الذَّهَبِ أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ وَأَهْلُ الْوَرِقِ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْطَعُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّلَاثُ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فِي الدِّيَةِ الْإِبِلُ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْعَمُودِ الذَّهَبُ وَلَا الْوَرِقُ وَلَا مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ الْوَرِقُ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ الذَّهَبُ   2 - بَابُ الْعَمَلِ فِي الدِّيَةِ 1545 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ) أَيْ مَنْ يَغْلِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي قُرَاهُمْ (اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) فِضَّةً. (قَالَ مَالِكٌ: فَأَهْلُ الذَّهَبِ أَهْلُ الشَّامِ، وَأَهْلُ مِصْرَ) وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ (وَأَهْلُ الْوَرِقِ أَهْلُ الْعِرَاقِ) وَمَنْ وَالَاهُمْ. (مَالِكٌ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْطَعُ) أَيْ تُنَجَّمُ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ) رِفْقًا بِالْعَاقِلَةِ (قَالَ مَالِكٌ: وَالثَّلَاثُ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) مِنَ الْأَرْبَعِ (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فِي الدِّيَةِ الْإِبِلُ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. (وَلَا مِنْ أَهْلِ الْعَمُودِ الذَّهَبُ وَلَا الْوَرِقُ) لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَيْهِمُ الْإِبِلُ. (وَلَا مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ الْوَرِقُ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ الذَّهَبُ) فَإِنَّمَا يُقْبَلُ مِنْ كُلٍّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 [باب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الْعَمْدِ إِذَا قُبِلَتْ وَجِنَايَةِ الْمَجْنُونِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَانَ يَقُولُ فِي دِيَةِ الْعَمْدِ إِذَا قُبِلَتْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً   3 - بَابُ دِيَةِ الْعَمْدِ إِذَا قُبِلَتْ وَجِنَايَةِ الْمَجْنُونِ 1603 - 1546 - (مَالِكٌ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَانَ يَقُولُ فِي دِيَةِ) الْقَتْلِ (الْعَمْدِ إِذَا قُبِلَتْ) أَيْ رَضِيَ بِهَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ بِأَنْ عَفَا عَنِ الدِّيَةِ (خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُعْجَمَةِ الْخَفِيفَةِ فَمُعْجَمَةٍ أَتَى عَلَيْهَا حَوْلٌ وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِي وَحَمَلَتْ أُمُّهَا، وَالْمَخَاضُ الْحَامِلُ أَيْ دَخَلَ وَقْتُ حَمْلِهَا وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ. (وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ) وَهِيَ الَّتِي دَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ فَصَارَتْ أُمُّهَا لَبَوْنًا بِوَضْعِ حَمْلِهَا. (وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْقَافِ وَهِيَ الَّتِي دَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ. (وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي دَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهَا جَذَعَتْ أَيْ أَسْقَطَتْ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا. الحديث: 1603 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ أُتِيَ بِمَجْنُونٍ قَتَلَ رَجُلًا فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنْ اعْقِلْهُ وَلَا تُقِدْ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَجْنُونٍ قَوَدٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ إِذَا قَتَلَا رَجُلًا جَمِيعًا عَمْدًا أَنَّ عَلَى الْكَبِيرِ أَنْ يُقْتَلَ وَعَلَى الصَّغِيرِ نِصْفُ الدِّيَةِ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ يَقْتُلَانِ الْعَبْدَ فَيُقْتَلُ الْعَبْدُ وَيَكُونُ عَلَى الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَتِهِ   1604 - 1547 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ) أَمِيرَ الْمَدِينَةِ (كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ كِتَابًا وَأَرْسَلَهُ إِلَيْهِ بِالشَّامِ (أَنَّهُ أُتِيَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (بِمَجْنُونٍ قَتَلَ رَجُلًا فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنِ اعْقِلْهُ) بِهَمْزَةِ وَصْلِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ احْبِسْهُ بِالْعِقَالِ الْقَيْدِ (وَلَا تُقِدْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (مِنْهُ) أَيْ لَا تَقْتَصَّ مِنْ أَقَادَ الْأَمِيرُ الْقَاتِلَ بِالْقَتِيلِ قَتَلَهُ بِهِ (فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَجْنُونٍ قَوَدٌ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ قِصَاصٌ لِحَدِيثِ: " «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» مِنْهَا الْمَجْنُونُ حَتَّى يَبْرَأَ ". (قَالَ مَالِكٌ فِي الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ إِذَا قَتَلَا رَجُلًا جَمِيعًا عَمْدًا أَنَّ عَلَى الْكَبِيرِ أَنْ يُقْتَلَ) قِصَاصًا (وَعَلَى الصَّغِيرِ نِصْفُ الدِّيَةِ) وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ. الحديث: 1604 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 (وَكَذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ يَقْتُلَانِ الْعَبْدَ) أَيِ الرَّقِيقَ عَمْدًا (فَيُقْتَلُ الْعَبْدُ) لِمُسَاوَاتِهِ لِلْمَقْتُولِ (وَيَكُونُ عَلَى الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَتِهِ) وَلَوْ زَادَتْ عَلَى الدِّيَةِ وَلَا يُقْتَلُ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 [باب دِيَةِ الْخَطَإِ فِي الْقَتْلِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ أَجْرَى فَرَسًا فَوَطِئَ عَلَى إِصْبَعِ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ فَنُزِيَ مِنْهَا فَمَاتَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلَّذِي ادُّعِيَ عَلَيْهِمْ أَتَحْلِفُونَ بِاللَّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا مَاتَ مِنْهَا فَأَبَوْا وَتَحَرَّجُوا وَقَالَ لِلْآخَرِينَ أَتَحْلِفُونَ أَنْتُمْ فَأَبَوْا فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِشَطْرِ الدِّيَةِ عَلَى السَّعْدِيِّينَ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا   1605 - 1548 4 - بَابُ دِيَةِ الْخَطَأِ فِي الْقَتْلِ - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ عِرَاكٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ فَرَاءٍ مَفْتُوحَةٍ خَفِيفَةٍ فَأَلِفٍ وَكَافٍ (ابْنِ مَالِكٍ) الْغِفَارِيِّ الْكِنْدِيِّ الْمَدَنِيِّ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ الْفَاضِلِ مَاتَ بَعْدَ الْمِائَةِ. (وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْمُهْمَلَةِ الْخَفِيفَةِ (أَنَّ رَجُلًا) لَمْ يُسَمَّ (مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثِ) بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ السَّعْدِيُّ (أَجْرَى) بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَسُكُونِ الْجِيمِ (فَرَسًا فَوَطِئَ) مَشَى (عَلَى أُصْبُعِ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ قَبِيلَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ (فَنُزِيَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ كَعُنِيَ نَزَفَ أَيْ خَرَجَ الدَّمُ بِكَثْرَةٍ مِنْهَا (فَمَاتَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلَّذِي ادُّعِىَ عَلَيْهِمْ) أَيْ أَوْلِيَاءُ الَّذِي أَجْرَى: (أَتَحْلِفُونَ بِاللَّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا مَاتَ مِنْهَا؟) أَيْ مِنَ الْفِعْلَةِ الْمَذْكُورَةِ (فَأَبَوْا) أَنْ يَحْلِفُوا (وَتَحَرَّجُوا) بِالْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ أَيْ فَعَلُوا فِعْلًا جَانَبُوا بِهِ الْحَرَجَ وَهُوَ الْإِثْمُ، فَهَذَا مِمَّا وَرَدَ لَفْظُهُ مُخَالِفًا لِمَعْنَاهُ كَمُتَأَثِّمٍ تَحَنَّثَ تَحَرَّجَ. (فَقَالَ لِلْآخَرِينَ) الْجُهَنِيِّينَ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ (أَتَحْلِفُونَ أَنْتُمْ) أَنَّهُ مَاتَ مِنْهَا؟ (فَأَبَوْا) امْتَنَعُوا مِنَ الْحَلِفِ (فَقَضَى عُمَرُ بِشَطْرِ) أَيْ نِصْفِ (الدِّيَةِ عَلَى السَّعْدِيِّينَ) عَاقِلَةِ الَّذِي أَجْرَى. (قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا) الْمَذْكُورِ مِنَ الْقَضَاءِ بِشَطْرِ الدِّيَةِ وَتَبْدِيَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْحَلِفِ الحديث: 1605 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 وَالْمَصِيرُ إِلَى الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى تَبْدِيَةِ الْمُدَّعِينَ فِي الْقَسَامَةِ أَوْلَى فِي الْحُجَّةِ مِنْ قَوْلِ الصَّاحِبِ، وَيُعَضِّدُهُ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِيِّينَ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَرَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانُوا يَقُولُونَ دِيَةُ الْخَطَإِ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرًا وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا قَوَدَ بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَإِنَّ عَمْدَهُمْ خَطَأٌ مَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ وَيَبْلُغُوا الْحُلُمَ وَإِنَّ قَتْلَ الصَّبِيِّ لَا يَكُونُ إِلَّا خَطَأً وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ صَبِيًّا وَكَبِيرًا قَتَلَا رَجُلًا حُرًّا خَطَأً كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ قُتِلَ خَطَأً فَإِنَّمَا عَقْلُهُ مَالٌ لَا قَوَدَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ مَالِهِ يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ وَتَجُوزُ فِيهِ وَصِيَّتُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ تَكُونُ الدِّيَةُ قَدْرَ ثُلُثِهِ ثُمَّ عَفَا عَنْ دِيَتِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ دِيَتِهِ جَازَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ إِذَا عَفَا عَنْهُ وَأَوْصَى بِهِ   1605 - 1549 - (مَالِكٌ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَرَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانُوا يَقُولُونَ: دِيَةُ الْخَطَأِ) عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ مُخَمَّسَةٌ (عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ) وَبِنْتَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَابْنَ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ لِلْعَدَدِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (ذَكَرًا) بِالنَّصْبِ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ ابْنٍ لَا يَكُونُ إِلَّا ذَكَرًا ; لِأَنَّ مِنَ الْحَيَوَانِ مَا يُطْلَقُ عَلَى ذَكَرِهِ وَأُنْثَاهُ لَفْظُ ابْنٍ، كَابْنِ عُرْسٍ وَابْنِ آوَى، أَوْ مُجَرَّدُ التَّأَكُّدِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ كَـ (غَرَابِيبُ سُودٌ) ، أَوِ احْتِرَازٌ عَنِ الْخُنْثَى، وَفِيهِ بُعْدٌ (وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) بِخِلَافِ دِيَةِ الْعَمْدِ فَمُرَبَّعَةٌ بِحَذْفِ ابْنِ لَبُونٍ كَمَا مَرَّ قَرِيبًا. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا قَوَدَ) أَيْ قِصَاصَ (وَأَنَّ عَمْدَهُمْ خَطَأٌ) أَيْ كَالْخَطَأِ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمْ (مَا) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِهِمْ صِبْيَانًا (لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمُ الْحُدُودُ وَ) لَمْ (يَبْلُغُوا الْحُلُمَ وَإِنَّ قَتْلَ الصَّبِيِّ لَا يَكُونُ إِلَّا خَطَأً) أَيْ لَا يُعْطَى إِلَّا حُكْمَهُ (وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ صَبِيًّا وَكَبِيرًا قَتَلَا رَجُلًا حُرًّا خَطَأً كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) وَقَدَّمَ أَنَّ عَلَى الصَّبِيِّ فِي الْعَمْدِ إِذَا اشْتَرَكَ مَعَ كَبِيرٍ (وَمَنْ قُتِلَ خَطَأً فَإِنَّمَا عَقْلُهُ مَالٌ لَا قَوَدَ فِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 92) فَلَمْ يَذْكُرْ قَوَدًا (وَإِنَّمَا هُوَ) أَيِ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ فِي الْخَطَأِ (كَغَيْرِهِ مِنْ مَالِهِ) أَيِ الْقَتِيلِ (يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ وَتَجُوزُ فِيهِ وَصِيَّتُهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 مَالٌ تَكُونُ الدِّيَةُ قَدْرَ ثُلُثِهِ ثُمَّ عُفِيَ عَنْ دِيَتِهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دِيَتُهُ جَازَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ إِذَا عَفَا عَنْهُ وَأَوْصَى بِهِ) وَالثُّلُثَانِ لِوَرَثَتِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 [باب عَقْلِ الْجِرَاحِ فِي الْخَطَإِ] حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّ الْأَمْرَ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ فِي الْخَطَإِ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ حَتَّى يَبْرَأَ الْمَجْرُوحُ وَيَصِحَّ وَأَنَّهُ إِنْ كُسِرَ عَظْمٌ مِنْ الْإِنْسَانِ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَسَدِ خَطَأً فَبَرَأَ وَصَحَّ وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ فَلَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ فَإِنْ نَقَصَ أَوْ كَانَ فِيهِ عَثَلٌ فَفِيهِ مِنْ عَقْلِهِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَظْمُ مِمَّا جَاءَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلٌ مُسَمًّى فَبِحِسَابِ مَا فَرَضَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَأْتِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلٌ مُسَمًّى وَلَمْ تَمْضِ فِيهِ سُنَّةٌ وَلَا عَقْلٌ مُسَمًّى فَإِنَّهُ يُجْتَهَدُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ فِي الْجِرَاحِ فِي الْجَسَدِ إِذَا كَانَتْ خَطَأً عَقْلٌ إِذَا بَرَأَ الْجُرْحُ وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ فَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَثَلٌ أَوْ شَيْنٌ فَإِنَّهُ يُجْتَهَدُ فِيهِ إِلَّا الْجَائِفَةَ فَإِنَّ فِيهَا ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ فِي مُنَقِّلَةِ الْجَسَدِ عَقْلٌ وَهِيَ مِثْلُ مُوضِحَةِ الْجَسَدِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الطَّبِيبَ إِذَا خَتَنَ فَقَطَعَ الْحَشَفَةَ إِنَّ عَلَيْهِ الْعَقْلَ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْخَطَإِ الَّذِي تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَأَنَّ كُلَّ مَا أَخْطَأَ بِهِ الطَّبِيبُ أَوْ تَعَدَّى إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ فَفِيهِ الْعَقْلُ   5 - بَابُ عَقْلِ الْجِرَاحِ فِي الْخَطَأِ جَمْعُ جُرْحٍ وَهُوَ هُنَا مَا دُونَ النَّفْسِ. - (مَالِكٌ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ فِي الْخَطَأِ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ) أَيْ لَا يُؤْخَذُ عَقْلُهُ أَيْ دِيَتُهُ (حَتَّى يَبْرَأَ الْمَجْرُوحُ وَيَصِحَّ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ الْجُرْحُ إِلَى الْمَوْتِ. (وَأَنَّهُ إِنْ كُسِرَ عَظْمٌ مِنَ الْإِنْسَانِ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْجَسَدِ خَطَأً فَبَرَأَ وَصَحَّ وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ) لِصِفَتِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلُ (فَلَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ، فَإِنْ نَقَصَ) أَيْ بَرِئَ عَلَى نَقْصٍ (أَوْ كَانَ فِيهِ عَثَلٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَلَامٍ أَيْ بَرِئَ اسْتِوَاءً (فَفِيهِ مِنْ عَقْلِهِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَ مِنْهُ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَظْمُ مِمَّا جَاءَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلٌ مُسَمًّى فَبِحِسَابِ مَا فَرَضَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَمْ يَأْتِ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلٌ مُسَمًّى وَلَمْ تَمْضِ فِيهِ سُنَّةٌ) طَرِيقَةٌ لِلسَّلَفِ (وَلَا عَقْلٌ مُسَمًّى فَإِنَّهُ يُجْتَهَدُ فِيهِ. وَلَيْسَ فِي الْجِرَاحِ فِي الْجَسَدِ إِذَا كَانَتْ خَطَأً عَقْلٌ إِذَا بَرِئَ الْجُرْحُ وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ) الْأُولَى (فَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَثَلٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمُثَلَّثَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 عَدَمُ اسْتِوَاءٍ (أَوْ شَيْنٌ فَإِنَّهُ يُجْتَهَدُ فِيهِ إِلَّا الْجَائِفَةَ فَإِنَّ فِيهَا ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ) لِنَصِّ الْحَدِيثِ. (وَلَيْسَ فِي مُنَقِّلَةِ الْجَسَدِ) بِكَسْرِ الْقَافِ الشَّدِيدَةِ وَفَتْحِهَا قِيلَ وَهُوَ أَوْلَى ; لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْأَجْرَاحِ وَهَكَذَا ضَبَطَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ، وَهِيَ الَّتِي يُنْقَلُ مِنْهَا فِرَاشُ الْعِظَامِ وَهِيَ مَا رَقَّ مِنْهَا، وَضَبَطَهُ الْفَارَابِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ بِالْكَسْرِ عَلَى إِرَادَةِ نَفْسِ الضَّرْبَةِ ; لِأَنَّهَا تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَتَنْقُلُهُ (عَقْلٌ وَهِيَ مِثْلُ مُوضِحَةِ الْجَسَدِ) أَيْ لَا عَقْلَ فِيهَا. (وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الطَّبِيبَ إِذَا خَتَنَ فَقَطَعَ الْحَشَفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ الْعَقْلَ) الدِّيَةَ كَامِلَةً (وَأَنَّ ذَلِكَ) الْفِعْلَ (مِنَ الْخَطَأِ الَّذِي تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَأَنَّ كُلَّ مَا أَخْطَأَ بِهِ الطَّبِيبُ أَوْ تَعَدَّى إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ فِيهِ الْعَقْلُ) فَإِنْ تَعَمَّدَ فَالْقِصَاصُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 [باب عَقْلِ الْمَرْأَةِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ تُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إِلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ إِصْبَعُهَا كَإِصْبَعِهِ وَسِنُّهَا كَسِنِّهِ وَمُوضِحَتُهَا كَمُوضِحَتِهِ وَمُنَقِّلَتُهَا كَمُنَقِّلَتِهِ   6 - بَابُ عَقْلِ الْمَرْأَةِ 1607 - 1550 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: تُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ) أَيْ تَسَاوِي دِيَتُهُ دِيَتَهَا (إِلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ إِصْبَعُهَا كَإِصْبَعِهِ) فِيهِ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ. (وَسِنُّهَا كَسِنِّهِ) فِيهَا خَمْسُ إِبِلٍ. (وَمُوضِحَتُهَا كَمُوضِحَتِهِ) خَمْسُ إِبِلٍ. (وَمُنَقِّلَتُهَا كَمُنَقِّلَتِهِ) الَّتِي فِي الرَّأْسِ. الحديث: 1607 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَبَلَغَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الْمَرْأَةِ أَنَّهَا تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إِلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ فَإِذَا بَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ كَانَتْ إِلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهَا تُعَاقِلُهُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَمَا دُونَ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَأَشْبَاهِهِمَا مِمَّا يَكُونُ فِيهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا فَإِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ كَانَ عَقْلُهَا فِي ذَلِكَ النِّصْفَ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ   1607 - 1551 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) سَمَاعًا (وَبَلَغَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُمَا كَانَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 يَقُولَانِ مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الْمَرْأَةِ أَنَّهَا تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إِلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ فَإِذَا بَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ كَانَتْ) أَيْ صَارَتْ وَرُدَّتْ (إِلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ) وَيَأْتِي أَنَّ رَبِيعَةَ اسْتَشْكَلَهُ فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ السُّنَّةُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي مَرْفُوعًا: " «عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا» " وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ إِلَّا أَنَّهُ اعْتَضَدَ بِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ هِيَ السُّنَّةُ. (قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهَا تُعَاقِلُهُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَمَا دُونَ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَأَشْبَاهِهِمَا، مِمَّا يَكُونُ فِيهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا، فَإِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ كَانَ عَقْلُهَا فِي ذَلِكَ النِّصْفَ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ) عَلَى الْأَصْلِ فِي أَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْهُ خَرَجَ مُسَاوَاتُهَا لِلرَّجُلِ إِلَى الثُّلُثِ بِالسُّنَّةِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَصَابَ امْرَأَتَهُ بِجُرْحٍ أَنَّ عَلَيْهِ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ وَلَا يُقَادُ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْخَطَإِ أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَيُصِيبَهَا مِنْ ضَرْبِهِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ كَمَا يَضْرِبُهَا بِسَوْطٍ فَيَفْقَأُ عَيْنَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يَكُونُ لَهَا زَوْجٌ وَوَلَدٌ مِنْ غَيْرِ عَصَبَتِهَا وَلَا قَوْمِهَا فَلَيْسَ عَلَى زَوْجِهَا إِذَا كَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى مِنْ عَقْلِ جِنَايَتِهَا شَيْءٌ وَلَا عَلَى وَلَدِهَا إِذَا كَانُوا مِنْ غَيْرِ قَوْمِهَا وَلَا عَلَى إِخْوَتِهَا مِنْ أُمِّهَا إِذَا كَانُوا مِنْ غَيْرِ عَصَبَتِهَا وَلَا قَوْمِهَا فَهَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِمِيرَاثِهَا وَالْعَصَبَةُ عَلَيْهِمْ الْعَقْلُ مُنْذُ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَوْمِ وَكَذَلِكَ مَوَالِي الْمَرْأَةِ مِيرَاثُهُمْ لِوَلَدِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهَا وَعَقْلُ جِنَايَةِ الْمَوَالِي عَلَى قَبِيلَتِهَا   1607 - 1552 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَصَابَ امْرَأَتَهُ بِجُرْحٍ) مُتَعَلِّقٌ بِـ (أَصَابَ) (أَنَّ عَلَيْهِ عَقْلَ ذَلِكَ) الْجُرْحِ (وَلَا يُقَادُ مِنْهُ) أَيْ يُقْتَصُّ. (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ) مِثْلَ (أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَيُصِيبَهَا) (مِنْ ضَرْبِهِ مَا) أَيْ شَيْءٌ (لَمْ يَتَعَمَّدْ كَمَا) لَوْ كَانَ (يَضْرِبُهَا بِسَوْطٍ) لِلتَّأْدِيبِ (فَيَفْقَأُ عَيْنَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ) أَمَّا إِنْ تَعَمَّدَ فَالْقَوَدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 45) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يَكُونُ لَهَا زَوْجٌ وَوَلَدٌ مِنْ غَيْرِ عَصَبَتِهَا وَلَا قَوْمِهَا فَلَيْسَ عَلَى زَوْجِهَا إِذَا كَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى مِنْ عَقْلِ جِنَايَتِهَا الْخَطَأِ شَيْءٌ، وَلَا عَلَى وَلَدِهَا إِذَا كَانُوا مِنْ غَيْرِ قَوْمِهَا، وَلَا عَلَى إِخْوَتِهَا مِنْ أُمِّهَا إِذَا كَانُوا مِنْ غَيْرِ عَصَبَتِهَا وَلَا قَوْمِهَا فَهَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِمِيرَاثِهَا) بِنَصِّ الْقُرْآنِ عَلَى تَفْصِيلِهِ. (وَالْعَصَبَةُ عَلَيْهِمُ الْعَقْلُ) أَيْ دِيَةُ جِنَايَتِهَا (مُنْذُ زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَإِلَى الْآنَ اتِّبَاعًا لَهُ. (وَكَذَلِكَ مَوَالِي الْمَرْأَةِ) الَّذِينَ أَعْتَقَتْهُمْ (مِيرَاثُهُمْ لِوَلَدِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهَا وَعَقْلُ جِنَايَةِ الْمُوَالِي) خَطَأٌ (عَلَى قَبِيلَتِهَا) فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 [باب عَقْلِ الْجَنِينِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ»   7 - بَابُ عَقْلِ الْجَنِينِ 1608 - 1553 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ نِسْبَةً إِلَى هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، وَلَا يُخَالِفُهُ رِوَايَةُ اللَّيْثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ امْرَأَتَيْنِ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ لِأَنَّهُ بَطْنٌ مِنْ هُذَيْلٍ (رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) بِحَجَرٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِحَجَرٍ فَأَصَابَ بَطْنَهَا، وَلِبَعْضِ الرُّوَاةِ بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ، وَلِبَعْضِهِمْ بِمُسَطَّحٍ أَيْ خَشَبَةٍ أَوْ عُودٍ يُرَقَّقُ بِهِ الْخُبْزُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلِهَذَا الِاضْطِرَابِ لَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَضَى الْمَعْنَى الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ الْحَجَرِ وَغَيْرِهِ فِي الْعَمْدِ، وَالرَّامِيَةُ أُمُّ عَفِيفٍ وَالْمَرْمِيَّةُ مُلَيْكَةُ انْتَهَى. وَكَانَتَا ضَرَّتَيْنِ كَمَا الحديث: 1608 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمِ بْنِ عُوَيْمِرٍ الْهُذَلِيِّ، وَعُوَيْمِرٌ بَرَاءٍ آخِرِهِ وَبِدُونِهَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَتْ أُخْتِي مُلَيْكَةُ وَامْرَأَةٌ مِنَّا يُقَالُ لَهَا أُمُّ عَفِيفٍ بِنْتُ مَسْرُوحٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ تَحْتَ حَمَلِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ فَضَرَبَتْ أُمُّ عَفِيفٍ مُلَيْكَةَ. وَلِلْبَيْهَقِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَسْمِيَةُ الضَّارِبَةِ أُمُّ غَطِيفٍ وَهُمَا وَاحِدَةٌ وَحَمَلُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ (فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا) مَيِّتًا، زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ خَالِدٍ: فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ مُنَوَّنًا بَيَاضٌ فِي الْوَجْهِ عُبِّرَ بِهِ عَنِ الْجَسَدِ كُلِّهِ إِطْلَاقًا لِلْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ (عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ) بِجَرِّهِمَا بَدَلٌ مِنْ غُرَّةٍ وَأَوْ لِلتَّقْسِيمِ لَا لِلشَّكِّ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَصْوَبُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ إِلَّا بِتَأْوِيلٍ كَمَا وَرَدَ قَلِيلًا، وَالْمُرَادُ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ وَإِنْ كَانَا أَسْوَدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْغُرَّةِ الْبَيَاضَ فِي الْوَجْهِ، لَكِنْ تَوَسَّعُوا فِي إِطْلَاقِهَا عَلَى الْجَسَدِ كُلِّهِ كَمَا قَالُوا: أَعْتَقَ رَقَبَةً. وَقَوْلُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ الْمُقْرِيِّ: الْمُرَادُ الْأَبْيَضُ لَا الْأَسْوَدُ إِذْ لَوْلَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِالْغُرَّةِ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى شَخْصِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لَمَا ذَكَرَهَا، تَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ إِجْزَاءِ الْغُرَّةِ السَّوْدَاءِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْغُرَّةُ عِنْدَ الْعَرَبِ أَنْفَسُ الشَّيْءِ، وَأُطْلِقَتْ هُنَا عَلَى الْإِنْسَانِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ فَهُوَ أَنْفَسُ الْمَخْلُوقَاتِ. وَزَادَ اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِسَنَدِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا. وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَكِلَاهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَرَكَ ذَلِكَ مَالِكٌ ; لِأَنَّ فِيهِ إِثْبَاتَ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهِ لِأَنَّهُ وَجَدَ الْفَتْوَى وَعَمَلَ الْمَدِينَةِ عَلَى خِلَافِهِ، فَكَرِهَ أَنْ يَذْكُرَ مَا لَا يَقُولُ بِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى قِصَّةِ الْجَنِينِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْغُرَّةِ، هَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّانِي. وَقَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ: لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَتْلَ الْمَرْأَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالِاضْطِرَابِ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَذَكَرَ قِصَّةَ الْجَنِينِ الَّتِي لَمْ يَخْتَلِفُ فِيهَا الْإِخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَقَبْلَهُ فِي رَآهُ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ الْخَمْسَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ بِهِ بِدُونِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَاللَّيْثُ وَيُونُسُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالزِّيَادَةِ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِ رِوَايَةِ مَالِكٍ فَقَطْ كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَا لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلْ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلْ وَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ»   1609 - 1554 الحديث: 1609 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) مُرْسَلًا عِنْدَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَوَصَلَهُ مُطَرِّفٌ وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالْحَدِيثُ عِنْدَ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُونَ بِهِ عَنْهُ هَكَذَا، وَطَائِفَةٌ يُحَدِّثُونَ بِهِ عَنْهُ عَنْ سَعِيدٍ وَحْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَائِفَةٌ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَحْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَالِكٌ أَرْسَلَ عَنْهُ حَدِيثَ سَعِيدٍ هَذَا وَوَصَلَ حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ وَاقْتَصَرَ فِيهِمَا عَلَى قِصَّةِ الْجَنِينِ دُونَ قَتْلِ الْمَرْأَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْعِلَّةِ، وَلِمَا شَاءَ اللَّهُ مِمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ انْتَهَى. وَمُرَادُهُ أَرْسَلَهُ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ وَإِلَّا فَقَدَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى) حَكَمَ (فِي الْجَنِينِ) حَالَ كَوْنِهِ (يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى وَلَوْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ عِنْدَ مَالِكٍ (بِغُرَّةٍ) بِالتَّنْوِينِ (عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ) تَقْسِيمٌ لَا شَكَّ يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ كَمَا يَأْتِي (فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الضَّادِ بِالْغُرَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَقَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ الَّتِي غُرَّتْ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ أَيِ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ وَوَلِيُّهَا هُوَ ابْنُهَا مَسْرُوحٌ رَوَاهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ، وَالْأَكْثَرُ أَنَّ الْقَائِلَ زَوْجُهَا حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ عِمْرَانُ بْنُ عُوَيْمِرٍ أَخُو مُلَيْكَةَ، قَالَ الْحَافِظُ: فَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقَائِلِينَ، فَإِسْنَادُ هَذِهِ صَحِيحٌ أَيْضًا انْتَهَى. وَفِيهِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنَّ الْغُرَّةَ عَلَى الْجَانِي لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، كَمَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا ; لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ اللَّفْظِ أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ وَهُوَ الْجَانِي، إِذْ لَوْ قُضِيَ بِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ لَقِيلَ فَقَالَ الَّذِينَ قُضِيَ عَلَيْهِمْ، وَفِي الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ جَانِبٍ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ كَالْإِجْمَاعِ أَوِ السُّنَّةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] (سورة الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 164) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي رِمْثَةَ فِي ابْنِهِ: " «إِنَّكَ لَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَلَا يَجْنِي عَلَيْكَ» " وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي تَعْيِينِ الْقَائِلِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِهِ ; لِأَنَّ كُلًّا تَكَلَّمَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْجَانِيَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: فَقَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ الَّتِي غَرِمَتْ فَصَرَّحَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْجَانِيَةَ هِيَ الَّتِي غَرِمَتِ الْغُرَّةَ، وَلَا يُخَالِفُهُ رِوَايَةُ غُرَّتْ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُشَدَّدَةٍ وَتَاءٍ سَاكِنَةٍ بِلَا مِيمٍ لِأَنَّ مَعْنَاهَا الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِغُرْمِ الْغُرَّةِ ( «كَيْفَ أَغْرَمُ مَا لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ» ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 أَيْ صَاحَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَهُوَ مِنْ إِقَامَةِ الْمَاضِي مَقَامَ الْمُضَارِعِ أَيْ لَمْ يَشْرَبْ. . . . إِلَخْ. (وَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلَ) بِمُوَحَّدَةٍ وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَلَامٍ خَفِيفَةٍ مِنَ الْبُطْلَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ يُطَلُّ بِتَحْتِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ يُهْدَرُ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا مَبْنِيَّةً لِلْمَفْعُولِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ بِالْمُوَحَّدَةِ وَإِنْ رَجَّحَ الْخَطَّابِيُّ التَّحْتِيَّةَ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ) لِمُشَابَهَةِ كَلَامِهِ كَلَامَهُمْ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ فِيهِ فَشُبِّهَ بِالْإِخْوَانِ ; لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ تَقْتَضِي الْمُشَابَهَةَ، وَذَمَّهُ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ بِسَجْعِهِ دَفْعَ مَا أَوْجَبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُعَاقِبْهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّفْحِ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَهُوَ كَانَ أَعْرَابِيًّا لَا عِلْمَ لَهُ بِأَحْكَامِ الدِّينِ، فَقَالَ لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا وَتِلْكَ سِيمَتُهُ أَنْ يُعْرِضَ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَلَا يَنْتَقِمَ لِنَفْسِهِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَنْ زَعَمَ كَرَاهَةَ التَّسْجِيعِ مُطْلَقًا، نَعَمْ يُنْكَرُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْخَطِيبِ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ كُلُّهُ سَجْعًا، أَمَّا إِذَا كَانَ أَقَلَّ كَلَامِهِ فَلَيْسَ بِمَعِيبٍ بَلْ مُسْتَحْسَنٌ مَحْمُودٌ فَإِنَّهُ كَلَامٌ، وَكَذَلِكَ الشِّعْرُ فَحَسَنُهُمَا حَسَنٌ وَقَبِيحُهُمَا قَبِيحٌ، كَالْكَلَامِ الْمَنْثُورِ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا: تُورَثُ الْغُرَّةَ عَنِ الْجَنِينِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ، تَعَالَى، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ كَيْفَ أَغْرَمُ. . . إِلَخْ، قَالَ: فَالْمَضْمُونُ لِأَنَّ الْعُضْوَ لَا يُعْتَرَضُ فِيهِ بِهَذَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: تَخْتَصُّ بِهَا الْأُمُّ ; لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا وَلَيْسَتْ بِدِيَةٍ إِذْ لَمْ تُعْتَبَرُ فِيهَا هَلْ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى كَالدِّيَاتِ، وَكَذَا قَالَ الظَّاهِرِيَّةُ وَاحْتَجَّ إِمَامُهُمْ دَاوُدُ بِأَنَّ الْغُرَّةَ لَمْ يَمَلِكْهَا الْجَنِينُ فَتُورَثْ عَنْهُ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ دِيَةُ الْمَقْتُولِ خَطَّأً فَإِنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَهِيَ تُورَثُ عَنْهُ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ مُلَخَّصًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ مُرْسَلًا فَفِيهِ أَنْ مَرَاسِيلَ مَالِكٍ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْغُرَّةُ تُقَوَّمُ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتَّ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ خَمْسُ مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ فَدِيَةُ جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا وَالْعُشْرُ خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ سِتُّ مِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يُخَالِفُ فِي أَنَّ الْجَنِينَ لَا تَكُونُ فِيهِ الْغُرَّةُ حَتَّى يُزَايِلَ بَطْنَ أُمِّهِ وَيَسْقُطُ مِنْ بَطْنِهَا مَيِّتًا قَالَ مَالِكٌ وَسَمِعْت أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ الْجَنِينُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً قَالَ مَالِكٌ وَلَا حَيَاةَ لِلْجَنِينِ إِلَّا بِالْاسْتِهْلَالِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ فَاسْتَهَلَّ ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَنَرَى أَنَّ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عُشْرَ ثَمَنِ أُمِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً عَمْدًا وَالَّتِي قَتَلَتْ حَامِلٌ لَمْ يُقَدْ مِنْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَإِنْ قُتِلَتْ الْمَرْأَةُ وَهِيَ حَامِلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَيْسَ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا فِي جَنِينِهَا شَيْءٌ فَإِنْ قُتِلَتْ عَمْدًا قُتِلَ الَّذِي قَتَلَهَا وَلَيْسَ فِي جَنِينِهَا دِيَةٌ وَإِنْ قُتِلَتْ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ قَاتِلِهَا دِيَتُهَا وَلَيْسَ فِي جَنِينِهَا دِيَةٌ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ جَنِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ يُطْرَحُ فَقَالَ أَرَى أَنَّ فِيهِ عُشْرَ دِيَةِ أُمِّهِ   1609 - 1555 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْغُرَّةُ تُقَوَّمُ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ) يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ أَوِ الْأَمَةَ لَا يَكْفِي إِلَّا أَنْ يُسَاوِيَ ذَلِكَ. (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ) عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ (أَوْ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ ; لِأَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنَ الذَّكَرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 (قَالَ مَالِكٌ فِدْيَةُ جَنِينِ الْحُرَّةِ) الْمُسْلِمَةِ (عُشْرُ دِيَتِهَا وَالْعُشْرُ خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ) وَبِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَسَائِرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ: قِيمَةُ الْغُرَّةِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سِنُّ الْغُرَّةِ سَبْعُ سِنِينَ أَوْ ثَمَانُ سِنِينَ بِلَا عَيْبٍ. وَقَالَ دَاوُدُ: كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْغُرَّةِ (وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يُخَالِفْ فِي أَنَّ الْجَنِينَ لَا تَكُونُ فِيهِ الْغُرَّةُ حَتَّى يُزَايِلَ) يُفَارِقَ (بَطْنَ أُمِّهِ وَيَسْقُطَ مِنْ بَطْنِهَا مَيِّتًا) وَهِيَ حَيَّةٌ (وَسَمِعْتُ أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ الْجَنِينُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ حَيَّا ثُمَّ مَاتَ) بِقُرْبِ خُرُوجِهِ وَعُلِمَ أَنَّ مَوْتَهُ كَانَ مِنَ الضَّرْبَةِ وَمَا فُعِلَ بِأُمِّهِ وَبِهِ فِي بَطْنِهَا (أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً) وَيُعْتَبَرُ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَهَذَا اجْتِمَاعٌ. (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا حَيَاةَ لِلْجَنِينِ إِلَّا بِالِاسْتِهْلَالِ) أَيِ الصِّيَاحِ ثُمَّ الْوِلَادَةِ. (فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ فَاسْتَهَلَّ ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَبَاقِي الْفُقَهَاءِ: إِذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِحَرَكَةٍ أَوْ بِعُطَاسٍ أَوِ اسْتِهْلَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُتَيَقَّنُ بِهِ حَيَاتُهُ ثُمَّ مَاتَ فَالدِّيَةُ كَامِلَةً. (وَنَرَى أَنَّ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (عُشْرَ ثَمَنِ أُمِّهِ) وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ كَذَلِكَ إِنْ كَانَ أُنْثَى لَا إِنْ كَانَ ذَكَرًا فَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ نَفْسِهِ. وَقَالَ دَاوُدُ: لَا شَيْءَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ مُطْلَقًا. (وَإِذَا قَتَلَتِ الْمَرْأَةُ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً) أَيْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (عَمْدًا وَ) الْحَالُ أَنَّ (الَّتِي قَتَلَتْ) بِفَتَحَاتٍ (حَامِلٌ لَمْ يُقَدْ) يُقْتَصُّ (مِنْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) لِئَلَّا يُؤْخَذَ نَفَسَانِ فِي نَفْسٍ. (وَإِنْ قُتِلَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (الْمَرْأَةُ وَهِيَ حَامِلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 فَلَيْسَ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا فِي جَنِينِهَا شَيْءٌ) ثُمَّ (إِنْ قُتِلَتْ عَمْدًا قُتِلَ الَّذِي قَتَلَهَا) قِصَاصًا (وَلَيْسَ فِي جَنِينِهَا دِيَةٌ، وَإِنْ قُتِلَتْ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ قَاتِلِهَا دِيَتُهَا وَلَيْسَ فِي جَنِينِهَا دِيَةٌ) وَعَلَى هَذَا الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ إِلَّا اللَّيْثَ وَأَهْلَ الظَّاهِرِ فَقَالُوا: إِذَا أَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا فَالْغُرَّةُ؛ سَوَاءٌ رَمَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ قَبْلَهُ، وَأَبْطَلَهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا وَاللَّيْثُ مَعَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَمَاتَتْ وَهُوَ لَمْ يَسْقُطْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ، كَذَلِكَ إِذَا أَسْقَطَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَيْضًا لَوْ ضَرَبَ بَطَنَ مَيِّتَةٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ، فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الضَّرْبُ فِي حَيَاتِهَا فَمَاتَتْ ثُمَّ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ جَنِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ يُطْرَحُ) بِنَحْوِ ضَرْبِ بَطْنِهَا (فَقَالَ: أَرَى أَنَّ فِيهِ عُشْرَ دِيَةِ أُمِّهِ) وَهِيَ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 [باب مَا فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً فَإِذَا قُطِعَتْ السُّفْلَى فَفِيهَا ثُلُثَا الدِّيَةِ   8 - بَابُ مَا فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً 1610 - 1556 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) وَجَاءَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ كَمَا مَرَّ. (فَإِذَا قُطِعَتِ السُّفْلَى فَفِيهَا ثُلُثَا الدِّيَةِ) لِأَنَّ النَّفْعَ بِهَا أَقْوَى، لَكِنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا فَقَالُوا فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ. الحديث: 1610 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الرَّجُلِ الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ إِنْ أَحَبَّ الصَّحِيحُ أَنْ يَسْتَقِيدَ مِنْهُ فَلَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الدِّيَةُ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ فِي كُلِّ زَوْجٍ مِنْ الْإِنْسَانِ الدِّيَةَ كَامِلَةً وَأَنَّ فِي اللِّسَانِ الدِّيَةَ كَامِلَةً وَأَنَّ فِي الْأُذُنَيْنِ إِذَا ذَهَبَ سَمْعُهُمَا الدِّيَةَ كَامِلَةً اصْطُلِمَتَا أَوْ لَمْ تُصْطَلَمَا وَفِي ذَكَرِ الرَّجُلِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ فِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةَ كَامِلَةً قَالَ مَالِكٌ وَأَخَفُّ ذَلِكَ عِنْدِي الْحَاجِبَانِ وَثَدْيَا الرَّجُلِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أُصِيبَ مِنْ أَطْرَافِهِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَتِهِ فَذَلِكَ لَهُ إِذَا أُصِيبَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَعَيْنَاهُ فَلَهُ ثَلَاثُ دِيَاتٍ قَالَ مَالِكٌ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الصَّحِيحَةِ إِذَا فُقِئَتْ خَطَأً إِنَّ فِيهَا الدِّيَةَ كَامِلَةً   1610 - 1557 - (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الرَّجُلِ الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ فَقَالَ ابْنُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 شِهَابٍ إِنْ أَحَبَّ الصَّحِيحُ أَنْ يَسْتَقِيدَ) يَقْتَصَّ (مِنْهُ فَلَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الدِّيَةُ أَلْفُ دِينَارٍ) إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ (أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفِضَّةِ. (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ فِي كُلِّ زَوْجٍ مِنَ الْإِنْسَانِ) كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْبَيْضَتَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ (الدِّيَةَ كَامِلَةً وَأَنَّ فِي اللِّسَانِ الدِّيَةَ كَامِلَةً) وَذَلِكَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ (أَنَّ فِي الْأُذُنَيْنِ إِذَا ذَهَبَ سَمْعُهُمَا الدِّيَةَ كَامِلَةً) سَوَاءٌ (اصْطُلِمَتَا) أَيْ قُطِعَتَا مِنْ أَصْلِهِمَا (أَوْ لَمْ تُصْطَلَمَا) لَمْ يُقْطَعَا. (وَفِي ذَكَرِ الرَّجُلِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) لِنَصِّ حَدِيثِ عُمَرَ (وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) بِنَصِّهِ أَيْضًا. (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ فِي ثَدْيَيِ الْمَرْأَةِ الدِّيَةَ كَامِلَةً) إِذَا اسْتَأْصَلَهُمَا بِالْقَطْعِ، وَأَمَّا حَلَمَتَاهُمَا وَهِيَ رَأْسُهُمَا فَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِمَا إِلَّا بِشَرْطِ إِبْطَالِ اللَّبَنِ. (مَالِكٌ: وَأَخَفُّ ذَلِكَ عِنْدِي الْحَاجِبَانِ وَثَدْيَا الرَّجُلِ) فَلَيْسَ فِيهِمَا الدِّيَةُ بَلِ الْحُكُومَةُ. (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أُصِيبَ مِنْ أَطْرَافِهِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَتِهِ فَذَلِكَ لَهُ إِذَا أُصِيبَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَعَيْنَاهُ فَلَهُ ثَلَاثُ دِيَاتٍ) وَإِنْ أُصِيبَ مَعَ ذَلِكَ شَفَتَاهُ فَأَرْبَعٌ وَهَكَذَا. (قَالَ مَالِكٌ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الصَّحِيحَةِ إِذَا فُقِئَتْ خَطَأً إِنَّ فِيهَا الدِّيَةَ كَامِلَةً) لِقَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ هِيَ السُّنَّةُ، وَقَضَى بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 [باب مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْعَيْنِ إِذَا ذَهَبَ بَصَرُهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُولُ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إِذَا طَفِئَتْ مِائَةُ دِينَارٍ قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَتَرِ الْعَيْنِ وَحِجَاجِ الْعَيْنِ فَقَالَ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إِلَّا الْاجْتِهَادُ إِلَّا أَنْ يَنْقُصَ بَصَرُ الْعَيْنِ فَيَكُونُ لَهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ بَصَرِ الْعَيْنِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الْعَوْرَاءِ إِذَا طَفِئَتْ وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ إِذَا قُطِعَتْ إِنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إِلَّا الْاجْتِهَادُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَقْلٌ مُسَمًّى   9 - بَابُ مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْعَيْنِ إِذَا ذَهَبَ بَصَرُهَا 1611 - 1558 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ) الصَّحَابِيَّ الشَّهِيرَ (كَانَ يَقُولُ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إِذَا أُطْفِئَتْ) أُطْمِسَ نُورُهَا (مِائَةُ دِينَارٍ) وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا مَالِكٌ بَلْ قَالَ: إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِالْجَانِي وَإِلَّا فَالْعَقْلُ كَالْخَطَأِ. (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَتَرِ الْعَيْنِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَوْقِيَّةِ أَيْ قَطْعِ جَفْنِهَا الْأَسْفَلِ مَصْدَرُ شَتِرَ مِنْ بَابِ تَعِبَ (وَحِجَاجِ الْعَيْنِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَفَتْحُهَا لُغَةٌ - وَجِيمَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ، الْعَظْمُ الْمُسْتَدِيرُ حَوْلَهُمَا، وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَجَمْعُهُ حِجَجَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْحِجَاجُ الْعَظْمُ الْمُشْرِفُ عَلَى غَارِ الْعَيْنِ (فَقَالَ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ إِلَّا الِاجْتِهَادُ إِلَّا أَنْ يَنْقُصَ بَصَرُ الْعَيْنِ فَيَكُونُ لَهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ بَصَرِ الْعَيْنِ) مِنَ الدِّيَةِ. (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الْعَوْرَاءِ) الَّتِي لَا تُبْصِرُ (إِذَا أُطْفِئَتْ) أَيْ أُزِيلَتْ وَقُلِعَتْ (وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ) الَّتِي فَسَدَتْ وَبَطَلَ عَمَلُهَا (إِذَا قُطِعَتْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إِلَّا الِاجْتِهَادُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَقْلٌ مُسَمًّى) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ. الحديث: 1611 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 [باب مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الشِّجَاجِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَذْكُرُ أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الْوَجْهِ مِثْلُ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ إِلَّا أَنْ تَعِيبَ الْوَجْهَ فَيُزَادُ فِي عَقْلِهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَقْلِ نِصْفِ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ فَيَكُونُ فِيهَا خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ فِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشَرَةَ فَرِيضَةً قَالَ وَالْمُنَقِّلَةُ الَّتِي يَطِيرُ فِرَاشُهَا مِنْ الْعَظْمِ وَلَا تَخْرِقُ إِلَى الدِّمَاغِ وَهِيَ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَفِي الْوَجْهِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْجَائِفَةَ لَيْسَ فِيهِمَا قَوَدٌ قَالَ مَالِكٌ وَالْمَأْمُومَةُ مَا خَرَقَ الْعَظْمَ إِلَى الدِّمَاغِ وَلَا تَكُونُ الْمَأْمُومَةُ إِلَّا فِي الرَّأْسِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَيْسَ فِي الْمَأْمُومَةِ قَوَدٌ قَالَ مَالِكٌ وَمَا يَصِلُ إِلَى الدِّمَاغِ إِذَا خَرَقَ الْعَظْمَ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الشِّجَاجِ عَقْلٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْمُوضِحَةَ وَإِنَّمَا الْعَقْلُ فِي الْمُوضِحَةِ فَمَا فَوْقَهَا وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى الْمُوضِحَةِ فِي كِتَابِهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَجَعَلَ فِيهَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ وَلَمْ تَقْضِ الْأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِعَقْلٍ   10 - بَابُ مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الشِّجَاجِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ شَجَّةِ الْجِرَاحَةِ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى شَجَّاتٍ عَلَى لَفْظِهَا، وَإِنَّمَا تُسَمَّى بِذَلِكَ إِذَا كَانَتْ فِي الْوَجْهِ أَوِ الرَّأْسِ. 1612 - 1559 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَذْكُرُ أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الْوَجْهِ مِثْلُ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ إِلَّا أَنْ تَعِيبَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ (الْوَجْهَ فَيُزَادُ فِي عَقْلِهَا) دِيَتِهَا (مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَقْلِ نِصْفِ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ، فَيَكُونُ فِيهَا خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِينَارًا) عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ فِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً) مِنَ الْإِبِلِ (وَالْمُنَقِّلَةُ) هِيَ (الَّتِي يَطِيرُ فَرَاشُهَا) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا الرَّقِيقُ (مِنَ الْعَظْمِ) بَيَانٌ لِفَرَاشٍ عِنْدَ الدَّوَاءِ (وَلَا تَخْرِقُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ تَصِلُ (إِلَى الدِّمَاغِ) الْمَقْتَلِ مِنَ الرَّأْسِ (وَهِيَ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَفِي الْوَجْهِ، وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْجَائِفَةَ لَيْسَ فِيهِمَا قَوَدٌ) لِأَنَّهُمَا مِنَ الْمَتَالِفِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَالْمَأْمُومَةُ مَا خَرَقَ الْعَظْمَ إِلَى الدِّمَاغِ، وَلَا تَكُونُ الْمَأْمُومَةُ إِلَّا فِي الرَّأْسِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَيْسَ فِي الْمَأْمُومَةِ قَوَدٌ) قِصَاصٌ. الحديث: 1612 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 (قَالَ مَالِكٌ وَمَا يَصِلُ إِلَى الدِّمَاغِ إِذَا خَرَقَ الْعَظْمَ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنَ الشِّجَاجِ) الْجِرَاحِ (عَقْلٌ) دِيَةٌ (حَتَّى تَبْلُغَ الْمُوضِحَةَ وَإِنَّمَا الْعَقْلُ فِي الْمُوضِحَةِ فَمَا فَوْقَهَا وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى) أَيْ وَصَلَ إِلَى الْمُوضِحَةِ فِي كِتَابِهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ (فَجَعَلَ فِيهَا خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ) وَلَمْ يَجْعَلْ فِيمَا قَبْلَهَا شَيْئًا مُقَدَّرًا. (وَلَمْ تَقْضِ الْأَئِمَّةُ) الْخُلَفَاءُ (فِي الْقَدِيمِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِعَقْلٍ) فَلَا دِيَةَ فِيهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ فَفِيهَا ثُلُثُ عَقْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ حَدَّثَنِي مَالِك كَانَ ابْنُ شِهَابٍ لَا يَرَى ذَلِكَ وَأَنَا لَا أَرَى فِي نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ فِي الْجَسَدِ أَمْرًا مُجْتَمَعًا عَلَيْهِ وَلَكِنِّي أَرَى فِيهَا الْاجْتِهَادَ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ وَالْمُوضِحَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَمَا كَانَ فِي الْجَسَدِ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْاجْتِهَادُ قَالَ مَالِكٌ فَلَا أَرَى اللَّحْيَ الْأَسْفَلَ وَالْأَنْفَ مِنْ الرَّأْسِ فِي جِرَاحِهِمَا لِأَنَّهُمَا عَظْمَانِ مُنْفَرِدَانِ وَالرَّأْسُ بَعْدَهُمَا عَظْمٌ وَاحِدٌ   1612 - 1560 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: كَلُّ) جِرَاحَةٍ (نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ فَفِيهَا ثُلُثُ عَقْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ. مَالِكٌ: كَانَ ابْنُ شِهَابٍ لَا يَرَى ذَلِكَ. وَأَنَا لَا أَرَى فِي نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ فِي الْجَسَدِ أَمْرًا مُجْتَمَعًا عَلَيْهِ) مُحَدَّدًا بِحَدٍّ كَمَا حَدَّهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ. (وَلَكِنِّي أَرَى فِيهِ الِاجْتِهَادَ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ) فَيَكُونُ فِيهَا مَا اجْتَهَدَ فِيهِ. (وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا) لَا يَتَعَدَّى. (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ وَالْمُوضِحَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَمَا كَانَ فِي الْجَسَدِ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الِاجْتِهَادُ) مِنَ الْحَاكِمِ وَهَذَا مِمَّا يَرُدُّ قَوْلَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ بِالتَّعْيِينِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 (وَلَا أَرَى اللَّحْيَ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ (الْأَسْفَلَ) وَهُوَ عَظْمُ الْحَنَكِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ وَهُوَ مِنَ الْإِنْسَانِ حَيْثُ يَنْبُتُ الشَّعَرُ وَهُوَ أَعْلَى وَأَسْفَلُ. (وَالْأَنْفَ مِنَ الرَّأْسِ فِي جِرَاحِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَظْمَانِ مُنْفَرِدَانِ وَالرَّأْسُ بَعْدَهُمَا عَظْمٌ وَاحِدٌ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَقَادَ مِنْ الْمُنَقِّلَةِ   1612 - 1561 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَقَادَ مِنَ الْمُنَقِّلَةِ) وَلَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ فَقَالَ: لَا قِصَاصَ فِي الْمُنَقِّلَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 [باب مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْأَصَابِعِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَمْ فِي إِصْبَعِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَقُلْتُ كَمْ فِي إِصْبَعَيْنِ قَالَ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَقُلْتُ كَمْ فِي ثَلَاثٍ فَقَالَ ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَقُلْتُ كَمْ فِي أَرْبَعٍ قَالَ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَقُلْتُ حِينَ عَظُمَ جُرْحُهَا وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا فَقَالَ سَعِيدٌ أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ فَقُلْتُ بَلْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ فَقَالَ سَعِيدٌ هِيَ السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي أَصَابِعِ الْكَفِّ إِذَا قُطِعَتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا وَذَلِكَ أَنَّ خَمْسَ الْأَصَابِعِ إِذَا قُطِعَتْ كَانَ عَقْلُهَا عَقْلَ الْكَفِّ خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ إِصْبَعٍ عَشَرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ مَالِكٌ وَحِسَابُ الْأَصَابِعِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا وَثُلُثُ دِينَارٍ فِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ وَهِيَ مِنْ الْإِبِلِ ثَلَاثُ فَرَائِضَ وَثُلُثُ فَرِيضَةٍ   11 - بَابُ عَقْلِ الْأَصَابِعِ 1613 - 1562 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَمْ فِي أُصْبُعِ الْمَرْأَةِ؟ فَقَالَ: عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ، فَقُلْتُ: كَمْ فِي أُصْبُعَيْنِ؟) مِنْهَا (قَالَ: عِشْرُونَ مِنَ الْإِبِلِ، فَقُلْتُ: كَمْ فِي ثَلَاثٍ؟) مِنْهَا (فَقَالَ: ثَلَاثُونَ مِنَ الْإِبِلِ، فَقُلْتُ كَمْ فِي أَرْبَعٍ؟ قَالَ: عِشْرُونَ مِنَ الْإِبِلِ، فَقُلْتُ حِينَ عَظُمَ) كَثُرَ (جُرْحُهَا) بِضَمِّ الْجِيمِ (وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا) بِذَلِكَ (نَقَصَ عَقْلُهَا) دِيَتُهَا (فَقَالَ سَعِيدٌ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟) تَأْخُذُ بِالْقِيَاسِ الْمُخَالِفِ لِلنَّصِّ (فَقُلْتُ) لَسْتُ بِعِرَاقِيٍّ (بَلْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ، فَقَالَ سَعِيدٌ: هِيَ السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي) قَالَهُ الحديث: 1613 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 مُلَاطَفَةً عَلَى عَادَاتِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ ابْنَ أَخِيهِ، فَقَوْلُهُ هِيَ السُّنَّةُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرْسَلَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مُرْسَلَاتِهِ أَصَحُّ الْمَرَاسِيلِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تُتُبِّعَتْ كُلُّهَا فَوُجِدَتْ مُسْنَدَةً. (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي أَصَابِعِ الْكَفِّ إِذَا قُطِعَتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا وَ) وَجْهُ (ذَلِكَ أَنَّ خَمْسَ أَصَابِعَ إِذَا قُطِعَتْ كَانَ عَقْلُهَا عَقْلَ الْكَفِّ) أَيْ إِذَا قُطِعَ مَعَهَا (خَمْسِينَ مِنَ الْإِبِلِ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشَرَةٌ مِنَ الْإِبِلِ) فَإِذَا قُطِعَتِ الْكَفُّ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا فِيهَا حُكُومَةٌ. (وَحِسَابُ الْأَصَابِعِ مِنَ الذَّهَبِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا فِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ وَهِيَ مِنَ الْإِبِلِ ثَلَاثُ فَرَائِضَ وَثُلُثُ فَرِيضَةٍ) وَعَلَى ذَلِكَ الْحِسَابُ يُقَالُ فِي الدَّرَاهِمِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 [باب جَامِعِ عَقْلِ الْأَسْنَانِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الضِّرْسِ بِجَمَلٍ وَفِي التَّرْقُوَةِ بِجَمَلٍ وَفِي الضِّلَعِ بِجَمَلٍ   12 - بَابُ جَامِعِ عَقْلِ الْأَسْنَانِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ؛ جَمْعُ سِنٍّ، مُؤَنَّثَةٌ، وَزْنَ حَمْلٍ وَأَحْمَالٍ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ إِسْنَانٌ بِالْكَسْرِ وَبِالضَّمِّ وَهُوَ خَطَأٌ. 1614 - 1563 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ) الْهُذَلِيِّ الْمَدَنِيِّ الْقَاضِي، ثِقَةٍ فَصِيحٍ قَارِئٍ تَابِعِيٍّ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ (عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الضِّرْسِ) مُذَكَّرٌ وَرُبَّمَا أَنَّثُوهُ عَلَى مَعْنَى السِّنِّ، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ التَّأْنِيثَ، وَجَمْعُهُ أَضْرَاسٌ وَرُبَّمَا قِيلَ ضُرُوسٌ (بِجَمَلٍ) ذَكَرُ الْإِبِلِ. (وَفِي التَّرْقُوَةِ) بِفَتْحِ التَّاءِ، وَهِيَ الْعَظْمُ الَّذِي بَيْنَ ثُغْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَالْجَمْعُ التَّرَاقِي، قِيلَ وَلَا يَكُونُ لِشَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ إِلَّا لِلْإِنْسَانِ خَاصَّةً (بِجَمَلٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ. (وَفِي الضِّلَعِ بِجَمَلٍ) الحديث: 1614 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ لُغَةٌ، وَسُكُونُهَا لُغَةُ تَمِيمٍ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْأَضْرَاسِ بِبَعِيرٍ بَعِيرٍ وَقَضَى مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الْأَضْرَاسِ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَالدِّيَةُ تَنْقُصُ فِي قَضَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَتَزِيدُ فِي قَضَاءِ مُعَاوِيَةَ فَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَجَعَلْتُ فِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَتِلْكَ الدِّيَةُ سَوَاءٌ وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مَأْجُورٌ   1614 - 1564 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْأَضْرَاسِ) جَمْعُ ضِرْسٍ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى ضُرُوسٍ مِثْلُ حَمْلٍ وَحَمُولٍ وَأَحْمَالٍ (بِبَعِيرٍ بَعِيرٍ) أَيْ ذَكَرٍ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ فَوْقَهُ بِجَمَلٍ. (وَقَضَى مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الْأَضْرَاسِ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ) أَيْ فِي كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَلِذَا كَرَّرَ. (قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَالدِّيَةُ تَنْقُصُ فِي قَضَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَتَزِيدُ فِي قَضَاءِ مُعَاوِيَةَ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (فَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَجَعَلْتُ فِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ) فِي كُلِّ ضِرْسٍ (فَتِلْكَ الدِّيَةُ سَوَاءٌ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مَأْجُورٌ) وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ حَدِيثُ: " «وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ» " وَلَا حَدِيثُ: " «الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ» ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أُصِيبَتْ السِّنُّ فَاسْوَدَّتْ فَفِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا فَإِنْ طُرِحَتْ بَعْدَ أَنْ اسْوَدَّتْ فَفِيهَا عَقْلُهَا أَيْضًا تَامًّا   1614 - 1565 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا أُصِيبَتِ السِّنُّ فَاسْوَدَّتْ فَفِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا، فَإِنْ طُرِحَتْ بَعْدَ أَنِ اسْوَدَّتْ فَفِيهَا عَقْلُهَا أَيْضًا تَامًّا) حَيْثُ كَانَتْ عَلَى قُوَّتِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 [باب الْعَمَلِ فِي عَقْلِ الْأَسْنَانِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ بَعَثَهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا فِي الضِّرْسِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ فَرَدَّنِي مَرْوَانُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَتَجْعَلُ مُقَدَّمَ الْفَمِ مِثْلَ الْأَضْرَاسِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لَوْ لَمْ تَعْتَبِرْ ذَلِكَ إِلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ   13 - بَابُ الْعَمَلِ فِي عَقْلِ الْأَسْنَانِ 1615 - 1566 - (مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ (عَنْ أَبِي غَطَفَانَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ قِيلَ اسْمُهُ سَعْدٌ (ابْنِ طَرِيفٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ (الْمُرِّيِّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَشَدِّ الرَّاءِ بِلَا نُقْطَةٍ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ بَعَثَهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا فِي الضِّرْسِ؟) الَّذِي يُقْلَعُ خَطَأً مِنَ الدِّيَةِ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: فِيهِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ» ". (قَالَ) أَبُو غَطَفَانَ: (فَرَدَّنِي مَرْوَانُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَتَجْعَلُ مُقَدَّمَ الْفَمِ) أَيْ أَسْنَانَهُ (مِثْلَ الْأَضْرَاسِ؟) مَعَ تَفَاوُتِ الْمَنْفَعَةِ بِهِمَا (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لَوْ لَمْ تَعْتَبِرْ ذَلِكَ) فِي الْقِيَاسِ (إِلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ) لَكَفَاكَ، فَحُذِفَ جَوَابُ لَوْ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ مُجَارَاةً لِمَا أَوْمَى إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ جَعْلَ الْأَسْنَانِ مِثْلَ الْأَضْرَاسِ خِلَافُ الْقِيَاسِ، وَإِلَّا فَابْنُ عَبَّاسٍ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْأَصَابِعُ وَالْأَسْنَانُ سَوَاءٌ الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ» " أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ» " وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْهُ مَرْفُوعًا: " «أَصَابِعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ» " وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " «الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ كُلُّهُنَّ فِيهِ عَشْرٌ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ» ". الحديث: 1615 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ الْأَسْنَانِ فِي الْعَقْلِ وَلَا يُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مُقَدَّمَ الْفَمِ وَالْأَضْرَاسِ وَالْأَنْيَابِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَالضِّرْسُ سِنٌّ مِنْ الْأَسْنَانِ لَا يَفْضُلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ   1615 - 1567 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ الْأَسْنَانِ فِي الْعَقْلِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 وَلَا يُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ) اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ، وَالْعَمَلُ كَمَا (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مُقَدَّمَ الْفَمِ وَالْأَضْرَاسِ وَالْأَنْيَابِ) جَمْعُ نَابٍ، مُذَكَّرٌ، وَهُوَ الَّذِي يَلِي الرُّبَاعِيَّاتِ (عَقْلُهَا سَوَاءٌ وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَالضِّرْسُ سِنٌّ مِنَ الْأَسْنَانِ لَا يَفْضُلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ» ) وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةُ الْفَتْوَى. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا أَصْلٌ فِي كُلِّ جِنَايَةٍ لَا تُضْبَطُ كَمِّيَّتُهَا، فَإِذَا فَاتَ ضَبْطُهَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى اعْتُبِرَتْ مِنْ حَيْثُ الِاسْمُ فَتُسَاوِي دِيَتَهَا. وَإِنِ اخْتَلَفَ كَمَالُهَا وَمَنْفَعَتُهَا وَمَبْلَغُ فِعْلِهَا فَإِنَّ لِلْإِبْهَامِ مِنَ الْقُوَّةِ مَا لَيْسَ لِلْخِنْصَرِ وَمَعَ ذَلِكَ فَدَيْتُهُمَا سَوَاءٌ، وَلَوِ اخْتَلَفَتِ الْمِسَاحَةُ، وَكَذَلِكَ الْأَسْنَانُ نَفْعُ بَعْضِهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَدِيَتُهَا سَوَاءٌ نَظَرًا لِلِاسْمِ فَقَطْ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 [باب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ جِرَاحِ الْعَبْدِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا يَقُولَانِ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ   14 - بَابُ مَا جَاءَ فِي دِيَةِ جِرَاحِ الْعَبِيدِ 1568 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَ يَقُولَانِ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ: نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ) أَيْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْحُرَّ فِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الْعَبْدِ يُصَابُ بِالْجِرَاحِ أَنَّ عَلَى مَنْ جَرَحَهُ قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفَ عُشْرِ ثَمَنِهِ وَفِي مُنَقِّلَتِهِ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهِ وَفِي مَأْمُومَتِهِ وَجَائِفَتِهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ ثَمَنِهِ وَفِيمَا سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ الْأَرْبَعِ مِمَّا يُصَابُ بِهِ الْعَبْدُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ مَا يَصِحُّ الْعَبْدُ وَيَبْرَأُ كَمْ بَيْنَ قِيمَةِ الْعَبْدِ بَعْدَ أَنْ أَصَابَهُ الْجُرْحُ وَقِيمَتِهِ صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ هَذَا ثُمَّ يَغْرَمُ الَّذِي أَصَابَهُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ إِذَا كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ ثُمَّ صَحَّ كَسْرُهُ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ فَإِنْ أَصَابَ كَسْرَهُ ذَلِكَ نَقْصٌ أَوْ عَثَلٌ كَانَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ كَهَيْئَةِ قِصَاصِ الْأَحْرَارِ نَفْسُ الْأَمَةِ بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ فَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ عَبْدًا عَمْدًا خُيِّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ فَإِنْ أَخَذَ الْعَقْلَ أَخَذَ قِيمَةَ عَبْدِهِ وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَنْ يُعْطِيَ ثَمَنَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ عَبْدَهُ فَإِذَا أَسْلَمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إِذَا أَخَذَ الْعَبْدَ الْقَاتِلَ وَرَضِيَ بِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ كُلِّهِ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْقَتْلِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَجْرَحُ الْيَهُودِيَّ أَوْ النَّصْرَانِيَّ إِنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ مَا قَدْ أَصَابَ فَعَلَ أَوْ أَسْلَمَهُ فَيُبَاعُ فَيُعْطِي الْيَهُودِيَّ أَوْ النَّصْرَانِيَّ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ دِيَةَ جُرْحِهِ أَوْ ثَمَنَهُ كُلَّهُ إِنْ أَحَاطَ بِثَمَنِهِ وَلَا يُعْطِي الْيَهُودِيَّ وَلَا النَّصْرَانِيَّ عَبْدًا مُسْلِمًا   1569 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الْعَبْدِ يُصَابُ بِالْجِرَاحِ أَنَّ عَلَى مَنْ جَرَحَهُ قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ) أَيْ قِيمَتِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفَ عُشْرِ ثَمَنِهِ، وَفِي مُنَقِّلَتِهِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا (الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهِ) قِيمَتِهِ وَلَوْ زَادَتْ. (وَفِي مَأْمُومَتِهِ وَجَائِفَتِهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ ثَمَنِهِ، وَفِيمَا سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ الْأَرْبَعِ مِمَّا يُصَابُ بِهِ الْعَبْدُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ مَا يَصِحُّ الْعَبْدُ وَيَبْرَأُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ مُسَاوٍ، حَسَّنَهُ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ (كَمْ بَيْنَ قِيمَةِ الْعَبْدِ بَعْدَ أَنْ أَصَابَهُ الْجُرْحُ، وَقِيمَتِهِ صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ هَذَا) الْجُرْحُ (ثُمَّ يَغْرَمُ) يَدْفَعُ (الَّذِي أَصَابَهُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ) قَبْلَ الْجُرْحِ وَبَعْدَهُ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ إِذَا كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ) مِنْ شَخْصٍ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ (ثُمَّ صَحَّ كَسْرُهُ) بِلَا نَقْصٍ (فَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ) كَسَرَهُ (شَيْءٌ فَإِنْ أَصَابَ كَسْرَهُ ذَلِكَ نَقْصٌ أَوْ عَثَلٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ بَرَأَ عَلَى غَيْرِ اسْتِوَاءٍ (كَانَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ) قَدْرُ (مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ) قِيمَتِهِ. (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ كَهَيْئَةِ) صِفَةِ (قِصَاصِ الْأَحْرَارِ، نَفْسُ الْأَمَةِ بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ) لِآيَةِ {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةَ 45) ثُمَّ قَالَ: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةَ 45) (فَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ عَبْدًا عَمْدًا خُيِّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ) بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْعَقْلِ (فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ) الْعَبْدَ الْقَاتِلَ وَلَا كَلَامَ لِسَيِّدِهِ (وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ فَإِنْ أَخَذَ الْعَقْلَ، أَخَذَ قِيمَةَ عَبْدِهِ) لِأَنَّ الرَّقِيقَ إِنَّمَا فِيهِ قِيمَتُهُ وَلَوْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ، وَحِينَئِذٍ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ كَمَا قَالَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 (وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَنْ يُعْطِيَ ثَمَنَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ) أَيْ قِيمَتَهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ أَوَّلًا (فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ عَبْدَهُ) لِأَنَّ إِلْزَامَهُ الْقِيمَةَ ضَرَرًا عَلَيْهِ فَتَخْيِيرُهُ يَنْفِيهِ (فَإِذَا أَسْلَمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ أَسْلَمَ الْجَانِي وَلَيْسَ هُوَ الْجَانِي. (وَلَيْسَ لِرَبِّ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إِذَا أَخَذَ الْعَبْدَ الْقَاتِلَ وَرَضِيَ بِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ) لِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ قَتْلِهِ أَوَّلًا بِمَنْزِلَةِ الْعَفْوِ عَلَى الدِّيَةِ، فَلَمَّا خُيِّرَ سَيِّدُهُ فِي إِسْلَامِهِ وَفِدَائِهِ وَأَسْلَمَهُ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ قَتْلُهُ بَعْدَ الْعَفْوِ، وَلَا يُشَكِلُ تَخْيِيرُ سَيِّدِ الْمَقْتُولِ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْعَمْدِ الْقَتْلُ أَوِ الْعَفْوُ مَجَّانًا، وَلَيْسَ لَهُ إِلْزَامُ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا غَيْرُ الْقَاتِلِ وَهُوَ السَّيِّدُ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي وَاحِدٍ مِمَّا يَخْتَارُهُ وَلِيُّ الدَّمِ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَلَهُ غَرَضٌ فِي إِغْنَاءِ وَرَثَتِهِ. (وَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ كُلِّهِ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْقَتْلِ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَجْرَحُ الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ: أَنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ مَا قَدْ أَصَابَ فَعَلَ) بِدَفْعِ دِيَةِ ذَلِكَ الْجُرْحِ لِلْيَهُودِيِّ أَوِ النَّصْرَانِيِّ (أَوْ أَسْلَمَهُ السَّيِّدُ، فَيُبَاعُ فَيُعْطِي الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ دِيَةَ جُرْحِهِ أَوْ ثَمَنَهَ كُلَّهُ إِنْ أَحَاطَ بِثَمَنِهِ، وَلَا يُعْطِي الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ عَبْدًا مُسْلِمًا) لِئَلَّا يَلْزَمَ اسْتِيلَاءُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةَ 141) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 [باب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى أَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ إِذَا قُتِلَ أَحَدُهُمَا مِثْلُ نِصْفِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ مُسْلِمٌ قَتْلَ غِيلَةٍ فَيُقْتَلُ بِهِ   15 - بَابُ مَا جَاءَ فِي دِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ 1617 - 1570 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى أَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ إِذَا قُتِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، نَائِبُهُ (أَحَدُهُمَا مِثْلُ نِصْفِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «عَقْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ» " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَهُوَ فِي التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ: " «عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِ» ". - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ) وَلَوْ رَقِيقًا (بِكَافِرٍ) وَلَوْ حُرًّا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُقْتَلُ بِهِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ آيَةِ: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةَ 45) وَرُدَّ بِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِالْمَسَاوِئِ عَمَلًا بِالْحَدِيثِ. وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ ابْنِ زِيَادٍ قُلْتُ لِزُفَرَ: تَقُولُونَ تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبَهَاتِ وَأَقْدَمْتُمْ عَلَى أَعْظَمِ الشُّبَهَاتِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: قَتْلُ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» ، قَالَ: اشْهَدْ عَلَى رُجُوعِي عَنْهُ. (إِلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ مُسْلِمٌ قَتْلَ غِيلَةٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ خَدِيعَةٍ بِأَنْ خَدَعَهُ حَتَّى ذَهَبَ بِهِ إِلَى مَوْضِعٍ فَقَتَلَهُ (فَيُقْتَلُ بِهِ) لِأَنَّ الْقَتْلَ فِيهَا لِأَجْلِ الْفَسَادِ لَا لِلْقِصَاصِ، فَلَوْ عَفَا وَلِيُّ الدَّمِ عَنِ الْقَاتِلِ لَمْ يُعْتَبَرْ وَيُقْتَلْ. الحديث: 1617 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَ يَقُولُ دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِيَ مِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَجِرَاحُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ فِي دِيَاتِهِمْ عَلَى حِسَابِ جِرَاحِ الْمُسْلِمِينَ فِي دِيَاتِهِمْ الْمُوضِحَةُ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ وَالْمَأْمُومَةُ ثُلُثُ دِيَتِهِ وَالْجَائِفَةُ ثُلُثُ دِيَتِهِ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ جِرَاحَاتُهُمْ كُلُّهَا   1617 - 1571 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَ يَقُولُ: دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ) فَهِيَ ثُلُثُ خُمُسِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ. (قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 (وَجِرَاحُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ فِي دِيَاتِهِمْ عَلَى حِسَابِ جِرَاحِ الْمُسْلِمِينَ فِي دِيِاتِهِمُ، الْمُوضِحَةُ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ، وَالْمَأْمُومَةُ ثُلُثُ دِيَتِهِ، وَالْجَائِفَةُ ثُلُثُ دِيَتِهِ، فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ جِرَاحَاتُهُمْ كُلُّهَا) يُعْمَلُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 [باب مَا يُوجِبُ الْعَقْلَ عَلَى الرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ مَالِهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَقْلٌ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إِنَّمَا عَلَيْهِمْ عَقْلُ قَتْلِ الْخَطَإِ   16 - بَابُ مَا يُوجِبُ الْعَقْلَ عَلَى الرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ مَالِهِ 1618 - 1572 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَقْلٌ) دِيَةٌ (فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، إِنَّمَا عَلَيْهِمْ عَقْلُ قَتْلِ الْخَطَأِ) لِثُبُوتِهِ بِالسُّنَّةِ لِلْمَصْلَحَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْعَمْدُ، إِذِ الْأَصْلُ أَنَّهُ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18] (سورة فَاطِرٍ: الْآيَةَ 18) خُصَّ مِنْهُ حَمْلُ الْعَاقِلَةِ الْخَطَأَ فَبَقِيَ الْعَمْدُ عَلَى الْأَصْلِ. الحديث: 1618 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ إِلَّا أَنْ يَشَاءُوا ذَلِكَ   1618 - 1573 - (مَالِكٌ «عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ إِلَّا أَنْ يَشَاءُوا ذَلِكَ» ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إِنَّ ابْنَ شِهَابٍ قَالَ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ حِينَ يَعْفُو أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ خَاصَّةً إِلَّا أَنْ تُعِينَهُ الْعَاقِلَةُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا فَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَارِحِ خَاصَّةً قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ قُبِلَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ أَنَّ عَقْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِلَّا أَنْ يَشَاءُوا وَإِنَّمَا عَقْلُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ أَوْ الْجَارِحِ خَاصَّةً إِنْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءُوا قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَحَدًا أَصَابَ نَفْسَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِشَيْءٍ وَعَلَى ذَلِكَ رَأْيُ أَهْلِ الْفِقْهِ عِنْدَنَا وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا ضَمَّنَ الْعَاقِلَةَ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ شَيْئًا وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] فَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْعَقْلِ فَلْيَتْبَعْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُؤَدِّ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي لَا مَالَ لَهَا إِذَا جَنَى أَحَدُهُمَا جِنَايَةً دُونَ الثُّلُثِ إِنَّهُ ضَامِنٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ فِي مَالِهِمَا خَاصَّةً إِنْ كَانَ لَهُمَا مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ وَإِلَّا فَجِنَايَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يُؤْخَذُ أَبُو الصَّبِيِّ بِعَقْلِ جِنَايَةِ الصَّبِيِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قُتِلَ كَانَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ يُقْتَلُ وَلَا تَحْمِلُ عَاقِلَةُ قَاتِلِهِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَصَابَهُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً بَالِغًا مَا بَلَغَ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الدِّيَةَ أَوْ أَكْثَرَ فَذَلِكَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ   1618 - 1574 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ. وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا صُلْحًا وَلَا مَا دُونَ الثُّلُثِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 (مَالِكٌ «أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ حِينَ يَعْفُوَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ» ) عَنِ الْقَاتِلِ عَلَى الدِّيَةِ (أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ خَاصَّةً إِلَّا أَنْ تُعِينَهُ) تُسَاعِدَهُ (الْعَاقِلَةُ) إِعَانَةً صَادِرَةً (عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا) بِلَا جَبْرٍ، وَكَذَا حُكْمُ غَيْرِهَا إِذَا أَعَانَهُ فَلَهُ ذَلِكَ. (مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ) أَيْ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوِ الْجَانِي (فَصَاعِدًا فَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَارِحِ خَاصَّةً) لِلْحَدِيثِ، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَحْمِلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ. (وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ قُبِلَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْجِرَاحِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ: أَنَّ عَقْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِلَّا أَنْ يَشَاءُوا، وَإِنَّمَا عَقْلُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ أَوِ الْجَارِحِ خَاصَّةً إِنْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءُوا) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَحَدًا أَصَابَ نَفْسَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِشَيْءٍ، وَعَلَى ذَلِكَ رَأَىُ أَهْلِ الْفِقْهِ عِنْدَنَا، وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا ضَمَّنَ الْعَاقِلَةَ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ شَيْئًا) لِأَنَّهَا إِنَّمَا ثَبَتَتْ بِالسُّنَّةِ فِي الْخَطَأِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهَا الْعُلَمَاءُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18] (سورة فَاطِرٍ: الْآيَةَ 18) لَكِنَّهُ خُصَّ مِنْ عُمُومِهَا بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ ; لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَوْ أُخِذَ بِالدِّيَةِ لَأَوْشَكَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 لَأَنَّ تَتَابُعَ الْخَطَأِ مِنْهُ لَا يُؤْمَنُ، وَلَوْ تُرِكَ بِلَا تَغْرِيمٍ لِأُهْدِرَ دَمُ الْمَقْتُولِ فَلَا يُقَاسُ الْعَمْدُ عَلَى ذَلِكَ. (وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - قَالَ فِي كِتَابِهِ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ) مِنَ الْقَاتِلِينَ (مِنْ) دَمِ (أَخِيهِ) الْمَقْتُولِ (شَيْءٌ) بِأَنْ تَرَكَ الْقِصَاصَ مِنْهُ، وَتَنْكِيرُ " شَيْءٌ " يُفِيدُ سُقُوطَ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوَ عَنْ بَعْضِهِ وَمِنْ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، وَفِي ذِكْرِ أَخِيهِ تَعْطِيفٌ دَاعٍ إِلَى الْعَفْوِ وَإِيذَانٌ بِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَقْطَعُ أُخُوَّةَ الْإِيمَانِ، وَمِنْ مُبْتَدَأٌ، شَرْطِيَّةً أَوْ مَوْصُولَةً، وَالْخَبَرُ (فَاتِّبَاعٌ) أَيْ فَعَلَى الْعَافِي اتِّبَاعُ الْقَاتِلِ (بِالْمَعْرُوفِ) بِأَنْ يُطَالِبَهُ بِالدِّيَةِ بِلَا عُنْفٍ (وَ) عَلَى الْقَاتِلِ (أَدَاءٌ) الدِّيَةِ (إِلَيْهِ) إِلَى الْعَافِي وَهُوَ الْوَارِثُ (بِإِحْسَانٍ) بِلَا مَطْلٍ وَلَا بَخْسٍ (فَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بِمُرَادِهِ (أَنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ مِنْ أَخِيهِ شَيْئًا مِنَ الْعَقْلِ) الدِّيَةِ (فَلْيَتَّبِعْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُؤَدِّ إِلَيْهِ الْقَاتِلُ بِإِحْسَانٍ) فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ إِنَّمَا هِيَ عَلَى الْقَاتِلِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ إِنَّمَا هُوَ بِاتِّبَاعِهِ لَا عَاقِلَتِهِ، وَتَرْتِيبُ الِاتِّبَاعِ عَلَى الْعَفْوِ يُفِيدُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا أَيِ الْقِصَاصُ أَوِ الْعَفْوُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ» " (قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ، وَالْمَرْأَةِ الَّتِي لَا مَالَ لَهَا، إِذَا جَنَى أَحَدُهُمَا جِنَايَةً دُونَ الثُّلُثِ، أَنَّهُ ضَامِنٌ) أَيْ مَضْمُونٌ كَمَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أَيْ مَرْضِيَّةٍ (عَلَى الصَّبِيِّ أَوِ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهِمَا خَاصَّةً، إِنْ كَانَ لَهُمَا مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَجِنَايَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يُؤْخَذُ أَبُو الصَّبِيِّ بِعَقْلِ جِنَايَةِ الصَّبِيِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ) لِحَدِيثِ أَبِي رِمْثَةَ فِي ابْنِهِ: وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ. وَفِي النَّسَائِيِّ مَرْفُوعًا: لَا تَجْنِي نَفْسٌ عَنْ أُخْرَى أَيْ لَا يُؤْخَذُ أَحَدٌ بِجِنَايَةِ أَحَدٍ. (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قُتِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (كَانَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 يَوْمَ يُقْتَلُ) عَلَى قَاتِلِهِ. (وَلَا تَحْمِلُ عَاقِلَةُ قَاتِلِهِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ) لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ عَبْدًا كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ (وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَصَابَهُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً بَالِغًا مَا بَلَغَ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الدِّيَةَ) أَيْ قَدْرَهَا (أَوْ أَكْثَرَ فَذَلِكَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ مِنَ السِّلَعِ) جَمْعُ سِلْعَةٍ كَسِدْرَةٍ وَسِدَرٍ، أَيْ بِضَاعَةٌ - بِالْكَسْرِ - قِطْعَةٌ مِنَ الْمَالِ تُعَدُّ لِلتِّجَارَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 [باب مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الْعَقْلِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ «نَشَدَ النَّاسَ بِمِنًى مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الدِّيَةِ أَنْ يُخْبِرَنِي فَقَامَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ فَقَالَ كَتَبَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ادْخُلْ الْخِبَاءَ حَتَّى آتِيَكَ فَلَمَّا نَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ فَقَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ قَتْلُ أَشْيَمَ خَطَأً   17 - بَابُ مِيرَاثِ الْعَقْلِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ 1619 - 1575 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْهُ. وَرَوَاهُ أَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَهُشَيْمٌ عَنْهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) وَرِوَايَةُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ تَجْرِي مَجْرَى الْمُتَّصِلِ ; لِأَنَّهُ قَدْ رَآهُ، وَصَحَّحَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ سَمَاعَهُ مِنْهُ، وَوُلِدَ سَعِيدٌ لِسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَتِهِ، «وَقَالَ سَعِيدٌ: مَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَضِيَّةٍ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ إِلَّا وَأَنَا أَحْفَظُهَا» . وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ. وَفِي طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عُمَرَ تَسْأَلُهُ أَنْ يُوَرِّثَهَا مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ لَكِ شَيْئًا ثُمَّ (نَشَدَ) طَلَبَ (النَّاسَ بِمِنًى) أَيْ طَلَبَ مِنْهُمْ جَوَابَ قَوْلِهِ (مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الدِّيَةِ أَنْ يُخْبِرَنِيَ) وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: مَا أَرَى الدِّيَةَ إِلَّا لِلْعَصَبَةِ ; لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ فَهَلْ سَمِعَ مِنْكُمْ أَحَدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟ (فَقَامَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ) بْنِ عَوْفٍ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ (الْكِلَابِيُّ) أَبُو سَعِيدٍ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً، وَكَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ يُعَدُّ بِمِائَةِ فَارِسٍ وَبَعَثَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَرِيَّةٍ وَفِيهِ يَقُولُ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: إِنَّ الَّذِينَ وَفَوْا بِمَا عَاهَدْتَهُمُ ... جَيْشٌ بَعَثْتَ عَلَيْهِمُ الضَّحَّاكَا طَوْرًا يُعَانِقُ بِالْيَمِينِ وَتَارَةً ... يَفْرِي الْجَمَاجِمَ صَارِمًا بَتَّاكَا الحديث: 1619 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 (فَقَالَ) زَادَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْأَعْرَابِ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ يَنْزِلُ نَجْدًا وَكَانَ وَالِيًا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ هُنَاكَ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ عَلَى صَدَقَاتِ قَوْمِهِ (كَتَبَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُوَرِّثَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ (امْرَأَةَ أَشْيَمَ) بِمُعْجَمَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ قَالَ فِي الْإِصَابَةِ بِوَزْنِ أَحْمَدَ (الضِّبَابِيِّ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ فَمُوَحَّدَةٍ فَأَلَّفٍ فَمُوَحَّدَةٍ ثَانِيَةٍ قُتِلَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ مُسْلِمًا (مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا) أَشْيَمَ (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ادْخُلِ الْخِبَاءَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَةٍ وَمَدٍّ، الْخَيْمَةَ (حَتَّى آتِيَكَ فَلَمَّا نَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ) الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ بِالْخَبَرِ. وَرَوَى ابْنُ شَاهِينَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِقِصَّةِ أَشْيَمَ فَقَالَ: إِيتِنِي عَلَى هَذَا بِمَا أَعْرِفُ فَنَشَدْتُ النَّاسَ فِي الْمَوْسِمِ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ زُرَارَةُ بْنُ جُرَيٍّ فَحَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ. وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ زُرَارَةَ بْنَ جُرَيٍّ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إِلَى الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا (فَقَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) » بَعْدَ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ وَزُرَارَةَ وَالْمُغِيرَةِ ذَلِكَ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا عَلِمَ لَا لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ خَبَرَ الْوَاحِدِ بَلْ لِإِشَاعَةِ الْخَبَرِ وَإِشْهَارِهِ بِالْمَوْسِمِ، وَرَدَّ مَا كَانَ رَآهُ أَنَّ الدِّيَةَ إِنَّمَا هِيَ لِلْعَصَبَةِ ; لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ لَا قِيَاسَ مَعَ النَّصِّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ ثُمَّ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الضَّحَّاكَ أَخْبَرَ عُمَرَ، وَقَوْلُ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ الضَّحَّاكَ كَتَبَ إِلَيْهِ وَهْمٌ، إِنَّمَا الضَّحَّاكُ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِيهِ أَنَّ الْعَالِمَ الْجَلِيلَ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنَ السُّنَنِ وَالْعِلْمِ مَا يَكُونُ عِنْدَ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْعِلْمِ، وَأَخْبَارُ الْآحَادِ عِلْمُ خَاصَّةٍ لَا يُنْكَرُ أَنْ يَخْفَى مِنْهُ الشَّيْءُ عَلَى الْعَالَمِ وَهُوَ عِنْدَ غَيْرِهِ. (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ قَتْلُ أَشْيَمَ خَطَّأً) هَكَذَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ قَتْلُ أَشْيَمَ خَطَأً. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْمَحْفُوظُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ غَرِيبٌ جِدًّا وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ فَإِنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ كَلَامَهُ فِي الْأَحَادِيثِ كَثِيرًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِالسَّيْفِ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنُزِيَ فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اعْدُدْ عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ فَلَمَّا قَدِمَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً ثُمَّ قَالَ أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ قَالَ هَأَنَذَا قَالَ خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ»   1620 - 1576 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحديث: 1620 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الصَّدُوقِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ (أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ، بَطْنٌ مِنْ كِنَانَةَ (يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ) الْمُدْلِجِيُّ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرَهُ (حَذَفَ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ رَمَى (ابْنَهُ) لَمْ يُسَمَّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَصَحَّفَ مَنْ رَوَاهُ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ ; لِأَنَّ الْخَذْفَ بِالْخَاءِ إِنَّمَا هُوَ الرَّمْيُ بِالْحَصَى أَوِ النَّوَى وَهُوَ قَدْ قَالَ (بِالسَّيْفِ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنُزِيَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ كَعُنِيَ فِي جُرْحِهِ بِضَمِّ الْجِيمِ (فَمَاتَ فَقَدِمَ سُرَاقَةُ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ (ابْنُ جُعْشُمٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْمُعْجَمَةِ بَيْنَهُمَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ نُسِبَ لِجَدِّهِ وَأَبُو مَالِكٍ الْكِنَانِيُّ ثُمَّ الْمُدْلِجِيُّ أَبُو سُفْيَانَ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا (عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ: اعْدُدْ) بِضَمِّ الدَّالِّ الْأُولَى (عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَمُهْمَلَتَيْنِ، مُصَغَّرٌ، مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ (عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدِمَ عَلَيْكَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً) بِالْكَسْرِ (وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً) بِفَتْحَتَيْنِ (وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ الْحَوَامِلُ مِنَ الْإِبِلِ (ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: هَا أَنَا ذَا، قَالَ: خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ) مِنْ دِيَةٍ وَلَا إِرْثٍ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ نَحْوَهُ وَقَالَ: فَوَرَّثَهُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَلَمْ يُوَرِّثْ أَبَاهُ مِنْ دِيَتِهِ شَيْئًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا أَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَالَا لَا وَلَكِنْ يُزَادُ فِيهَا لِلْحُرْمَةِ فَقِيلَ لِسَعِيدٍ هَلْ يُزَادُ فِي الْجِرَاحِ كَمَا يُزَادُ فِي النَّفْسِ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ أُرَاهُمَا أَرَادَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عَقْلِ الْمُدْلِجِيِّ حِينَ أَصَابَ ابْنَهُ   1620 - 1577 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا أَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ) فِي الْمَقْتُولِ (فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ) أَيْ جِنْسِهِ فَشَمِلَ الْأَرْبَعَةَ (فَقَالَ: لَا) تُغَلَّظُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَدْ (وَلَكِنْ يُزَادُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 فِيهَا لِلْحُرْمَةِ) أَيْ حُرْمَةِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ (فَقِيلَ لِسَعِيدٍ: هَلْ يُزَادُ فِي الْجِرَاحِ كَمَا يُزَادُ فِي النَّفْسِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ) أَيْ يُزَادُ (قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُمَا) أَظُنُّ سَعِيدًا وَسُلَيْمَانَ (أَرَادَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عَقْلِ الْمُدْلِجِيِّ حِينَ أَصَابَ ابْنَهُ) مِنْ تَثْلِيثِ الدِّيَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ كَانَ لَهُ عَمٌّ صَغِيرٌ هُوَ أَصْغَرُ مِنْ أُحَيْحَةَ وَكَانَ عِنْدَ أَخْوَالِهِ فَأَخَذَهُ أُحَيْحَةُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ أَخْوَالُهُ كُنَّا أَهْلَ ثُمِّهِ وَرُمِّهِ حَتَّى إِذَا اسْتَوَى عَلَى عُمَمِهِ غَلَبَنَا حَقُّ امْرِئٍ فِي عَمِّهِ قَالَ عُرْوَةُ فَلِذَلِكَ لَا يَرِثُ قَاتِلٌ مَنْ قَتَلَ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ قَاتِلَ الْعَمْدِ لَا يَرِثُ مِنْ دِيَةِ مَنْ قَتَلَ شَيْئًا وَلَا مِنْ مَالِهِ وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا وَقَعَ لَهُ مِيرَاثٌ وَأَنَّ الَّذِي يَقْتُلُ خَطَأً لَا يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي أَنْ يَرِثَ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ لِيَرِثَهُ وَلِيَأْخُذَ مَالَهُ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَرِثَ مِنْ مَالِهِ وَلَا يَرِثُ مِنْ دِيَتِهِ   1621 - 1578 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أُحَيْحَةُ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ (بْنُ الْجُلَاحِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ (كَانَ لَهُ عَمٌّ صَغِيرٌ هُوَ أَصْغَرُ مِنْ أُحَيْحَةَ وَكَانَ عِنْدَ أَخْوَالِهِ فَأَخَذَهُ أُحَيْحَةُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ أَخْوَالُهُ: كُنَّا أَهْلَ ثُمِّهِ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّقِيلَةِ وَهَاءِ الضَّمِيرِ قَالَ أَبُو عُبْيَدٍ: الْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ بِالضَّمِّ، وَالْوَجْهُ عِنْدِي الْفَتْحُ، وَالَثَّمُّ إِصْلَاحُ الشَّيْءِ وَإِحْكَامُهُ، يُقَالُ: ثَمَمْتُ أَثِمُّ ثَمًّا، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَالَثَّمُّ الرَّمُّ (وَرُمِّهِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ شَدِيدَةً قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هَكَذَا رَوَتْهُ الرُّوَاةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ مَالَهُ ثُمٌّ وَلَا رُمٌّ بِضَمِّهِمَا، فَالثُّمُّ قُمَاشُ الْبَيْتِ وَالرُّمُّ مَرَمَّةُ الْبَيْتِ، كَأَنَّهُ أُرِيدَ كُنَّا الْقَائِمِينَ بِهِ مُنْذُ وُلِدَ إِلَى أَنْ شَبَّ وَقَوِيَ. (حَتَّى إِذَا اسْتَوَى عَلَى عُمَمِهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا وَمِيمَيْنِ أُولَاهُمَا مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَةٌ مُخَفَّفَةٌ أَيْ عَلَى طُولِهِ وَاعْتِدَالِ شَبَابِهِ، وَيُقَالُ لِلنَّبْتِ إِذَا طَالَ اعْتَمَّ. وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِالتَّشْدِيدِ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ أَيْ شَدِّ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ تُشَدَّدُ لِلِازْدِوَاجِ (غَلَبَنَا حَقُّ امْرِئٍ فِي عَمِّهِ) فَأَخَذَهُ مِنَّا قَهْرًا عَلَيْنَا. (قَالَ عُرْوَةُ: فَلِذَلِكَ لَا يَرِثُ قَاتِلٌ مَنْ قَتَلَ) أَيِ الَّذِي قَتَلَهُ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ بَعْدَ ذَلِكَ أَثَرُ الْمُوَطَّأِ هَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَى نَسَبِ أُحَيْحَةَ هَذَا فِي أَنْسَابِ الْأَنْصَارِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي الصَّحَابَةِ. وَزَعَمَ أَنَّهُ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ بْنِ حُرَيْشٍ، وَيُقَالُ حِرَاسُ بْنُ حُجْبَا بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ وَكَانَتْ تَحْتَهُ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرٍو الْخَزْرَجِيَّةُ فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرَو بْنَ أُحَيْحَةَ، وَتَزَوَّجَ سَلْمَى بَعْدَ أُحَيْحَةَ الحديث: 1621 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ جَدَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَعَمَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُحَيْحَةَ هَذَا هُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ فِي النَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي الدُّبُرِ. وَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ لِأَبِيهِ أُحَيْحَةَ صُحْبَةٌ، وَقَدْ أَنْكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا إِنْكَارًا شَدِيدًا. وَقَالَ فِي الِاسْتِيعَابِ: ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِيمَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَسَمِعَ مِنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا لَا أَدْرِي مَا هُوَ لِأَنَّ أُحَيْحَةَ قَدِيمٌ وَهُوَ أَخُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأُمِّهِ، فَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ خُزَيْمَةَ مَنْ كَانَ بِهَذَا الْقِدَمِ، وَيَرْوِي عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ، فَعَسَى أَنْ يَكُونَ حَفِيدًا لِعَمْرِو بْنِ أُحَيْحَةَ يَعْنِي تَسَمَّى بَاسِمِ جَدِّهِ، قُلْتُ: لَمْ يَتَعَيَّنْ مَا قَالَ بَلْ لَعَلَّ أُحَيْحَةَ بْنَ الْجُلَاحِ وَالِدَ عَمْرٍو آخَرُ غَيْرُ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ الْمَشْهُورِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَرْزُبَانِيُّ عَمْرَو بْنَ أُحَيْحَةَ فِي مُعْجَمِ الشُّعَرَاءِ، وَقَالَ: إِنَّهُ مُخَضْرَمٌ يَعْنِي أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَالْإِسْلَامَ وَأَنْشَدَ لَهُ شِعْرًا، قَالَ: لَمَّا خَطَبَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ. وَأُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ الْمَشْهُورُ كَانَ شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَهْرٍ، وَمِنْ وَلَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ أَحَدُ مَنْ سُمِّيَ مُحَمَّدًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ هُوَ النَّبِيَّ الْمَبْعُوثَ، وَمَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمَ وَلَدُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَشَهِدَ بَدْرًا وَغَيْرَهَا، وَاسْتُشْهِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَمِمَّنْ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ ذُرِّيَّةِ أُحَيْحَةَ عِيَاضُ بْنُ عَمْرِو بْنِ شَهْلِ بْنِ أُحَيْحَةَ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا، وَعِمْرَانُ وَبُلَيْلٌ وَلَدَا بِلَالِ بْنِ أُحَيْحَةَ شَهِدًا أُحُدًا أَيْضًا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ أَبَاهُمْ فِي الصَّحَابَةِ، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ أُحَيْحَةَ أَيْضًا فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نَاقِدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْأَصْرَمِ بْنِ حُجْبَا، أُمُّهُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الْمَذْكُورِ، وَذَاكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى وَهْمِ مَنْ ذَكَرَ أُحَيْحَةَ بْنَ الْجُلَاجِ الْأَكْبَرَ فِي الصَّحَابَةِ. وَقَالَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ: وَهِمَ بَعْضُهُمْ مَا فِي الْمُوَطَّأِ بِأَنَّ أُحَيْحَةَ جَاهِلِيٌّ لَمْ يُدْرِكِ الْإِسْلَامَ، وَالْأَنْصَارُ اسْمٌ إِسْلَامِيٌّ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَكَيْفَ يُقَالُ مِنَ الْأَنْصَارِ؟ قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ فِي اللَّفْظِ تَسَاهُلًا لِمَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمَذْكُورِ، وَصَارَ لَهُمْ هَذَا الِاسْمُ كَالنَّسَبِ ذُكِرَ فِي جُمْلَتِهِمْ لِأَنَّهُ مِنْ إِخْوَتِهِمُ، انْتَهَى. وَهَذَا تَسْلِيمٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَدْ أَغْرَبَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَذَّاءِ فِي رِجَالِ الْمُوَطَّأِ فَزَعَمَ أَنَّ أُحَيْحَةَ بْنَ الْجُلَاحِ قَدِيمُ الْوَفَاةِ وَأَنَّهُ عُمِّرَ حَتَّى أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ، وَأَنَّهُ الَّذِي ذَكَرَ عَنْهُ مَالِكٌ مَا ذَكَرَ، وَأَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يُدْرِكْهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ لَهُ الَّذِي وَقَعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا الْإِسْلَامُ انْتَهَى. فَجَعَلَهُ تَارَةً أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَتَارَةً لَمْ يُدْرِكْهُ، الْحَقُّ أَنَّهُ مَاتَ قَدِيمًا كَمَا قَدَّمْتُهُ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْقِصَّةِ فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ غَيْرُهُ وَكَأَنَّهُ وَالِدُ عَمْرِو بْنِ أُحَيْحَةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، فَيَكُونُ أُحَيْحَةُ الصَّحَابِيُّ وَالِدُ عَمْرٍو غَيْرَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ جَدِّ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الْقَدِيمِ الْجَاهِلِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْغَرُ حَفِيدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 الْأَكْبَرِ وَافَقَ اسْمُهُ وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ جَدِّهِ وَاسْمَ أَبِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُ الْإِصَابَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ قَاتِلَ الْعَمْدِ لَا يَرِثُ مِنْ دِيَةِ مَنْ قَتَلَ شَيْئًا وَلَا مِنْ مَالِهِ، وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا وَقَعَ لَهُ مِيرَاثٌ) لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ وَارِثًا. (وَأَنَّ الَّذِي يَقْتُلُ خَطَأً لَا يَرِثُ مِنَ الدِّيَةِ شَيْئًا) وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَامَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ، وَتَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا وَمَالِهِ، وَهُوَ يَرِثُ مِنْ دِيَتِهَا مَا لَمْ يَقْتُلْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا فَلَا يَرِثُ مِنْ دِيَتِهِ وَمَالِهِ شَيْئًا، وَإِنْ قَتَلَ صَاحِبَهُ خَطَأً وَرِثَ مِنْ مَالِهِ وَلَا يَرِثُ مِنْ دِيَتِهِ» ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ لَكِنَّهُ اعْتَضَدَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ. (وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَنْ يَرِثَ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ لِيَرِثَهُ وَلِيَأْخُذَ مَالَهُ) الَّذِي هُوَ عِلَّةُ مَنْعِ إِرْثِهِ فِي قَتْلِهِ عَمْدًا، فَإِذَا انْتَفَتِ الْعِلَّةُ بِكَوْنِ الْقَتْلِ خَطَأً وَرِثَ مِنَ الْمَالِ أَوْ لَا يَرْثُ عَمَلًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ (فَأَحَبُّ) الْقَوْلَيْنِ (إِلَيَّ أَنْ يَرِثَ مِنْ مَالِهِ وَلَا يَرِثُ مِنْ دِيَتِهِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 [باب جَامِعِ الْعَقْلِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ الْجُبَارِ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ الْقَائِدُ وَالسَّائِقُ وَالرَّاكِبُ كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ إِلَّا أَنْ تَرْمَحَ الدَّابَّةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا شَيْءٌ تَرْمَحُ لَهُ وَقَدْ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ بِالْعَقْلِ قَالَ مَالِكٌ فَالْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ أَحْرَى أَنْ يَغْرَمُوا مِنْ الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَحْفِرُ الْبِئْرَ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ يَرْبِطُ الدَّابَّةَ أَوْ يَصْنَعُ أَشْبَاهَ هَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْنَعَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أُصِيبَ فِي ذَلِكَ مِنْ جَرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَقْلُهُ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَهُوَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً وَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْنَعَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا غُرْمَ وَمِنْ ذَلِكَ الْبِئْرُ يَحْفِرُهَا الرَّجُلُ لِلْمَطَرِ وَالدَّابَّةُ يَنْزِلُ عَنْهَا الرَّجُلُ لِلْحَاجَةِ فَيَقِفُهَا عَلَى الطَّرِيقِ فَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي هَذَا غُرْمٌ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ فَيُدْرِكُهُ رَجُلٌ آخَرُ فِي أَثَرِهِ فَيَجْبِذُ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى فَيَخِرَّانِ فِي الْبِئْرِ فَيَهْلِكَانِ جَمِيعًا أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي جَبَذَهُ الدِّيَةَ قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ يَأْمُرُهُ الرَّجُلُ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ أَوْ يَرْقَى فِي النَّخْلَةِ فَيَهْلِكُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ مِنْ هَلَاكٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ عَقْلٌ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْقِلُوهُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِيمَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ مِنْ الدِّيَاتِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعَقْلُ عَلَى مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ مِنْ الرِّجَالِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي عَقْلِ الْمَوَالِي تُلْزَمُهُ الْعَاقِلَةُ إِنْ شَاءُوا وَإِنْ أَبَوْا كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ أَوْ مُقْطَعِينَ وَقَدْ تَعَاقَلَ النَّاسُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ دِيوَانٌ وَإِنَّمَا كَانَ الدِّيوَانُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ غَيْرُ قَوْمِهِ وَمَوَالِيهِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَنْتَقِلُ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ قَالَ مَالِكٌ وَالْوَلَاءُ نَسَبٌ ثَابِتٌ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا أُصِيبَ مِنْ الْبَهَائِمِ أَنَّ عَلَى مَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَيُصِيبُ حَدًّا مِنْ الْحُدُودِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا الْفِرْيَةَ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ عَلَى مَنْ قِيلَتْ لَهُ يُقَالُ لَهُ مَا لَكَ لَمْ تَجْلِدْ مَنْ افْتَرَى عَلَيْكَ فَأَرَى أَنْ يُجْلَدَ الْمَقْتُولُ الْحَدَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْتَلَ ثُمَّ يُقْتَلَ وَلَا أَرَى أَنْ يُقَادَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ إِلَّا الْقَتْلَ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْقَتِيلَ إِذَا وُجِدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ فِي قَرْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ دَارًا وَلَا مَكَانًا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ الْقَتِيلُ ثُمَّ يُلْقَى عَلَى بَابِ قَوْمٍ لِيُلَطَّخُوا بِهِ فَلَيْسَ يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ اقْتَتَلُوا فَانْكَشَفُوا وَبَيْنَهُمْ قَتِيلٌ أَوْ جَرِيحٌ لَا يُدْرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَلَيْهِ الْعَقْلَ وَأَنَّ عَقْلَهُ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ نَازَعُوهُ وَإِنْ كَانَ الْجَرِيحُ أَوْ الْقَتِيلُ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ فَعَقْلُهُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا   18 - بَابُ جَامِعِ الْعَقْلِ 1622 - 1579 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيِّ الزُّهْرِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) الْقُرَشِيِّ (وَ) عَنْ (أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ كِلَاهُمَا (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: جَرْحُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى الْمَصْدَرِ لَا غَيْرُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، فَأَمَّا بِالضَّمِّ فَالِاسْمُ (الْعَجْمَاءِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَبِالْمَدِّ تَأْنِيثُ أَعْجَمَ وَهُوَ الْبَهِيمَةُ، وَيُقَالُ أَيْضًا لِكُلِّ حَيَوَانٍ غَيْرَ الْإِنْسَانِ وَلِمَنْ لَا يُفْصِحُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ سُمِّيَتِ الْبَهِيمَةُ الحديث: 1622 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 عَجْمَاءَ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ (جُبَارٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ هَدَرٌ لَا شَيْءَ فِيهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: جَرْحُهَا جِنَايَتُهَا، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ جِنَايَتَهَا نَهَارًا وَجَرْحَهَا بِلَا سَبَبٍ فِيهِ لِأَحَدٍ أَنَّهُ هَدَرٌ لَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا أَرْشَ، أَيْ فَلَا يَخْتَصُّ الْهَدَرُ بِالْجِرَاحِ بَلْ كُلُّ الْإِتْلَافَاتِ مُلْحَقَةٌ بِهَا، قَالَ عِيَاضٌ: وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْجَرْحِ ; لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ أَوْ هُوَ مِثَالٌ نَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا عَدَاهُ. وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ عَنْ مَالِكٍ: الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَقْدِيرٍ؛ إِذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْعَجْمَاءِ نَفْسِهَا جُبَارًا، وَدَلَّتْ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: " «الْعَجْمَاءُ جَرَحُهَا جُبَارٌ» "، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمُقَدَّرَ هُوَ جُرْحُهَا فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجُرْحِ كَمَا عُلِمَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ رِوَايَةً تَعَيَّنَ الْمُقَدَّرُ لَمْ يَكُنْ لِرِوَايَةٍ التِّنِّيسِيِّ عُمُومٌ فِي جَمِيعِ الْمُقَدَّرَاتِ الَّتِي يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِتَقْدِيرٍ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ لَا عُمُومَ لَهُ. (وَالْبِئْرُ) بِكَسْرٍ الْمُوَحَّدَةِ وَبَاءٍ سَاكِنَةٍ مَهْمُوزَةٍ وَيَجُوزُ تَسْهِيلُهَا وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَيَجُوزُ تَذْكِيرُهَا عَلَى مَعْنَى الْقَلِيبِ وَالطَّوَى (جُبَارٌ) هَدَرٌ لَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّهَا فِي كُلِّ مَا سَقَطَ فِيهَا بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ إِذَا حَفَرَهَا فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ حَفْرُهَا فِيهِ كَمِلْكِهِ أَوْ دَارِهِ أَوْ فِنَائِهِ أَوْ فِي صَحْرَاءَ لِمَاشِيَةٍ أَوْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ مُحْتَمِلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُدَ وَأَصْحَابِهِمْ قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُرَادُ بِالْبِئْرِ هُنَا الْعَادِيَّةُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي لَا يُعْلَمُ لَهَا مَالِكٌ تَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ فَيَقَعُ فِيهَا إِنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ انْتَهَى، وَهَذَا تَضْيِيقٌ. (وَالْمَعْدِنُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمَكَانُ مِنَ الْأَرْضِ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَادِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَكِبْرِيتٍ وَغَيْرِهَا مِنْ " عَدَنَ " بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ " يَعْدِنُ " بِالْكَسْرِ " عُدُونًا " سُمِّيَ بِهِ لِعُدُونِ مَا أَنْبَتَهُ اللَّهُ فِيهِ كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ إِقَامَتُهُ إِذَا انْهَارَ عَلَى مَنْ حَفَرَ فِيهِ فَهَلَكَ فَدَمُهُ (جُبَارٌ) لَا ضَمَانَ فِيهِ كَالْبِئْرِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ مَنِ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَعْمَلَ فِي مَعْدِنٍ فَهَلَكَ فَهَدَرٌ لَا شَيْءَ عَلَى مَنِ اسْتَأْجَرَهُ وَلَا دِيَةَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا غَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ فِي زَكَاتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 267) وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْ مَعَادِنِ الْقَبَلِيَّةِ الصَّدَقَةَ. (وَفِي الرِّكَازِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَخِفَّةِ الْكَافِ فَأَلِفٍ فَزَايٍ وَهُوَ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِي الزَّكَاةِ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ (الْخُمُسُ) فِي الْحَالِ لَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِاتِّفَاقٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوِ الْحَرْبِ، قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ كَنُحَاسٍ وَجَوْهَرٍ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ خِلَافٌ قَدَّمْتُهُ فِي الزَّكَاةِ، وَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ فِيهِ الْخُمُسُ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي اسْتِخْرَاجِهِ إِلَى عَمَلٍ وَمُؤْنَةٍ وَمُعَالَجَةٍ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ أَوْ لِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ، فَنُزِّلَ وَاجِدُهُ مَنْزِلَةَ الْغَانِمِ فَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ، وَتَفْسِيرُهُ بِدَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ هُوَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ سَمَاعِهِ مِنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 الْعُلَمَاءِ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ، وَقَالَ بِهِ هُوَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعِرَاقِيِّينَ: الرِّكَازُ هُوَ الْمَعْدِنُ فَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ فِيهِمَا الْخُمُسُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَطَفَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَذَكَرَ لِهَذَا حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ الْأَوَّلِ وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ، وَاحْتِمَالُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ ذَكَرَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَجَمَعَهَا الرَّاوِي وَسَاقَهَا مَسَاقًا وَاحِدًا فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَالْأَصْلِ فَلَا يُعْبَأُ بِهِ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: يُطْلَقُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ قَالَ: وَقِيلَ الرِّكَازُ قِطَعُ الْفِضَّةِ تُخْرَجُ مِنَ الْمَعْدِنِ، وَقِيلَ مِنَ الذَّهَبِ أَيْضًا. (لَطِيفَةٌ) مِمَّا نُعِتَ بِهِ الْمُحِبُّ أَنَّهُ كَالدَّابَّةِ جَرْحَهُ جُبَارٌ؛ حُكِيَ أَنَّ خُطَّافًا رَاوَدَ خُطَّافَةً فِي قُبَّةِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَسَمِعَهُ يَقُولُ: بَلَغَ مِنِّي حُبُّكِ لَوْ قُلْتِ لِيَ اهْدِمِ الْقُبَّةَ عَلَى سُلَيْمَانَ فَعَلْتُ، فَاسْتَدْعَاهُ سُلَيْمَانُ فَقَالَ لَهُ: لَا تَعْجَلْ إِنْ لِلْمَحَبَّةِ لِسَانًا لَا يَتَكَلَّمُ بِهِ إِلَّا الْمُحِبُّونَ، وَالْعَاشِقُونَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ فَإِنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلِسَانِ الْمَحَبَّةِ لَا بِلِسَانِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ، فَضَحِكَ سُلَيْمَانُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَقَالَ: هَذَا جَرْحٌ جُبَارٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ. (قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ الْجُبَارِ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا أَنَّهُ الْهَدْرُ الَّذِي لَا أَرْشَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. (وَقَالَ مَالِكٌ) مُقَيِّدًا لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مُبَيِّنًا لِلْمُرَادِ بِهِ (الْقَائِدُ) لِلدَّابَّةِ (وَالسَّائِقُ) لَهَا (وَالرَّاكِبُ) عَلَيْهَا (كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا أَصَابَتِ الدَّابَّةُ) لِنِسْبَةِ سَيْرِهَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ تَسْتَقِلَّ بِالْفِعْلِ حَتَّى يَكُونَ جُبَارًا فَلَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ (إِلَّا أَنْ تَرْمَحَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (الدَّابَّةُ) أَيْ تَضْرِبَ بِرِجْلِهَا (مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا شَيْءٌ) كَنَخْسٍ تَرْمَحُ لَهُ فَلَا ضَمَانَ. (وَقَدْ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ بِالْعَقْلِ) أَيِ الدِّيَةِ. (فَالْقَائِدُ وَالسَّائِقُ وَالرَّاكِبُ أَحْرَى) أَوْلَى (أَنْ يَغْرَمَ مِنَ الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ) لِأَنَّهُ إِذَا أَجْرَاهَا لَا يَسْتَطِيعُ غَالِبًا مَنْعَهَا بِخِلَافِهِمْ. (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَحْفِرُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 بِكَسْرِ الْفَاءِ (الْبِئْرَ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ يَرْبِطُ الدَّابَّةَ أَوْ يَصْنَعُ أَشْبَاهَ هَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ) يُفَصَّلُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ (مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ) يَصْنَعَهُ (عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ) كَالضَّيِّقَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ (فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أُصِيبَ فِي ذَلِكَ مِنْ جَرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَقْلُهُ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَهُوَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ مَا دُونُ الثُّلُثِ. (وَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَ) إِنْ كَانَ (مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْنَعَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ) كَالْوَاسِعَةِ الْمُحْتَمِلَةَ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا غُرْمَ) بَلْ هُوَ هَدْرٌ وَعَلَيْهِ يُحَمَلُ الْحَدِيثُ. (وَمِنْ ذَلِكَ الْبِئْرُ يَحْفِرُهَا الرَّجُلُ لِلْمَطَرِ، وَالدَّابَّةُ يَنْزِلُ عَنْهَا الرَّجُلُ لِلْحَاجَةِ فَيَقِفُهَا عَلَى الطَّرِيقِ فَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي هَذَا غُرْمٌ) لَا عَلَى الرَّجُلِ وَلَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَلَا غَيْرِهِمَا. (وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ فَيُدْرِكُهُ رَجُلٌ آخَرُ فِي أَثَرِهِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَبِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ عَقِبِهِ (فَيَجْبِذُ) بِجِيمٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ فَذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَهُوَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَيْسَ مَقْلُوبَ جَذَبَ (الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى فَيَخِرَّانِ) يَسْقُطَانِ (فِي الْبِئْرِ فَيَهْلِكَانِ جَمِيعًا أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي جَبَذَهُ) وَهُوَ الْأَسْفَلُ (الدِّيَةَ) لِجَذْبِهِ، وَالْأَسْفَلُ هَدْرٌ (وَالصَّبِيُّ يَأْمُرُهُ الرَّجُلُ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ أَوْ يَرْقَى) يَصْعَدُ (النَّخْلَةَ فَيَهْلِكَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ مِنْ هَلَاكٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِثْلِ كَسْرِ عُضْوٍ. (وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ عَقْلٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْقِلُوهُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِيمَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ) بِكَسْرِ الْقَافِ جَمْعُ عَاقِلٍ (مِنَ الدِّيَاتِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعَقْلُ عَلَى مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ مِنَ الرِّجَالِ) الْعَصَبَةِ سُمُّوا عَاقِلَةً لِعَقْلِهِمُ الْإِبِلَ بِفِنَاءِ دَارِ الْمُسْتَحِقَّ أَوْ لِتَحَمُّلِهِمْ عَنِ الْجَانِي الْعَقْلَ أَيِ الدِّيَةَ أَوْ لِمَنْعِهِمْ عَنْهُ، وَالْعَقْلُ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّي الْعَقْلُ عَقْلًا لِمَنْعِهِ مِنَ الْفَوَاحِشِ، وَلَا شَيْءَ مِنَ الثَّلَاثَةِ يُنَاسِبُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ (وَقَالَ مَالِكٌ فِي عَقْلِ الْمَوَالِي يُلْزَمُهُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ (الْعَاقِلَةُ إِنْ شَاءُوا وَإِنْ أَبَوْا) وَسَوَاءٌ (كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَتُفَتَحُ مُعَرَّبٌ (أَوْ مُقْطَعِينَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتَحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَفِي نُسْخَةٍ مُنْقَطِعِينَ بِنُونٍ قَبْلَ الْقَافِ. (وَقَدْ تَعَاقَلَ النَّاسُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ) يُوجَدَ (دِيوَانٌ وَإِنَّمَا كَانَ الدِّيوَانُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ فِي الْعَرَبِ أَيْ رَتَّبِ الْجَوَائِزَ لِلْعُمَّالِ وَغَيْرِهِمْ (فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ غَيْرُ قَوْمِهِ وَمَوَالِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُنْقَلُ) عَنْ مَنْ هُوَ لَهُ (وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . قَالَ مَالِكٌ: وَالْوَلَاءُ نَسَبٌ ثَابِتٌ) تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ ( «لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» ) . (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا أُصِيبَ مِنَ الْبَهَائِمِ أَنَّ عَلَى مَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا) إِذَا هِيَ مِنَ الْأَمْوَالِ. (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَيُصِيبُ حَدًّا مِنَ الْحُدُودِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ) فَيَنْدَرِجُ الْأَصْغَرُ فِي الْأَكْبَرِ (إِلَّا الْفِرْيَةَ) بِكَسْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 الْفَاءِ الْقَذْفَ (فَإِنَّهَا تَثْبُتُ عَلَى مَنْ قِيلَتْ لَهُ يُقَالُ لَهُ مَا لَكَ) أَيْ لِأَيِّ شَيْءٍ (لَمْ تَجْلِدْ مَنِ افْتَرَى عَلَيْكَ) فَتَلْحَقُهُ الْمَعَرَّةُ بِذَلِكَ (فَأَرَى أَنْ يُجْلَدَ الْمَقْتُولُ الْحَدَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْتَلَ ثُمَّ يُقْتَلُ، وَلَا أَرَى أَنْ يُقَادَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْجِرَاحِ إِلَّا الْقَتْلَ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ) بِخِلَافِ حَدِّ الْفِرْيَةِ فَلَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْقَتْلُ. (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْقَتِيلَ إِذَا وُجِدَ بَيْنَ ظَهَرَانَيْ) بِفَتْحِ النُّونِ وَفِي نُسْخَةٍ ظَهْرِي وَكُلٌّ مِنْهُمَا زَائِدٌ أَيْ بَيْنَ (قَوْمٍ فِي قَرْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) كَحَارَةٍ وَبَسَاتِينَ (لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ دَارًا وَلَا مَكَانًا) فَالْبَعِيدُ أَوْلَى (وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (الْقَتِيلُ ثُمَّ يُلْقَى عَلَى بَابِ قَوْمٍ لِيُلَطِّخُوا) أَيْ يَرْمُوا (بِهِ) يُقَالُ لَطَّخَهُ بِسُوءٍ رَمَاهُ بِهِ (فَلَيْسَ يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ) وَأَيْضًا فَالْقَاتِلُ لَا يُبْقِي الْقَتِيلَ فِي مَكَانِهِ غَالِبًا. (قَالَ مَالِكٌ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ اقْتَتَلُوا فَانْكَشَفُوا وَبَيْنَهُمْ قَتِيلٌ أَوْ جَرِيحٌ لَا يُدْرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَلَيْهِ) أَيْ فِيهِ (الْعَقْلَ) الدِّيَةَ (أَنَّ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ نَازَعُوهُ) خَاصَمُوهُ حَتَّى اقْتَتَلُوا (وَإِنْ كَانَ الْجَرِيحُ أَوِ الْقَتِيلُ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ) الْمُتَنَازِعَيْنِ (فَعَقْلُهُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا) لِأَنَّ جَعْلَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا تَحَكُّمٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 [باب مَا جَاءَ فِي الْغِيلَةِ وَالسِّحْرِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ وَاحِدٍ قَتَلُوهُ قَتْلَ غِيلَةٍ وَقَالَ عُمَرُ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا   19 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغِيلَةِ وَالسِّحْرِ 1623 - 1580 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) مَرَّ أَنَّ رِوَايَةَ سَعِيدٍ عَنْهُ مُتَّصِلَةٌ لِأَنَّهُ رَآهُ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ سَمَاعَهُ مِنْهُ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ الْمُوَطَّأِ سَوَاءً، أَنَّ عُمَرَ (قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً) شَكَّ الرَّاوِي (بِرَجُلٍ وَاحِدٍ) غُلَامٍ اسْمُهُ أُصَيْلٌ مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ (قَتَلُوهُ) قَتْلَ (غِيلَةٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ أَيْ خَدِيعَةً أَيْ سِرًّا. (وَقَالَ عُمَرُ: لَوْ تَمَالَأَ) تَعَاوَنَ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ (أَهْلُ صَنْعَاءَ) بِالْمَدِّ بَلَدٍ مَعْرُوفٍ بِالْيَمَنِ (لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا) بِهِ. وَهَذَا مُخْتَصَرٌ مِنْ أَثَرٍ وَصَلَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ حَكِيمٍ الصَّنْعَانِيَّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً بِصَنْعَاءَ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَتَرَكَ فِي حِجْرِهَا ابْنًا لَهُ مِنْ غَيْرِهَا غُلَامًا يُقَالُ لَهُ أُصَيْلٌ، فَاتَّخَذَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ زَوْجِهَا خَلِيلًا فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ هَذَا الْغُلَامَ يَفْضَحُنَا فَاقْتُلْهُ فَأَبَى فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ فَطَاوَعَهَا فَاجْتَمَعَ عَلَى قَتْلِ الْغُلَامِ الرَّجُلُ وَرَجُلٌ آخَرُ وَالْمَرْأَةُ وَخَادِمُهَا فَقَتَلُوهُ ثُمَّ قَطَّعُوهُ أَعْضَاءَ وَجَعَلُوهُ فِي عَيْبَةٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فَمُوَحَّدَةٍ وِعَاءٍ مِنْ أَدَمٍ فَوَضَعُوهُ فِي رَكِيَّةٍ بِشَدِّ التَّحْتِيَّةِ بِئْرٍ لَمْ تُطْوَ فِي نَاحِيَةِ الْقَرْيَةِ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ، فَأُخِذَ خَلِيلُهَا فَاعْتَرَفَ ثُمَّ اعْتَرَفَ الْبَاقُونَ، فَكَتَبَ يَعْلَى وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ بِشَأْنِهِمْ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ بِقَتْلِهِمْ جَمِيعًا، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ أَهْلَ صَنْعَاءَ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ لَقَتَلْتُهُمْ أَجْمَعِينَ. الحديث: 1623 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا وَقَدْ كَانَتْ دَبَّرَتْهَا فَأَمَرَتْ بِهَا فَقُتِلَتْ قَالَ مَالِكٌ السَّاحِرُ الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ لَهُ غَيْرُهُ هُوَ مَثَلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102] فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ ذَلِكَ إِذَا عَمِلَ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ   1624 - 1581 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ) الْأَنْصَارِيِّ وَنُسِبَ أَبُوهُ إِلَى جَدِّهِ وَاسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدٌ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ (أَنَّهُ بَلَغَهُ الحديث: 1624 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا وَقَدْ كَانَتْ دَبَّرَتْهَا) أَيْ عَلَّقَتْ حَفْصَةُ عِتْقَهَا عَلَى مَوْتِهَا (فَأَمَرَتْ بِهَا فَقُتِلَتْ) لَا أَنَّهَا تَوَلَّتْهُ بِنَفْسِهَا. (قَالَ مَالِكٌ: السَّاحِرُ الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ لَهُ غَيْرُهُ هُوَ مِثْلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فِي كِتَابِهِ: وَلَقَدْ) لَامُ قَسَمٍ (عَلِمُوا) أَيِ الْيَهُودُ (لَمَنِ) لَامُ ابْتِدَاءٍ مُعَلِّقَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَمَنْ مَوْصُولَةٌ (اشْتَرَاهُ) اخْتَارَهُ أَوِ اسْتَبْدَلَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ (مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) نَصِيبٍ فِي الْجَنَّةِ (فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ ذَلِكَ إِذَا عَمِلَ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ) لَا أَنْ عَمِلَهُ غَيْرُهُ لَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 [باب مَا يَجِبُ فِي الْعَمْدِ] وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَقَادَ وَلِيَّ رَجُلٍ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ بِعَصًا فَقَتَلَهُ وَلِيُّهُ بِعَصًا قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا ضَرَبَ الرَّجُلَ بِعَصًا أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ أَوْ ضَرَبَهُ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْعَمْدُ وَفِيهِ الْقِصَاصُ قَالَ مَالِكٌ فَقَتْلُ الْعَمْدِ عِنْدَنَا أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فَيَضْرِبَهُ حَتَّى تَفِيظَ نَفْسُهُ وَمِنْ الْعَمْدِ أَيْضًا أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي النَّائِرَةِ تَكُونُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ عَنْهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيُنْزَى فِي ضَرْبِهِ فَيَمُوتُ فَتَكُونُ فِي ذَلِكَ الْقَسَامَةُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْعَمْدِ الرِّجَالُ الْأَحْرَارُ بِالرَّجُلِ الْحُرِّ الْوَاحِدِ وَالنِّسَاءُ بِالْمَرْأَةِ كَذَلِكَ وَالْعَبِيدُ بِالْعَبْدِ كَذَلِكَ   20 - بَابُ مَا يَجِبُ فِي الْعَمْدِ 1625 - 1582 - (مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ) بْنِ مَظْعُونٍ الصَّحَابِيَّةِ بِنْتِ الصَّحَابِيِّ بَايَعَتْ مَعَ أُمِّهَا (أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَقَادَ وَلِيَّ رَجُلٍ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ بِعَصًا فَقَتَلَهُ وَلِيُّهُ بِعَصًا) لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِمَا قَتَلَ بِهِ (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا ضَرَبَ الرَّجُلَ بِعَصًا أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ أَوْ ضَرَبَهُ عَمْدًا) بِيَدِهِ (فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْعَمْدُ وَفِيهِ الْقِصَاصُ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا الحديث: 1625 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 الْيَهُودِيَّ الَّذِي قَتَلَ امْرَأَةً بِحَجَرٍ فَقَتَلَهُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ» " فَفِيهِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ بِمَا قَتَلَ بِهِ كَمَا قَالَ. (فَقَتْلُ الْعَمْدِ عِنْدَنَا أَنْ يَعْمِدَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ يَقْصِدَ (الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فَيَضْرِبَهُ حَتَّى تَفِيضَ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ تَخْرُجَ نَفْسُهُ، وَيَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِتَحْتِيَّةِ أَوَّلِهِ وَنَصْبِ نَفْسِهِ، وَالْحُجَّةُ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] (سورة النَّحْلِ: الْآيَةُ 126) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 194) وَخَالَفَ الْكُوفِيُّونَ مُحْتَجِّينَ بِحَدِيثِ: " «لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ» " وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ مَعَ ضَعْفِ إِسْنَادِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَدَيٍّ: طَرُقُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَإِنَّهُ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْكُوفِيِّينَ " السُّنَّةُ لَا تَنْسَخُ الْكِتَابَ وَلَا تُخَصِّصُهُ ". (وَمِنَ الْعَمْدِ أَيْضًا أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي الثَّائِرَةِ) الْعَدَاوَةِ وَالشَّحْنَاءِ، مُشْتَقَّةٍ مِنَ الثَّأْرِ (تَكُونُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ عَنْهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيُنْزَى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِالزَّايِ آخِرَهُ (فِي ضَرْبِهِ فَيَمُوتُ فَتَكُونُ فِي ذَلِكَ الْقَسَامَةُ) خَمْسُونَ يَمِينًا (وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْعَمْدِ الرِّجَالُ الْأَحْرَارُ) الْمُتَعَدِّدُونَ (بِالرَّجُلِ الْحُرِّ الْوَاحِدِ، وَالنِّسَاءُ) الْمُتَعَدِّدَاتُ (بِالْمَرْأَةِ كَذَلِكَ، وَالْعَبِيدُ) الْمُتَعَدِّدُونَ (بِالْعَبْدِ كَذَلِكَ أَيْضًا) فَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِوَاحِدٍ مَعَ الْمُسَاوَاةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 [باب الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَكْرَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنْ اقْتُلْهُ بِهِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] فَهَؤُلَاءِ الذُّكُورُ {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] أَنَّ الْقِصَاصَ يَكُونُ بَيْنَ الْإِنَاثِ كَمَا يَكُونُ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ تُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ كَمَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْأَمَةُ تُقْتَلُ بِالْأَمَةِ كَمَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْقِصَاصُ يَكُونُ بَيْنَ النِّسَاءِ كَمَا يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالْقِصَاصُ أَيْضًا يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] فَذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] فَنَفْسُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ بِنَفْسِ الرَّجُلِ الْحُرِّ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُمْسِكُ الرَّجُلَ لِلرَّجُلِ فَيَضْرِبُهُ فَيَمُوتُ مَكَانَهُ أَنَّهُ إِنْ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قُتِلَا بِهِ جَمِيعًا وَإِنْ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الضَّرْبَ مِمَّا يَضْرِبُ بِهِ النَّاسُ لَا يَرَى أَنَّهُ عَمَدَ لِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَيُعَاقَبُ الْمُمْسِكُ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ وَيُسْجَنُ سَنَةً لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا أَوْ يَفْقَأُ عَيْنَهُ عَمْدًا فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ أَوْ تُفْقَأُ عَيْنُ الْفَاقِئِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَلَا قِصَاصٌ وَإِنَّمَا كَانَ حَقُّ الَّذِي قُتِلَ أَوْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ فِي الشَّيْءِ بِالَّذِي ذَهَبَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا ثُمَّ يَمُوتُ الْقَاتِلُ فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الدَّمِ إِذَا مَاتَ الْقَاتِلُ شَيْءٌ دِيَةٌ وَلَا غَيْرُهَا وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي قَتَلَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَاتِلُهُ الَّذِي قَتَلَهُ فَلَيْسَ لَهُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ قَوَدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْعَبْدُ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ إِذَا قَتَلَهُ عَمْدًا وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا وَهُوَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ   21 - بَابُ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ 1583 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ أُتِيَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (بِسَكْرَانَ) حَالَ كَوْنِهِ (قَدْ قَتَلَ رَجُلًا فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنِ اقْتُلْهُ بِهِ) لِأَنَّ السَّكْرَانَ يُؤْخَذُ بِجِنَايَاتِهِ لِئَلَّا يَتَسَاكَرَ النَّاسُ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْفُسَ وَالْأَمْوَالَ وَيَدَّعُوا عَدَمَ الْعَقْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 بِالسُّكْرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ أَنَّهُ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْقَصْدُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ. (قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ، أَوْ بِالرَّفْعِ أَيْ وَهِيَ قَوْلُ (اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) يُقْتَلُ لَا بِالْعَبْدِ (وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) فَهَؤُلَاءِ الذُّكُورُ (وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى) (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 178) أَنَّ الْقِصَاصَ يَكُونُ بَيْنَ الْإِنَاثِ كَمَا يَكُونُ بَيْنَ الذُّكُورِ، وَالْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ تُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ: (كَمَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ) الذَّكَرِ (وَالْأَمَةُ تُقْتَلُ بِالْأَمَةِ كَمَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَالْقِصَاصُ يَكُونُ بَيْنَ النِّسَاءِ كَمَا يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ) كَمَا دَلَّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ الْآيَةُ، وَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْمُمَاثَلَةِ فِي الدِّينِ، فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَوْ رَقِيقًا بِكَافِرٍ وَلَوْ حُرًّا. (وَالْقِصَاصُ أَيْضًا يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - قَالَ فِي كِتَابِهِ: (وَكَتَبْنَا) فَرَضْنَا (عَلَيْهِمْ فِيهَا) أَيِ التَّوْرَاةِ (أَنَّ النَّفْسَ) تُقْتَلُ (بِالنَّفْسِ) إِذَا قَتَلَتْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ (وَالْعَيْنَ) تُفْقَأُ (بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ) يُجْدَعُ (بِالْأَنْفِ، وَالْأُذُنَ) تُقْطَعُ (بِالْأُذُنِ، وَالسِّنَّ) تُقْلَعُ (بِالسِّنِّ) وَفِي قِرَاءَةٍ بِرَفْعِ الْأَرْبَعَةِ (وَالْجُرُوحَ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ (قِصَاصٌ) أَيْ يُقْتَصُّ مِنْهَا إِذَا أَمْكَنَ كَيَدٍ وَرِجْلٍ وَذَكَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ حُكُومَةٌ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا الْحُكْمُ وَإِنْ كُتِبَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ فَإِنَّهُ مُسْتَمِرٌّ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إِذَا حُكِيَ مُتَقَرِّرًا وَلَمْ يُنْسَخْ، وَقَدِ احْتَجَّ الْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَمَا قَالَ. (فَذَكَرَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وَأَطْلَقَ فَلَمْ يُقَيِّدْ بِذَكَرٍ (فَنَفْسُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ بِنَفْسِ الرَّجُلِ الْحُرِّ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ) لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِعُمُومِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيِّ وَعَلَى قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ، وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: " «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» " وَحَكَى الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُخَصِّصٍ لِلْآيَةِ انْتَهَى. وَالدَّلِيلُ هُوَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ. (مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يُمْسِكُ الرَّجُلَ لِلرَّجُلِ فَيَضْرِبُهُ فَيَمُوتُ مَكَانَهُ إِنَّهُ إِنْ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى) يَعْتَقِدُ (أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قُتِلَا جَمِيعًا وَإِنْ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الضَّرْبَ مِمَّا يَضْرِبُ بِهِ النَّاسُ لَا يَرَى أَنَّهُ عَمَدَ) بِفَتْحَتَيْنِ قَصَدَ (لِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَيُعَاقَبُ الْمُمْسِكُ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ وَيُسْجَنُ) بَعْدَهَا (سَنَةً لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ الْقَتْلَ. (وَفِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا أَوْ يَفْقَأُ عَيْنَهُ عَمْدًا فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ أَوْ تُفْقَأُ عَيْنُ الْفَاقِئِ) بِالْهَمْزِ (قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَلَا قِصَاصٌ وَإِنَّمَا كَانَ حَقُّ الَّذِي قُتِلَ أَوْ فُقِئَتْ) قُلِعَتْ (عَيْنُهُ فِي الشَّيْءِ) أَيِ الدِّيَةِ أَوِ الْقِصَاصِ (بِالَّذِي) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَيْ بِسَبَبِ الَّذِي (ذَهَبَ) مَنْ قَتَلَ أَوْ فَقَأَ عَيْنَ الْقَاتِلِ أَوِ الْفَاقِئِ (وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا ثُمَّ يَمُوتُ الْقَاتِلُ فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الدَّمِ إِذَا مَاتَ الْقَاتِلُ شَيْءٌ دِيَةٌ وَلَا غَيْرُهَا) بَيَانٌ لِشَيْءٍ (وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى: كُتِبَ) فُرِضَ (عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) جَمْعِ قَتِيلٍ، وَالْمَعْنَى فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْقَتْلَى (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ مَأْخُوذٌ أَوْ مَقْتُولٌ بِالْحُرِّ (وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) عَطْفٌ عَلَيْهِ (فَإِنَّمَا يَكُونُ الْقِصَاصُ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي قَتَلَهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 وَإِذَا هَلَكَ قَاتِلُهُ الَّذِي قَتَلَهُ فَلَيْسَ لَهُ قِصَاصٌ) لِتَعَذُّرِهِ (وَلَا دِيَةٌ) فِي مَالِهِ (وَلَيْسَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ قَوَدٌ) قِصَاصٌ (فِي شَيْءٍ مِنَ الْجِرَاحِ) لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ (وَ) لَكِنَّ (الْعَبْدَ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ إِذَا قَتَلَهُ عَمْدًا) وَتِلْكَ قَاعِدَةٌ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى. (وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا وَهُوَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لِأَنَّهُ مَالٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 [باب الْعَفْوِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَنْ يَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ إِذَا أَوْصَى أَنْ يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ إِذَا قَتَلَ عَمْدًا إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَأَنَّهُ أَوْلَى بِدَمِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَعْفُو عَنْ قَتْلِ الْعَمْدِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ وَيَجِبَ لَهُ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ عَقْلٌ يَلْزَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَفَا عَنْهُ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَفْوِ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَاتِلِ عَمْدًا إِذَا عُفِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَيُسْجَنُ سَنَةً قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ عَمْدًا وَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةُ وَلِلْمَقْتُولِ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَعَفَا الْبَنُونَ وَأَبَى الْبَنَاتُ أَنْ يَعْفُونَ فَعَفْوُ الْبَنِينَ جَائِزٌ عَلَى الْبَنَاتِ وَلَا أَمْرَ لِلْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ فِي الْقِيَامِ بِالدَّمِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ   22 - بَابُ الْعَفْوِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ - (مَالِكٌ: أَنَّهُ أَدْرَكَ مَنْ يَرْضَى) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ أَيْ هُوَ وَغَيْرُهُ (مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ) جَمْعٌ عَلَى مَعْنَى مِنْ (فِي الرَّجُلِ إِذَا أَوْصَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْ قَاتِلِهِ إِذَا قَتَلَ عَمْدًا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَأَنَّهُ أَوْلَى) أَحَقُّ (بِدَمِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ) وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " «مَنْ عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ". (مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَعْفُو عَنْ قَتْلِ الْعَمْدِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ وَيَجِبَ) يَثْبُتَ (لَهُ) بِإِنْفَاذِ مَقْتَلِهِ (أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ عَقْلٌ) دِيَةٌ (يَلْزَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَفَا عَنْهُ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عِنْدَ عَفْوِهِ عَنْهُ) فَيَلْزَمُهُ (وَالْقَاتِلُ عَمْدًا إِذَا عُفِيَ عَنْهُ يُجْلَدُ مِائَةً وَيُسْجَنُ سَنَةً) كَامِلَةً. (وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ عَمْدًا أَوْ قَامَتْ عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةُ وَلِلْمَقْتُولِ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَعَفَا الْبَنُونَ وَأَبَى الْبَنَاتُ أَنْ يَعْفُونَ فَعَفْوُ الْبَنِينَ جَائِزٌ) . مَاضٍ (عَلَى الْبَنَاتِ وَلَا أَمْرَ لِلْبَنَاتِ مَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 الْبَنِينَ فِي الْقِيَامِ بِالدَّمِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ) إِنَّمَا الْأَمْرُ لِلْبَنِينَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 [باب الْقِصَاصِ فِي الْجِرَاحِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ كَسَرَ يَدًا أَوْ رِجْلًا عَمْدًا أَنَّهُ يُقَادُ مِنْهُ وَلَا يَعْقِلُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُقَادُ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى تَبْرَأَ جِرَاحُ صَاحِبِهِ فَيُقَادُ مِنْهُ فَإِنْ جَاءَ جُرْحُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ مِثْلَ جُرْحِ الْأَوَّلِ حِينَ يَصِحُّ فَهُوَ الْقَوَدُ وَإِنْ زَادَ جُرْحُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ أَوْ مَاتَ فَلَيْسَ عَلَى الْمَجْرُوحِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَقِيدِ شَيْءٌ وَإِنْ بَرَأَ جُرْحُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ وَشَلَّ الْمَجْرُوحُ الْأَوَّلُ أَوْ بَرَأَتْ جِرَاحُهُ وَبِهَا عَيْبٌ أَوْ نَقْصٌ أَوْ عَثَلٌ فَإِنَّ الْمُسْتَقَادَ مِنْهُ لَا يَكْسِرُ الثَّانِيَةَ وَلَا يُقَادُ بِجُرْحِهِ قَالَ وَلَكِنَّهُ يُعْقَلُ لَهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ يَدِ الْأَوَّلِ أَوْ فَسَدَ مِنْهَا وَالْجِرَاحُ فِي الْجَسَدِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا عَمَدَ الرَّجُلُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَفَقَأَ عَيْنَهَا أَوْ كَسَرَ يَدَهَا أَوْ قَطَعَ إِصْبَعَهَا أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا لِذَلِكَ فَإِنَّهَا تُقَادُ مِنْهُ وَأَمَّا الرَّجُلُ يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ بِالْحَبْلِ أَوْ بِالسَّوْطِ فَيُصِيبُهَا مِنْ ضَرْبِهِ مَا لَمْ يُرِدْ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ فَإِنَّهُ يَعْقِلُ مَا أَصَابَ مِنْهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَا يُقَادُ مِنْهُ   23 - بَابُ الْقِصَاصِ فِي الْجِرَاحِ (مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ مَنْ كَسَرَ يَدًا أَوْ رِجْلًا عَمْدًا أَنَّهُ يُقَادُ مِنْهُ وَلَا يَعْقِلُ) جَبْرًا عَلَى الْجَانِي ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ (وَلَا يُقَادُ) يُقْتَصُّ (مِنْ أَحَدٍ حَتَّى تَبْرَأَ جِرَاحُ صَاحِبِهِ فَيُقَادُ مِنْهُ فَإِنْ جَاءَ جِرَاحُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ) أَيِ الْجَانِي (مِثْلَ جِرَاحِ الْأَوَّلِ حِينَ يَصِحُّ فَهُوَ الْقَوَدُ) الْكَامِلُ. (وَإِنْ زَادَ جُرْحُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ أَوْ مَاتَ فَلَيْسَ عَلَى الْمَجْرُوحِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَقِيدِ شَيْءٌ) لَا عَقْلٌ وَلَا دِيَةٌ (وَإِنْ بَرَأَ جُرْحُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ) وَهُوَ الْجَانِي (وَشَلَّ الْمَجْرُوحُ الْأَوَّلُ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (أَوْ بَرَأَتْ جِرَاحَهُ وَلَهَا عَيْبٌ أَوْ نَقْصٌ أَوْ عَثَلٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ بُرْءٌ عَلَى غَيْرِ اسْتِوَاءٍ (فَإِنَّ الْمُسْتَقَادَ مِنْهُ لَا يَكْسِرُ الثَّانِيَةَ) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (وَلَا يُقَادُ بِجُرْحِهِ وَلَكِنَّهُ يُعْقَلُ لَهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ يَدِ الْأَوَّلِ أَوْ فَسَدَ مِنْهَا) بِالشَّلَلِ إِذْ هُوَ فَسَادٌ فِي الْيَدِ وَبُطْلَانٌ لِعَمَلِهَا (وَالْجِرَاحُ فِي الْجَسَدِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ) مِنْ تَمَامٍ وَزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ (وَإِذَا عَمَدَ) قَصَدَ (الرَّجُلُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَفَقَأَ عَيْنَهَا أَوْ كَسَرَ يَدَهَا أَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهَا أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ) حَالَ كَوْنِهِ (مُتَعَمِّدًا لِذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنَ الْفَقْءِ وَمَا بَعْدَهُ (فَإِنَّهَا تُقَادُ مِنْهُ، وَأَمَّا الرَّجُلُ يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ بِالْحَبَلِ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 بِالسَّوْطِ فَيُصِيبُهَا مِنْ ضَرْبِهِ مَا لَمْ يُرِدْ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ فَإِنَّهُ يَعْقِلُ مَا أَصَابَ مِنْهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَا يُقَادُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدْ ذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَقَادَ مِنْ كَسْرِ الْفَخِذِ   1584 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) قَاضِيَ الْمَدِينَةِ (أَقَادَ مِنْ كَسْرِ الْفَخِذِ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 [باب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ السَّائِبَةِ وَجِنَايَتِهِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سَائِبَةً أَعْتَقَهُ بَعْضُ الْحُجَّاجِ فَقَتَلَ ابْنَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَائِذٍ فَجَاءَ الْعَائِذِيُّ أَبُو الْمَقْتُولِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَطْلُبُ دِيَةَ ابْنِهِ فَقَالَ عُمَرُ لَا دِيَةَ لَهُ فَقَالَ الْعَائِذِيُّ أَرَأَيْتَ لَوْ قَتَلَهُ ابْنِي فَقَالَ عُمَرُ إِذًا تُخْرِجُونَ دِيَتَهُ فَقَالَ هُوَ إِذًا كَالْأَرْقَمِ إِنْ يُتْرَكْ يَلْقَمْ وَإِنْ يُقْتَلْ يَنْقَمْ   24 - بَابُ مَا جَاءَ فِي دِيَةِ السَّائِبَةِ وَجِنَايَتِهِ 1629 - 1585 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ مُخَفَّفًا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بِالتَّخْفِيفِ (أَنْ سَائِبَةً أَعْتَقَهُ بَعْضُ الْحُجَّاجِ) جَمْعُ حَاجٍّ (فَقَتَلَ ابْنَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَائِذٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ (فَجَاءَ الْعَايِذِيُّ أَبُو الْمَقْتُولِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَطْلُبُ دِيَةَ ابْنِهِ) أَفَادَ أَنَّهُ قُتِلَ خَطَأً (فَقَالَ عُمَرُ لَا دِيَةَ لَهُ، فَقَالَ الْعَائِذِيُّ: أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (لَوْ قَتَلَهُ ابْنِي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِذَا تُخْرِجُونَ دِيَتَهُ، فَقَالَ الْعَائِذِيُّ: هُوَ إِذَا كَالْأَرْقَمِ) بِالْقَافِ الْحَيَّةِ الَّتِي فِيهَا بَيَاضٌ وَسَوَادٌ أَوْ حُمْرَةٌ وَسَوَادٌ (إِنْ يُتْرَكْ يَلْقَمْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ، وَأَصْلُهُ الْأَكْلُ بِسُرْعَةٍ (وَإِنْ يُقْتَلْ) بِضَمٍّ أَوَّلَهُ وَفَتَحِ ثَالِثِهِ (يَنْقَمْ) بِكَسْرِ الْقَافِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ لُغَةُ الحديث: 1629 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 الْقُرْآنِ، وَفِي لُغَةٍ بِفَتْحِ الْقَافِ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَهِيَ أَوْلَى هُنَا بِالسَّجْعِ، وَمَعْنَاهُ إِنْ تَرَكْتَ قَتْلَهُ قَتَلَكَ وَإِنْ قَتَلْتَهُ كَانَ لَهُ مَنْ يَنْتَقِمُ مِنْكَ، وَهُوَ مَثَلٌ مِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ مَشْهُورٌ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْجِنَّ تَطْلُبُ ثَأْرَ الْجَانِّ وَهِيَ الْحَيَّةُ الرَّقِيقَةُ فَرُبَّمَا مَاتَ قَاتِلُهَا وَرُبَّمَا أَصَابَهُ خَلَلٌ، وَهَذَا مَثَلٌ فِيمَنْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ شَرَّانِ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَصْنَعُ بِهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 [كِتَاب الْقَسَامَةِ] [باب تَبْدِئَةِ أَهْلِ الدَّمِ فِي الْقَسَامَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْقَسَامَةِ باب تَبْدِئَةِ أَهْلِ الدَّمِ فِي الْقَسَامَةِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ فَأُتِيَ مُحَيِّصَةُ فَأُخْبِرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي فَقِيرِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ فَأَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ كَبِّرْ يُرِيدُ السِّنَّ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَكَتَبُوا إِنَّا وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ فَقَالُوا لَا قَالَ أَفَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ قَالُوا لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بِمِائَةِ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ عَلَيْهِمْ الدَّارَ قَالَ سَهْلٌ لَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ» قَالَ مَالِكٌ الْفَقِيرُ هُوَ الْبِئْرُ   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 44 - كِتَابُ الْقَسَامَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقَسَمِ وَهُوَ الْيَمِينُ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْقَسَامَةُ اسْمٌ لِلْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ يَحْلِفُونَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ دَمِ الْمَقْتُولِ، وَقِيلَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْقِسْمَةِ لِقِسْمَةِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَالْيَمِينُ فِيهَا مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ بِسَبَبِ اللَّوْثِ الْمُقْتَضِي لِظَنِّ صِدْقِهِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ الظَّاهِرُ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلِذَا خَرَجَتْ عَنِ الْأَصْلِ. 1 - بَابُ تَبْدِئَةِ أَهْلِ الدَّمِ فِي الْقَسَامَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ وَهْبٍ انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْأَنْصَارِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» " ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلُهُ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ صَالِحٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَاهُ عَنْ نَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِهِ. 1630 - 1586 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ ثِقَةٌ (عَنْ سَهْلِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ ابْنِ سَاعِدَةَ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجَيِّ الْمَدَنِيِّ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَهُ أَحَادِيثُ مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ أَيْ عُظَمَاءِ (قَوْمِهِ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَةِ: هُمْ مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ بْنَا مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ الحديث: 1630 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنَا سَهْلٍ. (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ) بْنِ زَيْدِ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيَّ الْحَارِثِيَّ (وَمُحَيِّصَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ الثَّقِيلَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ابْنِ مَسْعُودِ بْنِ كَعْبِ الْحَارِثِيَّ الْأَوْسِيَّ أَسْلَمَ قَبْلَ أَخِيهِ حُوَيِّصَةَ (خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ) بَعْدَ فَتْحِهَا، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ فِي أَصْحَابٍ لَهُ يَمْتَارُونَ تَمْرًا (مِنْ جَهْدٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ أَيْ فَقْرٍ شَدِيدٍ (أَصَابَهُمْ) وَفِي مُسْلِمٍ: خَرَجُوا إِلَى خَيْبَرَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ وَأَهْلُهَا يَهُودُ. (فَأُتِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ التَّاءِ (مُحَيِّصَةُ فَأُخْبِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا (فِي فَقِيرٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ فَقَافٍ مَكْسُورَةٍ (بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: وُجِدَ فِي عَيْنٍ قَدْ كُسِرَتْ عُنُقُهُ ثُمَّ طُرِحَ (فَأَتَى) مُحَيِّصَةُ (يَهُودَ فَقَالَ) لَهُمْ (أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ) حَلِفَ لِقَرَائِنَ قَامَتْ عِنْدَهُ أَوْ قِيلَ لَهُ بِخَبَرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ. (فَقَالُوا) مُقَابَلَةً لِلْيَمِينِ بِالْيَمِينِ (وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا أَيْ لَهُ. (فَأَقْبَلَ) مُحَيِّصَةُ (حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ) بَنِي حَارِثَةَ (فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ الثَّقِيلَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَتُخَفَّفُ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ ابْنُ مَسْعُودِ بْنِ كَعْبٍ الْأَوْسِيُّ شَهِدَ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَسَائِرَ الْمَشَاهِدِ (وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مُحَيِّصَةَ، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بَعْدَ قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ: مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنَ الْيَهُودِ فَاقْتُلُوهُ، فَوَثَبَ مُحَيِّصَةُ عَلَى تَاجِرٍ يَهُودِيٍّ فَقَتَلَهُ فَجَعَلَ حُوَيِّصَةُ يَضْرِبُهُ وَكَانَ أَسَنَّ مِنْهُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ حُوَيِّصَةُ» . (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ) بْنِ زَيْدِ بْنِ كَعْبٍ الْحَارِثِيُّ أَخُو الْمَقْتُولِ (فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ) وَفِي الرِّوَايَةِ اللَّاحِقَةِ: فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ لِمَكَانِهِ مِنْ أَخِيهِ وَجُمِعَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَرَادَ الْكَلَامَ. (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَبِّرْ كَبِّرْ) بِالتَّكْرِيرِ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ قَدِّمِ الْأَكْبَرَ (يُرِيدُ السِّنَّ) إِرْشَادًا إِلَى الْأَدَبِ فِي تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ فِي مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الدَّعْوَى وَغَيْرِهَا أَوْلَاهُمْ بِبَدْءِ الْكَلَامِ أَكْبَرُهُمْ، فَإِذَا سَمِعَ مِنْهُ تَكَلَّمَ الْأَصْغَرُ فَيَسْمَعُ مِنْهُ إِنِ احْتِيجَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ بَيَانٌ وَلِتَقْدِيمِهِ وَجْهٌ فَلَا بَأْسَ بِتَقْدِيمِهِ وَإِنْ صَغُرَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَأَخْرَجَ بِسَنَدِهِ أَنَّهُ قَدِمَ وَفْدٌ مِنَ الْعِرَاقِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى شَابٍّ مِنْهُمْ يُرِيدُ الْكَلَامَ فَقَالَ عُمَرُ: كَبِّرُوا كَبِّرُوا، فَقَالَ الْفَتَى: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ بِالسِّنِّ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْكَ، قَالَ: صَدَقْتَ تَكَلَّمْ - رَحِمَكَ اللَّهُ - فَقَالَ: إِنَّا وَفْدُ شُكْرٍ فَذَكَرَ الْخَبَرَ انْتَهَى. وَحَقِيقَةُ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخِي الْقَتِيلِ لَا حَقَّ لِابْنِ عَمِّهِ فِيهَا، فَإِنَّمَا أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ حِينَئِذٍ الدَّعْوَى بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقِصَّةِ، وَعِنْدَ الدَّعْوَى يُدْعَى الْمُسْتَحِقُّ، أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَكْبَرَ يَكُونُ وَكِيلًا لَهُ. (فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ) الَّذِي هُوَ أَسَنُّ (ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ) أَخُوهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، فَصَمَتَ أَيْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مَعَهُمَا فَذَكَرُوا مَقْتَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِمَّا أَنْ يَدَوُا صَاحِبَكُمْ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَخِفَّةِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يُعْطُوا أَيِ الْيَهُودُ دِيَةَ صَاحِبِكُمْ (وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا) يَعْلَمُوا (بِحَرْبٍ) تَهْدِيدٌ وَتَشْدِيدٌ إِذْ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى حَرْبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ غَايَةِ الذِّلَّةِ. (فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ) أَيْ أَمَرَ بِالْكُتُبِ إِلَى الْيَهُودِ (فِي ذَلِكَ) الْخَبَرِ الَّذِي نُقِلَ إِلَيْهِ (فَكَتَبُوا) الْيَهُودُ (إِنَّا وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلَهُ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَتَحْلِفُونَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ) أَيْ بَدَلٌ مِنْ دَمِ صَاحِبِكُمْ فَفِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ، أَوْ مَعْنَى صَاحِبِكُمْ غَرِيمُكُمْ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرٍ، وَالْجُمْلَةُ فِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَتَحْلِفُونَ لِتَسْتَحِقُّوا؟ وَقَدْ جَاءَتِ الْوَاوُ بِمَعْنَى التَّعْلِيلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 34] (سورة الشُّورَى: الْآيَةُ 34) الْمَعْنَى لِيَعْفُوَ، وَفِي عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَى الثَّلَاثَةِ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ: وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَصَبَةً، وَأَنَّ لِوَلِيِّ الدَّمِ وَهُوَ هُنَا الْأَخُ الِاسْتِعَانَةَ بِعَاصِبِهِ. (قَالُوا: لَا) نَحْلِفُ. وَفِي الرِّوَايَةِ اللَّاحِقَةِ لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ. (قَالَ: أَفَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ؟) خَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّهُمْ مَا قَتَلُوهُ. (قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ) وَفِي اللَّاحِقَةِ: كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ وَفِي رِوَايَةٍ قَالُوا: لَا نَرْضَى بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ. وَفِي أُخْرَى: مَا يُبَالُونَ أَنْ يَقْتُلُونَا أَجْمَعِينَ ثُمَّ يَحْلِفُونَ. (فَوَدَاهُ) بِخِفَّةِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بِلَا هَمْزٍ أَعْطَى دِيَتَهُ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَجُمِعَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَدَفَعَ الْمَالَ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 عِنْدِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ قَطْعِ النِّزَاعِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْيَمِينِ وَجَبْرًا لِخَاطِرِهِمْ وَإِلَّا فَاسْتِحْقَاقُهُمْ لَمْ يَثْبُتْ. وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ تَجْوِيزَ صَرْفِ الزَّكَاةِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَتَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْمُفْهِمِ: رِوَايَةُ " مِنْ عِنْدِهِ " أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ " مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ " وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا غَلَطٌ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُغَلَّطَ الرَّاوِي مَا أَمْكَنَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسَلَّفَ ذَلِكَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ لِيَدْفَعَهُ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ (فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بِمِائَةِ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ) النُّوقُ (عَلَيْهِمُ الدَّارَ، قَالَ سَهْلٌ) ابْنُ أَبِي حَثْمَةَ: (لَقَدْ رَكَضَتْنِي) أَيْ رَفَسَتْنِي بِرِجْلِهَا (مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ) وَلِابْنِ إِسْحَاقَ: فَوَاللَّهِ مَا أَنْسَى نَاقَةً بَكَرَةً مِنْهَا حَمْرَاءَ ضَرَبْتِنِي وَأَنَا أَحُوزُهَا. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَأَدْرَكْتُ نَاقَةً مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ فَرَكَضَتْنِي بِرِجْلِهَا، وَقَالَ ذَلِكَ لِيُبَيِّنَ ضَبْطَهُ لِلْحَدِيثِ ضَبْطًا شَافِيًا بَلِيغًا، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْقَسَامَةِ، وَبِهِ أَخَذَ كَافَّةُ الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَعُلَمَاءِ الْأَمَةِ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَحْمَدَ، وَعَنْ طَائِفَةٍ التَّوَقُّفُ؛ فِيهَا فَلَمْ يَرَوُا الْقَسَامَةَ وَلَا أَثْبَتُوا لَهَا فِي الشَّرْعِ حُكْمًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَإِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ. (قَالَ مَالِكٌ: الْفَقِيرُ) بِفَاءٍ ثُمَّ قَافٍ بِلَفْظِ الْفَقِيرِ مِنْ بَنِي آدَمَ (هُوَ الْبِئْرُ) الْقَرِيبَةُ الْقَعْرِ الْوَاسِعَةُ الْفَمِ، وَقِيلَ الْحُفْرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ النَّخْلِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 قَالَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي حَوَائِجِهِمَا فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ فَقَدِمَ مُحَيِّصَةُ فَأَتَى هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ لِمَكَانِهِ مِنْ أَخِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ كَبِّرْ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ فَذَكَرَا شَأْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَزَعَمَ بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ» قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي سَمِعْتُ مِمَّنْ أَرْضَى فِي الْقَسَامَةِ وَالَّذِي اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعُونَ فِي الْقَسَامَةِ فَيَحْلِفُونَ وَأَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ يَأْتِيَ وُلَاةُ الدَّمِ بِلَوْثٍ مِنْ بَيِّنَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً عَلَى الَّذِي يُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّمُ فَهَذَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ لِلْمُدَّعِينَ الدَّمَ عَلَى مَنْ ادَّعَوْهُ عَلَيْهِ وَلَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عِنْدَنَا إِلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ مَالِكٌ وَتِلْكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا وَالَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ أَنَّ الْمُبَدَّئِينَ بِالْقَسَامَةِ أَهْلُ الدَّمِ وَالَّذِينَ يَدَّعُونَهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ بَدَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَارِثِيِّينَ فِي قَتْلِ صَاحِبِهِمْ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعُونَ اسْتَحَقُّوا دَمَ صَاحِبِهِمْ وَقَتَلُوا مَنْ حَلَفُوا عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ فِي الْقَسَامَةِ إِلَّا وَاحِدٌ لَا يُقْتَلُ فِيهَا اثْنَانِ يَحْلِفُ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ قَلَّ عَدَدُهُمْ أَوْ نَكَلَ بَعْضُهُمْ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَنْكُلَ أَحَدٌ مِنْ وُلَاةِ الْمَقْتُولِ وُلَاةِ الدَّمِ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ الْعَفْوُ عَنْهُ فَإِنْ نَكَلَ أَحَدٌ مِنْ أُولَئِكَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى الدَّمِ إِذَا نَكَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ إِذَا نَكَلَ أَحَدٌ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ عَفْوٌ فَإِنْ نَكَلَ أَحَدٌ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ الْعَفْوُ عَنْ الدَّمِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَا تُرَدُّ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ إِذَا نَكَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ الْأَيْمَانِ وَلَكِنْ الْأَيْمَانُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا خَمْسِينَ رَجُلًا رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى مَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ يَحْلِفُ إِلَّا الَّذِي ادُّعِيَ عَلَيْهِ حَلَفَ هُوَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فُرِقَ بَيْنَ الْقَسَامَةِ فِي الدَّمِ وَالْأَيْمَانِ فِي الْحُقُوقِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا دَايَنَ الرَّجُلَ اسْتَثْبَتَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ وَأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ قَتْلَ الرَّجُلِ لَمْ يَقْتُلْهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ وَإِنَّمَا يَلْتَمِسُ الْخَلْوَةَ قَالَ فَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْقَسَامَةُ إِلَّا فِيمَا تَثْبُتُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ عُمِلَ فِيهَا كَمَا يُعْمَلُ فِي الْحُقُوقِ هَلَكَتْ الدِّمَاءُ وَاجْتَرَأَ النَّاسُ عَلَيْهَا إِذَا عَرَفُوا الْقَضَاءَ فِيهَا وَلَكِنْ إِنَّمَا جُعِلَتْ الْقَسَامَةُ إِلَى وُلَاةِ الْمَقْتُولِ يُبَدَّءُونَ بِهَا فِيهَا لِيَكُفَّ النَّاسُ عَنْ الدَّمِ وَلِيَحْذَرَ الْقَاتِلُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ قَالَ يَحْيَى وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يَكُونُ لَهُمْ الْعَدَدُ يُتَّهَمُونَ بِالدَّمِ فَيَرُدُّ وُلَاةُ الْمَقْتُولِ الْأَيْمَانَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ نَفَرٌ لَهُمْ عَدَدٌ أَنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تُقْطَعُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ عَدَدِهِمْ وَلَا يَبْرَءُونَ دُونَ أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ إِنْسَانٍ عَنْ نَفْسِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ قَالَ وَالْقَسَامَةُ تَصِيرُ إِلَى عَصَبَةِ الْمَقْتُولِ وَهُمْ وُلَاةُ الدَّمِ الَّذِينَ يَقْسِمُونَ عَلَيْهِ وَالَّذِينَ يُقْتَلُ بِقَسَامَتِهِمْ   1631 - 1587 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) ابْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ بُشَيْرِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (بْنِ يَسَارٍ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْخَفِيفَةِ الْمَدَنِيِّ الْحَارِثِيِّ مَوْلَى الْأَنْصَارِ التَّابِعِيِّ ثِقَةٌ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ؟ انْتَهَى، وَهُوَ مَوْصُولٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ كُلِّهِمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، زَادَ حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ بُشَيْرٍ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مَعَ سَهْلٍ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ الحديث: 1631 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 الْأَنْصَارِيَّ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ) فِي أَصْحَابٍ لَهُمَا يَمْتَارُونَ تَمْرًا، زَادَ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ: وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ وَالْمُرَادُ بَعْدَ فَتْحِهَا. (فَتَفَرَّقَا فِي حَوَائِجِهِمَا) وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ: فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ (فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُفَضَّلِ: فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَنْشَطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ (فَقَدِمَ مُحَيِّصَةُ) الْمَدِينَةَ (فَأَتَى هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ) ابْنَا مَسْعُودٍ (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ) أَخُو الْمَقْتُولِ (إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِيُخْبِرُوهُ بِذَلِكَ (فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ لِمَكَانِهِ مِنْ أَخِيهِ) وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ: فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَبِّرْ كَبَّرْ) بِالْجَزْمِ أَمْرٌ وَكَرَّرَهُ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ قَدِّمِ الْأَسَنَّ يَتَكَلَّمُ. وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ فَقَالَ: الْكُبْرَ الْكُبْرَ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَضَمِّ الْكَافِ وَتَسْكِينِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ الْأَكْبَرِ، وَالنَّصْبُ عَلَى الْإِغْرَاءِ، يَعْنِي كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لِيَلِيَ الْكَلَامَ الْأَكْبَرُ، وَزَادَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ: فَسَكَتَ (فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ) بِشَدِّ الْيَاءِ فِيهِمَا عَلَى أَشْهَرِ اللُّغَتَيْنِ (فَذَكَرَا شَأْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ) أَيْ أَخْبَرَاهُ بِقِصَّةِ قَتْلِهِ. وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: فَصَمَتَ أَيْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مَعَهُمَا فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقْتَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَحْلِفُونَ) بِهَمْزِ الِاسْتِفْهَامِ (خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ) قَالَ دَمَ (قَاتِلِكُمْ) أَيْ قَاتِلِ قَرِيبِكُمْ، فَشَكَّ الرَّاوِي، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَعْنَى يَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ تَحْلِفُونَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ الْحَقُّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا أَوْ دِيَةً انْتَهَى. وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ مُتَعَسِّفٌ حَمَلَهُ عَلَيْهِ نُصْرَةُ مَشْهُورِ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بِالْقَسَامَةِ فِي عَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ إِنَّمَا فِيهَا الدِّيَةُ عَلَى الْجَانِي فِي الْعَمْدِ، وَعَاقِلَتُهُ فِي الْخَطَأِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ ذِكْرِ الدَّمِ الْقِصَاصُ وَالتَّبَادُرُ آيَةُ الْحَقِيقَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ بِالْقَسَامَةِ رَجُلًا مِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نَشْهَدْ) قَتْلَهُ (وَلَمْ نَحْضُرْ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُفَضَّلِ: وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ؟ وَوَقَعَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ فَقَالَ: تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، قَالُوا: مَا لَنَا بَيِّنَةٌ. وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقِمْ شَاهِدِينَ عَلَى قَاتِلِهِ أَدْفَعْهُ إِلَيْكَ بِرُمَّتِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أُصِبْ شَاهِدِينَ وَإِنَّمَا أَصْبَحَ قَتِيلًا عَلَى أَبْوَابِهِمْ» " قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذِهِ رِوَايَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، وَرِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْهُ أَثْبَتُ وَهُمْ بِهِ أَقْعَدُ وَنَقْلُهُمْ أَصَحُّ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ حَكَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ضَعَّفَ رِوَايَةَ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ بُشَيْرٍ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْهُ مَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَإِلَيْهِ أَذْهَبُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذِكْرُ الْبَيِّنَةِ وَهْمٌ ; لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ أَنَّ خَيْبَرَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْكُنْ مَعَ الْيَهُودِ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ لَكِنْ فِي الْقِصَّةِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَرَجُوا يَمْتَارُونَ تَمْرًا فَيَجُوزُ أَنَّ طَائِفَةً أُخْرَى خَرَجَتْ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبَ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْأَيْمَانَ فَامْتَنَعُوا فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُبْرِئُكُمْ) بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ تَبْرَأُ إِلَيْكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ (يَهُودُ) بِالرَّفْعِ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعِلْمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ عَلَى إِرَادَةِ اسْمِ الْقَبِيلَةِ وَالطَّائِفَةِ، وَضُبِطَ أَيْضًا فَتُبْرِيكُمْ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ مَكْسُورَةً أَيْ يُخَلِّصُونَكُمْ مِنَ الْأَيْمَانِ (بِخَمْسِينَ) يَمِينًا يَحْلِفُونَهَا (فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُسَمُّونَ قَاتِلَكُمْ ثُمَّ تَحْلِفُونَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا فَيُسَلَّمُ إِلَيْكُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنَّا لِنَحْلِفَ عَلَى مَا لَا نَعْلَمُ، قَالَ: فَيَحْلِفُونَ لَكُمْ بِاللَّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ يَبْرَءُونَ مِنْ دَمِهِ، قَالُوا: مَا كُنَّا لِنَقْبَلَ أَيْمَانَ الْيَهُودِ مَا فِيهِمْ مِنَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى إِثْمٍ» " وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " فَكَرِهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ " (قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَزَعَمَ) أَيْ قَالَ مِنْ إِطْلَاقِ الزَّعْمِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّابِتِ كَخَبَرِ زَعْمِ جِبْرِيلَ (بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَاهُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْخَفِيفَةِ أَنْ أَعْطَاهُمْ دِيَتَهُ (مِنْ عِنْدِهِ) مِنْ خَالِصِ مَالِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ عَاقِلَةُ الْمُسْلِمِينَ وَوَلِيُّ أَمْرِهِمْ. وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ: قَالَ سَهْلٌ فَأَدْرَكْتُ نَاقَةً مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ قَدْ دَخَلَتْ مِرْبَدًا لَهُمْ فَرَكَضَتْنِي بِرِجْلِهَا، وَفِيهِ أَنَّ حُكْمَ الْقَسَامَةِ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الدَّعَاوَى مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي وَأَنَّهَا خَمْسُونَ يَمِينًا وَهُوَ يَخُصُّ قَوْلَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» " فَكَأَنَّهُ قَالَ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا فِي الْقَسَامَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِيءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ أَوْ حَدِيثَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ سُنَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهُ جَاءَ " «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إِلَّا فِي الْقَسَامَةِ» " وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ لِينٌ فَقَدْ عَضَّدَهُ الْآثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، لَكِنَّ هَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 الْعُلَمَاءُ كَمَا أَشَارَ لَهُ الْإِمَامُ حَيْثُ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي سَمِعْتُ مِمَّنْ أَرْضَى) مِنَ الْعُلَمَاءِ (فِي الْقَسَامَةِ وَالَّذِي اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ) وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ قَوْلُهُ: (أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعُونَ فِي الْقَسَامَةِ فَيَحْلِفُونَ) فَإِنْ نَكَلُوا رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا وَبَطَلَ الدَّمُ، فَإِنْ أَبَوْا فَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ (وَأَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ) أَيْ تَثْبُتُ لِوَلِيِّ الدَّمِ (إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ) قَبْلَ مَوْتِهِ (دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ يَأْتِي وُلَاةُ الدَّمِ بِلَوْثٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ آخِرَهُ مُثَلَّثَةٌ (مِنْ بَيِّنَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً عَلَى الَّذِي يُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّمُ) بَيَانٌ لِلَّوْثِ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: اللَّوْثُ الْبَيِّنَةُ الضَّعِيفَةُ غَيْرُ الْكَامِلَةِ (فَهَذَا يُوجِبُ) يُثْبِتُ (الْقَسَامَةَ لِلْمُدَّعِينَ الدَّمَ عَلَى مَنِ ادَّعَوْهُ عَلَيْهِ وَلَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عِنْدَنَا إِلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ) أَعَادَهُ تَأْكِيدًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِنَّمَا جَعَلَ مَالِكٌ قَوْلَهُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ شُبْهَةً وَلَطْخًا ; لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ طَبْعِ النَّاسِ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ الْإِنَابَةُ وَالتَّوْبَةُ وَالنَّدَمُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنَ الْعَمَلِ السَّيِّئِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ، تَعَالَى: {لَوْلَا أَخَّرْتِنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10] (سورة الْمُنَافِقُونَ: الْآيَةُ 10) وَقَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء: 18] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 18) فَهَذَا مَعْهُودٌ مِنْ طَبْعِ الْإِنْسَانِ وَلَا يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَدَعَ قَاتِلَهُ وَيَعْدِلَ إِلَى غَيْرِهِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا نَادِرٌ فِي النَّاسِ لَا حُكْمَ لَهُ. (قَالَ مَالِكٌ: وَتِلْكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا، الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ أَنَّ الْمُبَدَّئِينَ بِالْقَسَامَةِ أَهْلُ الدَّمِ وَالَّذِينَ يَدَّعُونَهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِأَهْلِ الدَّمِ، وَأَعَادَ ذَلِكَ وَإِنْ قَدَّمَهُ قَرِيبًا لِزِيَادَةِ قَوْلِهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَلِلِاحْتِجَاجِ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ بَدَّأَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَارِثِيِّينَ) نِسْبَةً إِلَى حَارِثَةَ، بِمُثَلَّثَةٍ، بَطْنٌ مِنَ الْأَوْسِ؛ يَعْنِي الْمَذْكُورِينَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ مِنْ طَرِيقَيْهِ (فِي قَتْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 صَاحِبِهِمُ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ) وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 179) وَقَوْلِهِ: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} [المائدة: 82] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 82) فَلِلْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَنْصَارِ بَدَّأَهُمْ بِالْأَيْمَانِ، وَجَعَلَ الْعَدَاوَةَ سَبَبًا تُقَوَّى بِهَا دَعْوَاهُمْ ; لِأَنَّهُ لَطْخٌ يَلِيقُ بِهِمْ غَالِبًا لِعَدَاوَتِهِمْ، وَمِنْ سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَنْ قَوِيَ سَبَبُهُ فِي دَعْوَاهُ وَجَبَتْ تَبْدِيَتُهُ بِالْيَمِينِ، وَلِهَذَا جَاءَ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ مَعَ مَا فِي هَذَا مِنْ قَطْعِ التَّطَرُّقِ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَقَبْضِ أَيْدِي الْأَعْدَاءِ عَلَى إِرَاقَةِ دِمَاءِ مَنْ عَادَوْهُ عَلَى الدُّنْيَا. وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ: يَبْدَأُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْحَلِفِ لِعُمُومِ حَدِيثِ " «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» "، وَعَارَضُوا أَحَادِيثَ الْبَابِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْيَهُودِ وَبَدَأَ بِهِمْ أَيَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا؟ فَأَبَوْا فَقَالَ لِلْأَنْصَارِ: أَتَحْلِفُونَ؟ فَقَالُوا: نَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ؟ فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْيَهُودِ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ» " وَالْجَوَابُ أَنَّ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ أَصَحُّ، وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ نَفْسُهُ هَذِهِ وَهَذِهِ وَقَضَى بِمَا فِي حَدِيثِ سَهْلٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ الْأَثْبَتُ وَالْأَوْلَى، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا كَانَ الشَّأْنُ هَكَذَا، وَلَكِنَّ سَهْلًا وَهِمَ مَا قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْلِفُوا عَلَى مَا لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ، وَلَكِنَّهُ كَتَبَ إِلَى يَهُودَ حِينَ كَلَّمَتْهُ الْأَنْصَارُ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَبْيَاتِكُمْ فَدُوهُ فَكَتَبُوا إِلَيْهِ يَحْلِفُونَ مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ ; لِأَنَّ قَوْلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا يَرُدُّ قَوْلَ سَهْلٍ الْمُخْبِرِ عَمَّا شَاهَدَ حَتَّى رَكَضَتْهُ مِنْهَا نَاقَةٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ تَابِعِيٌّ لَمْ يَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا شَهِدَ الْقِصَّةَ، وَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ وَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى مَنْ أَثْبَتَهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا. (قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعُونَ اسْتَحَقُّوا دَمَ صَاحِبِهِمْ وَقَتَلُوا مَنْ حَلَفُوا عَلَيْهِ) فِي الْعَمْدِ (وَلَا يُقْتَلُ فِي الْقَسَامَةِ إِلَّا وَاحِدٌ لَا يُقْتَلُ فِيهِ اثْنَانِ) لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِسَنَدِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: " فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ عَلَى رَجُلٍ فَيُدْفَعُ لَكُمْ بِرُمَّتِهِ» " وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: " «تُسَمُّونَ قَاتِلَكُمْ ثُمَّ تَحْلِفُونَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا فَيُسَلَّمُ إِلَيْكُمْ» " فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إِنَّمَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِتَعْيِينِ رَجُلٍ يُقْسِمُونَ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمْ بِرُمَّتِهِ، وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ الْوَاحِدَ أَوْلَى مَنْ يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَوَجَبَ أَنْ يُقْتَصَرَ بِالْقَسَامَةِ عَلَيْهِ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. (يَحْلِفُ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا) كُلُّ رَجُلٍ يَمِينًا (فَإِنْ قَلَّ عَدَدُهُمْ وَنَكَلَ بَعْضُهُمْ رُدَّتِ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِينَ الْأَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ أَيِ الَّذِينَ حَلَفُوا وَنَكَلَ بَعْضُهُمْ (إِلَّا أَنْ يَنْكُلَ أَحَدٌ مِنْ وُلَاةِ الْمَقْتُولِ وُلَاةِ الدَّمِ) بِالْخَفْضِ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ (الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمُ الْعَفْوَ عَنْهُ) كَابْنٍ مَعَ أَخٍ (فَإِنْ نَكَلَ أَحَدٌ مِنْ أُولَئِكَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى الدَّمِ إِذَا نَكَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ) لِسُقُوطِهِ بِنُكُولِهِ كَمَا لَوْ عَفَا (وَإِنَّمَا تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ إِذَا نَكَلَ أَحَدٌ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ عَفْوٌ) لِوُجُودِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَيُنَزَّلُ نُكُولُهُ كَالْعَدَمِ وَتُرَدُّ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ حَلَفَ. (فَإِنْ نَكَلَ أَحَدٌ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمُ الْعَفْوُ عَنِ الدَّمِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَا تُرَدُّ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ إِذَا نَكَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنِ الْأَيْمَانِ، وَلَكِنَّ الْأَيْمَانَ إِذَا كَانَ) وُجِدَ (ذَلِكَ) أَيْ نُكُولُ بَعْضِ وُلَاةِ الدَّمِ (تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا) كَمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ. (فَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا خَمْسِينَ رَجُلًا رُدَّتِ الْأَيْمَانُ عَلَى مَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ) حَتَّى تُكْمِلَ الْخَمْسِينَ يَمِينًا (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ إِلَّا الَّذِي ادُّعِيَ عَلَيْهِ) الدَّمُ (حَلَفَ هُوَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا فُرِقَ بَيْنَ الْقَسَامَةِ فِي الدَّمِ) فِي أَنَّ أَيْمَانَهَا خَمْسُونَ مِنَ الْمُدَّعِينَ (وَ) بَيْنَ (الْأَيْمَانِ فِي الْحُقُوقِ) فَاكْتَفَى فِيهَا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ (أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا دَايَنَ الرَّجُلَ اسْتَثْبَتَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَالرَّهْنِ أَوِ الضَّامِنِ. (وَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ قَتْلَ الرَّجُلِ لَمْ يَقْتُلْهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ وَإِنَّمَا يَلْتَمِسُ) يَطْلُبُ (الْخَلْوَةَ) حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ. (فَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْقَسَامَةُ إِلَّا فِيمَا تَثْبُتُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ عُمِلَ فِيهَا كَمَا يُعْمَلُ فِي الْحُقُوقِ) الْمَالِيَّةِ مِنَ الْبَيِّنَةِ أَوْ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ (هَلَكَتِ الدِّمَاءُ) ضَاعَتْ (وَاجْتَرَأَ) بِالْهَمْزِ أَسْرَعَ وَهَجَمَ (النَّاسُ عَلَيْهَا إِذَا عَرَفُوا الْقَضَاءَ فِيهَا وَلَكِنْ إِنَّمَا جُعِلَتِ الْقَسَامَةُ إِلَى وُلَاةِ الْمَقْتُولِ يُبَدَّءُونَ فِيهَا) بِالْحَلِفِ فَإِنْ نَكَلُوا رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِيَكُفَّ النَّاسُ عَنِ الدَّمِ وَلِيَحْذَرَ الْقَاتِلُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ) دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَأَقْسَامِ أَوْلِيَائِهِ. (وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يَكُونُ لَهُمُ الْعَدَدُ يُتَّهَمُونَ بِالدَّمِ فَتَرُدُّ وُلَاةُ الْمَقْتُولِ الْأَيْمَانَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ نَفَرٌ لَهُمْ عَدَدٌ أَنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تُقْطَعُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ عَدَدِهِمْ وَلَا يَبْرَءُونَ) يُخَلَّصُونَ (دُونَ أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) يَقْتَضِي أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَهُ. (وَالْقَسَامَةُ تَصِيرُ إِلَى عَصَبَةِ الْمَقْتُولِ وَهُمْ وُلَاةُ الدَّمِ الَّذِينَ يُقْسِمُونَ عَلَيْهِ وَالَّذِينَ يُقْتَلُ بِقَسَامَتِهِمْ) قَالَ أَبُو عَمْرٍو: مِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا فِي وُجُوبِ الْقَوْلِ بِالْقَسَامَةِ مَعَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ بِالْقَسَامَةِ رَجُلًا مِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ» " وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا قَضَيَا بِذَلِكَ، وَحَسْبُكَ بِقَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 [باب مَنْ تَجُوزُ قَسَامَتُهُ فِي الْعَمْدِ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فِي الْعَمْدِ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وُلَاةٌ إِلَّا النِّسَاءُ فَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ قَسَامَةٌ وَلَا عَفْوٌ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُقْتَلُ عَمْدًا أَنَّهُ إِذَا قَامَ عَصَبَةُ الْمَقْتُولِ أَوْ مَوَالِيهِ فَقَالُوا نَحْنُ نَحْلِفُ وَنَسْتَحِقُّ دَمَ صَاحِبِنَا فَذَلِكَ لَهُمْ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ أَرَادَ النِّسَاءُ أَنْ يَعْفُونَ عَنْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُنَّ الْعَصَبَةُ وَالْمَوَالِي أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوا الدَّمَ وَحَلَفُوا عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ عَفَتْ الْعَصَبَةُ أَوْ الْمَوَالِي بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقُّوا الدَّمَ وَأَبَى النِّسَاءُ وَقُلْنَ لَا نَدَعُ دَمَ صَاحِبِنَا فَهُنَّ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَ الْقَوَدَ أَحَقُّ مِمَّنْ تَرَكَهُ مِنْ النِّسَاءِ وَالْعَصَبَةِ إِذَا ثَبَتَ الدَّمُ وَوَجَبَ الْقَتْلُ قَالَ مَالِكٌ لَا يُقْسِمُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ مِنْ الْمُدَّعِينَ إِلَّا اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَتُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَحْلِفَا خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ قَدْ اسْتَحَقَّا الدَّمَ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا ضَرَبَ النَّفَرُ الرَّجُلَ حَتَّى يَمُوتَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا فَإِنْ هُوَ مَاتَ بَعْدَ ضَرْبِهِمْ كَانَتْ الْقَسَامَةُ وَإِذَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ لَمْ تَكُنْ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُقْتَلْ غَيْرُهُ وَلَمْ نَعْلَمْ قَسَامَةً كَانَتْ قَطُّ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ   2 - بَابُ مَنْ تَجُوزُ قَسَامَتُهُ فِي الْعَمْدِ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فِي الْعَمْدِ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وُلَاةٌ إِلَّا النِّسَاءُ فَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ قَسَامَةٌ وَلَا عَفْوٌ) لِأَنَّ شَهَادَتَيْنِ لَا تَجُوزُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ. (مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يُقْتَلُ عَمْدًا أَنَّهُ إِذَا قَامَ عَصَبَةُ الْمَقْتُولِ أَوْ مَوَالِيهِ) الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ (فَقَالُوا نَحْنُ نَحْلِفُ وَنَسْتَحِقُّ دَمَ صَاحِبِنَا فَذَلِكَ لَهُمْ، فَإِنْ أَرَادَ النِّسَاءُ أَنْ يَعْفُونَ عَنْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُنَّ، الْعَصَبَةُ وَالْمَوَالِي أَوْلَى) أَحَقُّ (بِذَلِكَ مِنْهُنَّ) أَيْ أَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ دُونَهُنَّ (لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوا الدَّمَ وَحَلَفُوا عَلَيْهِ) وَلَا دَخْلَ لِلنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ. (وَإِنْ عَفَتِ الْعَصَبَةُ أَوِ الْمَوَالِي بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقُّوا الدَّمَ) بِالْأَيْمَانِ (وَأَبَى النِّسَاءُ وَقُلْنَ لَا نَدَعُ) نَتْرُكُ (قَاتِلَ صَاحِبِنَا) بِلَا قَتْلٍ (فَهُنَّ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَ الْقَوَدَ) أَيْ طَلَبَهَ (أَحَقُّ مِمَّنْ تَرَكَهُ مِنَ النِّسَاءِ وَالْعَصَبَةِ إِذَا ثَبَتَ الدَّمُ وَوَجَبَ الْقَتْلُ) بِالْقَسَامَةِ لَا قَبْلَ ثُبُوتِهِ كَمَا قَدَّمَ. (وَلَا يُقْسِمُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ مِنَ الْمُدَّعِينَ إِلَّا اثْنَانِ فَصَاعِدًا) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. كَمَا أَنَّهُ لَا يُقْتُلَ بِأَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَلِذَا لَا تَحْلِفُ النِّسَاءُ فِي الْعَمْدِ ; لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ لَا تَجُوزُ فِيهِ وَيَحْلِفْنَ فِي الْخَطَأِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 لِأَنَّهُ مَالٌ وَشَهَادَتُهُنَّ جَائِزَةٌ فِي الْأَمْوَالِ (فَتُرَدُّ الْإِيمَانُ عَلَيْهِمَا) إِنْ كَانَا اثْنَيْنِ (حَتَّى يَحْلِفَا خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ قَدِ اسْتَحَقَّا الدَّمَ) لِحَدِيثِ: " «وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ» " فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ ذِكْرِ الدَّمِ الْقَوَدُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِنَّ الْقَسَامَةَ تُوجِبُ الدِّيَةَ دُونَ الْقَوَدِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ مَعًا إِلَّا أَنَّهَا فِي الْعَمْدِ عَلَى الْجَانِي وَفِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَقَالَ بِكُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ لَكِنَّ قَوْلَهُ: (وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِدَارِ الْهِجْرَةِ يُؤَيِّدُ مَذْهَبَهُ ; وَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ ذِكْرِ الدَّمِ فِي قَوْلِهِ: دَمُ صَاحِبِكُمْ، وَتَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّمِ الدِّيَةُ لِأَنَّ مَنِ اسْتَحَقَّ دِيَةَ صَاحِبِهِ فَقَدِ اسْتَحَقَّ دَمَهُ، لِأَنَّ الدِّيَةَ قَدْ تُؤْخَذُ فِي الْعَمْدِ فَيَكُونُ اسْتِحْقَاقًا لِلدَّمِ، بَعِيدٌ مُتَكَلَّفٌ خِلَافُ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ وَهُوَ آيَةُ الْحَقِيقَةِ، وَقَدْ تَأَيَّدَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ بِالْقَسَامَةِ رَجُلًا مِنْ بَنِي نَصْرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَفَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ. (وَإِذَا ضَرَبَ النَّفَرُ) الْجَمَاعَةُ (الرَّجُلَ حَتَّى يَمُوتَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا) بِلَا قَسَامَةٍ. (فَإِنْ هُوَ مَاتَ بَعْدَ ضَرْبِهِمْ كَانَتِ الْقَسَامَةُ) أَيْ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْقَتْلِ. (وَإِذَا كَانَتْ قَسَامَةً لَمْ يَكُنْ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُقْتَلْ غَيْرُهُ وَلَمْ نَعْلَمْ قَسَامَةً كَانَتْ) أَيْ وُجِدَتْ فِيمَا مَضَى (قَطُّ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ الْمُتَيَقَّنَ أَنَّ الْقَاتِلَ وَاحِدٌ فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ وَيُضْرَبُ الْبَاقُونَ مِائَةً مِائَةً وَيُسْجَنُونَ سَنَةً ثُمَّ يُخَلَّى عَنْهُمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 [باب الْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْقَسَامَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ يُقْسِمُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الدَّمَ وَيَسْتَحِقُّونَهُ بِقَسَامَتِهِمْ يَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا تَكُونُ عَلَى قَسْمِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْ الدِّيَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْأَيْمَانِ كُسُورٌ إِذَا قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ نُظِرَ إِلَى الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ تِلْكَ الْأَيْمَانِ إِذَا قُسِمَتْ فَتُجْبَرُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْيَمِينُ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وَرَثَةٌ إِلَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُنَّ يَحْلِفْنَ وَيَأْخُذْنَ الدِّيَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَ الدِّيَةَ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ وَلَا يَكُونُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ   3 - بَابُ الْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ (قَالَ مَالِكٌ: الْقَسَامَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ) صِفَتُهَا أَنَّهُ (يُقْسِمُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الدَّمَ وَيَسْتَحِقُّونَ بِقَسَامَتِهِمْ يَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا تَكُونُ عَلَى) قَدْرِ (قَسْمِ مَوَارِيثِهِمْ مِنَ الدِّيَةِ) فَإِذَا كَانَا اثْنَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 حَلَفَ كُلٌّ خَمْسًا وَعِشْرِينَ. (فَإِنْ كَانَ فِي الْأَيْمَانِ كُسُورٌ) كَابْنٍ وَبِنْتٍ (إِذَا قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ نُظِرَ إِلَى الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ تِلْكَ الْأَيْمَانِ) أَيْ أَكْثَرُ كَسُورِهَا (إِذَا قُسِمَتْ فَتُجْبَرُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْيَمِينُ) فَتَحْلِفُ الْبِنْتُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا ; لِأَنَّ كَسْرَهَا أَكْثَرُ مِنْ كَسْرِ الِابْنِ. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وَرَثَةٌ إِلَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُنَّ يَحْلِفْنَ وَيَأْخُذْنَ الدِّيَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَ الدِّيَةَ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَلَا يَكُونُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ) لِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَصَبَةً كَمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 [باب الْمِيرَاثِ فِي الْقَسَامَةِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ إِذَا قَبِلَ وُلَاةُ الدَّمِ الدِّيَةَ فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ يَرِثُهَا بَنَاتُ الْمَيِّتِ وَأَخَوَاتُهُ وَمَنْ يَرِثُهُ مِنْ النِّسَاءِ فَإِنْ لَمْ يُحْرِزْ النِّسَاءُ مِيرَاثَهُ كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ دِيَتِهِ لِأَوْلَى النَّاسِ بِمِيرَاثِهِ مَعَ النِّسَاءِ قَالَ مَالِكٌ إِذَا قَامَ بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ الَّذِي يُقْتَلُ خَطَأً يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْهَا وَأَصْحَابُهُ غَيَبٌ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا قَلَّ وَلَا كَثُرَ دُونَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ الْقَسَامَةَ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا اسْتَحَقَّ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّمَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ حَتَّى يَثْبُتَ الدَّمُ فَإِنْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْوَرَثَةِ أَحَدٌ حَلَفَ مِنْ الْخَمْسِينَ يَمِينًا بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْهَا وَأَخَذَ حَقَّهُ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْوَرَثَةُ حُقُوقَهُمْ إِنْ جَاءَ أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ وَعَلَيْهِ مِنْ الْخَمْسِينَ يَمِينًا السُّدُسُ فَمَنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ مِنْ الدِّيَةِ وَمَنْ نَكَلَ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا لَمْ يَبْلُغْ حَلَفَ الَّذِينَ حَضَرُوا خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ جَاءَ الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ الْحُلُمَ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَحْلِفُونَ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ مِنْ الدِّيَةِ وَعَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْهَا قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ   4 - بَابُ الْمِيرَاثِ فِي الْقَسَامَةِ - (مَالِكٌ: إِذَا قَبِلَ وُلَاةُ الدَّمِ الدِّيَةَ فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ) أَيْ مَا فَرَضَهُ فِيهِ مِنَ الْإِرْثِ (يَرِثُهَا بَنَاتُ الْمَيِّتِ وَأَخَوَاتُهُ وَمَنْ يَرِثُهُ مِنَ النِّسَاءِ، فَإِنْ لَمْ يُحْرِزِ النِّسَاءُ مِيرَاثَهُ كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ دِيَتِهِ لِأَوْلَى) أَقْرَبَ (النَّاسِ بِمِيرَاثِهِ) مِنْ عَصَبَةٍ (مَعَ النِّسَاءِ) كَبِنْتَيْنِ وَأَخٍ وَابْنِ عَمٍّ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالثُّلُثُ لِلْأَخِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِمِيرَاثِهِ (وَإِذَا قَامَ بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ الَّذِي يُقْتَلُ خَطَأً يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الدِّيَةِ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْهَا وَأَصْحَابُهُ غَيَبٌ) بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ غَائِبٍ كَخَادِمٍ وَخَدَمٍ (لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ مِنَ الدِّيَةِ شَيْئًا قَلَّ وَلَا كَثُرَ دُونَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ الْقَسَامَةِ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 فَإِنْ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا اسْتَحَقَّ حِصَّتَهُ مِنَ الدِّيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّمَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ حَتَّى يَثْبُتَ الدَّمُ) فَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْخَطَأَ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِالْقَسَامَةِ، أَمَّا إِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوِ اعْتِرَافٍ فَلَا. (فَإِنْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْوَرَثَةِ أَحَدٌ حَلَفَ مِنَ الْخَمْسِينَ يَمِينًا بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْهَا) فَقَطْ (وَأَخَذَ حَقَّهُ) وَهَكَذَا يُفْعَلُ (حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْوَرَثَةُ حُقُوقَهُمْ، إِنْ جَاءَ أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ) مِنَ الْمِيرَاثِ (وَعَلَيْهِ مِنَ الْخَمْسِينَ يَمِينًا السُّدُسُ) بِقَدْرِ إِرْثِهِ (فَمَنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ حَقَّهُ مِنَ الدِّيَةِ، وَمَنْ نَكَلَ بَطَلَ حَقُّهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا لَمْ يَبْلُغْ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ (حَلَفَ الَّذِينَ حَضَرُوا خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ جَاءَ الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ الْحُلُمَ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَحْلِفُونَ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ مِنَ الدِّيَةِ وَ) هِيَ (عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) فِي ذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 [باب الْقَسَامَةِ فِي الْعَبِيدِ] قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبِيدِ أَنَّهُ إِذَا أُصِيبَ الْعَبْدُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ثُمَّ جَاءَ سَيِّدُهُ بِشَاهِدٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً ثُمَّ كَانَ لَهُ قِيمَةُ عَبْدِهِ وَلَيْسَ فِي الْعَبِيدِ قَسَامَةٌ فِي عَمْدٍ وَلَا خَطَإٍ وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ عَبْدًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ قَسَامَةٌ وَلَا يَمِينٌ وَلَا يَسْتَحِقُّ سَيِّدُهُ ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ بِشَاهِدٍ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ   5 - بَابُ الْقَسَامَةِ فِي الْعَبِيدِ - (مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبِيدِ أَنَّهُ إِذَا أُصِيبَ الْعَبْدُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ثُمَّ جَاءَ سَيِّدُهُ بِشَاهِدٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ) حَلِفًا مُتَلَبِّسًا (بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّهُ مَالٌ، أَوِ الْبَاءُ زَائِدَةٌ فِي الْمَفْعُولِ (ثُمَّ كَانَ لَهُ قِيمَةُ عَبْدِهِ) وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ. (وَلَيْسَ فِي الْعَبِيدِ قَسَامَةٌ فِي عَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ وَلَمْ أَسْمَعْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ذَلِكَ. فَإِنْ قُتِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ، نَائِبُهُ (الْعَبْدُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ قَسَامَةٌ وَلَا يَمِينٌ) وَاحِدَةٌ (وَلَا يَسْتَحِقُّ سَيِّدُهُ ذَلِكَ) أَيْ قِيمَتَهُ (إِلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ) أَيْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ (أَوْ بِشَاهِدٍ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ. قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ) لِأَنَّهُ مَالٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 [كِتَاب الْجَامِعِ] [باب فضائل المدينة] [الدُّعَاءِ لِلْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْجَامِعِ باب فضائل المدينة الدُّعَاءِ لِلْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْن يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ» يَعْنِي أَهْلَ الْمَدِينَةِ   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 45 - كِتَابُ الْجَامِعِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ: هَذَا كِتَابٌ اخْتَرَعَهُ مَالِكٌ فِي التَّصْنِيفِ لِفَائِدَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ رَسْمِ التَّكْلِيفِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي صَنَّفَهَا أَبْوَابًا وَرَتَّبَهَا أَنْوَاعًا. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَمَّا لَحَظَ الشَّرِيعَةَ وَأَنْوَاعَهَا وَرَآهَا مُنْقَسِمَةً إِلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَإِلَى عِبَادَةٍ وَمُعَامَلَةٍ، وَإِلَى جِنَايَاتٍ وَعَادَاتٍ، نَظَّمَهَا أَسْلَاكًا وَرَبَطَ كُلَّ نَوْعٍ بِجِنْسِهِ، وَشَذَّتْ عَنْهُ مِنَ الشَّرِيعَةِ مَعَانٍ مُنْفَرِدَةٌ لَمْ يَتَّفِقْ نَظْمُهَا فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّهَا مُتَغَايِرَةُ الْمَعَانِي، وَلَا أَمْكَنَ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بَابًا لِصِغَرِهَا، وَلَا أَرَادَ هُوَ أَنْ يُطِيلَ الْقَوْلَ فِيمَا يُمْكِنُ إِطَالَةُ الْقَوْلِ فِيهَا، فَجَعَلَهَا أَشْتَاتًا وَسَمَّى نِظَامَهَا " كِتَابَ الْجَامِعِ " فَطَرَّقَ لِلْمُؤَلِّفِينَ مَا لَمْ يَكُونُوا قَبْلُ بِهِ عَالَمِينَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا، ثُمَّ بَدَأَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي الْمَدِينَةِ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْإِيمَانِ وَمَعْدِنُ الدِّينِ وَمُسْتَقَرُّ النُّبُوَّةِ انْتَهَى. 1 - بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا الْمَدِينَةُ فِي الْأَصْلِ الْمِصْرُ الْجَامِعُ ثُمَّ صَارَتْ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى دَارِ هِجْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَزْنُهَا فَعِيلَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ مَدَنَ، وَقِيلَ مَفْعِلَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ لِأَنَّهَا مِنْ دَانَ، وَالْجَمْعُ مُدُنٌ وَمَدَائِنُ بِالْهَمْزِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَصَالَةِ الْمِيمِ، وَوَزْنُهَا فَعَائِلُ، وَبِغَيْرِ هَمْزٍ عَلَى الْقَوْلِ بِزِيَادَةِ الْمِيمِ وَوَزْنُهَا مَفَاعِلُ لِأَنَّ لِلْيَاءِ أَصْلًا فِي الْحَرَكَةِ فَتُرَدُّ إِلَيْهِ، وَنَظِيرُهَا فِي الِاخْتِلَافِ مَعَايِشُ. 1636 - 1588 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدٍ (الْأَنْصَارِيِّ) الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الحديث: 1636 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 الْحُجَّةِ قِيلَ: كَانَ مَالِكٌ لَا يُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَدًا مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَهَا. (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ) أَتِمَّ وَزِدْ (لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ) بِكَسْرِ الْمِيمِ آلَةُ الْكَيْلِ أَيْ فِيمَا يُكَالُ فِي مِكْيَالِهِمْ. (وَبَارِكْ لَهُمْ فِي) مَا يُكَالُ فِي (صَاعِهِمْ وَ) مَا يُكَالُ فِي (مُدِّهِمْ) فَحُذِفَ الْمُقَدَّرُ لِفَهْمِ السَّامِعِ وَهُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا مِنْ فَصِيحِ كَلَامِهِ وَبَلَاغَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ لِأَنَّ الدُّعَاءَ إِنَّمَا هُوَ لِلْبَرَكَةِ فِي الطَّعَامِ الْمَكِيلِ بِالصَّاعِ وَالْمُدِّ لَا فِي الظُّرُوفِ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ عَلَى ظَاهِرِ الْعُمُومِ أَنْ تَكُونَ فِيهِمَا. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْبَرَكَةُ هُنَا بِمَعْنَى النُّمُوِّ وَالزِّيَادَةِ وَتَكُونُ بِمَعْنَى الثَّبَاتِ وَاللُّزُومِ، قَالَ: وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْبَرَكَةُ دِينِيَّةً وَهِيَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَقَادِيرِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ لَهَا بِبَقَاءِ الشَّرِيعَةِ وَثَبَاتِهَا، وَأَنْ تَكُونَ دُنْيَوِيَّةً مِنْ تَكْثِيرِ الْمَالِ وَالْقَدْرِ بِهَا حَتَّى يَكْفِيَ مِنْهَا مَا لَا يَكْفِي مِنْ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ، أَوْ تَرْجِعَ الْبَرَكَةُ إِلَى التَّصَرُّفِ بِهَا فِي التِّجَارَةِ وَأَرْبَاحِهَا، أَوْ إِلَى كَثْرَةِ مَا يُكَالُ بِهَا مِنْ غَلَّاتِهَا وَأَثْمَارِهَا، أَوْ لِاتِّسَاعِ عَيْشِهِمْ بَعْدَ ضِيقِهِ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَوَسَّعَ مِنْ فَضْلِهِ لَهُمْ بِتَمْلِيكِ بِلَادِ الْخِصْبِ وَالرِّيفِ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهَا حَتَّى كَثُرَ الْحَمْلُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَاتَّسَعَ عَيْشُهُمْ حَتَّى صَارَتْ هَذِهِ الْبَرَكَةُ فِي الْكَيْلِ نَفْسِهِ فَزَادَ مُدُّهُمْ وَصَارَ هِشَامِيًّا مِثْلَ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً وَنِصْفًا. وَفِي هَذَا كُلِّهِ ظُهُورُ إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمُرَادَ الْبَرَكَةُ فِي نَفْسِ الْكَيْلِ فِي الْمَدِينَةِ بِحَيْثُ يَكْفِي الْمُدُّ فِيهَا لِمَنْ لَا يَكْفِيهِ فِي غَيْرِهَا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ هُوَ قَوْلُ عِيَاضٍ أَوْ لِاتِّسَاعِ عَيْشِ أَهْلِهَا. . . إِلَخْ ; لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَأَنَا أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ إِبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ» ، وَدُعَاءُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ قَوْلُهُ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37] (سورة إِبْرَاهِيمَ: الْآيَةُ 37) يَعْنِي وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ بِأَنْ تَجْلِبَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبِلَادِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ النِّعْمَةَ فِي أَنْ يُرْزَقُوا أَنْوَاعَ الثَّمَرَاتِ فِي وَادٍ لَيْسَ فِيهِ نَجْمٌ وَلَا شَجَرٌ وَلَا مَاءٌ، لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَجَابَ دَعْوَتَهُ فَجَعَلَهُ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنْهُ، وَلَعَمْرِي إِنَّ دُعَاءَ حَبِيبِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتُجِيبَ لَهَا وَضَاعَفَ خَيْرَهَا عَلَى غَيْرِهَا، بِأَنْ جَلَبَ إِلَيْهَا فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا مِنْ كُنُوزِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَخَاقَانَ مَا لَا يُحْصَى وَلَا يُحْصَرُ، وَفِي آخِرِ الْأَمْرِ يَأْرِزُ الدِّينُ إِلَيْهَا مِنْ أَقَاصِي الْأَرْضِ وَشَاسِعِ الْبِلَادِ، وَيَنْصُرُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أٌمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى، وَمَكَّةُ أَيْضًا مِنْ مَأْكُولِهَا» " انْتَهَى. (يَعْنِي) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَهْلَ الْمَدِينَةِ) بَيَانٌ مِنَ الرَّاوِي لِلضَّمَائِرِ فِي لَهُمْ وَمَا بَعْدَهُ، وَهَلْ يَخْتَصُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 بِالْمُدِّ الْمَخْصُوصِ أَوْ يَعُمُّ كُلَّ مُدٍّ تَعَارَفَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ زَادَ أَوْ نَقَصَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَضَافَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ تَارَةً وَإِلَى أَهْلِهَا أُخْرَى، وَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى نَفْسِهِ الزَّكِيَّةِ، فَدَلَّ عَلَى عُمُومِ الدَّعْوَةِ لَا عَلَى خُصُوصِهِ بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَيْعِ وَالِاعْتِصَامِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَفِي كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاءُوا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ بِهِ لِمَكَّةَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ يَرَاهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ»   1637 - 1589 - (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ) بِضَمِّ السِّينِ مُصَغَّرٌ (بْنِ أَبِي صَالِحٍ) الْمَدَنِيِّ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ الْمُكْثِرِينَ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاحْتَجَّ بِهِ الْجَمَاعَةُ، وَكَفَى بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُ تَوْثِيقًا (عَنْ أَبِيهِ) ذَكْوَانَ السَّمَّانِ الزَّيَّاتِ الثِّقَةِ الثَّبْتِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ (جَاءُوا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِمَّا هَدِيَّةً وَجَلَالَةً وَمَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا، وَإِمَّا تَبَرُّكًا بِدُعَائِهِ لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَيَانِ مُحْتَمَلَانِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: يَفْعَلُونَ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي دُعَائِهِ وَرَجَاءَ تَمَامِ ثَمَرِهِمْ بِذَلِكَ، وَإِعْلَامًا بِبِدُوِّ صَلَاحِهَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ كَبَعْثِ الْخَرَّاصِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَادَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: وَضَعَهُ عَلَى وَجْهِهِ (قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا) أَيْ أَنْمِهِ وَزِدْهُ (وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا) طَيْبَةَ (وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا) وَهُوَ مِكْيَالُ أَرْبَعَةِ أَمْدَادٍ، زَادَ الدَّرَاوَرْدِيُّ: بَرَكَةً فِي بَرَكَةً. (وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَشَدِّ الدَّالِ. (اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبَدُكَ وَخَلِيلُكَ) كَمَا قُلْتَ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 125) (وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ) لَمْ يُقِلْ وَخَلِيلُكَ مَعَ أَنَّهُ خَلِيلٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَحَادِيثَ عِدَّةٍ، قَالَ الْأُبِّيُّ: رِعَايَةً لِلْأَدَبِ فِي تَرْكِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ الْكِرَامِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: عَدَمُ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ مَعَ رِعَايَةِ الْأَدَبِ أَفْخَمُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 253) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي هَذَا الْإِبْهَامِ مِنْ تَفْخِيمِ الحديث: 1637 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 فَضْلِهِ مَا لَا يَخْفَى. وَقَدْ سُئِلَ الْحُطَيْئَةُ عَنْ أَشْعَرِ النَّاسِ فَقَالَ: زُهَيْرٌ وَالنَّابِغَةُ وَلَوْ شِئْتُ لَذَكَرْتُ الثَّالِثَ، أَرَادَ نَفْسَهُ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَمْ يُفَخِّمْ أَمْرَهُ. (وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ) بِقَوْلِهِ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37] (سورة إِبْرَاهِيمَ: الْآيَةُ 37) (وَإِنِّي أَدْعُوكَ) أَطْلُبُ مِنْكَ (لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ بِهِ لِمَكَّةَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) فِي أَمْرِ الرِّزْقِ وَالدُّنْيَا، أَوْ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ وَتَضْعِيفِ الْحَسَنَاتِ وَغُفْرَانِ السَّيِّئَاتِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَقَدْ أَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ. (ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ) أَيْ مَوْلُودٍ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ (يَرَاهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ) وَفِي رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ: ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنَ الْوِلْدَانِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ عِظَمَ الْأَجْرِ فِي إِدْخَالِ الْمَسَرَّةِ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ لِصِغَرِهِ، فَإِنَّ سُرُورَهُ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ سُرُورِ الْكَبِيرِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِيهِ مِنَ الْآدَابِ وَجَمِيلِ الْأَخْلَاقِ: إِعْطَاءُ الصَّغِيرِ وَإِتْحَافُهُ بِالطُّرْفَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الْكَبِيرِ لِقِلَّةِ صَبْرِهِ وَلِفَرَحِهِ بِذَلِكَ، وَفِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ. وَقَالَ عِيَاضٌ: تَخْصِيصُهُ أَصْغَرَ وَلِيدٍ حَضَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُقَسَّمُ عَلَى الْوِلْدَانِ، وَمَنْ كَبِرَ مِنْهُمْ مُلْحَقٌ بِأَخْلَاقِ الرِّجَالِ وَتَلْوِيحًا إِلَى التَّفَاؤُلِ بِنَمَاءِ الثِّمَارِ وَزِيَادَتِهَا بِدَفْعِهَا لِمَنْ هُوَ فِي سِنِّ النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ كَمَا قِيلَ فِي قَلْبِ الرِّدَاءِ لِلِاسْتِسْقَاءِ. قَالَ الْأُبِّيُّ: وَلَا يُعَارِضُ دُعَاءَهُ لَهَا بِالْبَرَكَةِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «أَصَابَهُمْ بِالْمَدِينَةِ جَهْدٌ وَشِدَّةٌ» " إِذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ثُبُوتِ الشِّدَّةِ وَثُبُوتِ الْبَرَكَةِ فِيهَا، وَتَخَلُّفُهَا عَنْ بَعْضٍ لَا يَضُرُّ بِهَا، كَذَا أَجَابَ شَيْخُنَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي تَحْصِيلِ الْقُوتِ، وَأَنَّ الْمُدَّ بِهَا يُشْبِعُ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِ بِغَيْرِهَا، فَتَكُونُ الشِّدَّةُ فِي تَحْصِيلِ الْمُدِّ، وَالْبَرَكَةُ فِي تَضْعِيفِ الْقُوتِ بِهِ انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ جَوَابُ شَيْخِهِ وَهُوَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ لِدُعَائِهِ بِذَلِكَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ وَهَذَا بَيِّنٌ لِمَوْضِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَوْضِعِ التَّضْعِيفِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا دُعَاءُ إِبْرَاهِيمَ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 126] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 126) أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ يَحْجُرُهَا أَيِ الدَّعْوَةَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ دُونَ النَّاسِ فَقَالَ تَعَالَى: " وَمَنْ كَفَرَ " أَيْضًا فَإِنِّي أَرْزُقُهُ كَمَا أَرْزُقُ الْمُؤْمِنِينَ. أَأَخْلُقُ خَلْقًا لَا أَرْزُقُهُمْ، أُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ أَلِيمٍ. ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20] (سورة الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 20) انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ سُهَيْلٍ نَحْوَهُ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 [مَا جَاءَ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ الْأَجْدَعِ أَنَّ يُحَنَّسَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْفِتْنَةِ فَأَتَتْهُ مَوْلَاةٌ لَهُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَقَالَتْ إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ اشْتَدَّ عَلَيْنَا الزَّمَانُ فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ اقْعُدِي لُكَعُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا 1638 - 1590 - (مَالِكٌ عَنْ قَطَنِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَنُونٍ (بْنِ وَهْبِ بْنِ عُمَيْرِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرٌ، وَفِي نُسْخَةٍ " عُوَيْمِرٍ " بِوَاوٍ بَعْدَ الْعَيْنِ (بْنِ الْأَجْدَعِ) بِجِيمٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ اللَّيْثِيِّ أَوِ الْخُزَاعِيِّ الْمَدَنِيِّ الصَّدُوقِ يُكْنَى أَبَا الْحَسَنِ، وَفِي التَّمْهِيدِ قَطَنٌ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ مَدَنِيٍّ ثِقَةٍ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ (أَنَّ يُحَنَّسَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ مَفْتُوحَةً وَمَكْسُورَةً كَمَا ضَبَطَهُ عِيَاضٌ، وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ،، ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ الثِّقَةُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَابْنُ بُكَيْرٍ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عُوَيْمِرِ بْنِ الْأَجْدَعِ أَنَّ يُحَنَّسَ وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ، وَكَذَا نَسَبَهُ ابْنُ الْبَرْقِيِّ وَيَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ رِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ يُحَنَّسَ (مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ) أَحَدِ الْعَشْرَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: مَوْلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ لِأَحَدِهِمَا حَقِيقَةٌ وَلِلْآخَرِ مَجَازٌ. (أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (فِي الْفِتْنَةِ) الَّتِي وَقَعَتْ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ (فَأَتَتْهُ مَوْلَاةٌ لَهُ) لَمْ تُسَمَّ (تُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ) مِنَ الْمَدِينَةِ (يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) لِأَنَّهُ (اشْتَدَّ) قَوِيَ وَصَعُبَ (عَلَيْنَا الزَّمَانُ، فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: اقْعُدِي لُكَعُ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتَحِ الْكَافِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ كَذَا لِيَحْيَى وَحْدَهُ وَالصَّوَابُ لُكَاعُ كَمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِنَّمَا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ لُكَاعُ مِثْلُ جُذَامٍ وَقُطَامٍ، وَقَالَ عِيَاضٌ: يُطْلَقُ لُكَعُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْكَافِ عَلَى اللَّئِيمِ وَالْعَبْدِ وَالْغَبِيِّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي لِنُطْقٍ وَلَا غَيْرِهِ وَعَلَى الصَّغِيرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَطْلُبُ الْحَسَنَ أَثَمَّ لُكَعُ» . وَقَوْلُ الْحَسَنِ لِإِنْسَانٍ: يَا لُكَعُ أَيْ يَا صَغِيرَ الْعِلْمِ. وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ لُكَاعُ عَلَى وَزْنِ فُعَالٍ، وَالْجَمِيعُ مِنَ اللُّكَعِ وَهُوَ اللُّؤْمُ، وَقِيلَ مَنِ الْمَلَاكِيعِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنَ السَّلَا مِنَ الْبَطْنِ. وَقَالَ النُّحَاةُ: لُكَعُ وَلُكَاعُ لَا يُسْتَعْمَلَانِ إِلَّا فِي النِّدَاءِ خَاصَّةً، قَدِ اسْتُعْمِلَ لُكَاعُ فِي الحديث: 1638 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 الشِّعْرِ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ، قَالَ الْحُطَيْئَةُ: أَطَوِّفُ مَا أَطُوفُ ثُمَّ آوِي ... إِلَى بَيْتٍ قَعِيدَتُهُ لُكَاعُ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ لَهَا إِنْكَارًا لِمَا أَرَادَتْهُ مِنَ الْخُرُوجِ وَتَثْبِيطًا لَهَا وَإِدْلَالًا عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَوْلَاتُهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ يَا قَلِيلَةَ الْعِلْمِ وَصَغِيرَةَ الْحَظِّ مِنْهُ؛ لِمَا فَاتَهَا مِنْ مَعْرِفَةِ حَقِّ الْمَدِينَةِ. (فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا) بِالْمَدِّ (وَشِدَّتِهَا) قَالَ أَبُو عُمَرَ: يَعْنِي الْمَدِينَةَ، وَالشَّدَّةُ الْجُوعُ، وَاللَّأْوَاءُ تَعَذُّرُ الْكَسْبِ وَسُوءُ الْحَالِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: اللَّأْوَاءُ الْجُوعُ وَشَدَّةُ الْمَكْسَبِ، وَضَمِيرُ شِدَّتِهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى اللَّأْوَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ الْأُبِّيُّ: الْحَدِيثُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْحَثِّ عَلَى سُكْنَاهَا فَمَنْ لَزِمَ سُكْنَاهَا دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ تَلْحَقْهُ لَأْوَاءٌ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْغَالِبِ وَالْمَظِنَّةِ لَا يَضُرُّ فِيهِ التَّخَلُّفُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَتَعْلِيلِ الْقَصْرِ بِمَشَقَّةِ السَّفَرِ، فَإِنَّ الْمَلِكَ يَقْصُرُ وَإِنْ لَمْ تَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ لِوُجُودِ السَّفَرِ (أَحَدٌ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ عِيَاضٌ: سُئِلْتُ قَدِيمًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَ خُصَّ سَاكِنُ الْمَدِينَةِ بِالشَّفَاعَةِ هُنَا مَعَ عُمُومِ شَفَاعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَادِّخَارِهِ إِيَّاهَا؟ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِجَوَابٍ شَافٍ مُقْنِعٍ فِي أَوْرَاقٍ اعْتَرَفَ بِصَوَابِهِ كُلُّ وَاقِفٍ عَلَيْهِ، وَأَذْكُرُ مِنْهُ هُنَا لُمَعًا تَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا " أَوْ " هُنَا لِلشَّكِّ وَالْأَظْهَرُ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلشَّكِّ ; لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ جَابِرٌ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَصَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا اللَّفْظِ، وَيَبْعُدُ اتِّفَاقُ جَمِيعِهِمْ أَوْ رُوَاتِهِمْ عَلَى الشَّكِّ وَيُطَابِقُهُمْ فِيهِ عَلَى صِيغَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ هَكَذَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ هَكَذَا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ " أَوْ " لِلتَّقْسِيمِ وَيَكُونُ شَهِيدًا لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَشَفِيعًا لِبَاقِيهِمْ، إِمَّا شَفِيعًا لِلْعَاصِينَ وَشَهِيدًا لِلْمُطِيعِينَ، وَإِمَّا شَهِيدًا لِمَنْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ وَشَفِيعًا لِمَنْ مَاتَ بَعْدَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ رَائِدَةٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ لِلْمُذْنِبِينَ أَوْ لِلْعَاصِينَ فِي الْقِيَامَةِ، وَعَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ: " أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ " فَيَكُونُ لِتَخْصِيصِهِمْ بِهَذَا كُلِّهِ مَزِيَّةٌ وَزِيَادَةُ مَنْزِلَةٍ وَحُظْوَةٌ، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيَكُونُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ شَفِيعًا وَشَهِيدًا انْتَهَى. وَبِالْوَاوِ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ عِيَاضٌ: وَإِذَا جَعَلْنَا " أَوْ " لِلشَّكِّ كَمَا قَالَ الْمَشَايِخُ فَإِنْ كَانَتِ اللَّفْظَةُ الصَّحِيحَةُ شَهِيدًا انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ الْمُدَّخَرَةِ الْمُجَرَّدَةِ لِغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ شَفِيعًا فَاخْتِصَاصُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ شَفَاعَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْعَامَّةِ الَّتِي هِيَ فِي إِخْرَاجِ أُمَّتِهِ مِنَ النَّارِ وَمُعَافَاةِ بَعْضِهِمْ بِشَفَاعَتِهِ فِي الْقِيَامَةِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الشَّفَاعَةُ بِزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ أَوْ تَخْفِيفِ السَّيِّئَاتِ أَوْ بِمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 أَوْ بِإِكْرَامِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْكَرَامَةِ كَإِيوَائِهِمْ إِلَى ظِلِّ الْعَرْشِ أَوْ كَوْنِهِمْ فِي رَوْحٍ أَوْ عَلَى مَنَابِرَ، أَوِ الْإِسْرَاعُ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِ الْكَرَامَاتِ الْوَارِدَةِ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَقَرُّوهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ الضَّحَّاكُ عَنْ قَطَنٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَصَابَ الْأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا»   1639 - 1591 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (أَنَّ أَعْرَابِيًّا) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ إِلَّا أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ ذَكَرَ فِي رَبِيعِ الْأَبْرَارِ أَنَّهُ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مَشْهُورٌ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ هَاجَرَ فَوَجَدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ مَاتَ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَعَلَّهُ آخَرُ وَافَقَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ. وَفِي الذَّيْلِ لِأَبِي مُوسَى الْمَدِينِيِّ، فِي الصَّحَابَةِ قَيْسُ بْنُ حَازِمٍ الْمِنْقَرِيُّ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ هَذَا أَيْ: زِيدٌ فِي اسْمِ أَبِيهِ أَدَاةُ الْكُنْيَةِ سَهْوًا أَوْ غَلَطًا (بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَصَابَ الْأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَبِسُكُونِ الْعَيْنِ حُمَّى (بِالْمَدِينَةِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: فَجَاءَ الْغَدُ مَحْمُومًا (فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِي بَيْعَتِي) عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَهُ عِيَاضٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا اسْتَقَالَهُ مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَرُدِ الِارْتِدَادَ عَنِ الْإِسْلَامِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: بِدَلِيلٍ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَلَّ مَا عَقَدَهُ إِلَّا بِمُوَافَقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ الرِّدَّةَ وَوَقَعَ فِيهَا لَقَتَلَهُ إِذْ ذَاكَ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْإِقَالَةِ مِنَ الْمَقَامِ بِالْمَدِينَةِ (فَأَبَى) امْتَنَعَ (رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنْ يُقِيلَهُ (ثُمَّ جَاءَهُ) ثَانِيَةً (فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى) امْتَنَعَ (ثُمَّ جَاءَهُ) الثَّالِثَةَ (فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى) أَنْ يُقِيلَهُ لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ فَهِيَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُقِلْهُ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الرُّجُوعُ إِلَى الْكُفْرِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَهِيَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْمُقَامِ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى وَطَنِهِ كَذَا قَالَ عِيَاضٌ. وَرَدَّهُ الْأُبِّيُّ فَقَالَ: الْأَظْهَرُ أَنَّهَا عَلَى الْهِجْرَةِ لِقَوْلِهِ وَعْكٌ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ كَانَتْ رِدَّةً لِأَنَّ الرِّضَا بِالدَّوَامِ عَلَى الْكُفْرِ كُفْرٌ انْتَهَى. (فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ) مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْبَدْوِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ) الحديث: 1639 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 بِكَسْرِ الْكَافِ الْمِنْفَخُ الَّذِي يُنْفَخُ بِهِ النَّارُ أَوِ الْمَوْضِعُ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهَا (تَنْفِي) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِالْفَاءِ (خَبَثَهَا) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ مَا تُبْرِزُهُ النَّارُ مِنْ وَسَخٍ وَقَذَرٍ، وَيُرْوَى بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ مِنَ الشَّيْءِ الْخَبِيثِ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِمُنَاسَبَةِ الْكِيرِ. (وَيَنْصَعُ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتَحِ الصَّادِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَتَيْنِ مِنَ النُّصُوعِ وَهُوَ الْخُلُوصُ أَيْ يَخْلُصُ (طِيبُهَا) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ خَفِيفَةً وَالرَّفْعُ فَاعِلُ يَنْصَعُ، وَفِي رِوَايَةٍ تَنْصَعُ بِالْفَوْقِيَّةِ طِيبَهَا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ مُخَفَّفًا أَيْضًا، وَبِهِ ضَبْطَهُ الْقَزَّازُ لَكِنَّهُ اسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ النُّصُوعَ فِي الطِّيبِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ يَتَضَوَّعُ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَزِيَادَةِ وَاوٍ، لَكِنْ قَالَ عِيَاضٌ مَعْنَى يَنْصَعُ يَصْفُو وَيَخْلُصُ، يُقَالُ طِيبٌ نَاصِعٌ إِذَا خَلُصَتْ رَائِحَتُهُ وَصَفَتْ مِمَّا يُنْقِصُهَا، وَفِي رِوَايَةٍ طَيِّبُهَا بِشَدِّ التَّحْتِيَّةِ مَكْسُورَةً وَالرَّفْعِ فَاعِلٌ، قَالَ الْأُبِّيُّ: وَهِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ وَهُوَ أَقْوَمُ مَعْنًى لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْخَبِيثِ أَيْ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْكِيرِ وَالطِّيبِ، شَبَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَمَا يُصِيبُ سَاكِنَهَا مِنَ الْجَهْدِ بِالْكِيرِ وَمَا يَدُورُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْخَبِيثِ مِنَ الطَّيِّبِ فَيَذْهَبُ الْخَبِيثُ وَيَبْقَى الطَّيِّبُ، وَكَذَلِكَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي شَرَارَهَا بِالْحُمَّى وَالْجُوعِ وَتُطَهِّرُ خِيَارَهُمْ وَتُزَكِّيهِمُ انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا تَشْبِيهٌ حَسَنٌ لِأَنَّ الْكِيرَ بِشِدَّةِ نَفْخِهِ يَنْفِي عَنِ النَّارِ السُّخَامَ وَالدُّخَانَ وَالرَّمَادَ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا خَالِصُ الْجَمْرِ، هَذَا إِنْ أُرِيدَ بِالْكِيرِ الْمِنْفَخُ الَّذِي يُنْفَخُ بِهِ النَّارُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَوْضِعُ فَالْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لِشِدَّةِ حَرَارَتِهِ يَنْزِعُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيُخْرِجُ خُلَاصَةَ ذَلِكَ، وَالْمَدِينَةُ كَذَلِكَ تَنْفِي شِرَارَ النَّاسِ بِالْحُمَّى وَالْوَصَبِ وَشِدَّةِ الْعَيْشِ وَضِيقِ الْحَالِ الَّتِي تُخَلِّصُ النَّفْسَ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ فِي الشَّهَوَاتِ وَتُطَهِّرُ خِيَارَهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَحْكَامِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الِاعْتِصَامِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٌ فِي الْحَجِّ عَنْ يَحْيَى الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِنَحْوِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ»   1640 - 1592 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) ، ابْنُ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ فَأَلِفٍ فَمُوَحَّدَةٍ (سَعِيدَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (بْنَ يَسَارٍ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْمُهْمَلَةِ الْخَفِيفَةِ الْمَدَنِيَّ الثِّقَةَ الْمُتْقِنَ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ، يُقَالُ إِنَّهُ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَيُقَالُ مَوْلَى شُمَيْسَةَ النَّصْرَانِيَّةَ الْمُسْلِمَةَ الحديث: 1640 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 بِالْمَدِينَةِ عَلَى يَدِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَقِيلَ مَوْلَى شُقْرَانَ مَوْلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَمَرَنِي رَبِّي بِالْهِجْرَةِ إِلَى قَرْيَةٍ (تَأْكُلُ الْقُرَى) أَيْ تَغْلِبُهَا وَتَظْهَرُ عَلَيْهَا، يَعْنِي أَنَّ أَهْلَهَا تَغْلِبُ أَهْلَ سَائِرِ الْبِلَادِ فَتُفْتَحُ مِنْهَا، يُقَالُ أَكَلْنَا بَنِي فُلَانٍ أَيْ غَلَبْنَاهُمْ وَظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْغَالِبَ الْمُسْتَوْلِي عَلَى الشَّيْءِ كَالْمُفْنِي لَهُ إِفْنَاءَ الْآكِلِ إِيَّاهُ، وَفِي مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ قُلْتُ لِمَالِكٍ: مَا تَأْكُلُ الْقُرَى أَيْ مَا مَعْنَاهُ؟ قَالَ: تَفْتَحُ الْقُرَى لِأَنَّ مِنَ الْمَدِينَةِ افْتَتَحَتِ الْقُرَى كُلَّهَا بِالْإِسْلَامِ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: فِي التَّوْرَاةِ يَقُولُ اللَّهُ يَا طَابَةُ يَا مِسْكِينَةُ إِنِّي سَأَرْفَعُ أَجَاجِيرَكِ عَلَى أَجَاجِيرِ الْقُرَى، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ تَأْكُلُ الْقُرَى ; لِأَنَّهَا إِذَا عَلَتْ عَلَيْهَا عُلُوَّ الْغَلَبَةِ أَكَلَتْهَا، وَيَكُونُ الْمُرَادُ يَأْكُلُ فَضْلُهَا الْفَضَائِلَ أَيْ يَغْلِبُ فَضْلُهَا الْفَضَائِلَ حَتَّى إِذَا قِيسَتْ بِفَضْلِهَا تَلَاشَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا، وَجَاءَ فِي مَكَّةَ أَنَّهَا أُمُّ الْقُرَى، لَكِنَّ الْمَذْكُورَ لِلْمَدِينَةِ أَبْلَغُ مِنَ الْأُمُومَةِ إِذْ لَا يُمْحَى بِوُجُودِهَا وُجُودُ مَا هِيَ أُمٌّ لَهُ لَكِنْ يَكُونُ حَقُّ الْأُمُومَةِ أَظْهَرَ، وَمَعْنَى تَأْكُلُ الْقُرَى مِنَ الْفَضَائِلِ تَضْمَحِلُّ فِي جَنْبِ عَظِيمِ فَضْلِهَا حَتَّى يَكُونَ عَدَمًا، وَمَا تَضْمَحِلُّ لَهُ الْفَضَائِلُ أَفْضَلُ وَأَعْظَمُ مِمَّا تَبْقَى مَعَهُ الْفَضَائِلُ اهـ. وَفِيهِ تَفْضِيلُ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: لِأَنَّ الْمَدِينَةَ هِيَ الَّتِي أَدْخَلَتْ مَكَّةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْقُرَى فِي الْإِسْلَامِ فَصَارَ الْجَمِيعُ فِي صَحَائِفِ أَهْلِهَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ فَتَحُوا مَكَّةَ فِيهِمْ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَالْفَضْلُ ثَابِتٌ لِلْفَرِيقَيْنِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَفْضِيلُ إِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ، قُلْنَا: لَا نِزَاعَ فِي ثُبُوتِ الْفَضْلِ لِلْفَرِيقَيْنِ وَلِلْقَرْيَتَيْنِ، كَمَا أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ مَكَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الْقُرَى الَّتِي أَكَلَتْهَا الْمَدِينَةُ فَيَلْزَمُ تَفْضِيلُهَا عَلَيْهَا. (وَيَقُولُونَ) أَيْ بَعْضُ النَّاسِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ (يَثْرِبُ) بِالرَّفْعِ يُسَمُّونَهَا بَاسِمِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَمَالِقَةِ نَزَلَهَا، وَقِيلَ بِاسْمِ يَثْرِبَ بْنِ قَانِيَةٍ مِنْ وَلَدِ إِرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ كَانَ لِمَوْضِعٍ مِنْهَا سُمِّيَتْ بِهِ كُلُّهَا، وَكَرِهَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ مِنَ التَّثْرِيبِ الَّذِي هُوَ التَّوْبِيخُ وَالْمَلَامَةُ أَوْ مِنَ الثَّرْبِ وَهُوَ الْفَسَادُ وَكِلَاهُمَا قَبِيحٌ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ الِاسْمَ الْحَسَنَ وَيَكْرَهُ الْقَبِيحَ وَلِذَا قَالَ، يَقُولُونَ يَثْرِبُ (وَهِيَ الْمَدِينَةُ) أَيِ الْكَامِلَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، كَالْبَيْتِ لِلْكَعْبَةِ فَهُوَ اسْمُهَا الْحَقِيقِيُّ لَهَا لِأَنَّ التَّرْكِيبَ يَدُلُّ عَلَى التَّفْخِيمِ كَقَوْلِهِ: وَهُمُ الْقَوْمُ كُلُّ الْقَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدٍ. أَيْ هِيَ الْمُسْتَحِقَّةُ لِأَنْ تُتَّخَذَ دَارَ إِقَامَةٍ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا فِي الْقُرْآنِ يَثْرِبَ فَإِنَّمَا هِيَ حِكَايَةٌ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. وَرَوَى أَحْمَدُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَفَعَهُ: " «مَنْ سَمَّى الْمَدِينَةَ يَثْرِبَ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ هِيَ طَابَةُ هِيَ طَابَةُ» " وَرَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُقَالَ لِلْمَدِينَةِ يَثْرِبُ» " قَالَ عِيَاضٌ: فَهِمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذَا مَنْعَ أَنْ يُقَالَ يَثْرِبُ حَتَّى قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: مَنْ سَمَّى الْمَدِينَةَ يَثْرِبَ كُتِبَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَةً. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ اهـ. وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فَإِذَا هِيَ يَثْرِبُ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَا أَرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ (تَنْفِي) بِكَسْرِ الْفَاءِ (النَّاسَ) أَيِ الْخَبِيثَ الرَّدِيءَ مِنْهُمْ (كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ مَوْضِعُ نَارِ الْحَدَّادِ وَالصَّائِغِ وَلَيْسَ الْجِلْدُ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ كِيرًا هَكَذَا قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ (خَبَثَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَمُثَلَّثَةٍ، وَالنَّصْبُ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (الْحَدِيدِ) أَيْ وَسَخِهِ الَّذِي تُخْرِجُهُ النَّارُ، أَيْ لَا تَتْرُكُ فِيهَا مَنْ فِي قَلْبِهِ دَغَلٌ، بَلْ تُمَيِّزُهُ عَنِ الْقُلُوبِ الصَّادِقَةِ وَتُخْرِجُهُ، كَمَا تُمَيِّزُ النَّارُ رَدِيءَ الْحَدِيدِ مِنْ جَيِّدِهِ، وَنُسِبَ التَّمْيِيزُ لِلْكِيرِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الْأَكْبَرُ فِي اشْتِعَالِ النَّارِ الَّتِي وَقَعَ التَّمْيِيزُ بِهَا. قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا إِنَّمَا كَانَ فِي الْحَيَاةِ النَّبَوِيَّةِ، فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْ جِوَارِهِ فِيهَا إِلَّا مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا الْخِيَارُ الْفُضَلَاءُ الْأَبْرَارُ، وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ فَقَالَ: الْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا يَخْتَصُّ بِزَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصْبِرُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْمُقَامِ مَعَهُ إِلَّا مَنْ ثَبَتَ إِيمَانُهُ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ وَجَهَلَةُ الْأَعْرَابِ فَلَا يَصْبِرُونَ عَلَى شِدَّةِ الْمَدِينَةِ وَلَا يَحْتَسِبُونَ الْأَجْرَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي أَصَابَهُ الْوَعْكُ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي اهـ. وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ عُمُومَهُ لِمَا وَرَدَ أَنَّهَا فِي زَمَنِ الدَّجَّالِ تَرْجُفُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْهَا كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ، قَالَ: فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمُ اخْتُصُّوا بِزَمَنِ الدَّجَّالِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِي أَزْمَانٍ مُتَفَرِّقَةٍ، قَالَ الْأُبِّيُّ: فَإِنْ قِيلَ قَدِ اسْتَقَرَّ الْمُنَافِقُونَ فِيهَا، أُجِيبَ بِأَنَّهُمُ انْتَفَوْا بِالْمَوْتِ وَهُوَ أَشَدُّ النَّفْيِ، فَإِنْ قِيلَ قَدِ اسْتَقَرَّ بِهَا الرَّوَافِضُ وَنَحْوُهَا، قُلْتُ: إِنْ كَانَ نَفْيُهَا الْخَبَثَ خَاصًا بِزَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْجَوَابُ وَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الْخَبَثِ إِخْمَادُ بِدْعَةِ مَنْ يَسْكُنُهَا مِنَ الْمُبْتَدَعَةِ، وَعَدَمُ ظُهُورِهِ بِحَيْثُ يَدْعُو إِلَى بِدْعَتِهِ وَهَذَا لَمْ يَتَّفِقْ فِيهَا اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَقَالَ: إِنَّهُمَا قَالَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ الْخَبَثَ لَمْ يُذْكَرِ الْحَدِيدُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَهَا اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ»   1641 - 1593 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَصَلَهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى وَحْدَهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا يُخْرُجُ أَحَدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ) الحديث: 1641 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 مِمَّنِ اسْتَوْطَنَهَا (رَغْبَةً عَنْهَا) أَيْ عَنْ ثَوَابِ السَّاكِنِ فِيهَا، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: أَيْ كَرَاهَةً لَهَا مِنْ رَغِبْتُ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا كَرِهْتَهُ (إِلَّا أَبْدَلَهَا اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ) بِمَوْلُودٍ يُولَدُ فِيهَا أَوْ قُدُومِ خَيْرٍ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهَا، أَمَّا مَنْ كَانَ وَطَنُهُ غَيْرَهَا فَقَدَّمَهَا لِلْقُرْبَةِ وَرَجَعَ إِلَى وَطَنِهِ أَوْ كَانَ مُسْتَوْطِنًا بِهَا فَسَافَرَ لِحَاجَةٍ أَوْ لِضَرُورَةِ شِدَّةِ زَمَانٍ أَوْ فِتْنَةٍ فَلَيْسَ مِمَّنْ يَخْرُجُ رَغْبَةً عَنْهَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَعْرَابِيِّ الْقَائِلِ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ رَغِبَ عَنْ جِوَارِهِ أَبْدَلَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ، وَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَمْ تُعَوَّضِ الْمَدِينَةُ خَيْرًا مِنْهُمُ انْتَهَى. يَعْنِي كَأَبِي مُوسَى وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَبِلَالٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَطَنُوا غَيْرَهَا وَمَاتُوا خَارِجًا عَنْهَا وَلَمْ تُعَوَّضِ الْمَدِينَةُ مِثْلَهُمْ فَضْلًا عَنْ خَيْرٍ مِنْهُمْ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّخْصِيصِ بِزَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْأُبِّيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ خَاصًّا بِالزَّمَنِ النَّبَوِيِّ، وَمَنْ خَرَجَ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَخْرُجْ رَغْبَةً عَنْهَا بَلْ إِنَّمَا خَرَجَ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ مِنْ تَعْلِيمٍ أَوْ جِهَادٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى. لَا يُقَالُ لَيْسَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ خُرُوجَهُمْ لِمَا ذُكِرَ إِنَّمَا هُوَ فِي تَعْوِيضِهَا بِخَيْرٍ مِنْهُمْ، وَهَذَا لَمْ يَقَعْ فَالْأَظْهَرُ التَّخْصِيصُ لِأَنَّا نَقُولُ: الْإِبْدَالُ مُقَيَّدٌ بِالْخُرُوجِ رَغْبَةً عَنْهَا فَلَا يَرُدُّ أَنَّ الْخَارِجَ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ لَمْ تُعَوَّضْ مِثْلَهُمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَتُفْتَحُ الشَّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَتُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»   1642 - 1594 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) تَابِعِيٍّ صَغِيرٍ لَقِيَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَحَدِ الْفُقَهَاءِ (عَنْ) أَخِيهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْهَاءِ مُصَغَّرٌ الْأَزْدِيِّ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ النُّونِ وَبَعْدَ الْوَاوِ هَمْزَةٌ، صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: وَخَلِيفَةُ اسْمُ أَبِيهِ الْقَرِدُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ فَدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَلِذَا يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْقَرِدِ، وَقِيلَ اسْمُ أَبِيهِ نُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ، وَيُقَالُ فِيهِ النُّمَيْرِيُّ ; لِأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ النَّمِرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ زَهْرَانَ (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: تُفْتَحُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَنَائِبُهُ (الْيَمَنُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَنْ يَمِينِ الشَّمْسِ أَوْ بِيَمَنِ بْنِ قَحْطَانَ (فَيَأْتِي قَوْمٌ) مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (يَبُسُّونَ) الحديث: 1642 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ رَوَاهُ يَحْيَى وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ غَيْرُهُ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ وَقَالَ: مَعْنَاهُ يَسِيرُونَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة: 5] [سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: الْآيَةُ 5] أَيْ سَارَتْ. وَذَكَرَ حَبِيبٌ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُ، فَإِنْكَارُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ رِوَايَةَ يَحْيَى لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا بَلْ تَابَعَهُ ابْنُ بُكَيْرٍ وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ثُلَاثِيًّا أَيْضًا مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ يُسْرِعُونَ السَّيْرَ، وَقِيلَ: يَزْجُرُونَ دَوَابَّهُمْ، وَقِيلَ: يَسْأَلُونَ عَنِ الْبُلْدَانِ وَأَخْبَارِهَا لِيَتَحَمَّلُوا إِلَيْهَا وَهَذَا لَا يَكَادُ يُعْرَفُ لُغَةً. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ يُبِسُّونَ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الْمُهْمَلَةِ رُبَاعِيٍّ مِنْ أَبَسَّ وَقَالَ: مَعْنَاهُ يُزَيِّنُونَ لَهُمُ الْخُرُوجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، أَيْ: وَيُزَيِّنُونَ الْبَلَدَ الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ وَيُحَبِّبُونَهُ إِلَيْهِمْ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ مُلَخَّصًا. (فَيَتَحَمَّلُونَ) مِنَ الْمَدِينَةِ (بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ) مِنَ النَّاسِ (وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ) لِأَنَّهَا لَا يَدْخُلُهَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْفِتَنَ فِيهَا دُونَهَا فِي غَيْرِهَا، وَقِيلَ: لِفَضْلِ مَسْجِدِهَا وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَمُجَاوِرَةِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ. (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) بِمَا فِيهَا مِنَ الْفَضَائِلِ كَالصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهَا وَثَوَابِ الْإِقَامَةِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ الدِّينِيَّةِ الْأُخْرَوِيَّةِ الَّتِي تُسْتَحْقَرُ دُونَهَا مَا يَجِدُونَهُ مِنَ الْحُظُوظِ الْفَانِيَةِ الْعَاجِلَةِ بِسَبَبِ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِهَا. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ أَوْ قَرِيبَهُ هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» " وَظَاهِرُهُ أَنَّ الَّذِينَ يَتَحَمَّلُونَ غَيْرَ الَّذِينَ يَبِسُّونَ، فَكَأَنَّ الَّذِي حَضَرَ الْفَتْحَ أَعْجَبَهُ حُسْنُ الْيَمَنِ وَرَخَاؤُهُ فَدَعَا قَرِيبَهُ إِلَى الْمَجِيءِ إِلَيْهِ، فَيَحْتَمِلُ الْمَدْعُوُّ بِأَهْلِهِ وَأَتْبَاعِهِ لَكِنْ صَوَّبَ النَّوَوِيُّ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ إِخْبَارٌ عَنْ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ مُتَحَمِّلًا بِأَهْلِهِ وَأَتْبَاعِهِ بَأْسًا فِي سَيْرِهِ إِلَى الرَّخَاءِ وَالْأَمْصَارِ الْمُنْفَتِحَةِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُؤَيِّدُهُ وَلَفْظُهُ: " «تُفْتَحُ الشَّامُ فَيَخْرُجُ النَّاسُ إِلَيْهَا يَبِسُّونَ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» " وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا: " «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ زَمَانٌ يَنْطَلِقُ النَّاسُ مِنْهَا إِلَى الْأَرْيَافِ يَلْتَمِسُونَ الرَّخَاءَ فَيَجِدُونَ ثُمَّ يَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِهِ إِلَى الرَّخَاءِ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» " وَالْأَرْيَافُ جَمْعُ رِيفٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ مَا قَارَبَ الْمِيَاهَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ، وَقِيلَ: هُوَ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا الزَّرْعُ وَالْخِصْبُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (وَتُفْتَحُ الشَّامُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَنْ شِمَالِ الْكَعْبَةِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامٍ: ثُمَّ تُفْتَحُ الشَّامُ (فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبِسُّونَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّهَا وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسِرِ الْمُوَحَّدَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 ، أَيْ: يُزَيِّنُونَ وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى بِلَادِ الْخِصْبِ (فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ) مِنَ النَّاسِ رَاحِلِينَ إِلَى الشَّامِ (وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ) مِنْهَا لِأَنَّهَا حَرَمُ الرَّسُولِ وَجِوَارُهُ وَمَهْبِطُ الْوَحْيِ وَمَنْزَلُ الْبَرَكَاتِ (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) فَضْلَهَا مَا فَعَلُوا ذَلِكَ، فَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ كَالسَّابِقِ وَاللَّاحِقِ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَتْ لَوْ بِمَعْنَى لَيْتَ فَلَا جَوَابَ لَهَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَفِيهِ تَجْهِيلٌ لِمَنْ فَارَقَهَا لِتَفْوِيتِهِ عَلَى نَفْسِهِ خَيْرًا عَظِيمًا. (وَتُفْتَحُ الْعِرَاقُ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ثُمَّ تُفْتَحُ الْعِرَاقُ (فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ) مِنَ النَّاسِ رَاحِلِينَ إِلَى الْعِرَاقِ (وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ) مِنْهُ (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) ذَلِكَ وَالْوَاوُ فِي الثَّلَاثَةِ لِلْحَالِ، وَهَذَا مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَخْبَرَ بِفَتْحِ هَذِهِ الْأَقَالِيمِ، وَأَنَّ النَّاسَ يَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَيُفَارِقُونَ الْمَدِينَةَ فَكَانَ مَا قَالَهُ عَلَى تَرْتِيبِ مَا قَالَ، لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: «تُفْتَحُ الشَّامُ ثُمَّ الْيَمَنُ ثُمَّ الْعِرَاقُ» " وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْيَمَنَ قَبْلَ الشَّامِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُفْتَحْ شَيْءٌ مِنَ الشَّامِ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ، فَرِوَايَةُ تَقْدِيمِ الشَّامِ عَلَى الْيَمَنِ مَعْنَاهُ أَنَّ اسْتِيفَاءَ فَتْحِ الْيَمَنِ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الشَّامِ، وَقَوْلُ الطُّهْرِيِّ: «أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِأَنَّ الْيَمَنَ تُفْتَحُ فَيَأْتِي مِنْهَا قَوْمٌ حَتَّى يَكْثُرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهَا» " تَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ تَنْكِيرَ قَوْمٍ وَوَصْفُهُ بِـ " يَبِسُّونَ " ثُمَّ تَوْكِيدُهُ بِقَوْلِهِ " لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " لَا يُسَاعِدُ مَا قَالَهُ، لِأَنَّ تَنْكِيرَ قَوْمٍ لِتَحْقِيرِهِمْ وَتَوْهِينِ أَمْرِهِمْ، ثُمَّ وَصْفُ " يُبِسُّونَ " وَهُوَ سُوقُ الدَّوَابِّ يُشْعِرُ بِرِكَّةِ عُقُولِهِمْ وَأَنَّهُمْ مِمَّنْ رَكَنَ إِلَى الْحُظُوظِ الْبَهِيمِيَّةِ وَحُطَامِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ وَأَعْرَضُوا عَنِ الْإِقَامَةِ فِي جِوَارِ الرَّسُولِ، وَلِذَا كَرَّرَ قَوْمًا وَوَصَفَهُ فِي كُلِّ قَرِينَةٍ بِ " يُبِسُّونَ " اسْتِحْضَارًا لِتِلْكَ الْهَيْئَةِ الْقَبِيحَةِ، قَالَ: وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ أَنْ يُنَزِّلَ يَعْلَمُونَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِيَنْفِيَ عَنْهُمُ الْعِلْمَ وَالْمَعْرِفَةَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ ذَهَبَ مَعَ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى التَّمَنِّي لَكَانَ أَبْلَغَ لِأَنَّ التَّمَنِّيَ طَلَبُ مَا لَا يُمْكِنُ حُصُولُهُ، أَيْ: لَيْتَهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تَغْلِيظًا وَتَشْدِيدًا انْتَهَى. وَفِي إِسْنَادِهِ تَابِعِيَّانِ وَصَحَابِيَّانِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَوَكِيعٌ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِهِ، غَايَتُهُ أَنَّ وَكِيعًا قَدِمَ الشَّامَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ حِمَاسٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَتُتْرَكَنَّ الْمَدِينَةُ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَتْ حَتَّى يَدْخُلَ الْكَلْبُ أَوْ الذِّئْبُ فَيُغَذِّي عَلَى بَعْضِ سَوَارِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلِمَنْ تَكُونُ الثِّمَارُ ذَلِكَ الزَّمَانَ قَالَ لِلْعَوَافِي الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ»   1643 - 1595 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ حِمَاسٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَمِيمٍ خَفِيفَةٍ فَأَلِفٍ فَسِينٍ مُهْمَلَةٍ كَذَا الحديث: 1643 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 رَوَاهُ يَحْيَى وَلَمْ يُسَمِّهُ وَهُوَ يُوسُفُ بْنُ يُونُسَ بْنِ حِمَاسٍ، وَقَالَ مَعِنٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ فَقَلَبَهُ، وَقَالَ التِّنِّيسِيُّ وَأَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سِنَانٍ أَبْدَلَا يُونُسَ فَسَمَّيَاهُ سِنَانًا، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ: كَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، لَمَحَ مَرَّةً امْرَأَةً فَدَعَا اللَّهَ فَأَذْهَبَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ فَرَدَّهُمَا عَلَيْهِ. وَرَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَرَوَى هُوَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ (عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَتُتْرَكَنَّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الثَّانِيَةِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ وَالْكَافِ وَنُونِ التَّوْكِيدِ الثَّقِيلَةِ وَنَائِبِ الْفَاعِلِ (الْمَدِينَةُ عَلَى أَحْسَنِ مَا) أَيْ: حَالَ (كَانَتْ) مِنَ الْعِمَارَةِ وَكَثْرَةِ الْأَثْمَارِ وَحُسْنِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لِلصَّحِيحَيْنِ: عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ. وَفِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ لِعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ " خَيْرِ مَا كَانَتْ " وَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعْمَرِ مَا كَانَتْ " وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ صَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ (حَتَّى يَدْخُلَ الْكَلْبُ أَوِ الذِّئْبُ) لِلتَّنْوِيعِ وَيُحْتَمَلُ الشَّكُّ (فَيُغَذِّي) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِ الذَّالِ الثَّقِيلَةِ الْمُعْجَمَتَيْنِ، أَيْ: يَبُولُ دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ (عَلَى بَعْضِ سَوَارِي) أَعْمِدَةِ (الْمَسْجِدِ أَوِ الْمِنْبَرِ) تَنْوِيعٌ أَوْ شَكٌّ لِعَدَمِ سُكَّانِهِ وَخُلُوِّهِ مِنَ النَّاسِ ( «فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلِمَنْ تَكُونُ الثِّمَارُ ذَلِكَ الزَّمَانُ؟ قَالَ: لِلْعَوَافِي الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ» ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لِلْعَوَافِي وَهِيَ الطَّالِبَةُ لِمَا تَأْكُلُ مَأْخُوذٌ مِنْ عَفَوْتَهُ إِذَا أَتَيْتَهُ تَطْلُبُ مَعْرُوفَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ أَنَّ هَذَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَيُوَضِّحُهُ قَضِيَّةُ الرَّاعِيَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ فَإِنَّهُمَا يَخِرَّانِ عَلَى وُجُوهِهِمَا حِينَ تُدْرِكُهُمَا السَّاعَةُ وَهُمَا آخِرُ مَنْ يُحْشَرُ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا مِمَّا جَرَى فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَانْقَضَى فَإِنَّهَا صَارَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الْخِلَافَةِ وَمَعْقِلَ النَّاسِ حَتَّى تَنَافَسُوا فِيهَا بِالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَتَوَسَّعُوا فِي ذَلِكَ وَسَكَنُوا مِنْهَا مَا لَمْ يُسْكَنْ قَبْلُ حَتَّى بَلَغَتِ الْمَسَاكِنُ مِلْءَ إِهَابٍ، وَجُلِبَتْ إِلَيْهَا خَيْرَاتُ الْأَرْضِ كُلِّهَا فَلَمَّا انْتَهَتْ حَالُهَا كَمَالًا انْتَقَلَتِ الْخِلَافَةُ عَنْهَا إِلَى الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَذَلِكَ الْوَقْتَ أَحْسَنُ مَا كَانَتْ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا. أَمَّا الدِّينُ فَلِكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ بِهَا وَكَمَالِهِمْ، وَأَمَّا الدُّنْيَا فَلِعِمَارَتِهَا وَغَرْسِهَا وَاتِّسَاعِ حَالِ أَهْلِهَا. قَالَ: وَذَكَرَ الْأَخْبَارِيُّونَ فِي بَعْضِ الْفِتَنِ الَّتِي جَرَتْ بِالْمَدِينَةِ وَخَافَ أَهْلُهَا أَنَّهُ رَحَلَ عَنْهَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَبَقِيَتْ ثِمَارُهَا أَوْ أَكْثَرُهَا لِلْعَوَافِي وَخَلَتْ مُدَّةً ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَيْهَا. وَحَكَى كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 أَنَّهُمْ رَأَوْا فِي خَلَائِهَا ذَلِكَ مَا أُنْذِرَ بِهِ مِنْ تَغْذِيَةِ الْكِلَابِ عَلَى سَوَارِي الْمَسْجِدِ، وَحَالُهَا الْيَوْمَ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ خُرِّبَتْ أَطْرَافُهَا. قَالَ الْأُبِّيُّ: تَأَمَّلِ الْكَلَامَ فَإِنَّهُ يُعْطِي أَنَّ خَلَاءَهَا حَتَّى غُذَّتِ الْكِلَابُ عَلَى سَوَارِي الْمَسْجِدِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ زَمَنِ تَنَاهِي حَالِهَا أَوِ انْتِقَالِ الْخِلَافَةِ عَنْهَا، وَهَذَا لَمْ يَقَعْ وَلَوْ وَقَعَ لَتَوَاتَرَ بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ، وَدَلِيلُ الْمُعْجِزَةِ يُوجِبُ الْقَطْعَ بِوُقُوعِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَأَنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُهُ بَيْنَ يَدَيْ نَفْخَةِ الصَّعْقِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَوْتُ الرَّاعِيَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِخَيْرِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الذِّكْرِ، وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ انْتَهَى. وَفِي نَفْيِ وُقُوعِهِ نَظَرٌ مَعَ نَقْلِ عِيَاضٍ عَنْ كَثِيرٍ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ فِي مِثْلِ هَذَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَعُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ وَزِيَادَةٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَبَكَى ثُمَّ قَالَ يَا مُزَاحِمُ أَتَخْشَى أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ نَفَتْ الْمَدِينَةُ   1643 - 1596 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ) يُرِيدُ الشَّامَ وَكَانَ قَدْ أَقَامَ بِهَا مُدَّةً أَمِيرًا عَلَيْهَا قَبْلَ الْخِلَافَةِ (الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَبَكَى) عَلَى فِرَاقِهَا (ثُمَّ قَالَ: يَا مُزَاحِمُ) ابْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ الْمَكِّيُّ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَيُقَالُ مَوْلَى طَلْحَةَ، ثِقَةٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَتَخْشَى) تَخَافُ (أَنْ تَكُونَ) بِفَوْقِيَّةٍ (مِمَّنْ نَفَتِ الْمَدِينَةُ) وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ نَكُونُ بِالنُّونِ، أَيْ: أَنَا وَأَنْتَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 [مَا جَاءَ فِي تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ] حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَأَنَا أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا»   3 - بَابُ مَا جَاءَ فِي تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ 1645 - 1597 - (مَالِكٌ عَنْ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ ابْنِ أَبِي عَمْرٍو وَاسْمُهُ مَيْسَرَةُ الْمَدَنِيُّ الثِّقَةُ الْمُتَوَفَّى بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَمِائَةٍ (مَوْلَى الْمُطَّلِبِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ الْمَخْزُومِيِّ، وَعَمْرٌو قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَمْ يُفْرِدْهُ مَالِكٌ بِحُكْمٍ لَهُ فِي الْمُوَّطَأِ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ انْتَهَى. وَفِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ الحديث: 1645 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالْعِجْلِيِّ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ لِرِوَايَتِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " مَنْ أَتَى الْبَهِيمَةَ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ " وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ حَدَّثٌ بِحَدِيثِ الْبَهِيمَةِ. وَقَدْ رَوَى عَاصِمٌ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَيْسَ عَلَى مَنْ أَتَى الْبَهِيمَةَ حَدٌّ " وَقَالَ السَّاجِيُّ: صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ يَهِمُ انْتَهَى. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يُخَرِّجْ عَنْهُ عَنْ عِكْرِمَةَ شَيْئًا وَإِنَّمَا أَخْرَجَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَطْ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَاللَّامِ مُخَفَّفًا ظَهَرَ (لَهُ أُحُدٌ) حِينَ رَجَعَ مِنْ خَيْبَرَ، فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " «خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ أَخْدُمُهُ فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ» " (فَقَالَ: هَذَا) مُشِيرًا إِلَى أُحُدٍ (جَبَلٌ) خَبَرٌ مُوَطِّئٌ لِقَوْلِهِ: (يُحِبُّنَا) حَقِيقَةً كَمَا رَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدْ خَاطَبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَاطَبَةَ مَنْ يَعْقِلُ فَقَالَ لَمَّا اضْطَرَبَ: اسْكُنْ أُحُدُ. . . الْحَدِيثَ. فَوَضَعَ اللَّهُ الْحُبَّ فِيهِ كَمَا وَضَعَ التَّسْبِيحَ فِي الْجِبَالِ مَعَ دَاوُدَ وَالْخَشْيَةَ فِي الْحِجَارَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 74] وَكَمَا حَنَّ الْجِذْعُ لِفِرَاقِهِ حَتَّى سَمِعَ النَّاسُ حَنِينَهُ، فَلَا يُنْكَرُ وَصْفُ الْجَمَادِ بِحُبِّ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ سَلَّمَ عَلَيْهِ الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ وَسَبَحَتِ الْحَصَيَاتُ فِي يَدِهِ وَكَلَّمَتْهُ الذِّرَاعُ وَأَمَّنَتْ حَوَائِطُ الْبَيْتِ وَأُسْكُفَّةُ الْبَابِ عَلَى دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِشَارَةً إِلَى مَزِيدِ حُبِّ اللَّهِ إِيَّاهُ حَتَّى أَسْكَنَ حُبَّهُ فِي الْجَمَادِ وَغَرَسَ مَحَبَّتَهُ فِي الْحَجَرِ مَعَ فَضْلِ يُبْسِهِ وَقُوَّةِ صَلَابَتِهِ. (وَنُحِبُّهُ) حَقِيقَةً أَيْضًا لِأَنَّ جَزَاءَ مَنْ يُحِبُّ أَنْ يُحَبَّ وَلِأَنَّهُ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ كَمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ مَرْفُوعًا: " «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ وَهُوَ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ» " وَلِلْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ: " «أُحُدٌ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ» "، أَيْ: مِنْ دَاخِلِهَا، فَلَا يُنَافِي رِوَايَةَ الطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا: " «أُحُدٌ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْجَنَّةِ» " لِأَنَّهُ رُكْنٌ دَاخِلَ الْبَابِ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ ابْنِ سَلَامٍ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ رُكْنُ بَابِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: يُحِبُّنَا أَهْلُهُ وَهُمُ الْأَنْصَارُ لِأَنَّهُمْ جِيرَانُهُ وَكَانُوا يُحِبُّونَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحِبُّهُمْ لِأَنَّهُمْ آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ وَأَقَامُوا دِينَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] [سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 82] وَقَالَ الشَّاعِرُ: وَمَا حُبُّ الدِّيَارِ شَغَفْنَ قَلْبِي ... وَلَكِنَّ حُبَّ مَنْ سَكَنَ الدِّيَارَا وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ يُبَشِّرُهُ بِلِسَانِ الْحَالِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بِقُرْبِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَلِقَائِهِمْ وَذَلِكَ فِعْلُ الْمُحِبِّ بِمَنْ يُحِبُّ، فَكَانَ يَفْرَحُ إِذَا طَلَعَ لَهُ اسْتِبْشَارًا بِالْأَوْبَةِ مِنْ سَفَرِهِ وَالْقُرْبِ مَنْ أَهْلِهِ، وَضَعُفَ بِمَا فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ: " «فَإِذَا جِئْتُمُوهُ فَكُلُوا مِنْ شَجَرِهِ وَلَوْ مِنْ عِضَاهِهِ» " بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ، كُلُّ شَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ ذَاتِ شَوْكٍ، فَحَثَّ عَلَى عَدَمِ إِهْمَالِ الْأَكْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا مَا يُؤْكَلُ كَالْعِضَاهِ، يَمْضِغُ مِنْهُ تَبَرُّكًا وَلَوْ بِلَا ابْتِلَاعٍ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ أَيِ الْحَقِيقَةَ - قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» " مَعَ أَحَادِيثَ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ فَتَنَاسَبَتْ هَذِهِ الْآثَارُ وَشَدَّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الِاسْمَ الْحَسَنَ وَلَا أَحْسَنَ مِنِ اسْمٍ مُشْتَقٍّ مِنَ الْأَحَدِيَّةِ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ بِهَذَا الِاسْمِ تَقْدِمَةً لِمَا أَرَادَهُ مِنْ مُشَاكَلَةِ اسْمِهِ لِمَعْنَاهُ، إِذْ أَهْلُهُ وَهُمُ الْأَنْصَارُ نَصَرُوا التَّوْحِيدَ وَالْمَبْعُوثَ بِدِينِ التَّوْحِيدِ وَاسْتَقَرَّ عِنْدَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْوِتْرَ وَيُحِبُّهُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ اسْتِشْعَارًا لِلْأَحَدِيَّةِ، فَقَدْ وَافَقَ اسْمُهُ أَغْرَاضَهُ وَمَقَاصِدَهُ، وَمَعَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَحَدِيَّةِ فَحَرَكَاتُ حُرُوفِهِ الرَّفْعُ وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِارْتِفَاعِ دِينِ الْأَحَدِيَّةِ وَعُلُوِّهِ، فَتَعَلَّقَ الْحُبُّ بِهِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمًا وَمُسَمًّى، فَخُصَّ مِنْ بَيْنِ الْجِبَالِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ إِذَا بُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا انْتَهَى. وَأُخِذَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ أَفْضَلُ الْجِبَالِ، وَقِيلَ: عَرَفَةُ، وَقِيلَ: أَبُو قَبِيسٍ، وَقِيلَ: الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى، وَقِيلَ: قَافٌ، قِيلَ: وَفِيهِ قَبْرُ هَارُونَ أَخِي مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَا يَصِحُّ. (اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ) بِتَحْرِيمِكَ لَهَا عَلَى لِسَانِهِ (وَأَنَا أُحَرِّمُ) بِتَحْرِيمِكَ عَلَى لِسَانِي (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) بِخِفَّةِ الْمُوَحَّدَةِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ وَجَمْعُهَا فِي الْقِلَّةِ لَابَاتٌ وَفِي الْكَثْرَةِ لُوبٌ كَسَاحَةٍ وَسُوحٍ يَعْنِي الْحَرَّتَيْنِ الشَّرْقِيَّةَ وَالْغَرْبِيَّةَ وَهِيَ حِرَارٌ أَرْبَعٌ لَكِنَّ الْقِبْلِيَّةَ وَالْجَنُوبِيَّةَ مُتَّصِلَتَانِ، وَقَدْ رَدَّهَا حَسَّانُ إِلَى حَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي قَوْلِهِ: لَنَا حَرَّةٌ مَأْطُورَةٌ بِجِبَالِهَا ... بَنَى الْعِزُّ فِيهَا بَيْتَهُ فَتَأَثَّلَا قَالَ: وَمَأْطُورَةٌ يَعْنِي مَعْطُوفَةٌ بِجِبَالِهَا لِاسْتِدَارَةِ الْجِبَالِ بِهَا، وَإِنَّمَا جِبَالُهَا تِلْكَ الْحِجَارَةُ السُّودُ الَّتِي تُسَمَّى الْحِرَارَ، قَالَ: وَتَحْرِيمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا إِنَّمَا يَعْنِي فِي الصَّيْدِ، فَأَمَّا الشَّجَرُ فَبَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ فِي دُورِهَا كُلِّهَا، كَذَلِكَ أَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْتَهَى. وَكَذَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ. زَادَ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ " وَالتَّشْبِيهُ فِي الْحُرْمَةِ فَقَطْ لَا الْجَزَاءِ ; لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَكُنْ فِي شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ ابْتَلَى اللَّهُ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ كَمَا قَالَ: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} [المائدة: 94] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 94] وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالصَّحَابَةُ فَهِمُوا الْمُرَادَ فِي تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ فَتَلَقَّوْهُ بِالْوُجُوبِ دُونَ جَزَاءٍ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا بِيَقِينٍ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: فِي صَيْدِهَا الْجَزَاءُ ; لِأَنَّهُ حَرَمُ نَبِيٍّ كَمَا مَكَّةُ حَرَمُ نَبِيٍّ انْتَهَى. وَزَادَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ: " «لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا» " وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرٍو: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ» " فَزَعَمَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْحَدِيثَ مُضْطَرِبٌ؛ نُصْرَةً لِقَوْلِهِمْ بِجَوَازِ صَيْدِهَا وَقَطْعِ شَجَرِهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ بِمِثْلِ هَذَا لَا تُرَدُّ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، فَالْجَمْعُ وَاضِحٌ وَلَوْ تَعَذَّرَ، فَرِوَايَةُ لَابَتَيْهَا أَرْجَحُ لِتَوَارُدِ الرُّوَاةِ عَلَيْهَا وَلَا يُنَافِيهَا رِوَايَةُ جَبَلَيْهَا فَيَكُونُ عِنْدَ كُلِّ لَابَةٍ جَبَلٌ أَوْ لَابَتَيْهَا مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ وَالشِّمَالِ وَجَبَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَتَسْمِيَةُ الْجَبَلَيْنِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا تَضُرُّ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَفِي الْمَغَازِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، الثَّلَاثَةُ عَنْ عَمْرٍو بِنَحْوِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ»   1646 - 1598 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ) بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ جَمْعُ ظَبْيٍ (بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ) أَيْ: تَرْعَى (مَا ذَعَرْتُهَا) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، أَيْ: مَا أَفْزَعْتُهَا وَنَفَّرْتُهَا، كَنَّى بِذَلِكَ عَنْ عَدَمِ صَيْدِهَا، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْوِيعُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ الْمَدَنِيِّ كَالْمَكِّيِّ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» ) بِتَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «حُرِّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ عَلَى لِسَانِي» " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَا يَجُوزُ صَيْدُهَا وَلَا قَطْعُ شَجَرِهَا الَّذِي لَا يَسْتَنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ، وَالْمَدِينَةُ بَيْنَ لَابَتَيْنِ شَرْقِيَّةٍ وَغَرْبِيَّةٍ، وَلَهَا لَابَتَانِ أَيْضًا قِبْلِيَّةٌ وَجَنُوبِيَّةٌ لَكِنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى الْأَوَّلَيْنِ لِاتِّصَالِهِمَا بِهِمَا، فَجَمِيعُ دُورِهَا كُلِّهَا دَاخِلُ ذَلِكَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَاللَّابَتَانِ دَاخِلَتَانِ أَيْضًا. قَالَ الْأُبِّيُّ: وَلَعَلَّهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَإِلَّا فَلَفْظُ " بَيْنَ " لَا يَشْمَلُهُمَا انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ الْإِشَارَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " حَرَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ وَجَعَلَ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حَوْلَ الْمَدِينَةِ حِمًى " وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: " «حَمَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ بَرِيدًا فِي بَرِيدٍ» " وَفِي هَذَا بَيَانُ مَا أُجْمِلَ مِنْ حَدِّ حَرَمِ الْمَدِينَةِ. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا حُجَّةٌ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ فِي إِبَاحَةِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَقَطْعِ شَجَرِهَا وَزَعَمُوا نَسْخَهَا بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ لَمَّا كَانَتِ الْهِجْرَةُ وَاجِبَةٌ إِلَيْهَا، فَكَانَ بَقَاءُ الصَّيْدِ وَالشَّجَرِ مِمَّا يُقَوِّي الْمَقَامَ بِهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَاحْتِجَاجُ الطَّحَاوِيِّ لِلْجَوَازِ بِحَدِيثِ: " «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» " حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ صَيْدَهُ وَلَا إِمْسَاكَهُ. وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ: " «كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْشِيٌّ فَإِذَا خَرَجَ لَعِبَ وَاشْتَدَّ الحديث: 1646 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا أَحَسَّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَضَ فَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَكَانِهِ» " تَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِجَوَازِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِمَّا صِيدَ فِي غَيْرِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ وَجَدَ غِلْمَانًا قَدْ أَلْجَئُوا ثَعْلَبًا إِلَى زَاوِيَةٍ فَطَرَدَهُمْ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ أَفِي حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْنَعُ هَذَا   1647 - 1599 - (مَالِكٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ) بْنِ حِمَاسٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ، ثِقَةٌ عَابِدٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هُوَ يُوسُفُ بْنُ يُونُسَ، وَوَهِمَ مَا قَبْلَهُ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بِخِفَّةِ الْمُهْمَلَةِ (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ (الْأَنْصَارِيِّ) أَحَدِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ (أَنَّهُ وَجَدَ غِلْمَانًا قَدْ أَلْجَئُوا) بِجِيمٍ، أَيِ: اضْطَرُّوا (ثَعْلَبًا إِلَى زَاوِيَةٍ) بِزَايٍ، نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ، يُرِيدُونَ اصْطِيَادَهُ (فَطَرَدَهُمْ عَنْهُ) لِحُرْمَةِ ذَلِكَ. (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَفِي حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْنَعُ هَذَا؟) إِنْكَارًا عَلَيْهِمْ. الحديث: 1647 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ قَالَ دَخَلَ عَلَيَّ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَنَا بِالْأَسْوَافِ قَدْ اصْطَدْتُ نُهَسًا فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِي فَأَرْسَلَهُ   1647 - 1600 - (مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: يُقَالُ إِنَّهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ سَعْدٍ اهـ. وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ مِنْ مَوَالِي الْأَنْصَارِ (قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ) بِشَدِّ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ (زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيُّ بِالرَّفْعِ فَاعِلُ " دَخَلَ " (وَأَنَا بِالْأَسْوَافِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ السِّينِ فَوَاوٍ فَأَلِفٍ فَفَاءٍ، قَالَ الْبَاجِيُّ: مَوْضِعٌ بِبَعْضِ أَطْرَافِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ (قَدِ اصْطَدْتُ نُهَسًا) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ طَائِرٌ يُشْبِهُ الصَّرْدَ يُدِيمُ تَحْرِيكَ رَأْسِهِ وَذَنَبِهِ يَصْطَادُ الْعَصَافِيرَ وَيَأْوِي إِلَى الْمَقَابِرِ، قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ. (فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِي فَأَرْسَلَهُ) أَطْلَقَهُ فَهَذَا زَيْدٌ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ كَأَبِي أَيُّوبَ قَدْ مَنَعَا مَنِ اصْطَادَ وَأَطْلَقَ زَيْدٌ الصَّيْدَ فَلَوْ كَانَ مَنْسُوخًا مَا حَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ضَيَاعُ مَالٍ خُصُوصًا لِلْغَيْرِ، فَفِي ذَلِكَ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُمَا كَأَبِي هُرَيْرَةَ حَيْثُ قَالَ: مَا ذُعْرَتُهَا، وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ وَفَهِمُوا بَقَاءَ التَّحْرِيمِ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمِلُوا بِهِ، وَالْعَمَلُ بِمَا نُسِخَ - حَرَامٌ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ظَنُّهُ بِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 [مَا جَاءَ فِي وَبَاءِ الْمَدِينَةِ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ قَالَتْ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ قَالَتْ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجِنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ» قَالَ مَالِكٌ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَقُولُ قَدْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إِنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ   4 - بَابُ مَا جَاءَ فِي وَبَاءِ الْمَدِينَةِ 1648 - 1601 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ) فِي الْهِجْرَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ، وَنَحْوُهُ لِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ هِشَامٍ، وَزَادَ: قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ وَبَاؤُهَا مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ الْإِنْسَانُ إِذَا دَخَلَهَا وَأَرَادَ أَنْ يَسْلَمَ مِنْ وَبَائِهَا قِيلَ انْهَقْ كَمَا يَنْهَقُ الْحِمَارُ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الشَّاعِرُ: لَعَمْرِي لَئِنْ غَنَّيْتُ مِنْ خِيفَةِ الرَّدَى ... نَهِيقَ الْحِمَارِ إِنَّنِي لَمُرَوَّعُ قَالَ عِيَاضٌ: قُدُومُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوَبَاءِ مَعَ صِحَّةِ نَهْيِهِ عَنْهُ لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَوْتِ الذَّرِيعِ وَالطَّاعُونِ وَالَّذِي بِالْمَدِينَةِ إِنَّمَا كَانَ وَخْمًا يَمْرَضُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْغُرَبَاءِ، أَوْ أَنَّ قُدُومَهُ الْمَدِينَةَ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ لِأَنَّ النَّهْيَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ (وُعِكَ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، أَيْ: حُمَّ (أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيقُ (وَبِلَالٌ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (قَالَتْ) عَائِشَةُ (فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا) لَأَعُودَهُمَا، وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ وَابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا: " «لَمَّا قَدِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ أَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسَقَمٌ وَصَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ وَأَصَابَتْ أَبَا بَكْرٍ وَبِلَالًا وَعَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَاسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيَادَتِهِمْ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ» " (فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، أَيْ: تَجِدُّ نَفْسَكَ أَوْ جِسْمَكَ (وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟) زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَيَا عَامِرُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ (قَالَتْ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ، أَيْ: مُصَابٌ بِالْمَوْتِ صَبَاحًا أَوْ يُسْقَى الصَّبُوحَ وَهُوَ شُرْبُ الْغَدَاةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ يُقَالُ لَهُ صَبَّحَكَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ، وَهُوَ مُنَعَّمٌ (فِي أَهْلِهِ وَالْمَوْتُ أَدْنَى) أَقْرَبُ إِلَيْهِ (مِنْ شِرَاكِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَخِفَّةِ الرَّاءِ سَيْرِ (نَعْلِهِ) الَّذِي عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الحديث: 1648 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 الْمَوْتَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ لِرِجْلِهِ، زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ: " فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ إِنَّ أَبِي لَيَهْذِي وَمَا يَدْرِي مَا يَقُولُ " وَذَكَرَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ أَنَّ هَذَا الرَّجَزَ لِحَنْظَلَةَ بْنِ سَيَّارٍ، قَالَهُ يَوْمَ ذِي قَارٍ وَتَمَثَّلَ بِهِ الصِّدِّيقُ. (وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أَقْلَعَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَفِي رِوَايَةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ، أَيْ: كُفَّ وَزَالَ (عَنْهُ) الْوَعْكُ (يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُوْلَةٍ، أَيْ: صَوْتَهُ بِبُكَاءٍ أَوْ بِغِنَاءٍ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: أَصْلُهُ أَنَّ رَجُلًا انْعَقَرَتْ رِجْلُهُ فَرَفَعَهَا عَلَى الْأُخْرَى وَجَعَلَ يَصِيحُ فَصَارَ كُلُّ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ يُقَالُ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ رِجْلَهُ، قَالَ ثَعْلَبٌ: وَهَذَا مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي اسْتُعْمِلَتْ عَلَى غَيْرِ أَصْلِهَا (فَيَقُولُ أَلَا) بِخِفَّةِ اللَّامِ أَدَاةُ اسْتِفْتَاحٍ (لَيْتَ شِعْرِي) أَيْ: مَشْعُورِي، أَيْ: لَيْتَنِي عَلِمْتُ بِجَوَابِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلِي (هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادِي) أَيْ: وَادِ مَكَّةَ (وَحَوْلِي إِذْخِرٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ حَشِيشُ مَكَّةَ ذُو الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ (وَجَلِيلُ) بِجِيمٍ وَكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى نَبْتٌ ضَعِيفٌ يُحْشَى بِهِ الْبُيُوتُ وَغَيْرُهَا وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِذْخِرٌ وَجَلِيلٌ نَبْتَانِ مِنَ الْكَلَأِ طَيِّبَا الرَّائِحَةِ يَكُونَانِ بِمَكَّةَ وَأَوْدِيَتِهَا لَا يَكَادُ أَنْ يُوجَدَانِ فِي غَيْرِهَا. (وَهَلْ أَرِدَنْ) بِنُونِ التَّوْكِيدِ الْخَفِيفَةِ (يَوْمًا مِيَاهَ) بِالْهَاءِ (مَجِنَّةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِكَسْرِ الْجِيمِ مَوْضِعٌ عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ كَانَ بِهِ سُوقٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. (وَهَلْ يَبْدُوَنْ) بِنُونِ تَأْكِيدٍ خَفِيفَةٍ يَظْهَرَنْ (لِي شَامَةٌ) بِمُعْجَمَةٍ وَمِيمٍ مُخَفَّفًا، وَزَعَمَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْمِيمَ تَصْحِيفٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالصَّوَابُ شَابَةٌ بِالْبَاءِ، وَبِالْمِيمِ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ جَمِيعِهَا كَذَا قَالَ، وَأَشَارَ الْحَافِظُ لِرَدِّهِ فَقَالَ: زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الصَّوَابَ بِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ الْمِيمِ، وَالْمَعْرُوفُ بِالْمِيمِ (وَطَفِيلُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ جَبَلَانِ بِقُرْبِ مَكَّةَ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْهَا كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقِيلَ: جَبَلَانِ مُشْرِفَانِ عَلَى مَجِنَّةَ عَلَى بَرِيدَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: كُنْتُ أَحْسَبُهُمَا جَبَلَيْنِ حَتَّى مَرَرْتُ بِهِمَا وَوَقَفْتُ عَلَيْهِمَا فَإِذَا هُمَا عَيْنَانِ مِنْ مَاءٍ، وَقَوَّاهُ السُّهَيْلِيُّ بِقَوْلِ كَثِيرٍ: وَمَا أَنْسَ مَشْيًا وَلَا أَنْسَ مَوْقِفًا ... لَنَا وَلَهَا بِالْخَبِّ حُبٌّ طَفِيلُ الْخَبُّ مُنْخَفَضُ الْأَرْضِ انْتَهَى، أَيْ: بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتُكْسَرُ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَجُمِعَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْعَيْنَيْنِ بِقُرْبِ الْجَبَلَيْنِ أَوْ فِيهِمَا وَيُبْعِدُ الثَّانِي كَلَامَ الْخَطَّابِيِّ، قِيلَ: الْبَيْتَانِ لَيْسَا لِبِلَالٍ بَلْ لِبَكْرِ بْنِ غَالِبٍ الْجُرْهُمِيِّ أَنْشَدَهُمَا لَمَّا نَفَتْهُمْ خُزَاعَةُ مِنْ مَكَّةَ فَتَمَثَّلَ بِهِمَا بِلَالٌ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهِ ثُمَّ يَقُولُ بِلَالٌ: اللَّهُمَّ الْعَنْ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ. (قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ) بِشَأْنِهِمَا وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَهْذُونَ وَمَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدَّةِ الْحُمَّى فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ (فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ) مِنْ حُبِّنَا لِمَكَّةَ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ، فَكَانَتْ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَكَانَ يُحَرِّكُ دَابَّتَهُ إِذَا رَأَى الْمَدِينَةَ مِنْ حُبِّهَا (وَصَحِّحْهَا) مِنَ الْوَبَاءِ (وَبَارِكْ) أَنْمِ وَزِدْ (لَنَا فِي صَاعِهَا) كَيْلٌ يَسَعُ أَرْبَعَةَ أَمْدَادٍ (وَمُدِّهَا) وَهُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فَطَيَّبَ هَوَاءَهَا وَتُرَابَهَا وَمَسَاكِنَهَا وَالْعَيْشَ بِهَا. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ: مَنْ أَقَامَ بِهَا يَجِدُ مِنْ تُرَابِهَا وَحِيطَانِهَا رَائِحَةً طَيِّبَةً لَا تَكَادُ تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَدْ تَكَرَّرُ دُعَاؤُهُ بِتَحْبِيبِهَا وَالْبَرَكَةِ فِي ثِمَارِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِجَابَةَ حَصَلَتْ بِالْأَوَّلِ وَالتَّكْرِيرُ لِطَلَبِ الْمَزِيدِ فِيهَا مِنَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْكَيْلِ بِحَيْثُ يَكْفِي الْمُدُّ بِهَا مَا لَا يَكْفِيهِ بِغَيْرِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ لِمَنْ سَكَنَهَا. (وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ، وَكَانَتْ تُسَمَّى مَهْيَعَةً، وَبِهِ عَبَّرَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالتَّحْتِيَّةِ، بَيْنَهُمَا هَاءٌ سَاكِنَةٌ فَعَيْنٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ فَهَاءٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَحَكَى عِيَاضٌ كَسْرَ الْهَاءِ وَسُكُونَ الْيَاءِ عَلَى وَزْنِ جَمِيلَةَ، وَكَانَتْ يَوْمَئِذٍ مَسْكَنَ الْيَهُودِ وَلِذَا تَوَجَّهَ دُعَاؤُهُ عَلَيْهِمْ، فَفِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى الْكُفَّارِ بِالْأَمْرَاضِ وَالْهَلَاكِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ بِالصِّحَّةِ وَإِظْهَارِ مُعْجَمَةٍ عَجِيبَةٍ فَإِنَّهَا مِنْ يَوْمِئِذٍ وَبِيَّةٌ لَا يَشْرَبُ أَحَدٌ مِنْ مَائِهَا إِلَّا حُمَّ، وَلَا يَمُرُّ بِهَا طَائِرٌ إِلَّا حُمَّ وَسَقَطَ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ كَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَهُ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى نَزَلَتْ مَهْيَعَةَ فَتَأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَيْهَا» ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَجَسُّمِ الْأَعْرَاضِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ لِيَحْصُلَ لَهُمُ الطَّمَأْنِينَةُ بِإِخْرَاجِهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: «قَدِمَ إِنْسَانٌ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَقِيتَ أَحَدًا؟ قَالَ: لَا إِلَّا امْرَأَةً سَوْدَاءَ عُرْيَانَةً، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْحُمَّى وَلَنْ تَعُودَ بَعْدَ الْيَوْمِ» . قَالَ الشَّرِيفُ السَّمْهُورْدِيُّ: وَالْمَوْجُودُ الْآنَ مِنَ الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ لَيْسَ حُمَّى الْوَبَاءِ بَلْ رَحْمَةُ رَبِّنَا وَدَعْوَةُ نَبِيِّنَا لِلتَّكْفِيرِ، قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ " أَصَحُّ الْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ حَرَّةَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالْعَرِيضِ " وَهُوَ يُؤْذِنُ بِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا بِهَا، وَأَنَّ الَّذِي نُقِلَ عَنْهَا أَصْلًا وَرَأْسًا سُلْطَانُهَا وَشِدَّتُهَا وَوَبَاؤُهَا وَكَثْرَتُهَا بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ الْبَاقِي بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا رُفِعَتْ بِالْكُلِّيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 ثُمَّ أُعِيدَتْ خَفِيفَةً لِئَلَّا يَفُوتَ ثَوَابُهَا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " «اسْتَأْذَنَتِ الْحُمَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أُمُّ مِلْدَمٍ فَأَمَرَ بِهَا إِلَى أَهْلِ قِبَاءَ فَبَلَغُوا مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا شِئْتُمْ إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللَّهَ لِيَكْشِفَهَا عَنْكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ تَكُونُ لَكُمْ طَهُورًا، قَالُوا: أَوَتَفْعَلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: فَدَعْهَا» " انْتَهَى. هَذَا وَقَدْ عَارَضَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثَ الْبَابِ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: " «لَمَّا دَخَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ حُمَّ أَصْحَابُهُ فَدَخَلَ يَعُودُهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تَجِدُكَ؟» " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: فَجَعَلَ سُفْيَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ الدَّاخِلُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ وَعَامِرٍ، وَمَالِكٌ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ هِيَ الدَّاخِلَةَ انْتَهَى. وَلَا مُعَارَضَةَ أَصْلًا لِأَنَّ دُخُولَ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْآخَرِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَمَّا أَخْبَرَتْهُ بِحَالِهِمْ جَاءَ لِعِيَادَتِهِمْ وَأَجَابُوا كُلًّا مِنْهُمَا بِالْأَشْعَارِ الْمَذْكُورَةِ. وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ أَيْضًا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْخُلُ عَلَيْهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: " «أَصَابَتِ الْحُمَّى الصَّحَابَةَ حَتَّى جَهِدُوا مَرَضًا وَصَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ حَتَّى مَا كَانُوا يُصَلُّونَ إِلَّا وَهُمْ قُعُودٌ، فَخَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يُصَلُّونَ كَذَلِكَ فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ فَتَجَشَّمُوا الْقِيَامَ، أَيْ: تَكَلَّفُوهُ عَلَى مَا بِهِمْ مِنَ الضَّعْفِ وَالسَّقَمِ الْتِمَاسَ الْفَضْلِ» " قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَفِي هَذَا الْخَبَرِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ حَنِينِهِمْ إِلَى مَكَّةَ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنْ حُبِّ الْوَطَنِ وَالْحَنِينِ إِلَيْهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أُصَيْلٍ - أَيْ: بِالتَّصْغِيرِ - الْغِفَارِيِّ، وَيُقَالُ فِيهِ الْهُذَلِيُّ، أَنَّهُ «قَدِمَ مِنْ مَكَّةَ فَسَأَلَتْهُ عَائِشَةُ: كَيْفَ تَرَكْتَ مَكَّةَ يَا أُصَيْلُ؟ قَالَ: تَرَكْتُهَا حِينَ ابْيَضَّتْ أَبَاطِحُهَا وَأَحْجَنَ ثُمَامُهَا وَأَعْذَقَ إِذْخِرُهَا وَأَمْشَرَ سَلَمُهَا، فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: تَشَوَّقْنَا يَا أُصَيْلُ» . وَيُرْوَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ: دَعِ الْقُلُوبَ تَقَرُّ، وَقَدْ قَالَ الْأَوَّلُ: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادِي الْخُزَامَى حَيْثُ رَبَّتْنِي أَهْلِي بِلَادٍ بِهَا نِيطَتْ عَلَيَّ تَمَائِمِي ... وَقُطِّعْنَ عَنِّي حِينَ أَدْرَكَنِي عَقْلِي انْتَهَى. وَهَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ حُبِّبَتِ الْمَدِينَةُ إِلَيْهِمْ بِدُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهَا وَمَحَبَّتِهِ فِيهَا، وَفَضَائِلُهَا جَمَّةٌ كَثِيرَةٌ صَنَّفَهَا النَّاسُ كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي الْهِجْرَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الطِّبِّ عَنْ قُتَيْبَةَ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ بِنَحْوِهِ وَزِيَادَةٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَبْدَةَ وَابْنِ نُمَيْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، الثَّلَاثَةُ عَنْ هِشَامٍ (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَائِشَةَ) فِيهِ انْقِطَاعٌ لِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 يَحْيَى لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ، وَقَدْ زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ هِشَامٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، جَمِيعًا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَقِبَ قَوْلِهَا: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا يَدْرِي أَبِي مَا يَقُولُ ثُمَّ دَنَوْتُ إِلَى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا عَامِرُ؟ (قَالَتْ: وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، التَّيْمِيُّ مَوْلَى الصِّدِّيقِ، يُقَالُ أَصْلُهُ مِنَ الْأَزْدِ فَاسْتُرِقَّ وَيُقَالُ أَصْلُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ، اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّاوِي قَدِيمًا فَعُذِّبَ لِأَجْلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ رَافَقَ أَبَا بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَاسْتُشْهِدَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، رَوَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ رَجَزَهُ الَّذِي كَانَ (يَقُولُ: قَدْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ) أَيْ: شِدَّةً تُشَابِهُ شِدَّتَهُ (قَبْلَ ذَوْقِهِ) حُلُولِهِ (إِنَّ الْجَبَانَ) أَيْ: ضَعِيفَ الْقَلْبِ (حَتْفُهُ) هَلَاكُهُ (مِنْ فَوْقِهِ) لِجُبْنِهِ، زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ: كُلُّ امْرِئٍ مُجَاهِدٍ بِطَوْقِهِ ... كَالثَّوْرِ يَحْمِي أَنْفَهُ بِرَوْقِهِ وَالطَّوْقُ الطَّاقَةُ، وَالرَّوْقُ الْقَرْنُ، يُضْرَبُ مَثَلًا فِي الْحَثِّ عَلَى حِفْظِ الْحَرِيمِ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَيُذْكَرُ أَنَّ هَذَا الشِّعْرَ لِعَمْرِو بْنِ مَامَةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ»   1649 - 1602 - (مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ بَيْنَهُمَا جِيمٌ سَاكِنَةٌ آخِرُهُ رَاءٌ، الْمَدَنِيُّ مَوْلَى آلِ عُمَرَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْقَابِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَقَافٍ مَفْتُوحَةٍ جَمْعُ قِلَّةٍ لِنَقْبٍ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ نِقَابٌ بِكَسْرِ النُّونِ (الْمَدِينَةِ) طِيبَةَ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي مَدَاخِلَهَا وَهِيَ أَبْوَابُهَا وَفُوَّهَاتُ طُرُقِهَا الَّتِي يُدْخَلُ إِلَيْهَا مِنْهَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا مَلَكٌ "، وَقِيلَ: طُرُقُهَا (مَلَائِكَةٌ) يَحْرُسُونَهَا (لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ) لِأَنَّ كُفَّارَ الْجِنِّ وَشَيَاطِينَهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ دُخُولِهَا، وَمَنِ اتَّفَقَ دُخُولُهُ فِيهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ طَعْنِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَقَدْ عَدُّوا عَدَمَ دُخُولِهِ الْمَدِينَةَ مِنْ خَصَائِصِهَا وَهُوَ مِنْ لَوَازِمِ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا بِالصِّحَّةِ فَهِيَ مُعْجِزَةٌ لَهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ الْأَطِبَّاءَ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ عَجَزُوا أَنْ يَدْفَعُوا الطَّاعُونَ عَنْ بَلَدٍ مِنَ الْبِلَادِ بَلْ عَنْ قَرْيَةٍ مِنَ الْقُرَى، وَقَدِ امْتَنَعَ الطَّاعُونُ عَنِ الْمَدِينَةِ بِدُعَائِهِ وَخَبَرِهِ هَذِهِ الحديث: 1649 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 الْمُدَدَ الْمُتَطَاوِلَةَ فَهُوَ خَاصٌّ بِهَا، وَجَزَمَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ بِأَنَّ الطَّاعُونَ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ أَيْضًا، مُعَارَضٌ بِمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ دَخَلَهَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، لَكِنَّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ لِعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " الْمَدِينَةُ وَمَكَّةُ مَحْفُوفَتَانِ بِالْمَلَائِكَةِ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهُمَا مَلَكٌ فَلَا يَدْخُلُهُمَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ " وَحِينَئِذٍ فَالَّذِي نُقِلَ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ فِي التَّارِيخِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ كَمَا ظَنَّ أَوْ يُقَالُ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُهُمَا مِنَ الطَّاعُونِ مِثْلُ الَّذِي يَقَعُ فِي غَيْرِهِمَا كَالْجَارِفِ وَعَمَوَاسَ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْفِتَنِ: " «فَتَجِدُ الْمَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا، يَعْنِي الْمَدِينَةَ فَلَا يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» " وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ، فَقِيلَ: لِلتَّبَرُّكِ فَيَشْمَلُهُمَا، وَقِيلَ: لِلتَّعْلِيقِ وَأَنَّ مُقْتَضَاهُ جَوَازُ دُخُولِ الطَّاعُونِ الْمَدِينَةَ. (وَلَا الدَّجَّالُ) الْمَسِيحُ الْأَعْوَرُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: جُمْلَةُ " لَا يَدْخُلُهَا " مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانٌ لِمُوجَبِ اسْتِقْرَارِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى أَنْقَابِهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، لَيْسَ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَائِكَةٌ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَعَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ فِي كُلِّ بَلَدٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَشَذَّ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: الْمُرَادُ لَا يَدْخُلُهُ بِجُنُودِهِ، وَكَأَنَّهُ اسْتَبْعَدَ إِمْكَانَ دُخُولِ الدَّجَّالِ جَمِيعَ الْبِلَادِ لِقِصَرِ مُدَّتِهِ، وَغَفَلَ عَمَّا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ بَعْضَ أَيَّامِهِ يَكُونُ قَدْرَ السَّنَةِ. وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: " إِلَّا الْكَعْبَةَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ " وَزَادَ الطَّحَاوِيُّ: " وَمَسْجِدَ الطُّورِ " وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: " «فَلَا يَبْقَى مَوْضِعٌ إِلَّا وَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَبَلِ الطُّورِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَطْرُدُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ» " اهـ. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي الطِّبِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْفِتَنِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 [مَا جَاءَ فِي إِجْلَاءِ الْيَهُودِ مِنْ الْمَدِينَةِ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ «كَانَ مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ»   5 - بَابُ مَا جَاءَ فِي إِجْلَاءِ الْيَهُودِ - بِالْجِيمِ - مِنَ الْمَدِينَةِ ، أَيْ: إِخْرَاجِهِمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَمِنْهَا الْمَدِينَةُ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا. 1650 - 1603 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) الْقُرَشِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ، ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ الحديث: 1650 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ) أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (يَقُولُ) مُرْسَلٌ وَهُوَ مَوْصُولٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا ( «كَانَ مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ» ) قِيلَ مَعْنَاهُ لَعَنَهُمْ لِرِوَايَةِ: " «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ» " وَقِيلَ: أَيْ: قَتَلَهُمْ لِأَنَّ فَاعِلَ يَأْتِي بِمَعْنَى فَعَلَ. (وَالنَّصَارَى) وَكَأَنَّهُ قِيلَ مَا سَبَبُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لِأَنَّهُمُ (اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) أَيِ اتَّخَذُوهَا جِهَةَ قِبْلَتِهِمْ مَعَ اعْتِقَادِهِمُ الْبَاطِلَ، وَأَنَّ اتِّخَاذَهَا مَسَاجِدَ لَازِمٌ لِاتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا كَعَكْسِهِ، وَقَدَّمَ الْيَهُودَ لِابْتِدَائِهِمْ بِالِاتِّخَاذِ وَتَبِعَهُمُ النَّصَارَى فَالْيَهُودُ أَظْلَمُ، فَإِنْ قِيلَ: النَّصَارَى لَيْسَ لَهُمْ إِلَّا نَبِيٌّ وَاحِدٌ وَلَا قَبْرَ لَهُ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْجَمْعَ بِإِزَاءِ الْمَجْمُوعِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّ الْيَهُودَ لَهُمْ أَنْبِيَاءُ أَوِ الْمُرَادُ الْأَنْبِيَاءُ وَكِبَارُ أَتْبَاعِهِمْ كَالْحَوَارِيِّينَ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ. وَفِي مُسْلِمٍ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي النَّصَارَى أَنْبِيَاءُ أَيْضًا غَيْرُ مُرْسَلِينَ كَالْحَوَارِيِّينَ وَمَرْيَمَ فِي قَوْلٍ، أَوِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْيَهُودِ فَقَطْ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ إِسْقَاطِ النَّصَارَى، أَوْ عَلَى الْكُلِّ وَيُرَادُ مَنْ أُمِرُوا بِالْإِيمَانِ بِهِمْ وَإِنْ كَانُوا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ كَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: لَمَّا كَانَتِ الْيَهُودُ يَسْجُدُونَ لِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِمْ وَيَجْعَلُونَهَا قِبْلَةً وَيَتَوَجَّهُونَ فِي الصَّلَاةِ نَحْوَهَا فَاتَّخَذُوهَا أَوْثَانًا لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَمَنَعَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ، أَمَّا مَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا بِجِوَارِ صَالِحٍ أَوْ صَلَّى فِي مَقْبَرَتِهِ وَقَصَدَ بِهِ الِاسْتِظْهَارَ بِرُوحِهِ وَوُصُولَ أَثَرٍ مِنْ آثَارِ عِبَادَتِهِ إِلَيْهِ لَا التَّعْظِيمَ لَهُ وَالتَّوَجُّهَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَدْفَنَ إِسْمَاعِيلَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ الْحَطِيمِ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ أَفْضَلُ مَكَانٍ يَتَحَرَّى الْمُصَلِّي بِصَلَاتِهِ. وَالنَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ مُخْتَصٌّ بِالْمَنْبُوشَةِ لِمَا فِيهَا مِنَ النَّجَاسَةِ انْتَهَى. لَكِنَّ خَبَرَ الشَّيْخَيْنِ كَرَاهَةُ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ مُطْلَقًا، أَيْ: قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ خَشْيَةَ أَنْ يُعْبَدَ الْمَقْبُورُ فِيهَا بِقَرِينَةِ خَبَرِ: " «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» " فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْبَيْضَاوِيِّ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يُخَفْ ذَلِكَ. ( «لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ» ) الْحِجَازِ كُلِّهِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِي الثَّانِي بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» قَالَ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَفَحَصَ عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى أَتَاهُ الثَّلْجُ وَالْيَقِينُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ أَجْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَهُودَ نَجْرَانَ وَفَدَكَ فَأَمَّا يَهُودُ خَيْبَرَ فَخَرَجُوا مِنْهَا لَيْسَ لَهُمْ مِنْ الثَّمَرِ وَلَا مِنْ الْأَرْضِ شَيْءٌ وَأَمَّا يَهُودُ فَدَكَ فَكَانَ لَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ وَنِصْفُ الْأَرْضِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَى نِصْفِ الثَّمَرِ وَنِصْفِ الْأَرْضِ فَأَقَامَ لَهُمْ عُمَرُ نِصْفَ الثَّمَرِ وَنِصْفَ الْأَرْضِ قِيمَةً مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ وَإِبِلٍ وَحِبَالٍ وَأَقْتَابٍ ثُمَّ أَعْطَاهُمْ الْقِيمَةَ وَأَجْلَاهُمْ مِنْهَا   1651 - 1604 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُرْسَلٌ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الحديث: 1651 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا أَيْضًا، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِنَحْوِهِ مِنْ طُرُقٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَجْتَمِعُ) خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ؛ لِلرِّوَايَةِ قَبْلَهُ " لَا يَبْقَيَنَّ " (دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) هِيَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ كَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَيْ: وَقُرَاهَا، سُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِإِحَاطَةِ الْبَحْرِ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مِنْ أَقْصَى عَدَنٍ وَمَا وَالَاهَا مِنْ أَقْصَى الْيَمَنِ كُلِّهَا إِلَى رِيفِ الْعِرَاقِ فِي الطُّولِ، وَأَمَّا فِي الْعَرْضِ فَمِنْ جَدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ وَمِصْرَ فِي الْمَغْرِبِ، وَفِي الْمَشْرِقِ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مُنْقَطَعِ السِّمَارَةِ. (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَفَحَصَ) أَيِ اسْتَقْصَى فِي الْكَشْفِ (عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) فِي خِلَافَتِهِ (حَتَّى أَتَاهُ الثَّلْجُ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَجِيمٍ، الْيَقِينُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ (وَالْيَقِينُ) الَّذِي اطْمَأَنَّتْ بِهِ نَفْسُهُ وَالْعَطْفُ تَفْسِيرِيٌّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» ) وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ قَالَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ» " (فَأَجْلَى) أَخْرَجَ (يَهُودَ خَيْبَرَ) لَمَّا اطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ بِكَثْرَةِ مَنْ رَوَى لَهُ ذَلِكَ. (قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ أَجْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَهُودَ نَجْرَانَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ هَمْدَانَ بِالْيَمَنِ، قَالَ الْبَكْرِيُّ: سُمِّيَتْ بِاسْمِ بَانِيهَا نَجْرَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ. (وَفَدَكَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَلْدَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَيْبَرَ دُونَ مَرْحَلَةٍ. (فَأَمَّا يَهُودُ خَيْبَرَ فَخَرَجُوا مِنْهَا لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ وَلَا مِنَ الْأَرْضِ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوهُ الْعَمَلَ وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرَةِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ، فَإِنَّمَا سَاقَاهُمُ اللَّهُ مُدَّةً وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ فِيهَا شَيْئًا. (وَأَمَّا يَهُودُ فَدَكَ فَكَانَ لَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ وَنِصْفُ الْأَرْضِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صَالَحَهُمْ) لَمَّا أَوْقَعَ بِأَهْلِ خَيْبَرَ (عَلَى نِصْفِ الثَّمَرِ وَنِصْفِ الْأَرْضِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 بِطَلَبِهِمْ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَأْتِهِمْ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانَتْ لَهُ خَالِصَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَقِيلَ: صَالَحُوهُ عَلَى حَقْنِ دِمَائِهِمْ، وَالْجَلَاءِ وَيُخْلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْوَالِ فَفَعَلَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ الْقَوْلَيْنِ. (فَأَقَامَ) أَيْ: قَوَّمَ (لَهُمْ عُمَرُ نَصِفَ الثَّمَرِ وَنِصْفَ الْأَرْضِ قِيمَةً مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ) فِضَّةٍ (وَإِبِلٍ وَحِبَالٍ) جَمْعُ حَبْلٍ (وَأَقْتَابٍ) جَمْعُ قَتَبٍ (ثُمَّ أَعْطَاهُمُ الْقِيمَةَ وَأَجْلَاهُمْ) عَمَلًا بِحَدِيثِ: " «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 [مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْمَدِينَةِ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»   6 - بَابُ جَامِعِ مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْمَدِينَةِ 1653 - 1605 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) مُرْسَلًا عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَّطَأِ، وَمَرَّ قَرِيبًا أَنَّ مَالِكًا رَوَاهُ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ) ظَهَرَ (لَهُ أُحُدٌ) لَمَّا رَجَعَ مِنْ خَيْبَرَ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَلَمَّا رَجَعَ مِنْ تَبُوكَ أَيْضًا كَمَا قُيِّدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ (فَقَالَ هَذَا) مُشِيرًا لَهُ (جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) حَقِيقَةً كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ كُلَّ مَا فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مِنْ مِثْلِهِ نَحْوَهُ: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان: 29] [سُورَةُ الدُّخَانِ: الْآيَةُ 29] وَ {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] [سُورَةُ فُصِّلَتْ: الْآيَةُ 11] وَ {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] [سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةُ 77] وَ {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10] [سُورَةُ سَبَأٍ: الْآيَةُ 10] ، أَيْ: سَبِّحِي. وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي الْحَدِيثِ أَكْثَرُ لَا يَكَادُ يُحْصَى. وَقِيلَ: مَجَازٌ، أَيْ: يُحِبُّنَا أَهْلُهُ وَنُحِبُّهُمْ، فَكَنَّى بِالْجَبَلِ عَنْهُمْ، وَأُضِيفَ الْحُبَّ إِلَى الْجَبَلِ لِمَعْرِفَةِ الْمُرَادِ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ كَقَوْلِهِ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] [سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ 82] ، أَيْ: أَهْلَهَا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَمُرْسَلُهُ مَزِيدٌ وَأَنَّ جَمَاعَةً رَجَّحُوا الْحَقِيقَةَ هُنَا. الحديث: 1653 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ زَارَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشٍ الْمَخْزُومِيَّ فَرَأَى عِنْدَهُ نَبِيذًا وَهُوَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ لَهُ أَسْلَمُ إِنَّ هَذَا الشَّرَابَ يُحِبُّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَحَمَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ قَدَحًا عَظِيمًا فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَوَضَعَهُ فِي يَدَيْهِ فَقَرَّبَهُ عُمَرُ إِلَى فِيهِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ هَذَا لَشَرَابٌ طَيِّبٌ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ رَجُلًا عَنْ يَمِينِهِ فَلَمَّا أَدْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ نَادَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَأَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقُلْتُ هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ وَفِيهَا بَيْتُهُ فَقَالَ عُمَرُ لَا أَقُولُ فِي بَيْتِ اللَّهِ وَلَا فِي حَرَمِهِ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ أَأَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ فَقُلْتُ هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ وَفِيهَا بَيْتُهُ فَقَالَ عُمَرُ لَا أَقُولُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَلَا فِي بَيْتِهِ شَيْئًا ثُمَّ انْصَرَفَ   1654 - 1606 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بْنِ الحديث: 1654 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ، وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ الْكَبِيرِ عَنِ الصَّغِيرِ ; لِأَنَّ يَحْيَى تَابِعِيٌّ سَمِعَ مِنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَحَادِيثَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَإِنْ عَاصَرَهُ لَكِنْ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمَا جَمِيعًا مِنْ شُيُوخِ مَالِكٍ. (أَنَّ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَقِيلَ: بَعْدَ سَنَةِ سِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةِ سَنَةٍ (أَخْبَرَهُ أَنَّهُ زَارَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشٍ) بِتَحْتِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ لَهُ صُحْبَةٌ وَأَبُوهُ صَحَابِيُّ شَهِيرٌ (الْمَخْزُومِيَّ) (فَرَأَى عِنْدَهُ نَبِيذًا) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ تَمْرًا وَزَبِيبًا طُرِحَ فِي مَاءٍ (وَهُوَ بِطْرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ لَهُ أَسْلَمُ: إِنَّ هَذَا الشَّرَابَ يُحِبُّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) لِأَنَّهُ حُلْوٌ بَارِدٌ وَكَانَ الْمُصْطَفَى يُحِبُّ الْحُلْوَ الْبَارِدَ (فَحَمَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ قَدَحًا عَظِيمًا) كَبِيرًا (فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَوَضَعَهُ فِي يَدِهِ) أَيْ: عُمَرَ (فَقَرَّبَهُ عُمَرُ إِلَى فِيهِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ هَذَا) الَّذِي فِي الْقَدَحِ (لَشَرَابٌ طَيِّبٌ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ رَجُلًا عَنْ يَمِينِهِ) عَمَلًا بِالسُّنَّةِ (فَلَمَّا أَدْبَرَ) وَلَّى (عَبْدُ اللَّهِ نَادَاهُ) دَعَاهُ (عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: أَأَنْتَ) بِهَمْزَتَيْنِ أُولَاهُمَا لِلِاسْتِفْهَامِ (الْقَائِلُ: لَمَكَّةُ) بِلَامِ التَّأْكِيدِ (خَيْرٌ) أَفْضَلُ (مِنَ الْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقَلَتْ هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ وَفِيهَا بَيْتُهُ) الْكَعْبَةُ وَمَا أُضِيفَ لِلَّهِ خَيْرٌ مِمَّا أُضِيفَ إِلَى رَسُولِهِ (فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَقُولُ فِي بَيْتِ اللَّهِ وَلَا فِي حَرَمِهِ شَيْئًا) يَعْنِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَلَمْ أَسْأَلْكَ عَنْهُ إِنَّمَا سَأَلْتُكَ عَنِ الْبَلَدَيْنِ (ثُمَّ قَالَ عُمَرُ) ثَانِيًا لِيَنْظُرَ هَلْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إِلَى مُوَافَقَةِ عُمَرَ فِي تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ (أَأَنَّتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةٌ خَيْرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ) عَبْدُ اللَّهِ: (فَقُلْتُ: هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ وَفِيهَا بَيْتُهُ) الْكَعْبَةُ (فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَقُولُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَلَا فِي بَيْتِهِ شَيْئًا ثُمَّ انْصَرَفَ) عَبْدُ اللَّهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرِ اجْتِهَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمُوَافَقَةِ الْآخَرِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ أَيُّ الْبَلَدَيْنِ أَفْضَلُ، فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى تَفْضِيلِ مَكَّةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 حَبِيبٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَذَهَبَ عُمَرُ وَجَمَاعَةٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ سِوَى مَنْ ذُكِرَ إِلَى تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْأَدِلَّةُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ بِتَسَاوِي الْبَلَدَيْنِ، وَالسُّيُوطِيُّ فِي الْحُجَجِ الْمُبَيَّنَةِ: الْمُخْتَارُ الْوَقْفُ عَنِ التَّفْضِيلِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ بَلِ الَّذِي تَمِيلُ إِلَيْهِ النَّفْسُ تَفْضِيلُ الْمَدِينَةِ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا تَأَمَّلَ ذُو الْبَصِيرَةِ لَمْ يَجِدْ فَضْلًا أُعْطِيَتْهُ مَكَّةُ إِلَّا وَأُعْطِيَتِ الْمَدِينَةُ نَظِيرَهُ وَأَعْلَى مِنْهُ، وَجَزَمَ فِي خَصَائِصِهِ بِأَنَّ الْمُخْتَارَ تَفْضِيلُ الْمَدِينَةِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا عَدَا الْبُقْعَةَ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ أَفْضَلُ إِجْمَاعًا مِنْ جَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ كَمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَيَلِيهَا الْكَعْبَةُ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَدِينَةِ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ الشَّرِيفُ السَّمْهُودِيُّ وَإِلَيْهِ يُومِئُ كَلَامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 [مَا جَاءَ فِي الطَّاعُونِ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَأَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّامِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَأَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَإِ فَقَالَ عُمَرُ ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي الْأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمُ رَجُلَانِ فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَإِ فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصِبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ «فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ غَائِبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ»   7 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الطَّاعُونِ بِوَزْنِ فَاعُولٍ مِنَ الطَّعْنِ عَدَلُوا بِهِ عَنْ أَصْلِهِ وَوَضَعُوهُ دَالًّا عَلَى الْمَوْتِ الْعَامِّ كَالْوَبَاءِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الطَّاعُونُ وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَهُوَ لَكُمْ شَهَادَةٌ " صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ فِي وُقُوعِهِ فِي أَعْدَلِ الْفُصُولِ وَأَصَحِّ الْبِلَادِ هَوَاءً وَأَطْيَبِهَا مَاءً دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ طَعْنِ الْجِنِّ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِسَبَبِ فَسَادِ الْهَوَاءِ أَوِ انْصِبَابِ الدَّمِ إِلَى عُضْوٍ فَيَحْدُثُ ذَلِكَ كَمَا زَعَمَ الْأَطِبَّاءُ لَدَامَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْهَوَاءَ يَفْسَدُ تَارَةً وَيَصِحُّ أُخْرَى، وَالطَّاعُونُ يَذْهَبُ أَحْيَانًا وَيَجِيءُ أَحْيَانًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَلَا تَجْرِبَةٍ، وَرُبَّمَا جَاءَ سَنَةً عَلَى سَنَةٍ، وَرُبَّمَا أَبْطَأَ سِنِينَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ فَسَادِ الْهَوَاءِ لَعَمَّ النَّاسَ وَالْحَيَوَانَ وَرُبَّمَا يُصِيبُ الْكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يُصِيبُ مَنْ هُوَ بِجَانِبِهِمْ مِمَّنْ هُوَ فِي مِثْلِ مِزَاجِهِمْ، وَرُبَّمَا يُصِيبُ بَعْضَ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَيَسْلَمُ مِنْهُ بَاقِيهِمْ، وَمَا يُذْكَرُ مِنْ أَنَّهُ وَخْزُ إِخْوَانِكُمُ الْجِنِّ، فَقَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمُسْنَدَةِ وَلَا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَلَا الْأَجْزَاءِ الْمَنْثُورَةِ بَعْدَ التَّتَبُّعِ الطَّوِيلِ الْبَالِغِ، وَعَزَاهُ فِي أَكَامِ الْمَرْجَانِ لِمُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ أَوْ كِتَابِ الطَّوَاعِينِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا، قِيلَ: إِذَا كَانَ الطَّعْنُ مِنَ الْجِنِّ فَكَيْفَ يَقَعُ فِي رَمَضَانَ وَالشَّيَاطِينُ تُصَفَّدُ فِيهِ وَتُسَلْسَلُ؟ أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ يَطْعَنُونَ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ وَلَا يَظْهَرُ التَّأْثِيرُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. 1655 - 1607 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحديث: 1655 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ) الْعَدَوِيِّ أَبِي عُمَرَ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ نَاسِكٌ وَلِيَ الْكُوفَةَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَاتَ بِحَرَّانَ فِي خِلَافَةِ هِشَامٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِيهِمَا (ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيِّ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَأَبَوْهُ لَهُ رُؤْيَةٌ وَلَقَبُهُ بَبَّةُ بِمُوَحَّدَتَيْنِ الثَّانِيَةُ ثَقِيلَةٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ) سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ، قَالَهُ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي كِتَابِ الْفُتُوحِ، وَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ: سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَاسْتَخْلَفَهُ مَرَّاتٍ فِي خُرُوجِهِ إِلَى الْحَجِّ وَمَا أَظُنُّهُ اسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ قَطُّ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَخْلَفَ مَرَّةً عَلَى الْمَدِينَةِ خَالًا لَهُ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَفِيهِ خُرُوجُ الْخَلِيفَةِ إِلَى أَعْمَالِهِ يُطَالِعُهَا وَيَنْظُرُ أَحْوَالَ أَهْلِهَا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ خَرَجَ لِيَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الرَّعِيَّةِ وَكَانَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ فَأَلِفٍ فَسِينٍ مُهْمَلَةٍ، وَسُمِّيَ بِهِ ; لِأَنَّهُ عَمَّ وَأَسَاءَ وَقَعَ بِهَا فِي مُحَرَّمٍ وَصَفَرٍ ثُمَّ ارْتَفَعَ فَكَتَبُوا إِلَى عُمَرَ فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ (بِسَرْغَ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ قَرْيَةٌ بِوَادِي تَبُوكَ يَجُوزُ فِيهَا الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ، وَقِيلَ: هِيَ مَدِينَةٌ افْتَتَحَهَا أَبُو عُبَيْدَةَ وَهِيَ وَالْيَرْمُوكُ وَالْجَابِيَةُ مُتَّصِلَاتٌ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَرْحَلَةً (لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ) بِالْفَتْحِ جَمْعُ جُنْدٍ (أَبُو عُبَيْدَةَ) عَامِرُ (بْنُ الْجَرَّاحِ) أَحَدُ الْعَشَرَةِ (وَأَصْحَابُهُ) خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حُسْنَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَكَانَ عُمَرُ قَسَّمَ الشَّامَ أَجْنَادًا: الْأُرْدُنُ جُنْدٌ، وَحِمْصُ جُنْدٌ، وَدِمَشْقُ جُنْدٌ، وَفِلَسْطِينُ جُنْدٌ، وَقِنَّسْرِينَ جُنْدٌ، وَجَعَلَ عَلَى كُلِّ جُنْدٍ أَمِيرًا، ثُمَّ لَمْ يَمُتْ عُمَرُ حَتَّى جَمَعَ الشَّامَ لِمُعَاوِيَةَ. (فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ) مَهْمُوزٌ وَقَصْرُهُ أَفْصَحُ مِنْ مَدِّهِ أَيِ الطَّاعُونَ (قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ) وَعِنْدَ سَيْفٍ أَنَّهُ أَشَدُّ مَا كَانَ. (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) لِي (ادْعُ) لِيَ (الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ) الَّذِينَ صَلُّوا لِلْقِبْلَتَيْنِ (فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ) فِي الْقُدُومِ أَوِ الرُّجُوعِ (وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرِ) تَفَقُّدِ حَالِ الرَّعِيَّةِ (وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ) حَتَّى تَفْعَلَهُ. (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ) أَيِ الصَّحَابَةُ قَالُوا ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 تَعْظِيمًا لَهُمْ (وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ، أَيْ: تَجْعَلَهُمْ قَادِمِينَ (عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ) أَيِ الطَّاعُونِ. (فَقَالَ عُمَرُ: ارْتَفِعُوا عَنِّي) وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَمَرَهُمْ فَخَرَجُوا عَنْهُ (ثُمَّ قَالَ) عُمَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: (ادْعُ لِيَ الْأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ) فَحَضَرُوا عِنْدَهُ (فَاسْتَشَارَهُمْ) فِي ذَلِكَ (فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ) فِيمَ قَالُوا (وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ فَقَالَ) لَهُمْ (ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِيَ مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ شَيْخٍ وَهُوَ مَنْ طَعَنَ فِي السِّنِّ (مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْجِيمِ قِيلَ هُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْفَتْحِ وَهَاجَرُوا عَامَهُ إِذْ لَا هِجْرَةَ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: هُمْ مُسْلِمَةُ الْفَتْحِ الَّذِينَ هَاجَرُوا بَعْدَهُ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا أَظْهَرُ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يُطْلَقُ عَلَيْهِمْ مَشْيَخَةُ قُرَيْشٍ، وَأُطْلِقَ عَلَى مَنْ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ مُهَاجِرٌ صُورَةً وَإِنِ انْقَطَعَ حُكْمُ الْهِجْرَةِ بِالْفَتْحِ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ. (فَدَعَوْتُهُمْ) فَحَضَرُوا عِنْدَهُ (فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمُ اثْنَانِ) وَفِي رِوَايَةٍ رَجُلَانِ (فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمْهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ) الطَّاعُونِ، وَفِيهِ مَشُورَةُ مَنْ يُوثَقُ بِفَهْمِهِ وَعَقْلِهِ عِنْدَ نُزُولِ الْمُعْضِلِ، وَأَنَّ مَسَائِلَ الِاجْتِهَادِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْقَائِلِينَ فِيهَا عَيْبُ مُخَالَفَةٍ وَلَا الطَّعْنُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا وَهُمُ الْقُدْوَةُ فَلَمْ يَعِبْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَلَا وَجَدَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْإِمَامَ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ لَيْسَتْ فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ عَلَيْهِ جَمْعُ الْجَمْعِ وَذَوِي الرَّأْيِ وَيُشَاوِرُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِدَلِيلٍ فَعَلَيْهِ الْمَيْلُ إِلَى الْأَصْلَحِ وَالْأَخْذُ بِمَا يَرَاهُ، وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ لَا يُوجِبُ حُكْمًا وَإِنَّمَا يُوجِبُ النَّظَرَ، وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ يُوجِبُ الْحُكْمَ وَالْعَمَلَ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي النَّاسِ) حِينَ ظَهَرَ لَهُ صَوَابُ رَأْيِ الْمَشْيَخَةِ (إِنِّي مُصْبِحٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ وَبِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ، أَيْ: مُسَافِرٌ فِي الصَّبَاحِ رَاكِبًا (عَلَى ظَهْرٍ) أَيْ: عَلَى ظَهْرِ الرَّاحِلَةِ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ (فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى رَأْيِهِمْ، وَلَا يَبْعُدُ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّهُ وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَحَصَلَ تَرْجِيحُ الرَّأْيِ بِالْكَثْرَةِ، لَا سِيَّمَا رَأْيَ أَهْلِ السِّنِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 وَالتَّجْرِبَةِ وَالْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ، وَمُسْتَنَدُ الطَّائِفَتَيْنِ فِي اخْتِلَافِهِمْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ: الْأَوَّلُ التَّوَكُّلُ وَالتَّسْلِيمُ لِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ. وَالثَّانِي الْحَذَرُ وَتَرْكُ إِلْقَاءِ الْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ. (فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ) لِعُمَرَ (أَ) تَرْجِعُ (فِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ) لَأَدَّبْتُهُ لِاعْتِرَاضِهِ عَلَيَّ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ وَافَقَنِي عَلَيْهَا أَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، أَوْ لَكَانَ أَوْلَى مِنْكَ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ أَوْ لَمْ أَتَعَجَّبْ مِنْهُ وَلَكِنِّي أَتَعَجَّبُ مِنْكَ مَعَ عِلْمِكَ وَفَضْلِكَ كَيْفَ تَقُولُ هَذَا أَوْ هِيَ لِلتَّمَنِّي فَلَا يُحْتَاجُ لِجَوَابٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ غَيْرَكَ مِمَّنْ لَا فَهْمَ لَهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ يُعْذَرُ. (نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ) زَادَ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَكَانَ يَكْرَهُ خِلَافَهُ، أَيْ: عُمَرُ يَكْرَهُ خِلَافَ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ فِرَارًا لِشِبْهِهِ فِي الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِرَارًا شَرْعِيًّا، وَالْمُرَادُ أَنَّ هُجُومَ الْمَرْءِ عَلَى مَا يُهْلِكُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَوْ فَعَلَ لَكَانَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، وَتَجَنُّبُهُ مَا يُؤْذِيهِ مَشْرُوعٌ، وَقَدْ يُقَدِّرُ اللَّهُ وُقُوعَهُ فِيمَا فَرَضَهُ فَلَوْ فَعَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ لَكَانَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، وَفِيهِ الْمُنَاظَرَةُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ قَايَسَهُ وَنَاظَرَهُ بِمَا يُشْبِهُ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ) أَيْ: أَخْبِرْنِي (لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَدَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ، أَيْ: شَاطِئَانِ وَحَالَتَانِ (إِحْدَاهُمَا مُخْصِبَةٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ خَصِبَةٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ بِلَا مِيمٍ (وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِكَسْرِهَا (أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخِصْبَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعْيَتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ) فَنَقْلُكَ إِيَّاهَا مِنَ الْجَدْبَةِ وَرَعْيُهَا فِي الْخِصْبَةِ فِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، فَكَذَلِكَ رُجُوعُنَا. زَادَ مَعْمَرٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ وَقَالَ لَهُ أَيْضًا: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّهُ رَعَى الْجَدْبَةَ وَتَرَكَ الْخِصْبَةَ أَكُنْتَ مُعْجِزَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَسِرْ إِذًا. (فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ غَائِبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ) لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُمُ الْمُشَاوَرَةَ الْمَذْكُورَةَ (فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي مِنْ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي (هَذَا) الَّذِي اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ (عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ) بِالطَّاعُونِ (بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ) لِيَكُونَ أَسْكَنَ لِأَنْفُسِكُمْ وَأَقْطَعَ لِوَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ. قَالَ فِي الْأَحْوَذِيِّ: وَلِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْحَتْفِ وَالْبَلَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا نَجَاةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحَذِرِ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ، وَلِئَلَّا يَقُولَ الْقَائِلُ: لَوْ لَمْ أَدْخُلْ لَمْ أَمْرَضْ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ لَمْ يَمُتْ. (وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) لِئَلَّا يَكُونَ مُعَارَضَةً لِلْقَدَرِ، فَلَوْ خَرَجَ لِقَصْدِ الْفِرَارِ جَازَ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي فِي النَّهْيِ عَنِ الْفِرَارِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْقُدُومِ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ تَعَرُّضٌ لِلْبَلَاءِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الدَّعْوَى لِمَقَامِ الصَّبْرِ أَوِ التَّوَكُّلِ فَمَنَعَ ذَلِكَ لِاغْتِرَارِ النَّفْسِ وَدَعْوَاهَا مَا لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ، وَأَمَّا الْفِرَارُ فَقَدْ يَكُونُ دَاخِلًا فِي بَابِ التَّوَغُّلِ فِي الْأَسْبَابِ مُتَصَوِّرًا بِصُورَةِ مَنْ يُحَاوِلُ النَّجَاةَ مِمَّا قُدِّرَ عَلَيْهِ فَيَقَعُ التَّكَلُّفُ فِي الْقُدُومِ كَمَا يَقَعُ التَّكَلُّفُ فِي الْفِرَارِ فَأَمَرَ بِتَرْكِ التَّكَلُّفِ فِيهِمَا. وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَإِذْ لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا» " فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِ التَّمَنِّي لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْبَلَاءِ وَخَوْفِ الِاغْتِرَارِ بِالنَّفْسِ إِذْ لَا يُؤْمَنُ غَدْرُهَا عِنْدَ الْوُقُوعِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْوُقُوعِ تَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ. (قَالَ) ابْنُ عَبَّاسٍ (فَحَمِدَ اللَّهَ) تَعَالَى (عُمَرُ) عَلَى مُوَافَقَةِ اجْتِهَادِ مُعْظَمِ الصَّحَابَةِ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ (ثُمَّ انْصَرَفَ) رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ النَّبَوِيِّ الْقَاطِعِ لِلنِّزَاعِ، وَبِهِ أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَنْ يَرُدُّوا مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمُ ذَلِكَ وَجَبَ الِانْقِيَادُ إِلَيْهِ. وَفِي أَنَّ الْحَدِيثَ يُسَمَّى عِلْمًا لِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمٌ وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْإِنْصَافِ لِلْعِلْمِ وَالِانْقِيَادِ إِلَيْهِ، كَيْفَ لَا وَهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ، وَدَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ; لِأَنَّهُ كَانَ بِمَحْضَرِ جَمْعٍ عَظِيمٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَقُولُوا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنْتَ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ قَبُولُ خَبَرِ الْكَافَّةِ. مَا أَضَلَّ مَنْ قَالَ بِهَذَا وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: الْآيَةُ 6] وَقُرِئَ " فَتَثَبَّتُوا " فَلَوْ كَانَ الْعَدْلُ إِذَا جَاءَ بِنَبَأٍ تَثَبَّتَ فِي خَبَرِهِ وَلَمْ يُنَفِّذْ لَاسْتَوَى مَعَ الْفَاسِقِ، وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28] [سُورَةُ ص: الْآيَةُ 28] ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطِّبِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَائِلًا نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَزَادَ مَعْمَرٌ قَالَ: وَقَالَ لَهُ أَيْضًا: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّهُ رَعَى الْجَدْبَةَ وَتَرَكَ الْخِصْبَةَ أَكُنْتَ مُعْجِزَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَسِرْ إِذًا، فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: هَذَا الْمَحَلُّ أَوْ هَذَا الْمَنْزِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ «مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّاعُونِ فَقَالَ أُسَامَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّاعُونُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» قَالَ مَالِكٌ قَالَ أَبُو النَّضْرِ لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارٌ مِنْهُ   1656 - 1608 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ (وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ) الحديث: 1656 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنَيْنِ كِلَاهُمَا (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٍ الْقُرَشِيِّ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَّطَأِ، وَالْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ. . . . الْحَدِيثَ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ لِأَنَّ ذِكْرَ أَبِيهِ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ فَمَنْ أَسْقَطَ عَنْ أَبِيهِ لَمْ يَضُرَّهُ وَذِكْرُهُ صَحِيحٌ، نَعَمْ شَذَّ الْقَعْنَبِيُّ فِي حَذْفِ أَبِي النَّضْرِ، وَرَوَاهُ قَوْمٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَهْمٌ عِنْدَهُمْ، إِنَّمَا الْحَدِيثُ لِعَامِرٍ عَنْ أُسَامَةَ لَا عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ انْتَهَى. ، أَيْ: فَلَمْ يَرُدَّ بِقَوْلِهِ عَنْ أَبِيهِ الرِّوَايَةَ بَلْ أَرَادَ عَنْ سُؤَالِ أَبِيهِ لِأُسَامَةَ كَمَا أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ) الْحِبَّ ابْنَ الْحِبِّ فَكَانَ عَامِرٌ حَاضِرًا سُؤَالَ وَالِدِهِ سَعْدٍ لِأُسَامَةَ بِقَوْلِهِ: (مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي) شَأْنِ (الطَّاعُونِ) وَوَقَعَ فِي السُّيُوطِيِّ عَنْ أَبِي عُمَرَ: لَا وَجْهَ لِذِكْرِ " عَنْ أَبِيهِ "، إِنَّمَا الْحَدِيثُ لِعَامِرٍ عَنْ أُسَامَةَ سَمِعَهُ مِنْهُ وَلِذَا لَمْ يَقُلْهُ ابْنُ بُكَيْرٍ وَمَعْنٌ وَجَمَاعَةٌ انْتَهَى وَلَا يَصِحُّ. فَالَّذِي فِي التَّمْهِيدِ مَا رَأَيْتُهُ (فَقَالَ أُسَامَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الطَّاعُونُ رِجْزٌ» ) بِالزَّايِ عَلَى الْمَعْرُوفِ، أَيْ: عَذَابٌ، وَوَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ رِجْسٌ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الزَّايِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمَحْفُوظُ بِالزَّايِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الَّذِي بِالسِّينِ الْخَبَثُ أَوِ النَّجَسُ أَوِ الْقَذَرُ، وَوَجَّهَهَ عِيَاضٌ بِأَنَّ الرِّجْسَ يُطْلَقُ عَلَى الْعُقُوبَةِ أَيْضًا، وَقَدْ قَالَ الْفَارَابِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ: الرِّجْسُ الْعَذَابُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يونس: 100] [سُورَةُ ص: الْآيَةُ 28] وَحَكَاهُ الرَّاغِبُ أَيْضًا (أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) لَمَّا كَثُرَ طُغْيَانُهُمْ (أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِالْجَزْمِ بِلَفْظِ رِجْسٍ سُلِّطَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهِمْ أَخَصُّ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَادَ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا جَاءَ فِي قِصَّةِ بَلْعَامٍ فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَحَدِ صِغَارِ التَّابِعِينَ عَنْ يَسَارٍ: " أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُقَالُ لَهُ بَلْعَامٌ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ وَأَنَّ مُوسَى أَقْبَلَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُرِيدُ الْأَرْضَ الَّتِي فِيهَا بَلْعَامٌ فَأَتَاهُ قَوْمُهُ فَقَالُوا: ادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي، فَمُنِعَ، فَأَتَوْهُ بِهَدِيَّةٍ فَقَبِلَهَا وَسَأَلُوهُ ثَانِيًا فَقَالَ: حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فَقَالُوا: لَوْ كَرِهَ لَنَهَاكَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَصَارَ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مَا يَدْعُو بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَنْقَلِبُ عَلَى قَوْمِهِ فَلَامُوهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: سَأَدُلُّكُمْ عَلَى مَا فِيهِ هَلَاكُهُمْ أَرْسِلُوا النِّسَاءَ فِي عَسْكَرِهِمْ وَمُرُوهُنَّ لَا يَمْتَنِعْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 مِنْ أَحَدٍ فَعَسَى أَنْ يَزْنُوا فَيَهْلِكُوا، فَكَانَ فِيمَنْ خَرَجَ بِنْتُ الْمَلِكِ فَأَرَادَهَا بَعْضُ الْأَسْبَاطِ وَأَخْبَرَهَا بِمَكَانِهِ فَمَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَقَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الطَّاعُونُ فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا فِي يَوْمٍ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَارُونَ وَمَعَهُ الرُّمْحُ وَأَيَّدَهُ اللَّهُ فَانْتَظَمَهُمَا جَمِيعًا " وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ وَسَيَّارٌ شَامِيٌّ مُوَثَّقٌ، وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ بِنَحْوِهِ وَسَمَّى الْمَرْأَةَ كَشْتًا بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَوْقِيَّةٍ، وَالرَّجُلَ زِمْرِي بِكَسْرِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، رَأْسُ سِبْطِ شَمْعُونَ، وَالَّذِي طَعَنَهُمَا فِنْحَاصٌ - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَمُهْمَلَةٍ - ابْنُ هَارُونَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَحَسْبُ مَنْ هَلَكَ مِنَ الطَّاعُونِ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَالْمُقَلِّلُ يَقُولُ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَهَذِهِ الطَّرِيقُ تُعَضِّدُ الْأُولَى. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَأِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا كَثُرَ عِصْيَانُهُمْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى دَاوُدَ فَخَيَّرَهُمْ مَا بَيْنَ ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ أَبْتَلِيَهُمْ بِالْقَحْطِ، أَوِ الْعَدُوِّ شَهْرَيْنِ، أَوِ الطَّاعُونِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَأَخْبَرَهُمْ فَقَالُوا: اخْتَرْ لَنَا فَاخْتَارَ الطَّاعُونَ فَمَاتَ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ زَالَتِ الشَّمْسُ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَقِيلَ: مِائَةُ أَلْفٍ، فَتَضَرَّعَ دَاوُدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَرَفَعَهُ. وَوَرَدَ وُقُوعُ الطَّاعُونِ فِي غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَوْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَمَرَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَذْبَحَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كَبْشًا ثُمَّ يُخَضِّبُ كَفَّهُ فِي دَمِهِ ثُمَّ يَضْرِبُ بِهِ عَلَى بَابِهِ فَفَعَلُوا فَسَأَلَهُمُ الْقِبْطُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ عَلَيْكُمْ عَذَابًا وَإِنَّا نَنْجُو مِنْهُ بِهَذِهِ الْعَلَامَةِ فَأَصْبَحُوا وَقَدْ مَاتَ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ سَبْعُونَ أَلْفًا، فَقَالَ فِرْعَوْنُ ثَمَّ ذَلِكَ لِمُوسَى: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ} [الأعراف: 134] [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 134] الْآيَةَ، فَدَعَا فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 243] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 243] قَالَ فِرُّوا مِنَ الطَّاعُونِ {فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [البقرة: 243] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 243] لِيُكْمِلُوا بَقِيَّةَ آجَالِهِمْ، فَأَقْدَمُ مَنْ وَقَفْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَنْقُولِ مِمَّنْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي قِصَّةِ بَلْعَامٍ وَمِنْ غَيْرِهِمْ فِي قِصَّةِ فِرْعَوْنَ وَتَكَرَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمُ انْتَهَى. (فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَهَوُّرٌ وَإِقْدَامٌ عَلَى خَطَرٍ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ أَسْكُنَ لِلنَّفْسِ وَأَطْيَبَ لِلْعَيْشِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لِئَلَّا يَقَعُوا فِي اللَّوْمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَنَهَوْا عَنْ ذَلِكَ تَأْدِيبًا لِئَلَّا يَلُومُوا أَنْفُسَهُمْ فِيمَا لَا لَوْمَ فِيهِ لِأَنَّ الْبَاقِيَ وَالنَّاهِضَ لَا يَتَجَاوَزُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَجَلَهُ. (وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) لِأَنَّهُ فِرَارٌ مِنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 الْقَدَرِ وَلِئَلَّا تَضِيعَ الْمَرْضَى بِعَدَمِ مَنْ يَتَفَقَّدُهُمْ، وَالْمَوْتَى بِعَدَمِ مَنْ يُجَهِّزُهُمْ، فَالْأَوَّلُ تَأْدِيبٌ وَتَعْلِيمٌ، وَالثَّانِي تَفْوِيضٌ وَتَسْلِيمٌ، وَقِيلَ: هُوَ تَعَبُّدِيٌّ لِأَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الْمَهَالِكِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا فَهُوَ لِسِرٍّ فِيهِ لَا يُعْلَمُ مَعْنَاهُ. (قَالَ مَالِكٌ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَلَا إِشْكَالَ فِيهَا. (قَالَ أَبُو النَّضْرِ) فِي رِوَايَتِهِ (لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارٌ مِنْهُ) قَالَ عِيَاضٌ: وَقَعَ لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَّطَأِ بِالرَّفْعِ وَهُوَ بَيِّنٌ، أَيْ: لَا يُخْرِجُكُمُ الْفِرَارُ وَمُجَرَّدُ قَصْدِهِ لَا غَيْرَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي الْأَسْفَارِ وَالْحَوَائِجِ مُبَاحٌ، فَهُوَ مُطَابِقٌ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: لَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ إِلَّا فِرَارًا بِالنَّصْبِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جَاءَ بِالْوَجْهَيْنِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ، وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُونَ دُخُولُ إِلَّا بَعْدَ النَّفْيِ لِإِيجَابِ بَعْضِ مَا نُفِيَ قَبْلُ مِنَ الْخُرُوجِ، فَكَأَنَّهُ نَهَى عَنِ الْخُرُوجِ إِلَّا لِلْفِرَارِ خَاصَّةً وَهُوَ ضِدُّ الْمَقْصُودِ، فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ الْخُرُوجُ لِلْفِرَارِ خَاصَّةً لَا لِغَيْرِهِ، وَجَوَّزَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَجَعَلَ قَوْلَهُ " إِلَّا " حَالًا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ، أَيْ: لَا تَخْرُجُوا إِذَا لَمْ يَكُنْ خُرُوجُكُمْ إِلَّا فِرَارًا، أَيْ: لِلْفِرَارِ انْتَهَى. وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْمُوَّطَأِ: لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارٌ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ بَعْدَهَا إِفْرَارٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ وَهْمٌ وَلَحْنٌ، هَذَا كَلَامُ عِيَاضٍ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ مَا حَاصِلُهُ: يَجُوزُ أَنَّ الْهَمْزَةَ لِلتَّعْدِيَةِ يُقَالُ: أَفَرَّهُ كَذَا مِنْ كَذَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: " إِنْ كَانَ لَا يُفِرُّكُ مِنْ هَذَا إِلَّا مَا تَرَى " فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَا يُخْرِجُكُمْ إِفْرَارُهُ إِيَّاكُمْ. وَقَالَ فِي الْمُفْهَمِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ غَلَطٌ ; لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ أَفَرَّ وَإِنَّمَا يُقَالُ فَرَّ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِدْخَالُ إِلَّا فِيهِ غَلَطٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ زَائِدَةٌ وَتَجُوزُ زِيَادَتُهَا كَمَا تُزَادُ " لَا " وَهُوَ الْأَقْرَبُ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ: لَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ، وَبَيْنَ قَوْلِ أَبِي النَّضْرِ: لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارٌ مِنْهُ - مُشْكِلٌ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ التَّنَاقُضُ، وَأَجَابَ بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ غَرَضَ الرَّاوِي أَنَّ أَبَا النَّضْرِ فَسَّرَ لَا تَخْرُجُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْحَصْرُ يَعْنِي الْخُرُوجَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لِمُجَرَّدِ الْفِرَارِ لَا لِغَرَضٍ آخَرَ، فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْمُعَلَّلِ الْمَنْهِيِّ لَا لِلنَّهْيِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ كَلَامِ أَبِي النَّضْرِ زَادَهُ بَعْدَ الْخَبَرِ، وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَلَى رِوَايَةِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَالْمُتَبَادِرُ خِلَافُ ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ وَالزِّيَادَةُ مَرْفُوعَةٌ أَيْضًا فَيَكُونُ رَوَى اللَّفْظَيْنِ وَيَكُونُ التَّفْسِيرُ مَرْفُوعًا أَيْضًا. الثَّالِثُ: " إِلَّا " زَائِدَةٌ بِشَرْطِ أَنَّ تَثْبُتَ زِيَادَتُهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ انْتَهَى، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُسْلِمٌ فِي الطِّبِّ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا جَاءَ سَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَأَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ سَرْغَ»   1657 - 1609 الحديث: 1657 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ الْعَنْزِيِّ حَلِيفِ بَنِي عَدِيٍّ، وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَحَفِظَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا وَاحِدًا وَهُوَ قَوْلُهُ: " «دَعَتْنِي أُمِّي وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِنَا فَقَالَتْ: تَعَالَى أُعْطِيكَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيَهُ؟ قَالَتْ: تَمْرًا، قَالَ: لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةً» " مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَبَوْهُ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ. (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ) لِيَنْظُرَ فِي أَحْوَالِ رَعِيَّتِهِ بِهَا وَأُمَرَائِهِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَخَرَجَ إِلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمَّا حَاصَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَسَأَلَهُ أَهْلُهُ أَنْ يَكُونَ صُلْحُهُمْ عَلَى يَدِ عُمَرَ، فَقَدِمَ فَصَالَحَهُمْ وَرَجَعَ سَنَةَ عَشْرٍ، قَالَهُ فِي الْمُفْهِمِ. وَفِي التَّمْهِيدِ: خَرَجَ عُمَرُ إِلَى الشَّامِ مَرَّتَيْنِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ: وَقِيلَ: لَمْ يَخْرُجْ لَهَا إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً هِيَ هَذِهِ. (حَتَّى إِذَا جَاءَ سَرْغَ) بِمُهْمَلَتَيْنِ وَمُعْجَمَةٍ قَالَ عِيَاضٌ: رَوَيْنَاهُ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا، وَصَوَّبَ ابْنُ مَكِّيٍّ السُّكُونَ، قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ حَبِيبٍ: هِيَ قَرْيَةٌ بِوَادِي تَبُوكَ وَهِيَ آخِرُ عَمَلِ الْحِجَازِ، وَقِيلَ: مَدِينَةٌ بِالشَّامِ، قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَرْحَلَةً (بَلَغَهُ) مِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ (أَنَّ الْوَبَاءَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْهَمْزَةِ وَالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَهُوَ الْمَرَضُ الْعَامُّ، وَالْمُرَادُ هُنَا الطَّاعُونُ الْمَعْرُوفُ بِطَاعُونِ عَمَوَاسَ. (قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ) أَيْ: بِدِمَشْقَ وَهِيَ أُمُّ الشَّامِ وَإِلَيْهَا كَانَ مَقْصِدُهُ كَذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ، فَعَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ بَعْدَ أَنِ اجْتَهَدَ وَوَافَقَهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ. (فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ) أَيِ الطَّاعُونِ (بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ، وَرُوِيَ بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَكَسْرِ الثَّالِثِ (عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَى خَطَرٍ (وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) لِأَنَّهُ فِرَارٌ مِنَ الْقَدَرِ، فَالْأَوَّلُ تَأْدِيبٌ وَتَعْلِيمٌ وَالثَّانِي تَفْوِيضٌ وَتَسْلِيمٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: النَّهْيُ عَنِ الْقُدُومِ لِدَفْعِ مَلَامَةِ النَّفْسِ، وَعَنِ الْخُرُوجِ لِلْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ انْتَهَى. وَالْأَكْثَرُ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْفِرَارِ مِنْهُ لِلتَّحْرِيمِ وَقِيلَ: لِلتَّنْزِيهِ وَيَجُوزُ لِشُغُلٍ عَرَضَ غَيْرِ الْفِرَارِ اتِّفَاقًا، قَالَهُ التَّاجُ السُّبْكِيُّ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثٌ: مَنْ خَرَجَ لِقَصْدِ الْفِرَارِ مَحْضًا فَهَذَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ لَا مَحَالَةَ. وَمَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ مُتَمَحِّضَةٍ لَا لِقَصْدِ الْفِرَارِ أَصْلًا وَيُصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَنْ تَهَيَّأَ لِلرَّحِيلِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ كَانَ بِهَا إِقَامَتُهُ مَثَلًا وَلَمْ يَكُنِ الطَّاعُونُ وَقَعَ فَاتَّفَقَ وُقُوعُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 فِي أَثْنَاءِ تَجْهِيزِهِ فَهَذَا لَمْ يَقْصِدِ الْفِرَارَ أَصْلًا فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ. الثَّالِثُ: مَنْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَأَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَيْهَا وَانْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ الرَّاحَةَ مِنَ الْإِقَامَةِ بِالْبَلَدِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ فَهَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ، كَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ الَّتِي وَقَعَ بِهَا وَخِمَةً، وَالْأَرْضُ الَّتِي يَتَوَجَّهُ إِلَيْهَا صَحِيحَةً فَيَتَوَجَّهُ بِهَذَا الْقَصْدِ إِلَيْهَا، فَمَنْ مَنَعَ نَظَرَ إِلَى صُورَةِ الْفِرَارِ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَنْ أَجَازَ نَظَرَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضِ الْقَصْدُ لِلْفِرَارِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِقَصْدِ التَّأَوِّي انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُقَالُ مَا فَرَّ أَحَدٌ مِنَ الطَّاعُونِ فَسَلِمَ مِنَ الْمَوْتِ، وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ أَنَّهُ فَرَّ مِنْهُ إِلَّا مَا ذَكَرَ الْمَدَايِنِيُّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ زَيْدِ بْنَ جُدْعَانَ هَرَبَ مِنْهُ إِلَى السَّبَالَةِ فَكَانَ يَجْمَعُ كُلَّ جُمُعَةٍ وَيَرْجِعُ فَإِذَا رَجَعَ صَاحُوا بِهِ فِرَّ مِنَ الطَّاعُونِ فَطُعِنَ فَمَاتَ بِالسَّبَالَةِ انْتَهَى. لَكِنْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ جَوَازَ الْخُرُوجِ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَمِنَ التَّابِعِينَ الْأَسْوَدُ بْنُ هِلَالٍ وَمَسْرُوقٌ وَأَنَّهُمَا كَانَا يَفِرَّانِ مِنْهُ. وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ كَانَ يَبْعَثُ بَنِيهِ إِلَى الْأَعْرَابِ مِنَ الطَّاعُونِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي أَنَّهُ قَالَ: تَفَرَّقُوا مِنْ هَذَا الرِّجْزِ فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَرُءُوسِ الْجِبَالِ حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ حَتَّى قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي يُعَاقِبُ اللَّهُ عَلَيْهَا إِنْ لَمْ يَعْفُ. (فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ سَرْغَ) بِمَنْعِ الصَّرْفِ وَالصَّرْفِ وَفِيهِ جَوَازُ ذَلِكَ وَلَيْسَ مِنَ الطِّيَرَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَنْعِ الْإِلْقَاءِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، أَوْ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يَعْتَقِدَ مَنْ يَدْخُلُ إِلَيْهَا ظَنَّ الْعَدْوَى الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَفِيهِ كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ أَنَّهُ قَدْ يَذْهَبُ عَلَى الْعَالِمِ الْحَبْرِ مَا يُوجَدُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ لَيْسَ مِثْلَهُ، وَكَانَ عُمَرُ مِنَ الْعِلْمِ بِمَوْضِعٍ لَا يُوَازِيهِ أَحَدٌ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ وُضِعَ عِلْمُ عُمَرَ فِي كِفَّةٍ وَعِلْمُ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي كِفَّةٍ رَجَحَ عِلْمُ عُمَرَ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى أَنَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَسُقِيَ بِهَا لَبَنًا فَنَاوَلَ فَضْلَهُ عُمَرَ فَقِيلَ مَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: الْعِلْمُ» " وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطِّبِّ عَنِ التِّنِّيسِيِّ وَفِي تَرْكِ الْحِيَلِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِنَّمَا رَجَعَ بِالنَّاسِ مِنْ سَرْغَ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ   1657 - 1610 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ) جَدَّهُ (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِنَّمَا رَجَعَ بِالنَّاسِ) مِنْ سَرْغَ (عَنْ) وَلِلْقَعْنَبِيِّ مِنْ، أَيْ: لِأَجْلِ (حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الْمَذْكُورِ تَقْدِيمًا لِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى الْقِيَاسِ ; لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى الرُّجُوعِ اعْتِمَادًا عَلَى خَبَرِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 وَحْدَهُ بَعْدَ أَنْ رَكِبُوا مَشَقَّةَ السَّفَرِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى سَرْغَ فَرَجَعُوا وَلَمْ يَدْخُلُوا الشَّامَ، وَقِيلَ: رَجَعَ قَبْلَ إِخْبَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ; لِأَنَّهُ قَالَ: أَنَّهُ مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرُوهُ بِالْحَدِيثِ فَلَمَّا أَخْبَرُوهُ قَوِيَ عَزْمُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَتَأَوَّلَ مَنْ قَالَ بِهَذَا بِأَنَّ سَالِمًا لَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ قَوْلُ عُمَرَ قَبْلَ إِخْبَارِ ابْنِ عَوْفٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَرَجَّحَ بَعْضُهُمُ الْأَوَّلَ بِأَنَّ وَلَدَهُ - أَيْ: حَفِيدَهُ - مَا عُرِفَ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَبِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ لِيَرْجِعَ إِلَى رَأْيٍ دُونَ رَأْيِ الْغَيْرِ حُجَّةً حَتَّى وَجَدَ عِلْمًا وَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ، الَّذِي قَالَهُ قَبْلُ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَهُ بِالْحَدِيثِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ إِنِّي عَلَى سَفَرٍ لِوَجْهِهِ الَّذِي كَانَ تَوَجَّهَ لَهُ، لَا أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِ وَهَذَا بِعِيدٌ انْتَهَى. وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا كُلِّهِ لِأَنَّ عُمَرَ رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِ إِلَى رَأْيِ مَنْ أَشَارَ بِالرُّجُوعِ لِكَثْرَتِهِمْ، ثُمَّ قَوَّى ذَلِكَ لَهُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَجَعَ بِهِمْ مِنْ سَرْغَ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ سَالِمٍ، فَلَا دَاعِيَةَ لِدَعْوَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ قَوْلُ عُمَرَ قَبْلَ إِخْبَارِ ابْنِ عَوْفٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَبَيْتٌ بِرُكْبَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَشَرَةِ أَبْيَاتٍ بِالشَّامِ قَالَ مَالِكٌ يُرِيدُ لِطُولِ الْأَعْمَارِ وَالْبَقَاءِ وَلِشِدَّةِ الْوَبَإِ بِالشَّامِ   1657 - 1611 - (مَالِكٌ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِبَيْتٍ بِرُكْبَةَ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: هِيَ أَرْضُ بَنِي عَامِرٍ وَهِيَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْعِرَاقِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُكْبَةُ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الطَّائِفِ (أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَشَرَةِ أَبْيَاتٍ بِالشَّامِ، قَالَ مَالِكٌ: يُرِيدُ) عُمَرُ (لِطُولِ الْأَعْمَارِ وَالْبَقَاءِ) لِأَهْلِ رُكْبَةَ (وَلِشِدَّةِ الْوَبَاءِ) قُوَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ (بِالشَّامِ) وَفِي التَّمْهِيدِ عَنْ مَالِكٍ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ حِينَ وَقَعَ الْوَبَاءُ بِالشَّامِ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ مَرْفُوعًا: " «أَتَانِي جِبْرِيلُ بِالْحُمَّى وَالطَّاعُونِ فَأُمْسِكَتِ الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ وَأُرْسِلَتِ الطَّاعُونُ إِلَى الشَّامِ، فَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِأُمَّتِي وَرَحْمَةٌ لَهُمْ وَرِجْزٌ عَلَى الْكَافِرِينَ» " قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَهَا عَلَى الطَّاعُونِ وَأَقَرَّهَا بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ فَنَقَلَهَا إِلَى الْجُحْفَةِ كَمَا مَرَّ وَبَقِيَتْ مِنْهَا بَقَايَا، وَلَا يُعَارِضُهُ الدُّعَاءُ بِرَفْعِ الْوَبَاءِ عَنْهَا لِنُدْرَةِ وُقُوعِهِ فِيهَا بِخِلَافِ الطَّاعُونِ لَمْ يُنْقَلْ قَطُّ أَنَّهُ وَقَعَ بِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 [باب القدر] [النَّهْيِ عَنْ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ] كتاب القدر باب النَّهْيِ عَنْ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى قَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ»   46 - كِتَابُ الْقَدَرِ 1 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تُسَكَّنُ، قَالَ الرَّاغِبُ: هُوَ التَّقْدِيرُ وَالْقَضَاءُ هُوَ التَّفْصِيلُ وَالْقَطْعُ، فَالْقَضَاءُ أَخَصُّ مِنَ الْقَدَرِ لِأَنَّهُ الْفَصْلُ بَيْنَ التَّقْدِيرِ فَالْقَدَرُ كَالْأَسَاسِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَدَرَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَدِّ لِلْكَيْلِ، وَالْقَضَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ. قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: قَدَّرَ اللَّهُ الْأَشْيَاءَ، أَيْ: عَلِمَ مَقَادِيرَهَا وَأَحْوَالَهَا وَأَزْمَانَهَا قَبْلَ إِيجَادِهَا ثُمَّ أَوْجَدَ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ، فَلَا يَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ صَادِرٌ عَنْ عِلْمِهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ دُونَ خَلْقِهِ، وَإِنَّ خَلْقَهُ لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا إِلَّا نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَمُحَاوَلَةٌ وَنِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ، وَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ وَبِقُدْرَتِهِ وَإِلْهَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَلَا خَالِقَ غَيْرُهُ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: سَبِيلُ مَعْرِفَةِ هَذَا الْبَابِ التَّوْقِيفُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دُونَ مَحْضِ الْقِيَاسِ وَالْعَقْلِ، فَمَنْ عَدَلَ عَنِ التَّوْقِيفِ ضَلَّ وَتَاهَ فِي بِحَارِ الْحَيْرَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ شِفَاءً وَلَا يَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ ; لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى اخْتُصَّ بِهِ الْخَبِيرُ الْعَلِيمُ وَضَرَبَ دُونَهُ الْأَسْتَارَ، وَحَجَبَهُ عَنْ عُقُولِ الْخَلْقِ وَمَعَارِفِهِمْ لِمَا عَلِمَهُ مِنَ الْحِكْمَةِ، فَلَمْ يَعْلَمْهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَقِيلَ: الْقَدَرُ يَنْكَشِفُ لَهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ وَلَا يَنْكَشِفُ قَبْلَ دُخُولِهَا. 1660 - 1612 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَحَاجَّ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْجِيمِ أَصْلُهُ تَحَاجَجَ بِجِيمَيْنِ أُدْغِمَتْ أُولَاهُمَا فِي الْأُخْرَى (آدَمُ وَمُوسَى) أَيْ: ذَكَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا حُجَّتَهُ، قَالَ الْقَابِسِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْتَقَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِي السَّمَاءِ أَوَّلَ مَا مَاتَ مُوسَى فَتَحَاجَّا. قَالَ عِيَاضٌ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُمَا فَاجْتَمَعَا فَتَحَاجَّا بِأَشْخَاصِهِمَا كَمَا جَاءَ فِي الْإِسْرَاءِ، وَقِيلَ: كَانَ هَذَا فِي حَيَاةِ مُوسَى وَأَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُرِيَهُ آدَمَ فَأَجَابَهُ. ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي ذَلِكَ أَثَرًا أَنَّ مُوسَى الحديث: 1660 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 قَالَ: رَبِّ، أَبُونَا آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَأَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنَ الْجَنَّةِ أَرِنِيهِ، فَأَرَاهُ إِيَّاهُ (فَحَجَّ آدَمُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ (مُوسَى) فِي مَحَلِّ نَصْبِ مَفْعُولٌ، أَيْ: غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ (قَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ: عَرَّضْتَهُمْ لِلْإِغْوَاءِ لَمَّا كُنْتَ سَبَبَ خُرُوجِهِمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: أَيْ: أَنْتَ السَّبَبُ فِي إِخْرَاجِهِمْ وَتَعْرِيضِهِمْ لِإِغْوَاءِ الشَّيْطَانِ (وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) دَارِ النَّعِيمِ وَالْخُلُودِ إِلَى دَارِ الْبُؤْسِ وَالْفَنَاءِ. وَفِيهِ أَنَّ الْجَنَّةَ الَّتِي أُهْبِطَ مِنْهَا آدَمُ هِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي يَسْكُنُهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي الْآخِرَةِ، فَيَرُدُّ قَوْلَ الْمُبْتَدِعَةِ أَنَّهَا غَيْرُهَا. قَالَ الْأُبِّيُّ: كَأَنَّ مُوسَى جَوَّزَ الْوِلَادَةَ فِي الْجَنَّةِ مَعَ أَنَّهَا مَشَقَّةٌ لِأَنَّهَا إِنَّمَا هِيَ مَشَقَّةٌ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ قِيلَ فِي هَابِيلَ أَنَّهُ مِنْ حَمْلِ الْجَنَّةِ. وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: " «أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُولَدُ لَهُ الْوَلَدُ كَمَا يَشْتَهِي وَيَكُونُ حَمْلُهُ وَفِصَالُهُ وَشَبَابُهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ» " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ " وَفِي رِوَايَةٍ: " أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَأَسْكَنَكَ فِي جَنَّتِهِ ثُمَّ أُهْبِطَ النَّاسُ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ؟» " (فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ) قَالَ عِيَاضٌ: عَامٌّ يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، أَيْ: مِمَّا عَلَّمَكَ وَيُحْتَمَلُ مِمَّا عَلَّمَهُ الْبَشَرَ (وَاصْطَفَاهُ) اخْتَارَهُ (عَلَى النَّاسِ) أَهْلِ زَمَانِهِ (بِرِسَالَتِهِ) بِالْإِفْرَادِ وَقُرِئَتِ الْآيَةُ بِهِ وَبِالْجَمْعِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلصَّحِيحَيْنِ: " اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ " وَفِي أُخْرَى: " اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلَامِهِ وَأَعْطَاكَ الْأَلْوَاحَ، فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ " (قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ) بِشَدِّ الدَّالِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ (عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟) فَحَجَّهُ بِذَلِكَ بِأَنْ أَلْزَمَهُ أَنَّ مَا صَدَرَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُسْتَقِلًّا بِهِ مُتَمَكِّنًا مِنْ تَرْكِهِ بَلْ كَانَ قَدَرًا مِنَ اللَّهِ لَا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهِ، أَيْ: أَنَّ اللَّهَ أَثْبَتَهُ فِي عِلْمِهِ قَبْلَ كَوْنِي وَحَكَمَ بِأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَكَيْفَ تَغْفُلُ عَنِ الْعِلْمِ السَّابِقِ وَتَذْكُرُ الْكَسْبَ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ وَتَنْسَى الْأَصْلَ الَّذِي هُوَ الْقَدَرُ وَأَنْتَ مِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ الَّذِينَ يُشَاهِدُونَ سِرَّ اللَّهِ مِنْ وَرَاءِ الْأَسْتَارِ؟ وَهَذِهِ الْمُحَاجَّةُ لَمْ تَكُنْ فِي عَالَمِ الْأَسْبَابِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ قَطْعُ النَّظَرِ عَنِ الْوَسَائِطِ وَالِاكْتِسَابِ وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ عِنْدَ مُلْتَقَى الْأَرْوَاحِ، وَاللَّوْمُ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَا دَامَ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ، أَمَّا بَعْدَهَا فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلِذَا عَدَلَ إِلَى الِاحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ السَّابِقِ، فَالتَّائِبُ لَا يُلَامُ عَلَى مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 تِيبَ عَلَيْهِ مِنْهُ لَا سِيَّمَا إِذَا انْتَقَلَ عَنْ دَارِ التَّكْلِيفِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " «أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةٍ؟» " وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ: " «أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟» " وَجَمَعَ بِحَمْلِ الْمُقَيَّدَةِ بِالْأَرْبَعِينَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابَةِ وَالْأُخْرَى عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِلْمِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: " الْأَرْبَعِينَ " مَثَلٌ خَلْقُهُ تَارِيخٌ مَحْدُودٌ وَقَضَاءُ اللَّهِ الْكَائِنَاتِ وَإِرَادَتُهُ أَزَلِيٌّ، فَيَجِبُ حَمْلُ الْأَرْبَعِينَ عَلَى أَنَّهُ أَظْهَرَ قَضَاءَهُ بِذَلِكَ لِلْمَلَائِكَةِ أَوْ فَعَلَ فِعْلًا مَا أَضَافَ إِلَيْهِ هَذَا التَّارِيخَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ: بِقَدَرٍ كَتَبَهُ فِي التَّوْرَاةِ أَلَا تَرَاهُ. قَالَ فِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ: فَكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ كَتَبَهُ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ: بِأَرْبَعِينَ. فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَى التَّحَاجِّ ذِكْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَنَاظِرَيْنِ حُجَّتَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُحَاجَّةُ وَهُوَ هُنَا اللَّوْمُ فَمُوسَى أَثْبَتَهُ وَآدَمُ نَفَاهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ آدَمَ احْتَجَّ بِشَيْءٍ سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ، وَأَمَّا مُوسَى فَإِنَّمَا ذَكَرَ الدَّعْوَى وَلَمْ يَذْكُرْ حُجَّةً. أَجَابَ الْأَبِّيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ أَنْتَ أَبُونَا حُجَّةٌ ; لِأَنَّ الْأَبَ مَحَلُّ الشَّفَقَةِ، وَهِيَ تَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ مَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَالْبَاجِيُّ: لَيْسَ مَا سَبَقَ مِنَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ يَرْفَعُ الْمَلَامَةَ عَنِ الْبَشَرِ لَكِنَّ مَعْنَاهُ قُدِّرَ عَلَيَّ وَتُبْتُ مِنْهُ وَالتَّائِبُ لَا يُلَامُ، وَقِيلَ: إِنَّمَا غَلَبَهُ لِأَنَّ آدَمَ أَبُوهُ وَلَمْ يُشْرَعْ لِلِابْنِ لَوْمُ الْأَبِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا بَعِيدٌ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ مُوسَى كَانَ قَدْ عَلِمَ مِنَ التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ تِلْكَ الْأَكْلَةَ سَبَبًا لِهُبُوطِهِ إِلَى الْأَرْضِ وَسُكْنَاهُ بِهَا وَنَشْرِ ذُرِّيَّتِهِ فِيهَا وَتَكْلِيفِهِمْ لِيُرَتِّبَ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنَ الْخُرُوجِ وَقَدْ فَعَلَ سَبَبَهُ فَفِيمَ اللَّوْمُ؟ وَقِيلَ: إِنَّمَا غَلَبَهُ لِأَنَّ تَرْتِيبَ اللَّوْمِ عَلَى الذَّمِّ لَيْسَ أَمْرًا عَقْلِيًّا لَا يَنْفَكُّ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ يَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ، فَإِذَا تَابَ اللَّهُ عَلَى آدَمَ وَغَفَرَ لَهُ فَقَدْ رَفَعَ عَنْهُ اللَّوْمَ فَمَنْ لَامَ فِيهِ مَحْجُوجٌ مَغْلُوبٌ بِالشَّرْعِ. وَقِيلَ: لَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَمْ يَجُبْ لَوْمَهُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ. وَمَبَاحِثُهَا إِنَّمَا هِيَ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ آدَمَ سَبَبٌ إِلَّا قَضَاءَ اللَّهِ وَقَدَرَهُ ; وَلِذَا فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ; وَلِذَا قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ وَذَكَرَ فَضَائِلَهُ، أَيْ: كَمَا قَضَى تَعَالَى لَكَ بِذَلِكَ وَنَفَّذَهُ فِيكَ، كَذَلِكَ قَضَى عَلَيَّ فِيمَا فَعَلْتُ وَنَفَّذَهُ فِيَّ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ «سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ الْجَنَّةَ وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ النَّارَ»   1661 - 1613 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ) قِيلَ: وَاسْمُهُ أَيْضًا زِيدٌ الْجَزَرِيُّ، أَبِي أُسَامَةَ أَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ ثُمَّ سَكَنَ الرُّهَا، ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَلَهُ أَفْرَادٌ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ الحديث: 1661 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 وَمِائَةٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعَةٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، لَهُ مَرْفُوعًا فِي الْمُوَّطَأِ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ (عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ) الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ ثِقَةٌ، رَوَى لَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالثَّلَاثَةُ تَابِعُونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَإِذْ) أَيْ: حِينَ {أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} [الأعراف: 172] بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِمَّا قَبْلَهُ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ (ذُرِّيَّاتِهِمْ) بِأَنْ أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ مِنْ صُلْبِ بَعْضٍ مِنْ صُلْبِ آدَمَ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ كَنَحْوِ مَا يَتَوَالَدُونَ كَالذَّرِّ، بِنَعْمَانَ بِفَتْحِ النُّونِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَنَصَبَ لَهُمْ دَلَائِلَ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَرَكَّبَ فِيهِمْ عَقْلًا {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الأعراف: 172] قَالَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] أَنْتَ رَبُّنَا (شَهِدْنَا) بِذَلِكَ وَالْإِشْهَادُ (أَنْ) لَا (يَقُولُوا) بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ {يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا} [الأعراف: 172] الْإِشْهَادِ (غَافِلِينَ) لَا نَعْرِفُهُ (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ عَنْهَا) أَيِ الْآيَةِ « (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ) » قَالَ الْبَاجِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ " يَدَهُ " صِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِجَارِحَةٍ كَجَوَارِحِ الْمَخْلُوقِينَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: عَبَّرَ بِالْمَسْحِ عَنْ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِظَهْرِ آدَمَ وَكُلُّ مَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِهِ قُدْرَةُ الْخَالِقِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِفِعْلِ الْمَخْلُوقِ مَا لَمْ يَكُنْ دَنَاءَةً. وَقَالَ عِيَاضٌ: اخْتُلِفَ فِي الْيَدِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْجَوَارِحِ الَّتِي وَرَدَتْ وَيَسْتَحِيلُ نِسْبَتُهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ صَرْفُهَا عَنْ ظَاهِرِهَا الْمُحَالِ وَلَا تُتَأَوَّلُ وَيُصْرَفُ عِلْمُهَا إِلَى اللَّهِ وَهِيَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ، وَتَأَوَّلَهَا الْأَشْعَرِيُّ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّهَا صِفَاتٌ لَا نَعْلَمُهَا، وَتَأَوَّلَهَا قَوْمٌ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ، وَالْيَدُ فِي اللُّغَةِ تُطْلَقُ عَلَى الْقُدْرَةِ وَالنِّعْمَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا (فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذَرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ) وَهُمُ السُّعَدَاءُ وَحُرَّمْتُهَا عَلَى غَيْرِهِمْ (وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) أَيِ الطَّاعَاتِ (يَعْمَلُونَ) أَيْ: أَنَّهُ تَعَالَى يُيَسِّرُ لَهُمْ أَعْمَالَ الطَّاعَاتِ وَيُهَوِّنُهَا عَلَيْهِمْ (ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 فَاسْتَخْرَجَ) أَيْ: أَخْرَجَ (مِنْهُ ذَرِّيَّةً وَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ) الْأَشْقِيَاءَ (لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ) لِأَنَّهُمْ مُيَسَّرُونَ لِذَلِكَ وَجُعِلَ كِلَيْهِمَا مَعًا فِي دَارِ الدُّنْيَا فَوَقَعَ الِابْتِلَاءُ وَالِامْتِحَانُ بِسَبَبِ الِاخْتِلَاطِ وَجَعَلَهَا دَارَ تَكْلِيفٍ فَبَعَثَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ لِبَيَانِ مَا كَلَّفَهُمْ بِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْأَخْلَاقِ، وَأَمَرَهُمْ بِجِهَادِ الْأَشْقِيَاءِ فَقَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْمَعَادِ مَيَّزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطِّيبِ، فَجَعَلَ الطَّيِّبَ وَأَهَّلَهُ فِي دَارِهِمْ، وَالْخَبِيثَ وَأَهْلَهُ فِي دَارِهِمْ، فَيَنْعَمُ هَؤُلَاءِ بِطِيبِهِمْ وَيُعَذَّبُ هَؤُلَاءِ بِخُبْثِهِمْ لِانْكِشَافِ الْحَقَائِقِ. (فَقَالَ رَجُلٌ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ كَمَا فِي مُسْنَدِ مُسَدَّدِ بْنِ مُسَرْهَدٍ فِي نَحْوِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ كَمَا فِي مُسْلِمٍ فِي نَحْوِهِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ؟) أَيْ: إِذَا سَبَقَ الْعِلْمُ بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى عَمَلٍ ; لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ إِلَى مَا قُدِّرَ لَهُ « (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) فَيُهَوِّنُهُ عَلَيْهِ (حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ الْجَنَّةَ) » عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ بِمَحْضِ رَحْمَتِهِ. ( «وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ النَّارَ» ) وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، وَفِيهِ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ لَا لِأَجْلِ الْأَعْمَالِ بَلِ الْمُوجِبُ لَهُمَا اللُّطْفُ الرَّبَّانِيُّ وَالْخِذْلَانُ الْإِلَهِيُّ الْمُقَدَّرُ لَهُمْ وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، بَلْ وَهُمْ آبَاؤُهُمْ وَأُصُولُ أَكْوَانِهِمْ فِي الْعَدَمِ، فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَدْأَبَ فِي صَالِحِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّهَا أَمَارَةٌ إِلَى مَآلِ أَمْرِهِ غَالِبًا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُ هَذَا الصَّحَابِيِّ مُطَالَبَةٌ بِأَمْرٍ يُوجِبُ تَعْطِيلَ الْعُبُودِيَّةِ فَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ إِخْبَارَ الرَّسُولِ عَنْ سَابِقِ الْكِتَابِ إِخْبَارٌ عَنْ غَيْبِ عِلْمِ اللَّهِ فِيهِمْ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فَرَامَ أَنْ يَتَّخِذَهُ حُجَّةً فِي تَرْكِ الْعَمَلِ فَأَعْلَمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَاهُنَا أَمْرَيْنِ مُحْكَمَيْنِ لَا يَبْطُلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ: بَاطِنٌ وَهُوَ الْحِكْمَةُ الْمُوجَبَةُ فِي حُكْمِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَظَاهِرٌ وَهُوَ السِّمَةُ اللَّازِمَةُ فِي حَقِّ الْعُبُودِيَّةِ. وَهِيَ أَمَارَةٌ وَمُخَيَّلَةٌ غَيْرُ مُفِيدَةٍ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِنَّمَا عُومِلُوا بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ وَتَعَبَّدُوا بِهَا لِيَتَعَلَّقَ خَوْفُهُمْ وَرَجَاؤُهُمْ بِالْبَاطِنِ وَذَلِكَ مِنْ صِفَةِ الْإِيمَانِ، وَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، وَأَنَّ عَمَلَهُ فِي الْعَاجِلِ دَلِيلُ مَصِيرِهِ فِي الْآجِلِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَاطْلُبْ نَظِيرَهُ مِنَ الرِّزْقِ الْمَقْسُومِ مَعَ الْأَمْرِ بِالْكَسْبِ وَمِنَ الْأَجَلِ الْمَنْصُوبِ مَعَ الْمُعَاجَلَةِ بِالطَّلَبِ الْمَأْذُونِ فِيهَا انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَهُوَ مِنَ التَّفْسِيرِ الْمَرْفُوعِ وَشَوَاهِدُهُ كَثِيرَةٌ كَحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حَصِينٍ: " «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعُلِمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» " وَتَنَاقَضَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ أَوَّلًا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ ; لِأَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ لَمْ يَلْقَ عُمَرَ وَبَيْنَهُمَا نُعَيْمُ بْنُ رَبِيعَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ: زِيَادَةٌ مَنْ زَادَ نُعَيْمًا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ لِأَنَّ الَّذِينَ لَمْ يَذْكُرُوهُ أَحْفَظُ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ مِنَ الْحَافِظِ الْمُتْقِنِ انْتَهَى. فَحَيْثُ لَمْ تُقْبَلْ فَهِيَ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ فَيُنَاقِضُ قَوْلَهُ أَوَّلًا مُنْقَطِعٌ بَيْنَهُمَا نُعَيْمٌ، أَمَّا قَوْلُهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَائِمِ، فَمُسْلِمٌ وَنُعَيْمٌ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ بِحَمْلِ الْعِلْمِ لَكِنْ صَحَّ مَعْنَاهُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ   1661 - 1614 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) مَرَّ أَنَّ بَلَاغَهُ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَرَكْتُ فِيكُمْ بَعْدَ وَفَاتِي أَمْرَيْنِ) وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ شَيْئَيْنِ (لَنْ تَضِلُّوا مَا مَسَكْتُمْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالسِّينِ، أَيْ: أَخَذْتُمْ وَتَعَلَّقْتُمْ وَاعْتَصَمْتُمْ (بِهِمَا، كِتَابَ اللَّهِ) بَدَلٌ مِنْ أَمْرَيْنِ (وَسُنَّةَ نَبِيهِ) فَإِنَّهُمَا الْأَصْلَانِ اللَّذَانِ لَا عُدُولَ عَنْهُمَا وَلَا هَدْيَ إِلَّا مِنْهُمَا، وَالْعِصْمَةُ وَالنَّجَاةُ لِمَنْ مَسَكَ بِهِمَا وَاعْتَصَمَ بِحَبْلِهِمَا، وَهُمَا الْعُرْفَانِ الْوَاضِحُ وَالْبُرْهَانُ اللَّائِحُ بَيْنَ الْمُحِقِّ إِذَا اقْتَفَاهُمَا وَالْمُبْطِلِ إِذَا حَلَّاهُمَا، فَوُجُوبُ الرُّجُوعِ إِلَيْهِمَا مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ ضَرُورَةً، لَكِنَّ الْقُرْآنَ يُحَصِّلُ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ يَقِينًا، وَفِي السُّنَّةِ تَفْصِيلٌ مَعْرُوفٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " «خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَسَنَتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَى الْحَوْضِ» ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ قَالَ طَاوُسٌ وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ أَوْ الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ»   1663 - 1615 - (مَالِكٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيِّ نَشَأَ بِهَا ثُمَّ الحديث: 1663 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 نَزَلَ مَكَّةَ ثُمَّ الْيَمَنَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ أَثْبَتَ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ مَالِكٌ: ثِقَةٌ سَكَنَ مَكَّةَ وَقَدِمَ عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ وَلَهُ هَيْبَةٌ وَصَلَاحٌ، وَكَذَا وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا (عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ مُسْلِمٍ) الْجَنَدِيِّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ الْيَمَانِيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامُ (عَنْ طَاوُسِ) بْنِ كَيْسَانَ (الْيَمَانِيِّ) الثِّقَةِ الثَّبْتِ الْفَقِيهِ الْفَاضِلِ، يُقَالُ: اسْمُهُ ذَكْوَانُ وَطَاوُسٌ لَقَبٌ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ وَقِيلَ: بَعْدَهَا (أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ) أَيْ: جَمِيعُ الْأُمُورِ إِنَّمَا هِيَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ فَمَا قُدِّرَ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، أَوِ الْمُرَادُ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ بِتَقْدِيرٍ مُحْكَمٍ وَهُوَ تَعَلُّقُ الْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِنِظَامِ الْمَوْجُودَاتِ عَلَى تَرْتِيبٍ. (قَالَ طَاوُسٌ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) بْنَ الْخَطَّابِ (يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ» ) قَالَ عِيَاضٌ: رَوَيْنَاهُ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى شَيْءٍ وَالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " كُلُّ " وَقَدْ تَكُونُ حَتَّى جَارَّةً وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِيهَا، وَالْعَجْزُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ، وَقِيلَ: هُوَ تَرْكُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ وَالتَّسْوِيفُ فِيهِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهُ، وَيُحْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَمَلَ الطَّاعَاتِ، وَيُحْتَمَلَ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْكَيْسُ ضِدُّ الْعَجْزِ وَهُوَ النَّشَاطُ فِي تَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ، قَالَ: وَإِدْخَالُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا مَا قَدَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَقَضَى بِهِ وَأَرَادَهُ مِنْ خَلْقِهِ انْتَهَى وَهُوَ وَجِيهٌ. لَكِنْ تَعَقَّبَ الْأَبِّيُّ تَفْسِيرَ الْعَجْزِ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ: يُصَيِّرُهُ عَدَمًا وَهُوَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ يَمْتَنِعُ مَعَهَا وُقُوعُ الْفِعْلِ الْمُمْكِنِ. وَرَجَّحَ الطِّيبِيُّ أَنَّ " حَتَّى " حَرْفُ جَرٍّ بِمَعْنَى " إِلَى "، نَحْوَ: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] [سُورَةُ الْقَدْرِ: الْآيَةُ 5] لِأَنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي الْغَايَةَ، إِذِ الْمُرَادُ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَاكْتِسَابَهُمْ كُلَّهَا بِتَقْدِيرِ خَالِقِهِمْ حَتَّى الْكَيْسَ الْمُوصِلَ صَاحِبَهُ إِلَى الْبُغْيَةِ، وَالْعَجْزَ الَّذِي يَتَأَخَّرُ بِهِ عَنْ دَرْكِهَا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ مَا مِنْ شَيْءٍ يَقَعُ فِي الْوُجُودِ إِلَّا وَسَبَقَ عِلْمُهُ بِهِ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ، وَلِذَا أَتَى بِكُلِّ الَّتِي هِيَ لِلْعُمُومِ وَعَقَّبَهَا بِحَتَّى الَّتِي هِيَ لِلْغَايَةِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْعَجْزِ وَالْكَيْسِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ أَفْعَالَنَا وَإِنْ كَانَتْ مُرَادَةً لَنَا فَهِيَ لَا تَقَعُ إِلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: الْآيَةُ 30] وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قُوبِلَ الْكَيْسُ بِالْعَجْزِ عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُقَابِلَ الْحَقِيقِيَّ لِلْكَيْسِ الْبَلَادَةُ وَلِلْعَجْزِ الْقُوَّةُ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْأُسْلُوبِ تَقْيِيدُ كُلٍّ مِنَ اللَّفْظَيْنِ بِمَا يُضَادُّ الْآخَرَ، يَعْنِي: حَتَّى الْكَيْسِ وَالْقُوَّةِ وَالْبَلَادَةِ وَالْعَجْزِ عَنْ قَدَرِ اللَّهِ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُثْبِتُ الْقُدْرَةَ لِغَيْرِهِ تَعَالَى مُطْلَقًا وَيَقُولُ أَفْعَالُ الْعِبَادِ مُسْنَدَةٌ إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 قُدْرَةِ الْعَبْدِ وَاخْتِيَارِهِ لِأَنَّ مَصْدَرَ الْفِعْلِ الدَّاعِيَةُ وَمَنْشَؤُهَا الْقَلْبُ الْمَوْصُوفُ بِالْكِيَاسَةِ وَالْبَلَادَةِ ثُمَّ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَمَكَانُهُمَا الْأَعْضَاءُ وَالْجَوَارِحُ، فَإِذَا كَانَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ يَخْرُجُ عَنْهُمَا. (أَوْ) قَالَ (الْكَيْسُ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَمُهْمَلَةٍ، النَّشَاطُ وَالْحَذْقُ وَالظَّرَافَةُ، أَوْ كَمَالُ الْعَقْلِ أَوْ شَدَّةُ مَعْرِفَةِ الْأُمُورِ أَوْ تَمْيِيزُ مَا فِيهِ الضَّرَرُ مِنَ النَّفْعِ. (وَالْعَجْزُ) التَّقْصِيرُ عَمَّا يَجِبُ فِعْلُهُ أَوْ عَنِ الطَّاعَةِ أَوْ أَعَمُّ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الرَّاوِيَ شَكَّ هَلْ أَخَّرَ الْكَيْسَ أَوْ قَدَّمَهُ؟ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَإِنْ صَحَّ أَنَّ الشَّكَّ مِنِ ابْنِ عُمَرَ أَوْ مِنْ دُونَهُ فَفِيهِ مُرَاعَاةُ الْأَلْفَاظِ عَلَى رُتْبَتِهَا وَأَظُنُّهُ مِنْ وَرَعِ ابْنِ عُمَرَ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ جَوَازُ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى لِلْعَارِفِ بِالْمَعَانِي، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْهَادِي وَالْفَاتِنُ   1664 - 1616 - (مَالِكٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ) الْمَذْكُورِ آنِفًا (عَنْ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، ابْنِ دِينَارٍ الْمَكِّيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ) وَهُوَ خَلِيفَةٌ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْهَادِي) الَّذِي يُبَيِّنُ الرُّشْدَ مِنَ الْغَيِّ وَأَلْهَمَ طُرُقَ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ كُلَّ مُكَلَّفٍ، وَالدُّنْيَوِيَّةِ كُلَّ حَيٍّ. (وَالْفَاتِنُ) بِمَعْنَى الْمُضِلِّ الْوَارِدِ فِي أَسْمَائِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا وَارِدٌ أَيْضًا عَنْ صَحَابِيٍّ، فَهُوَ تَوْقِيفٌ، إِذْ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ} [طه: 85] [سُورَةُ طه: الْآيَةُ 85] وَ {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: 155] [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ 155] وَأَخْرَجَ أَبُو عُمَرَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ مَنْ حَرَمَنِي الْهُدَى وَأَوْرَثَنِي الضَّلَالَةَ وَالرَّدَى أَتُرَاهُ أَحْسَنَ إِلَيَّ أَوْ ظَلَمَنِي؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا كَانَ الْهُدَى شَيْئًا كَانَ لَكَ عِنْدَهُ فَمَنَعَكَ فَقَدْ ظَلَمَكَ، وَإِنْ كَانَ الْهُدَى لَهُ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ فَمَا ظَلَمَكَ شَيْئًا وَلَا تُجَالِسْنِي بَعْدُ. وَبِهَذَا أَجَابَ رَبِيعَةُ غَيْلَانَ الْقَدَرِيَّ لَمَّا سَأَلَهُ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. الحديث: 1664 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ مَا رَأْيُكَ فِي هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ فَقُلْتُ رَأْيِي أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا عَرَضْتَهُمْ عَلَى السَّيْفِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَذَلِكَ رَأْيِي قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ رَأْيِي   1665 - 1617 - (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَاسْمُهُ نَافِعٌ (ابْنِ مَالِكٍ) الحديث: 1665 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 ابْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيِّ (قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (فَقَالَ: مَا رَأْيُكَ فِي هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ؟ فَقُلْتُ: أَرَى أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ) تَطْلُبَ مِنْهُمُ التَّوْبَةَ عَنِ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ (فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا عَرَضْتَهُمْ عَلَى السَّيْفِ) أَيْ: قَتَلْتَهُمْ بِهِ (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَذَلِكَ رَأْيِي) فِيهِمْ. (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ رَأْيِي) دَفْعًا لِفَسَادِهِمْ وَقَطْعًا لِبِدْعَتِهِمْ لَا لِلْكُفْرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 بَابُ جَامِعِ مَا جَاءَ فِي أَهْلِ الْقَدَرِ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا وَلِتَنْكِحَ فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا»   2 - بَابُ جَامِعِ مَا جَاءَ فِي أَهْلِ الْقَدَرِ 1666 - 1618 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَخِفَّةِ النُّونِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ» ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا أَوْ دِينًا أَوْ فِي الْبَشَرِيَّةِ لِيُدْخِلَ الْكَافِرَةَ» " وَقِيلَ: الْمُرَادُ ضَرَّتُهَا، وَلَفْظُ لَا يَحِلُّ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ، لَكِنْ حُمِلَ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَبَبٌ مُجَوِّزٌ كَرِيبَةٍ فِي الْمَرْأَةِ لَا يَسُوغُ مَعَهَا الِاسْتِمْرَارُ فِي الْعِصْمَةِ وَقَصَدَتِ النَّصِيحَةَ الْمَحْضَةَ، ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ، وَحَمْلُهُ عَلَى النَّدْبِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ بَعِيدٌ. وَفِي مُسْتَخْرَجِ أَبِي نُعَيْمٍ: " «لَا يَصْلُحُ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَشْتَرِطَ طَلَاقَ أُخْتِهَا» " وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَجْنَبِيَّةُ فَتَكُونُ الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ لَا فِي النَّسَبِ أَوِ الرَّضَاعِ أَوِ الْبَشَرِيَّةِ لِيَعُمَّ الْكَافِرَةَ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنُ حِبَّانَ لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ (طَلَاقَ أُخْتِهَا) فَإِنَّ الْمُسْلِمَةَ أُخْتُ الْمُسْلِمَةِ (لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا) أَيْ: تَجْعَلَهَا فَارِغَةً لِتَفُوزَ بِحَظِّهَا مِنَ النَّفَقَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْمُعَاشَرَةِ، وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ: لِتَسْتَفْرِغَ إِنَاءَ أُخْتِهَا. (وَلْتَنْكِحْ) بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَالْجَزْمِ، أَيْ: وَلْتَتَزَوَّجْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مَنْ خَطَبَهَا مِنْ الحديث: 1666 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَهُ طَلَاقَ أُخْتِهَا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَلْتَنْكِحْ عَطْفٌ عَلَى لِتَسْتَفْرِغَ وَكِلَاهُمَا عِلَّةٌ لِلنَّهْيِ، أَيْ: وَلْتَنْكِحْ زَوْجَهَا. (فَإِنَّمَا لَهَا) أَيْ: لِلسَّائِلَةِ (مَا قُدِّرَ لَهَا) أَيْ: لَنْ يَعْدُوَ ذَلِكَ مَا قُسِمَ لَهَا وَلَنْ تَسْتَزِيدَ بِهِ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحْسَنِ أَحَادِيثِ الْقَدَرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَجَابَهَا وَطَلَّقَ مَنْ تَظُنُّ أَنَّهَا تُزَاحِمُهَا فِي رِزْقِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا، سَوَاءٌ أَجَابَهَا أَمْ لَمْ يُجِبْهَا. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ " «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ» " وَالْبَاقِي مِثْلُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ اللَّهُ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْهُ الْجَدُّ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ سَمِعْتُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْأَعْوَادِ» وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا يَنْبَغِي الَّذِي لَا يَعْجَلُ شَيْءٌ أَنَاهُ وَقَدَّرَهُ حَسْبِيَ اللَّهُ وَكَفَى سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ دَعَا لَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ مَرْمَى وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ إِنَّ أَحَدًا لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ   1667 - 1619 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادِ) بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَقَدْ يُنْسَبُ لِجَدِّهِ الْمَخْزُومِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ الثِّقَةُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ) الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الْعَالِمِ وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ وَوَهِمَ مَنْ قَالَ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ، فَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ أَبُوهُ مِمَّنْ لَمْ يَنْبُتُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، مَاتَ مُحَمَّدٌ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ: قَبْلَهَا. (قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ) وَلِبَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ كَمَا أَفَادَهُ أَبُو عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ (بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرَ بْنَ حَرْبٍ (وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ) النَّبَوِيِّ عَامَ حَجَّ فِي خِلَافَتِهِ ( «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ» ) أَيْ: لِمَا أَرَادَ إِعْطَاءَهُ، وَإِلَّا فَبَعْدَ الْإِعْطَاءِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ لَا مَانِعَ لَهُ إِذِ الْوَاقِعُ لَا يَرْتَفِعُ. ( «وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ اللَّهُ» ) أَيْ: لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ وَ " مَا " مَوْصُولَةٌ، وَجُمْلَةُ " أَعْطَى " صِلَةُ " مَا "، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيِ: الَّذِي أَعْطَاهُ وَمَنَعَهُ، وَقِيلَ: لَا مَانِعَ اسْمُ نَكِرَةٍ مَبْنِيٌّ مَعَ لَا وَخَبَرُهَا الِاسْتِقْرَارُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الْمَجْرُورُ، أَوِ الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا عَلَى لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ وَكَثِيرٍ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ فَيَتَعَلَّقُ حَرْفُ الْجَرِّ بِمَانِعٍ، قِيلَ: فَيَجِبُ نَصْبُهُ وَتَنْوِينُهُ ; لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ وَالرِّوَايَةُ عَلَى بِنَائِهِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ، وَوُجِّهَتْ بِأَنَّ مُتَعَلِّقَ خَبَرِ " لَا مَانِعَ " مَحْذُوفٌ، أَيْ: لَا مَانِعَ لَنَا لِمَا أَعْطَى، فَيَتَعَلَّقُ بِالْكَوْنِ الْمُقَدَّرِ لَا بِمَانِعٍ، كَمَا قِيلَ فِي: {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ} [الأنفال: 48] [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 48] أَوْ يُقَدَّرُ لَا مَانِعَ يَمْنَعُ لِمَا أَعْطَى فَيَتَعَلَّقُ بِ " يَمْنَعُ " وَيَكُونُ " يَمْنَعُ " خَبَرُ " لَا " عَلَى إِحْدَى اللُّغَتَيْنِ. ( «وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْهُ الْجَدُّ» ) بِفَتْحِ الْجِيمِ فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمِنْهُ يَتَعَلَّقُ بِ " يَنْفَعُ "، أَيْ: لَا يَنْفَعُ صَاحِبَ الْحَظِّ مِنْ نُزُولِ عَذَابِهِ - حَظُّهُ، إِنَّمَا يَنْفَعُهُ عَمَلُهُ الصَّالِحُ. الحديث: 1667 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الْحَظُّ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: لِفُلَانٍ جَدٌّ فِي هَذَا الْأَمْرِ، أَيْ: حَظٌّ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: أَعْطَاكُمُ اللَّهُ جَدًّا تُنْصَرُونَ بِهِ ... لَا جَدَّ إِلَّا صَغِيرٌ بَعْدَ مُحْتَقَرِ وَهُوَ الَّذِي تَقُولُ الْعَامَّةُ: الْبَخْتُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى مِنْهُ غِنَاهُ إِنَّمَا تَنْفَعُهُ طَاعَتُهُ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ: " «قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْفُقَرَاءُ وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ» "، أَيْ: أَصْحَابُ الْغِنَى فِي الدُّنْيَا مَحْبُوسُونَ يَوْمَئِذٍ. قَالَ: فَهُوَ كَقَوْلِهِ: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ - إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88 - 89] [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: الْآيَةُ 88، 89] وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [سبأ: 37] [سُورَةُ سَبَأٍ: الْآيَةُ 37] وَهُوَ حَسَنٌ أَيْضًا، وَرُوِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ، أَيْ: الِاجْتِهَادُ، وَالْمَعْنَى: لَا يَنْفَعُ ذَا الِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ اجْتِهَادُهُ وَإِنَّمَا يَأْتِيهِ مَا قُدِّرَ لَهُ، وَلَيْسَ يَرْزُقُ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ، وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْحَافِظُ: الْجَدُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَمَعْنَاهُ الْغِنَى كَمَا نَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ أَوِ الْحَظُّ. وَحَكَى الرَّاغِبُ أَنَّهُ أَبُو الْأَبِ، أَيْ: لَا يَنْفَعُ أَحَدًا نَسَبُهُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَمْرِو الشَّيْبَانِيِّ أَنَّهُ رَوَاهُ بِالْكَسْرِ، وَقَالَ مَعْنَاهُ ذَا الِاجْتِهَادِ اجْتِهَادُهُ وَأَنْكَرَهُ الطَّبَرِيُّ. قَالَ الْقَزَّازُ: لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ فِي الْعَمَلِ نَافِعٌ لِدُعَاءِ اللَّهِ الْخَلْقَ إِلَيْهِ فَكَيْفَ لَا يَنْفَعُ عِنْدَهُ؟ قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَتَضْيِيعُ الْآخِرَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ بِمُجَرَّدِهِ حَتَّى يُقَارِنَهُ الْقَبُولُ وَذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ عَلَى رِوَايَةِ الْكَسْرِ السَّعْيُ التَّامُّ فِي الْحِرْصِ أَوِ الْإِسْرَاعُ فِي الْهَرَبِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْحَظُّ فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ أَوِ الْوَلَدِ أَوِ الْعَظْمَةِ أَوِ السُّلْطَانِ، وَالْمَعْنَى: لَا يُنْجِيهِ حَظُّهُ مِنْكَ وَإِنَّمَا يُنْجِيهِ فَضْلُكَ وَرَحْمَتُكَ انْتَهَى. (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنَ الْإِرَادَةِ وَهِيَ صِفَةٌ مُخَصَّصَةٌ لِأَحَدِ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ (بِهِ خَيْرًا) أَيْ: جَمِيعَ الْخَيْرَاتِ أَوْ خَيْرًا عَظِيمًا (يُفَقِّهْهُ) أَيْ: يَجْعَلُهُ فَقِيهًا (فِي الدِّينِ) وَالْفِقْهُ لُغَةً الْفَهْمُ، وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ هُنَا أَوْلَى مِنَ الِاصْطِلَاحِيِّ لِيَعُمَّ فَهْمَ كُلِّ عَامٍّ مِنْ عُلُومِ الدِّينِ، وَ " مَنْ " مَوْصُولٌ، فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ ; لِأَنَّ الْمَوْصُولَ يَتَضَمَّنُ مَعْنَاهُ، وَنَكَّرَ " خَيْرًا " لِيُفِيدَ التَّعْمِيمَ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ كَهِيَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، أَوِ التَّنْكِيرُ لِلتَّعْظِيمِ ; لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِيهِ ; وَلِذَا قُدِّرَ بِجَمِيعٍ أَوْ عَظِيمٍ. (ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ: سَمِعْتُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْأَعْوَادِ) أَيْ: أَعْوَادِ الْمِنْبَرِ النَّبَوِيِّ، ظَاهِرُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 أَنَّهُ سَمِعَ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْهُ وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَيَرْوُونَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى الْمُغِيرَةِ أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَمِعْتُهُ يَقُولُ خَلْفَ الصَّلَاةِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَجَمَعَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِجَوَازِ أَنَّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» " فَأَشَارَ إِلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ، فَيَجْتَمِعُ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ لِأَنَّهَا كُلَّهَا صَحِيحَةٌ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ عَوْدُ الْإِشَارَةِ لِجَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ، وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كِتَابَتَهُ إِلَى الْمُغِيرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ شَكَّ فَسَأَلَ الْمُغِيرَةَ فَأَجَابَهُ فَزَالَ بِذَلِكَ شَكُّهُ فَحَدَّثَ بِهِ عَنْ سَمَاعِهِ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَكَذَا ظَهَرَ لِي، ثُمَّ رَأَيْتُ فَتْحَ الْبَارِي قَالَ: زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ قَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ اسْتِثْبَاتَ الْمُغِيرَةِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ الْمُوَّطَأِ هَذَا انْتَهَى. وَهُوَ حَسَنٌ وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِزَعْمٍ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ جَزْمِهِ بِذَلِكَ. (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَئِمَّةِ الشَّرْعِ ; لِأَنَّ مَالِكًا أَدْخَلَهُ فِي كِتَابِهِ الْمُعْتَقَدِ صِحَّتُهُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَخْلُقَ (كَمَا يَنْبَغِي) أَيْ: أَحْسَنُهُ وَأَتَى بِهِ عَلَى أَفْضَلِ مَا يَكُونُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ (الَّذِي لَا يَعْجَلُ شَيْءٌ أَنَاهُ وَقَدَّرَهُ) أَيْ: لَا يَسْبِقُ وَقْتَهُ الَّذِي وَقَّتَهُ لَهُ (حَسْبِيَ اللَّهُ) كَافِيَّ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ (وَكَفَى) بِهِ كَافٍ (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ دَعَا) أَيْ: أَجَابَ دُعَاءَهُ (لَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ مَرْمَى) أَيْ: غَايَةٍ يُرْمَى إِلَيْهَا، أَيْ: تُقْصَدُ بِدُعَاءٍ أَوْ أَمَلٍ أَوْ رَجَاءٍ تَشْبِيهًا بِغَايَةِ السِّهَامِ. (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ يُقَالُ) ذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ إِذَا قَالَ كَانَ يُقَالُ؛ لَمْ يَشُكَّ أَنَّهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَذَا كَانَ مَالِكٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ جَاءَ مِنْ وُجُوهٍ حِسَانٍ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَغَيْرِهِمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «إِنَّ أَحَدًا لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ» ) الَّذِي كَتَبَ لَهُ الْمَلَكُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَلَا وَجْهَ لِلْوَلَدِ وَالْكَدِّ وَالتَّعَبِ وَالْحِرْصِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَسَمَ الرِّزْقَ وَقَدَّرُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِ إِرَادَتِهِ، لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ بِحَسَبِ عِلْمِهِ تَعَالَى الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ} [الزخرف: 32] [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: الْآيَةُ 32] فَلَا يُعَارِضُهُ مَا وَرَدَ: «الصُّبْحَةُ تَمْنَعُ الرِّزْقَ وَالْكَذِبُ يُنْقِصُ الرِّزْقَ» ، «وَأَنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ، أَوْ أَنَّ الَّذِي يَمْنَعُهُ وَيُنْقِصُهُ هُوَ الرِّزْقُ الْحَلَالُ أَوِ الْبَرَكَةُ، لَا أَصْلُ الرِّزْقِ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا» " ( «فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» ) بِأَنْ تَطْلُبُوهُ بِالطُّرُقِ الْجَمِيلَةِ الْمُحَلَّلَةِ بِلَا كَدٍّ وَلَا حِرْصٍ وَلَا تَهَافُتٍ عَلَى الْحَرَامِ وَالشُّبُهَاتِ أَوْ غَيْرَ مُنْكَبِّينَ عَلَيْهِ مُشْتَغِلِينَ عَنِ الْخَالِقِ الرَّازِقِ بِهِ، أَوْ بِأَنْ لَا تُعَيِّنُوا وَقْتًا وَلَا قَدْرًا لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ عَلَى اللَّهِ، أَوِ اطْلُبُوا مَا فِيهِ رِضَا اللَّهِ، لَا حُظُوظَ الدُّنْيَا أَوْ لَا تَسْتَعْجِلُوا الْإِجَابَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: " «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ» " زَادَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: " «وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ» " وَلِلْبَيْهَقِيِّ وَالْعَسْكَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجْلُهُ» " وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: " «لَا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَبْدٌ يَمُوتُ حَتَّى يَبْلُغَهُ آخِرُ الرِّزْقِ فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» " وَفِيهِ: " «أَنَّ الطَّلَبَ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ» " وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَاهُ عَنْ عُمَرَ رَفَعَهُ: " «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» " فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَبِ لَا الْقُعُودِ، أَرَادَ لَوْ تَوَكَّلُوا فِي ذَهَابِهِمْ وَمَجِيئِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ وَعَلِمُوا أَنَّ الْخَيْرَ بِيَدِهِ وَمِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَنْصَرِفُوا إِلَّا سَالِمِينَ غَانِمِينَ كَالطَّيْرِ، وَلَكِنَّهُمْ يَعْتَمِدُونَ عَلَى قُوَّتِهِمْ وَكَسْبِهِمْ وَهَذَا خِلَافُ التَّوَكُّلِ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا فِي الْقَائِلِ أَجْلِسُ لَا أَعْمَلُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَنِي رِزْقِي: هَذَا رَجُلٌ جَهِلَ الْعِلْمَ أَمَا سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي» " وَقَوْلَهُ: " «تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» " وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَتَّجِرُونَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَيَعْمَلُونَ فِي نَخِيلِهِمْ وَبِهِمُ الْقُدْوَةُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 [باب حُسْنِ الْخُلُقِ] [مَا جَاءَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ] كتاب حُسْنِ الْخُلُقِ باب مَا جَاءَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ آخِرُ مَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَعْتُ رِجْلِي فِي الْغَرْزِ أَنْ قَالَ أَحْسِنْ خُلُقَكَ لِلنَّاسِ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ   47 - كِتَابُ حُسْنِ الْخُلُقِ 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ بِضَمَّتَيْنِ وَتُسَكَّنُ اللَّامُ لِلتَّخْفِيفِ. وَفِي النِّهَايَةِ: الْخُلُقُ بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِهَا الدِّينُ وَالطَّبْعُ وَالسَّجِيَّةُ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ لِصُورَةِ الْإِنْسَانِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ نَفْسُهُ، وَأَوْصَافُهَا وَمَعَانِيهَا الْمُخْتَصَّةُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْخُلُقِ لِصُورَتِهِ الظَّاهِرَةِ وَأَوْصَافِهَا وَمَعَانِيهَا، وَلَهَا أَوْصَافٌ حَسَنَةٌ وَقَبِيحَةٌ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الْبَاطِنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، وَفِي أَنَّهُ غَرِيزَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ اللَّهَ قَسَّمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَّمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ» " الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ مُكْتَسِبُ خِلَافٍ. وَفِي حَدِيثِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِيمًا كَانَ فِيَّ أَوْ حَدِيثًا؟ قَالَ: قَدِيمًا، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلَّتَيْنِ مِمَّا يُحِبُّهُمَا اللَّهُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، فَتَرْدِيدُ السُّؤَالِ وَتَقْرِيرُهُ بِقَوْلِهِ قَدِيمًا يُشْعِرُ بِأَنَّ فِي الْخُلُقِ مَا هُوَ جِبِلِّيٌّ وَمَا هُوَ مُكْتَسَبٌ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لَا ثَالِثَ. 1671 - 1620 - (مَالِكٌ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ) كَذَا لِيَحْيَى وَابْنِ الْقَاسِمِ وَالْقَعْنَبِيِّ، وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُعَاذٍ وَهُوَ مَعَ هَذَا مُنْقَطِعٌ جِدًّا، وَلَا يُوجَدُ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَلَا غَيْرِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، لَكِنْ وَرَدَ مَعْنَاهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. ( «قَالَ: آخِرُ مَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ) لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ ( «حِينَ وَضَعْتُ رِجْلِي فِي الْغَرْزِ» ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَزَايٍ مَنْقُوطَةٍ فِي مَوْضِعِ الرِّكَابِ مِنْ رِجْلِ الْبَعِيرِ كَالرِّكَابِ لِلسَّرْجِ ( «أَنْ قَالَ: أَحْسِنْ خُلُقَكَ لِلنَّاسِ يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ» ) فَهُوَ مُنَادَى بِحَذْفِ الْأَدَاةِ؛ بِأَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ لِمُجَالِسِهِ أَوِ الْوِرَادِ عَلَيْهِ الْبِشْرُ وَالْحِلْمُ وَالْإِشْفَاقُ وَالصَّبْرُ عَلَى التَّعْلِيمِ وَالتَّوَدُّدِ إِلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالنَّاسِ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ عَامًّا لَكِنْ أُرِيدَ بِهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ تَحْسِينَ الْخُلُقِ لَهُمْ، فَأَمَّا أَهْلُ الْكُفْرِ الحديث: 1671 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 وَالْإِصْرَارِ عَلَى الْكَبَائِرِ وَالتَّمَادِي عَلَى الظُّلْمِ، فَلَا يُؤْمَرُ بِتَحْسِينِ الْخُلُقِ لَهُمْ بَلْ يُؤْمَرُ بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَهَذَا آخِرُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَالُوا إِنَّهَا لَمْ تُوجَدْ مَوْصُولَةً فِي غَيْرِ الْمُوَّطَأِ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ مَالِكًا الَّذِي قَالَ فِيهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ مَالِكًا لَا يُبَلِّغُ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا مَا كَانَ صَحِيحًا وَإِذَا قَالَ بَلَغَنِي فَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، فَتَصَوُّرُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ وُجُودِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ مَوْصُولَةً لَا يَقْدَحُ فِيهَا، فَلَعَلَّهَا وَصَلَتْ فِي الْكُتُبِ الَّتِي لَمْ تَصِلْ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي حَدِيثِ: " «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ» " لَعَلَّهُ خَرَجَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الَّتِي لَمْ تَصِلْ إِلَيْنَا ; لِأَنَّهُ عَزَاهُ لِجَمْعٍ مِنَ الْأَجِلَّةِ ذَكَرُوهُ فِي كُتُبِهِمْ بِلَا إِسْنَادٍ وَلَا نِسْبَةٍ لِمُخَرِّجٍ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ دُونَ مَالِكٍ بِمَرَاحِلَ بَعِيدَةٍ، كَيْفَ وَمِنْ شَوَاهِدِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: " «قَلَتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» " وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " «بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ اتَّقِ اللَّهَ وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» " وَرَوَى قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ «عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ آخِرَ كَلِمَةٍ فَارَقْتُ عَلَيْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» " فَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ آخِرَ مَا أَوْصَاهُ سَأَلَهُ عَنْ هَذَا فَأَجَابَهُ فَكَانَ آخِرَ كَلِمَةٍ فَلَا خُلْفَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِهَا»   1671 - 1621 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ ( «عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ» ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ الثَّقِيلَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَأَيُّهُمْ فَاعِلُ خُيِّرَ لِيَكُونَ أَعَمَّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْمَخْلُوقِينَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُخَيِّرَ لَهُ هُوَ اللَّهُ فِيمَا كَلَّفَ أُمَّتَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ أَوِ النَّاسَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ قَوْلُهُ " «مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا» " اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ الِاسْتِثْنَاءُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ (فِي أَمْرَيْنِ) وَلِلتِّنِّيسِيِّ وَالْقَعْنَبِيِّ: بَيْنَ أَمْرَيْنِ (قَطُّ) قَالَ الْحَافِظُ: أَيْ: مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا» لِأَنَّ أُمُورَ الدِّينِ لَا إِثْمَ فِيهَا ( «إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا» ) أَيْ: أَسْهَلَهُمَا (مَا لَمْ يَكُنِ) الْأَيْسَرُ (إِثْمًا) أَيْ: مُفْضِيًا لِلْإِثْمِ (فَإِنْ كَانَ) الْأَيْسَرُ ( «إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ» ) وَيُخْتَارُ الْأَشَدُّ حِينَئِذٍ وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ: " «إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ فِيهِ سُخْطٍ» وَوُقُوعُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ مَا فِيهِ إِثْمٌ وَمَا لَا إِثْمَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ الْمَخْلُوقِينَ وَاضِحٌ. وَأَمَّا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَفِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ جَائِزَيْنِ، لَكِنْ إِذَا حُمِلَ عَلَى مَا يُفْضِي إِلَى الْإِثْمِ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَيِّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَفْتَحَ عَلَيْهِ مِنْ كُنُوزِ الْأَرْضِ مَا يَخْشَى مِنَ الِاشْتِغَالِ بِهِ إِلَّا أَنْ يَتَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ مَثَلًا وَبَيْنَ أَنْ لَا يُؤْتِيَهُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا الْكَفَافَ فَيَخْتَارَ الْكَفَافَ، وَإِنْ كَانَتِ السَّعَةُ أَسْهَلَ مِنْهُ، وَالْإِثْمُ عَلَى هَذَا أَمْرٌ نِسْبِيٌّ لَا يُرَادُ مِنْهُ مَعْنَى الْخَطِيئَةِ لِثُبُوتِ الْعِصْمَةِ لَهُ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ غَيْرُهُ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْمُجَاهَدَةِ فِي الْعِبَادَةِ وَالِاقْتِصَادِ فِيهَا، فَإِنَّ الْمُجَاهَدَةَ إِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تَجُرُّ إِلَى الْهَلَاكِ لَا تَجُوزُ. ( «وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ» ) أَيْ: خَاصَّةً فَلَا يَرِدُ أَمْرُهُ بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ كَانَ يُؤْذِيهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَنْتَهِكُونَ حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَقِيلَ: إِرَادَةُ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ إِذَا أُوذِيَ فِي غَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي يَخْرُجُ إِلَى الْكُفْرِ كَمَا عَفَا عَنِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي جَفَا فِي رَفْعِ صَوْتِهِ عَلَيْهِ، وَعَنِ الْآخَرِ الَّذِي «جَبَذَ بِرِدَائِهِ حَتَّى أَثَّرَ فِي كَتِفِهِ، وَقَالَ: مُحَمَّدُ أَعْطِنِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ: «ثُمَّ دَعَا رَجُلًا فَقَالَ: احْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرَيْهِ هَذَيْنِ: عَلَى بَعِيرٍ تَمْرًا وَعَلَى الْآخَرِ شَعِيرًا» . ( «إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ» ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَاءِ، أَيْ: لَكِنْ إِذَا انْتُهِكَتْ (حُرْمَةُ اللَّهِ) عَزَّ وَجَلَّ (فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ) لَا لِنَفْسِهِ مِمَّنِ ارْتَكَبَ تِلْكَ الْحُرْمَةَ (بِهَا) أَيْ: بِسَبَبِهَا. وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ: " «فَإِذَا انْتُهِكَتْ حُرْمَةُ اللَّهِ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ غَضَبًا لِلَّهِ» ". قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنْ يُؤْذَى أَذًى فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَى الدِّينِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ انْتِهَاكًا لِحُرْمَةِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ بِذَلِكَ إِعْظَامًا لِحَقِّ اللَّهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى بِمُبَاحٍ، وَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَلَا يَأْثَمُ فَاعِلُهُ، وَإِنْ وَصَلَ بِذَلِكَ إِلَى أَذَى غَيْرِهِ، وَلِذَا لَمْ يَأْذَنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِكَاحِ ابْنَةِ أَبِي جَهْلٍ فَجَعَلَ حُكْمَ ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ حُكْمَهُ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُؤْذَى بِمُبَاحٍ، وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [الأحزاب: 57] إِلَى أَنْ قَالَ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: 58] [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 57، 58] فَشَرَطَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْذُوا بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا، وَأَطْلَقَ الْأَذَى فِي خَاصَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ انْتَهَى. وَحَمَلَ الدَّاوُدِيُّ عَدَمَ انْتِقَامِهِ لِنَفْسِهِ عَلَى مَا يُخْتَصُّ بِالْمَالِ. وَأَمَّا الْعِرْضُ فَقَدِ اقْتَصَّ مِمَّنْ نَالَ مِنْهُ قَالَ: فَاقْتَصَّ مِمَّنْ لَدَّهُ فِي مَرَضِهِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ أَمَرَ بِلَدِّهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا نَهْيَهُ عَلَى عَادَةِ الْبَشَرِ مِنْ كَرَاهَةِ النَّفْسِ لِلدَّوَاءِ. قَالَ الْحَافِظُ: كَذَا قَالَ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادٍ مُطَوَّلًا، وَأَوَّلُهُ: " «مَا لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا بِذِكْرِ اسْمِهِ» ، أَيْ: بِصَرِيحِهِ «وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا أَنْ يَضْرِبَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 وَلَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَمَنَعَهُ إِلَّا أَنْ يُسْأَلَ مَأْثَمًا، وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَكُونَ اللَّهُ يَنْتَقِمُ» " الْحَدِيثَ. وَهَذَا السِّيَاقُ سِوَى صَدْرِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِهِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى تَرْكِ الْأَخْذِ بِالشَّيْءِ الْعَسِيرِ وَالِاقْتِنَاعِ بِالْيَسِيرِ وَتَرْكِ الْإِلْحَاحِ فِيمَا لَا يُضْطَرُّ إِلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ نَدْبُ الْأَخْذِ بِالرُّخَصِ مَا لَمْ يَظْهَرِ الْخَطَأُ، وَالْحَثُّ عَلَى الْعَفْوِ إِلَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّدْبُ إِلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يُفْضِ إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ، وَفِيهِ تَرْكُ الْحُكْمِ لِلنَّفْسِ وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ مِنْهُ الْحَيْفُ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لَكِنْ لِحَسْمِ الْمَادَّةِ، وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَالْقِيَامِ بِالْحَقِّ وَهَذَا هُوَ الْخُلُقُ الْحَسَنُ الْمَحْمُودُ ; لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْقِيَامَ لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ مَهَانَةً، وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ صَبْرٌ، وَكَانَ هَذَا الْخُلُقُ بَطْشًا، فَانْتَفَى عَنْهُ الطَّرَفَانِ الْمَذْمُومَانِ وَبَقِيَ الْوَسَطُ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصِّفَةِ النَّبَوِيَّةِ عَنِ التِّنِّيسِيِّ، وَفِي الْأَدَبِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَيُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَتَابَعَهُ هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»   1672 - 1622 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) مُرْسَلًا عِنْدَ جَمَاعَةِ رُوَاةِ الْمُوَّطَأِ فِيمَا عَلِمْتُ إِلَّا خَالِدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيَّ، فَقَالَ: عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ، وَخَالِدٌ ضَعِيفٌ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا خُولِفَ فِيهِ، وَلِابْنِ شِهَابٍ فِيهِ إِسْنَادَانِ أَحَدُهُمَا مُرْسَلٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَالْآخَرُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُمَا مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ، قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَمُوسَى بْنِ دَاوُدَ الضَّبِّيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَخَالِدٌ وَمُوسَى لَا بَأْسَ بِهِمَا انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْهُ فِي التَّمْهِيدِ إِنَّمَا فِيهِ مَا ذَكَرْتُهُ فَلَعَلَّ نُسَخَهُ اخْتَلَفَتْ، وَالْحَدِيثُ حَسَنٌ بَلْ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالْحَاكِمُ فِي الْكُنَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَالْعَسْكَرِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ. ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ عَنَاهُ كَذَا إِذَا الحديث: 1672 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 تَعَلَّقَتْ عِنَايَتُهُ بِهِ وَكَانَ مِنْ قَصْدِهِ يَعْنِي تَرْكَ الْفُضُولِ كُلِّهِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِاللَّازِمِ فَكَيْفَ يَتَعَدَّاهُ إِلَى الْفَاضِلِ؟ انْتَهَى. وَفِي إِفْهَامِهِ أَنَّ مِنْ قُبْحِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ أَخْذَهُ مَا لَا يَعْنِيهِ لِأَنَّهُ ضَيَاعٌ لِلْوَقْتِ النَّفِيسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَعْوِيضُ فَائِتِهِ فِيمَا لَمْ يُخْلَقْ لِأَجْلِهِ، فَإِنَّ الَّذِي يَعْنِيِهِ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَمَا تَعَلَّقَ بِضَرُورَةِ حَيَاتِهِ فِي مَعَاشِهِ مِنْ شِبَعِ وَرِوْيٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَعِفَّةِ فَرْجٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَدْفَعُ الضَّرُورَةَ دُونَ مَزِيدِ النِّعَمِ، وَبِهَذَا يَسْلَمُ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ دُنْيَا وَأُخْرَى، فَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ عَلَى اسْتِحْضَارِ قُرْبِهِ مِنْ رَبِّهِ أَوْ قُرْبِ رَبِّهِ مِنْهُ فَقَدْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: " مِنْ " تَبْعِيضِيَّةٌ، وَيَجُوزُ أَنَّهَا بَيَانِيَّةٌ، وَآثَرَ التَّعْبِيرَ بِالْإِسْلَامِ عَلَى الْإِيمَانِ ; لِأَنَّهُ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ، وَالْفِعْلُ وَالتَّرْكُ إِنَّمَا يَتَعَاقَبَانِ عَلَيْهَا، وَزَادَ " حُسْنِ " إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ بِصُورَةِ الْأَعْمَالِ فِعْلًا وَتَرْكًا إِلَّا إِنِ اتَّصَفَ بِالْحُسْنِ بِأَنْ تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ مُكَمِّلَاتِهَا فَضْلًا عَنِ الْمُصَحِّحَاتِ، وَجَعَلَ تَرْكَ مَا لَا يَعْنِي مِنَ الْحُسْنِ مُبَالَغَةً، قَالَ بَعْضُهُمْ، وَمِمَّا لَا يَعْنِي تَعَلُّمُ مَا لَا يُهِمُّ مِنَ الْعُلُومِ وَتَرْكُ الْأَهَمِّ مِنْهُ كَمَنْ تَرَكَ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُ نَفْسِهِ وَاشْتَغَلَ بِتَعَلُّمِ مَا يُصْلِحُ بِهِ غَيْرَهُ كَعِلْمِ الْجَدَلِ، وَيَقُولُ فِي اعْتِذَارِهِ: نِيَّتِي نَفْعُ النَّاسِ، وَلَوْ كَانَ صَادِقًا لَبَدَأَ بِاشْتِغَالِهِ بِمَا يُصْلِحُ بِهِ نَفْسَهُ وَقَلْبَهُ مِنْ إِخْرَاجِ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ مِنْ نَحْوِ حَسَدٍ وَرِيَاءٍ وَكِبْرٍ وَعُجْبٍ وَتَرَؤُّسٍ عَلَى الْأَقْرَانِ وَتَطَاوُلٍ عَلَيْهِمْ، وَنَحْوِهَا مِنَ الْمُهْلِكَاتِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْكَلَامِ الْجَامِعِ لِلْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ الْجَلِيلَةِ فِي الْأَلْفَاظِ الْقَلِيلَةِ وَهُوَ مِمَّا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لَكِنْ رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ مَرْفُوعًا. ثُمَّ أُخْرِجَ بِسَنَدِهِ «عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: كَانَتْ أَمْثَالًا كُلَّهَا» الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: " «وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ حَافِظًا لِلِسَانِهِ، وَمَنْ حَسَبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قُلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ» " وَقِيلَ لِلُقْمَانَ الْحَكِيمِ: مَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا نَرَى، أَيِ الْفَضْلُ؟ قَالَ: قَدَرُ اللَّهِ وَصِدْقُ الْحَدِيثِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِينِي. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنِ الْحَسَنِ: مِنْ عَلَامَةِ إِعْرَاضِ اللَّهِ عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَ شُغُلَهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَصُولُ السُّنَنِ فِي كُلِّ فَنِّ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ: هَذَا، وَحَدِيثُ " «الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ» "، وَ " «الْحَلَالُ بَيِّنٌ» "، وَ " «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا» ". وَقَالَ الْبَاجِيُّ: قَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ ثُلُثُ الْإِسْلَامِ: وَالثَّانِي «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، وَالثَّالِثُ «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ» ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ نِصْفُ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: كُلُّهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ عَائِشَةُ وَأَنَا مَعَهُ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ سَمِعْتُ ضَحِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ فِيهِ مَا قُلْتَ ثُمَّ لَمْ تَنْشَبْ أَنْ ضَحِكْتَ مَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ   1672 - 1623 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عُرْوَةَ (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ) فِي الدُّخُولِ (عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَيَّنَهُ وَهُوَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ بَطَّالٍ وَعِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي الْمُبْهَمَاتِ عَنْ مَالِكٍ بَلَاغًا، وَابْنُ بَشْكُوَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنْ عُيَيْنَةَ اسْتَأْذَنَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، وَقِيلَ: هُوَ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ الْحَافِظُ: فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْقَوْلَيْنِ، فَقَالَ: هُوَ عُيَيْنَةُ، وَقِيلَ: مَخْرَمَةُ وَهُوَ الرَّاجِحُ اهـ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَدِيثَ تَسْمِيَتِهِ عُيَيْنَةَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا، وَخَبَرُ تَسْمِيَتِهِ مَخْرَمَةَ فِيهِ رَاوِيَانِ ضَعِيفَانِ ; وَلِذَا قَالَ الْخَطِيبُ وَعِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا: الصَّحِيحُ أَنَّهُ عُيَيْنَةُ، قَالُوا: وَيَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ مَخْرَمَةَ مَا قَالَ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ. « (قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَنَا مَعَهُ فِي الْبَيْتِ) قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، قَالَ: أَلَا أَنْزِلُ لَكَ عَنْ أُمِّ الْبَنِينَ؟ فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ وَقَالَتْ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْأَحْمَقُ الْمُطَاعُ» ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ يَعْنِي فِي قَوْمِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَتْبَعُهُ مِنْهُمْ عَشَرَةُ آلَافِ قَنَاةٍ لَا يَسْأَلُونَهُ أَيْنَ يُرِيدُ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لَهُ ( «بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ» ) الْجَمَاعَةِ أَوِ الْقَبِيلَةِ أَوِ الْأَدْنَى إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِهِ وَهُمْ وَلَدُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ. وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: " «بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ» " (ثُمَّ أَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَلِلْبُخَارِيِّ رِوَايَةٌ، فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ. ( «قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمْ أَنْشَبْ» ) بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ ( «أَنْ سَمِعْتُ ضَحِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ» ) وَلِلْبُخَارِيِّ: " «فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ» " وَلَهُ أَيْضًا: " «فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ» " (فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ قُلْتُ) مُسْتَفْهِمَةً ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ فِيهِ مَا قُلْتَ» ) بِفَتْحِ التَّاءِ فِيهِمَا خِطَابًا ( «ثُمَّ لَمْ تَنْشَبْ أَنْ ضَحِكْتَ مَعَهُ» ) فَمَا السِّرُّ فِي ذَلِكَ؟ وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَا عَائِشَةُ ( «إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنِ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ» ) أَيْ: قَبِيحِ كَلَامِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: " فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ» " فَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَصَفَهُ بِذَلِكَ لِيُعْلِمَ حَالَهُ فَيُحْذَرَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْغِيبَةِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ جَوَازُ غِيبَةِ الْمُعْلِنِ بِالْفِسْقِ أَوِ الْفُحْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَعَ جَوَازِ مُدَارَاتِهِمُ اتِّقَاءً لِشَرِّهِمْ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى الْمُدَاهَنَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 فِي دِينِ اللَّهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُدَارَاةِ أَنَّهَا بَذْلُ الدُّنْيَا لِصَلَاحِ الدُّنْيَا أَوِ الدِّينِ أَوْ هُمَا مَعًا وَهِيَ مُبَاحَةٌ، وَرُبَّمَا اسْتُحْسِنَتْ، وَالْمُدَاهَنَةُ بَذْلُ الدِّينِ لِصَلَاحِ الدُّنْيَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَذَلَ لَهُ مِنْ دُنْيَاهُ حُسْنَ عِشْرَتِهِ وَالرِّفْقَ فِي مُكَالَمَتِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَمْدَحْهُ بِقَوْلٍ فَلَمْ يُنَاقِضْ قَوْلُهُ فِيهِ فِعْلَهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ " «بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ» " حَقٌّ، وَفِعْلَهُ مَعَهُ حُسْنُ عِشْرَةٍ، فَيَزُولُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ الْإِشْكَالُ اهـ. أَيِ الَّذِي هُوَ أَنَّ النَّصِيحَةَ فَرْضٌ، وَطَلَاقُ الْوَجْهِ وَإِلَانَةُ الْقَوْلِ يَسْتَلْزِمَانِ التَّرْكَ، وَحَاصِلُ جَوَابِهِ أَنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ لِعَارِضٍ، وَقَالَ عِيَاضٌ: لَمْ تَكُنْ غِيبَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ حِينَ إِذْ أَسْلَمَ فَلَمْ يَكُنِ الْقَوْلُ فِيهِ غِيبَةً أَوْ كَانَ أَسْلَمَ وَلَمْ يَكُنْ إِسْلَامُهُ نَاصِحًا فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ بَاطِنَهُ فَيَكُونَ مَا وَصَفَهُ بِهِ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَأَمَّا إِلَانَةُ الْقَوْلِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فَعَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْلَافِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إِنَّ عُيَيْنَةَ خُتِمَ لَهُ بِسُوءٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَمَّهُ وَأَخْبَرَ بِأَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ شَرَّ النَّاسِ. وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ، وَشَرْطُ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدِ ارْتَدَّ عُيَيْنَةُ فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ وَحَارَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَأَسْلَمَ وَحَضَرَ بَعْضَ الْفُتُوحِ فِي عَهْدِ عُمَرَ. وَفِي الْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ: أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ عُيَيْنَةَ عَلَى الرِّدَّةِ، قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَا يُذْكَرُ فِي الصَّحَابَةِ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ فَبَادَرَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَعَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عُثْمَانَ. وَقَالَ أَيْضًا فِي تَرْجَمَةِ طُلَيْحَةَ نَقْلًا عَنِ الْأُمِّ: أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ طُلَيْحَةَ وَعُيَيْنَةَ عَلَى الرِّدَّةِ فَرَاجَعْتُ جَلَالَ الدِّينِ الْبُّلْقِينِيَّ فَاسْتَغْرَبَهُ وَقَالَ: لَعَلَّهُ قَبِلَهُمَا بِمُوَحَّدَةٍ، أَيْ: قَبِلَ مِنْهُمَا الْإِسْلَامَ بَعْدَ الِارْتِدَادِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ إِذَا أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا مَا لِلْعَبْدِ عِنْدَ رَبِّهِ فَانْظُرُوا مَاذَا يَتْبَعُهُ مِنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ   1674 - 1624 - (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ) نَافِعٍ (بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ) مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيِّ (عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ) مَوْقُوفًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ لِأَنَّهُ خَبِرَهَا، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «إِذَا أَحْبَبْتُمْ» ) أَيْ: أَرَدْتُمْ ( «أَنْ تَعْلَمُوا مَا لِلْعَبْدِ عِنْدَ رَبِّهِ» ) مِمَّا قُدِّرَ لَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ (فَانْظُرُوا) أَيْ: تَأَمَّلُوا (مَاذَا يَتْبَعُهُ) أَيِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ (مِنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمَدِّ، الْوَصْفُ بِمَدْحٍ أَوْ بِهِ وَبِذَمٍّ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْمُرَادُ مَا يَذْكُرُهُ أَهْلُ الدِّينِ وَالْخَيْرِ دُونَ أَهْلِ الضَّلَالِ وَالْفِسْقِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْإِنْسَانِ الْعَدُوُّ فَيُتْبِعُهُ بِالذِّكْرِ الْقَبِيحِ اهـ. فَإِنْ ذَكَرَهُ الصُّلَحَاءُ بِشَيْءٍ؛ عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَجْرَى عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مَا لَهُ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُمْ يَنْطِقُونَ بِإِلْهَامِهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحديث: 1674 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 " «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَةِ بَنِي آدَمَ بِمَا فِي الْمَرْءِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَلَا يَعْجَبْ، بَلْ يَكُونُ خَائِفًا مِنْ مَكْرِهِ الْخَفِيِّ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَلْيُبَادِرْ بِالتَّوْبَةِ وَيَحْذَرْ سَطْوَتَهُ وَقَهْرَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ الْمَرْءَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ بِاللَّيْلِ الظَّامِي بِالْهَوَاجِرِ   1675 - 1625 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي) أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْمَرْءَ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ الرَّجُلَ وَالْمُرَادُ مِنْهُمَا الْإِنْسَانُ، وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ الْمُؤْمِنَ ( «لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ» ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْخَلْقُ، أَيْ: بِالْفَتْحِ وَالْخُلُقُ، أَيْ: بِالضَّمِّ عِبَارَتَانِ عَنْ جُمْلَةِ الْإِنْسَانِ، فَالْخَلْقُ عِبَارَةٌ عَنْ صِفَتِهِ الظَّاهِرَةِ، وَالْخُلُقُ عِبَارَةٌ عَنْ صِفَتِهِ الْبَاطِنَةِ، وَالْإِشَارَةُ بِالْخُلُقِ، أَيْ: بِالضَّمِّ إِلَى الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَاللِّينِ وَالشِّدَّةِ وَالسَّمَاحَةِ وَالِاسْتِقْصَاءِ وَالسَّخَاءِ وَالْبُخْلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلِبَابِهَا فِي الْمَحْمُودِ وَالْمَذْمُومِ يَدُورُ عَلَى عِشْرِينَ خَصْلَةً. (دَرَجَةَ) أَيْ: مِثْلَ دَرَجَةِ، أَيْ: مَنْزِلَةِ (الْقَائِمِ بِاللَّيْلِ) أَيْ: الْمُتَهَجِّدِ (الظَّامِي بِالْهَوَاجِرِ) أَيِ الْعَطْشَانِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُمَا مُجَاهِدَانِ لِأَنْفُسِهِمَا فِي مُخَالَفَةِ حِفْظِهِمَا مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّوْمِ، وَالْقِيَامُ وَالصِّيَامُ يَمْنَعَانِ مِنْ ذَلِكَ، وَالنَّفْسُ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ بِالطَّعَامِ تَتَقَوَّى وَبِالنَّوْمِ تَنْمُو، وَمِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ يُجَاهِدُ نَفْسَهُ فِي تَحَمُّلِ أَثْقَالِ مَسَاوِئِ أَخْلَاقِ النَّاسِ، لِأَنَّهُ يَحْمِلُ أَثْقَالَ غَيْرِهِ وَلَا يَحْمِلُ غَيْرُهُ أَثْقَالَهُ، وَهُوَ جِهَادٌ كَبِيرٌ، فَأَدْرَكَ مَا أَدْرَكَهُ الْقَائِمُ الصَّائِمُ فَاسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّهُ يُدْرِكُ دَرَجَةَ الْمُتَنَفِّلِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِصَبْرِهِ عَلَى الْأَذَى وَكَفِّهِ عَنْ أَذَى غَيْرِهِ وَالْمُقَارَضَةِ عَلَيْهِ؛ مَعَ سَلَامَةِ صَدْرِهِ مِنَ الْغِلِّ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَا يَتِمُّ لِرَجُلٍ حُسْنُ خُلُقِهِ حَتَّى يَتِمَّ عَقْلُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتِمُّ إِيمَانُهُ وَيُطِيعُ رَبَّهُ وَيَعْصِي عَدُوَّهُ إِبْلِيسَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَالْحَاكِمِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثَلَاثَتُهُمْ مَرْفُوعًا بِهِ. الحديث: 1675 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى قَالَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإِيَّاكُمْ وَالْبِغْضَةَ فَإِنَّهَا هِيَ الْحَالِقَةُ   1676 - 1626 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ) مَوْقُوفًا الحديث: 1676 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَّطَأِ إِلَّا إِسْحَاقَ بْنَ بِشْرٍ الْكَامِلَ وَهُوَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، فَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ أَنَّ يَحْيَى لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ سَعِيدٍ وَإِنَّمَا بَيَّنَهُمَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ كَمَا حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مَرْفُوعًا مُرْسَلًا، قَالَهُ كُلَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مُلَخَّصًا. وَتَعْلِيلُ ابْنِ الْمَدِينِيِّ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّ يَحْيَى ثِقَةٌ حَافِظٌ بِاتِّفَاقٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، فَلَا مَانِعَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ سَعِيدٍ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدٍ فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، كَمَا أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ حَدَّثَ بِهِ مُرْسَلًا وَمَوْقُوفًا وَمَوْصُولًا وَأَيُّمَا كَانَ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَلَا) حَرْفُ تَنْبِيهٍ يُذْكَرُ لِتَحْقِيقِ مَا بَعْدَهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ، وَلَا الَّتِي لِلنَّفْيِ وَالْإِنْكَارِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ النَّفْيُ أَفَادَ التَّحْقِيقَ، وَلِذَا لَا يَكَادُ يَقَعُ بَعْدَهَا إِلَّا مَا كَانَ مَصْدَرًا بِنَحْوِ مَا يَتَلَقَّى بِهِ الْقَسَمُ وَشَقِيقَتُهَا (أَمَّا) الَّتِي هِيَ مِنْ طَلَائِعِ الْقَسَمِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ ( «أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ» ) زَادَ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ: وَالصِّيَامِ. وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَمَنْ بَعْدَهُ: " «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ» " (قَالُوا: بَلَى) أَخْبِرْنَا (قَالَ: صُلْحُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ إِصْلَاحُ (ذَاتِ الْبَيْنِ) أَيْ: صَلَاحُ الْحَالِ الَّتِي بَيْنَ النَّاسِ وَإِنَّهَا خَيْرٌ مِنْ نَوَافِلِ الصَّلَاةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَيْ: إِصْلَاحُ أَحْوَالِ الْبَيْنِ حَتَّى تَكُونَ أَحْوَالُكُمْ أَحْوَالَ صِحَّةٍ وَأُلْفَةٍ، أَوْ هُوَ إِصْلَاحُ الْفَسَادِ وَالْفِتْنَةِ الَّتِي بَيْنَ الْقَوْمِ، وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ عُمُومِ الْمَنَافِعِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ مِنَ التَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ وَالْأُلْفَةِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَى الْخَيْرِ حَتَّى أُبِيحَ فِيهِ الْكَذِبُ وَلِكَثْرَةِ مَا يَنْدَفِعُ مِنَ الْمَضَرَّةِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا. وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَمَنْ بَعْدَهُ - " «فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ» " بَدَلَ قَوْلِهِ ( «وَإِيَّاكُمْ وَالْبِغْضَةَ» ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهَاءِ تَأْنِيثٍ: شِدَّةُ الْبُغْضِ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَالْبَغْضَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَهُوَ أَيْضًا شِدَّتُهُ. ( «فَإِنَّهَا هِيَ الْحَالِقَةُ» ) أَيِ الْخَصْلَةُ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تَحْلِقَ، أَيْ: تُهْلِكَ وَتَسْتَأْصِلَ الدِّينَ كَمَا يَسْتَأْصِلُ الْمُوسَى الشَّعْرَ، وَالْمُرَادُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 الْمُزِيلَةُ لِمَنْ وَقَعَ فِيهَا لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْفَسَادِ وَالضَّغَائِنِ، وَقَدْ زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ «أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ حَالِقَةَ الشَّعْرِ وَلَكِنَّهَا حَالِقَةُ الدِّينِ» . قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ: أَنَّهَا لَا تُبْقِي شَيْئًا مِنَ الْحَسَنَاتِ حَتَّى تَذْهَبَ بِهَا كَمَا يَذْهَبُ الْحَلْقُ بِشَعْرِ الرَّأْسِ وَيَتْرُكُهُ عَارِيًا. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ أَوْضَحُ حُجَّةٍ عَلَى تَحْرِيمِ الْعَدَاوَةِ وَفَضْلُ الْمُؤَاخَاةِ وَسَلَامَةُ الصُّدُورِ مِنَ الْغِلِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الْأَخْلَاقِ   1676 - 1627 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ وَالْحَاكِمُ وَالْخَرَايِطِيُّ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بُعِثْتُ» ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّمَا بُعِثْتُ (لِأُتَمِّمَ حَسَنَ) بِفَتْحَتَيْنِ وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَكَارِمَ، وَفِي رِوَايَةٍ: صَالِحَ (الْأَخْلَاقِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: كَانَتِ الْعَرَبُ أَحْسَنَ النَّاسِ أَخْلَاقًا بِمَا بَقِيَ عِنْدَهُمْ مِنْ شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانُوا ضَلُّوا بِالْكُفْرِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهَا فَبُعِثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُتَمِّمَ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ بِبَيَانِ مَا ضَلُّوا عَنْهُ وَبِمَا خُصَّ بِهِ فِي شَرْعِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّلَاحُ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ وَالدِّينُ وَالْفَضْلُ وَالْمُرُوءَةُ وَالْإِحْسَانُ وَالْعَدْلُ فَبِذَلِكَ بُعِثَ لِيُتَمِّمَهُ، قَالَ: وَهُوَ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بِتَمَامِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَمَالِ مَحَاسِنِ الْأَفْعَالِ» " وَعَزَاهُ الدَّيْلَمِيُّ لِأَحْمَدَ عَنْ مُعَاذٍ. قَالَ السَّخَاوِيُّ: وَمَا رَأَيْتُهُ فِيهِ وَالَّذِي فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 [مَا جَاءَ فِي الْحَيَاءِ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ سَلَمَةَ الزُّرَقِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ»   2 - بَاب ُ مَا جَاءَ فِي الْحَيَاءِ، بِالْمَدِّ قَالَ الرَّاغِبُ: الْحَيَاءُ انْقِبَاضُ النَّفْسِ عَنِ الْقَبِيحِ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِنْسَانِ لِيَرْتَدِعَ عَنِ ارْتِكَابِ كُلِّ مَا يَشْتَهِي فَلَا يَكُونُ كَالْبَهِيمَةِ، وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ خَيْرٍ وَعِفَّةٍ، وَلِذَا لَا يَكُونُ الْمُسْتَحِي هَجَّاعًا، وَقَلَّمَا يَكُونُ الشُّجَاعُ مُسْتَحِيًا، وَقَدْ يَكُونُ لِمُطْلَقِ الِانْقِبَاضِ فِي بَعْضِ الصِّبْيَانِ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ انْقِبَاضُ النَّفْسِ خَشْيَةَ ارْتِكَابِ مَا يُكْرَهُ، أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَرْعِيًّا أَوْ عَقْلِيًّا أَوْ عُرْفِيًّا، وَمُقَابِلُ الْأَوَّلِ فَاسِقٌ، وَالثَّانِي مَجْنُونٌ، وَالثَّالِثُ أَبْلَهٌ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ» "، أَيْ: أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْإِيمَانِ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: حَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خَوْفُ الذَّمِّ بِنِسْبَةِ الشَّرِّ إِلَيْهِ، قَالَ غَيْرُهُ: فَإِنْ كَانَ فِي مُحَرَّمٍ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَفِي مَكْرُوهٍ فَمُسْتَحَبٌّ، وَفِي مُبَاحٍ فَهُوَ الْعُرْفِيُّ، الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ» " وَيَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَنَّ الْمُبَاحَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 إِنَّمَا هُوَ مَا يَقَعُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا. 1678 - 1628 - (مَالِكٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ سَلَمَةَ الزُّرَقِيِّ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَقَافٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ، رَوَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ (عَنْ زَيْدٍ) كَذَا لِيَحْيَى. وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُمْ: يَزِيدُ، بِيَاءٍ أَوَّلَهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ الصَّوَابُ (ابْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ) بِضَمِّ الرَّاءِ ابْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْمُطَّلِبِيِّ، تَابِعِيٌّ مَعْرُوفٌ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الصَّحَابَةِ غَلَطًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ وَقَالَ: وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: سَلَمَةُ وَابْنُ وَهْبٍ وَهُوَ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، وَمَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ هِشَامٍ، قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: وَهُوَ مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ أَكْتَفِي فِي مَعْرِفَتِهِمْ بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُمْ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ كَلَامٌ فَارِغٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي مَنْ لَمْ يُعْرَفْ شَخْصُهُ وَلَا نَسَبُهُ وَلَا حَالُهُ وَلَا بَلَدُهُ وَانْفَرَدَ عَنْهُ وَاحِدٌ وَهَذَا بِخِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَاهُ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ مُرْسَلًا. وَقَالَ وَكِيعٌ وَحْدَهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ الْحَدِيثُ مُسْنَدًا، وَقَدْ أَنْكَرَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ مُرْسَلٌ. قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: كَذَا قَالَ، وَلَمْ يَذْكُرْ طَلْحَةَ فِي الِاسْتِيعَابِ، وَعَلَيْهِ تَعَقُّبٌ آخَرُ، فَإِنَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ، أَيْ: وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ نَفْسُهُ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَعَلَى هَذَا الصُّحْبَةُ لِرُكَانَةَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الصُّدَائِيُّ عَنْ مَالِكٍ كَذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ يَزِيدُ: طَلْحَةُ بْنُ رُكَانَةَ (يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ» ) سَجِيَّةٌ شُرِعَتْ فِيهِ وَحَضَّ أَهْلَ ذَلِكَ الدِّينِ عَلَيْهَا ( «وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ» ) أَيْ: طَبْعُ هَذَا الدِّينِ وَسَجِيَّتُهُ الَّتِي بِهَا قِوَامُهُ وَمُرُوءَةُ الْإِسْلَامِ الَّتِي بِهَا جَمَالُهُ الْحَيَاءُ وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَيَاةِ فَإِذَا حَيِيَ الْقَلْبُ بِاللَّهِ ازْدَادَ مِنْهُ حَيَاءً، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَحْيِيَ يَعْرَقُ وَقْتَ الْحَيَاءِ فَعَرَقُهُ مِنْ حَرَارَةِ الْحَيَاءِ الَّتِي هَاجَتْ مِنَ الرُّوحِ، فَمِنْ هَيَجَانِهِ تَفُورُ مِنْهُ الرُّوحُ فَيَعْرَقُ مِنْهُ الْجَسَدُ وَيَعْرَقُ مِنْهُ أَعْلَاهُ ; لِأَنَّ سُلْطَانَ الْحَيَاءِ فِي الْوَجْهِ وَالصَّدْرِ وَذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّ الْإِسْلَامَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ، وَالدِّينَ خُضُوعُهَا وَانْقِيَادُهَا، فَلِذَا صَارَ الْحَيَاءُ خُلُقًا لِلْإِسْلَامِ فَيَتَوَاضَعُ وَيَسْتَحْيِي، ذَكَرَهُ الْحَكِيمُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ الحديث: 1678 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 يَعْنِي: الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ دِينٍ سَجِيَّةٌ سِوَى الْحَيَاءِ، وَالْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ ; لِأَنَّهُ مُتَمِّمٌ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ الَّتِي بُعِثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِتْمَامِهَا، وَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ أَشْرَفَ الْأَدْيَانِ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَسْنَى الْأَخْلَاقِ وَأَشْرَفِهَا. قَالَ الْبَاجِيُّ: فِيمَا شُرِعَ فِيهِ الْحَيَاءُ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ كَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِهِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَاتِ عَلَى وَجْهِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ»   1679 - 1629 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ بِالْمَدِينَةِ (عَنْ) أَبِيهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ) زَادَ التِّنِّيسِيُّ: مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ: " مَرَّ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ " وَمَرَّ بِمَعْنَى اجْتَازَ يُعَدَّى بِعَلَى وَبِالْبَاءِ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا وَلَا خُلْفَ فَلَمَّا مَرَّ بِهِ سَمِعَهُ " ( «وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ» ) نَسَبًا أَوْ دِينًا، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَعْرِفِ اسْمَ الْوَاعِظِ وَلَا أَخِيهِ (فِي الْحَيَاءِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ: يَلُومُهُ عَلَى كَثْرَتِهِ وَأَنَّهُ أَضَرَّ بِهِ وَمَنَعَهُ مِنْ بُلُوغِ حَاجَتِهِ انْتَهَى. وَهَذَا حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا فِي طَرِيقٍ آخَرَ. قَالَ الْحَافِظُ: قَوْلُهُ يَعِظُ، أَيْ: يَنْصَحُ أَوْ يُخَوِّفُ أَوْ يُذَكِّرُ كَذَا شَرَحُوهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُشْرَحَ بِمَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَلَفْظُهُ: «يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ» يَقُولُ إِنَّكَ لَتَسْتَحِي؛ حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ الْحَيَاءُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ لَهُ الْعِتَابَ وَالْوَعْظَ فَذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ، لَكِنَّ الْمَخْرَجَ مُتَّحِدٌ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ بِحَسَبَ مَا اعْتُقِدَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مِنْهَا يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ وَ " فِي " سَبَبِيَّةٌ، فَكَأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ كَثِيرَ الْحَيَاءِ فَكَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ عَنِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَعَاتَبَهُ أَخُوهُ عَلَى ذَلِكَ. ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ» ) أَيِ اتْرُكْهُ عَلَى هَذَا الْخُلُقِ السَّنِيِّ، ثُمَّ زَادَهُ تَرْغِيبًا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ( «فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ» ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ: مِنْ شَرَائِعِهِ انْتَهَى. وَ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: " «الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» ". وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا إِنَّمَا صَارَ الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ الْمُكْتَسَبِ وَهُوَ جِبِلَّةٌ لِمَا يُفِيدُ مِنَ الْكَفِّ عَمَّا لَا يَحْسُنُ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِفَائِدَتِهِ عَلَى أَحَدِ قِسْمَيِ الْمَجَازِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: وَإِذَا كَانَ الْحَيَاءُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنِ اسْتِيفَاءِ حَقِّ نَفْسِهِ جَرَّ لَهُ ذَلِكَ تَحْصِيلَ أَجْرِ ذَلِكَ الْحَقِّ لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ لَهُ مُسْتَحِقًّا. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاءَ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنِ ارْتِكَابِ الحديث: 1679 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 الْمَعَاصِي كَمَا يَمْنَعُ الْإِيمَانُ، فَسُمِّيَ إِيمَانًا كَمَا يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمِ مَا قَامَ مَقَامَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ إِطْلَاقَ كَوْنِهِ مِنَ الْإِيمَانِ مَجَازٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّاهِيَ مَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الْحَيَاءَ مِنْ مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ ; فَلِهَذَا وَقَعَ التَّأْكِيدُ، وَقَدْ يَكُونُ التَّأْكِيدُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَضِيَّةَ نَفْسَهَا مِمَّا يُهْتَمُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُنْكَرٌ انْتَهَى. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَزَجْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْوَاعِظِ لِعِلْمِهِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَضُرُّهُ كَثْرَةُ الْحَيَاءِ وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ كَثْرَتُهُ مَذْمُومَةً، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْوَعْظِ بِالْعِتَابِ وَاللَّوْمِ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ فَإِنَّ مَعْنَى الْوَعْظِ الزَّجْرُ وَبِهِ فَسَّرَهُ التَّيْمِيُّ هُنَا، وَمَعْنَى الْعَتْبِ الْوَجْدُ، يُقَالُ: عَتَبَ عَلَيْهِ إِذَا وَجَدَ، عَلَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ جَلِيلَيْنِ لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا حَتَّى يُفَسَّرَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ وَعَظَ أَخَاهُ فِي اسْتِعْمَالِ الْحَيَاءِ وَعَاتَبَهُ عَلَيْهِ، وَالرَّاوِي حَكَى فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ بِلَفْظِ الْوَعْظِ وَفِي الْآخَرِ بِلَفْظِ الْمُعَاتَبَةِ انْتَهَى. وَالْحَافِظُ أَبْدَى هَذَا احْتِمَالًا ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِاتِّحَادِ الْمَخْرَجِ، وَتَفْسِيرُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لَيْسَ لِلْخَفَاءِ إِنَّمَا هُوَ لِلِاتِّحَادِ، فَالرِّوَايَاتُ لَا سِيَّمَا الْمُتَّحِدَةَ الْمُخْرِجِ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَإِنْ سَلِمَ بَعْدَهُ لُغَةً فَلَا مَعْنَى لِهَذَا التَّعْقِيبِ سِوَى تَسْوِيدِ وَجْهِ الطِّرْسِ بِالتَّغْبِيرِ فِي وُجُوهِ الْحِسَانِ، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْحَيَاءِ وَأَجْلُهُ الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ اللَّهِ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: خَفِ اللَّهَ عَلَى قَدْرِ قُدْرَتِهِ عَلَيْكَ وَاسْتَحْيِ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْتُ الْمَعَاصِيَ نَذَالَةً فَتَرَكْتُهَا مُرُوءَةً فَصَارَتْ دِينًا، وَقَدْ يَتَوَلَّدُ الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ التَّقَلُّبِ فِي نِعَمِهِ فَيَسْتَحْيِي الْعَاقِلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى مَعْصِيَتِهِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْإِيمَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عِنْدَهُ فِي الْأَدَبِ مِنْ صَحِيحِهِ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرُ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ نَحْوُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 [مَا جَاءَ فِي الْغَضَبِ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَعِيشُ بِهِنَّ وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ فَأَنْسَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَغْضَبْ»   3 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغَضَبِ 1680 - 1630 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) مُرْسَلًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَوَصَلَهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَجُلًا أَتَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هُوَ جَارِيَةُ بِجِيمٍ وَتَحْتِيَّةٍ ابْنُ قُدَامَةَ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ التَّمِيمِيُّ عَمُّ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ كَمَا الحديث: 1680 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِهِ، وَوَقَعَ مِثْلُ سُؤَالِهِ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ: " «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، قَالَ: لَا تَغْضَبْ وَلَكَ الْجَنَّةُ» " وَلِسُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ: " «قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قُلْ لِي قَوْلًا أَنْتَفِعُ بِهِ وَأَقْلِلْ، قَالَ: لَا تَغْضَبْ» " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى، وَلِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي عِنْدَ غَيْرِهِمْ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ أَنَّ السَّائِلَ عَنْ ذَلِكَ تَعَدَّدَ ( «فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَعِيشُ بِهِنَّ» ) أَنْتَفِعُ بِهِنَّ فِي مَعِيشَتِي ( «وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ فَأَنْسَى» ) وَفِي رِوَايَةٍ " «قُلْ فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا وَأَقْلِلْ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ» " ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَغْضَبْ» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي بِكَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ لِئَلَّا أَنْسَى إِنْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ، وَلَوْ أَرَادَ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ مِنَ الذِّكْرِ مَا أَجَابَهُ بِهَذَا الْكَلَامِ الْقَلِيلِ الْأَلْفَاظِ الْجَامِعِ لِلْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ وَالْفَوَائِدِ الْجَلِيلَةِ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَرَدَّ غَضَبَهُ أَخْزَى شَيْطَانَهُ وَسَلِمَتْ لَهُ مُرُوءَتُهُ وَدِينُهُ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ هَوَاهُ، لِأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا تَرَكَ مَا يَشْتَهِي كَانَ أَجْدَرَ أَنْ يَتْرُكَ مَا لَا يَشْتَهِي وَخُصُوصًا الْغَضَبُ، فَإِنْ مَلِكَ نَفْسَهُ عِنْدَهُ كَانَ شَدِيدًا. وَإِذَا مَلَكَهَا عِنْدَ الْغَضَبِ كَانَ أَحْرَى أَنْ يَمْلِكَهَا عَنِ الْكِبَرِ وَالْحَسَدِ وَأَخَوَاتِهِمَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: جَمَعَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْرَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْغَضَبَ يُفْسِدُ كَثِيرًا مِنَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا لِمَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَمَعْنَى لَا تَغْضَبْ لَا تَمْضِ عَلَى مَا يَحْمِلُكُ غَضَبُكَ عَلَيْهِ وَامْتَنِعْ وَكُفَّ عَنْهُ. وَأَمَّا نَفْسُ الْغَضَبِ فَلَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ دَفْعَهُ وَإِنَّمَا يَدْفَعُ مَا يَدْعُوهُ إِلَيْهِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ حِبَّانَ أَرَادَ لَا تَعْمَلْ بَعْدَ الْغَضَبِ شَيْئًا مِمَّا يَنْشَأُ عَنْهُ لَا أَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ شَيْءٍ جُبِلَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَيِ اجْتَنِبْ أَسْبَابَ الْغَضَبِ وَلَا تَتَعَرَّضْ لِمَا يَجْلِبُهُ ; لِأَنَّ نَفْسَ الْغَضَبِ مَطْبُوعٌ فِي الْإِنْسَانِ لَا يُمْكِنُ إِخْرَاجُهُ مِنْ جِبِلَّتِهِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَإِنَّمَا أَرَادَ مَنْعَهُ مِنَ الْغَضَبِ فِي مَعَانِي دُنْيَاهُ وَمُعَامَلَاتِهِ، وَأَمَّا فِيمَا يَعُودُ إِلَى الْقِيَامِ بِالْحَقِّ فَقَدْ يَجِبُ كَالْقِيَامِ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ وَالْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ بِمَا يَجُوزُ وَقَدْ يُنْدَبُ وَهُوَ الْغَضَبُ عَلَى الْمُخْطِئِ كَغَضَبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ، وَلَمَّا شُكِيَ إِلَيْهِ مُعَاذٌ أَنَّهُ يُطَوِّلُ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ اللَّطِيفَةُ وَهِيَ مِنْ بَدَائِعِ جَوَامِعِ كَلِمِهِ الَّتِي خُصَّ بِهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا لَا يُحْصَى بِالْعَدِّ مِنَ الْحِكَمِ وَاسْتِحْبَابِ الْمَصَالِحِ وَالنِّعَمِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَالنِّقَمِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْغَضَبَ مِنَ النَّارِ وَجَعَلَهُ غَرِيزَةً فِي الْإِنْسَانِ، مَهْمَا قُصِدَ أَوْ نُوزِعَ فِي غَرَضٍ مَا؛ اشْتَعَلَتْ نَارُ الْغَضَبِ وَثَارَتْ حَتَّى يَحْمَرَّ الْوَجْهُ وَالْعَيْنَانِ مِنَ الدَّمِ ; لِأَنَّ الْبَشَرَةَ تَحْكِي لَوْنَ مَا وَرَاءَهَا، وَهَذَا إِذَا غَضِبَ عَلَى مَنْ دُونَهُ وَاسْتَشْعَرَ الْقُدْرَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 عَلَيْهِ، وَإِنْ غَضِبَ مِمَّنْ فَوْقَهُ تَوَلَّدَ مِنْهُ انْقِبَاضُ الدَّمِ مِنْ ظَاهِرِ الْجِلْدِ إِلَى جَوْفِ الْقَلْبِ، فَيَصْفَرُّ اللَّوْنُ حُزْنًا وَإِنْ كَانَ عَلَى النَّظِيرِ تَرَدَّدَ الدَّمُ بَيْنَ انْقِبَاضٍ وَانْبِسَاطٍ فَيَحْمَرُّ وَيَصْفَرُّ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْغَضَبِ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ وَالرِّعْدَةُ فِي الْأَطْرَافِ وَخُرُوجُ الْأَفْعَالِ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبٍ وَاسْتِحَالَةُ الْخِلْقَةِ، حَتَّى لَوْ رَأَى الْغَضْبَانُ نَفْسَهُ فِي حَالِ غَضَبِهِ، لَكِنَّ غَضَبَهُ حَيَاءً مِنْ قُبْحِ صُورَتِهِ وَاسْتِحَالَةِ خِلْقَتِهِ وَتَغَيُّرِ الْبَاطِنِ وَقُبْحِهِ - أَشَدُّ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ حِقْدَ الْقَلْبِ وَالْحَسَدِ وَإِضْمَارَ السُّوءِ وَمَزِيدَ الشَّمَاتَةِ وَهَجْرَ الْمُسْلِمِ وَمُصَارَمَتَهُ وَالْإِعْرَاضَ عَنْهُ وَالِاسْتِهْزَاءَ وَالسُّخْرِيَةَ وَمَنْعَ الْحُقُوقِ، بَلْ أَوَّلُ شَيْءٍ يَقْبُحُ مِنْهُ - بَاطِنُهُ، وَتَغَيُّرُ ظَاهِرِهِ ثَمَرَةُ تَغَيُّرِ بَاطِنِهِ، هَذَا كُلُّهُ أَثَرُهُ فِي الْجَسَدِ. وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي اللِّسَانِ فَانْطِلَاقُهُ بِالشَّتْمِ وَالْفُحْشِ الَّذِي يَسْتَحْيِي مِنْهُ الْعَاقِلُ وَيَنْدَمُ قَائِلُهُ عِنْدَ سُكُونِ غَضَبِهِ، وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ أَيْضًا فِي الْفِعْلِ بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ، فَإِنْ فَاتَ بِهَرَبِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ فَيُمَزِّقُ ثَوْبَهُ وَيَلْطُمُ خَدَّهُ، وَرُبَّمَا سَقَطَ صَرِيعًا، وَرُبَّمَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا كَسَرَ الْآنِيَةَ وَضَرَبَ مَنْ لَا جَرِيمَةَ لَهُ فِيهِ، وَلِلْغَضَبِ دَوَاءٌ مَانِعٌ وَرَافِعٌ، فَالْمَانِعُ ذِكْرُ فَضْلِ الْحِلْمِ وَمَا جَاءَ فِي كَظْمِ الْغَيْظِ مِنَ الْفَضْلِ، وَمَا وَرَدَ فِي عَاقِبَةِ ثَمَرَةِ الْغَضَبِ مِنَ الْوَعِيدِ وَخَوْفِ اللَّهِ، كَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُلُوكِ أَنَّهُ كَتَبَ وَرَقَةً، فِيهَا: ارْحَمْ مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكَ مَنْ فِي السَّمَاءِ، وَيْلٌ لِسُلْطَانِ الْأَرْضِ مِنْ سُلْطَانِ السَّمَاءِ، وَيْلٌ لِحَاكِمِ الْأَرْضِ مِنْ حَاكِمِ السَّمَاءِ، اذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبْ أَذْكُرْكَ حِينَ أَغْضَبُ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى وَزِيرِهِ، فَقَالَ: إِذَا غَضِبْتُ فَادْفَعْهَا إِلَيَّ، فَجَعَلَ الْوَزِيرُ كُلَّمَا غَضِبَ الْمَلِكُ دَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَيَنْظُرُ فِيهَا فَيَسْكُنُ غَضَبُهُ، وَالرَّافِعُ لِلْغَضَبِ نَحْوُ الْمَذْكُورِ عَنْ هَذَا الْمَلِكِ وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَيَتَوَضَّأُ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ " «وَإِنْ غَضِبَ وَهُوَ قَائِمٌ قَعَدَ أَوْ هُوَ قَاعِدٌ اضْطَجَعَ» " كَمَا فِي حَدِيثٍ. وَالْقَصْدُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ هَيْئَةِ الْوُثُوبِ وَلَا يُسْرِعَ إِلَى الِانْتِقَامِ مَا أَمْكَنَ حَسْبَمَا الْمَادَّةِ الْمُبَادِرَةِ. وَأَقْوَى الْأَشْيَاءِ فِي دَفْعِهِ اسْتِحْضَارُ التَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ التَّامِّ، وَأَنَّهُ لَا فَاعِلَ فِي الْوُجُودِ إِلَّا اللَّهُ وَكُلُّ فَاعِلٍ غَيْرُهُ فَهُوَ آلَةٌ، فَمَنْ تَوَجَّهُ إِلَيْهِ مَكْرُوهٌ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَاسْتَحْضَرَ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَمْ يُمَكِّنْ ذَلِكَ الْغَيْرَ مِنْهُ انْدَفَعَ غَضَبُهُ لِأَنَّهُ لَوْ غَضِبَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ غَضَبُهُ إِمَّا عَلَى الْخَالِقِ وَهُوَ جُرْأَةٌ تُنَافِي الْعُبُودِيَّةَ أَوْ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَهُوَ إِشْرَاكٌ يُنَافِي التَّوْحِيدَ، وَلِذَا «قَالَ أَنَسٌ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ لِمَ فَعَلْتَهُ، وَلَا لِشَيْءِ لَمْ أَفْعَلْهُ لِمَ لَمْ تَفْعَلْهُ، وَلَكِنْ يَقُولُ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ» ، وَلَوْ قَدَّرَ لَكَانَ مَا ذَاكَ إِلَّا لِكَمَالِ مَعْرِفَتِهِ بِأَنَّهُ لَا فَاعِلَ وَلَا مُعْطِيَ وَلَا مَانِعَ وَلَا نَافِعَ وَلَا ضَارَّ إِلَّا اللَّهُ، وَمَا سِوَاهُ آلَةٌ لِلْفِعْلِ كَالسَّيْفِ لِلضَّارِبِ، فَالْفَاعِلُ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ، وَلَهُ آلَاتٌ كُبْرَى وَصُغْرَى وَوُسْطَى، فَالْكُبْرَى مَنْ لَهُ قَصْدٌ وَاخْتِيَارٌ كَالْإِنْسَانِ الضَّارِبِ بِالْعَصَا، وَالصُّغْرَى مَا لَا قَصْدَ لَهُ وَلَا اخْتِيَارَ كَالْعَصَا الْمَضْرُوبِ بِهَا، وَالْوُسْطَى مَا لَا قَصْدَ لَهُ وَلَا عَقْلَ كَالدَّابَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 تَرْفُسُ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ سِرُّ أَمْرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ غَضِبَ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنَ الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى اللَّهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ أَمْكَنَهُ اسْتِحْضَارُ مَا ذَكَرَ، وَإِنِ اسْتَمَرَّ الشَّيْطَانُ مُتَمَكِّنًا مِنَ الْوَسْوَسَةِ لَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِحْضَارُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»   1681 - 1631 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ الشَّدِيدُ» ) أَيِ الْقَوِيُّ (بِالصُّرَعَةِ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، أَيِ: الَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ صَرْعُ النَّاسِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَمْ يُرِدْ نَفْيَ الشِّدَّةِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ شِدَّتَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالنِّهَايَةِ فِي الشِّدَّةِ مِنْهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ أَوْ أَرَادَ أَنَّهَا شِدَّةٌ لَيْسَ لَهَا كَبِيرُ مَنْفَعَةٍ، وَإِنَّمَا الشِّدَّةُ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا شِدَّةُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ كَقَوْلِهِمْ: لَا كِرِيمَ إِلَّا يُوسُفُ، لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ الْكَرَمِ عَنْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا أُرِيدَ إِثْبَاتُ مَزِيَّةٍ لَهُ فِي الْكَرَمِ. وَكَذَا: لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفِقَارِ، وَلَا شُجَاعَ إِلَّا عَلِيٌّ انْتَهَى. فَالنَّفْيُ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ: لَيْسَ الْقَوِيُّ الَّذِي يَصْرَعُ أَبْطَالَ الرِّجَالِ وَيُلْقِيهِمْ إِلَى الْأَرْضِ بِقُوَّةٍ ( «إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» ) بِأَنْ لَا يَفْعَلَ مُوجِبَاتِ الْغَضَبِ فَإِنَّهُ إِذَا مَلَكَهَا كَانَ هُوَ الشَّدِيدَ الْكَامِلَ لِأَنَّهُ قَهَرَ أَكْبَرَ أَعْدَائِهِ إِذْ مَنْ عَدَاهَا أَذَاهُ دُونَهَا لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِعُقُوبَةِ اللَّهِ، وَأَقَلُّهَا أَشَدُّ مِنْ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا وَقَهْرِ شَرِّ خُصُومِهِ لِخَبَرِ: " «أَعْدَى عَدُوٍّ لَكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ» " وَهَذَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْ مَوْضُوعِهَا اللُّغَوِيِّ لِضَرْبٍ مِنَ الْمَجَازِ وَالتَّوَسُّعِ وَهُوَ مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ وَبَلِيغِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَضْبَانُ بِحَالَةٍ شَدِيدَةٍ مِنَ الْغَيْظِ وَقَدْ ثَارَتْ عَلَيْهِ شِدَّةٌ مِنَ الْغَضَبِ فَقَهَرَهَا بِحِلْمِهِ وَصَرَعَهَا بِثَبَاتِهِ وَعَدَمِ عَمَلِهِ بِمُقْتَضَى الْغَضَبِ كَانَ كَالصُّرَعَةِ الَّذِي يَصْرَعُ الرِّجَالَ وَلَا يَصْرَعُونَهُ، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ، وَكُلُّ مَا جَاءَ بِهَذَا الْوَزْنِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ كَهُمَزَةٍ وَلُمَزَةٍ وَحُفَظَةٍ وَضُحَكَةٍ وَخُدَعَةٍ، وَالصُّرْعَةُ بِسُكُونِ الرَّاءِ بِالْعَكْسِ وَهُوَ مَنْ يَصْرَعُهُ غَيْرُهُ كَثِيرًا، وَكُلُّ مَا جَاءَ بِهَذَا الْوَزْنِ بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ كَهُمَزَةٍ وَمَا بَعْدَهُ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: ضَبَطْنَا الصَّرَعَةَ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ بِسُكُونِهَا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ عَكْسُ الْمَطْلُوبِ، قَالَ: وَضُبِطَ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ بِفَتْحِ الصَّادِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: " «مَا تَعُدُّونَ الصَّرْعَةَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: الَّذِي لَا تَصْرَعُهُ الرِّجَالُ» " وَعِنْدَ الْبَزَّارِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يَصْطَرِعُونَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: فُلَانٌ مَا يُصَارِعُ أَحَدًا إِلَّا صَرَعَهُ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى الحديث: 1681 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ؟ رَجُلٌ كَلَّمَهُ رَجُلٌ وَكَظَمَ غَيْظَهُ فَغَلَبَهُ وَغَلَبَ شَيْطَانَهُ وَغَلَبَ شَيْطَانُهُ صَاحِبَهُ» " وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ مَرْفُوعًا: " «لَيْسَ الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ النَّاسَ إِنَّمَا الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ» " وَحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَعَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 [مَا جَاءَ فِي الْمُهَاجَرَةِ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُهَاجِرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ»   4 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُهَاجَرَةِ 1682 - 1632 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ) بِتَحْتِيَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا زَايٌ (اللِّيثِيِّ) الْمَدَنِيِّ نَزِيلِ الشَّامِ الثِّقَةِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَمِائَةٍ وَقَدْ جَازَ الثَّمَانِينَ. (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ (الْأَنْصَارِيِّ) الْبَدْرِيِّ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ مَاتَ غَازِيًا بِالرُّومِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ: بَعْدَهَا. ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُهَاجِرَ» ) كَذَا لِيَحْيَى وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَهْجُرَ (أَخَاهُ) فِي الْإِسْلَامِ ( «فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» ) بِأَيَّامِهَا وَظَاهِرُهُ إِبَاحَةُ ذَلِكَ الثَّلَاثَ لِأَنَّ الْبَشَرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَضَبٍ وَسُوءِ خُلُقٍ فَسُومِحَ تِلْكَ الْمُدَّةَ، قَالَهُ عِيَاضٌ ; لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنَ الْغَضَبِ وَسُوءِ الْخُلُقِ يَزُولُ مِنَ الْمُؤْمِنِ أَوْ يَقِلُّ بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ السُّكُوتُ عَنْ حُكْمٍ الثَّلَاثِ لِتَطَلُّبٍ وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا وَرَاءَهَا وَهَذَا عَلَى رَأْيِ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ، وَفِي قَوْلِهِ أَخَاهُ إِشْعَارٌ بِالْعَلِيَّةِ ( «يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا» ) عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ (وَيُعْرِضُ هَذَا) الْآخَرُ كَذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَصْلُهُ أَنْ يُولِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ عَرْضَهُ، أَيْ: جَانِبَهُ، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ: " «فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا» " وَهُمَا بِمَعْنًى، وَيُعْرِضُ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ فِيهِمَا وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ بَيَانٌ لِصِفَةِ الْهَجْرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ فَاعِلِ يَهْجُرُ وَمَفْعُولِهِ مَعًا. (وَخَيْرُهُمَا) أَيْ: أَفْضَلُهُمَا وَأَكْثَرُهُمَا ثَوَابًا (الَّذِي يَبْدَأُ) أَخَاهُ (بِالسَّلَامِ) لِأَنَّهُ فَعَلَ حَسَنَةً وَتَسَبَّبَ إِلَى فِعْلِ حَسَنَةٍ وَهِيَ الْجَوَابُ، مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ حُسْنِ طَوِيَّتِهِ وَتَرْكِ مَا كَرِهَهُ الشَّرْعُ مِنَ الْهَجْرِ وَالْجَفَاءِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِمَا يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَيْسَ بِخَيْرٍ، وَعَلَى أَنَّ الْأُولَى حَالٌ فَهَذِهِ الثَّانِيَةُ عَطْفٌ عَلَى " لَا الحديث: 1682 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 يَحِلُّ ". وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ بِالسَّلَامِ: " «يَسْبِقُ إِلَى الْجَنَّةِ» ". وَلِأَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلَاثٌ فَلَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ رَدَّ فَقَدِ اشْتَرَكَا فِي الْأَجْرِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بِالْإِثْمِ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُ مِنَ الْهِجْرَةِ» " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَرَفِيقِهِ حَيْثُ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِهَجْرِهِمْ، قَالَ: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ خَافَ مِنْ مُكَالَمَةِ أَحَدٍ وَصِلَتِهِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ أَوْ يُدْخِلُ عَلَيْهِ مَضَرَّةً فِي دُنْيَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مُجَانَبَتُهُ وَبُعْدُهُ، وَرُبَّ هَجْرٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ مِنْ مُخَاطَبَةٍ مُؤْذِيَةٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِهِجْرَانِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُسُوقِ وَمُنَابِذِي السُّنَّةِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ هِجْرَانُهُمْ دَائِمًا، وَالنَّهْيُ عَنِ الْهِجْرَانِ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ هَجَرَ لِحَظِّ نَفْسِهِ وَمَعَايِشِ الدُّنْيَا، وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَنَحْوُهُمْ فَهِجْرَانُهُمْ دَائِمٌ انْتَهَى. وَمَا زَالَتِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ يَهْجُرُونَ مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ أَوْ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ كَلَامِهِ مَفْسَدَةٌ، وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الْمُبْتَدِئَ خَيْرٌ مِنَ الْمُجِيبِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ ابْتَدَأَ بِتَرْكِ مَا كَرِهَهُ الشَّرْعُ مِنَ التَّقَاطُعِ لَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الْبَاجِيُّ وَعِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا: وَفِيهِ أَنَّ السَّلَامَ يَخْرُجُ مِنَ الْهِجْرَانِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَبْرَأُ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَّا بِعَوْدِهِ إِلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَوَّلًا. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ يُونُسُ وَالزُّبَيْدِيُّ وَسُفْيَانُ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَائِلًا بِإِسْنَادِ مَالِكٍ وَمِثْلِ حَدِيثِهِ إِلَّا قَوْلَهُ: فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا قَالُوا: فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُهَاجِرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» قَالَ مَالِكٌ لَا أَحْسِبُ التَّدَابُرَ إِلَّا الْإِعْرَاضَ عَنْ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ فَتُدْبِرَ عَنْهُ بِوَجْهِكَ   1683 - 1633 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَبَاغَضُوا» ) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِيهِ وَفِي تَالِيَيْهِ، أَيْ: لَا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ التَّبَاغُضِ وَلَا تَفْعَلُوا الْأَهْوَاءَ الْمُضِلَّةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلتَّبَاغُضِ وَالتَّجَانُبِ لِأَنَّ التَّبَاغُضَ مُفْسِدٌ لِلدِّينِ. (وَلَا تَحَاسَدُوا) بِأَنْ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْ أَخِيهِ فَإِنْ سَعَى فِي ذَلِكَ كَانَ بَاغِيًا وَإِنْ لَمْ يَسْعَ فِي ذَلِكَ وَلَا تَسَبَّبَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ عَجْزَهُ بِحَيْثُ لَوْ تَمَكَّنَ فَعَلَ فَإِنَّهُ آثِمٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ التَّقْوَى فَقَدْ يُعْذَرُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ دَفْعَ الْخَوَاطِرِ النَّفْسَانِيَّةِ، فَيَكْفِيهِ فِي مُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ عَدَمُ الْعَمَلِ وَالْعَزْمُ عَلَيْهِ. وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مَرْفُوعًا: " «ثَلَاثٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ: الطِّيَرَةُ وَالظَّنُّ وَالْحَسَدُ، قِيلَ: فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ فَإِذَا تَطَيَّرْتَ فَلَا تَرْجِعْ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ، الحديث: 1683 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 وَإِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ» " وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إِلَّا وَقَدْ خُلِقَ مَعَهُ الْحَسَدُ فَمَنْ لَمْ يُجَاوِزْ ذَلِكَ إِلَى الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ لَمْ يَتْبَعْهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ قُومًا عَلَى حَسَدِهِمْ آخَرِينَ فَقَالَ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 54] وَقَالَ: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 32] وَجَاءَ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» " وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا: " «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ حَالِقَتَا الدِّينِ لَا حَالِقَتَا الشَّعْرِ» " وَعَنْهُ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ: " «لَمَّا رَفَعَ اللَّهُ مُوسَى نَجِيًّا رَأَى رَجُلًا مُتَعَلِّقًا بِالْعَرْشِ فَقَالَ: يَا رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي صَالِحٌ إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِعَمَلِهِ، قَالَ: يَا رَبِّ أَخْبِرْنِي، قَالَ: كَانَ لَا يَحْسُدُ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ» " وَبِحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: " «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْخَيْرِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» " اهـ عَلَى أَنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ غِبْطَةٌ وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَمَنَّى زَوَالَهُ عَنْهُ. (وَلَا تَدَابَرُوا) أَيْ: لَا يُعْرِضُ أَحَدُكُمْ بِوَجْهِهِ عَنْ أَخِيهِ وَيُوَلِّهِ دُبُرَهُ اسْتِثْقَالًا وَبُغْضًا لَهُ بَلْ يُقْبِلُ عَلَيْهِ وَيَبْسُطُ لَهُ وَجْهَهُ مَا اسْتَطَاعَ. (وَكُونُوا) يَا (عِبَادَ اللَّهِ) فَهُوَ مُنَادَى بِحَذْفِ الْأَدَاةِ (إِخْوَانًا) زَادَ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: " كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ "، أَيْ: مُتَوَاخِينَ مُتَوَادِّينَ بِاكْتِسَابِ مَا تَصِيرُونَ بِهِ كَإِخْوَانِ النَّسَبِ فِي الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالنَّصِيحَةِ. ( «وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُهَاجِرَ» ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا لِيَحْيَى وَحْدَهُ وَسَائِرُ رُوَاةِ الْمُوَّطَأِ يَقُولُونَ يَهْجُرُ (أَخَاهُ) فِي الْإِسْلَامِ ( «فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» ) بِأَيَّامِهَا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّمَا جُوِّزَ فِي الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمَرْءَ فِي ابْتِدَاءِ الْغَضَبِ مَغْلُوبٌ فَرُخِّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُهُ، زَادَ عِيَاضٌ: وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ السُّكُوتُ عَنْ حُكْمِهَا لِيَطْلُبَ فِي الشَّرْعِ وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا وَرَاءَهَا، وَهَذَا عَلَى رَأْيِ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، قَالَ الْأُبِّيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْأُخُوَّةِ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ جَازَ هَجْرُهُ فَوْقَ الثَّلَاثِ، وَالْمُرَادُ بِالْهِجْرَةِ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ عَتْبٍ أَوْ مَوْجَدَةٍ، أَيْ: غَضَبٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي حُقُوقِ الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ دُونَ مَا كَانَ فِي جَانِبِ الدِّينِ، فَإِنَّ هِجْرَةَ أَهْلِ الْبِدَعِ دَائِمًا مَا لَمْ تَظْهَرِ التَّوْبَةُ، وَمَرَّ لَهُ مَزِيدٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَحْسِبُ التَّدَابُرَ) أَيْ: مَعْنَاهُ فِي الْحَدِيثِ (إِلَّا الْإِعْرَاضَ عَنْ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ) وَتَرْكَ الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ وَنَحْوِهِمَا (فَتُدْبِرَ عَنْهُ بِوَجْهِكَ) لِأَنَّ مَنْ أَبْغَضْتَهُ أَعْرَضْتَ عَنْهُ وَمَنْ أَعْرَضْتَ عَنْهُ وَلَّيْتَهُ دُبُرَكَ، وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ هُوَ بِكَ. وَمَنْ أَحْبَبْتَهُ أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ وَوَاجَهْتَهُ لِتَسُرَّهُ وَيَسُرَّكَ، فَمَعْنَى تَدَابَرُوا وَتَقَاطَعُوا وَتَبَاغَضُوا مَعْنًى مُتَدَاخِلٌ مُتَقَارِبٌ كَالْمَعْنَى الْوَاحِدِ فِي النَّدْبِ إِلَى التَّوَاخِي وَالتَّحَابُبِ، فَبِذَلِكَ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرُهُ لِلْوُجُوبِ إِلَّا لِدَلِيلٍ يُخْرِجُهُ إِلَى النَّدْبِ كَذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ، وَظَاهِرُهُ التَّنَافِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْأَمْرِ اهـ، أَيْ: أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ فَيَجِبُ تَرْكُهُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ التَّوَاخِي وَالتَّحَابُبُ، قَالَ: وَقَدْ زَادَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَالِكٍ عَقِبَ قَوْلِهِ «وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَنَافَسُوا» قَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ: لَا أَعْلَمَ أَحَدًا قَالَهَا غَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَالزُّبَيْدِيُّ وَيُونُسُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَزَادَ: " وَلَا تَقَاطَعُوا " وَمَعْمَرٌ أَرْبَعَتُهُمْ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْخَمْسَةُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا»   1684 - 1634 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِيَّاكُمْ) كَلِمَةُ تَحْذِيرٍ (وَالظَّنَّ) أَيِ اجْتَنِبُوا ظَنَّ السَّوْءِ بِالْمُسْلِمِ، فَلَا تَتَّهِمُوا أَحَدًا بِالْفَاحِشَةِ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِيهَا، وَالظَّنُّ تُهْمَةٌ تَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِلَا دَلِيلٍ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهُوَ حَرَامٌ كَسُوءِ الْقَوْلِ لَكِنْ لَسْتُ أَعْنِي بِهِ إِلَّا عَقْدَ الْقَلْبِ وَحُكْمَهَ عَلَى غَيْرِهِ بِالسُّوءِ، أَمَّا الْخَوَاطِرُ وَحَدِيثُ النَّفْسِ فَعَفْوٌ بَلِ الشَّكُّ عَفْوٌ أَيْضًا، فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ الظَّنُّ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا تَرْكَنُ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ أَنَّ أَسْرَارَ الْقُلُوبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ، فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَعْتَقِدَ فِي غَيْرِكَ سُوءًا إِلَّا إِذَا انْكَشَفَتْ لَكَ بِعِيَانٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ لَا تَعْتَقِدْ إِلَّا مَا عَلِمْتَهُ وَشَاهَدْتَهُ أَوْ تَسْمَعُهُ، ثُمَّ يُوقَعُ فِي قَلْبِكَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُلْقِيهِ إِلَيْكَ، فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُكَذِّبَهُ فَإِنَّهُ أَفْسُقُ الْفُسَّاقِ اهـ. وَقَالَ الْعَارِفُ زَرُوقٌ: إِنَّمَا يَنْشَأُ الظَّنُّ الْخَبِيثُ عَنِ الْقَلْبِ الْخَبِيثِ لَا فِي جَانِبِ الْحَقِّ وَلَا فِي جَانِبِ الْخُلُقِ كَمَا قِيلَ: الحديث: 1684 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 إِذَا سَاءَ فِعْلُ الْمَرْءِ سَاءَتْ ظُنُونُهُ وَصَدَّقَ مَا يَعْتَادُهُ مِنْ تَوَهُّمِ وَعَادَى مُحِبِّيهِ بِقَوْلِ عَدُوِّهِ وَأَصْبَحَ فِي لَيْلٍ مِنَ الشَّكِّ مُظْلِمِ (فَإِنَّ الظَّنَّ) أَقَامَ الْمُظْهَرَ مَقَامَ الْمُضْمَرِ لِزِيَادَةِ تَمْكِينِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فِي ذِكْرِ السَّامِعِ حَثًّا عَلَى الِاجْتِنَابِ. ( «أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» ) أَيْ: حَدِيثِ النَّفْسِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِإِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ، وَاسْتُشْكِلَ تَسْمِيَتُهُ كَذِبًا بِأَنَّ الْكَذِبَ مِنْ صِفَاتِ الْأَقْوَالِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ مُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ، سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا أَمْ لَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَنْشَأُ عَنِ الظَّنِّ فَوُصِفَ الظَّنُّ بِهِ مَجَازًا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ الْمُرَادُ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ الَّذِي تُنَاطُ بِهِ الْأَحْكَامُ غَالِبًا، بَلِ الْمُرَادُ تَرْكُ تَحْقِيقِ الظَّنِّ الَّذِي يَضُرُّ بِالْمَظْنُونِ بِهِ، وَكَذَا مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِلَا دَلِيلٍ وَذَلِكَ أَنَّ أَوَائِلَ الظُّنُونِ إِنَّمَا هِيَ خَوَاطِرُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ لَا يُكَلَّفُ بِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: " «تَجَاوَزَ اللَّهُ لِلْأُمَّةِ بِمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا» " وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُرَادُ بِالظَّنِّ هُنَا التُّهْمَةُ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا كَمَنْ يَتَّهِمُ رَجُلًا بِالْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِيهَا وَلِذَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " وَلَا تَجَسَّسُوا " وَذَلِكَ أَنَّ الشَّخْصَ يَقَعُ لَهُ خَاطِرُ التُّهْمَةِ فَيُرِيدُ أَنْ يَتَحَقَّقَ فَيَتَجَسَّسُ وَيَبْحَثُ وَيَسْتَمِعُ فَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يُوَافِقُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12] [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: الْآيَةُ 12] الْآيَةَ، فَدَلَّ سِيَاقُهَا عَلَى الْأَمْرِ بِصَوْنِ عِرْضِ الْمُسْلِمِ غَايَةَ الصِّيَانَةِ لِتَقَدُّمِ النَّهْيِ عَنِ الْخَوْضِ فِيهِ بِالظَّنِّ، فَإِنْ قَالَ الظَّانُّ: أَبْحَثُ لِأَتَحَقَّقَ، قِيلَ لَهُ: {وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] فَإِنْ قَالَ: تَحَقَّقْتُهُ مِنْ غَيْرِ تَجْسِيسٍ، قِيلَ لَهُ: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] . وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ قَوْمٌ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ فِي الْأَحْكَامِ بِالِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ، وَحَمَلَهُ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى ظَنٍّ مُجَرَّدٍ عَنِ الدَّلِيلِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَصْلٍ وَلَا تَحْقِيقِ نَظَرٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ بِالظَّنِّ الِاجْتِهَادَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْأَحْكَامِ أَصْلًا بَلِ الِاسْتِدْلَالُ لَهُ بِذَلِكَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ضَعْفَهُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا بُطْلَانُهُ فَلَا لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا إِذَا حُمِلَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ. وَقَدْ قَرَّبَهُ فِي الْمُفْهِمِ وَقَالَ: الظَّنُّ الشَّرْعِيُّ الَّذِي هُوَ تَغْلِيبُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَوِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْيَقِينِ لَيْسَ مُرَادًا مِنَ الْحَدِيثِ وَلَا مِنَ الْآيَةِ، فَلَا يُلْتَفَتُ لِمَنِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى إِنْكَارِ الظَّنِّ الشَّرْعِيِّ. (وَلَا تَحَسَّسُوا) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ. (وَلَا تَجَسَّسُوا) بِالْجِيمِ وَرَوَى بِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْحَاءِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، هُمَا لَفْظَتَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْبَحْثُ وَالتَّطَلُّبُ لِمَعَايِبِ النَّاسِ وَمُسَاوِيهِمْ إِذَا غَابَتْ وَاسْتَتَرَتْ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا، وَلَا يَكْشِفُ عَنْ خَبَرِهَا، وَأَصْلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي اللُّغَةِ مِنْ قَوْلِكَ حَسَّ الشَّيْءَ، أَيْ: أَدْرَكَهُ بِحَسِّهِ وَجَسِّهِ مِنَ الْمِحَسَّةِ وَالْمِجَسَّةِ، وَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 ذِكْرُ الثَّانِي لِلتَّوْكِيدِ كَقَوْلِهِمْ بُعْدًا وَسُحْقًا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَصْلُ الَّتِي بِالْحَاءِ مِنَ الْحَاسَّةِ إِحْدَى الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، وَبِالْجِيمِ مِنَ الْجَسِّ بِمَعْنَى اخْتِبَارِ الشَّيْءِ بِالْيَدِ وَهِيَ إِحْدَى الْحَوَاسِّ فَتَكُونُ الَّتِي بِالْحَاءِ أَعَمَّ. وَقَالَ غَيْرُهُ بِالْجِيمِ الْبَحْثُ عَنِ الْعَوْرَاتِ وَبِالْحَاءِ اسْتِمَاعُ حَدِيثِ الْقَوْمِ، وَقِيلَ: بِالْجِيمِ الْبَحْثُ عَنْ بَوَاطِنِ الْأُمُورِ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِي الشَّرِّ، وَبِالْحَاءِ الْبَحْثُ عَمَّا يُدْرَكُ بِحَاسَّةِ الْعَيْنِ أَوِ الْأُذُنِ وَرَجَّحَ هَذَا الْقُرْطُبِيُّ. وَقِيلَ: بِالْحَاءِ تَتَبُّعُ الشَّخْصِ لِنَفْسِهِ وَبِالْجِيمِ لِغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ ثَعْلَبٌ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: التَّجَسُّسُ بِالْجِيمِ تَطَلَّبُ أَخْبَارِ النَّاسِ فِي الْجُمْلَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلْإِمَامِ الَّذِي رُتِّبَ لِمَصَالِحِهِمْ وَأُلْقِيَ إِلَيْهِ زِمَامُ حِفْظِهِمْ، فَأَمَّا عِرْضُ النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ إِلَّا لِغَرَضِ مُصَاهَرَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ رِفَاقَةٍ فِي سَفَرٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الِامْتِزَاجِ، وَأَمَّا بِالْحَاءِ فَطَلَبُ الْخَبَرِ الْغَائِبِ لِلشَّخْصِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَلَا لِسِوَاهُ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلْمَاوَرْدِيِّ: لَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَبْحَثَ عَمَّا لَمْ يَظْهَرْ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اسْتِتَارُ أَهْلِهَا بِهَا إِلَّا إِنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى إِنْقَاذِ نَفْسٍ مِنَ الْهَلَاكِ مَثَلًا كَإِخْبَارِ ثِقَةٍ بِأَنَّ فَلَانًا خَلَا بِشَخْصٍ لِيَقْتُلَهُ ظُلْمًا أَوِ امْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا، فَيُشْرَعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ التَّجَسُّسُ وَالْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ اسْتِدْرَاكِهِ. (وَلَا تَنَافَسُوا) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ مِنَ الْمُنَافَسَةِ وَهِيَ الرَّغْبَةُ فِي الشَّيْءِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ: لَا تَتَنَافَسُوا حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا إِنَّمَا التَّنَافُسُ فِي الْخَيْرِ قَالَ تَعَالَى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26] [سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: الْآيَةُ 26] وَكَأَنَّ الْمُنَافَسَةَ هِيَ الْغِبْطَةُ وَأَبْعَدَ مَنْ فَسَّرَهَا بِالْحَسَدِ ; لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ: (وَلَا تَحَاسَدُوا) أَيْ: لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: التَّنَافُسُ هُوَ التَّحَاسُدُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَّا أَنَّهُ يَتَمَيَّزُ عَنْهُ بِأَنَّهُ سَبَبُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْمُرَادُ التَّنَافُسُ فِي الدُّنْيَا وَمَعْنَاهُ طَلَبُ الظُّهُورِ فِيهَا عَلَى النَّاسِ وَالتَّكَبُّرُ عَلَيْهِمْ وَمُنَافَسَتُهُمْ فِي رِيَاسَتِهِمْ وَالْبَغْيُ عَلَيْهِمْ وَحَسَدُهُمْ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْهَا، وَأَمَّا التَّنَافُسُ وَالْحَسَدُ عَلَى الْخَيْرِ وَطُرُقِ الْبِرِّ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ. (وَلَا تَبَاغَضُوا) أَيْ: لَا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ الْبُغْضِ ; لِأَنَّ الْبُغْضَ لَا يُكْتَسَبُ ابْتِدَاءً. وَقِيلَ: الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّبَاغُضِ. قَالَ الْحَافِظُ: بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْأَهْوَاءِ ; لِأَنَّ تَعَاطِيَ الْأَهْوَاءِ ضَرْبٌ مِنْ ذَلِكَ، وَحَقِيقَةُ التَّبَاغُضِ أَنْ يَقَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَقَدْ يُطْلَقُ إِذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالْمَذْمُومُ مِنْهُ مَا كَانَ فِي غَيْرِ اللَّهِ، أَمَّا فِي اللَّهِ فَوَاجِبٌ يُثَابُ فَاعِلُهُ لِتَعْظِيمِ حَقِّ اللَّهِ وَلَوْ كَانَا أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ السَّلَامَةِ، كَمَنْ يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إِلَى اعْتِقَادٍ يُنَافِي الْآخَرَ فَيَبْغَضُهُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَعْذُورٌ عِنْدَ اللَّهِ. (وَلَا تَدَابَرُوا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا تَتَهَاجَرُوا فَيَهْجُرُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَوْلِيَةِ الرَّجُلِ الْآخَرَ دُبُرَهُ إِذَا أَعْرَضَ عَنْهُ حِينَ يَرَاهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّمَا قِيلَ لِلْإِعْرَاضِ مُدَابَرَةٌ لِأَنَّ مَنْ أَبْغَضَ أَعْرَضَ وَمَنْ أَعْرَضَ وَلَّى دُبُرَهُ وَالْمُحِبُّ بِالْعَكْسِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 يَسْتَأْثِرُ أَحَدُكُمْ عَلَى الْآخَرِ، وَقِيلَ: لِلْمُسْتَأْثِرِ مُسْتَدْبِرٌ لِأَنَّهُ يُوَلِّي دُبُرَهُ حَتَّى يَسْتَأْثِرَ بِشَيْءٍ دُونَ الْآخَرِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَعْنَى التَّدَابُرِ الْمُعَادَاةُ، تَقُولُ دَابَرْتُهُ، أَيْ: عَادَيْتُهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَتَخَاذَلُوا بَلْ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذِهِ أُمُورٌ غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ فَلَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهَا فَيُصْرَفُ النَّهْيُ إِلَى أَسْبَابِهَا، أَيْ: لَا تَفْعَلُوا مَا يُوجِبُ ذَلِكَ. ( «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اكْتَسِبُوا مَا تَصِيرُونَ بِهِ كَإِخْوَانِ النَّسَبِ فِي الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ " هَذِهِ الْأَوَامِرُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا فَإِنَّهَا جَامِعَةٌ لِمَعَانِي الْأُخُوَّةِ وَنَسَبُهَا إِلَى اللَّهِ لِأَنَّ الرَّسُولَ مُبَلِّغٌ عَنْهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: يَجُوزُ أَنَّ إِخْوَانًا خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَأَنَّهُ بَدَلٌ وَأَنَّهُ الْخَبَرُ، وَ " عِبَادَ اللَّهِ " مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْقَعُ، يَعْنِي أَنْتُمْ مُسْتَوُونَ فِي كَوْنِكُمْ عَبِيدَ اللَّهِ وَمِلَّتُكُمْ وَاحِدَةً، وَالتَّبَاغُضُ وَمَا مَعَهُ مُنَافٍ لِذَلِكَ، وَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونُوا إِخْوَانًا مُتَوَاصِلِينَ مُتَآلِفِينَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: انْتَصَبَ عِبَادَ اللَّهِ عَلَى النِّدَاءِ أَوْ حُذِفَ حَرْفُهُ وَإِخْوَانًا خَبَرٌ، وَيَجُوزُ أَنَّهُمَا خَبَرَانِ، وَيَجُوزُ أَنَّ الْخَبَرَ عِبَادَ اللَّهِ، وَإِخْوَانًا حَالٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ لَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَا تَنَاجَشُوا بَدَلَ قَوْلِهِ وَلَا تَنَافَسُوا، وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَ عِيَاضٌ: النَّجْشُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ ذَمِّ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَقِيلَ: النَّجْشُ التَّنْفِيرُ نَجَشَ الصَّيْدَ نَفَّرَهُ، وَالنَّجْشُ أَيْضًا الْإِطْرَاءُ، فَمَعْنَى لَا تَنَاجَشُوا لَا يُنَافِرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، أَيْ: لَا يُعَامِلُهُ مِنَ الْقَوْلِ بِمَا يُنَفِّرُهُ كَمَا يُنَفِّرُ الصَّيْدَ بَلْ يُسْكِنُهُ وَيُؤْنِسُهُ، وَيَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى لَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَكِنْ فِي رِوَايَةٍ: " «وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» " وَهَذَا يُوَافِقُ مَعْنَى الْمُنَاجَشَةِ فِي الْبَيْعِ، وَيَكُونُ مِنَ الزِّيَادَةِ أَوْ مِنَ التَّنْفِيرِ عَنْ سِلْعَةِ غَيْرِهِ بِإِطْرَاءِ سِلْعَتِهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: جَعْلُهُ مِنَ النَّجْشِ فِي الْبَيْعِ بَعِيدٌ لِأَنَّ تَنَاجَشُوا تَفَاعَلُوا وَأَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالنَّجْشُ فِي الْبَيْعِ مِنْ وَاحِدٍ فَافْتَرَقَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبْ الشَّحْنَاءُ»   1685 - 1635 - (مَالِكٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ عَبْدِ اللَّهِ) وَقِيلَ: مَيْسَرَةُ (الْخُرَاسَانِيِّ) ابْنِ عُثْمَانَ صَدُوقٌ لَكِنَّهُ يَهِمُ وَيُرْسِلُ وَيُدَلِّسُ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَحَسْبُكَ بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُ (قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَصَافَحُوا» ) مُفَاعَلَةٌ الحديث: 1685 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 مِنَ الصَّفْحِ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْإِفْضَاءُ بِصَفْحَةِ الْيَدِ إِلَى صَفْحَةِ الْيَدِ، قَالَهُ الْحَافِظُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُصَافَحَةُ الْأَخْذُ بِالْيَدِ، وَفِي الْمَشَارِقِ: الْمُصَافَحَةُ بِالْأَيْدِي عِنْدَ السَّلَامِ وَاللِّقَاءِ وَهِيَ ضَرْبُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ (يَذْهَبِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ مَجْزُومٌ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ حُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَبِالرَّفْعِ، أَيْ: فَبِهِ يَذْهَبُ (الْغِلُّ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ الْحِقْدُ وَالضَّغَانَةُ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ مَالِكٌ هَكَذَا مُعْضَلًا، وَقَدْ أُسْنِدَ مِنْ طُرُقٍ فِيهَا مَقَالٌ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ مِنْ قُلُوبِكُمْ» " وَإِلَى مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «تَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ عَنْكُمْ» " فَقَوْلُ السُّيُوطِيِّ: فِي الْمُصَافَحَةِ أَحَادِيثُ مَوْصُولَةٌ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ عَجِيبٌ مَعَ أَنَّهُ نَفْسَهُ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: حَدِيثُ مَالِكٍ جَيِّدٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ شَتًّى حِسَانٍ كُلِّهَا، ثُمَّ ذَكَرَهُ بِأَسَانِيدِهِ جُمْلَةً مِنْهَا فِي الْمُصَافَحَةِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، فَكَأَنَّ السُّيُوطِيَّ اغْتَرَّ بِهِ وَغَفَلَ عَمَّا فِي جَامِعِهِ وَالْكَمَالُ لِلَّهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةَ الْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَغَيْرُهُ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُهُ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنَى مَا فِي الْمُوَّطَأِ وَعَلَى جَوَازِهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا، وَفِيهِ آثَارٌ حِسَانٌ، (وَتَهَادَوْا) بِفَتْحِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ تَحَابُّوا، قَالَ الْحَافِظُ لِلْحَاكِمِ: إِنْ كَانَ بِالتَّشْدِيدِ فَمِنَ الْمَحَبَّةِ وَإِنْ كَانَ بِالتَّخْفِيفِ فَمِنَ الْمُحَابَاةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْإِسْلَامِ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَحَثَّ عَلَيْهِ خُلَفَاؤُهُمُ الْأَوْلِيَاءُ تُؤَلِّفُ الْقُلُوبَ وَتَنْفِي سَخَائِمِ الصُّدُورِ، وَقَبُولُ الْهَدِيَّةِ سُنَّةٌ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ مَا فِيهِ مِنَّةٌ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو يَعْلَى وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُنَى وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَهَادَوْا (تَحَابُّوا وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ) » بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَنُونٍ وَالْمَدِّ، الْعَدَاوَةُ ; لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ جَالِبَةٌ لِلرِّضَا وَالْمَوَدَّةِ فَتُذْهِبُ الْعَدَاوَةَ. وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ» " بِوَاوٍ فَمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ فِرَاءٍ، أَيْ: غِلَّهُ وَغِشَّهُ وَحِقْدَهُ. وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ بِالسَّخِيمَةِ» " قَالَ يُونُسُ بْنُ زَيْدٍ: هِيَ الْغِلُّ. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تَهَادَوْا فَإِنَّهُ يُضَعِّفُ الْوُدَّ وَيُذْهِبُ بِغَوَائِلِ الصَّدْرِ» " وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَحْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَكُنْ بِالرَّضِيِّ وَلَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ وَلَا عَنِ الزُّهْرِيِّ انْتَهَى. لَكِنَّ لَهُ شَوَاهِدَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ وَدَّاعٍ الْخُزَاعِيَّةِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: " «فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُضَعِّفُ الْحُبَّ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ» " وَتُضَعِّفُ بِالتَّثْقِيلِ، أَيْ: تُزِيدُهُ وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 هَدَايَا النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ... تُوَلِّدُ فِي قُلُوبِهِمُ الْوِصَالَا وَتَزْرَعُ فِي الضَّمِيرِ هَوًى وَوُدًّا ... وَتَكْسُوهُمْ إِذَا حَضَرُوا جَمَالَا وَقَالَ آخَرُ: إِنَّ الْهَدَايَا لَهَا حِفْظٌ إِذَا وَرَدَتْ ... أَحْظَى مِنَ الِابْنِ عِنْدَ الْوَالِدِ الْحَدْبُ وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " «اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ فَتَمَارَوْا فِي أَشْيَاءَ فَقَالَ عَلِيٌّ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْأَلْهُ، فَلَمَّا وَقَفُوا عَلَيْهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْنَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ سَلُونِي، وَإِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ بِمَا جِئْتُمْ لَهُ، قَالُوا: أَخْبِرْنَا، قَالَ: جِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنِ الصَّنِيعَةِ لِمَنْ تَكُونُ؟ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إِلَّا لِذِي حَسَبٍ أَوْ دِينٍ، وَجِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنِ الرِّزْقِ يَجْلِبُهُ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ فَاسْتَنْزِلُوهُ بِالصَّدَقَةِ، وَجِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنْ جِهَادِ الضَّعِيفِ، وَجِهَادُ الضَّعِيفِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَجِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنْ جِهَادِ الْمَرْأَةِ، وَجِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ لِزَوْجِهَا، وَجِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنِ الرِّزْقِ مِنْ أَيْنَ أَتَى وَكَيْفَ يَأْتِي؟ أَبَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ إِلَّا مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» " قَالَ أَبُو عُمَرَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ لَكِنَّهُ مُنْكَرٌ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَهُمْ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ وَلَا لَهُ أَصْلٌ فِي حَدِيثِهِ انْتَهَى. وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ مَتْنَهُ حَسَنٌ وَإِنْ كَانَ سَنَدُهُ الْمَذْكُورُ لَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ وَإِلَّا فَالْجَمْعُ بَيْنَ حَسَنٍ وَبَيْنَ مُنْكَرٍ لَا يَصِحُّ تَنَافٍ، أَوْ مُرَادُهُ حُسْنُ اللَّفْظِ وَهُوَ بَعِيدٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا»   1686 - 1636 - (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ) بِضَمِّ السِّينِ مُصَغَّرٌ (ابْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ) ذَكْوَانَ السَّمَّانِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ» ) يُحْتَمَلُ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْجَنَّةَ مَغْلُوقَةٌ وَفَتْحُ أَبْوَابِهَا مُمْكِنٌ وَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْمَغْفِرَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ الْعَظِيمَةِ وَكَتْبِ الدَّرَجَاتِ الرَّفِيعَةِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْفَتْحُ حَقِيقَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى التَّأْوِيلِ وَيَكُونُ فَتْحُهَا تَأَهُّبًا مِنَ الْخَزَنَةِ لِمَنْ يَمُوتُ يَوْمَئِذٍ مِمَّنْ غَفَرَ لَهُ أَوْ يَكُونُ عَلَامَةً لِلْمَلَائِكَةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ فِي ذَيْنِكَ الْيَوْمَيْنِ ( «يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ» ) فِيهِ فَضَّلَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَيَّامِ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُمَا وَيَنْدُبُ أُمَّتَهُ إِلَى صِيَامِهِمَا وَكَانَ يَتَحَرَّاهُمَا بِالصِّيَامِ، وَأَظُنُّ هَذَا الْخَبَرَ إِنَّمَا تَوَجَّهَ إِلَى طَائِفَةٍ كَانَتْ تَصُومُهُمَا تَأْكِيدًا عَلَى لُزُومِ ذَلِكَ كَذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ» " (فَيُغْفَرُ) فِيهِمَا الحديث: 1686 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 ( «لِكُلِّ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا» ) ذُنُوبُهُ الصَّغَائِرُ بِغَيْرِ وَسِيلَةِ طَاعَةٍ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لِحَدِيثِ " «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُمَا مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» " (إِلَّا رَجُلًا) لِأَنَّهَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ كَلَامٍ مُوجَبٍ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ، قَالَهُ التُّورِبِشْتِيُّ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَعَلَى الرَّفْعِ الْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، أَيْ: لَا يَبْقَى ذَنْبُ أَحَدٍ إِلَّا ذَنْبَ رَجُلٍ وَهُوَ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ وَالْمُرَادُ إِنْسَانٌ ( «كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ» ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ، أَيْ: عَدَاوَةٌ (فَيُقَالُ أَنْظِرُوا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: يَعْنِي يَقُولُ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ النَّازِلَةِ بِهَدَايَا الْمَغْفِرَةِ أَخِّرُوا وَأَمْهِلُوا (هَذَيْنِ) أَتَى بِاسْمِ الْإِشَارَةِ بَدَلَ الضَّمِيرِ لِمَزِيدِ التَّنْفِيرِ، وَالتَّعْبِيرُ يَعْنِي لَا تُعْطُوا مِنْهَا أَنْصِبَاءَ رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ (حَتَّى) تَرْتَفِعَ وَ (يَصْطَلِحَا) وَلَوْ بِمُرَاسَلَةٍ عِنْدَ الْبُعْدِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَا بُدَّ هُنَا مِنْ تَقْدِيرِ مَنْ يُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ أَنْظِرُوا كَأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا غَفَرَ لِلنَّاسِ سِوَاهُمَا قِيلَ ( «أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» ) وَكَرَّرَ لِلتَّأْكِيدِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ التَّحْذِيرُ مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْعَدَاوَةِ وَإِدَامَةِ الْهَجْرِ، قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَمْ يَقْبَلْ غُفِرَ لِلْمُصَالِحِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: إِذَا كَانَ الْهَجْرُ لِلَّهِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَجَرَ بَعْضَ نِسَائِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَابْنَ عُمَرَ هَجَرَ ابْنًا لَهُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ أَنَّ الشَّحْنَاءَ مِنَ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْكَبَائِرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ اسْتَثْنَى غُفْرَانَهَا وَخَصَّهَا بِذَلِكَ؟ وَأَنَّ ذُنُوبَ الْعِبَادِ إِذَا وَقَعَ بَيْنَهُمُ الْمَغْفِرَةُ وَالتَّجَاوُزُ سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا مِنَ اللَّهِ لِقَوْلِهِ حَتَّى يَصْطَلِحَا فَإِذَا اصْطَلَحَا غَفَرَ لَهُمَا ذَلِكَ وَغَيْرَهُ مِنْ صَغَائِرِ ذُنُوبِهِمَا انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ سُهَيْلٍ لَكِنْ قَالَ: إِلَّا الْمُتَهَاجِرَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ أَوِ الْجَمْعِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيُّ وَوَهِمَ مَنْ عَزَاهُ لَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا عَبْدًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا أَوِ ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا   1687 - 1637 - (مَالِكٌ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) وَاسْمُهُ يَسَارٌ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى الْأَنْصَارِ تَابِعِيُّ صَغِيرٌ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السِّمَّانِ) بَائِعِ السَّمْنِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَذَا وَقَفَهُ يَحْيَى وَجُمْهُورُ الرُّوَاةِ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَهُوَ تَوْقِيفٌ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ أَجَلُّ أَصْحَابِهِ فَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ، فَقَالَ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الحديث: 1687 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 ( «تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ» ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أُرِيدَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْهُمْ بِقَرِينَةِ تَرْتِيبِهِ الْمَغْفِرَةَ عَلَى الْعَرْضِ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ لَا ذَنْبَ لَهُ يُغْفَرُ ( «كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ» ) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَرَادَ بِالْجُمُعَةِ الْأُسْبُوعَ فَعَبَّرَ عَنِ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَمَا يَتِمُّ بِهِ وَيُوجَدُ عِنْدَهُ وَالْمَعْرُوضُ عَلَيْهِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ مَلَكٌ يُوَكِّلُهُ اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ صُحُفِ الْأَعْمَالِ وَضَبْطِهَا انْتَهَى. وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بِأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى اللَّهِ. . . وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجُمُعَةِ يَوْمَهَا لِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِ: ( «يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ» ) وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْعَرْضُ قَدْ يَكُونُ بِنَقْلِ الْأَعْمَالِ مِنْ صَحَائِفِ الْحَفَظَةِ إِلَى مَحَلٍّ آخَرَ، وَلَعَلَّهُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29] [سُورَةُ الْجَاثِيَةِ: الْآيَةُ 29] قَالَ الْحَسَنُ: الْخَزَنَةُ تَسْتَنْسِخُ مِنَ الْحَفَظَةِ وَقَدْ يَكُونُ الْعَرْضُ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ لِيُبَاهِيَ سُبْحَانَهُ بِصَالِحِ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ الْمَلَائِكَةَ كَمَا يُبَاهِيهِمْ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، وَقَدْ يَكُونُ لِتَعْلَمَ الْمَلَائِكَةُ الْمَقْبُولَ مِنَ الْأَعْمَالِ مِنَ الْمَرْدُودِ كَمَا جَاءَ: " «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَصْعَدُ بِصَحَائِفِ الْأَعْمَالِ لِتَعْرِضَهَا عَلَى اللَّهِ فَيَقُولُ ضَعُوا هَذَا وَاقْبَلُوا هَذَا فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: وَعِزَّتِكَ مَا عَلِمْنَا إِلَّا خَيْرًا، فَيَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ لِغَيْرِي وَلَا أَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجِهِي» " ( «فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدِ مُؤْمِنٍ» ) ذُنُوبَهُ الْمَعْرُوضَةَ عَلَيْهِ (إِلَّا عَبْدًا) بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ كَلَامٍ مُوجَبٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَبْدٌ بِالرَّفْعِ وَتَقْدِيرُهُ فَلَا يُحْرَمُ أَحَدٌ مِنَ الْغُفْرَانِ إِلَّا عَبْدٌ، وَمِنْهُ: " فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلٌ " بِالرَّفْعِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ. ( «كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا» ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، أَيْ: يَرْجِعَا عَمَّا هُمَا عَلَيْهِ مِنَ التَّقَاطُعِ وَالتَّبَاغُضِ إِلَى الصُّلْحِ، وَأَتَى بِاسْمِ الْإِشَارَةِ بَدَلَ الضَّمِيرِ لِمَزِيدِ التَّعْيِيرِ وَالتَّنْفِيرِ (أَوْ) قَالَ ( «أَرْكُوا» ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْكَافِ، أَيْ: أَخِّرُوا (هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا) شَكَّ الرَّاوِي، يُقَالُ: أَرْكَيْتُ الشَّيْءَ أَخَّرْتُهُ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثُ مَا صَحَّ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ» "، قَالَ الْوَالِيُّ الْعِرَاقِيُّ: لِاحْتِمَالِ عَرْضِ الْأَعْمَالِ عَلَيْهِ تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ، ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَعْمَالُ السَّنَةِ فِي شَعْبَانَ فَتُعْرَضُ عَرْضًا بَعْدَ عَرْضٍ، وَلِكُلِّ عَرْضٍ حِكْمَةٌ يَسْتَأْثِرُ بِهَا، مَعَ أَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ خَافِيَةٌ أَوْ عَلَيْهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُعْرَضُ فِي الْيَوْمِ تَفْصِيلًا وَفِي الْجُمُعَةِ إِجْمَالًا أَوْ عَكْسُهُ انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّارٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا مَالِكٌ فَذَكَرَهُ مَرْفُوعًا بِهِ، وَتَابَعُهُ سُفْيَانُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 [باب الملابس] [مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ لِلْجَمَالِ بِهَا] كِتَابُ اللُّبَاسِ باب مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ لِلْجَمَالِ بِهَا وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ قَالَ جَابِرٌ فَبَيْنَا أَنَا نَازِلٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ إِلَى الظِّلِّ قَالَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْتُ إِلَى غِرَارَةٍ لَنَا فَالْتَمَسْتُ فِيهَا شَيْئًا فَوَجَدْتُ فِيهَا جِرْوَ قِثَّاءٍ فَكَسَرْتُهُ ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا قَالَ فَقُلْتُ خَرَجْنَا بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ جَابِرٌ وَعِنْدَنَا صَاحِبٌ لَنَا نُجَهِّزُهُ يَذْهَبُ يَرْعَى ظَهْرَنَا قَالَ فَجَهَّزْتُهُ ثُمَّ أَدْبَرَ يَذْهَبُ فِي الظَّهْرِ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ لَهُ قَدْ خَلَقَا قَالَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ فَقَالَ أَمَا لَهُ ثَوْبَانِ غَيْرُ هَذَيْنِ فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُ ثَوْبَانِ فِي الْعَيْبَةِ كَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا قَالَ فَادْعُهُ فَمُرْهُ فَلْيَلْبَسْهُمَا قَالَ فَدَعَوْتُهُ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ وَلَّى يَذْهَبُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَهُ ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا لَهُ قَالَ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»   48 - كِتَابُ اللُّبَاسِ 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ لِلْجَمَالِ بِهَا 1688 - 1638 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ فَمِيمٍ فَأَلِفٍ فَرَاءٍ بِنَاحِيَةِ نَجْدٍ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهِيَ غَزْوَةُ غَطَفَانَ، وَتُعْرَفُ بِذِي أَمَرٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَسَبَبُهَا أَنَّ جَمْعًا مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ وَمُحَارِبَ تَجَمَّعُوا يُرِيدُونَ أَنْ يُصِيبُوا مِنْ أَطْرَافِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا سَمِعُوا بِذَلِكَ هَرَبُوا فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ فِرَقًا مِمَّنْ نُصِرَ بِالرُّعْبِ فَرَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ حَرْبًا (قَالَ جَابِرٌ: فَبَيْنَا) بِلَا مِيمٍ (أَنَا نَازِلٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَقْبَلَ (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ) أَيْ: أَقْبِلْ (إِلَى الظِّلِّ) وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الصَّحَابَةِ إِذَا رَأَوْا شَجَرَةً ظَلِيلَةً تَرَكُوهَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنْ دَابَّتِهِ تَحْتَ ظِلِّ الشَّجَرَةِ (فَقُمْتُ إِلَى غِرَارَةٍ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ شِبْهُ الْعَدْلِ وَجَمْعُهَا غَرَائِرُ (لَنَا فَالْتَمَسْتُ) طَلَبْتُ (فِيهَا شَيْئًا) يُؤْكَلُ أُقَدِّمُهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَوَجَدْتُ فِيهَا جِرْوَ) بِكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَضَمُّهَا لُغَةٌ (قِثَّاءٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَكْثَرَ مِنْ ضَمِّهَا، فَمُثَلَّثَةٍ ثَقِيلَةٍ وَمَدٍّ، اسْمٌ لِمَا يَقُولُ لَهُ النَّاسُ الْخِيَارُ وَالْعَجُّورُ وَالْفَقُّوسُ وَبَعْضُهُمْ يُطْلِقُهُ عَلَى نَوْعٍ يُشْبِهُ الْخِيَارَ، قَالَ الْبَاجِيُّ: هِيَ الصَّحِيحَةُ، وَقِيلَ: الْمُسْتَطِيلَةُ، وَقِيلَ: الصَّغِيرَةُ، وَقَالَ أَبُو عَبِيدٍ: الْجِرْوُ صِغَارُ الْقِثَّاءِ وَالرُّمَّانِ (فَكَسَرْتُهُ ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: خَرَجْنَا الحديث: 1688 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَ الْمَدِينَةِ) قَالَ جَابِرٌ: (وَعِنْدَنَا صَاحِبٌ لَنَا) لَمْ يُسَمَّ (نُجَهِّزُهُ يَذْهَبُ يَرْعَى ظَهْرَنَا) أَيْ: دَوَابَّنَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا يُرْكَبُ عَلَى ظُهُورِهَا أَوْ لِكَوْنِهَا يُسْتَظْهَرُ بِهَا وَيُسْتَعَانُ عَلَى السَّفَرِ. (قَالَ) جَابِرٌ: (فَجَهَّزْتُهُ ثُمَّ أَدْبَرَ يَذْهَبُ فِي الظَّهْرِ) يَرْعَاهُ (وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ لَهُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ تَثْنِيَةُ بُرْدٍ ثَوْبٌ مُخَطَّطٌ أَكْسِيَةٌ يُلْتَحَفُ بِهَا الْوَاحِدَةُ بِهَاءٍ وَجَمْعُهُ أَبْرَادٌ وَأَبْرُدٌ وَبُرُودٌ (قَدْ خَلَقَا) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ، أَيْ: بَلِيَا (قَالَ: فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَمَا) بِالْفَتْحِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ (لَهُ ثَوْبَانِ غَيْرُ هَذَيْنِ؟) الْبُرْدَيْنِ الْخَلِقَيْنِ (فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُ ثَوْبَانِ فِي الْعَيْبَةِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَمُوَحَّدَةٍ مُسْتَوْدَعُ الثِّيَابِ (كَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا، قَالَ: فَادْعُهُ فَمُرْهُ فَلْيَلْبَسْهُمَا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ: فَدَعَوْتُهُ فَلَبِسَهُمَا (ثُمَّ وَلَّى يَذْهَبُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَهُ) يَلْبَسُ الْخَلِقَيْنِ مَعَ تَيَسُّرِ الْجَدِيدَيْنِ وَوُجُودِهِمَا عِنْدَهُ (ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا لَهُ؟) أَنْكَرَ عَلَيْهِ بَذَاذَتَهُ لِمَا يُؤَدِّي إِلَى ذِلَّتِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «الْبَذَاذَةُ مِنَ الْإِيمَانِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فَمَعْنَاهُ إِنْ قَصَدَ بِهَا تَوَاضُعًا وَزُهْدًا وَكَفَّ نَفْسٍ عَنْ فَخْرٍ وَتَكَبُّرٍ لَا إِظْهَارَ فَقْرٍ وَصِيَانَةِ مَالٍ، فَالْمُرَادُ بِهِ إِثْبَاتُ التَّوَاضُعِ لِلْمُؤْمِنِ كَمَا وَرَدَ: " «الْمُؤْمِنُ مُتَوَاضِعٌ وَلَيْسَ بِذَلِيلٍ» " (قَالَ: فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ) يَقُولُ ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ عِنْدَ إِنْكَارِ أَمْرٍ وَلَا تُرِيدُ بِهَا الدُّعَاءَ عَلَى مَنْ يُقَالُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمَّا تَيَقَّنَ الرَّجُلُ وُقُوعَ مَا يَقُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟) أَيِ الْجِهَادِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ) جَابِرٌ (فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَهَذَا مِنْ عَظِيمِ الْآيَاتِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إِلَى الْقَارِئِ أَبْيَضَ الثِّيَابِ   1688 - 1639 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إِلَى الْقَارِئِ) أَيِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 الْعَالِمِ (أَبْيَضَ الثِّيَابِ) أَيْ: أَسْتَحِبُّ لِأَهْلِ الْعِلْمِ حُسْنَ الزِّيِّ وَالتَّجَمُّلِ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ   1690 - 1640 - (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ) كَيْسَانَ السِّخْتِيَانِيِّ الْبَصْرِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ (قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) الرِّزْقَ (فَأَوْسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) لِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ. وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ لَالٍ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَخَذَ عَنِ اللَّهِ أَدَبًا حَسَنًا إِذَا وَسَّعَ عَلَيْهِ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ» " (جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ) خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ يَعْنِي لِيَجْمَعْ، قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَلَامٌ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ فَحَسَنٌ، وَهَذَا قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ: أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ؟ " ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ فَقَالَ: إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ فَأَوْسِعُوا جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ، فِي إِزَارٍ وَقِبَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ» . وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ فَأُدْمِجَ الْمَوْقُوفُ فِي الْمَرْفُوعِ وَلَمْ يُذْكَرْ عُمَرُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَافَقَ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ عَلَيْهِ، كَذَلِكَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، فَرَوَاهُ عَنْ أَيُّوبَ وَهُشَامٍ وَحَبِيبٍ وَعَاصِمٍ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ ابْنِ عُلَيَّةَ، فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَى رَفْعِهِ وَحَذَفَ الْبَاقِي، وَهُوَ مِنْ حُسْنِ تَصَرُّفِهِ. الحديث: 1690 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 [مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ وَالذَّهَبِ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَلْبَسُ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْمِشْقِ وَالْمَصْبُوغَ بِالزَّعْفَرَانِ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْغِلْمَانُ شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ فَأَنَا أَكْرَهُهُ لِلرِّجَالِ الْكَبِيرِ مِنْهُمْ وَالصَّغِيرِ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ فِي الْمَلَاحِفِ الْمُعَصْفَرَةِ فِي الْبُيُوتِ لِلرِّجَالِ وَفِي الْأَفْنِيَةِ قَالَ لَا أَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا حَرَامًا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ اللِّبَاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ وَالذَّهَبِ 1691 - 1641 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَلْبَسُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ (الثَّوْبَ الحديث: 1691 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 الْمَصْبُوغَ بِالْمِشْقِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَقَافٍ أَيِ الْمُغْرَةِ (وَالْمَصْبُوغَ بِالزَّعْفَرَانِ) عَمَلًا بِمَا رَوَاهُ - أَعْنِي: ابْنَ عُمَرَ - قَالَ: " «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ ثِيَابَهُ حَتَّى عِمَامَتَهُ» " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ: " «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ» " وَفِي أَنَّ النَّهْيَ لِلَوْنِهِ أَوْ لِرَائِحَتِهِ تَرَدُّدٌ لِأَنَّهُ لِلْكَرَاهَةِ، وَفَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، أَوِ النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى تَزَعْفُرِ الْجَسَدِ لَا الثَّوْبِ، أَوْ عَلَى الْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِأَنَّهُ مِنَ الطِّيبِ وَقَدْ نُهِيَ الْمُحْرِمُ عَنْهُ. (مَالِكٌ: وَأَنَا أَكْرَهُ) تَنْزِيهًا (أَنْ يَلْبَسَ الْغِلْمَانُ) غَيْرُ الْبَالِغِينَ (شَيْئًا مِنَ الذَّهَبِ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ» ) أَيْ: لُبْسِ خَاتَمِ الذَّهَبِ لِلرِّجَالِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ: «هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى رِجَالِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ» " (وَأَنَا أَكْرَهُهُ لِلرَّجُلِ الْكَبِيرِ) الْبَالِغِ (مِنْهُمْ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (وَالصَّغِيرِ) تَنْزِيهًا. (مَالِكٌ: فِي الْمَلَاحِفِ) جَمْعُ مِلْحَفَةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمُلَاءَةُ الَّتِي يُلْتَحَفُ بِهَا (الْمُعَصْفَرَةِ) الْمَصْبُوغَةِ بِالْعُصْفُرِ (فِي الْبُيُوتِ لِلرِّجَالِ وَفِي الْأَفْنِيَةِ) أَيْ: أَفْنِيَةِ الدُّورِ (قَالَ: لَا أَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا حَرَامًا وَ) لَكِنَّ (غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ اللِّبَاسِ) الَّذِي لَا عُصْفُرَ فِيهِ أَحَبُّ إِلَيَّ وَمُقْتَضَاهُ الْإِبَاحَةُ فِي الْبُيُوتِ وَالْأَفْنِيَةِ وَالْكَرَاهَةُ فِي الْمَحَافِلِ وَالْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ وَعَنْهُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَالْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ الثَّوْبَ الْمُعَصْفَرَ الْمُقْدَمِ لِلرِّجَالِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، وَالْمُقْدَمُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْقَوِيُّ الصَّبْغِ الَّذِي رُدَّ فِي الْعُصْفُرِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَمَّا الْمُعَصْفَرُ غَيْرُ الْمُقْدَمِ وَالْمُزَعْفَرُ فَيَجُوزُ لُبْسُهُمَا فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، نَصَّ عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى الثَّانِي غَيْرُهَا، قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالْمُزَعْفَرِ لِغَيْرِ الْإِحْرَامِ وَكُنْتُ أَلْبَسُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 [مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْخَزِّ] وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَسَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مِطْرَفَ خَزٍّ كَانَتْ عَائِشَةُ تَلْبَسُهُ   3 - بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْخَزِّ بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمَنْقُوطَيْنِ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَّخَذِ مِنْ وَبَرِهَا، وَالْجَمْعُ خُزُوزٌ بِزِنَةِ فُلُوسٍ، وَالْمُرَادُ مَا سُدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ صُوفٌ مَثَلًا. 1692 - 1642 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَسَتِ) ابْنَ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ) الصَّحَابِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ الْحَوَارِيَّ (مِطْرَفَ خَزٍّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَفَاءٍ ثَوْبٌ مِنْ خَزٍّ لَهُ أَعْلَامٌ وَيُقَالُ ثَوْبٌ مُرَبَّعٌ مِنْ خَزٍّ (كَانَتْ عَائِشَةُ تَلْبَسُهُ) فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِبَاحَةِ لُبْسِ الْخَزِّ لِلرِّجَالِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْقَبَسِ وَذَكَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ جَوَازَهُ عَنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا وَخَمْسَةَ عَشَرَ تَابِعِيًّا، وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ لُبْسُهُ. الحديث: 1692 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 [مَا يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهُ مِنْ الثِّيَابِ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى حَفْصَةَ خِمَارٌ رَقِيقٌ فَشَقَّتْهُ عَائِشَةُ وَكَسَتْهَا خِمَارًا كَثِيفًا   4 - بَابُ مَا يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهُ مِنَ الثِّيَابِ 1693 - 1643 - (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ) بِلَالٍ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى عَائِشَةَ الثِّقَةِ الْعَلَّامَةِ (عَنْ أُمِّهِ) مَرْجَانَةَ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ مَقْبُولَةٌ، تُكَنَّى أُمَّ عَلْقَمَةَ (أَنَّهَا قَالَتْ: دَخَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَلَى) عَمَّتِهَا (عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى حَفْصَةَ الْمَذْكُورَةِ خِمَارٌ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ ثَوْبٌ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا (رَقِيقٌ فَشَقَّتْهُ عَائِشَةُ) حَتَّى لَا تَعُودَ حَفْصَةُ لِلُبْسِهِ (وَكَسَتْهَا خِمَارًا كَثِيفًا) غَلِيظًا لِأَنَّهُ أَسْتَرُ. الحديث: 1693 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَرِيحُهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ   1694 - 1644 - (مَالِكٌ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) يَسَارٍ الْمَدَنِيِّ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ السَّمَّانِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ) كَذَا وَقَفَهُ يَحْيَى وَرُوَاةُ الْمُوَّطَأِ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَافِعٍ، فَقَالَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنَّهُ مِنْ رَأْيِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَقُولَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ رَأْيِهِ لَا يَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (نِسَاءٌ) مُبْتَدَأٌ سَائِغٌ لِلْوَصْفِ بِقَوْلِهِ: (كَاسِيَاتٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرَادَ اللَّوَاتِي يَلْبَسْنَ مِنَ الثِّيَابِ الشَّيْءَ الْخَفِيفَ الَّذِي يَصِفُ وَلَا يَسْتُرُ، فَهُنَّ (كَاسِيَاتٌ) بِالِاسْمِ (عَارِيَاتٌ) فِي الْحَقِيقَةِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: كَاسِيَاتٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَارِيَاتٌ مِنَ الشُّكْرِ، أَوْ كَاسِيَاتٌ لِبَعْضِ أَجْسَادِهِنَّ عَارِيَاتٌ لِبَعْضِهِ إِظْهَارًا لِلْجَمَالِ، أَوْ لَابِسَاتٌ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِفُ مَا تَحْتَهَا (مَائِلَاتٌ) عَنِ الْحَقِّ (مُمِيلَاتٌ) لِأَزْوَاجِهِنَّ عَنْهُ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَائِلَاتٌ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَا يَلْزَمُهُنَّ مِنْ حِفْظِ فُرُوجِهِنَّ، مُمِيلَاتُ غَيْرِهِنَّ إِلَى مِثْلِ فِعْلِهِنَّ، وَقِيلَ: مَائِلَاتٌ مُتَبَخْتِرَاتٌ فِي مَشْيِهِنَّ مُمِيلَاتٌ أَكْتَافَهُنَّ وَأَعْطَافَهُنَّ، وَقِيلَ: مَائِلَاتٌ يُمَشِّطْنَ الْمِشْطَةَ الْمَيْلَاءَ وَهِيَ مِشْطَةُ الْبَغَايَا، مُمِيلَاتٌ غَيْرَهُنَّ إِلَى تِلْكَ الْمِشْطَةِ، قَالَ عِيَاضٌ: اسْتِشْهَادُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَلَى الْمِشْطَةِ الْمَيْلَاءِ بِقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ: غَدَائِرُهُ مُتَشَزِرَاتٌ إِلَى الْعُلَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِشْطَةَ ضَفَائِرُ الْغَدَائِرِ وَشَدُّهَا فَوْقَ الرَّأْسِ فَتَأْتِي كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّشْبِيهَ بِأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ إِنَّمَا هُوَ بِارْتِفَاعِ الْغَدَائِرِ فَوْقَ رُءُوسِهِنَّ، وَجَمْعُ الْعَقَائِصِ هُنَاكَ وَتَكْثِيرُهَا بِمَا تُضَفَّرُ بِهِ حَتَّى تَمِيلَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ جَانِبِ الرَّأْسِ كَمَا يَمِيلُ السَّنَامُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: نَاقَةٌ مَيْلَاءُ إِذَا مَالَ سَنَامُهَا إِلَى أَحَدِ شِقَّيْهَا، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى مَائِلَاتٍ مُنْحَطَّاتٍ لِلرِّجَالِ مُمِيلَاتٌ لَهُمْ بِمَا يُبْدِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ، وَالصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِلُّغَةِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ مَائِلَاتٌ خِلَافًا لِقَوْلِ الْكِنَانِيِّ، صَوَابُهُ مَاثِلَاتٌ؛ بِمُثَلَّثَةٍ، أَيْ: قَائِمَاتٌ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. (لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ) مَعَ السَّابِقِينَ أَوْ بِغَيْرِ عَذَابٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَأَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُنَّ، فَإِنْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُنَّ فَهُوَ أَهْلُ الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ {لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] [سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 48] وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: رُءُوسُهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ. (وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَرِيحُهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ) وَفِي مُسْلِمٍ مِنَ الطَّرِيقِ الحديث: 1694 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 الْمَذْكُورَةِ: مَسِيرَةُ كَذَا وَكَذَا فَتُفَسَّرُ بِرِوَايَةِ الْمُوَّطَأِ هَذِهِ وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ: " «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا وَنِسَاءٌ» " إِلَخْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَنَظَرَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ فَقَالَ مَاذَا فُتِحَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْخَزَائِنِ وَمَاذَا وَقَعَ مِنْ الْفِتَنِ كَمْ مِنْ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَ الْحُجَرِ»   1695 - 1645 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ شَيْخِ الْإِمَامِ رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدِ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ امْرَأَةٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ) أَيِ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ (مِنَ اللَّيْلِ) وَفِي الْبُخَارِيِّ: اسْتَيْقَظَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ (فَنَظَرَ فِي أُفُقِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ، أَيْ: نَاحِيَةِ (السَّمَاءِ فَقَالَ) زَادَ الْبُخَارِيُّ: سُبْحَانَ اللَّهِ (مَاذَا) اسْتِفْهَامٌ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْنَى التَّعَجُّبِ وَالتَّعْظِيمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ (فُتِحَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْخَزَائِنِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُرِيدُ مِنْ أَرْزَاقِ الْعِبَادِ مِمَّا فَتَحَهُ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ أَخْذِهَا الْكُفْرَ وَالِاتِّسَاعِ فِي الْمَالِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ فُتِحَ مِنْ خَزَائِنِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَا قَدَّرَ اللَّهُ أَنْ لَا يَنْزِلَ إِلَى الْأَرْضِ شَيْئًا مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ فَتْحِ تِلْكَ الْخَزَائِنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَتْحُ خَزَائِنِ الْفِتَنِ، فَوَقَعَ بَعْضُ مَا كَانَ فِيهَا، بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ إِلَى مَوْضِعٍ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ. (وَمَاذَا وَقَعَ مِنَ الْفِتَنِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَا يُفْتِنُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا، وَيُحْتَمَلُ الْفِتَنُ الَّتِي حَدَثَتْ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَفَسَادِ أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ وَالشَّيْءُ قَدْ يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ تَأْكِيدًا لِأَنَّ مَا يُفْتَحُ مِنَ الْخَزَائِنِ يَكُونُ سَبَبًا لِلْفِتَنِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَكَأَنَّهُ فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَزَائِنِ خَزَائِنُ فَارِسَ وَالرُّومِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا فُتِحَ عَلَى الصَّحَابَةِ، لَكِنَّ الْمُغَايِرَةَ بَيْنَ الْخَزَائِنِ وَالْفِتَنِ وَاضِحٌ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَلَازِمَيْنِ، فَكَمْ مِنْ نَائِلٍ مِنْ تِلْكَ الْخَزَائِنِ سَالِمٌ مِنَ الْفِتَنِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: عَبَّرَ عَنِ الرَّحْمَةِ بِالْخَزَائِنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100] [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 100] وَعَنِ الْعَذَابِ بِالْفِتَنِ؛ لِأَنَّهَا أَسْبَابُهُ. انْتَهَى. قَالَ شَيْخُنَا عَلَّامَةُ الدُّنْيَا: مَا الْمَانِعُ مِنْ بَقَاءِ الْخَزَائِنِ عَلَى ظَاهِرِهَا حَيْثُ أُرِيدَ بِهَا خَزَائِنُ فَارِسَ وَالرُّومِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْآيَةُ لَا تُنَافِيهِ، وَبِتَقْدِيرِ جَعْلِ الْآيَةِ كِنَايَةً عَنِ الرَّحْمَةِ لِخُصُوصِيَّةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِنَ التَّفْسِيرِ - لَا تُنَافِيهِ أَيْضًا، وَكَذَا بَقَاءُ الْفِتَنِ عَلَى ظَاهِرِهَا حَيْثُ أُرِيدَ بِهَا مَا وَقَعَ مِنَ الْفِتَنِ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ تَرْغِيبٍ فِي الصَّبْرِ عَلَى قِلَّةِ الْمَالِ لِفُقَرَائِهِمْ حُمِلَتِ الْخَزَائِنُ عَلَى الرَّحْمَةِ بِمَعْنَى الْأَرْزَاقِ الحديث: 1695 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 الْحَاصِلَةِ فِيهَا، وَمَقَامَ تَخْوِيفٍ؛ حُمِلَتِ الْفِتَنُ عَلَى الْعَذَابِ، وَبُعْدُهُ لَا يَخْفَى (كَمْ مِنْ) نَفْسٍ (كَاسِيَةٍ) لَابِسَةٍ (فِي الدُّنْيَا) أَثْوَابًا رَقِيقَةً لَا تَمْنَعُ إِدْرَاكَ الْبَشَرَةِ أَوْ نَفِيسَةً (عَارِيَةٌ) بِخِفَّةِ الْيَاءِ وَالْجَرِّ وَالرَّفْعِ، أَيْ: وَهِيَ عَارِيَةٌ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ: فِي الْحَشْرِ إِذَا كُسِيَ أَهْلُ الصَّلَاحِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَيُحْتَمَلُ عَارِيَةً مِنَ الْحَسَنَاتِ (أَيْقِظُوا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، أَيْ: نَبِّهُوا (صَوَاحِبَ الْحُجَرِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ حُجْرَةٍ وَهِيَ مَنَازِلُ أَزْوَاجِهِ، وَخَصَّهُنَّ بِالْإِيقَاظِ لِأَنَّهُنَّ الْحَاضِرَاتُ حِينَئِذٍ، أَوْ مِنْ بَابِ: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ، وَأَرَادَ أَنْ يُوقِظَهُنَّ لِلصَّلَاةِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا، وَلِئَلَّا يَكُونَ مِنَ الْغَافِلِينَ فِيهَا وَيَعْتَمِدْنَ عَلَى كَوْنِهِنَّ أَزْوَاجَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ: إِيقَاظُ الرَّجُلِ أَهَّلَهُ بِاللَّيْلِ لِلْعِبَادَةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ أَمْرٍ يَحْدُثُ، وَالْإِسْرَاعُ إِلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ خَشْيَةُ الشَّرِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 45] وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَأَمَرَ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 [مَا جَاءَ فِي إِسْبَالِ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»   5 - بَابُ مَا جَاءَ فِي إِسْبَالِ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ 1696 - 1646 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيِّ (عَنْ) مَوْلَاهُ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ) إِزَارًا أَوْ رِدَاءً أَوْ قَمِيصًا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا يُسَمَّى ثَوْبًا حَالَ كَوْنِهِ جَرَّهُ (خُيَلَاءَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ كِبْرًا وَعَجَبًا (لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) نَظَرَ رَحْمَةٍ، أَيْ: لَا يَرْحَمُهُ لِكِبْرِهِ وَعُجْبِهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَفْهُومُ خُيَلَاءَ أَنَّ الْجَارَّ لِغَيْرِهَا لَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ إِلَّا أَنَّ جَرَّ الْقَمِيصِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الثِّيَابِ مَذْمُومٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. الحديث: 1696 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا»   1697 - 1647 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الحديث: 1697 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ أَوْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ) أَيْ: لَا يَرْحَمُ، فَالنَّظَرُ نِسْبَتُهُ إِلَى اللَّهِ مَجَازٌ وَإِلَى الْمَخْلُوقِ كِنَايَةٌ، لِأَنَّ مَنِ اعْتَنَى بِالشَّخْصِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى صَارَ عِبَارَةً عَنِ الْإِحْسَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَظَرٌ، فَإِذَا نُسِبَ لِمَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ حَقِيقَتُهُ وَهُوَ تَقْلِيبُ الْحَدَقَةِ وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِحْسَانِ مَجَازًا عَمَّا وَقَعَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كِنَايَةً، قَالَهُ فِي الْكَوَاكِبِ تَبَعًا لِلْكَشَّافِ. وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: عُبِّرَ عَنِ الْمَعْنَى الْكَائِنِ عِنْدَ النَّظَرِ بِالنَّظَرِ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَوَاضِعٍ رَحِمَهُ، وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَكَبِّرٍ مَقَتَهُ، فَالرَّحْمَةُ وَالْمَقْتُ مُسَبَّبَانِ عَنِ النَّظَرِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ مَحَلُّ الرَّحْمَةِ الدَّائِمَةِ خِلَافَ رَحْمَةِ الدُّنْيَا فَقَدْ تَنْقَطِعُ بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنَ الْحَوَادِثِ (إِلَى مَنْ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا) بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ، قَالَ عِيَاضٌ: جَاءَتِ الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الطَّاءِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَبِكَسْرِهَا عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يَجُرُّ، أَيْ: تَكَبُّرًا وَطُغْيَانًا، وَأَصْلُ الْبَطَرِ الطُّغْيَانُ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَاسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الْكِبْرِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُ الْبَطَرِ دَهْشٌ يَعْتَرِي الْمَرْءَ عِنْدَ هُجُومِ النِّعْمَةِ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إِنَّمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ الْإِزَارِ ; لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْإِزَارَ وَالْأَرْدِيَةَ فَلَمَّا لَبِسَ النَّاسُ الْقُمُصَ وَالدَّرَارِيعَ كَانَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ الْإِزَارِ فِي ذَلِكَ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ بَطَّالٍ بِأَنَّ هَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ لَوْ لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِالثَّوْبِ أَنَّهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ، يَعْنِي: فَلَا دَاعِيَةَ لِلْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ كُلُّهُمْ يُخْبِرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ»   1698 - 1648 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) وَكِلَاهُمَا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) ابْنِ مَوْلَى أَبِيهِ (كُلُّهُمْ يُخْبِرُهُ) أَيِ الثَّلَاثَةُ يُخْبِرُونَ مَالِكًا (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ) نَظَرَ رَحْمَةٍ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَقَدْ قِيلَ بِكَسْرِهَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ، أَيْ: عَجَبًا وَتَكَبُّرًا فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِتَالِ كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ. وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ زِيَادَةَ: " «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا الحديث: 1698 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ إِزَارِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ» " وَكَذَا إِذَا كَانَ سَبَبُهُ الْإِسْرَاعَ فِي الْمَشْيِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَعِيدِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْعٍ: " «خَسَفَتِ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ فَجُلِّيَ عَنْهَا» " وَلَفَظُ ثَوْبِهِ شَامِلٌ لِكُلِّ مَا يُلْبَسُ حَتَّى الْعِمَامَةِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئًا خُيَلَاءَ» " الْحَدِيثَ، فَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ خَاصًّا بِالْإِزَارِ، وَإِنْ جَاءَ فِي أَكْثَرِ طُرُقِ الْأَحَادِيثِ بِلَفْظِ الْإِزَارِ فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ لِبَاسِهِمْ حِينَئِذٍ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ فِي تَصْوِيرِ جَرِّ الْعِمَامَةِ نَظَرٌ إِذْ لَا يَتَأَتَّى جَرُّهَا عَلَى الْأَرْضِ كَالْقَمِيصِ وَالْإِزَارِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ مِنْ إِرْخَاءِ الْعَذَبَاتِ ; لِأَنَّ جَرَّ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَمَهْمَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ كَانَ مِنَ الْإِسْبَالِ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِي الزَّجْرِ عَنْ جَرِّ الثَّوْبِ تَطْوِيلُ أَكْمَامِ الْقَمِيصِ، وَنَحْوُهُ مَحَلُّ نَظَرٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ أَطَالَهَا حَتَّى خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْحِجَازِيِّينَ، وَقَالَ شَيْخُهُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: مَا مَسَّ الْأَرْضَ مِنْهَا لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ، بَلْ لَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِ مَا زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ لَمْ يَبْعُدْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: هَذِهِ الْأَكْمَامُ الْوَاسِعَةُ الطِّوَالُ الَّتِي هِيَ كَالْأَخْرَاجِ وَعَمَائِمُ كَالْأَبْرَاجِ لَمْ يَلْبَسْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِسُنَنِهِ وَفِي جَوَازِهَا نَظَرٌ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْخُيَلَاءِ. وَفِي الْمَدْخَلِ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي بَصِيرَةٍ أَنَّ كُمَّ بَعْضِ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْعِلْمِ الْيَوْمَ - فِيهِ إِضَاعَةُ الْمَالِ، الْمَنْهِيُّ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْضُلُ عَنْ ذَلِكَ الْكَمِّ ثَوْبٌ لِغَيْرِهِ. انْتَهَى وَهُوَ حَسَنٌ. قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ: لَكِنْ حَدَثَ لِلنَّاسِ اصْطِلَاحٌ بِتَطْوِيلِهَا وَصَارَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ النَّاسِ شِعَارٌ يُعْرَفُونَ بِهِ، وَمَهْمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْخُيَلَاءِ فَلَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ، وَمَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْعَادَةِ فَلَا تَحْرِيمَ فِيهِ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى جَرِّ الذَّيْلِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ. وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَةَ كُلِّ مَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ لِلنَّاسِ، وَعَلَى الْمُعْتَادِ فِي اللِّبَاسِ لِمِثْلِ لَابِسِهِ فِي الطُّولِ وَالسَّعَةِ انْتَهَى. وَعُمُومُ الْحَدِيثِ يَشْمَلُ النِّسَاءَ لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِهِنَّ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْآتِي. وَقَدْ زَادَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ مُتَّصِلًا بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ «عَنْ الْإِزَارِ فَقَالَ أَنَا أُخْبِرُكَ بِعِلْمٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا»   1699 - 1649 - (مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْجُهَنِيِّ (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الحديث: 1699 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 مَوْلَى الْحُرَقَةِ (أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ) سَعْدَ بْنَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (الْخِدْرِيَّ) الصَّحَابِيَّ ابْنَ الصَّحَابِيِّ (عَنِ الْإِزَارِ قَالَ: أَنَا أُخْبِرُكَ بِعِلْمٍ) أَيْ: نَصٍّ لَا اجْتِهَادٍ، وَفِي رِوَايَةٍ " عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ " (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِزْرَةُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، الْحَالَةُ وَهَيْئَةُ الِائْتِزَارِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، يَعْنِي الْحَالَةَ الْمَرْضِيَّةَ مِنَ (الْمُؤْمِنِ) الْحَسَنَةَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ إِزَارُهُ (إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ) فَقَطْ، وَجَمْعُ أَنْصَافٍ كَرَاهَةَ تَوَالِي تَثْنِيَتَيْنِ كَقَوْلِهِ: مِثْلُ رُءُوسِ الْكَبْشَيْنِ، وَذَلِكَ عَلَامَةُ التَّوَاضُعِ وَالِاقْتِدَاءِ بِالْمُصْطَفَى. فَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَلَمَةَ: " «كَانَ عُثْمَانُ يَأْتَزِرُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَقَالَ: كَانَتْ إِزْرَةَ صَاحِبِي، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَفِي النَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبِيدٍ الْمُحَارِبِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " «ارْفَعْ إِزَارَكَ أَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ؟ قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا إِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ» " وَلَكِنَّ (لَا جُنَاحَ) لَا حَرَجَ (عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ) فَيَجُوزُ إِسْبَالُهُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَالْأَوَّلُ مُسْتَحَبٌّ فَلَهُ حَالَتَانِ (مَا أَسْفَلَ) قَالَ الْحَافِظُ: " مَا " مَوْصُولٌ وَبَعْضُ صِلَتِهِ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ " كَانَ "، وَ " أَسْفَلَ " خَبَرُهُ، فَهُوَ مَنْصُوبٌ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ، أَيْ: مَا هُوَ أَسْفَلُ، أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ، وَيَجُوزُ أَنَّ " مَا " نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِأَسْفَلَ (مِنْ ذَلِكَ) أَيِ الْكَعْبَيْنِ، زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الْإِزَارِ (فَفِي النَّارِ) دَخَلَتِ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ بِتَضْمِينِ " مَا " مَعْنَى الشَّرْطِ، أَيْ: مَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ قَدَمِ صَاحِبِ الْإِزَارِ الْمُسْبَلِ فَهُوَ فِي النَّارِ (مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ) أَعَادَهَا لِلتَّأْكِيدِ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنَالُهُ الْإِزَارُ مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ فَكَنَّى بِالثَّوْبِ عَنْ بَدَنِ لَابِسِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْقَدَمِ يُعَذَّبُ فِي النَّارِ عُقُوبَةً لَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ أَوْ حَلَّ فِيهِ، وَتَكُونُ " مِنْ " بَيَانِيَّةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ سَبَبِيَّةً، وَالْمُرَادُ الشَّخْصُ نَفْسُهُ، أَوِ الْمَعْنَى مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ الَّذِي يُسَامِتُ الْإِزَارَ فِي النَّارِ، أَوِ التَّقْدِيرُ لَابِسُ مَا أَسْفَلَ. . . إِلَخْ. أَوْ تَقْدِيرُ أَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ مَحْسُوبٌ فِي أَفْعَالِ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ مَا أَسْفَلَ مِنَ الْإِزَارِ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ، وَكُلُّ هَذَا اسْتِبْعَادٌ مِمَّنْ قَالَهُ لِوُقُوعِ الْإِزَارِ حَقِيقَةً فِي النَّارِ، وَأَصْلُهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ نَافِعًا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَمَا ذَنْبُ الثِّيَابِ بَلْ هُوَ مِنَ الْقَدَمَيْنِ. لَكِنَّ فِي الطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْبَلْتُ إِزَارِي فَقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ كُلُّ شَيْءٍ لَمَسَ الْأَرْضَ مِنَ الثِّيَابِ فِي النَّارِ» " وَعِنْدَهُ أَيْضًا بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى أَعْرَابِيًّا يُصَلِّي قَدْ أَسْبَلَ، فَقَالَ: الْمُسْبِلُ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ مِنْ حِلٍّ وَلَا حَرَامٍ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 قِبَلِ الرَّأْيِ، فَعَلَى هَذَا لَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ مِنْ وَادِي: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: الْآيَةُ 98] أَوْ يَكُونُ مِنَ الْوَعِيدِ لِمَا وَقَعَتْ بِهِ الْمَعْصِيَةُ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الَّذِي يَتَعَاطَى الْمَعْصِيَةَ أَحَقُّ بِذَلِكَ اهـ. ( «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا» ) بِفَتْحِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ وَكَسْرِهَا، حَالٌ مِنْ فَاعِلِ " جَرَّ " رِوَايَتَانِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ بِهِ، وَأَخْرَجُوهُ أَيْضًا بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فِي النَّارِ» ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 [مَا جَاءَ فِي إِسْبَالِ الْمَرْأَةِ ثَوْبَهَا] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ ذُكِرَ الْإِزَارُ فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُرْخِيهِ شِبْرًا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ إِذًا يَنْكَشِفُ عَنْهَا قَالَ فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ»   6 - بَابُ مَا جَاءَ فِي إِسْبَالِ الْمَرْأَةِ ثَوْبَهَا أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ عُمُومَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي سَاقَهَا قَبْلَ الْآنِ مِنْ صِيغَةِ عُمُومٍ فَيَشْمَلُ النِّسَاءَ وَلِأَنَّهُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ مَخْصُوصٌ بِالرِّجَالِ. 1700 - 1650 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ) الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ، صَدُوقٌ يُقَالُ اسْمُهُ عُمَرُ (عَنْ أَبِيهِ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ) شَيْخِ الْإِمَامِ رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ (عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّةِ زَوْجِ ابْنِ عُمَرَ، قِيلَ: لَهَا إِدْرَاكٌ، وَأَنْكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ الْعِجْلِيُّ: ثِقَةٌ فَهِيَ تَابِعِيَّةٌ كَبِيرَةٌ (أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ) أَيْ: نَافِعًا (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) هِنْدٍ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ (زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ ذُكِرَ الْإِزَارُ) أَيِ التَّحْذِيرُ مِنْ جَرِّهِ، وَفِي النَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: (فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) كَيْفَ تَصْنَعُ» ؟ وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ الْمَذْكُورَةِ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ (قَالَ: تُرْخِيهِ شِبْرًا) فَعُمُومُ الْوَعِيدِ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ النِّسَاءِ. (قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: إِذًا يَنْكَشِفُ) بِالرَّفْعِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ النَّصْبِ، وَهُوَ قَصْدُ الْجَزَاءِ بِمَا بَعْدَ " إِذًا " (عَنْهَا) وَلِأَيُّوبَ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ (قَالَ: فَذِرَاعًا) تُرْخِيهِ (لَا تَزِدْ عَلَيْهِ) إِذْ بِهِ يَحْصُلُ الحديث: 1700 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 أَمْنُ الِانْكِشَافِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ لَهَا حَالَةَ اسْتِحْبَابٍ وَهُوَ قَدْرُ شِبْرٍ، وَحَالَةَ جَوَازٍ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ. قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: هَلِ ابْتِدَاءُ الذِّرَاعِ مِنَ الْحَدِّ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ الرِّجَالُ وَهُوَ مَا أَسْفَلُ مِنَ الْكَعْبَيْنِ أَوْ مِنَ الْحَدِّ الْمُسْتَحَبِّ لِلرِّجَالِ وَهُوَ أَنْصَافُ السَّاقَيْنِ، أَوْ حَدُّهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَمَسُّ الْأَرْضَ؟ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّالِثُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيِّ، وَاللَّفْظُ لَهُ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجُرُّ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَيْلِهَا؟ قَالَ: شِبْرًا، قَالَتْ: إِذًا يَنْكَشِفُ عَنْهَا، قَالَ: فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ» " فَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَجُرَّ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُ ذِرَاعًا، أَيْ: لِأَنَّ الْجَرَّ السَّحْبُ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْأَرْضِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْيَدِ وَهُوَ شِبْرَانِ لِمَا فِي ابْنِ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «رَخَّصَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شِبْرًا ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا» " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الذِّرَاعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ شِبْرَانِ انْتَهَى، لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ تُفَسِّرُ بَعْضَهَا، وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ إِلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 [مَا جَاءَ فِي الْانْتِعَالِ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمْشِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا»   7 - مَا جَاءَ فِي الِانْتِعَالِ 1701 - 1651 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَمْشِيَنَّ) بَنُونِ التَّأْكِيدِ الثَّقِيلَةِ، وَلِلْقَعْنَبِيِّ: لَا يَمْشِي (أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُثْلَةِ وَمُفَارَقَةِ الْوَقَارِ مُشَابَهَةِ زِيِّ الشَّيْطَانِ كَالْأَكْلِ بِالشِّمَالِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، زَادَ غَيْرُهُ: وَلِمَشَقَّةِ الْمَشْيِ حِينَئِذٍ وَخَوْفِ الْعِثَارِ (لِيَنْعِلْهُمَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ مِنْ نَعَلَ وَأَنْعَلَ، وَاقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ عَلَى الضَّمِّ، وَرَدَّهُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا نَعَلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا أَيْضًا نَعَلَ رِجْلَهُ أَلْبَسُهَا نَعْلًا (جَمِيعًا أَوْ لِيُحْفِهِمَا) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْإِحْفَاءِ، أَيْ: لِيُجَرِّدْهُمَا (جَمِيعًا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالضَّمِيرَانِ لِلْقَدَمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمَا ذِكْرٌ، وَلَوْ أَرَادَ النَّعْلَيْنِ؛ لَقَالَ: لِيَنْتَعِلْهُمَا أَوْ لِيَحْتَفِ مِنْهُمَا انْتَهَى. وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ لِبَاسٍ شُفِعَ كَالْخُفَّيْنِ وَإِخْرَاجِ الْيَدِ مِنَ الْكُمِّ وَالتَّرَدِّي عَلَى أَحَدِ الْمَنْكِبَيْنِ الحديث: 1701 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ وَلْتَكُنْ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ»   1702 - 1652 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ» ) أَيْ: لَبِسَ نَعْلَهُ (فَلْيَبْدَأْ) اسْتِحْبَابًا (بِالْيَمِينِ) أَيْ: بِالْجَانِبِ الْيَمِينِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِالْيُمْنَى، أَيْ: بِالنَّعْلِ الْيُمْنَى ; لِأَنَّ النَّعْلَ مُؤَنَّثَةٌ. (وَإِذَا نَزَعَ) وَفِي رِوَايَةٍ انْتَزَعَ (فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ) أَيْ: يَنْزِعُهَا؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ كَرَامَةٌ لِلْبَدَنِ إِذْ هُوَ وِقَايَةٌ مِنَ الْآفَاتِ وَالْيُمْنَى أَحَقُّ بِالْإِكْرَامِ فَبُدِئَ بِهَا فِي اللُّبْسِ وَأُخِّرَتْ فِي النَّزْعِ لِيَكُونَ الْإِكْرَامُ لَهَا أَدْوَمَ، وَصِيَانَتُهَا وَحِفْظُهَا أَكْثَرَ. قَالَ الْبَاجِيُّ: التَّيَامُنُ مَشْرُوعٌ فِي ابْتِدَاءِ الْأَعْمَالِ وَالتَّيَاسُرُ مَشْرُوعٌ فِي تَرْكِهَا. (وَلْتَكُنِ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ) بِبِنَائِهِ كَ " تُنْعَلُ " لِلْمَفْعُولِ وَ " أَوَّلَهُمَا " وَ " آخِرَهُمَا " نُصِبَ خَبَرَ " تَكُنْ " أَوْ عَلَى الْحَالِ، وَالْخَبَرُ " تُنْعَلُ " وَ " تُنْزَعُ " بِفَوْقِيَّتَيْنِ وَتَحْتَانِيَّتَيْنِ مُذَكَّرَيْنِ بِاعْتِبَارِ النَّعْلِ وَالْخَلْعِ، وَزَعَمَ ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَّ قَوْلَهُ وَلْتَكُنْ. . . إِلَخْ - مُدْرَجٌ، قَالَهُ الْحَافِظُ، أَيْ: وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ لِأَنَّ الْإِدْرَاجَ لَيْسَ بِالتَّشَهِّي، وَلَيْسَ هَذَا تَأْكِيدًا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالْأَوَّلِ كَمَا زَعَمَ: بَلْ لَهُ فَائِدَةٌ هِيَ أَنَّ الْأَمْرَ بِتَقْدِيمِ الْيُمْنَى أَوَّلًا لَا يَقْتَضِي تَأَخُّرَ نَزْعِهَا لِاحْتِمَالِ نَزْعِهِمَا مَعًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَمَنْ بَدَأَ بِالِانْتِعَالِ بِالْيُسْرَى أَسَاءَ بِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَلَكِنْ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ نَعْلِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يَنْزِعَ الْفِعْلَ مِنَ الْيُسْرَى ثُمَّ يَبْدَأُ بِالْيُمْنَى. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ أَنَّ مُرَادَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مَا إِذَا لَبِسَهُمَا مَعًا فَبَدَأَ بِالْيُسْرَى فَلَا يُشْرَعُ لَهُ نَزْعُهُمَا ثُمَّ لُبْسُهُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَشْرُوعِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ نَزْعُهُمَا وَيَسْتَأْنِفُ لُبْسَهُمَا عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ فَكَأَنَّهُ أَلْغَى مَا وَقَعَ مِنْهُ أَوَّلًا. وَنَقَلَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلِاسْتِحْبَابِ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 1702 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ رَجُلًا نَزَعَ نَعْلَيْهِ فَقَالَ لِمَ خَلَعْتَ نَعْلَيْكَ لَعَلَّكَ تَأَوَّلْتَ هَذِهِ الْآيَةَ {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: 12] قَالَ ثُمَّ قَالَ كَعْبٌ لِلرَّجُلِ أَتَدْرِي مَا كَانَتْ نَعْلَا مُوسَى قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي مَا أَجَابَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ كَعْبٌ كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ   1703 - 1653 - (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَاسْمُهُ نَافِعٌ (ابْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ) مَالِكٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيِّ (عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ) أَيْ: مَلْجَأِ الْعُلَمَاءِ الْحِمْيَرِيِّ (أَنَّ رَجُلًا) لَمْ يُسَمَّ الحديث: 1703 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 (نَزَعَ نَعْلَيْهِ فَقَالَ) كَعْبٌ (لِمَ خَلَعْتَ نَعْلَيْكَ لَعَلَّكَ تَأَوَّلْتَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} [طه: 12] الْمُطَهَّرِ أَوِ الْمُبَارَكِ الَّذِي مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ فَطَأْهُ لِتُصِيبَ قَدَمَيْكَ بَرَكَتَهُ (طُوًى) بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ بِالتَّنْوِينِ وَتَرْكُهُ مَصْرُوفٍ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ وَغَيْرُ مَصْرُوفٍ لِلتَّأْنِيثِ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ مَعَ الْعَلَمِيَّةِ. (ثُمَّ قَالَ كَعْبٌ لِلرَّجُلِ: أَتَدْرِي مَا كَانَتْ نَعْلَا مُوسَى؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي مَا أَجَابَهُ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ كَعْبٌ: كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ) فَهَذَا سَبَبُ أَمْرِهِ بِخَلْعِهِمَا فَأَخْذُ الْيَهُودِ مِنْهُ لُزُومَ خَلْعِ النَّعْلَيْنِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ مَدْبُوغَةً فَتَرَكَ ذِكْرَ الدِّبَاغِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَلِجَرْيِ الْعَادَةِ بِدِبَاغِهَا قَبْلَ لُبْسِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ شَرْعَ مُوسَى اسْتِعْمَالُهَا بِلَا دِبَاغٍ وَهَذَا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ لِأَنَّ كَعْبًا مِنْ أَحْبَارِهَا، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا: «كَانَ عَلَى مُوسَى يَوْمَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ كِسَاءُ صُوفٍ وَجُبَّةُ صُوفٍ وَكُمَّةُ صُوفٍ وَسَرَاوِيلُ صُوفٍ وَكَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ» " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍالْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ حُمَيْدًاالْأَعْرَجَ هُوَ ابْنُ قَيْسٍ الْمَكِّيُّ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ عَلِيٍّ، وَقِيلَ: ابْنُ عَمَّارٍ أَحَدُ الْمَتْرُوكِينَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ عَنْهُ الْبُخَارِيَّ فَقَالَ: حُمَيْدٌ هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّصَوُّفِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّمَا جَعَلَ ثِيَابَهُ كُلَّهَا صُوفًا لِأَنَّهُ كَانَ بِمَحَلٍّ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ فِيهِ سِوَاهُ، فَعَمِلَ بِالْيُسْرِ وَتَرَكَ التَّكَلُّفَ وَالْعُسْرَ، وَكَانَ مِنَ الِاتِّفَاقِ الْحَسَنِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ اللِّبْسَةِ الَّتِي لَمْ يَتَكَلَّفْهَا. وَقَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مَقْصُودًا لِلتَّوَاضُعِ وَتَرْكِ التَّنَعُّمِ أَوْ لِعَدَمِ وُجُودِ مَا هُوَ أَرْفَعُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ لَا عَنْ قَصْدٍ بَلْ كَانَ يَلْبَسُ كُلَّ مَا وَجَدَ كَمَا كَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ، وَكُمَّةٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَشَدِّ الْمِيمِ قَلَنْسُوَةٌ صَغِيرَةٌ أَوْ مُدَوَّرَةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 [مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَعَنْ الْمُنَابَذَةِ وَعَنْ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَعَنْ أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ»   8 - بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ 1704 - 1654 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزَّادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا مِمَّا قِيلَ الحديث: 1704 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 أَنَّهُ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ (أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ» ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ (وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا عَلَى إِرَادَةِ الْهَيْئَةِ، قَالَهُ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْفَتْحِ وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمُ: الْكَسْرُ أَحْسَنُ نَظَرًا لِلْهَيْئَةِ، وَأَبْدَلَ مِنْ بَيْعَتَيْنِ قَوْلَهُ: (عَنِ الْمُلَامَسَةِ) بِأَنْ يَلْمِسَ الثَّوْبَ مَطْوِيًّا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَلْزَمُ بِذَلِكَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لَهُ إِذَا رَآهُ اكْتِفَاءً بِلَمْسِهِ، أَوْ يَقُولُ إِذَا لَمَسْتُهُ فَقَدْ بِعْتُكَ اكْتِفَاءً بِلَمْسِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَتَى لَمِسَهُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ. (وَعَنِ الْمُنَابَذَةِ) مُفَاعَلَةٌ زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي الصَّحِيحِ: وَالْمُلَامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ وَلَا يُقَلِّبُهُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ ثَوْبَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعُهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِلثَّوْبِ وَلَا تَرَاضٍ، وَبَيَّنَ اللِّبْسَتَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَعَنْ أَنْ يَحْتَبِيَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (الرَّجُلُ) أَيْ: وَعَنِ احْتِبَاءِ الرَّجُلِ بِأَنْ يَقْعُدَ عَلَى أَلْيَتِهِ وَيَنْصُبَ سَاقَيْهِ مُلْتَفًّا (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ) أَيِ الثَّوْبِ (شَيْءٌ) زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: " بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ " لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِفْضَاءِ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ رُبَّمَا تَحَرَّكَ فَتَبْدُو عَوْرَتُهُ فَإِنْ كَانَ مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ فَلَا حُرْمَةَ. (وَعَنْ أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ) فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ فَيَحْرُمُ إِنِ انْكَشَفَ بَعْضُ عَوْرَتِهِ وَإِلَّا كُرِهَ، وَهَذِهِ اللِّبْسَةُ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِالصَّمَّاءِ لِأَنَّ يَدَهُ حِينَئِذٍ تَصِيرُ دَاخِلَ ثَوْبِهِ، فَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ الِاحْتِرَاسَ مِنْهُ وَالِاتِّقَاءَ بِيَدَيْهِ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، وَبِهَا فُسِّرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَلَفْظُهُ: وَالصَّمَّاءُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، وَفَسَّرَهَا اللُّغَوِيُّونَ بِأَنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ حَتَّى يُخَلِّلَ بِهِ جَسَدَهُ لَا يَرْفَعُ مِنْهُ جَانِبًا فَلَا يَبْقَى مَا تَخْرُجُ مِنْهُ يَدُهُ، قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَلِذَا سُمِّيَتْ صَمَّاءَ لِسَدِّ الْمَنَافِذِ كُلِّهَا كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ لَا خَرْقَ فِيهَا وَلَا صَدْعَ، فَيُكْرَهُ عَلَى هَذَا لِعَجْزِهِ عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِيَدِهِ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ كَدَفْعِ بَعْضِ الْهَوَامِّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ تُبَاعُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ الْحُلَّةَ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهَا حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ»   1705 - 1655 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ) أَبَاهُ (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الحديث: 1705 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالرَّاءِ وَالْمَدِّ، قَالَ مَالِكٌ: أَيْ حَرِيرٍ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: ثِيَابٌ فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ قَزٍّ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا سِيَرَاءُ لِسَيْرِ الْخُطُوطِ فِيهَا، وَقِيلَ: حَرِيرٌ خَالِصٌ. قَالَ عِيَاضٌ وَابْنُ قُرْقُولٍ: ضَبَطْنَاهُ عَلَى الْمُتْقِنِينَ حُلَّةَ سِيَرَاءَ بِالْإِضَافَةِ كَمَا يُقَالُ ثَوْبُ خَزٍّ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ بِالتَّنْوِينِ عَلَى الصِّفَةِ أَوِ الْبَدَلِ، قِيلَ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُقَالُ حُلَّةٌ سِيَرَاءُ كَمَا يُقَالُ نَاقَةٌ عُشَرَاءُ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: يُرِيدُ أَنَّ عُشَرَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَشَرَةَ، أَيْ: أَكْمَلَتِ النَّاقَةُ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ فَسُمِّيَتْ عُشَرَاءَ، وَكَذَلِكَ الْحُلَّةُ، سُمِّيَتْ سِيَرَاءَ ; لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ السُّيُورِ، هَذَا وَجْهُ التَّشْبِيهِ. لَكِنْ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يَأْتِ فِعَلَاءُ وَصْفًا، وَقَالَ الْخَلِيلُ: لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فِعَلَاءُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ مَعَ الْمَدِّ سِوَى سِيَرَاءَ وَحِوَلَاءَ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى رَأْسِ الْوَلَدِ، وَعِنَبَاءَ لُغَةٌ فِي الْعِنَبِ وَالْمَعْنَى رَأَى حُلَّةَ حَرِيرٍ (تُبَاعُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ) النَّبَوِيِّ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «رَأَى عُمَرُ عُطَارِدَ التَّيْمِيَّ يُقِيمُ حُلَّةً بِالسُّوقِ وَكَانَ رَجُلًا يَغْشَى الْمُلُوكَ وَيُصِيبُ مِنْهُمْ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ الْحُلَّةَ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ) لَكَانَ حَسَنًا» ، وَ " لَوْ " لِلتَّمَنِّي لَا لِلشَّرْطِ، فَلَا تَحْتَاجُ لِلْجَزَاءِ. وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: " فَلَبِسْتَهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوَفْدِ " وَلِلنَّسَائِيِّ: " وَتَجَمَّلْتَ بِهَا لِلْوُفُودِ وَالْعَرَبِ إِذَا أَتَوْكَ وَإِذَا خَطَبْتَ النَّاسَ يَوْمَ عِيدٍ وَغَيْرِهِ ". (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ) وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ: إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ (مَنْ لَا خَلَاقَ) أَيْ: مَنْ لَا حَظَّ وَلَا نَصِيبَ (لَهُ) مِنَ الْخَيْرِ (فِي الْآخِرَةِ) وَهَذَا خُرِّجَ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ، وَإِلَّا فَالْمُؤْمِنُ الْعَاصِي لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ، فَلَهُ خَلَاقٌ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا أَنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ بِالرِّجَالِ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى إِبَاحَةِ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ. (ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ جِنْسِ الْحُلَّةِ السِّيَرَاءِ (حُلَلٌ) فَاعِلُ جَاءَ (فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهَا حُلَّةً) أَيْ: بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ، وَبَعَثَ إِلَى أُسَامَةَ بِحُلَّةٍ، وَأَعْطَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حُلَّةً (فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَسَوْتَنِيهَا) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ: فَجَاءَ عُمَرُ بِحُلَّتِهِ، فَقَالَ: بَعَثْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ (وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ، ابْنِ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عَدِيٍّ بِمُهْمَلَتَيْنِ التَّمِيمِيِّ الدَّارِمِيِّ، وَفَدَ فِي بَنِي تَمِيمٍ وَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَلَهُ صُحْبَةٌ (مَا قُلْتَ) إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَقَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا) بَلْ لِتَنْتَفِعَ بِهَا. وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: " إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتَبِيعَهَا أَوْ تَكْسُوَهَا غَيْرَكَ " وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ كَسَاهُ إِذَا أَعْطَاهُ كِسْوَةً لَبِسَهَا أَمْ لَا. وَلِمُسْلِمٍ: " أَعْطَيْتُكَهَا تَبِيعُهَا وَتُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ " وَلِأَحْمَدَ: " فَبَاعَهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ " لَكِنْ يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ: (فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا) كَائِنًا (لَهُ مُشْرِكًا) كَائِنًا (بِمَكَّةَ) وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ: أَخًا لَهُ مِنْ أُمِّهِ وَسَمَّاهُ ابْنُ الْحَذَّاءِ عُثْمَانَ بْنَ حَكِيمٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ بَشْكُوَالٍ، قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: هُوَ السَّلَمِيُّ أَخُو خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ وَهُوَ أَخُو زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ لِأُمِّهِ، فَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخُو عُمَرَ لِأُمِّهِ لَمْ يُصِبْ إِنَّمَا هُوَ أَخُو أَخِيهِ، وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ عُمَرَ رَضَعَ مِنْ أُمِّ أَخِيهِ زَيْدٍ فَيَكُونُ عُثْمَانُ هَذَا أَخَا عُمَرَ لِأُمِّهِ مِنَ الرَّضَاعِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجُمُعَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي الْهِبَةِ، وَمُسْلِمٌ فِي اللِّبَاسِ عَنْ يَحْيَى، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ وَقَدْ رَقَعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ثَلَاثٍ لَبَّدَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ   1706 - 1656 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ) عَمُّ إِسْحَاقَ أَخُو أَبِيهِ لِأُمِّهِ (رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ رَقَعَ) كَنَفَعَ، أَيْ: جَعَلَ رُقْعَةً مَكَانَ الْقَطْعِ (بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرُقَعٍ) جَمْعُ رُقْعَةٍ، وَفِي نُسْخَةٍ: بِرِقَاعٍ جَمْعُ رُقْعَةٍ أَيْضًا بِزِنَةٍ بُرْمَةٍ وَبِرَامٍ (ثَلَاثٍ لَبَّدَ) بِشَدِّ الْبَاءِ أَلْزَقَ (بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ) لِأَنَّ قَصْدَهُ السَّتْرُ لَا الْفَخْرُ، وَلَيْسَتِ الدُّنْيَا بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَلِيُقْتَدَى بِهِ فِي الزُّهْدِ فِيهَا. الحديث: 1706 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 [باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم وقضايا أخرى] كِتَابُ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآدَمِ وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»   49 - كِتَابُ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1707 - 1657 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فَرُّوخٍ الْفَقِيهِ الْمَدَنِيِّ، الْمَعْرُوفُ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ) أَيْ: رَبِيعَةَ (سَمِعَهُ) أَيْ: أَنَسًا (يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْحَافِظُ: الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا صِفَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاخِلَةٌ فِي قِسْمِ الْمَرْفُوعِ بِاتِّفَاقٍ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ قَوْلًا لَهُ وَلَا فِعْلًا وَلَا تَقْرِيرًا انْتَهَى. وَلِذَا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مَوْضُوعُ الْحَدِيثِ: ذَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَحَدُّهُ: عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ أَقْوَالُهُ وَأَحْوَالُهُ، وَغَايَتُهُ: الْفَوْزُ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ (لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ) بِمُوَحَّدَةٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ بَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ فَارَقَ مَنْ سِوَاهُ، أَيِ: الْمُفْرِطِ فِي الطُّولِ مَعَ اضْطِرَابِ الْقَامَةِ (وَلَا بِالْقَصِيرِ) أَيِ الْبَائِنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَإِذَا نُفِيَا عَنْهُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، زَادَ الْبَيْهَقِيُّ: لَكِنَّهُ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ، وَكَذَا رَوَاهُ الذُّهْلِيُّ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَانَ رَبْعَةً وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ، وَجَمَعَ بَيْنَ النَّفْيَيْنِ لِتَوَجُّهِ الْأَوَّلِ إِلَى الْوَصْفِ، أَيْ: لَيْسَ طُولُهُ مُفْرِطًا، فَفِيهِ إِثْبَاتُ الطُّولِ فَاحْتِيجَ لِلثَّانِي وَذَلِكَ صِفَتُهُ الذَّاتِيَّةُ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا مَاشَى الطَّوِيلَ زَادَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُعْجِزَةٌ حَتَّى لَا يَتَطَاوَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ صُورَةً كَمَا لَا يَتَطَاوَلُ عَلَيْهِ مَعْنًى. رَوَى ابْنُ أَبِي خُثَيْمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُمَاشِيهِ مِنَ النَّاسِ يُنْسَبُ إِلَى الطُّولِ إِلَّا طَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُبَّمَا اكْتَنَفَهُ الرَّجُلَانِ الطَّوِيلَانِ فَيَطُولُهُمَا، فَإِذَا فَارَقَاهُ - نُسِبَا إِلَى الطُّولِ، وَنُسِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرَّبْعَةِ. وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ عَلِيٍّ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالذَّاهِبِ طُولًا وَفَوْقَ الرَّبْعَةِ فَإِذَا جَاءَ مَعَ الْقَوْمِ غَمَرَهُمْ» " بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ، أَيْ: زَادَ عَلَيْهِمْ فِي الطُّولِ، وَهَلْ بِإِحْدَاثِ اللَّهِ لَهُ طُولًا حَقِيقَةً حِينَئِذٍ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يُرَى فِي أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ وَجَسَدُهُ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} [الأنفال: 44] الحديث: 1707 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 (سورة الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 44) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَهُوَ مِثْلُ تَطَوُّرِ الْوَلِيِّ. وَذَكَرَ رَزِينٌ وَغَيْرُهُ: كَانَ إِذَا جَلَسَ يَكُونُ كَتِفُهُ أَعْلَى مِنْ جَمِيعِ الْجَالِسِينَ، وَدَلِيلَهُ قَوْلُ عَلِيٍّ: " «إِذَا جَاءَ مَعَ الْقَوْمِ غَمَرَهُمْ» " إِذْ هُوَ شَامِلٌ لِلْمَشْيِ وَالْجُلُوسِ، فَقَصَرَ مَنْ تَوَقَّفَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ إِلَّا لِرَزِينٍ وَلِلنَّاقِلِينَ عَنْهُ. (وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ بَيْنَهُمَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ آخِرُهُ قَافٌ، أَيْ: لَيْسَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ كَلَوْنِ الْجِصِّ. (وَلَا بِالْآدَمِ) بِالْمَدِّ، أَيْ: وَلَا شَدِيدَ السُّمْرَةِ وَإِنَّمَا يُخَالِطُ بَيَاضَهُ الْحُمْرَةُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ: " أَزْهَرُ اللَّوْنِ "، أَيْ: أَبْيَضٌ مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَلِيٍّ: " كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا بَيَاضُهُ حُمْرَةً " وَرَوَاهُ ابْنُ أَسْعَدَ عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ، وَالْإِشْرَابُ خَلْطُ لَوْنٍ بِلَوْنٍ كَأَنَّ أَحَدَ اللَّوْنَيْنِ سَقَى الْآخَرَ يُقَالُ بَيَاضٌ مَشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ بِالتَّخْفِيفِ فَإِذَا شُدِّدَ كَانَ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ الْأَلْوَانِ، وَالْعَرَبُ قَدْ تُطْلِقُ عَلَى مَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَسْمَرَ، وَلِذَا جَاءَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ وَابْنِ مَنْدَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ: " كَانَ أَسْمَرَ " وَرَدَّ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِحَدِيثِ الْبَابِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّمْرَةِ الْحُمْرَةُ الَّتِي تُخَالِطُ الْبَيَاضَ وَبِالْبَيَاضِ الْمُثْبَتِ مَا تُخَالِطُهُ الْحُمْرَةُ وَالْمَنْفِيُّ مَا لَا تُخَالِطُهُ وَهُوَ الَّذِي تَكْرَهُ الْعَرَبُ لَوْنَهُ وَتُسَمِّيهِ أَمْهَقَ، وَبِهَذَا بَانَ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْبُخَارِيِّ: أَمْهَقُ لَيْسَ بِأَبْيَضَ مَقْلُوبَةً، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهَا إِنْ ثَبَتَتْ رِوَايَةً بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْهَقِ الْأَخْضَرُ اللَّوْنِ الَّذِي لَيْسَ بَيَاضُهُ فِي الْغَايَةِ وَلَا سُمْرَتُهُ وَلَا حُمْرَتُهُ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ رُؤْبَةَ أَنَّ الْمَهَقَ خُضْرَةُ الْمَاءِ، قَالَهُ الْحَافِظُ، لَكِنَّ رِوَايَةَ " أَسْمَرُ " وَإِنْ صَحَّ إِسْنَادُهَا فَقَدَ أَعَلَّهَا الْحَافِظُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ بِالشُّذُوذِ فَقَالَ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، ثُمَّ نَظَرْنَا مَنْ رَوَى صِفَةَ لَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنَسٍ فَكُلُّهُمْ وَصَفُوهُ بِالْبَيَاضِ وَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا انْتَهَى، مِنْهُمْ أَبُو جُحَيْفَةَ فِي الْبُخَارِيِّ وَأَبُو الطُّفَيْلِ فِي مُسْلِمٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: " كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ " أَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ، وَمُحَرِّشٌ الْكَعْبِيُّ: نَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ وَسُرَاقَةُ: جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ، رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَبَعًا لِابْنِ أَبِي خُثَيْمَةَ: الْمُشَرَّبُ بِحُمْرَةٍ أَوْ سُمْرَةٍ مَا ضَحَا مِنْهُ إِلَى الشَّمْسِ وَالرِّيحِ، وَأَمَّا تَحْتَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ، وَلَوْنُهُ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَنَسًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُ حَتَّى يَصِفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلَازِمًا لِلشَّمْسِ، نَعَمْ لَوْ وَصَفَهُ بِذَلِكَ بَعْضُ الْقَادِمِينَ مِمَّنْ صَادَفَهُ فِي وَقْتٍ غَيَّرَتْهُ الشَّمْسُ لَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بِذَلِكَ، فَالْأَوْلَى حَمْلُ السُّمْرَةُ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ عَلَى الْحُمْرَةِ الْمُخَالِطَةِ لِلْبَيَاضِ كَمَا مَرَّ وَهِيَ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «جِسْمُهُ وَلَحْمُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 أَحْمَرُ إِلَى بَيَاضٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. (وَلَا) أَيْ: وَلَيْسَ شَعْرُهُ (بِالْجَعْدِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَدَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ، أَيْ: مُنْقَبِضِ الشَّعْرِ يَتَجَعَّدُ وَيَتَكَسَّرُ كَشَعْرِ الْحَبَشِ وَالزِّنْجِ (الْقَطَطِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، الْأُولَى عَلَى الْأَشْهَرِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، وَلَمَّا وَرَدَ الْجَعْدُ بِمَعْنَى الْجَوَادِ وَالْكَرِيمِ وَالْبَخِيلِ وَاللَّئِيمِ وَمُقَابِلِ السَّبِطِ، وَيُوصَفُ فِي الْكُلِّ بِقَطَطٍ فَهُوَ لَا يُعَيِّنُ الْمُرَادَ، قَابَلَهُ لِتَعْيِينِهِ بِقَوْلِهِ: " وَلَا بِالسَّبِطِ " بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيِ الْمُنْبَسِطِ الْمُسْتَرْسِلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ شَعْرَهُ لَيْسَ نِهَايَةً فِي الْجُعُودَةِ وَهِيَ تَكَسُّرُهُ الشَّدِيدُ، وَلَا فِي السُّبُوطَةِ وَهِيَ عَدَمُ تَكَسُّرِهِ وَتَثَنِّيهِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ كَانَ وَسَطًا بَيْنَهُمَا وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا. وَقَدْ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ: رَجِلُ الشَّعْرِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتُسَكَّنُ، أَيْ: مُتَسَرِّحٌ وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، أَيْ: هُوَ رَجِلٌ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ: وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ كَانَ جَعْدًا رَجِلًا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْغَالِبُ عَلَى الْعَرَبِ جُعُودَةُ الشَّعْرِ وَعَلَى الْعَجَمِ سُبُوطَتُهُ، فَقَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَى بِرَسُولِهِ الشَّمَائِلَ وَجَمَعَ فِيهِ مَا تَفَرَّقَ فِي الظَّرَائِفِ مِنَ الْفَضَائِلِ اهـ. ( «بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً» ) أَيْ: آخِرِهَا، قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بُعِثَ فِي الشَّهْرِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ وُلِدَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ بُعِثَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهُ حِينَ بُعِثَ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَنِصْفٌ أَوْ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ وَنِصْفٌ، فَمَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ أَلْغَى الْكَسْرَ أَوْ جَبَرَ، لَكِنْ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّهُ بُعِثَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً سَوَاءً، وَقِيلَ: بُعِثَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَقِيلَ: وُلِدَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ شَاذٌّ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا وَضُمَّ إِلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْبَعْثَ فِي رَمَضَانَ صَحَّ أَنَّهُ بُعِثَ عِنْدَ إِكْمَالِ الْأَرْبَعِينَ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ بُعِثَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ وَشَهْرَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ وُلِدَ فِي رَجَبٍ وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ فِي تَارِيخِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِتْقِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ وُلِدَ لِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَمِنَ الشَّاذِّ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: " «أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ» " وَهُوَ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ وَتَبِعَهُ الْبَلَاذُرِيُّ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ. وَفِي تَارِيخِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ بُعِثَ بَعْدَ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ. (فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ) أَيْ: يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ. (وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ) بِاتِّفَاقٍ (وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً) أَيْ: آخِرِهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: مَجَازُهُ كَمَجَازِ قَوْلِهِمْ رَأْسُ آيَةٍ، أَيْ: آخِرُهَا اهـ. وَصَرِيحُهُ أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ فَقَطْ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 آخَرَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ أَحَدَهُمَا، وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَبِثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَبُعِثَ لِأَرْبَعِينَ وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ " وَجَمَعَ السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّ مَنْ قَالَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ عَدَّ مِنْ أَوَّلِ مَا جَاءَهُ الْمَلَكُ بِالنُّبُوَّةِ، وَمَنْ قَالَ عَشْرًا عَدَّ مَا بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ وَنُزُولِ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] [سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ: الْآيَةُ 1] وَيُؤَيِّدُهُ زِيَادَةُ " يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ "، لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ خَبَرِ الشَّعْبِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ مُدَّةَ الْفَتْرَةِ ثَلَاثُ سِنِينَ، لَكِنْ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُخَالِفُهُ، أَيْ: أَنَّ مُدَّةَ الْفَتْرَةِ كَانَتْ أَيَّامًا، قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِفُ الْمَشْهُورَ وَهُوَ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ جَاءَ عَنْهُ الْمَشْهُورُ، وَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأَنَسٌ وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ الثَّبْتُ عِنْدَنَا، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي سِنِّهِ أَنَّهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَمَّارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ بِأَنَّ مَنْ قَالَ خَمْسٌ وَسِتُّونَ جَبَرَ الْكَسْرَ وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ أَرْبَعٌ وَسِتُّونَ فَقَطْ، وَقَلَّ مَنْ تَنَبَّهَ لِذَلِكَ، وَمِنَ الشَّاذِّ مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ أَنَّهُ عَاشَ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَيْنِ لَمْ يَبْلُغْ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، وَعِنْدَ ابْنِ عَسَاكِرَ أَنَّهُ عَاشَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وَنِصْفًا اهـ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: رِوَايَاتُ سِتِّينَ وَثَلَاثٍ وَخَمْسٍ لَيْسَتْ بِاخْتِلَافٍ إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ أَقَامَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يُوحَى إِلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ مَا بَيْنَ رُؤْيَا وَفَتْرَةٍ ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ عِشْرِينَ سَنَةً، فَمَنْ عَدَّهَا قَالَ سِتِّينَ، وَمَنْ عَدَّ الْجُمْلَةَ قَالَ خَمْسًا وَسِتِّينَ، وَمَنْ أَسْقَطَ عَامَيِ الْفَتْرَةِ قَالَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَجَمْعُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَاشَ خَمْسًا، فَالْأَوْلَى الْحَمْلُ عَلَى جَبْرِ الْكَسْرِ. ( «وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ» ) أَيْ: بَلْ أَقَلُّ. رَوَى ابْنُ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: " «مَا كَانَ فِي رَأْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِحْيَتِهِ إِلَّا سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ» " وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ: " كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ ". وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ فِي لِحْيَتِهِ شَعْرَاتٌ بِيضٌ» " فَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةٍ لِإِيرَادِهِ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَهُوَ شَعَرَاتٌ، جَمْعُ تَصْحِيحٍ لِشَعَرٍ، وَهُوَ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ، وَهُوَ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةٍ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ بُسْرٍ خَصَّهُ بِعَنْفَقَتِهِ فَيُحْمَلُ الزَّائِدُ عَلَى أَنَّهُ فِي صُدْغَيْهِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ، لَكِنَّ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: " «لَمْ يَبْلُغْ مَا فِي لِحْيَتِهِ مِنَ الشَّيْبِ عِشْرِينَ شَعْرَةً» " قَالَ حُمَيْدٌ: وَأَوْمَأَ إِلَى عَنْفَقَتِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ. وَلِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: " «مَا عَدَدْتُ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ إِلَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَعْرَةً» " وَجُمِعَ بِأَنَّ أَخْبَارَهُ اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّهَا ثَلَاثُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 عَدَدًا، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ أَكْثَرُ شَيْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّأْسِ فِي فَوْدَيْ رَأْسِهِ، وَكَانَ أَكْثَرُ شَيْبِهِ فِي لِحْيَتِهِ حَوْلَ الذَّقْنِ، وَكَانَ شَيْبُهُ كَأَنَّهُ خُيُوطُ الْفِضَّةِ يَتَلَأْلَأُ بَيْنَ سَوَادِ الشَّعْرِ فَإِذَا مَسَّهُ بِصُفْرَةٍ وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ خُيُوطُ الذَّهَبِ» " وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ قَتَادَةَ: " «سَأَلْتُ أَنَسًا هَلْ خَضَّبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ فِي صُدْغَيْهِ» " وَلِمُسْلِمٍ: " «إِنَّمَا كَانَ الْبَيَاضُ فِي عَنْفَقَتِهِ وَفِي الصُّدْغَيْنِ وَفِي الرَّأْسِ نُبَذٌ» " بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَمُعْجَمَةٍ، أَيْ: شَعْرَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ. وَعُرِفَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا أَنَّ مَا شَابَ مِنْ عَنْفَقَتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا شَابَ مِنْ غَيْرِهَا. قَالَ الْحَافِظُ: وَمُرَادُ أَنَسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَعْرِهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْخِضَابِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: " «سَأَلْتُ أَنَسًا أَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَضَّبَ؟ قَالَ: لَمْ يَبْلُغِ الْخِضَابَ» " وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: " «لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتٍ كُنَّ فِي رَأْسِهِ لَفَعَلْتُ» " زَادَ ابْنُ سَعْدٍ وَالْحَاكِمُ: " «مَا شَانَهُ اللَّهُ بِالشَّيْبِ» "، أَيْ: أَنَّ تِلْكَ الشَّعَرَاتِ الْبِيضَ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا شَيْءٌ مِنْ حُسْنِهِ. وَمَرَّ فِي الْحَجِّ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَضِّبُ بِالصُّفْرَةِ» " وَلِلْحَاكِمِ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ: " «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ وَلَهُ شَعْرٌ قَدْ عَلَاهُ الشَّيْبُ وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ» ". وَيُجْمَعُ بِحَمْلِ نَفْيِ أَنَسٍ عَلَى غَلَبَةِ الشَّيْبِ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى خِضَابِهِ، وَلَمْ يَتَّفِقْ أَنَّهُ رَآهُ وَهُوَ يُخَضِّبُ. وَحَدِيثُ مَنْ أَثْبَتَ الْخِضَابَ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ نَفْيَ أَنَسٍ أَنَّهُ خَضَّبَ وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، وَوَافَقَ مَالِكٌ أَنَسًا فِي إِنْكَارِ الْخِضَابِ وَتَأَوَّلَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصِّفَةِ النَّبَوِيَّةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي اللِّبَاسِ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ بِنَحْوِهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَائِلًا بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِمَا: كَانَ أَزْهَرَ انْتَهَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 [صِفَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام وَالدَّجَّالِ] بَابُ صِفَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام وَالدَّجَّالِ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا قِيلَ هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا فَقِيلَ لِي هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ»   2 - بَابُ صِفَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالدَّجَّالِ 1708 - 1658 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَرَانِي) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ مُبَالَغَةً فِي اسْتِحْضَارِ صُورَةِ الْحَالِ، أَيْ: أَرَى الحديث: 1708 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 نَفْسِيَ (اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ) فِي الْمَنَامِ (فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ) بِالْمَدِّ اسْمٌ (كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ، وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ " وَالْأَحْمَرُ عِنْدَ الْعَرَبِ الشَّدِيدُ الْبَيَاضِ مَعَ الْحُمْرَةِ، وَالْآدَمُ الْأَسْمَرُ، وَجُمِعَ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ بِأَنَّهُ احْمَرَّ لَوْنُهُ بِسَبَبٍ كَالتَّعَبِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ أَسْمَرُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَأَنَّ الْأُدْمَةَ تَصِيرُ سُمْرَةً تَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ وَهُوَ غَالِبُ أَلْوَانِ الْعَرَبِ، وَبِهِ تُجْمَعُ الرِّوَايَتَانِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " لَا وَاللَّهِ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِيسَى: أَحْمَرُ، وَلَكِنْ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنِّي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ " الْحَدِيثَ. قَالَ الْحَافِظُ: أَقْسَمَ عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ أَنَّ الْوَصْفَ اشْتَبَهَ عَلَى الرَّاوِي وَأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِأَنَّهُ أَحْمَرُ إِنَّمَا هُوَ الدَّجَّالُ لَا عِيسَى، وَقَرُبَ ذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، صِفَةُ مَدْحٍ لِعِيسَى وَذَمٍّ لِلدَّجَّالِ، وَكَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ ذَلِكَ جَزْمًا فِي وَصْفِ عِيسَى أَنَّهُ آدَمُ فَسَاغَ لَهُ الْحَلِفُ لِغَلَبَةِ ظَنِّهِ أَنَّ مَنْ وَصَفَهُ بِأَحْمَرَ فَقَدْ وَهِمَ، لَكِنْ قَدْ وَافَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى أَنَّ عِيسَى أَحْمَرُ فَظَهَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَنْكَرَ شَيْئًا حَفِظَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا قَوْلُ الدَّاوُدِيِّ: رِوَايَةُ مَنْ قَالَ آدَمُ - أَثْبَتُ فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ اتِّفَاقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى مُخَالَفَةِ ابْنِ عُمَرَ. (لَهُ لِمَّةٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَشَدِّ الْمِيمِ: شَعْرٌ جَاوَزَ شَحْمَةَ الْأُذُنَيْنِ وَأَلَمَّ بِالْمَنْكِبَيْنِ فَإِنْ جَاوَزَهُمَا فَجُمَّةٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِنْ قَصُرَ عَنْهَا فَوَفْرَةٌ (كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ) جَمْعُ لِمَّةٍ، وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ: تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ (قَدْ رَجَّلَهَا) أَيْ: سَرَّحَهَا (فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً) مِنَ الْمَاءِ الَّذِي سَرَّحَهَا بِهِ أَوْ هُوَ اسْتِعَارَةٌ كَنَّى بِهَا عَنْ مَزِيدِ النَّظَافَةِ وَالنَّضَارَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ " وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: " فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعْرِ " وَلَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: جَعْدٌ، وَالْجُعُودَةُ ضِدُّ السُّبُوطَةِ، فَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ سَبْطُ الشَّعْرِ جَعْدُ الْجِسْمِ وَالْمُرَادُ بِهِ اجْتِمَاعُهُ وَاكْتِثَارُهُ، وَهَذَا نَظِيرُ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي لَوْنِهِ. (مُتَّكِئًا) حَالٌ (عَلَى رَجُلَيْنِ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِمَا (أَوْ) لِلشَّكِّ قَالَ (عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ) جَمْعُ عَاتِقٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ، وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ (يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ) حَالٌ (فَسَأَلْتُ) الْمَلَكَ (مَنْ هَذَا؟) الطَّائِفُ (قِيلَ: هَذَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ تُشَدَّدُ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَصَحَّفَ مَنْ أَعْجَمَهَا لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 بِالدُّهْنِ، أَوْ لِأَنَّ زَكَرِيَّا مَسَحَهُ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَمْسَحُ ذَا عَاهَةٍ إِلَّا بَرِئَ، أَوْ لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ بِسِيَاحَتِهِ، أَوْ لِأَنَّ رِجْلَهُ لَا أُخْمُصَ لَهَا، أَوْ لِلُبْسِهِ الْمُسُوحَ، أَقْوَالٌ. وَقِيلَ: هُوَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَاسِحٌ فَعُرِّبَ الْمَسِيحَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الصِّدِّيقُ (ثُمَّ إِذَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ شَعْرُهُ (قَطَطٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمُهْمَلَةِ الْأُولَى عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ تُكْسَرُ، أَيْ: شَدِيدُ جُعُودَةِ الشَّعْرِ (أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ) بِتَحْتِيَّةٍ بَعْدَ الْفَاءِ، أَيْ: بَارِزَةٍ مِنْ طَفِئَ الشَّيْءُ يَطْفُو بِغَيْرِ هَمْزٍ إِذَا عَلَا عَلَى غَيْرِهِ، شَبَّهَهَا بِالْعِنَبَةِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْعُنْقُودِ بَارِزَةً عَنْ نَظَائِرِهَا وَبِالْهَمْزِ، أَيْ: ذَهَبَ ضَوْءُهَا. قَالَ عِيَاضٌ: رَوَيْنَاهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ عَنْ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا وَصَحَّحُوهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَخْفَشُ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةَ الْهَمْزِ وَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهَا، وَيُصَحِّحُهَا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ حَجْرَاءَ وَلَا نَاتِئَةً وَأَنَّهَا مَطْمُوسَةٌ، وَهَذِهِ صِفَةُ حَبَّةِ الْعِنَبِ إِذَا طُفِيَتْ وَزَالَ مَاؤُهَا، وَيُصَحِّحُ رِوَايَةَ الْيَاءِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ، وَأَنَّهَا جَاحِظَةٌ، وَكَأَنَّهَا نُخَاعَةٌ فِي حَائِطٍ مُجَصَّصٍ وَأَنَّهَا عَوْرَاءُ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ مَا صُحِّحَتْ بِهِ رِوَايَةُ الْيَاءِ يَكُونُ فِي عَيْنٍ، وَمَا صُحِّحَتْ بِهِ رِوَايَةُ الْهَمْزِ يَكُونُ فِي الْأُخْرَى، وَبِهِ أَيْضًا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الرِّوَايَاتُ، فَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ أَعْوَرُ الْيُسْرَى لِأَنَّ الْعَوَرَ الْعَيْبُ وَكِلْتَا عَيْنَيْهِ مَعِيبَةٌ، أَحَدُهُمَا بِالطَّمْسِ وَهِيَ الْيُمْنَى، وَالْأُخْرَى بِالْبُرُوزِ، انْتَهَى كَلَامُ عِيَاضٍ مُلَخَّصًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ فِي نِهَايَةٍ مِنَ الْحُسْنِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ: يَطُوفُ بِالْبَيْتِ. (فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ) لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، أَوْ لِأَنَّ أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ خُلِقَ مَمْسُوحًا لَا عَيْنَ فِيهِ وَلَا حَاجِبَ، أَوْ لِأَنَّهُ يَمْسَحُ الْأَرْضَ إِذَا خَرَجَ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ خَفَّفَهُ فَلِمَسْحِهِ الْأَرْضَ، وَمَنْ شَدَّدَ فَلِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «إِنَّ الدَّجَّالَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلَا مَكَّةَ» "، أَيْ: فِي زَمَنِ خُرُوجِهِ وَلَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ فِي دُخُولِهِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي. وَهَذِهِ الرُّؤْيَا مَنَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ: " رَأَيْتُ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى " وَذَكَرَ صِفَتَهُمْ. قَالَ عِيَاضٌ: رُؤْيَتُهُ لَهُمْ إِنْ كَانَ مَنَامًا فَلَا إِشْكَالَ وَإِنْ كَانَ يَقَظَةً فَمُشْكِلٌ، وَيُقَوِّيهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ جَعْدٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِحَبْلٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي» " وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنَ الشُّهَدَاءِ وَالشُّهَدَاءُ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ فَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُصَلُّوا وَيَحُجُّوا وَيَتَقَرَّبُوا إِلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَاعُوا مَا دَامَتِ الدُّنْيَا وَهِيَ دَارُ التَّكْلِيفِ بَاقِيَةً وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ حَالَهُمُ الَّتِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 كَانُوا عَلَيْهَا فِي حَيَاتِهِمْ، فَمُثِّلُوا لَهُ كَيْفَ كَانُوا وَكَيْفَ كَانَ حَجُّهُمْ وَتَلْبِيَتُهُمْ، وَلِذَا قَالَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى " وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ عَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا كَانَ مِنْهُمْ، فَلِذَا أَدْخَلَ حَرْفَ التَّثْنِيَةِ فِي رِوَايَةٍ وَحَيْثُ أَطْلَقَهَا فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ. وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ كِتَابًا لَطِيفًا فِي حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ وَرَوَى فِيهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ» " وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: " «إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُتْرَكُونَ فِي قُبُورِهِمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَلَكِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّورِ» " وَمُحَمَّدٌ سَيِّئُ الْحِفْظِ. وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ ثُمَّ الرَّافِعِيُّ حَدِيثًا مَرْفُوعًا: " «أَنَا أَكْرَمُ عَلَى رَبِّي مِنْ أَنْ يَتْرُكَنِي فِي قَبْرِي بَعْدَ ثَلَاثٍ» "، وَلَا أَصْلَ لَهُ إِلَّا إِنْ أُخِذَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَلَيْسَ الْأَخْذُ بِجَيِّدٍ لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يُتْرَكُونَ يُصَلُّونَ إِلَّا هَذَا الْقَدْرَ ثُمَّ يَكُونُونَ مُصَلِّينَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فَقَدْ ثَبَتَتْ حَيَاةُ الْأَنْبِيَاءِ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَوَجْهُ إِشْكَالِهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ عَوْدَ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ يَقْتَضِي انْفِصَالَهَا عَنْهُ وَهُوَ الْمَوْتُ. وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ رُوحَهُ كَانَتْ سَابِقَةً عَقِبَ دَفْنِهِ لِأَنَّهَا تُعَادُ ثُمَّ تُنْزَعُ ثُمَّ تُعَادُ سَلَّمْنَا لَكِنْ لَيْسَ بِنَزْعِ مَوْتٍ بَلْ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، وَبِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّوحِ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِذَلِكَ أَوِ النُّطْقُ، فَتَجُوزُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ خِطَابِنَا بِمَا نَفْهَمُهُ وَبِأَنَّهُ يَسْتَغْرِقُ فِي أُمُورِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى فَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهْمُهُ لِيُجِيبَ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى هِيَ اسْتِلْزَامُ اسْتِغْرَاقِ الزَّمَانِ كُلِّهِ فِي ذَلِكَ لِاتِّصَالِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ مِمَّنْ لَا يُحْصَرُ كَثْرَةً. وَأُجِيبُ بِأَنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ لَا تُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَأَحْوَالُ الْبَرْزَخِ أَشْبَهُ بِأَحْوَالِ الْآخِرَةِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي اللِّبَاسِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي التَّعْبِيرِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي الْإِيمَانِ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ بِنَحْوِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَهُ طُرُقٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 [مَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ فِي الْفِطْرَةِ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَالْاخْتِتَانُ   3 - بَابُ مَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ فِي الْفِطْرَةِ بِكَسْرِ الْفَاءِ، أَيِ: السُّنَّةِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْأَنْبِيَاءُ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ فَكَأَنَّهَا أَمْرٌ جِبِلِّيٌّ فُطِرُوا عَلَيْهِ، هَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ. 1709 - 1659 - (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ) كَيْسَانَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الحديث: 1709 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 قَالَ) مَوْقُوفًا لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا السَّنَدِ وَرَفَعَهُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَقَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، وَكَذَا رَفَعَهُ حُمَيْدُ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ الْعَدَوِيُّ، عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَمْسٌ) صِفَةُ مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: خِصَالٌ خَمْسٌ، ثُمَّ فَسَّرَهَا، أَوْ عَلَى الْإِضَافَةِ، أَيْ: خَمْسُ خِصَالٍ، أَوِ الْجُمْلَةُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيِ: الَّذِي شُرِعَ لَكُمْ خَمْسٌ (مِنَ الْفِطْرَةِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ (تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ) تَفْعِيلٌ مِنَ الْقَلْمِ وَهُوَ الْقَطْعُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَلَمْتُ ظُفْرِي بِالتَّخْفِيفِ وَقَلَّمْتُ أَظْفَارِي بِالتَّشْدِيدِ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ، أَيْ: إِزَالَةُ مَا طَالَ مِنْهَا عَنِ اللَّحْمِ بِمِقَصٍّ أَوْ سِكِّينٍ لَا غَيْرِهِمَا مِنَ الْآلَةِ وَيُكْرَهُ بِالْأَسْنَانِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْوَسَخَ يَجْتَمِعُ تَحْتَهُ فَيُسْتَقْذَرُ، وَقَدْ يَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَيُسْتَحَبُّ كَيْفَمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ يَثْبُتْ فِي اسْتِحْبَابِ قَصِّ الظُّفْرِ يَوْمَ الْخَمِيسِ حَدِيثٌ، وَكَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي كَيْفِيَّتِهِ شَيْءٌ وَلَا فِي تَعْيِينِ يَوْمٍ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ مُرْسَلِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» " وَلَهُ شَاهِدٌ مَوْصُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ قَالَ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إِلَى الصَّلَاةِ» " أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ عُقْبَةُ: قَالَ أَحْمَدُ: فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَنْ يُجْهَلُ. انْتَهَى. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ حَيْثُ يَذْكُرُونَ اسْتِحْبَابَ تَحْسِينِ الْهَيْئَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَقَلْمِ ظُفْرٍ، وَقَصِّ شَارِبٍ إِنِ احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً فَبَعْضُهَا يُقَوِّي بَعْضًا. قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَبِالْجُمْلَةِ فَأَرْجَحُهَا دَلِيلًا وَنَقْلًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِيهِ لَيْسَتْ بِوَاهِيَةٍ جِدًّا بَلْ فِيهَا مُتَمَسِّكٌ، خُصُوصًا الْأَوَّلَ، وَقَدِ اعْتُضِدَ بِشَوَاهِدَ مَعَ أَنَّ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ: " «قَصُّ الظُّفْرِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالْغُسْلُ وَالطِّيبُ وَاللِّبَاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» " وَلِلدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْمَنَ الْفَقْرَ وَشِكَايَةَ الْعَمَى وَالْبَرَصَ وَالْجُنُونَ فَلْيُقَلِّمْ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَلِيَبْدَأْ بِخِنْصَرِهِ الْيُسْرَى» " وَالْخَبَرَانِ وَاهِيَانِ. وَفِي مُسَلْسَلَاتِ الْحَافِظِ جَعْفَرٍ الْمُسْتَغْفَرِيِّ بِإِسْنَادٍ مَجْهُولٍ عَنْ عَلِيٍّ: " «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ» "، وَمَا يُعْزَى لِعَلِيٍّ: ابْدَأْ بِيُمْنَاكَ وَبِالْخِنْصَرِ ... فِي قَصِّ أَظْفَارِكَ وَاسْتَبْصِرِ وَثَنِّ بِالْوُسْطَى وَثَلِّثْ كَمَا ... قَدْ قِيلَ بِالْإِبْهَامِ وَالْبِنْصَرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 وَاخْتَتَمَ الْكَفَّ بِسَبَّابَةٍ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَلَا تَمْتَرِ ... وَفِي الْيَدِ الْيُسْرَى بِإِبْهَامِهَا وَالْأُصْبُعِ الْوُسْطَى وَبِالْخِنْصَرِ ... وَبَعْدَ سَبَّابَتِهَا بِنْصَرٌ فَإِنَّهَا خَاتِمَةُ الْأَيْسَرِ فَبَاطِلٌ عَنْهُ. وَكَذَا مَا يُعْزَى لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ، قَالَ السَّخَاوِيُّ، وَنَصُّهُ وَحَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ: فِي قَصِّ ظُفْرِكَ يَوْمَ السَّبْتِ آكِلَةٌ ... تَبْدُو وَفِيمَا يَلِيهِ تَذْهَبُ الْبِرَكَهْ وَعَالِمٌ فَاضِلٌ يَبْدُو بِتَلْوِهِمَا ... وَإِنْ يَكُنْ فِي الثُّلَاثَا فَاحْذَرِ الْهَلَكَهْ وَيُورِثُ السُّوءَ فِي الْأَخْلَاقِ رَابِعُهَا ... وَفِي الْخَمِيسِ الْغِنَى يَأْتِي لِمَنْ سَلَكَهْ وَالْعُمْرُ وَالرِّزْقُ زِيدَا فِي عُرُوبَتِهَا ... عَنِ النَّبِيِّ رُوِينَا فَاقْتَفَوْا نُسُكَهْ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: هَذَا مُفْتَرًى عَلَيْهِ، بَلْ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ يَوْمَ السَّبْتِ، خَرَجَ مِنْهُ الدَّاءُ، وَدَخَلَ فِيهِ الشِّفَاءُ، وَيَوْمَ الْأَحَدِ خَرَجَ مِنْهُ الْفَاقَةُ، وَدَخَلَ فِيهِ الْغِنَى، وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ خَرَجَ مِنْهُ الْجُنُونُ، وَدَخَلَتْ فِيهِ الصِّحَّةُ، وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ خَرَجَ مِنْهُ الْمَرَضُ، وَدَخَلَ فِيهِ الشِّفَاءُ، وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ خَرَجَ مِنْهُ الْوَسْوَاسُ وَالْخَوْفُ، وَدَخَلَ فِيهِ الْأَمْنُ وَالشِّفَا، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ خَرَجَ مِنْهُ الْجُذَامُ، وَدَخَلَتْ فِيهِ الْعَافِيَةُ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ دَخَلَتْ فِيهِ الرَّحْمَةُ، وَخَرَجَتْ مِنْهُ الذُّنُوبُ» "، قَالَ: وَآثَارُ الْبُطْلَانِ لَائِحَةٌ عَلَيْهِ، انْتَهَى. (وَقَصُّ الشَّارِبِ) ، وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ، وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ حَلْقِ، لَكِنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ بِلَفْظِ قَصِّ الشَّارِبِ، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: تَقْصِيرُ الشَّارِبِ. (وَنَتْفُ الْإِبْطِ) - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ - يَبْدَأُ بِالْيُمْنَى اسْتِحْبَابًا، وَيَتَأَدَّى أَصْلُهُ بِالْحَلْقِ لَا سِيَّمَا مَنْ يُؤْلِمُهُ النَّتْفُ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مَنْ نَظَرَ إِلَى اللَّفْظِ وَقَفَ مَعَ النَّتْفِ، وَمَنْ نَظَرَ إِلَى الْمَعْنَى أَزَالَهُ بِكُلِّ مُزِيلٍ، لَكِنْ يَتَعَيَّنُ أَنَّ النَّتْفَ مَقْصُودٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ النَّاشِئَةِ مِنَ الْوَسَخِ الْمُجَسَّمِ بِالْعَرَقِ فِيهِ، فَيَتَلَبَّدُ وَيَهِيجُ، فَشُرِعَ النَّتْفُ الَّذِي يُضْعِفُهُ فَتَخِفُّ الرَّائِحَةُ بِهِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي الشَّعْرَ وَيُهَيِّجُهُ، فَتَكْثُرُ الرَّائِحَةُ بِذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَدْ جَاءَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ الطَّبَرِيُّ: مِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّ الْإِبْطَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ، إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَمِثْلُهُ لِلْقُرْطُبِيِّ، وَزَادَ: وَأَنَّهُ لَا شَعْرَ عَلَيْهِ. وَنَازَعَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ، وَقَالَ: لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِوَجْهٍ، وَالْخَصَائِصُ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَعْرٌ، فَإِنَّ الشَّعْرَ إِذَا نُتِفَ بَقِيَ الْمَكَانُ أَبْيَضَ وَإِنْ بَقِيَ فِيهِ آثَارُ الشَّعْرِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَقْرَمَ، وَقَدْ صَلَّى مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 " «كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عُفْرَةِ إِبْطَيْهِ» "، حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْعُفْرَةُ: بَيَاضٌ لَيْسَ بِالنَّاصِعِ كَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آثَارَ الشَّعْرِ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمَكَانَ أَعْفَرَ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ خَالِيًا عَنْ نَبَاتِ الشَّعْرِ جُمْلَةً، لَمْ يَكُنْ أَعْفَرَ، نَعَمْ، الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِإِبْطَيْهِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ انْتَهَى. وَقَدْ تَمْنَعُ دَلَالَتُهُ عَلَى مَا قَالَ بِأَنَّ شَأْنَ الْمَغَابِنِ أَنَّهَا أَقَلُّ بَيَاضًا مِنْ بَاقِي الْجَسَدِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِبَيَاضِ إِبْطَيْهِ، فَقِيلَ: لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُمَا شَعْرٌ فَكَانَا كَلَوْنِ جَسَدِهِ، ثُمَّ قِيلَ: لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُمَا شَعْرٌ الْبَتَّةَ، وَقِيلَ: كَأَنَّ لِدَوَامِ تَعَاهُدِهِ لَهُ لَا يَبْقَى فِيهِ شَعْرٌ. وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ: " «حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ» "، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ الْأَعْفَرَ: مَا بَيَاضُهُ لَيْسَ بِالنَّاصِعِ، وَهَذَا شَأْنُ الْمَغَابِنِ تَكُونُ لَوْنُهَا فِي الْبَيَاضِ دُونَ لَوْنِ بَقِيَّةِ الْجَسَدِ. (وَحَلْقُ الْعَانَةِ) بِالْمُوسَى، وَفِي مَعْنَاهُ الْإِزَالَةُ بِالنَّتْفِ وَالنُّورَةِ، لَكِنْ بِالْمُوسَى أَوْلَى بِالرَّجُلِ لِتَقْوِيَةِ الْمَحَلِّ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، فَالْأَوْلَى لَهَا النَّتْفُ. وَاسْتَشْكَلَهُ الْفَاكِهَانِيُّ بِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الزَّوْجِ بِاسْتِرْخَاءِ الْمَحَلِّ بِاتِّفَاقِ الْأَطِبَّاءِ، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: " حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ "، وَلِابْنِ الْعَرَبِيِّ تَفْصِيلٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ: إِنْ كَانَتْ شَابَّةً، فَالنَّتْفُ أَوْلَى فِي حَقِّهَا لِأَنَّهُ يَرْبُو مَكَانَ النَّتْفِ، وَإِنْ كَانَتْ كَهْلَةً الْأَوْلَى الْحَلْقُ ; لِأَنَّ النَّتْفَ يُرْخِي الْمَحَلَّ، وَلَوْ قِيلَ فِي حَقِّهَا بِالتَّنْوِيرِ مُطْلَقًا لَمَا بَعُدَ. وَرَوَى أَنَسٌ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَتَنَوَّرُ، وَكَانَ إِذَا كَثُرَ شَعْرُهُ حَلَقَهُ» ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا طَلَى بَدَأَ بِعَانَتِهِ فَطَلَاهَا بِالنُّورَةِ، وَسَائِرَ جَسَدِهِ» "، أَهْلُهُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ أُعِلَّ بِالِانْقِطَاعِ، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ صِحَّتَهُ. وَرَوَى الْخَرَائِطِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنَوِّرُهُ الرَّجُلُ، فَإِذَا بَلَغَ مَرَاقَّهُ تَوَلَّى هُوَ ذَلِكَ» "، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَرَدَ فِي النُّورَةِ أَحَادِيثُ هَذَا أَمْثَلُهَا: قَالَ السُّيُوطِيُّ: هُوَ مُثْبَتٌ وَأَجْوَدُ إِسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ النَّفْيِ، فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَاسْتِعْمَالُهَا مُبَاحٌ لَا مَكْرُوهٌ. (وَالِاخْتِتَانُ) ، وَهُوَ قَطْعُ الْقُلْفَةِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ مِنَ الرَّجُلِ، وَقَطْعُ بَعْضِ الْجِلْدَةِ الَّتِي بِأَعْلَى الْفَرْجِ مِنَ الْمَرْأَةِ، كَالنَّوَاةِ، أَوْ كَعُرْفِ الدِّيكِ، وَيُسَمَّى خِتَانُ الرَّجُلِ: إِعْذَارًا، وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ: خَفْضًا - بِمُعْجَمَتَيْنِ - هَذَا وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ» ، فَذَكَرَ مَا هُنَا إِلَّا الْخِتَانَ، وَزَادَ: «إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَالْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ» "، وَلِأَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَفَعَهُ: " زِيَادَةُ الِانْتِضَاحِ "، وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ "، وَلِأَبِي عَوَانَةَ زِيَادَةُ: " الِاسْتِنْثَارُ "، وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 124) ، ذَكَرَ مَفْرِقَ الرَّأْسِ، فَالْحَصْرُ فِي رِوَايَةِ: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ لَيْسَ بِمُرَادٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ النَّاسِ ضَيَّفَ الضَّيْفَ وَأَوَّلَ النَّاسِ اخْتَتَنَ وَأَوَّلَ النَّاسِ قَصَّ الشَّارِبَ وَأَوَّلَ النَّاسِ رَأَى الشَّيْبَ فَقَالَ يَا رَبِّ مَا هَذَا فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَارٌ يَا إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَهُوَ الْإِطَارُ وَلَا يَجُزُّهُ فَيُمَثِّلُ بِنَفْسِهِ   1710 - 1660 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ حَزْنٍ الْمَخْزُومِيِّ) ، وَصَلَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ إِبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ النَّاسِ ضَيَّفَ الضَّيْفَ» ) ، يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ. ( «وَأَوَّلَ النَّاسِ اخْتَتَنَ» ) - بِهَمْزَةِ وَصْلٍ - رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ» " - بِخِفَّةِ الدَّالِ - اسْمُ آلَةِ النَّجَّارِ، يَعْنِي: الْفَأْسَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَرُوِيَ بِشَدِّهَا، وَأَنْكَرَهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَبَّةَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْمَكَانُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْخِتَانُ، وَهُوَ أَيْضًا بِالتَّخْفِيفِ، وَالتَّشْدِيدِ: قَرْيَةٌ بِالشَّامِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ، وَإِرَادَةُ الْآلَةِ كَمَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ، وَأَنْكَرَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الْمَوْضِعَ وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَالْقُرْطُبِيُّ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْحَافِظُ مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ أَبِي يَعْلَى: " «أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ بِالْخِتَانِ فَاخْتَتَنَ بِقَدُومٍ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: عَجَّلْتَ قَبْلَ أَنْ نَأْمُرَكَ بِآلَتِهِ قَالَ: يَا رَبِّ كَرِهْتُ أَنْ أُؤَخِّرَ أَمْرَكَ» " وَجُمِعَ بِأَنَّهُ اخْتَتَنَ بِالْآلَةِ وَفِي الْمَوْضِعِ. وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَابْنِ السَّمَّاكِ، وَابْنِ حِبَّانَ أَيْضًا عَنْهُ مَرْفُوعًا: " وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ "، وَزَادُوا: وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَأُعِلَّ بِأَنَّ عُمُرَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَرُدَّ بِأَنَّ مِثْلَهُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنِ سَعْدٍ، وَالْحَاكِمِ، وَالْبَيْهَقِيِّ وَصَحَّحَاهُ، وَأَبِي الشَّيْخِ فِي الْعَقِيقَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَزَادُوا أَيْضًا: " وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِينَ "، فَعَلَى هَذَا عَاشَ مِائَتَيْنِ، وَجُمِعَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ حَسَبَ مِنْ مُنْذُ نُبُوَّتِهِ، وَالثَّانِيَ حَسَبَ مِنْ مَوْلِدِهِ، وَبِأَنَّ الْمُرَادَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ مِنْ وَقْتِ فِرَاقِ قَوْمِهِ وَهِجْرَتِهِ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ، وَقَوْلُهُ: وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، أَيْ مِنْ مَوْلِدِهِ، وَبِأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ رَأَى مِائَةً وَعِشْرِينَ، فَظَنَّهَا إِلَّا عِشْرِينَ، أَوْ عَكْسَهُ، وَالْأَوَّلَانِ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَوْهِيمُ الرُّوَاةِ بِلَا دَاعِيَةٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِدُونِ تَوْهِيمِهِمْ. وَفِي التَّمْهِيدِ تَوَاتَرَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَتَنَ إِسْمَاعِيلَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَإِسْحَاقَ لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَكَرِهَ جَمْعَ الْخِتَانِ يَوْمَ السَّابِعِ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: أَتَرَى أَنْ تَخْتِنَ الصَّبِيَّ يَوْمَ السَّابِعِ؟ فَقَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ، إِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْيَهُودِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ إِلَّا حَدِيثًا، قُلْتُ: فَمَا حَدُّ خِتَانِهِ؟ قَالَ: إِذَا أُدِّبَ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: عَشْرُ سِنِينَ، أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. ( «وَأَوَّلَ النَّاسِ قَصَّ شَارِبَهُ، وَأَوَّلَ النَّاسِ رَأَى الشَّيْبَ فَقَالَ: يَا رَبِّ مَا هَذَا؟ فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى» ) : هَذَا الحديث: 1710 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 (وَقَارٌ) حِلْمٌ، وَرَزَانَةٌ (يَا إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ: رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا) ، فَالشَّيْبُ مَمْدُوحٌ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ فَإِنَّهُ نُورُ الْإِسْلَامِ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» "، وَلِلتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَفَعَهُ: " «مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» "، زَادَ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى: " مَا لَمْ يُغَيِّرْهَا "، وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْهُ مَرْفُوعًا: " «الشَّيْبُ نُورُ الْمُؤْمِنِ، لَا يَشِيبُ رَجُلٌ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِكُلِّ شَيْبَةٍ حَسَنَةٌ، وَرُفِعَ بِهَا دَرَجَةً» "، وَلِلدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «الشَّيْبُ نُورٌ، مَنْ خَلَعَ الشَّيْبَ، فَقَدْ خَلَعَ نُورَ الْإِسْلَامِ» "، وَلِلدَّيْلَمِيِّ عَنْهُ رَفَعَهُ: " «أَيُّمَا رَجُلٍ نَتَفَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ مُتَعَمِّدًا صَارَتْ رُمْحًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُطْعَنُ بِهِ» "، وَأَمَّا حَدِيثُ مُسْلِمٍ «عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا شَانَهُ اللَّهُ بِبَيْضَاءَ» ، فَقَالَ الْحَافِظُ: إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تِلْكَ الشَّعَرَاتِ الْبِيضِ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا شَيْءٌ مِنْ حُسْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اه. وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَعَجُّبِ ابْنِ الْأَثِيرِ مِنْ جَعْلِ أَنَسٍ الشَّيْبَ عَيْبًا، وَتَعَسُّفِهِ الْجَمْعَ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا رَأَى أَبَا قُحَافَةَ وَرَأْسُهُ كَالثَّغَامَةِ أَمَرَهُمْ بِتَغْيِيرِهِ وَكَرِهَهُ، فَلَمَّا عَلَمَ أَنَسٌ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ قَالَ: مَا شَانَهُ اللَّهُ بِبَيْضَاءَ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَحَمْلًا لَهُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ، يَعْنِي كَرَاهَةَ الشَّيْبِ، وَلَمْ يَسْمَعِ الْحَدِيثَ الْآخَرَ وَلَعَلَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ لِلْآخَرِ فَإِنَّ فِي نَفْيِهِ نَظَرًا، إِذْ أَنَسٌ قَدْ رَوَى بَعْضَ أَحَادِيثِ مَدْحِهِ كَمَا رَأَيْتَ، وَكَذَا فِي تَرَجِّيهِ ; لِأَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَعْرِفَةِ التَّارِيخِ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: زَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدٍ: وَأَوَّلَ مَنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ وَأَوَّلَ مَنِ اسْتَحَدَّ. وَزَادَ وَكِيعٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَأَوَّلَ مَنْ تَسَرْوَلَ، وَأَوَّلَ مَنْ فَرَّقَ، وَلِلدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ خَضَّبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتْمِ» "، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ: " «أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ» "، وَلِابْنِ عَسَاكِرَ عَنْ جَابِرٍ: " أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "، وَلَهُ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ: " «أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ رَتَّبَ الْعَسْكَرَ فِي الْحَرْبِ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَقَلْبًا» ". وَلِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الرَّمْيِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّهُ «أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ الْقِسِيَّ» "، وَلَهُ فِي كِتَابِ الْإِخْوَانِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ مَرْفُوعًا: " أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ "، وَلِابْنِ سَعْدٍ: " أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ ثَرَدَ الثَّرِيدَ "، وَلِلدَّيْلَمِيِّ عَنْ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ مَرْفُوعًا: " أَنَّهُ أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ الْخُبْزَ الْمُبَلْقَسَ "، وَلِأَحْمَدَ فِي الزُّهْدِ عَنْ مُطَرِّفٍ: " أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ رَاغَمَ " (مَالِكٌ: يُؤْخَذُ مِنَ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ) : يَظْهَرَ (طَرَفُ الشَّفَةِ) ظُهُورًا بَيِّنًا، (وَهُوَ الْإِطَارُ) بِزِنَةِ كِتَابٍ ; أَيِ اللَّحْمُ الْمُحِيطُ بِالشَّفَةِ (وَلَا يَجُزُّهُ) - بِضَمِّ الْجِيمِ - يَقْطَعُهُ، (فَيُمَثِّلُ بِنَفْسِهِ) ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْهُ: " يُحْفِي الشَّوَارِبَ وَيُعْفِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 اللِّحَى "، وَلَيْسَ إِحْفَاءُ الشَّارِبِ حَلْقَهُ، وَأَرَى تَأْدِيبَ مَنْ حَلَقَ شَارِبَهُ. وَقَالَ عَنْهُ أَشْهَبُ: إِنَّ حَلْقَهُ بِدْعَةٌ، وَأَرَى أَنْ يُوجَعَ ضَرْبًا مَنْ فَعَلَهُ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ كَثِيرٌ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى اسْتِحْبَابِ حَلْقِهِ كُلِّهِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: " «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ» "، وَرُدَّ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَزِيلُوا مَا طَالَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي الْآكِلَ، وَلَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَسَخُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَتَفْسِيرُ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إِحْفَاءِ الشَّارِبِ إِنَّمَا هُوَ الْإِطَارُ يَعْنِي لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: " قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا» "، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، فَعَبَّرَ بِمَنِ الصَّرِيحَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَأْصِلُهُ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَمْ نَجِدْ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ مِنْهُمْ: الرَّبِيعُ وَالْمُزَنِيُّ يُحْفِيَا شَارِبَهُمَا، وَمَا أَظُنُّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ إِلَّا عَنْهُ. وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، فَعِنْدَهُمُ الْإِحْفَاءُ فِي الرَّأْسِ وَالشَّارِبِ، أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ. وَذَكَرَ ابْنُ خُوَيْزِ مِنْدَادَ عَنِ الشَّافِعِيِّ كَالْحَنَفِيِّ سَوَاءً، وَقَالَ الْأَثْرَمُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ يُحْفِي شَارِبَهُ شَدِيدًا وَيَقُولُ: هُوَ السُّنَّةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 [النَّهْيِ عَنْ الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ] بَابُ النَّهْيِ عَنْ الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ أَوْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ وَأَنْ يَحْتَبِيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَاشِفًا عَنْ فَرْجِهِ»   4 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ 1711 - 1661 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيِّ) - بِفَتْحَتَيْنِ - الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى) تَنْزِيهًا عَلَى الْأَصَحِّ (عَنْ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ) ، وَصْفٌ طَرْدِيٌّ، وَالْمُرَادُ الْإِنْسَانُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (بِشِمَالِهِ) إِلَّا لِعُذْرٍ، (أَوْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ) صِفَةُ نَعْلٍ، لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ، فَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْمُثْلَةِ، وَمُفَارَقَةِ الْوَقَارِ، وَمُشَابَهَةِ الشَّيْطَانِ، وَمَشَقَّةِ الْمَشْيِ وَخَوْفِ الْعِثَارِ. (وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ) - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمَدِّ - فُسِّرَتْ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِأَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ، فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، أَيْ لِأَنَّ يَدَهُ تَصِيرُ دَاخِلَ ثَوْبِهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ الِاحْتِرَاسَ مِنْهُ وَالِاتِّقَاءَ بِيَدَيْهِ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، وَبِهَذَا فَسَّرَهَا الْفُقَهَاءُ وَقَالُوا: تَحْرُمُ إِنِ انْكَشَفَتْ بَعْضُ عَوْرَتِهِ وَإِلَّا كُرِهَتْ. وَفَسَّرَهَا اللُّغَوِيُّونَ بِأَنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ حَتَّى يُخَلِّلَ بِهِ جَسَدَهُ، لَا يَرْفَعُ مِنْهُ جَانِبًا، وَلِذَا سُمِّيَتْ صَمَّاءَ لِأَنَّهُ يَسُدُّ عَلَى يَدَيْهِ، وَرِجْلَيْهِ الْمَنَافِذَ كُلَّهَا كَصَخْرَةٍ الحديث: 1711 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 صَمَّاءَ لَا خَرْقَ فِيهَا، وَلَا صَدْعَ وَمَرَّ ذَلِكَ قَرِيبًا. (وَأَنْ يَحْتَبِيَ) - بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ - (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَاشِفًا عَنْ فَرْجِهِ) ، فَيَحْرُمُ فَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا فَرْجُهُ فَلَا حُرْمَةَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ»   1712 - 1662 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - قَالَ أَبُو عُمَرَ عَلَى الصَّوَابِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٌ، إِلَّا يَحْيَى، فَقَالَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - وَهُوَ وَهْمٌ وَخَطَأٌ لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأَثَرِ، وَالنَّسَبِ. (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، مَاتَ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَأَبَوْهُ شَقِيقُ سَالِمٍ (عَنْ) جَدِّهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ زِيَادَةُ: عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَلَا يُنْكَرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَرْوِي عَنْ جَدِّهِ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ مِنْ حَفَدَتِهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ وَمَنْ دُونَهُمْ فِي السِّنِّ، وَلَا أَدْفَعُ رِوَايَةَ ابْنِ بُكَيْرٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ) ، أَيْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ، (فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ) ، أَيْ بِيَدِهِ الْيُمْنَى مِنَ الْيَمَنِ وَهُوَ الْبَرَكَةُ. (وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: " وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ " ; لِأَنَّ مِنْ حَقِّ النِّعْمَةِ الْقِيَامَ بِشُكْرِهَا، وَمِنْ حَقِّ الْكَرَامَةِ أَنْ تُتَنَاوَلَ بِالْيَمِينِ، وَيُمَيَّزَ بِهَا بَيْنَ مَا كَانَ مِنَ النِّعْمَةِ، وَمَا هُوَ مِنَ الْأَذَى، وَقَدَّمَ الْأَكْلَ إِجْرَاءً لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَلَى وَفْقِ الطِّبَاعِ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْعَطَشِ، فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا لَا تَحْرِيمًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِعْلُهُمَا بِالشِّمَالِ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَأَرْشَدَ لِعِلَّةِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ) حَقِيقَةً لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُحِيلُهُ، وَالشَّرْعُ لَا يُنْكِرُهُ، وَقَدْ ثَبَتَ بِهِ الْخَبَرُ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِهِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: إِنْ فَعَلْتُمْ كُنْتُمْ أَوْلِيَاءَهُ ; لِأَنَّهُ يَحْمِلُ أَوْلِيَاءَهُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَلَا مَعْنَى لِحَمْلِ شَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْمَجَازِ إِذَا أَمْكَنَتِ الْحَقِيقَةُ فِيهِ بِوَجْهٍ مَا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَنْ نَفَى عَنِ الْجِنِّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ، فَقَدْ وَقَعَ فِي حَيَالَةِ إِلْحَادٍ وَعَدَمِ رَشَادٍ، بَلِ الشَّيْطَانُ وَجَمِيعُ الْجَانِّ يَأْكُلُونَ، وَيَشْرَبُونَ، وَيَنْكِحُونَ، وَيُولَدُ لَهُمْ، وَيَمُوتُونَ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عَقْلًا، وَوَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَتَظَافَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْمِضْمَارِ إِلَّا حِمَارٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَكْلَهُمْ شَمٌّ فَمَا شَمَّ رَائِحَةَ الْعِلْمِ، انْتَهَى. الحديث: 1712 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 وَيُقَوِّي ذَلِكَ مَا فِي مُسْلِمٍ: «أَنَّ الْجِنَّ سَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ أَوْفَرَ مَا كَانَ لَحْمًا» ; لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ لَحْمًا إِنَّمَا يَكُونُ لِلْأَكْلِ حَقِيقَةً. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: الْجِنُّ أَصْنَافٌ فَخَالِصُهُمْ لَا يَأْكُلُونَ، وَلَا يَشْرَبُونَ، وَلَا يَتَوَالَدُونَ وَصِنْفٌ تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمُ السَّعَالِي، وَالْغِيلَانُ، وَالْقُطْرُبُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ كَانَ جَامِعًا لِلْقَوْلَيْنِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا لِابْنِ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ مَرْفُوعًا: " «الْجِنُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ، وَصِنْفٌ يَحُلُّونَ وَيَظْعَنُونَ وَيَرْحَلُونَ» "، وَلِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، لَكِنْ قَالَ فِي الثَّالِثِ: وَصِنْفٌ عَلَيْهِمُ الْحِسَابُ وَالْعِقَابُ، انْتَهَى. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَلَعَلَّ الصِّنْفَ الطَّيَّارَ هُوَ الَّذِي لَا يَأْكُلُ، وَلَا يَشْرَبُ إِنْ صَحَّ الْقَوْلُ بِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ آكَامِ الْمَرْجَانِ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَائِلُونَ: الْجِنُّ لَا يَأْكُلُ، وَلَا يَشْرَبُ إِنْ أَرَادُوا جَمِيعَهُمْ فَبَاطِلٌ لِمُصَادَمَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَإِنْ أَرَادُوا صِنْفًا مِنْهُمْ فَمُحْتَمَلٌ، لَكِنَّ الْعُمُومَاتِ تَقْتَضِي أَنَّ الْكُلَّ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، انْتَهَى. وَأَخَذَ جَمَاعَةٌ مِنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ حُرْمَةَ الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ، وَوُجُوبَهُ بِالْيَمِينِ، وَلِصِحَّةِ الْوَعِيدِ فِي الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ، فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينِكَ، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، فَقَالَ: لَا اسْتَطَعْتَ مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ، فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ بَعْدُ» "، أَيْ فَمَا اسْتَطَاعَ رَفْعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى فَمِهِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ تَأْكُلُ بِشِمَالِهَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَخَذَهَا دَاءُ غَزَّةَ، فَقِيلَ: إِنَّ بِهَا قُرْحَةً، فَقَالَ: وَإِنْ، فَمَرَّتْ بِغَزَّةَ فَأَصَابَهَا الطَّاعُونُ فَمَاتَتْ» "، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الدُّعَاءَ لَيْسَ لِتَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ بَلْ لِقَصْدِ الْمُخَالَفَةِ كِبْرًا بِلَا عُذْرٍ، فَدَعَا عَلَى الرَّجُلِ فَشُلَّتْ يَمِينُهُ، وَالْمَرْأَةِ فَمَاتَتْ، وَبِهَذَا الْإِيرَادِ أَنَّ دُعَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَقْصُودُ بِهِ الزَّجْرُ لَا الدُّعَاءُ الْحَقِيقِيُّ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 [مَا جَاءَ فِي الْمَسَاكِينِ] بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَسَاكِينِ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ فَتَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ قَالُوا فَمَا الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يَفْطُنُ النَّاسُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلَ النَّاسَ»   5 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَسَاكِينِ جَمْعُ مِسْكِينٍ مِنَ السُّكُونِ، وَكَأَنَّهُ مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ سَكَنَتْ حَرَكَاتُهُ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] (سورة الْبَلَدِ: الْآيَةُ 16) ، أَيْ أُلْصِقَ بِالتُّرَابِ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ. 1713 - 1663 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، (عَنِ الْأَعْرَج) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الحديث: 1713 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ) - بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَقَدْ تُفْتَحُ - أَيِ الْكَامِلُ فِي الْمَسْكَنَةِ (بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ) يَسْأَلُهُمُ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ، (فَتَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ، وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ) - بِفَوْقِيَّةٍ فِيهِمَا - أَيْ عِنْدَ طَوَافِهِ ; لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ قُوَّتِهِ، وَرُبَّمَا يَقَعُ لَهُ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْمَسْكَنَةِ عَنِ الطَّوَّافِ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ غَيْرَهُ أَشَدُّ حَالًا مِنْهُ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الطَّوَّافَ الْمُحْتَاجُ الْمِسْكِينُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ} [البقرة: 177] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 177) الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «أَتُدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ» ؟ (قَالُوا فَمَا) كَذَا لِيَحْيَى وَحْدَهُ، وَلِغَيْرِهِ فَمَنْ، كَذَا، قِيلَ: وَقَدْ رَوَاهُ قُتَيْبَةُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ مَا، وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْحِزَامِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ سُؤَالٌ عَنِ الصِّفَةِ، وَهِيَ الْمَسْكَنَةُ، وَمَا يَقَعُ عَنْ صِفَاتِ الْعُقَلَاءِ يُقَالُ فِيهِ مَا نَحْوَ: {مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 3) ، فَالرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ، (الْمِسْكِينُ) : الْكَامِلُ فِي الْمَسْكَنَةِ، (يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ) ، وَسَقَطَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ عَقِبَ اللُّقْمَتَانِ: وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ: (الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى) - بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ - أَيْ يَسَارًا، (يُغْنِيهِ) صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْيَسَارِ الْمَنْفِيِّ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِهِ لِلْمَرْءِ أَنْ يَغْتَنِيَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفِيَ أَصْلِ الْيَسَارِ، وَلِأَنْ يَكُونَ نَفْيَ الْيَسَارِ الْمُقَيَّدِ بِأَنَّهُ يُغْنِيهِ مَعَ وُجُودِ أَصْلِهِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ. (وَلَا يُفْطَنُ) - بِضَمِّ الطَّاءِ، وَفَتْحِهَا - أَيْ لَا يَتَنَبَّهُ (النَّاسُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ) - بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ - (وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ) ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الْبُخَارِيِّ: " وَيَسْتَحِي أَنْ يَسْأَلَ، وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا "، قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: الْمُضَارِعُ الْوَاقِعُ بَعْدَ الْفَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمَنْفِيِّ الْمَرْفُوعِ، فَيَنْسَحِبُ النَّفْيُ عَلَيْهِ، أَيْ لَا يُفْطَنُ فَلَا يُتَصَدَّقُ، وَلَا يَقُومُ فَلَا يَسْأَلُ، وَبِالنَّصْبِ فِيهِمَا بِأَنْ مُضْمِرَةٍ وُجُوبًا، لِوُقُوعِهِ فِي جَوَابِ النَّفْيِ بَعْدَ الْفَاءِ، انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ الْحَافِظُ عَلَى النَّصْبِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 273) ، أَنَّ مَعْنَاهُ نَفْيُ السُّؤَالِ أَصْلًا، أَوْ نَفْيُ السُّؤَالِ بِالْإِلْحَافِ خَاصَّةً، فَلَا يُنَفَى السُّؤَالُ بِغَيْرِهِ، وَالثَّانِي أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا. وَقَدْ يُقَالُ: لَفْظَةُ يَقُومُ تَدُلُّ عَلَى التَّأْكِيدِ فِي السُّؤَالِ، فَلَيْسَ فِيهِ نَفْيِ أَصْلِهِ، وَالتَّأْكِيدُ فِي السُّؤَالِ هُوَ الْإِلْحَافُ، وَهُوَ الْإِلْحَاحُ، مُشْتَقٌّ مِنَ اللِّحَافِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى وُجُوهِ الطَّلَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ كَاشْتِمَالِ اللِّحَافِ فِي التَّغْطِيَةِ. وَزَادَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 فِي الصَّحِيحَيْنِ: إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] ، وَانْتِصَابُهُ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ لَا يَسْأَلُونَ فِي حَالِ الْإِلْحَافِ، أَوْ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، أَيْ لَا يَسْأَلُونَ لِأَجْلِ الْإِلْحَافِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ الْمُغِيرَةُ الْحِزَامِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَهُ طُرُقٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ بُجَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْحَارِثِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رُدُّوا الْمِسْكِينَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ»   1714 - 1664 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ بُجَيْدٍ) - بِمُوَحَّدَةٍ وَجِيمٍ مُصَغَّرٌ - (الْأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ الْحَارِثِيُّ) - بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَمُثَلَّثَةٍ - نِسْبَةً إِلَى بَنِي حَارِثَةَ بَطْنٍ مِنَ الْخَزْرَجِ، قَالَ الْحَافِظُ فِي تَعْجِيلِ الْمَنْفَعَةِ: اتَّفَقَ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ عَلَى إِبْهَامِهِ إِلَّا يَحْيَى بْنَ بُكَيْرٍ، فَقَالَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْدٍ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْبَرْقِيِّ، فِيمَا حَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيُّ فِي مُسْنَدِ الْمُوَطَّأِ، وَوَقَعَ فِي أَطْرَافِ الْمِزِّيِّ أَنَّ النَّسَائِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ، وَلَمْ يُتَرْجِمْ فِي التَّهْذِيبِ لِمُحَمَّدٍ، بَلْ جَزَمَ فِي مُبْهَمَاتِهِ بِأَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَيِّدٍ ; لِأَنَّ النَّسَائِيَّ إِنَّمَا رَوَاهُ غَيْرَ مُسَمًّى كَأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَمُسْتَنَدُ مَنْ سَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ مَا فِي السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ، عَنِ اللَّيْثِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ شَيْخِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْخَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِيهِ آخِرُ اسْمِهِ مُحَمَّدٌ، (عَنْ جَدَّتِهِ) أُمِّ بُجَيْدٍ مَشْهُورَةٌ بِكُنْيَتِهَا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: يُقَالُ اسْمُهَا حَوَّاءُ، وَتَرْجَمَ لَهَا أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ حَوَّاءُ جَدَّةُ عَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ، وَيَأْتِي فِي جَامِعِ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ فِي التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ، حَدِيثِ عَمْرٍو عَنْهَا، وَكَانَتْ مِنَ الْمُبَايِعَاتِ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: رُدُّوا) ، أَيْ أَعْطُوا (الْمِسْكِينَ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: السَّائِلَ (وَلَوْ بِظِلْفٍ) - بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَبِالْفَاءِ - وَهُوَ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَالْحَافِرِ لِلْفَرَسِ، " وَلَوْ " لِلتَّقْلِيلِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا يُعْطَى، وَالْمَعْنَى: تَصَدَّقُوا بِمَا تَيَسَّرَ كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَلَوْ بَلَغَ فِي الْقِلَّةِ الظِّلْفَ مَثَلًا، فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنَ الْعَدَمِ. وَقَالَ: (مُحْرَقٍ) لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَقَدْ يُلْقِيهِ آخِذُهُ، وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: الْوَاوُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الشَّرْطِ لِلْعَطْفِ، لَكِنَّهَا لِعَطْفِ حَالٍ عَلَى حَالٍ مَحْذُوفَةٍ، وَقَدْ تَضَمَّنَهَا السِّيَاقُ تَقْدِيرُهُ: رُدُّوهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَالٍ، وَلَوْ بِظِلْفٍ وَقَيَّدَ بِالْإِحْرَاقِ، أَيِ الشَّيْءِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُمْ فِيهِ ; لِأَنَّ النَّيِّئَ قَدْ لَا يُؤْخَذُ، وَقَدْ يَرْمِيهِ آخِذُهُ فَلَا يَنْتَفِعُ بِخِلَافِ الْمَشْوِيِّ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا تَتْمِيمٌ لِإِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي ظِلْفٍ كَقَوْلِهَا: كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ. يَعْنِي: لَا تَرُدُّوهُ رَدَّ حِرْمَانٍ بِلَا شَيْءٍ، وَلَوْ أَنَّهُ ظِلْفٌ، فَهُوَ مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْمُبَالِغَةِ، وَلِلذَّهَابِ إِلَى أَنَّ الظِّلْفَ إِذْ ذَاكَ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ عِنْدَهُمْ بَعِيدٌ عَنْ الِاتِّجَاهِ الحديث: 1714 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَعَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَعْنٍ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 [مَا جَاءَ فِي مِعَى الْكَافِرِ] بَابُ مَا جَاءَ فِي مِعَى الْكَافِرِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»   6 - بَابُ مَا جَاءَ فِي مِعَى الْكَافِرِ 1715 - 1665 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) - بِكَسْرِ الزَّايِ، وَخِفَّةِ النُّونِ - (عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ) - بِكَسْرِ الْمِيمِ، مَقْصُورٌ - كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ، إِمَّا لِأَنَّهُ الرِّوَايَةُ، أَوْ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ، وَإِلَّا فَفِيهِ الْفَتْحُ وَالْمَدُّ، وَجَمْعُ الْمَقْصُورِ: أَمْعَاءٌ، كَعِنَبٍ وَأَعْنَابٍ، وَالْمَمْدُودُ أَمْعِيَةٌ، كَحِمَارٍ، وَأَحْمِرَةٍ وَهِيَ الْمَصَارِينُ، وَعُدِّيَ بِفِي عَلَى مَعْنَى دَفْعِ الْأَكْلِ فِيهَا، وَجَعَلَهَا مَكَانًا لِلْمَأْكُولِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ: 10) أَيْ مِلْءَ بُطُونِهِمْ. ( «وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» ) هِيَ عِدَّةُ أَمْعَاءِ الْإِنْسَانِ، وَلَا ثَامِنَ لَهَا كَمَا بُيِّنَ فِي التَّشْرِيحِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا سَبِيلَ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ ; لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تَدْفَعُهُ، فَكَمْ مِنْ كَافِرٍ يَكُونُ أَقَلَّ أَكْلًا وَشُرْبًا مِنْ مُسْلِمٍ وَعَكْسُهُ، وَكَمْ مِنْ كَافِرٍ أَسْلَمَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ، انْتَهَى. وَجُمْلَةُ مَا قِيلَ فِيهِ عَشْرَةُ أَوْجُهٍ: فَقِيلَ: لَيْسَتْ حَقِيقَةُ الْعَدَدِ مُرَادَةً، بَلِ الْمُرَادُ قِلَّةُ أَكْلِ الْمُؤْمِنِ، وَكَثْرَةُ أَكْلِ الْكَافِرِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ} [محمد: 12] (سورة مُحَمَّدٍ: الْآيَةُ 12) ، وَتَخْصِيصُ السَّبْعَةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّكْثِيرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان: 27] (سورة لُقْمَانَ: الْآيَةُ 27) ، وَالْمَعْنَى أَنَّ شَأْنَ الْمُؤْمِنِ التَّقَلُّلُ فِي الْأَكْلِ لِاشْتِغَالِهِ بِأَسْبَابِ الْعِبَادَةِ وَعِلْمِهِ أَنَّ قَصْدَ الشَّرْعِ مِنَ الْأَكْلِ سَدُّ الْجُوعِ وَالْعَوْنُ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَلِخَشْيَتِهِ مِنْ حِسَابِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَالْكَافِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا أَرْجَحُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّ الْكَافِرَ لِكَوْنِهِ يَأْكُلُ بِشَرَهِهِ لَا يُشْبِعُهُ إِلَّا مِلْءُ أَمْعَائِهِ السَّبْعَةِ، وَالْمُؤْمِنُ يُشْبِعُهُ مِلْءُ مِعًى وَاحِدٍ لِقِلَّةِ حِرْصِهِ وَشَرَهِهِ عَلَى الطَّعَامِ. وَأَشَارَ النَّوَوِيُّ إِلَى اخْتِيَارِهِ، وَلَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهُ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، فَإِذَا وُجِدَ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْوَصْفِ لَا يَقْدَحُ فِي الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُسَمِّي اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، فَلَا يُشْرِكُهُ الشَّيْطَانُ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ لَا يُسَمِّي، فَيَأْكُلُ مَعَهُ الشَّيْطَانُ وَالثَّلَاثَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُسْلِمِ الْإِسْلَامَ التَّامَّ ; لِأَنَّهُ مَنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ كَمُلَ إِيمَانُهُ اشْتَغَلَ الحديث: 1715 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 فِكْرُهُ بِالْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ، فَيَمْنَعُهُ شِدَّةُ الْخَوْفِ وَكَثْرَةُ الْفِكْرَةِ، وَالْخَوْفُ عَلَى نَفْسِهِ مِنِ اسْتِيفَاءِ شَهْوَتِهِ، وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ حَدِيثُ الصَّحِيحِ: " «إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ، وَلَا يَشْبَعُ» "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَقْتَصِدُ فِي مَطْعَمِهِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَشَأْنُهُ الشَّرَهُ، فَيَأْكُلُ كَالْبَهِيمَةِ لَا بِمَصْلَحَةِ قِيَامِ الْبِنْيَةِ. وَقَدْ رَدَّ هَذَا الْخَطَّابِيُّ، وَقَالَ: قَدْ ذُكِرَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ الْأَكْلُ الْكَثِيرُ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْصًا فِي إِيمَانِهِمْ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْمُسْلِمُ يَأْكُلُ الْحَلَالَ وَالْكَافِرُ الْحَرَامَ، وَالْحَلَالُ أَقَلُّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ حَضُّ الْمُسْلِمِ عَلَى قِلَّةِ الْأَكْلِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ كَثْرَتَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَافِرِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: شَهَوَاتُ الطَّعَامِ سَبْعٌ: الطَّبْعُ، وَالنَّفْسُ، وَالْعَيْنُ، وَالْفَمُ، وَالْأَنْفُ، وَالْأُذُنُ، وَالْجُوعُ، وَهِيَ الضَّرُورِيَّةُ الَّتِي يَأْكُلُ بِهَا الْمُسْلِمُ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَأْكُلُ بِالْجَمِيعِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالسَّبْعَةِ فِي الْكَافِرِ صِفَاتٍ هِيَ الْحِرْصُ، وَالشَّرَهُ، وَطُولُ الْأَمَلِ، وَالطَّمَعُ، وَالْحَسَدُ، وَحُبُّ السِّمَنِ، وَسُوءُ الطَّبْعِ، وَبِالْوَاحِدِ فِي الْمُسْلِمِ سَدُّ خَلَّتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: السَّبْعَةُ كِنَايَةٌ عَنِ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، وَالشَّهْوَةِ، وَالْحَاجَةِ. وَالْقَوْلُ الْعَاشِرُ: أَنَّ اللَّامَ فِي الْكَافِرِ عَهْدِيَّةٌ، فَهُوَ خَاصٌّ بِمَعْنَى كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ التَّالِي، وَيَأْتِي تَفْسِيرُ الرَّجُلِ فِيهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا، فَأَسْلَمَ، فَكَانَ يَأْكُلُ قَلِيلًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» "، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: لِأَنَّ الْمُعَايَنَةَ وَهِيَ أَصَحُّ عُلُومِ الْحَوَاسِّ تَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي كُلِّ كَافِرٍ وَمُؤْمِنٍ، وَمَعْرُوفٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ الْعُمُومِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173] (سورة آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 173) ، فَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ رَجُلٌ وَاحِدٌ. أَخْبَرَ الصَّحَابَةُ أَنَّ قُرَيْشًا جَمَعَتْ لَهُمْ، وَجَاءَ اللَّفْظُ عَلَى الْعُمُومِ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ لَا يَجْهَلُهُ إِلَّا مَنْ لَا عِنَايَةَ لَهُ بِالْعِلْمِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَافَهُ ضَيْفٌ كَافِرٌ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»   1716 - 1666 - (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلٍ) - بِضَمِّ السِّينِ مُصَغَّرٌ - (ابْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ) ذَكْوَانَ السَّمَّانَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَافَهُ ضَيْفٌ كَافِرٌ) ، هُوَ جَهْجَاهُ بْنُ سَعِيدٍ الْغِفَارِيُّ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَزَّارُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَنَضْلَةُ بِنْتُ عُمَرَ، وَكَمَا عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ، وَقَاسِمِ ابْنِ ثَابِتٍ فِي الدَّلَائِلِ، وَأَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ، ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَعَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ، أَوْ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ الْحَنَفِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَالْبَاجِيُّ، وَابْنُ بَطَّالٍ الحديث: 1716 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 ( «فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ، فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ» ) ، أَيْ حِلَابَهَا كُلَّهُ، (ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ) - بِكَسْرِ الْحَاءِ - (سَبْعِ شِيَاهٍ) ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ «عَنْ جَهْجَاهٍ: " أَنَّهُ قَدِمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ يُرِيدُونَ الْإِسْلَامَ، فَحَضَرُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَغْرِبَ، قَالَ: يَأْخُذُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِيَدِ جَلِيسِهِ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِي، وَكُنْتُ رَجُلًا عَظِيمًا طِوَالًا لَا يُقَدَّمُ عَلَيَّ أَحَدٌ، فَذَهَبَ بِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَنْزِلِهِ فَحَلَبَ لِي عَنْزًا، فَأَتَيْتُ عَلَيْهَا حَتَّى حَلَبَ لِي سَبْعَةَ أَعْنُزٍ، فَأَتَيْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَتَيْتُ بِصَنِيعِ بُرْمَةٍ فَأَتَيْتُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: أَجَاعَ اللَّهُ مَنْ أَجَاعَ رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، قَالَ: مَهْ يَا أُمَّ أَيْمَنَ أَكَلَ رِزْقَهُ، وَرِزْقُنَا عَلَى اللَّهِ (ثُمَّ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ، فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا) » ، وَفِي حَدِيثِ جَهْجَاهٍ: " «فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَنْزِلِهِ، فَحُلِبَتْ لِي عَنْزٌ فَتَرَوَّيْتُ وَشَبِعْتُ، فَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ هَذَا ضَيْفَنَا؟ فَقَالَ: بَلَى "، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ) » مِنْ أَمْعَائِهِ السَّبْعَةِ، (وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ) الَّتِي هِيَ جَمِيعُ أَمْعَائِهِ. قَالَ عِيَاضٌ: عِنْدَ أَهْلِ التَّشْرِيحِ: إِنَّ أَمْعَاءَ الْإِنْسَانِ سَبْعَةٌ: الْمَعِدَةُ، ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَمْعَاءٍ بَعْدَهَا مُتَّصِلَةٌ بِهَا الْبَوَّابُ، ثُمَّ الصَّائِمُ، ثُمَّ الرَّقِيقُ وَالثَّلَاثَةُ رِقَاقٌ، ثُمَّ الْأَعْوَرُ وَالْقَوْلُونُ وَالْمُسْتَقِيمُ وَطَرَفَةُ الدُّبُرِ، وَكُلُّهَا غِلَاظٌ، وَقَدْ نَظَمَهَا الْحَافِظُ زَيْنُ الدَّيْنِ الْعِرَاقِيُّ فِي قَوْلِهِ: سَبْعَةُ أَمْعَاءٍ لِكُلِّ آدَمِي ... مَعِدَةٌ بَوَّابُهَا مَعْ صَائِمِ ثُمَّ الرَّقِيقُ أَعْوَرُ قُولُونُ مَعْ ... الْمُسْتَقِيمِ مَسْلَكُ الْمَطَاعِمِ وَفِي الشُّرْبِ مَا سَبَقَ فِي الْأَكْلِ مِنَ الْأَقْوَالِ الْعَشْرَةِ، وَفِيهِ كَسَابِقِهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَقْلِيلِ الْأَكْلِ. وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا: " «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» "، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي " شَرْحِ الْأَسْمَاءِ ": لَوْ سَمِعَ بِقْرَاطُ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَعَجِبَ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: ذُكِرَ هَذَا الْحَدِيثُ لِبَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ، فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ كَلَامًا فِي قِلَّةِ الْأَكْلِ أَحْكَمَ مِنْهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: خَصَّ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَطْنِ سِوَاهَا. وَهَلِ الْمُرَادُ الثُّلُثُ الْمُسَاوِي حَقِيقَةً، وَالطَّرِيقُ إِلَيْهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 أَوِ التَّقْسِيمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُتَقَارِبَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ ظَنُّهُ بِالثُّلُثِ الْحَقِيقِيِّ؟ مَحَلُّ احْتِمَالٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّحَ بِذِكْرِ الثُّلُثِ إِلَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَرْجَحُ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلُ، إِذْ هُوَ الْمُتَبَادَرُ، وَالثَّانِي يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ. وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 [باب الطعام والشراب] [النَّهْيِ عَنْ الشَّرَابِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالنَّفْخِ فِي الشَّرَابِ] بَابُ النَّهْيِ عَنْ الشَّرَابِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالنَّفْخِ فِي الشَّرَابِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ»   7 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الشَّرَابِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَالنَّفْخِ فِي الشَّرَابِ 1717 - 1667 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، (عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ، وُلِدَ فِي خِلَافَةِ جَدِّهِ، (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) الثِّقَةِ، مَاتَ بَعْدَ السَّبْعِينَ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) هِنْدِ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ، (زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ) ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ، مَرْفُوعًا: " مَنْ شَرِبَ مِنْ إِنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ "، وَلَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ: " أَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ "، لَكِنْ تَفَرَّدَ ابْنُ مُسْهِرٍ بِقَوْلِهِ: يَأْكُلُ، (إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ) - بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ، وَفَتْحِ الْجِيمِ الْأُولَى، وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ، وَآخِرُهُ رَاءٌ أَيْضًا، صَوْتُ تَرَدُّدِ الْبَعِيرِ فِي حَنْجَرَتِهِ إِذَا هَاجَ، وَصَبِّ الْمَاءِ فِي الْحَلْقِ، أَيْ يَجْرَعُهُ جَرْعًا مُتَدَارَكًا، قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى كَسْرِ الْجِيمِ الثَّانِيَةِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُوَفَّقَ ابْنَ جَمْرَةَ، حَكَى فَتْحَهَا، وَكَذَا ابْنُ الْفِرْكَاحِ، وَابْنُ مَالِكٍ فِي الشَّوَاهِدِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْحُفَّاظِ رَوَاهُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَيَبْعُدُ اتِّفَاقُ الْحُفَّاظِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى تَرْكِ رِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ، وَأَيْضًا فَإِسْنَادُهُ إِلَى الْفَاعِلِ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِلَى الْمَفْعُولِ فَرْعٌ، فَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ بِلَا فَائِدَةٍ. (نَارَ جَهَنَّمَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ يُجَرْجِرُ عَلَى أَنَّ الْجَرْجَرَةَ بِمَعْنَى: الصَّبِّ، أَوِ التَّجَرُّعِ، فَالْفَاعِلُ ضَمِيرُ الشَّارِبِ، وَسَمَّاهُ وَبِالرَّفْعِ مُجَرْجَرًا لِلنَّارِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ، عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ عَلَى أَنَّ النَّارَ هِيَ الَّتِي تُصَوِّتُ فِي الْبَطْنِ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَمَّا الحديث: 1717 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 الرَّفْعُ فَمَجَازٌ ; لِأَنَّ جَهَنَّمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا تُجَرْجَرُ فِي جَوْفِهِ وَالْجَرْجَرَةُ: صَوْتُ الْبَعِيرِ عِنْدَ الْحَنْجَرَةِ، لَكِنَّهُ جَعَلَ صَوْتَ تَجَرُّعِ الْإِنْسَانِ لِلْمَاءِ فِي هَذِهِ الْأَوَانِي الْمَخْصُوصَةِ لِوُقُوعِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ عَلَى اسْتِعْمَالِهَا، بِجَرْجَرَةِ نَارِ جَهَنَّمَ فِي بَطْنِهِ مِنْ طَرِيقِ الْمَجَازِ، وَقَدْ يُجْعَلُ يُجَرْجِرُ بِمَعْنَى: يَصُبُّ، وَيَكُونُ نَارَ جَهَنَّمَ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّ مَا كَافَّةٌ، أَوْ مَرْفُوعًا عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ إِنَّ، وَاسْمُهَا مَا الْمَوْصُولَةَ، وَلَا تُجْعَلُ حِينَئِذٍ كَافَّةً، وَفِيهِ حُرْمَةُ اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالطَّهَارَةِ، وَالْأَكْلِ بِمِلْعَقَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالتَّجَمُّرِ بِجَمْرَةٍ مِنْهُمَا، وَالْبَوْلِ فِي إِنَاءٍ، وَحُرْمَةُ الزِّينَةِ بِهِ وَاتِّخَاذِهِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّحَلِّي لِمَا يُقْصَدُ فِي الْمَرْأَةِ مِنَ الزِّينَةِ لِلزَّوْجِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ، وَأَيُّوبُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجُ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِهِ فِي مُسْلِمٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ حَبِيبٍ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ «كُنْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَسَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ فَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبِنْ الْقَدَحَ عَنْ فَاكَ ثُمَّ تَنَفَّسْ قَالَ فَإِنِّي أَرَى الْقَذَاةَ فِيهِ قَالَ فَأَهْرِقْهَا»   1718 - 1668 - (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ حَبِيبٍ) الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ (مَوْلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) ، ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ أَيْضًا فُلَيْحٌ، وَعَبَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، لَهُ مَرْفُوعًا فِي الْمُوَطَّأِ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ، (عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْجُهَنِيِّ) الْمَدَنِيِّ، تَابِعِيٌّ مَقْبُولٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، (قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ) الْأُمَوِيِّ، (فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ) سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (الْخُدْرِيُّ، فَقَالَ مَرْوَانُ) بْنُ الْحَكَمِ: (أَسَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ؟) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: لِئَلَّا يَقَعَ مِنْ رِيقِهِ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُقْذِرُهُ، وَقَدْ بُعِثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ الْمَاءُ مِنَ النَّفْخِ، لِكَوْنِهِ مُتَغَيِّرَ الْفَمِ بِمَأْكُولٍ، أَوْ كَثْرَةِ كَلَامٍ، أَوْ بَعُدَ عَهْدُهُ بِالسِّوَاكِ وَالْمَضْمَضَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ يَصْعَدُ بِبُخَارِ الْمَعِدَةِ فَتَعَافُهُ النُّفُوسُ. (فَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ: نَعَمْ) ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ، فَفِيهِ أَنَّ نَعَمْ تَقُومُ مَقَامَ الْإِخْبَارِ، وَزَادَهُ فِي الْجَوَابِ لِأَنَّهُ مِنْ مَعْنَى السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ: (فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَرْوَى مِنْ نَفَسٍ) - بِفَتْحَتَيْنِ - (وَاحِدٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَأَبِنْ) أَمْرٌ مِنَ الْإِبَانَةِ، أَيْ أَبْعِدِ (الْقَدَحَ) : الْإِنَاءَ الَّذِي تَشْرَبُ الحديث: 1718 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 مِنْهُ (عَنْ فِيكَ) عِنْدَ الشُّرْبِ نَدْبًا، وَلَا تَشْرَبْ كَالْبَعِيرِ، فَإِنَّهُ يَتَنَفَّسُ عِنْدَ الشُّرْبِ فِيهِ. (ثُمَّ تَنَفَّسْ) فَإِنَّهُ أَحْفَظُ لِلْحُرْمَةِ وَأَنْفَى لِلنَّهْمَةِ، وَأَبْعَدُ عَنْ تَغَيُّرِ الْمَاءِ، وَأَصْوَنُ عَنْ سُقُوطِ الرِّيقِ فِيهِ، وَأَبْعَدُ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْبَهَائِمِ فِي كَرْعِهَا، فَالتَّشَبُّهُ بِهَا مَكْرُوهٌ شَرْعًا وَطَبْعًا. بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِإِبَانَةِ الْقَدَحِ إِنَّمَا يُخَاطَبُ بِهِ مَنْ لَمْ يَرْوَ مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ عَبٍّ، وَإِلَّا فَلَا إِبَانَةَ، قَالَهُ فِي الْمُفْهِمِ. وَفِي التَّمْهِيدِ عَنْ مَالِكٍ: فِيهِ إِبَاحَةُ الشُّرْبِ مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ الرَّجُلَ عَنْهُ، بَلْ قَالَ لَهُ مَا مَعْنَاهُ: إِنْ كُنْتَ لَا تَرْوَى مِنْ وَاحِدٍ، فَأَبِنِ الْقَدَحَ، انْتَهَى. وَقِيلَ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ شُرْبُ الشَّيْطَانِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْبَهَائِمِ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: " «لَا تَشْرَبُوا وَاحِدَةً كَشُرْبِ الْبَعِيرِ، وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثَلَاثَ، وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ، وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ» "، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ فِي نَفَسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى كَوْنُهُ ثَلَاثًا. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا» "، وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا شَرِبَ تَنَفَّسَ مَرَّتَيْنِ» "، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ، فَفَعَلَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِجَوَازِ النَّقْصِ عَنْ ثَلَاثٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَرَّتَيِ التَّنَفُّسِ الْوَاقِعَتَيْنِ أَثْنَاءَ الشُّرْبِ، وَأَسْقَطَ الثَّالِثَةَ، لِأَنَّهَا بَعْدَ الشُّرْبِ فَهِيَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوَاقِعِ، وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: " «كَانَ شُرْبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفَسِ وَاحِدٍ» "، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ، وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَشْرَبْ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ» "، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، فَمَحْمُولَانِ عَلَى تَرْكِ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ. (قَالَ) الرَّجُلُ: (فَإِنِّي أَرَى الْقَذَاةَ) : عُودٌ أَوْ شَيْءٌ يَتَأَذَّى بِهِ الشَّارِبُ يَقَعُ (فِيهِ) ، أَيِ الْقَدَحِ. (قَالَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَأَهْرِقْهَا) : صُبَّهَا مِنْهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 [مَا جَاءَ فِي شُرْبِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَائِمٌ] بَابُ مَا جَاءَ فِي شُرْبِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَائِمٌ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانُوا يَشْرَبُونَ قِيَامًا   - بَابُ مَا جَاءَ فِي شُرْبِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَائِمٌ 1720 - 1669 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وَبَلَاغُهُ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَسَبَقَ مِرَارًا: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانُوا يَشْرَبُونَ) حَالَ كَوْنِهِمْ (قِيَامًا) ، وَقَالَ الحديث: 1720 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ يَشْرَبُ قَائِمًا، فَفِيهِ جَوَازُ ذَلِكَ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَقَدْ صَحَّ: " «عَلَيْكُمْ بِسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَاقْتَدُوا بِالَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَا لَا يَرَيَانِ بِشُرْبِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ قَائِمٌ بَأْسًا   1720 - 1670 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عَائِشَةَ - أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَا لَا يَرَيَانِ بِشُرْبِ الْإِنْسَانِ) الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، (وَهُوَ قَائِمٌ بَأْسًا) شِدَّةً، أَيْ كَرَاهَةً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَشْرَبُ قَائِمًا   1721 - 1671 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَشْرَبُ قَائِمًا) ، وَلِجَوَازِهِ. الحديث: 1721 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ قَائِمًا   1722 - 1672 - (مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ قَائِمًا) ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ» "، وَفِي الْبُخَارِيِّ «عَنْ عَلِيٍّ: " أَنَّهُ شَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ» "، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: " «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا» ". وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدُكُمْ قَائِمًا، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ» "، قَالَ فِي الْمُفْهِمِ: لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلتَّحْرِيمِ، وَلَا الْتِفَاتَ لِابْنِ حَزْمٍ، وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِهَا، فَمِنَ السَّلَفِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، ثُمَّ مَالِكٌ تَمَسُّكًا بِشُرْبِهِ مِنْ زَمْزَمَ قَائِمًا، وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْهُ مُتَأَخِّرًا عَنِ النَّهْيِ، فَإِنَّهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَهُوَ نَاسِخٌ، وَحَقَّقَ ذَلِكَ فِعْلُ خُلَفَائِهِ بِخِلَافَ النَّهْيَ، وَيَبْعُدُ خَفَاؤُهُ عَلَيْهِمْ مَعَ شِدَّةِ مُلَازَمَتِهِمْ لَهُ، وَتَشْدِيدِهِمْ فِي الدِّينِ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ دَلِيلًا لِلنَّسْخِ يَصْلُحُ لِتَرْجِيحِ أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ: النَّهْيُ إِمَّا تَنْزِيهٌ، أَوْ تَحْرِيمٌ، ثُمَّ نُسِخَ بِحَدِيثِ شُرْبِهِ مِنْ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَقَدْ أَعَلَّ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الحديث: 1722 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 حَدِيثَ: " «لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدُكُمْ قَائِمًا» "، بِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ عُمَرَ بْنَ حَمْزَةَ الْعُمَرِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَغَايَةُ مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ، وَمِثْلُهُ يُخَرِّجُ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ، وَقَدْ تَابَعَهُ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ حِبَّانَ، فَالْحَدِيثُ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ صَحِيحٌ، انْتَهَى. لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنْ مُسْلِمًا أَخْرَجَ لَهُ هُنَا أَصْلًا لَا مُتَابَعَةً. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْجَوَازِ، وَكَرِهَهُ قَوْمٌ فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: لَعَلَّ النَّهْيَ يَنْصَرِفُ لِمَنْ أَتَى أَصْحَابَهُ بِمَاءٍ، فَبَادَرَ لِشُرْبِهِ قَائِمًا قَبْلَهُمُ اسْتِبْدَادًا وَخُرُوجًا عَنْ كَوْنِ سَاقِي الْقَوْمِ آخِرَهُمْ شُرْبًا، وَأَيْضًا فَأُمِرَ بِالِاسْتِقَاءِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَسْتَقِيءَ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا مَرْفُوعٌ، وَالْأَظْهَرُ لِي أَنَّ شُرْبَهُ قَائِمًا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَالنَّهْيُ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْحَثِّ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى وَأَكْمَلُ ; لِأَنَّ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا ضَرَرًا مَا فَكُرِهَ مِنْ أَجْلِهِ، وَفَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمْنِهِ مِنْهُ، وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ قَوْلُهُ: " فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ "، عَلَى أَنَّهُ يُحَرِّكُ خَلْطًا يَكُونُ الْقَيْءُ دَوَاءَهُ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّخَعِيِّ: إِنَّمَا ذَلِكَ لِدَاءِ الْبَطْنِ، انْتَهَى. وَعَلَيْهِ فَالنَّهْيُ طِبِّيٌّ إِرْشَادِيٌّ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لِلْمَرْءِ ثَمَانِيَةُ أَحْوَالٍ: قَائِمٌ مَاشٍ مُسْتَنِدٌ رَاكِعٌ سَاجِدٌ مُتَّكِئٌ قَاعِدٌ مُضْطَجِعٌ، كُلُّهَا يُمْكِنُ الشُّرْبُ فِيهَا، وَأَهْنَؤُهَا وَأَكْثَرُهَا اسْتِعْمَالًا الْقُعُودُ، وَأَمَّا الْقِيَامُ فَنُهِيَ عَنْهُ لِأَذِيَّتِهِ لِلْبَدَنِ. وَلِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ: إِذَا رُمْتَ تَشْرَبُ فَاقْعُدْ تَفُزْ ... بِسُنَّةِ صَفْوَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَقَدْ صَحَّحُوا شُرْبَهُ قَائِمًا ... وَلَكِنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 [السُّنَّةِ فِي الشُّرْبِ وَمُنَاوَلَتِهِ عَنْ الْيَمِينِ] بَابُ السُّنَّةِ فِي الشُّرْبِ وَمُنَاوَلَتِهِ عَنْ الْيَمِينِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ مِنْ الْبِئْرِ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ وَقَالَ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ»   9 - بَابُ السُّنَّةِ فِي الشُّرْبِ، وَمُنَاوَلَتِهِ عَنِ الْيَمِينِ 1723 - 1673 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ) - بِضَمِّ أَوَّلِهِ - وَهُوَ فِي دَارِ أَنَسٍ (بِلَبَنٍ) حُلِبَ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ (قَدْ شِيبَ) - بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ - أَيْ خُلِطَ (بِمَاءٍ مِنَ الْبِئْرِ) الَّتِي فِي دَارِ أَنَسٍ كَمَا بُيِّنَ هَذَا كُلُّهُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ. (وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ) - لَمْ يُسَمَّ - وَزَعْمُ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، غَلَطٌ وَاضِحٌ لِأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ الحديث: 1723 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 هُنَا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَالِدٌ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ فِي الْحَدِيثِ بَعْدُ، فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ حَدِيثُ سُهَيْلٍ فِي الْأَشْيَاخِ الَّذِينَ مِنْهُمْ خَالِدٌ مَعَ الْغُلَامِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي أَبِي بَكْرٍ وَالْأَعْرَابِيِّ، وَهُمَا قِصَّتَانِ كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَأَيْضًا لَا يُقَالُ لِخَالِدٍ أَعْرَابِيٌّ إِذْ هُوَ مِنْ أَجِلَّةِ قُرَيْشٍ. (وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَشَرِبَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ) ، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: فَقَالَ عُمَرُ - وَخَافَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأَعْرَابِيَّ - أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدَكَ، فَأَعْطَاهُ الْأَعْرَابِيَّ عَنْ يَمِينِهِ، (وَقَالَ: الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ) ، ضُبِطَ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ: أَعْطِ الْأَيْمَنَ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ: الْأَيْمَنُ أَحَقُّ، قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرَجَّحَ الرَّفْعَ بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ، قَالَ أَنَسٌ: فَهِيَ سُنَّةٌ، أَيْ تَقْدِمَةُ الْأَيْمَنِ، وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا ابْنُ حَزْمٍ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ الْأَيْمَنُ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اسْتَقَى، قَالَ: ابْدَؤُوا بِالْكُبَرَاءِ، أَوْ قَالَ: بِالْأَكَابِرِ» "، فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةِ يَمِينِهِ أَحَدٌ بَلْ كَانُوا كُلُّهُمْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مَثَلًا. وَفِيهِ أَنَّ خَلْطَ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ لِلشُّرْبِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَغِشٌّ، وَأَنَّ الْمَجْلِسَ عَنِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ سَوَاءٌ، إِذْ لَوْ كَانَ الْفَضْلُ لِلْيَمِينِ لَمَا آثَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَعْرَابِيَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَقِيلَ: كَانَ الْأَعْرَابِيُّ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ فَلِذَا جَلَسَ عَنْ يَمِينِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَبَقَ أَبَا بَكْرٍ، فَفِيهِ أَنَّ مَنْ سَبَقَ إِلَى مَكَانٍ مِنْ مَجْلِسِ الْعَالِمِ أَوْلَى بِهِ مَنْ غَيْرِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَأَنَّهُ لَا يُقَامُ أَحَدٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَجَمِيعِ الْأُمُورِ لِمَا شَرَّفَ اللَّهُ بِهِ أَهْلَ الْيَمِينِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْأَشْرِبَةِ، الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ مُتَابَعَاتٌ وَطُرُقٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ فَقَالَ لِلْغُلَامِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ الْغُلَامُ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا قَالَ فَتَلَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ»   1724 - 1674 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ) - بِالْمُهْمَلَةِ، وَالزَّايِ - سَلَمَةَ (بْنِ دِينَارٍ) الْأَعْرَجِ الْمَدَنِيِّ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ) السَّاعِدِيِّ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ - (بِشَرَابٍ) ، أَيْ لَبَنٍ، فَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ: أُتِيَ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ (فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ) أَصْغَرُ الْقَوْمِ، كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ، كَمَا عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِهِ، (وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ) ، سَمَّى مِنْهُمْ خَالِدَ بْنَ الحديث: 1724 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 الْوَلِيدِ، (فَقَالَ لِلْغُلَامِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ) الَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ الشَّرْبَةَ لَكَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْثِرَ بِهَا خَالِدًا "، (فَقَالَ الْغُلَامُ: لَا وَاللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا) ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِمُؤْثِرٍ بِسُؤْرِكَ عَلَيَّ أَحَدًا "، (فَتَلَّهُ) - بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ، أَيْ وَضَعَهُ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَدِهِ) ، أَيِ الْغُلَامِ، فَفِيهِ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ فِي الشُّرْبِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ صَغِيرًا أَوْ مَفْضُولًا، وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْأَفَاضِلِ وَالْكِبَارِ، فَهُوَ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْحُقُوقِ فِي بَاقِي الْأَوْصَافِ، وَأَنَّ الْجُلَسَاءَ شُرَكَاءُ فِي الْهَدِيَّةِ عَلَى جِهَةِ الْأَدَبِ وَالْفَضْلِ، لَا الْوُجُوبِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِذَلِكَ لَا تَجِبُ لِأَحَدٍ. وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا: " «جُلَسَاؤُكُمْ شُرَكَاؤُكُمْ فِي الْهَدِيَّةِ» "، بِإِسْنَادٍ فِيهِ لِينٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَإِنَّمَا اسْتَأْذَنَ الْغُلَامَ هُنَا، وَلَمْ يَسْتَأْذِنِ الْأَعْرَابِيَّ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ اسْتِئْلَافًا لِقَلْبِ الْأَعْرَابِيِّ، وَتَطْيِيبًا لِنَفْسِهِ، وَشَفَقَةً أَنْ يَسْبِقَ إِلَى قَلْبِهِ شَيْءٌ يَهْلِكُ بِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْجَاهِلِيَّةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْغُلَامِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لِقَرَابَتِهِ وَسَنِّهِ دُونَ الْأَشْيَاخِ فَاسْتَأْذَنَهُ تَأَدُّبًا، وَلِئَلَّا يُوحِشَهُمْ بِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِمْ، وَتَعْلِيمًا بِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ لِغَيْرِ الْأَيْمَنِ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَيَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 [جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ] بَابُ جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ «قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ نَعَمْ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتْ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ لِلطَّعَامِ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ قُومُوا قَالَ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ فَقَالَتْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَآدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ بِالدُّخُولِ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا»   10 - بَابُ جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ 1725 - 1675 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ) زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ، زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ وَالِدَةِ أَنَسٍ (لِأُمِّ سُلَيْمٍ) - بِضَمِّ السِّينِ - بِنْتِ مِلْحَانَ الْأَنْصَارِيَّةِ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ الْفَاضِلَاتِ اسْمُهَا: سَهْلَةُ، أَوْ رُمَيْلَةُ، أَوْ رُمَيْثَةُ، أَوْ مُلَيْكَةُ، أَوْ أُنَيْفَةُ، اشْتَهَرَتْ بِكُنْيَتِهَا، مَاتَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، قَالَ الْحَافِظُ: اتَّفَقَتِ الطَّرْقُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ أَنَسٍ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ أَخُوهُ لِأُمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " «دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُوعَ» "، وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ: الْمَوْضِعُ الَّذِي أَعَدَّهُ الحديث: 1725 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلصَّلَاةِ فِيهِ حِينَ مُحَاصَرَةِ الْأَحْزَابِ لِلْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، ( «لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ» ) ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ صَوْتِهِ حِينَ تَكَلَّمَ الْفَخَامَةَ الْمَأْلُوفَةَ، فَحَمَلَهُ عَلَى الْجُوعِ لِلْقَرِينَةِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى دَعْوَى ابْنِ حِبَّانَ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِجُوعٍ، وَأَنَّ أَحَادِيثَ رَبْطِ الْحَجَرِ مِنَ الْجُوعِ تَصْحِيفٌ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ: " «أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» "، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ صَحِيحَةٌ، فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى تَعَدُّدِ الْحَالِ، فَكَانَ أَحْيَانًا يَجُوعُ إِذَا لَمْ يُوَاصِلْ لِيَتَأَسَّى بِهِ أَصْحَابُهُ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ: " «جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُمْ، وَقَدْ عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مِنَ الْجُوعِ، فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ» "، فَكَأَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ جَاءَ فَسَمِعَ صَوْتَهُ وَرَآهُ. وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَاوِيًا. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " «رَأَى أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُضْطَجِعًا يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ» "، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَنَسٍ: " «جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَ: أَعِنَدَكَ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُقْرِئُ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ سُورَةَ النِّسَاءِ، وَقَدْ رَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ حَجَرًا مِنَ الْجُوعِ» "، (فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ) يَأْكُلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ) ، جَمْعُ قُرْصٍ بِالضَّمِّ قِطْعَةُ عَجِينٍ مَقْطُوعٍ مِنْهُ. وَلِأَحْمَدَ: " عَمَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى نِصْفِ مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ، فَطَحَنَتْهُ "، وَلِلْبُخَارِيِّ: عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ، ثُمَّ عَمِلَتْهُ عَصِيدَةً، وَفِي لَفْظٍ: خَطِيفَةً بِمُعْجَمَةٍ وَمُهْمَلَةٍ الْعَصِيدَةُ وَزْنًا وَمَعْنَى. وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ: أَتَى أَبُو طَلْحَةَ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، فَأَمَرَ فَصَنَعَ طَعَامًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا مُنَافَاةَ لِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، أَوْ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا بِأَنَّ الشَّعِيرَ فِي الْأَصْلِيِّ صَاعٌ، فَأَفْرَدَتْ نِصْفَهُ لِعِيَالِهِمْ، وَنِصْفَهُ لِلنَّبِيِّ، وَيَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ مَا بَيْنَ الْعَصِيدَةِ وَالْخُبْزِ الْمَفْتُوتِ الْمَلْتُوتِ بِالسَّمْنِ مِنَ الْمُغَايَرَةِ. (ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا) - بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ - لَهَا، (فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بَعْضَهُ) ، أَيِ الْخِمَارَ، (ثُمَّ دَسَّتْهُ) ، أَيْ أَدْخَلَتْهُ بِقُوَّةٍ (تَحْتَ يَدِي) - بِكَسْرِ الدَّالِ - أَيْ إِبِطِي، (وَرَدَّتْنِي) - بِشَدِّ الدَّالِ - (بِبَعْضِهِ) ، أَيْ جَعَلَتْهُ رِدَاءً لِي، وَلِلتِّنِّيسِيِّ: وَلَاثَتْنِي بَعْضَهُ بِمُثَلَّثَةٍ، فَفَوْقِيَّةٍ سَاكِنَةٍ، فَنُونٍ مَكْسُورَةٍ، أَيْ: لَفَّتْنِي، (ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ) أَنَسٌ: (فَذَهَبْتُ بِهِ) بِالَّذِي أَرْسَلَتْنِي، (فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ) الْمَوْضِعِ الَّذِي أَعَدَّهُ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ الْخَنْدَقِ، (وَمَعَهُ نَاسٌ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آرْسَلَكَ) - بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ لِلِاسْتِفْهَامِ - (أَبُو طَلْحَةَ؟ قَالَ) أَنَسٌ: (فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: لِلطَّعَامِ؟) ، أَيْ لِأَجْلِهِ (قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُومُوا) ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ اسْتَدْعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلِذَا قَالَ لِمَنْ عِنْدُهُ: قُومُوا. وَأَوَّلُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ، وَأَبَا طَلْحَةَ أَرْسَلَا الْخُبْزَ مَعَ أَنَسٍ، فَيُجْمَعُ بِأَنَّهُمَا أَرَادَا بِإِرْسَالِ الْخُبْزِ مَعَ أَنَسٍ أَنْ يَأْخُذَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَأْكُلَهُ، فَلَمَّا وَصَلَ أَنَسٌ وَرَأَى كَثْرَةَ النَّاسِ حَوْلَهُ اسْتَحَى، وَأَظْهَرُهُ أَنَّهُ يَدْعُوهُ لِيَقُومَ مَعَهُ وَحْدَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ لِيَحْصُلَ قَصْدُهُ مِنْ إِطْعَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ رَأْيِ مَنْ أَرْسَلَهُ، عَهِدَ إِلَيْهِ إِذَا رَأَى كَثْرَةَ النَّاسِ أَنْ يَسْتَدْعِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَكْفِيَهُمْ ذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَدْ عَرَفُوا إِيثَارَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَحْدَهُ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ تَقْتَضِي أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ اسْتَدْعَاهُ، فَفِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ: " «بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْعُوهُ، وَقَدْ جَعَلَ طَعَامًا» "، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَنَسٍ: " «أَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ أَنْ تَصْنَعَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَيْهِ» "، وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ عَنْ أَنَسٍ: " «فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّي، فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ، فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَحْدَهُ أَشْبَعْنَاهُ، وَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ مَعَهُ قَلَّ عَنْهُمْ» ". وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ. وَفِي رِوَايَةِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ: " «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: اعْجِنِيهِ وَأَصْلِحِيهِ عَسَى أَنْ نَدْعُوَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَأْكُلَ عِنْدَنَا فَفَعَلَتْ فَقَالَتِ: ادْعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» "، وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ اذْهَبْ فَقُمْ قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا قَامَ فَدَعْهُ حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ اتْبَعْهُ حَتَّى إِذَا قَامَ عِنْدَ عَتَبَةِ بَابِهِ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ» "، وَلِأَبِي يَعْلَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: " اذْهَبْ فَادْعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ: " ثُمَّ بَعَثَنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَدَعَوْتُهُ "، وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَتْ لِي أُمُّ سُلَيْمٍ: " «اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْ لَهُ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَغَدَّى عِنْدَنَا فَافْعَلْ» "، وَلِلْبَغَوَيِّ عَنْ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَنَسٍ: " «فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اذْهَبْ يَا بُنَيَّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَادْعُهُ، فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ» "، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَنَسٍ: " «فَقَالَ: يَا بُنَيَّ اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَادْعُهُ وَلَا تَدْعُ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَلَا تَفْضَحْنِي» "، قَالَهُ الْحَافِظُ، وَلَمْ يَتَنَزَّلْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 الْعَشْرِ وَبَيْنَ مُقْتَضَى أَوَّلِ حَدِيثِ الْبَابِ لِسُهُولَتِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ يَدْعُوهُ وَحْدَهُ وَأَرْسَلَ مَعَهُ الْخُبْزَ فَإِنْ جَاءَ قَدَّمُوهُ لَهُ، وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ الْمَجِيءُ لِمُحَاصَرَةِ الْأَحْزَابِ أَعْطَاهُ الْخُبْزَ سِرًّا. وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي أَنَّهُ أَقْرَاصٌ، أَوْ كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ، فَيُجْمَعُ بِأَنَّهَا كَانَتْ أَقْرَاصًا مُكَسَّرَةً. وَقَوْلُهُ: اعْجِنِيهِ وَأَصْلِحِيهِ يُحْمَلُ عَلَى تَلْيِينِهِ بِنَحْوِ مَاءٍ، أَوْ سَمْنٍ لِيَسْهُلَ تَنَاوُلُهُ، كَأَنَّهُ كَانَ يَابِسًا، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْكِسَرِ غَالِبًا. (قَالَ: فَانْطَلَقَ) هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، (وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ، وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ عَنْ أَنَسٍ: " «فَلَمَّا قُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَعَالَوْا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَشَدَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا دَنَوْا أَرْسَلَ وَأَنَا حَزِينٌ لِكَثْرَةِ مَنْ جَاءَ مَعَهُ» "، (حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ) بِمَجِيئِهِمْ. وَفِي رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ: " فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَأَنَا مُنْدَهِشٌ "، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: يَا أَنَسُ فَضَحْتَنَا. وَلِلطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ: فَجَعَلَ يَرْمِينِي بِالْحِجَارَةِ. ( «فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ» ) ، أَيْ قَدْرُ مَا يَكْفِيهِمْ، (فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) ، أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِمْ إِلَّا وَسَيُطْعِمُهُمْ، كَأَنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا لِيُظْهِرَ الْكَرَامَةَ فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَضْلِ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَرُجْحَانِ عَقْلِهَا. (قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُرْصٌ عَمِلَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ» "، وَفِي أُخْرَى: " «إِنَّمَا أَرْسَلْتُ أَنَسًا يَدْعُوكَ وَحْدَكَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا مَا يُشْبِعُ مَنْ أَرَى، فَقَالَ: ادْخُلْ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُبَارِكُ فِيمَا عِنْدَكَ» "، (فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَا) ، وَقَعَدَ مَنْ مَعَهُ عَلَى الْبَابِ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلُمِّي) - بِالْيَاءِ عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ - وَفِي رِوَايَةٍ: هَلُمَّ بِلَا يَاءٍ عَلَى لُغَةِ الْحِجَازِ لَا يُثَنَّى، وَلَا يُجْمَعُ، وَلَا يُؤَنَّثُ، وَمِنْهُ: " هَلُمَّ إِلَيْنَا "، وَالْمُرَادُ: الطَّلَبُ، أَيْ هَاتِ (يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ) ، وَفِيهِ أَنَّ الصَّدِيقَ يَأْمُرُ فِي دَارِ صَدِيقِهِ بِمَا يُحِبُّ وَيُظْهِرُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ. وَالتَّحَكُّمُ لِآمِرِهِ بِفَتِّ الْخُبْزِ، وَقَوْلُ: هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ، وَهَذَا خُلُقٌ كَرِيمٌ رَفِيعٌ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْعَلَوِيُّ حِينَ افْتَخَرَ فَقَالَ: يَسْتَأْنِسُ الضَّيْفُ فِي أَبْيَاتِنَا أَبَدًا ... فَلَيْسَ يَعْرِفُ خَلْقٌ أَيَّنَا الضَّيْفُ (فَأَتَتْ) بِذَلِكَ الْخُبْزِ الَّذِي كَانَتْ أَرْسَلَتْهُ مَعَ أَنَسٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهَا أَخَذَتْهُ مِنْهُ وَأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 كَانَ بَاقِيًا مَعَهُ، وَخَاطَبَهَا لِأَنَّهَا هِيَ الْمُتَصَرِّفَةُ، (فَأَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفُتَّ) - بِضَمِّ الْفَاءِ، وَشَدِّ الْفَوْقِيَّةِ - أَيْ كُسِرَ، (وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا) - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَشَدِّ الْكَافِ -: إِنَاءٌ مِنْ جِلْدٍ مُسْتَدِيرٌ يُجْعَلُ فِيهِ السَّمْنُ غَالِبًا وَالْعَسَلُ. وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ: " «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ مِنْ سَمْنٍ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: قَدْ كَانَ فِي الْعُكَّةِ شَيْءٌ فَجَاءَ بِهَا فَجَعَلَا يَعْصِرَانِهَا حَتَّى خَرَجَ» "، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا عَصَرَتْهَا لَمَّا أَتَتْ بِهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهَا وَعَصَرَاهَا اسْتِفْرَاغًا لِمَا بَقِيَ فِيهَا، أَوْ أَنَّهُمَا ابْتَدَآ عَصْرَهَا، ثُمَّ حَاوَلَتْ بَعْدَ عَصْرِهِمَا إِخْرَاجَ شَيْءٍ مِنْهَا، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ، أَوْ ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ فِي: عَصَرَاهَا لَهَا وَلِأَبِي طَلْحَةَ، وَاقْتَصَرَ هُنَا عَلَى أَنَّهَا الَّتِي عَصَرَتْ لِابْتِدَائِهَا بِالْعَصْرِ وَسَاعَدَهَا زَوْجُهَا، (فَأَدَمَتْهُ) ، أَيْ صَيَّرَتْ مَا خَرَجَ مِنَ الْعُكَّةِ أُدْمًا لَهُ، (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ) ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ: " فَمَسَحَهَا وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ "، وَلِأَحْمَدَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ أَحْمَدَ: " «فَجِئْتُ بِهَا، أَيِ الْعُكَّةِ فَفَتَحَ رِبَاطَهَا، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَعْظِمْ فِيهَا الْبَرَكَةَ» "، وَلِأَحْمَدَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: " «ثُمَّ مَسَحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْصَ فَانْتَفَخَ، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَالْقُرْصُ يَنْتَفِخُ حَتَّى رَأَيْتُ الْقُرْصَ فِي الْجَفْنَةِ يَتَّسِعُ» "، وَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ الْخُبْزَ فُتَّ وَجُعِلَ عَلَيْهِ السَّمْنُ ; لِأَنَّهُ لَمَّا وُضِعَ عَلَى الْفَتِّ اجْتَمَعَ فَصَارَ كَالْقُرْصِ الْوَاحِدِ. وَمَرَّ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ عَبَّرَ عَنْهَا بِقُرْصٍ قَبْلَ فَتِّهَا لِقِلَّتِهَا، وَهَذَا غَيْرُ ذَلِكَ، (ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ بِالدُّخُولِ) ; لِأَنَّهُ أَرْفَقُ، وَلِضِيقِ الْبَيْتِ أَوْ لَهُمَا مَعًا، (فَأُذِنَ لَهُمْ) ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ وَحْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ. وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عِنْدَ أَحْمَدَ، وَمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ: " فَلَمَّا انْتَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْبَابِ قَالَ لَهُمُ: اقْعُدُوا وَدَخَلَ "، (فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: " «فَوَضَعَ يَدَهُ وَبَسَطَ الْقُرْصَ، وَقَالَ: كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ فَأَكَلُوا مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ حَتَّى شَبِعُوا» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " «فَقَالَ لَهُمْ: كُلُوا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِي» "، (ثُمَّ خَرَجُوا) ، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: " «ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: قُومُوا، وَلْيَدْخُلْ عَشَرَةٌ مَكَانَكُمْ» "، (ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ) ثَانِيَةٍ، ( «فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» ) ثَالِثَةٍ، (فَأَذِنَ لَهُمْ) ، فَدَخَلُوا ( «فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» ) رَابِعَةٍ فَمَا زَالَ يُدْخِلُهُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً (حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 وَشَبِعُوا) . وَلِمُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ: " «حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ» "، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: " «ثُمَّ أَخَذَ مَا بَقِيَ فَجَمَعَهُ، ثُمَّ دَعَا بِالْبَرَكَةِ، فَعَادَ كَمَا كَانَ» "، (وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا، أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي. وَفِي مُسْلِمٍ، وَأَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَنَسٍ: " حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَمَانِينَ رَجُلًا بِالْجَزْمِ، وَزَادَ: «ثُمَّ أَكَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلُ الْبَيْتِ، وَتَرَكُوا سُؤْرًا، أَيْ فَضْلًا» "، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: " كَانُوا نَيِّفًا وَثَمَانِينَ، قَالَ: وَأَفْضَلَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مَا يُشْبِعُهُمْ. وَلَا مُنَافَاةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَلْغَى الْكِسَرَ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ: " وَأُفْضَلُوا مَا بَلَّغُوا جِيرَانَهُمْ "، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ فِي مُسْلِمٍ: " وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ فَأَهْدَيْنَا لِجِيرَانِنَا "، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ: " حَتَّى أَهْدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لِجِيرَانِهَا "، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا أَدْخَلَهُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً لِأَنَّهَا كَانَتْ قَصْعَةً وَاحِدَةً لَا يُمْكِنُ الْجَمَاعَةَ الْكَثِيرَةَ أَنْ يَقْدِرُوا عَلَى التَّنَاوُلِ مِنْهَا مَعَ قِلَّةِ الطَّعَامِ، فَجُعِلُوا كَذَلِكَ لِيَنَالُوا مِنَ الْأَكْلِ، وَلَا يَزْدَحِمُوا، أَوْ لِضِيقِ الْبَيْتِ أَوْ لَهُمَا. وَقَالَ الْحَافِظُ: سُئِلْتُ فِي مَجْلِسِ الْإِمْلَاءِ عَنْ حِكْمَةِ تَبْعِيضِهِمْ فَقُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَرَفَ قِلَّةَ الطَّعَامِ، وَأَنَّهُ فِي صَحْفَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَحَلَّقَهَا ذَلِكَ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ، فَقِيلَ: لِمَ لَا أَدْخَلَ الْكُلَّ وَيُنْظَرُ مَنْ لَمْ يَسَعْهُ التَّحَلُّقُ، وَكَانَ أَبْلَغَ فِي اشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى الْمُعْجِزَةِ بِخِلَافِ التَّبْعِيضِ بِطَرْقِهِ احْتِمَالَ تَكَرُّرِ وَضْعٍ فِي الطَّعَامِ لِصِغَرِ الصَّحْفَةِ؟ فَقُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ لِضِيقِ الْبَيْتِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ أُمَّهُ عَمَدَتْ إِلَى مُدِّ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ، وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً، وَعَصَرَتْ عُكَّةً عِنْدَهَا، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَدَعَوْتُهُ قَالَ: وَمَنْ مَعِي؟ فَجِئْتُ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يَقُولُ وَمَنْ مَعِي، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَدَخَلَ وَجِيءَ بِهِ وَقَالَ: أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً حَتَّى عَدَّ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ أَكَلَ، ثُمَّ قَامَ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ هَلْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ» "، وَلِأَحْمَدَ: " «حَتَّى أَكَلَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا وَبَقِيَتْ كَمَا هِيَ» "، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَنَسٍ: " «أَدْخِلْ عَلَيَّ ثَمَانِيَةً ثَمَانِيَةً، فَمَا زَالَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ، ثُمَّ دَعَانِي وَدَعَا أُمِّي، وَأَبَا طَلْحَةَ فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا» "، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَدْخَلَهُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً سِوَى هَذِهِ. وَلِأَبِي يَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ بَلَغَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامٌ فَآجَرَ نَفْسَهُ بِصَاعٍ غَيْرِ شَعِيرٍ، فَعَمِلَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ذَلِكَ» "، ثُمَّ جَاءَ بِهِ. . . الْحَدِيثَ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَأَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ سِيرِينَ غَيْرُ الْقِصَّةِ الَّتِي رَوَاهَا غَيْرُهُ، وَكَذَا مَا بَيْنَ الْخُبْزِ الْمَفْتُوتِ الْمَلْتُوتِ بِالسَّمْنِ وَالْعَصِيدَةِ مِنَ الْمُغَايَرَةِ، انْتَهَى، مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَعَدَّدَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً سَأَلَهَا فَوَجَدَ الْخُبْزَ فَفَعَلَ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَكَانُوا ثَمَانِينَ وَأَدْخَلَهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 عَشَرَةً عَشَرَةً، وَمَرَّةً لَمْ يَسْأَلْهَا بَلْ آجَرَ نَفْسَهُ بِصَاعٍ، وَأَتَى بِهِ إِلَيْهَا، وَقَالَ: اعْجِنِيهِ وَأَصْلِحِيهِ فَجَعَلَتْهُ عَصِيدَةً وَدَعَاهُ فَجَاءَ وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ، وَأَدْخَلَهُمْ ثَمَانِيَةً ثَمَانِيَةً، وَبِهَذَا تَتَّضِحُ الرِّوَايَاتُ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ رِوَايَةَ يَعْقُوبَ الَّتِي قَالَ فِيهَا: أَدْخَلَهُمْ ثَمَانِيَةً ثَمَانِيَةً، فَفِيهَا أَنَّهُمْ ثَمَانُونَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ شَاذَّةً، وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُمْ أَرْبَعُونَ لَكِنْ فِيهَا: أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً، وَفِي الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ بَاهِرَةٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْأَطْعِمَةِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْوَلِيمَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ طَعَامُ الْاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةِ»   1726 - 1676 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: طَعَامُ الِاثْنَيْنِ» ) الْمُشْبِعُ لَهُمَا (كَافِي الثَّلَاثَةِ) لِقُوتِهِمْ (وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ) الْمُشْبِعُ لَهُمْ (كَافِي الْأَرْبَعَةِ) قُوتًا. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ» "، وَفِي ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ: " «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَإِنَّ طَعَامَ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الثَّلَاثَةَ، وَالْأَرْبَعَةَ، وَإِنَّ طَعَامَ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الْخَمْسَةَ، وَالسِّتَّةَ» "، وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْحَضُّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ، وَالتَّقَنُّعِ بِالْكِفَايَةِ، يَعْنِي: وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرَ فِي مِقْدَارِ الْكِفَايَةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْمُوَاسَاةُ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلِاثْنَيْنِ إِدْخَالُ ثَالِثٍ لِطَعَامِهِمَا، وَرَابِعٍ أَيْضًا بِحَسَبِ مَنْ يَحْضُرُ. وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مَا يُرْشِدُ إِلَى الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ، وَأَوَّلُهُ: " «كُلُوا جَمِيعًا، وَلَا تَفَرَّقُوا فَإِنَّ طَعَامَ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ» "، الْحَدِيثَ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْكِفَايَةَ تَنْشَأُ عَنْ بَرَكَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَأَنَّ الْجَمْعَ كُلَّمَا كَثُرَ زَادَتِ الْبَرَكَةُ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ يَضَعُ مِنْ بَرَكَتِهِ فِيهِ مَا وَضَعَ لِنَبِيِّهِ فَيَزِيدُ حَتَّى يَكْفِيَهُمْ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا إِذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُمْ، وَانْطَلَقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِهِ، فَإِنْ قَالُوا: لَا يَكْفِينَا قِيلَ لَهُمْ: الْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ. وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْأَمَالِي: إِنْ أُرِيدَ الْإِخْبَارُ عَنِ الْوَاقِعِ فَمُشْكِلٌ ; لِأَنَّ طَعَامَ الِاثْنَيْنِ لَا يَكْفِي إِلَّا اثْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَعْنًى آخَرُ فَمَا هُوَ؟ وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، أَيْ أَطْعِمُوا طَعَامَ الِاثْنَيْنِ الثَّلَاثَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَقُوتُ الثَّلَاثَ، وَأَخْبَرَنَا بِذَلِكَ لِئَلَّا نَجْزَعَ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِأَنَّ الثَّانِيَ مَعْلُومٌ، انْتَهَى. وَرَوَى الْعَسْكَرِيُّ فِي الْمَوَاعِظِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «كُلُوا وَلَا تَفَرَّقُوا، فَإِنَّ طَعَامَ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامَ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الثَّلَاثَةَ، وَالْأَرْبَعَةَ كُلُوا جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ فِي الْجَمَاعَةِ» "، فَيُؤْخَذُ الحديث: 1726 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 مِنْ هَذَا أَنَّ الشَّرْطَ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الْأَكْلِ، وَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ طَعَامُ الِاثْنَيْنِ إِذَا كَانَا مُفْتَرِقَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ إِذَا أَكَلُوا مُجْتَمِعِينَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ اسْتِحْبَابُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّعَامِ، وَأَنْ لَا يَأْكُلَ الْمَرْءُ وَحْدَهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَيْضًا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُوَاسَاةَ إِذَا حَصَلَتْ حَصَلَ مَعَهَا الْبَرَكَةُ، فَتَعُمُّ الْحَاضِرِينَ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَسْتَحْقِرَ مَا عِنْدَهُ، فَيَمْتَنِعَ مِنْ تَقْدِيمِهِ، فَإِنَّ الْقَلِيلَ قَدْ يَحْصُلُ بِهِ الِاكْتِفَاءُ بِمَعْنَى حُصُولِ قِيَامِ الْبِنْيَةِ لَا حَقِيقَةَ الشِّبَعِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ عَامَ الرَّمَادَةِ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُنْزِلَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ مِثْلَ عَدَدِهِمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَهْلِكُ عَلَى مَلْءِ بَطْنِهِ، وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ السُّلْطَانَ فِي الْمَسْغَبَةِ يُفَرِّقُ الْفُقَرَاءَ عَلَى أَهْلِ السَّعَةِ بِقَدْرٍ لَا يَضُرُّ بِهِمْ. وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي الْأَطْعِمَةِ، الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَإِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْوَلِيمَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَغْلِقُوا الْبَابَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ وَأَكْفِئُوا الْإِنَاءَ أَوْ خَمِّرُوا الْإِنَاءَ وَأَطْفِئُوا الْمِصْبَاحَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ غَلَقًا وَلَا يَحُلُّ وِكَاءً وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى النَّاسِ بَيْتَهُمْ»   1727 - 1677 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ (الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَغْلِقُوا) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ - (الْبَابَ) حِرَاسَةً لِلنَّفْسِ، وَالْمَالِ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ، وَلَا سِيَّمَا الشَّيْطَانُ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ: " «أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، (وَأَوْكُوا) » - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْوَاوِ وَضَمِّ الْكَافِ بِلَا هَمْزٍ - شُدُّوَا وَارْبُطُوا، (السِّقَاءَ) - بِكَسْرِ السِّينِ: الْقِرْبَةُ، أَيْ شُدُّوا رَأْسَهَا بِالْوِكَاءِ، وَهُوَ الْخَيْطُ. زَادَ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: " وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ "، أَيْ لِمَنْعِ الشَّيْطَانِ وَاحْتِرَازًا مِنَ الْوَبَاءِ الَّذِي يَنْزِلُ فِي لَيْلَةٍ مِنَ السَّنَةِ كَمَا رُوِيَ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا فِي كَانُونَ الْأَوَّلِ. (وَأَكْفِئُوا الْإِنَاءَ) ، قَالَ عِيَاضٌ: بِقَطْعِ الْأَلِفِ، وَكَسْرِ الْفَاءِ رُبَاعِيٌّ، وَبِوَصْلِهَا، وَضَمِّ الْفَاءِ ثُلَاثِيٌّ، وَهُمَا صَحِيحَانِ، أَيِ اقْلِبُوهُ، وَلَا تَتْرُكُوهُ لِلَعْقِ الشَّيْطَانِ، وَلَحْسِ الْهَوَامِّ وَذَوَاتِ الْأَقْذَارِ. (أَوْ خَمِّرُوا) - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّقِيلَةِ -: غَطُّوا (الْإِنَاءَ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيِ اكْفُوهُ إِنْ كَانَ فَارِغًا، أَوْ خَمِّرُوهُ إِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ: " وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ "، وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ: " «وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرِضُوا عَلَيْهَا بِعُودٍ» "، (وَأَطْفِئُوا) - بِهَمْزَةِ قَطْعٍ، وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَسْرِ الْفَاءِ، ثُمَّ هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ -، (الْمِصْبَاحَ) : السِّرَاجَ، زَادَ الحديث: 1727 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: " إِذَا رَقَدْتُمْ " (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ) ، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ: " فَإِنَّ الْجِنَّ "، وَلَا تَضَادَّ بَيْنَهُمَا إِذْ لَا مَحْذُورَ فِي انْتِشَارِ الصِّنْفَيْنِ، إِذْ هُمَا حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ يَخْتَلِفَانِ بِالصِّفَاتِ، قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ (لَا يَفْتَحُ غَلَقًا) - بِفَتْحِ الْغَيْنِ، وَاللَّامِ - إِذَا ذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: " «فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا» ، (وَلَا يَحُلُّ) - بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَضَمِّ الْحَاءِ - (وِكَاءً) : خَيْطًا رُبِطَ بِهِ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. (وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً) غُطِّيَ أَوْ كُفِئَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. فَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا أَنْ يَعْرِضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا، وَيَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ» "، وَفِي أَبِي دَاوُدَ: " «وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا» "، أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْغَلْقُ الْحَقِيقِيُّ. وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: فَإِنَّهُمْ، أَيِ الشَّيَاطِينَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ فِي التَّسَوُّرِ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُسْلِمٍ وَالْأَرْبَعَةِ مَرْفُوعًا: " «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمْ» "، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُوَجَّهَ قَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ، عَلَى عُمُومِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخُصَّ بِمَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَنْعَ لِأَمْرٍ مُتَعَلِّقٍ بِجِسْمِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِمَانِعٍ مِنَ اللَّهِ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ جِسْمِهِ، قَالَ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ دُخُولِ الشَّيْطَانِ الْخَارِجِ، فَأَمَّا الشَّيْطَانُ الَّذِي كَانَ دَاخِلًا فَلَا يَدُلُّ الْخَبَرُ عَلَى خُرُوجِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لِتَخْفِيفِ الْمَفْسَدَةِ لَا دَفْعِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْإِغْلَاقِ تَقْتَضِي طَرْدَ مَنْ فِي الْبَيْتِ مِنَ الشَّيَاطِينِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ التَّسْمِيَةُ مِنِ ابْتِدَاءِ الْإِغْلَاقِ إِلَى تَمَامِهِ، وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ مَشْرُوعِيَّةَ غَلْقِ الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْأَبْوَابِ، انْتَهَى. (وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ) - بِتَصْغِيرِ التَّحْقِيرِ - (تُضْرِمُ) - بِضَمِّ التَّاءِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ - أَيْ تُوقِدُ (عَلَى النَّاسِ) ، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ (بَيْتَهُمْ) ، وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ " ثِيَابَهُمْ "، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ: وَالْفُوَيْسِقَةُ تُضْرِمُ الْبَيْتَ عَلَى أَهْلِهِ، وَالضَّرَمَةُ بِالتَّحْرِيكِ النَّارُ وَالضِّرَامُ لَهَبُ النَّارِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ: " «فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتِ الْفَتِيلَةَ، فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ» "، وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ، فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا، فَاحْتَرَقَ فِيهَا مَوْضِعُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتَحْرُقُكُمْ» "، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ يَزِيدِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ: " «أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، لِمَ سُمِّيَتِ الْفَأْرَةُ الْفُوَيْسِقَةَ؟ قَالَ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَقَدْ أَخَذَتْ فَأْرَةٌ فَتِيلَةً لِتَحْرِقَ عَلَيْهِ الْبَيْتَ، فَقَامَ إِلَيْهَا وَقَتَلَهَا وَأَحَلَّ قَتْلَهَا لِلْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ» "، فَفِي هَذَا بَيَانُ سَبَبِ الْأَمْرِ بِالْإِطْفَاءِ، وَالسَّبَبُ الْحَامِلُ لِلْفَأْرَةِ عَلَى جَرِّ الْفَتِيلَةِ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَعِينُ وَهُوَ عَدُوُّ الْإِنْسَانِ بِعَدْوٍ آخَرَ وَهِيَ النَّارُ، وَالْأَوَامِرُ الْمَذْكُورَةُ لِلْإِرْشَادِ إِلَى الْمَصْلَحَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالِاسْتِحْبَابُ خُصُوصًا مَنْ يَنْوِي بِفِعْلِهَا الِامْتِثَالَ. وَفِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا: " «لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ» "، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ الْمِصْبَاحُ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا الْقَنَادِيلُ الْمُعَلَّقَةُ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ خِيفَ حَرِيقٌ بِسَبَبِهَا دَخَلَتْ فِي الْأَمْرِ، وَإِنَّ أُمِنَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا لِلْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلَ بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا انْتَفَتِ الْعِلَّةُ زَالَ الْمَانِعُ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ، وَزُهَيْرٌ، وَسُفْيَانُ كُلُّهُمْ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِنَحْوِهِ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ بِنَحْوِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَضِيَافَتُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ»   1728 - 1678 - (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) كَيْسَانَ (الْمَقْبُرِيِّ) - بِضَمِّ الْبَاءِ، وَفَتْحِهَا - الْمَدَنِيِّ - (عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ) - بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ - الْخُزَاعِيِّ، ثُمَّ (الْكَعْبِيِّ) نِسْبَةً إِلَى كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو بَطْنٍ مِنْ خُزَاعَةَ اسْمُهُ خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ، وَقِيلَ: هَانِئٌ وَقِيلَ: كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو، وَقِيلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَكَانَ مَعَهُ لِوَاءُ خُزَاعَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ نَزَلَ الْمَدِينَةَ، وَلَهُ أَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ) ، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ، وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ) الَّذِي خَلَقَهُ إِيمَانًا كَامِلًا، (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الَّذِي إِلَيْهِ مَعَادُهُ، وَفِيهِ جَزَاؤُهُ، فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، وَعَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ قَصْدًا إِلَى اسْتِمْرَارِ الْإِيمَانِ، وَتَجَدُّدِهِ بِتَجَدُّدِ أَمْثَالِهِ وَقْتًا فَوَقْتًا ; لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ لِكَوْنِهِ فِعْلًا يُفِيدُ التَّجَدُّدَ وَالْحُدُوثَ، وَهَذَا مِنْ خِطَابِ التَّهْيِيجِ مِنْ قَبِيلِ: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 23) ، أَيْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَةِ الْمُؤْمِنِ، وَأَنَّ خِلَافَهُ لَا يَلِيقُ بِمَنْ يُؤْمِنُ بِذَلِكَ، وَلَوْ قِيلَ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ لَمْ يَحْصُلْ هَذَا الْغَرَضُ. (فَلْيُقُلْ خَيْرًا) يُثَابُ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّفَكُّرِ، فِيمَا يُرِيدُ التَّكَلُّمَ بِهِ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ خَيْرٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ قَالَهُ. (أَوْ لِيَصْمُتْ) الحديث: 1728 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 - بِضَمِّ الْمِيمِ - أَيْ يَسْكُتْ عَنِ الشَّرِّ فَيَسْلَمْ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «مَنْ صَمَتَ نَجَا» "، قَالَهُ عِيَاضٌ، وَقَدْ ضَبَطَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ - بِضَمِّ الْمِيمِ - وَكَأَنَّهُ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الطُّوفِيُّ: سَمِعْنَاهُ - بِكَسْرِهَا - وَهُوَ الْقِيَاسُ ; لِأَنَّ قِيَاسَ فَعَلَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - مَاضِيًا يَفْعِلُ - بِكَسْرِهَا - مُضَارِعًا نَحْوَ ضَرَبَ يَضْرِبُ، وَيَفْعُلُ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - فِيهِ دَخِيلٌ كَمَا فِي الْخَصَائِصِ لِابْنِ جِنِّيٍّ، انْتَهَى. أَيْ يَسْكُتُ عَنْ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ، وَفَوَاتُهُمَا يُنَافِي حَالَ الْمُؤْمِنِينَ، وَشَرَفَ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَمْنِ، وَلَا أَمَانَ لِمَنْ فَاتَهُ الْغَنِيمَةُ وَالسَّلَامَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَوْ لِيَسْكُتْ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، لَكِنَّ الصَّمْتَ أَخَصُّ ; لِأَنَّهُ السُّكُوتُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، أَمَّا السُّكُوتُ مَعَ الْعَجْزِ لِفَسَادِ آلَةِ النُّطْقِ، فَهُوَ الْخَرَسُ، أَوْ لِتَوَقُّفِهَا فَهُوَ الْعِيُّ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُصَدِّقَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ الْمُتَرَتِّبَيْنِ عَلَى الْكَلَامِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ لَا يَخْلُو، إِمَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يُحَصِّلُ لَهُ ثَوَابًا، أَوْ خَيْرًا فَيَغْنَمُ، أَوْ يَسْكُتَ عَنْ شَيْءٍ يَجْلِبُ لَهُ عِقَابًا، أَوْ شَرًّا فَيَسْلَمُ، فَـ " أَوْ " لِلتَّنْوِيعِ وَالتَّقْسِيمِ فَيُسَنُّ لَهُ الصَّمْتُ حَتَّى عَنِ الْمُبَاحِ لِأَدَائِهِ إِلَى مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وَبِفَرْضِ خُلُوِّهِ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ ضَيَاعُ الْوَقْتِ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَمِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ، قَالَ: وَأَفَادَ الْحَدِيثُ أَنَّ قَوْلَ الْخَيْرِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّمْتِ لِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ قَوْلِ الْخَيْرِ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي تَفْصِيلِ آفَاتِ الْكَلَامِ، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ حَصْرٍ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ آفَاتِ اللِّسَانِ أَسْرَعُ الْآفَاتِ لِلْإِنْسَانِ وَأَعْظَمُهَا فِي الْهَلَاكِ وَالْخُسْرَانِ، فَالْأَصْلُ مُلَازَمَةُ الصَّمْتِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ وَالْحُصُولُ عَلَى الْخَيْرَاتِ، فَحِينَئِذٍ تَخْرُجُ تِلْكَ الْكَلِمَةُ مَخْطُومَةً وَبِأَزِمَّةِ التَّقْوَى مَزْمُومَةً، وَهَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلُّهُ خَيْرٌ أَوْ شَرٌّ أَوْ آيِلٌ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَدَخَلَ فِي الْخَيْرِ كُلُّ مَطْلُوبٍ مِنْ فَرْضٍ، وَنَفْلٍ فَأَذِنَ فِيهِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، وَدَخَلَ فِيهِ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا هُوَ شَرٌّ، أَوْ يَؤُولُ إِلَيْهِ، فَأُمِرَ بِالصَّمْتِ عَنْهُ، فَكُلُّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ حَقَّ الْإِيمَانِ خَافَ وَعِيدَهُ وَرَجَا ثَوَابَهُ، وَمَنْ آمَنَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ اسْتَعَدَّ وَاجْتَهَدَ فِي فِعْلِ مَا يَدْفَعُ بِهِ أَهْوَالَهُ، فَيَأْتَمِرُ بِالْأَوَامِرِ وَيَنْتَهِي عَنِ النَّوَاهِي، وَيَتَقَرَّبُ لِمَوْلَاهُ بِمَا يُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا عَلَيْهِ ضَبْطَ جَوَارِحِهِ، وَمِنْ أَكْثَرِ الْمَعَاصِي عَدَدًا وَأَيْسَرِهَا فِعْلًا مَعَاصِي اللِّسَانِ، وَقَدِ اسْتَقْرَأَ الْمُحَاسِبُونَ لِأَنْفُسِهِمْ آفَاتِ اللِّسَانِ، فَزَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ، وَأَرْشَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى ذَلِكَ جُمْلَةً، فَقَالَ: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَمَنْ آمَنَ بِذَلِكَ حَقَّ إِيمَانِهِ اتَّقَى اللَّهَ فِي لِسَانِهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَسَلْمَانُ: مَا شَيْءٌ أَحَقُّ بِطُولِ السِّجْنِ مِنَ اللِّسَانِ. (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، أَيْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وُصِفَ بِهِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، أَوْ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْحِسَابَ إِلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا لَيْلَ بَعْدَهُ، وَلَا يُقَالُ يَوْمٌ إِلَّا لِمَا بَعْدَهُ لَيْلٌ، أَيْ يُصَدِّقُ بِوُجُودِهِ مَعَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْوَالِ وَالْأَهْوَالِ، وَاكْتَفَى بِهِمَا عَنِ الْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 وَالْكُتُبِ وَغَيْرِهِمَا ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِنُبُوءَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ. ( «فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» ) بِالْبِشْرِ، وَطَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَبَذْلِ النَّدَى وَكَفِّ الْأَذَى، وَتَحَمُّلِ مَا فَرَطَ مِنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ "، وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ "، وَقَدْ أَوْصَى اللَّهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» "، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَمَنْ كَانَ مَعَ هَذَا التَّأْكِيدِ الشَّدِيدِ مُضِرًّا لِجَارِهِ كَاشِفًا لِعَوْرَاتِهِ، حَرِيصًا عَلَى إِنْزَالِ الْبَوَائِقِ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِ اعْتِقَادٍ وَنِفَاقٍ، فَيَكُونُ كَافِرًا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَأَمَّا عَلَى امْتِهَانِهِ بِمَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ حُرْمَةِ الْجَارِ، وَمِنْ تَأْكِيدِ عَهْدِ الْجِوَارِ فَيَكُونُ فَاسِقًا فِسْقًا عَظِيمًا، وَمُرْتَكِبَ كَبِيرَةٍ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا أَنْ يُخْتَمَ لَهُ بِالْكُفْرِ، فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ بَرِيدُ الْكُفْرِ، فَيَكُونُ مِنَ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَمَاتَ بِلَا تَوْبَةٍ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُبَالِغُونَ فِي رِعَايَتِهِ وَحِفْظِ حَقِّهِ. حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ أَبَرَّ مِنْكُمْ بِالْجَارِ، هَذَا قَائِلُهُمْ قَالَ: نَارِي وَنَارُ الْجَارِ وَاحِدَةٌ ... وَإِلَيْهِ قَبْلِي يَنْزِلُ الْقَدَرُ مَا ضَرَّ جَارِيَ إِذْ أُجَاوِرُهُ ... أَنْ لَا يَكُونَ لِبَابِهِ سَتْرُ أَغُضُّ طَرْفِيَ إِذْ مَا جَارَتِي بَرَزَتْ ... حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي الْخِدْرُ وَقَالَ آخَرُ: أَغُضُّ طَرْفِي مَا بَدَتْ لِي جَارَتِي ... حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي مَأْوَاهَا قَالَ الْحَافِظُ: وَاسْمُ الْجَارِ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ وَالْعَابِدَ وَالْفَاسِقَ وَالصَّدِيقَ وَالْعَدُوَّ وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ وَالْقَرِيبَ وَالْأَجْنَبِيَّ وَالْأَقْرَبَ دَارًا وَالْأَبْعَدَ، وَلَهُ مَرَاتِبُ أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ، فَأَعْلَى مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْأُوَلُ كُلُّهَا، ثُمَّ أَكْثَرُهَا وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى الْوَاحِدِ، وَعَكْسُهُ مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْأُخْرَى، فَيُعْطَى كُلٌّ حَقَّهُ بِحَسَبِ حَالِهِ، وَقَدْ تَتَعَارَضُ صِفَتَانِ فَتُرَجِّحُ أَوْ تُسَاوِي، وَقَدْ حَمَلَهُ ابْنُ عُمَرَ عَلَى الْعُمُومِ، فَأَمَرَ لَمَّا ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ أَنْ يُهْدَى مِنْهَا لِجَارِهِ الْيَهُودِيِّ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَوَرَدَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ: " «الْجِيرَانُ ثَلَاثَةٌ: جَارٌ لَهُ حَقٌّ وَهُوَ الْمُشْرِكُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ، وَهُوَ الْمُسْلِمُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَحَقُّ الْإِسْلَامِ، وَجَارٌ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ وَهُوَ الْمُسْلِمُ لَهُ رَحِمٌ؛ حَقُّ الْإِسْلَامِ، وَالْجِوَارِ، وَالرَّحِمِ» ، وَالْأَمْرُ بِالْإِكْرَامِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، فَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَقَدْ يَكُونُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 مَنْدُوبًا، وَيَجْمَعُ الْجَمِيعَ أَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وَجَاءَ تَفْسِيرُ الْإِحْسَانِ وَالْإِكْرَامِ لِلْجَارِ فِي أَخْبَارٍ أُخَرَ مِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْخَرَائِطِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، قُلْتُ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ جَارِي عَلِيَّ؟ قَالَ: إِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِنْ مَاتَ شَيَّعْتَهُ، وَإِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِنَّ أَعْوَزَ سَتَرْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّيْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَلَا تَرْفَعْ بِنَاءَكَ فَوْقَ بِنَائِهِ فَتَسُدَّ عَلَيْهِ الرِّيحَ، وَلَا تُؤْذِيهِ بِرِيحِ قِدْرِكَ إِلَّا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْهَا» "، وَرَوَى الْخَرَائِطِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ مُعَاذٍ: «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ الْجَارِ عَلَى جَارِهِ؟ قَالَ: إِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضَتْهُ، وَإِنِ اسْتَعَانَكَ أَعَنْتَهُ، وَإِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِنِ احْتَاجَ أَعْطَيْتَهُ، وَإِنِ افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّيْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَإِنْ مَاتَ اتَّبَعَتْ جِنَازَتَهُ، وَلَا تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ الْبِنَاءَ فَتَحْجُبَ عَنْهُ الرِّيحَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تُؤْذِيهِ بِرِيحِ قِدْرِكَ إِلَّا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْهَا "، وَإِنِ اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً، فَأَهْدِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهَا سِرًّا، وَلَا تُخْرِجْ بِهَا وَلَدَكَ لِيَغِيظَ بِهَا وَلَدَهُ» "، وَرَوَاهُ الْخَرَائِطِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، وَأَسَانِيدُهُمْ وَاهِيَةٌ، لَكِنَّ تَعَدُّدَ مَخَارِجِهَا يُشْعِرُ بِأَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا. قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: وَإِكْرَامُ الْجَارِ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ، وَالَّذِي يَشْمَلُ جَمِيعَ وُجُوهِ، الْإِكْرَامُ إِرَادَةُ الْخَيْرِ لَهُ، وَمَوْعِظَتُهُ بِالْحُسْنَى، وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْهِدَايَةِ، وَتَرْكُ الْإِضْرَارِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ حِسِّيًّا كَانَ أَوْ مَعْنَوِيًّا، إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْإِضْرَارُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ، وَالَّذِي يَخُصُّ الصَّالِحَ هُوَ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ، وَغَيْرَ الصَّالِحِ كَفُّهُ عَمَّا يَرْتَكِبُهُ بِالْحُسْنَى عَلَى حَسَبِ مَرَاتِبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَعِظُ الْكَافِرَ بِعَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ، وَإِظْهَارِ مَحَاسِنِهِ، وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَالْفَاسِقَ بِمَا يَلِيقُ بِهِ بِرِفْقٍ، فَإِنْ أَفَادَ، وَإِلَّا هَجَرَهُ قَاصِدًا تَأْدِيبَهُ مَعَ إِعْلَامِهِ بِالسَّبَبِ، وَهُنَا تَنْبِيهٌ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أُمِرَ بِإِكْرَامِ الْجَارِ مَعَ الْحَائِلِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْعَى حَقَّ الْحَافِظَيْنِ اللَّذَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا جِدَارٌ، وَلَا حَائِلٌ، فَلَا يُؤْذِيهِمَا بِأَنْوَاعِ الْمُخَالَفَاتِ فِي مُرُورِ السَّاعَاتِ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُمَا يُسَرَّانِ بِالْحَسَنَاتِ وَيَحْزَنَانِ بِالسَّيِّئَاتِ، فَيَنْبَغِي إِكْرَامُهُمَا وَرِعَايَةُ جَانِبِهِمَا بِالْإِكْثَارِ مِنْ عَمَلِ الطَّاعَاتِ، وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى تَجَنُّبِ الْمَعَاصِي، فَهُمَا أَوْلَى بِالْإِكْرَامِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْجِيرَانِ اه. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: حَدُّ الْجِوَارِ فِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ مَرْفُوعًا، إِلَى أَرْبَعِينَ دَارًا، وَلَمْ يَثْبُتْ، وَعَنَوْا بِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَهَذَا دَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا، وَالَّذِي يَتَحَصَّلُ عِنْدَ النَّظَرِ أَنَّ الْجَارَ لَهُ مَرَاتِبٌ: الْأَوَّلُ الْمُلَاصَقَةُ، وَالثَّانِي الْمُخَالَطَةُ بِأَنْ يَجْمَعَهُمَا مَسْجِدٌ، أَوْ مَجْلِسٌ، أَوْ بُيُوتٌ، وَيَتَأَكَّدُ الْحَقُّ مَعَ الْمُسْلِمِ، وَيَبْقَى أَصْلُهُ مَعَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْعَاصِي بِالتَّسَتُّرِ عَلَيْهِ اه. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا» "، قَالَ الزَّوَاوِيُّ: هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا كَانَ الْمَشْيُ قَلِيلًا فَالْأَقْرَبُ بَابًا أَوْلَى بِهِ، فَأَمَّا مَعَ السَّعَةِ وَكَثْرَةِ مَا يُهْدَى فَلْيُهْدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 إِلَى غَيْرِ وَاحِدٍ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ. (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إِيمَانًا كَامِلًا، ( «فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» ) بِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَالْإِتْحَافِ وَالزِّيَادَةِ (جَائِزَتُهُ) - بِجِيمٍ، وَزَايٍ مَنْقُوطَةٍ - أَيْ مِنْحَتُهُ، وَعَطِيَّتُهُ وَإِتْحَافُهُ بِأَفْضَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، رُوِيَ بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) ، وَبِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ ثَانِي لِيُكْرِمْ ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى يُعْطِي، أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ بِجَائِزَتِهِ، وَهِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَبَدَلُ اشْتِمَالٍ، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: " «فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ، قَالُوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» "، (وَضِيَافَتُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) بِالْيَوْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ بَعْدَهُ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ: «الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ، قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: مَعْنَى جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَنْ يُتْحِفَهُ، وَيُكْرِمَهُ بِأَفْضَلِ مَا يَسْتَطِيعُهُ، وَضِيَافَتُهُ ثَلَاثَةٌ كَأَنَّهُ يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ كَمَا يَتَكَلَّفُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضِّيَافَةَ لِمَنْ أَرَادَ الْجَوَازَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَلِمَنْ أَرَادَ الْمَقَامَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَيْ يَتَكَلَّفُ لَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَيُتْحِفُهُ وَيَزِيدُ فِي الْبِرِّ عَلَى مَا يُحْضِرُهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَفِي الْيَوْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ يُقَدِّمُ لَهُ مَا حَضَرَ، فَإِذَا مَضَتِ الثَّلَاثُ فَقَدْ مَضَى حَقُّهُ. (فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ) مِمَّا يُحْضِرُهُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، (فَهُوَ صَدَقَةٌ) عَلَيْهِ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِصَدَقَةٍ تَنْفِيرٌ عَنْهُ ; لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا سِيَّمَا الْأَغْنِيَاءُ يَأْنَفُونَ غَالِبًا مِنْ أَكْلِ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أَصْهَارِهِ، فَيَأْتِيهِ طَعَامُهُ مِنْ عِنْدِ دَارِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ، فَيَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يَقُولُ: احْبِسُوا عَنَّا صَدَقَتَكُمْ، وَيَقُولُ لِنَافِعٍ: أَنْفِقْ مِنْ عِنْدِكَ الْآنَ، أَخْرَجَهُ أَبُو عُمَرَ فِي التَّمْهِيدِ. (وَلَا يَحِلُّ لَهُ) لِلضَّيْفِ (أَنْ يَثْوِيَ) - بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ، وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ، وَكَسْرِ الْوَاوِ، أَيْ يُقِيمَ (عِنْدَهُ) عِنْدَ مَنْ أَضَافَهُ (حَتَّى يُحْرِجَهُ) - بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ، وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَجِيمٍ - مِنَ الْحَرَجِ، وَهُوَ الضِّيقُ قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَيْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ حَتَّى يُؤَثِّمَهُ، وَهُوَ أَنْ يَضُرَّ بِهِ مَقَامَهُ، فَيَقُولَ أَوْ يَفْعَلَ مَا يُؤَثِّمُهُ، انْتَهَى. وَلِمُسْلِمٍ: حَتَّى يُؤَثِّمَهُ، أَيْ يُوقِعَهُ فِي الْإِثْمِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَغْتَابُهُ لِطُولِ إِقَامَتِهِ، أَوْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُؤْذِيهِ، أَوْ يَظُنُّ بِهِ ظَنًّا سَيِّئًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا ارْتَفَعَ الْحَرَجُ جَازَتِ الْإِقَامَةُ بَعْدَ أَنْ يَخْتَارَ الْمُضِيفُ إِقَامَةَ الضَّيْفِ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الضَّيْفِ أَنَّ الْمُضِيفَ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْإِكْرَامِ لِلِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الضِّيَافَةَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الدِّينِ، وَخُلُقِ النَّبِيِّينَ لَا وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ: جَائِزَةُ، وَالْجَائِزَةُ تَفَضُّلٌ وَإِحْسَانٌ لَا تَجِبُ اتِّفَاقًا، هَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ بَطَّالٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ: تَجِبُ الضِّيَافَةُ لَيْلَةً وَاحِدَةً لِلْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ: " «لَيْلَةُ الضَّيْفِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 وَحَدِيثُ الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا: " «إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ» "، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا بِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ حَتَّى كَانَتِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً، أَوْ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِقِلَّةِ الْأَزْوَادِ، ثُمَّ نُسِخَ، وَبِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُضْطَرِّينَ، فَإِنَّ ضِيَافَتَهُمْ وَاجِبَةٌ مِنْ حَيْثُ الِاضْطِرَارِ، أَوْ مَخْصُوصٌ بِالْعُمَّالِ الَّذِينَ يَبْعَثُهُمُ الْإِمَامُ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ، أَوِ الْكَلَامُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ الْمَارَّةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَا أَهْلُ الْحَضَرِ وَالْبَادِيَةِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَسَحْنُونٍ: إِنَّمَا هِيَ عَلَى أَهْلِ الْبَوَادِي، لَا عَلَى أَهْلِ الْحَضَرِ لِوُجُودِ الْفَنَادِقِ وَغَيْرِهَا لِلنُّزُولِ فِيهَا، وَوُجُودِ الطَّعَامِ لِلْبَيْعِ فِيهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَحْصُلُ الِامْتِثَالُ إِلَّا بِالْقِيَامِ بِكِفَايَتِهِ، فَلَوْ أَطْعَمَهُ بَعْضَ كِفَايَتِهِ لَمْ يُكْرِمْهُ لِانْتِفَاءِ جُزْءِ الْإِكْرَامِ، وَإِذَا انْتَفَى جُزْؤُهُ انْتَفَى كُلُّهُ. وَفِي كِتَابِ الْمُنْتَخَبِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: " «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ مَعَ الضَّيْفِ، فَلْيُلْقِمْهُ بِيَدِهِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كُتِبَ لَهُ بِهِ عَمَلُ سَنَةٍ صِيَامُ نَهَارِهَا، وَقِيَامُ لَيْلِهَا» "، وَمِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ: مِنْ إِكْرَامِ الضَّيْفِ أَنْ يَضَعَ لَهُ مَا يَغْسِلُ بِهِ حِينَ يَدْخُلُ الْمَنْزِلَ، وَمِنْ إِكْرَامِهِ أَنْ يُرْكِبَهُ إِذَا انْقَلَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ إِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَأَنْ يَجْلِسَ تَحْتَهُ. وَرَوَى ابْنُ شَاهِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِرَفْعِهِ: " «مَنْ أَطْعَمَ أَخَاهُ لُقْمَةَ حَلْوَةٍ، لَمْ يَذُقْ مَرَارَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» "، هَذَا وَمَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ فِيمَنْ وَجَدَ فَاضِلًا عَنْ مَنْ يُمَوِّنُهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَعَلَى زَوْجَتِهِ بِإِيثَارِهِمَا الضَّيْفَ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَصِبْيَانِهِمَا حَيْثُ نَوَّمَتْهُمْ أُمُّهُمْ حَتَّى أَكَلَ الضَّيْفُ، فَأُجِيبَ عَنْ ظَاهِرِهِ مِنْ تَقْدِيمِ الضَّيْفِ عَلَى حَاجَةِ الصِّبْيَانِ بِأَنَّهُمْ لَمْ تَشْتَدَّ حَاجَتُهُمْ لِلْأَكْلِ، وَإِنَّمَا خَافَ أَبَوَاهُمَا أَنَّ الطَّعَامَ لَوْ قُدِّمَ لِلضَّيْفِ وَهُمْ مُنْتَبِهُونَ لَمْ يَصْبِرُوا عَلَى الْأَكْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا جِيَاعًا. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ تَجْمَعُ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ الْفِعْلِيَّةَ وَالْقَوْلِيَّةَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَامِلَ الْإِيمَانِ مُتَّصِفٌ بِالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ قَوْلًا بِالْخَيْرِ، أَوْ سُكُوتًا عَنِ الشَّرِّ، أَوْ فِعْلًا لِمَا يَنْفَعُ، أَوْ تَرْكًا لِمَا يَضُرُّ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُهُ مِنْ تَوَقُّفِ الْإِيمَانِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهِ، بَلِ الْمُرَادُ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ كَمَا عُلِمَ، أَوْ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي اسْتِجْلَابِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ كَمَا تَقُولُ لِوَلَدِكَ: إِنْ كُنْتَ ابْنِي فَأَطْعِمْنِي تَحْرِيضًا، وَتَهْيِيجًا عَلَى الطَّاعَةِ ; لِأَنَّهُ بِانْتِفَاءِ الطَّاعَةِ تَنْتَفِي وَلَدِيَّتُهُ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَإِسْمَاعِيلَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدٍ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ نَحْوَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ إِذْ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ وَخَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا فَقَالَ فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ»   1729 - 1679 - (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ) - بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ - (مَوْلَى أَبِي بَكْرِ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: بَيْنَمَا) - بِمِيمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ بِدُونِهَا - (رَجُلٌ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ يُسَمَّ (يَمْشِي بِطَرِيقٍ) ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْمُوطَّآتِ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ: " يَمْشِي بِفَلَاةٍ "، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: " يَمْشِي بِطَرِيقِ مَكَّةَ "، (إِذِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ) مِنْهَا، (وَخَرَجَ) مِنَ الْبِئْرِ، وَفِي رِوَايَةٍ: " ثُمَّ خَرَجَ "، (فَإِذَا كَلْبٌ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: " فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ "، (يَلْهَثُ) - بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَمُثَلَّثَةٍ - أَيْ يَرْتَفِعُ نَفَسُهُ بَيْنَ أَضْلَاعِهِ، أَوْ يُخْرِجُ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ حَالَ كَوْنِهِ (يَأْكُلُ الثَّرَى) - بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ، وَالْقَصْرِ - التُّرَابَ النَّدِيَّ (مِنَ الْعَطَشِ) ، وَيَجُوزُ أَنَّ " يَأْكُلُ " خَبَرٌ ثَانٍ، (فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ) - بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ - (مِنَ الْعَطَشِ) الشَّدِيدِ الَّذِي أَصَابَهُ (مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ مِنِّي) ، وَفِي رِوَايَةٍ " بِي "، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ: " فَرَحِمَهُ "، وَ " مِثْلُ " ضَبَطَهُ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ بِالنَّصْبِ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ بَلَغَ مَبْلَغًا مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ مِنِّي، قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ: وَلَا يَتَعَيَّنُ لِجَوَازِ أَنَّ الْمَحْذُوفَ مَفْعُولٌ بِهِ، أَيْ عَطَشًا، وَضَبَطَهُ الْحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ وَغَيْرُهُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ يَبْلُغُ، فَهُمَا رِوَايَتَانِ، (فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ) مَاءً، (ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ) لِيَصْعَدَ مِنَ الْبِئْرِ لِعُسْرِ الرُّقِيِّ مِنْهَا، (حَتَّى رَقِيَ) - بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَكَسْرِ الْقَافِ - كَصَعِدَ وَزَنًا وَمَعْنًى، وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ التِّينِ أَنَّ الرِّوَايَةَ رَقَى بِفَتْحِ الْقَافِ، فَإِنَّهُ قَالَ: كَذَا وَقَعَ، وَصَوَابُهُ: رَقِيَ عَلَى وَزْنِ عَلِمَ، وَمَعْنَاهُ: صَعِدَ، قَالَ تَعَالَى: {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ} [الإسراء: 93] (سورة الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 93) ، وَأَمَّا رَقَى بِفَتْحِ الْقَافِ، فَمِنَ الرُّقْيَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، وَخَرَّجَهُ عَلَى لُغَةِ طَيٍّ فِي مِثْلِ: بَقَى يَبْقَى وَرَضَى يَرْضَى يَأْتُونَ بِالْفَتْحَةِ مَكَانَ الْكَسْرَةِ، فَتُقْلَبُ الْيَاءُ أَلِفًا، وَهَذَا دَأْبُهُمْ فِي كُلِّ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ: وَلَعَلَّ الْمُقْتَضِيَ لِإِيثَارِ الْفَتْحِ هُنَا - إِنْ صَحَّ - قَصْدُ الْمُزَاوَجَةِ بَيْنَ رَقَى وَسَقَى، وَهِيَ مِنْ مَقَاصِدِهِمُ الَّتِي يَعْتَمِدُونَ فِيهَا تَغْيِيرَ الْكَلِمَةِ عَنْ وَضْعِهَا الْأَصْلِيِّ. (فَسَقَى الْكَلْبَ) ، زَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ: " حَتَّى أَرْوَاهُ "، كَمَا الحديث: 1729 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 فِي الصَّحِيحَيْنِ، أَيْ جَعَلَهُ رَيَّانَ، (فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ) ، أَثْنَى عَلَيْهِ، أَوْ قَبِلَ عَمَلَهُ ذَلِكَ، أَوْ أَظْهَرَ مَا جَازَاهُ بِهِ عِنْدَ مَلَائِكَتِهِ. (فَغَفَرَ لَهُ) ، الْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ بِسَبَبِ قَبُولِهِ غَفَرَ لَهُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ دِينَارٍ بَدَلَهُ: " فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ "، (فَقَالُوا) : أَيِ الصَّحَابَةُ، وَسُمِّيَ مِنْهُمْ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَابْنِ حِبَّانَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ) الْأَمْرُ كَمَا قُلْتَ، (وَإِنَّ لَنَا فِي) سَقْيِ (الْبَهَائِمِ) ، أَوْ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهَا (لَأَجْرًا) ثَوَابًا؟ (فَقَالَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فِي كُلِّ كَبِدٍ) - بِفَتْحِ الْكَافِ، وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ - وَيَجُوزُ سُكُونُهَا، وَكَسْرُ الْكَافِ، وَسُكُونُ الْمُوَحَّدَةِ -: رَطْبَةٍ بِرُطُوبَةِ الْحَيَاةِ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ، أَوْ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ لَازِمَةٌ لِلْحَيَاةِ فَيَكُونُ كِنَايَةً عَنْهَا، أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ وَصْفِ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: فِي كُلِّ كَبِدٍ حَرَّى لِمَنْ سَقَاهَا حَتَّى تَصِيرَ رَطْبَةً (أَجْرٌ) بِالرَّفْعِ، مُبْتَدَأٌ قُدِّمَ خَبَرُهُ، أَيْ حَاصِلٌ وَكَائِنٌ فِي إِرْوَاءِ كُلِّ ذِي كَبِدٍ حَيَّةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ " فِي " سَبَبِيَّةٌ كَقَوْلِكَ: فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: الْمَعْنَى: فِي كُلِّ كَبِدٍ حَيٍّ، وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحَيَوَانِ، قَالَ الْأُبِّيُّ: حَتَّى الْكَافِرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] (سورة الْإِنْسَانِ: الْآيَةُ 8) ; لِأَنَّ الْأَسِيرَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَغْلَبِ كَافِرًا، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: هَذَا الْحَدِيثُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَقَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، وَقَوْلُهُ: فِي كُلِّ كَبِدٍ، مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ الْبَهَائِمِ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِقَتْلِهِ كَالْخِنْزِيرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْوَى لِيَزْدَادَ ضَرَرُهُ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ: عُمُومُهُ مَخْصُوصٌ بِالْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ، وَهُوَ مِمَّا لَمْ يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ فَيَحْصُلُ الثَّوَابُ بِسَقْيِهِ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ إِطْعَامُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْإِحْسَانِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: لَا يَمْنَعُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ، يَعْنِي: فَيَسْقِي، ثُمَّ يَقْتُلُ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نُحْسِنَ الْقِتْلَةَ، وَنُهِينَا عَنِ الْمُثْلَةِ، وَفِيهِ جَوَازُ حَفْرِ الْآبَارِ فِي الصَّحْرَاءِ لِانْتِفَاعِ عَطْشَانَ وَغَيْرِهِ بِهَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ سَاغَ مَعَ مَظِنَّةِ الِاسْتِضْرَارِ بِهَا مِنْ سَاقِطٍ بِلَيْلٍ، أَوْ وُقُوعِ بَهِيمَةٍ، وَنَحْوِهَا فِيهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ أَكْثَرَ وَمُتَحَقِّقَةً، وَالِاسْتِضْرَارُ نَادِرًا، أَوْ مَظْنُونًا غَلَبَ الِانْتِفَاعُ، وَسَقَطَ الضَّمَانُ، فَكَانَتْ جُبَارًا، فَلَوْ تَحَقَّقَتِ الضَّرُورَةُ لَمْ يَجُزْ، وَضَمِنَ الْحَافِرُ، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ وَأَنَّ سَقْيَ الْمَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الشُّرْبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْمَظَالِمِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَفِي الْأَدَبِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْحَيَوَانِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْجِهَادِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلَاثُ مِائَةٍ قَالَ وَأَنَا فِيهِمْ قَالَ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ قَالَ فَكَانَ يُقَوِّتُنَاهُ كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ وَلَمْ تُصِبْنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فَقُلْتُ وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ فَقَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حَيْثُ فَنِيَتْ قَالَ ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلْعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا وَلَمْ تُصِبْهُمَا» قَالَ مَالِكٌ الظَّرِبُ الْجُبَيْلُ   1730 - 1680 - (مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) الْقُرَشِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبِي نُعَيْمٍ الْمَدَنِيِّ الْمُعَلِّمِ، ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْثًا قِبَلَ) - بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ - جِهَةَ (السَّاحِلِ) ، أَيْ سَاحِلِ الْبَحْرِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " يَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ "، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ: " بَعَثَنَا إِلَى أَرْضِ جُهَيْنَةَ "، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ بَعْثَهُمْ إِلَى حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ بِالْقَبْلِيَّةِ - بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالْمُوَحَّدَةِ، وَكَسْرِ اللَّامِ، وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ - مِمَّا يَلِي سَاحِلَ الْبَحْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ خَمْسُ لَيَالٍ، وَأَنَّهُمُ انْصَرَفُوا، وَلَمْ يَلْقَوْا كَيْدًا، أَيْ حَرْبًا، وَلَا مُنَافَاةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْبَعْثَ لِلْمُتَصَدِّينَ رَصَدَ عِيرَ قُرَيْشٍ، وَقَصَدَ مُحَارَبَةَ حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنَّ تَلَقِّيَ عِيرِ قُرَيْشٍ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ فِي الْهُدْنَةِ، بَلْ مُقْتَضَى مَا فِي الصَّحِيحِ أَنْ يَكُونَ الْبَعْثُ فِي سَنَةِ سِتٍّ، أَوْ قَبْلَهَا قَبْلَ هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، نَعَمْ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَلَقِّيَهُمْ لِلْعِيرِ لَيْسَ لِحَرْبِهِمْ، بَلْ لِحِفْظِهِمْ مِنْ جُهَيْنَةَ، وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْخَبَرِ أَنَّهُمْ قَاتَلُوا أَحَدًا، بَلْ فِيهِ أَنَّهُمْ أَقَامُوا نِصْفَ شَهْرٍ وَأَكْثَرَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: قَالُوا: كَانَ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ بَعْدَ نَكْثِ قُرَيْشٍ الْعَهْدَ، وَقَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْهُدَى: كَوْنُهُ فِي رَجَبٍ غَيْرَ مَحْفُوظٍ إِذْ لَمْ يُحْفَظْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَلَا أَغَارَ فِيهِ، وَلَا بَعَثَ فِيهِ سَرِيَّةً، قَالَ الْحَافِظُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ: هَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ مَلِيحٌ لَكِنَّهُ عَلَى مُخْتَارِهِ مِنْ عَدَمِ نَسْخِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ كَشَيْخِهِ ابْنِ تَيْمِيَةَ تَبَعًا لِلظَّاهِرِيَّةِ، وَعَطَاءٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ مِنْ نَسْخِهِ. (فَأَمَّرَ) - بِشَدِّ الْمِيمِ - أَيْ جَعَلَ أَمِيرًا (عَلَيْهِمْ) ، أَيْ عَلَى الْبَعْثِ (أَبَا عُبَيْدَةَ) عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ الْجَرَّاحِ) الْقُرَشِيَّ الْفِهْرِيَّ أَحَدَ الْعَشَرَةِ الْبَدْرِيَّ مِنَ السَّابِقِينَ، مَاتَ شَهِيدًا بِطَاعُونِ عَمْوَاسٍ سَنَةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ أَمِيرًا عَلَى الشَّامِ مِنْ قِبَلِ عُمَرَ. وَفِي رِوَايَةِ حَمْزَةَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ: " أَمَّرَ عَلَيْنَا قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ "، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمَحْفُوظُ مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ رِوَايَاتُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَكَأَنَّ أَحَدَ رُوَاتِهِ ظَنَّ مِنْ صُنْعِ قَيْسٍ مِنْ نَحْرِ الْإِبِلِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَنَّهُ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (وَهُمْ) ، أَيِ الْجَيْشُ (ثَلَاثُمِائَةٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الرِّوَايَاتِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَبِهِ جَزَمَ أَهْلُ السِّيَرِ كَابْنِ سَعْدٍ الحديث: 1730 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 قَائِلًا: مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلِلنَّسَائِيِّ أَيْضًا بِضْعَ عَشْرَةَ ثَلَاثَمِائَةٍ، فَإِنْ صِحَّتْ فَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ اسْتِسْهَالًا لِأَمْرِ الْكَسْرِ لِقِلَّتِهِ، لَكِنَّ الْأَخْذَ بِالزِّيَادَةِ مَعَ صِحَّتِهَا وَاجِبٌ ; لِأَنَّهُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ. (قَالَ) جَابِرٌ: (وَأَنَا فِيهِمْ) ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ "، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ وَهْبٍ: " نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا "، (فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ) الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ لِلتَّكَلُّمِ (فَنِيَ) - بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَكَسْرِ النُّونِ: فَرَغَ (الزَّادُ) جَوَّزَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى فَنِيَ: أَشْرَفَ عَلَى الْفَنَاءِ، (فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ) - بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَإِسْكَانِ الزَّايِ، وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالدَّالِ - تَثْنِيَةَ مِزْوَدٍ بِالْكَسْرِ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الزَّادُ. (قَالَ) جَابِرٌ: (فَكَانَ) أَبُو عُبَيْدَةَ (يُقَوِّتُنَاهُ) - بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّخْفِيفِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ، وَبِضَمِّهِ وَالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّقْوِيتِ - (كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (حَتَّى فَنِيَ) مَا فِي الْمِزْوَدَيْنِ مِنَ التَّمْرِ، (وَلَمْ تُصِبْنَا) مِمَّا جُمِعَ ثَانِيًا مِنَ الْأَزْوَادِ الْخَاصَّةِ، (إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ) كُلَّ يَوْمٍ هَكَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى فَنِيَ: أَشْرَفَ عَلَى الْفَنَاءِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّهُمْ كَانَ لَهُمْ أَزْوَادٌ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ وَأَزْوَادٌ بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ، فَلَمَّا فَنِيَ الَّذِي بِطَرِيقِ الْعُمُومِ اقْتَضَى رَأْيُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنْ يَجْمَعَ الَّذِي بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ لِقَصْدِ الْمُوَاسَاةِ بَيْنَهُمْ، فَفَعَلَ فَكَانَ جَمِيعُهُ مِزْوَدًا وَاحِدًا. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: " «فَزَوَّدَنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً» "، وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ حَدِيثَ الْبَابِ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الزَّادَ الْعَامَّ كَانَ قَدْرَ جِرَابٍ، فَلَمَّا نَفِدَ وَجَمَعَ أَبُو عُبَيْدَةَ الزَّادَ الْخَاصَّ اتَّفَقَ أَنَّهُ قُدِّرَ جِرَابٌ، وَيَكُونُ كُلٌّ مِنَ الرَّاوِيَيْنِ ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرِ الْآخَرُ، وَأَمَّا تَفْرِقَتُهُ تَمْرَةً تَمْرَةً، فَكَانَ فِي ثَانِي الْحَالِ، انْتَهَى. وَلَا بَأْسَ بِمَا قَالَ إِلَّا قَوْلَهُ: مِزْوَدًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْحَدِيثَ هُنَا، وَفِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رُوِيَ بِالتَّثْنِيَةِ، وَقَوْلُ عِيَاضٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَزْوَادِهِمْ تَمْرٌ غَيْرُ الْجِرَابِ الْمَذْكُورِ، وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ حَدِيثَ وَهْبٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الَّذِي اجْتَمَعَ مِنْ أَزْوَادِهِمْ مِزْوَدَا تَمْرٍ، وَرِوَايَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّدَهُمْ جِرَابًا مَنْ تَمْرٍ، فَصَحَّ أَنَّ التَّمْرَ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِ الْجِرَابِ، قَالَ: وَقَوْلُ غَيْرِهِ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَفْرِقَتَهُ عَلَيْهِمْ تَمْرَةً تَمْرَةً قَصْدًا لِبَرَكَتِهِ، وَكَانَ يُفَرِّقُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَزْوَادِ الَّتِي جُمِعَتْ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ بَعِيدٌ مِنَ السِّيَاقِ، بَلْ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، فَقَلَّتْ أَزْوَادُنَا حَتَّى مَا كَانَ يُصِيبُ الرَّجُلَ مِنَّا إِلَّا تَمْرَةٌ، قَالَ وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ: (فَقُلْتُ) لِجَابِرٍ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 (وَمَا تُغْنِي) عَنْكُمْ (تَمْرَةٌ) ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ وَهْبٍ: وَأَيْنَ كَانَتِ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنَ الرَّجُلِ؟ (فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا) مُؤَثِّرًا (حَيْثُ فَنِيَتْ) ، لِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ لَا شَيْءَ، إِذْ تُحَلِّي الْفَمَ وَتَرُدُّ بَعْضَ أَلَمِ الْجُوعِ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: " أَنَّهُ أَيْضًا سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا، فَقُلْتُ: مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ قَالَ: نَمُصُّهَا كَمَا يَمُصُّ الصَّبِيُّ الثَّدْيَ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَيَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ "، وَزَادَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: " «فَأَقَمْنَا عَلَى السَّاحِلِ حَتَّى فَنِيَ زَادُنَا، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ» " - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ - أَيْ وَرَقَ السَّلَمِ - بِفَتْحَتَيْنِ - شَجَرٌ عَظِيمٌ لَهُ شَوْكٌ كَالْعَوْسَجِ وَالطَّلْحِ، قِيلَ: وَهُوَ الَّذِي أَكَلُوا وَرَقَهُ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: " «وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ وَنَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ» "، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَابِسًا خِلَافًا لِزَعْمِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ كَانَ أَخْضَرَ رَطْبًا، وَلِهَذَا تُعْرَفُ بِسَرِيَّةِ الْخَبَطِ. (قَالَ) جَابِرٌ: (فَانْتَهَيْنَا) ، وَفِي رِوَايَةٍ: " ثُمَّ انْتَهَيْنَا " (إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ) : اسْمُ جِنْسٍ لِجَمِيعِ السَّمَكِ، وَقِيلَ: مَخْصُوصٌ بِمَا عَظُمَ مِنْهُ، (مِثْلُ الظَّرِبِ) - بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَمُوَحَّدَةٍ، حَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ السَّاقِطَةِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ - الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَقَالَ الْقَزَّازُ: هُوَ بِسُكُونِ الرَّاءِ إِذَا كَانَ مُنْبَسِطًا لَيْسَ بِالْعَالِي. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: " «فَوَقَعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا هِيَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ» "، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: " فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ "، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَيْضًا: " فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ نَرَ مِثْلَهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ "، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْعَنْبَرُ دَابَّةٌ بَحْرِيَّةٌ كَبِيرَةٌ يُتَّخَذُ مِنْ جِلْدِهَا التِّرْسَةُ، وَيُقَالُ إِنَّ الْعَنْبَرَ الْمَشْمُومَ رَجِيعُ هَذَا الدَّابَّةِ، وَقِيلَ: الْمَشْمُومُ يَخْرُجُ مِنَ الشَّجَرِ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ فِي أَجْوَافِ السَّمَكِ الَّذِي تَبْتَلِعُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: رَأَيْتُ الْعَنْبَرَ نَابَتَا فِي الْبَحْرِ مُلْتَوِيًا مِثْلَ عُنُقِ الشَّاةِ، وَفِي الْبَحْرِ دَابَّةٌ تَأْكُلُهُ وَهُوَ سُمٌّ لَهَا فَيَقْتُلُهَا فَيَقْذِفُهُ الْبَحْرُ فَيَخْرُجُ الْعَنْبَرُ مِنْ بَطْنِهَا. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْعَنْبَرُ سَمَكَةٌ تَكُونُ بِالْبَحْرِ الْأَعْظَمِ يَبْلُغُ طُولُهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا، يُقَالُ لَهَا: بَالَةٌ وَلَيْسَتْ عَرَبِيَّةً. (فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً) ، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: " فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ "، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ: " فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا "، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُجْمَعُ بِأَنَّ مَنْ قَالَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، ضَبَطَ مَا لَمْ يَضْبِطْهُ غَيْرُهُ، وَمَنْ قَالَ نِصْفَ شَهْرٍ، أَلْغَى الْكَسْرَ الزَّائِدَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَمَنْ قَالَ شَهْرًا جَبَرَ الْكَسْرَ، أَوْ ضَمَّ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ وِجْدَانِهِمُ الْحُوتَ إِلَيْهَا، وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ رِوَايَةَ أَبِي الزُّبَيْرِ لِمَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهْمٌ، وَلَعَلَّ الْجَمْعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَوْلَى. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ: اثْنَى عَشَرَ يَوْمًا وَهِيَ شَاذَّةٌ، وَأَشَدُّ مِنْهَا شُذُوذًا، رِوَايَةُ الْخَوْلَانِيِّ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا ثَلَاثًا، زَادَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ: " «وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهِ حَتَّى ثَابَتْ إِلَيْنَا أَجْسَامُنَا» " - بِمُثَلَّثَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ - أَيْ رَجَعَتْ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ حَصَلَ لَهُمْ فَزَالَ مِنَ الْجُوعِ السَّابِقِ. (ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ) - بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ اللَّامِ - (مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا) - بِالتَّذْكِيرِ - وَإِنْ كَانَتِ الضِّلَعُ مُؤَنَّثَةً لِأَنَّهُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ فَيَجُوزُ تَذْكِيرُهُ. (ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ) أَنْ تَرْحَلَ (فَرَحَلَتْ) - بِخِفَّةِ الْحَاءِ، وَشَدِّهَا - (ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا) الرَّاحِلَةُ لِعِظَمِهِمَا. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " «فَعَمَدَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ مَعَهُ فَمَرَّ تَحْتَهُ» "، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: " «ثُمَّ أَمَرَ بِأَجْسَمِ بَعِيرٍ مَعَنَا فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَجْسَمَ رَجُلٍ مِنَّا، فَخَرَجَ مِنْ تَحْتِهَا وَمَا مَسَّتْهُ رَأَسُهُ» "، وَجَزَمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ بِأَنَّ الرَّجُلَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَأَظُنُّهُ قَيْسًا فَإِنَّهُ مَشْهُورٌ بِالطُّولِ، وَقِصَّتُهُ مَعَ مُعَاوِيَةَ مَعْرُوفَةٌ لَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَلِكُ الرُّومِ أَطْوَلَ رَجُلٍ مِنْهُمْ، وَنَزَعَ لَهُ قِيسٌ سَرَاوِيلَهُ فَكَانَتْ طُولَ قَامَةِ الرُّومِيِّ بِحَيْثُ كَانَ طَرَفُهَا عَلَى أَنْفِهِ، وَطَرَفُهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَعُوتِبَ قَيْسٌ فِي نَزْعِ سَرَاوِيلِهِ فَقَالَ: أَرَدْتُ لِكَيْمَا يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهَا سَرَاوِيلُ قَيْسٍ وَالْوُفُودُ شُهُودٌ وَأَنْ لَا يَقُولُوا غَابَ قَيْسٌ وَهَذِهِ سَرَاوِيلُ عَادِيٍّ نَمَّتْهُ ثَمُودٌ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنَيْهِ بِالْقِلَالِ الدُّهْنَ، وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالتَّوْرِ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقْبِ عَيْنَيْهِ - بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَسُكُونِ الْقَافِ وَمُوَحَّدَةٍ - النُّقْرَةُ الَّتِي فِيهَا الْحَدَقَةُ، وَالْفِدَرُ - بِكَسْرِ الْفَاءِ، وَفَتْحِ الدَّالِ - جَمْعُ فِدْرَةٍ - بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ -: الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ. وَفِي رِوَايَةِ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ جَابِرٍ: " وَحَمَلْنَا مَا شِئْنَا مِنْ قَدِيدٍ وَوَدَكٍ فِي الْأَسْقِيَةِ وَالْغَرَائِرِ "، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ جَابِرٍ: " «فَأَتَيْنَا سَيْفَ الْبَحْرِ فَزَخَرَ الْبَحْرُ زَخْرَةً، فَأَلْقَى دَابَّةً فَأَوْرَيْنَا عَلَى شِقِّهَا النَّارَ، فَأَطْبَخْنَا وَاشْتَوَيْنَا وَأَكَلْنَا وَشَبِعْنَا قَالَ جَابِرٌ: فَدَخَلْتُ أَنَا وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ حَتَّى عَدَّ خَمْسَةً فِي حِجَاجِ عَيْنِهَا مَا يَرَانَا أَحَدٌ حَتَّى خَرَجْنَا، وَأَخَذْنَا ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهَا فَقَوَّسْنَاهُ، وَدَعَوْنَا بِأَعْظَمِ رَجُلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمِ جَمَلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمِ كِفْلٍ فِي الرَّكْبِ، فَدَخَلَ تَحْتَهُ مَا يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ» " وَكِفْلٌ - بِكَسْرِ الْكَافِ، وَسُكُونِ الْفَاءِ وَلَامٍ - كِسَاءٌ يَجْعَلُهُ الرَّاكِبُ عَلَى سَنَامِهِ لِئَلَّا يَسْقُطَ. وَفِي رِوَايَةِ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ جَابِرٍ: " وَحَمَلْنَا مَا شِئْنَا مِنْ قَدِيدٍ وَوَدَكٍ "، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: " «فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ، أَطْعِمُونَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 إِنْ كَانَ مَعَكُمْ فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ بِعُضْوٍ مِنْهُ فَأَكَلَهُ» "، وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: " «فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِهِ فَتُطْعِمُونَا؟ فَكَانَ مَعَنَا مِنْهُ شَيْءٌ فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَأَكَلَ» "، وَلِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ عَنِ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ جَابِرٍ: " «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّا نُدْرِكُهُ لَمْ يُرْوِحْ لَأَحْبَبْنَا لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مِنْهُ» "، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا لَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ أَبِي الزُّبَيْرِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ ازْدِيَادًا مِنْهُ بَعْدَ أَنْ أَحْضَرُوا لَهُ مِنْهُ مَا ذُكِرَ، أَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْضِرُوا لَهُ مِنْهُ، وَكَانَ مَا أَحْضَرُوهُ لَمْ يُرْوِحْ فَأَكَلَ مِنْهُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ: " «وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، أَيْ عِنْدَمَا جَاعُوا، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ بِالتَّكْرَارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» "، وَلِلْحُمَيْدِيِّ فِي مَسْنَدِهِ وَغَيْرِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ «عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي وَكُنْتُ فِي جَيْشِ الْخَبَطَ أَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ قَالَ: انْحَرْ، قُلْتُ: نَحَرْتُ ثُمَّ جَاعُوا، قَالَ: انْحَرْ، قُلْتُ: نَحَرْتُ ثُمَّ جَاعُوا، قَالَ: انْحَرْ، قُلْتُ: نَحَرْتُ ثُمَّ جَاعُوا، قَالَ: انْحَرْ، قُلْتُ: قَدْ نُهِيتُ» "، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ «أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ جُوعٌ شَدِيدٌ، فَقَالَ قَيْسٌ: مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي تَمْرًا بِالْمَدِينَةِ بِجُزُرٍ هُنَا؟ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَانْتَسَبَ، فَقَالَ: عَرَفْتُ نَسَبَكَ فَابْتَاعَ مِنْهُ خَمْسَ جَزَائِرَ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَأَشْهَدَ لَهُ نَفَرًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَامْتَنَعَ عُمَرُ لِكَوْنِ قَيْسٍ لَا مَالَ لَهُ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: مَا كَانَ سَعْدٌ لِيَخْنَى بِابْنِهِ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ - بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ، وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَنُونٍ - أَيْ يُقَصِّرُ، قَالَ: وَأَرَى وَجْهًا حَسَنًا وَفِعْلًا شَرِيفًا، فَأَخَذَ قِيسٌ الْجُزُرَ فَنَحَرَ لَهُمْ ثَلَاثَةً كُلَّ يَوْمٍ جَزُورًا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ نَهَاهُ أَمِيرُهُ فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَنْحَرَ تُرِيدُ أَنْ تَخْفِرَ ذِمَّتَكَ وَلَا مَالَ لَكَ، قَالَ قَيْسٌ: يَا أَبَا عُبَيْدَةَ أَتُرَى أَبَا ثَابِتٍ يَعْنِي سَعْدًا أَبَاهُ يَقْضِي دُيُونَ النَّاسِ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيُطْعِمُ فِي الْمَجَاعَةِ لَا يَقْضِي عَنِّي تَمْرًا لِقَوْمٍ مُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَكَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَلِينُ وَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: أَعْزِمُ فَعَزَمَ عَلَيْهِ فَبَقِيَتْ جَزُورَانِ فَقَدِمَ بِهِمَا قَيْسٌ الْمَدِينَةَ ظَهْرًا يَتَعَاقَبُونَ عَلَيْهِمَا، وَبَلَغَ سَعْدًا مَجَاعَةُ الْقَوْمِ فَقَالَ: إِنْ يَكُ قَيْسٌ كَمَا أَعْرِفُ فَسَيَنْحَرُ لَهُمْ، فَلَمَّا لَقِيَهُ قَالَ: مَا صَنَعْتَ فِي مَجَاعَةِ الْقَوْمِ؟ قَالَ: نَحَرْتُ، قَالَ: أَصَبْتَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: نَحَرْتُ، قَالَ: أَصَبْتَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: نَحَرْتُ، قَالَ: أَصَبْتَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: نُهِيتُ، قَالَ: وَمَنْ نَهَاكَ؟ قَالَ: أَبُو عُبَيْدَةَ أَمِيرِي، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ لَا مَالَ لِي وَإِنَّمَا الْمَالُ لِأَبِيكَ، فَقَالَ: لَكَ أَرْبَعُ حَوَائِطَ أَدْنَاهَا تَجِدُ مِنْهُ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَقَدِمَ الْبَدَوِيُّ مَعَ قَيْسٍ فَأَوْفَاهُ أَوْسُقَهُ وَحَمَلَهُ وَكَسَاهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلُ قَيْسٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ فِي قَلْبِ جُودٍ» . وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ: فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ الْجُودَ مِنْ سِيمَةِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ» "، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ نَحَرَ أَوَّلًا سِتًّا مِمَّا مَعَهُ مِنَ الظَّهْرِ، ثُمَّ اشْتَرَى خَمْسًا نَحَرَ مِنْهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ نُهِيَ، فَاقْتَصَرَ مَنْ قَالَ ثَلَاثًا عَلَى مَا نَحَرَهُ مِمَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 اشْتَرَاهُ، وَمَنْ قَالَ تِسْعًا ذَكَرَ جُمْلَةَ مَا نَحَرَهُ، فَإِنْ سَاغَ هَذَا وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يَتَنَزَّلِ الْحَافِظُ لِلْجَمْعِ، وَقَالَ: اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نَهْيِ أَبِي عُبَيْدَةَ قَيْسًا أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى سِنَانِ الْجَيْشِ، فَقِيلَ: خِيفَةَ أَنْ تَفْنَى حُمُولَتُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ الْعَسْكَرِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَسْتَدِينُ عَلَى ذِمَّتِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ، فَأُرِيدَ الرِّفْقُ بِهِ، وَهَذَا أَظْهَرُ اه. وَلَا نَظَرَ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْعَسْكَرِ بَعْدَ نَحْرِ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الْمُوَاسَاةِ بَيْنَ الْجَيْشِ عِنْدَ الْمَجَاعَةِ، فَإِنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الطَّعَامِ يَسْتَدْعِي الْبَرَكَةَ فِيهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الشَّرِكَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْمَغَازِي عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَهُمْ بِزِيَادَاتٍ قَدْ أَتَيْتُ عَلَى حَاصِلِهَا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقِ الْمُعِينِ. (قَالَ مَالِكٌ: الظَّرِبُ) - بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ - وَزْنُ كَتِفٍ (الْجُبَيْلُ) - بِضَمِّ الْجِيمِ - مُصَغَّرً إِشَارَةً إِلَى صِغَرِهِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنٍ بُكَيْرٍ: الْجَبَلُ الصَّغِيرُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ جَدَّتِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ إِحْدَاكُنَّ لِجَارَتِهَا وَلَوْ كُرَاعَ شَاةٍ مُحْرَقًا»   1731 - 1681 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ (عَنْ عَمْرٍو) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - (ابْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) نِسْبَةً إِلَى جَدِّهِ، إِذْ هُوَ عَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْأَشْهَلِيُّ الْمَدَنِيُّ يُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ وَقَلَبَهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو: تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ. (عَنْ جَدَّتِهِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ اسْمُهَا حَوَّاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا جَدَّةُ ابْنِ نُجِيدُ أَيْضًا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: رُوِّينَاهُ بِالْمَشْرِقِ بِنَصْبِ نِسَاءٍ، وَخَفْضِ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى الْإِضَافَةِ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ، أَوْ مِنْ إِضَافَةِ الْعَامِّ لِلْخَاصِّ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، أَوْ عَلَى تَأْوِيلِ نِسَاءٍ بِفَاضِلَاتٍ، أَيْ فَاضِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ كَمَا يُقَالُ: رِجَالُ الْقَوْمِ، أَيْ سَادَتُهُمْ وَأَفَاضِلُهُمْ، وَرُوِّينَاهُ بِبَلَدِنَا، بِرَفْعِ الْكَلِمَتَيْنِ: الْأُولَى عَلَى النِّدَاءِ وَالثَّانِيَةُ صِفَةٌ عَلَى اللَّفْظِ، أَيْ يَأَيُّهَا النِّسَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ، وَيَجُوزُ رَفْعُ الْأُولَى، وَنَصْبُ الثَّانِيَةِ بِالْكَسْرَةِ نَعْتٌ عَلَى الْمَوْضِعِ، كَمَا يُقَالُ: يَا زَيْدٌ الْعَاقِلَ بِنَصْبِ الْعَاقِلَ وَرَفْعِهِ، وَتَعَقَّبَ الْأُبِّيُّ قَوْلَهُ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، وَمَنَعَهُ الْبَصْرِيُّونَ، وَتَأَوَّلُوا نَحْوَ مَسْجِدِ الْجَامِعِ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ، أَيْ مَسْجِدِ الْمَكَانِ الْجَامِعِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ النُّحَاةُ مَسْجِدَ الْجَامِعِ مِثَالًا لِإِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ، لَا لِإِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، انْتَهَى. وَمِثْلُ هَذَا الحديث: 1731 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 ظَاهِرٌ فَإِنَّمَا سَبَقَهُ الْقَلَمُ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى صِفَتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ، فَطَغَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ، وَأَنْكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رِوَايَةَ الْإِضَافَةِ، وَرَدَّهُ ابْنُ السَّيِّدِ بِأَنَّهَا صَحَّتْ نَقْلًا وَسَاعَدَتْهَا اللُّغَةُ فَلَا مَعْنًى لِلْإِنْكَارِ. (لَا تَحْقِرَنَّ إِحْدَاكُنَّ) أَنْ تُهْدِيَ (لِجَارَتِهَا) شَيْئًا، (وَلَوْ) كَانَ (كُرَاعَ شَاةٍ) - بِضَمِّ الْكَافِ - مَا دُونَ الْعَقِبِ مِنَ الْمَوَاشِي، وَالدَّوَابِّ، وَالْإِنْسِ كَمَا فِي الْعَيْنِ، وَخَصَّ النَّهْيَ بِالنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ مَوَادُّ الْمَوَدَّةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَلِأَنَّهُنَّ أَسْرَعُ انْتِقَالًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (مُحْرَقًا) ، نَعْتٌ لِكُرَاعٍ وَهُوَ مُؤَنَّثٌ، فَكَانَ حَقُّهُ مُحْرَقَةً إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ وَرَدَتْ هَكَذَا فِي الْمُوَطَّآتِ وَغَيْرِهَا. وَحَكَى ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يُذَكِّرُهُ فَلَعَلَّ الرِّوَايَةَ عَلَى تِلْكَ اللُّغَةِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَهْيٌ لِلْمُهْدِيَةِ، وَأَنْ يَكُونَ لِلْمُهْدَى إِلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي إِهْدَاءِ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ وَقَبُولِهِ لَا إِلَى حَقِيقَتِهِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِإِهْدَاءِ الْكُرَاعِ أَيْ لَا يَمْنَعُ جَارَةً مِنْ إِهْدَائِهَا لِجَارَتِهَا الْمَوْجُودَ عِنْدَهَا اسْتِقْلَالُهُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَجُودَ لَهَا بِمَا تَيَسَّرَ، وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الْعَدَمِ، وَإِذَا تَوَاصَلَ الْقَلِيلُ صَارَ كَثِيرًا. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ تَهَادُوا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ، فَإِنَّهُ يُنْبِتُ الْمَوَدَّةَ وَيُذْهِبُ الضَّغَائِنَ» "، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: " وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ " - بِكَسْرِ الْفَاءِ، وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ - وَهُوَ كَالْقَدَمِ لِلْإِنْسَانِ، وَبِلَفْظِ الْمُسْلِمَاتِ بَدَلَ الْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، بَلْ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ: " يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ نُهُوا عَنْ أَكْلِ الشَّحْمِ فَبَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ»   1732 - 1682 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مُرْسَلًا، وَهُوَ مَوْصُولٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: " «أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: إِنِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمِيتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهُنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: هُوَ حَرَامٌ» "، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدًا خَلْفَ الْمَقَامِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ سَاعَةً، ثُمَّ ضَحِكَ ثُمَّ قَالَ» "، (قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ) ، أَيْ لَعَنَهُمْ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَتَلَهُمْ، وَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَادَاهُمْ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَنْ صَارَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَجَبَ قَتْلُهُ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: قَاتَلَ أَيْ عَادَى، أَوْ قَتَلَ، وَأُخْرِجَ فِي صُورَةِ الْمُغَالَبَةِ أَوْ الحديث: 1732 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 عَبَّرَ عَنْهُ بِمَا هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْهُ، فَإِنَّهُمْ بِمَا اخْتَرَعُوا مِنَ الْحِيلَةِ انْتَصَبُوا لِمُحَارَبَةِ اللَّهِ وَمُقَاتَلَتِهِ، وَمَنْ حَارَبَهُ حُرِبَ وَمَنْ قَاتَلَهُ قُتِلَ. ( «نُهُوا عَنْ أَكْلِ الشَّحْمِ» ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] (سورة الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 146) ، (فَبَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ) ، وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: " جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ " - بِالْجِيمِ - أَيْ أَذَابُوهُ قَائِلِينَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الشَّحْمَ، وَهَذَا وَدَكٌ. زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: " «وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ» "، قَالَ عِيَاضٌ: كَثُرَ اعْتِرَاضُ مَلَاعِينِ الْيَهُودِ وَالزَّنَادِقَةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ مَوْطُوءَةَ الْأَبِ بِالْمِلْكِ لِوَلَدِهِ بَيْعُهَا دُونَ وَطْئِهَا، وَهُوَ سَاقِطٌ لِأَنَّ مَوْطُوءَةَ الْأَبِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الِابْنِ مِنْهَا إِلَّا وَطْؤُهَا، فَجَمِيعُ مَنَافِعِهَا غَيْرُهُ حَلَالٌ لَهُ، وَشَحْمُ الْمَيْتَةِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْأَكْلُ وَهُوَ حَرَامٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَحُرْمَتُهُ عَامَّةٌ عَلَى كُلِّ الْيَهُودِ فَافْتَرَقَا. وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَمَالِيهِ: الْمُتَبَادَرُ إِلَى الْأَفْهَامِ مِنْ تَحْرِيمِ الشُّحُومِ، إِنَّمَا هُوَ تَحْرِيمُ أَكْلِهَا، لِأَنَّهَا مِنَ الْمَطْعُومَاتِ فَيَحْرُمُ بَيْعُهَا، مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقِ التَّحْرِيمِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا لَعَنَ الْيَهُودَ لِكَوْنِهِمْ فَعَلُوا غَيْرَ الْأَكْلِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ عُمُومُ مَنَافِعِهَا لَا خُصُوصُ أَكْلِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَيْكُمْ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالْبَقْلِ الْبَرِّيِّ وَخُبْزِ الشَّعِيرِ وَإِيَّاكُمْ وَخُبْزَ الْبُرِّ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَقُومُوا بِشُكْرِهِ   1732 - 1683 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) أَوْلَادَ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ، (عَلَيْكُمْ بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ) ، أَيِ الْخَالِصِ الَّذِي لَا يُمَازِجُهُ شَيْءٌ. (وَالْبَقْلِ) : كُلُّ نَبَاتٍ خُضِّرَتْ بِهِ الْأَرْضُ، (الْبَرِّيِّ) نِسْبَةً إِلَى الْبَرِّيَّةِ، وَهِيَ الصَّحْرَاءُ. (وَخُبْزِ الشَّعِيرِ) - بِفَتْحِ الشِّينِ، وَقَدْ تُكْسَرُ - (وَإِيَّاكُمْ وَخُبْزَ الْبُرِّ) : الْقَمْحِ، أَيِ احْذَرُوا أَكْلَهُ، (فَإِنَّكُمْ لَنْ تَقُومُوا بِشُكْرِهِ) تَعْلِيلٌ لِلتَّحْذِيرِ مِنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُمَا فَقَالَا أَخْرَجَنَا الْجُوعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَخْرَجَنِي الْجُوعُ فَذَهَبُوا إِلَى أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ الْأَنْصَارِيِّ فَأَمَرَ لَهُمْ بِشَعِيرٍ عِنْدَهُ يُعْمَلُ وَقَامَ يَذْبَحُ لَهُمْ شَاةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكِّبْ عَنْ ذَاتِ الدَّرِّ فَذَبَحَ لَهُمْ شَاةً وَاسْتَعْذَبَ لَهُمْ مَاءً فَعُلِّقَ فِي نَخْلَةٍ ثُمَّ أُتُوا بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَكَلُوا مِنْهُ وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ نَعِيمِ هَذَا الْيَوْمِ   1732 - 1684 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْبَزَّارُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ حِبَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي سِيَاقِهِمُ اخْتِلَافٌ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ) النَّبَوِيَّ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ هَكَذَا بِالشَّكِّ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ: فِي سَاعَةٍ لَا يَخْرُجُ فِيهَا، وَلَا يَلْقَاهُ فِيهَا أَحَدٌ. (فَوَجَدَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَسَأَلَهُمَا) فِي مُسْلِمٍ فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟ (فَقَالَا: أَخْرَجَنَا الْجُوعُ) ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: " «فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: خَرَجْتُ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ، وَالتَّسْلِيمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَرُ؟ قَالَ: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ» "، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ مُسْلِمٌ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ "، (وَأَنَا أَخْرَجَنِي الْجُوعُ) ، قَالَهُ تَسْلِيَةً وَإِينَاسًا لَهُمَا لِمَا عَلِمَ مِنْ شِدَّةِ جُوعِهِمَا. وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: " قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا قَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ ذَلِكَ "، وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ الْفُتُوحِ ; لِأَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ، فَرِوَايَتُهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ فَتْحِهَا، وَلَا يُنَافِي صَنِيعَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَبْذُلُونَ مَا يُسْأَلُونَ، فَرُبَّمَا يَحْتَاجُونَ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَعَلَّهُ رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي كَوْنِهِ ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ لَيْلَةٍ، فَلَوْ كَانَتْ رِوَايَتُهُ عَنْ مُشَاهَدَةٍ مَا تَرَدَّدَ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّ الشَّكَّ مِنْهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ مِنْ أَحَدِ رِجَالِ الْإِسْنَادِ. (فَذَهَبُوا إِلَى أَبِي الْهَيْثَمِ) - بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَالْمُثَلَّثَةِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، ثُمَّ مِيمٌ - مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، وَاسْمُهُ مَالِكُ (ابْنُ التَّيِّهَانِ) - بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةٌ - يُقَالُ: إِنَّهُ لَقَبٌ وَاسْمُهُ أَيْضًا مَالِكُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَمِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زَعُورَا (الْأَنْصَارِيُّ) الْأَوْسِيُّ، وَزَعُورَا أَخُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ شَهِدَ بَدْرًا، وَالْمُشَاهِدَ كُلَّهَا، مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ، أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، أَوْ قُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمْ أَرَ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَلَا يُثْبِتُهُ، وَقِيلَ: مَاتَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ قَائِلُهُ. وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: " «فَانْطَلَقُوا إِلَى مَنْزِلِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ النَّخْلِ وَالشِّيَاهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَدَمٌ» "، وَكَذَا عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَأَبِي يَعْلَى، وَالطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا، وَابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ أَبُو الْهَيْثَمِ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا، وَابْنِ حِبَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ أَبُو أَيُّوبَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقِصَّةَ اتَّفَقَتْ مَرَّةً مَعَ أَبِي الْهَيْثَمِ، كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَمَرَّةً مَعَ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ، وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ بِالْإِبْهَامِ قَالَ: فَأَتَى بِهِمَا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَذَهَابُهُمْ إِلَيْهِ لَا يُنَافِي كَمَالَ شَرَفِهِمْ، فَقَدِ اسْتَطْعَمَ قَبْلَهُمْ مُوسَى وَالْخَضِرُ لِإِرَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِتَسْلِيَةِ الْخَلْقِ بِهِمْ، وَأَنْ يُسْتَنَّ بِهِمُ السَّنَنَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ تَشْرِيعًا لِلْأُمَّةِ. وَهَلْ خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاصِدًا مِنْ أَوَّلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 خُرُوجِهِ إِنْسَانًا مُعَيَّنًا، أَوْ جَاءَ التَّعْيِينُ بِالِاتِّفَاقِ؟ احْتِمَالَانِ: قَالَ بَعْضُهُمُ: الْأَصَحُّ أَنَّ أَوَّلَ خَاطِرٍ حَرَّكَهُ لِلْخُرُوجِ، لَمْ يَكُنْ إِلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ ; لِأَنَّ الْكُمَّلَ لَا يَعْتَمِدُونَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ، زَادَ فِي مُسْلِمٍ: فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، فَقَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْنَ فُلَانٌ؟ وَفِي التِّرْمِذِيِّ: «فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الْمَاءَ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِقِرْبَةٍ، فَوَضَعَهَا، ثُمَّ جَاءَ يَلْتَزِمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَفْدِيهِ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» . وَفِي مُسْلِمٍ: «فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَجِدُ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي،» (فَأَمَرَ لَهُمْ بِشَعِيرٍ عِنْدَهُ يُعْمَلُ) خَبَزَا، (وَقَامَ يَذْبَحُ لَهُمْ شَاةً) ، وَفِي مُسْلِمٍ: وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَكِّبْ) - بِفَتْحِ النُّونِ، وَكَسْرِ الْكَافِ الثَّقِيلَةِ، وَمُوَحَّدَةٍ - أَيْ أَعْرِضْ (عَنْ ذَاتِ الدَّرِّ) ، أَيِ اللَّبَنِ. وَفِي مُسْلِمٍ فَقَالَ لَهُ: «إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ» ، نَهَاهُ عَنْ ذَبْحِهَا شَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ بِانْتِفَاعِهِمْ بِلَبَنِهَا، مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِغَيْرِهَا، فَهُوَ نَهْيُ إِرْشَادٍ لَا كَرَاهَةٍ فِي مُخَالَفَتِهِ لِزِيَادَةِ إِكْرَامِ الضَّيْفِ، لَكِنَّهُ امْتَثَلَ الْأَمْرَ، (فَذَبَحَ لَهُمْ شَاةً) عَنَاقًا، أَوْ جَدْيًا كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ بِالشَّكِّ، وَالْعَنَاقُ بِالْفَتْحِ أُنْثَى الْمَعْزِ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يُتِمَّ سَنَةً، وَالْجَدْيُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ -: ذَكَرُ الْمَعْزِ لَمْ يَبْلُغْ سَنَةَ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ: «انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى حَدِيقَةٍ، فَبَسَطَ لَهُمْ بِسَاطًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلَةٍ، فَجَاءَ بِقِنْوٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ: كُلُوا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفَلَا تَنَقَّيْتَ لَنَا مَنْ رُطَبِهِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَخْتَارُوا» . وَفِي رِوَايَةٍ: أَحْبَبْتُ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ تَمْرِهِ، وَبُسْرِهِ، وَرُطَبِهِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ بِمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ الَّذِي تَيَسَّرَ فَوْرًا بِلَا كُلْفَةٍ لَا سِيَّمَا مَعَ تَحَقُّقِهِ حَاجَتَهُمْ، وَلِأَنَّ فِيهِ أَلْوَانًا ثَلَاثَةً، وَلِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ مِنَ الْحَلَاوَةِ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ مُقَوٍّ لِلْمَعِدَةِ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ هَضْمًا. (وَاسْتَعْذَبَ لَهُمْ مَاءً) ، أَيْ جَاءَ لَهُمْ بِمَاءٍ عَذْبٍ، وَكَانَ أَكْثَرُ مِيَاهِ الْمَدِينَةِ مَالِحَةً، وَفِيهِ حِلُّ اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي الزُّهْدَ. (فَعُلِّقَ فِي نَخْلَةٍ) لِيُصِيبَهُ بَرْدُ الْهَوَاءِ، فَيَصِيرُ عَذْبًا بَارِدًا. (ثُمَّ أَتَوْا بِذَلِكَ الطَّعَامِ) خُبْزِ الشَّعِيرِ، وَالشَّاةِ، رُوِيَ أَنَّهُ شَوَى نِصْفَهُ، وَطَبَخَ نِصْفَهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بِهِ فَلَمَّا وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنَ الْجَدْيِ، فَوَضَعَهُ فِي رَغِيفٍ، وَقَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ: أَبْلِغْ بِهَذَا فَاطِمَةَ لَمْ تُصِبْ مِثْلَهُ مُنْذُ أَيَّامٍ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَيْهَا، (فَأَكَلُوا مِنْهُ وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ) الْعَذْبِ الْبَارِدِ، ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتُسْأَلُنَّ عَنْ نَعِيمِ هَذَا الْيَوْمِ» ) قِيلَ: سُؤَالُ امْتِنَانٍ لَا سُؤَالُ حِسَابٍ. وَقِيلَ: سُؤَالُ حِسَابٍ دُونَ مُنَاقَشَةٍ حَكَاهُمَا الْبَاجِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: هَذَا سُؤَالُ تَشْرِيفٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 وَإِنْعَامٍ وَتَعْدِيدِ فَضْلٍ، لَا سُؤَالُ تَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ وَمُحَاسَبَةٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُسْأَلُ عَنْ نَعِيمِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ هَلْ نَالَهُ مِنْ حِلِّهِ أَمْ لَا؟ فَإِذَا خَلَصَ مِنْ ذَلِكَ، سُئِلَ هَلْ قَامَ بِوَاجِبِ الشُّكْرِ فَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ أَمْ لَا؟ فَالْأَوَّلُ سُؤَالٌ عَنْ سَبَبِ اسْتِخْرَاجِهِ، وَالثَّانِي عَنْ مَحَلِّ صَرْفِهِ. وَفِي مُسْلِمٍ: «فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا، وَرَوَوْا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ» . وَفِي التِّرْمِذِيِّ: «فَقَالَ هَذَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; ظِلٌّ بَارِدٌ وَرُطَبٌ طِيِّبٌ وَمَاءٌ بَارِدٌ» . وَإِنَّمَا ذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا فِي هَذَا الْمَقَامِ إِرْشَادًا لِلْآكِلِينَ وَالشَّارِبِينَ إِلَى حِفْظِ أَنْفُسِهِمْ فِي الشِّبَعِ عَنِ الْغَفْلَةِ، وَالِاشْتِغَالِ بِالْحَدِيقَةِ وَالتَّنَعُّمِ عَنِ الْآخِرَةِ، أَوْ هُوَ تَسْلِيَةٌ لِلْحَاضِرِينَ الْمُفْتَقِرِينَ عَنْ فَقْرِهِمْ بِأَنَّهُمْ وَإِنْ حُرِمُوا عَنِ التَّنَزُّهِ، فَقَدِ اتَّقَوُا السُّؤَالَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: إِذَا أَصَبْتُمْ مِثْلَ هَذَا فَصَارَ بِأَيْدِيكُمْ، فَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِذَا شَبِعْتُمْ فَقُولُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ أَشْبَعَنَا، وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا وَأَفْضَلَ، فَإِنَّ هَذَا كَفَاءُ هَذَا، فَأَخَذَ عُمَرُ الْعِذْقَ فَضَرَبَ بِهَا الْأَرْضَ حَتَّى تَنَاثَرَ الْبُسْرُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَمَسْئُولُونَ عَنْ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: كِسْرَةٍ يَسُدُّ بِهَا الرَّجُلُ جُوعَهُ، أَوْ ثَوْبٍ يَسْتُرُ بِهَا عَوْرَتَهُ، أَوْ حُجْرٍ يَدْخُلُ فِيهِ مِنَ الْقُرِّ وَالْحَرِّ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْكُلُ خُبْزًا بِسَمْنٍ فَدَعَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ وَيَتَّبِعُ بِاللُّقْمَةِ وَضَرَ الصَّحْفَةِ فَقَالَ عُمَرُ كَأَنَّكَ مُقْفِرٌ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَكَلْتُ سَمْنًا وَلَا لُكْتُ أَكْلًا بِهِ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ عُمَرُ لَا آكُلُ السَّمْنَ حَتَّى يَحْيَا النَّاسُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَحْيَوْنَ   1735 - 1685 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْكُلُ خُبْزًا بِسَمْنٍ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ) - لَمْ يُسَمِّ - (فَجَعَلَ يَأْكُلُ وَيَتَّبِعُ) - بِشَدِّ الْفَوْقِيَّةِ - (بِاللُّقْمَةِ وَضَرَ) - بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ - وَسَخَ (الصَّحْفَةِ) : مَا يَعْلَقُ بِهِ مِنْ أَثَرِ السَّمْنِ، (فَقَالَ عُمَرُ: كَأَنَّكَ مُقْفِرٌ) - بِضَمِّ الْمِيمِ، وَإِسْكَانِ الْقَافِ، وَكَسْرِ الْفَاءِ -: أَيْ لَا أُدْمَ عِنْدَكَ، (فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَكَلْتُ سَمْنًا، وَلَا رَأَيْتُ أَكْلًا بِهِ مُنْدُ كَذَا وَكَذَا) مُدَّةً عَيَّنَهَا، (فَقَالَ عُمَرُ: لَا آكُلُ السَّمْنَ حَتَّى يَحْيَا النَّاسُ) ، أَيْ يُصِيبَهُمُ الْخَصْبُ، وَالْمَطَرُ (مِنْ أَوَّلِ مَا يَحْيَوْنَ) حَتَّى لَا أَمْتَازَ عَلَيْهِمْ. الحديث: 1735 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُطْرَحُ لَهُ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ فَيَأْكُلُهُ حَتَّى يَأْكُلَ حَشَفَهَا   1736 - 1686 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ) عَمِّهِ (أَنَسِ بْنِ الحديث: 1736 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، يُطْرَحُ) : يُلْقَى، (لَهُ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ فَيَأْكُلُهُ حَتَّى يَأْكُلَ حَشَفَهَا) : يَابِسَهَا الرَّدِيءَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ الْجَرَادِ فَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِي قَفْعَةً نَأْكُلُ مِنْهُ   1736 - 1687 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ) مَوْلَاهُ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنِ الْجَرَادِ، فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدَنَا مِنْهُ قَفْعَةً) - بِفَتْحِ الْقَافِ، وَإِسْكَانِ الْفَاءِ، ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ - قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: شَيْءٌ شَبِيهٌ بِالزِّنْبِيلِ مِنَ الْخُوصِ، لَيْسَ لَهُ عُرَى، وَلَيْسَ بِالْكَبِيرِ، وَقِيلَ: شَيْءٌ كَالْقُفَّةِ تُتَّخَذُ وَاسِعَةَ الْأَسْفَلِ، ضَيِّقَةَ الْأَعْلَى (نَأْكُلُ مِنْهُ) لِإِذْهَابِهِ الْجُوعَ بِدُونِ تَرَفُّهٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خُثَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ فَأَتَاهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى دَوَابٍّ فَنَزَلُوا عِنْدَهُ قَالَ حُمَيْدٌ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اذْهَبْ إِلَى أُمِّي فَقُلْ إِنَّ ابْنَكِ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ وَيَقُولُ أَطْعِمِينَا شَيْئًا قَالَ فَوَضَعَتْ ثَلَاثَةَ أَقْرَاصٍ فِي صَحْفَةٍ وَشَيْئًا مِنْ زَيْتٍ وَمِلْحٍ ثُمَّ وَضَعَتْهَا عَلَى رَأْسِي وَحَمَلْتُهَا إِلَيْهِمْ فَلَمَّا وَضَعْتُهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ كَبَّرَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَشْبَعَنَا مِنْ الْخُبْزِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامُنَا إِلَّا الْأَسْوَدَيْنِ الْمَاءَ وَالتَّمْرَ فَلَمْ يُصِبْ الْقَوْمُ مِنْ الطَّعَامِ شَيْئًا فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَحْسِنْ إِلَى غَنَمِكَ وَامْسَحْ الرُّعَامَ عَنْهَا وَأَطِبْ مُرَاحَهَا وَصَلِّ فِي نَاحِيَتِهَا فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الثُّلَّةُ مِنْ الْغَنَمِ أَحَبَّ إِلَى صَاحِبِهَا مِنْ دَارِ مَرْوَانَ   1737 - 1688 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ) - بِحَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ - الْمَدَنِيُّ (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خُثَيْمٍ) - بِمُعْجَمَةٍ، وَمُثَلَّثَةٍ - مُصَغَّرٌ، وَيُقَالُ مَالِكٌ جَدِّهِ، وَاسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، (قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ) : مَحَلٌّ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ، (فَأَتَاهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى دَوَابَّ فَنَزَلُوا عِنْدَهُ، قَالَ حُمَيْدٌ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اذْهَبْ إِلَى أُمِّي) اسْمُهَا أُمَيْمَةُ - بِمِيمَيْنِ - مُصَغَّرٌ بِنْتُ صُبَيْحٍ أَوْ صُفَيْحٍ - بِمُوَحَّدَةٍ، أَوْ فَاءٍ - مُصَغَّرٌ صَحَابِيَّةٌ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي فَأَخْبَرْتُهُ وَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَتِهِ، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٍ فَسَمِعَتْ أُمِّي حِسَّ قَدَمِي، فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَأَعْجَلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتِ الْبَابَ وَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ خَيْرًا» "، (فَقُلْ: إِنَّ ابْنَكِ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكِ الحديث: 1737 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 أَطْعِمِينَا شَيْئًا) ، يَعْنِي أَيَّ شَيْءٍ تَيَسَّرَ، (قَالَ: فَوَضَعَتْ ثَلَاثَةَ أَقْرَاصٍ) مِنْ خُبْزٍ (فِي صَحْفَةٍ، وَشَيْئًا مِنْ زَيْتٍ وَمِلْحٍ، ثُمَّ وَضَعَتْهَا عَلَى رَأْسِي وَحَمَلْتُهَا) حَتَّى جِئْتُ بِهَا (إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا وَضَعْتُهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ كَبَّرَ أَبُو هُرَيْرَةَ) ، أَيْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، (وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَشْبَعَنَا مِنَ الْخُبْزِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامُنَا إِلَّا الْأَسْوَدَيْنِ: الْمَاءَ وَالتَّمْرَ) ; فِيهِ تَغْلِيبٌ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا لَوْنَ لَهُ. (فَلَمْ يُصِبِ الْقَوْمُ مِنَ الطَّعَامِ شَيْئًا) لِشِبَعٍ أَوْ غَيْرِهِ، (فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي) فِي الْإِسْلَامِ، (أَحْسِنْ إِلَى غَنَمِكَ، وَامْسَحِ الرُّعَامَ) - بِضَمِّ الرَّاءِ، وَإِهْمَالِ الْعَيْنِ عَلَى الْأَشْهَرِ رِوَايَةً - مُخَاطٌ رَقِيقٌ يَجْرِي مِنْ أُنُوفِ الْغَنَمِ، وَبِفَتْحِ الرَّاءِ، وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، أَيِ امْسَحِ التُّرَابَ عَنْهَا، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: رَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، وَقَالَ: إِنَّهُ مَا يَسِيلُ مِنَ الْأَنْفِ، وَالْمَشْهُورُ فِيهِ وَالْمَرْوِيُّ بِعَيْنِ مُهْمِلَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَسْحَ التُّرَابِ عَنْهَا رَعْيًا لَهَا، وَإِصْلَاحًا لِشَأْنِهَا اه. أَيْ عَلَى رِوَايَةِ الْإِعْجَامِ، لَا مَا فَسَّرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ، فَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْإِهْمَالِ. (وَأَطِبْ) : نَظِّفْ (مُرَاحَهَا) - بِضَمِّ الْمِيمِ -: مَكَانَهَا الَّذِي تَأْوِي فِيهِ، وَالْأَمْرُ لِلْإِرْشَادِ وَالْإِصْلَاحِ، (وَصَلِّ فِي نَاحِيَتِهَا فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ) ، أَيْ نَزَلَتْ مِنْهَا أَوْ تَدْخُلُهَا بَعْدَ الْحَشْرِ، أَوْ مِنْ نَوْعِ مَا فِي الْجَنَّةِ بِمَعْنَى أَنَّ فِيهَا أَشْبَاهَهَا، وَشِبْهُ الشَّيْءِ يُكْرَمُ لِأَجْلِهِ، وَهَذَا مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَكْرِمُوا الْمِعْزَى، وَامْسَحُوا بِرُغَامِهَا، فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ» "، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ يُقَوِّيهِ هَذَا الْمَوْقُوفُ الصَّحِيحُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «صَلُّوا فِي مَرَاحِ الْغَنَمِ، وَامْسَحُوا بِرُغَامِهَا، فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ» "، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوِيَ مَرْفُوعًا، وَمَوْقُوفًا وَهُوَ أَصَحُّ. (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الثُّلَّةُ) - بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ، وَشَدِّ اللَّامِ -: الطَّائِفَةُ الْقَلِيلَةُ الْمِائَةُ وَنَحْوُهَا (مِنَ الْغَنَمِ أَحَبَّ إِلَى صَاحِبِهَا مِنْ دَارِ مَرْوَانَ) بْنِ الْحَكَمِ أَمِيرِ الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ، وَهَذَا أَيْضًا لَا يُقَالُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ غَيْبٍ يَأْتِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ وَمَعَهُ رَبِيبُهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»   1738 - 1689 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) التَّابِعِيِّ، (أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَيَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ، فَقَالَا: عَنْ مَالِكٍ عَنْ وَهْبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ مَوْصُولًا، أَخْرَجَهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْأَوَّلُ النَّسَائِيُّ، وَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ وَهْبٍ عَنْ عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ إِرْسَالُهُ كَعَادَتِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ عَنْ وَهْبٍ مُرْسَلًا كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يُصَرِّحْ بِوَصْلِهِ، وَلَعَلَّهُ وَصَلَهُ مَرَّةً فَحَفِظَ ذَلِكَ عَنْهُ خَالِدٌ، وَيَحْيَى وَهُمَا ثِقَتَانِ، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ سَمَاعِ وَهْبٍ مِنْ عُمَرَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: (أُتِيَ) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ - (رَسُولُ اللَّهِ بِطَعَامٍ وَمَعَهُ رَبِيبُهُ) ابْنُ زَوْجَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ (عُمَرُ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - (بْنُ أَبِي سَلَمَةَ) الصَّحَابِيُّ ابْنُ الصَّحَابِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ: " «أَكَلْتُ يَوْمًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ نَوَاحِي الصَّحْفَةِ» "، وَفِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ: " كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ "، (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : يَا غُلَامُ (سَمِّ اللَّهَ) طَرْدًا لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْعًا لَهُ مِنَ الْأَكْلِ فَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: أَقَلُّهَا بِسْمِ اللَّهِ، وَأَفْضَلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَرَ لِمَا ادَّعَاهُ مِنَ الْأَفْضَلِيَّةِ دَلِيلًا خَاصًّا. وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ مَعَ اللُّقْمَةِ الْأُولَى: بِسْمِ اللَّهِ، وَالثَّانِيَةِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ، وَالثَّالِثَةِ: الْبَسْمَلَةَ بِتَمَامِهَا، فَإِنْ سَمَّى مَعَ كُلِّ لُقْمَةٍ، فَهُوَ أَحْسَنُ حَتَّى لَا يَشْغَلَهُ الْأَكْلُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَيَزِيدُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتَنَا، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، فَقَالَ الْحَافِظُ أَيْضًا: لَمْ أَرَ لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ دَلِيلًا، وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ خِلَافُهُ، وَمِنْ أَصَرَحِهَا حَدِيثُ أَحْمَدَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا قُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ» "، (وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ) ، اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مِمَّا لَا يَلِي ; لِأَنَّ الْأَكْلَ مِنْ مَوْضِعِ يَدِ صَاحِبِهِ سُوءُ عِشْرَةٍ، وَتَرْكُ مَوَدَّةٍ لِنُفُورِ النَّفْسِ لَا سِيَّمَا فِي الْأَمْرَاقِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ الْحِرْصِ وَالنَّهَمِ وَسُوءِ الْأَدَبِ وَأَشْبَاهِهَا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَوْنٍ أَوْ تَمْرًا جَازَ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ أَكَلَ مِمَّا يَلِيهِ، وَإِذَا أُتِيَ بِالتَّمْرِ جَالَتْ يَدُهُ فِيهِ» "، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ الحديث: 1738 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: " «أَخَذَ بِيَدِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟ فَأَتَيْنَا بِجَفْنَةٍ كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالْوَدَكِ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا فَخَبَطْتُ بِيَدِي فِي نَوَاحِيهَا، وَأَكَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَقَبَضَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى يَدَيَّ الْيُمْنَى، ثُمَّ قَالَ: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانُ التَّمْرِ، أَوِ الرُّطَبِ، فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَجَالَتْ يَدُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّبَقِ، فَقَالَ: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ» "، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ تُقَوِّيهِ. زَادَ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ: " وَكُلْ بِيَمِينِكَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ - بِكَسْرِ الطَّاءِ - أَيْ لَزِمْتُ ذَلِكَ وَصَارَ لِي عَادَةً "، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالضَّمِّ يُقَالُ: طُعْمٌ إِذَا أُكِلَ، وَالطُّعْمَةُ: الْأَكْلُ، وَالْمُرَادُ جَمِيعُ مَا مَرَّ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَالْأَكْلِ بِالْيَمِينِ، وَالْأَكْلِ مِمَّا يَلِيهِ، وَبَعْدُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ، أَيِ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ صَنِيعِي فِي الْأَكْلِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ إِنَّ لِي يَتِيمًا وَلَهُ إِبِلٌ أَفَأَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ إِبِلِهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ تَبْغِي ضَالَّةَ إِبِلِهِ وَتَهْنَأُ جَرْبَاهَا وَتَلُطُّ حَوْضَهَا وَتَسْقِيهَا يَوْمَ وِرْدِهَا فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ وَلَا نَاهِكٍ فِي الْحَلْبِ   1739 - 1690 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعْدٍ) الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ) بْنِ الصِّدِّيقِ (يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ لِي يَتِيمًا) أَقُومُ عَلَيْهِ، (وَلَهُ إِبِلٌ، أَفَأَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ إِبِلِهِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ كُنْتَ تَبْغِي) : تَطْلُبُ (ضَالَّةَ إِبِلِهِ) ، أَيْ مَا ضَلَّ مِنْهَا، (وَتَهْنَأُ) - بِالْهَمْزِ -: تُطْلِي، (جَرْبَاهَا) بِالْهِنَاءِ بِزِنَةِ كِتَابٍ الْقَطِرَانُ، (وَتَلَطُّ) - بِفَتْحِ اللَّامِ، وَشَدِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ -: (حَوْضَهَا) ، أَيْ تُمَدِّدُهُ، وَتُطَيِّنُهُ، وَتُصْلِحُهُ، وَأَصْلُ اللَّوْطِ: اللُّصُوقُ، قَالَهُ الْهَرَوِيُّ، (وَتَسْقِيهَا يَوْمَ وِرْدِهَا) ، أَيْ شُرْبِهَا، (فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ) ، أَيْ بِوَلَدِهَا الرَّضِيعِ، (وَلَا نَاهِكٍ) ، أَيْ مُسْتَأْصِلٍ (فِي الْحَلْبِ) : اللَّبَنَ حَتَّى يَضُرَّ بِهَا، قَالَ الْبَاجِيُّ: الْحَلَبُ - بِفَتْحِ اللَّامِ -: اللَّبَنُ، وَبِتَسْكِينِهَا: الْفِعْلُ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: أَيْ وَلَا مُبَالِغٍ فِيهِ حَتَّى يَضُرَّ ذَلِكَ بِهَا، وَقَدْ نَهَكْتَ النَّاقَةَ حَلْبًا، إِذَا تَقَصَّيْتَهَا وَلَمْ تُبْقِ فِي ضَرْعِهَا لَبَنًا. الحديث: 1739 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤْتَى أَبَدًا بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ حَتَّى الدَّوَاءُ فَيَطْعَمَهُ أَوْ يَشْرَبَهُ إِلَّا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَنَعَّمَنَا اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَلْفَتْنَا نِعْمَتُكَ بِكُلِّ شَرٍّ فَأَصْبَحْنَا مِنْهَا وَأَمْسَيْنَا بِكُلِّ خَيْرٍ فَنَسْأَلُكَ تَمَامَهَا وَشُكْرَهَا لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ إِلَهَ الصَّالِحِينَ وَرَبَّ الْعَالَمِينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ مَعَ غُلَامِهَا فَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ مَا يُعْرَفُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ وَقَدْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَمَعَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُؤَاكِلُهُ أَوْ مَعَ أَخِيهَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْلُوَ مَعَ الرَّجُلِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حُرْمَةٌ   1740 - 1691 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤْتَى بِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ) مَاءٍ أَوْ الحديث: 1740 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 لَبَنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (حَتَّى الدَّوَاءُ فَيَطْعَمَهُ أَوْ يَشْرَبَهُ) - بِنَصْبِ الْفِعْلَيْنِ - (إِلَّا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ) ; لِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى النِّعَمِ يَرْتَبِطُ بِهِ الْعَبِيدُ، وَيُسْتَجْلَبُ بِهِ الْمَزِيدُ، فَلَحَظَ وَقْتَ حُضُورِ الْغَدَاءِ إِلَى أَجَلِّ النِّعَمِ، فَقَالَ: (الَّذِي هَدَانَا) ، إِذِ الْهِدَايَةُ لِلْإِيمَانِ أَعْظَمُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ، فَشُكْرُهُ عَلَيْهَا مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهَا، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى بِالْحَامِدِ أَنْ لَا يُجَرِّدَ حَمْدَهُ إِلَى دَقَائِقِ النِّعَمِ، بَلْ يَنْظُرُ إِلَى جَلَائِلِهَا فَيَحْمَدُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْحَمْدَ مِنْ نَتَائِجِ الْهِدَايَةِ لِلْإِسْلَامِ. (وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا) : قَدَّمَ الطَّعَامَ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ، حَتَّى كَأَنَّ السَّقْيَ مِنْ تَتِمَتِّهِ، وَتَابِعٌ لَهُ لِأَنَّ الْأَكْلَ يَسْتَدْعِي الشُّرْبَ. (وَنَعَّمَنَا) بِأَنْوَاعِ النِّعَمِ الَّتِي لَا تُحْصَى. (اللَّهُ أَكْبَرُ) ، سُرُورًا بِهَذِهِ النِّعَمِ، (اللَّهُمَّ أَلْفَتْنَا) : وَجَدَتْنَا، (نِعْمَتُكَ بِكُلِّ شَرٍّ) مِنَ التَّقْصِيرِ فِي عِبَادَتِكَ وَشُكْرِكَ، (فَأَصْبَحْنَا مِنْهَا وَأَمْسَيْنَا بِكُلِّ خَيْرٍ) مِنْ فَضْلِكَ، وَلَمْ تُعَامِلْنَا بِتَقْصِيرِنَا. (نَسْأَلُكَ تَمَامَهَا) ، لَعَلَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بِمَعْنَى إِدَامَتِهَا، أَيِ النِّعَمِ، (وَشُكْرِهَا) فَإِنَّا لَا نَبْلُغُهُ إِلَّا بِفَضْلِكَ، إِذْ هُوَ نِعْمَةٌ تَسْتَدْعِي شُكْرًا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ. (لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ) فَإِنَّهُ بِيَدِكَ دُونَ غَيْرِكَ. (وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ) ، يُرْجَى لِكَشْفِ الضُّرِّ وَإِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الشُّكْرِ. (إِلَهَ) بِالنَّصْبِ عَلَى النِّدَاءِ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ، (الصَّالِحِينَ) الْمُسْلِمِينَ، (وَرَبَّ الْعَالَمِينَ) ، أَيْ مَالِكَ جَمِيعِ الْخَلْقِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالدَّوَابِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَكُلٌّ مِنْهَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عَالَمٌ يُقَالُ: عَالَمُ الْإِنْسِ، وَعَالَمُ الْجِنِّ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَغَلَبَ فِي جَمْعِهِ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ أُولَى الْعِلْمِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنَ الْعَلَامَةِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى مُوجِدِهِ. (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، جُمْلَةٌ قُصِدَ بِهَا الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِمَضْمُونِهَا مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ مِنَ الْخَلْقِ، وَمُسْتَحِقٌّ لِأَنْ يُحْمَدَ. (وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) ، أَتَى بِهِ إِشَارَةً إِلَى اسْتِحْبَابِ هَذَا الذِّكْرِ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَا يُعْجِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39] (سورة الْكَهْفِ: الْآيَةُ 39) ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: " كَانَ مَالِكٌ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ قَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ، قُلْتُ لَهُ: لِمَ تَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: أَلَا تَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ، وَتَلَا الْآيَةَ، وَجَاءَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ، فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ» "، (اللَّهُمَّ بَارِكْ) : أَتِمَّ وَزِدْ (لَنَا فِيمَا رَزَقْتَنَا، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) بِعَدَمِ دُخُولِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 (سُئِلَ مَالِكٌ، هَلْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا، أَوْ مَعَ غُلَامِهَا؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ) ، أَيْ يَجُوزُ (إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ مَا يُعْرَفُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ مِنَ الرِّجَالِ) بِأَنْ كَانَ ثَمَّ مَحْرَمٌ، كَمَا (قَالَ: وَقَدْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا، وَمَعَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُؤَاكِلُهُ، أَوْ مَعَ أَخِيهَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ) تَحْرِيمًا (لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْلُوَ مَعَ الرَّجُلِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حُرْمَةٌ) ، أَيْ قَرَابَةُ نَسَبٍ، أَوْ صِهْرٍ، أَوْ رَضَاعٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 [مَا جَاءَ فِي أَكْلِ اللَّحْمِ] باب مَا جَاءَ فِي أَكْلِ اللَّحْمِ 1788 - 1742 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إِيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ فَإِنَّ لَهُ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ   11 - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَكْلِ اللَّحْمِ 1742 - 1692 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ) ، أَيِ اجْتَنِبُوا الْإِكْثَارَ مِنْ أَكْلِهِ، (فَإِنَّ لَهُ ضَرَاوَةً) - بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَالرَّاءِ - مَصْدَرُ ضَرِيَ كَعَلِمَ، (كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ) ، أَيْ عَادَةً يَدْعُو إِلَيْهَا، وَيَشُقُّ تَرْكُهَا لِمَنْ أَلِفَهَا، فَلَا يَصْبِرُ عَنْهُ مَنِ اعْتَادَهُ. الحديث: 1788 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَقَالَ عُمَرُ أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ أَوْ ابْنِ عَمِّهِ أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20]   1742 - 1693 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ) - بِكَسْرِ الْحَاءِ -: مَا حَمَلَهُ الْحَامِلُ، كَذَا ضَبَطَهُ السُّيُوطِيُّ، وَهُوَ فِي نُسَخٍ عَتِيقَةٍ: حَمَّالُ - بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْمِيمِ ثَقِيلَةً - أَيْ شَخْصٌ حَمَّالُ لَحْمٍ، فَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ أَيْضًا. (فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا) ، بِفَتْحِ الْقَافِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ، فَمِيمٌ، أَيِ اشْتَدَّتْ شَهْوَتُنَا (إِلَى اللَّحْمِ) ، وَفِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 الْحَدِيثِ: كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْقَرْمِ بِمَعْنَى شِدَّةِ الشَّهْوَةِ إِلَى اللَّحْمِ حَتَّى لَا يَصْبِرَ عَنْهُ، يُقَالُ: قَرِمْتُ إِلَى اللَّحْمِ، وَعِمْتُ إِلَى اللَّبَنِ، قَالَهُ الْهَرَوِيُّ. (فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا) - بِالْفَتْحِ، وَخِفَّةِ الْمِيمِ - (يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ، أَوِ ابْنِ عَمِّهِ أَيْنَ تَذْهَبُ) : تَغِيبُ عَنْكُمْ (هَذِهِ الْآيَةُ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} [الأحقاف: 20] (بِاشْتِغَالِكُمْ بِلَذَّاتِكُمْ) {فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20] ، أَيْ تَمَتَّعْتُمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 [مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ] بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَبَذَهُ وَقَالَ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا قَالَ فَنَبَذَ النَّاسُ بِخَوَاتِيمِهِمْ»   12 - بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ 1743 - 1694 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ) مَوْلَاهُ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ» ) ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «اتَّخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَلَبِسَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» "، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ أَلْقَاهُ» "، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: مِنْ وَرِقٍ، وَهْمًا مِنَ الزُّهْرِيِّ، جَرَى عَلَى لِسَانِهِ لَفْظُ وَرِقٍ كَمَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَصَوَابُهُ: مِنْ ذَهَبٍ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، فَيُجْمَعُ بِأَنَّ قَوْلَ أَنَسٍ: يَوْمًا وَاحِدًا، ظَرْفٌ لِرُؤْيَةِ أَنَسٍ لَا لِمُدَّةِ اللُّبْسِ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ظَرْفٌ لِمُدَّةِ اللُّبْسِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا وَهْمَ جُمِعَ بِأَنَّ مُدَّةَ لُبْسِ الذَّهَبِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَمُدَّةَ خَاتَمِ الْفِضَّةِ يَوْمٌ وَاحِدٌ كَمَا قَالَ أَنَسٌ، وَلَا يُنَافِيهِ رِوَايَةُ الصَّحِيحِ: " «سُئِلَ أَنَسٌ، هَلِ اتَّخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا؟ فَقَالَ: أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيضِ خَاتَمِهِ لِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَذَلِكَ، وَاسْتَمَرَّ فِي يَدِهِ بَقِيَّةَ يَوْمِهَا، ثُمَّ طَرَحَهُ فِي آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ» "، أَفَادَهُ الْحَافِظُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَنَبَذَهُ) ، أَيْ طَرَحَهُ، (وَقَالَ: لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا) ، لِتَحْرِيمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 لُبْسِ الذَّهَبِ حِينَئِذٍ عَلَى الرِّجَالِ، أَوْ لِكَرَاهَةِ مُشَارَكَتِهِمْ لَهُ أَوْ لِمَا رَأَى مِنْ زَهْوِهِمْ بِلُبْسِهِ. (قَالَ: فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِمَهُمْ) ، تَبَعًا لَهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ، فَاتَّخَذَهُ النَّاسُ فَرَمَى بِهِ، وَقَالَ: لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا، ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِمَ الْفِضَّةِ» ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ حَتَّى وَقَعَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ. وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِأَتَمَّ مِنْهُ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ فَقَالَ الْبَسْهُ وَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنِّي أَفْتَيْتُكَ بِذَلِكَ   1744 - 1695 - (مَالِكٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ) الْجَزَرِيِّ، نَزِيلِ مَكَّةَ ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ) ، أَيْ خَاتَمِ الْفِضَّةِ، فَإِنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ كَرِهَ لُبْسَهُ مُطْلَقًا، وَلَوْ لِذِي سُلْطَانٍ، (فَقَالَ: الْبَسْهُ، وَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنِّي أَفْتَيْتُكَ بِلُبْسِهِ) ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَيْحَانَةَ: " «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ» "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، فَضَعَّفَهُ مَالِكٌ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ، وَكَذَا ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 [مَا جَاءَ فِي نَزْعِ الْمَعَالِيقِ وَالْجَرَسِ مِنْ الْعَيْنِ] بَابُ مَا جَاءَ فِي نَزْعِ الْمَعَالِيقِ وَالْجَرَسِ مِنْ الْعَيْنِ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ فِي مَقِيلِهِمْ لَا تَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ» قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِك يَقُولُ أَرَى ذَلِكَ مِنْ الْعَيْنِ   13 - بَابُ مَا جَاءَ فِي نَزْعِ الْمَعَالِيقِ، وَالْجَرَسِ مِنَ الْعُنُقِ الْجَرَسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ، ثُمَّ مُهْمَلَةٍ، مَعْرُوفٌ وَحَكَى عِيَاضٌ إِسْكَانَ الرَّاءِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ بِفَتْحِهَا: اسْمُ الْآلَةِ، وَبِسُكُونِهَا: اسْمُ الصَّوْتِ. 1745 - 1696 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ التَّابِعِيِّ (عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ) الْمَازِنِيِّ التَّابِعِيِّ، وَقِيلَ: لَهُ رُؤْيَةٌ (أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ (الْأَنْصَارِيَّ) ، زَادَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مَالِكٍ: السَّاعِدِيَّ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، فَمَنْ قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 الْمَازِنِيُّ فِيهِ نَظَرٌ، شَهِدَ الْخَنْدَقَ. وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ فِيمَنْ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ اسْمَهُ قَيْسُ بْنُ عَبْدِ الْحُرَيْرِ بِمُهْمَلَاتٍ مُصَغَّرٌ ابْنُ عُمَرَ، وَعَاشَ إِلَى بَعْدَ السِّتِّينَ، وَشَهِدَ الْحَرَّةَ، وَجُرِحَ بِهَا، وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ، يُقَالُ: جَازَ الْمِائَةَ. (أَخْبَرَهُ) ، أَيَ عَبَّادٌ (أَنَّهُ) ، أَيْ أَبَا بَشِيرٍ (كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ) ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِمَا، (قَالَ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولًا) فِي رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ: " فَأَرْسَلَ زَيْدًا مَوْلَاهُ "، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِيمَا ظَهَرَ لِي، (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ) شَيْخُ الْإِمَامِ: (حَسِبْتُ أَنَّهُ) ، أَيْ عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ، (قَالَ وَالنَّاسُ فِي مَقِيلِهِمْ) قَالَ الْحَافِظُ: كَأَنَّهُ شَكَّ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَلَمْ أَرَهَا مِنْ طَرِيقِهِ إِلَّا هَكَذَا، (لَا تَبْقَيَنَّ) بِفَوْقِيَّةٍ وَقَافٍ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ آخِرُهُ، نُونُ تَوْكِيدٍ، (فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ) ، بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: رُبَّمَا صَحَّفَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَدِيثِ، فَقَالَ وَبَرٌ بِمُوَحَّدَةِ، يَعْنِي كَالدَّاوُدِيِّ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَقَالَ: هُوَ مَا يُنْزَعُ عَنِ الْجِمَالِ يُشْبِهُ الصُّوفَ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: فَصُحِّفَ، (أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ) ، قَالَ الْحَافِظُ: أَوْ لِلشَّكِّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ. وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: وَلَا قِلَادَةٌ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُهَلَّبُ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ، أَيِ الشَّكَّ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقِلَادَةِ، فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ بِكَرَاهَتِهَا إِلَّا فِي الْوَتَرِ، (قَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ) ، أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقَلِّدُونَ الْإِبِلَ أَوْتَارًا لِئَلَّا تُصِيبَهَا الْعَيْنُ بِزَعْمِهِمْ، فَأُمِرُوا بِقَطْعِهَا إِعْلَامًا بِأَنَّ الْأَوْتَارَ لَا تَرُدُّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَفَعَهُ: " «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ» "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتَّمِيمَةُ: مَا عُلِّقَ مِنَ الْقَلَائِدِ خَشْيَةَ الْعَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِذَا اعْتَقَدَ الَّذِي قَلَّدَهَا أَنَّهَا تَرُدُّ الْعَيْنَ، فَقَدْ ظَنَّ أَنَّهَا تَرُدُّ الْقَدَرَ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ. وَقِيلَ: النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا تَخْتَنِقَ الدَّابَّةُ بِهَا عِنْدَ الرَّكْضِ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَكَلَامُ أَبِي عُبَيْدٍ يُرَجِّحُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الدَّوَابَّ تَتَأَذَّى بِهِ، وَتُضَيِّقُ عَلَيْهَا نَفَسَهَا وَرَعْيَهَا، وَرُبَّمَا تَعَلَّقَتْ بِشَجَرَةٍ فَاخْتَنَقَتْ أَوْ تَعَوَّقَتْ عَنِ السَّيْرِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوَتَرِ: الْجَرَسُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّقُونَ الْأَجْرَاسَ فِيهَا، حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَرْجَمَةُ الْإِمَامِ بِالْجَرَسِ، وَكَذَا رِوَايَةُ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ الْحَدِيثَ بِسَنَدِهِ بِلَفْظِ: " «لَا تَبْقَيَنَّ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ وَلَا جَرَسٌ فِي عُنُقِ بَعِيرٍ إِلَّا قُطِعَ» "، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَبَانَ أَنَّهُ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا: " «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ» "، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ إِلَّا هَذَا الْقَوْلَ الثَّالِثَ، فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِتَعْلِيقِ الْجَرَسِ فِي رِقَابِ الْخَيْلِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيْشَانِيِّ رَفَعَهُ: " «ارْكَبُوا الْخَيْلَ، وَقَلِّدُوهَا وَلَا تُقَلِّدُوهَا الْأَوْتَارَ» "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا اخْتِصَاصَ لِلْإِبِلِ، وَحَمَلَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الْأَوْتَارَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى النَّارِ كَالْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: ضَعِيفٌ، وَإِلَى قَوْلِ النَّضْرِ جَنَحَ وَكِيعٌ فَقَالَ: الْمَعْنَى لَا تَرْكَبُوا الْخَيْلَ فِي الْفِتَنِ، فَإِنَّ مَنْ رَكِبَهَا لَمْ يَسْلَمْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وَتَرٌ يُطْلَبُ بِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْجُمْهُورُ: أَنَّ النَّهْيَ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَقِيلَ: لِلتَّحْرِيمِ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ مِنْهُ بِلَا حَاجَةٍ وَيَجُوزُ لَهَا. وَعَنْ مَالِكٍ: تَخْصِيصُ كَرَاهَةِ الْقَلَائِدِ بِالْوَتَرِ، وَيَجُوزُ بِغَيْرِهَا إِذَا لَمْ يَقْصِدْ دَفْعَ الْعَيْنِ هَذَا كُلُّهُ فِي تَعْلِيقِ تَمَائِمَ وَغَيْرِهَا لَا قُرْآنَ فِيهَا وَنَحْوَهُ. فَأَمَّا مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، فَلَا يُنْهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُجْعَلُ لِلْبَرَكَةِ بِهِ، وَالتَّعَوُّذِ بِأَسْمَائِهِ وَذِكْرِهِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي اللِّبَاسِ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 [باب العين والمرض] [الْوُضُوءِ مِنْ الْعَيْنِ] كِتَابُ الْعَيْنِ بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ الْعَيْنِ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ «اغْتَسَلَ أَبِي سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ بِالْخَرَّارِ فَنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ يَنْظُرُ قَالَ وَكَانَ سَهْلٌ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِلْدِ قَالَ فَقَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ عَذْرَاءَ قَالَ فَوُعِكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ وَاشْتَدَّ وَعْكُهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرَ أَنَّ سَهْلًا وُعِكَ وَأَنَّهُ غَيْرُ رَائِحٍ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ عَامِرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَلَّا بَرَّكْتَ إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ تَوَضَّأْ لَهُ فَتَوَضَّأَ لَهُ عَامِرٌ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ»   5 - كِتَابُ الْعَيْنِ 1 - بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْعَيْنِ 1746 - 1697 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ) - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ - مُصَغَّرٌ الْأَنْصَارِيِّ الثِّقَةِ (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ) أَبَا أُمَامَةَ، وَاسْمُهُ أَسْعَدُ سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاسْمِ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ، وَكَنَّاهُ بِكُنْيَتِهِ لَمَّا وُلِدَ قَبْلَ الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ بِسَنَتَيْنِ، وَمَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ (يَقُولُ: اغْتَسَلَ أَبِي) سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ الْبَدْرِيُّ وَظَاهِرُهُ الْإِرْسَالُ، لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ أَبِيهِ، فَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ اغْتَسَلَ (بِالْخَرَّارِ) - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَالرَّاءِ الْأُولَى الشَّدِيدَةِ - مَوْضِعٌ قُرْبَ الْجُحْفَةِ، قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: مِنْ أَوْدِيَتِهَا، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِشِعْبِ الْخَرَّارِ مِنَ الْجُحْفَةِ، (فَنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ) بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْعَنْزِيُّ - بِسُكُونِ النُّونِ - حَلِيفُ الْخَطَّابِ أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَهَاجَرَ، وَشَهِدَ بَدْرًا، مَاتَ لَيَالِيَ قَتْلِ عُثْمَانَ (يَنْظُرُ) إِلَيْهِ، (قَالَ) أَبُو أُمَامَةَ: (وَكَانَ سَهْلٌ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ) مَلِيحَ (الْجِلْدِ قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ عَذْرَاءَ) ، أَيْ بِكْرٌ (قَالَ: فَوُعِكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ وَاشْتَدَّ) قَوِيَ (وَعْكُهُ) ، أَيْ أَلَمُهُ. وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِي: فَلُبِطَ، أَيْ صُرِعَ فَكَأَنَّهُ صُرِعَ مِنْ شِدَّةِ الْوَعْكِ. (فَأُتِيَ) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُخْبِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَنَّ سَهْلًا وُعِكَ وَأَنَّهُ غَيْرُ رَائِحٍ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) لِعَدَمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 اسْتِطَاعَتِهِ بِشِدَّةِ الْوَعْكِ. (فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) ، أَيْ نَظَرِهِ إِلَيْهِ، وَقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَدَعَا عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، فَقَالَ (عَلَامَ) بِمَعْنَى لِمَ، وَفِيهِ مَعْنَى الْإِنْكَارِ، (يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ) فِي الدِّينِ، زَادَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ قَتْلِهِ. (أَلَّا) بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ بِمَعْنَى هَلَّا، وَبِهَا جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ (بَرَّكْتَ) ، أَيْ قُلْتَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ الْمَعْنَى الَّذِي يُخَافُ مِنَ الْعَيْنِ، وَيُذْهِبُ تَأْثِيرَهُ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَقُولُ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ أَنْ يُبَارِكَ، فَإِذَا دَعَا بِالْبَرَكَةِ صُرِفَ الْمَحْذُورُ لَا مَحَالَةَ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا خَافَ أَنْ يُصِيبَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَلَا تَضُرَّهُ» "، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: " «مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ» "، ( «إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ» ) ، أَيِ الْإِصَابَةُ بِهَا شَيْءٌ ثَابِتٌ فِي الْوُجُودِ مُقْضًى بِهِ فِي الْوَضْعِ الْإِلَهِيِّ لَا شُبْهَةَ فِي تَأْثِيرِهِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْأُمَّةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَنْكَرَهُ قَوْمٌ مُبْتَدِعَةٌ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِمَا يُشَاهَدُ مِنْهُ فِي الْوُجُودِ، فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ أَدْخَلَتْهُ الْعَيْنُ الْقَبْرَ، وَكَمْ مِنْ جَمَلٍ أَدْخَلَتْهُ الْقِدْرَ لَكِنْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مُعْرِضٍ عَنِ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ يَتَمَسَّكُ بِاسْتِبْعَادٍ لَا أَصْلَ لَهُ، فَإِنَّا نُشَاهِدُ مِنْ خَوَاصِّ الْأَحْجَارِ، وَتَأْثِيرِ السِّحْرِ مَا يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبَ، وَيُحَقِّقُ أَنَّ ذَلِكَ فِعْلٌ بِسَبَبِ كُلِّ سَبَبٍ، انْتَهَى. (تَوَضَّأَ لَهُ) الْوُضُوءُ الْمَذْكُورُ فِي الطَّرِيقِ التَّالِيَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِاغْتَسَلَ، لَيْسَ عَلَى صِفَةِ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ، وَغَيْرِهِ، كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي لِلْوُجُوبِ، وَيَبْعُدُ الْخِلَافُ فِيهِ إِذَا خَشِيَ عَلَى الْمَعِينِ الْهَلَاكَ، وَكَانَ وُضُوءُ الْعَائِنِ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْبُرْءِ بِهِ، أَوْ كَانَ الشَّرْعُ أَخْبَرَ بِهِ خَبَرًا عَامًّا، وَلَمْ يَكُنْ زَوَالُ الْهَلَاكِ إِلَّا بِوُضُوءِ الْعَائِنِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مِنْ بَابِ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إِحْيَاءُ نَفْسٍ مُشْرِفَةٍ عَلَى الْهَلَاكِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ، فَهَذَا أَوْلَى، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ. (فَتَوَضَّأَ لَهُ عَامِرٌ) عَلَى الصِّفَةِ الْآتِيَةِ فِي الطَّرِيقِ بَعْدَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى سَهْلٍ، (فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ) ، أَيْ شِدَّةٌ لِزَوَالِ وَعْكِهِ الَّذِي صَرَعَهُ، وَفِيهِ إِبَاحَةُ النَّظَرِ إِلَى الْمُغْتَسِلِ مَا لَمْ تَكُنْ عَوْرَةٌ ; لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ لِعَامِرٍ: لِمَ نَظَرْتَ إِلَيْهِ، إِنَّمَا لَامَهُ عَلَى تَرْكِ التَّبْرِيكِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ يَسْتَحِبُّ الْعُلَمَاءُ أَنْ لَا يَنْظُرَ الْإِنْسَانُ إِلَى الْمُغْتَسِلِ خَوْفَ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 يَرَى عَوْرَتَهُ، وَإِنَّ مِنَ الطَّبْعِ الْبَشَرِيِّ الْإِعْجَابَ بِالشَّيْءِ الْحَسَنِ، وَالْحَسَدَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْمَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ، فَلِذَا لَمْ يُعَاتَبْ عَامِرٌ عَلَيْهِ، بَلْ عَلَى تَرْكِ التَّبْرِيكِ الَّذِي فِي وُسْعِهِ، وَأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَقْتُلُ، وَتَوْبِيخُ مَنْ كَانَ مِنْهُ أَوْ بِسَبَبِهِ سُوءٌ، وَإِنْ كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ تَحْتَ الْقَدَرِ السَّابِقِ بِذَلِكَ كَالْقَاتِلِ يَقْتُلُ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ يَمُوتُ بِأَجْلِهِ، وَأَنَّ الْعَيْنَ إِنَّمَا تَعْدُو إِذَا لَمْ يَبِرِّكْ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ أَنْ يُبَارِكَ، انْتَهَى، مُلَخَّصًا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَوْ أَتْلَفَ الْعَائِنُ شَيْئًا ضَمِنَهُ، وَلَوْ قَتَلَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، أَوِ الدِّيَةُ إِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ عَادَةً، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَالسَّاحِرِ الْقَاتِلِ بِسِحْرِهِ عِنْدَ مَنْ لَا يَقْتُلُهُ كُفْرًا، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَيُقْتَلُ، قَتَلَ بِسِحْرِهِ أَمْ لَا ; لِأَنَّهُ كَالزِّنْدِيقِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَا يُقْتَلُ الْعَائِنُ، وَلَا دِيَةَ، وَلَا كَفَّارَةَ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مُنْضَبَطٍ عَامٍّ دُونَ مَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ النَّاسِ، وَبَعْضِ الْأَحْوَالِ مِمَّا لَا انْضِبَاطَ لَهُ، كَيْفَ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِعْلٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ حَسَدٌ وَتَمَنٍّ لِزَوَالِ النِّعْمَةِ، وَأَيْضًا فَالَّذِي يَنْشَأُ عَنِ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ حُصُولُ مَكْرُوهٍ لِذَلِكَ الشَّخْصِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ فِي إِزَالَةِ الْحَيَاةِ، فَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ مَكْرُوهٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَثَرِ الْعَيْنِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ إِلَّا الْحُكْمُ بِقَتْلِ السَّاحِرِ، فَإِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَسِرٌ. وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعُ الْعَائِنِ إِذَا عُرِفَ بِذَلِكَ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ، وَيَأْمُرُهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَكْفِيهِ وَيَكُفُّ أَذَاهُ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ آكِلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ الَّذِي مَنَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُؤْذِيَ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ الِاخْتِلَاطَ بِالنَّاسِ، وَمِنْ ضَرَرِ الْمُؤْذِيَاتِ مِنَ الْمَوَاشِي الَّذِي يُؤْمَرُ بِإِبْعَادِهَا إِلَى حَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِهَا أَحَدٌ. قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ صَحِيحٌ مُتَعَيَّنٌ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَغْتَسِلُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخْبَأَةٍ فَلُبِطَ سَهْلٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَقَالَ هَلْ تَتَّهِمُونَ لَهُ أَحَدًا قَالُوا نَتَّهِمُ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَلَّا بَرَّكْتَ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ عَامِرٌ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ»   1747 - 1698 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ) ، ظَاهِرُهُ الْإِرْسَالُ لَكِنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ وَالِدِهِ، فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ شَبَابَةٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَامِرًا أَمَرَ بِهِ وَهُوَ (يَغْتَسِلُ) ، وَلِأَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ، وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوًا مَا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَرَّارِ مِنَ الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَكَانَ أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، (فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ) » - بِضَمِّ الْمِيمِ، وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، وَمُوَحَّدَةٍ، وَالْهَمْزِ - وَهِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 الْمُخَدَّرَةُ الْمَكْنُونَةُ الَّتِي لَا تَرَاهَا الْعُيُونُ، وَلَا تَبْرُزُ لِلشَّمْسِ فَتُغَيِّرُهَا، يَعْنِي أَنَّ جِلْدَ سَهْلٍ كَجِلْدِ الْمُخَبَّأَةِ إِعْجَابًا بِحُسْنِهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الرُّقَيَّاتِ: ذَكَّرَتْنِي الْمُخَبَّآتُ لَدَى الْحِجْ ... رِ يُنَازِعْنَنِي سُجُوفَ الْحِجَالِ وَمَرَّ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَبِي أُمَامَةَ: وَلَا جِلْدَ عَذْرَاءَ بَدَلَ مُخَبَّأَةٍ، فَكَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، فَقَالَ: عَذْرَاءُ مُخَبَّأَةٌ فَاقْتَصَرَ كُلُّ رَاءٍ عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنْهُ، أَوْ إِحْدَاهُمَا بِالْمَعْنَى، لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ مُخَبَّأَةً أَخَصُّ. (فَلُبِطَ) - بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ - أَيْ صُرِعَ وَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ (بِسَهْلٍ) ، يُقَالُ مِنْهُ لُبِطَ بِهِ يَلْبِطُ لَبَطًا. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لُبِطَ: وُعِكَ وَكَأَنَّهُ فَسَرَّهُ بِالرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا لِاتِّحَادِ الْقِصَّةِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لِجَوَازِ أَنَّ سُقُوطَهُ مِنْ شِدَّةِ وَعْكِهِ، كَمَا قَدَّمْتُهُ، وَهَذَا أَوْلَى إِبْقَاءُ لِلَّفْظَيْنِ عَلَى حَقِيقَتِهِمَا. زَادَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَتَّى مَا يَعْقِلَ لِشِدَّةِ الْوَجَعِ، ( «فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ» ) مِنْ شِدَّةِ الْوَعْكِ وَالصَّرَعِ، (فَقَالَ: هَلْ تَتَّهِمُونَ لَهُ أَحَدًا؟) عَانَهُ، (قَالُوا: نَتَّهِمُ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ) ، وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا ذَلِكَ ذَهَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى سَهْلٍ لِتَثَبُّتِ الْخَبَرِ مِنْهُ، كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: " فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ "، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الطَّرِيقِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: هَلْ تَتَّهِمُونَ. . . إِلَخْ، فَفِي كُلٍّ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ اخْتِصَارٌ. (قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَلَامَ) ، أَيْ لِمَ (يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ) ، أَيْ يَكُونُ سَبَبًا فِي قَتْلِهِ بِالْعَيْنِ (أَلَّا) ، وَفِي رِوَايَةٍ: هَلَّا (بَرَّكْتَ) ، أَيْ دَعَوْتَ لَهُ بِالْبَرَكَةِ. ، وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: " «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ» "، وَمِثْلُهُ عِنْدَ ابْنِ السُّنِّيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ (اغْتَسِلْ لَهُ) وُجُوبًا ; لِأَنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَتُهُ الْوُجُوبُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ أَخَاهُ مَا يَنْفَعُهُ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ بِسَبَبِهِ، وَكَانَ هُوَ الْجَانِيَ عَلَيْهِ، فَوَاجِبٌ عَلَى الْعَائِنِ الْغُسْلُ عَنْهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (فَغَسَلَ عَامِرٌ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: بَدَلَ هَذَا، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ، (وَمَرْفِقَيْهِ) ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَغَسَلَ صَدْرَهُ، (وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ، وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ) ، هِيَ الْحَقْوُ تُجْعَلُ مِنْ تَحْتِ الْإِزَارِ فِي طَرَفِهِ، ثُمَّ يُشَدُّ عَلَيْهِ الْإِزْرَةُ، قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: هِيَ الطَّرَفُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يَضَعُهُ الْمُؤْتَزِرُ أَوَّلًا عَلَى حَقْوِهِ الْأَيْمَنِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ الْجَانِبُ الْأَيْسَرُ مِنَ الْإِزَارِ الَّذِي تَعْطِفُهُ إِلَى يَمِينِكَ، ثُمَّ يُشَدُّ الْإِزَارُ قَالَهُ ابْنُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْفَرْجِ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ الطَّرَفُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يَلِي حَقْوَهُ الْأَيْمَنَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: الْمُرَادُ بِدَاخِلَةِ الْإِزَارِ مَا يَلِي الْجَسَدَ مِنَ الْمِئْزَرِ، وَقِيلَ: مَوْضِعُهُ مِنَ الْجَسَدِ، وَقِيلَ: مَذَاكِيرُهُ، كَمَا يُقَالُ: عَفِيفُ الْإِزَارِ، أَيِ الْفَرْجِ، وَقِيلَ: وِرْكُهُ إِذْ هُوَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ. (قَدَحٍ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ، قَالَ: وَحَسِبْتُهُ قَالَ، وَأَمَرَ فَحَسَا مِنْهُ حَسَوَاتٍ، (ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ) لِزَوَالِ عِلَّتِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: هَذَا مِنَ الْعِلْمِ يَغْتَسِلُ الْعَائِنُ فِي قَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ، فَيُمَضْمِضُ وَيَمُجُّهُ فِي الْقَدَحِ، وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ فِيهِ، ثُمَّ يَصُبُّ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ بِالْيُمْنَى عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى، فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى مِرْفَقِ يَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى مِرْفَقِ يَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ الْيُمْنَى فَيَغْسِلُ قَدَمَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَيَغْسِلُ الرُّكْبَتَيْنِ، ثُمَّ يَأْخُذُ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ فَيَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً، وَيَضَعُ الْقَدَحَ حَتَّى يَفْرَغَ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا فُسِّرَ بِهِ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ رَاوِي الْحَدِيثِ. وَزَادَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي قَوْلِ الزُّهْرِيِّ هَذَا: يَصُبُّ مِنْ خَلْفِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً يَجْرِي عَلَى جَسَدِهِ، وَلَا يُوضَعُ الْقَدَحُ فِي الْأَرْضِ، وَيَغْسِلُ أَطْرَافَهُ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا، وَدَاخِلَةُ الْإِزَارِ فِي الْقَدَحِ، قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ. زَادَ فِي الْإِكْمَالِ: أَنَّ الزُّهْرِيَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْعُلَمَاءَ يَصِفُونَهُ، وَاسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاؤُنَا وَمَضَى بِهِ الْعَمَلُ. قَالَ: وَجَاءَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِنْ رِوَايَةِ عَقِيلٍ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّ فِيهِ الِابْتِدَاءَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ، وَفِيهِ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ، أَنَّهُ لَا يَغْسِلُ جَمِيعَهُمَا، وَإِنَّمَا قَالَ: ثُمَّ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي طَرَفِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى مِنْ عِنْدِ أُصُولِ أَصَابِعِهِ وَالْيُسْرَى كَذَلِكَ اه. وَهُوَ أَقْرَبُ لِقَوْلِ الْحَدِيثِ: وَأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ، وَهَذَا الْغَسْلُ يَنْفَعُ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ النَّظْرَةِ، أَمَّا عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِهِ، وَقَبْلَ الِاسْتِحْكَامِ، فَقَدْ أَرْشَدَ الشَّارِعُ إِلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ: أَلَّا بَرَّكْتَ؟ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهُ، وَمَعْرِفَةُ وَجْهِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ الْعَقْلِ الِاطِّلَاعُ عَلَى أَسْرَارِ جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، فَلَا يُرَدُّ لِكَوْنِهِ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ مُتَشَرِّعٌ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ عَضَّدَتْهُ التَّجْرِبَةُ، وَصَدَّقَتْهُ الْمُعَايَنَةُ، أَوْ مُتَفَلْسِفٌ فَالرَّدُّ عَلَيْهِ أَظْهَرُ ; لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْأَدْوِيَةَ تَفْعَلُ بِقُوَاهَا بِمَعْنًى لَا يُدْرَكُ، وَيُسَمُّونَ مَا هَذَا سَبِيلُهُ الْخَوَاصَّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا مَنْ أَنْكَرَهَا، وَلَا مَنْ سَخِرَ مِنْهَا، وَلَا مَنْ شَكَّ فِيهَا، أَوْ فَعَلَهَا مُجَرِّبًا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ وَإِذَا كَانَ فِي الطَّبِيعَةِ خَوَاصٌّ لَا تَعْرِفُ الْأَطِبَّاءُ عِلَلَهَا، بَلْ هِيَ عِنْدَهُمْ خَارِجَةٌ عَنِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا تُفْعَلُ بِالْخَاصِّيَّةِ، فَمَا الَّذِي يُنْكِرُهُ جَهَلَتُهُمْ مِنَ الْخَوَاصِّ الشَّرْعِيَّةِ؟ هَذَا مَعَ أَنَّ الْمُعَالَجَةَ بِالِاغْتِسَالِ مُنَاسَبَةٌ لَا تَلْقَاهَا الْعُقُولُ الصَّحِيحَةُ، فَهَذَا تِرْيَاقُ سُمِّ الْحَيَّةِ، يُؤْخَذُ مِنْ لَحْمِهَا، وَهَذَا عِلَاجُ النَّفْسِ الْغَضَبِيَّةِ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى بَدَنِ الْغَضْبَانِ، فَيَسْكُنُ فَكَانَ أَثَرُ تِلْكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 الْعَيْنِ كَشُعْلَةِ نَارٍ وَقَعَتْ عَلَى جَسَدٍ، فَفِي الِاغْتِسَالِ إِطْفَاءٌ لِتِلْكَ الشُّعْلَةِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ الْخَبِيثَةُ تَظْهَرُ فِي الْمَوَاضِعِ الرَّقِيقَةِ مِنَ الْجَسَدِ لِشَدَّةِ الْمَنْفُوذِ فِيهَا، وَلَا شَيْءَ أَرَقُّ مِنَ الْمُعَايِنِ، فَكَانَ فِي غَسْلِهَا إِبْطَالٌ لِعَمَلِهَا، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ لِلْأَرْوَاحِ الشَّيْطَانِيَّةِ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ اخْتِصَاصًا، وَفِيهِ أَيْضًا وُصُولُ أَثَرِ الْغَسْلِ إِلَى الْقَلْبِ مِنْ أَرَقِّ الْمَوَاضِعِ وَأَسْرَعِهَا نَفَاذًا، فَتُطْفِئُ تِلْكَ النَّارَ الَّتِي أَثَارَتْهَا الْعَيْنُ بِهَذَا الْمَاءِ اه. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ الْعَائِنَ إِذَا عُرِفَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالِاغْتِسَالِ، وَأَنَّهُ مِنَ النُّشْرَةِ النَّافِعَةِ، وَأَنَّ الْعَيْنَ تَكُونُ مَعَ الْإِعْجَابِ بِغَيْرِ حَسَدٍ، وَلَوْ مِنَ الرَّجُلِ الْمُحِبِّ، وَمِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَأَنَّ الَّذِي يُعْجِبُهُ الشَّيُ يُبَادِرُ إِلَى الدُّعَاءِ لِمَنْ أَعْجَبَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ رُقْيَةً مِنْهُ، وَأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ، وَأَنَّ الْإِصَابَةَ بِالْعَيْنِ قَدْ تَقْتُلُ، وَفِي الْقِصَاصِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 [الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ] بَابُ الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ قَالَ «دُخِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِحَاضِنَتِهِمَا مَا لِي أَرَاهُمَا ضَارِعَيْنِ فَقَالَتْ حَاضِنَتُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ تَسْرَعُ إِلَيْهِمَا الْعَيْنُ وَلَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ نَسْتَرْقِيَ لَهُمَا إِلَّا أَنَّا لَا نَدْرِي مَا يُوَافِقُكَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَرْقُوا لَهُمَا فَإِنَّهُ لَوْ سَبَقَ شَيْءٌ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ»   2 - بَابُ الرُّقْيَةِ مِنَ الْعَيْنِ 1748 - 1699 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ) الْقَارِئِ الْأَعْرَجِ: (أَنَّهُ قَالَ) مُعْضِلًا. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ بِهِ مُرْسَلًا، وَجَاءَ مَوْصُولًا مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، (دُخِلَ) - بِضَمِّ الدَّالِ - (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الْهَاشِمِيِّ الْأَمِيرِ الْمُسْتَشْهَدِ بِمُؤْتَةَ، أَسَنُّ مِنْ شَقِيقِهِ عَلِيٍّ بِعَشْرِ سِنِينَ، (فَقَالَ لِحَاضِنَتِهِمَا) ، يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أُمُّهُمَا أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَهَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، (مَالِي أَرَاهُمَا ضَارِعَيْنِ) - بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ - أَيْ نَحِيلَيِ الْجِسْمِ، ( «فَقَالَتْ حَاضِنَتُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمَا الْعَيْنُ، وَلَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ نَسْتَرْقِيَ لَهُمَا إِلَّا أَنَّا لَا نَدْرِي مَا يُوَافِقُكَ مِنْ ذَلِكَ» ) ، وَرَوَى قَاسِمُ بْنُ أَصْبُغَ عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: مَا شَأْنُ أَجْسَامِ بَنِي أَخِي ضَارِعَةٌ أَتُصِيبُهُمْ حَاجَةٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ تُسْرِعُ إِلَيْهِمُ الْعَيْنُ أَفَنَرْقِيهِمْ؟ قَالَ: وَبِمَ ذَا؟ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: ارْقِيهِمْ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 اسْتَرْقُوا) » - بِسُكُونِ الْقَافِ - مِنَ الرُّقْيَةِ، وَهِيَ الْعُوذَةُ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - مَا يُرْقَى بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ لِطَلَبِ الشِّفَاءِ: أَيِ اطْلُبُوا (لَهُمَا) مَنْ يَرْقِيهِمَا، (فَإِنَّهُ لَوْ سَبَقَ شَيْءٌ الْقَدَرَ) - بِفَتْحَتَيْنِ - أَيْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ لِشَيْءٍ قُوَّةً بِحَيْثُ يَسْبِقُ الْقَدَرَ، (لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) ، لَكِنَّهَا لَا تَسْبِقُ الْقَدَرَ فَكَيْفَ غَيْرُهَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَلَوْ مُبَالَغَةٌ فِي تَحْقِيقِ إِصَابَةِ الْعَيْنِ جَرَى مَجْرَى التَّمْثِيلِ، إِذْ لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ سَابِقِ عَلَمِ اللَّهِ، وَنُفُوذِ مَشِيئَتِهِ، وَلَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: لَأَطْلُبَنَّكَ وَلَوْ تَحْتَ الثَّرَى، وَلَوْ صَعِدْتَ السَّمَاءَ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ إِصَابَةَ الْعَيْنِ لَهَا تَأْثِيرٌ، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُعَاجِلَ الْقَدَرَ شَيْءٌ، فَيُؤَثِّرَ فِي إِفْنَاءِ شَيْءٍ وَزَوَالِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ الْمُقَدَّرِ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، انْتَهَى. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ بِالْأَنْفُسِ» "، قَالَ الرَّاوِي يَعْنِي بِالْعَيْنِ. وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَدَرِ وَصِحَّةُ أَمْرِ الْعَيْنِ، وَأَنَّهَا قَوِيَّةُ الضَّرَرِ، وَالْأَمْرُ بِالرُّقَى وَأَنَّهَا نَافِعَةٌ، وَلَا يُعَارِضُهُ النَّهْيُ عَنْهَا فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ كَخَبَرِ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ ; لِأَنَّ الرُّقْيَةَ الْمَأْذُونَ فِيهَا مَا كَانَتْ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، أَوْ بِمَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ، وَيَجُوزُ شَرْعًا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ بِذَاتِهَا، بَلْ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهَا مَا فُقِدَ فِيهَا شَرْعًا مِنْ ذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ صَبِيٌّ يَبْكِي فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ بِهِ الْعَيْنَ قَالَ عُرْوَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تَسْتَرْقُونَ لَهُ مِنْ الْعَيْنِ»   1749 - 1700 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ، (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ الْمَدَنِيِّ) ، وَفِيهِ رِوَايَةُ النَّظِيرِ عَنِ النَّظِيرِ: (أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ) مُرْسَلًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَهُوَ صَحِيحٌ يُسْتَنَدُ مَعْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ ثَابِتَةٍ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: « (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْبَيْتِ صَبِيٌّ) - لَمْ يُسَمَّ - (يَبْكِي فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ بِهِ الْعَيْنَ، قَالَ عُرْوَةُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَا تَسْتَرْقُونَ لَهُ مِنَ الْعَيْنِ؟) » وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ: اسْتَرَقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا لَنَظْرَةً» ، " بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَضُمُّ، وَعَيْنٍ مُهْمِلَةٍ سَوَادٌ أَوْ حُمْرَةٌ يَعْلُوهَا سَوَادٌ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 صُفْرَةٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّ السَّفْعَةَ أَدْرَكَتْهَا مِنْ جِهَةِ النَّظْرَةِ، وَبَادِئَ الرَّأْيِ أَنَّهَا قِصَّةٌ غَيْرُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَيُحْتَمَلُ اتِّحَادُهُمَا، وَهُوَ الْأَصْلُ لِاتِّحَادِ الْمَخْرَجِ، وَالصَّبِيُّ يُطْلَقُ عَلَى الْأُنْثَى كَالذَّكَرِ، وَالْبُكَا عَنْ تَأَلُّمِهَا بِالسَّفْعَةِ النَّاشِئَةِ عَنِ الْعَيْنِ، وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا أَخْبَرُوهُ بِأَنَّ بِهِ الْعَيْنَ قَالَ: فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ تَصْدِيقًا لَهُمْ وَتَعْلِيلًا لِأَمْرِهِ بِالرُّقْيَةِ فَلَا خُلْفَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 [مَا جَاءَ فِي أَجْرِ الْمَرِيضِ] بَابُ مَا جَاءَ فِي أَجْرِ الْمَرِيضِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ فَقَالَ انْظُرَا مَاذَا يَقُولُ لِعُوَّادِهِ فَإِنْ هُوَ إِذَا جَاءُوهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ رَفَعَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ فَيَقُولُ لِعَبْدِي عَلَيَّ إِنْ تَوَفَّيْتُهُ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ أَنَا شَفَيْتُهُ أَنْ أُبْدِلَ لَهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ»   3 - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَجْرِ الْمَرِيضِ 1750 - 1701 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) ، وَصَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الْمَكِّيِّ، قَالَ: وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ) الْمُسْلِمُ، أَيْ عَرَضَ لِبَدَنِهِ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ الِاعْتِدَالِ الْخَاصِّ بِهِ، فَأَوْجَبَ الْخَلَلَ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، (بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ، فَقَالَ: انْظُرُوا مَاذَا يَقُولُ لِعُوَّادِهِ) ، جَمْعُ عَائِدٍ (فَإِنْ هُوَ إِذَا جَاءُوهُ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ رَفَعَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَهُوَ أَعْلَمُ) بِذَلِكَ مِنْهُمَا، وَمِنْ غَيْرِهِمَا فَإِنَّمَا الصَّدُّ: الْحَثُّ عَلَى الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَالْإِخْبَارُ بِجَزَاءِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ. (فَيَقُولُ) اللَّهُ: (لِعَبْدِي عَلَيَّ إِنْ تَوَفَّيْتُهُ) أَمَتُّهُ، (أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ) بِلَا عَذَابٍ، أَوْ مَعَ السَّابِقِينَ، (وَإِنْ أَنَا أَشَفَيْتُهُ) عَافَيْتُهُ مِنْ مَرَضِهِ، (أَنْ أُبْدِلَهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ، وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ، وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ) الصَّغَائِرَ كُلَّهَا، وَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُهُ مِنْ شَرْطِ الصَّبْرِ، إِنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِهَذَا الثَّوَابِ الْمَخْصُوصِ، فَلَا يُنَافِي خَبَرَ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: " «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» "، الْمُقْتَضَى تَرَتُّبُ تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ عَلَى الْمَرَضِ سَوَاءٌ انْضَمَّ لَهُ صَبْرٌ أَمْ لَا. وَاشْتِرَاطُ الْقُرْطُبِيِّ الصَّبْرَ مُنِعَ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَاحْتِجَاجُهُ بِوُقُوعِ التَّقْيِيدِ بِالصَّبْرِ فِي أَخْبَارٍ لَا تَنْهَضُ ; لِأَنَّ مَا صَحَّ مِنْهَا مُقَيَّدٌ بِثَوَابٍ مَخْصُوصٍ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الصَّبْرُ لِحُصُولِهِ، وَلَنْ نَجِدَ حَدِيثًا صَحِيحًا تَرَتَّبَ فِيهِ مُطْلَقٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 التَّكْفِيرِ عَلَى مُطْلَقِ الْمَرَضِ مَعَ اعْتِبَارِ الصَّبْرِ، وَقَدِ اعْتُبِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ فَتَحَرَّرَ لِي مَا ذَكَرْتُهُ، قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: وَيَأْتِي لَهُ مَزِيدٌ فِي تَالِيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ حَتَّى الشَّوْكَةُ إِلَّا قُصَّ بِهَا أَوْ كُفِّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» لَا يَدْرِي يَزِيدُ أَيُّهُمَا قَالَ عُرْوَةُ   1751 - 1702 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ) - بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ - (ابْنِ خُصَيْفَةَ) - بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ - مُصَغَّرٌ، نِسْبَةً إِلَى جَدِّهِ، وَأَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خُصَيْفَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْكِنْدِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ) أَصْلُهَا الرَّمْيُ بِالسَّهْمِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ فِي كُلِّ نَازِلَةٍ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: " أَصَابَ " يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، قَالَ تَعَالَى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} [التوبة: 50] (سورة التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 50) ، الْآيَةَ. وَقِيلَ: الْإِصَابَةُ فِي الْخَيْرِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الصَّوْبِ، وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يَنْزِلُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَفِي الشَّرِّ مَأْخُوذَةٌ مِنْ إِصَابَةِ السَّهْمِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْمُصِيبَةُ لُغَةً: مَا يَنْزِلُ بِالْإِنْسَانِ مُطْلَقًا، وَعُرْفًا: مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ خَاصَّةً، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَيُونُسَ جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ: " مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ "، وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: " مَا مِنْ وَجَعٍ أَوْ مَرَضٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ "، (حَتَّى الشَّوْكَةُ) الْمَرَّةُ مِنْ مَصْدَرِ " شَاكَهُ " بِدَلِيلِ جَعْلِهَا غَايَةً لِلْمَعَانِي، وَقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ: يُشَاكُهَا، وَلَوْ أَرَادَ الْوَاحِدَةَ مِنَ النَّبَاتِ، لَقَالَ: يُشَاكُ بِهَا، قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ. وَقَالَ الْحَافِظُ: جَوَّزُوا فِيهِ الْحَرَكَاتِ الثَّلَاثَ، فَالْجَرُّ بِمَعْنَى الْغَايَةِ، أَيْ يَنْتَهِي إِلَى الشَّوْكَةِ، أَوْ عَطْفًا عَنْ لَفْظِ " مُصِيبَةٍ "، وَالنَّصْبُ بِتَقْدِيرِ عَامِلٍ، أَيْ حَتَّى وِجْدَانِهِ الشَّوْكَةَ، وَالرَّفْعُ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي " يُصِيبُ ". وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَيَّدَهُ الْمُحَقِّقُونَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، فَالرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَحَلِّ (إِلَّا قُصَّ) بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ أُخِذَ (بِهَا) ، وَأَصْلُ الْقَصِّ: الْأَخْذُ، وَمِنْهُ الْقِصَاصُ، أَخْذُ حَقِّ الْمُقْتَصِّ لَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: " نُقِصَ " وَهُمَا مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى، قَالَهُ عِيَاضٌ. (أَوْ كُفِّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ، لَا يَدْرِي يَزِيدُ) بْنُ خُصَيْفَةَ (أَيُّهُمَا) ، أَيُّ اللَّفْظَيْنِ: قُصَّ أَوْ كُفِّرَ، (قَالَ عُرْوَةُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: " إِلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ "، أَيْ لِكَوْنِ ذَلِكَ عُقُوبَةً بِسَبَبِ مَا كَانَ صَدَرَ مِنْهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَلِكَوْنِ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَغْفِرَةِ ذَنْبِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً "، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا يَقْتَضِي حُصُولَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا: حُصُولُ الثَّوَابِ، وَرَفْعُ الْعِقَابِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 وَشَاهِدُهُ مَا لِلطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: " «مَا ضُرِبَ عَلَى مُؤْمِنٍ عِرْقٌ قَطُّ، إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَةً، وَكَتَبَ لَهُ حَسَنَةً، وَرَفَعَ لَهُ دَرَجَةً» "، وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ. وَمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ عَنْهَا: " إِلَّا كَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً "، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ " أَوْ " شَكًّا مِنَ الرَّاوِي، وَيُحْتَمَلُ التَّنْوِيعُ وَهُوَ أَوْجَهُ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ بِهَا حَسَنَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خَطَايَا، أَوْ حَطَّ عَنْهُ إِنْ كَانَتْ لَهُ خَطَايَا، وَعَلَى هَذَا فَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ لَيْسَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ يُزَادُ فِي رَفْعِ دَرَجَتِهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَالْفَضْلُ وَاسِعٌ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعَقُّبٌ عَلَى قَوْلِ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَنَّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّ الْمُصَابَ مَأْجُورٌ، وَهُوَ خَطَأٌ صَرِيحٌ، فَإِنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْكَسْبِ، وَالْمَصَائِبُ لَيْسَتْ مِنْهَا، بَلِ الْأَجْرُ عَلَى الصَّبْرِ وَالرِّضَا، وَوَجْهُ التَّعَقُّبِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ صَرِيحَةٌ فِي ثُبُوتِ الْأَجْرِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْمُصِيبَةِ، وَأَمَّا الصَّبْرُ وَالرِّضَا، فَقَدْرٌ زَائِدٌ يُمْكِنُ أَنْ يُثَابَ عَلَيْهِمَا زِيَادَةً عَلَى ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ. قَالَ الشِّهَابُ الْقَرَافِيُّ: الْمَصَائِبُ كَفَّارَاتٌ جَزْمًا، سَوَاءٌ اقْتَرَنَ بِهَا الرِّضَا، أَمْ لَا، لَكِنْ إِنِ اقْتَرَنَ الرِّضَا عَظُمَ التَّكْفِيرُ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا قَالَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةٌ لِذَنْبٍ يُوَازِيهَا وَبِالرِّضَا يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَابِ ذَنْبٌ عُوِّضَ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ بِمَا يُوَازِيهِ. وَزَعَمَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لِلْمُصَابِ: جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةً لِذَنْبِكَ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ جَعَلَهَا كَفَّارَةً، فَسُؤَالُ التَّكْفِيرِ طَلَبٌ لِحُصُولِ الْحَاصِلِ وَهُوَ إِسَاءَةُ أَدَبٍ عَلَى الشَّارِعِ، وَتُعُقِّبَ بِمَا وَرَدَ مِنْ جَوَازِ الدُّعَاءِ بِمَا هُوَ وَاقِعٌ كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُؤَالِ الْوَسِيلَةِ لَهُ. وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فَهُوَ مَشْرُوعٌ لِيُثَابَ مَنِ امْتَثَلَ الْأَمْرَ عَلَى ذَلِكَ. وَلِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَيْبَةَ الْعَبْدَرِيِّ: " «أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَقَهُ وَجَعٌ فَجَعَلَ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ وَيَشْتَكِي، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَوْ صَنَعَ هَذَا بَعْضُنَا لَوَجِدْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ الصَّالِحِينَ يُشَدَّدُ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ نَكْبَةٌ مِنْ شَوْكَةٍ» "، الْحَدِيثَ، انْتَهَى، مُلَخَّصًا. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ»   1752 - 1703 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ) - بِمُهْمَلَاتٍ - الْمَازِنِيِّ الْمَدَنِيِّ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ) - بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَخِفَّةِ الْمُوَحَّدَةِ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 (سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ) الْمَدَنِيَّ الثِّقَةَ الْمُتْقِنَ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ: سِتَّ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ (يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا) ، أَيْ جَمِيعَ الْخَيْرَاتِ، أَوْ خَيْرًا عَظِيمًا (يُصِبْ مِنْهُ) ، بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ، وَكَسْرِ الصَّادِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي الرِّوَايَةِ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرُ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: سَمِعْتُ ابْنَ الْخَشَّابِ يَقْرَؤُهُ بِفَتْحِهَا، وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَلْيَقُ. قَالَ الطَّيْبِيُّ: أَلْيَقُ بِالْأَدَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] (سورة الشُّعَرَاءِ: الْآيَةُ 80) ، وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِرُوَاةٍ ثِقَاتٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَفَعَهُ، لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ مَحْمُودٍ مِنَ الْمُصْطَفَى وَلَفْظُهُ: " «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، مَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ، وَمَنْ جَزِعَ فَلَهُ الْجَزَعُ» "، وَمَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ: يَنَلْ مِنْهُ بِالْمَصَائِبِ، وَيَبْتَلِيهِ بِهَا لِيُثِيبَهُ عَلَيْهَا، قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَيْ يُوَصِّلُ إِلَيْهِ الْمَصَائِبَ لِيُطَهِّرَهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَيَرْفَعَ دَرَجَتَهُ، وَهِيَ اسْمٌ لِكُلِّ مَكْرُوهٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِالْمَصَائِبِ طِبٌّ إِلَهِيٌّ يُدَاوَى بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ أَمْرَاضِ الذُّنُوبِ الْمُهْلِكَةِ، وَيَصِحُّ عَوْدُ ضَمِيرِ " يُصِبْ " إِلَى " مَنْ "، وَضَمِيرِ " مِنْهُ " إِلَى " اللَّهُ "، أَوْ إِلَى الْخَيْرِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْخَيْرَ لَا يَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا بِإِرَادَتِهِ تَعَالَى، وَعَلَيْهِ فَلَا شَاهِدَ فِيهِ لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنَّ الشَّرَّ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ، لِكَوْنِهِ ذَكَرَ الْخَيْرَ دُونَ الشَّرِّ ; لِأَنَّ تَرْكَ ذِكْرِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ لِوُضُوحِهِ ; لِأَنَّ الْخَيْرَ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ مُرَادٌ لِمَنْ يَحْصُلُ لَهُ مُخْتَارٌ مَرْضِيٌّ بِهِ إِذَا كَانَ بِإِرَادَةِ الْغَيْرِ لَا مِنْ نَفْسِهِ، فَلِأَنْ يَكُونَ مَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ إِرَادَةٍ وَرِضًا أَوْلَى، وَفِيهِ بُشْرَى عَظِيمَةٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ ; لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يَنْفَكُّ غَالِبًا مِنْ أَلَمٍ بِسَبَبِ مَرَضٍ، أَوْ هَمٍّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطِّبِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ الْمَوْتُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ هَنِيئًا لَهُ مَاتَ وَلَمْ يُبْتَلَ بِمَرَضٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْحَكَ وَمَا يُدْرِيكَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ ابْتَلَاهُ بِمَرَضٍ يُكَفِّرُ بِهِ عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ»   1753 - 1704 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّ رَجُلًا) - لَمْ يُسَمَّ - (جَاءَهُ الْمَوْتُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَجُلٌ) - لَمْ يُسَمَّ - (هَنِيئًا لَهُ، مَاتَ وَلَمْ يُبْتَلَ بِمَرَضٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَيْحَكَ) كَلِمَةُ رَحْمَةٍ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا، كَمَا أَنَّ وَيْلَ كَلِمَةُ عَذَابٍ لِمَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 يَسْتَحِقُّهُ، وَهُمَا مَنْصُوبَانِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ (وَمَا يُدْرِيكَ) : يُعْلِمُكَ (لَوْ أَنَّ اللَّهَ ابْتَلَاهُ بِمَرَضٍ يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ) فَإِنَّ غَيْرَ الْمَعْصُومِ لَا يَخْلُو غَالِبًا مِنْ مُوَاقَعَةِ السَّيِّئَاتِ، فَالْمَرَضُ مُكَفِّرٌ لَهَا، أَوْ رَافِعٌ لِلدَّرَجَاتِ، وَكَاسِرٌ لِشَمَاخَةِ النَّفْسِ. وَقَدْ رُوِيَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ امْرَأَةً، فَوَصَفَهَا أَبُوهَا بِالْجَمَالِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَزِيدُكَ أَنَّهَا لَمْ تَمْرَضْ قَطُّ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لِهَذِهِ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَيْرٍ» ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 [التَّعَوُّذِ وَالرُّقْيَةِ مِنْ الْمَرَضِ] بَابُ التَّعَوُّذِ وَالرُّقْيَةِ مِنْ الْمَرَضِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ السَّلَمِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ «أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عُثْمَانُ وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْسَحْهُ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقُلْ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ قَالَ فَقُلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ بِي فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهَا أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ»   4 - بَابُ التَّعَوُّذِ وَالرُّقْيَةِ فِي الْمَرَضِ 1754 - 1705 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ (خُصَيْفَةَ) - بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ -: (أَنَّ عَمْرَو) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - (ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ) بْنِ مَالِكٍ (السَّلَمِيَّ) - بِفَتْحَتَيْنِ - الْأَنْصَارِيَّ الْمَدَنِيَّ الثِّقَةَ، (أَخْبَرَهُ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ) بْنِ مُطْعِمٍ الْقُرَشِيَّ النَّوْفَلِيَّ الْمَدَنِيَّ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ (أَخْبَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي) الثَّقَفِيِّ الطَّائِفِيِّ، اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الطَّائِفِ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ بِالْبَصْرَةِ. (أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عُثْمَانُ: وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ) : قَارَبَ (يُهْلِكُنِي) ، وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُثْمَانَ: " أَنَّهُ شَكَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ "، (قَالَ) عُثْمَانُ: ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: امْسَحْهُ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ» ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَ: " «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي يَأْلَمُ مِنْ جَسَدِكَ» "، وَلِلطَّبَرَانِيِّ، وَالْحَاكِمِ: " «ضَعْ يَمِينَكَ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَشْتَكِي، فَامْسَحْ بِهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ» "، (وَقُلْ) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا " قَبْلَ قَوْلِهِ (أَعُوذُ) : أَعْتَصِمُ ( «بِعِزَّةِ اللَّهِ، وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ» ) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " وَأُحَاذِرُ "، وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَالْحَاكِمِ: أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَسْحَةٍ مِنَ السَّبْعِ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ، وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: " «مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ مِنْ وَجَعِي هَذَا» "، (قَالَ) عُثْمَانُ: (فَقُلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ بِي) مِنَ الْوَجَعِ، (فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهَا أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ) ; لِأَنَّهُ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 الْإِلَهِيَّةِ، وَالطِّبِّ النَّبَوِيِّ لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالتَّفْوِيضِ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِعَاذَةِ بِعِزَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَتَكْرَارُهُ يَكُونُ أَنْجَعَ وَأَبْلَغَ كَتَكْرَارِ الدَّوَاءِ الطَّبِيعِيِّ لِاسْتِقْصَاءِ إِخْرَاجِ الْمَادَّةِ. وَفِي السَّبْعِ خَاصِّيَّةٌ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا. وَقَدْ خَصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّبْعَ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ بِشَرْطِ قُوَّةِ الْيَقِينِ، وَصِدْقِ النِّيَّةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَرِيضُ نَحْوَ طِفْلٍ أَنْ يَقُولَ مَنْ يُعَوِّذُهُ: مِنْ شَرِّ مَا يَجِدُ وَيُحَاذِرُ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفِثُ قَالَتْ فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَنَا أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا»   1755 - 1706 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا اشْتَكَى) أَيْ مَرِضَ، وَالشِّكَايَةُ: الْمَرَضُ، (يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ) - بِكَسْرِ الْوَاوِ - الْإِخْلَاصُ مُعَوِّذَةٌ تَغْلِيبًا، وَلِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ إِذَا اشْتَكَى قَرَأَ عَلَى نَفْسِهِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ» "، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَلِذَا قَالَ الْحَافِظُ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ تَغْلِيبٌ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي يُتَعَوَّذُ بِهَا مِنَ السُّورَتَيْنِ. (وَيَنْفِثُ) - بِكَسْرِ الْفَاءِ، وَضَمِّهَا بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ - أَيْ يُخْرِجُ الرِّيحَ مِنْ فَمِهِ فِي يَدِهِ مَعَ شَيْءٍ مِنْ رِيقِهِ وَيَمْسَحُ جَسَدَهُ. قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: هُوَ شِبْهُ الْبُزَاقِ بِلَا رِيقٍ، أَيْ يَجْمَعُ يَدَيْهِ، وَيَقْرَأُ فِيهِمَا، وَيَنْفِثُ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا عَلَى مَوْضِعِ الْأَلَمِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: أَيْ يَتْفُلُ بِلَا رِيقٍ، أَوْ مَعَ رِيقٍ خَفِيفٍ، أَيْ يَقْرَأُ مَاسِحًا لِجَسَدِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا. قَالَ مَعْمَرٌ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: كَيْفَ يَنْفِثُ؟ قَالَ: يَنْفِثُ عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهَا وَجْهَهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، قَالَ عِيَاضٌ: وَفَائِدَةُ النَّفْثِ بِتِلْكَ الرُّطُوبَةِ، أَوِ الْهَوَاءِ الَّذِي مَسَّهُ الذِّكْرُ، كَمَا يُتَبَرَّكُ بِغُسَالَةِ مَا يُكْتَبُ مِنَ الذِّكْرِ، وَفِيهِ تَفَاؤُلٌ بِزَوَالِ الْأَلَمِ وَانْفِصَالِهِ كَانْفِصَالِ ذَلِكَ النَّفْثِ، وَخَصَّ الْمُعَوِّذَاتِ لِمَا فِيهَا مِنَ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا. فَفِي الْإِخْلَاصِ كَمَالُ التَّوْحِيدِ. وَفِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ مَا يَعُمُّ الْأَشْبَاحَ وَالْأَرْوَاحَ، فَابْتَدَأَ بِالْعَامِّ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: 2] ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ: " {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ} [الفلق: 3] " ; لِأَنَّ انْبِثَاثَ الشَّرِّ فِيهِ أَكْثَرُ، وَالتَّجَوُّزَ مِنْهُ أَصْعَبُ، وَوَصَفَ الْمُسْتَعَاذَ بِهِ فِي الثَّالِثَةِ بِالرَّبِّ، ثُمَّ بِالْمَلِكِ، ثُمَّ بِالْإِلَهِ، وَأَضَافَهَا إِلَى النَّاسِ، وَكَرَّرَهُ، وَخَصَّ الْمُسْتَعَاذَ مِنْهُ بِالْوَسْوَاسِ الْمَعْنَيُّ بِهِ الْمُوَسْوِسُ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَعُوذُ مِنْ شَرِّ الْمُوَسْوِسِ إِلَى النَّاسِ بِرَبِّهِمُ الَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْهِمْ أُمُورَهُمْ، وَهُوَ إِلَهُهُمْ وَمَعْبُودُهُمْ، كَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 يَسْتَغِيثُ بَعْضُ الْمَوَالِي إِذَا عَثَرَ بِهِمْ خَطْبٌ بِسَيِّدِهِمْ، وَمَخْدُومِهِمْ، وَوَالِي أَمْرِهِمْ. (قَالَتْ) عَائِشَةُ: (فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ) فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، (كُنْتُ أَنَا أَقْرَأُ عَلَيْهِ) الْمُعَوِّذَاتِ، (وَأَمْسَحُ عَلَيْهِ) ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا لِيَحْيَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَأَمْسَحُ عَنْهُ (بِيَمِينِهِ) عَلَى جَسَدِهِ (رَجَاءَ بَرَكَتِهَا) ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: " «فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي» ". وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: " «فَذَهَبْتُ أُعَوِّذُهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى» "، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى: " «فَأَفَاقَ وَهِيَ تَمْسَحُ صَدْرَهُ، وَتَدْعُو بِالشِّفَاءِ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَسْأَلُ اللَّهَ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى هَذَا» "، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، ثُمَّ يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] ، وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ، وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» "، وَهَذِهِ مُغَايِرَةٌ لِرِوَايَةِ مَالِكٍ، وَإِنِ اتَّحَدَ إِسْنَادُهُمَا، فَالَّذِي يَتَرَجَّحُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِسَنَدٍ وَاحِدٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ إِثْبَاتُ الرُّقَى، وَالرَّدُّ عَلَى مُنْكِرِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَالرُّقَى بِالْقُرْآنِ، وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ ذِكْرٍ، وَإِبَاحَةُ النَّفْثِ فِيهِ، وَالْمَسْحُ بِالْيَدِ عِنْدَ الرُّقْيَةِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَسْحُهَا عَلَى كُلِّ مَا يُرْجَى بَرَكَتُهُ وَشِفَاؤُهُ وَخَيْرُهُ كَالْمَسْحِ عَلَى رَأْسِ الْيَتِيمِ، وَالتَّبَرُّكِ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ قِيَاسًا عَلَى فِعْلِ عَائِشَةَ، وَالتَّبَرُّكِ بِالْيُمْنَى دُونَ الشِّمَالِ، وَتَفْضِيلِهَا عَلَيْهَا، وَفِي ذَلِكَ مَعْنَى الْفَأْلِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمُ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الطِّبِّ، وَيُونُسُ عِنْدَهُ فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ، وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَكَذَا تَابَعَهُ زِيَادٌ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا قَائِلًا: كُلُّهُمْ، وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادِ مَالِكٍ نَحْوُ حَدِيثِهِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ " رَجَاءَ بَرَكَتِهَا " إِلَّا فِي حَدِيثِ مَالِكٍ، وَفِي حَدِيثِ يُونُسَ، وَزِيَادَةُ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ» ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 518 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَشْتَكِي وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ   1756 - 1707 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ: (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، وَهِيَ تَشْتَكِي، وَيَهُودِيَّةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 518 تَرْقِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ) الْقُرْآنِ، إِنْ رُجِيَ إِسْلَامُهَا، أَوِ التَّوْرَاةِ إِنْ كَانَتْ مُعْرِبَةً بِالْعَرَبِيِّ، أَوْ أُمِنَ تَغْيِيرُهُمْ لَهَا، فَتَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِهِ، وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَبِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَبِمَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِ بِشَرْطِ اعْتِقَادِ أَنَّ الرُّقْيَةَ لَا تُؤَثِّرُ بِنَفْسِهَا، بَلْ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ. قَالَ عِيَاضٌ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رُقْيَةِ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ الْمُسْلِمَ، وَبِالْجَوَازِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. قَالَ الرَّبِيعُ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنِ الرُّقْيَةِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَرْقِيَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَبِمَا يُعْرَفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، قُلْتُ: أَيَرْقِي أَهْلُ الْكِتَابِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا رَقُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةَ الرُّقْيَةِ بِالْحَدِيدَةِ، وَالْمِلْحِ، وَعَقْدِ الْخَيْطِ، وَالَّذِي يَكْتُبُ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 519 [تَعَالُجِ الْمَرِيضِ] بَابُ تَعَالُجِ الْمَرِيضِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَجُلًا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَهُ جُرْحٌ فَاحْتَقَنَ الْجُرْحُ الدَّمَ وَأَنَّ الرَّجُلَ دَعَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي أَنْمَارٍ فَنَظَرَا إِلَيْهِ فَزَعَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمَا أَيُّكُمَا أَطَبُّ فَقَالَا أَوَ فِي الطِّبِّ خَيْرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ الَّذِي أَنْزَلَ الْأَدْوَاءَ»   5 - بَابُ تَعَالُجِ الْمَرِيضِ 1757 - 1708 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) مُرْسَلٌ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ، (أَنَّ رَجُلًا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَهُ جُرْحٌ) - بِضَمِّ الْجِيمِ - (فَاحْتَقَنَ) ، أَيِ احْتَبَسَ الْجُرْحُ (الدَّمُ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ فَاضَ وَخِيفَ عَلَيْهِ مِنْهُ، (وَأَنَّ الرَّجُلَ دَعَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي أَنْمَارٍ) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَإِسْكَانِ النُّونِ، وَمِيمٍ - بَطْنٌ مِنَ الْعَرَبِ، (فَنَظَرَا إِلَيْهِ فَزَعَمَا) ، أَيْ قَالَا: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمَا: أَيُّكُمَا أَطَبُّ؟) ، أَيْ أَعْلَمُ بِالطِّبِّ (فَقَالَا: أَوَفِي الطِّبِّ خَيْرٌ) ، مُثَلَّثُ الطَّاءِ: عِلَاجُ الْجِسْمِ، وَالنَّفْسِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، (يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَزَعَمَ) ، أَيْ قَالَ (زَيْدُ) بْنُ أَسْلَمَ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَنْزَلَ الدَّوَاءَ» ) : مَا يُتَدَاوَى بِهِ (الَّذِي أَنْزَلَ الْأَدْوَاءَ) ، جَمْعُ دَاءٍ، وَهُوَ الْمَرَضُ، أَيِ الْأَمْرَاضَ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْإِنْزَالِ، فَقِيلَ: إِعْلَامُهُ عِبَادَهُ بِهِ، وَمُنِعَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ بِعُمُومِ الْإِنْزَالِ لِكُلِّ دَاءٍ، وَدَوَائِهِ، وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِقَوْلِهِ: عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ. وَقِيلَ: إِنْزَالُهُمَا إِنْزَالَ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 519 بِمُبَاشَرَةِ مَخْلُوقَاتِ الْأَرْضِ، فَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، فَيُخْبِرُونَ بِذَلِكَ النَّبِيَّ مَثَلًا، أَوْ إِلْهَامٌ لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ: عَامَّةُ الْأَدْوَاءِ وَالْأَدْوِيَةِ بِوَاسِطَةِ إِنْزَالِ الْغَيْثِ الَّذِي تَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْأَغْذِيَةُ وَالْأَدْوِيَةُ وَغَيْرُهُمَا، وَهَذَا مِنْ تَمَامِ لُطْفِ الرَّبِّ بِخَلْقِهِ، فَكَمَا ابْتَلَاهُمْ بِالْأَدْوَاءِ أَعَانَهُمْ عَلَيْهَا بِالْأَدْوِيَةِ، وَكَمَا ابْتَلَاهُمْ بِالذُّنُوبِ أَعَانَهُمْ عَلَيْهَا بِالتَّوْبَةِ وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ. وَفِي الْفِرْدَوْسِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: " «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، وَدَاءُ الذُّنُوبِ الِاسْتِغْفَارُ» "، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ إِبَاحَةُ التَّدَاوِي، وَإِتْيَانُ الطَّبِيبِ إِلَى الْعَلِيلِ، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُمْرِضُ وَالشَّافِي، وَأَنَّهُ أَنْزَلَ الْأَمْرَيْنِ، وَلِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْقِي، وَيَقُولُ: " «اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي يَا رَبِّ لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، اشْفِ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا» "، وَهَذَا يُصَحِّحُ أَنَّ الْمُعَالَجَةَ إِنَّمَا هِيَ لِتَطْبِيبِ نَفْسِ الْعَلِيلِ، وَأُنْسِهِ لِلْعِلَاجِ، وَرَجَاءِ أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الشِّفَاءِ كَالتَّسَبُّبِ بِطَلَبِ الرِّزْقِ الْمَفْرُوغِ مِنْهُ، وَفِيهِ أَنَّ الْبُرْءَ لَيْسَ فِي وُسْعِ مَخْلُوقٍ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ حِينِهِ، وَقَدْ رَأَيْنَا الْأَطِبَّاءَ يُعَالِجُ أَحَدُهُمُ اثْنَيْنِ عِلَّتُهُمَا وَاحِدَةٌ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، وَسِنٍّ وَاحِدٍ، وَبَلَدٍ وَاحِدٍ، وَرُبَّمَا كَانَا تَوْأَمَيْنِ فَيُعَالِجُهُمَا بِعِلَاجٍ وَاحِدٍ، فَيَصِحُّ أَحَدُهُمَا، وَيَمُوتُ الْآخَرُ، أَوْ تَطُولُ عِلَّتُهُ، ثُمَّ يَصِحُّ عِنْدَ الْأَمَدِ الْمَعْدُودِ لَهُ، انْتَهَى. ثُمَّ حَدِيثُ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا، لَكِنَّ شَوَاهِدَهُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ مُسْنَدَةٌ كَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ، وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» "، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: " «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ» "، وَلِأَحْمَدَ، وَالْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رَفَعَهُ: " «تَدَاوَوْا يَا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، إِلَّا دَاءً وَاحِدًا: الْهَرَمُ» "، وَفِي لَفْظٍ: " إِلَّا السَّامَ " بِمُهْمَلَةٍ مُخَفَّفًا، أَيِ الْمَوْتَ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا دَوَاءَ لَهُ، فَيُخَصُّ بِهِ عُمُومُ الْحَدِيثِ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ دَوَاؤُهُ الطَّاعَةُ لَيْسَ شَيْءٌ، لِأَنَّهَا دَوَاءٌ لِلْمَرَضِ الْمَعْنَوِيِّ كَعُجْبٍ وَكِبْرٍ، لَا الْمَوْتِ. وَفِي قَوْلِهِ: " بِإِذْنِ اللَّهِ " إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِالدَّوَاءِ إِذَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ، بَلْ قَدْ يَنْقَلِبُ دَاءً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ بَلَغَنِي «أَنَّ سَعْدَ بْنَ زُرَارَةَ اكْتَوَى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الذُّبْحَةِ فَمَاتَ»   1758 - 1709 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: بَلَغَنِي) ، وَوَصَلَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ: (أَنَّ سَعْدَ) - بِسُكُونِ الْعَيْنِ - (ابْنَ زُرَارَةَ) بْنِ عَدَسٍ الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ، أَخُو أَسْعَدَ، بِأَلِفٍ أَوَّلَهُ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ فِي الصَّحَابَةِ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ وَالْعَدَوِيُّ أَنَّهُ كَانَ يُنْسَبُ إِلَى النِّفَاقِ، وَلَعَلَّهُ تَابَ، (اكْتَوَى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الذُّبَحَةِ) - بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ - قَالَ فِي الْقَامُوسِ: كَهُمَزَةٍ وَعِنَبَةٍ وَكِسْرَةٍ وَصُبْرَةٍ، وَجَعٌ فِي الْحَلْقِ، أَوْ دَمٌ يَخْنُقُ فَيَقْتُلُ. وَفِي النِّهَايَةِ: بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَقَدْ تُسَكَّنُ: وَجَعٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 يَعْرِضُ فِي الْحَلْقِ مِنَ الدَّمِ، وَقِيلَ: قُرْحَةٌ تَظْهَرُ فِيهِ فَيَنْسَدُّ مَعَهَا، وَيَنْقَطِعُ النَّفَسُ، وَفِي الْغَرِيبَيْنِ: الذُّبْحَةُ وَجَعُ الْحَلْقِ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: قُرْحَةٌ فِي حَلْقِ الْإِنْسَانِ مِثْلُ الزَّبِيبَةِ الَّتِي تَأْخُذُ الْحَمِيرَ، (فَمَاتَ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اكْتَوَى مِنْ اللَّقْوَةِ وَرُقِيَ مِنْ الْعَقْرَبِ   1759 - 1710 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اكْتَوَى مِنَ اللَّقْوَةِ) - بِلَامٍ مَفْتُوحَةٍ، فَقَافٍ سَاكِنَةٍ - دَاءٌ يُصِيبُ الْوَجْهَ، كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ. (وَرُقِيَ مِنَ الْعَقْرَبِ) لِإِذْنِ الْمُصْطَفَى، فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: " «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّقَى، فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ يُرْقَى بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ، وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، قَالُوا: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا أَرَى بَأْسًا مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ» ، وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ: " «لَدَغَتْ رَجُلًا مِنَّا عَقْرَبٌ، وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْقِي، قَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» "، وَفِي الْمُوَطَّأِ، ابْنُ وَهْبٍ: أَنَّ الرَّجُلَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ مِنْ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وَرَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الْكَيِّ، فَاكْتَوَيْنَا، فَمَا أَفْلَحْنَا، وَمَا أَنْجَحْنَا» "، وَهَذَا مَعَ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الْكَرَاهَةِ، أَوْ خِلَافِ الْأَوْلَى، إِذْ لَوْ حَمَلَهُ عَلَى التَّحْرِيمِ مَا اكْتَوَى، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِغَيْرِ التَّحْرِيمِ حَدِيثُ الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: " «إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ شِفَاءٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ» "، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَرَ فِي أَثَرٍ صَحِيحٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتَوَى إِلَّا أَنَّ الْقُرْطُبِيَّ نَسَبَ إِلَى كِتَابِ " أَدَبُ النُّفُوسِ " لِلطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ اكْتَوَى. وَذَكَرَهُ الْحَلِيمِيُّ بِلَفْظِ: " «رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتَوَى لِلْجُرْحِ الَّذِي أَصَابَهُ بِأُحُدٍ» "، وَالثَّابِتُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ فَاطِمَةَ أَحْرَقَتْ حَصِيرًا، فَحَشَتْ بِهِ جُرْحَهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْكَيَّ الْمَعْهُودَ، وَجَزَمَ السَّفَاقُسِيُّ بِأَنَّهُ اكْتَوَى، وَابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَكْتَوِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 [الْغَسْلِ بِالْمَاءِ مِنْ الْحُمَّى] حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِالْمَرْأَةِ وَقَدْ حُمَّتْ تَدْعُو لَهَا أَخَذَتْ الْمَاءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا «وَقَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُبْرِدَهَا بِالْمَاءِ»   6 - بَابُ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ مِنَ الْحُمَّى هِيَ حَرَارَةٌ غَرِيبَةٌ تَشْتَعِلُ فِي الْقَلْبِ، وَتَنْتَشِرُ مِنْهُ بِتَوَسُّطِ الرُّوحِ وَالدَّمِ فِي الْعُرُوقِ إِلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ وَهِيَ قِسْمَانِ: عَرَضِيَّةٌ، وَهِيَ الْحَادِثَةُ عَنْ وَرَمٍ، أَوْ حَرَكَةٍ، أَوْ إِصَابَةِ حَرَارَةِ الشَّمْسِ، أَوِ الْقَبْضِ الشَّدِيدِ وَنَحْوِهَا، وَمَرَضِيَّةٌ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، وَتَكُونُ عَنْ مَادَّةٍ، ثُمَّ مِنْهَا مَا يُسَخِّنُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، فَإِنْ كَانَ مَبْدَأُ تَعَلُّقِهَا بِالرُّوحِ فَهِيَ حُمَّى يَوْمٍ، لِأَنَّهَا تُقْلِعُ غَالِبًا فِي يَوْمٍ، وَنِهَايَتُهَا إِلَى ثَلَاثٍ، وَإِنْ كَانَ تَعَلُّقُهَا بِالْأَعْضَاءِ الْأَصْلِيَّةِ، فَهِيَ حُمَّى دَقٍّ، وَهِيَ أَخْطَرُهَا، وَإِنْ كَانَ تَعَلُّقُهَا بِالْأَخْلَاطِ، سُمِّيَتْ عَفَنِيَّةً، وَهِيَ بِعَدَدِ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ، وَتَحْتَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ بِسَبَبِ الْإِفْرَادِ وَالتَّرْكِيبِ. 1760 - 1711 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ) زَوْجَتِهِ بِنْتِ عَمِّهِ (فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ) بْنِ الزُّبَيْرِ: (أَنَّ) جَدَّتَهُمَا (أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ، (كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، (بِالْمَرْأَةِ، وَقَدْ حُمَّتْ) - بِضَمِّ الْحَاءِ، وَفَتْحِ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً - (تَدْعُو لَهَا، أَخَذَتِ الْمَاءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَهَا) ، بَيْنَ الْمَحْمُومَةِ (وَبَيْنَ جَيْبِهَا) - بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ - قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: أَيْ بَيْنَ طَوْقِهَا وَجَسَدِهَا، (وَقَالَتْ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَبْرُدَهَا» ) - بِفَتْحِ النُّونِ، وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ - وَفِي رِوَايَةٍ: بِضَمِّ النُّونِ، وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ مُشَدَّدَةً، (بِالْمَاءِ) الْبَارِدِ. وَفِي فِعْلِ أَسْمَاءَ صِفَةُ التَّبْرِيدِ الْمُطْلَقِ فِي الْأَحَادِيثِ، وَهُوَ أَوْلَى مَا تُفَسَّرُ بِهِ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا سِيَّمَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الَّتِي كَانَتْ تَلْزَمُ بَيْتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَتَشْكِيكُ بَعْضِ الضَّالِّينَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّ غَسْلَ الْمَحْمُومِ مُهْلِكٌ، وَأَنَّ بَعْضَ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْعِلْمِ فَعَلَهُ فَهَلَكَ، أَوْ كَادَ لِجَمْعِهِ الْمَسَامَّ، وَخَنْقِهِ الْبُخَارَ وَعَكْسِهِ الْحَرَارَةَ لِدَاخِلِ الْبَدَنِ، جَهْلٌ قَبِيحٌ نَشَأَ مِنْ عَدَمِ فَهْمِ كَلَامِ النُّبُوَّةِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ: " «إِذَا حُمَّ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُشَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ الْبَارِدَ ثَلَاثَ لَيَالٍ مِنَ السَّحَرِ» "، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ: كُلُّ مَاءٍ، وَأَنَّ الْمُرَادَ اسْتِعْمَالُهُ لَا الصَّدَقَةُ بِهِ كَمَا ادَّعَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَإِنْ وُجِّهَ بِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 فَكَمَا أَخْمَدَ لَهِيبَ الْعَطَشِ عَنِ الظَّمْآنِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ أَخْمَدَ اللَّهُ عَنْهُ لَهِيبَ الْحُمَّى جَزَاءً وِفَاقًا، وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ. قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنَّ صَرِيحَ الْأَحَادِيثِ تَرُدُّهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَاءُ زَمْزَمَ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ أَوْ بِمَاءِ زَمْزَمَ» " بِالشَّكِّ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ: بِمَاءِ زَمْزَمَ، بِدُونِ شَكٍّ، وَجَمْعٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ لِأَهْلِ مَكَّةَ لِتَيَسُّرِهِ عِنْدَهُمْ، أَمَّا غَيْرُهُمْ فَكُلُّ مَاءٍ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ القَّعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ»   1761 - 1712 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) مُرْسَلًا عِنْدَ الْجَمِيعِ إِلَّا مَعْنَ بْنَ عِيسَى، فَرَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَتْ رِوَايَتُهُ بِشَاذَّةٍ ; لِأَنَّهُ تَابَعَهُ ابْنُ وَهَبٍ وَهُوَ مَعْلُومُ الِاتِّصَالِ عِنْدَ أَصْحَابِ هِشَامٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَخَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، وَعَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَرْبَعَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحٍ» ) ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ. وَفِي حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي الْبُخَارِيِّ: مِنْ فَوْحٍ، بِالْوَاوِ بَدَلَ الْيَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ عَنْهُ: مِنْ فَوْرٍ، بِالرَّاءِ بَدَلَ الْحَاءِ، وَالثَّلَاثَةُ بِمَعْنَى (جَهَنَّمَ) ، أَيْ سُطُوعِ حَرِّهَا وَفَوَرَانِهِ حَقِيقَةً، أُرْسِلَتْ إِلَى الدُّنْيَا نَذِيرًا لِلْجَاحِدِينَ، وَبَشِيرًا لِلْمُقَرَّبِينَ، لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِمْ، فَاللَّهَبُ الْحَاصِلُ فِي جِسْمِ الْمَحْمُومِ قِطْعَةٌ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قَدَّرَ اللَّهُ ظُهُورَهَا بِأَسْبَابٍ يَقْضِيهَا، لِيَعْتَبِرَ الْعِبَادُ بِذَلِكَ، كَمَا أَنَّ أَنْوَاعَ الْفَرَحِ وَاللَّذَّةِ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ، أَظْهَرَهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ عِبْرَةً وَدِلَالَةً، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ، شَبَّهَ اشْتِعَالَ حَرَارَةِ الطَّبِيعَةِ فِي كَوْنِهَا مُذِيبَةً لِلْبَدَنِ وَمُعَذِّبَةً لَهُ بِنَارِ جَهَنَّمَ، فَفِيهِ تَنْبِيهٌ لِلنُّفُوسِ عَلَى شِدَّةِ حَرِّ النَّارِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ الطَّيْبِيُّ: " مِنْ " لَيْسَتْ بَيَانِيَّةً حَتَّى تَكُونَ تَشْبِيهًا كَقَوْلِهِ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 187) ، فَهِيَ إِمَّا ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيِ الْحُمَّى نَشَأَتْ وَحَصَلَتْ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ، أَيْ بَعْضٌ مِنْهَا، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا فِي الصَّحِيحِ: " «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٌ فِي الصَّيْفِ» "، فَكَمَا أَنَّ حَرَارَةَ الصَّيْفِ أَثَرٌ مِنْ فَيْحِهَا، كَذَلِكَ الْحُمَّى، وَهِيَ حَرَارَةٌ غَرِيبَةٌ تَشْتَعِلُ فِي الْقَلْبِ، وَتَنْتَشِرُ مِنْهُ بِتَوَسُّطِ الرُّوحِ وَالدَّمِ فِي الْعُرُوقِ إِلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ. (فَابْرُدُوهَا) ، بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَضَمِّ الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ: بَرَدْتُ الْحُمَّى أَبْرُدُهَا بَرْدًا بِوَزْنِ قَتَلْتُهَا أَقْتُلُهَا قَتْلًا، أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 أَسْكَنْتُ حَرَارَتَهَا، وَحُكِيَ كَسْرُ الرَّاءِ مَعَ وَصْلِ الْهَمْزَةِ، وَحَكَى عِيَاضٌ رِوَايَةً بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ، وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ: أَبْرَدَ الشَّيْءَ إِذَا عَاجَلَهُ فَصَيَّرَهُ بَارِدًا، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنَّهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، وَقَوْلُ أَبِي الْبَقَاءِ: الصَّوَابُ وَصْلُ الْهَمْزَةِ وَضَمُّ الرَّاءِ، زَادَ الْقُرْطُبِيُّ: وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ قَطْعَهَا، فِيهِ نَظَرٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا رِوَايَةً (بِالْمَاءِ) الْبَارِدِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ " شُرْبًا، وَغَسْلَ أَطْرَافٍ " ; لِأَنَّ الْمَاءَ الْبَارِدَ رَطْبٌ يَنْسَاغُ لِسُهُولَتِهِ فَيَصِلُ لِلَطَافَتِهِ إِلَى أَمَاكِنِ الْعِلَّةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى مُعَاوَنَةِ الطَّبِيعَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: اعْتَرَضَ بَعْضُ سُخَفَاءِ الْأَطِبَّاءِ الْحَدِيثَ بِأَنَّ اغْتِسَالَ الْمَحْمُومِ بِالْمَاءِ خَطَرٌ يُقَرِّبُهُ مِنَ الْهَلَاكِ ; لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمَسَامَّ، وَيَحْقِنُ الْبُخَارَ الْمُتَحَلِّلَ، وَيَعْكِسُ الْحَرَارَةَ إِلَى دَاخِلِ الْجِسْمِ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِلتَّلَفِ، وَغَلَطَ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْعِلْمِ فَانْغَمَسَ بِالْمَاءِ، أَصَابَهُ الْحُمَّى فَاحْتَقَنَتِ الْحَرَارَةُ فِي بَاطِنِ بَدَنِهِ، فَأَصَابَتْهُ عِلَّةٌ صَعْبَةٌ كَادَتْ تُهْلِكُهُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِلَّتِهِ قَالَ قَوْلًا سَيِّئًا لَا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ، وَأوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ جَهْلُهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ، وَارْتِيَابُهُ فِي صِدْقِهِ، فَيُقَالُ لَهُ أَوَّلًا: مِنْ أَيْنَ حَمَلْتَ الْأَمْرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ الْكَيْفِيَّةِ فَضْلًا عَنِ اخْتِصَاصِهَا بِالْغُسْلِ، وَإِنَّمَا أَرْشَدَ إِلَى تَبْرِيدِهَا بِالْمَاءِ، فَإِنْ أَظْهَرَ الْوُجُودُ أَوِ اقْتَضَتْ صِنَاعَةُ الطِّبِّ أَنَّ إِغْمَاسَ كُلِّ مَحْمُومٍ فِي الْمَاءِ أَوْ صَبَّهُ إِيَّاهُ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ فَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِعْمَالَهُ عَلَى وَجْهٍ يَنْفَعُ فَيُبْحَثُ عَنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ لِيَحْصُلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَهُوَ كَمَا أَمَرَ الْعَائِنَ بِالِاغْتِسَالِ وَأَطْلَقَ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ أَرَادَ الِاغْتِسَالَ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، لَا مُطْلَقِ الِاغْتِسَالِ، فَكَذَلِكَ هُنَا يُحْمَلُ عَلَى مَا بَيَّنَتْهُ أَسْمَاءُ، لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَنْ رَوَاهُ، فَهِيَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ مِنْ غَيْرِهَا. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا شَكَّ أَنَّ عِلْمَ الطِّبِّ مِنْ أَكْثَرِ الْعُلُومِ احْتِيَاجًا إِلَى التَّفْصِيلِ، حَتَّى إِنَّ الْمَرِيضَ يَكُونُ الشَّيْءُ دَوَاءَهُ فِي سَاعَةٍ، ثُمَّ يَصِيرُ دَاءً لَهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تَلِيهَا لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ كَغَضَبٍ يُحْمِي مِزَاجَهُ مَثَلًا فَيَتَغَيَّرُ عِلَاجُهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ، فَإِذَا فُرِضَ وُجُودُ الشِّفَاءِ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ فِي حَالَةٍ لَمْ يَلْزَمْ وُجُودُ الشِّفَاءِ بِهِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ، وَأَجْمَعَ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ عِلَاجُهُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ وَالزَّمَانِ وَالْعَادَةِ وَالْغِذَاءِ الْمُتَقَدَّمِ وَالتَّأْثِيرِ الْمَأْلُوفِ وَقُوَّةِ الطِّبَاعِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا مَرَّ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ الِاغْتِسَالُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، فَيَكُونُ مِنَ الْخَوَاصِّ الَّتِي اطَّلَعَ عَلَيْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَحْيِ، وَيَضْمَحِلُّ عِنْدَ ذَلِكَ كَلَامُ الْأَطِبَّاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَاكَ لِبَعْضِ الْحُمَّيَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَهَذَا أَوْجَهُ. وَقَالَ عِيَاضٌ: لَمْ يُبَيِّنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصِّفَةَ وَالْحَالَةَ، فَمِنْ أَيْنَ أَنَّهُ أَرَادَ الِانْغِمَاسَ، وَالْأَطِبَّاءُ يُسَلِّمُونَ أَنَّ الْحُمَّى الصَّفْرَاوِيَّةَ يُبَرَّدُ صَاحِبُهَا بِسَقْيِ الْمَاءِ الْبَارِدِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، نَعَمْ، وَيَسْقُونَهُ الثَّلْجَ، وَيَغْسِلُونَ أَطْرَافَهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْحُمَّى وَالْغَسْلَ عَلَى مِثْلِ مَا قَالُوهُ، أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ، وَقَدْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 524 تَأَوَّلَتْ أَسْمَاءُ الْحَدِيثَ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَاهُ، وَقَدْ شَاهَدَتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ عَلَى مَا عُلِمَ، انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُمَّى أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا يَصْلُحُ لَهُ الْإِبْرَادُ بِالْمَاءِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ، وَالَّذِي يَصْلُحُ إِبْرَادُهُ بِالْمَاءِ يَخْتَلِفُ أَيْضًا، فَمِنْهُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُرَشَّ بَيْنَ بَدَنِ الْمَحْمُومِ وَجَيْبِهِ، أَوْ يُقَطَّرَ عَلَى صَدْرِهِ مِنَ السِّقَاءِ فَلَا يُجَاوِزُ ذَلِكَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَى صَبِّ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ، أَوْ إِلَى انْغِمَاسِهِ فِي النَّهْرِ الْجَارِي مَرَّةً فَأَكْثَرَ، وَذَلِكَ بِاخْتِلَافِ نَوْعِ الْمَرَضِ، وَكَمَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ يَخْتَلِفُ أَيْضًا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْفَصْلِ، وَالْقَطْرِ، وَالْمِزَاجِ، فَلَا يُسَوَّى بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَلَا بَيْنَ الشَّامِ وَمِصْرَ، وَلَا بَيْنَ مِصْرَ وَالْحِجَازِ، وَلَا بَيْنَ مَنْ مِزَاجُهُ بَارِدٌ رَطْبٌ، وَبَيْنَ مَنْ مِزَاجُهُ حَارٌّ يَابِسٌ، وَلَا بَيْنَ مَنْ بِهِ نَزَلَاتٌ وَتَحَدُّرَاتٌ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ، هَذَا هُوَ الْمُقَرَّرُ مِنْ قَوَاعِدِ الطِّبِّ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمُ الْحُمَّى، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيُطْفِئْهَا عَنْهُ بِالْمَاءِ، يَسْتَنْقِعُ فِي نَهْرٍ جَارٍ، وَيَسْتَقْبِلُ جِرْيَتَهُ، وَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ، وَصَدِّقْ رَسُولَكَ، بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلْيَنْغَمِسْ فِيهِ ثَلَاثَ غَمْسَاتٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فَخَمْسٌ، وَإِلَّا فَسَبْعٌ، وَإِلَّا فَتِسْعٌ، فَإِنَّهَا لَا تَكَادُ تُجَاوِزُ تِسْعًا بِإِذْنِ اللَّهِ» "، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ، وَفِي سَنَدِهِ سَعِيدُ بْنُ زُرْعَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَهَذَا يَنْزِلُ عَلَى مَنْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ، وَنَزَلَ أَيْضًا بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ قَوَاعِدِ الطِّبِّ دَخَلَ فِي قِسْمِ الْمُعْجِزَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِيهِ " صَدِّقْ رَسُولَكَ "، وَ " بِإِذْنِ اللَّهِ "؟ قَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: عَمِلْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَانْغَمَسْتُ فِي بَحْرِ النِّيلِ فَبَرِئْتُ مِنْهَا، قَالَ وَلَدُهُ: وَلَمْ يُحَمَّ بَعْدَهَا، وَلَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ»   1761 - 1713 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ) ، حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، وَيُؤَيِّدُ الْحَقِيقَةَ حَدِيثُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ سَمُرَةَ يَرْفَعُهُ: " «الْحُمَّى قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ» "، وَمِثْلُهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ: (فَأَطْفِئُوهَا) - بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ، وَكَسْرِ الْفَاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ - أَمْرًا بِإِطْفَاءِ حَرَارَتِهَا (بِالْمَاءِ) الْبَارِدِ شُرْبًا، وَغَسْلِ أَطْرَافِ، أَوْ جَمِيعِ الْجَسَدِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالزَّمَانِ وَالْمِزَاجِ وَالْمَكَانِ. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: " فَأَبْرِدُوهَا "، فَأَشَارَ أَبُو عُمَرَ إِلَى أَنَّ إِحْدَاهُمَا بِالْمَعْنَى، وَلَا يَتَعَيَّنُ لِجَوَازِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَطَقَ بِاللَّفْظَيْنِ ; لِأَنَّ الْمُخَرِّجَ مُخْتَلِفٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَابْنِ عُفَيْرٍ، وَلَيْسَ فِيهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيِّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ بِهِ فِي مُسْلِمٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 عَبْدُ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَزَادَ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يُحَدِّثُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَكَذَا عَطَفَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَلَى حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 [عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالطِّيَرَةِ] بَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالطِّيَرَةِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا عَادَ الرَّجُلُ الْمَرِيضَ خَاضَ الرَّحْمَةَ حَتَّى إِذَا قَعَدَ عِنْدَهُ قَرَّتْ فِيهِ أَوْ نَحْوَ هَذَا   7 - بَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالطِّيَرَةِ أَصْلُ عِيَادَةٍ عِوَادَةٌ، قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا، يُقَالُ: عُدْتُ الْمَرِيضَ أَعُودُهُ عِيَادَةً إِذَا زُرْتَهُ وَسَأَلْتَهُ عَنْ حَالِهِ، وَالطِّيَرَةُ - بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ -: التَّشَاؤُمُ بِالشَّيْءِ، وَأَصْلُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا خَرَجَ أَحَدُهُمْ لِحَاجَةٍ، فَإِنْ رَأَى الطَّيْرَ طَارَ عَنْ يَمِينِهِ تَيَمَّنَ بِهِ وَاسْتَمَرَّ، وَإِنْ طَارَ عَنْ يَسَارِهِ تَشَاءَمَ بِهِ وَرَجَعَ، وَرُبَّمَا هَيَّجُوا الطَّيْرَ لِيَطِيرَ فَيَعْتَمِدُونَ ذَلِكَ، وَيَصِحُّ مَعَهُمْ فِي الْغَالِبِ لِتَزْيِينِ الشَّيْطَانِ لَهُمْ ذَلِكَ، وَبَقِيَتْ بَقَايَا مِنْ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَنَهَى الشَّرْعُ عَنْ ذَلِكَ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ مَرْفُوعًا: " «ثَلَاثَةٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهُنَّ أَحَدٌ: الطِّيَرَةُ، وَالظَّنُّ، وَالْحَسَدُ، فَإِذَا تَطَيَّرْتَ فَلَا تَرْجِعْ، وَإِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تَحَقَّقْ» "، وَهَذَا مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ، لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ، وَلِابْنِ عَدِيِّ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا تَطَيَّرْتُمْ فَأَمْضُوا، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا» ، ولِلْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو: «مَنْ عَرَضَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الطِّيَرَةِ شَيْءٌ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» . 1714 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ) أَخْرَجَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدَ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ، (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا عَادَ الرَّجُلُ الْمَرِيضَ خَاضَ الرَّحْمَةَ» ) ، شَبَّهَ الرَّحْمَةَ بِالْمَاءِ، إِمَّا فِي الطَّهَارَةِ، وَإِمَّا فِي الشُّيُوعِ وَالشُّمُولِ، وَنَسَبَ إِلَيْهَا مَا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنَ الْخَوْضِ (حَتَّى إِذَا قَعَدَ عِنْدَهُ قَرَّتْ) ، أَيْ ثَبَتَتْ (فِيهِ أَوْ نَحْوُ هَذَا) شَكٌّ، وَلَفْظُ رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ: " قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا» "، وَلَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: " «عَائِدُ الْمَرِيضِ يَخُوضُ الرَّحْمَةَ، فَإِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ، وَمِنْ تَمَامِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ أَنْ يَضَعَ أَحَدُكُمْ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ، أَوْ عَلَى يَدِهِ فَيَسْأَلُهُ كَيْفَ هُوَ، وَتَمَامُ تَحِيَّتِكُمْ بَيْنَكُمُ الْمُصَافَحَةُ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ ابْنِ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا عَدْوَى وَلَا هَامَ وَلَا صَفَرَ وَلَا يَحُلَّ الْمُمْرِضُ عَلَى الْمُصِحِّ وَلْيَحْلُلْ الْمُصِحُّ حَيْثُ شَاءَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا ذَاكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ أَذًى   1715 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ بُكَيْرٍ) - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ - (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ) - بِالْجِيمِ - الْمَخْزُومِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، نَزِيلِ مِصْرَ مِنَ الثِّقَاتِ، مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ: بَعْدَهَا (عَنِ ابْنِ عَطِيَّةَ) ، كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَتَابَعَهُ قَوْمٌ. وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ عَنِ ابْنِ عَطِيَّةَ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ، أَيْ بِأَدَاةِ الْكُنْيَةِ، وَابْنُ عَطِيَّةَ اسْمُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَطِيَّةَ، وَيُكَنَّى أَبَا عَطِيَّةَ، قِيلَ: هُوَ مَجْهُولٌ لَكِنَّ الْحَدِيثَ مَحْفُوظٌ مِنْ وُجُوهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ وَافَقَ ابْنَ بُكَيْرٍ فِي ذِكْرِهِ بِأَدَاةِ الْكُنْيَةِ، بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، لَكِنَّهُ خَالَفَهُ فِي صَحَابِيِّهِ، فَقَالَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْمُوَطَّآتِ، لَكِنَّهُ وَهْمٌ مِنْ أَبِي هَاشِمٍ الرِّفَاعِيِّ رَاوِيهِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا عَدْوَى» ) ، أَيْ لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا، أَيْ لَا يَسْرِي، وَلَا يَتَجَاوَزُ شَيْءٌ مِنَ الْمَرَضِ إِلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ بِهِ، يُقَالُ: أَعْدَى فُلَانٌ فَلَانًا مِنْ عِلَّةٍ بِهِ، وَذَلِكَ عَلَى مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الْمُتَطَبِّبَةُ فِي الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْجُدَرِيِّ وَالْحَصْبَاءِ وَالسِّحْرِ وَالرَّمَدِ وَالْأَمْرَاضِ الْوَبَائِيَّةِ، وَالْأَكْثَرُ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ ذَلِكَ وَإِبْطَالُهُ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. (وَلَا هَامَ) ، وَفِي لَفْظٍ: " وَلَا هَامَةَ " بِخِفَّةِ الْمِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ ; اسْمُ طَائِرٍ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهِ، فَيَصُدُّهُمْ عَنْ مَقَاصِدِهِمْ، وَقِيلَ: هُوَ الْبُومَةُ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهَا، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ إِذَا وَقَعَتْ هَامَةٌ عَلَى بَيْتٍ خَرَجَ مِنْهُ مَيِّتٌ، أَيْ لَا يُتَطَيَّرُ بِهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ نَفْيُ زَعْمِهِمْ أَنَّهُ إِذَا قُتِلَ قَتِيلٌ خَرَجَ مِنْ رَأْسَهُ طَائِرٌ، فَلَا يَزَالُ يَقُولُ: اسْقُونِي حَتَّى يُقْتَلَ قَاتِلُهُ، فَيَطِيرُ، وَقِيلَ: كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ تَصِيرُ هَامَةً، وَقِيلَ: إِنَّ رُوحَهُ تَنْقَلِبُ هَامَةً فَتَطِيرُ وَيُسَمُّونَهَا: الصَّدَى، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا تَفْسِيرُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَنَّ الْمُرَادَ النَّوْعَانِ، وَأَنَّهُمَا جَمِيعًا بَاطِلَانِ. (وَلَا صَفَرَ) : الشَّهْرُ الْمَعْرُوفُ، فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُحَرِّمُهُ، وَتَسْتَحِلُّ الْمُحَرَّمَ، وَهُوَ النَّسِيءُ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِرَدِّ ذَلِكَ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ يُرْوَى عَنْ مَالِكٍ، وَقِيلَ: كَانَتْ تَزْعُمُ أَنَّ صَفَرَ حَيَّةٌ تَكُونُ فِي الْبَطْنِ تَهِيجُ عِنْدَ الْجُوعِ لِلنَّاسِ، وَالْمَاشِيَةِ، وَرُبَّمَا قَتَلَتْ صَاحِبَهَا، وَأَنَّهَا تُعْدِي أَقْوَى مِنَ الْجَرَبِ، فَالْحَدِيثُ لِنَفْيِ ذَلِكَ، أَوْ لِنَفْيِ الْعَدْوَى، بِهِ قَوْلَانِ، وَأُيِّدَ هَذَا التَّفْسِيرُ بِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عبدِ اللهِ فَسَّرَ الصَّفَرَ فَقَالَ: كَانَ يُقَالُ: حَيَّاتُ الْبَطْنِ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هُوَ نَفْيٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ شَهْرَ صَفَرٍ تَكْثُرُ فِيهِ الدَّوَاهِي. (وَلَا يَحُلَّ) - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْحَاءِ - وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا يُورِدُ (الْمُمْرِضُ) - بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَفَتْحِهَا - مِنَ الْإِبِلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 (عَلَى الْمُصِحِّ) - بِكَسْرِ الصَّادِ - مِنْهَا فَرُبَّمَا يُصَابُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ الَّذِي أَوْرَدَهُ: لَوْ أَنِّي مَا أَحْلَلْتُهُ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحِلَّهُ لَأَصَابَهُ ; لِأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَهُ فَنَهَى عَنْهُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ غَالِبًا مِنْ وُقُوعِهَا فِي طَبْعِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ» "، وَإِنْ كُنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْجُذَامَ لَا يُعْدِي، لَكِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا نَفْرَةً وَكَرَاهِيَةً لِمُخَالَطَتِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حِينَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ، وَلَا هَامَةَ» "، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ، فَكَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَجِيءُ الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ، فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا؟ قَالَ: فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟ "، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «فَمَا أَجْرَبَ الْأَوَّلَ؟ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ نَفْسٍ، وَكَتَبَ حَالَهَا، وَمُصَابَهَا، وَرِزْقَهَا» "، الْحَدِيثَ، فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَقَدَرِهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ} [الحديد: 22] (سورة الْحَدِيدِ: الْآيَةُ 22) ، الْآيَةَ. وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ إِيرَادِ الْمُمْرِضِ، فَمِنْ بَابِ اجْتِنَابِ الْأَسْبَابِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَجَعَلَهَا أَسْبَابًا لِلْهَلَاكِ، أَوِ الْأَذَى، وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ بِاتِّقَاءِ أَسْبَابِ الْبَلَاءِ إِذَا كَانَ فِي عَافِيَةٍ مِنْهَا. وَفِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِحَائِطٍ مَائِلٍ فَقَالَ: أَخَافُ مَوْتَ الْفَوَاتِ» "، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَلْيَحْلُلِ الْمُصِحُّ حَيْثُ شَاءَ) ، فَلَهُ نُزُولُ مَحَلَّةِ الْمَرِيضِ إِنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَتْهُ نَفْسُهُ. (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّهُ أَذًى) ، أَيْ يَتَأَذَّى بِهِ، لَا أَنَّهُ يُعْدِي، قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِإِبِلِهِ، أَوْ غَنَمِهِ الْجَرِبَةِ، فَيَحُلَّ بِهَا عَلَى مَاشِيَةٍ صَحِيحَةٍ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: سَمِعْتُ أَنَّ تَفْسِيرَهُ فِي رَجُلٍ يَكُونُ بِهِ الْجُذَامُ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى الصَّحِيحِ يُؤْذِيهِ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْدِي، فَالْأَنْفُسُ تَكْرَهُهُ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّهُ أَذًى، يَعْنِي لَا لِلْعَدْوَى. وَأَمَّا الصَّحِيحُ، فَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ مَحَلَّةَ الْمَرِيضِ إِنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَتْهُ نَفْسُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 [باب الشَّعْرِ] [السُّنَّةِ فِي الشَّعْرِ] كِتَابُ الشَّعَرِ بَابُ السُّنَّةِ فِي الشَّعْرِ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحَى»   51 - كِتَابُ الشَّعَرِ 1 - بَابُ السُّنَّةِ فِي الشَّعَرِ 1764 - 1716 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ) الْعَدَوِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، صَدُوقٌ، يُقَالُ: اسْمُهُ عُمَرُ (عَنْ أَبِيهِ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ شَيْخِ الْإِمَامِ، رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ، (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ) نَدْبًا وَقِيلَ: وُجُوبًا (بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ) ، أَيْ بِإِزَالَةِ مَا طَالَ مِنْهَا عَلَى الشَّفَتَيْنِ حَتَّى تَبِينَ الشَّفَةُ بَيَانًا ظَاهِرًا كَمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ الْإِمَامُ فِيمَا مَرَّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَنْ مَنَعَ حَلْقَ الشَّارِبِ، وَمَنْ قَالَ: يُنْدَبُ حَلْقُهُ، قَالَ: مَعْنَاهُ الِاسْتِئْصَالُ ; لِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِلُّغَةِ لِأَنَّ الْإِحْفَاءَ أَصْلُهُ الِاسْتِقْصَاءُ، وَهَذَا يَرُدُّهُ حَدِيثُ: " «مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا» "، فَدَلَّ التَّعْبِيرُ بِمِنِ الَّتِي لِلتَّبْعِيضِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَأْصِلُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُصُّ شَارِبَهُ» "، وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْمُغِيرَةِ: " «ضِفْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ شَارِبِي وَفَى فَقَصَّهُ عَلَى سِوَاكٍ» "، وَفِي الْبَيْهَقِيِّ عَنْهُ: " فَوَضَعَ السِّوَاكَ تَحْتَ الشَّارِبِ، وَقَصَّ عَلَيْهِ "، وَفِي الْبَزَّارِ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَبْصَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا وَشَارِبُهُ طَوِيلٌ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِمِقَصٍّ وَسِوَاكٍ، فَجَعَلَ السِّوَاكَ عَلَى طَرَفِهِ، ثُمَّ أَخَذَ مَا جَاوَزَهُ» "، وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ: رَأَيْتُ خَمْسَةً مِنَ الصَّحَابَةِ يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ: أَبُو أُمُامَةَ الْبَاهِلِيُّ، وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ، وَعُتْبَةُ بْنُ هَوْنٍ السُّلَمِيُّ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَامِرٍ الثُّمَالِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، وَلَا يُؤَيِّدُ كَوْنَ الْمُرَادِ حَلْقَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحْفِي شَارِبَهُ كَأَخِي الْحَلْقِ، رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ ; لِأَنَّهُ رَاوِي الْحَدِيثِ مَعَ مَا وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَنِ ; لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِقَوْلِهِ، فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى حَدِيثِ الْقَصِّ كَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ. أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 بْنِ أَبِي رَافِعٍ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنَ عُمَرَ، وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، وَأَبَا أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ، وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، وَأَبَا رَافِعٍ يُنْهِكُونَ شَوَارِبَهُمْ كَالْحَلْقِ، وَلِذَا ذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ إِلَى التَّخْيِيرِ، فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى قَوْلَ مَالِكٍ وَالْكُوفِيِّينَ، وَنَقَلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْإِحْفَاءَ: الِاسْتِئْصَالُ، قَالَ: دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ، وَلَا تَعَارُضَ، فَالْقَصُّ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ، وَالْإِحْفَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْكُلِّ، فَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ، فَيُخَيَّرُ فِيمَا شَاءَ. (وَإِعْفَاءِ اللِّحَى) ، بِكَسْرِ اللَّامِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا، وَبِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ: جَمْعُ لِحْيَةٍ بِالْكَسْرِ فَقَطْ، اسْمٌ لِمَا يَنْبُتُ عَلَى الْخَدَّيْنِ وَالذَّقَنِ، وَمَعْنَاهُ تَوَفُّرُهَا لِتَكْثُرَ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ إِعْفَاءَهَا مِنَ الْإِحْفَاءِ ; لِأَنَّ كَثْرَتَهَا أَيْضًا لَيْسَ مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ كَانَا يَأْخُذَانِ مِنَ اللِّحْيَةِ مَا فَضَلَ عَنِ الْقَبْضَةِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ اللِّحْيَةِ إِذَا طَالَتْ جِدًّا، قَالَ: أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا وَيُقَصَّ، انْتَهَى. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ. عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا بِالسَّوِيَّةِ» "، أَيْ لِيَقْرُبَ مِنَ التَّدْوِيرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ; لِأَنَّ الِاعْتِدَالَ مَحْبُوبٌ، وَالطُّولَ الْمُفْرِطَ قَدْ يُشَوِّهُ الْخَلْقَ، وَيُطْلِقُ أَلْسِنَةَ الْمُغْتَابِينَ، فَفِعْلُ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ مَا لَمْ يَنْتَهِ إِلَى تَقْصِيصِ اللِّحْيَةِ، وَجَعْلِهَا طَاقَاتٍ فَيُكْرَهُ، أَوْ يَقْصِدُ الزِّينَةَ وَالتَّحْسِينَ لِنَحْوِ النِّسَاءِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ ; لِأَنَّهُ فِي الْأَخْذِ مِنْهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، أَوْ لِنَحْوِ تَزَيُّنٍ، وَفِعْلُهُ فِيمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ لِتَشَعُّثٍ أَوْ إِفْرَاطِ طُولٍ يُتَأَذَّى بِهِ. وَقَالَ الطَّيْبِيُّ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَصُّهَا كَالْأَعَاجِمِ، أَوْ وَصْلُهَا كَذَنَبِ الْحِمَارِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الِاسْتِئْصَالُ، أَوْ مَا قَارَبَهُ بِخِلَافِ الْأَخْذِ الْمَذْكُورِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيٍّ يَقُولُ «يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ»   1765 - 1717 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ حُمَيْدِ) - بِضَمِّ الْحَاءِ - (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الثَّبْتِ الْحُجَّةِ: (أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ) صَخْرَ بْنَ حَرْبٍ الْأُمَوِيَّ (عَامَ حَجَّ) ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا فَخَطَبَنَا (وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ) النَّبَوِيِّ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَوَّلُ حَجَّةٍ حَجَّهَا بَعْدَ الْخِلَافَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَآخِرُ حَجَّةٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، (وَتَنَاوَلَ) : أَخَذَ مُعَاوِيَةُ (قُصَّةً) - بِضَمِّ الْقَافِ، وَشَدِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ - خُصْلَةً (مِنْ شَعَرٍ) تَزِيدُهَا الْمَرْأَةُ فِي شَعَرِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 لِتُوهِمَ كَثْرَتَهُ، (كَانَتِ) الْقُصَّةُ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ، أَيْ ذَلِكَ الشَّعَرُ (فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ) ، بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالرَّاءِ، وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَاتِ، وَتَحْتِيَّةٍ، مِنْ خَدَمِهِ الَّذِينَ يَحْرُسُونَهُ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ: وَجَدْتُ هَذِهِ عِنْدَ أَهْلِي، وَزَعَمُوا أَنَّ النِّسَاءَ يَزِدْنَهُ فِي شُعُورِهِنَّ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ: مَا كُنْتُ أَرَى يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ، (يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ) ، أَيْ لِيُسَاعِدُوهُ عَلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ، أَوْ لِيُنْكِرَ هُوَ عَلَيْهِمْ إِهْمَالَهُمْ إِنْكَارَ ذَلِكَ، وَعَدَمَ تَغْيِيرِهِمْ لِذَلِكَ الْمُنْكَرِ. (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ) الْقُصَّةِ الَّتِي تَصِلُهُ الْمَرْأَةُ بِشَعَرِهَا، (وَيَقُولُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّمَا هَلَكَتْ) ، وَلِمُسْلِمٍ: إِنَّمَا عُذِّبَ (بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ) ، أَيْ مِثْلَ هَذِهِ الْقُصَّةِ، وَوَصَلَهَا بِالشَّعَرِ (نِسَاؤُهُمْ) . وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ مُعَاوِيَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهُ الزُّورَ» "، يَعْنِي الْوَصْلَةَ فِي الشَّعَرِ، أَيْ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَتَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ، وَالزُّورُ: الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: «أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ أَحْدَثْتُمْ زِيَّ سُوءٍ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ نَهَى عَنِ الزُّورِ» . قَالَ: وَجَاءَ رَجُلٌ بِعَصًا عَلَى رَأْسِهَا خِرْقَةٌ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَلَا وَهَذَا الزُّورُ. قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي مَا يُكَثِّرُ بِهِ النِّسَاءُ شُعُورَهُنَّ مِنَ الْخِرَقِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ الِاعْتِبَارُ وَالْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ لِخَوْفِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الْهَلَاكَ كَبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ مِثْلَهُ اسْتَحَقَّهُ، أَوْ يَعْفُو اللَّهُ، وَوُجُوبُ اجْتِنَابِ عَمَلٍ هَلَكَ بِهِ قَوْمٌ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْقُصَّةَ لَمْ تُفْشَ فِيهِمْ حَتَّى أَعْلَنُوا بِالْكَبَائِرِ، فَكَأَنَّ الْقُصَّةَ عَلَامَةٌ لَا تَكَادُ تَظْهَرُ إِلَّا فِي أَهْلِ الْفِسْقِ، لَا أَنَّهَا فَعْلَةٌ يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهَا الْهَلَاكَ بِهَا دُونَ أَنْ يُجَامِعَهَا غَيْرُهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ نُهُوا تَحْرِيمًا عَنْ ذَلِكَ، فَاتَّخَذُوهُ اسْتِخْفَافًا، فَهَلَكُوا. وَالَّذِي مُنِعُوا مِنْهُ جَاءَ عَنْ نَبِيِّنَا مِثْلُهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا: " «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ، وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ» "، انْتَهَى، مُلَخَّصًا. وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَبَرٌ، فَيَكُونُ حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ دُعَاءٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَابْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَيُونُسُ، وَمَعْمَرٌ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَائِلًا: غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ: «إِنَّمَا عُذِّبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ «سَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاصِيَتَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ» قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى شَعَرِ امْرَأَةِ ابْنِهِ أَوْ شَعَرِ أُمِّ امْرَأَتِهِ بَأْسٌ   1766 - 1718 - (مَالِكٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدِ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيِّ، نَزِيلِ مَكَّةَ، ثُمَّ الْيَمَنِ، ثِقَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 ثَبْتٍ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ: كَانَ أَثْبَتَ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) شَيْخِ الْإِمَامِ، رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ. (أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ) ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا أَرْسَلَهُ رُوَاةُ مَالِكٍ إِلَّا حَمَّادَ بْنَ خَالِدٍ الْخَيَّاطَ، فَأَسْنَدَهُ عَنْ أَنَسٍ فَأَخْطَأَ فِيهِ، وَالصَّوَابُ عَنْ مَالِكٍ، مُرْسَلٌ، وَالصَّوَابُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ( «سَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاصِيَتَهُ» ) ، أَيْ أَنْزَلَ شَعَرَهَا عَلَى جَبْهَتِهِ، (مَا شَاءَ اللَّهُ) مُوَافَقَةً لِأَهْلِ الْكِتَابِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَتَهُمْ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ لِتَمَسُّكِهِمْ فِي زَمَانِهِ بِبَقَايَا شَرَائِعِ الرُّسُلِ، أَوْ لِاسْتِئْلَافِهِمْ كَمَا تَآلَفَهُمْ بِاسْتِقْبَالِ قِبْلَتِهِمْ. (ثُمَّ فَرَقَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ، رُوِيَ مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا، أَيْ أَلْقَى شَعَرَهُ إِلَى جَانِبَيْ رَأْسِهِ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى جَبْهَتِهِ. وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: " ثُمَّ أُمِرَ بِالْفَرْقِ فَفَرَقَ "، وَكَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ (بَعْدَ ذَلِكَ) حِينَ أَسْلَمَ غَالِبُ الْوَثَنِيِّينَ، وَغَلَبَتِ الشِّقْوَةُ عَلَى الْيَهُودِ، وَلَمْ يَنْفَعْ فِيهِمْ الِاسْتِئْلَافُ فَخَالَفَهُمْ، وَأَمَرَ بِمُخَالَفَتِهِمْ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ: " «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ» "، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، قَالَ غَيْرُهُ: وَلِأَنَّهُ أَنْظَفُ وَأَبْعَدُ عَنِ السَّرَفِ فِي غَسْلِهِ، وَعَنْ مُشَابَهَةِ النِّسَاءِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْفَرْقِ وَالسَّدْلِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ أَفْضَلُ ; لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّهُ ظَهَرَ الشَّرْعُ بِهِ، لَكِنْ لَا وُجُوبًا ; لِأَنَّ مِنَ الصَّحْبِ مَنْ سَدَلَ بَعْدَهُ، فَلَوْ كَانَ الْفَرْقُ وَاجِبًا مَا سَدَلُوا، وَزَعْمُ نَسْخِهِ يَحْتَاجُ لِبَيَانِ نَاسِخِهِ وَتَأَخُّرِهِ عَنِ الْمَنْسُوخِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ نُسِخَ مَا فَعَلَهُ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلِذَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: تَوَهُّمُ النَّسْخِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ أَصْلًا لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ، قَالَ: وَهَذَا عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ حُبَّهُ مُوَافَقَتَهُمْ، وَمُخَالَفَتَهُمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مَصْلَحَةً، وَحَدِيثُ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ: إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَقَهَا، وَإِلَّا تَرَكَهَا، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَالِبُ أَحْوَالِهِ ; لِأَنَّهُ ذُكِرَ مَعَ أَوْصَافِهِ الدَّائِمَةِ، وَجِبِلَّتِهِ الَّتِي كَانَ مَوْصُوفًا بِهَا، فَالصَّوَابُ أَنَّ الْفَرْقَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَافِظُ: حَدِيثُ هِنْدٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ أَوَّلًا لِمَا بَيَّنَهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْدُلُ شَعْرَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُؤُوسَهُمْ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدُلُونَ رُؤُوسَهُمْ، وَكَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ» . (قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى شَعَرِ امْرَأَةِ ابْنِهِ أَوْ شَعَرِ أُمِّ امْرَأَتِهِ بِأْسٌ) ، لِجَوَازِ ذَلِكَ بِلَا شَهْوَةٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْإِخْصَاءَ وَيَقُولُ فِيهِ تَمَامُ الْخَلْقِ   1767 - 1719 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْإِخْصَاءَ) ، قِيلَ: صَوَابُهُ الْخِصَاءُ بِ كَسْرِ الْخَاءِ، وَالْمَدِّ، مَصْدَرُ خَصِيَ: سَلَّ الْخُصْيَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ نَطَقَ بِذَلِكَ سَيِّدُ الْفُصَحَاءِ. رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ مُعَاوِيَةَ يَرْفَعُهُ: " «سَيَكُونُ قَوْمٌ يَنَالُهُمُ الْإِخْصَاءُ، فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا» "، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةُ 119) ، قَالَ: هُوَ الْإِخْصَاءُ. وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ مِثْلُهُ. (وَيَقُولُ فِيهِ) ، أَيْ فِي إِبْقَائِهِ (تَمَامُ الْخَلْقِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي تَرْكِ الْخِصَاءِ تَمَامٌ، وَرُوِيَ: نَمَاءُ الْخَلْقِ ; يَعْنِي بِالنُّونِ مِنَ النُّمُوِّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَخُصُّوا مَا يُنَمِّي خَلْقَ اللَّهِ» "، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخْصَى أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ» "، وَلَعَلَّ وَجْهَ ذِكْرِ هَذَا الْأَثَرِ فِي تَرْجَمَةِ السُّنَّةِ فِي الشَعَرِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَخُصَّ نَبْتَ الشَّعَرِ، فَيُؤْمَرُ بِمَا يُؤْمَرُ بِهِ فِيهِ مَنْ لَهُ شَعَرٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ إِذَا اتَّقَى وَأَشَارَ بِإِصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ»   1768 - 1720 - (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) - بِضَمِّ السِّينِ - الْمَدَنِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّهْرِيِّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ مُفْتٍ عَابِدٌ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً، (أَنَّهُ بَلَغَهُ) : وَصَلَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أُنَيْسَةَ عَنْ أُمِّ سَعِيدٍ بِنْتِ مُرَّةَ الْبَهْزِيِّ عَنْ أَبِيهَا: ( «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ» ) ، أَيْ لِلْقَيِّمِ بِأَمْرِهِ وَمَصَالِحِهِ هِبَةً مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَوْ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، (لَهُ) بِأَنْ يَكُونَ جَدًّا أَوْ عَمًّا أَوْ أَخًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَقَارِبِ، أَوْ يَكُونَ أَبُو الْمَوْلُودِ قَدْ مَاتَ فَقَامَتْ أُمُّهُ مَقَامَهُ، أَوْ مَاتَتْ أُمُّهُ فَقَامَ أَبُوهُ فِي التَّرْبِيَةِ مَقَامَهَا. (أَوْ لِغَيْرِهِ) بِأَنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا مِنْهُ. وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «مَنْ كَفَلَ يَتِيمًا ذَا قَرَابَةٍ، أَوْ لَا قَرَابَةَ لَهُ» ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُفَسِّرُ الْمُرَادَ (فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ) ، إِذَا اتَّقَى اللَّهَ تَعَالَى بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ، نَوَاهِيهِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْيَتِيمِ، (وَأَشَارَ) عِنْدَ قَوْلِهِ: كَهَاتَيْنِ، قَالَ عِيَاضٌ: كَذَا فِي الْمُوَطَّأِ بِإِبْهَامِ الْمُشِيرِ، وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ، وَأَشَارَ مَالِكٌ، وَفِي مُوَطَّأِ ابْنِ بُكَيْرٍ: وَأَشَارَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «بِإِصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ» ) ، أَيِ السَّبَّابَةِ، وَفِي مُوَطَّأِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ: بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفِي الْبُخَارِيِّ: " «وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ، وَالْوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا» "، أَيْ أَنَّ الْكَافِلَ فِي الْجَنَّةِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَنَّ دَرَجَتَهُ لَا تَبْلُغُ دَرَجَتَهُ بَلْ تُقَارِبُ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: حَقٌّ عَلَى مَنْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ لِيَكُونَ رَفِيقَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنَّةِ، وَلَا مَنْزِلَةَ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ: قُرْبُ الْمَنْزِلَةِ حَالَ دُخُولِ الْجَنَّةِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَفْتَحُ بَابَ الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تُبَادِرُنِي فَأَقُولُ مَنْ أَنْتِ؟ فَتَقُولُ: أَنَا امْرَأَةٌ تَأَيَّمْتُ عَلَى أَيْتَامٍ لِي» "، وَرُوَاتُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ: سُرْعَةُ الدُّخُولِ، وَعُلُوُّ الْمَنْزِلَةِ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَفَعَهُ: " «أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى مَاتُوا، أَوْ بَانُوا» "، فَهَذَا فِيهِ قَيْدٌ. وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ عَنْ جَابِرٍ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ أَضْرِبُ مِنْهُ يَتِيمِي؟ قَالَ: مَا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ غَيْرَ وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ» "، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: " «حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ» "، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ لِلْكَفَالَةِ الْمَذْكُورَةِ أَمَدًا، وَمُنَاسَبَةُ التَّشْبِيهِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا، يَعْنِي الْعِرَاقِيَّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبْعَثَ إِلَى قَوْمٍ لَا يَعْقِلُونَ أَمْرَ دِينِهِمْ، فَيَكُونَ كَافِلًا لَهُمْ، وَمُرْشِدًا وَمُعَلِّمًا، وَكَافِلُ الْيَتِيمِ يَقُومُ بِكَفَالَةِ مَنْ لَا يَعْقِلُ أَمْرَ دِينِهِ، بَلْ وَلَا دُنْيَاهُ فَيُرْشِدُهُ، وَيُعَلِّمُهُ، وَيُحْسِنُ أَدَبَهُ، انْتَهَى، مُلَخَّصًا. وَلِمَالِكٍ فِي هَذَا إِسْنَادٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الزُّهْدِ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْغَيْثِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» "، وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ لَعَلَّ وَجْهَ إِيرَادِهِ فِي تَرْجَمَةِ السُّنَّةِ فِي الشَّعَرِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ كَفَالَةِ الْيَتِيمِ إِصْلَاحَ شَعَرِهِ، وَتَسْرِيحَهُ، وَدَهْنَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 [إِصْلَاحِ الشَّعَرِ] 2 - بَابُ إِصْلَاحِ الشَّعَرِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِي جُمَّةً أَفَأُرَجِّلُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ لِمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا»   1769 - 1721 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ) ، مُنْقَطِعٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ (الْأَنْصَارِيَّ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ لِي جُمَّةً) - بِضَمِّ الْجِيمِ، وَشَدِّ الْمِيمِ -: شَعَرُ الرَّأْسِ إِذَا بَلَغَ الْمَنْكِبَيْنِ، (أَفَأُرَجِّلُهَا؟) - بِالْجِيمِ - أُسَرِّحُهَا، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ) ، رَجِّلْهَا، (وَأَكْرِمْهَا) بِصَوْنِهَا مِنْ نَحْوِ وَسَخٍ وَقَذَرٍ، وَبِتَعَاهُدِهَا بِالتَّنْظِيفِ وَالِادِّهَانِ. (فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ) لِتَشَعُّثِهَا بِعَمَلٍ، أَوْ غُبَارٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ الْإِعْيَاءَ. (لِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ) ، أَيْ لِقَوْلِهِ: (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ، وَأَكْرِمْهَا) ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَفَعَاهُ: " «إِذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ شَعَرٌ فَلْيُكْرِمْهُ» ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ ثَائِرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنْ اخْرُجْ كَأَنَّهُ يَعْنِي إِصْلَاحَ شَعَرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ فَفَعَلَ الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ ثَائِرَ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ»   1770 - 1722 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ) ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ، وَجَاءَ مَوْصُولًا بِمَعْنَاهُ عَنْ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ، (قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ ثَائِرُ الرَّأْسِ» ) ، بِمُثَلَّثَةٍ، أَيْ شَعِثُهُ، (وَاللِّحْيَةِ) بِتَرْكِ تَعَاهُدِهِمَا بِمَا يُصْلِحُهُمَا مِنْ تَرْجِيلٍ وَغَيْرِهِ. (فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ أَنِ اخْرُجْ) مِنَ الْمَسْجِدِ، (كَأَنَّهُ يَعْنِي) بِذَلِكَ (إِصْلَاحَ شَعَرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ) ، أَصْلَحَهُمَا، ( «ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ ثَائِرَ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ؟» ) ، فِي قُبْحِ الْمَنْظَرِ عَلَى عُرْفِ الْعَرَبِ فِي تَشْبِيهِ الْقَبِيحِ بِالشَّيْطَانِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرَى لِمَا أَوْقَعَ اللَّهُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ كَرَاهَةِ طَلْعَتِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 65] (سورة الصَّافَّاتِ: الْآيَةُ 65) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 [مَا جَاءَ فِي صَبْغِ الشَّعَرِ] 3 - بَابُ مَا جَاءَ فِي صَبْغِ الشَّعَرِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَ وَكَانَ جَلِيسًا لَهُمْ وَكَانَ أَبْيَضَ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ قَالَ فَغَدَا عَلَيْهِمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ حَمَّرَهُمَا قَالَ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ هَذَا أَحْسَنُ فَقَالَ إِنَّ أُمِّي عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إِلَيَّ الْبَارِحَةَ جَارِيَتَهَا نُخَيْلَةَ فَأَقْسَمَتْ عَلَيَّ لَأَصْبُغَنَّ وَأَخْبَرَتْنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ يَصْبُغُ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي صَبْغِ الشَّعَرِ بِالسَّوَادِ لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مَعْلُومًا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصِّبْغِ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ وَتَرْكُ الصَّبْغِ كُلِّهِ وَاسِعٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ ضِيقٌ قَالَ وَسَمِعْت مَالِكا يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصْبُغْ وَلَوْ صَبَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَرْسَلَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ   1771 - 1723 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ، (قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ) الْقُرَشِيُّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ: (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ) بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ الزُّهْرِيَّ، وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَاتَ أَبُوهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَلِذَلِكَ عُدَّ فِي الصَّحَابَةِ، وَقَالَ الْعِجْلِيُّ: مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ. (قَالَ: وَكَانَ جَلِيسًا لَهُمْ، وَكَانَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهِمْ ذَاتَ يَوْمٍ، وَقَدْ حَمَّرَهَا) : صَبَغَهَا بِالْحُمْرَةِ، (قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: هَذَا أَحْسَنُ) مِنَ الْبَيَاضِ (قَالَ: إِنَّ أُمِّي عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَتْ إِلَيَّ الْبَارِحَةَ جَارِيَتَهَا نُخَيْلَةَ) بِضَمِّ النُّونِ، وَفَتْحِ الْخَاءِ مُعْجَمَةً عِنْدَ يَحْيَى مُهْمَلَةً عِنْدَ غَيْرِهِ، وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ. (فَأَقْسَمَتْ عَلَيَّ لَأَصْبُغَنَّ) - بِضَمِّ الْبَاءِ، وَكَسْرِهَا -، (وَأَخْبَرَتْنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ - عَنْهُ كَانَ يَصْبُغُ) ، بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَفَتْحُهَا. (قَالَ مَالِكٌ فِي صَبْغِ الشَّعَرِ بِالسَّوَادِ: لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مَعْلُومًا، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الصَّبْغِ أَحَبُّ إِلَيَّ) كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ، (وَتَرْكُ الصَّبْغِ كُلِّهِ وَاسِعٌ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - لَيْسَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ ضِيقٌ) خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: الصَّبْغُ بِغَيْرِ السَّوَادِ سُنَّةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 (قَالَ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصْبُغْ، وَلَوْ صَبَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَرْسَلَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ) مَعَ قَوْلِهَا: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَصْبُغُ، أَوْ بِدُونِهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ أَنَسٌ كَوْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبَغَ. «وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ» . وَقَالَ أَبُو رِمْثَةَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ، وَلَهُ شَعَرٌ قَدْ عَلَاهُ الشَّيْبُ، وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ» ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. «وَسُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَلْ خَضَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَوَافَقَ مَالِكٌ أَنَسًا عَلَى الْإِنْكَارِ. وَتَأَوَّلَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ بِحَمْلِهِ عَلَى الثِّيَابِ لَا الشَّعَرِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «كَانَ يَصْبُغُ بِالْوَرْسِ، وَالزَّعْفَرَانِ حَتَّى عِمَامَتِهِ» "، وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُهُ أَيْضًا: " «كَانَ يُصَفِّرُ بِهِمَا لِحْيَتَهُ» "، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مِمَّا يَتَطَيَّبُ بِهِ لَا أَنَّهُ كَانَ يَصْبُغُ بِهِمَا. وَحَمْلُ أَحَادِيثِ غَيْرِهِ إِنْ صَحَّتْ عَلَى أَنَّ تَلَوُّنَهُ مِنَ الطِّيبِ لَا مِنَ الصَّبْغِ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ رَبِيعَةُ: «رَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ، فَسَأَلْتُ فَقِيلَ: أَحْمَرُ مِنَ الطِّيبِ» . قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَعْرِفِ اسْمَ الْمَسْئُولِ الْمُجِيبِ بِذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَى «أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ لِأَنَسٍ: هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ قَدْ لُوِّنَ فَقَالَ: إِنَّمَا هَذَا الَّذِي لُوِّنَ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي كَانَ يُطَيِّبُ بِهِ شَعَرَهُ فَهُوَ الَّذِي غَيَّرَ لَوْنَهُ» . فَيُحْتَمَلُ أَنَّ رَبِيعَةَ سَأَلَ أَنَسًا عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ. وَفِي رِجَالِ مَالِكٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَالْغَرَائِبِ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " لَمَّا مَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَضَبَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْئٌ مِنْ شَعَرِهِ، لِيَكُونَ أَبْقَى لَهَا "، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا اسْتَقَامَ إِنْكَارُ أَنَسٍ، وَيَقْبَلُ مَا أَثْبَتَهُ سِوَاهُ التَّأْوِيلَ، وَأُوِّلَ أَيْضًا بِأَنَّهُ صَبَغَ فِي وَقْتٍ حَقِيقَةً، وَتَرَكَ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ، فَأَخْبَرَ كُلٌّ بِمَا رَأَى وَهُوَ صَادِقٌ، فَمَنْ أَثْبَتَهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ، وَيُحْمَلُ نَفْيُ أَنَسٍ عَلَى غَلَبَةِ الشَّيْبِ، حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى خِضَابِهِ، وَلَمْ يُتَّفَقْ أَنَّهُ رَآهُ حِينَ خَضَبَ، وَغَايَةُ مَا يُفِيدُهُ هَذَا عَدَمَ الْحُرْمَةِ ; لِأَنَّهُ يَفْعَلُ الْمَكْرُوهَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ كَالْمُتَعَيَّنِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ» "، وَلَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ لِصِحَّتِهِ، وَلَا تَأْوِيلَ لَهُ، فِيهِ نَظَرٌ، إِذْ هُوَ فِي نَفْسِهِ مُحْتَمِلٌ لِلثِّيَابِ وَالشَّعَرِ، وَجَاءَ مَا يُعَيِّنُ الْأَوَّلَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَفْسِهِ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِالْوَرْسِ، وَالزَّعْفَرَانِ حَتَّى عِمَامَتِهِ» "، وَلِذَا رَجَّحَهُ عِيَاضٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 [مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ التَّعَوُّذِ] 4 - بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ التَّعَوُّذِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ بَلَغَنِي «أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أُرَوَّعُ فِي مَنَامِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ»   بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ التَّعَوُّذِ 1772 - 1724 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: بَلَغَنِي) أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ: (أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ) وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُسْنَدًا، لَكِنْ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَهُوَ أَخُو خَالِدٍ: (قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنِّي أُرَوَّعُ) ، أَيْ يَحْصُلُ لِي رَوْعٌ، أَيْ فَزَعٌ (فِي مَنَامِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ» ) ، أَيِ الْفَاضِلَةِ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا نَقْصٌ، (مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ) مَخْلُوقَاتِهِ إِنْسًا وَجِنًّا وَغَيْرَهُمَا، (وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ) : نَزَغَاتِهِمْ بِمَا يُوَسْوِسُونَ بِهِ أَنْ يُصِيبَنِي، (وَأَنْ يَحْضُرُونَ) ، أَيْ أَنْ يُصِيبُونِي بِسُوءٍ، وَيَكُونُوا مَعِي فِي مَكَانٍ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَحْضُرُونَ بِالسُّوءِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ يَطْلُبُهُ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ كُلَّمَا الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ إِذَا قُلْتَهُنَّ طَفِئَتْ شُعْلَتُهُ وَخَرَّ لِفِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَى فَقَالَ جِبْرِيلُ فَقُلْ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ اللَّاتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَشَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ»   1773 - 1725 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلًا، وَوَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، السُّلَمِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ، بِالْفَوْقِيَّةِ: الْحَافِظُ هَذَا لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، وَالصَّوَابُ مُرْسَلٌ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْجِنِّ أَقْبَلَ عِفْرِيتٌ فِي يَدِهِ شُعْلَةٌ فَذَكَرَهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ لَيْلَةَ الْجِنِّ هِيَ لَيْلَةُ اسْتِمَاعِهِمُ الْقُرْآنَ، وَهِيَ غَيْرُ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، فَهُمَا حَدِيثَانِ، وَإِنِ اتَّحَدَ لَفْظُ الِاسْتِعَاذَةِ فِيهِمَا. ( «أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى عِفْرِيتًا» ) ، هُوَ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ (مِنَ الْجِنِّ يَطْلُبُهُ بِشُعْلَةٍ) - بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ - (مِنْ نَارٍ) ، وَهِيَ شِبْهُ الْجَذْوَةِ - بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ - الْجَمْرَةُ (كُلَّمَا الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَآهُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 يَطْلُبُهُ لِقَصْدِ إِيذَائِهِ، لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، إِذْ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهِ، (فَقَالَ جِبْرِيلُ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ إِذَا قُلْتَهُنَّ طَفِئَتْ شُعْلَتُهُ وَخَرَّ) ، بِالْمُعْجَمَةِ، وَشَدِّ الرَّاءِ: سَقَطَ (لِفِيهِ) ، أَيْ عَلَيْهِ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَلَى) عَلِّمْنِي، (فَقَالَ جِبْرِيلُ: فَقُلْ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: قَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو بَكْرٍ: هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْبَارِي، أُمِرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَعَوَّذَ بِهَا. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُحَارِبِيُّ: مَعْنَاهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ، (وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ) : صِفَاتِهِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ، وَقِيلَ: الْعِلْمُ لِأَنَّهُ أَعَمُّ الصِّفَاتِ، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: جَمِيعُ مَا أَنْزَلَهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ إِلَى الْمَعَارِفِ يَعُمُّ. (التَّامَّاتِ) ، أَيِ الْكَامِلَةِ، فَلَا يَدْخُلُهَا نَقْصٌ وَلَا عَيْبٌ، وَقِيلَ: النَّافِعَةُ، وَقِيلَ: الشَّافِيَةُ (اللَّاتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ) ، لَا يَتَعَدَّاهُنَّ (بَرٌّ) - بِفَتْحِ الْبَاءِ - تَقِيٌّ (وَلَا فَاجِرٌ) : مَائِلٌ عَنِ الْحَقِّ، أَيْ لَا يَنْتَهِي عِلْمُ أَحَدٍ إِلَى مَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، (مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ) مِنَ الْعُقُوبَاتِ كَالصَّوَاعِقِ، (وَشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا) مِمَّا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ، وَهُوَ الْأَعْمَالُ السَّيِّئَةُ. (وَشَرِّ مَا ذَرَأَ) : خَلَقَ (فِي الْأَرْضِ) عَلَى ظَهْرِهَا. (وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) مِمَّا خَلَقَهُ فِي بَطْنِهَا، (وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) الْوَاقِعَةِ فِيهِمَا، وَهُوَ مِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى الظَّرْفِ. (وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ) : حَوَادِثِهِ الَّتِي تَأْتِي لَيْلًا، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْآتِي نَهَارًا عَلَى سَبِيلِ الِاتِّبَاعِ، (إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ) - بِضَمِّ الرَّاءِ - (بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: " فَخَرَّ لَفِيهِ، وَطَفِئَتْ شُعْلَتُهُ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ مَا نِمْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ فَقَالَ لَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ»   1774 - 1726 - (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ) - بِفَتْحٍ، فَسُكُونٍ: قَبِيلَةٌ مِنْ خُزَاعَةَ، قَالَ فِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ» ، (قَالَ: مَا نِمْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟) لَمْ تَنَمْ (فَقَالَ: لَدَغَتْنِي) ، بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ فَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، (عَقْرَبٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَا) - بِالْفَتْحِ، وَخِفَّةِ الْمِيمِ - (إِنَّكَ) - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ - إِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 جَعَلْتَ أَمَا بِمَعْنَى أَلَا الِاسْتِفْتَاحِيَّةِ، وَبِفَتْحِهَا، إِنْ جَعَلْتَ بِمَعْنَى: حَقًّا، قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ، (لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ) ، أَيْ دَخَلْتَ فِي الْمَسَاءِ: (أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: التَّامَّةِ بِالْإِفْرَادِ، قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: وَهُمَا بِمَعْنًى، فَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ: الْجُمْلَةُ، وَبِالْوَاحِدَةِ مَا تَفَرَّقَ فِي الْأُمُورِ فِي الْأَوْقَاتِ، وَصَفَهَا بِالتَّمَامِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا خَالِصَةٌ مِنَ الرَّيْبِ وَالشُّبَهِ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] (سورة الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 115) ، {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: 2] ، أَيْ مِنْ شَرِّ خَلْقِهِ، وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ إِثْمٍ، وَمُضَارَّةِ بَعْضٍ لِبَعْضٍ مِنْ نَحْوِ: ظُلْمٍ وَبَغْيٍ، وَقَتْلٍ وَضَرْبٍ وَشَتْمٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ نَحْوِ: لَدْغٍ وَنَهْشٍ وَعَضٍّ. (لَمْ يَضُرَّكَ) بِأَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ، وَبَيْنَ كَمَالِ تَأْثِيرِهَا بِحَسَبِ كَمَالِ التَّعَوُّذِ، وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ ; لِأَنَّ الْأَدْوِيَةَ الْإِلَهِيَّةَ تَمْنَعُ مِنَ الدَّاءِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَتَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهِ، وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يَضُرَّ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: جَرَّبْتُ ذَلِكَ، فَوَجَدْتُهُ صِدْقًا، تَرَكْتُهُ لَيْلَةً فَلَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ فَتَفَكَّرْتُ، فَإِذَا أَنَا نَسِيتُ هَذَا التَّعَوُّذَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: وَهَذَا، أَيِ التَّعَوُّذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مَقَامُ مَنْ بَقِيَ لَهُ الْتِفَاتٌ لِغَيْرِ اللَّهِ، أَمَّا مَنْ تَوَغَّلَ فِي بَحْرِ التَّوْحِيدِ بِحَيْثُ لَا يَرَى فِي الْوُجُودِ إِلَّا اللَّهَ، لَمْ يَسْتَعِذْ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَمْ يَلْتَجِئْ إِلَّا إِلَيْهِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا يَرْقَى مِنْ هَذَا الْمَقَامِ قَالَ: أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، وَالرَّجُلُ الْمُخَاطَبُ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ لَوْلَا كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَتْنِي يَهُودُ حِمَارًا فَقِيلَ لَهُ وَمَا هُنَّ فَقَالَ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَبَرَأَ وَذَرَأَ   1775 - 1727 - (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ) - بِضَمِّ السِّينِ، وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَشَدِّ الْيَاءِ - (مَوْلَى أَبِي بَكْرِ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنِ الْقَعْقَاعِ) - بِقَافَيْنِ، وَعَيْنَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ - (ابْنِ حَكِيمٍ) - بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ - (أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: لَوْلَا كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَتْنِي يَهُودُ) بِمَنْعِ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ، وَوَزْنِ الْفِعْلِ، (حِمَارًا) مِنْ سِحْرِهِمْ (فَقِيلَ لَهُ: وَمَا هُنَّ؟ فَقَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ) ، بَلْ تَخْضَعُ كُلُّ الْعُظَمَاءِ لِعَظَمَتِهِ. (وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ) ، أَيْ لَا يَتَعَدَّاهُنَّ مَنْ كَانَ ذَا بِرٍّ، وَذَا فُجُورٍ مِنْ إِنْسٍ وَغَيْرِهِمْ. (وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا) ، مُؤَنَّثُ الْأَحْسَنِ، (مَا عَلِمْتُ مِنْهَا، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَبَرَأَ وَذَرَأَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 قِيلَ: هُمَا بِمَعْنَى خَلَقَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (30 {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 29) ، وَقَالَ: {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المؤمنون: 79] (سورة الْمُؤْمِنُونَ: الْآيَةُ 79) ، وَقَالَ: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} [البقرة: 54] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 54) ، أَيْ خَالِقِكُمْ، فَذِكْرُهَا لِإِفَادَةِ اتِّحَادِ مَعْنَاهَا، وَقِيلَ: الْبَرْءُ وَالذَّرْءُ يَكُونُ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ، وَجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَالْخَلْقُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 [مَا جَاءَ فِي الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ] 5 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي»   1776 - 1728 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ) بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ أَبِي طُوَالَةَ - بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ - الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَيُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ. (عَنْ أَبِي الْحُبَابِ) - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَمُوَحَّدَتَيْنِ - (سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ) الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ مُتْقِنٌ. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّمَا يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ) (سورة الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ 4) ، (يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ) ، نِدَاءُ تَنْوِيهٍ وَإِكْرَامٍ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، أَيِ اسْتِعْظَامٌ (لِجَلَالِي) ، أَيْ لِعَظَمَتِي، أَيْ لِأَجْلِ تَعْظِيمِ حَقِّي وَطَاعَتِي، لَا لِغَرَضِ دُنْيَا، فَخَصَّ الْجَلَالَ بِالذِّكْرِ لِدِلَالَتِهِ عَلَى الْهَيْبَةِ وَالسَّطْوَةِ، أَيِ الْمُنَزَّهُونَ عَنْ شَوَائِبِ الْهَوَى وَالنَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ فِي الْمَحَبَّةِ، فَلَا تَحَابُّونَ إِلَّا لِأَجْلِي وَلِوَجْهِي، لَا لِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، قِيلَ: التَّحَابُّ لِلْجَلَالِ أَنْ لَا يَزِيدَ الْحُبُّ بِالْبِرِّ، وَلَا يَنْقُصَ بِالْجَفَاءِ، (الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي) قَالَ عِيَاضٌ: هِيَ إِضَافَةُ خَلْقٍ وَتَشْرِيفٍ لِأَنَّ الظِّلَالَ كُلَّهَا خَلْقُ اللَّهِ، وَجَاءَ مُفَسَّرًا فِي ظِلِّ عَرْشِي فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُظِلُّهُمْ حَقِيقَةً مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ، وَوَهَجِ الْمَوْقِفِ، وَأَنْفَاسِ الْخَلَائِقِ، وَهُوَ تَأْوِيلُ الْأَكْثَرِ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: كِنَايَةٌ عَنْ كَنِّهِمْ مِنَ الْمَكَارِهِ، وَجَعْلِهِمْ فِي كَنَفِهِ وَسَتْرِهِ، وَمِنْهُ: السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُمْ: فُلَانٌ فِي ظِلِّ فُلَانٍ، أَيْ فِي كَنَفِهِ وَعِزَّتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الظِّلُّ هُنَا كِنَايَةً عَنِ الرَّاحَةِ، وَالتَّنَعُّمِ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَيْشٌ ظَلِيلٌ، (يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي) أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 ظِلُّ عَرْشِي بَدَلٌ مِنَ الْيَوْمِ الْمُتَقَدِّمِ، أَيْ لَا يَكُونُ مَنْ لَهُ ظِلٌّ مَجَازًا كَمَا فِي الدُّنْيَا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَإِنْ قِيلَ حَدِيثُ: " «الْمَرْءُ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ الْخَلَائِقِ» "، وَحَدِيثُ: " «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ» "، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي الْقِيَامَةِ ظِلَالًا غَيْرَ ظِلِّ الْعَرْشِ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِيهَا ظِلَالًا بِحَسَبِ الْأَعْمَالِ تَقِي أَصْحَابَهَا حَرَّ الشَّمْسِ وَالنَّارِ وَأَنْفَاسِ الْخَلَائِقِ، وَلَكِنْ ظِلُّ الْعَرْشِ أَعْظَمُهَا وَأَشْرَفُهَا يَخُصُّ اللَّهُ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَمِنْ جُمْلَتِهِمُ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا ظِلُّ الْعَرْشِ يَسْتَظِلُّ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ أَجْمَعُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الظِّلَالُ لَا تُنَالُ إِلَّا بِالْأَعْمَالِ، وَكَانَتِ الْأَعْمَالُ تَخْتَلِفُ، حَصَلَ لِكُلِّ عَامِلٍ ظِلٌّ يَخُصُّهُ مِنْ ظِلِّ الْعَرْشِ بِحَسَبِ عَمَلِهِ، وَسَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ شُرَكَاءُ فِي ظِلِّهِ، وَهَذَا كُلُّه عَلَى أَنَّ الِاسْتِظْلَالَ حَقِيقِيٌّ، وَتَقَدَّمَ مَا لِابْنِ دِينَارٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْبِرِّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ ذَاتُ حَسَبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ»   1777 - 1729 - (مَالِكٌ عَنْ خُبَيْبِ) ، بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، وَمُوَحَّدَتَيْنِ، مُصَغَّرٌ (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ أَبِي الْحَارِثِ، ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. (عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ) بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيِّ التَّابِعِيِّ الثِّقَةِ. (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) بِالشَّكِّ لِرُوَاةِ الْمُوَطَّأِ إِلَّا مُصْعَبًا الزُّبَيْرِيَّ، وَمُوسَى بْنَ طَارِقٍ، فَجَعَلَاهُ عَنْهُمَا بِوَاوِ الْعَطْفِ، وَشَذَّ فِي ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، قَالَهُ الْحَافِظُ. وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ أَنَّ أَبَا مُعَاذٍ الْبَلْخِيَّ عَنْ مَالِكٍ، تَابَعَهُمَا فِي رِوَايَتِهِ بِالْوَاوِ، قَالَ: وَرَوَاهُ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْوَقَّادُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَيُوسُفَ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ حَفْصٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَحْدَهُ، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ خَالِهِ خُبَيْبٍ عَنْ جَدِّهِ حَفْصٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ. قَالَ الْحَافِظُ فِي الْأَمَالِي: الْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ بِالشَّكِّ وَرِوَايَةُ زَكَرِيَّا خَطَأٌ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ، كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَثْبَاتِ، وَخُبَيْبٌ خَالُهُ وَحَفْصٌ جَدُّهُ، وَلَمْ يَشُكَّ فَرِوَايَتُهُ أَوْلَى، وَتَابَعَهُ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ خُبَيْبٍ، أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ حَفِظَهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَشُكَّ فِيهِ، وَلِكَوْنِهِ مِنْ رِوَايَةِ خَالِهِ وَجَدِّهِ (أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَبْعَةٌ) مِنَ الْأَشْخَاصِ، مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ: (يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ) ، إِضَافَةُ مِلْكٍ، وَكُلُّ ظِلٍّ فَهُوَ مِلْكُهُ، كَذَا قَالَ عِيَاضٌ، وَحَقُّهُ أَوْ يَقُولُ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ لِيَحْصُلَ امْتِيَازُ هَذَا عَنْ غَيْرِهِ، كَمَا قِيلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 لِلْكَعْبَةِ بَيْتُ اللَّهِ مَعَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا مِلْكُهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ كَرَامَتُهُ وَرَحْمَتُهُ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ فِي ظِلِّ الْمَلِكِ، وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ، وَقَوَّاهُ عِيَاضٌ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ ظِلُّ عَرْشِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَلْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: " «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ» "، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ اسْتَلْزَمَ كَوْنَهُمْ فِي كَنَفِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَهُوَ أَرْجَحُ، وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْحُدُودِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ ظِلُّ طُوبَى، أَوْ ظِلُّ الْجَنَّةِ ; لِأَنَّ ظِلَّهُمَا إِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُمْ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ لِجَمِيعِ مَنْ يَدْخُلُهَا، وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى امْتِيَازِ أَصْحَابِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ، فَتَرَجَّحَ أَنَّ الْمُرَادَ ظِلُّ الْعَرْشِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: " «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِمَامٌ عَادِلٌ» " قَالَهُ الْحَافِظُ. (يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ) ، أَيْ ظِلُّ عَرْشِهِ كَمَا عُلِمَ، وَالْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيفِ كَنَاقَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الظِّلِّ إِذْ هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْأَجْسَامِ، (إِمَامٌ عَادِلٌ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْعَدْلِ، كَمَا رَوَاهُ وَالْأَكْثَرُ، قَالَ الشَّاعِرُ: وَمَنْ كَانَ فِي إِخْوَانِهِ غَيْرَ عَادِلٍ ... فَمَا أَحَدٌ فِي الْعَدْلِ مِنْهُ بِطَامِعِ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: عَدْلٌ، وَهُوَ أَبْلَغُ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُسَمَّى نَفْسَهُ عَدْلًا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهُوَ الَّذِي يَتَّبِعُ أَمْرَ اللَّهِ بِوَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ بِغَيْرِ إِفْرَاطٍ، وَلَا تَفْرِيطٍ، أَوِ الْجَامِعُ لِلْكَمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ: الْحِكْمَةُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْعِفَّةُ الَّتِي هُوَ أَوْسَاطُ الْقُوَى الثَّلَاثَةِ: الْعَقْلِيَّةُ، وَالْغَضَبِيَّةُ، وَالشَّهْوَانِيَّةُ، وَالْمُرَادُ بِهِ صَاحِبُ الْوِلَايَةِ الْعُظْمَى، وَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَرَفَعَهُ: " «أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِهِمْ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ وَمَا وَلُوا» "، وَقَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّ نَفْعَهُ أَعَمُّ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْإِمَامُ الْعَادِلُ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُ» "، (وَشَابٌّ نَشَأَ) نَبَتَ وَابْتَدَأَ (فِي عِبَادَةِ اللَّهِ) ، أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَبْوَةٌ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ. وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " بِعِبَادَةِ اللَّهِ "، بِالْبَاءِ بِمَعْنَى فِي، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْجَوْزَقِيِّ: حَتَّى تُوُفِّيَ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ: " أَفْنَى شَبَابَهُ، وَنَشَاطَهُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ "، وَخَصَّ الشَّبَابَ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ قُوَّةِ الْبَاعِثِ عَلَى مُتَابَعَةِ الْهَوَى، فَإِنَّ مُلَازَمَةَ الْعِبَادَةِ مَعَ ذَلِكَ أَشَدُّ، وَأَدَلُّ عَلَى غَلَبَةِ التَّقْوَى. ( «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ» ) بِفَوْقِيَّةٍ بَعْدَ الْمِيمِ، وَكَسْرِ اللَّامِ، مِنَ الْعَلَاقَةِ، وَهِيَ شِدَّةُ الْحُبِّ (بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ) ، زَادَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 حَدِيثِ سَلْمَانَ: " مِنْ حُبِّهَا "، وَعِنْدَ ابْنِ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ مِنْ شِدَّةِ حُبِّهِ إِيَّاهَا» "، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا آثَرَ طَاعَةَ اللَّهِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّهُ صَارَ قَلْبُهُ مُلْتَفِتًا إِلَى الْمَسْجِدِ، لَا يُحِبُّ الْبَرَاحَ عَنْهُ، لِوِجْدَانِهِ فِيهِ رُوحَ الْقُرْبَةِ، وَحَلَاوَةَ الطَّاعَةِ. وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ حَبِيبٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ مُعَلَّقٌ بِدُونِ تَاءٍ، قَالَ الْحَافِظُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنَ التَّعْلِيقِ كَأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالشَّيْءِ الْمُعَلَّقِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْقِنْدِيلِ، إِشَارَةً إِلَى طُولِ الْمُلَازَمَةِ بِقَلْبِهِ، وَإِنْ كَانَ جَسَدُهُ خَارِجًا عَنْهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْجَوْزَقِيِّ: " «كَأَنَّمَا قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسْجِدِ» "، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَلَاقَةِ، وَهِيَ شِدَّةُ الْحُبِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَحْمَدَ: " «مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ» "، وَكَذَا رِوَايَةُ " مُتَعَلِّقٌ " بِزِيَادَةِ الْفَوْقِيَّةِ، زَادَ سَلْمَانُ: مِنْ حُبِّهَا، ( «وَرَجُلَانِ تَحَابَّا» ) بِشِدَّةِ الْمُوَحَّدَةِ، وَأَصْلُهُ تَحَابَبَا أَيِ اشْتَرَكَا فِي جِنْسِ الْمَحَبَّةِ، وَأَحَبَّ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ حَقِيقَةً لَا إِظْهَارًا فَقَطْ. وَفِي رِوَايَةِ الْجَوْزَقِيِّ: " «وَرَجُلَانِ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ» "، فَصَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَنَحْوِهِ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ. (فِي اللَّهِ) ، أَيْ فِي طَلَبِ رِضَاهُ، أَوْ لِأَجْلِهِ لَا لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، (اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ) الْحُبِّ الْمَذْكُورِ، (وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ) ، كَمَا زِيدَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: أَيِ اسْتَمَرَّا عَلَى الْمَحَبَّةِ الدِّينِيَّةِ، وَلَمْ يَقْطَعَاهَا بِعَارِضٍ دُنْيَوِيٍّ سَوَاءٌ اجْتَمَعَا حَقِيقَةً، أَمْ لَا حَتَّى فَرَّقَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمَا، أَوِ الْمُرَادُ يَحْفَظَانِ الْحُبَّ فِيهِ فِي الْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ. وَوَقَعَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيِّ: اجْتَمَعَا عَلَى خَيْرٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنَ الْمُسْتَخْرَجَاتِ، وَهِيَ عِنْدِي تَحْرِيفٌ، وَعُدَّتْ هَذِهِ الْخَصْلَةُ وَاحِدَةً مَعَ أَنَّ مُتَعَاطِيَهَا اثْنَانِ ; لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِاثْنَيْنِ، وَلَمَّا كَانَ الْمُتَحَابَّانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَغْنَى عَدُّ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ عَدُّ الْخِصَالِ لَا عَدُّ جَمِيعِ مَنِ اتَّصَفَ بِهَا. (وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ) بِقَلْبِهِ مِنَ التَّذَكُّرِ، أَوْ لِسَانِهِ مِنَ الذِّكْرِ، (خَالِيًا) مِنَ الْخَلْوَةِ ; لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَأَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ، أَوْ خَالِيًا مِنَ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ وَلَوْ كَانَ فِي مَلَأٍ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيِّ: ذَكَرَ اللَّهَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةٌ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلَاءٍ، أَيْ مَوْضِعٍ خَالٍ وَهِيَ أَصَحُّ. (فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) ، أَيْ فَاضَتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنِهِ، وَأَسْنَدَ الْفَيْضَ إِلَى الْعَيْنِ مُبَالَغَةً كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي فَاضَتْ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفَيْضُ الْعَيْنِ بِحَسَبِ حَالَةِ الذَّاكِرِ، وَبِحَسَبِ مَا يَنْكَشِفُ لَهُ، فَفِي حَالِ أَوْصَافِ الْجَلَالِ يَكُونُ الْبُكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَفِي حَالِ أَوْصَافِ الْجَمَالِ يَكُونُ مِنَ الشَّوْقِ إِلَيْهِ، قَالَ الْحَافِظُ: قَدْ خُصَّ بِالْأَوَّلِ فِي رِوَايَةِ الْجَوْزَقِيِّ، والْبَيْهَقِيِّ: فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ. وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يُصِيبَ الْأَرْضَ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 دُمُوعِهِ لَمْ يُعَذَّبْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . (وَرَجُلٌ دَعَتْهُ) ، أَيْ طَلَبَتْهُ، وَبِهِ عُبِّرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: (ذَاتُ) بَيَّنَ الْمَوْصُوفَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَأَحْمَدَ فَقَالَ: امْرَأَةٌ ذَاتُ (حَسَبٍ) ، أَيْ أَصْلٍ أَوْ مَالٍ ; لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: ذَاتُ مَنْصِبٍ، أَيْ أَصْلٍ أَوْ شَرَفٍ، (وَجَمَالٍ) ، أَيْ مَزِيدِ حُسْنٍ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: إِلَى نَفْسِهَا. وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " فَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ "، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا دَعَتْهُ إِلَى الْفَاحِشَةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا دَعَتْهُ إِلَى التَّزْوِيجِ بِهَا، فَخَافَ أَنْ يَشْتَغِلَ عَنِ الْعِبَادَةِ بِالِافْتِتَانِ بِهَا، أَوْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ بِحَقِّهَا لِشُغْلِهِ بِالْعِبَادَةِ عَنِ التَّكَسُّبِ بِمَا يَلِيقُ بِهَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَيُؤَيِّدُهُ الْكِنَايَةُ فِي قَوْلِهِ إِلَى نَفْسِهَا، وَلَوْ أُرِيدَ التَّزْوِيجُ لَصَرَّحَ بِهِ. (فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: " رَبَّ الْعَالَمِينَ "، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ، إِمَّا لِيَزْجُرَهَا عَنِ الْفَاحِشَةِ، أَوْ لِيَعْتَذِرَ إِلَيْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَهُ بِقَلْبِهِ، قَالَهُ عِيَاضٌ، وَإِنَّمَا يَصْدُرُ هَذَا عَنْ شِدَّةِ خَوْفٍ مِنَ اللَّهِ، وَمَتِينِ تَقْوَى وَحَيَاءٍ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ; لِأَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْمَوْصُوفَةِ بِأَكْمَلِ الْأَوْصَافِ الَّتِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِمَزِيدِ الرَّغْبَةِ لِمَنْ هِيَ فِيهَا، وَهُوَ الْحَسَبُ وَالْمَنْصِبُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْجَاهِ وَالْمَالِ مَعَ الْجَمَالِ، وَقَلَّ مَنْ يَجْتَمِعُ ذَلِكَ فِيهَا مِنَ النِّسَاءِ مِنْ أَكْمَلِ الْمَرَاتِبِ، لِكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ فِي مِثْلِهَا، وَعُسْرِ تَحْصِيلِهَا لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَغْنَتْ مِنْ مَشَاقِّ التَّوَصُّلِ إِلَيْهَا بِمُرَاوَدَةٍ وَنَحْوِهَا. ( «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا» ) ، أَيْ كَتَمَهَا عَنِ النَّاسِ، وَنَكِرَهَا لِيَشْمَلَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْمَنْدُوبَةَ وَالْمَفْرُوضَةَ، لَكِنْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ إِظْهَارَ الْمَفْرُوضَةِ أَوْلَى مِنْ إِخْفَائِهَا (حَتَّى لَا تَعْلَمَ) ، بِفَتْحِ الْمِيمِ نَحْوَ: سِرْتُ حَتَّى مَغِيبِ الشَّمْسِ، وَضَمِّهَا نَحْوَ: مَرِضَ حَتَّى لَا يَرْجُونَهُ، (شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ) ، أَيْ لَوْ قَدَّرْتَ شِمَالَهُ رَجُلًا مُتَيَقِّظًا لَمَا عَلِمَ صَدَقَةَ الْيَمِينِ، ذَكَرَ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي الْإِخْفَاءِ، وَضَرَبَ الْمَثَلَ بِهِمَا لِقُرْبِهِمَا وَمُلَازَمَتِهِمَا، فَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْجَوْزَقِيِّ: تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ كَأَنَّمَا أَخْفَى يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ، أَوْ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ، أَيْ مَلَكُ شِمَالِهِ، أَوْ مَنْ عَلَى شِمَالِهِ مِنَ النَّاسِ كَأَنَّهُ قِيلَ: مُجَاوِرُ شِمَالِهِ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِشِمَالِهِ نَفْسُهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ، فَإِنَّهُ يَنْحَلُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ نَفْسُهُ مَا تُنْفِقُ نَفْسُهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ: لَا يُرَائِي بِصَدَقَتِهِ، وَلَا يَكْتُبُهَا كَاتِبُ الشِّمَالِ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الضَّعِيفِ الْمُكْتَسِبُ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ لِتَرْوِيجِ سِلْعَتِهِ، أَوْ رَفْعِ قِيمَتِهَا، وَاسْتَحْسَنَهُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إِنْ أَرَادَ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مُرَادُ الْحَدِيثِ خَاصَّةً، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا مِنْ صُوَرِ الصَّدَقَةِ الْخَفِيَّةِ فَمُسَلَّمٌ، وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ: " «حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ» "، قَالَ عِيَاضٌ: كَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 مُسْلِمٍ الَّتِي وَصَلَتْ إِلَيْنَا، وَهُوَ مَقْلُوبٌ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ ; لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الصَّدَقَةِ إِعْطَاؤُهَا بِالْيَمِينِ، وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ " بَابُ الصَّدَقَةِ بِالْيَمِينِ "، قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنَّ الْوَهْمَ فِيهِ مِمَّنْ دُونَ مُسْلِمٍ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا نُوَزِعَ فِيهِ، وَعَارَضَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ دُونَهُ وَلَا مِنْهُ، بَلْ مِنْ شَيْخِهِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، أَوْ شَيْخِ شَيْخِهِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو حَامِدِ بْنُ السُّرَاقِيِّ، وَفِي جَزْمِهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ فِي الْبُخَارِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ يَحْيَى عَلَى الصَّوَابِ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ: رَبِّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْجِبَالِ؟ قَالَ: نَعَمْ، الْحَدِيدُ، قَالَتْ: فَهَلْ أَشَدُّ مِنَ الْحَدِيدِ؟ قَالَ: نَعَمْ النَّارُ، قَالَتْ: فَهَلْ أَشَدُّ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمْ، الْمَاءُ، قَالَتْ: فَهَلْ أَشَدُّ مِنَ الْمَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ الرِّيحُ، قَالَتْ: فَهَلْ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ؟ قَالَ: نَعَمْ ابْنُ آدَمَ، يَتَصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، فَيُخْفِيهَا عَنْ شِمَالِهِ» "، وَذِكْرُ الرَّجُلِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ فَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى مِثْلُهُ، إِلَّا فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، وَيُمْكِنُ دُخُولُ الْمَرْأَةِ فِي الْإِمَامِ الْعَادِلِ حَيْثُ تَكُونُ رَبَّةَ عِيَالٍ، فَتَعْدِلُ فِيهِمْ وَإِلَّا فِي مُلَازَمَةِ الْمَسْجِدِ ; لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْمُشَارَكَةُ حَاصِلَةٌ لَهُنَّ، حَتَّى الَّذِي دَعَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي امْرَأَةٍ دَعَاهَا مَلِكٌ جَمِيلٌ مَثَلًا، فَامْتَنَعَتْ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ مَعَ حَاجَتِهَا، أَوْ شَابٌّ جَمِيلٌ دَعَاهُ مَلِكٌ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ مَثَلًا، فَخَشِيَ أَنْ يَرْتَكِبَ مِنْهُ الْفَاحِشَةَ، فَامْتَنَعَ مَعَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ السَّبْعَةِ الْمَذْكُورِينَ، وَوَجَّهَهُ الكِرْمَانِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ: إِنَّ الطَّاعَةَ إِمَّا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالرَّبِّ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْقِ، فَالْأَوَّلُ بِاللِّسَانِ، وَهُوَ الذَّاكِرُ، أَوْ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ أَوْ بِالْبَدَنِ، وَهُوَ النَّاشِىءُ بِالْعِبَادَةِ. وَالثَّانِي عَامٌّ وَهُوَ الْعَادِلُ، أَوْ خَاصٌّ بِالْقَلْبِ وَهُوَ التَّحَابُّ، أَوْ بِالْمَالِ وَهُوَ الصَّدَقَةُ، أَوْ بِالْبَدَنِ وَهُوَ الْعِفَّةُ، انْتَهَى. لَكِنْ دَلَّ اسْتِقْرَاءُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ بَدَلَ " «وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ» "،: «وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ مَعَ قَوْمٍ فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَانْكَشَفُوا فَحَمَى آثَارَهُمْ» ، وَفِي لَفْظٍ: أَدْبَارَهُمْ حَتَّى نَجَوْا أَوْ نَجَا أَوِ اسْتُشْهِدَ، قَالَ الْحَافِظُ: حَسَنٌ غَرِيبٌ جِدًّا. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، والْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَبْدَلَ الشَّابَّ بِقَوْلِهِ: «وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ فِي صِغَرِهِ، فَهُوَ يَتْلُوهُ فِي كِبَرِهِ» . وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ عَنْ سُلَيْمَانَ مَوْقُوفًا، وَحُكْمُهُ الرَّفْعُ، إِذْ لَا يُقَالُ رَأْيًا، فَقَالَ بَدَلَ الْإِمَامِ وَالشَّابِّ: وَرَجُلٌ يُرَاعِي الشَّمْسَ لِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، وَرَجُلٌ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِعِلْمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَنْ حِلْمٍ. وَلِابْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: «أَرْبَعَةٌ فِي ظِلِّ اللَّهِ، فَقَدْ عَدَّ الشَّابَّ، وَالْمُتَصَدِّقَ، وَالْإِمَامَ، قَالَ: وَرَجُلٌ تَاجِرٌ اشْتَرَى، وَبَاعَ فَلَمْ يَقُلْ إِلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 حَقًّا» ، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، لَكِنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ عَنْ سُلَيْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» "، وَفِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ عَنْ عُثْمَانَ رَفَعَهُ: " «أَظَلَّ اللَّهُ عَبْدًا فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ تَرَكَ لِغَارِمٍ» "، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ شَدَّادٍ رَفَعَهُ: " «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» "، وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْمُعْسِرِ أَسْهَلُ مِنَ الْوَضْعِ عَنْهُ فَهِيَ غَيْرُهَا. وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «أَظَلَّ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ أَعَانَ أَخْرَقَ» "، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَالْأَخْرَقُ مَنْ لَا صَنْعَةَ لَهُ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَعَلَّمَ صَنْعَةً. وَلِأَحْمَدَ، وَالْحَاكِمِ، وَغَيْرِهِمَا عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رَفَعَهُ: " «مَنْ أَعَانَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ غَارِمًا فِي عُسْرَتِهِ، أَوْ مُكَاتَبًا فِي رَقَبَتِهِ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ لَهُ إِلَّا ظِلُّهُ» "، وَإِعَانَةُ الْغَارِمِ غَيْرُ التَّرْكِ لَهُ ; لِأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ إِعَانَتِهِ فَهَذِهِ عِشْرُونَ. وَلِابْنِ عَدِيٍّ، وَصَحَّحَهُ الضِّيَاءُ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَظَلَّ رَأْسَ غَازٍ أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» "، وَلِأَبِي الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: " «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ أَظَلَّهُ اللَّهُ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْوُضُوءُ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَالْمَشْيُ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ، وَإِطْعَامُ الْجَائِعِ» "، قَالَ الْحَافِظُ: غَرِيبٌ وَفِيهِ ضَعْفٌ، لَكِنْ فِي التَّرْغِيبِ فِي كُلٍّ مِنَ الثَّلَاثَةِ أَحَادِيثُ قَوِيَّةٌ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ: " «مَنْ أَطْعَمَ الْجَائِعَ حَتَّى يَشْبَعَ أَظَلَّهُ اللَّهُ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ» "، وَإِشْبَاعُ الْجَائِعِ أَخَصُّ مِنْ طَلْقِ إِطْعَامِهِ. وَلِأَبِي الشَّيْخِ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مَرْفُوعًا: " «فَمَنْ لَزِمَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، فَلَا يَذُمُّ إِذَا اشْتَرَى، وَلَا يَحْمَدُ إِذَا بَاعَ، وَلْيَصْدُقِ الْحَدِيثَ، وَيُؤَدِّ الْأَمَانَةَ، وَلَا يَتَمَنَّى لِلْمُؤْمِنِينَ الْغَلَاءَ» "، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ أَحَدَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الصِّدْقِ، فَيُمْكِنُ أَنَّهَا خَصْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَهِيَ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «أَوْحَى اللَّهُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَنَّ كَلِمَتِي سَبَقَتْ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ أَنْ أُظِلَّهُ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِي» "، وَلَهُ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «وَمَنْ كَفَلَ يَتِيمًا أَوْ أَرْمَلَةً، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» " وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ: " «أَتَدْرُونَ مَنِ السَّابِقُ إِلَى ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: الَّذِينَ إِذَا أُعْطُوا الْحَقَّ قَبِلُوهُ، وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ، وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ كَحُكْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ» "، قَالَ الْحَافِظُ: غَرِيبٌ وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ. وَلِلْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: " «الْحَزِينُ فِي ظِلِّ اللَّهِ» " غَرِيبٌ وَفِيهِ ضَعْفٌ. وَلِابْنِ شَاهِينَ وَغَيْرِهِ عَنِ الصِّدِّيقِ رَفَعَهُ: " «الْوَالِي الْعَادِلُ ظِلُّ اللَّهِ وَرُمْحُهُ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ نَصَحَهُ فِي نَفْسِهِ، وَفِي عِبَادِ اللَّهِ أَظَلَّهُ اللَّهُ بِظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» "، وَلِأَبِي الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ عَنِ الصِّدِّيقِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُظِلَّهُ اللَّهُ بِظِلِّهِ، فَلَا يَكُنْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ غَلِيظًا، وَلْيُكَنْ بِالْمُؤْمِنِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 رَحِيمًا» "، وَلِابْنِ السُّنِّيِّ، وَالدَّيْلَمِيِّ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ عَنِ الصِّدِّيقِ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَا: " «قَالَ مُوسَى لِرَبِّهِ: مَا جَزَاءُ مَنْ عَزَّى الثَّكْلَى؟ قَالَ: أُظِلُّهُ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي» "، وَلِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ: " بَلَغَنِي أَنَّ مُوسَى قَالَ: أَيْ رَبِّ، مَنْ يُظَلُّ تَحْتَ عَرْشِكَ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّكَ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَعُودُونَ الْمَرْضَى، وَيُشَيِّعُونَ الْهَلْكَى، وَيُعَزُّونَ الثَّكْلَى "، وَلِأَبِي سَعِيدٍ السُّكَّرِيِّ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ جِدًّا عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ: " «السَّابِقُونَ إِلَى ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ طُوبَى لَهُمْ، قَالَ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: شِيعَتُكَ يَا عَلِيُّ وَمَحِبُّوكَ» "، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: " «قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ مَنْ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّكَ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّكَ؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَا يَنْظُرُونَ بِأَعْيُنِهِمُ الزِّنَى، وَلَا يَبْتَغُونَ فِي أَمْوَالِهِمُ الرِّبَا، وَلَا يَأْخُذُونَ عَلَى أَحْكَامِهِمُ الرِّشَا» "، قَالَ الْحَافِظُ: غَرِيبٌ لَيْسَ فِي رُوَاتِهِ مَنِ اتَّفَقَ عَلَى تَرْكِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ الرَّفْعُ ; لِأَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ لَمْ يَأْخُذْ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَالتَّيْمِيُّ فِي تَرْغِيبِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «ثَلَاثَةٌ يَتَحَدَّثُونَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ آمِنِينَ، وَالنَّاسُ فِي الْحِسَابِ: رَجُلٌ لَمْ يَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَرَجُلٌ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، وَرَجُلٌ لَمْ يَنْظُرْ إِلَى مَا حَرُمَ عَلَيْهِ» "، وَرَوَى طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " «مَنْ قَرَأَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ أَوَّلَ الْأَنْعَامِ إِلَى وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ نَزَلَ إِلَيْهِ أَرْبَعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ أَعْمَالِهِمْ» " الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: " «فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ: امْشِ فِي ظِلِّي» ". وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: " «ثَلَاثَةٌ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: وَاصِلُ الرَّحِمِ، وَامْرَأَةٌ مَاتَ زَوْجُهَا وَتَرَكَ أَيْتَامًا صِغَارًا، فَقَالَتْ: لَا أَتَزَوَّجُ حَتَّى يَمُوتُوا أَوْ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ، وَعَبْدٌ صَنَعَ طَعَامًا، فَأَطَابَ صُنْعَهُ، وَأَحْسَنَ نَفَقَتَهُ، فَدَعَا عَلَيْهِ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ فَأَطْعَمَهُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ» "، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ: " «ثَلَاثَةٌ فِي ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ حَيْثُ تَوَجَّهَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ إِلَى نَفْسِهَا، فَتَرَكَهَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ يُحِبُّ النَّاسَ لِجَلَالِ اللَّهِ فِيهِ» "، مَتْرُوكٌ. وَرَوَى الْخَطِيبُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ جِدًّا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ مِمَّنْ يُظَلُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» "، وَأَفْرَدَ الْمُؤَذِّنَ عَنْ مُرَاعِي الشَّمْسِ ; لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ مُؤَذِّنًا. وَالدَّيْلَمِيُّ بِلَا سَنَدٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «ثَلَاثٌ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: مَنْ فَرَّجَ عَنْ مَكْرُوبٍ مِنْ أُمَّتِي، وَأَحْيَا سُنَّتِي، وَأَكْثَرَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ» "، وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ حَمَلَةَ الْقُرْآنِ فِي ظِلِّ اللَّهِ مَعَ أَنْبِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ» "، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ حَمَلَهُ كَوْنُهُ تَعَلَّمَهُ فِي صِغَرِهِ فَهِيَ غَيْرُ السَّابِقَةِ. وَلِأَبِي يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: " «إِنَّ الْمَرِيضَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ» ". وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «أَهْلُ الْجُوعِ فِي الدُّنْيَا خَوْفًا مِنَ اللَّهِ يَسْتَظِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» "، وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَفَعَهُ: " «يُوضَعُ لِلصَّائِمِينَ مَوَائِدُ مِنْ ذَهَبٍ تَحْتَ الْعَرْشِ» "، وَفِي أَمَالِي ابْنِ نَاصِرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ: " «مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 يَوْمًا وَضَعَ اللَّهُ لَهُ مَائِدَةً فِي ظِلِّ الْعَرْشِ» "، وَهُوَ شَدِيدُ الْوَهَى، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: " «مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْمَغْرِبِ قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ الْفَاتِحَةَ، وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَا يُحْجَبُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى ظِلِّ الْعَرْشِ» "، وَهَذَا مُنْكَرٌ. وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ أَطْفَالَ الْمُؤْمِنِينَ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ» "، وَالطَّبَرَانِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ» "، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ وَهْبٍ: " «قَالَ مُوسَى: إِلَهِي مَنْ ذَكَرَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ؟ قَالَ: أُظِلُّهُ بِظِلِّ عَرْشِي» "، وَلِابْنِ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِمُوسَى: الَّذِي لَا يَحْسُدُ النَّاسَ، وَلَا يَعُقُّ وَالِدَيْهِ، وَلَا يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ» "، وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: " «أَنَّ مُوسَى سَأَلَ اللَّهَ مَنْ تُؤْوِيهِ فِي ظِلِّ عَرْشِكَ؟ قَالَ: هُمُ الطَّاهِرَةُ قُلُوبُهُمُ الْبَرِيَّةُ أَبْدَانُهُمْ، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرْتُ ذُكِرُوا بِي، وَإِذَا ذُكِرُوا ذُكِرْتُ بِهِمْ، الَّذِينَ يُنِيبُونَ إِلَى ذِكْرِي وَيَغُضُّونَ لِمَحَارِمِي، وَيَكْلَفُونَ بِحُبِّي» "، زَادَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: " «الَّذِينَ يَعْمُرُونَ مَسَاجِدِي، وَيَسْتَغْفِرُونِي بِالْأَسْحَارِ» "، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ: " «إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِمُوسَى: الَّذِينَ أَذْكُرُهُمْ وَيَذْكُرُونِي فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي» "، وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «يَقُولُ اللَّهُ: قَرِّبُوا أَهْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ ظِلِّ عَرْشِي، فَإِنِّي أُحِبُّهُمْ» "، وَالْمُرَادُ: خِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ. وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: " «الشُّهَدَاءُ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ» "، وَلِأَبِي دَاوُدَ صَحِيحًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ» "، وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُعَلِّمِينَ، وَأَطِلْ أَعْمَارَهُمْ، وَأَظِلَّهُمْ تَحْتَ ظِلِّكَ، فَإِنَّهُمْ يُعَلِّمُونَ كِتَابَكَ» "، قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: مَوْضُوعٌ. وَلِأَبِي الشَّيْخِ، وَالدَّيْلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرْفُوعًا: " «ثَلَاثَةٌ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ: الْقُرْآنُ يُحَاجُّ الْعِبَادَ، وَالْأَمَانَةُ، وَالرَّحِمُ يُنَادِي أَلَا مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ» "، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ عَنِ التَّوْرَاةِ: " مَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى طَاعَتِي، فَلَهُ صُحْبَتِي فِي الدُّنْيَا، وَفِي الْقَبْرِ، وَفِي الْقِيَامَةِ ظِلِّي "، وَفِي أَمَالِي ابْنِ الْبَخْتَرِيِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «أَنَا فِي ظِلِّ الرَّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» "، وَيُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ فِي مَنَاقِبِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أَنَّهُ يَسِيرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِوَاءِ الْحَمْدِ وَهُوَ حَامِلُهُ، وَالْحَسَنُ عَنْ يَمِينِهِ، وَالْحُسَيْنُ عَنْ يَسَارِهِ، حَتَّى يَقِفَ بَيْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ "، وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَفَعَهُ: " «أَنَا وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي قُبَّةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ» "، وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَّ نَبِيِّنَا وَإِبْرَاهِيمَ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحُسَيْنِ، لِأَنَّهُمْ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْأَصْفِيَاءِ، كَمَا أَنَّ عَدَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِهِ ; لِأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ، وَشُهَدَاءِ أُحُدٍ لِأَنَّهُمْ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الشُّهَدَاءِ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي مُؤَلَّفِهِ قَائِلًا: هَذَا مَا يَسَّرَ اللَّهُ لِيَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 مُدَّةٍ مُتَطَاوِلَةٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحَصْرِ فِيهِ، بَلْ بَابُ الْفَضْلِ مَفْتُوحٌ، وَوَقَفَ بِهَا السُّيُوطِيُّ إِلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ، وَنَظَمَهَا، وَاعْتَرَضَهُ السَّخَاوِيُّ بِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَا لَا تَصْرِيحَ فِيهِ بِالْمُرَادِ مِنْهُ فِي أَحَادِيثِهِ، وَإِنْ أَشْعَرَتْ بِهِ كَالزُّهْدِ، وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ، وَصَالِحِ الْعَبِيدِ، وَالْإِمَامِ الْمُرْتَضَى لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَوْ أُرِيدَ اسْتِيفَاءُ مَا شَابَهَ ذَلِكَ لَزَادَتْ كَثِيرًا، وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، وَقَدْ كُنْتُ لَخَّصْتُ تَأْلِيفَ السَّخَاوِيِّ فِي وُرَيْقَاتٍ، وَنَظَمْتُ هَذِهِ الْخِصَالَ تَذْيِيلًا عَلَى بَيْتِ أَبِي شَامَةَ، وَأَبْيَاتِ الْحَافِظِ فَقُلْتُ: أَتَى فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ سَبْعَةٌ ... يُظِلُّهُمُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِظِلِّهِ أَشَارَ لَهُمْ نَظْمًا إِمَامُ زَمَانِهِ ... أَبُو شَامَةَ إِذْ قَالَ فِي بَيْتِ وَصْلِهِ مُحِبٌّ عَفِيفٌ نَاشِىءٌ مُتَصَدِّقٌ ... وَبَاكٍ مُصَلٍّ وَالْإِمَامُ بِعَدْلِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ الْعَسْقَلَانِيُّ بَعْدَهُ ... ثَلَاثًا مِنَ السَّبْعَاتِ نَظْمًا بِقَوْلِهِ وَزِدْ سَبْعَةً إِظْلَالُ غَازٍ وَعَوْنُهُ ... وَإِنْظَارُ ذِي عُسْرٍ وَتَخْفِيفُ حَمْلِهِ وَحَامِي غُزَاةٍ حِينَ وَلَّوْا وَعَوْنُ ذِي ... غَرَامَةِ حَقٍّ مَعَ مُكَاتَبِ أَهْلِهِ وَزِدْ مَعَ ضَعْفٍ سَبْعَتَيْنِ إِعَانَةً ... لَا خَرْقَ مَعَ أَخْذِ الْحَقِّ وَبَذْلِهِ وَكُرْهُ وُضُوءٍ ثُمَّ مَشْيٌ لِمَسْجِدٍ ... وَتَحْسِينُ خُلْقٍ ثُمَّ مُطْعِمُ فَضْلِهِ وَكَافِلُ ذِي يُتْمٍ وَأَرْمَلَةٍ وَهَتْ ... وَتَاجِرُ صِدْقٍ فِي الْمَقَالِ وَفِعْلِهِ وَحُزْنٌ وَتَصْبِيرٌ وَنُصْحٌ وَرَأْفَةٌ ... تُرَبَّعُ بِهَا السَّبْعَاتُ مِنْ فَيْضِ فَضْلِهِ وَقَدْ زَادَهَا سِتًّا بِضَعْفٍ وَلَمْ تَقَعْ ... مُنَظَّمَةً مِنْهُ فَخُذْ نَظْمَ جُمَلِهِ فَحُبُّ عَلِىٍّ ثُمَّ تَرْكُ الرِّشْوَةِ ... زِنًا وَرِبًا حُكْمٌ لِغَيْرٍ كَمِثْلِهِ وَمِنْ أَوَّلِ الْأَنْعَامِ آيٍ ثَلَاثَةٍ ... عَقِيبَ صَلَاةِ الصُّبْحِ غَايَةُ نَفْلِهِ وَأَوْصَلَهَا الشَّيْخُ السَّخَاوِيُّ أَرْبَعًا ... وَتِسْعِينَ مَعَ ضَعْفٍ لِإِسْنَادِ جُلِّهِ مُرَاقِبُ شَمْسٍ لِلْمَوَاقِيتِ سَاكِتٌ ... بِحِلْمٍ وَعَنْ عِلْمٍ يَقُولُ وَعَقْلِهِ وَمَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ حَالَةَ صِغَرِهِ ... وَفِي كِبَرٍ يَتْلُو وَحَامِلُ كُلِّهِ مَرِيضٌ وَتَشْيِيعٌ لِمَيْتٍ عِيَادَةٌ ... شَهِيدٌ وَمَنْ فِي أُحُدٍ فَازَ بِقَتْلِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 وَعَلِمَ بِأَنَّ اللَّهَ مَعَهُ وَتَاجِرٌ ... أَمِينٌ بِلَا مَدْحٍ وَذَمٍّ لِرَحْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَمُدَّ الْيَدَ نَحْوَ مُحَرَّمٍ ... عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَى غَيْرِ حِلِّهِ مُحْسِنٌ طَعِمٌ لِلْفَقِيرِ مُصَدِّقٌ ... عَلَى مُعْسِرٍ تَرَكَ الْغَرِيمَ لِعُسْرِهِ وَكَافِلَةٌ أَيْتَامَهَا بَعْدَ زَوْجِهَا ... وَمُشْبِعُ جُوعٍ ثُمَّ وَاصِلُ أَهْلِهِ مُحِبُّ الْأَنَاسِيِّ لِلْجَلَالِ مُؤَذِّنٌ ... وَمَنْ لَمْ يَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمًا لِعَدْلِهِ كَذَا رَحِمٌ ثُمَّ الْأَمَانَةُ بَعْدَهَا ... خِيَارُ ذَوِي التَّوْحِيدِ طَيِّبُ فِعْلِهِ مُفَرِّجُ كُرَبٍ ثُمَّ مُحْيٍ لِسُنَّةٍ ... مُصَلٍّ عَلَى الْهَادِي كَثِيرًا بِأَجْلِهِ قِرَانٌ وَأَهْلُ الْجُوعِ خَوْفًا وَصَائِمٌ ... ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ رَجَبِ حَوْلِهِ وَمَنْ يَقْرَأِ الْإِخْلَاصَ مِنْ بَعْدِ مَغْرِبٍ ... ثَلَاثِينَ فِي ثِنْتَيْنِ مِنْ بَعْدِ نَفْلِهِ وَأَطْفَالُ ذِي الْإِيمَانِ نَجْلِ نَبِيِّنَا ... وَغَيْرُ حَسُودٍ لَا يَعُقُّ لِأَصْلِهِ وَطَاهِرُ قَلْبٍ لَيْسَ يَمْشِي نَمِيمَةً ... بَرِيءٌ وَمَكْلُوفٌ بِحُبٍّ لِرَبِّهِ مُنِيبٌ وَمَذْكُورٌ بِذِكْرِ إِلَهِهِ ... لِحُرْمَتِهِ غَضْبَانُ دَاعٍ لِسُبْلِهِ وَأَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ لِمُنْكَرٍ ... وَذِكْرٌ بِقَلْبٍ مَعَ لِسَانٍ لِنُبْلِهِ وَمُسْتَغْفِرُ الْأَسْحَارِ عَمَّارُ مَسْجِدٍ ... كَذَلِكَ سَوَّامٌ مُعَلِّمُ طِفْلِهِ وَمَنْ يَذْكُرُ الرَّحْمَنَ مَعَ ذِكْرِهِمْ لَهُ ... كَذَا أَنْبِيَاءُ اللَّهِ مَعَ أَهْلِ صَفْوِهِ خَلِيلُ إِلَهِ الْعَرْشِ فَاطِمَةٌ كَذَا ... عَلِيٌّ وَنَجْلَاهُ وَخَاتَمُ رُسْلِهِ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مَعَ سَلَامٍ بِهِ نَرَى ... بِحُرْمَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامِ بِظِلِّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ لِجِبْرِيلَ قَدْ أَحْبَبْتُ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ الْعَبْدَ» قَالَ مَالِكٌ لَا أَحْسِبُهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْبُغْضِ مِثْلَ ذَلِكَ   1778 - 1730 - (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ) - بِضَمِّ السِّينِ - (ابْنِ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ» ) ، أَيْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرَادَ بِهِ خَيْرًا وَهَدَاهُ وَوَفَّقَهُ، قَالَ عِيَاضٌ: الْمَحَبَّةُ: الْمَيْلُ وَهُوَ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ، فَالْمَعْنَى إِرَادَةُ الْخَيْرِ لَهُ، وَإِيصَالُهُ إِلَيْهِ، انْتَهَى. فَيَرْجِعُ الْأَوَّلُ إِلَى صِفَةِ مَعْنًى، هِيَ الْإِرَادَةُ، وَالثَّانِي إِلَى صِفَةِ فِعْلٍ، هِيَ الْإِيصَالُ. (قَالَ لِجِبْرِيلَ: قَدْ أَحْبَبْتُ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ) أَنْتَ يَا جِبْرِيلُ، بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ، وَكَسْرِ الْحَاءِ، وَفَتْحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 الْمُوَحَّدَةِ، ثَقِيلَةٍ بِإِدْغَامِ أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ، وَالْأَصْلُ: فَأَحْبِبْهُ. (فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي) بِأَمْرِ اللَّهِ، إِذْ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا مَا يُؤْمَرُونَ (فِي أَهْلِ السَّمَاءِ) ، زَادَ فِي مُسْلِمٍ: فَيَقُولُ: ( «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ» ) ، مَا قَابَلَ الْأَرْضَ، فَالْمُرَادُ: السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: هَذَا إِعْلَامٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَأَمْرُهُ الْمَلَائِكَةَ بِذَلِكَ تَنْوِيهٌ بِهِ وَتَشْرِيفٌ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَلَأِ الْكَرِيمِ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ. قَالَ عِيَاضٌ: مَحَبَّةُ جِبْرِيلَ، وَالْمَلَائِكَةِ تَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ مِنَ الْمَيْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا ثَنَاؤُهُمْ عَلَيْهِ، وَاسْتِغْفَارُهُمْ لَهُ. (ثُمَّ يَضَعُ لَهُ الْقَبُولَ) - بِفَتْحِ الْقَافِ -: الْمَحَبَّةُ وَالرِّضَى، وَمَيْلُ النَّفْسِ (فِي) أَهْلِ (الْأَرْضِ) ، أَيْ يُحْدِثُ لَهُ فِي الْقُلُوبِ مَوَدَّةً، وَيَزْرَعُ لَهُ فِيهَا مَهَابَةً، فَتُحِبُّهُ الْقُلُوبُ، وَتَرْضَى عَنْهُ النُّفُوسُ مِنْ غَيْرِ تَوَدُّدٍ مِنْهُ، وَلَا تَعَرُّضٍ لِلْأَسْبَابِ الَّتِي يَكْتَسِبُ بِهَا مَوَدَّاتِ الْقُلُوبِ مِنْ قَرَابَةٍ، أَوْ صَدَاقَةٍ، أَوِ اصْطِنَاعِ مَعْرُوفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِرَاعٌ مِنْهُ تَعَالَى ابْتِدَاءً، تَخْصِيصًا مِنْهُ لِأَوْلِيَائِهِ بِكَرَامَةٍ خَاصَّةٍ، كَمَا يَقْذِفُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِ الرُّعْبَ وَالْهَيْبَةَ إِعْظَامًا لَهُمْ، وَإِجْلَالًا لِمَكَانِهِمْ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ: إِنَّ اللَّهَ يَبْتَدِئُ الْمَحَبَّةَ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْقُرْآنُ يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] (سورة مَرْيَمَ: الْآيَةُ 96) ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى النَّاسِ، انْتَهَى. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَيَنْشَأُ عِنْدَهُمْ هَيْبَتُهُ وَإِعْزَازُهُمْ لَهُ: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8] (سورة الْمُنَافِقُونَ: الْآيَةُ 8) ، قَالَ الْأَبِيُّ: وَلَا يُشْكَلُ عَلَى الْحَدِيثِ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يُحِبُّهُ اللَّهُ لَا يَعْرِفُ فَضْلًا عَنْ وَضْعِ الْقَبُولِ لَهُ بِدَلِيلِ خَبَرِ: «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ» ; لِأَنَّ الْمَعْنَى إِذَا أَحَبَّهُ قَدْ يَضَعُ، فَالْقَضِيَّةُ مُهْمَلَةٌ فِي قُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ ; لِأَنَّ " إِذَا وَإِنْ " إِهْمَالٌ فِي الشَّرْطِيَّاتِ، لَا كُلِّيَّةٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْمَنْطِقِ. ( «وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ الْعَبْدَ» ) ، أَيْ أَرَادَ بِهِ شَرًّا وَأَبْعَدَهُ عَنِ الْهِدَايَةِ، (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَحْسِبُهُ) ، لَا أَظُنُّ سُهَيْلًا (إِلَّا قَالَ فِي الْبُغْضِ مِثْلَ ذَلِكَ) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ تَخْتَلِفْ رِوَايَةُ مَالِكٍ فِيمَا عَلِمْتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ سُهَيْلٍ جَمَاعَةٌ لَمْ يَشُكُّوا، مِنْهُمْ: مَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الْبُغْضَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ بِسَنَدِهِ فَقَالَ: " «وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ» "، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 الْقَارِيِّ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَالْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: كُلُّهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ بْنِ الْمُسَيَّبِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْبُغْضِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ سُهَيْلٍ قَالَ: كُنَّا بِعَرَفَةَ فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ، فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ إِنِّي أَرَى اللَّهَ يُحِبُّ عُمَرَ، قَالَ وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لِمَا لَهُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، قَالَ: بِأَبِيكَ! أَنْتَ سَمِعْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ بِدُونِ ذِكْرِ الْبُغْضِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 553 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ «دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوا إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ قَوْلِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي قَالَ فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ فَقَالَ أَللَّهِ فَقُلْتُ أَللَّهِ فَقَالَ أَللَّهِ فَقُلْتُ أَللَّهِ فَقَالَ أَللَّهِ فَقُلْتُ أَللَّهِ قَالَ فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ»   1779 - 1731 (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ) - بِمُهْمَلَةٍ، وَزَايٍ - سَلَمَةَ (ابْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ) ، اسْمُهُ عَائِذُ اللَّهِ بِالتَّحْتِيَّةِ، وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ، ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ (الْخَوْلَانِيِّ) التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ، وُلِدَ عَامَ حُنَيْنٍ، (أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ) ، بِكَسْرِ الدَّالِّ، وَفَتْحِ الْمِيمِ بِالشَّامِ، (فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا) ، أَيْ أَبْيَضُ الثَّغْرِ حَسَنُهُ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: كَثِيرُ التَّبَسُّمِ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، وَفِي أُخْرَى: وَضِيءُ الْوَجْهِ أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ عِشْرُونَ، وَفِي أُخْرَى: ثَلَاثُونَ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُمْ فَوْقَ الْعِشْرِينَ وَدُونَ ثَلَاثِينَ. (إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوا إِلَيْهِ) ، أَيْ صَعِدُوا إِلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَقِفُونَ عِنْدَ قَوْلِهِ: مَأْخُوذٌ، مِنْ أَسْنَدَ إِلَى الْجَبَلِ إِذَا صَعِدَ فِيهِ، وَفِيهِ لُطْفٌ هُنَا ; لِأَنَّهُ جَبَلُ عِلْمٍ بِنَصِّ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «أَعْلَمُ أُمَّتِي بِالْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» "، (وَصَدَرُوا عَنْ قَوْلِهِ) ، وَلِقَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ: فَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ فَقَالَ قَوْلًا، انْتَهَوْا إِلَى قَوْلِهِ. (فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ) ، أَيِ التَّبْكِيرِ إِلَى كُلِّ صَلَاةٍ، لِحَدِيثِ: " «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ» "، وَلَمْ يُرِدِ الْخُرُوجَ فِي الْهَاجِرَةِ، قَالَهُ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: وَهِيَ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ. (وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، قَالَ: فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ) ، أَيْ أَتَمَّهَا، (ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ) : جِهَةِ (وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ) لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 553 لِغَرَضٍ (فَقَالَ: آللَّهِ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ، وَالْخَفْضِ، (فَقُلْتُ: آللَّهِ، قَالَ) أَبُو إِدْرِيسَ، (فَقَالَ مُعَاذٌ) ثَانِيًا: (آللَّهِ، فَقُلْتُ: آللَّهِ، قَالَ) أَبُو إِدْرِيسَ: (فَأَخَذَ) مُعَاذٌ (بِحُبْوِ رِدَائِي) - بِضَمِّ الْحَاءِ، وَإِسْكَانِ الْبَاءِ - أَيْ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُحْتَبَى بِهِ مِنَ الرِّدَاءِ، فَالْحُبْوَةُ: ضَمُّ السَّاقَيْنِ إِلَى الْبَطْنِ بِثَوْبٍ، وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَالِكٍ: فَأَخَذَ بِحُبْوَتِي، لَمْ يَقُلْ: رِدَائِي، (فَجَبَذَنِي) ، تَقْدِيمُ الْبَاءِ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ بِمَعْنَى: جَذَبَنِي بِتَقْدِيمِ الذَّالِ، وَلَيْسَتْ مَقْلُوبَةً كَمَا زَعَمَ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ ابْنُ السَّرَّاجِ، فَقَالَ: لَيْسَ أَحَدُهُمَا مَأْخُوذًا مِنَ الْآخَرِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُتَصَرِّفٌ فِي نَفْسِهِ، أَيْ جَرَّنِي وَسَحَبَنِي. (وَقَالَ: أَبْشِرْ) ، بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ، أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، ( «فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ» ) ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مُسْلِمٍ: حَقَّتْ (مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ) ، بِلَفْظِ الْجَمْعِ هُنَا، وَفِيمَا بَعْدَهُ (فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ) ، أَيْ يَتَجَالَسُونَ فِي مَحَبَّتِي بِذِكْرِي، وَكَانَ الْجُنَيْدُ مَشْغُولًا فِي خَلْوَتِهِ، فَإِذَا جَاءَ إِخْوَانُهُ خَرَجَ وَقَعَدَ مَعَهُمْ، وَيَقُولُ: لَوْ أَعْلَمُ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ مُجَالَسَتِكُمْ مَا خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ لِمُجَالَسَةِ الْخَوَاصِّ أَثَرًا فِي صَفَاءِ الْحُضُورِ، وَنَشْرِ الْعُلُومِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ. (وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: الَّذِينَ يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَيْ يَبْذُلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِصَاحِبِهِ نَفْسَهُ، وَمَالَهُ فِي مُهِمَّاتِهِ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ فِي اللَّهِ كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ بِبَذْلِ نَفْسِهِ لَيْلَةَ الْغَارِ، وَبَذْلِ مَالِهِ. (وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ) ، لَا لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، وَلَا أُخْرَوِيٍّ. زَاد الطَّبَرَانِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: وَالْمُتَصَادِقِينَ فِيَّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ لَهَتْ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ، فَتَعَلَّقَتْ بِتَوْحِيدِهِ فَأَلَّفَ بَيْنَهُمْ بِرُوحِهِ، وَرُوحُ الْجَلَالِ أَعْظَمُ شَأْنًا مِنْ أَنْ يُوصَفَ، فَإِذَا وَجَدَتْ قُلُوبُهُمْ نَسِيمَ رُوحِ الْجَلَالِ كَادَتْ تَطِيرُ فِي أَمَاكِنِهَا شَوْقًا إِلَيْهِ، فَهُمْ مَحْبُوسُونَ بِهَذَا الْهَيْكَلِ، فَصَارُوا فِي اللِّقَاءِ يَهِشُّ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ائْتِلَافًا، وَتَلَذُّذًا، وَشَوْقًا لِمَحْبُوبِهِمُ الْأَعْظَمِ، فَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ لَهُمُ الْحُبُّ فَفَازُوا بِكَمَالِ الْقُرْبِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، قَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ لِقَاءُ أَبِي إِدْرِيسَ لِمُعَاذٍ، وَأَنْكَرَتْهُ طَائِفَةٌ لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ: أَدْرَكْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا وَفَاتَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَلِذَا قَالَ قَوْمٌ وَهِمَ مَالِكٌ، فَأَسْقَطَ مِنْ إِسْنَادِهِ أَبَا مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيَّ، وَزَعَمُوا أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ مُعَاذٍ، وَقَالَ آخَرُونَ: غَلِطَ أَبُو حَازِمٍ فِي قَوْلِهِ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ مُعَاذٍ، إِنَّمَا هُوَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 554 الصَّامِتِ، وَهَذَا كُلُّهُ تَخَرُّصٌ، وَظَنٌّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا، فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ كَرِوَايَةِ مَالِكٍ سَوَاءً مِنْهُمُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَجَاءَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى غَيْرِ أَبِي حَازِمٍ مِنْهُمُ: الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، كِلَاهُمَا عِنْدَ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِنَحْوِ حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ، وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَنِي عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ: إِنَّ الَّذِينَ يَتَحَابُّونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ لَقِيَ مُعَاذًا، وَسَمِعَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ فِي هَذَا عَلَى مَالِكٍ، وَلَا عَلَى أَبِي حَازِمٍ، فَيُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ: فَاتَنِي مُعَاذٌ، عَلَى فَوَاتِ لُزُومٍ وَطُولِ مُجَالَسَتِهِ، أَوْ فَاتَنِي فِي حَدِيثِ كَذَا، أَوْ مَعْنَى كَذَا، وَلَيْسَ سَمَاعُهُ مِنْهُ بِمُنْكَرٍ، فَإِنَّهُ وُلِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَمَاتَ مُعَاذٌ بِالشَّامِ سَنَةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَنْ عُبَادَةَ، لِجَوَازِ أَنَّ عُبَادَةَ وَمُعَاذًا وَغَيْرَهُمَا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ، انْتَهَى، مُلَخَّصًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 555 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْقَصْدُ وَالتُّؤَدَةُ وَحُسْنُ السَّمْتِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ   1780 - 1732 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ) مَوْقُوفًا، وَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، إِذْ هُوَ لَا يُقَالُ رَأْيًا. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرَخْسَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (الْقَصْدُ) أَيِ التَّوَسُّطُ فِي الْأُمُورِ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، (وَالتُّؤَدَةُ) ، بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ، وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، أَيِ الرِّفْقُ وَالتَّأَنِّي، (وَحُسْنُ السَّمْتِ) : الْهَيْئَةُ وَالْمَنْظَرُ، وَأَصْلُ السَّمْتِ: الطَّرِيقُ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلزِّيِّ الْحَسَنِ، وَالْهَيْئَةِ الْمُثْلَى فِي الْمَلْبَسِ وَغَيْرِهِ، (جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ، وَصِفَاتِهِمُ الَّتِي طُبِعُوا عَلَيْهَا، وَأُمِرُوا بِهَا، وَجُبِلُوا عَلَى الْتِزَامِهَا، قَالَ: وَنَعْتَقِدُ هَذِهِ التَّجْزِئَةَ، وَلَا نَدْرِي وَجْهَهَا، يَعْنِي: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عُلُومِ النُّبُوَّةِ، فَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِالرَّأْيِ، وَالِاسْتِنْبَاطُ مَسْدُودٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 555 [باب الرُّؤْيَا] كِتَابُ الرُّؤْيَا بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّؤْيَا حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ»   52 - كِتَابُ الرُّؤْيَا 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّؤْيَا بِالْقَصْرِ مَصْدَرٌ كَالْبُشْرَى مُخْتَصَّةٌ غَالِبًا بِشَيْءٍ مَحْبُوبٍ يُرَى مَنَامًا كَذَا قَالَهُ جَمْعٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: الرُّؤْيَا كَالرُّؤْيَةِ جُعِلَتْ أَلِفُ التَّأْنِيثِ فِيهَا مَكَانَ تَاءِ التَّأْنِيثِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ وَالْيَقْظَانُ. 1781 - 1733 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) ، زَيْدٍ (الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ) ، أَيِ الصَّادِقَةُ، أَوِ الْمُبَشِّرَةُ احْتِمَالَانِ لِلْبَاجِيِّ (مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ) ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ اتِّفَاقًا، حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ، وَالْمُرَادُ غَالِبُ رُؤْيَا الصَّالِحِينَ، وَإِلَّا فَالصَّالِحُ قَدْ يَرَى الْأَضْغَاثَ، وَلَكِنَّهُ نَادِرٌ لِقِلَّةِ تَمَكُّنِ الشَّيْطَانِ مِنْهُمْ. (جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) ، مَجَازًا لَا حَقِيقَةً ; لِأَنَّ النُّبُوَّةَ انْقَطَعَتْ بِمَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجُزْءُ النُّبُوَّةِ لَا يَكُونُ نُبُوَّةً، كَمَا أَنَّ جُزْءَ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ صَلَاةً، نَعَمْ إِنْ وَقَعَتْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ حَقِيقَةً، وَقِيلَ: إِنْ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِهِ، فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ عِلْمِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهَا، وَإِنِ انْقَطَعَتْ فَعِلْمُهَا بَاقٍ، وَتُعِقِّبَ بِقَوْلِ مَالِكٍ، كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حِينَ سُئِلَ: أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ؟ فَقَالَ: أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ؟ ثُمَّ قَالَ: الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّهَا نُبُوَّةٌ بَاقِيَةٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا لَمَّا أَشْبَهَتِ النُّبُوَّةَ مِنْ جِهَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَعْضِ الْغَيْبِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَكَلَّمَ فِيهَا بِلَا عِلْمٍ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا نُبُوَّةٌ مِنْ جِهَةِ الِاطِّلَاعِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ تَشْبِيهُ الرُّؤْيَا بِالنُّبُوَّةِ، وَجُزْءُ الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ وَصْفِهِ لَهُ، كَمَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَافِعًا صَوْتَهُ لَا يُسَمَّى مُؤَذِّنًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَفْهُومُهُ أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الصَّالِحِ لَا يُقْطَعُ بِأَنَّهَا كَذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَرَجَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 556 عَلَى جَوَابِ سَائِلٍ، فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي مُرْسَلِ عَطَاءٍ الْآتِي: يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ، أَوْ تُرَى لَهُ، فَعَمَّ قَوْلُهُ يَرَى الصَّالِحُ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ الرُّؤْيَا نَوْعٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ نَوْعًا مِنْ نُزُولِ الْوَحْيِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَلَى ضُرُوبٍ، وَأَنْ تَكُونَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ; لِأَنَّ فِيهَا مَا يُعْجِزُ كَالطَّيَرَانِ، وَقَلْبِ الْأَعْيَانِ، وَذَلِكَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ النُّبُوَّةِ، أَوْ لِمَا فِيهَا مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ ; لِأَنَّ الرَّائِيَ يُخْبِرُ بِعِلْمِ مَا غَابَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَأَشْبَهُ بِالْأُصُولِ، انْتَهَى، مُلَخَّصًا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَجْزَاءُ النُّبُوَّةِ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا إِلَّا مَلِكٌ، أَوْ نَبِيٌّ، وَإِنَّمَا الْقَدْرُ الَّذِي أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانَهُ أَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فِي الْجُمْلَةِ ; لِأَنَّ فِيهَا اطِّلَاعًا عَلَى الْغَيْبِ مِنْ وَجْهٍ مَا، وَأَمَّا تَفْصِيلُ النِّسْبَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ دَرَجَةُ النُّبُوَّةِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: هُوَ مِمَّا أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَبِيَّهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْعَالِمَ أَنْ يَعْرِفَ كُلَّ شَيْءٍ جُمْلَةً، وَتَفْصِيلًا، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْعَالِمِ حَدًّا يَقِفُ عِنْدَهُ، فَمِنْهُ مَا يُعْلَمُ الْمُرَادُ بِهِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَمِنْهُ مَا يَعْلَمُهُ جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا، وَهَذَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ السَّفَاقُسِيِّ: أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ فِي الْمَنَامِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ أَوْحَى إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَظَةً بَقِيَّةَ حَيَاتِهِ، وَنِسْبَتُهَا إِلَى الْوَحْيِ فِي الْمَنَامِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا لِأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا بَعِيدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ الْبَعْثَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَبْقَى حَدِيثُ سَبْعِينَ جُزْءًا لَا مَعْنَى لَهُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا وَإِنْ كَانَ وَجْهًا تَحْتَمِلُهُ قِسْمَةُ الْحِسَابِ، وَالْعَدَدِ، فَأَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى قَائِلِهِ أَنْ يُثْبِتَ مَا ادَّعَاهُ خَبَرًا، وَلَمْ نَسْمَعْ فِيهِ أَثَرًا، وَلَا ذَكَرَ مُدَّعِيهِ فِيهِ خَبَرًا، فَكَأَنَّهُ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ، وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَا خَفِيَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ يَلْزَمُنَا حُجَّتُهُ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَأَيَّامِ الصِّيَامِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ فَإِنَّا لَا نَصِلُ مِنْ عِلْمِهَا إِلَى أَمْرٍ يُوجِبُ حَصْرَهَا تَحْتَ أَعْدَادِهَا، وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي مُوجِبِ اعْتِقَادِنَا لِلِزُومِهَا، قَالَ: وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ، لَكِنَّهُ يَلْحَقُ بِهَا سَائِرُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي أُوحِيَ إِلَيْهِ فِيهَا مَنَامًا فِي طُولِ الْمُدَّةِ، كَرُؤْيَا أُحُدٍ وَدُخُولِ مَكَّةَ، فَتُلَفَّقُ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةٌ أُخْرَى تُزَادُ فِي الْحِسَابِ، فَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا. وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ، وَحْيُ الْمَنَامِ الْمُتَابِعُ، فَمَا وَقَعَ فِي غُضُونِ وَحْيِ الْيَقَظَةِ يَسِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَحْيِ الْيَقَظَةِ، فَهُوَ مَغْمُورٌ فِي جَانِبِ وَحْيِهَا فَلَمْ تُعْتَبَرْ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرُوا مُنَاسَبَاتٍ غَيْرَ ذَلِكَ يَطُولُ ذِكْرُهَا. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ "، وَلَهُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا "، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ: " مِنْ سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ "، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ. وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: " جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ "، وَعِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ "، وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي رَزِينٍ: " جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ "، وَلِابْنِ جَرِيرٍ عَنْ عُبَادَةَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 557 " جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ "، وَابْنِ النَّجَّارِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ "، وَوَقَعَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ: وَفِي رِوَايَةِ عُبَادَةَ: " مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ "، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَصْحِيفًا، فَالْجُمْلَةُ عَشْرُ رِوَايَاتٍ، وَالْمَشْهُورُ " سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ "، وَهُوَ مَا فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنِ اخْتِلَافِ الْأَعْدَادِ بِأَنَّهُ بِحَسَبِ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّثَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ لَمَّا أَكْمَلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ مَجِيءِ الْوَحْيِ إِلَيْهِ، حَدَّثَ بِأَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ إِنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ وَقْتَ الْهِجْرَةِ، وَلَمَّا أَكْمَلَ عِشْرِينَ حَدَّثَ بِأَرْبَعِينَ، وَلَمَّا أَكْمَلَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، حَدَّثَ بِأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ بَعْدَهَا بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ حَدَّثَ بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الرِّوَايَاتِ فَضَعِيفٌ. وَرِوَايَةُ خَمْسِينَ يُحْتَمَلُ جَبْرُ الْكَسْرِ وَالسَبْعِينَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَعَبَّرَ بِالنُّبُوَّةِ دُونَ الرِّسَالَةِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ بِالتَّبْلِيغِ بِخِلَافِ النُّبُوَّةِ، فَاطِّلَاعٌ عَلَى بَعْضِ الْغَيْبِ وَكَذَلِكَ الرُّؤْيَا، فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَتْ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ لِلْكَافِرِ مِنْهَا نَصِيبٌ كَرُؤْيَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ مَعَ يُوسُفَ، وَرُؤْيَا مَلِكِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ جَالِينُوسَ عَرَضَ لَهُ وَرَمٌ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَتَّصِلُ مِنْهُ بِالْحِجَابِ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ فِي الْمَنَامِ بِفَصْدِ الْعِرْقِ الضَّارِبِ مِنْ كَفِّهِ الْيُسْرَى فَبَرَأَ. بِأَنَّ الْكَافِرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لَهَا، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَرَى مَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِخَيْرِ دُنْيَاهُ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا، ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ رُؤْيَتُهُ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ دُنْيَوِيٍّ، فَإِنَّ النَّاسَ فِي الرُّؤْيَا ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ: الْأَنْبِيَاءُ وَرُؤْيَاهُمْ كُلُّهَا صِدْقٌ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ. وَالصَّالِحُونَ، وَالْغَالِبُ عَلَى رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ، وَمَا عَدَاهُمْ يَقَعُ فِي رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ. وَالْأَضْغَاثُ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ مَسْتُورُونَ، فَالْغَالِبُ اسْتِوَاءُ الْحَالِ فِي حَقِّهِمْ، وَفَسَقَةٌ وَالْغَالِبُ عَلَى رُؤْيَاهُمُ الْأَضْغَاثُ وَيَقِلُّ فِيهَا الصِّدْقُ، وَكُفَّارٌ وَيَنْدُرُ فِيهَا الصِّدْقُ جِدًّا. وَيُرْشِدُ لِذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: " «وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا» "، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 558 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ   1781 - 1734 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ ذَلِكَ) ، الَّذِي رَوَاهُ إِسْحَاقُ عَنْ أَنَسٍ، وَالْحَدِيثُ مُتَوَاتِرٌ جَاءَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 558 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ زُفَرَ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ يَقُولُ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا وَيَقُولُ لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ»   1782 - 1735 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ زُفَرَ) ، بِضَمِّ الزَّايِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ مَمْنُوعُ الصَّرْفِ، (ابْنِ صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ) ، وَهُمَا ثِقَتَانِ مَدَنِيَّانِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ لِزُفَرَ وَلَا لِأَبِيهِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي رِوَايَةِ مَعْنٍ عَنْ زُفَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْقَاطٍ عَنْ أَبِيهِ، وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ كَمَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ، وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ) - بِالْمُعْجَمَةِ - أَيِ الصُّبْحِ (يَقُولُ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ: " فَنَقُصُّ عَلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقَصَّ ". وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: " أَنَّهُ أَقَامَ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ تَرَكَ السُّؤَالَ، فَكَانَ يَعْبُرُ لِمَنْ قَصَّ مُتَبَرِّعًا "، قِيلَ: سَبَبُ تَرْكِهِ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ، وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ أَنْتَ بِأَبِي بَكْرٍ، وَوُزِنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَحَ عُمَرُ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ فَرَأَيْنَا الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. قَالُوا: فَمِنْ حِينَئِذٍ لَمْ يَسْأَلْ أَحَدًا إِيثَارًا لِسَتْرِ الْعَوَاقِبِ، وَإِخْفَاءِ الْمَرَاتِبِ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَا كَاشِفَةً لِمَنَازِلِهِمْ، مُبَيِّنَةً لِفَضْلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي التَّعْيِينِ، خَشِيَ أَنْ يَتَوَاتَرَ وَيَتَوَالَى مَا هُوَ أَبْلَغُ فِي الْكَشْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَلِلَّهِ فِي سَتْرِ خَلْقِهِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ وَمَشِيئَةٌ نَافِذَةٌ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (وَيَقُولُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ) أَلْ عَهْدِيَّةٌ، أَيْ نُبُوَّتِهِ، (إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ) ، أَيِ الْحَسَنَةُ، أَوِ الصَّادِقَةُ الْمُنْتَظِمَةُ الْوَاقِعَةُ عَلَى شُرُوطِهَا الصَّحِيحَةِ، وَهِيَ مَا فِيهِ بِشَارَةٌ، أَوْ تَنْبِيهٌ عَلَى غَفْلَةٍ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الصَّالِحَةُ صِفَةٌ مُوَضِّحَةٌ لِلرُّؤْيَا لِأَنَّ غَيْرَهَا يُسَمَّى بِالْحُلْمِ، أَوْ مُخَصِّصَةٌ وَالصَّلَاحُ بِاعْتِبَارِ صَوْتِهَا، أَوْ تَعْبِيرِهَا، وَفِيهِ نَدْبُ التَّعْبِيرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَيَرُدُّ قَوْلَ بَعْضِ أَهْلِ التَّعْبِيرِ: الْمُسْتَحَبُّ أَنَّهُ مِنْ طُلُوعِهَا إِلَى الرَّابِعَةِ، وَمِنَ الْعَصْرِ إِلَى قُرْبِ الْمَغْرِبِ. وَرَدٌّ عَلَى مَا لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِمْ، قَالَ: لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى امْرَأَةٍ، وَلَا تُخْبِرْ بِهَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْقَاتِ لِحِفْظِ صَاحِبِهَا لَهَا، لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِهَا قَبْلَ مَا يَعْرِضُ لَهُ نِسْيَانُهَا، وَلِحُضُورِ ذِهْنِ الْعَابِرِ، وَقِلَّةِ شُغْلِهِ بِالْفِكْرَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَعَاشِهِ، وَلِيَعْرِفَ الرَّائِي مَا يَعْرِضُ لَهُ بِسَبَبِ رُؤْيَاهُ فَيَسْتَبْشِرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 559 بِالْخَيْرِ وَيَحْذَرَ مِنَ الشَّرِّ وَيَتَأَهَّب لِذَلِكَ، فَرُبَّمَا كَانَ فِيهَا تَحْذِيرٌ مِنْ مَعْصِيَةٍ فَيَكُفُّ عَنْهَا، وَرُبَّمَا كَانَتْ إِنْذَارًا لِأَمْرٍ فَيَكُونُ لَهُ مُتَرَقِّبًا، قَالَ: فَهَذِهِ عِدَّةُ فَوَائِدَ لِتَعْبِيرِهَا أَوَّلَ النَّهَارِ اه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 560 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنْ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ فَقَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ»   1783 - 1736 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) مُرْسَلٌ، وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَنْ يَبْقَى بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ» ) - بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ - جَمْعُ مُبَشِّرَةٍ، اسْمُ فَاعِلٍ لِلْمُؤَنَّثِ مِنَ الْبِشْرِ، وَهُوَ إِدْخَالُ السُّرُورِ، وَالْفَرَحِ عَلَى الْمُبَشَّرِ بِالْفَتْحِ، وَلَيْسَ جَمْعَ الْبُشْرَى لِأَنَّهَا اسْمٌ بِمَعْنَى الْبِشَارَةِ. وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: " لَمْ " الَّتِي تَقْلِبُ الْمُضَارِعَ إِلَى الْمُضِيِّ بَدَلَ لَنْ، لَكِنَّهُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمُضِيِّ تَحْقِيقًا لِوُقُوعِهِ. قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ: الْمَقَامُ مُقْتَضٍ لِلنَّفْيِ بِلَنْ لِدَلَالَتِهَا عَلَى النَّفْيِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، يَعْنِي أَنَّ الْوَحْيَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ مَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ اه. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ; لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي زَمَانِهِ، وَاللَّامُ عَهْدِيَّةٌ وَالْمُرَادُ: نُبُوَّتُهُ، أَيْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ الْمُخْتَصَّةِ بِي إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ. وَلِمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَفْظُهُ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَشَفَ السِّتَارَةَ وَرَأْسُهُ مَعْصُوبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلَفَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» "، وَلِلنَّسَائِيِّ أَنَّهُ: " «لَيْسَ بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» "، وَهَذَا يُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ. وَلِأَبِي يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «أَنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدِ انْقَطَعَتْ، وَلَا نَبِيَّ وَلَا رَسُولَ بَعْدِي وَلَكِنْ بَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ "، (فَقَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ) بِنَفْسِهِ، (أَوْ تُرَى لَهُ) » - بِضَمِّ التَّاءِ - أَيْ يَرَاهَا لَهُ غَيْرُهُ، (جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) ، ظَاهِرُ هَذَا مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الرُّؤْيَا نُبُوَّةٌ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ تَشْبِيهُ أَمْرِ الرُّؤْيَا بِالنُّبُوَّةِ ; لِأَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ وَصْفِهِ كَمَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَافِعًا صَوْتَهُ لَا يُسَمَّى مُؤَذِّنًا، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ أَذَّنَ وَإِنْ كَانَتْ جُزْءًا مِنَ الْأَذَانِ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ وَهُوَ قَائِمٌ، لَا يُسَمَّى مُصَلِّيًا وَإِنْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ جُزْءًا مِنَ الصَّلَاةِ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أُمِّ كُرْزٍ - بِضَمِّ الْكَافِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا زَايٌ - الْكَعْبِيَّةِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ» "، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ. قَالَ الْمُهَلَّبُ مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 560 حَاصِلُهُ: التَّعْبِيرُ بِالْمُبَشِّرَاتِ خَرَجَ مَخْرِجَ الْأَغْلَبِ، فَإِنَّ مِنَ الرُّؤْيَا مَا تَكُونُ مُنْذِرَةً وَهِيَ صَادِقَةٌ يُرِيهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِ رِفْقًا بِهِ، لِيَسْتَعِدَّ لِمَا يَقَعُ قَبْلَ وُقُوعِهِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الْوَحْيَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ، وَلَا يَبْقَى مَا يُعْلَمُ مِنْهُ مَا سَيَكُونُ إِلَّا الرُّؤْيَا، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْإِلْهَامُ، فَإِنَّ فِيهِ إِخْبَارًا بِمَا سَيَكُونُ، وَهُوَ لِلْأَنْبِيَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَحْيِ كَالرُّؤْيَا، وَيَقَعُ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ، قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى مُحَدَّثُونَ، وَفُسِّرَ الْمُحَدَّثُ - بِفَتْحِ الدَّالِّ - بِالْمُلْهَمِ - بِفَتْحِ الْهَاءِ - وَقَدْ أَخْبَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ أُمُورٍ مُغَيَّبَةٍ فَكَانَتْ كَمَا أَخْبَرُوا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَصْرَ فِي الْمَنَامِ لِكَوْنِهِ يَشْمَلُ آحَادَ الْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِ الْإِلْهَامِ، فَيَخْتَصُّ بِالْبَعْضِ، وَمَعَ اخْتِصَاصِهِ فَإِنَّهُ نَادِرٌ، فَإِنَّمَا ذُكِرَ الْمَنَامُ لِشُمُولِهِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِهِ، وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» "، وَكَأَنَّ السِّرَّ فِي نَدُورِ الْإِلْهَامِ فِي زَمَنِهِ، وَكَثْرَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ غَلَبَةُ الْوَحْيِ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَقَظَةِ، وَإِرَادَةُ إِظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ مِنْهُ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ لَا يَقَعَ لِغَيْرِهِ فِي زَمَانِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا انْقَطَعَ الْوَحْيُ بِمَوْتِهِ وَقَعَ الْإِلْهَامُ لِمَنِ اخْتَصَّهُ اللَّهُ بِهِ لِلْأَمْنِ مِنَ اللَّبْسِ فِي ذَلِكَ، وَفِي إِنْكَارِ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَتِهِ وَاشْتِهَارِهِ، مُكَابَرَةٌ مِمَّنْ أَنْكَرَهُ، قَالَهُ الْحَافِظُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 561 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ يَقُولُ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الشَّيْءَ يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِذَا اسْتَيْقَظَ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» قَالَ أَبُو سَلَمَةَ إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا هِيَ أَثْقَلُ عَلَيَّ مِنْ الْجَبَلِ فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا كُنْتُ أُبَالِيهَا   1784 - 1737 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ، (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ: (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ) الْحَارِثَ، أَوِ النُّعْمَانَ، أَوْ عَمْرَو (بْنَ رِبْعِيٍّ) ، بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ، وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَتَحْتِيَّةٍ الْأَنْصَارِيَّ (يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ) الْمُنْتَظِمَةُ الْوَاقِعَةُ عَلَى شُرُوطِهَا الصَّحِيحَةِ، وَهِيَ مَا فِيهَا بِشَارَةٌ، أَوْ تَنْبِيهٌ عَلَى غَفْلَةٍ. وَقَالَ الكِرْمَانِيُّ: الصَّالِحَةُ صِفَةٌ مُوَضِّحَةٌ ; لِأَنَّ غَيْرَهَا يُسَمَّى بِالْحُلْمِ، أَوْ مُخَصِّصَةٌ وَالصَّلَاحُ بِاعْتِبَارِ صُورَتِهَا أَوْ تَعْبِيرِهَا. وَقَالَ عِيَاضٌ تَبَعًا لِلْبَاجِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَى الصَّالِحَةِ وَالْحَسَنَةِ حُسْنُ ظَاهِرِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّتُهَا، (مِنَ اللَّهِ) ، أَيْ بُشْرَى وَتَحْذِيرٌ وَإِنْذَارٌ. (وَالْحُلْمُ) ، بِضَمِّ الْحَاءِ، وَسُكُونِ اللَّامِ أَوْ ضَمِّهَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا: الرُّؤْيَةُ حَسَنَةٌ، أَوْ مَكْرُوهَةٌ، وَهِيَ الْمُرَادُ هُنَا. قَالَ عِيَاضٌ: وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ سُوءَ التَّأْوِيلِ (مِنَ الشَّيْطَانِ) ، أَيْ مِنْ إِلْقَائِهِ يُخَوِّفُ وَيُحْزِنُ الْإِنْسَانَ بِهَا، قَالَ عِيَاضٌ: إِضَافَةٌ أَيْ نِسْبَةُ الرُّؤْيَا إِلَى اللَّهِ إِضَافَةُ تَكْرِيمٍ وَتَشْرِيفٍ لِطَهَارَتِهَا مِنْ حُضُورِ الشَّيْطَانِ، وَإِفْسَادِهِ لَهَا، وَسَلَامَتِهَا مِنَ الْأَضْغَاثِ، أَيِ التَّخْلِيطِ، وَجَمْعِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَضَادَّةِ بِخِلَافِ الْمَكْرُوهَةِ، وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِإِرَادَتِهِ، وَلَا فِعْلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 561 لِلشَّيْطَانِ فِيهَا لَكِنَّهُ يَحْضُرُهَا وَيَرْتَضِيهَا وَيُسَرُّ بِهَا فَلِذَا نُسِبَتْ إِلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ عَلَى طَبْعِهِ مِنَ التَّحْذِيرِ، وَالْكَرَاهَةِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، أَوْ لِأَنَّهَا تُوَافِقُهُ وَيَسْتَحْسِنُهَا لِمَا فِيهَا مِنْ شُغْلِ بَالِ الْمُسْلِمِ وَتَضَرُّرِهِ بِهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالتَّحْذِيرُ وَإِنْ كَانَ غَالِبًا مِنَ الشَّيْطَانِ فَقَدْ يَكُونُ فِي الصَّالِحَةِ إِنْذَارٌ مِنَ اللَّهِ، وَاعْتِنَاءٌ مِنْهُ بِعَبْدِهِ لِئَلَّا يَفْجَأَهُ مَا قُدِّرَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ وَأُهْبَةٍ، كَمَا أَنَّ رُؤْيَا الصَّالِحِينَ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الصِّحَّةُ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا أَضْغَاثٌ نَادِرَةُ الْعَوَارِضِ مِنْ وَسْوَسَةِ نَفْسٍ، وَحَدِيثِهَا، أَوْ غَلَبَةِ خَاطِرٍ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الرُّؤْيَا وَالْحُلْمُ وَاحِدٌ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ خَصَّ الْخَيْرَ بِاسْمِ الرُّؤْيَا، وَالشَّرَّ بِاسْمِ الْحُلْمِ. وَقَالَ التُّورِبِشَتِيُّ: الْحُلْمُ عِنْدَ الْعَرَبِ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الرُّؤْيَا، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا مِنْ الِاصْطِلَاحَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُعْطَهَا بَلِيغٌ، وَلَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهَا حَكِيمٌ، بَلْ سَنَّهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُسَمِّيَ مَا كَانَ مِنَ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ بِاسْمٍ وَاحِدٍ، فَجَعَلَ الْحُلْمَ عِبَارَةً عَمَّا كَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ ; لِأَنَّ الْكَلِمَةَ لَمْ تُسْتَعْمَلْ إِلَّا فِيمَا يُخَيَّلُ لِلْحَالِمِ فِي نَوْمِهِ مِنْ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ بِمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ. (فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الشَّيْءَ يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ) - بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا - طَرْدًا لِلشَّيْطَانِ الَّذِي حَضَرَ الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَةَ تَحْقِيرًا لَهُ وَاسْتِقْذَارًا (عَنْ يَسَارِهِ) ، لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْأَقْذَارِ وَنَحْوِهَا، (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) لِلتَّأْكِيدِ. وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ: " فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ "، وَفِي أُخْرَى: " فَلْيَتْفُلْ "، قَالَ عِيَاضٌ: اخْتُلِفَ فِي التَّفْلِ وَالنَّفْثِ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَلَا يَكُونَانِ إِلَّا بِرِيقٍ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي التُّفْلِ رِيقٌ يَسِيرٌ، وَلَا يَكُونُ فِي النَّفْثِ وَقِيلَ: عَكْسُهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فَلْيَنْفُثْ، وَهُوَ النَّفْخُ اللَّطِيفُ بِلَا رِيقٍ، فَيَكُونُ التَّفْلُ وَالْبَصْقُ مَحْمُولَيْنِ عَلَيْهِ مَجَازًا، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ طَرْدُ الشَّيْطَانِ، وَإِظْهَارُ احْتِقَارِهِ وَاسْتِقْذَارِهِ كَمَا نَقَلَهُ هُوَ عَنْ عِيَاضٍ كَمَا مَرَّ، فَالَّذِي يَجْمَعُ الثَّلَاثَةَ الْحَمْلُ عَلَى التَّفْلِ، فَإِنَّهُ نَفْخٌ مَعَهُ رِيقٌ لَطِيفٌ، فَبِالنَّظَرِ إِلَى النَّفْخِ قِيلَ لَهُ: نَفْثٌ، وَبِالنَّظَرِ إِلَى التَّفْلِ قِيلَ لَهُ: بَصْقٌ، (إِذَا اسْتَيْقَظَ) مِنْ نَوْمِهِ، (وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ: " وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ "، قَالَ الْحَافِظُ: وَرَدَ فِي صِفَةِ التَّعَوُّذِ مِنْ شَرِّ الرُّؤْيَا أَثَرٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: " «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُلْ إِذَا اسْتَيْقَظَ: أَعُوذُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَةُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ مِنْ شَرِّ رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنْ يُصِيبَنِي فِيهَا مَا أَكْرَهُ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ» "، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَرَدَ أَنَّهُ يَقُولُ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَسَيِّئَاتِ الْأَحْلَامِ» "، رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ، زَادَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: " وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 562 يُحَدِّثُ بِهَا أَحَدًا "، وَزَادَ مُسْلِمُ عَنْ جَابِرٍ: " وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ "، وَزَادَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ "، (فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) ; لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ مَا ذُكِرَ سَبَبًا لِلسَّلَامَةِ مِنَ الْمَكْرُوهِ الْمُتَرَقَّبِ مِنَ الرُّؤْيَا، كَمَا جَعَلَ الصَّدَقَةَ وِقَايَةً لِلْمَالِ، وَأَنَّهَا تَدْفَعُ الْبَلَاءَ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مُصَدِّقًا مُتَّكِلًا عَلَى اللَّهِ فِي دَفْعِ الْمَكْرُوهِ. وَأَمَّا التَّحَوُّلُ فَلِلتَّفَاؤُلِ بِتَحَوُّلِ تِلْكَ الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا وَيَعْمَلَ بِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا أَجْزَأَتْهُ فِي دَفْعِ ضَرَرِهَا، كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدٍ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ أَشَارَ الْمُهَلَّبُ إِلَى أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ كَافِيَةٌ فِي دَفْعِ شَرِّهَا، انْتَهَى. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ ; لِأَنَّهُ إِذَا قَامَ يُصَلِّي تَحَوَّلَ عَنْ جَنْبِهِ، وَبَصَقَ وَنَفَثَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ فِي الْوُضُوءِ، وَاسْتَعَاذَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ فِي أَقْرَبِ الْأَحْوَالِ إِلَيْهِ، فَيَكْفِيهِ اللَّهُ شَرَّهَا. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قِرَاءَةَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِذَلِكَ مُسْتَنَدًا، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ عُمُومِ حَدِيثِ: " وَلَا يَقْرُبُكَ شَيْطَانٌ "، فَمُتَّجِهٌ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهَا فِي صِلَاتِهِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَدْ زَادَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ: " فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ، فَلَا يُحَدِّثُ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ "، وَفِي التِّرْمِذِيِّ: " لَا يُحَدِّثُ بِهَا إِلَّا لَبِيبًا أَوْ حَبِيبًا "، أَيْ لِأَنَّهُ إِذَا حَدَّثَ بِهَا مَنْ لَا يُحِبُّ قَدْ يُفَسِّرُهَا بِمَا لَا يُحِبُّ، إِمَّا بُغْضًا، وَإِمَّا حَسَدًا، فَقَدْ يَقَعُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، أَوْ يَتَعَجَّلُ لِنَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ حُزْنًا وَنَكَدًا، فَأُمِرَ بِتَرْكِ تَحْدِيثِ مَنْ لَا يُحِبُّ لِسَبَبِ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا: " «الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ» "، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ رَفَعَهُ: " «الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلٍ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ» "، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ إِذَا كَانَ الْعَابِرُ الْأَوَّلُ عَالِمًا، فَعَبَرَ وَأَصَابَ وَجْهَ التَّعْبِيرِ، وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ أَصَابَ بَعْدَهُ، إِذْ لَيْسَ الْمَدَارُ إِلَّا عَلَى إِصَابَةِ الصَّوَابِ فِي تَعْبِيرِ الْمَنَامِ، لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا ضَرَبَ مِنَ الْمَثَلِ، فَإِذَا أَصَابَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ فَلْيُسْأَلِ الثَّانِيَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا عِنْدَهُ، وَيَبَيِّنَ مَا جَهِلَ الْأَوَّلُ، وَفِيهِ بَحْثٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ. (قَالَ أَبُو سَلَمَةَ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: (إِنْ كُنْتُ لَأَرَى) - بِاللَّامِ - (الرُّؤْيَا هِيَ أَثْقَلُ عَلَيَّ مِنَ الْجَبَلِ) - بِالْجِيمِ - وَاحِدُ الْجِبَالِ، (فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ) مِنْ أَبِي قَتَادَةَ، وَجَوَابُ لَمَّا مَحْذُوفٌ، أَيْ خَفَّ عَلَيَّ مَا أَرَاهُ، (فَمَا كُنْتُ أُبَالِيهَا) ، أَيْ لَا أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، وَلَا أُلْقِي لَهَا بَالًا. وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: وَأَنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 563 كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فَذَكَرَهُ. وَتَابَعَ مَالِكًا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَخُوهُ عَبْدُ رَبِّهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، كُلُّ ذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَمَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، نَحْوَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 64] قَالَ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ   1785 - 1738 - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 64] ) (سورة يُونُسَ: الْآيَةَ: 64) ، بِالْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ، (قَالَ: هِيَ) ، أَيِ الْبُشْرَى فِي الدُّنْيَا، (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ، أَوْ تُرَى لَهُ) ، وَهَذَا قَدْ جَاءَ مَرْفُوعًا عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: " عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 64] قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ "، وَعِنْدَهُ أَيْضًا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّهُ قَالَ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 64] فَقَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي، أَوْ أَحَدٌ قَبْلَكَ تِلْكَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الصَّالِحُ، أَوْ تُرَى لَهُ» "، وَعِنْدَهُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 64] الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يُسَرُّ بِهَا الْمُؤْمِنُ "، وَعِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 64] قَالَ: هِيَ فِي الدُّنْيَا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ، أَوْ تُرَى لَهُ وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ» ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 [فِي النَّرْدِ] بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّرْدِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ»   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّرْدِ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ بِلُغَةِ الْفُرْسِ: حُلْوٌ، وَيُسَمَّى الْكِعَابَ وَالْأَرِقَ والنَّرْدَشِيرَ، قِيلَ: إِنَّ الْأَوَائِلَ لَمَّا نَظَرُوا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، وَجَدُوهَا عَلَى أُسْلُوبَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَجْرِي بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ، فَوَضَعُوا لَهُ النَّرْدَ لِتَشْعُرَ النَّفْسُ بِهِ. وَالثَّانِي: مَا يَجْرِي بِحُكْمِ السَّعْيِ، وَالتَّحَيُّلِ، فَوَضَعُوا لَهُ الشَّطْرَنْجَ، لِتَشْعُرَ النَّفْسُ بِذَلِكَ، وَتَنْهَضَ الْخَوَاطِرُ إِلَى عَمَلِ مِثْلِهِ مِنَ الْمَطْلُوبَاتِ، وَيُقَالُ: إِنَّ وَاضِعَ النَّرْدِ وَضَعَهُ عَلَى رَأْيِ أَصْحَابِ الْجَبْرِ، وَوَاضِعَ الشَّطْرَنْجِ وَضَعَهُ عَلَى رَأْيِ الْقَدَرِيَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 1786 - 1739 - (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ) الدِّيلِيِّ - بِكَسْرِ الدَّالِّ، وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ - مَوْلَاهُمْ أَبِي عُرْوَةَ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ، أَثْنَى عَلَيْهِ مَالِكٌ وَوَصَفَهُ بِالْفَضْلِ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. (عَنْ سَعِيدِ) - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - (ابْنِ أَبِي هِنْدٍ) الْفَزَارِيِّ، ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ: بَعْدَهَا. (عَنْ أَبِي مُوسَى) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ (الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ) - بِفَتْحِ النُّونِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَدَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ - قِطَعٌ مُلَوَّنَةٌ مِنْ خَشَبِ الْبَقْسِ، وَعَظْمِ الْفِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، (فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهَ) ; لِأَنَّهُ يُوقِعُ الْعَدَاوَةَ، وَالْبَغْضَاءَ، وَيَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، وَيَشْغَلُ الْقَلْبَ، فَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِهِ بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ، بَلْ حَكَى بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ وَنُوزِعَ. وَقِيلَ: سَبَبُ حُرْمَتِهِ أَنَّ وَاضِعَهُ سَابُورُ بْنُ أَرْدَشِيرَ أَوَّلُ مُلُوكِ سَاسَانَ، شَبَّهَ رُقْعَتَهُ بِوَجْهِ الْأَرْضِ، وَالتَّقْسِيمَ الرُّبَاعِيَّ بِالْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، وَالشُّخُوصَ الثَلَاثِينَ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَالسَّوَادَ وَالْبَيَاضَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْبُيُوتَ الِاثْنَيْ عَشَرَ بِشُهُورِ السَّنَةِ، وَالْكِعَابَ الثَّلَاثَةَ بِالْأَقْضِيَةِ السَّمَاوِيَّةِ فِي مَا لِلْإِنْسَانِ وَعَلَيْهِ، وَمَا لَيْسَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَالْخِصَالَ بِالْأَغْرَاضِ الَّتِي يَسْعَى الْإِنْسَانُ لِأَجْلِهَا، وَاللَّعِبَ بِهَا بِالْكَسْبِ، فَصَارَ مَنْ يَلْعَبُ بِهِ حَقِيقًا بِالْوَعِيدِ لِاجْتِهَادِهِ فِي إِحْيَاءِ سُنَّةِ الْمَجُوسِ الْمُسْتَكْبِرَةِ عَلَى اللَّهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقٍ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ، وَوَهِمَ مَنْ عَزَاهُ لِمُسْلِمٍ. إِنَّمَا رُوِيَ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» "، قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ فِي حَالِ أَكْلِهِ مِنْهُ، فَشَبَّهَ اللَّعِبَ بِتَحْرِيمِ أَكْلِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَذْكِيَتِهِ، وَهِيَ حَرَامٌ، فَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّعِبِ بِهِ، وَهُوَ نَصُّ حَدِيثِ مَالِكٍ: " فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَلَغَهَا أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ فِي دَارِهَا كَانُوا سُكَّانًا فِيهَا وَعِنْدَهُمْ نَرْدٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ لَئِنْ لَمْ تُخْرِجُوهَا لَأُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ دَارِي وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ   1786 - 1740 - (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ) الْعَلَّامَةِ الثِّقَةِ (عَنْ أُمِّهِ) مَرْجَانَةَ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ، مَقْبُولَةٌ (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ بَلَغَهَا أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ فِي دَارِهَا كَانُوا سُكَّانًا فِيهَا، وَعِنْدَهُمْ نَرْدٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ لَئِنْ لَمْ تُخْرِجُوهَا) ، أَيِ النَّرْدَ، (لَأُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ دَارِي، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ) ; لِأَنَّهُ حَرَامٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ضَرَبَهُ وَكَسَرَهَا قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِك يَقُولُ لَا خَيْرَ فِي الشَّطْرَنْجِ وَكَرِهَهَا وَسَمِعْتُهُ يَكْرَهُ اللَّعِبَ بِهَا وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْبَاطِلِ وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32]   1787 - 1741 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ضَرَبَهُ) ، تَعْزِيرًا عَلَى فِعْلِهِ الْحَرَامِ (وَكَسَرَهَا) ، لِئَلَّا يَعُودَ إِلَى اللَّعِبِ بِهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ. (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا خَيْرَ فِي الشَّطْرَنْجِ) ، بِكَسْرِ السِّينِ، وَفَتْحِهَا مَعَ الْإِعْجَامِ وَالْإِهْمَالِ، أَرْبَعُ لُغَاتٍ حَكَاهَا ابْنُ مَالِكٍ، فَالْإِعْجَامُ مِنَ الْمُشَاطَرَةِ، كَأَنَّ كُلَّ لَاعِبٍ لَهُ شَطْرٌ مِنَ الْقِطَعِ، وَالْإِهْمَالِ مِنْ تَسْطِيرِ الرُّقْعَةِ بُيُوتًا عِنْدَ التَّعْبِيَةِ، وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ ابْنُ بَرِّيٍّ بِأَنَّ الْأَسْمَاءَ الْأَعْجَمِيَّةَ لَا تُشْتَقُّ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ، وَبِأَنَّهَا خُمَاسِيَّةٌ، وَاشْتِقَاقُهَا مِنَ الشَّطْرِ يُوجِبُ أَنَّهَا ثُلَاثِيَّةٌ، فَتَكُونُ النُّونُ وَالْجِيمُ زَائِدَتَيْنِ، وَهَذَا بَيِّنُ الْفَسَادِ. (وَكَرِهَهَا) تَحْرِيمًا، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَنُوزِعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي إِبْقَاءِ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّنْزِيهِ. (وَسَمِعْتُهُ يَكْرَهُ اللَّعِبَ بِهَا وَبِغَيْرِهَا مِنَ الْبَاطِلِ، وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ) اسْتِدْلَالًا: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32] ، اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ، أَيْ لَيْسَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ، فَمَنْ أَخْطَأَ الْحَقَّ وَقَعَ فِي الضَّلَالِ. وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى تَحْرِيمِ الشَّطْرَنْجِ، وَعَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: فَمَنْ نَقَلَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِ فَهُوَ غَالِطٌ، فَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ أَعْلَمُ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ يَنْقُلُ أَقْوَالًا بِلَا إِسْنَادٍ، وَإِجْمَاعُهُمْ كَافٍ فِي الْحُجَّةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا ضَعْفٌ وَإِرْسَالٌ، فَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنَ الِاسْتِشْهَادِ بِهِ وَالِاعْتِبَارِ لَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ الطُّرُقِ وَاشْتِهَارِهَا، فَمَا كَانَ مِنْهَا صَالِحًا فَهُوَ حُجَّةٌ بِانْفِرَادِهِ، وَمَا كَانَ مُعَلَّلًا فَإِنَّهُ يَقْوَى بِتَعَدُّدٍ طُرُقِهِ، وَتَغَايُرِ شُيُوخِ مُرْسِلِهِ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى النَّرْدِ بِجَامِعِ الضِّدِّ، بَلْ هُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَمَالِكٌ، وَغَيْرُهُمَا شَرٌّ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إِفْسَادِ الْقُلُوبِ مِنَ النَّرْدِ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى فِكْرٍ، وَتَقْدِيرٍ وَحِسَابِ النَّقَلَاتِ قَبْلَ النَّقْلِ، بِخِلَافِ النَّرْدِ يَلْعَبُ صَاحِبُهُ ثُمَّ يَحْسِبُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى كَرَاهَتِهِ تَنْزِيهًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ، مَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا، وَتُعْتَبَرْ بِالْعُرْفِ، وَلَمْ يَلْعَبْ مَعَ مُعْتَقِدِ تَحْرِيمِهِ، أَوْ يَكُنْ عَلَى شَكْلِ الْحَيَوَانِ، أَوْ يَهْذِي عَلَيْهَا، بَلْ حَفِظَ اللِّسَانَ عَنِ الْخَنَا، وَالْفُحْشِ، وَالسَّفَهِ، وَمَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ قِمَارٌ، وَلَمْ يَلْعَبْهُ عَلَى الطَّرِيقِ، وَلَمْ يُؤَخِّرْ بِهِ صَلَاةً، وَإِلَّا حُرِّمَ فِي الْجَمِيعِ، زَادَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: وَمَا لَمْ يَلْعَبْهُ مَعَ الْأَرَاذِلِ، وَلَمْ يُؤْثِرْ نَحْوَ حِقْدٍ، أَوْ ضَغِينَةٍ، أَوْ يُؤَدِّي إِلَى إِشَارَةٍ لِلَّفْظِ لَا يُرْضِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 566 [باب السلام] [الْعَمَلِ فِي السَّلَامِ] كِتَابُ السَّلَامِ بَابُ الْعَمَلِ فِي السَّلَامِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَإِذَا سَلَّمَ مِنْ الْقَوْمِ وَاحِدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ»   53 - كِتَابُ السَّلَامِ 1 - بَابُ الْعَمَلِ فِي السَّلَامِ 1788 - 1742 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) مُرْسَلٌ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يُسَلِّمُ) ، أَيْ لِيُسَلِّمْ (الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي) ، أَيْ يَبْدَؤُهُ بِالسَّلَامِ لِئَلَّا يَتَكَبَّرَ بِرُكُوبِهِ، فَيَرْجِعَ إِلَى التَّوَاضُعِ، قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّ لِلرَّاكِبِ مَزِيَّةً عَلَى الْمَاشِي فَعُوِّضَ أَنْ يَبْدَأَهُ الرَّاكِبُ احْتِفَاظًا عَلَيْهِ مِنَ الزَّهْوِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لِأَنَّ وَضْعَ السَّلَامِ إِنَّمَا هُوَ لِحِكْمَةِ إِزَالَةِ الْخَوْفِ مِنَ الْمُلْتَقِيَيْنِ، إِذَا الْتَقَيَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ لِمَعْنَى التَّوَاضُعِ الْمُنَاسِبِ لِحَالِ الْمُؤْمِنِ، أَوْ لِلتَّعْظِيمِ ; لِأَنَّ السَّلَامَ إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا اكْتِسَابُ وُدٍّ، أَوِ اسْتِدْفَاعُ مَكْرُوهٍ، وَهَذَا مَوْصُولٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا بِزِيَادَةِ: " وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ ". (وَإِذَا سَلَّمَ مِنَ الْقَوْمِ) الرَّاكِبِينَ، أَوِ الْمَاشِينَ، أَوِ الْقَلِيلِينَ، أَوِ الصِّغَارِ (وَاحِدٌ) مِنْهُمْ (أَجْزَأَ عَنْهُمْ) فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ فَهُوَ أَصْلٌ لِلْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالسَّلَامِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ إِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ، كَفَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْمُرَادُ بِالسَّلَامِ هُنَا الرَّدُّ ; لِأَنَّ الرَّادَّ مُسْلِمٌ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: أَجَزَأَ فِيمَا وَاجِبٌ، وَالِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ، وَالرَّدُّ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا فِيهِمَا، فَبَطَلَ تَأْوِيلُ الطَّحَاوِيِّ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ ابْتَدَأَ السَّلَامَ نُصْرَةً لِمَذْهَبِهِ أَنَّ رَدَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: " «يُجْزِئُ مِنَ الْجَمَاعَةِ إِذَا مَرَّتْ أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِئُ عَنِ الْقُعُودِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ» "، فَسَوَّى بَيْنَ الِابْتِدَاءِ، وَالرَّدِّ أَنَّهُمَا عَلَى الْكِفَايَةِ، وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ لَا مُعَارِضَ لَهُ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ الرَّدَّ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَشَبَّهَهُ الشَّافِعِيُّ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، والتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَالْجِهَادِ، وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، وَمَعْنَى إِجْزَائِهِ فِي الِابْتِدَاءِ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ لِلْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهِ سُنَّةٌ، انْتَهَى، مُلَخَّصًا. وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مَا فَهِمَهُ الطَّحَاوِيُّ، لَكِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 567 يُحْمَلُ قَوْلُهُ: أَجْزَأَ، أَيْ فِي السُّنَّةِ، كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ أَبُو عُمَرَ آخِرًا، وَلَكِنْ لَا دَلِيلَ فِيهِ أَنَّ الرَّدَّ فَرْضُ عَيْنٍ. وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ثُمَّ زَادَ شَيْئًا مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا الْيَمَانِي الَّذِي يَغْشَاكَ فَعَرَّفُوهُ إِيَّاهُ قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ السَّلَامَ انْتَهَى إِلَى الْبَرَكَةِ قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يُسَلَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَقَالَ أَمَّا الْمُتَجَالَّةُ فَلَا أَكْرَهُ ذَلِكَ وَأَمَّا الشَّابَّةُ فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ   1789 - 1743 - (مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) الْقُرَشِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ) الْقُرَشِيِّ الْقَبَّارِيِّ الْمَدَنِيِّ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: تَكَلَّمَ فِيهِ الْقَطَّانُ، (أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ زَادَ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا) ، لَمْ يُبَيِّنْهُ، (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ -: مَنْ هَذَا؟) الَّذِي زَادَ عَلَى التَّحِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، (قَالُوا: هَذَا الْيَمَانِيُّ الَّذِي يَغْشَاكَ، فَعَرَّفُوهُ إِيَّاهُ قَالَ) مُحَمَّدٌ: (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ السَّلَامَ انْتَهَى إِلَى الْبَرَكَةِ) ، أَيْ قَوْلُهُ: وَبَرَكَاتُهُ فَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا ابْتِدَاعًا. (سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يُسَلَّمُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ الرَّجُلُ (عَلَى الْمَرْأَةِ) الْأَجْنَبِيَّةِ؟ (فَقَالَ: أَمَّا الْمُتَجَالَّةُ) - بِالْجِيمِ -: الْعَجُوزُ الَّتِي انْقَطَعَ أَرَبُ الرِّجَالِ مِنْهَا، (فَلَا أَكْرَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ، فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ) خَوْفَ الْفِتْنَةِ بِسَمَاعِ رَدِّهَا السَّلَامَ. الحديث: 1789 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 [مَا جَاءَ فِي السَّلَامِ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ] حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدُهُمْ فَإِنَّمَا يَقُولُ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُلْ عَلَيْكَ» قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ سَلَّمَ عَلَى الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ هَلْ يَسْتَقِيلُهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّلَامِ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذِكْرِ النَّصْرَانِيِّ مَعَ أَنَّ حَدِيثَهَا اقْتَصَرَ عَلَى الْيَهُودِ إِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَوْ إِشَارَةً إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» "، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 1790 - 1744 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ الْيَهُودَ) جَمْعُ يَهُودِيٍّ كَرُومٍ وَرُومِيٍّ، (إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدُهُمْ، فَإِنَّمَا يَقُولُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ) ، أَيِ الْمَوْتُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: " «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ إِلَّا السَّامَ، قِيلَ: وَمَا السَّامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:. الْمَوْتُ» "، (فَقُلْ: عَلَيْكَ) بِلَا وَاوٍ، وَلِجَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ التِّنِّيسِيِّ بِالْوَاوِ، وَجَاءَتِ الْأَحَادِيثُ فِي مُسْلِمٍ بِحَذْفِهَا وَإِثْبَاتِهَا، وَهُوَ أَكْثَرُ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ الْحَذْفَ ; لِأَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي إِثْبَاتَهَا عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَصِحَّ الْعَطْفُ، فَيَدْخُلُ مَعَهُمْ فِيمَا دَعَوْا بِهِ، وَقِيلَ: هِيَ لِلِاسْتِئْنَافِ لَا لِلْعَطْفِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَعَلَيْكَ مَا تَسْتَحِقُّهُ مِنَ الذَّمِّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَأَنَّهُ قَالَ: وَالسَّامُ عَلَيْكَ، وَهَذَا كُلُّهُ بَعِيدٌ، وَالْأَوْلَى أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا لِلْعَطْفِ، غَيْرَ أَنَّا نُجَابُ فِيهِمْ، وَلَا يُجَابُونَ فِينَا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَرِوَايَةُ الْحَذْفِ أَحْسَنُ مَعْنًى، وَالْإِثْبَاتُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ يَعْنِي فِي مُسْلِمٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ جَوَازُ الْحَذْفِ وَالْإِثْبَاتِ وَهُوَ أَجْوَدُ، وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ ; لِأَنَّ السَّامَ: الْمَوْتُ، وَهُوَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ، فَلَا ضَرَرَ فِيهِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: فِي الْعَطْفِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ، أَيْ وَأَقُولُ: عَلَيْكُمْ مَا تُرِيدُونَ بِنَا، أَوْ مَا تَسْتَحِقُّونَ، وَلَيْسَ عَطْفًا عَلَى عَلَيْكُمْ فِي كَلَامِهِمْ، وَإِلَّا لَتَضَمَّنَ ذَلِكَ تَقْدِيرَ دُعَائِهِمْ، وَلِذَا قَالَ: عَلَيْكَ بِلَا وَاوٍ، وَرُوِيَ بِالْوَاوِ أَيْضًا. قَالَ عِيَاضٌ: وَقَالَ قَتَادَةُ مُرَادُهُمْ بِالسَّامِ: السَّآمَةُ، أَيْ تَسْأَمُونَ دِينَكُمْ، مَصْدَرُ سَئِمْتُ سَآمَةً وسَآمًا مِثْلُ: رَضَاعًا، وَقَدْ جَاءَ هَكَذَا مُفَسَّرًا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى هَذَا فَرِوَايَةُ حَذْفِ الْوَاوِ أَحْسَنُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمُ " السِّلَامُ " بِكَسْرِ السِّينِ، أَيِ الْحِجَارَةُ، قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِهِ ; لِأَنَّ الرَّدَّ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمَرْدُودِ، وَأَجَازَ بَعْضُهُمُ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ بِلَفْظِ السَّلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} [مريم: 47] (سورة مَرْيَمَ: الْآيَةُ: 47) ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 89] (سورة الزُّخْرُفِ: الْآيَةَ: 89) ، وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهَذَا السَّلَامِ التَّحِيَّةَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ الْمُبَاعَدَةَ، وَالْمُتَارَكَةَ، وَلِذَا قِيلَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: أَوْجَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ رَدَّ سَلَامِهِمْ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ. وَرَوَى أَشْهَبُ، وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: لَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ، وَالْآيَةُ وَالْحَدِيثُ مَخْصُوصَانِ بِسَلَامِ الْمُسْلِمِ، وَبَيَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ بِلَفْظِ السَّلَامِ الْمَشْرُوعِ، بَلْ نَقُولُ عَلَيْكَ وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَفِي الحديث: 1790 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 569 اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَسُفْيَانُ قَالَ: وَعَلَيْكَ بِالْوَاوِ. (سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ سَلَّمَ عَلَى الْيَهُودِيِّ أَوِ النَّصْرَانِيِّ) ، سَهْوًا، أَوْ عَمْدًا، أَوْ جَهْلًا بِالنَّهْيِ (هَلْ يَسْتَقِيلُهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا) يَسْتَقِيلُهُ بَلْ يَتُوبُ وَيَسْتَغْفِرُ إِنْ كَانَ عَمْدًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 570 [جَامِعِ السَّلَامِ] حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ»   3 - بَابٌ: جَامِعُ السَّلَامِ 1791 - 1745 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ النَّجَّارِيِّ (عَنْ أَبِي مُرَّةَ) - بِضَمِّ الْمِيمِ، وَشَدِّ الرَّاءِ - اسْمُهُ يَزِيدُ، وَقِيلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ (مَوْلَى عَقِيلٍ) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - (ابْنِ أَبِي طَالِبٍ) الْهَاشِمِيِّ قِيلَ لَهُ: ذَلِكَ لِلُزُومِهِ إِيَّاهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْلَى أُخْتِهِ أُمِّ هَانِىءٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ: أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ أَخْبَرَهُ (عَنْ أَبِي وَاقِدٍ) - بِقَافٍ مَكْسُورَةٍ، وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ - اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ، وَقِيلَ: ابْنُ عَوْفٍ، وَقِيلَ: اسْمُهُ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ اللَّيْثِيُّ بِمُثَلَّثَةٍ " الْبَدْرِيُّ " فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ إِلَّا أَبُو مُرَّةَ. وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مُرَّةَ: أَنَّ أَبَا وَاقِدٍ حَدَّثَهُ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَمَا) - بِزِيَادَةِ مَا - (هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ) النَّبَوِيِّ، (وَالنَّاسُ مَعَهُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، (إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ) - بِفَتْحِ النُّونِ، وَالْفَاءِ - (ثَلَاثَةٌ) ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ عَلَى تَسْمِيَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَالْمَعْنَى: نَفَرٌ هُمْ ثَلَاثَةٌ، إِذِ النَّفَرُ: الرِّجَالُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ. (فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَهَبَ وَاحِدٌ) ، هُمَا أَقْبَلَا كَأَنَّهُمْ أَقْبَلُوا أَوَّلًا مِنَ الطَّرِيقِ، فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ مَارِّينَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَالْحَاكِمِ، فَإِذَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَلَمَّا رَأَوْا مَجْلِسَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبَلَ اثْنَانِ مِنْهُمْ، وَاسْتَمَرَّ الثَّالِثُ ذَاهِبًا. (فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمَا) ، أَيْ عَلَى مَجْلِسِهِ، أَوْ " عَلَى "، بِمَعْنَى " عِنْدَ " الحديث: 1791 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 570 قَالَهُ الْحَافِظُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا لَمْ تَجِئْ بِمَعْنَاهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ حُرُوفَ الْجَرِّ تَنُوبُ عَنِ الْأَسْمَاءِ، وَتَأْتِي بِمَعْنَاهَا، وَفِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ كَقَوْلِهِ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] (سورة الِانْشِقَاقِ: الْآيَةَ: 19) ، أَيْ بَعْدَ طَبَقٍ فَعَنْ نَائِبٌ عَنْ الِاسْمِ، وَفِيهِ أَنَّ الدَّاخِلَ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ وَأَنَّ الْقَائِمَ يُسَلِّمُ عَلَى الْقَاعِدِ، وَلَمْ يُذَكَرْ رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهِمَا اكْتِفَاءً بِشُهْرَتِهِ، وَأَنَّ الْمُسْتَغْرِقَ فِي الْعِبَادَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ الرَّدُّ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُمَا صَلَّيَا تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، إِمَّا لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تُشْرَعَ، أَوْ كَانَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ كَانَ فِي غَيْرِ وَقْتِ تَنَفُّلٍ، قَالَهُ عِيَاضٌ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ: أَنَّهَا لَا تُصَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ. (فَأَمَّا) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَشَدِّ الْمِيمِ - (أَحَدُهُمَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (فَرَأَى) دَخَلَتْهُ الْفَاءُ لِتَضَمُّنِ أَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ، (فُرْجَةً) - بِضَمِّ الْفَاءِ، وَفَتْحِهَا - مَعًا، هِيَ الْخَلَلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، (فِي الْحَلْقَةِ) بِإِسْكَانِ اللَّامِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَدِيرٍ خَالِي الْوَسَطِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا، وَهُوَ نَادِرٌ، وَالْجَمْعُ حَلَقٌ بِفَتْحَتَيْنِ. (فَجَلَسَ فِيهَا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّحْلِيقِ فِي مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ، وَأَنَّ مَنْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِعٍ كَانَ أَحَقَّ بِهِ. (وَأَمَّا الْآخَرُ) - بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ - أَيِ الثَّانِي، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرِ لِإِطْلَاقِهِ هُنَا عَلَى الثَّانِي. (فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ. (وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ) حَالَ كَوْنِهِ (ذَاهِبًا) أَيْ أَدْبَرَ مُسْتَمِرًّا فِي ذَهَابِهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ، وَإِلَّا فَأَدْبَرَ بِمَعْنَى: مَرَّ ذَاهِبًا. (فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -) مِمَّا كَانَ مُشْتَغِلًا بِهِ مِنْ تَعْلِيمِ الْعِلْمِ، أَوِ الذِّكْرِ، أَوِ الْخُطْبَةِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، (قَالَ: أَلَا) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالتَّخْفِيفِ - حَرْفُ تَنْبِيهٍ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، فَمَعْنَاهَا التَّنْبِيهُ وَالِاسْتِفْتَاحُ مَحَلُّهَا، فَهِيَ حِرَفٌ يُسْتَفْتَحُ بِهِ الْكَلَامُ لِتَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ عَلَى ذَلِكَ لِتَأَكُّدِ مَضْمُونِهِ عِنْدَ التَّكَلُّمِ، (أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى) - بِالْقَصْرِ - لَجَأَ (إِلَى اللَّهِ) تَعَالَى، (فَآوَاهُ) - بِالْمَدِّ - (اللَّهُ) إِلَيْهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِقَصْرِ الْأَوَّلِ، وَمَدِّ الثَّانِي، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ، وَفِي الْقُرْآنِ: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ} [الكهف: 10] (سورة الْكَهْفِ: الْآيَةَ: 10) ، بِالْقَصْرِ: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} [المؤمنون: 50] (سورة الْمُؤْمِنُونَ: الْآيَةَ: 50) بِالْمَدِّ، وَحُكِيَ الْقَصْرُ وَالْمَدُّ مَعًا، فِيهِمَا لُغَةٌ، وَمَعْنَى أَوَى إِلَى اللَّهِ: لَجَأَ، أَوْ عَلَى الْحَذْفِ، أَيْ إِلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعْنَى آوَاهُ: جَازَاهُ بِنَظِيرِ فِعْلِهِ بِأَنْ ضَمَّهُ إِلَى رَحْمَتِهِ، وَرِضْوَانِهِ، أَوْ يُؤْوِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى ظِلِّ عَرْشِهِ، فَنِسْبَةُ الْإِيوَاءِ إِلَى اللَّهِ مَجَازٌ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي حَقِّهِ ; لِأَنَّهُ الْإِنْزَالُ مَعَهُ فِي مَكَانٍ حِسِّيٍّ، فَالْمُرَادُ لَازَمَهُ وَهُوَ إِرَادَةُ إِيصَالِ الْخَيْرِ، وَيُسَمَّى هَذَا الْمَجَازُ مَجَازَ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُقَابَلَةِ. وَفِي التَّمْهِيدِ: أَوَى إِلَى اللَّهِ يَعْنِي فَعَلَ مَا يُرْضِي اللَّهَ فَحَصَلَ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 571 وَمِثْلُهُ خَبَرُ: " «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا مَا أَوَى إِلَى اللَّهِ» "، يَعْنِي مَا كَانَ لِلَّهِ وَرَضِيَهُ. (وَأَمَّا الْآخَرُ) - بِالْفَتْحِ - أَيِ الثَّانِي، (فَاسْتَحْيَا) أَيْ تَرَكَ الْمُزَاحَمَةَ كَمَا فَعَلَ رَفِيقُهُ حَيَاءًا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَهُ عِيَاضٌ. وَقَالَ الْحَافِظُ: أَيِ اسْتَحْيَا مِنَ الذَّهَابِ عَنِ الْمَجْلِسِ، كَمَا فَعَلَ الثَّالِثُ، فَقَدْ بَيَّنَ أَنَسٌ سَبَبَ اسْتِحْيَاءِ هَذَا الثَّانِي، فَلَفْظُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ: وَمَضَى الثَّانِي قَلِيلًا، ثُمَّ جَاءَ فَجَلَسَ، (فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ) ، أَيْ رَحِمَهُ، وَلَمْ يُعَاقِبْهُ فَجَازَاهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، وَهَذَا أَيْضًا مُشَاكَلَةٌ ; لِأَنَّ الْحَيَاءَ تَغَيُّرٌ وَانْكِسَارٌ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ مِنْ خَوْفِ مَا يُذَمُّ بِهِ، وَهَذَا مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ، فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ تَرْكِ الْعِقَابِ مِنْ ذِكْرِ الْمَلْزُومِ، وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ. (وَأَمَّا الْآخَرُ) - بِالْفَتْحِ - أَيِ الثَّالِثُ، (فَأَعْرَضَ) عَنْ مَجْلِسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، بَلْ وَلَّى مُدْبِرًا، (فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ) ، أَيْ جَازَاهُ بِأَنْ سَخِطَ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَيْضًا مُشَاكَلَةٌ ; لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ هُوَ الِالْتِفَاتُ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ مَجَازٌ عَنِ السُّخْطِ وَالْغَضَبِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ لَا لِعُذْرٍ، هَذَا إِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ وَأُطْلِعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَمْرِهِ، كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ قَوْلَهُ: " فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ " إِخْبَارٌ وَدُعَاءٌ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ: " فَاسْتَغْنَى فَاسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ "، وَهَذَا يُرَشِّحُ أَنَّهُ خَبَرٌ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ، إِذْ لَا يُعْرِضُ غَالِبًا عَنْ مَجْلِسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مُنَافِقٌ، بَلْ بَانَ لَنَا بِقَوْلِهِ: " فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ "، أَنَّهُ مُنَافِقٌ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْرَضَ لِحَاجَةٍ، مَا قَالَ فِيهِ ذَلِكَ، وَفِيهِ جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَأَحْوَالِهِمْ لِلزَّجْرِ عَنْهَا - وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ غَيْبَةً -، مُلَازِمَةُ حَلَقِ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ، وَجُلُوسُ الْعَالِمِ وَالذَّاكِرِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالثَّنَاءُ عَلَى الْمُسْتَحِي وَالْمُزَاحِمِ فِي طَلَبِ الْخَيْرِ، وَاسْتِحْبَابُ الْأَدَبِ فِي الْمَجْلِسِ، وَفَضْلُ سَدِّ الْحَلْقَةِ، كَمَا وَرَدَ فِي التَّرْغِيبِ فِي سَدِّ خَلَلِ الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ، وَجَوَازُ التَّخَطِّي لِسَدِّ الْخَلَلِ مَا لَمْ يُؤْذِ، فَإِنْ خَشِيَ اسْتُحِبَّ الْجُلُوسُ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ كَمَا فَعَلَ الثَّانِي، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِلْمِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي الصَّلَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي الِاسْتِئْذَانِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 572 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ثُمَّ سَأَلَ عُمَرُ الرَّجُلَ كَيْفَ أَنْتَ فَقَالَ أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ فَقَالَ عُمَرُ ذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتُ مِنْكَ   1792 - 1746 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ) عَمِّهِ (أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ) - جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ - (فَرَدَّ) عُمَرُ (عَلَيْهِ السَّلَامَ، ثُمَّ سَأَلَ الحديث: 1792 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 572 عُمَرُ الرَّجُلَ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟) أَيْ مَا حَالُكَ (فَقَالَ: أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ: ذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتُ مِنْكَ) ; لِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى النِّعَمِ يَسْتَدْعِي زِيَادَتَهَا {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] (سورة إِبْرَاهِيمَ: الْآيَةَ: 7) ، وَقَدِ اقْتَدَى عُمَرُ بِالْمُصْطَفَى فِي ذَلِكَ، فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا فُلَانُ؟ فَقَالَ: أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتُ مِنْكَ» ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 573 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَيَغْدُو مَعَهُ إِلَى السُّوقِ قَالَ فَإِذَا غَدَوْنَا إِلَى السُّوقِ لَمْ يَمُرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى سَقَاطٍ وَلَا صَاحِبِ بِيعَةٍ وَلَا مِسْكِينٍ وَلَا أَحَدٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ قَالَ الطُّفَيْلُ فَجِئْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمًا فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَى السُّوقِ فَقُلْتُ لَهُ وَمَا تَصْنَعُ فِي السُّوقِ وَأَنْتَ لَا تَقِفُ عَلَى الْبَيِّعِ وَلَا تَسْأَلُ عَنْ السِّلَعِ وَلَا تَسُومُ بِهَا وَلَا تَجْلِسُ فِي مَجَالِسِ السُّوقِ قَالَ وَأَقُولُ اجْلِسْ بِنَا هَاهُنَا نَتَحَدَّثُ قَالَ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَا أَبَا بَطْنٍ وَكَانَ الطُّفَيْلُ ذَا بَطْنٍ إِنَّمَا نَغْدُو مِنْ أَجْلِ السَّلَامِ نُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيَنَا   1793 - 1747 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ الطُّفَيْلَ) - بِضَمِّ الطَّاءِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ - (ابْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ، ثِقَةٌ، يُقَالُ: وُلِدَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ، (أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ، (فَيَغْدُو) - بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ - (مَعَهُ إِلَى السُّوقِ، قَالَ: فَإِذَا غَدَوْنَا إِلَى السُّوقِ لَمْ يَمْرُرْ) بِالْفَكِّ، وَفِي نُسْخَةٍ: " يَمُرَّ " بِالْإِدْغَامِ (عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى سَقَّاطٍ) - بِفَتْحِ السِّينِ، وَالْقَافِ - بَائِعٌ رَدِيءُ الْمَتَاعِ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: سَقَطِيٌّ، وَالْمَتَاعُ الرَّدِيءُ: سَقَطٌ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَسْقَاطٍ، (وَلَا صَاحِبِ بِيعَةٍ) - بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ - قَالَ الْهَرَوِيُّ: مِنَ الْبَيْعِ كَالرِّكْبَةِ، وَالشِّرْبَةِ، وَالْقِعْدَةِ، وَالسَّقَّاطُ: بَيَّاعُ السَّقَطِ، (وَلَا مِسْكِينٍ وَلَا أَحَدٍ) عَامٌّ قُدِّمَ عَلَيْهِ الْخَاصُّ اهْتِمَامًا بِهِ، (إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ، قَالَ الطُّفَيْلُ: فَجِئْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمًا) ، أَيْ فِي يَوْمٍ، (فَاسْتَتْبَعَنِي) : طَلَبَ مِنِّي أَنْ أَتْبَعَهُ (إِلَى السُّوقِ فَقُلْتُ لَهُ: وَمَا تَصْنَعُ فِي السُّوقِ وَأَنْتَ لَا تَقِفُ عَلَى الْبَيِّعِ) - بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ - مَكْسُورَةً مِثْلَ بَائِعٍ، (وَلَا تَسْأَلُ عَنِ السِّلَعِ) ، جَمْعُ سِلْعَةٍ، (وَلَا تَسُومُ بِهَا، وَلَا تَجْلِسُ فِي) مَجَالِسِ (السُّوقِ؟ وَقَالَ الطُّفَيْلُ: وَأَقُولُ لَهُ: اجْلِسْ بِنَا هَاهُنَا نَتَحَدَّثُ) ، وَلَا نَذْهَبُ إِلَى السُّوقِ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ لَهُ، (قَالَ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: يَا أَبَا بَطْنٍ، وَكَانَ الطُّفَيْلُ الحديث: 1793 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 573 ذَا بَطْنٍ) عَظِيمٍ، فَكَأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: أَبُو بَطْنٍ لِعِظَمِ بَطْنِهِ، (إِنَّمَا نَغْدُو مِنْ أَجْلِ السَّلَامِ نُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيَنَا) ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «أَفْشُوا السَّلَامَ، فَإِنَّهُ لِلَّهِ رِضًا» "، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ: الْأَمْرُ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ؛ وَلِقَوْلِهِ لِمَنْ سَأَلَهُ: " «أَيُّ خِصَالِ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» " كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " السَّلَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَضَعَهُ فِي الْأَرْضِ، فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ فَرَدُّوا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضَلُ دَرَجَةٍ ; لِأَنَّهُ ذَكَّرَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ "، أَسْنَدَهُ أَبُو عُمَرَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 574 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَالْغَادِيَاتُ وَالرَّائِحَاتُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَلَيْكَ أَلْفًا ثُمَّ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ إِذَا دُخِلَ الْبَيْتُ غَيْرُ الْمَسْكُونِ يُقَالُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ   1794 - 1748 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَالْغَادِيَاتُ وَالرَّائِحَاتُ) ، قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: مَعْنَاهُ الَّتِي تَغْدُو وَتَرُوحُ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَلَائِكَةَ الْحَفَظَةَ الْغَادِيَةَ الرَّائِحَةَ، لِتَكْتُبَ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ. (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: وَعَلَيْكَ أَلْفًا) مَا قُلْتَ، (ثُمَّ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ) ; لِأَنَّهُ اسْتِظْهَارٌ عَلَى الشَّرْعِ. وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: " «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ أَتَى آخَرُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ لَهُ: وَعَلَيْكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَتَاكَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَسَلَّمَا عَلَيْكَ فَرَدَدْتَ عَلَيْهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا رَدَدْتَ عَلَيَّ، فَقَالَ: إِنَّك لَمْ تَدَعْ لَنَا شَيْئًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] (سورة النِّسَاءِ: الْآيَةَ: 86) ، فَرَدَدْنَا عَلَيْكَ» . (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ غَيْرَ الْمَسْكُونِ يُقَالُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) . الحديث: 1794 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 574 [باب الْاسْتِئْذَانِ والصور والتماثيل وغيرها من القضايا] كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ 1 - بَابُ الِاسْتِئْذَانِ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي فَقَالَ نَعَمْ قَالَ الرَّجُلُ إِنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا فَقَالَ الرَّجُلُ إِنِّي خَادِمُهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً قَالَ لَا قَالَ فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا»   54 - كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ 1 - بَابُ الِاسْتِئْذَانِ أَيْ طَلَبُ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] (سورة النُّورِ: الْآيَةَ: 27) ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَتَظَاهَرَتْ بِهِ دَلَائِلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. 1796 - 1749 - (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) - بِضَمِّ السِّينِ - (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) ، قَالَ أَبُو عُمَرَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ لَا أَعْلَمُهُ يَسْتَنِدُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ، وَلَا صَالِحٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ) يُرِيدُ أَنَّهُمَا سَاكِنَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَاللَّهُ يَقُولُ: {غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} [النور: 27] (سورة النُّورِ: الْآيَةَ: 27) ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا) ، لِعَدَمِ اخْتِصَاصِك بِسُكْنَى الْبَيْتِ. (فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي خَادِمُهَا) ، زِيَادَةً عَلَى كَوْنِي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ وَكَوْنِهَا أُمِّي. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: - اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا) ثُمَّ لَمَّا رَآهُ مُجَادِلًا نَبَّهَهُ عَلَى مَا غَفَلَ عَنْهُ مِمَّا يَقْطَعُ حُجَّتَهُ، فَقَالَ: (أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟) - بِضَمٍّ فَسُكُونٍ - (قَالَ: لَا) أُحِبُّ ذَلِكَ، (قَالَ: فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا) ، لِأَنَّك إِنْ دَخَلْتَ بِدُونِهِ قَدْ تَكُونُ عُرْيَانَةً فَتَرَاهَا. الحديث: 1796 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 575 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ   1796 - 1750 - (مَالِكٌ عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ) ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: يُقَالُ إِنَّهُ مَخْرَمَةَ بْنَ بُكَيْرٍ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ، يَعْنِي فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَمْرٌو (عَنْ بُكَيْرٍ) - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ - (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ) - بِمُعْجَمَةٍ، وَجِيمٍ - الْمَخْزُومِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ، نَزِيلُ مِصْرَ مِنَ الثِّقَاتِ، (عَنْ بُسْرِ) - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ - (ابْنِ سَعِيدٍ) - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - الْمَدَنِيِّ الْعَابِدِ الثِّقَةِ الْحَافِظِ، (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (الْخُدْرِيِّ) الصَّحَابِيِّ ابْنِ الصَّحَابِيِّ، (عَنْ أَبِي مُوسَى) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ (الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الِاسْتِئْذَانُ) لِلدُّخُولِ، وَهُوَ اسْتِدْعَاءُ الْإِذْنِ، أَيْ طَلَبُهُ (ثَلَاثٌ) مِنَ الْمَرَّاتِ، (فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ) ; لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ: {فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} [النور: 28] (سورة النُّورِ: الْآيَةَ: 28) ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: صُورَةُ الِاسْتِئْذَانِ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَدْخُلُ؟ ، ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ نَفْسَهُ أَوْ لَا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا يَتَعَيَّنُ هَذَا اللَّفْظُ، وَبَيَّنَ حِكْمَةَ الثَّلَاثِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْأَفْرَادِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مَرْفُوعًا: " «الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ: فَالْأُولَى تُسْمِعُونَ، وَالثَّانِيَةُ: يَسْتَصْلِحُونَ، وَالثَّالِثَةُ: يَأْذَنُونَ أَوْ يَرُدُّونَ» "، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الِاسْتِئْذَانِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا لَمْ يَسْمَعْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدُوا. وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ إِلَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ. وَقِيلَ: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالرُّجُوعِ بَعْدَ الثَّلَاثِ لِلْإِبَاحَةِ وَالتَّخْفِيفِ عَنِ الْمُسْتَأْذِنِ، فَمَنِ اسْتَأْذَنَ أَكْثَرَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 576 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ «جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا ثُمَّ رَجَعَ فَأَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي أَثَرِهِ فَقَالَ مَا لَكَ لَمْ تَدْخُلْ فَقَالَ أَبُو مُوسَى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ فَقَالَ عُمَرُ وَمَنْ يَعْلَمُ هَذَا لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا وَكَذَا فَخَرَجَ أَبُو مُوسَى حَتَّى جَاءَ مَجْلِسًا فِي الْمَسْجِدِ يُقَالُ لَهُ مَجْلِسُ الْأَنْصَارِ فَقَالَ إِنِّي أَخْبَرْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ فَقَالَ لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْلَمُ هَذَا لَأَفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَلْيَقُمْ مَعِي فَقَالُوا لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قُمْ مَعَهُ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ أَصْغَرَهُمْ فَقَامَ مَعَهُ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي مُوسَى أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ وَلَكِنْ خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»   1798 - 1751 - (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فَرُّوخَ الْمَدَنِيِّ (عَنْ غَيْرِ) ، أَيْ أَكْثَرَ مِنْ (وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ) ، وَصَلَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: (أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: " كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الحديث: 1798 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 576 الْأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى، كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ "، وَلِمُسْلِمٍ: " كُنَّا فِي مَجْلِسٍ عِنْدَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَأَتَى أَبُو مُوسَى مُغْضَبًا "، وَلِأَبِي دَاوُدَ: " فَجَاءَ أَبُو مُوسَى فَزِعًا، فَقُلْنَا لَهُ: مَا أَفْزَعَكَ؟ قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ أَنْ آتِيَهُ فَأَتَيْتُهُ "، (فَاسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا، ثُمَّ رَجَعَ) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَفَرَغَ عُمَرُ - أَيْ: مِمَّا كَانَ مَشْغُولًا بِهِ - فَقَالَ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ؟ قِيلَ: إِنَّهُ رَجَعَ. (فَأَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي أَثَرِهْ) ، بِفَتْحَتَيْنِ وَبِكَسْرٍ، فَسُكُونٍ، أَيْ: قُرْبَ رُجُوعِهِ، (فَقَالَ: مَا لَكَ لَمْ تَدْخُلْ؟) ، وَفِي رِوَايَةٍ: " مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي وَقَدْ دَعَوْتُكَ "؟ فَقَالَ (أَبُو مُوسَى) : زَادَ فِي رِوَايَةٍ: " اسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعَتُ "، ( «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ» ) مِنَ الْمَرَّاتِ، (فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ) ، قِيلَ: لِأَنَّ الْكَلَامَ إِذَا كُرِّرَ ثَلَاثًا سُمِعَ وَفِهِمَ غَالِبًا. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ بُرْدَةَ: " جَاءَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ هَذَا أَبُو مُوسَى، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ هَذَا الْأَشْعَرِيُّ، ثُمَّ انْصَرَفَ "، قَالَ الْحَافِظُ: يُؤْخَذُ مِنْ صَنِيعِ أَبِي مُوسَى حَيْثُ ذَكَرَ اسْمَهُ أَوَّلًا وَكُنْيَتَهُ ثَانِيًا، وَنِسْبَتَهُ ثَالِثًا، أَنَّ الْأُولَى هِيَ الْأَصْلُ، وَالثَّانِيَةُ إِذَا جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ الْتَبَسَ عَلَى مَنِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، وَالثَّالِثَةُ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ عَرَفَهُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَا فَعَلَهُ أَبُو مُوسَى أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ تَوْقِيفًا فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَوْقِيفًا فَقَوْلُ رَاوِي الْحَدِيثِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، فَقَالَ: يَسْتَأْذِنُ أَبُو مُوسَى، ثُمَّ قَالَ ثَانِيًا: يَسْتَأْذِنُ الْأَشْعَرِيُّ، ثُمَّ ثَالِثًا: يَسْتَأْذِنُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْكُنْيَةِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ: جَمَعَ بَيْنَ الْكُنْيَةِ وَالنِّسْبَةِ، وَفِي الثَّالِثَةِ: جَمَعَ بَيْنَ النِّسْبَةِ وَالِاسْمِ، وَالتَّقْصِيرُ عَنْ ذَلِكَ مِنَ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ، إِمَّا لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ الْمَتْرُوكَ، فَرَوَى مَا تَحَقَّقَ، أَوْ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى حَدَّثَ تَارَةً بِكَذَا، وَأُخْرَى بِكَذَا بِاعْتِبَارِ مَا يَرَاهُ أَهَمَّ وَقْتَ التَّحْدِيثِ فَرَوَى عَنْهُ كُلُّ رَاوٍ مَا حَدَّثَ بِهِ. (فَقَالَ عُمَرُ: وَمَنْ يَعْلَمُ هَذَا) مَعَكَ (لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ) غَيْرَكَ، (لَأَفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا وَكَذَا) فِي مُسْلِمٍ: " لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بَيِّنَةً، وَإِلَّا أَوْجَعْتُكَ "، وَلَهُ أَيْضًا: " فَوَاللَّهِ لَأُوجِعَنَّ ظَهْرَكَ وَبَطْنَكَ، أَوْ لِتَأْتِيَنِّي بِمَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا، وَفِي رِوَايَةٍ: " لَأَجْعَلَنَّكَ عِظَةً "، (فَخَرَجَ أَبُو مُوسَى حَتَّى جَاءَ مَجْلِسًا فِي الْمَسْجِدِ يُقَالُ لَهُ مَجْلِسُ الْأَنْصَارِ) ، لِجُلُوسِهِمْ فِيهِ (فَقَالَ: إِنِّي أَخْبَرْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 577 الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ، فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْلَمُ هَذَا لَأَفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا وَكَذَا) يَتَوَعَّدُهُ، (فَإِنْ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَلْيَقُمْ مَعِي، فَقَالُوا) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: وَاللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ "، وَلِمُسْلِمٍ: " فَقَالَ أُبَيٌّ: وَاللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَحْدَثُنَا سِنًّا، قُمْ يَا أَبَا سَعِيدٍ "، فَكَأَنَّ أُبَيًّا ابْتَدَأَ ذَلِكَ، وَوَافَقُوا عَلَيْهِ فَنُسِبَ لِلْجَمِيعِ، فَقَالُوا: (لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: قُمْ مَعَهُ، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ أَصْغَرَهُمْ) ، فَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ لِكِبَارِهِمْ وَصِغَارِهِمْ، حَتَّى أَنَّ أَصْغَرَهُمْ يَحْفَظُهُ وَسَمِعَهُ مِنَ الْمُصْطَفَى، (فَقَامَ مَعَهُ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَخَفِيَ هَذَا عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ "، يَعْنِي الْخُرُوجَ إِلَى التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا لِأَجْلِ الْكَسْبِ لِعِيَالِهِ، وَالتَّعَفُّفِ عَنِ النَّاسِ، فَفِيهِ أَنَّ الْعِلْمَ الْخَاصَّ قَدْ يَخْفَى عَنِ الْأَكَابِرِ، فَيَعْلَمُهُ مَنْ دُونَهُمْ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَذَلِكَ يَصْدُقُ فِي وَجْهِ مَنْ يُطْلِقُ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ، إِذَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثٍ فَيَقُولُ: لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَعَلِمَهُ فُلَانٌ، فَإِذَا أُخْفِيَ ذَلِكَ عَلَى أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ فَغَيْرُهُمْ أَوْلَى. قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ تَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ زَعَمَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْبَلُ خَبَرًا لِوَاحِدٍ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ الْمُطَابِقِ لِخَبَرِ أَبِي مُوسَى، وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَتَثَبَّتَ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ مَذْهَبِهِ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بُرْدَةَ: " فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ لِعُمَرَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ " عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعِنْدَ غَيْرِهِ: " يَا عُمَرُ لَا تَكُنْ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عُمَرَ: سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّمَا سَمِعْتُ شَيْئًا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ "، (فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي مُوسَى: أَمَّا إِنِّي لَا أَتَّهِمُكَ) ، بِمَا قَلْتُهُ لَكَ مِمَّا سَبَقَ مِنَ الْأَلْفَاظِ، (وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ) : يَكْذِبَ (النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ، فَخَشِيَ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَخْتَلِقُ الْحَدِيثَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الرَّغْبَةِ، وَالرَّهْبَةِ طَلَبًا لِلْخُرُوجِ مِمَّا دَخَلَ فِيهِ، فَأَرَادَ بِذَلِكَ إِعْلَامَهُمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَخْرَجِ، أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. زَادَ غَيْرُهُ: فَأَرَادَ عُمَرُ سَدَّ هَذَا الْبَابِ وَرَدْعَ غَيْرِ أَبِي مُوسَى لَا شَكًّا فِي رِوَايَتِهِ، فَإِنَّ مَنْ دُونَهُ إِذَا بَلَغَتْهُ قِصَّتُهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، أَوْ أَرَادَ وَضْعَ حَدِيثٍ خَافَ مِنْ مِثْلِ قَضِيَّةِ أَبِي مُوسَى فَالْمُرَادُ غَيْرُهُ. وَفِي الْقِصَّةِ دَلِيلٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 578 عَلَى مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُوَّةِ فِي دِينِ اللَّهِ، وَقَوْلِ الْحَقِّ، وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ وَقَبُولِهِ، فَإِنَّ أُبَيًّا أَنْكَرَ عَلَى عُمَرَ تَهْدِيدَ أَبِي مُوسَى، وَخَاطَبَهُ مَعَ أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ بِيَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَوْ يَا عُمَرُ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ إِنْكَارٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 579 [التَّشْمِيتِ فِي الْعُطَاسِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَقُلْ إِنَّكَ مَضْنُوكٌ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ لَا أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ   2 - بَابُ التَّشْمِيتِ فِي الْعُطَاسِ 1799 - 1752 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي بَكْرٍ اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ مُرْسَلًا، (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنْ عَطَسَ) ، بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَمُضَارِعُهُ بِكَسْرِهَا، وَالِاسْمُ الْعُطَاسُ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - (فَشَمِّتْهُ) بِمُعْجَمَةٍ وَمُهْمَلَةٍ لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ أَبْعَدَ اللَّهُ عَنْكَ الشَّمَاتَةَ، وَجَنَّبَكَ مَا يُشْمَتُ بِهِ عَلَيْكَ، وَبِالْمُهْمَلَةِ جَعَلَكَ اللَّهُ عَلَى سَمْتٍ حَسَنٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ بِمُعْجَمَةٍ، مِنَ الشَّوَامِتِ وَهِيَ الْقَوَائِمُ، هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَرُوِيَ بِمُهْمَلَةٍ مِنَ السَّمْتِ، وَهُوَ قَصْدُ الشَّيْءِ، وَصَفَتِهِ، أَيْ: ادْعُ اللَّهَ لَهُ بِأَنْ يَرُدَّ شَوَامِتَهُ، أَيْ: قَوَائِمَهُ، أَوْ سَمْتَهُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعُطَاسَ يَحُلُّ مَرَابِطَ الْبَدَنِ، وَيَفْصِلُ مَعَاقِدَهُ، فَمَعْنَى رَحِمَكَ اللَّهُ: أَعْطَاكَ رَحْمَةً تَرْجِعُ بِهَا إِلَى حَالِكَ الْأُولَى، وَيَرْجِعُ بِهَا كُلُّ عُضْوٍ إِلَى سَمْتِهِ. (ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ، ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ) ، إِذَا حَمِدَ، (ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَقُلْ: إِنَّكَ مَضْنُوكٌ) - بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ - أَيْ: مَزْكُومٌ، وَالضُّنَاكُ بِالضَّمِّ: الزُّكَامُ يُقَالُ: أَضَنَكَهُ اللَّهُ وَأَزْكَمَهُ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَالْقِيَاسُ مُضْنَكٌ وَمُزْكَمٌ، لَكِنَّهُ جَاءَ عَلَى ضَنُكَ وَزَكَمَ. (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ: لَا أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ) وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَأَبِي يَعْلَى، وَابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيُشَمِّتْهُ جَلِيسُهُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثٍ، فَهُوَ مَزْكُومٌ، وَلَا يُشَمَّتُ بَعْدَ ثَلَاثٍ» "، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ بِالْعَافِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكْمَةَ عِلَّةٌ، وَإِشَارَةٌ إِلَى الْحَثِّ عَلَى تَدَارُكِ هَذِهِ الْعِلَّةِ، وَلَا يُهْمِلُهَا فَيَعْظُمُ أَمْرُهَا، وَكَلَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ. وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَفَعَهُ: " «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَشَمِّتُوهُ، وَإِذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ» ". الحديث: 1799 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 579 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ   1800 - 1753 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا عَطَسَ، فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ، وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ) ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ: " «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَلْيَقُلْ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَلْيَقُلْ هُوَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ» "، وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مَرْفُوعًا: " «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ وَصَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» "، وَلِلطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: " «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَإِذَا قَالَ: رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ» "، وَقَدْ رُجِّحَ الْجَمْعُ بَيْنَ الدُّعَاءِ بِالرَّحْمَةِ، وَيَهْدِيكُمُ اللَّهُ. . . إِلَخْ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْهِدَايَةِ لِلْمُسْلِمِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَمُنِعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الدُّعَاءَ بِالْهِدَايَةِ لِلْإِيمَانِ الْمُتَلَبِّسِ بِهِ، بَلْ مَعْرِفَةُ تَفَاصِيلِ أَجْزَائِهِ وَإِعَانَتِهِ عَلَى أَعْمَالِهِ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَحْتَاجُ ذَلِكَ فِي كُلِّ طَرْفَةِ عَيْنٍ، وَمِنْ ثَمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَسْأَلَ الْهِدَايَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنَ الصَّلَاةِ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. الحديث: 1800 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 580 [مَا جَاءَ فِي الصُّوَرِ وَالتَّمَاثِيلِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ إِسْحَقَ مَوْلَى الشِّفَاءِ أَخْبَرَهُ قَالَ «دَخَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ نَعُودُهُ فَقَالَ لَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ» شَكَّ إِسْحَقُ لَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ   3 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصُّوَرِ بِضَمِّ الصَّادِ، وَفَتْحِ الْوَاوِ، جَمْعُ صُورَةٍ، وَهِيَ مَا يُصْنَعُ عَلَى مِثْلِ الْحَيَوَانِ. 1801 - 1754 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدٍ الْخَزْرَجِيِّ: (أَنَّ رَافِعَ) - بِالرَّاءِ - (ابْنَ إِسْحَاقَ) الْمَدَنِيَّ التَّابِعِيَّ الثِّقَةَ، (مَوْلَى الشِّفَاءِ) - بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمَدِّ وَالْقَصْرِ - بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الصَّحَابِيَّةِ، وَيُقَالُ: مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ، وَيُقَالُ: مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ (أَخْبَرَهُ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ وَالِدُ إِسْحَاقَ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ أُمَّهُ أُمُّ سَلِيمٍ لَمَّا وَلَدَتْهُ، قَالَتْ: «يَا أَنَسُ اذْهَبْ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيُحَنِّكْهُ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ فَجَعَلَ يَتَمَلَّظُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الحديث: 1801 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 580 حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ» . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، ثِقَةٌ جَلِيلٌ. الْحَدِيثُ رُوِيَ عَنْ أَبِيهِ وَأَخِيهِ لِأُمِّهِ أَنَسٍ، وَعَنْهُ ابْنَاهُ إِسْحَاقُ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ ابْنِهِ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَاسْتُشْهِدَ بِفَارِسَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ (عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ نُعُودُهُ) مِنْ مَرَضٍ بِهِ، (فَقَالَ لَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمَلَائِكَةَ) ، قِيلَ: هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَلَكٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَلَائِكَةُ الْوَحْيِ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، (لَا تَدْخُلُ بَيْتًا) ، أَيْ: مَكَانًا يَسْتَقِرُّ إِلَيْهِ الشَّخْصُ سَوَاءٌ كَانَ بَيْتًا، أَوْ خَيْمَةً، أَوْ غَيْرَهُمَا، (فِيهِ تَمَاثِيلُ) ، أَيْ: تَصَاوِيرُ، جَمْعُ تِمْثَالٍ وَهُوَ الصُّورَةُ مِمَّا يُشْبِهُ صُورَةَ الْحَيَوَانِ التَّامِّ التَّصَوُّرِ، وَلَمْ تُقْطَعْ رَأْسُهُ وَيُمْتَهَنْ، أَوْ عَامٌّ فِي كُلِّ الصُّوَرِ، وَسَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ كَوْنُهَا مَعْصِيَةً فَاحِشَةً؛ إِذْ فِيهَا مُضَاهَاةً لِخَلْقِ اللَّهِ، وَبَعْضُهَا فِي صُورَةِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ. (أَوْ تَصَاوِيرُ. شَكَّ إِسْحَاقُ لَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا) ، أَيِ: اللَّفْظَيْنِ، (قَالَ أَبُو سَعِيدٍ) : وَإِنِ اتَّحَدَ الْمَعْنَى، وَلَوْلَا جَزْمُ الرَّاوِي بِأَنَّهُ شَكَّ، لَأَمْكَنَ جَعْلُ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ، وَتَفْسِيرُ التَّمَاثِيلِ بِالْأَصْنَامِ، وَالتَّصَاوِيرِ بِالْحَيَوَانِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُهُ إِسْنَادًا، انْتَهَى، أَيْ: مِنْ أَصَحِّهِ وَأَحْسَنِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 581 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ «يَعُودُهُ قَالَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فَدَعَا أَبُو طَلْحَةَ إِنْسَانًا فَنَزَعَ نَمَطًا مِنْ تَحْتِهِ فَقَالَ لَهُ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ لِمَ تَنْزِعُهُ قَالَ لِأَنَّ فِيهِ تَصَاوِيرَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا مَا قَدْ عَلِمْتَ فَقَالَ سَهْلٌ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ قَالَ بَلَى وَلَكِنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِي»   1802 - 1755 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) - بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ - سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) - بِفَتْحِهَا - (ابْنِ عُتْبَةَ) - بِضَمِّهَا، وَإِسْكَانِ الْفَوْقِيَّةِ - (ابْنِ مَسْعُودٍ) أَحَدِ الْفُقَهَاءِ (أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدِ بْنِ سَهْلٍ (الْأَنْصَارِيِّ) الْخَزْرَجَيِّ (يَعُودُهُ) لِمَرَضٍ، (قَالَ: فَوَجَدَ عِنْدَهُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ) - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ النُّونِ - الْأَنْصَارِيَّ الْبَدْرِيَّ، (فَدَعَا أَبُو طَلْحَةَ إِنْسَانًا، فَنَزَعَ نَمَطًا) - بِفَتْحِ النُّونِ، وَالْمِيمِ، وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ -: ضَرْبٌ مِنَ الْبُسُطِ لَهُ خَمْلٌ رَقِيقٌ (مِنْ تَحْتِهِ، فَقَالَ لَهُ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: لِمَ تَنْزِعُهُ؟ قَالَ: لِأَنَّ فِيهِ تَصَاوِيرَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا مَا قَدْ عَلِمْتَ) الحديث: 1802 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 581 يَا سَهْلُ إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ صُوَرٌ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ؟ (قَالَ سَهْلٌ: أَلَمْ يَقُلْ إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا) - بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَسُكُونِ الْقَافِ - أَيْ: نَقْشًا وَوَشْيًا (فِي ثَوْبٍ؟ قَالَ: بَلَى) ، أَيْ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، (وَلَكِنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِي) لِلْبُعْدِ عَنِ الصُّوَرِ مِنْ حَيْثُ هِيَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: حَاصِلُ مَا فِي اتِّخَاذِ الصُّوَرِ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَجْسَامٍ حَرُمَ إِجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ رَقْمًا فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا حَتَّى الرَّقْمُ وَالتَّفْصِيلُ، فَإِنْ كَانَتِ الصُّورَةُ ثَابِتَةَ الْهَيْئَةِ قَائِمَةَ الشَّكْلِ حَرُمَ، وَإِنْ قُطِعَتِ الرَّأْسُ، وَتَفَرَّقَتِ الْأَجْزَاءُ جَازَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَالرَّابِعُ: إِنْ كَانَ مِمَّا يُمْتَهَنُ جَازَ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا فَلَا، انْتَهَى. وَهَذَا الْإِجْمَاعُ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ لِعَبِ الْبَنَاتِ. وَكَذَا رَجَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ، وَقَالَ: إِنَّهُ أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَمَنْ حَمَلَ عَلَيْهِ الْآثَارَ لَمْ تَتَعَارَضْ، وَهَذَا أَوْلَى مَا اعْتُقِدَ فِيهِ. قَالَ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَتْنِهِ، وَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ لَمْ يَلْقَ أَبَا طَلْحَةَ، وَمَا أَدْرِي كَيْفَ قَالَ ذَلِكَ، وَهُوَ يَرْوِي حَدِيثَ مَالِكٍ هَذَا، وَأَظُنُّهُ لِقَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ السِّيَرِ مَاتَ أَبُو طَلْحَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَصِحُّ لَهُ السَّمَاعُ وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَفَاةَ أَبِي طَلْحَةَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ لِمَا صَحَّ عَنْ أَنَسٍ، سَرَدَ أَبُو طَلْحَةَ الصَّوْمَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَمَاتَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ، فَسَمَاعُ عُبَيْدٍ مِنْهُمَا مُمْكِنٌ، وَقَدْ ثَبَتَ هُنَا صَحِيحًا فَكَيْفَ يُنْكَرُ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ إِنْكَارِهِ رِوَايَةَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، مَرْفُوعًا: " «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ» "، فَقَالَ: خَالَفَ الْأَوْزَاعِيُّ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي النَّضْرِ اسْتَثْنَى مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ. وَجَمَعَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مَعَ أَبِي طَلْحَةَ، وَلَيْسَ هَذَانِ فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ فَهُوَ غَيْرُ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ، وَإِنْ كَانَ شَيْخُهُمَا وَاحِدًا، وَهُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ، انْتَهَى، مُلَخَّصًا. وَحَدِيثُ ابْنُ شِهَابٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ رِوَايَةَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِإِثْبَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَجَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ رِوَايَةَ الْأَوْزَاعِيِّ بِإِسْقَاطِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي النَّضْرِ إِنْ كَانَ وَاحِدًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 582 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ فَعَرَفَتْ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ وَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَمَاذَا أَذْنَبْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ قَالَتْ اشْتَرَيْتُهَا لَكَ تَقْعُدُ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ»   1803 - 1756 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) ابْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الحديث: 1803 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 582 (عَنْ) عَمَّتِهِ (عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً) ، بِضَمِّ النُّونِ، وَالرَّاءِ، وَبِكَسْرِهِمَا، رِوَايَتَانِ بَيْنَهُمَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ، وَقَافٌ مَفْتُوحَةٌ، وَحُكِيَ تَثْلِيثُ النُّونِ وِسَادَةٌ صَغِيرَةٌ (فِيهَا تَصَاوِيرُ) ، أَيْ: تَمَاثِيلُ حَيَوَانٍ، (فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ عَلَى الْبَابِ، فَلَمْ يَدْخُلْ) الْحُجْرَةَ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " وَجَعَلَ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ "، (فَعَرَفَتْ) عَائِشَةُ (فِي وَجْهِهِ) الْوَجِيهِ (الْكَرَاهِيَةَ) - بِكَسْرِ الْهَاءِ، وَخِفَّةِ الْيَاءِ - وَفِي رِوَايَةٍ: بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَإِسْقَاطِ الْيَاءِ، (وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ) فِيهِ التَّوْبَةُ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ إِجْمَالًا، وَلَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرِ التَّائِبُ خُصُوصَ الذَّنْبِ الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ مُؤَاخَذَاتُهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ حُسْنُ أَدَبٍ مِنَ الصِّدِّيقَةِ حَيْثُ قَدَّمَتِ التَّوْبَةَ عَلَى اطِّلَاعِهَا عَلَى الذَّنْبِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَتْ: مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ أَيْ: مَا اطَّلَعَتْ عَلَى الذَّنْبِ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟) مَا شَأْنُهَا فِيهَا تَمَاثِيلُ، (قَالَتْ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ تَقْعُدُ عَلَيْهَا، وَتَوَسَّدُهَا) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ لِلتَّخْفِيفِ، وَالْأَصْلُ: وَتَتَوَسَّدُهَا. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّورَةِ) الْحَيَوَانِيَّةِ الَّذِينَ يَصْنَعُونَهَا يُضَاهِئُونَ بِهَا خَلْقَ اللَّهِ، (يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا) - بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ، وَضَمِّ الْيَاءِ - (مَا خَلَقْتُمْ) صَوَّرْتُمْ كَصُورَةِ الْحَيَوَانِ، وَالْأَمْرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّعْجِيزِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى نَفْخِ الرُّوحِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي صَوَّرُوهَا، فَيَدُومُ تَعْذِيبُهُمْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ» "، أَيْ: أَبَدًا فَهُوَ مُعَذَّبٌ دَائِمًا لِأَنَّهُ جَعَلَ غَايَةَ عَذَابِهِ إِلَى أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَافِخٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَخْلِيدَهُ فِي النَّارِ، لَكِنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ كَفَرَ بِالتَّصْوِيرِ، أَمَّا غَيْرُهُ وَهُوَ الْعَاصِي يَفْعَلُ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لَهُ، وَلَا قَاصِدٍ أَنْ يَعْبَدَ، فَيُعَذَّبُ إِنْ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ عَذَابًا يَسْتَحِقُّهُ، ثُمَّ يَخْلُصُ مِنْهُ، أَوِ الْمُرَادُ بِهِ الزَّجْرُ الشَّدِيدُ بِالْوَعِيدِ بِعِقَابِ الْكَافِرِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الِارْتِدَاعِ، وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ إِلَّا أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْإِحْيَاءِ، وَقَوْلُهُ: كُلِّفَ لَا يُنَافِي أَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ دَارَ تَكْلِيفٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ تَكْلِيفُ عَمَلٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ أَوْ عِقَابٌ، فَأَمَّا مِثْلُ هَذَا التَّكْلِيفِ، فَلَا يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسَهُ عَذَابٌ. (ثُمَّ قَالَ: إِنِ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّورَةُ) الْحَيَوَانِيَّةُ، فَلَا بَأْسَ بِصُورَةِ الْأَشْجَارِ وَالْجِبَالِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 583 عَبَّاسٍ لِرَجُلٍ: " إِنْ كُنْتَ وَلَا بُدَّ فَاعِلًا، فَاصْنَعِ الشَّجَرَةَ، وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (لَا تُدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ) الْحَفَظَةُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ، أَوْ مَلَائِكَةُ الْوَحْيِ كَجِبْرِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ قَصْرُ النَّفْيِ عَلَى زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ بَعْدَهُ، وَبِانْقِطَاعِهِ يَنْقَطِعُ نُزُولُهُمْ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمُ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ بِالرَّحْمَةِ، وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَيُعَاقَبُ مُتَّخِذُهَا بِحِرْمَانِ دُخُولِهِمْ بَيْتَهُ، وَاسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ، أَمَّا الْحَفَظَةُ فَلَا يُفَارِقُونَ الْمُكَلَّفَ فِي كُلِّ حَالٍ، وَبِهَذَا جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ، إِلَّا عِنْدَ الْجِمَاعِ وَالْخَلَاءِ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَضَعَّفَهُ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِجَوَازِ أَنْ لَا يَدْخُلُوا، بِأَنْ يَكُونُوا عَلَى بَابِ الْبَيْتِ مَثَلًا، وَيُطْلِعُهُمُ اللَّهُ عَلَى عَمَلِ الْعَبْدِ وَيُسْمِعُهُمْ قَوْلَهُ، وَقَدْ زَادَ بَعْضُ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: " فَأَخَذْتُهُ فَجَعَلْتُهُ مِرْفَقَيْنِ، فَكَانَ يَرْتَفِقُ بِهِمَا فِي الْبَيْتِ "، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَيْعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي النِّكَاحِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي اللِّبَاسِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ فِي اللِّبَاسِ عَنْ يَحْيَى، الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، السِّتَّةُ عَنْ نَافِعٍ نَحْوَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 584 [مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الضَّبِّ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ فَإِذَا ضِبَابٌ فِيهَا بَيْضٌ وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا فَقَالَتْ أَهْدَتْهُ لِي أُخْتِي هُزَيْلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ كُلَا فَقَالَا أَوَلَا تَأْكُلُ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ إِنِّي تَحْضُرُنِي مِنْ اللَّهِ حَاضِرَةٌ قَالَتْ مَيْمُونَةُ أَنَسْقِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ لَبَنٍ عِنْدَنَا فَقَالَ نَعَمْ فَلَمَّا شَرِبَ قَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا فَقَالَتْ أَهْدَتْهُ لِي أُخْتِي هُزَيْلَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتِكِ جَارِيَتَكِ الَّتِي كُنْتِ اسْتَأْمَرْتِينِي فِي عِتْقِهَا أَعْطِيهَا أُخْتَكِ وَصِلِي بِهَا رَحِمَكِ تَرْعَى عَلَيْهَا فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكِ»   4 - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الضَّبِّ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَشَدِّ الْمُوَحِّدَةِ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ كَبِيرُ الْقَدِّ، قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ، وَإِنَّ لَحْمَهُ يُذْهِبُ الْعَطَشَ، وَأَنَّهُ يَعِيشُ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ فَأَزْيَدَ، وَلَا يَسْقُطُ لَهُ سِنٌّ، وَيَبُولُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَطْرَةً. 1804 - 1757 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ مِنَ الثِّقَاتِ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) - بِتَحْتِيَّةٍ، وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ - أَحَدِ الْفُقَهَاءِ التَّابِعِيِّ، (أَنَّهُ قَالَ) : مُرْسَلًا، وَقَدْ رَوَاهُ بُكَيْرُ بْنُ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مَيْمُونَةَ: « (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْتَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ) الْهِلَالِيَّةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، (فَإِذَا ضِبَابٌ) - بِالْكَسْرِ - جَمْعُ الحديث: 1804 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 584 ضَبٍّ (فِيهَا بَيْضٌ، وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ) ابْنِ أُخْتِ مَيْمُونَةَ لُبَابَةَ الصُّغْرَى. (فَقَالَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ فَقَالَتْ) مَيْمُونَةُ: (أَهْدَتْهُ لِي أُخْتِي هُزَيْلَةُ) » - بِضَمِّ الْهَاءِ، وَفَتْحِ الزَّايِ، فَتَحْتِيَّةٍ فَلَامٍ - (بِنْتُ الْحَارِثِ) الْهِلَالِيَّةُ صَحَابِيَّةٌ تُكَنَّى أُمُّ حُفَيْدٍ - بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ - تَزَوَّجَتْ فِي الْأَعْرَابِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَهَدَتْ خَالَتِي أُمُّ حُفَيْدٍ بِنْتُ الْحَارِثِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمْنًا وَأَقِطًا وَضِبَابًا، فَأَكَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ السَّمْنِ وَالْأَقِطِ، وَتَرَكَ الضَّبَّ تُقَذُّرًا "، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَكَلْنَا مِنَ الضَّبِّ عَلَى مَائِدَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ. وَفِي لَفْظٍ: " فَدَعَا بِهِنَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ، ( «فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: كُلَا، فَقَالَا: أَوَ لَا تَأْكُلُ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: إِنِّي تَحْضُرُنِي مِنَ اللَّهِ حَاضِرَةٌ» ) ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الضِّبَابِ وَالْبَيْضِ رَائِحَةٌ مُتَكَرِّهَةٌ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالثَّوْمِ، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْمَلَكَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ، وَلَا يَصْلُحُ لِمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ ارْتِكَابَ الْمُشْتَبِهَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْنَاهُ إِنْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي: " «لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» "، كَذَا قَالَ وَبُعْدُهُ لَا يَخْفَى. « (قَالَتْ مَيْمُونَةُ: أَنَسْقِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ لَبَنٍ عِنْدَنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا شَرِبَ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟) : اللَّبَنُ، (قَالَتْ: أَهْدَتْهُ لِي أُخْتِي هُزَيْلَةُ) » - بِضَمِّ الْهَاءِ، وَفَتْحِ الزَّايِ - (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: أَرَأَيْتِكِ) - بِكَسْرِ التَّاءِ، وَالْكَافِ - أَيْ: أَخْبِرِينِي عَنْ شَأْنِ (جَارِيَتَكِ) ، وَكَانَتْ سَوْدَاءَ كَمَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا (الَّتِي كُنْتِ اسْتَأْمَرْتِينِي) بِدُونِ يَاءٍ لِلتَّخْفِيفِ، كَقَوْلِهِ: فَلَوْ أَنَّكِ فِي يَوْمِ الرَّخَا سَأَلْتِنِي. وَفِي نُسْخَةٍ: سَأَلْتِينِي اسْتَأْمَرْتِينِي بِالْيَاءِ عَلَى الْأَصْلِ، (فِي عِتْقِهَا أَعْطِيهَا أُخْتَكِ) هُزَيْلَةَ الْمَذْكُورَةَ، (وَصِلِي بِهَا رَحِمَكِ تَرْعَى عَلَيْهَا مَوَاشِيَهَا فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكِ) مِنْ عِتْقِهَا لِتَعَدِّي النَّفْعُ، فَفِيهِ أَنَّ الْهِبَةَ لِذَوِي الرَّحِمِ أَفْضَلُ مِنَ الْعِتْقِ كَمَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، لَكِنْ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ بَلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 585 يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَقَدْ بَيَّنَ وَجْهَ الْأَفْضَلِيَّةِ هُنَا بِقَوْلِهِ: تَرْعَى عَلَيْهَا. وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: " «أَفَلَا فَدَيْتِ بِهَا بِنْتَ أُخْتِكِ مِنْ رِعَايَةِ الْغَنَمِ» "، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ أَفْضَلُ مِنَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ، ثُمَّ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَيْمُونَةَ: " «أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً، وَلَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي، قَالَ: أَوَ فَعَلْتِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخَوَاتِكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ» "؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا اسْتَأْمَرَتْهُ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهَا بِشَيْءٍ، فَأَعْتَقَتْهَا بِدُونِ اسْتِئْذَانٍ ظَنًّا أَنَّ سُكُوتَهُ رِضًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا وَقَدَّمَتْ لَهُ الْهَدِيَّةَ، وَشَرِبَ مِنَ اللَّبَنِ، وَسَأَلَهَا، وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ هَدِيَّةٌ، أَمَرَهَا بِأَنْ تُعْطِيَهَا الْجَارِيَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهَا أَعْتَقَتْهَا، فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ: لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخَوَاتِكِ. . . إِلَخْ، وَهُوَ بِالْفَوْقِيَّةِ جَمْعُ أُخْتٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِاللَّامِ جَمْعُ خَالٍ، وَرَجَّحَ عِيَاضٌ الْفَوْقِيَّةَ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ: أُخْتَكِ، وَجُمِعَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ ذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 586 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ «أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ فَقِيلَ هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَفَعَ يَدَهُ فَقُلْتُ أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ قَالَ خَالِدٌ فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ»   1805 - 1758 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) أَسْعَدَ (بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ) الْأَنْصَارِيِّ لَهُ رِوَايَةٌ، وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ بَدْرِيٌّ، (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) الْحَبْرِ التُّرْجُمَانِ (عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ) الْمَخْزُومِيِّ سَيْفِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى الْقَعْنَبِيُّ، وَابْنُ الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَخَالِدٍ: أَنَّهُمَا دَخَلَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ بَيْتَ مَيْمُونَةَ، وَتَابَعَهُ قَوْمٌ، وَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، انْتَهَى. وَمِنَ الْقَوْمِ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ مِثْلُ الْأَوَّلِينَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَيْفُ اللَّهِ أَخْبَرَهُ، (أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْتَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُتِيَ) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - (بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ) - بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ النُّونِ، فَوَاوٍ فَذَالٍ مُعْجَمَةٍ -: مَشْوِيٍّ بِالْحِجَارَةِ الْمُحْمَاةِ، يُقَالُ: حَنِيذٍ وَمَحْنُوذٍ، كَقَتِيلٍ وَمَقْتُولٍ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ: " «أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى مَيْمُونَةَ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا قَدْ قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا أُمُّ حُفَيْدَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ، وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدِّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ» "، (فَأَهْوَى) - بِإِسْكَانِ الْهَاءِ، وَفَتْحِ الْوَاوِ - أَيْ: مَدَّ (إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ) لِيَأْخُذَهُ الحديث: 1805 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 586 (فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ) - لَمْ يُسَمِّ النِّسْوَةَ - وَالْقَائِلُ: هِيَ مَيْمُونَةُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، (أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، فَقِيلَ هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ) ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْأَصَمِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ "، (فَرَفَعَ يَدَهُ) عَنِ الضَّبِّ، قَالَ خَالِدٌ: (فَقُلْتُ: أَحْرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي) » مَكَّةَ أَصْلًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا كَثِيرًا فِيهَا فَلَمْ يَأْكُلُوهُ. وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: " هَذَا لَحْمٌ لَمْ آكُلْهُ قَطُّ "، (فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ) - بِعَيْنِ مُهْمَلَةٍ، وَفَاءِ مُضَارِعٍ، عِفْتُ الشَّيْءَ، أَيْ: أَجِدُ نَفْسِي تَكْرَهُهُ، وَمَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ هُنَا تَأْكِيدُ الْخَبَرِ كَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: لَيْسَ بِحَرَامٍ، قِيلَ: وَلِمَ لَا تَأْكُلُهُ أَنْتَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، وَالْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ فِي أَجِدُنِي. (وَقَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ) - بِجِيمٍ سَاكِنَةٍ، فَفَوْقِيَّةٍ، فَرَاءٍ مُكَرَّرَةٍ - أَيْ: جَرَرْتُهُ (فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ) إِلَيَّ، فَأَكْلُهُ حَلَالٌ بِنَصِّهِ وَإِقْرَارِهِ عَلَى أَكْلِهِ عِنْدَهُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ بِلَا كَرَاهَةٍ، كَمَا رَجَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ خِلَافًا لِقَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: يَكْرَهُهُ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ لَمَّا سَأَلَتْهْ عَنْ أَكْلِهِ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَحَكَى عِيَاضٌ تَحْرِيمَهُ عَنْ قَوْمٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: مَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُ مِنْهُ مَا يُظْهِرُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا النُّفُوسُ تَعَافُ مَا لَمْ تَعْهَدْ، وَحَلَّ الضَّبُّ، وَإِنَّ مِنَ الْحَلَالِ مَا تَعَافُهُ النَّفْسُ، وَأَنَّ الْحُرْمَةَ، وَالْحِلَّ لَيْسَا مَرْدُودَيْنِ إِلَى الطِّبَاعِ، وَإِنَّمَا الْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، أَوْ كَانَ فِي مَعْنَى مَا حَرَّمَهُ أَحَدُهُمَا، قَالَ: وَدُخُولُ خَالِدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ الْبَيْتَ، وَفِيهِ النِّسْوَةُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ، انْتَهَى. وَلَيْسَ بِلَازِمٍ، إِذْ يَجُوزُ أَنَّهُ بَعْدَهُ وَهُنَّ مَسْتُورَاتٌ. وَأَمَّا مَيْمُونَةُ فَخَالَطَتْهُمَا. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 587 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي الضَّبِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلَا بِمُحَرِّمِهِ»   1806 - 1759 - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْمَدَنِيِّ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا. (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا) فِي التِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ - بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَإِسْكَانِ الزَّايِ - الحديث: 1806 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 587 قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي الضَّبِّ؟ الْحَدِيثَ، « (نَادَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي الضَّبِّ؟) هَلْ يُؤْكَلُ أَمْ لَا؟ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَسْتُ بِآكِلِهِ) » - بِمَدِّ الْهَمْزَةِ - (وَلَا بِمُحَرِّمِهِ) لِأَنَّهُ حَلَالٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «كُلُوهُ فَإِنَّهُ حَلَالٌ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي» "، زَادَ خُزَيْمَةُ بْنُ جَزْءٍ فَقُلْتُ: إِنِّي آكُلُ مَا لَمْ تُحَرِّمْهُ. وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى: لَسْتُ بِمُحِلِّهِ، وَلَا بِمِحَرِّمِهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّهُ خَطَأٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَدْ رَدَّهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: لَمْ يُبْعَثْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا آمِرًا أَوْ نَاهِيًا وَمُحِلًّا أَوْ مُحَرِّمًا، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا، لَمْ يُؤْكَلْ عَلَى مَائِدَتِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ، قَالَ رَجُلٌ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضٍ مُضِبَّةٍ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ، فَلَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَنْهَ، فَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَمْسُوخٍ نَسْلًا» . وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ دِينَارٍ، وَتَابَعَهُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ نَافِعٍ اللَّيْثُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَأَيُّوبُ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَأُسَامَةُ اللَّيْثِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، أَخْرَجَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُسْلِمٌ، وَلِذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِنَّهُ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 588 [مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَاسًا مَعَهُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ قَالَ أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِي وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ»   5 - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ 1807 - 1760 - (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ) - بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ - (ابْنِ خُصَيْفَةَ) - بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ - مُصَغَّرٌ، نَسَبُهُ لِجَدِّهِ، وَاسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ ابْنُ أَخِي السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا مُحَدِّثًا مُحْسِنًا، لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى وَفَاةٍ. رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ: (أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ) الْكِنْدِيَّ، صَحَابِيٍّ صَغِيرٍ، وَحُجَّ بِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ، وَوَلَّاهُ عُمَرُ سُوقَ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: قَبْلَهَا. (أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ) - بِضَمِّ الزَّايِ - قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: وَخَلِيفَةٌ اسْمُ أَبِيهِ الْفَرْدُ، وَقِيلَ: نُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ، وَيُقَالُ لَهُ النُّمَيْرِيُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَلَدَ النَّمِرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ نَصْرِ بْنِ زَهْرَانَ الحديث: 1807 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 588 نَزَلَ الْمَدِينَةَ، (وَهُوَ رَجُلٌ مَنْ أَزْدِ) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الزَّايِ، فَدَالٍ مُهْمَلَةٍ (شَنُوءَةَ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ النُّونِ، بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ - ابْنُ الْغَوْثِ بْنِ نَبْتِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، (مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) يُعَدُّ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، (وَهُوَ يُحَدِّثُ نَاسًا مَعَهُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ) النَّبَوِيِّ، (فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنِ اقْتَنَى) - بِالْقَافِ - افْتِعَالٌ مِنَ الْقِنْيَةِ - بِالْكَسْرِ - وَهِيَ الِاتِّخَاذُ، أَيْ: مَنِ اتَّخَذَ (كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ) ، أَيْ: لَا يَحْفَظُ لَهُ (زَرْعًا، وَلَا ضَرْعًا) - بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ - كِنَايَةً عَنِ الْمَوَاشِي، وَفِي الْقَامُوسِ: الضَّرْعُ مَعْرُوفٌ لِلظِّلْفِ وَالْخُفِّ، أَوْ لِلشَّاةِ وَالْبَقْرِ وَنَحْوِهَا، قَالَ عِيَاضٌ: الْمُرَادُ بِكَلْبِ الزَّرْعِ الَّذِي يَحْفَظُهُ مِنَ الْوَحْشِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، لَا الَّذِي يَحْفَظُهُ مِنَ السَّارِقِ، وَكَلْبُ الْمَاشِيَةِ الَّذِي يَسْرَحُ مَعَهَا، لَا الَّذِي يَحْفَظُهَا مِنَ السَّارِقِ، وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ اتِّخَاذَهَا لِلْحِفْظِ مِنَ السَّارِقِ، انْتَهَى. يَعْنِي إِلْحَاقًا لِمَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِهِ، كَمَا أَشَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَأْذُونَ فِي اتِّخَاذِهِ هُوَ مَا لَمْ يُتَّفَقْ عَلَى قَتْلِهِ، وَهُوَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى طَهَارَةِ الْكَلْبِ الْجَائِزُ اتِّخَاذَهُ؛ لِأَنَّ فِي مُلَابَسَتِهِ مَعَ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَالْإِذْنُ فِي اتِّخَاذِهِ إِذَنٌ فِي مُكَمِّلَاتِ مَقْصُودِهِ، كَمَا أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ لَوَازِمِهِ مُنَاسِبٌ لِلْمَنْعِ مِنْهُ، وَاسْتِدْلَالٌ قَوِيٌّ لَا يُعَارِضُهُ إِلَّا عُمُومُ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ إِذَا سَوَّغَهُ الدَّلِيلُ، قَالَهُ فِي الْفَتْحِ، يَعْنِي تَخْصِيصَ عُمُومِ حَدِيثِ الْوُلُوغِ الْمُقْتَضِي لِنَجَاسَتِهِ عِنْدَهُ بِغَيْرِ مَا أُذِنَ فِي اتِّخَاذِهِ لِأَحَادِيثِ الْإِذْنِ الْمُسَوِّغَةِ لِتَخْصِيصِهِ، فَلَيْسَ مُرَادُ الْجَوَابِ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ كَمَا تَوَهَّمَ بَلْ تَقْوِيَتُهُ، ثُمَّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَدِيثَ الْوُلُوغِ يَقْتَضِي النَّجَاسَةَ؛ لِأَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ، (نَقَصَ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ) ، قَدْرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (قَالَ) السَّائِبُ لِسُفْيَانَ يَتَثَبَّتُ مِنْهُ الْحَدِيثَ: (أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: إِي) - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْيَاءِ - حَرْفُ جَوَابٍ بِمَعْنَى نَعَمْ، فَيَكُونُ لِتَصْدِيقِ الْخَبَرِ، وَإِعْلَامِ الْمُسْتَخْبِرِ، وَلِوَعْدِ الطَّالِبِ، وَيُوصَلُ بِالْيَمِينِ كَمَا هُنَا، أَيْ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ (وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ) ، أَقْسَمَ تَأْكِيدًا، وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ: وَرَبِّ هَذِهِ الْقِبْلَةِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَمِثْلِهِ مَنْ أَجَازَ بِيعَ الْكَلْبِ الْمُتَّخَذِ لِزَرْعٍ وَمَاشِيَةٍ وَصَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَكُلُّ مَا انْتُفِعَ بِهِ جَازَ شِرَاؤُهُ، وَبَيْعُهُ وَلَزِمَ قَاتِلَهُ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَنْفَعَةَ أَخِيهِ اه. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمُزَارِعَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 589 يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْبَيْعِ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 590 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبًا ضَارِيًا أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ»   1808 - 1761 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) ، زَادَ الْقَعْنَبِيُّ: وَابْنُ وَهْبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ كِلَاهُمَا (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنِ اقْتَنَى) ، أَيِ: اتَّخَذَ (إِلَّا كَلْبًا) ، كَذَا لِيَحْيَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: " «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبًا» "، (ضَارِيًا) - بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ، وَبِالْيَاءِ وَالنَّصْبِ - أَيْ: مُعَلَّمًا لِلصَّيْدِ مُعْتَادًا لَهُ. وَرُوِيَ: ضَارٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَحْذِفُ الْأَلِفَ مِنَ الْمَنْقُوصِ حَالَةَ النَّصْبِ، فَيَجُوزُ اتِّخَاذُهُ حَتَّى لِمَنْ لَا يَصِيدُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، أَوْ مَعْنَاهُ: لِصَائِدٍ بِهِ، فَيُنْهَى عَنْهُ مَنْ لَا يَصِيدُ بِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ: إِلَّا كَلْبٌ قَوْلَانِ، قَالَهُ عِيَاضٌ. (أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ) ، أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّرْدِيدِ، قَالَ عِيَاضٌ: الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي يَسْرَحُ مَعَهَا، لَا الَّذِي يَحْفَظُهَا مِنَ السَّارِقِ، (نَقْصَ مِنْ أَجْرِ) عَمَلِهِ (كُلَّ يَوْمٍ) مِنَ الْأَيَّامِ الَّتِي اقْتَنَاهُ فِيهَا (قِيرَاطَانِ) ، أَيْ: قَدْرًا مَعْلُومًا عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ: قِيرَاطٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلزَّائِدِ لِكَوْنِ رَاوِيهِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَوَّلًا بِنَقْصِ قِيرَاطٍ وَاحِدٍ، فَسَمِعَهُ الرَّاوِي الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَخْبَرَ ثَانِيًا بِنَقْصِ قِيرَاطَيْنِ زِيَادَةً فِي التَّأْكِيدِ فِي التَّنْفِيرِ مِنْ ذَلِكَ، فَسَمِعَهُ الرَّاوِي الثَّانِي، أَوْ يَنْزِلُ عَلَى حَالَيْنِ: فَنَقْصُ الْقِيرَاطَيْنِ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْإِضْرَارِ بِاتِّخَاذِهِ، وَالْقِيرَاطِ بِاعْتِبَارِ قِلَّتِهِ، أَوِ الْقِيرَاطَانِ لِمَنِ اتَّخَذَهُ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ خَاصَّةً، وَالْقِيرَاطُ بِمَا عَدَاهَا، أَوْ يَلْحَقُ بِالْمَدِينَةِ سَائِرُ الْمُدُنِ وَالْقُرَى، وَيَخْتَصُّ الْقِيرَاطُ بِأَهْلِ الْبَوَادِي، وَهُوَ مُلْتَفِتٌ إِلَى مَعْنَى كَثْرَةِ التَّأَذِّي وَقِلَّتِهِ، وَكَذَا مَنْ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي نَوْعَيْنِ مِنَ الْكِلَابِ، فَفِي مَا لَابَسَهُ أَوْ نَحْوِهِ قِيرَاطَانِ، وَفِيمَا دُونَهُ قِيرَاطٌ، وَجَوَّزَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْقِيرَاطَ الَّذِي يَنْقُصُ أَجْرُ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَوَاتِ الْأَكْبَادِ الرَّطْبَةِ أَوِ الْحُرَّةِ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّقْصِ أَنَّ الْإِثْمَ الْحَاصِلَ بِاتِّخَاذِهِ يُوَازِنُ قَدْرَ قِيرَاطٍ أَوْ قِيرَاطَيْنِ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ، فَيَنْقُصُ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِ الْمُتَّخِذِ قَدْرُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ بِاتِّخَاذِهِ، وَهُوَ قِيرَاطٌ أَوْ قِيرَاطَانِ، وَقِيلَ: سَبَبُ النَّقْصِ امْتِنَاعُ الْمَلَائِكَةِ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ، أَوْ مَا يَلْحَقُ الْمَارِّينَ مِنَ الْأَذَى، أَوْ لِأَنَّ بَعْضَهَا شَيَاطِينُ، أَوْ عُقُوبَةٌ لِمُخَالَفَةِ النَّهْيِ، أَوْ وُلُوغُهَا فِي الْأَوَانِي عِنْدَ غَفْلَةِ صَاحِبِهَا، فَرُبَّمَا يُنَجِّسُ الطَّاهِرَ مِنْهَا إِذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الْعِبَادَةِ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَ الطَّاهِرِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهَا، أَوْ طَهَارَتِهَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ فِي أَفْوَاهِهَا نَجَاسَةٌ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَّخِذْهُ لَكَانَ عَمَلُهُ كَامِلًا، فَإِذَا اقْتَنَاهُ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ عَمَلٍ مَضَى، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ الحديث: 1808 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 590 عَمَلُهُ فِي الْكَمَالِ عَمَلَ مَنْ لَمْ يَتَّخِذْ، وَنُوزِعَ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ بِأَنَّ الرُّويَانِيَّ فِي الْبَحْرِ حَكَى الْخِلَافَ، هَلْ يَنْقُصُ مِنَ الْعَمَلِ الْمَاضِي، أَوِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَفِي مَحَلِّ نُقْصَانِ الْقِيرَاطَيْنِ؟ فَقِيلَ: مِنْ عَمِلِ النَّهَارِ قِيرَاطٌ، وَمِنْ عَمِلِ اللَّيْلِ قِيرَاطٌ، وَقِيلَ: مِنَ الْفَرْضِ قِيرَاطٌ، وَمِنَ النَّفْلِ آخَرُ، وَاخْتُلِفَ فِي الْقِيرَاطَيْنِ: هَلْ هُمَا كَقِيرَاطَيْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاتِّبَاعِهَا أَوْ دُونَهُمَا؛ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ، وَبَابُ الْفَضْلِ أَوْسَعُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الشَّارِعِ تَعْظِيمُ الْحَسَنَاتِ، وَتَخْفِيفُ مُقَابِلِهَا كَرَمًا مِنْهُ، وَلَوْ تَعَدَّدَتِ الْكِلَابُ هَلْ تَتَعَدَّدُ الْقَرَارِيطُ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ؟ أَوْ لَا تَتَعَدَّدُ كَمَا فِي غَسَلَاتِ الْوُلُوغِ؟ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ الْأَبِيُّ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَظْهَرُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ بِكُلِّ كَلْبٍ، لَكِنْ يَتَعَدَّدُ الْإِثْمُ، فَإِنَّ اقْتِنَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: تَتَعَدَّدُ الْقَرَارِيطُ. هَذَا وَقَدْ زَادَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ، كَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ. وَفِي الصَّحِيحِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمِلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ، إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ» "، وَاسْتُشْكِلَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَصْرَيِ الْحَدِيثَيْنِ، إِذْ مُقْتَضَاهُمَا التَّضَادُّ مِنْ حَيْثُ إِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: الْحَصْرُ فِي الْمَاشِيَةِ وَالصَّيْدِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ إِخْرَاجُ كَلْبِ الزَّرْعِ، وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْحَصْرُ فِي الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ إِخْرَاجُ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَأَجَابَ فِي الْكَوَاكِبِ بِأَنَّ مَدَارَ أَمْرِ الْحَصْرِ عَلَى الْمَقَامَاتِ، وَاعْتِقَادَ السَّامِعِينَ لَا عَلَى مَا فِي الْوَاقِعِ، فَالْمَقَامُ الْأَوَّلُ اقْتَضَى اسْتِثْنَاءَ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَالثَّانِي اقْتَضَى اسْتِثْنَاءَ كَلْبِ الزَّرْعِ، فَصَارَا مُسْتَثْنَيَيْنِ، وَلَا مُنَافَاةَ فِي ذَلِكَ. وَلِمُسْلِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ زَرْعٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ» "، وَقَدْ أَنْكَرَ ابْنُ عُمَرَ زِيَادَةَ الزَّرْعِ، فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ» "، فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا. لَكِنْ قَالَ عِيَاضٌ: لَمْ يَقُلِ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ تَوْهِينًا لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، بَلْ تَصْحِيحًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ اعْتَنَى بِحِفْظِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ دُونَهُ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ احْتَاجَ إِلَى تَعَرُّفِ أَحْوَالِهِ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا رِوَايَةُ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي مُسْلِمٍ كَابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَكَمِ عَنْهُ، وَلَعَلَّهُ لَمَّا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَحَقَّقَهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَادَهَا فِي حَدِيثِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ اتِّخَاذِ الْكِلَابِ لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ، وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنْ حَافِظٍ، وَكَرَاهَةُ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي مَعْنَى الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ كَاتِّخَاذِهَا لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ قِيَاسًا، فَتَمَحَّضَ كَرَاهَةَ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْوِيعِ النَّاسِ، وَامْتِنَاعِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ، وَفِي قَوْلِهِ: نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، أَيْ: مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اتِّخَاذَهَا لَيْسَ حَرَامًا؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ يُمْنَعُ اتِّخَاذُهُ سَوَاءٌ نَقَصَ مِنَ الْأَجْرِ أَمْ لَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 591 حَرَامٌ. قَالَ: وَوَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُتَعَبَّدَ بِهَا فِي الْكِلَابِ مِنْ غَسْلِ الْإِنَاءِ سَبْعًا، لَا يَكَادُ يَقُومُ بِهَا الْمُكَلَّفُ، وَلَا يَتَحَفَّظُ مِنْهَا، فَرُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ بِاتِّخَاذِهَا مَا يَنْقُصُ أَجْرَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَيُرْوَى أَنَّ الْمَنْصُورَ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ سَبَبِ الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُنْجِ الضَّيْفَ، وَيُرَوِّعُ السَّائِلَ، انْتَهَى. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيمِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْعُقُوبَةَ تَقَعُ بِعَدَمِ التَّوْفِيقِ لِلْعَمَلِ بِمِقْدَارِ قِيرَاطٍ، أَوْ قِيرَاطَيْنِ مِمَّا كَانَ يَعْمَلُهُ مِنَ الْخَيْرِ لَوْ لَمْ يَتَّخِذِ الْكَلْبَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الِاتِّخَاذَ حَرَامٌ، وَالْمُرَادُ بِالنَّقْصِ أَنَّ الْإِثْمَ بِاتِّخَاذِهِ يُوَازِنُ قَدْرَ قِيرَاطٍ أَوْ قِيرَاطَيْنِ مِنْ أَجْرِهِ، فَيَنْقُصُ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهِ قَدْرُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ بِاتِّخَاذِهِ، وَهُوَ قِيرَاطٌ أَوْ قِيرَاطَانِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي الْحَدِيثِ: الْحَثُّ عَلَى تَكْثِيرِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا يَنْقُصُهَا، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى أَسْبَابِ الزِّيَادَةِ فِيهَا وَالنَّقْصِ مِنْهَا لِتُجْتَنَبَ أَوْ تُرْتَكَبَ، وَبَيَانُ لُطْفِ اللَّهِ بِخَلْقِهِ فِي إِبَاحَةِ مَا لَهُمْ فِيهِ نَفْعٌ، وَتَبْلِيغُ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ أُمُورَ مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَتَرْجِيحُ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ لِاسْتِثْنَاءِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِمَّا حَرُمَ اتِّخَاذُهُ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّيْدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْبُيُوعِ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 592 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ»   1809 - 1762 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ» ) ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ» ، وَزَادَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: " ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ» ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَالضَّرْعِ وَالزَّرْعِ "، وَلَهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ: " «عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» "، قَالَ عِيَاضٌ: أَخْذَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ بِالْحَدِيثِ فِي قَتْلِهَا إِلَّا مَا اسْتَثْنَى، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى جَوَازِ اتِّخَاذِهِ، وَنَسْخِ الْقَتْلِ وَالنَّهْيِ عَنِ الِاقْتِنَاءِ إِلَّا فِي الْأَسْوَدِ، وَالَّذِي عِنْدِي فِي تَنْزِيلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ ظَوَاهِرَهَا أَوَّلًا تَقْتَضِي عُمُومَ الْقَتْلِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الِاقْتِنَاءِ، ثُمَّ نَسْخَ هَذَا الْعُمُومِ بِقَصْرِ الْقَتْلِ عَلَى الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ، وَمَنْعَ الِاقْتِنَاءِ إِلَّا فِي الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي عَدَمِ قَتْلِهَا، هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ مِنَ الْعَامِّ الْأَوَّلِ، أَوْ كَانَ مُخَصَّصًا عَلَى مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ؟ قَالَ الْأَبِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ، وَأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يَقَعْ فِي الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْقَتْلِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ، هُوَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورُ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ» "، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُقَيَّدَةٌ، وَالْأُولَى مُطْلَقَةٌ الحديث: 1809 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 592 وَالْمَخْرَجُ مُتَّحِدٌ، فَيَجِبُ رَدُّ الْمُطْلَقِ إِلَى الْمُقَيَّدِ بِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ، فَلَمْ يَتَنَاوَلِ الثَّلَاثَةَ، فَإِخْرَاجُهَا إِنَّمَا هُوَ لِتَخْصِيصٍ مُتَّصِلٍ، وَالتَّخْصِيصُ مُتَّصِلٌ وَمُنْفَصِلٌ، فَالْمُتَّصِلُ كَالتَّخْصِيصِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ، وَالْمُنْفَصِلُ مَا سِوَى ذَلِكَ نَحْوُ: اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، انْتَهَى. وَاتُّفِقَ عَلَى قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَفِي جَوَازِ قَتْلِهِ مُطْلَقًا أَوْ لَا مُطْلَقًا قَوْلَانِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْبَيْعِ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 593 [مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْغَنَمِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ»   6 - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْغَنَمِ 1810 - 1763 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) - بِكَسْرِ الزَّايِ، وَخِفَّةِ النُّونِ - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَأَسُ الْكُفْرِ» ) ، أَيْ: مَنْشَؤُهُ وَابْتِدَاؤُهُ، أَوْ مُعْظَمُهُ وَشِدَّتُهُ، (نَحْوَ الْمَشْرِقِ) بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ فِي مَحَلِّ رَفْعِ خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فَارِسَ، وَأَنْ يُرِيدَ أَهْلَ نَجْدٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ كُفْرُ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ فِتَنِ الْإِسْلَامِ ظَهَرَتْ مِنْ جِهَتِهِ كَفِتْنَةِ الْجَمَلِ، وَصِفِّينَ، وَالنَّهْرَوانِ، وَقَتْلِ الْحُسَيْنِ، وَقَتْلِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَفِتْنَةِ الْجَمَاجِمِ، يُقَالُ: قُتِلَ فِيهَا خَمْسُمِائَةٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَإِثَارَةُ الْفِتَنِ وَإِرَاقَةُ الدِّمَاءِ كُفْرَانُ نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ كُفْرَ الْجُحُودِ، وَيَكُونُ إِشَارَةً إِلَى وَقْعَةِ التَّتَارِ الَّتِي اتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهَا نَظِيرٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ، فَفِي خَبَرٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشْرِقِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّمَا ذَمَّ الْمَشْرِقَ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْوَى الْكُفْرِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ، وَمَحَلَّ الْفِتَنِ، ثُمَّ عَمَّهُ الْإِيمَانُ، وَأَيَّمَّا كَانَ فَالْحَدِيثُ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ غَيْبٍ وَقَدْ وَقَعَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى شِدَّةِ كُفْرِ الْمَجُوسِ؛ لِأَنَّ مَمْلَكَةَ الْفُرْسِ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكَانُوا فِي غَايَةِ الْعِزَّةِ وَالتَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ حَتَّى مَزَّقَ مَلِكُهُمْ كِتَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ، وَاسْتَمَرَّتِ الْفِتَنُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ. (وَالْفَخْرُ) - بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ - ادِّعَاءُ الْعَظَمَةِ، وَالْكِبْرِ، وَالشَّرَفِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَمِنْهُ الْإِعْجَابُ بِالنَّفْسِ. (وَالْخُيَلَاءُ) ، بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ، وَالْمَدِّ، الْكِبْرُ، وَاحْتِقَارُ الْغَيْرِ. ( «فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْفَدَّادِينَ» ) بَدَلٌ الحديث: 1810 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 593 مِنْ أَهْلِ، بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَالدَّالُ مُشَدَّدَةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّهُ الرِّوَايَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ جَمْعُ فَدَّادٍ، وَهُوَ مَنْ يَعْلُو صَوْتُهُ فِي إِبِلِهِ وَخَيْلِهِ وَحَرْثِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: الْفَدَّادِينُ الْإِبِلُ الْكَبِيرَةُ مِنْ مِائَتَيْنِ إِلَى أَلْفٍ، وَقِيلَ: مَنْ سَكَنَ الْفَدَافِدَ، جَمْعُ فَدْفَدٍ وَهِيَ الْبَرَارِي وَالصَّحَارِي، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَحُكِيَ تَخْفِيفُ الدَّالِ جَمْعُ فَدَانٍ، وَالْمُرَادُ: الْبَقَرُ الَّتِي يُحْرَثُ عَلَيْهَا، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: آلَةُ الْحَرْثِ وَالسِّكَّةِ، فَالْمُرَادُ أَصْحَابُ الْفَدَّادِينَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ: وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الْإِبِلِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا ذَمَّ هَؤُلَاءِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمُعَالَجَةِ مَا هُمْ فِيهِ عَنْ أُمُورِ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى قَسَاوَةِ الْقَلْبِ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْحَدِيثِ: «الْجَفَاءُ وَالْقَسْوَةُ فِي الْفَدَّادِينَ» : أَصْحَابُ الْحُرُوثِ وَالْمَوَاشِي. (أَهْلِ الْوَبَرِ) - بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَالْمُوَحَّدَةِ - أَيْ: لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْمَدَرِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ عَنِ الْحَضَرِ بِأَهْلِ الْمَدَرِ، وَعَنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِأَهْلِ الْوَبَرِ، فَلَا يُشْكِلُ ذِكْرُ الْوَبَرِ بَعْدَ الْخَيْلِ، وَلَا وَبَرَ لَهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيِّنَتُهُ، زَادَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ: فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، أَيْ: فِي الْفَدَّادِينَ مِنْهُمْ. (وَالسَّكِينَةُ) فَعِيلَةٌ دُونَ أَهْلِ الْإِبِلِ فِي التَّوَسُّعِ وَالْكَثْرَةِ مِنَ السُّكُونِ، أَيِ: الطُّمَأْنِينَةُ وَالْوَقَارُ وَالتَّوَاضُعُ، قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: لَا نَظِيرَ لَهَا، أَيْ: فِي وَزْنِهَا إِلَّا قَوْلَهُمْ عَلَى فُلَانٍ قَرِيبَةٌ، أَيْ: خَرَاجٌ مَعْلُومٌ (فِي أَهْلِ الْغَنَمِ) ؛ لِأَنَّهُمْ غَالِبًا، وَهُمَا سَبَبُ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِمْ أَهْلَ الْيَمَنِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ مَوَاشِيهِمُ الْغَنَمُ بِخِلَافِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ إِبِلٍ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: «اتَّخِذِي الْغَنَمَ فَإِنَّ فِيهَا بَرَكَةً» "، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 594 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ»   1811 - 1764 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ) ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيُّ، ثُمَّ الْمَازِنِيُّ هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ مِنْ ثِقَاتِ تَابِعِي الْحِجَازِ، قَالَ الْحَافِظُ: فَسَقَطَ الْحَارِثُ مِنَ الرِّوَايَةِ، وَالْحَارِثُ صَحَابِيٌّ شَهِدَ أُحُدًا، وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) ، اسْمُهُ سَعْدٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: سِنَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ، اسْتُشْهِدَ أَبُوهُ بِأُحُدٍ (الْخُدْرِيِّ) - بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - مِنَ الْمُكْثِرِينَ (أَنَّهُ قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُوشِكُ) - بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتُفْتَحُ الحديث: 1811 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 594 فِي لُغَةٍ رَدِيَّةٍ، أَيْ: يَقْرُبُ « (أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ) » ، نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ مَرْفُوعٌ عَلَى الْأَشْهَرِ فِي الرِّوَايَةِ اسْمُ يَكُونَ مُؤَخَّرًا، وَخَيْرَ مَالِ خَبَرُهَا مُقَدَّمًا، وَفَائِدَةُ تَقْدِيمِهِ الِاهْتِمَامُ، إِذِ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ الِاعْتِزَالُ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْغَنَمِ، فَلِذَا أَخَّرَهَا، وَفِي رِوَايَةٍ: بِرَفْعِ " خَيْرُ " اسْمٌ، وَنَصْبُ غَنَمًا خَبَرٌ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ يُقَدَّرُ فِي يَكُونَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ الرِّوَايَةُ. (يَتَّبِعُ بِهَا) - بِتَشْدِيدِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ - افْتِعَالٌ مِنِ اتَّبَعَ اتِّبَاعًا، وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا مِنْ تَبِعَ - بِالْكَسْرِ - يَتْبَعُ بِالْفَتْحِ، أَيْ: بِالْغَنَمِ، (شَعَفَ) ، بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، فَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ، فَفَاءٍ، أَيْ: رُءُوسَ (الْجِبَالِ) - بِالْجِيمِ - وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى شَعَبَ، بِمُوَحَّدَةٍ بَدَلَ الْفَاءِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ النَّاسُ شَعَفَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُهْمَلَةِ، وَفَاءٍ، جَمْعُ شَعَفَةٍ، كَأَكَمٍ وَأَكَمَةٍ، وَهِيَ رُءُوسُ الْجِبَالِ. (وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ) ، أَيِ: الْمَطَرِ بِالنَّصْبِ عَلَى شَعَفَ، أَيْ: بُطُونَ الْأَوْدِيَةِ وَالصَّحَارِي؛ إِذْ هُمَا مَوَاضِعُ الرَّعْيِ حَالَ كَوْنِهِ (يَفِرُّ بِدِينِهِ) ، أَيْ: بِسَبَبِهِ مِنَ النَّاسِ، أَوْ مَعَ دِينِهِ (مِنَ الْفِتَنِ) ، طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ لَا لِقَصْدٍ دُنْيَوِيٍّ، وَفِيهِ فَضْلُ الْعُزْلَةِ لِلْخَائِفِ عَلَى دِينِهِ، إِلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إِزَالَتِهَا، فَتَجِبُ الْخُلْطَةُ عَيْنًا، أَوْ كِفَايَةً بِحَسَبِ الْحَالِ وَالْإِمْكَانِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَاطَ أَوْلَى لِاكْتِسَابِ الْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا، كَإِعَانَةٍ وَإِغَاثَةٍ وَعِبَادَةٍ، وَفَضَّلَ قَوْمٌ الْعُزْلَةَ، لِتَحَقُّقِ السَّلَامَةِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ مَا يَتَعَيَّنُ، وَلِيَعْمَلَ بِمَا عَلِمَ، وَيَأْنَسَ بِدَوَامِ الذِّكْرِ. نَعَمْ تَجِبُ الْعُزْلَةُ عَلَى مَنْ لَا يَسْلَمُ دِينُهُ بِالصُّحْبَةِ، وَتَجِبُ الصُّحْبَةُ لِمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ فَاتَّبَعَهُ، وَالْبَاطِلَ فَاجْتَنَبَهُ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ جَهِلَ ذَلِكَ لِيَعْمَلَهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْإِيمَانِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَفِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي الْفِتَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ الْمَاجِشُونُ، وَهُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَهُ فِي الْأَدَبِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهِ عَنْ مُسْلِمٍ، نَعَمْ أَخْرَجَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَ: " «أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ» "، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْفِتَنِ، وَهِيَ زِيَادَةٌ مِنْ حَافِظٍ فَيُقَيَّدُ بِهَا الْمُطْلَقُ، وَلَهَا شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ مَالِكٍ الْبَهْزِيَّةِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ سُكْنَى الْبَوَادِي، وَالسِّيَاحَةِ، وَالْعُزْلَةِ اهـ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 595 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ وَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ فَلَا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ»   1812 - 1765 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) فِي مُوَطَّأِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مَالِكٌ أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْمُوَطَّآتِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ: لَا يَحْتَلِبَنَّ) - بِفَوْقِيَّةٍ، فَلَامٍ مَكْسُورَةٍ - قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي أَكْثَرِ الْمُوَطَّآتِ لَا يَحْلُبَنَّ بِدُونِ تَاءٍ وَضَمِّ اللَّامِ: (أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْمَاشِيَةُ تَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَلَكِنَّهُ فِي الْغَنَمِ أَكْثَرُ، رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، مَاشِيَةَ رَجُلٍ، وَهُوَ كَالْمِثَالِ فَلَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِالرَّجُلِ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِلَفْظِ: مَاشِيَةَ أَخِيهِ، وَقَالَ هُوَ لِلْغَالِبِ، إِذْ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لِذَلِكَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَبِإِثْبَاتِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: نَهَى أَنْ يَحْتَلِبَ مَوَاشِيَ النَّاسِ (بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مُشْرُبَتُهُ) - بِضَمِّ الرَّاءِ، وَقَدْ تُفْتَحُ، أَيْ: غُرْفَتُهُ (فَتُكْسَرَ) - بِضَمِّ التَّاءِ، وَفَتْحِ السِّينِ، وَالنَّصْبُ عَطْفٌ عَلَى تُؤْتَى (خِزَانَتُهُ) - بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَالرَّفْعِ، نَائِبُ الْفَاعِلِ مَكَانُهُ، أَوْ وِعَاؤُهُ الَّذِي يُخَزِّنُ فِيهِ مَا يُرِيدُ حِفْظَهُ، وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عِنْدَ أَحْمَدَ: فَيُكْسَرَ بَابُهَا، (فَيُنْتَقَلَ) - بِالنَّصْبِ - (طَعَامُهُ) - بِضَمِّ الْيَاءِ، وَنُونٍ وَقَافٍ - مِنَ النَّقْلِ، أَيْ: يُحَوَّلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ، كَذَا فِي أَكْثَرِ الْمُوَطَّآتِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ رُوحِ بْنِ عُبَادَةَ، وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ، بِلَفْظِ: فَيُنْتَثَلَ - بِمُثَلَّثَةٍ بَدَلَ الْقَافِ - وَالنَّثْلُ: الْأَخْذُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِسُرْعَةٍ، وَقِيلَ: الِاسْتِخْرَاجُ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ النَّقْلِ. وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَيُّوبَ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ نَافِعٍ، وَرَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ بِالْقَافِ، (وَإِنَّمَا تَخْزُنُ) - بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَضَمِّ الزَّايِ - (ضُرُوعُ) جَمْعُ ضَرْعٍ لِلْبَهِيمَةِ كَالثَّدْيِ لِلْمَرْأَةِ، (مَوَاشِيهِمْ أَطَعِمَاتِهِمْ) نُصِبَ بِالْكَسْرَةِ مَفْعُولٌ لِضُرُوعٍ، وَهُوَ جَمْعُ أَطْعِمَةٍ، وَهِيَ جَمْعُ طَعَامٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا: اللَّبَنُ كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ، فَشَبَّهَ ضُرُوعَ الْمَوَاشِي فِي ضَبْطِهَا الْأَلْبَانَ عَلَى أَرْبَابِهَا بِالْخِزَانَةِ الَّتِي تَحْفَظُ مَا أُودِعَتْهُ مِنْ مَتَاعٍ وَغَيْرِهِ، ( «فَلَا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ» ) ، أَعَادَهُ بَعْدَ ضَرْبِ الْمِثَالِ زِيَادَةً فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَأْخُذَ الْمُسْلِمُ لِلْمُسْلِمِ شَيْئًا، إِلَّا بِإِذْنِهِ الْخَاصِّ، أَوِ الْعَامِّ، وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّبَنَ بِالذِّكْرِ لِتَسَاهُلِ النَّاسِ فِيهِ، فَنَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، وَبِهَذَا أَخَذَ الْجُمْهُورُ، وَاسْتَثْنَى كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ مَا إِذَا عَلِمَ بِطِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الحديث: 1812 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 596 مِنْهُ إِذَنٌ خَاصٌّ، وَلَا عَامٌّ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ سَوَاءٌ عَلِمَ طِيبَ نَفْسِهِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ، وَالْحُجَّةُ لَهُمْ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ مَاشِيَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا فِيهَا، فَيُصَوِّتُ ثَلَاثًا، فَإِنْ أَجَابَ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَإِلَّا فَلْيَحْلِبْ وَلِيَشْرَبْ، وَلَا يَحْمِلْ» "، إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى الْحَسَنِ. فَمَنْ صَحَّحَ سَمَاعَهُ مِنْ سَمُرَةَ صَحَّحَهُ، وَمَنْ لَا أَعَلَّهُ بِالِانْقِطَاعِ، لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ مِنْ أَقْوَاهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: " «إِذَا أَتَيْتَ عَلَى رَاعٍ فَنَادِي ثَلَاثًا، فَإِنْ أَجَابَكَ وَإِلَّا فَاشْرَبْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ، وَإِذَا أَتَيْتَ عَلَى حَائِطِ بُسْتَانٍ» "، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّحَاوِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ أَصَحُّ، فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُعْمَلَ بِهِ، وَبِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْقَوَاعِدِ الْقَطْعِيَّةِ فِي تَحْرِيمِ مَالِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِوُجُوهٍ: مِنْهَا حَمْلُ الْإِذْنِ عَلَى مَا إِذَا عَلِمَ طِيبَ نَفْسِ صَاحِبِهِ، وَالنَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ. وَمِنْهَا: تَخْصِيصُ الْإِذْنِ بِابْنِ السَّبِيلِ دُونَ غَيْرِهِ، أَوْ بِالْمُضْطَّرِّ، أَوْ بِحَالِ الْمَجَاعَةِ مُطْلَقًا، وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ، وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: أَنَّ حَدِيثَ الْإِذْنِ كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَدِيثَ النَّهْيِ أَشَارَ إِلَى مَا سَيَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ التَّشَاحِّ، وَتَرْكِ الْمُوَاسَاةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمَالِكُ أَحْوَجَ مِنَ الْمَارِّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، إِذْ رَأَيْنَا إِبِلًا مَصْرُورَةً فَثُبْنَا إِلَيْهَا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ هَذِهِ الْإِبِلَ لِأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ قُوتُهُمْ، أَيَسُرُّكُمْ لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى مَنَازِلِكُمْ فَوَجَدْتُمْ مَا فِيهَا قَدْ ذَهَبَ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ» "، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَلَفْظُ أَحْمَدَ: فَابْتَدَرَهَا الْقَوْمُ لِيَحْلِبُوهَا، قَالُوا: فَيُحْمَلُ حَدِيثُ الْإِذْنِ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَصْرُورَةٍ، وَالنَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ مَصْرُورَةً لِهَذَا الْحَدِيثِ، لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي آخِرِهِ: " «فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ، فَاشْرَبُوا، وَلَا تَحْمِلُوا» "، فَدَلَّ عَلَى عُمُومِ الْإِذْنِ فِي الْمَصْرُورَةِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ بِقَيْدِ عَدَمِ الْحَمْلِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْحَمْلَ عَلَى الْعَادَةِ، قَالَ: وَكَانَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَغَيْرُهُمُ الْمُسَامِحَةُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ بَلَدِنَا، قَالَ: وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ مَهْمَا كَانَ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يُعْدَلُ إِلَيْهِ، وَلَا يُقْصَدُ جَازَ لِلْمَارِّ الْأَخْذُ مِنْهُ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَصْرِ ذَلِكَ عَلَى الْمُجْتَازِ. وَأَشَارَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ إِلَى قَصْرِ ذَلِكَ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي الْغَزْوِ، وَآخَرُونَ إِلَى قَصْرِ الْإِذْنِ عَلَى مَا كَانَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَالنَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَاسْتُؤْنِسَ بِمَا شَرَطَهُ الصَّحَابَةُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ. وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُسَافِرِ يَنْزِلُ بِالذِّمِّيِّ قَالَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِهِ، قِيلَ لَهُ: فَالضِّيَافَةُ الَّتِي جُعِلَتْ عَلَيْهِمْ، قَالَ: كَانُوا يَوْمَئِذٍ فَخُفِّفَ عَنْهُمْ بِسَبَبِهَا، وَأَمَّا الْآنَ فَلَا. وَجَنَحَ بَعْضُهُمْ إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 597 نَسْخِ الْإِذْنِ وَحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، قَالُوا: وَكَانَتِ الضِّيَافَةُ حِينَئِذٍ وَاجِبَةً، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِفَرْضِ الزَّكَاةِ. وَفِي الْحَدِيثِ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ لِلتَّقْرِيبِ لِلْأَفْهَامِ، وَتَمْثِيلِ مَا قَدْ يَخْفَى بِمَا هُوَ أَوْضَحُ مِنْهُ، وَاسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِي النَّظَائِرِ، وَذُكِرَ الْحُكْمُ بِعِلَّتِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْعِلَّةِ، تَأْكِيدًا أَوْ تَقْرِيرًا، وَأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ مُسَاوَاةُ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، بَلْ رُبَّمَا كَانَتْ لِلْأَصْلِ مَزِيَّةٌ لَا يَتَمَيَّزُ سُقُوطُهَا فِي الْفَرْعِ، إِذَا شَارَكَ فِي أَصْلِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الضَّرْعَ لَا يُسَاوِي الْخِزَانَةَ فِي الْخَزْنِ، كَمَا أَنَّ الضَّرْعَ لَا يُسَاوِي الْفِعْلَ فِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَلْحَقَ الشَّارِعُ الْمَصْرُورَ فِي الْحُكْمِ بِالْخِزَانَةِ الْمُقْفَلَةِ فِي تَحْرِيمِ تَنَاوُلِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الْمُنِيرِ، وَفِيهِ إِبَاحَةُ خَزْنِ الطَّعَامِ، وَاحْتِكَارِهِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، خِلَافًا لِغُلَاةِ الْمُتَزَهِّدَةِ الْمَانِعِينَ مِنَ الِادِّخَارِ مُطْلَقًا، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ: وَأَنَّ اللَّبَنَ يُسَمَّى طَعَامًا، وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي اللُّقَطَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْقَضَاءِ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 598 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ رَعَى غَنَمًا قِيلَ وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَنَا   1812 - 1766 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا صَحَّ مَوْصُولًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ رَعَى غَنَمًا» ) ، اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي إِلْهَامِهِمْ رَعْيِهَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ لِيَحْصُلَ لَهُمُ التَّمَرُّنُ بِرَعْيِهَا عَلَى مَا يُكَلَّفُونَ بِهِ مِنَ الْقِيَامِ بِأَمْرِ أُمَّتِهِمْ، وَلِأَنَّ فِي مُخَالَطَتِهَا زِيَادَةُ الْحِلْمِ وَالشَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا صَبَرُوا عَلَى مَشَقَّةِ الرَّعْيِ، وَدَفَعُوا عَنْهَا السِّبَاعَ الضَّارِيَةَ، وَالْأَيْدِي الْخَاطِفَةَ، وَعَلِمُوا اخْتِلَافَ طِبَاعِهَا وَتَفَاوُتَ إِدْرَاكِهَا، وَعَرَفُوا ضَعْفَهَا وَاحْتِيَاجَهَا إِلَى النَّقْلِ مِنْ مَرْعًى إِلَى مَرْعًى، وَمِنْ مَسْرَحٍ إِلَى مَرَاحٍ، رَفَقُوا بِضَعِيفِهَا وَأَحْسَنُوا تَعَاهُدَهَا، فَهُوَ تَوْطِئَةٌ لِتَعْرِيفِهِمْ سِيَاسَةَ أُمَمِهِمْ، وَلِمَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّوَاضُعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ - وَخَصَّ الْغَنَمَ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ مِنْ غَيْرِهَا. (قِيلَ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَأَنَا) رَعَيْتُهَا. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: وَأَنَا كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ» "، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: " «كُنْتُ أَرْعَاهَا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِالْقَرَارِيطِ» "، قَالَ سُوَيْدٌ شَيْخُ ابْنِ مَاجَهْ: يَعْنِي كُلَّ شَاةٍ بِقِيرَاطٍ يَعْنِي الْقِيرَاطَ الَّذِي هُوَ جُزْءٌ مِنَ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ: قَرَارِيطُ اسْمُ مَوْضِعٍ بِمَكَّةَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَابْنُ نَاصِرٍ، وَأَيَّدَهُ مُغْلَطَايَ بِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ الْقِيرَاطَ، قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَعْرِفُ بِهَا مَكَانًا يُقَالُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 598 لَهُ الْقَرَارِيطُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ تَعْرِفُ الْقَرَارِيطَ الَّذِي هُوَ مِنَ النَّقْدِ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الصَّحِيحِ: " «تَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ» "، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ لَهَا أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ، وَفِي ذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَشْرَفُ خَلْقِ اللَّهِ مَا فِيهِ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالتَّصْرِيحِ بِمِنَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 599 [بَابُ مَا جَاءَ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ] ِ، وَالْبَدْءِ بِالْأَكْلِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَرَّبُ إِلَيْهِ عَشَاؤُهُ فَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَلَا يَعْجَلُ عَنْ طَعَامِهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ   7 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ، وَالْبَدْءِ بِالْأَكْلِ قَبْلَ الصَّلَاةِ 1814 - 1767 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَرَّبُ إِلَيْهِ عَشَاؤُهُ، فَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَلَا يَعْجَلُ) - بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَالْجِيمِ - (عَنْ طَعَامِهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ) عَمَلًا بِرِوَايَتِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَأُوا بِالْعَشَاءِ، وَلَا تَعْجَلْ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْهُ» "، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ. الحديث: 1814 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 599 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ انْزِعُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ»   1815 - 1768 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهْرِيِّ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) - بِفَتْحِهَا - (ابْنِ عُتْبَةَ) - بِضَمِّهَا، وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ - (ابْنِ مَسْعُودٍ) الْفَقِيهِ، (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ) خَالَتِهِ (مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى، فَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ، وَأَتْقَنَهُ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ كَابْنِ مَهْدِيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ نَافِعٍ، وَإِسْمَاعِيلَ، وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْقَاطِ مَيْمُونَةَ، وَأَشْهَبُ، وَغَيْرُهُ بِتَرْكِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ بِإِسْقَاطِهِمَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ يَحْيَى وَمَنْ تَابَعَهُ، وَكَذَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَمُعْمَرٌ عَنْهُ عَلَى الصَّوَابِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ عَنْهُ فَأَسْقَطَ مَيْمُونَةَ، وَعُقَيْلٌ عَنْهُ مُرْسَلًا بِإِسْقَاطِهِمَا، انْتَهَى. وَفِي الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مَعْنٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ مَا لَا أُحْصِيهِ، يَقُولُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَ الْحَافِظُ: أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ مَالِكًا كَانَ يَصِلُهُ تَارَةً، وَيُرْسِلُهُ تَارَةً، وَرِوَايَةُ الْوَصْلِ عَنْهُ مُقَدَّمَةٌ، إِذْ قَدْ سَمِعَهَا عَنْهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى مِرَارًا، وَتَابَعَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ، فَهُوَ مِنْ أَسَانِيدِ مَيْمُونَةَ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الحديث: 1815 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 599 الْفَأْرَةِ» ) بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ، وَالسَّائِلُ مَيْمُونَةُ كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، وَجُوَيْرِيَّةَ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ: «أَنَّ مَيْمُونَةَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْفَأْرَةِ (تَقَعُ فِي السَّمْنِ) » الْجَامِدِ، كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَا ذَكَرَهَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَرَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ وَالْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِدُونِهَا، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: فَمَاتَتْ (فَقَالَ: انْزِعُوهَا) ، وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ: أَلْقَوْهَا، وَمَعْنِ بْنِ عِيسَى: خُذُوهَا، أَيِ: الْفَأْرَةَ، (وَمَا حَوْلَهَا) مِنَ السَّمْنِ (فَاطْرَحُوهُ) ، زَادَ إِسْمَاعِيلُ: " وَكُلُوا سَمْنَكُمْ "، أَيِ: الْبَاقِي. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «سُئِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ، قَالَ: إِذَا كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» "، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ إِنْكَارُهُ عَلَى مَعْمَرٍ إِسْنَادَهُ، وَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِرَارًا مِنَ الزُّهْرِيِّ مَا قَالَ إِلَّا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ. وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ هَذِهِ خَطَأٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: إِنَّهَا وَهْمٌ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ، الطَّرِيقَانِ عِنْدَنَا مَحْفُوظَانِ، لَكِنَّ طَرِيقَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَشْهَرُ، وَقَدْ أَخَذَ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ مَعْمَرٍ الدَّالِّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْجَامِدَ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ مَيْتَةٌ طُرِحَتْ، وَمَا حَوْلَهَا إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَجْزَائِهَا لَمْ يَصِلْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْهُ. وَأَمَّا الْمَائِعُ فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُنَجَّسُ كُلُّهُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، وَخَالَفَ فَرِيقٌ مِنْهُمِ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ، وَفِي الذَّبَائِحِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَهُ أَيْضًا، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 600 [الشُّؤْمِ] بَابُ مَا يُتَّقَى مِنَ الشُّؤْمِ وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنْ كَانَ فَفِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَسْكَنِ يَعْنِي الشُّؤْمَ»   8 - بَابُ مَا يُتَّقَى مِنَ الشُّؤْمِ 1816 - 1769 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ) سَلَمَةَ (بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) - بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فِيهِمَا - (السَّاعِدِيِّ) نِسْبَةً إِلَى سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنْ كَانَ فَفِي الحديث: 1816 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 600 الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَسْكَنِ؛ يَعْنِي الشُّؤْمَ» ) - بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ - وَقَدْ تُسَهَّلُ فَتَصِيرُ وَاوًا هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الْمُوَطَّآتِ، وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ، وَالتِّنِّيسِيُّ: " إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ "، وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْحَرَّانِيُّ عَنْ مَالِكٍ: " «إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ» "، أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ، لَكِنْ لَمْ يَقُلْ إِسْمَاعِيلُ فِي شَيْءٍ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: ذَكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ اللَّهُ خَلَقَ الشُّؤْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا جَرَى مِنْ بَعْضِ الْعَادَةِ، فَإِنَّمَا يَخْلُقُهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. الْمَازِرِيُّ: مَحْمَلُهُ إِذَا كَانَ الشُّؤْمُ حَقًّا، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَحَقُّ بِهِ؛ بِمَعْنَى أَنَّ النُّفُوسَ يَقَعُ فِيهَا التَّشَاؤُمُ بِهَذِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَقَعُ بِغَيْرِهَا. وَقَالَ عِيَاضٌ: يَعْنِي إِنْ كَانَ لَهُ وُجُودٌ فِي شَيْءٍ، لَكَانَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْبَلُ الْأَشْيَاءَ لَهَا، لَكِنْ لَا وُجُودَ لَهُ فِيهَا، فَلَا وُجُودَ لَهُ أَصْلًا، انْتَهَى. أَيْ: إِنْ كَانَ شَيْءٌ يُكَرَهُ وَيُخَافُ عَاقِبَتُهُ فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَعَلَيْهِ فَالشُّؤْمُ مُحْمَلٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ الَّتِي سَبُبُهَا مَا فِي الْأَشْيَاءِ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ وَالطَّبْعِ كَمَا قِيلَ: شُؤْمُ الدَّارِ: ضِيقُهَا وَسُوءُ جِيرَانِهَا، وَشُؤْمُ الْمَرْأَةِ: عُقْمُهَا وَسَلَاطَةُ لِسَانِهَا، وَشُؤْمُ الْفَرَسِ أَنْ لَا يَغْزُو عَلَيْهَا، فَالشُّؤْمُ فِيهَا عَدَمُ مُوَافَقَتِهَا لَهُ طَبْعًا وَشَرْعًا. وَقِيلَ: هَذَا إِرْشَادٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ لَهُ دَارٌ يُسْكُنُهَا، أَوِ امْرَأَةٌ يَكْرَهُ عِشْرَتَهَا، أَوْ فَرَسٌ لَا يُوَافِقُهُ أَنْ يُفَارِقَهَا بِنَقْلِهِ، وَطَلَاقُ وَدَوَاءُ مَا لَا تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ تَعْجِيلُ الْفِرَاقِ وَالْبَيْعِ، فَلَا يَكُونُ بِالْحَقِيقَةِ مِنَ الطِّيَرَةِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَجْهُ تَخْصِيصِ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ مَعَ جَرْيِ هَذَا فِي كُلِّ مُتَطَيَّرٍ لَهُ بِمُلَازَمَتِهَا لِلْإِنْسَانِ، وَأَنَّهَا أَكْثَرُ مَا يَتَشَاءَمُ بِهِ. قَالَ: وَمُقْتَضَى سِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ مُتَحَقِّقًا لِوُجُودِ الشُّؤْمِ فِي الثَّلَاثِ، لَمَّا تَكَلَّمَ بِهَذَا، ثُمَّ عَلِمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْحَدِيثِ التَّالِي، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ، وَمُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي النِّكَاحِ عَنِ التِّنِّيسِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 601 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ وَسَالِمٍ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ»   1817 - 1770 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ) الْعُمَرِيِّ الْمَدَنِيِّ شَقِيقِ سَالِمٍ، تَابِعِيٍّ، ثِقَةٍ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ. (وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) ، وَاقْتَصَرَ شُعَيْبٌ، وَيُونُسَ مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْهُ كِلَاهُمَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ، قَالَ: لَمْ يَرْوِ الزُّهْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا عَنْ سَالِمٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ حَصْرٌ مَرْدُودٌ، فَقَدْ حَدَّثَ بِهِ مَالِكٌ عَنْهُ عَنْ حَمْزَةَ، وَسَالِمٍ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ، وَلَا سِيَّمَا فِي الحديث: 1817 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 601 الزُّهْرِيِّ، وَتَابَعَهُ يُونُسُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَأَبُو أُوَيْسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ أَبِي عَتِيقٍ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عِنْدَ النَّسَائِيِّ السِّتَّةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ نَفْسِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَهُوَ يَقْتَضِي رُجُوعَ سُفْيَانَ عَنْ ذَلِكَ الْحَصْرِ، وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَأَحْمَدُ عَنْ مَعْمَرٍ، خَمْسَتُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ وَحْدَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ يَجْمَعُهُمَا تَارَةً، وَيُفْرِدُ أَحَدَهُمَا أُخْرَى، وَلَهُ أَصْلٌ عَنْ حَمْزَةَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ حَمْزَةَ، (عَنْ) أَبِيهِمَا (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الشُّؤْمُ» ) الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْيُمْنِ، يُقَالُ: تَشَاءَمْتُ بِكَذَا، وَتَيَمَّنْتُ بِكَذَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَاوُهُ هَمْزَةٌ خُفِّفَتْ، فَصَارَتْ وَاوًا، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهَا التَّخْفِيفُ حَتَّى لَمْ يُنْطَقْ بِهَا مَهْمُوزَةً، انْتَهَى. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْحَافِظِ خِلَافُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ، وَقَدْ تُسَهَّلُ فَتَصِيرُ وَاوًا. ( «فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» ) ، أَيْ: كَائِنٌ فِيهَا، وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِهَا، فَالْحَصْرُ فِيهَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَادَةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخِلْقَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِطُولِ مُلَازَمَتِهَا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْيُمْنُ وَالشُّؤْمُ عَلَامَتَانِ لِمَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ الثَّلَاثَةُ ظُرُوفٌ جُعِلَتْ مَوَاقِعَ لِأَقْضِيَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَنْفُسِهَا وَطَبَائِعِهَا فِعْلٌ، وَلَا تَأْثِيرَ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أَعَمَّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَقْتَنِيهَا الْإِنْسَانُ، وَكَانَ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ دَارٍ يَسْكُنُهَا، وَزَوْجَةٍ يُعَاشِرُهَا، وَفَرَسٍ مُرْتَبِطَةٍ، وَلَا يَخْلُو عَنْ عَارِضٍ مَكْرُوهٍ فِي زَمَانِهِ أُضِيفَ الْيُمْنُ وَالشُّؤْمُ إِلَيْهَا إِضَافَةَ مَكَانٍ، وَهُمَا صَادِرَانِ عَنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - انْتَهَى. وَاتَّفَقَتْ طُرُقُ الْحَدِيثِ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَرَوَى جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، وَسَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْهَا: وَالسَّيْفُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَعْضُ الْمُبْهَمُ بَيِّنٌ فِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ أُمِّهِ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا: أَنَّهَا حَدَّثَتْ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَزَادَتْ: وَالسَّيْفِ، ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ، فَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُجْرِيَ اللَّهُ الْعَادَةَ بِذَلِكَ فِي هَؤُلَاءِ، كَمَا أَجْرَى الْعَادَةَ بِأَنَّ مَنْ شَرِبَ السُّمَّ مَاتَ، وَمَنْ قُطِعَ رَأْسُهُ مَاتَ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: كَمْ مِنْ دَارٍ سَكَنَهَا نَاسٌ فَهَلَكُوا. قَالَ الْمَازِرِيُّ: فَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ قَدَرَ اللَّهِ رُبَّمَا وَافَقَ مَا يَكَرَهُ عِنْدَ سُكْنَى الدَّارِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ كَالسَّبَبِ، فَيَتَشَاءَمُ فِي إِضَافَةِ الشُّؤْمِ إِلَيْهِ اتِّسَاعًا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَمْ يُرِدْ مَالِكٌ إِضَافَةَ الشُّؤْمِ إِلَى الدَّارِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَرْيِ الْعَادَةِ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي الْخُرُوجُ عَنْهَا صِيَانَةً لِاعْتِقَادِهِ عَنِ التَّعَلُّقِ بِالْبَاطِلِ، وَكَذَا حَمَلَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 602 وَغَيْرُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا يُظَنُّ بِمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى مُعْتَقَدِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ بِذَاتِهِمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا عَنَى أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ هِيَ أَكْثَرُ مَا يُتَطَيَّرُ بِهِ، فَمَنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ مِنْهَا أُبِيحَ لَهُ تَرْكُهُ، وَيَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَطُولُ تَعْذِيبُ الْقَلْبِ بِهَا مَعَ كَرَاهِيَةِ أَمْرِهَا لِمُلَازَمَتِهَا بِالسُّكْنَى وَالصُّحْبَةِ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدِ الْإِنْسَانُ الشُّؤْمَ فِيهَا، فَأَشَارَ الْحَدِيثُ إِلَى الْأَمْرِ بِفِرَاقِهَا لِيَزُولَ التَّعْذِيبُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْأَوْلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي تَأْوِيلِ كَلَامِ مَالِكٍ، وَهُوَ نَظِيرُ الْأَمْرِ بِالْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ مَعَ صِحَّةِ نَفْيِ الْعَدْوَى، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ حَسْمُ الْمَادَّةِ، وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يُوَافِقَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْقَدَرَ، فَيَعْتَقِدُ مَنْ وَقَعَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْعَدْوَى، أَوْ مِنَ الطِّيرَةِ، فَيَقَعُ فِي اعْتِقَادِ مَا نُهِيَ عَنِ اعْتِقَادِهِ، فَأُشِيرَ إِلَى اجْتِنَابِ مِثْلِ ذَلِكَ، وَالطَّرِيقُ فِيمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ مَثَلًا أَنْ يُبَادِرَ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مَتَى بَقِيَ فِيهَا رُبَّمَا حَمَلَهُ اعْتِقَادُ صِحَّةِ الطِّيرَةِ وَالتَّشَاؤُمِ، وَقِيلَ: شُؤْمُ الدَّارُ: ضِيقُهَا وَسُوءُ جِوَارِهَا، وَبُعْدُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ لَا يُسْمَعُ فِيهَا الْأَذَانُ، وَالْمَرْأَةُ: أَنْ لَا تَلِدَ، وَسُوءُ خُلُقِهَا، أَوْ غَلَاءُ مَهْرِهَا، أَوْ عَدَمُ قَنْعِهَا، أَوْ بَسْطُ لِسَانِهَا، وَالْفَرَسُ: أَنْ لَا يَغْزُو عَلَيْهَا، أَوْ حُرُونُهَا. وَرَوَى الدِّمْيَاطِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ: " «إِذَا كَانَ الْفَرَسُ حَرُونًا، فَهُوَ مَشْئُومٌ، وَإِذَا حَنَّتِ الْمَرْأَةُ إِلَى بَعْلِهَا الْأَوَّلِ فَهِيَ مَشْئُومَةٌ، وَإِذَا كَانَتِ الدَّارُ بَعِيدَةً مِنَ الْمَسْجِدِ، لَا يُسْمَعُ مِنْهَا الْأَذَانُ، فَهِيَ مَشْئُومَةٌ» "، وَلِلطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ: " «أَنَّ مِنْ شَقَاءِ الْمَرْءِ فِي الدُّنْيَا، سُوءُ الدَّارِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّابَّةِ» "، وَفِيهِ: " «سُوءُ الدَّارِ ضِيقُ سَاحَتِهَا، وَخُبْثُ جِيرَانِهَا، وَسُوءُ الدَّابَّةِ مَنْعُ ظَهْرِهَا، وَسُوءُ طَبْعِهَا، وَسُوءُ الْمَرْأَةِ عُقْمُ رَحِمِهَا، وَسُوءُ خُلُقِهَا» "، وَرَوَى أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَرْفُوعًا: " «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَةٌ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ، وَمِنْ شَقَاءِ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَةٌ: الْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ» "، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ: " «الْمَرْكَبُ الْهَنِيُّ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ» "، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ: " «وَثَلَاثَةٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْمَرْأَةُ تَرَاهَا تَسُوءُكَ، وَتَحْمِلُ لِسَانَهَا عَلَيْكَ، وَالدَّابَّةُ تَكُونُ قُطُوفًا، فَإِذَا ضَرَبَتْهَا تَعِبَتْ، وَإِنْ تَرَكْتَهَا لَمْ تَلْحَقْ أَصْحَابَكَ، وَالدَّارُ تَكُونُ ضَيِّقَةً قَلِيلَةَ الْمَرَافِقِ» "، وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْأَجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ بَعْضٍ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ: يَكُونُ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِقَدَرِ اللَّهِ. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ مَا حَاصِلُهُ: الْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ: الشُّؤْمُ مَنِ الْتَزَمَ التَّطَيُّرَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ صَرْفَهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تُلَازِمُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَانْزِعُوهَا عَنْكُمْ، وَلَا تُعَذِّبُوا أَنْفُسَكُمْ بِهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَصْدِيرُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِنَفْيِ الطِّيَرَةِ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: " «لَا طِيرَةَ، وَالطِّيرَةُ عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ» "، وَقِيلَ: الْحَدِيثُ سِيقَ لِبَيَانِ اعْتِقَادِ النَّاسِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 603 ذَلِكَ لَا أَنَّهُ إِخْبَارٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثُبُوتِ ذَلِكَ، وَسِيَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِبُعْدِهِ، بَلْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّهُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبْعَثْ لِيُخْبِرَ النَّاسَ عَنْ مُعْتَقَدَاتِهِمُ الْمَاضِيَةِ، أَوِ الْحَاصِلَةِ، وَإِنَّمَا بُعِثَ لِيُعَلِّمَهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَعْتَقِدُوهُ، وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا شُؤْمَ، وَقَدْ يَكُونُ الْيُمْنُ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّابَّةِ وَالْفَرَسِ» "، فَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِيسِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ «قِيلَ لِعَائِشَةَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ. فَقَالَتْ: لَمْ يُحْفَظْ أَنَّهُ دَخَلَ، وَهُوَ يَقُولُ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ يَقُولُونَ: الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ» ، فَسَمِعَ آخَرَ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَسْمَعْ أَوَّلَهُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَمَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ عَائِشَةَ، لَكِنْ رَوَى أَحْمَدُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ دَخَلَا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَا: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الشُّؤْمُ فِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّابَّةِ، فَغَضِبَتْ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَتْ مَا قَالَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ مِنْ ذَلِكَ» . قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ ذَلِكَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، مَعَ مُوَافَقَةِ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَهُ عَلَى رِوَايَةِ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَابْنِ عُمَرَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ} [الحديد: 22] (سورة الْحَدِيدِ: الْآيَةُ 22) الْآيَةَ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، لَا سِيَّمَا مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ، خُصُوصًا وَقَدْ وَرَدَ فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ نَفْيُ التَّطَيُّرِ، ثُمَّ إِثْبَاتُهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، " «لَا عَدْوَى وَلَا طِيرَةَ، وَإِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ» "، فَذَكَرَهَا. وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: " «لَا هَامَةَ، وَلَا عَدْوَى، وَلَا طِيرَةَ "، وَإِنْ تَكُنِ الطِّيرَةُ فِي شَيْءٍ، فَفِي الدَّارِ وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ، وَالطِّيرَةُ وَالشُّؤْمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ» ، انْتَهَى. وَقَالَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَسَابِقِهِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن: 14] (سورة التَّغَابُنِ: الْآيَةُ 14) ، إِشَارَةٌ إِلَى تَخْصِيصِ الشُّؤْمِ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْهَا الْعَدَاوَةُ، وَالْفِتْنَةُ لَا كَمَا يَفْهَمُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنَ التَّشَاؤُمِ بِكَعْبِهَا، وَإِنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي ذَلِكَ، وَهُوَ شَيْءٌ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّارِعُ عَلَى مَنْ نَسَبَ الْمَطَرَ إِلَى النَّوْءِ الْكُفْرَ، فَكَيْفَ مَنْ نَسَبَ مَا يَقَعُ مِنَ الشَّرِّ إِلَى الْمَرْأَةِ مِمَّا لَيْسَ لَهَا فِيهِ مَدْخَلٌ؟ وَإِنَّمَا يَتَّفِقُ مُوَافِقُ قَضَاءٍ وَقَدَرٍ، فَتَنْفِرُ النَّفْسُ مِنْ ذَلِكَ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَتْرُكَهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَيْهَا، انْتَهَى. ثُمَّ لَا يُشْكِلُ هَذَا مَعَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الْجِهَادِ: " «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» "، لِاحْتِمَالِ أَنَّ الشُّؤْمَ فِي غَيْرِ الَّتِي رُبِطَتْ لِلْجِهَادِ وَالَّتِي أُعِدَّتْ لَهُ هِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، أَوْ يُقَالُ: الْخَيْرُ وَالشَّرُّ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهُ فَسَرَّ الْخَيْرَ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْفُرْسُ مِمَّا يُتَشَاءَمُ بِهِ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 604 الْمُرَادُ جِنْسُ الْخَيْرِ، أَيْ: أَنَّهَا بِصَدَدِ أَنَّ فِيهَا الْخَيْرَ، فَلَا يُنَافِي حُصُولَ غَيْرِهِ عَارِضٌ، قَالَهُ عِيَاضٌ. وَسَأَلَ بَعْضُهُمْ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الدَّارِ يُبَاحُ الِانْتِقَالُ مِنْهَا، وَبَيْنَ مَوْضِعِ الْوَبَاءِ يُنْهَى عَنِ الِانْتِقَالِ عَنْهُ؟ وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: الْأُمُورُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَمْ يَقَعْ بِهِ ضَرَرٌ، وَلَا اطَّرَدَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَصَرِيخِ بُومٍ عَلَى دَارٍ، وَنَعِيقِ غُرَابٍ فِي سَفَرٍ، فَهَذَا لَا يُصْغَى إِلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي أَنْكَرَ الشَّرْعُ الِالْتِفَاتَ إِلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَتِ الْعَرَبُ تَتَطَيَّرُ بِهِ. وَثَانِيهَا: مَا يَقَعُ بِهِ الطِّيرَةُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَعُمُّ كَالدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ، فَيُبَاحُ لِصَاحِبِ ذَلِكَ أَنْ يُفَارِقَ، وَلِمَا مَرَّ مِنْ وَجْهِ اسْتِثْنَائِهَا. الثَّالِثُ: مَا يَقَعُ وَيَعُمُّ، وَلَا يَخُصُّ وَيَنْدُرُ، وَلَا يَتَكَرَّرُ كَالْوَبَاءِ، هَذَا لَا يُقَدَمُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا، وَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ. قَالَ: فَهَذَا التَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ يُشِيرُ إِلَى الْفَرْقِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَيَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 605 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَارٌ سَكَنَّاهَا وَالْعَدَدُ كَثِيرٌ وَالْمَالُ وَافِرٌ فَقَلَّ الْعَدَدُ وَذَهَبَ الْمَالُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهَا ذَمِيمَةً»   1818 - 1771 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ قَالَ) مُنْقَطِعًا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّهُ مَحْفُوظٌ عَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ السَّائِلَ رَجُلٌ. وَعِنْدَهُ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ - بِمُهْمَلَةٍ - مُصَغَّرٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ السَّائِلُ قَالَ: « (جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلًّا مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَارٌ سَكَنَّاهَا) ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هِيَ دَارُ مُكْمِلٍ - بِضَمِّ الْمِيمِ، وَسُكُونِ الْكَافِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ بَعْدَهَا لَامٌ - وَهُوَ ابْنُ عَوْفٍ أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، (وَالْعَدَدُ كَثِيرٌ، وَالْمَالُ وَافِرٌ) : زَائِدٌ (فَقَلَّ الْعَدَدُ، وَذَهَبَ الْمَالُ) رَأْسًا، (فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعُوهَا ذَمِيمَةً) » ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ: مَذْمُومَةً يَقُولُ: دَعُوهَا، وَأَنْتُمْ لَهَا ذَامُّونَ، وَكَارِهُونَ لِمَا وَقَعَ فِي نُفُوسِكُمْ مِنْ شُؤْمِهَا، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَهُ خَشْيَةً عَلَيْهِمِ الْتِزَامَ الطِّيرَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا، وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا، لَكِنَّ الْخَالِقَ جَعَلَ ذَلِكَ وَقْتًا لِظُهُورِ قَضَائِهِ، وَأَمْرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا، لِئَلَّا يَقَعَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ فَيَسْتَمِرُّ اعْتِقَادُهُمْ، وَأَفَادَ وَصْفُهَا بِقَوْلِهِ: ذَمِيمَةً جَوَازَ ذَلِكَ، وَإِنَّ ذِكْرَهَا بِقَبِيحِ مَا وَقَعَ فِيهَا سَائِغٌ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا، وَلَا يَمْنَعُ ذَمُّ الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهَ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْهُ شَرْعًا، كَمَا يُذَمُّ الْعَاصِي عَلَى مَعْصِيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. الحديث: 1818 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 605 [مَا يُكْرَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلَقْحَةٍ تُحْلَبُ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْمُكَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ مُرَّةُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْمُكَ فَقَالَ حَرْبٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْمُكَ فَقَالَ يَعِيشُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْلُبْ»   9 - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ 1819 - 1772 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) مُرْسَلٌ، أَوْ مُعْضِلٌ، وَصَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ يَعِيشَ الْغِفَارِيِّ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلَقْحَةٍ) - بِكَسْرِ اللَّامِ، وَتُفْتَحُ - نَاقَةٌ ذَاتُ لَبَنٍ، ( «تُحْلَبُ مَنْ يَحْلُبُ» ) - بِضَمِّ اللَّامِ - ( «هَذِهِ؟ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: مُرَّةَ» ) - بِضَمِّ الْمِيمِ، وَشَدِّ الرَّاءِ - صَحَابِيٌّ غَيْرُ مَنْسُوبٍ، ( «فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجْلِسْ» ) لَا تَحْلِبْهَا، ( «ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ؟ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ» ) اسْمِي (حَرْبٌ) ، بِمُهْمَلَةٍ، فَرَاءٍ، فَمُوَحَّدَةٍ صَحَابِيٌّ غَيْرُ مَنْسُوبٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَابْنِ سَعْدٍ جَمْرَةُ - بِجِيمٍ، وَمِيمٍ - فَكَأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْمٌ، وَالْآخَرَ لَقَبٌ، ( «فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجْلِسْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ» ؟) اللِّقْحَةَ، « (فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ: يَعِيشُ» ) بِلَفْظِ مُضَارِعِ عَاشَ، ابْنُ طِخْفَةَ الْغِفَارِيُّ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَامِيٌّ مُخْرِجٌ حَدِيثَهُ عَنْ أَهْلِ مِصْرَ، ( «فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: احْلُبْ» ) - بِضَمِّ اللَّامِ - قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الطِّيرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ، وَيَفْعَلُهُ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ طَلَبِ الْفَالِ الْحَسَنِ، وَقَدْ كَانَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ سَيِّئِ الْأَسْمَاءِ أَنَّهُ حَرْبٌ وَمُرَّةُ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَتَسَمَّى بِهِمَا أَحَدٌ. الحديث: 1819 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 606 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ مَا اسْمُكَ فَقَالَ جَمْرَةُ فَقَالَ ابْنُ مَنْ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ مِمَّنْ قَالَ مِنْ الْحُرَقَةِ قَالَ أَيْنَ مَسْكَنُكَ قَالَ بِحَرَّةِ النَّارِ قَالَ بِأَيِّهَا قَالَ بِذَاتِ لَظًى قَالَ عُمَرُ أَدْرِكْ أَهْلَكَ فَقَدْ احْتَرَقُوا قَالَ فَكَانَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ   1820 - 1773 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) ، مُنْقَطِعٌ وَصْلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بِشْرٍ، أَنَّ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، (قَالَ) عُمَرُ (لِرَجُلٍ: مَا الحديث: 1820 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 606 اسْمُكَ؟ قَالَ: جَمْرَةُ) - بِالْجِيمِ، وَالرَّاءِ - (فَقَالَ ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ شِهَابِ) ابْنِ طَرْمِ بْنِ مَالِكٍ الْجُهَنِيُّ نَسَبَهُ ابْنُ الْكَلْبِيِّ، مُخَضْرَمٌ، (قَالَ: مِمَّنْ؟ قَالَ: مِنَ الْحُرَقَةِ) - بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَقَافٍ - بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، (قَالَ: أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟ قَالَ: بِحَرَّةِ) - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَالرَّاءِ - (النَّارِ، قَالَ: بِأَيِّهَا؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظَى، قَالَ عُمَرُ: أَدْرِكْ أَهْلَكَ، فَقَدِ احْتَرَقُوا، فَكَانَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بَشْرَانَ: فَرَجَعَ فَوَجَدَ أَهْلَهُ قَدِ احْتَرَقُوا. قَالَ الْبَاجِيُّ: كَانَتْ هَذِهِ حَالُ هَذَا الرَّجُلِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَمَا احْتَرَقَ أَهْلُهُ، وَلَكِنْ شَيْءٌ يُلْقِيهِ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْمُتَفَائِلِ عِنْدَ سَمَاعِ الْفَأْلِ، وَيُلْقِيهِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ، فَيُوَافِقُ مَا قَدَّرَ اللَّهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 607 [الْحِجَامَةِ وَأُجْرَةِ الْحَجَّامِ] بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحِجَامَةِ، وَأُجْرَةِ الْحَجَّامِ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ»   10 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحِجَامَةِ، وَأُجْرَةِ الْحَجَّامِ 1821 - 1774 - (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ الطَّوِيلِ) الْخُزَاعِيِّ الْبَصْرِيِّ، (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ قَالَ: «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -) مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ، وَلِأَحْمَدَ عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُبَّمَا أَخَذَتْهُ الشَّقِيقَةُ، فَيَمْكُثُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ لَا يَخْرُجُ، وَكَانَ يَحْتَجِمُ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا. وَلِابْنِ عَدِيٍّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ جِدًّا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: «الْحِجَامَةُ فِي الرَّأْسِ تَنْفَعُ مِنَ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَالنُّعَاسِ، وَالصُّدَاعِ، وَوَجَعِ الضِّرْسِ وَالْعَيْنِ» "، وَقَدْ زَادَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ» "، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ: " «خَيْرُ الدَّوَاءِ الْحِجَامَةُ، وَالْفَصْدُ» "، لَكِنَّ فِي سَنَدِهِ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ كَذَّبَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: " «لَا يَبْلُغُ الرَّجُلُ أَرْبَعِينَ سَنَّةً، ثُمَّ يَحْتَجِمُ» "، قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ فِي انْتِقَاصٍ مِنْ عُمْرِهِ، وَانْحِلَالٍ مَنْ قُوَاهُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَهُ وَهَنًا بِإِخْرَاجِ الدَّمِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَاجَتُهُ إِلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدَّهُ أَيْ: لِاحْتِجَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَاخِرِ عُمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَادَهُ وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ. الحديث: 1821 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 607 (حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ) ، بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمُوَحِّدَةِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، وَاسْمُهُ نَافِعٌ عَلَى الصَّحِيحِ، فَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَالطَّبَرَانِيِّ، وَابْنِ السَّكَنِ عَنْ مُحَيِّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّهُ كَانَ لَهُ غُلَامٌ حَجَّامٌ يُقَالُ لَهُ: نَافِعٌ أَبُو طَيْبَةَ، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهُ عَنْ خَرَاجِهِ» ، الْحَدِيثَ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ اسْمَهُ دِينَارٌ، وَوَهَمُوهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ دِينَارَ الْحَجَّامَ تَابِعِيٌّ يَرْوِي عَنْ أَبِي طَيْبَةَ، لَا أَنَّهُ أَبُو طَيْبَةَ نَفْسُهُ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ الْحَجَّامِ «عَنْ أَبِي طَيْبَةَ قَالَ: " حَجَمْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - الْحَدِيثَ. وَذَكَرَ الْبَغْوَيُّ فِي الصَّحَابَةِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ أَنَّ اسْمَ أَبِي طَيْبَةَ مَيْسَرَةُ، وَقَالَ الْعَسْكَرِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " «خَرَجَ عَلَيْنَا أَبُو طَيْبَةَ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقُلْنَا لَهُ: أَيْنَ كُنْتَ؟ قَالَ: حَجَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ) » ، وَلِابْنِ السَّكَنِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «كُنَّا جُلُوسًا بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا أَبُو طَيْبَةَ بِشَيْءٍ يَحْمِلُهُ فِي ثَوْبِهِ، فَقُلْنَا لَهُ: مَا هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: حَجَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَانِي أَجْرِي» "، (وَأَمَرَ أَهْلَهُ) ، أَيْ: سَيِّدَهُ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَأَمَرَ مَوَالِيَهُ بِالْجَمْعِ مَجَازًا، (أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ) - بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ - مَا يُقَرِّرُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ شَهْرٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَكَانَ خَرَاجُهُ ثَلَاثَةَ آصُعٍ، فَوَضَعَ عَنْهُ صَاعًا، كَمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ جَوَازُ الْحِجَامَةِ، وَأَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهَا، وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. " «احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ» "، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهْ، وَالْكَرَاهَةُ إِنَّمَا هِيَ لِلْحَجَّامِ، لَا لِلْمُسْتَعْمِلِ لِضَرُورَتِهِ إِلَى الْحِجَامَةِ، وَعَدَمِ ضَرُورَةِ الْحَجَّامِ، وَلَوْ تَوَاطَأَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِهِ لَأَضَرَّ بِهِمْ، وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْأَجِيرِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ أُجْرَةٍ، وَإِعْطَاءِ قَدْرِهَا وَأَكْثَرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَدْرَهَا كَانَ مَعْلُومًا، فَوَقَعَ الْعَمَلُ عَلَى الْعَادَةِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَيْعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَشُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عِنْدَهُ فِي الْإِجَارَةِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عِنْدَهُ فِي الطِّبِّ الثَّلَاثَةُ عَنْ حُمَيْدٍ نَحْوَهُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ زِيَادَةٌ قَدْ عُلِمَتْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 608 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنْ كَانَ دَوَاءٌ يَبْلُغُ الدَّاءَ فَإِنَّ الْحِجَامَةَ تَبْلُغُهُ   1821 - 1775 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا صَحَّ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: « (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنْ كَانَ دَوَاءً) مُفْرَدُ أَدْوِيَةٍ: مَا يُتَدَاوَى بِهِ (يَبْلُغُ الدَّاءَ) : الْمَرَضَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 608 (فَإِنَّ الْحِجَامَةَ تُبْلُغُهُ) » ، تَصِلُ إِلَيْهِ، أَوْرَدَهُ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ الْمُؤْذِنِ بِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْخَبَرِ إِيذَانًا بِتَحْقِيقِهِ لِلسَّامِعِينَ، أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ تَحَقَّقْتُمْ أَنَّ مِنَ الدَّوَاءِ مَا يَبْلُغُ الدَّاءَ، فَتَحَقَّقُوا أَنَّ الْحِجَامَةَ تَبْلُغُهُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ» "، فَجَزَمَ بِأَنَّ فِي الْحَجْمِ الشِّفَاءَ، أَوِ الشَّرْطُ عَلَى حَقِيقَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ، فَلَمَّا عَلِمَ جَزَمَ نَظِيرَ مَا مَرَّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 609 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ مُحَيِّصَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَحَدِ بَنِي حَارِثَةَ «أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَارَةِ الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ عَنْهَا فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ حَتَّى قَالَ اعْلِفْهُ نُضَّاحَكَ يَعْنِي رَقِيقَكَ»   1823 - 1776 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ مُحَيِّصَةَ) - بِضَمِّ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ، وَقَدْ تُسَكَّنُ - (أَحَدِ بَنِي حَارِثَةَ) - بِمُهْمَلَةٍ، وَمُثَلَّثَةٍ - مِنَ الْخَزْرَجِ (أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَهُوَ غَلَطٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَ لِسَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ صُحْبَةٌ فَكَيْفَ لِابْنِهِ حَرَامٍ؟ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ هُوَ حَرَامُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَمُطَرِّفٌ، وَابْنُ نَافِعٍ، وَالْقَعْنَبِيُّ، وَالْأَكْثَرُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ مُحَيِّصَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُرْسِلُ، وَتَابَعَهُ فِي قَوْلِهِ عَنْ أَبِيهِ يُونُسُ، وَمَعْمَرُ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَلَمْ يَتَّصِلْ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْهُ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي إِجَارَةِ الْحَجَّامِ) » ؛ لِأَنَّ غُلَامَهُ أَبَا طَيْبَةَ كَانَ حَجَّامًا، وَكَانَ جَعَلَ عَلَيْهِ خَرَاجًا كَمَا مَرَّ، (فَنَهَاهُ عَنْهَا) تَنْزِيهًا، ( «فَلَمْ يَزَلْ يَسْتَأْذِنُهُ حَتَّى قَالَ: اعْلِفْهُ نُضَّاحَكَ» ) - بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ - جَمْعُ نَاضِحٍ، وَلِلْقَعْنَبِيِّ: نَاضِحَكَ بِالْإِفْرَادِ، وَهُوَ الْجَمَلُ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ الْمَاءُ، (رَقِيقَكَ) كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى الْقَعْنَبِيُّ بِلَا وَاوٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ بِالْوَاوِ، وَبِهَذَا تَمَسَّكَ أَحْمَدُ، وَمُوَافِقُوهُ فَمَنَعُوا الْحُرَّ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْحِجَامَةِ، وَأَبَاحُوا لَهُ إِنْفَاقَهَا عَلَى عَبْدِهِ وَدَوَابِّهِ، وَأَبَاحُوهَا لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. الحديث: 1823 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 609 [فِي الْمَشْرِقِ] بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَشْرِقِ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ وَيَقُولُ هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ»   11 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَشْرِقِ بِكَسْرِ الرَّاءِ فِي الْأَكْثَرِ، وَبِفَتْحِهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ، لَكِنَّهُ قَلِيلُ الِاسْتِعْمَالِ جِهَةَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ مَشْرِقِيٌّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا. 1824 - 1777 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ» ) ، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ إِلَى جَنْبِ الْمِنْبَرِ "، وَفِي التِّرْمِذِيِّ: " قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ "، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ: " قَامَ عِنْدَ بَابِ حَفْصَةَ "، وَفِي لَفْظٍ: " عِنْدَ بَابِ عَائِشَةَ "، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ بَابِ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَبَابَاهُمَا مُتَقَارِبَانِ، فَأَشَارَ وَهُوَ وَاقِفٌ بَيْنَهُمَا، فَعَبَّرَ عَنْهُ تَارَةً بِبَابِ حَفْصَةَ، وَأُخْرَى بِبَابِ عَائِشَةَ، ثُمَّ مَشَى إِلَى جَنْبِ الْمِنْبَرِ، فَأَشَارَ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ فَأَشَارَ، فَإِنْ سَاغَ هَذَا، وَإِلَّا فَيُطْلَبُ جَمْعٌ غَيْرُهُ، وَلَا يُجْمَعُ بِتَعَدُّدِ الْقِصَّةِ لِاتِّحَادِ الْمُخْرِجِ، وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ. (وَيَقُولُ) : زَادَ فِي رِوَايَةِ نَافِعٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَشْرِقَ "، (هَا) بِالْقَصْرِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ حَرْفُ تَنْبِيهٍ، (إِنَّ الْفِتْنَةَ) - بِكَسْرِ الْفَاءِ -: الْمِحْنَةُ، وَالْعِقَابُ، وَالشِّدَّةُ، وَكُلُّ مَكْرُوهٍ، وَآيِلٍ إِلَيْهِ كَالْكُفْرِ، وَالْإِثْمِ وَالْفَضِيحَةِ وَالْفُجُورِ وَالْمُصِيبَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنَ اللَّهِ فَهُنَّ عَلَى وَجْهِ الْحِكْمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ، فَمَذْمُومَةٌ، فَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ الْإِنْسَانَ بِإِيقَاعِ الْفِتْنَةِ كَقَوْلِهِ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 191) ، {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج: 10] (سورة الْبُرُوجِ: الْآيَةُ 10) ، الْآيَةَ (هَاهُنَا إِنَّ الْفِتْنَةَ) زَادَ الْقَعْنَبِيُّ: هَاهُنَا، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ بِالتَّكْرَارِ مَرَّتَيْنِ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ. وَفِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: «إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا مَرَّةً وَاحِدَةً» . (مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ) - بِضَمِّ اللَّامِ - (قَرْنُ الشَّيْطَانِ) بِالْإِفْرَادِ، أَيْ: حِزْبُهُ وَأَهْلُ وَقْتِهِ وَزَمَانِهِ وَأَعْوَانُهُ، وَنَسَبَ الطُّلُوعَ لِقَرْنِهِ مَعَ أَنَّ الطُّلُوعَ لِلشَّمْسِ لِكَوْنِهِ مُقَارِنًا لَهَا، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ نَافِعٍ، وَكَذَا سَالِمٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، لَكِنْ بِالشَّكِّ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، أَوْ قَالَ: قَرْنُ الشَّمْسِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقٍ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ سَالِمٍ: " «مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ» "، بِالتَّثْنِيَةِ وَبِدُونِ شَكٍّ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ لَهُ قَرْنَيْنِ حَقِيقَةً، وَقِيلَ: هُمَا جَانِبَا رَأْسِهِ أَنَّهُ يَقْرِنُ رَأْسَهُ الحديث: 1824 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 610 بِالشَّمْسِ عِنْدَ طُلُوعِهَا لِيَقَعَ سَجْدَةُ عَبَدَتِهَا لَهُ، وَقِيلَ: هُوَ مَثْلٌ أَيْ: حِينَئِذٍ يَتَحَرَّكُ الشَّيْطَانُ، وَيَتَسَلَّطُ، أَوْ قَرْنُهُ أَهْلُ حِزْبِهِ، وَإِنَّمَا أَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَشْرِقِ؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ يَوْمَئِذٍ أَهْلُ كُفْرٍ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْفِتْنَةَ تَكُونُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَكَذَا وَقَعَ، فَكَانَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ، وَصَفِّينَ، ثُمَّ ظُهُورُ الْحَجَّاجِ فِي نَجْدٍ وَالْعِرَاقِ وَمَا وَرَاءَهَا مِنَ الْمَشْرِقِ، وَهَذَا مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ فِي شَيْخِهِ ابْنِ دِينَارٍ نَافِعٌ، وَسَالِمٌ، عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ نَحْوُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 611 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الْعِرَاقِ فَقَالَ لَهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ لَا تَخْرُجْ إِلَيْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ بِهَا تِسْعَةَ أَعْشَارِ السِّحْرِ وَبِهَا فَسَقَةُ الْجِنِّ وَبِهَا الدَّاءُ الْعُضَالُ   1824 - 1778 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الْعِرَاقِ) - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - قَالَ الْمَجَرُ: بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ عَبَادَانِ إِلَى الْمَوْصِلِ طُولًا، وَمِنَ الْقَادِسِيَّةِ إِلَى حُلْوَانَ عَرْضًا، وَتُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ، وَسَمَّيَتْ بِهَا لِتَوَاشُجِ عِرَاقِ النَّخْلِ، وَالشَّجَرِ فِيهَا، أَوْ لِأَنَّهُ اسْتَكَفَّ أَرْضَ الْعَرَبِ، أَوْ سُمِّيَ بِعِرَاقِ الْمَزَادَةِ لِجِلْدَةٍ تُجْعَلُ عَلَى مُلْتَقَى طَرَفَيِ الْجِلْدِ إِذَا خُرِزَ فِي أَسْفَلِهَا؛ لِأَنَّ الْعِرَاقَ بَيْنَ الرِّيفِ وَالْبَرِّ، أَوْ لِأَنَّهُ عَلَى عِرَاقِ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ، أَيْ: شَاطِئِهِمَا، أَوْ مُعَرَّبَةٌ إِيرَانُ شَهْرٍ، وَمَعْنَاهُ: كَثِيرَةُ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ. (فَقَالَ لَهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: لَا تَخْرُجْ إِلَيْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ بِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ السِّحْرِ) ، وَبَابِلُ مِنْ جُمْلَةِ بِلَادِهَا، (وَبِهَا فَسَقَةُ الْجِنِّ، وَبِهَا الدَّاءُ الْعُضَالُ) ، بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ هُوَ الَّذِي يَعْنِي الْأَطِبَّاءَ أَمْرُهُ، وَكَانَ هَذَا مِنَ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ؛ لِأَنَّ كَعْبًا حَبْرَهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 611 [فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَمَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ] قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَمَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ»   12 - بَابُ مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ، وَمَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ جَمْعُ حَيَّةٍ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَإِنَّمَا دَخَلَتْهَا الْهَاءُ؛ لِأَنَّهَا وَاحِدٌ مِنْ جِنْسٍ كَبَطَّةٍ عَلَى أَنَّهُ سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ: رَأَيْتُ حَيًّا عَلَى حَيَّةٍ، أَيْ: ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى، وَالْحَيُّوتُ: ذَكَرُ الْحَيَّاتِ، أَنْشَدَ الْأَصْمَعِيُّ: وَيَأْكُلُ الْحَيَّةَ وَالْحَيُّوتَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الثُّعْبَانُ الْكَبِيرُ: الْحَيَّةُ الذَّكَرُ. وَعَنْ غَيْرِهِ: الثُّعْبَانُ مِنَ الْحَيَّاتِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى. 1826 - 1779 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، الثِّقَةِ، الثَّبْتِ، الْفَقِيهِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ الحديث: 1826 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 611 وَمِائَةٍ، أَوْ بَعْدَهَا (عَنْ أَبِي لُبَابَةَ) - بِضَمِّ اللَّامِ، وَبِمُوَحَّدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ - صَحَابِيٍّ مَشْهُورٍ اسْمُهُ بَشِيرٌ - بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ - وَقِيلَ مُصَغَّرٌ، وَقِيلَ: بِتَحْتِيَّةٍ، وَمُهْمَلَةٍ مُصَغَّرٌ، وَقِيلَ: اسْمُهُ رِفَاعَةُ، وَقِيلَ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ، وَرِفَاعَةُ، وَبَشِيرٌ أَخَوَاهُ، وَاسْمُ جَدِّهِ زَنْبَرٌ بِزَايٍ، وَنُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَزْنُ جَعْفَرٍ، وَهُوَ أَوْسِيٌّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَشَذَّ مَنْ قَالَ: اسْمُهُ مَرْوَانُ، وَكَانَ أَحَدَ النُّقَبَاءِ، وَشَهِدَ أُحُدًا، وَيُقَالُ: شَهِدَ بَدَرًا، وَاسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ مَعَهُ رَايَةُ قَوْمِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَمَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ عَلَى الصَّحِيحِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْإِصَابَةِ: مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ. وَقَالَ خَلِيفَةُ: مَاتَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ، وَيُقَالُ: عَاشَ إِلَى بَعْدِ الْخَمْسِينَ. رَوَى عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُهُ سَالِمٌ وَمَوْلَاهُ نَافِعٌ وَغَيْرُهُمْ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ» ) ، يَعْنِي دُونَ إِنْذَارٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَّ تَتَمَثَّلُ بِهَا. قَالَ الْحَافِظُ: وَظَاهِرُهُ تَعْمِيمُ جَمِيعِ الْبُيُوتِ. وَعَنْ مَالِكٍ تَخْصِيصُهُ بِبُيُوتِ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: تَخْتَصُّ بِبُيُوتِ الْمَدِينَةِ دُونَ غَيْرِهَا، وَهُوَ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ، فَتُقْتَلُ فِي الْبَرَارِي وَالصَّحَارِي مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: أَنَّهَا الْحَيَّةُ الَّتِي تَكُونُ كَأَنَّهَا فِضَّةٌ، وَلَا تَلْتَوِي فِي مِشْيَتِهَا، انْتَهَى. وَفِي الْأَبِيِّ: أَنَّ مَالِكًا نَهَى عَنْ قَتْلِ حَيَّاتِ بُيُوتِ غَيْرِ الْمَدِينَةِ أَيْضًا بِلَا إِنْذَارٍ، وَلَكِنَّهُ عِنْدَهُ فِي بُيُوتِ الْمَدِينَةِ آكَدُ. وَقَصَرَهُ ابْنُ نَافِعٍ عَلَى بُيُوتِ الْمَدِينَةِ، وَرَأَى أَنَّ حَيَّاتَ غَيْرِهَا بِخِلَافِهَا لِحَدِيثِ: " «اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ» "، وَإِنَّهَا إِحْدَى الْخَمْسُ الَّتِي يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ، وَالْحَلَالُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَامِ، وَلَمْ يُذْكَرْ إِنْذَارٌ، فَحَدِيثُ الْمَدِينَةِ مُخَصِّصٌ لِهَذَا الْعُمُومِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 612 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَائِبَةَ مَوْلَاةٍ لِعَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ إِلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ»   1827 - 1780 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (عَنْ سَائِبَةَ مَوْلَاةٍ لِعَائِشَةَ) مُرْسَلٌ، وَهُوَ مَوْصُولٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي لُبَابَةَ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ» ) - بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَفَتْحِ النُّونِ الثَّقِيلَةِ - جَمْعُ جَانٍّ، وَهِيَ الْحَيَّةُ الصَّغِيرَةُ، وَقِيلَ: الرَّفِيعَةُ الْخَفِيفَةُ، وَقِيلَ: الرَّقِيقَةُ الْبَيْضَاءُ، وَقِيلَ: مَا لَا يَتَعَرَّضُ لِإِذَايَةِ النَّاسِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْجِنَّانُ مَسْخُ الْجِنِّ، كَمَا مُسِخَتِ الْقِرَدَةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: هِيَ عَوَامِرُ الْبُيُوتِ، فَتُمَثَّلُ فِي صِفَةِ حَيَّةٍ رَقِيقَةٍ بِالْمَدِينَةِ، وَغَيْرِهَا، وَهِيَ الَّتِي نَهَى عَنْ قَتْلِهَا حَتَّى تُنْذَرَ. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: إِنَّمَا يُقْتَلُ مِنَ الْحَيَّاتِ الَّتِي تَكُونُ رَقِيقَةً كَأَنَّهَا فِضَّةٌ، وَلَا تَلْتَوِي فِي مَشْيِهَا، قَالَهُ عِيَاضٌ. قَالَ الْأَبِيُّ: لَوْلَا تَفْسِيرُ مَنْ فَسَّرَ الْجِنَّانَ بِالْحَيَّاتِ عُمُومًا، لَتُوُهِّمَ أَنَّهُ لَا يُنْذَرُ الحديث: 1827 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 612 مِنْ جِنَّانِ الْبُيُوتِ إِلَّا الصَّغِيرُ عَلَى مَنْ فَسَّرَ الْجِنَّانَ بِالصَّغِيرِ، (الَّتِي فِي الْبُيُوتِ) عُمُومًا أَوْ بُيُوتٍ خَاصَّةٍ عَلَى مَا مَرَّ حَتَّى تُنْذَرَ، وَيُقْتَلُ مَا وُجِدَ فِي الصَّحَارِي بِلَا إِنْذَارٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَيُقْتَلُ مَا وُجِدَ مِنْهَا فِي الْمَسَاجِدِ، (إِلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ) - بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَسُكُونِ الْفَاءِ - تَثْنِيَةُ طُفْيَةٍ، وَهُوَ خُوصَةُ الْمُقَلِ شَبَّهَ بِهِ الْخَطَّيْنِ الَّذِينَ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَّةِ، قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُقَالُ إِنَّ ذَا الطُّفْيَيْنِ جِنْسٌ مِنَ الْحَيَّاتِ يَكُونُ عَلَى ظَهْرِهِ خَطَّانِ أَبْيَضَانِ. (وَالْأَبْتَرُ) مَقْطُوعُ الذَّنَبِ، أَوِ الْحَيَّةُ الصَّغِيرَةُ الذَّنَبِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيِّ: هُوَ الْأَفْعَى الَّتِي قَدْرُ شِبْرٍ، أَوْ أَكْثَرُ قَلِيلًا، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ بَيْنَهُمَا. وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحِ: " «لَا تَقْتُلُوا الْجِنَّانَ إِلَّا كُلَّ أَبْتَرَ ذِي طُفْيَتَيْنِ» "، وَظَاهِرُهُ اتِّحَادُهُمَا لَكِنَّهُ لَا يَنْفِي الْمُغَايِرَةَ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: الْوَاوُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ، لَا بَيْنَ الذَّاتَيْنِ فَالْمَعْنَى: اقْتُلُوا الْحَيَّةَ الْجَامِعَةَ بَيْنَ الْأَبْتَرِيَّةِ، وَكَوْنِهَا ذَاتَ طُفْيَتَيْنِ كَقَوْلِهِمْ: مَرَرْتُ بِالرَّجُلِ الْكَرِيمِ، وَالنَّسَمَةِ الْمُبَارَكَةِ، وَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا بَيْنَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ مَا اتَّصَفَ بِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ، وَبِقَتْلِ مَا اتَّصَفَ بِهِمَا مَعًا؛ لِأَنَّ الصِّفَتَيْنِ قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِيهَا، وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ. (فَإِنَّهُمَا يَخْطَفَانِ) - بِفَتْحِ الطَّاءِ - الْبَصَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَطْمِسَانِ (الْبَصَرَ) ، أَيْ: يَمْحُوَانِ نُورَهُ، ( «وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ» ) مِنَ الْحَمْلِ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلَ - بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ - قَالَ الْأَبِيُّ: إِمَّا لِلْفَزَعِ، أَوْ لِخَاصِّيَّةٍ فِيهِمَا، وَقَدْ تَكُونُ الْخَاصِّيَّةُ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ نَرَى ذَلِكَ مِنْ سُمِّهِمَا. قَالَ الْحَافِظُ: زَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ أُذِنَ فِي قَتْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْجَانَّ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِمَا، وَإِنَّمَا يَتِمُّ إِنْ جَعَلَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا، فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ رَدٌّ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَبِهِ عُلِمَ قَوْلُ السَّيُوطِيِّ، إِنَّمَا اسْتُثْنِيَا؛ لِأَنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ لَا يَتَصَوَّرُونَ فِي صُوَرِهِمَا لِأَذِيَّتِهِمَا بِنَفْسِ رُؤْيَتِهِمَا، وَإِنَّمَا يَتَصَوَّرُ مُؤْمِنُوا الْجِنِّ بِصُورَةِ مَنْ لَا تَضُرُّ رُؤْيَتُهُ، فَإِنَّ هَذَا كَلَامَ الدَّاوُدِيِّ، وَقَدْ عُلِمَ مَا فِيهِ، وَأَيْضًا تَعْلِيلُهُ بِهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ تَعْلِيلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 613 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ صَيْفِيٍّ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا حَيَّةٌ فَقُمْتُ لِأَقْتُلَهَا فَأَشَارَ أَبُو سَعِيدٍ أَنْ اجْلِسْ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ فَقَالَ أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ فَتًى حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ فَبَيْنَا هُوَ بِهِ إِذْ أَتَاهُ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي أُحْدِثُ بِأَهْلِي عَهْدًا فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَانْطَلَقَ الْفَتَى إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَائِمَةً بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ لِيَطْعُنَهَا وَأَدْرَكَتْهُ غَيْرَةٌ فَقَالَتْ لَا تَعْجَلْ حَتَّى تَدْخُلَ وَتَنْظُرَ مَا فِي بَيْتِكَ فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِحَيَّةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ فَرَكَزَ فِيهَا رُمْحَهُ ثُمَّ خَرَجَ بِهَا فَنَصَبَهُ فِي الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ الْحَيَّةُ فِي رَأْسِ الرُّمْحِ وَخَرَّ الْفَتَى مَيِّتًا فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْفَتَى أَمْ الْحَيَّةُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ»   1828 - 1781 - (مَالِكٌ عَنْ صَيْفِيِّ) بْنِ زِيَادٍ الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ مِنَ الثِّقَاتِ، (مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ) بِالْفَاءِ وَالْمُهْمَلَةِ (عَنِ ابْنِ السَّائِبِ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، يُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ (مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ) - بِضَمِّ الزَّايِ - « (أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) بَيْتَهُ الحديث: 1828 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 613 ، (فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى قَضَى) ، أَيْ: أَتَمَّ (صَلَاتَهُ فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِهِ، فَإِذَا حَيَّةٌ فَقُمْتُ لِأَقْتُلَهَا، فَأَشَارَ أَبُو سَعِيدٍ أَنِ اجْلِسْ) ، وَلَا تَقْتُلْهَا، (فَلَمَّا انْصَرَفَ) مِنَ الصَّلَاةِ، (أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ قَالَ: أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَرَاهُ (قَالَ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ فَتًى حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْخَنْدَقِ) فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ، (فَبَيْنَمَا هُوَ بِهِ، إِذْ أَتَاهُ يَسْتَأْذِنُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} [النور: 62] (سورة النُّورِ: الْآيَةُ 62) الْآيَةَ، (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي أُحْدِثُ بِأَهْلِي) ، أَيِ امْرَأَتِي (عَهْدًا، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي الذَّهَابِ إِلَى أَهْلِهِ، (وَقَالَ: خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ بَنِي قُرَيْظَةَ) » ، يَقْتَضِي أَنَّ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالْخَنْدَقِ خَلَاءً يَخْشَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ، قَالَهُ الْأَبِيُّ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: وَكَانَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِنْصَافِ النَّهَارِ، فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا، فَقَالَ: خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ. . . إِلَخْ. قَالَ عِيَاضٌ: رَوَيْنَا أَنْصَافَ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - أَيْ: بِنِصْفَيِ النَّهَارِ، وَهُوَ آخِرُ نِصْفِهِ الْأَوَّلِ، وَأَوَّلُ الثَّانِي، وَجُمِعَ مَعَ الْإِضَافَةِ إِلَى النَّهَارِ، كَمَا قَالَ ظُهُورُ التُّرْسَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ أَنْصَافُ مَصْدَرَ نِصْفِ النَّهَارِ، إِذَا بَلَغَ نِصْفَهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا يُقَالُ: نِصْفُ النَّهَارِ، إِذَا بَلَغَ نِصْفَهُ، وَلَا يُقَالُ: أَنْصَفَ رُبَاعِيًّا، (فَانْطَلَقَ) ، وَلِابْنِ وَهْبٍ: «فَأَخَذَ سِلَاحَهُ، ثُمَّ رَجَعَ (الْفَتَى إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَائِمَةً بَيْنَ الْبَابَيْنِ) ، خَوْفًا مِنَ الْحَيَّةِ، فَظَنَّ هُوَ سَيِّئًا، (فَأَهْوَى) مَدَّ يَدَهُ (إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ لِيَطْعُنَهَا) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - (وَأَدْرَكَتْهُ غَيْرَةٌ) - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ - عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ، (فَقَالَتْ: لَا تَعْجَلْ حَتَّى تَدْخُلَ، وَتَنْظُرَ مَا فِي بَيْتِكَ) ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فَقَالَتْ: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ، وَادْخُلْ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِي أَخْرَجَنِي، (فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِحَيَّةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ، فَرَكَّزَ فِيهَا رُمْحَهُ) ، وَلِابْنِ وَهْبٍ: فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 614 (ثُمَّ خَرَجَ بِهَا، فَنَصَبَهُ) ، أَيِ: الرُّمْحَ (فِي الدَّارِ، فَاضْطَرَبَتِ الْحَيَّةُ فِي رَأْسِ الرُّمْحِ وَخَرَّ) : سَقَطَ (الْفَتَى مَيِّتًا، فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْفَتَى، أَمِ الْحَيَّةُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وَلِابْنِ وَهْبٍ: " فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، وَقُلْنَا: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَيِّيَهُ لَنَا فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ» "، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالُوا ذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ، وَعُمُومِ بَرَكَتِهِ. (فَقَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا» ) ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَكَذَا أَسْلَمَ بِغَيْرِهَا، فَيَلْزَمُ الْمُسَاوَاةُ فِي مَنْعِ الْقَتْلِ إِلَّا بِإِذْنٍ. وَلَا يُفْهَمُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ الْفَتَى مُسْلِمٌ، وَأَنَّ الْجِنَّ قَتَلَتْهُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ، وَإِنْ شُرِعَ بَيْنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، لَكِنَّ شَرْطَهُ الْعَمْدُ، وَالْفَتَى لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَ نَفْسٍ مَسْلَمَةٍ، وَإِنَّمَا قَتَلَ مُؤْذِيًا يَسُوغُ لَهُ قَتَلُ نَوْعِهِ شَرْعًا، فَهُوَ مِنَ الْقَتْلِ خَطَأً، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فَسَقَةَ الْجِنَّ قَتَلَتْهُ بِصَاحِبِهِمْ عُدْوَانًا، وَإِنَّمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا لِيُبَيِّنَ طَرِيقًا يَحْصُلُ بِهَا التَّحَرُّزُ عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمْ، وَيُسَلِّطُ بِهِ عَلَى قَتْلِ الْكَافِرِ مِنْهُمْ. ( «فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» ) ، قَالَ عِيَاضٌ: هَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ أَنَّ الْإِنْذَارَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَإِنْ ظَهَرَ فِي يَوْمٍ ثَلَاثَ مِرَارٍ لَمْ يَكْفِ حَتَّى يُنْذَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، انْتَهَى. وَصِفَةُ الْإِنْذَارِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي لَيْلَى قَالَ: " قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا ظَهَرَتِ الْحَيَّةُ فِي الْمَسْكَنِ، فَقُولُوا لَهَا: نَسْأَلُكِ بِعَهْدِ نُوحٍ، وَبِعَهْدِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ لَا تُؤْذِينَا، فَإِنْ عَادَتْ فَاقْتُلُوهَا» "، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهِ: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ جِنَّانِ الْبُيُوتِ، فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ شَيْئًا فِي مَسَاكِنِكُمْ، فَقُولُوا: أُنْشِدُكُمُ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ نُوحٌ، أُنْشِدُكُمُ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ سُلَيْمَانَ أَنْ لَا تُؤْذُونَا، فَإِنْ عُدْنَ فَاقْتُلُوهُنَّ» "، وَقَالَ مَالِكٌ: يَكْفِي أَنْ يُقَالَ: أُحَرِّجُ عَلَيْكُمْ بِاللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ لَا تَبْدُوا لَنَا، وَلَا تُؤْذُونَا. قَالَ عِيَاضٌ: أَظُنُّهُ أَخْذَهُ مِنْ رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَقَالَ: «إِنْ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا، فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا» . وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: مَعْنَاهُ أَنْ يُقَالَ لَهُنَّ: أَنْتُنَّ فِي ضِيقٍ وَحَرَجٍ إِنْ لَبِثَتْ عِنْدَنَا، أَوْ ظَهَرْتَ لَنَا، أَوْ عَدْتَ إِلَيْنَا. ( «فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» ) ، وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " فَإِنَّهُ كَافِرٌ، وَقَالَ لَهُمْ: اذْهَبُوا فَادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ "، قَالَ عِيَاضٌ: لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَذْهَبْ بِالْإِنْذَارِ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُمَّارِ الْبُيُوتِ، وَلَا مِمَّنْ أَسْلَمَ، وَأَنَّهُ شَيْطَانٌ فَقَتْلُهُ مُبَاحٌ، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ سَبِيلًا إِلَى الِاقْتِصَاصِ مِمَّنْ قَتَلَهُ، كَمَا فَعَلَ بِجِنَّانِ الْبَيْتِ، وَمَنْ أَسْلَمَ لَمْ يُنْذَرْ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالْأَمْرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 615 فِي ذَلِكَ لِلْإِرْشَادِ إِلَّا يُحَقِّقُ الضَّرَرَ فَيَجِبُ رَفْعُهُ. قَالَ الْأَبِيُّ: هَلِ الْمُوجِبُ لِلِاسْتِئْذَانِ الْإِسْلَامُ، أَوْ خَوْفُ مِثْلِ مَا وَقَعَ لِلْفَتَى، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَخَوْفُ وُقُوعِهِ مِمَّنْ لَا يُسْلِمُ أَقْوَى إِلَّا أَنْ يُقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى مَنْ يُسْلِمُ دُونَ الْكَافِرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ كَافِرٌ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ، انْتَهَى. وَبِهِ جَزَمَ عِيَاضٌ كَمَا رَأَيْتَ، وَهُوَ مَدْلُولُ الْحَدِيثِ، فَالْمُوجِبُ لِلِاسْتِئْذَانِ الْإِسْلَامُ فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ بَعْدَ أَسْطُرٍ نَقَلَ كَلَامَ عِيَاضٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ بَعْضُ زِيَادَةٍ عَلِمْتُهَا، وَتَابَعَهُ فِي ذَلِكَ شَيْخُهُ صَيْفِيُّ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي السَّائِبِ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَائِلًا نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ صَيْفِيٍّ، وَقَالَ فِيهِ: " فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا، فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا، فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ» ، وَقَالَ لَهُمْ: اذْهَبُوا فَادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ "، وَتَابَعَهُ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ بِدُونِ الْقِصَّةِ ابْنُ عَجْلَانِ عَنْ صَيْفِيٍّ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا نَحْوُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 616 [باب السفر ومعاملة الأرقاء] [مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ الْكَلَامِ فِي السَّفَرِ] مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ الْكَلَامِ فِي السَّفَرِ حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَهُوَ يُرِيدُ السَّفَرَ يَقُولُ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ اللَّهُمَّ ازْوِ لَنَا الْأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَمِنْ كَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَمِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ   13 - بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ الْكَلَامِ فِي السَّفَرِ 1782 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ) مِمَّا صَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ: « (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ) - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ، ثُمَّ زَايٍ مَنْقُوطَةٍ، أَيِ: الرِّكَابِ، (وَهُوَ يُرِيدُ السَّفَرَ، يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ) أُسَافِرُ (اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ) » ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَخْلُو مَكَانٌ مِنْ أَمْرِهِ وَحُكْمِهِ، فَيَصْحَبُ الْمُسَافِرَ فِي سَفَرِهِ بِأَنْ يُسَلِّمَهُ، وَيَرْزُقَهُ، وَيُعِينَهُ وَيُوَفِّقَهُ وَيَخْلُفَهُ فِي أَهْلِهِ بِأَنْ يَرْزُقَهُمْ، وَيَعْصِمَهُمْ، فَلَا حُكْمَ لِأَحَدٍ فِي الْأَرْضِ، وَلَا فِي السَّمَاءِ غَيْرُهُ. (اللَّهُمَّ ازْوِ) ، بِالزَّايِ مَنْقُوطَةٍ، أَيِ: اطْوِ (لَنَا الْأَرْضَ) الطَّرِيقَ، وَقَرِّبْهُ وَسَهِّلْهُ، (وَهَوِّنْ) : يَسِّرْ، وَخَفِّفْ (عَلَيْنَا السَّفَرَ) ، فَلَا نَنَالُ فِيهِ مَزِيدَ مَشَقَّةٍ. (اللَّهُمَّ إِنِّي أُعَوِّذُ بِكَ) ، الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ الْمَعْنَوِيِّ التَّخْصِيصِيِّ كَأَنَّهُ خَصَّ الرَّبَّ بِالِاسْتِعَاذَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: أُعُوذُ بِاللَّهِ، وَلَمْ يُسْمَعْ: بِاللَّهِ أَعُوذُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ تَفَنُّنٌ وَانْبِسَاطٌ، وَالِاسْتِعَاذَةُ حَالَ خَوْفٍ وَقَبْضٍ، بِخِلَافِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ؛ لِأَنَّهُ حَالُ شُكْرٍ وَتَذَكُّرِ إِحْسَانٍ وَنِعَمٍ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ. (مِنْ وَعْثَاءِ) - بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ، وَمُثَلَّثَةٍ، وَالْمَدِّ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 616 أَيْ: شِدَّةِ (السَّفَرِ) وَخُشُونَتِهِ، (وَمِنْ كَآبَةِ) - بِفَتْحِ الْكَافِ، وَالْهَمْزَةِ، وَالْمَدِّ - أَيْ: حُزْنِ (الْمُنْقَلَبِ) ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْقَلِبَ الرَّجُلُ، وَيَنْصَرِفَ مِنْ سَفَرِهِ إِلَى أَمْرِ حَزِنَهُ وَيَكْتَئِبَ مِنْهُ. ( «وَمِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ» ) - بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ - ( «فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ» ) ، وَهُوَ كُلُّ مَا يَسُوءُ النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَسَمَاعُهُ فِيهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 617 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ فَإِنَّهُ لَنْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ   1783 - (مَالِكٌ عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ) أَبِي يُوسُفَ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى قُرَيْشٍ، ثِقَةٍ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَهَذَا قَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، بِلَفْظِ الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ يَعْقُوبَ الْمَذْكُورِ، (عَنْ بُسْرٍ) - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ - (ابْنِ سَعِيدٍ) - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكِ الزُّهْرِيِّ أَحَدِ الْعَشْرَةِ (عَنْ خَوْلَةَ) - بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ - (بِنْتِ حَكِيمِ) ابْنِ أُمَيَّةَ السَّلَمِيَّةِ، يُقَالُ لَهَا: أُمُّ شَرِيكٍ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا: خُوَيْلَةُ بِالتَّصْغِيرِ صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ، يُقَالُ: إِنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ قَبْلُ تَحْتَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا) ، مَظِنَّةً لِلْهَوَامِّ وَالْحَشَرَاتِ، وَنَحْوِهَا مِمَّا يُؤْذِي، وَلَوْ فِي غَيْرِ سَفَرٍ، (فَلْيَقُلْ) نَدَبًا لِدَفْعِ شَرِّهًا، (أَعُوذُ) : أَعْتَصِمُ (بِكَلِمَاتِ اللَّهِ) ، أَيْ: صِفَاتِهِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ الَّتِي بِهَا ظَهَرَ الْوُجُودُ بَعْدَ الْعَدَمِ، وَبِهَا يَقُولُ لِلشَّيْءِ: كُنْ فَيَكُونُ، وَقِيلَ: هِيَ الْعِلْمُ لِأَنَّهُ أَعَمُّ الصِّفَاتِ، وَقِيلَ: هِيَ الْقُرْآنُ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هِيَ جَمِيعُ مَا أَنْزَلَهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ إِلَى الْمَعَارِفِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَوَصَفَهَا بِقَوْلِهِ: (التَّامَّاتِ) ، أَيِ: الَّتِي لَا يَعْتَرِيهَا نَقْصٌ، وَلَا خَلَلٌ تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِ شَرَفِهَا، وَخُلُوِّهَا عَلَى كُلِّ نَقْصٍ، إِذْ لَا شَيْءَ إِلَّا وَهُوَ تَابِعٌ لَهَا يُعْرَفُ بِهَا، فَالْوُجُودُ كُلُّهُ بِهَا ظَهْرَ وَعَنْهَا وُجِدَ، انْتَهَى. وَقَالَ عِيَاضٌ: قِيلَ التَّامَّاتُ: الْكَامِلَةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا عَيْبٌ، وَلَا نَقْصٌ، كَمَا يَدْخُلُ كَلَامَ النَّاسِ، وَقِيلَ: هِيَ النَّافِعَةُ الشَّافِيَةُ. وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: الْكَلِمَةُ لُغَةً تَقَعُ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الْكَلَامِ اسْمًا أَوْ فِعْلًا أَوْ حَرْفًا، وَعَلَى الْأَلْفَاظِ الْمَنْطُوقَةِ، وَعَلَى الْمَعَانِي الْمَجْمُوعَةِ، وَالْكَلِمَاتُ هُنَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى، وَكُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنَ الْكَلِمَاتِ إِنَّمَا يَصِحُّ، وَيَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا، وَوَصَفَهَا بِالتَّمَامِ لِخُلُوِّهَا عَنِ الْعَوَائِقِ، وَالْعَوَارِضِ، فَإِنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي كَلَامِهِمْ، وَاللَّهْجَةِ، وَأَسَالِيبِ الْقَوْلِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَابَلَهُ آخَرُ فِي مَعْنَاهُ، أَوْ فِي مَعَانٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 617 إِنَّ أَحَدَهُمْ قَلَّمَا يَسْلَمُ مِنْ مُعَارَضَةٍ، أَوْ خَطَأٍ، أَوْ سَهْوٍ أَوْ عَجْزٍ عَنِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَأَعْظَمُ النَّقَائِصِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهَا أَنَّهَا كَلِمَاتٌ مَخْلُوقَةٌ تَكَلَّمَ بِهَا مَخْلُوقٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى أَدَوَاتٍ وَمَخَارِجَ، وَهَذِهِ نَقِيصَةٌ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا كَلَامُ مَخْلُوقٍ، وَكَلِمَاتُ اللَّهِ مُتَعَالِيَةٌ عَنْ هَذِهِ الْقَوَادِحِ، فَهِيَ الَّتِي لَا يَتْبَعُهَا نَقْصٌ، وَلَا يَعْتَرِيهَا اخْتِلَالٌ، (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) ، عَبَّرَ بِمَا لِلتَّعْمِيمِ، (فَإِنَّهُ لَنْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ) مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ (حَتَّى يَرْتَحِلَ) عَنْهُ، وَشَرْطُ نَفْعِ ذَلِكَ الْحُضُورُ وَالنِّيَّةُ، وَهِيَ اسْتِحْضَارُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْشَدَهُ إِلَى التَّحَصُّنِ بِهِ، وَأَنَّهُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، فَلَوْ قَالَهُ أَحَدٌ، وَاتَّفَقَ أَنَّهُ ضَرَّهُ شَيْءٌ، فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ بِنِيَّةٍ وَقُوَّةِ يَقِينٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِمَنَازِلِ السَّفَرِ، بَلْ عَامٌّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَلَسَ فِيهِ، أَوْ نَامَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَهَا عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلسَّفَرِ، أَوْ عِنْدَ نُزُولِهِ لِلْقِتَالِ الْجَائِزَةِ، قَالَهُ الْأَبِيُّ. وَلِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ ثَانٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ، وَالْحَارِثَ بْنَ يَعْقُوبَ حَدَّثَاهُ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ بُسْرٍ عَنْ سَعْدٍ عَنْ خَوْلَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: " «إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلًا فَلْيَقُلْ» "، فَذَكَرَهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ يَقْرَأُ مَعَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [المؤمنون: 29] (سورة الْمُؤْمِنُونَ: الْآيَةُ 29) ، وَ {رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80] (سورة الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 80) الْآيَةَ، وَأَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ عِنْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمَنْزِلِ، وَأَنَّ اللَّهَ قَالَهُ لِنُوحٍ حِينَ نَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 618 [فِي الْوَحْدَةِ فِي السَّفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ»   14 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَحْدَةِ فِي السَّفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْوَحْدَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتُكْسَرُ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ. 1831 - 1784 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ) بْنِ عَمْرِو الْأَسْلَمِيِّ الْمَدَنِيِّ صَالِحِ الْحَدِيثِ لَا بَأْسَ بِهِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، (عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ شُعَيْبٍ) الْقُرَشِيِّ صَدُوقٍ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ) شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ صَدُوقٍ، ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْ جَدِّهِ، فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: (عَنْ جَدِّهِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَلِشُعَيْبٍ وَإِنْ كَانَ لِعُمَرَ، وَحُمِلَ عَلَى الْجَدِّ الْأَعْلَى عَبْدِ اللَّهِ الصَّحَابِيِّ هَذَا الحديث: 1831 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 618 الْأَكْثَرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، أَيْ: لَا احْتِجَاجَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الرَّاكِبُ) الْوَاحِدُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي مَعْنَاهُ الرَّاجِلُ الْوَاحِدُ، (شَيْطَانٌ) ، أَيْ: بَعِيدٌ عَنِ الْخَيْرِ فِي الْأُنْسِ وَالرِّفْقِ، وَهَذَا أَصْلُ الْكَلِمَةِ لُغَةً، يُقَالُ: بِئْرٌ شَطُونٌ، أَيْ: بَعِيدَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: بِمَعْنَى أَنَّ الشَّيْطَانَ يَطْمَعُ فِي الْوَاحِدِ، كَمَا يَطْمَعُ فِيهِ اللِّصُّ، وَالسَّبُعُ، فَإِذَا خَرَجَ وَحْدَهُ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْبَلَاءِ بِهِ، فَكَانَ شَيْطَانًا. ( «وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ» ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَعَرِّضٌ لِذَلِكَ، سُمِّيَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَبِيلَيْنِ يَسْلُكُ سَبِيلَ الشَّيْطَانِ فِي اخْتِيَارِهِ الْوَحْدَةُ فِي السَّفَرِ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: شَيْطَانٌ، أَيْ: عَاصٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: 112] (سورة الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ 112) ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ عُصَاتُهُمْ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: سُمِّيَ الْوَاحِدُ وَالْاثْنَيْنِ شَيْطَانًا لِمُخَالَفَةِ النَّهْيِ عَنِ التَّوَحُّدِ فِي السَّفَرِ، وَالتَّعَرُّضِ لِلْآفَاتِ الَّتِي لَا تَنْدَفِعُ إِلَّا بِالْكَثْرَةِ، وَلِأَنَّ الْمُسَافِرَ تَنْبُو عَنْهُ الْجَمَاعَةُ، وَتَعْسُرُ عَلَيْهِ الْمَعِيشَةُ، وَلَعَلَّ الْمَوْتَ يُدْرِكُهُ فَلَا يَجِدُ مَنْ يُوصِي إِلَيْهِ بِإِيفَاءِ دُيُونِ النَّاسِ، وَأَمَانَاتِهِمْ، وَسَائِرِ مَا يَجِبُ، أَوْ يُسَنُّ عَلَى الْمُحْتَضِرِ أَنْ يُوصِيَ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مِنْ يَقُومُ بِتَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: هَذَا زَجْرُ أَدَبٍ وَإِرْشَادٍ لِمَا يَخَافُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنَ الْوَحْشَةِ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ، فَالسَّائِرُ وَحْدَهُ بِفَلَاةٍ وَالْبَايِتُ فِي بَيْتٍ وَحْدَهُ، لَا يَأْمَنُ الِاسْتِيحَاشَ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ ذَا فِكْرَةٍ رِدِيَّةٍ، وَقَلْبٍ ضَعِيفٍ، وَالْحَقُّ أَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي ذَلِكَ، فَوَقَعَ الزَّجْرُ لِحَسْمِ الْمَادَّةِ، فَيُكْرَهُ الِانْفِرَادُ سَدًّا لِلْبَابِ، وَالْكَرَاهَةُ فِي الِاثْنَيْنِ أَخَفُّ مِنْهَا فِي الْوَاحِدِ. وَعَنْ مَالِكٍ: أَنَّ ذَلِكَ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ، فَأَمَّا مَنْ قَصُرَ عَنْهُ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْفَرِدَ الْوَاحِدُ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ تَخْتَلِفِ الْآثَارُ فِي كَرَاهَةِ السَّفَرِ لِلْوَاحِدِ، وَاخْتُلِفَ فِي الِاثْنَيْنِ، وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ الْوَاحِدَ إِنْ مَرِضَ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُمَرِّضُهُ، وَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ، وَلَا يُخْبِرُ عَنْهُ وَنَحْوُ هَذَا. (وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ) لِزَوَالِ الْوَحْشَةِ، وَحُصُولِ الْأُنْسِ، وَانْقِطَاعِ الْأَطْمَاعِ عَنْهُمْ، وَخُرُوجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَبِي بَكْرٍ مُهَاجِرِينَ لِضَرُورَةِ الْخَوْفِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، أَوْ لِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَمُ كَرَاهَةِ الِانْفِرَادِ فِي السَّفَرِ وَحْدَهُ، لِأَمْنِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ. وَأَنْكَرَ مُجَاهِدٌ رَفْعَ الْحَدِيثِ وَقَالَ: لَمْ يَقُلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَعَثَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَخَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ سِرِّيَّةً، وَبَعْثَ دِحْيَةَ سِرِّيَّةً وَحْدَهُ، وَلَكِنْ قَالَ عُمَرُ يَحْتَاطُ لِلْمُسْلِمِينَ: كُونُوا فِي أَسْفَارِكُمْ ثَلَاثَةً، إِنْ مَاتَ وَاحِدٌ وَلِيَهُ اثْنَانِ، الْوَاحِدُ شَيْطَانٌ وَالِاثْنَانِ شَيْطَانَانِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ: لَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهِ؛ لِأَنَّ الثِّقَاتَ نَقَلُوهُ مَرْفُوعًا، انْتَهَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرْسَلَ الْبَرِيدَ وَحْدَهُ لِضَرُورَةِ طَلَبِ السُّرْعَةِ فِي إِبْلَاغِ مَا أُرْسِلَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَنْضَمَّ فِي الطَّرِيقِ بِالرُّفَقَاءِ، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ، وَغَيْرُهُمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 619 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّيْطَانُ يَهُمُّ بِالْوَاحِدِ وَالْاثْنَيْنِ فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً لَمْ يَهُمَّ بِهِمْ»   1832 - 1785 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ) : قَالَ أَبُو عُمَرَ مُرْسَلٌ، بِاتِّفَاقِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَوَصْلَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الشَّيْطَانُ) : إِبْلِيسُ، أَوْ أَعَمُّ، (يَهُمُّ) - بِضَمِّ الْهَاءِ - (بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ) ، أَيْ: بِاغْتِيَالِهِ، وَالتَّسَلُّطِ عَلَيْهِ، أَوْ بِغَيِّهِ وَصَرْفِهِ عَنِ الْحَقِّ وَإِغْوَائِهِ بِالْبَاطِلِ. احْتِمَالَانِ لِلْبَاجِيِّ. ( «فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً لَمْ يَهُمَّ بِهِمْ» ) ؛ لِأَنَّهُمْ رَكْبٌ وَصَحْبٌ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مِنَ الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ» "، قَالَ أَبُو عُمَرَ: يَتَّصِلُ مَعْنَى الْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ حِسَانٍ، وَأَوْرَدَ مِنْهَا جُمْلَةً. ثُمَّ أَخْرَجَ لَهُ سَبَبًا «عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سَافَرَ مَرَّةً فَمَرَّ بِقَبْرٍ جَاهِلِيٍّ، فَخَرَجَ مِنْهُ رَجُلٌ يَتَأَجَّجُ نَارًا فِي عُنُقِهِ سِلْسِلَةٌ، وَمَعِيَ إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اسْقِنِي، فَقُلْتُ: عَرِّفْنِي أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَقُولُهَا الْعَرَبُ، فَخَرَجَ عَلَى أَثَرِهِ رَجُلٌ مِنَ الْقَبْرِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْقِهِ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ، ثُمَّ أَخَذَ السِّلْسِلَةَ فَاجْتَذَبَهُ فَأَدْخَلَهُ الْقَبْرَ، ثُمَّ أَضَافَنِي اللَّيْلُ إِلَى بَيْتِ عَجُوزٍ إِلَى جَانِبِهَا قَبْرٌ، فَسَمِعْتُ مِنْهُ صَوْتًا يَقُولُ: بَوْلٌ وَمَا بَوْلُ شَنٍّ، وَمَا شَنَّ، فَقُلْتُ لِلْعَجُوزِ: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: كَانَ زَوْجًا لِي، وَكَانَ لَا يَتَّقِي الْبَوْلَ، وَأَقُولُ لَهُ: وَيْحَكَ إِنَّ الْجَمَلَ إِذَا بَالَ تَفَاجَّ، فَيَأْبَى فَهُوَ يُنَادِي مِنْ يَوْمِ مَاتَ بَوْلٌ، وَمَا بَوْلُ، قُلْتُ: فَمَا الشَّنُّ؟ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ عَطْشَانُ فَقَالَ: اسْقِنِي، فَقَالَ: دُونَكَ الشَّنُّ، فَإِذَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَخَرَّ الرَّجُلُ مَيِّتًا، فَهُوَ يُنَادِي شَنٌّ، وَمَا شَنٌّ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرْتُهُ فَنَهَى أَنْ يُسَافِرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ» ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: رُوَاتُهُ مَجْهُولُونَ لَمْ أُورِدْهُ لِلِاحْتِجَاجِ، وَلَكِنْ لِلِاعْتِبَارِ، وَمَا لَا حُكْمَ فِيهِ يُسَامَحُ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الضُّعَفَاءِ. الحديث: 1832 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 620 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا»   1833 - 1786 - (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) كِيسَانَ (الْمَقْبُرِيِّ) - بِضَمِّ الْبَاءِ، وَفَتْحِهَا - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) كَذَا لِمُعْظَمِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَغَيْرِهِمَا، وَإِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَرَوِيُّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الحديث: 1833 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 620 عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَذَا اخْتُلِفَ عَلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْهُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ شَبَّابَةَ عَنْهُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَصَوَّبَ الدَّارَقُطْنِيُّ رِوَايَةَ إِسْقَاطِ عَنْ أَبِيهِ لِاتِّفَاقِ مَالِكٍ، وَابْنِ كَثِيرٍ، وَسُهَيْلٍ عَلَى إِسْقَاطِهِ، وَانْتَقَدَ عَلَى الشَّيْخَيْنِ إِخْرَاجَهُمَا رِوَايَةَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَلَى مُسْلِمٍ إِخْرَاجَهُ رِوَايَةَ اللَّيْثِ بِإِثْبَاتٍ عَنْ أَبِيهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ لَا يَقْدَحُ، فَإِنَّ سَمَاعَ سَعِيدٍ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ مَعْرُوفٌ، فَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَفْسِهِ فَحَدَّثَ بِهِ عَنِ الْوَجْهَيْنِ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ، فَقَالَ: سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ سَعِيدُ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَالطَّرِيقَانِ جَمِيعًا مَحْفُوظَانِ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنْ سَعِيدًا لَيْسَ بِمُدَلِّسٍ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» ) : يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الَّذِي يَسْتَمِرُّ لِلْمُتَّصِفِ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ، فَيَنْتَفِعُ بِهِ، وَيَنْقَادُ لَهُ، أَوْ أَنَّ الْوَصْفَ ذُكِرَ لِتَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهَا إِذَا سَافَرَتْ بِلَا مَحْرَمٍ خَالَفَتْ شَرْطَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الْمُقْتَضِي الْمَوْقُوفَ عِنْدَمَا نُهِيَتْ عَنْهُ، أَوْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ إِخْرَاجُ الْكَافِرَةِ كِتَابِيَّةً، أَوْ حَرْبِيَّةً كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَمَسُّكًا بِالْمَفْهُومِ. (تُسَافِرُ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ بِدُونِ أَنْ، نَظِيرُ قَوْلِهِمْ تَسْمَعُ بِالْمُعِيدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ، فَتَسْمَعُ مَوْضِعُهُ رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَتُسَافِرُ مَوْضِعُهُ رَفْعٌ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، فَيَجُوزُ رَفْعُهُ وَنَصْبُهُ بِإِضْمَارِ أَنْ، قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ، (مَسِيرَةَ) مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى السَّيْرِ، بِمَعِيشَةَ؛ بِمَعْنَى الْعَيْشِ، وَلَيْسَتِ التَّاءُ فِيهِ لِلْمَرَّةِ. ( «يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» ) ، بِفَتْحِ الْمِيمِ - أَيْ: حَرَامٍ (مِنْهَا) بِنَسَبٍ، أَوْ صِهْرٍ أَوْ رَضَاعٍ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ تَنْزِيهًا سَفَرَهَا مَعَ ابْنِ زَوْجِهَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَحَدَاثَةِ الْحُرْمَةِ، وَلِأَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى النَّفْرَةِ عَنِ امْرَأَةِ الْأَبِ، لَيْسَ كَالدَّاعِي إِلَى النَّفْرَةِ عَنْ سَائِرِ الْمَحَارِمِ، وَالْمَرْأَةُ فِتْنَةٌ إِلَّا فِيمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنَ النَّفْرَةِ عَنْ مَحَارِمِ النَّسَبِ، وَعَلَّلَهُ الْبَاجِيُّ بِعَدَاوَةِ الْمَرْأَةِ لِرَبِيبِهَا، وَعَدَمِ شَفَقَتِهِ عَلَيْهَا، وَصَوَّبَ غَيْرُهُ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ، زَادَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: أَوْ زَوْجٍ، وَفِي مَعْنَاهُ السَّيِّدُ، وَلَوْ لَمْ يَرِدْ ذِكْرُ الزَّوْجِ، لِقَيْسَ عَلَى الْمَحْرَمِ قِيَاسًا جَلِيًّا، وَلَفْظُ امْرَأَةٍ عَامٌّ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ. وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ، لَا عَنِ الْبَاجِيِّ، كَمَا زَعَمَ أَنَّهُ فِي الشَّابَّةِ، أَمَّا الْكَبِيرَةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، فَتُسَافِرُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 621 كُلِّ الْأَسْفَارِ بِلَا زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلْعُمُومِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَعْنَى، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا حَرَامٌ، وَمَا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ مِنْ جَسَدِهَا غَالِبًا عَوْرَةٌ، فَالْمَظِنَّةُ مَوْجُودَةٌ فِيهَا، وَالْعُمُومُ صَالِحٌ لَهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَرْأَةُ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا، وَمَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ، وَلَوْ كَبِيرَةً، وَقَدْ قَالُوا: لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ، وَيَجْتَمِعُ فِي الْأَسْفَارِ مِنْ سُفَهَاءِ النَّاسِ وَسَقْطِهِمْ مَنْ لَا يَتَرَفَّعُ عَنِ الْفَاحِشَةِ بِالْعَجُوزِ، وَغَيْرِهَا، لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ وَقِلَّةِ دَيْنِهِ وَمُرُوءَتِهِ وَحَيَائِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ اه. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: " «أَنْ تُسَافِرَ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا» "، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأَبِي دَاوُدَ: " «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» "، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ الْمَذْكُورَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ» "، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: يَوْمٍ، وَفِي أَبِي دَاوُدَ بَرِيدٍ بَدَلُ يَوْمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ يَوْمَيْنِ، وَفِي أُخْرَى إِطْلَاقُ السَّفَرِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، فَجَمَعَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَعِيَاضٌ، وَغَيْرُهُمْ، وَعَزَاهُ النَّوَوِيُّ لِلْعُلَمَاءِ بِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ السَّائِلِينَ، فَسُئِلَ مَرَّةً عَنْ سَفَرِهَا لَيْلَةً، فَقَالَ: لَا، وَأُخْرَى عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا، فَقَالَ: لَا، وَهَكَذَا فِي جَمِيعِهَا، وَلَيْسَ فِيهِ تَحْدِيدٌ، قَالَ الْأَبِيُّ: وَالْمُرَادُ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ جَوَابًا لِسَائِلَيْنِ، فَلَا مَفْهُومَ لِأَحَدِهَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفِقْهُ جَمَعَ أَحَادِيثَ الْبَابِ، فَحَقُّ النَّاظِرِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ جَمِيعَهَا، وَيَنْظُرَ أَخَصَّهَا فَيُنِيطُ الْحُكْمَ بِهِ، وَأَخَصُّهَا بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ يَوْمٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ فِيهِ امْتَنَعَ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ، ثُمَّ أَخَصُّ مِنْ يَوْمٍ وُصْفُ السَّفَرِ الْمَذْكُورِ فِي جَمِيعِهَا، فَيُمْنَعُ فِي أَقَلِّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ، ثُمَّ أَخَصُّ مِنَ اسْمِ السَّفَرِ الْخَلْوَةُ بِهَا، فَلَا تُعَرِّضُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِالْخَلْوَةِ مَعَ أَحَدٍ، وَإِنْ قَلَّ الْزَمْنُ لِعَدَمِ الْأَمْنِ لَا سِيَّمَا مَعَ فَسَادِ الزَّمَنِ، وَالْمَرْأَةُ فِتْنَةٌ إِلَّا فِيمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنَ النُّفْرَةِ مِنْ مَحَارِمِ النَّسَبِ، وَقَدِ اتَّقَى بَعْضُ السَّلَفِ الْخَلْوَةَ بِالْبَهِيمَةِ، وَقَالَ: شَيْطَانٌ مُغْوِيٌّ، وَأُنْثَى حَاضِرَةٌ اه. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا بِأَنَّ الْيَوْمَ الْمَذْكُورَ بِمَعْنَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الْمَجْمُوعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ مِنَ اللَّيْلِ، وَاللَّيْلَ مِنَ الْيَوْمِ، وَيَكُونُ ذِكْرُهُ يَوْمَيْنِ مُدَّةَ مَغِيبِهَا فِي هَذَا السَّفَرِ فِي السَّيْرِ، وَالرُّجُوعِ، فَأَشَارَ مَرَّةً لِمَسَافَةِ السَّفَرِ وَمَرَّةً لِمُدَّةِ الْمَغِيبِ، وَهَكَذَا فِي ذِكْرِ الثَّلَاثِ، فَقَدْ يَكُونُ الْيَوْمُ الْوَسَطُ بَيْنَ السَّيْرِ وَالرُّجُوعِ الَّذِي تَقْضِي فِيهِ حَاجَتَهَا، حَيْثُ سَافَرَتْ لَهُ فَتَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا كُلُّهُ تَمْثِيلًا بِأَقَلِّ الْأَعْدَادِ، إِذِ الْوَاحِدُ أَوَّلُ الْعَدَدِ، وَالِاثْنَانِ أَوَّلُ الْكَثِيرِ وَأَقَلُّهُ، وَالثَّلَاثَةُ أَقَلُّ الْجَمْعِ، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا فِي قِلَّةِ الزَّمَانِ لَا يَحِلُّ لَهَا السَّفَرُ فِيهِ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ فَكَيْفَ بِمَا زَادَ؟ وَبِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا اه. وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا عَلَى أَنَّ الْمَحْرَمَ، أَوِ الزَّوْجَ شَرْطٌ فِي اسْتِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ لِلْحَجِّ، فَإِنَّهُ حَرُمَ عَلَيْهَا السَّفَرُ إِلَّا مَعَ أَحَدِهِمَا، وَالْحَجُّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْفَارِ، فَيَكُونُ حَرَامًا عَلَيْهَا فَلَا يَجِبُ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 622 فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا، وَطَائِفَةٌ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا تَحُجُّ مَعَ مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، وَاخْتُلِفَ هَلْ مُرَادُهُ مَجْمُوعُ الصِّنْفَيْنِ، أَوْ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا؟ وَأَكْثَرُ مَا نُقِلَ عَنْهُ اشْتِرَاطُ النِّسَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَحُجُّ مَعَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ مَسْلَمَةٍ ثِقَةٍ، وَاعْتَرَضَهُ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ ذَا مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِبَاحَةُ الْخُرُوجِ مَعَهَا فِي سَفَرِ الْحَجِّ خِلَافُ السُّنَّةِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي حَجِّ الْفَرْضِ، فَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا تَخْرُجُ إِلَّا مَعَ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ، وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِحَمْلِهِ عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ، لَا الْفَرْضِ قِيَاسًا عَلَى الْإِجْمَاعِ فِي الْكَافِرَةِ، إِذَا أَسْلَمَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْهِجْرَةُ مِنْهَا، وَإِنْ بِلَا مَحْرَمٍ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وُجُوبُ الْحَجِّ وَالْهِجْرَةِ. وَتَعَقَّبَهُ الْمَازِرِيُّ، وَغَيْرُهُ بِأَنَّ إِقَامَتَهَا فِي دَارِ الْكُفْرِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهَا تَخْشَى عَلَى دِينِهَا وَنَفْسِهَا، وَلَا كَذَلِكَ تَأْخِيرُ الْحَجِّ لِلْخِلَافِ فِي فَوْرِيَّتِهِ، وَتَرَاخِيهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَسَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ مُخَالَفَةُ ظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] (سورة آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ 97) ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الِاسْتِطَاعَةُ بِالْبَدَنِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ عَلَيْهِ بِبَدَنِهِ، وَمَنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا قَادِرَةٌ بِبَدَنِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا تَعَارَضَتْ هَذِهِ الظَّوَاهِرُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَجَمَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ بِأَنْ جَعَلَ الْحَدِيثَ مُبَيِّنًا لِلِاسْتِطَاعَةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَرَأَى مَالِكٌ، وَمُوَافِقُوهُ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الْأَمْنِيَّةُ بِنَفْسِهَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْأَسْفَارِ الْوَاجِبَةِ، وَقَدْ أُجِيبَ أَيْضًا بِحَمْلِ الْأَخْبَارِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ تَكُنِ الطَّرِيقُ أَمْنًا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُمْكِنُ أَنَّ الْمَنْعَ إِنَّمَا خَرَجَ لِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنَ الْخَلْوَةِ، وَانْكِشَافِ عَوْرَاتِهِنَّ غَالِبًا، فَإِذَا أُمِنَ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَكُونُ فِي الرُّفْقَةِ نِسَاءٌ تَنْحَاشُ إِلَيْهِنَّ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا عِنْدِي فِي الِانْفِرَادِ وَالْعَدَدِ الْيَسِيرِ، فَأَمَّا فِي الْقَوَافِلِ الْعَظِيمَةِ، فَهِيَ كَالْبِلَادِ يَصِحُّ فِيهَا سَفَرُهَا دُونَ نِسَاءٍ، وَدُونَ مَحْرَمٍ، انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ هَذَا الْقَيْدَ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَمَحَلُّ هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ كَوُجُودِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ مُنْقَطِعَةٍ مَثَلًا، فَلَهُ أَنْ يَصْحَبَهَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا خَافَ عَلَيْهَا لَوْ تَرَكَهَا، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ، وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ أُخَرُ لَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالنُّفَيْلِيِّ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ يُدَوِّنُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَكَذَا رَوَاهُ مُعْظَمُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، انْتَهَى. وَفِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ الْمَذْكُورَةِ عَنْ أَبِيهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ فِي الْأَطْرَافِ، وَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 623 [مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ الْعَمَلِ فِي السَّفَرِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ يَرْفَعُهُ «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيَرْضَى بِهِ وَيُعِينُ عَلَيْهِ مَا لَا يُعِينُ عَلَى الْعُنْفِ فَإِذَا رَكِبْتُمْ هَذِهِ الدَّوَابَّ الْعُجْمَ فَأَنْزِلُوهَا مَنَازِلَهَا فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ جَدْبَةً فَانْجُوا عَلَيْهَا بِنِقْيِهَا وَعَلَيْكُمْ بِسَيْرِ اللَّيْلِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ مَا لَا تُطْوَى بِالنَّهَارِ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى الطَّرِيقِ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْحَيَّاتِ»   15 - بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ الْعَمَلِ فِي السَّفَرِ 1834 - 1787 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - الْمُذْحَجِيِّ (مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ) بْنِ مَرْوَانَ الْأُمَوِيِّ وَحَاجِبِهِ، قِيلَ: اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَقِيلَ: حَيٌّ أَوْ حَيِيٌّ أَوْ حَوِيٌّ، ثِقَةٍ، مَاتَ بَعْدَ الْمِائَةِ (عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ) الْكَلَاعِيِّ الْحِمْصِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، ثِقَةٍ عَابِدٍ يُرْسِلُ كَثِيرًا، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ: بَعْدَهَا (يَرْفَعُهُ) لَفْظُهُ: يَسْتَعْمِلُهَا الْمُحْدِّثُونَ بَدَّلَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ» ) ، أَيْ: لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يُرِيدُ بِهِمُ الْيُسْرَ، وَلَا يُرِيدُ بِهِمُ الْعُسْرَ، فَيُكَلِّفُهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ، بَلْ يُسَامِحُهُمْ وَيَلْطُفُ بِهِمْ، قِيلَ: لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُ الرَّفِيقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى اسْمًا؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَهُ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ هُنَا عَلَى قَصْدِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ تَمْهِيدًا لِلْحُكْمِ الَّذِي بَعْدَهُ، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَصَحُّ جَوَازُ تَسْمِيَتِهِ تَعَالَى رَفِيقًا وَغَيْرَهُ مِمَّا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، (يُحِبُّ الرِّفْقَ) - بِالْكَسْرِ - لِينُ الْجَانِبِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَالْأَخْذُ بِأَيْسَرِ الْوُجُوهِ وَأَحْسَنِهَا، أَيْ: يُحِبُّ أَنْ يَرْفُقَ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مَا يُحَاوِلُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ: يُحِبُّ أَنْ يَرْفُقَ بِعِبَادِهِ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ، (وَيَرْضَى بِهِ) يُثَبِّتُ فَاعِلَهُ، (وَيُعِينُ عَلَيْهِ) بِتَسْهِيلِهِ عَلَى قَاصِدِهِ، (مَا لَا يُعِينُ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: «وَيُعْطِي عَلَيْهِ مَا لَا يُعْطِي (عَلَى الْعُنْفِ) » - بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَسُكُونِ النُّونِ -: الشِّدَّةُ وَالْمَشَقَّةُ، نَبَّهَ بِهِ عَلَى وَطَاءَةِ الْأَخْلَاقِ، وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ، وَكَمَالِ الْمُجَامَلَةِ، وَفِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ الرِّفْقَ أَنْجَحُ الْأَسْبَابِ وَأَنْفَعُهَا بِأَسْرَارِهَا، وَهَذَا قَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَلَا مَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» "، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَالْبَزَّارُ عَنْ أَنَسٍ: وَالرِّفْقُ مَطْلُوبٌ مَعَ الْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ. ( «فَإِذَا رَكِبْتُمْ هَذِهِ الدَّوَابَّ الْعُجْمَ» ) - بِضَمٍّ فَسُكُونٍ - جَمْعُ عَجْمَاءَ، وَهِيَ الْبَهِيمَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ، ( «فَأَنْزِلُوهَا مَنَازِلَهَا» ) جَمْعُ مَنْزِلٍ، وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي اعْتِيدَ النُّزُولُ فِيهَا، أَيْ: أَرِيحُوهَا فِيهَا لِتَقْوَى عَلَى السَّيْرِ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَاعْطُوهَا الحديث: 1834 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 624 حَظَّهَا مِنَ الْمَنَازِلِ، وَلَا تَكُونُوا عَلَيْهَا شَيَاطِينَ» "، أَيْ: لَا تَرْكَبُوهَا رُكُوبَهُمْ، وَلَا تَسْتَعْمِلُوهَا اسْتِعْمَالَهُمْ فِي عَدَمِ مُرَاعَاةِ الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ. (فَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ) الَّتِي تَسِيرُونَ فِيهَا (جَدْبَةً) - بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - (فَانْجُوا عَلَيْهَا) بِنُونٍ وَجِيمٍ، أَيْ: أَسْرِعُوا، وَالنَّجَا بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ السُّرْعَةُ، أَيِ: اطْلُبُوا النَّجَا مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ بِسُرْعَةِ السَّيْرِ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ (بِنِقْيِهَا) - بِكَسْرِ النُّونِ، وَسُكُونِ الْقَافِ - شَحْمِهَا فَإِنَّكُمْ إِنْ أَبْطَأْتُمْ عَلَيْهَا فِي أَرْضٍ جَدْبَةٍ ضَعُفَتْ، وَهَزَلَتْ. ( «وَعَلَيْكُمْ بِسَيْرِ اللَّيْلِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ مَا لَا تُطْوَى بِالنَّهَارِ» ) بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا، لِلْعِلْمِ بِالْفَاعِلِ سُبْحَانَهُ، شَبَّهَ سُهُولَةَ السَّيْرِ لَيْلًا بِثَوْبٍ مَطْوِيٍّ يَسْهُلُ حَمْلُهُ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ مَرْفُوعًا: " «إِذَا رَكِبْتُمْ هَذِهِ الدَّوَابَّ الْعُجْمَ، فَانْجُوا عَلَيْهَا، فَإِذَا كَانَتْ سَنَةً فَانْجُوا، وَعَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّمَا يَطْوِيهَا اللَّهُ» "، أَيْ: لَا يَطْوِي الْأَرْضَ لِلْمُسَافِرِ فِيهَا لَيْلًا إِلَّا اللَّهُ إِكْرَامًا لِلْمُسَافِرِ، حَيْثُ أَتَى بِهَذَا الْأَدَبِ الشَّرْعِيِّ. ( «وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ» ) ، أَيِ: النُّزُولَ أَخِرَ اللَّيْلِ لِنَحْوِ نَوْمٍ (عَلَى الطَّرِيقِ) ، وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ عَلَى: جَوَادِّ الطَّرِيقِ، وَالصَّلَاةَ عَلَيْهَا، بِشَدِّ الدَّالِّ جَمْعُ جَادَّةٍ، أَيْ: مُعْظَمِ الطَّرِيقِ، وَالْمُرَادُ: نَفْسُهَا، ( «فَإِنَّهَا طَرِيقُ الدَّوَابِّ، وَمَأْوَى الْحَيَّاتِ» ) وَغَيْرِهَا، كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " «وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ» "، أَيْ: مَحَلُّ تَرَدُّدِهَا بِاللَّيْلِ لِتَأْكُلَ مَا فِيهَا مِنْ رِمَّةٍ، وَتَلْتَقِطُ مَا يَسْقُطُ مِنَ الْمَارَّةِ مِنْ نَحْوِ مَأْكُولٍ. زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: " «وَقَضَاءَ الْحَاجَةِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا اللَّاعِنُ» "، وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ حَدِيثٌ، وَأَخْذٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا ذُكِرَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مُسْنَدٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ أَحَادِيثُ شَتَّى مَحْفُوظَةٌ، انْتَهَى. وَفِي مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ، فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْجَدَبِ، فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وَبَادِرُوا بِهَا نَفْيَهَا، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ، فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 625 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ»   1835 - 1788 - (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ) - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ - (مَوْلَى أَبِي بَكْرِ) ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيِّ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: انْفَرَدَ بِهِ مَالِكٌ، وَسُمَيٌّ، فَلَا يَصِحُّ لِغَيْرِهِ عَنْهُ، وَانْفَرَدَ بِهِ سُمَيٌّ أَيْضًا فَلَا يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ. الحديث: 1835 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 625 وَقَالَ الْحَافِظُ: كَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ. وَصَرَّحَ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ عَنْ مَالِكٍ بِتَحْدِيثِ سُمَيٍّ لَهُ، وَشَذَّ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، فَقَالَ: مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلٍ بَدَلُ سُمَيٍّ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلٍ، وَأَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ رِوَايَةً عَنِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ عَنْهُ، فَقَالَ عَنْ سُمَيٍّ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ، قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُمَيٍّ غَيْرُ مَالِكٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ يَسْأَلُونِي عَنْ حَدِيثِ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ» ؟ فَقِيلَ لَهُ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُمَيٍّ أَحَدٌ غَيْرَكَ، فَقَالَ: لَوْ عَرَفْتُ مَا حَدَّثْتُ بِهِ، وَكَانَ مَالِكٌ: رُبَّمَا أَرْسَلَهُ، انْتَهَى. وَفِي التَّمْهِيدِ رَوَاهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَبُسْرُ بْنُ مَعْمَرٍ عَنْ مَالِكٍ مُرْسَلًا، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ مِنْ نَشَاطِ الْمُحَدِّثِ وَكَسَلِهِ، أَحْيَانًا يَنْشَطُ فَيُسْنِدُ، وَأَحْيَانًا يَكْسُلُ فَيُرْسِلُ عَلَى حَسَبِ الْمُذَاكَرَةِ، وَالْحَدِيثُ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ احْتَاجَ النَّاسُ فِيهِ إِلَى مَالِكٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَوُهِمَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى مَالِكٍ، وَرَوَاهُ رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ سُمَيٍّ. . . إِلَخْ، فَزَادَ فِيهِ إِسْنَادًا آخَرَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَخْطَأَ فِيهِ رَوَّادُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَيْسَ رَوَّادٌ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ، وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ فِي حَدِيثِ سُهَيْلٍ أَصْلًا، وَأَنْ سُمَّيًّا لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانِ الزَّيَّاتِ، وَرَوَاهُ حَمَدٌ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، وَابْنُ عَدِيٍّ عَنْ جَهْمَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ أَبُو صَالِحٍ، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ أَيْضًا، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، بَلْ فِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَجَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ. ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: السَّفَرُ قِطْعَةٌ» ) ، أَيْ: جُزْءٌ (مِنَ الْعَذَابِ) ، أَيِ: الْأَلَمِ النَّاشِئِ عَنِ الْمَشَقَّةِ لِمَا يَحْصُلُ فِي الرُّكُوبِ، وَالْمَشْيِ مِنْ تَرْكِ الْمَأْلُوفِ، كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْخَوْفِ وَخُشُونَةِ الْعَيْشِ وَالْفِرَاقِ لِلْأَحْبَابِ، سُئِلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ حِينَ جَلَسَ مَوْضِعَ أَبِيهِ: لِمَ كَانَ السَّفَرُ قِطْعَةً مِنَ الْعَذَابِ؟ فَأَجَابَ عَلَى الْفَوْرِ: لِأَنَّ فِيهِ فِرَاقَ الْأَحْبَابِ، ( «يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» ) ، بِنَصْبِ الثَّلَاثَةِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ مَفْعُولَيْنِ كَأَعْطَى، وَفَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ اسْتِئْنَافًا كَالْجَوَابِ لِمَنْ قَالَ: لِمَ كَانَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: يَمْنَعُ أَيْ: وَجْهُ التَّشْبِيهِ الِاشْتِمَالُ عَلَى الْمَشَقَّةِ. وَقَدْ جَاءَ التَّعْلِيلُ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَلَفْظُهُ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ» ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُشْغَلُ فِيهِ عَنْ صَلَاتِهِ، وَصِيَامِهِ، فَذَكَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 626 الْحَدِيثَ، وَالْمُرَادُ مَنْعُ الْكَمَالِ لَا الْأَصْلِ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ: لَا يَهِنُ أَحَدُكُمْ نَوْمَهُ، وَلَا طَعَامَهُ وَلَا شَرَابَهُ. وَلِابْنِ عَدِيٍّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: وَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ إِلَّا سُرْعَةُ السَّيْرِ، وَالْمُرَادُ مَنْعُهُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ لِاشْتِغَالِهِ بِمَسِيرِهِ. ( «فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ» ) - بِفَتْحِ النُّونِ، وَسُكُونِ الْهَاءِ - قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَضَبَطْنَاهُ أَيْضًا بِكَسْرِ النُّونِ، أَيْ: حَاجَتَهُ بِأَنْ بَلَغَ هِمَّتَهُ، (مِنْ وَجْهِهِ) ، أَيْ: مِنْ مَقْصَدِهِ. وَلِابْنِ عَدِيٍّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ وَطَرَهُ مِنْ سَفَرِهِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ رَوَاهُ: " «فَإِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ حَاجَتِهِ» "، (فَلْيُعَجِّلْ) - بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ، وَكَسْرِ الْجِيمِ مُشَدَّدَةٍ - الرُّجُوعَ (إِلَى أَهْلِهِ) ، فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ، وَفِي رِوَايَةِ عَتِيقٍ: " «فَلْيُعَجِّلِ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ» "، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ: " «فَلْيُعَجِّلِ الْكَرَّةَ إِلَى أَهْلِهِ» "، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: " «فَلْيُعَجِّلِ الرِّحْلَةَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ» "، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: زَادَ فِيهِ بَعْضُ الضُّعَفَاءِ عَنْ مَالِكٍ: " «وَلِيَتَّخِذْ لِأَهْلِهِ هَدِيَّةً» ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا حَجَرًا فَلْيَنْقُلْهُ فِي مِخْلَاتِهِ "، وَالْحِجَارَةُ يَوْمَئِذٍ يُضْرَبُ بِهَا الْقِدَاحُ، يَعْنِي حَجْرَ الزِّنَادِ، قَالَ: وَهِيَ زِيَادَةٌ مُنْكَرَةٌ لَا تَصِحُّ. وَفِي الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ التَّغَرُّبِ عَنِ الْأَهْلِ بِلَا حَاجَةٍ، وَنَدْبُ اسْتِعْجَالِ الرُّجُوعِ لَا سِيَّمَا مَنْ يَخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ، وَلِمَا فِي الْإِقَامَةِ فِي الْأَهْلِ مِنَ الرَّاحَةِ الْمُعِينَةِ عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَتَحْصِيلِ الْجَمَاعَاتِ وَالْقُوَّةِ عَلَى الْعِبَادَاتِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثِ، وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «سَافِرُوا تَصِحُّوَا» "؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الصِّحَّةِ بِالسَّفَرِ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّيَاضَةِ أَنْ لَا يَكُونَ قِطْعَةً مِنَ الْعَذَابِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ، فَصَارَ كَالدَّوَاءِ الْمُرِّ الْمُعَقِّبِ لِلصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي تَنَاوُلِهِ كَرَاهَةٌ، وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْخَطَّابِيُّ تَغْرِيبَ الزَّانِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِتَعْذِيبِهِ، وَالسَّفَرُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَذَابِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَفِي الْجِهَادِ عَنِ التِّنِّيسِيِّ، وَفِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ، وَمُسْلِمٌ فِي الْمَغَازِي عَنْ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ، وَالْقَعْنَبِيِّ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَبِي مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ، وَمَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، الثَّمَانِيَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَوَرَدَ عَلَى سُؤَالٍ مِنَ الشَّامِ: هَلْ وَرَدَ السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ سَقَرٍ؟ كَمَا هُوَ دَارِجٌ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَإِذَا قُلْتُمْ: لَمْ يُرِدْ، هَلْ تَجُوزُ رِوَايَتُهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ» "، فَأُجِيبَ: لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ الدَّارِجِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْحَافِظَانِ: السَّخَاوِيُّ، وَالسُّيُوطِيُّ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، مَعَ ذِكْرِهِمَا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الْمَذْكُورَ، فَلَعَلَّ هَذَا اللَّفْظَ مِمَّا حَدَّثَ بَعْدَهُمَا، وَلَا تَجُوزُ رِوَايَتُهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْوَارِدِ، إِذْ مِنْ شَرْطِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ بِجَوَازِهَا؛ أَنْ يَقْطَعَ بِأَنَّهُ أَدَّى بِمَعْنَى اللَّفْظِ الْوَارِدِ، وَ " قِطْعَةٌ مِنْ سَقَرٍ " لَا يُؤَدِّي مَعْنَى " قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ " بِمَعْنَى التَّأَلُّمِ مِنَ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ سَقَرٍ كَوْنُهُ تَشْبِيهًا بَلِيغًا، أَوِ اسْتِعَارَةً يَقْتَضِي قُوَّةَ الْمَشَقَّةِ جِدًّا، فَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ} [الرعد: 34] (سورة الرَّعْدِ: الْآيَةُ 34) ، فَلَا يُؤَدِّي عَلَى طَرِيقِ الْقَطْعِ مَعْنَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 627 الْعَذَابِ الْمَجْهُولِ عَلَى مَشَقَّاتِ الدُّنْيَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 628 [الْأَمْرِ بِالرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ] حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ   16 - بَابُ الْأَمْرِ بِالرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ 1838 - 1789 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَمْلُوكِ) الرَّقِيقِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، (طَعَامُهُ وَكُسْوَتُهُ) اللَّامُ لِلْمِلْكِ، أَيْ: طَعَامُ الْمَمْلُوكِ وَكُسْوَتُهُ حَقٌّ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ، فَقَدَّمَ الْخَبَرَ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ، إِذِ الْمَقَامُ بِصَدَدِ تَمْلِيكِهِ مَا ذَكَرَ (بِالْمَعْرُوفِ) ، أَيْ: بِلَا إِسْرَافٍ، وَلَا تَقْتِيرٍ عَلَى اللَّائِقِ بِأَمْثَالِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: مُقْتَضَاهُ الرَّدُّ فِي ذَلِكَ إِلَى الْعُرْفِ، فَمَنْ زَادَ عَلَيْهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا، فَالْوَاجِبُ مُطْلَقُ الْمُوَاسَاةِ لَا الْمُوَاسَاةُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَمَنْ أَخَذَ بِالْأَكْمَلِ فَعَلَ الْأَفْضَلَ مِنْ عَدَمِ اسْتِئْثَارِهِ عَلَى عَيَّالِهِ، وَإِنْ جَازَ. (وَلَا يُكَلَّفُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ) الدَّوَامَ عَلَيْهِ، أَيْ: لَا يُكَلِّفُهُ إِلَّا جِنْسُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَالنَّفْيُ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْمَمَالِيكِ، وَالرِّفْقِ بِهِمْ، وَأُلْحِقَ بِهِمْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ أَجِيرٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ. الحديث: 1838 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 628 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى الْعَوَالِي كُلَّ يَوْمِ سَبْتٍ فَإِذَا وَجَدَ عَبْدًا فِي عَمَلٍ لَا يُطِيقُهُ وَضَعَ عَنْهُ مِنْهُ   1838 - 1790 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى الْعَوَالِي) : الْقُرَى الْمُجْتَمِعَةُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةٍ نَجْدِهَا، وَمِنْ جُمْلَتِهَا قِبَاءُ، (كُلَّ يَوْمِ سَبْتٍ) اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى قِبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا، وَمَاشِيًا، (فَإِذَا وَجَدَ عَبَدَا فِي عَمَلٍ لَا يُطِيقُهُ) عَلَى الدَّوَامِ، أَوْ إِلَّا بِمَزِيدِ مَشَقَّةٍ، (وَضَعَ عَنْهُ مِنْهُ) ، أَيْ: نَقَصَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا لَا يُطَاقُ أَصْلًا لِعَدَمِ إِمْكَانِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 628 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ لَا تُكَلِّفُوا الْأَمَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ الْكَسْبَ فَإِنَّكُمْ مَتَى كَلَّفْتُمُوهَا ذَلِكَ كَسَبَتْ بِفَرْجِهَا وَلَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ سَرَقَ وَعِفُّوا إِذْ أَعَفَّكُمْ اللَّهُ وَعَلَيْكُمْ مِنْ الْمَطَاعِمِ بِمَا طَابَ مِنْهَا   1838 - 1791 - (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ) - بِضَمِّ السِّينِ - نَافِعٍ (بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ) مَالِكِ بْنِ أَبِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 628 عَامِرٍ الْأَصْبَحِيِّ: (أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) - أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - (وَهُوَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: لَا تُكَلِّفُوا الْأَمَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ الْكَسْبَ، فَإِنَّكُمْ مَتَى كَلَّفْتُمُوهَا ذَلِكَ كَسَبَتْ بِفَرْجِهَا) ، أَيْ: زَنَتْ فَتَدْخُلُوا فِي آيَةِ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور: 33] (سورة النُّورِ: الْآيَةُ 33) ، (وَلَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ سَرَقَ) ، لِعَجْزِهِ عَنِ الْكَسْبِ، وَقَدْ كَلَّفْتُمُوهُ بِهِ، (وَعِفُّوا) - بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَشَدِّ الْفَاءِ الْمَضْمُومَةِ - أَمْرٌ مَنْ عَفَّ يَعِفُّ كَضَرَبَ يَضْرِبُ، أَيْ: تَنَزَّهُوا، وَاسْتَغْنُوا عَنْ تَكْلِيفِ الْأَمَةِ، وَالصَّغِيرِ الْمَذْكُورَيْنِ (إِذَا) (أَعَفَّكُمُ اللَّهُ) : أَغْنَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ بِمَا فَتَحَهُ عَلَيْكُمْ، وَوَسَّعَهُ فِي الرِّزْقِ، (وَعَلَيْكُمْ مِنَ الْمَطَاعِمِ بِمَا طَابَ مِنْهَا) ، أَيْ: حَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِذَلِكَ الْمُرْسَلِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 629 [فِي الْمَمْلُوكِ وَهِبَتِهِ] بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَمْلُوكِ وَهِبَتِهِ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ»   1839 - 1792 17 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَمْلُوكِ وَهِبَتِهِ - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْعَبْدُ) ، أَيِ: الرَّقِيقُ (إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ) بِزِيَادَةِ اللَّامِ لِلْمُبَالَغَةِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، أَيْ: قَامَ بِمَصَالِحِهِ عَلَى وَجْهِ الْخُلُوصِ، وَامْتَثَلَ أَمْرَهُ، وَتَجَنَّبَ نَهْيَهُ. وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: " «الْعَبْدُ الَّذِي يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَالنَّصِيحَةِ وَالطَّاعَةِ، لَهُ أَجْرَانِ» "، قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: النَّصِيحَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ مَعْنَاهَا حِيَازَةُ الْحَظِّ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ، وَهُوَ إِرَادَةُ صَلَاحِ حَالِهِ، وَتَخْلِيصِهِ مِنَ الْخَلَلِ، وَتَصْفِيَتِهِ مِنَ الْغِشِّ. (وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ) الْمُتَوَجِّهَةُ عَلَيْهِ بِأَنْ أَقَامَهَا بِشُرُوطِهَا، وَوَاجِبَاتِهَا، وَمَا يُمْكِنُهُ مِنْ مَنْدُوبَاتِهَا بِأَنْ لَمْ يُفَوِّتْ حَقَّ سَيِّدِهِ، (فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ) لِقِيَامِهِ بِالْحَقَّيْنِ، وَانْكِسَارِهِ بِالرِّقِّ، قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَلَيْسَ الْأَجْرَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ أَوْجَبُ مِنْ طَاعَةِ الْمَخْلُوقِ، وَرَدَّهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّ طَاعَةَ الْمَخْلُوقِ هُنَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَيُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُ الْبَاجِيِّ: أَيْ: لَهُ أَجْرُ أَجْرِ عَامِلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَعَامِلٌ بِطَاعَةِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي أَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ وَاجِبَانِ الحديث: 1839 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 629 طَاعَةُ رَبِّهِ فِي الْعِبَادَةِ، وَطَاعَةُ سَيِّدِهِ فِي الْمَعْرُوفِ، فَقَامَ بِهِمَا جَمِيعًا كَانَ لَهُ ضِعْفَا أَجْرِ الْمُطِيعِ بِطَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ سَاوَاهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَفُضِّلَ عَلَيْهِ بِطَاعَةِ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ. قَالَ: وَمِنْ هُنَا أَقُولُ: إِنَّ مَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ فَأَدَّاهُمَا أَفْضَلَ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا فَرْضٌ وَاحِدٌ فَأَدَّاهُ، كَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ وَزَكَاةٌ، فَقَامَ بِهِمَا، فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَقَطْ، وَبِمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ فُرُوضٌ فَلَمْ يُؤَدِّ مِنْهَا شَيْئًا، كَانَ عِصْيَانُهُ أَكْبَرَ مِنْ عِصْيَانِ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِلَّا بَعْضُهَا، انْتَهَى، مُلَخَّصًا. قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَزِيدَ الْفَضْلِ لِلْعَبْدِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَتَيْنِ، لِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ مَشَقَّةِ الرِّقِّ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ التَّضْعِيفُ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ جِهَةِ الْعَبْدِ لَمْ يَخْتَصَّ الْعَبْدُ بِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ يُضَاعَفُ لَهُ، وَقِيلَ: سَبَبُ التَّضْعِيفِ أَنَّهُ ازْدَادَ لِسَيِّدِهِ نُصْحًا، وَفِي عِبَادَةِ اللَّهِ إِحْسَانًا، فَكَانَ لَهُ أَجْرُ الْوَاجِبَيْنِ، وَأَجْرُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمَا، قَالَ: وَالظَّاهِرُ خِلَافُ هَذَا وَأَنَّهُ بَيَّنَ ذَلِكَ، لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْجُورٍ عَلَى الْعُبُودِيَّةِ، وَمَا ادَّعَى أَنَّهُ الظَّاهِرُ لَا يُنَافِي مَا نَقَلَهُ قَبْلَهُ، فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ أَنَّ أَجْرَ الْمَمَالِيكِ ضِعْفُ أَجْرِ السَّادَاتِ، أَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ: بِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، أَوْ يَكُونُ أَجْرُهُ مُضَاعَفًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَقَدْ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ جِهَاتٌ أُخَرُ يَسْتَحِقُّ بِهَا أَضْعَافَ أَجْرِ الْعَبْدِ، أَوِ الْمُرَادُ تَرْجِيحُ الْعَبْدِ الْمُؤَدِّي لِلْحَقَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ الْمُؤَدِّي لِأَحَدِهِمَا، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَضْعِيفُ الْأَجْرِ مُخْتَصًّا بِالْعَمَلِ الَّذِي يَتَّحِدُ فِيهِ طَاعَةُ اللَّهِ، وَطَاعَةُ السَّيِّدِ فَيَعْمَلُ عَمَلًا وَاحِدًا، وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَجْرَيْنِ بِالْاعْتَبَارَيْنِ. وَأَمَّا الْعَمَلُ الْمُخْتَلِفُ الْجِهَةِ، فَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِتَضْعِيفِ الْأَجْرِ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَحْرَارِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا جِهَادَ عَلَيْهِ، وَلَا حَجَّ فِي حَالِ الْعُبُودِيَّةِ، وَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ، وَفِيهِ إِطْلَاقُ السَّيِّدِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ نَحْوُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ» "، وَحَدِيثِ: " «سَيِّدُكُمْ عَمْرُو بْنُ الْجُمُوحِ» "، وَفِي أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ النَّهْيُ عَنْ إِطْلَاقِ السَّيِّدِ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ، وَالْإِذْنِ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَأْخُذُ بِهَذَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يُخَاطِبَهُ أَحَدٌ، أَوْ يَكْتُبَ لَفْظَ سَيِّدٍ، وَيَتَأَكَّدَ إِذَا كَانَ الْمُخَاطِبُ غَيْرَ تَقِيٍّ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ» "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي مَنْ يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ جَمَعَ مِنْهَا الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ نَظَمَهَا فِي قَوْلِهِ: وَجَمْعٌ أَتَى فِيمَا رَوَيْنَاهُ أَنَّهُمْ ... يُثْنَّى لَهُمْ أَجْرٌ حَوَوْهُ مُحَقَّقَا فَأَزْوَاجُ خَيْرِ الْخَلْقِ أَوَّلُهُمْ وَمَنْ ... عَلَى زَوْجِهَا أَوْ لِلْقَرِيبِ تَصَدَّقَا وَقَارٍ بِجُهْدٍ وَاجْتِهَادٍ أَصَابَ وَالْـ ... وُضُوءُ اثْنَتَيْنِ وَالْكِتَابِيُّ صَدَّقَا وَعَبْدٌ أَتَى حَقَّ الْإِلَهِ وَسَيِّدٍ وَعَابِرٌ ... يُسَرُّ مَعَ غَنِيِّ لَهُ تُقَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 630 وَمَنْ أَمَةً يَشْرِي فَأَدَّبَ مُحْسِنًا وَيَنْكِحُهَا مِنْ بَعْدِهِ حِينَ أَعْتَقَا ... وَمَنْ سَنَّ خَيْرًا أَوْ أَعَادَ صَلَاتَهُ كَذَاكَ جَبَانٌ إِذْ يُجَاهِدُ ذَا شَقَا ... كَذَاكَ شَهِيدٌ فِي الْبِحَارِ وَمَنْ أَتَى لَهُ الْقَتْلُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَأُلْحِقَا ... وَطَالِبُ عِلْمٍ مُدْرَكٌ ثُمَّ مُسْبِغٌ وَضَوْءًا لَدَى الْبَرْدِ الشَّدِيدِ مُحَقِّقَا ... وَمُسْتَمِعٌ فِي خُطْبَةٍ قَدْ دَنَا وَمَنْ بِتَأْخِيرِ صَفٍّ أَوْ لِمُسْلِمٍ وَقَا ... وَحَافِظُ عَصْرٍ مَعْ إِمَامٍ مُؤَذِّنٍ وَمَنْ كَانَ فِي وَقْتِ الْفَسَادِ مُوَفَّقَا ... وَعَامِلُ خَيْرٍ مُخْفِيًا ثُمَّ إِنْ بَدَا يُرَى فَرِحًا مُسْتَبْشِرًا بِالَّذِي ارْتَقَى ... وَمُغْتَسِلٌ فِي جُمُعَةٍ عَنْ جَنَابَةٍ وَمِنْ فِيهِ حَقًّا قَدْ غَدًا مُتَصَدِّقَا ... وَمَاشٍ يُصَلِّي جُمُعَةً ثُمَّ مَنْ أَتَى بِذَا الْيَوْمِ خَيْرًا مَا فَضِعْفُهُ مُطْلَقَا ... وَمَنْ حَتْفُهُ قَدْ جَاءَ مِنْ سِلَاحِهِ وَنَازِعُ نَعْلٍ إِنْ لِخَيْرٍ تَسَبَّقَا ... وَمَاشٍ لَدَى تَشْيِيعِ مَيْتٍ وَغَاسِلٍ بَدَا بَعْدًا كَلٍّ وَالْمُجَاهِدُ حَقَّقَا ... وَمُتَّبِعٌ مَيْتًا حَيَاءً مِنَ اهْلِهِ وَمُسْتَمِعُ الْقُرْآنِ فِيمَا رَوَى الثِّقَا ... وَفِي مُصْحَفٍ يَقْرَا وَقَارِيهِ مُعْرِبًا بِتَفْهِيمِ مَعْنَاهُ الشَّرِيفِ مُحَقِّقَا وَذَيَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ: إِمَامٌ مُطِيعٌ يَا لَهَا مِنْ سَعَادَةٍ ... وَحَجَّةُ حَاجٍّ مِنْ عُمَانَ فَأَلْحَقَا وَمِنْ أَمَةٍ تُشْتَرَى أَوْ يُشْرَطُ لَهَا ... فَلَا هِبَةَ لَا بَيْعَ لَا مَهْرَ مُطْلَقَا وَهِيَ حُرَّةٌ إِنْ مِتَّ صَلَّى إِلَهُنَا ... عَلَى الْمُصْطَفَى الْمَبْعُوثِ بِالْحَقِّ وَالتُّقَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 631 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَمَةً كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَدْ تَهَيَّأَتْ بِهَيْئَةِ الْحَرَائِرِ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ فَقَالَ أَلَمْ أَرَ جَارِيَةَ أَخِيكِ تَجُوسُ النَّاسَ وَقَدْ تَهَيَّأَتْ بِهَيْئَةِ الْحَرَائِرِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ   1839 - 1793 - (مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَمَةً كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَقَدْ تَهَيَّأَتْ بِهَيْئَةِ الْحَرَائِرِ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ) - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - (فَقَالَ: أَلَمْ أَرَ جَارِيَةَ أَخِيكِ تَجُوسُ النَّاسَ) - بِالْجِيمِ، وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - أَيْ: تَتَخَطَّاهُمْ، وَتَخْتَلِفُ عَلَيْهِمْ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كُلُّ مَوْضِعٍ خَالَطَتْهُ، وَوَطَأَتْهُ فَقَدْ جَسَتْهُ وَحَسَتْهُ؛ بِالْحَاءِ وَالْجِيمِ، (وَأَنَّهَا قَدْ تَهَيَّأَتْ) : تَمَثَّلَتْ وَتَصَوَّرَتْ (بِهَيْئَةِ الْحَرَائِرِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُرَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 631 [كِتَابُ الْبَيْعَةِ] [بَاب مَا جَاءَ فِي الْبَيْعَةِ] باب مَا جَاءَ فِي الْبَيْعَةِ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ «كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يَقُولُ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ»   55 - كِتَابُ الْبَيْعَةِ 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْبَيْعَةِ 1841 - 1794 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْعَدُوِّيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ: (أَنَّ) مَوْلَاهُ (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ) لِلْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، (وَالطَّاعَةِ) لِلَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَلِوُلَاةِ الْأُمُورِ، (يَقُولُ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ) مِنْ كَمَالِ شَفَقَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَهَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ. الحديث: 1841 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 632 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ بَايَعْنَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا وَلَا نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ قَالَتْ فَقُلْنَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا هَلُمَّ نُبَايِعْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِثْلِ قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ»   1842 - 1795 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ الْفَاضِلِ، الثِّقَةِ (عَنْ أُمَيْمَةَ) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ، وَمِيمٍ وَهَاءِ - تَأْنِيثٍ (بِنْتِ رُقَيْقَةَ) - بِقَافَيْنِ - مُصَغَّرٍ بِنْتِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ أُخْتِ خَدِيجَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - فَهِيَ خَالَةُ أُمَيْمَةَ بِنْتِ بِجَاهٍ - بِمُوَحَّدَةٍ، وَجِيمٍ، وَهَاءٍ - بِنْتِ نِجَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَيُقَالُ: بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِجَادٍ الْقُرَشِيَّةُ التَّمِيمِيَّةُ، (قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي) جُمْلَةِ (نِسْوَةٍ بَايَعْنَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا) عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ كَالنَّفْيِ، وَقُدِّمَ عَلَى مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، (وَلَا نَسْرِقَ) حُذِفَ الْمَفْعُولُ دَلَالَةً عَلَى الْعُمُومِ كَانَ فِيهِ قَطْعٌ أَمْ لَا، (وَلَا نَزْنِي) ، كَانَ فِيهِ الرَّجْمُ، أَوِ الْجَلْدُ، (وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا) خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا غَالِبًا يَقْتُلُونَهُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ، وَلِأَنَّهُ الحديث: 1842 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 632 قَتْلٌ، وَقَطِيعَةُ رَحِمٍ، فَصَرْفُ الْعِنَايَةِ إِلَيْهِ أَكْثَرُ. (وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ) ، أَيْ: بِكَذِبٍ يُبْهِتُ سَامِعَهُ، أَيْ: يُدْهِشَهُ لَفْظًا عَنْهُ كَالرَّمْيِ بِالزِّنَى وَالْفَضِيحَةِ وَالْعَارِ، (نَفْتَرِيهِ) نَخْتَلِقُهُ (بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا) ، أَيْ: مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِنَا، فَكَنَّى بِالْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ عَنِ الذَّاتِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْأَفْعَالِ بِهِمَا، أَوْ أَنَّ الْبُهْتَانَ نَاشِئٌ عَمَّا يَخْتَلِقُهُ الْقَلْبُ الَّذِي هُوَ بَيْنَ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ، ثُمَّ يُبْرِزُهُ بِلِسَانِهِ، أَوِ الْمَعْنَى: لَا نُبْهِتُ النَّاسَ بِالْمَعَايِبِ كِفَاحًا مُوَاجَهَةً، (وَلَا نَعْصِيكَ فِي مَعْرُوفٍ) ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِهِ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ؛ إِذْ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِهِ، أَوْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ طَاعَةُ مَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَقِيلَ: الْمَعْرُوفُ هُنَا أَنْ لَا يَنُحْنَ عَلَى مَوْتَاهُنَّ، وَلَا يَخْلُونَ بِالرِّجَالِ فِي الْبُيُوتِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا، أَسْنَدَهُ أَبُو عُمَرَ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ) ، لَا فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَمِّلْ هَذِهِ الْأُمَّةَ مَا لَا طَاقَةَ لَهَا بِهِ، (قَالَتْ) أُمَيْمَةُ: (فَقُلْنَ) ، أَيِ: النِّسْوَةُ ( «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا هَلُمَّ نُبَايِعْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ) ، مُصَافَحَةً بِالْيَدِ كَمَا يُصَافِحُ الرِّجَالُ عِنْدَ الْبَيْعَةِ، وَفِي النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أُمَيْمَةَ فَقُلْنَ: ابْسُطْ يَدَكَ نُصَافِحْكَ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -: «إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ» ) ، لَا أَضَعُ يَدَيَّ فِي أَيْدِيهِنَّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ أُخْرَى أَنَّهُنَّ كُنَّ يَأْخُذْنَ بِيَدِهِ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ مِنْ فَوْقِ ثَوْبِهِ، أَخْرَجَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - إِذَا بَايَعَ لَمْ يُصَافِحِ النِّسَاءَ، إِلَّا وَعَلَى يَدِهِ ثَوْبٌ» "، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَا يُشْرِكْنَ، وَمَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا» "، « (إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ) قَالَ (مِثْلِ قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) » ، شَكُّ الرَّاوِيِّ، وَهَذَا غَايَةٌ فِي التَّحَرِّي لِلْمَسْمُوعِ، إِذِ الْمَعْنَى وَاحِدٌ فَلَمَّا شَكَّ لَمْ يَقْنَعْ بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ، وَالْحَدِيثُ فِي التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ بَيْعَةِ النِّسَاءِ، قَالَتْ: " «مَا مَسَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ امْرَأَةً قَطُّ، إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا، فَإِذَا أَخَذَ عَلَيْهَا فَأَعْطَتْهُ قَالَ: اذْهَبِي فَقَدْ بَايَعْتُكِ» ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 633 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُبَايِعُهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ سَلَامٌ عَلَيْكَ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأُقِرُّ لَكَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ   1843 - 1796 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُبَايِعُهُ) ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ حِينَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، يَعْنِي بَعْدَ قَتْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَانْتِظَامِ الْمُلْكِ لَهُ، وَمُبَايَعَةِ النَّاسِ لَهُ، (فَكَتَبَ إِلَيْهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ: وَكَانَ إِذَا كَتَبَ يَكْتُبُهَا، (أَمَّا بَعْدُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ) ، لَعَلَّهُ قَدَّمَ الْوَصْفَ بِعَبْدِ اللَّهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَا يُغَيَّرُ بِالْمُلْكِ، وَلَا يَتَجَبَّرُ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ عَبِيدِ اللَّهِ، وَإِنْ وَلِيَ الْمُلْكَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ النَّصِيحَةِ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ عَظَّمَهُ بِالْوَصْفِ بِقَوْلِهِ: (أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكَ) ، أَيْ: أُنْهِي إِلَيْكَ حَمْدَ اللَّهِ (الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأُقِرُّ) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَكَسْرِ الْقَافِ، وَشَدِّ الرَّاءِ -: أَعْتَرِفُ (لَكَ بِالسَّمْعِ) ، فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، (وَالطَّاعَةِ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ) ، أَيْ: قَدْرَ اسْتِطَاعَتِي، زَادَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ: وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا بِمِثْلِ ذَلِكَ وَالسَّلَامُ. الحديث: 1843 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 634 [كِتَابُ الْكَلَامِ] [باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ] باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ كَافِرٌ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا»   56 - كِتَابُ الْكَلَامِ 1 - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَلَامِ 1844 - 1797 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) ، وَلِابْنِ وَهْبٍ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ صَحِيحٌ لِمَالِكٍ عَنْهُمَا (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ) فِي الْإِسْلَامِ: (كَافِرٌ) بِالتَّنْوِينِ، (فَقَدْ بَاءَ) - بِمُوَحَّدَةٍ مَمْدُودٍ -: رَجَعَ (بِهَا) ، أَيْ: بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ (أَحَدُهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْقَائِلُ صَادِقًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَالْمَرْمِيُّ كَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا، فَقَدْ جَعَلَ الرَّامِيَ الْإِيمَانَ كُفْرًا فَقَدْ كَفَرَ، كَذَا حَمَلَهُ الْبُخَارِيُّ عَلَى تَحْقِيقِ الْكُفْرِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَحَمَلَهُ غَيْرُهُ عَلَى الزَّجْرِ، وَالتَّغْلِيظِ فَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ: إِنَّ الْمَقُولَ لَهُ كَافِرٌ، فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا خِيفَ عَلَى الْقَائِلِ أَنْ يَصِيرَ كَافِرًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيِ احْتَمَلَ الذَّنْبَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ أَحَدُهُمَا. وَقَالَ أَشْهَبُ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: أَرَى ذَلِكَ فِي الْحَرُورِيَّةِ، قِيلَ: أَتَرَاهُمْ بِذَلِكَ كُفَّارًا؟ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الحديث: 1844 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 635 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ»   1845 - 1798 - (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ) - بِضَمِّ السِّينِ - (ابْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ) ذَكْوَانَ الزَّيَّاتِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا سَمِعْتُ الرَّجُلَ) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ الْإِنْسَانُ، وَلَوْ أُنْثَى (يَقُولُ) ، وَلِيَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ (هَلَكَ النَّاسُ) إِعْجَابًا بِنَفْسِهِ، وَتِيَهًا بِعِلْمِهِ، أَوْ عِبَادَتِهِ، وَاحْتِقَارًا لِلنَّاسِ، (فَهُوَ أُهْلَكُهُمْ) - بِضَمِّ الْكَافِ - عَلَى الْأَشْهُرِ فِي الرِّوَايَةِ، أَيْ: أَشَدُّهُمْ الحديث: 1845 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 635 هَلَاكًا لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْإِثْمِ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ، أَوْ أَقْرَبُهُمْ إِلَى الْهَلَاكِ لِذَمِّهِ لِلنَّاسِ، وَذِكْرِ عُيُوبِهِمْ وَتَكَبُّرِهِ، وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا، فِعْلٌ مَاضٍ، أَيْ: أَنَّهُ هُوَ نَسَبَهُمْ إِلَى الْهَلَاكِ لَا أَنَّهُمْ هَلَكُوا حَقِيقَةً، أَوْ لِأَنَّهُ أَقْنَطَهُمْ عَلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَآيَسَهُمْ مِنْ غُفْرَانِهِ، وَأَيَّدَ الرَّفْعَ بِرِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ، فَهُوَ مَنْ أَهْلَكَهُمْ. قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الذَّمَّ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِزْرَاءِ عَلَى النَّاسِ وَاحْتِقَارِهِمْ، وَتَفْضِيلِ نَفْسِهِ عَلَيْهِمْ، وَتَقْبِيحِ أَحْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ سِرَّ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، فَأَمَّا مَنْ قَالَهُ تَحَزُّنًا لِمَا يَرَى فِي نَفْسِهِ، وَفِي النَّاسِ مِنَ النَّقْصِ فِي أَمْرِ الدِّينِ، فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ أَنَسٌ: لَا أَعْرِفُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا، هَكَذَا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَتَابَعَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَعِيبُ النَّاسَ، وَيَذْكُرُ مُسَاوِيَهُمْ، وَيَقُولُ: فَسَدَ النَّاسُ وَهَلَكُوا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ، أَيُ: أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُمْ بِمَا يُلْحِقُهُ مِنَ الْإِثْمِ وَالْوَقِيعَةِ فِيهِمْ، وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إِلَى الْعُجْبِ بِنَفْسِهِ وَرُؤْيَتِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْوَعْظِ، وَالتَّذْكِيرِ لِيَقْتَدِيَ اللَّاحِقُ بِالسَّابِقِ، فَيَجْتَهِدُ الْمُقَصِّرُ، وَيَتَدَارَكُ الْمُفَرِّطُ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ: أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا لَوْ رَأَوْكُمْ لَقَالُوا: لَا يُؤْمِنُونَ بِيَوْمِ الْحِسَابِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ أَيْضًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 636 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ»   1846 - 1799 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا يَقُلْ) بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَقُولَنَّ بِنُونِ التَّوْكِيدِ الثَّقِيلَةِ، (أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ) ، بِمُعْجَمَةٍ، وَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، وَهِيَ الْحِرْمَانُ وَالْخُسْرَانُ. ( «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» ) ، أَيِ: الْمُدَبِّرُ لِلْأُمُورِ الْفَاعِلُ مَا تَنْسُبُونَهُ إِلَى الدَّهْرِ مِنْ جَلْبِ الْحَوَادِثِ وَدَفْعِهَا، كَانَ شَأْنُ الْجَاهِلِيَّةِ ذَمَّ الدَّهْرِ عِنْدَ الْحَوَادِثِ، أَوْ عَدَمِ حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، فَقَالَ ذَلِكَ رَدًّا لِاعْتِقَادِهِمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَّهُ، أَيْ: فَإِنَّ جَالِبَ الْحَوَادِثِ وَمُتَوَلِّيهَا هُوَ اللَّهُ لَا غَيْرُهُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: صَاحِبُ الدَّهْرِ، أَيِ الْخَالِقُ لَهُ، وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ مَقَلِّبُ الدَّهْرِ، وَلِذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ: بِيَدَيِ اللَّهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، فَمَعْنَى النَّهْيِ عَنْ سَبِّهِ أَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ فَاعِلٌ لِلْمَكْرُوهِ فَسَبَّهُ أَخْطَأَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْفَاعِلُ، فَإِذَا سَبَّهُ رَجَعَ إِلَى اللَّهِ. كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ» "، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْنَاهُ يُخَاطِبُنِي مِنَ الْقَوْلِ الحديث: 1846 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 636 بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ مَنْ يَجُوزُ فِي حَقِّهِ التَّأَذِّي، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ الْأَذَى، وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ التَّوَسُّعِ فِي الْكَلَامِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ تَعَرَّضَ لِسُخْطِ اللَّهِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ أَنَّ الدَّهْرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَهُوَ غَلَطٌ، فَإِنَّ الدَّهْرَ مُدَّةُ زَمَانِ الدُّنْيَا، وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ أَمَدُ مَفْعُولَاتٍ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، أَوْ فِعْلُهُ لِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ، قَالَ: وَقَدْ تَمَسَّكَ الْجَهَلَةُ مِنَ الدَّهْرِيَّةِ، وَالْمُعَطِّلَةِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَاحْتَجُّوا بِهِ عَلَى مَنْ لَا رُسُوخَ لَهُ فِي الْعِلْمِ، وَهُوَ بِنَفْسِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الدَّهْرَ عِنْدَهُمْ حَرَكَاتُ الْفَلَكِ، وَأَمَدُ الْعَالَمِ، وَلَا شَيْءَ عِنْدَهُمْ، وَلَا صَانِعَ سِوَاهُ، وَكَفَى فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ: أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، فَكَيْفَ يُقَلِّبُ الشَّيْءُ نَفْسَهُ؛ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا. قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: مَنْ نَسَبَ شَيْئًا مِنَ الْأَفْعَالِ إِلَى الدَّهْرِ حَقِيقَةً كَفَرَ، وَمَنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ غَيْرُ مُعْتَقَدٍ لِذَلِكَ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ، لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِتَشَبُّهِهِ بِأَهْلِ الْكُفْرِ فِي الْإِطْلَاقِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: لَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ سَبَّ الصَّنْعَةَ فَقَدْ سَبَّ صَانِعَهَا، فَمَنْ سَبَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَقْدَمَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ بِغَيْرِ مَعْنًى، وَمَنْ سَبَّ مَا يَجْرِي فِيهَا مِنَ الْحَوَادِثِ، وَذَلِكَ هُوَ أَغْلَبُ مَا يَقَعُ مِنَ النَّاسِ، وَهُوَ الَّذِي يُعْطِيهِ سِيَاقُ الْحَدِيثِ، حَيْثُ نَفَى عَنْهُمَا التَّأْثِيرَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا ذَنْبَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا الْحَوَادِثُ فَمِنْهَا مَا يَجْرِي بِوَاسِطَةِ الْعَاقِلِ الْمُكَلَّفِ، فَهَذَا يُضَافُ شَرْعًا وَلُغَةً إِلَى الَّذِي أُجْرِيَ عَلَى يَدَيْهِ، وَيُضَافُ إِلَى اللَّهِ لِكَوْنِهِ بِتَقْدِيرِهِ، فَأَفْعَالُ الْعِبَادِ مِنَ اكْتِسَابِهِمْ، وَلِذَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ، وَهِيَ فِي الِابْتِدَاءِ خَلْقُ اللَّهِ، وَمِنْهَا مَا يَجْرِي بِلَا وَاسِطَةٍ، فَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى قُدْرَةِ الْقَادِرِ، وَلَيْسَ لِلَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِعْلٌ وَلَا تَأْثِيرٌ لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا وَلَا عَقْلًا، وَهُوَ الْمَعْنَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَيَسْتَحِقُّ بِهِ مَا يَجْرِي مِنَ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْعَاقِلِ، ثُمَّ النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ تَنْبِيهٌ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى، فَلَا يَسُبُّ شَيْئًا مُطْلَقًا إِلَّا مَا أَذِنَ الشَّرْعُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَاحِدَةٌ، وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ أَيْضًا مَنْعُ الْحِيلَةِ فِي الْبَيْعِ مِثْلَ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ لِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَجَعَلَهُ سَبًّا لِخَالِقِهِ، انْتَهَى. وَتَابَعَ مَالِكًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 637 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ لَقِيَ خِنْزِيرًا بِالطَّرِيقِ فَقَالَ لَهُ انْفُذْ بِسَلَامٍ فَقِيلَ لَهُ تَقُولُ هَذَا لِخِنْزِيرٍ فَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ أُعَوِّدَ لِسَانِي الْمَنْطِقَ بِالسُّوءِ   1847 - 1800 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ - صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ -: لَقِيَ خِنْزِيرًا بِالطَّرِيقِ، فَقَالَ لَهُ: انْفُذْ) - بِضَمِّ الْفَاءِ، وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ -: امْضِ وَاذْهَبْ (بِسَلَامٍ) سَلَامَةً مِنِّي، فَلَا أُوذِيكَ، (فَقِيلَ لَهُ: تَقُولُ هَذَا لِخِنْزِيرٍ؟ فَقَالَ عِيسَى: إِنِّي أَخَافُ أَنَّ أُعَوِّدَ لِسَانِي النُّطْقَ بِالسُّوءِ) لَوْ قُلْتُ لَهُ غَيْرَ هَذَا، وَهَذَا مِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ، وَلَا يَدْعُ فَهُوَ صَادِرٌ مِمَّنْ تَوَلَّى اللَّهُ تَأْدِيبَهُ. الحديث: 1847 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 638 [بَاب الأمر بالتَّحَفُّظِ فِي الْكَلَامِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ»   2 - بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ التَّحَفُّظِ فِي الْكَلَامِ 1848 - 1801 - (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - (بْنِ عَلْقَمَةَ) بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٍ، مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ مَقْبُولٍ رُوِيَ لَهُ فِي السُّنَنِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَابَعَ مَالِكًا عَلَى ذَلِكَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، لَمْ يَقُولُوا عَنْ جَدِّهِ، رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَآخَرُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ بِلَالٍ قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَإِلَيْهِ مَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو سُفْيَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبَدِ رَبِّهِ السُّكَّرِيُّ عَنْ مَالِكٍ، فَقَالَ عَنْ جَدِّهِ (عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ) الْمُزَنِيِّ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيِّ، صَحَابِيٌّ أَقْطَعُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَقِيقَ، وَكَانَ يَسْكُنُ وَرَاءَ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْبَصْرَةِ، مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ، وَلَهُ ثَمَانُونَ سَنَةً (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنِ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ) الْوَاحِدَةِ، وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ، فَالْمُرَادُ الْكَلَامُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى مَا يُفْهِمُ الْخَيْرَ أَوِ الشَّرَّ طَالَ أَوْ قَصُرَ، كَمَا يُقَالُ: كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ، وَكَمَا يُقَالُ: لِلْقَصِيدَةِ كَلِمَةُ فُلَانٍ حَالَ كَوْنِهَا، (مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ) ، أَيْ: كَلَامٌ فِيهِ رِضَاهُ تَعَالَى، كَلِمَةٌ يَدْفَعُ بِهَا مَظْلَمَةً. (مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ) لِقِلَّتِهَا، (يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) ، يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْغَايَةُ بِهِ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ لَا يَسْخَطُ عَلَيْهِ أَبَدًا، (وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، أَيْ: مِنَ الْكَلَامِ الْمُسْخِطِ، أَيِ: الْمُغْضِبِ لِلَّهِ الْمُوجِبِ عِقَابَهُ، وَهُوَ حَالٌ مِنَ الْكَلِمَةِ، أَوْ صِفَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّامَ جِنْسِيَّةٌ، فَلَكَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى، وَاعْتِبَارُ اللَّفْظِ، وَالْجُمْلَةُ الْفِعْلِيَّةُ إِمَّا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الرَّجُلِ الْمُسْتَكِنِّ فِي " لَيَتَكَلَّمُ " أَوْ صِفَةٌ لَهَا بِالِاعْتِبَارَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، (مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ) الحديث: 1848 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 638 مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهَا (يَكْتُبُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: هِيَ الْكَلِمَةُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، فَالْأُولَى: لِيَرُدَّهُ بِهَا عَنْ ظُلْمٍ، وَالثَّانِيَةُ: لِيَجُرَّهُ بِهَا إِلَى ظُلْمٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي تَفْسِيرِهِ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَيَّنُ قَصْرُهُ عَلَيْهِ، فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ: كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى الْأُمَرَاءِ، فَيُضْحِكُهُمْ، فَقَالَ لَهُ عَلْقَمَةُ: وَيْحَكَ لِمَ تَدْخُلْ عَلَى هَؤُلَاءِ فَتُضْحِكُهُمْ، سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ فَذَكَرَهُ، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ: لَقَدْ مَنَعَنِي هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ كَلَامٍ كَثِيرٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 639 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ   1849 - 1802 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السَّمَانِ) بَائِعِ السَّمْنِ: (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ) مَوْقُوفًا، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الرِّقَاقِ، وَأَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ الرَّجُلَ) ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: إِنِ الْعَبْدَ، فَالْمُرَادُ الْإِنْسَانُ حُرًّا، أَوْ قِنًّا (لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ) عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ جَائِرٍ مُرِيدًا بِهَا هَلَاكَ مُسْلِمٍ، أَوِ الْمُرَادُ يَتَكَلَّمُ غَيْرَ حَسْنَاءَ، وَيُعَرِّضُ بِمُسْلِمٍ بِكَبِيرَةٍ أَوْ بِمُجُونٍ أَوِ اسْتِخْفَافٍ بِشَرِيعَةٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ، وَغَيْرَ ذَلِكَ (مَا يُلْقِي) ، بِضَمِّ الْيَاءِ، وَكَسْرِ الْقَافِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، (لَهَا بَالًا) ، أَيْ: لَا يَتَأَمَّلُهَا بِخَاطِرِهِ، وَلَا يَتَفَكَّرُ فِي عَاقِبَتِهَا، وَلَا يَظُنُّ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ شَيْئًا، وَهُوَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] (سورة النُّورِ: الْآيَةُ 15) ، (يَهْوِي) بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَكَسْرِ الْوَاوِ (فِي نَارِ جَهَنَّمَ) ، قَالَ عِيَاضٌ: أَيْ: يَنْزِلُ فِيهَا سَاقِطًا، وَجَاءَ بِلَفْظِ: يَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ؛ لِأَنَّ دَرَكَاتِ النَّارِ إِلَى أَسْفَلَ، فَهُوَ نُزُولُ سُقُوطٍ، وَقِيلَ: أَهْوَى مِنْ قَرِيبٍ، وَهَوَى مِنْ بَعِيدٍ. (وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ) بِالْكَلَامِ الْمُفِيدِ رِضْوَانَ اللَّهِ، مَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى (مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: دَرَجَاتٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْكَلِمَةُ الْأُولَى هِيَ الَّتِي يَقُولُهَا عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، زَادَ ابْنُ بَطَّالٍ: بِالْبَغْيِ، أَوْ بِالسَّعْيِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَتَكُونُ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الْقَائِلُ ذَلِكَ، لَكِنَّهَا رُبَّمَا أَدَّتْ إِلَيْهِ فَيُكْتَبُ الحديث: 1849 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 639 عَلَى الْقَائِلِ إِثْمُهَا، وَالْكَلِمَةُ الَّتِي يُرْفَعُ بِهَا الدَّرَجَاتُ، وَيُكْتَبُ بِهَا الرِّضْوَانُ هِيَ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا عَنْ مُسْلِمٍ مَظْلَمَةً، أَوْ يُفَرِّجُ بِهَا عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ يَنْصُرُ بِهَا مَظْلُومًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْأُولَى هِيَ الْكَلِمَةُ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ يُرْضِيهِ بِهَا فِيمَا يَسْخَطُ اللَّهُ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: هَذَا هُوَ الْغَالِبُ، وَرُبَّمَا كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ مِمَّنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِكَ. وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا: التَّلَفُّظُ بِالسُّوءِ وَالْفُحْشِ مَا لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْحُجَّةَ لِأَمْرِ اللَّهِ فِي الدِّينِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْخَنَا وَالرَّفَثِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي التَّعْرِيضِ بِالْمُسْلِمِ بِكَبِيرَةٍ، أَوْ مُجُونٍ، أَوِ اسْتِخْفَافٍ بِحَقِّ النُّبُوَّةِ وَالشَّرِيعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ. وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي لَا يَعْرِفُ قَائِلُهَا حُسْنَهَا مِنْ قُبْحِهَا قَالَ: فَيَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْرِفُ حُسْنَهُ مِنْ قُبْحِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ حِفْظُ اللِّسَانِ، فَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْطِقَ أَنْ يَتَدَبَّرَ مَا يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ، فَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَكَلَّمَ، وَإِلَّا أَمْسَكَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: عَلَيْكَ بِالتَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ فِي كُلِّ قَوْلٍ وَفِعْلٍ، فَقَدْ يَكُونُ فِي جَزَعٍ وَتَسَخُّطٍ، فَتَظُنُّهُ تَضَرُّعًا وَابْتِهَالًا، وَيَكُونُ فِي رِيَاءٍ مَحْضٍ، وَتَحْسَبُهُ حَمْدًا وَشُكْرًا، أَوْ دَعْوَةً لِلنَّاسِ إِلَى الْخَيْرِ، فَتَعُدُّ الْمَعَاصِي طَاعَاتٍ، وَتَحْسِبُ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ فِي مَوْضِعِ الْعُقُوبَاتِ، فَتَكُونُ فِي غُرُورٍ شَنِيعٍ، وَغَفْلَةٍ قَبِيحَةٍ مُغْضِبَةٍ لِلْجَبَّارِ مُوقِعَةٍ فِي النَّارِ وَبِئْسَ الْقَرَارِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 640 [بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «قَدِمَ رَجُلَانِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا أَوْ قَالَ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ»   3 - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ 1850 - 1803 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْفَقِيهِ الْعُمَرِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) ، وَأَسْقَطَهُ يَحْيَى، قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَا أَظُنُّهُ أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ وَصَلَهُ الْقَعْنَبِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ نَافِعٍ، وَالتِّنِّيسِيُّ، وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الصَّوَابُ (أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ رَجُلَانِ مِنْ) جِهَةِ (الْمَشْرِقِ) ، وَكَانَ سُكْنَى بَنِي تَمِيمٍ فِي جِهَةِ الْعِرَاقِ، وَهِيَ فِي شَرْقِ الْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُمَا الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ كَذَا فِي التَّمْهِيدِ، وَنَقَلَهُ السُّيُوطِيُّ عَنْهُ بِلَفْظِ يُقَالُ إِنَّهُمَا الزِّبْرِقَانُ وَعَمْرٌو، وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ الرَّجُلَيْنِ صَرِيحًا، وَزَعَمَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُمَا الزِّبْرِقَانُ بِكَسْرِ الزَّايِ، وَالرَّاءِ بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " «جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ الحديث: 1850 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 640 فَفَخَرَ الزِّبْرِقَانِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا سَيِّدُ بَنِي تَمِيمٍ، وَالْمُطَاعُ فِيهِمْ، وَالْمُجَابُ لَدَيْهِمْ، أَمْنَعُهُمْ مِنَ الظُّلْمِ، وَآخُذُ لَهُمْ حُقُوقَهُمْ، وَهَذَا، أَيْ عَمْرٌو، يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّهُ لَشَدِيدُ الْعَارِضَةِ، مَانِعٌ لِجَانِبِهِ، مُطَاعٌ فِي أَدْنَيْهِ، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ مِنِّي أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ، وَمَا مَنَعَهُ إِلَّا الْحَسَدُ، فَقَالَ عَمْرٌو: أَنَا أَحْسُدُكَ! وَاللَّهِ إِنَّكَ لَئِيمُ الْخَالِ، حَدِيثُ الْمَالِ، أَحْمَقُ الْوَالِدِ، مُضَيَّعٌ فِي الْعَشِيرَةِ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ صَدَقْتُ فِي الْأُولَى، وَمَا كَذَبْتُ فِي الْأُخْرَى، لَكِنِّي رَجُلٌ إِذَا رَضِيتُ قُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمْتُ، وَإِذَا غَضِبْتُ قُلْتُ أَقْبَحَ مَا وَجَدْتُ، وَلَقَدْ صَدَقْتُ فِي الْأُولَى، وَالْأُخْرَى جَمِيعًا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» "، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ تَمِيمٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَا هُمَا الْمُرَادَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ إِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو وَحْدَهُ، وَكَانَ كَلَامُهُ فِي مُرَاجَعَةِ الزِّبْرِقَانِ، فَلَا يَصِحُّ نِسْبَةُ الْخُطْبَةِ إِلَيْهِمَا، إِلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ. (فَخَطَبَا فَعَجِبَ النَّاسُ) مِنْهُمَا لِبَيَانِهِمَا، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» ) ; يَعْنِي أَنَّ مِنْهُ لَنَوْعًا يَحُلُّ مِنَ الْعُقُولِ وَالْقُلُوبِ فِي التَّمْوِيهِ مَحَلَّ السِّحْرِ، فَإِنَّ السَّاحِرَ بِسِحْرِهِ يُزَيِّنُ الْبَاطِلَ فِي عَيْنِ الْمَسْحُورِ، حَتَّى يَرَاهُ حَقًّا، فَكَذَا الْمُتَكَلِّمُ بِمَهَارَتِهِ فِي الْبَيَانِ، وَتَقَلُّبِهِ فِي الْبَلَاغَةِ، وَتَرْصِيفُ النَّظْمِ يَسْلُبُ عَقْلَ السَّامِعِ، وَيَشْغَلُهُ عَنِ التَّفَكُّرِ فِيهِ وَالتَّدَبُّرِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِ الْبَاطِلُ حَقًّا، وَالْحَقُّ بَاطِلًا، فَتُسْتَمَالُ بِهِ الْقُلُوبُ كَمَا تُسْتَمَالُ بِالسِّحْرِ، فَشُبِّهَ بِهِ تَشَبُّهًا بَلِيغًا بِحَذْفِ الْأَدَاةِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَصْلُهُ: إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ كَالسِّحْرِ، لَكِنَّهُ جَعَلَ الْخَبَرَ مُبْتَدَأً مُبَالَغَةً فِي جَعْلِ الْأَصْلِ فَرْعًا، وَالْفَرْعِ أَصْلًا. (أَوْ قَالَ: «إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ» ) ، شَكَّ الرَّاوِي فِي اللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ، وَإِنِ اتَّحَدَ الْمَعْنَى فَإِنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ، قَالَ الْبَاجِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ قَوْمٌ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الذَّمِّ ; لِأَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ سِحْرٌ، أَوْ هُوَ مَذْمُومٌ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِيمَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَلَامِ، وَقَالَ قَوْمٌ: خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَدْحِ ; لِأَنَّ اللَّهَ امْتَنَّ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ؛ " {خَلَقَ الْإِنْسَانَ - عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 14 - 4] "، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْلَغَ النَّاسِ، وَأَفْضَلَهُمْ بَيَانًا، قَالَ هَؤُلَاءِ: وَإِنَّمَا جَعَلَهُ سِحْرًا لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّفْسِ، وَمَيْلِهَا إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ: حَمْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا يُمْنَعُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي، إِذَا كَانَ فِي تَزْيِينِ الْحَقِّ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَكْثَرُ مَا يُقَالُ لَيْسَ ذَمًّا لِلْبَيَانِ كُلِّهِ، وَلَا مَدْحًا ; لِأَنَّهُ أَتَى بِـ " مِنْ " الَّتِي لِلتَّبْعِيضِ قَالَ: وَكَيْفَ نَذُمُّهُ، وَقَدِ امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ، فَقَالَ: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ - عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 4] (سورة الرَّحْمَنِ: الْآيَةُ 3، 4) ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي الْآيَةِ مَا يَقَعُ بِهِ الْإِبَانَةُ عَنِ الْمُرَادِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، لَا خُصُوصُ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَدْحِ الْإِيجَازِ وَالْإِتْيَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 641 بِالْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ بِالْأَلْفَاظِ الْقَلِيلَةِ، وَعَلَى مَدْحِ الْإِطْنَابِ فِي مَقَامِ الْخِطَابِ بِحَسَبِ الْمَقَامِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْبَيَانِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي، نَعَمْ، الْإِفْرَاطُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَذْمُومٌ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَابْنُ التِّينِ: الْبَيَانُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا مَا يَقَعُ بِهِ الْإِبَانَةُ عَنِ الْمُرَادِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَالْآخَرُ مَا دَخَلَتْهُ صَنْعَةُ تَحْسِينِ اللَّفْظِ بِحَيْثُ يَرُوقُ لِلسَّامِعِينَ، وَيَسْتَمِيلُ قُلُوبَهُمْ، وَهَذَا الَّذِي يُشَبَّهُ بِالسِّحْرِ ; لِأَنَّهُ صَرَفَ الشَّيْءَ عَنْ حَقِيقَتِهِ، رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَاجَةً كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِسْعَافُهُ بِهَا، فَاسْتَمَالَ قَلْبَهُ بِالْكَلَامِ، فَأَنْجَزَهَا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ السِّحْرُ الْحَلَالُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ سَارَ هَذَا الْحَدِيثُ سَيْرَ الْمَثَلِ فِي النَّاسِ، إِذَا سَمِعُوا كَلَامًا يُعْجِبُهُمْ قَالُوا: إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، وَرُبَّمَا قَالُوا: السِّحْرُ الْحَلَالُ، وَمِنْهُمْ أَخَذَ الْقَائِلُ: وَحَدِيثُهَا السِّحْرُ الْحَلَالُ لَوْ أَنَّهُ ... لَمْ يَجْرِ قَتْلُ الْمُسْلِمِ الْمُتَحَرِّزِ إِنْ طَالَ لَمْ يُمْلِلْ وَإِنْ هِيَ أَوْجَزَتْ ... وَدَّ الْمُحَدَّثُ أَنَّهَا لَمْ تُوجِزِ شَرَكُ الْعُقُولِ وَنُزْهَةٌ مَا مِثْلُهَا ... السَّامِعِينَ وَغَفْلَةُ الْمُسْتَوْفِزِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطِّبِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ مَوْصُولًا، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْأَدَبِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْبِرِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 642 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَلَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَة   1850 - 1804 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ: لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فَتَقْسُوَ) - بِالنَّصْبِ - (قُلُوبَكُمْ) ، فَلَا يَنْفَعُهَا عِظَةٌ، وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا حِكْمَةٌ، (فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) ذَلِكَ، وَهَذَا قَدْ جَاءَ مَرْفُوعًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةُ الْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي» "، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. (وَلَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ) ، جَمْعُ رَبٍّ، (وَ) لَكِنِ (انْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ) يَخَافُونَ اطِّلَاعَ سَادَاتِهِمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ، فَيَحْذَرُونَ مِنْهَا، (فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى) بِالذُّنُوبِ، (وَمُعَافًى) مِنْهَا، (فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ) بِنَحْوِ الدُّعَاءِ بِرَفْعِهِ عَنْهُمْ، وَعَدَمِ النَّظَرِ إِلَى ذُنُوبِهِمْ وَهَتْكِهِمْ بِهَا، عِظُوهُمْ بِلِينٍ وَرِفْقٍ، (وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ) لِيُدِيمَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 642 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تُرْسِلُ إِلَى بَعْضِ أَهْلِهَا بَعْدَ الْعَتَمَةِ فَتَقُولُ أَلَا تُرِيحُونَ الْكُتَّابَ   1850 - 1805 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تُرْسِلُ إِلَى أَهْلِهَا بَعْدَ الْعَتَمَةِ) - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْفَوْقِيَّةِ - الْعِشَاءِ، (فَتَقُولُ: أَلَا تُرِيحُونَ الْكُتَّابَ) الْمَلَائِكَةَ الْكِرَامَ مِنْ كَتْبِ الْكَلَامَ الَّذِي لَا ثَوَابَ فِيهِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: أَرَادَتْ بِذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَصْحَابَ الشِّمَالِ، لِأَنَّهَا كَارِهَةٌ لِأَعْمَالِ ابْنِ آدَمَ السَّيِّئَةِ فَإِذَا تَرَكَهَا فَقَدْ أَرَاحَهَا مِنْ كَرَاهَتِهَا، وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ عَنِ الْيَمِينِ، فَهُمْ يُسَرُّونَ بِعَمَلِ ابْنِ آدَمَ الصَّالِحِ، فَلَا تَعُودُ الْإِرَاحَةُ عَلَيْهِمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 643 [بَاب مَا جَاءَ فِي الْغِيبَةِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ أَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبَ الْمَخْزُومِيَّ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْغِيبَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَذْكُرَ مِنْ الْمَرْءِ مَا يَكْرَهُ أَنْ يَسْمَعَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْتَ بَاطِلًا فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ»   4 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغِيبَةِ 1853 - 1806 - (مَالِكٌ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ) الْمَدَنِيِّ أَخِي عِمَارَةَ، لَمْ يَذْكُرْهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَلَا تَرْجَمَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، لَكِنْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَكَفَى بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُ تَوْثِيقًا، (أَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ الْمُطَّلِبِ (بْنَ حَنْطَبٍ) - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ آخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ - ابْنِ الْحَارِثِ (الْمَخْزُومِيِّ) ، صَدُوقٌ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، وَالْقَعْنَبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ " حَنْطَبٍ "، وَوَقَعَ لِيَحْيَى " حُوَيْطَبٍ "، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ: (أَخْبَرَهُ) مُرْسَلًا، وَقَدْ وَصَلَهُ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمُطَّلِبُ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ، وَلَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا الْغِيبَةُ) ، أَيْ مَا حَقِيقَتُهَا الَّتِي نُهِينَا عَنْهَا بِقَوْلِهِ: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] (سورة الْحُجُرَاتِ: الْآيَةُ 12) ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْ تَذْكُرَ) بِلَفْظٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ رَمْزٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ مُحَاكَاةٍ (مِنَ الْمَرْءِ) فِي غَيْبَتِهِ (مَا يَكْرَهُ أَنْ يَسْمَعَ) لَوْ بَلَغَهُ، فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ خُلُقِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ خَادِمِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ حَرَكَتِهِ أَوْ طَلَاقَتِهِ أَوْ عُبُوسَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الحديث: 1853 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 643 (قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا) ، بِأَنْ كَانَ فِيهِ مَا ذَكَرْتُهُ بِهِ، (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا قُلْتَ بَاطِلًا فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ» ) ، أَيِ الْكَذِبُ، وَهُوَ أَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» "، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ بِفَتْحِ الْهَاءِ حَقِيقَةً، وَشَدِّ التَّاءِ لِإِدْغَامِ تَاءِ الْخِطَابِ فِي تَاءِ لَامِ الْكَلِمَةِ، يُقَالُ: بَهَتَ فُلَانًا: كَذَبَ عَلَيْهِ فَبُهِتَ، أَيْ تَحَيَّرَ، وَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ قُطِعَتْ حُجَّتُهُ، فَتَحَيَّرَ، وَالْبُهْتَانُ الْبَاطِلُ الَّذِي يُتَحَيَّرُ فِيهِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَالْأَوْلَى فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ مِنَ الْبُهْتَانِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْوَعْظِ وَالنُّصْحِ، فَيَجُوزُ، وَيُنْدَبُ فِيمَا كَانَتْ مِنْهُ زَلَّةُ التَّعْرِيضِ دُونَ التَّصْرِيحِ ; لِأَنَّهُ يَهْتِكُ حِجَابَ الْهَيْبَةِ، ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " مِنَ الْمَرْءِ " وَلَوْ كَافِرًا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَخَاكَ " تَخْصِيصُ الْغِيبَةِ بِالْمُسْلِمِ، إِذِ الْمُرَادُ الْأَخُ فِي الدِّينِ، وَصَرَّحَ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَا غَيْبَةَ فِي كَافِرٍ، وَيُوَافِقُ الْأَوَّلُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَصْرَانِيَّيْنِ لَوْلَا الْغِيبَةُ أَخْبَرْتُكُمْ أَيَّهُمَا طَبٌّ» . قَالَ الْأَبِيُّ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ " أَخَاكَ " خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، أَوْ يَخْرُجُ بِهِ الْكَافِرُ ; لِأَنَّهُ لَا غِيبَةَ فِيهِ بِكُفْرِهِ، بَلْ بِغَيْرِهِ، وَاسْتَثْنَى مَسَائِلَ تَجُوزُ فِيهَا الْغِيبَةُ، مَعْلُومَةً. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ الْقَعْنَبِيِّ فِي الْمُوَطَّأِ، وَهُوَ عِنْدُهُ فِي الزِّيَادَاتِ، وَهُوَ آخِرُ حَدِيثٍ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ فِي مُوَطَّأِ ابْنِ بُكَيْرٍ، وَهُوَ يَدْخُلُ فِي التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 644 [بَاب مَا جَاءَ فِيمَا يُخَافُ مِنْ اللِّسَانِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ اثْنَيْنِ وَلَجَ الْجَنَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تُخْبِرْنَا فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ لَا تُخْبِرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا فَقَالَ الرَّجُلُ لَا تُخْبِرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا ثُمَّ ذَهَبَ الرَّجُلُ يَقُولُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى فَأَسْكَتَهُ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ اثْنَيْنِ وَلَجَ الْجَنَّةَ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ»   5 - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا يُخَافُ مِنَ اللِّسَانِ 1854 - 1807 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) مُرْسَلًا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ مَوْصُولًا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَالْعَسْكَرِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ جَابِرٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ، وَجَاءَ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى كُلُّهُمْ بِمَعْنَاهُ: « (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الحديث: 1854 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 644 مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ اثْنَيْنِ وَلَجَ) ، أَيْ دَخَلَ (الْجَنَّةَ) » مَعَ السَّابِقِينَ، أَوْ بِغَيْرِ عَذَابٍ، (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تُخْبِرْنَا) ، كَذَا لِيَحْيَى، وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَغَيْرِهِمَا بِلَفْظِ النَّهْيِ، قَالَ الْبَاجِيُّ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ: خَشِيَ إِذَا أَخْبَرَهُمْ أَنْ يَثْقُلَ عَلَيْهِمُ الِاحْتِرَاسُ مِنْهَا، وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ: أَلَا تُخْبِرُنَا؟ بِلَفْظِ الْعَرْضِ (فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى) : مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ. . . . إِلَى آخِرِهِ. (فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ) الْمَذْكُورُ: (لَا تُخْبِرْنَا) بِالْجَزْمِ نَهْيًا، وَالْقَعْنَبِيُّ: أَلَا تُخْبِرُنَا (يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ أَيْضًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا تُخْبِرْنَا) نَهْيًا أَوْ عَرْضًا (يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا، ثُمَّ ذَهَبَ الرَّجُلُ يَقُولُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا قَالَ يَحْيَى: لَا تُخْبِرْنَا عَلَى لَفْظِ النَّهْيِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَعَادَ الْكَلَامَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَتَابَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ عَلَى لَفْظِ: لَا تُخْبِرْنَا عَلَى النَّهْيِ إِلَّا أَنَّ إِعَادَةَ الْكَلَامِ عِنْدَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ: أَلَا تُخْبِرُنَا عَلَى لَفْظِ الْعَرْضِ، وَالْقِصَّةُ مُعَادَةٌ عِنْدَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَيْضًا، وَكُلُّهُمْ قَالَ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، (فَأَسْكَتَهُ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ) تَفْوِيضًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يُرِيدُ مِنَ الْإِخْبَارِ وَتَرْكِهِ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ اثْنَيْنِ وَلَجَ) ، أَيْ دَخَلَ (الْجَنَّةَ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ) ، بِفَتْحِ اللَّامِ، وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ مُثَنًّى، هُمَا الْعَظْمَانِ فِي جَانِبِ الْفَمِ، وَمَا بَيْنَهُمَا هُوَ اللِّسَانُ، (وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ) فَرْجُهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ اسْتِهْجَانًا لَهُ، وَاسْتِحْيَاءً ; لِأَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْبِكْرِ فِي خِدْرِهَا، (مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ، مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ) ، ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ لِلتَّأْكِيدِ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: الْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ: الْفَمُ بِتَمَامِهِ فَتَنَاوَلَ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا، وَالْأَكْلَ وَالشُّرْبَ، وَسَائِرَ مَا يَتَأَتَّى بِالْفَمِ، أَيْ مِنَ النُّطْقِ وَالْفِعْلِ كَتَقْبِيلٍ وَعَضٍّ وَشَتْمٍ، قَالَ: وَمَنْ يَحْفَظُ مِنْ ذَلِكَ أَمِنَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا السَّمْعُ وَالْبَصَرُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَخَفَى عَلَيْهِ أَنَّهُ بَقِيَ الْبَطْشُ بِالْيَدَيْنِ، وَإِنَّمَا مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ النُّطْقَ بِاللِّسَانِ أَصْلٌ فِي حُصُولِ كُلِّ مَطْلُوبٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إِلَّا فِي خَيْرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 645 سَلِمَ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ أَعْظَمَ الْبَلَايَا عَلَى الْمَرْءِ فِي الدُّنْيَا لِسَانُهُ وَفَرْجُهُ، فَمَنْ وُقِيَ شَرَّهُمَا، وُقِيَ أَعْظَمَ الشَّرِّ، انْتَهَى. فَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِذَلِكَ، وَالْحَدِيثُ مَعْدُودٌ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 646 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَهْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ   1855 - 1808 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَهُوَ يَجْبِذُ) - بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ - (لِسَانَهُ) بِيَدِهِ، (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَهْ) : اكْفُفْ (غَفَرَ اللَّهُ لَكَ) دُعَاءٌ لَهُ، (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ هَذَا) اللِّسَانَ (أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ) الَّتِي يُخْشَى عَاقِبَتُهَا. الحديث: 1855 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 646 [بَاب مَا جَاءَ فِي مُنَاجَاةِ اثْنَيْنِ دُونَ وَاحِدٍ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «عِنْدَ دَارِ خَالِدِ بْنِ عُقْبَةَ الَّتِي بِالسُّوقِ فَجَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ وَلَيْسَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُ الرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَجُلًا آخَرَ حَتَّى كُنَّا أَرْبَعَةً فَقَالَ لِي وَلِلرَّجُلِ الَّذِي دَعَاهُ اسْتَأْخِرَا شَيْئًا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ»   6 - بَابُ مَا جَاءَ فِي مُنَاجَاةِ اثْنَيْنِ دُونَ وَاحِدٍ الْمُنَاجَاةُ الْمُسَارَّةُ، تَنَاجَى الْقَوْمُ وَانْتَجَوْا، أَيْ سَارَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. 1856 - 1809 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، (قَالَ: كُنْتُ أَنَا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ دَارِ خَالِدِ بْنِ عُقْبَةَ) - بِالْقَافِ - ابْنِ أَبِي مُعَيْطٍ الْقُرَشِيِّ الْأُمَوِيِّ، صَحَابِيٌّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، زَعَمَ ابْنُ الْحَذَّاءِ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ جِنَازَةَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ غَيْرُهُ، وَرُدَّ بِمَا جَاءَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِي الْأُمَوِيَّ صَلَّى عَلَيْهِ، قَدَّمَهُ الْحُسَيْنُ، لِكَوْنِهِ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ (الَّتِي بِالسُّوقِ) ، أَيْ سُوقِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، (فَجَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ) ، يُسَارِرَهُ، (وَلَيْسَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ أَحَدٌ غَيْرِي، وَغَيْرُ الرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ، فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَجُلًا آخَرَ حَتَّى كُنَّا) ، أَيْ صِرْنَا (أَرْبَعَةً فَقَالَ لِي وَلِلرَّجُلِ الَّذِي دَعَاهُ: اسْتَأْخِرَا شَيْئًا) ، قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَسْمَعَانِ التَّنَاجِيَ، (فَإِنِّي سَمِعْتُ الحديث: 1856 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 646 رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا يَتَنَاجَى) بِأَلِفٍ لَفْظًا مَقْصُورَةٍ، ثَابِتَةٍ فِي الْكِتَابَةِ تَحْتِيَّةٍ سَاقِطَةٍ فِي الدَّرْجِ، لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ بِلَفْظِ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ (اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ) ; لِأَنَّهُ يُوقِعُ الرُّعْبَ فِي قَلْبِهِ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا تُوجِبُهُ الصُّحْبَةُ مِنَ الْأُلْفَةِ، وَالْأُنْسِ، وَعَدَمِ التَّنَافُرِ، وَلِذَا قِيلَ: إِذَا سَرَرْتَ فِي مَجْلِسٍ فَإِنَّكَ فِي أَهْلِهِ مُتَّهَمٌ، وَتَخْصِيصُ النَّهْيِ بِصَدْرِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَنَاجَوْنَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ رُدَّ بِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِالْعَدَدِ مَعْنًى، وَخَصَّهُ عِيَاضٌ بِالسَّفَرِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْخَوْفِ، وَرَدَّهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ وَتَخْصِيصٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْخَبَرُ عَامُّ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَالْعِلَّةُ الْحُزْنُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَعُمَّهُمَا، وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا خَشِيَا أَنَّ صَاحِبَهُمَا يَظُنُّ أَنَّ تَنَاجِيَهُمَا فِي غَدْرِهِ، وَإِلَّا كُرِهَ حَضَرًا وَسَفَرًا فِي الْقِسْمَيْنِ، وَفِي مَعْنَى التَّنَاجِي مَا لَوْ تَحَدَّثَا بِلِسَانٍ لَا يُفْهَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 647 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ»   1857 - 1810 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا كَانَ) ، أَيْ وُجِدَ (ثَلَاثَةٌ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ " كَانَ " التَّامَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً، رُوِيَ بِنَصْبِهِ خَبَرُ " كَانَ " وَاسْمُهَا الْمُتَصَاحِبُونَ، وَبِرَفْعِهِ عَلَى لُغَةِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، وَتَمَامِ " كَانَ ". ( «فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ» ) ، أَيْ لَا يَتَسَارَّا وَيَتْرُكَاهُ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ، أَيْ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ نَجْوَاهُمَا هِيَ لِسُوءِ رَأْيِهِمَا فِيهِ وَاحْتِقَارِهِ عَنْ أَنْ يُدْخِلَاهُ فِي نَجْوَاهُمْ، أَوْ إِنَّمَا يَتَّفِقَانِ عَلَى غَائِلَةٍ تَحْصُلُ لَهُ مِنْهُمَا. قَالَ الْحَافِظُ: وَأَرْشَدَ هَذَا التَّعْلِيلُ إِلَى أَنَّ الْمُنَاجِيَ إِذَا كَانَ مِمَّنْ إِذَا خَصَّ أَحَدًا بِمُنَاجَاتِهِ أَحْزَنَ الْبَاقِينَ امْتِنَاعُ ذَلِكَ، إِلَّا إِذَا كَانَ فِي أَمْرٍ مُهِمٍّ لَا يَقْدَحُ فِي الدِّينِ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ: لَا يَتَنَاجَى ثَلَاثَةٌ دُونَ وَاحِدٍ، وَلَا عَشَرَةٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى أَنْ يُتْرَكَ وَاحِدٌ، قَالَ: وَهَذَا مُسْتَنْبَطٌ مِنَ الْحَدِيثِ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ لِلْوَاحِدِ كَتَرْكِ الِاثْنَيْنِ لِلْوَاحِدِ، قَالَ: وَهَذَا مِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ لِئَلَّا يَتَبَاغَضُوا وَيَتَقَاطَعُوا، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ: فَلَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فِي حَقِّ الْوَاحِدِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَمَّا إِذَا كَانُوا أَرْبَعَةً فَتَنَاجَى اثْنَيْنِ دُونَ اثْنَيْنِ، فَلَا بَأْسَ بِالْإِجْمَاعِ، انْتَهَى. وَاخْتُلِفَ إِذَا انْفَرَدَ جَمَاعَةٌ دُونَ جَمَاعَةٍ قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ دَالٌّ عَلَى الْجَوَازِ، وَحَدِيثُ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ فِي مَلَإٍ فَسَارَرْتُهُ فِيهِ دَلَالَةٌ الحديث: 1857 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 647 عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ يَرْتَفِعُ إِذَا بَقِيَ جَمَاعَةٌ لَا يَتَأَذَّوْنَ بِالسِّرَارِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ أَصْلِ الْحُكْمِ كَمَا مَرَّ مَا إِذَا أَذِنَ مَنْ يَبْقَى سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا، أَمْ أَكْثَرَ لِلِاثْنَيْنِ فِي التَّنَاجِي دُونَهُ أَوْ دُونَهُمْ، فَإِنَّ الْمَنْعَ يَرْتَفِعُ لِأَنَّهُ حَقُّ مَنْ يَبْقَى، وَأَمَّا إِذَا تَنَاجَيَا ابْتِدَاءً، وَثَمَّ ثَالِثٌ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ كَلَامَهُمَا لَوْ تَكَلَّمَا جَهْرًا، فَأَتَى لِيَسْتَمِعَ عَلَيْهِمَا فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا مَعَهُمَا أَصْلًا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمُتَنَاجِيَيْنِ فِي حَالِ تَنَاجِيهِمَا. قَالَ غَيْرُهُ: وَلَا يَنْبَغِي لِلدَّاخِلِ الْقُعُودُ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ تَبَاعَدَ عَنْهُمَا إِلَّا بِإِذْنِهِمَا، لِأَنَّهُمَا لَمَّا افْتَتَحَا حَدِيثَهُمَا سِرًّا، وَلَيْسَ عِنْدَهُمَا أَحَدٌ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمَا أَنْ لَا يَطَّلِعَ أَحَدٌ عَلَى كَلَامِهِمَا، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا جَهُورًا بِأَلَّا يَتَأَتَّى لَهُ إِخْفَاءُ كَلَامِهِ مِمَّنْ حَضَرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ لِبَعْضِ النَّاسِ قُوَّةُ فَهْمٍ بِحَيْثُ إِذَا سَمِعَ بَعْضَ الْكَلَامِ اسْتَدَلَّ عَلَى بَاقِيهِ، فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى تَرْكِ مَا يُؤْذِي الْمُؤْمِنَ مَطْلُوبَةٌ، وَإِنْ تَفَاوَتَتِ الْمَرَاتِبُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَإِسْمَاعِيلُ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ كَمَا فِي مُسْلِمٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 648 [بَاب مَا جَاءَ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْذِبُ امْرَأَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ»   7 - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ 1859 - 1811 - (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) - بِضَمِّ السِّينِ - الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ عَابِدٌ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، فَهُوَ مُرْسَلٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَحْفَظُهُ مُسْنَدًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا، (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكْذِبُ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ اسْتِغْنَاءً بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ، (امْرَأَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ) ، بَلْ هُوَ شَرٌّ كُلُّهُ، (فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعِدُهَا) ، بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، (وَأَقُولُ لَهَا) أَفْعَلُ لَكِ كَذَا وَكَذَا، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا جُنَاحَ) : لَا حَرَجَ (عَلَيْكَ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالْوَعْدِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَاضٍ، وَهَذَا مُسْتَقْبَلٌ قَدْ يُمْكِنُهُ تَصْدِيقُ خَبَرِهِ فِيهِ. الحديث: 1859 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 648 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَالْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَالْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ صَدَقَ وَبَرَّ وَكَذَبَ وَفَجَرَ   1859 - 1812 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ) ، وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ) ، أَيِ الْزَمُوهُ، وَدَاوِمُوا عَلَيْهِ، أَيِ الْقَوْلِ الْحَقِّ، وَهُوَ ضِدُّ الْكَذِبِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ نَحْوُ صَدَقَ فُلَانٌ فِي الْقِتَالِ، إِذَا أَوْفَاهُ حَقَّهُ، (فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي) - بِفَتْحَ أَوَّلِهِ - أَيْ يُوَصِّلُ صَاحِبَهُ (إِلَى الْبَرِّ) ، أَيْ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ الْخَالِصِ، وَالْبِرُّ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ، وَقِيلَ اكْتِسَابُ الْحَسَنَاتِ. (وَالْبِرَّ يَهْدِي) - بِفَتْحَ أَوَّلِهِ - يُوَصِّلُ صَاحِبَهُ (إِلَى الْجَنَّةِ) ، يَعْنِي أَنَّ الصِّدْقَ الَّذِي هُوَ بِرٌّ يَدْعُو إِلَى مَا يَكُونُ بِرًّا مِثْلَهُ، وَذَلِكَ يَدْعُو إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَهُوَ سَبَبٌ لِدُخُولِهَا، وَمِصْدَاقُهُ: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] (سورة الِانْفِطَارِ: الْآيَةُ 13) ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الصِّدْقَ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ كُلِّهِ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَحَرَّاهُ لَمْ يَعْصِ أَبَدًا ; لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْرِقَ، أَوْ يَزْنِيَ، أَوْ يُؤْذِيَ أَحَدًا خَافَ أَنْ يُقَالَ لَهُ زَنَيْتَ أَوْ سَرَقْتَ، فَإِنْ سَكَتَ جَرَّ الرِّيبَةَ إِلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: لَا، كَذَبَ، وَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، فَسَقَ، وَسَقَطَتْ مَنْزِلَتُهُ، وَذَهَبَتْ حُرْمَتُهُ. زَادَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: «وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ، وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صَادِقًا» . ( «وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ» ) ، أَيِ احْذَرُوا الْإِخْبَارَ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ، ( «فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ» ) ، أَيْ يُوَصِّلُ إِلَى الْمَيْلِ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ وَالِانْبِعَاثِ فِي الْمَعَاصِي، وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ شَرٍّ. (وَالْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ) ، أَيْ يُوَصِّلُ إِلَى مَا يَكُونُ سَبَبًا لِدُخُولِهَا، وَذَلِكَ دَاعٍ لِدُخُولِهَا، زَادَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: " «وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» "، (أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ صَدَقَ وَبَرَّ وَكَذَبَ وَفَجَرَ) اسْتِظْهَارٌ ; لِأَنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَالْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَلَمْ يَقَعْ هَذَا فِي الْمَرْفُوعِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ ; لِأَنَّ الْإِمَامَ ذَكَرَهُ مَوْقُوفًا، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى تَحَرِّي الصِّدْقِ، وَالِاعْتِنَاءِ بِهِ، وَهُوَ أَشَدُّ الْأَشْيَاءِ نَفْعًا، وَلِذَا عَلَتْ رُتْبَتُهُ عَلَى رُتْبَةِ الْإِيمَانِ ; لِأَنَّهُ إِيمَانٌ وَزِيَادَةٌ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] (سورة التَّوْبَةِ: الْآيَةُ 119) ، وَفِيهِ تَحْذِيرٌ مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّسَاهُلِ فِيهِ، وَهُوَ أَشَدُّ الْأَشْيَاءِ ضَرَرًا، فَإِنَّهُ إِذَا تَسَاهَلَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَعُرِفَ بِهِ، فَلَا يُعْتَمَدُ نُطْقُهُ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ، فَيَنْسَلِخُ مِنَ الْإِنْسَانِيَّةِ لِخُصُوصِيَّةِ الْإِنْسَانِ بِالنُّطْقِ إِلَى الْبَهِيمِيَّةِ، فَيَصِيرُ هُوَ وَالْبَهِيمَةُ سَوَاءٌ، بَلْ هُوَ شَرٌّ مِنْهَا، لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ يَنْفَعْ نُطْقُهَا، لَا يَضُرُّ، وَالْكَاذِبُ يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 649 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِلُقْمَانَ مَا بَلَغَ بِكَ مَا نَرَى يُرِيدُونَ الْفَضْلَ فَقَالَ لُقْمَانُ صِدْقُ الْحَدِيثِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِينِي   1859 - 1813 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّهُ قِيلَ لِلُقْمَانَ) ، قِيلَ: إِنَّهُ حَبَشِيٌّ، وَقِيلَ: نُوبِيٌّ، وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ كَانَ صَالِحًا أُوتِيَ الْحِكْمَةَ، وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا. وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ: إِنْ لُقْمَانَ خُيِّرَ بَيْنَ الْحِكْمَةِ وَالنُّبُوَّةِ، فَاخْتَارَ الْحِكْمَةَ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: خِفْتُ أَنْ أَضْعُفَ عَنْ حَمْلِ أَعْبَاءِ النُّبُوَّةِ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَاسْمُ وَالِدِهِ عَنْقَاءُ بْنُ شَرْوَانَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ لُقْمَانُ بْنُ بَاعُورَا بْنِ نَاصِرِ بْنِ آزَرَ، فَهُوَ ابْنُ أَخِي إِبْرَاهِيمَ. وَذَكَرَ وَهْبٌ فِي الْمُبْتَدَأِ أَنَّهُ ابْنُ أُخْتِ أَيُّوبَ، وَقِيلَ: ابْنُ خَالَتِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ فِي عَصْرِ دَاوُدَ، وَقِيلَ: كَانَ يُفْتِي قَبْلَ بَعْثِهِ، وَقِيلَ: عَاصَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ: كَانَ بَيْنَ عِيسَى وَالْمُصْطَفَى، وَغَلِطَ مَنْ قَالَ: عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ الْتَبَسَ عَلَيْهِ بِلُقْمَانَ بْنِ عَادٍ. (مَا بَلَغَ بِكَ مَا تَرَى) ، يُرِيدُونَ الْفَضْلَ الَّذِي يُشَاهِدُونَهُ مِنْهُ، (فَقَالَ لُقْمَانُ: صِدْقُ الْحَدِيثِ) ، إِذْ هُوَ أَصْلُ الْمَحْمُودَاتِ، وَرُكْنُ النُّبُوَّاتِ، وَنَتِيجَةُ التَّقْوَى، وَلَوْلَاهُ لَبَطَلَتْ أَحْكَامُ الشَّرَائِعِ، (وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ) إِلَى أَهْلِهَا، (وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِينِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 650 وَحَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَتُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ كُلُّهُ فَيُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْكَاذِبِينَ   1859 - 1814 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ) مَوْقُوفًا، وَحُكْمُهُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلرَّأْيِ، (لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَتُنْكَتُ) ، بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، أَوْ تَحْتِيَّةٍ ضُبِطَ بِهِمَا (فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ) ، أَيْ أَثَرٌ صَغِيرٌ، (سَوْدَاءُ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ كُلُّهُ) ، لِتَعَدُّدِ النُّكْتَةِ بِتَعَدُّدِ الْكَذِبِ، (فَيُكْتَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَاذِبِينَ) ، أَيْ يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ، وَيَسْتَحِقُّ الْوَصْفَ بِهِ، وَالْعِقَابَ عَلَيْهِ، فَالْمُرَادُ إِظْهَارُهُ لِخَلْقِهِ بِالْكِتَابَةِ، لِيَشْتَهِرَ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَيُلْقَى فِي قُلُوبِ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَيُوضَعَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، كَمَا يُوضَعُ الْقَبُولُ وَالْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ، كَمَا أَفَادَهُ الْحَافِظُ، وَغَيْرُهُ، وَكَفَاهُ ذَلِكَ إِهَانَةً. وَقَدْ رَوَى الدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «لَا يَكْذِبُ الْكَاذِبُ إِلَّا مِنْ مَهَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ» ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 650 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا فَقَالَ لَا»   1862 - 1815 - (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ: أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلٌ، أَوْ مُعْضَلٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا الحديث: 1862 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 650 أَحْفَظُهُ مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ مُرْسَلٌ، ( «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: - أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟» ) أَيْ ضَعِيفَ الْقَلْبِ، (فَقَالَ: نَعَمْ) ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْإِيمَانَ، (فَقِيلَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا) بُخْلًا لُغَوِيًّا، وَهُوَ مَنْعُ السَّائِلِ مَا يَغْفَلُ عَنْهُ، (فَقَالَ: نَعَمْ) لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ الْإِيمَانَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْبُخْلَ الشَّرْعِيَّ، وَهُوَ مَنْعُ الْوَاجِبِ لِمُنَافَاتِهِ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ، (فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟) بِالتَّشْدِيدِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، أَيْ كَثِيرَ الْكَذِبِ، (فَقَالَ: لَا) يَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا، أَيِ الْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ إِيمَانُهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا: " «إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ مُجَانِبٌ لِلْإِيمَانِ» "، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَصَوَّبَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقْفَهُ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُمَا عَنِ الصِّدِّيقِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُمَا عَنِ الصِّدِّيقِ مَوْقُوفًا، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ: " «أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ يَزْنِي الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ، قَالَ: هَلْ يَكْذِبُ؟ قَالَ: لَا» "، وَلِلْبَزَّارِ، وَأَبِي يَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَفَعَهُ: " «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ خُلُقِهِ غَيْرَ الْخِيَانَةِ وَالْكَذِبِ» ، وَضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ رَفْعَهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْمَوْقُوفُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، قَالَ غَيْرُهُ: وَمَعَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى الصَّحِيحِ ; لِأَنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، انْتَهَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 651 [بَاب مَا جَاءَ فِي إِضَاعَةِ الْمَالِ وَذِي الْوَجْهَيْنِ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ»   8 - بَابُ مَا جَاءَ فِي إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَذِي الْوَجْهَيْنِ 1863 - 1816 - (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ) - بِضَمِّ السِّينِ - (بْنِ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (عَنْ أَبِيهِ) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا أَرْسَلَهُ يَحْيَى، وَابْنُ وَهْبٍ، وَالْقَعْنَبِيُّ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَعْنٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ الصُّورِيُّ، فَلَمْ يَقُولُوا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَسْنَدَهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ، وَهُوَ مَحْفُوظٌ وَغَيْرُهُ مُسْنَدًا، هَكَذَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا) مِنَ الْخِصَالِ، (وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا) ، يَعْنِي يَأْمُرُكُمْ بِثَلَاثٍ، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ ثَلَاثٍ إِذِ الحديث: 1863 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 651 الرِّضَا عَنِ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِهِ، وَالْأَمْرُ بِهِ يَسْتَلْزِمُ الرِّضَا، فَهُوَ كِنَايَةٌ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي السُّخْطِ، وَأَتَى بِاللَّامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ: يَرْضَى عَنْكُمْ بِثَلَاثٍ، وَيَسْخَطُ مِنْكُمْ رَمَزًا إِلَى أَنَّ فَائِدَةَ كُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ عَائِدَةٌ إِلَى عِبَادِهِ (يَرْضَى) ، فَصَلَهُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، اقْتَضَاهُ الْكَلَامُ، كَأَنَّهُ قِيلَ مَا الثَّلَاثُ؟ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَيَرْضَى بِفَاءِ التَّفْسِيرِ (لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) ; لِأَنَّ مَنْ أَشْرَكَ بِعِبَادَتِهِ أَحَدًا، لَمْ يَعْبُدْهُ، فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ " ثِنْتَانِ " مُتَعَقَّبٌ. (وَ) الثَّانِيَةُ: (أَنْ تَعْتَصِمُوا) : تَتَمَسَّكُوا (بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا) ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: " وَلَا تَفَرَّقُوا "، أَيْ لَا تَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ الِاعْتِصَامِ، كَمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَهُوَ نَفْيٌ عُطِفَ عَلَى " تَعْتَصِمُوا "، أَوْ هُوَ نَهْيٌ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ قَبْلَهُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، أَيِ اعْتَصِمُوا، وَلَا تَفَرَّقُوا. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِحَبْلِ اللَّهِ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: هُوَ الْقُرْآنُ وَرُجِّحَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ» "، وَفِي لَفْظٍ: " «الْقُرْآنُ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ» "، حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِخِلَافِهِ غَفْلَةٌ، إِذْ لَا عِطْرَ بَعْدَ عَرُوسٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا، وَغَيْرُهُ: هُوَ عَهْدُ اللَّهِ وَأَمْرُهُ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ الْجَمَاعَةُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَدِيثِ، وَالْأَشْبَهُ بِسِيَاقِهِ. وَأَمَّا الْقُرْآنُ، فَمَأْمُورٌ بِالِاعْتِصَامِ بِهِ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ، وَغَيْرِ مَا حَدِيثٍ، أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْجَمَاعَةُ عَلَى إِمَامٍ يُسْمَعُ لَهُ وَيُطَاعُ، فَيَكُونُ وَلِيَّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ فِي نِكَاحٍ، وَتَقْدِيمِ قَضَائِهِ لِلْعَقْدِ عَلَى أَيْتَامٍ، وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَيُقِيمُ الْجُمُعَةَ، وَالْعِيدَ، وَيَأْمَنُ بِهِ السُّبُلَ، وَيَنْتَصِفُ بِهِ الْمَظْلُومُ، وَيُجَاهِدُ عَنِ الْأُمَّةِ عَدُوَّهَا، وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا فِيهِمَا ; لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ وَالْفُرْقَةَ هَلَكَةٌ، وَالْجَمَاعَةَ نَجَاةٌ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي مَعْنًى مُتَدَاخِلٌ مُتَقَارِبٌ ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَأْمُرُ بِالْأُلْفَةِ، وَيَنْهَى عَنِ الْفُرْقَةِ. (وَ) الثَّالِثَةُ: (أَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ) ، وَهُوَ الْإِمَامُ، وَنُوَّابُهُ بِمُعَاوَنَتِهِمْ عَلَى الْحَقِّ، وَطَاعَتِهِ فِيهِ، وَأَمْرِهِمْ بِهِ، وَتَذْكِيرِهِمْ بِرِفْقٍ وَلُطْفٍ، وَإِعْلَامِهِمْ بِمَا غَفَلُوا عَنْهُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ، وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ، وَبِتَأَلُّفِ قُلُوبِ النَّاسِ لِطَاعَتِهِمْ، وَالصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ، وَالْجِهَادِ مَعَهُمْ، وَأَدَاءِ الصَّدَقَاتِ لَهُمْ، وَأَنْ لَا يُطْرُوا بِالثَّنَاءِ الْكَاذِبِ، وَأَنْ يُدْعَى لَهُمْ بِالصَّلَاحِ، وَقِيلَ: هُمُ الْعُلَمَاءُ، فَنَصِيحَتُهُمْ قَبُولُ مَا رَوَوْهُ، وَتَقْلِيدُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِحْسَانُ الظَّنِّ بِهِمْ. (وَيَسْخَطُ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَيَكْرَهُ (لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ) ، قَالَ مَالِكٌ: هُوَ الْإِكْثَارُ مِنَ الْكَلَامِ نَحْوِ قَوْلِ النَّاسِ: قَالَ فُلَانٌ، وَفَعَلَ فُلَانٌ، وَالْخَوْضُ فِيمَا لَا يَنْبَغِي، فَهُمَا مَصْدَرَانِ أُرِيدَ بِهِمَا الْمُقَاوَلَةُ، وَالْخَوْضُ فِي أَخْبَارِ النَّاسِ، وَقِيلَ: فِعْلَانِ مَاضِيَانِ. (وَإِضَاعَةَ الْمَالِ) بِصَرْفِهِ فِي غَيْرِ وُجُوهِهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَتَعْرِيضِهِ لِلتَّلَفِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِفْسَادٌ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ; لِأَنَّهُ إِذَا ضَاعَ مَالُهُ، تَعَرَّضَ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ. وَحَكَى أَبُو عُمَرَ فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 652 الْحَيَوَانُ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَلَا يُضَيِّعُهُ مَالِكُهُ فَيَهْلِكُ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ عَامَّةَ الْوَصِيَّةِ النَّبَوِيَّةِ الصَّلَاةُ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. وَالثَّانِي: تَرْكُ إِصْلَاحِهِ، وَالنَّظَرِ فِيهِ وَكَسْبِهِ. وَالثَّالِثُ: إِنْفَاقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالسَّرَفُ، انْتَهَى، بِاخْتِصَارٍ. (وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ) ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَعْنَاهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ التَّكْثِيرُ مِنَ الْمَسَائِلِ النَّوَازِلِ، وَالْأُغْلُوطَاتِ، وَتَشْقِيقِ الْمَوْلُودَاتِ، وَقِيلَ سُؤَالُ الْمَالِ، وَالْإِلْحَاحُ فِيهِ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ لِعَطْفِهِ عَلَى إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي أَهْوَ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ، أَمْ هُوَ مَسْأَلَةُ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ؟ إِلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْحَدِيثِ كَرَاهَةَ السُّؤَالِ عَنِ الْمَسَائِلِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْإِكْثَارُ لَا عَلَى الْحَاجَةِ عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ بَيْنَ كَثِيرَةٍ وَقَلِيلَةٍ، وَكَانَ أَصْلُ هَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنْ أَشْيَاءَ، وَيُلِحُّونَ فِيهَا فَيَنْزِلُ تَحْرِيمُهَا، قَالَ - تَعَالَى -: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 101) الْآيَةَ، وَالسُّؤَالُ الْيَوْمَ لَا يُخَافُ مِنْهُ نُزُولُ تَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ، فَمَنْ سَأَلَ مُسْتَفْهِمًا رَاغِبًا فِي الْعِلْمِ وَنَفْيِ الْجَهْلِ عَنْ نَفْسِهِ بَاحِثًا عَنْ مَعْنًى يَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، فَلَا بَأْسَ، فَشِفَاءُ الْعَيِّ السُّؤَالُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْجِدَالَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَمَنْ سَأَلَ مُتَعَنِّتًا، لَمْ يَحِلَّ لَهُ قَلِيلُ السُّؤَالِ، وَلَا كَثِيرُهُ، انْتَهَى، مُلَخَّصًا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ كَثْرَةُ سُؤَالِ الْإِنْسَانِ عَنْ حَالِهِ، وَتَفَاصِيلِ أَمْرِهِ، فَيَدْخُلُ فِي سُؤَالِهِ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ، وَيَتَضَمَّنُ حُصُولَ الْحَرَجِ فِي حَقِّ الْمَسْئُولِ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُحِبُّ إِخْبَارَهُ بِأَحْوَالِهِ، فَإِنْ أَخْبَرَ شَقَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَذَبَ فِي الْإِخْبَارِ، أَوْ تَكَلَّفَ التَّعْرِيضَ لَحِقَتْهُ الْمَشَقَّةُ، وَإِنْ أَهْمَلَ جَوَابَهُ ارْتَكَبَ سُوءَ الْأَدَبِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْصُولًا بِهِ، وَهُوَ يُقَوِّي رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ عَنْ مَالِكٍ مَوْصُولًا، وَلَعَلَّهُ حَدَّثَ بِالْوَجْهَيْنِ: الْوَصْلُ وَالْإِرْسَالُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 653 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ»   1864 - 1817 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مِنْ شَرِّ النَّاسِ) ، كُلِّهِمْ، وَحَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الذَّمِّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ خَاصَّةً، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: مِنْ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى -. (ذُو الْوَجْهَيْنِ) مَجَازٌ عَنِ الْجِهَتَيْنِ، مِثْلُ الْمِدْحَةِ وَالْمَذَمَّةِ لَا حَقِيقَةٌ، وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ) الْقَوْمَ، (بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ) الْقَوْمَ، (بِوَجْهٍ) فَيُظْهِرُ عِنْدَ كُلٍّ أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَمُخَالِفٌ لِلْآخَرِ مُبْغِضٌ لَهُمْ. وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ الحديث: 1864 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 653 بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّمَا كَانَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ; لِأَنَّ حَالَهُ - حَالُ الْمُنَافِقِينَ، إِذْ هُوَ يَتَمَلَّقُ بِالْبَاطِلِ وَبِالْكَذِبِ - مَدْخَلٌ لِلْفَسَادِ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لِأَنَّهُ يَأْتِي كُلَّ طَائِفَةٍ بِمَا يُرْضِيهَا، فَيُظْهِرُ لَهَا أَنَّهُ مِنْهَا، وَمُخَالِفٌ لِضِدِّهَا، وَصَنِيعُهُ نِفَاقٌ مَحْضٌ، وَكَذِبٌ وَخِدَاعٌ، وَتَحَيُّلٌ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى أَسْرَارِ الطَّائِفَتَيْنِ، وَهِيَ مُدَاهَنَةٌ مُحَرَّمَةٌ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: فَأَمَّا مَنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْإِصْلَاحَ الْمُرَغَّبَ فِيهِ، فَيَأْتِي لِكُلٍّ بِكَلَامِ فِيهِ صَلَاحٌ وَاعْتِذَارٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَنِ الْآخَرِ، وَيَنْقُلُ لَهُ الْجَمِيلَ، فَمَحْمُودٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ذُو الْوَجْهَيْنِ فِي الْإِصْلَاحِ مَحْمُودٌ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَيْسَ الْكَاذِبُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ؛ يَقُولُ خَيْرًا، وَيَنْمِي خَيْرًا» "، وَبَيَّنَ تَعْبِيرَهُ بِـ " مِنْ " أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ» "، مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةِ " مِنْ "، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَمُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي زُرْعَةَ، الثَّلَاثَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 654 [بَابُ مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْعَامَّةِ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ] حَدَّثَنِي مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ   9 - بَابُ مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْعَامَّةِ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ 1866 - 1818 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ) هِنْدَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ (زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟) ، مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] (سورة الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ 33) ، اعْتَقَدَتْ عَامَّةً كُلَّ قَوْمٍ فِيهِمْ صَالِحٌ، وَإِنَّمَا كَانَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَضْلًا عَمَّنْ سِوَاهُمْ، كَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ) - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُوَحَّدَةِ، فَمُثَلَّثَةٍ - الْفُسُوقُ وَالشَّرُّ، وَقِيلَ: أَوْلَادُ الزِّنَى، وَرَجَّحَ الْحَافِظُ الْأَوَّلَ ; لِأَنَّهُ قَابَلُهُ بِالصَّلَاحِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ لِأُمِّ سَلَمَةَ، إِلَّا مِنْ وَجْهٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ لِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَهُوَ مَشْهُورٌ مَحْفُوظٌ، انْتَهَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ «عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْمِ مُحْمَرًّا، وَهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمُ مِنْ رَدْمِ يَأُجُوجَ وَمَأْجُوجَ، مِثْلُ هَذِهِ، قَالَتْ زَيْنَبُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: الحديث: 1866 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 654 نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» "، لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ سَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِهَا مَقَالٌ ; لِأَنَّهُ اعْتَضَدَ بِبَلَاغِ مَالِكٍ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ بَلَاغَهُ صَحِيحٌ كُلَّهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 655 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ كَانَ يُقَالُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِذَنْبِ الْخَاصَّةِ وَلَكِنْ إِذَا عُمِلَ الْمُنْكَرُ جِهَارًا اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ كُلُّهُمْ   1866 - 1819 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) الْقُرَشِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ، (أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ) خِتَامَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، (يَقُولُ: كَانَ يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ) ، أَيْ عُمُومَ النَّاسِ (بِذَنْبِ الْخَاصَّةِ) ، إِذْ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، (وَلَكِنْ إِذَا عُمِلَ الْمُنْكَرُ جِهَارًا اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ كُلَّهُمْ) ، وَشَاهِدُهُ الْحَدِيثُ قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 79] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 79) ، انْتَهَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 655 [بَابُ مَا جَاءَ فِي التُّقَى] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ جِدَارٌ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحَائِطِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَخٍ بَخٍ وَاللَّهِ لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ   10 - بَابُ مَا جَاءَ فِي التُّقَى 1867 - 1820 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) - أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - (وَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا) ، أَيْ بُسْتَانًا (فَسَمِعْتُهُ، وَهُوَ يَقُولُ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ جِدَارٌ، وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحَائِطِ) ، أَيْ دَاخِلَ الْبُسْتَانِ، (عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - بَخٍ بَخْ) ، أَيْ عَظُمَ الْأَمْرُ، وَفُخِّمَ الْأَوَّلُ مُنَوَّنٌ، وَالثَّانِي مُسَكَّنٌ، وَتَسْكِينُهُمَا وَتَشْدِيدُهُمَا، وَيُقَالُ: مُفْرَدَةٌ سَاكِنَةٌ وَمَكْسُورَةٌ وَمُنَوَّنَةٌ وَمَضْمُومَةٌ مُنَوَّنَةٌ، كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ الرِّضَا، وَالْإِعْجَابِ بِالشَّيْءِ، أَوِ الْفَخْرِ، وَالْمَدْحِ، قَالَهُ الْمَجْدُ الشِّيرَازِيُّ. (وَاللَّهِ لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ) تَخَافُهُ وَتَحْذَرُ عِقَابَهُ، (أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ) ، فَلَا تَغْتَرَّ بِالْخِلَافَةِ. الحديث: 1867 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 655 قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَقُولُ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَمَا يَعْجَبُونَ بِالْقَوْلِ قَالَ مَالِكٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْعَمَلَ إِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى عَمَلِهِ وَلَا يُنْظَرُ إِلَى قَوْلِهِ.   1867 - 1821 - (مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، كَانَ يَقُولُ أَدْرَكْتُ النَّاسَ) ، أَيِ الصَّحَابَةَ، (وَمَا يُعْجَبُونَ) يَرْضَوْنَ (بِالْقَوْلِ قَالَ مَالِكٌ: يُرِيدُ بِذَلِكَ الْعَمَلَ) ، أَيْ إِنَّهُ إِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى عَمَلِهِ، (وَلَا يُنْظَرُ إِلَى قَوْلِهِ) ، إِذِ الْعِبْرَةُ إِنَّمَا هِيَ بِالْأَعْمَالِ لَا الْأَقْوَالِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 656 [بَابُ الْقَوْلِ إِذَا سَمِعْتَ الرَّعْدَ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ثُمَّ يَقُولُ إِنَّ هَذَا لَوَعِيدٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ شَدِيدٌ   11 - بَابُ الْقَوْلِ إِذَا سَمِعْتَ الرَّعْدَ 1869 - 1822 - (مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ الْأَسَدِيِّ الْمَدَنِيِّ الثِّقَةِ الْعَابِدِ، (أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ) الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِسَوْقِ السَّحَابِ، (تَرَكَ الْحَدِيثَ) الَّذِي كَانَ فِيهِ، (وَيَقُولُ: سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) ، أَوْ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، (وَ) يُسَبِّحُ (الْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) ، أَيِ اللَّهِ تَعَالَى، (ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَوَعِيدٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ شَدِيدٌ) ، رَوَى أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَغَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَقْبَلَتِ الْيَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: أَخْبِرْنَا مَا هَذَا الرَّعْدُ؟ قَالَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ بِيَدَيْهِ مِخْرَاقٌ مِنْ نَارٍ يَزْجُرُ بِهِ السَّحَابَ، لِيَسُوقَهُ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ، قَالُوا: فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ؟ قَالَ: صَوْتُهُ، قَالَ: صَدَقْتَ» "، انْتَهَى. الحديث: 1869 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 656 [بَاب مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَيَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لَهُنَّ عَائِشَةُ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ»   12 - بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَرِكَةِ "، بِفَتْحِ التَّاءِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَتُخَفَّفُ بِكَسْرِ الْأَوَّلِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ مِثْلُ كَلِمَةٍ وَكِلْمَةٍ، مَا خَلَّفَهُ الْمَيِّتُ، وَالْجَمْعُ تَرِكَاتٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 656 1870 - 1823 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -) وَهَلْ يُقَالُ لَهُنَّ أَيْضًا: أَمُّ الْمُؤْمِنَاتِ، أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ: (أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ (حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَيَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وَهُوَ الثُّمُنُ عَمَلًا بِعُمُومِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ. (فَقَالَتْ لَهُنَّ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: «فَقُلْتُ لَهُنَّ: أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ، أَلَمْ تَعْلَمْنَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: (لَا نُورَثُ) » - بِضَمِّ النُّونِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ - مُخَفَّفَةً، وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَرْفُوعًا: " «إِنَّا مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُوَرَّثُ» "، ( «مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ» ) بِالرَّفْعِ قَطْعًا خَبَرٌ لِقَوْلِهِ: فَهُوَ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ مَا تَرَكْنَا، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: " مَا تَرَكْنَا " صَدَقَةً، بِإِسْقَاطِ: " فَهُوَ " بِرَفْعِ " صَدَقَةٌ "، كَمَا تَوَارَدَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ مَا تَرَكْنَا، الْكَلَامُ جُمْلَتَانِ: الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ، وَادَّعَى بَعْضُ الرَّافِضَةِ أَنَّ الصَّوَابَ قِرَاءَةُ: لَا " يُورَثُ " بِتَحْتِيَّةٍ أَوَّلَهُ، وَنَصْبِ " صَدَقَةٌ " عَلَى الْحَالِ، وَهُوَ خِلَافُ الرِّوَايَةِ، وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى بَعْضِ الْإِمَامِيَّةِ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ احْتَجَّ بِهِ عَلَى فَاطِمَةَ، وَهُمَا مِنْ أَفْصَحِ الْفُصَحَاءِ، وَأَعْلَمُ بِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ الرَّوَافِضُ، لَمْ يَكُنْ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حُجَّةٌ، وَلَا كَانَ جَوَابُهُ مُطَابِقًا لِسُؤَالِهَا، وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ أَنْصَفَ كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَقَالَ فِي تَخْرِيجِهِ لِأَحَادِيثِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ: إِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُوجَدْ بِلَفْظِ: «نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ» ، وَوُجِدَ بِلَفْظِ: إِنَّا، وَمُفَادُهُمَا وَاحِدٌ، فَلَعَلَّ مَنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ: نَحْنُ، ذَكَرَهُ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ الثَّلَاثَةِ عَنِ الصِّدِّيقِ بِلَفْظِ: " «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» "، انْتَهَى. وَذَهَبَ النَّحَّاسُ إِلَى صِحَّةِ نَصْبِ " صَدَقَةٌ " عَلَى الْحَالِ، وَأَنْكَرَهُ عِيَاضٌ لِتَأْيِيدِهِ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ، لَكِنْ قَدَّرَهُ ابْنُ مَالِكٍ: مَا تَرَكْنَا مَتْرُوكٌ صَدَقَةً، فَحُذِفَ الْخَبَرُ، وَبَقِيَ الْحَالُ كَالْعِوَضِ مِنْهُ، وَنَظِيرُهُ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ " وَنَحْنُ عُصْبَةً " بِالنَّصْبِ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ بِالنَّصْبِ حَتَّى يَتَعَسَّفَ لَهُ هَذَا التَّوْجِيهَ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَذْفُ الْخَبَرِ، بَلْ يُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ الْإِمَامِيَّةُ، وَلِذَا أَنْكَرَهُ عِيَاضٌ، وَإِنْ صَحَّ فِي نَفْسِهِ، وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُمْ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُورَثُونَ، أَنَّهُمْ لَوْ وُرِّثُوا لَظُنَّ أَنَّ لَهُمْ رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا لِوَارِثِهِمْ الحديث: 1870 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 657 فَيَهْلِكُ الظَّانُّ، أَوْ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ، أَوْ لِئَلَّا يَتَمَنَّى وَرَثَتُهُمْ مَوْتَهُمْ فَيَهْلِكُونَ، أَوْ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْأَبِ لِأُمَّتِهِ، فَيَكُونُ مِيرَاثُهُ لِلْجَمِيعِ، وَهُوَ مَعْنَى الصَّدَقَةِ الْعَامَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: 16] (سورة النَّمْلِ: الْآيَةُ 16) ، وَقَوْلُهُ عَنْ زَكَرِيَّا: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا - يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 5 - 6] (سورة مَرْيَمَ: الْآيَةُ 5، 6) ، فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ وِرَاثَةُ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ خَوْفَ زَكَرِيَّا مِنْ مَوَالِيهِ كَانَ عَلَى مَالِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ عَلَى النُّبُوَّةِ، لِأَنَّهَا فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يُعْطِيهَا مَنْ شَاءَ، فَلَزِمَ أَنَّهُ يُورَثُ، مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ خَوْفَهُ مِنْهُمْ لِاحْتِمَالِ سُرْعَتِهِمْ مِنْ جِهَةِ تَغْيِيرِ أَحْكَامِ شَرْعِهِ، فَطَلَبَ وَلَدًا يَرِثُ نُبُوَّتَهُ لِيَحْفَظَهَا. قَالَ الْبَاجِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ هَذَا حُكْمُ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: إِنَّ ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا خَاصَّةً. وَقَالَتِ الْإِمَامِيَّةُ: جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ يُورَثُونَ، وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ التَّخْلِيطِ لَا شُبْهَةَ فِيهَا مَعَ وُرُودِ هَذَا النَّصِّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْفَرَائِضِ، وَمُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ فِي الْمَغَازِي عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْخَرَاجِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْفَرَائِضِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 658 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دَنَانِيرَ مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ»   1871 - 1824 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا تَقْسِمُ» ) بِفَوْقِيَّةٍ أَوَّلَهُ، وَتَحْتِيَّةٍ رِوَايَتَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِتَاءٍ بَعْدَ الْقَافِ، وَأُخْرَى بِحَذْفِهَا، (وَرَثَتِي) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الرِّوَايَةُ بِرَفْعِ الْمِيمِ عَلَى الْخَبَرِ - يَعْنِي الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ - فَفِي فَتْحِ الْبَارِي بِإِسْكَانِ الْمِيمِ عَلَى النَّهْيِ، وَبِضَمِّهَا عَلَى النَّفْيِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَبِهِ يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى حَتَّى لَا يُعَارِضَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتْرُكْ مَا لَا يُورَثُ عَنْهُ، وَتَوْجِيهُ رِوَايَةِ النَّهْيِ أَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ بِأَنَّهُ لَا يُخَلِّفُ شَيْئًا، بَلْ كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا، فَنَهَاهُمْ عَنْ قِسْمَةِ مَا يُخَلِّفُ إِنِ اتَّفَقَ أَنَّهُ خَلَّفَ، وَسَمَّاهُمْ وَرَثَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ كَذَلِكَ بِالْقُوَّةِ، لَكِنْ مَنَعَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» "، انْتَهَى، يَعْنِي لَوْ كُنْتُ مِمَّنْ يُورَثُ، زَادَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ: أَوِ الْمُرَادُ لَا يُقْسَمُ مَالٌ تَرَكْتُهُ لِجِهَةِ الْإِرْثِ، فَأَتَى بِلَفْظِ: وَرَثَتِي لِيَكُونَ الْحُكْمُ مُعَلَّلًا بِمَا بِهِ الِاشْتِقَاقُ، وَهُوَ الْإِرْثُ، فَالْمَنْفِيُّ قَسْمُهُمْ بِالْإِرْثِ عَنْهُ (دَنَانِيرَ) ، كَذَا لِيَحْيَى بِالْجَمْعِ، وَلِسَائِرِ الرُّوَاةِ دِينَارًا بِالْإِفْرَادِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. قِيلَ: وَهُوَ تَنْبِيهٌ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: وَلَا دِرْهَمًا، وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ، تَابَعَهُ عَلَيْهَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي الشَّمَائِلِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ بِمَعْنَى النَّهْيِ، فَيَتَّحِدُ مَعْنَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ رِوَايَةِ الرَّفْعِ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُخَلِّفُ شَيْئًا مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِقَسْمِهِ الحديث: 1871 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 658 كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنَّ الَّذِي يُخَلِّفُهُ مِنْ غَيْرِهِمَا لَا يُقْسَمُ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، بَلْ يُقْسَمُ مَنَافِعُهُ لِمَنْ ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ، ( «مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي» ) وَيَدْخُلُ فِيهِ كِسَوْتُهُنَّ، وَسَائِرُ اللَّوَازِمِ كَالْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ عَنِ الزَّوَاجِ بِسَبَبِهِ، أَوْ لِعِظَمِ حُقُوقِهِنَّ لِفَضْلِهِنَّ، وَقِدَمِ هِجْرَتِهِنَّ وَكَوْنِهِنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِأَنَّهُنَّ كَمَا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي مَعْنَى الْمُعْتَدَّاتِ: لِأَنَّهُنَّ لَا يَجُوزُ لَهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَبَدًا، فَجَرَتْ لَهُنَّ النَّفَقَةُ، وَتُرِكَتْ حُجَرُهُنَّ لَهُنَّ يَسْكُنَّهَا. (وَمُؤْنَةِ عَامِلِي) ، قِيلَ: هُوَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْمُوَافِقُ لِمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: الْعَامِلُ عَلَى النَّخْلِ، وَبِهِ جَزَمَ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ بَطَّالٍ، وَأَبْعَدُ مَنْ قَالَ هُوَ حَافِرُ قَبْرِهِ، وَقِيلَ: خَادِمُهُ وَقِيلَ: عَامَلُ الصَّدَقَةِ، وَقِيلَ: الْعَامِلُ فِيهَا كَالْأَجِيرِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أُجْرَةِ الْقَاسِمِ، قَالَهُ الْحَافِظُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْمُرَادُ كُلُّ عَامِلٍ يَعْمَلُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ خَلِيفَةٍ، أَوْ غَيْرِهِ، قَامَ بِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِشَرِيعَتِهِ فَهُوَ عَامِلٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا بُدَّ أَنْ يُكْفَى مُؤْنَتَهُ، وَإِلَّا ضَاعَ. (فَهُوَ) ، أَيِ الْمَتْرُوكُ بَعْدَمَا ذُكِرَ (صَدَقَةٌ) ، مَعْنَى لِأَنِّي لَا أُورَثُ، أَوْ لَا أُخَلِّفُ مَالًا، فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ النِّسَاءِ بِالنَّفَقَةِ، وَالْمُؤْنَةِ لِلْعَامِلِ، وَهَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ؟ أَجَابَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ، كَمَا فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِي اللُّغَةِ: الْقِيَامُ بِالْكِفَايَةِ، وَالْإِنْفَاقُ بَدَلَ الْقُوتِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّفَقَةَ دُونَ الْمُؤْنَةِ، وَالسِّرُّ فِي التَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، كَانَ لَا بُدَّ لَهُنَّ مِنَ الْقُوتِ، فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالْعَامِلُ لَمَّا كَانَ فِي صُورَةِ الْأَجِيرِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى مَا يَكْفِيهِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عُرْوَةَ: فَكَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ مَنَعَهَا عَلِيٌّ عَبَّاسًا، فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا، أَيْ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا، وَتَحْصِيلِ غَلَّاتِهَا لَا بِتَخْصِيصِ الْحَاصِلِ لِنَفْسِهِ، قَالَ: ثُمَّ بِيَدِ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنٍ، ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، وَحَسَنِ بْنِ حَسَنٍ كِلَاهُمَا كَانَا يَتَدَاوَلَانِهَا، ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ، وَهِيَ صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقًّا. زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: ثُمَّ كَانَتْ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، حَتَّى وَلَّى هَؤُلَاءِ ; يَعْنِي بَنِي الْعَبَّاسِ، فَقَبَضُوهَا. وَزَادَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: أَنَّ إِعْرَاضَ الْعَبَّاسِ عَنْهَا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، قَالَ عُمَرُ بْنُ شُعْبَةَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الْمَدَنِيَّ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَذْكُورَةَ مَكَثَتْ فِي عَهْدِهِ يُوَلِّي عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِهِ مَنْ يَقْبِضُهَا، وَيُفَرِّقُهَا فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ، ثُمَّ تَغَيَّرَتِ الْأُمُورُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْوَصَايَا، وَالْخَمْسُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْفَرَائِضِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْمَغَازِي عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْخَرَاجِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 659 [كتاب جهنم] [بَاب مَا جَاءَ فِي فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ] بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ إِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا»   57 - كِتَابُ جَهَنَّمَ 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ هِيَ وَالْجَنَّةُ مَخْلُوقَتَانِ الْآنَ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ أَصَرَحِهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ، قَالَ لِجِبْرِيلَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا، ثُمَّ حَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ وَعَزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا، فَحَفَّهَا بِالشَّهَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ وَعَزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا» "، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. 1872 - 1825 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ» ) فِي الدُّنْيَا، فَيَنْتَفِعُونَ بِهَا فِيهَا، وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ: نَارُكُمْ هَذِهِ (جُزْءٌ) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: وَاحِدٌ ( «مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» ) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ، وَجَمَعَ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْكَثْرَةِ، لَا الْعَدَدُ الْخَاصُّ، أَوِ الْحُكْمُ لِلزَّائِدِ، (فَقَالُوا) ، أَيِ الْحَاضِرُونَ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَسْمَاؤُهُمْ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، أَيْ إِنَّهَا (كَانَتْ) نَارُ بَنِي آدَمَ، (لَكَافِيَةً) مُجْزِيَةً فِي إِحْرَاقِ الْكُفَّارِ، وَتَعْذِيبِ الْفُجَّارِ، فَهَلَّا اكْتَفَى بِهَا؟ (قَالَ: إِنَّهَا فُضِّلَتْ) - بِضَمِّ الْفَاءِ، وَشَدِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ - (عَلَيْهَا) عَلَى نَارِ بَنِي آدَمَ (بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا) ، قَالَ الطِّيبِيُّ مَا حَاصِلُهُ: أَعَادَ حِكَايَةَ تَفْضِيلِ الحديث: 1872 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 660 نَارِ جَهَنَّمَ عَلَى نَارِ الدُّنْيَا إِشَارَةً إِلَى الْمَنْعِ مِنْ دَعْوَى الْإِجْزَاءِ، أَيْ لَا بُدَّ مِنَ الزِّيَادَةِ لِيَتَمَيَّزَ عَذَابُ اللَّهِ عَلَى الْمَخْلُوقِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: نَارُ الدُّنْيَا لَا تُنَاسِبُ نَارَ جَهَنَّمَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَشَدُّ عَذَابٍ فِي الدُّنْيَا عَذَابَ هَذِهِ النَّارِ، عُرِفَ عَذَابُ جَهَنَّمَ بِهَا، وَهَيْهَاتَ لَوْ وَجَدَ أَهْلُ الْجَحِيمِ مِثْلَ هَذِهِ النَّارِ، لَخَاضُوهَا هَرَبًا مِمَّا هُمْ فِيهِ. زَادَ إِسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ: كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا، أَيْ حَرَارَةُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، مِثْلُ حَرَارَةِ نَارِكُمْ، وَنِكَايَتِهَا، وَسُرْعَةِ اشْتِعَالِهَا. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَلِذَا تَتَّقِدُ فِيمَا لَا تَتَّقِدُ فِيهِ نَارُ الدُّنْيَا كَالنَّاسِ وَالْحِجَارَةِ. وَزَادَ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا انْتَفَعَ بِهَا أَحَدٌ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ وَزَادَ: «فَإِنَّهَا لَتَدْعُو اللَّهَ أَنْ لَا يُعِيدَهَا فِيهَا» . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «هَذِهِ النَّارُ ضُرِبَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا انْتَفَعَ بِهَا أَحَدٌ» "، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُزَامِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 661 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ أَتُرَوْنَهَا حَمْرَاءَ كَنَارِكُمْ هَذِهِ لَهِيَ أَسْوَدُ مِنْ الْقَارِ وَالْقَارُ الزِّفْتُ   1873 - 1826 - (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ) - بِضَمِّ السِّينِ - نَافِعٍ (بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ) مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَتُرَوْنَهَا) - بِضَمِّ التَّاءِ -: «أَتَظُنُّونَهَا نَارَ جَهَنَّمَ (حَمْرَاءَ كَنَارِكُمْ هَذِهِ، لَهِيَ أَسْوَدُ مِنَ الْقَارِ وَالْقَارُ) » بِالْقَافِ: (الزِّفْتُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: مِثْلُ هَذَا لَا يَعْلَمُهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، إِلَّا بِتَوْقِيفٍ، يَعْنِي لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ مَغِيبٍ فَحُكْمُهُ الرَّفْعُ. الحديث: 1873 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 661 [كِتَابُ الصَّدَقَةِ] [بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ] باب التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا كَانَ إِنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ يُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ»   58 - كِتَابُ الصَّدَقَةِ 1 - بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ 1874 - 1827 - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِي الْحُبَابِ) - بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَمُوَحَّدَتَيْنِ مُخَفَّفًا - (سَعْدِ بْنِ يَسَارٍ) - بِتَحْتِيَّةٍ، وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ - مُرْسَلًا عِنْدَ يَحْيَى وَأَكْثَرِ الرُّوَاةِ، وَأَسْنَدَهُ مَعْنٌ، وَابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي الْحُبَابِ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ» ) ، أَيْ مَكْسُوبٍ، وَالْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ تَعَاطِي التَّكَسُّبِ، أَوْ حُصُولِ الْمَكْسُوبِ بِغَيْرِ تَعَاطٍ كَالْمِيرَاثِ، وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الْكَسْبَ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ: الْحَلَالُ لِأَنَّهُ صِفَةُ كَسْبٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَصْلُ الطَّيِّبِ الْمُسْتَلَذُّ بِالطَّبْعِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالشَّرْعِ، وَهُوَ الْحَلَالُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْمَحْضُ أَوِ الْمُتَشَابِهُ بِهِ ; لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْحَلَالِ عَلَى أَشْبَهِ الْأَقْوَالِ لِلْأَدِلَّةِ. ( «وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا» ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، التَّقْدِيرُ مَا قَبْلَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " «وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ» "، أَيِ الْحَلَالُ، أَوِ الْمُتَشَابِهُ لَا الْحَرَامُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْمُتَصَدِّقِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَهُوَ قَدْ تَصَرَّفَ فِيهِ، فَلَوْ قَبِلَهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَأْمُورًا مَنْهِيًّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَقَالَ الْأَبِيُّ: الْقَبُولُ حُصُولُ الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ، إِذِ الْمَعْنَى لَا يُثِيبُ اللَّهُ مَنْ تَصَدَّقَ بِحَرَامٍ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْحَجُّ بِالْمَالِ الْحَرَامِ ; لِأَنَّ الْقَبُولَ أَخَصُّ مِنَ الصِّحَّةِ، لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الْفِعْلِ مُسْقِطًا لِلْفَرْضِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ نَفْيُ الْأَعَمِّ، فَالْحَجُّ بِالْحَرَامِ صَحِيحٌ، إِذْ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَقَبَّلٌ، أَيْ لَا ثَوَابَ فِيهِ، وَلَا يُتَعَقَّبُ هَذَا بِأَنَّهُ لَا وَاجِبَ إِلَّا وَفِيهِ ثَوَابٌ ; لِأَنَّ رَدَّ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ وَاجِبٌ، وَلَا ثَوَابَ فِيهِ، وَلَا يُشْكَلُ صِحَّةُ الْحَجِّ بِالْحَرَامِ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي النِّكَاحِ بِالْمَالِ الْحَرَامِ: أَخَافُ أَنْ يُضَارِعَ الزِّنَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَإِلَّا فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ. ( «فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ» ) ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ الحديث: 1874 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 662 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ ثُمَيْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ» "، قَالَ الْمَازِرِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ وَشِبْهُهُ إِنَّمَا عُبِّرَ بِهِ عَلَى مَا اعْتَادُوهُ فِي خِطَابِهِمْ لِيَفْهَمُوا عَنْهُ، فَكَنَّى عَنْ قَبُولِ الصَّدَقَةِ بِالْيَمِينِ وَبِالْكَفِّ، وَعَنْ تَضْعِيفِ أَجْرِهَا بِالتَّرْبِيَةِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: لَمَّا كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي يُرْتَضَى يُتَلَقَّى بِالْيَمِينِ، وَيُؤْخَذُ بِهَا اسْتُعْمِلَ فِي مِثْلِ هَذَا، وَاسْتُعِيرَ لِلْقَبُولِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ لَمَّا اسْتَعَارَ لِلْمَجْدِ الرَّايَةَ، اسْتَعَارَ لِلْمُبَادَرَةِ إِلَى فِعْلِهَا التَّلَقِّيَ بِالْيَمِينِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْجَارِحَةَ، وَقِيلَ الْيَمِينُ كِنَايَةٌ عَنِ الرِّضَا وَالْقَبُولِ، إِذِ الشِّمَالُ تُسْتَعْمَلُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ، وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَصْحَابِ الشِّمَالِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِكَفِّ الرَّحْمَنِ وَيَمِينِهِ: كَفُّ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَيَمِينُهُ، وَإِضَافَتُهَا إِلَى اللَّهِ إِضَافَةُ مِلْكٍ وَاخْتِصَاصٍ، لِوَضْعِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ فِي كَفِّ الْآخِذِ وَيَمِينِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ سُرْعَةُ الْقَبُولِ، وَقِيلَ: حُسْنُهُ، وَلَعَلَّهُ يَصِحُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَفِّ: كِفَّةُ الْمِيزَانِ، وَكَفُّ كُلِّ شَيْءٍ كَفُّهُ وَكِفَّتُهُ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: الْكِنَايَةُ عَنِ الرِّضَا وَالْقَبُولِ بِالتَّلَقِّي بِالْيَمِينِ وَالْكَفِّ، لِتَثْبِيتِ الْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ فِي الْأَذْهَانِ، وَتَحْقِيقِهَا فِي النُّفُوسِ تَحْقِيقَ الْمَحْسُوسَاتِ، أَيْ لَا يَتَشَكَّكُ فِي الْقَبُولِ، كَمَا لَا يَتَشَكَّكُ مَنْ عَايَنَ التَّلَقِّيَ لِلشَّيْءِ بِيَمِينِهِ، لَا أَنَّ التَّنَاوُلَ كَالتَّنَاوُلِ الْمَعْهُودِ، وَلَا أَنَّ التَّنَاوُلَ بِجَارِحَةٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ: قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: نُؤْمِنُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَلَا نَتَوَهَّمُ فِيهَا تَشْبِيهًا، وَلَا نَقُولُ كَيْفَ هِيَ هَكَذَا، رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرِهِمْ، وَأَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، انْتَهَى. وَقَدْ رُدَّ عَلَيْهِمْ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ، (يُرَبِّيهَا) ، أَيْ يُنَمِّيهَا لِصَاحِبِهَا بِمُضَاعَفَةِ الْأَجْرِ، أَوِ الزِّيَادَةِ فِي الْكَمِّيَّةِ، قَالَهُ عِيَاضٌ: وَقَدْ يَصِحُّ أَنَّ التَّرْبِيَةَ عَلَى وَجْهِهَا، وَأَنَّ ذَاتَهَا تَعْظُمُ، يُبَارِكُ اللَّهُ فِيهَا، وَيَزِيدُهَا مِنْ فَضْلِهِ، لِتَعْظُمَ فِي الْمِيزَانِ، وَتُثْقِلَهُ، ( «كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ» ) - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ، وَشَدِّ الْوَاوِ - مُهْرَهُ لِأَنَّهُ يُفْلَى أَيْ يُفْطَمُ، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ فَطِيمٍ مِنْ حَافِرٍ، وَالْجَمْعُ أَفْلَاءٌ كَعَدُوٍّ وَأَعْدَاءٍ، وَحُكِيَ كَسْرُ الْفَاءِ، وَسُكُونُ اللَّامِ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: إِذَا فَتَحْتَ الْفَاءَ شَدَّدْتَ الْوَاوَ، وَإِذَا كَسَرْتَهَا سَكَّنْتَ اللَّامَ، وَضُرِبَ بِهِ الْمَثَلُ لِأَنَّهُ يَزِيدُ زِيَادَةً بَيِّنَةً، وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ نِتَاجُ الْعَمَلِ، وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ النِّتَاجُ إِلَى التَّرْبِيَةِ إِذَا كَانَ فَطِيمًا، فَإِذَا أَحْسَنَ الْعِنَايَةَ، انْتَهَى إِلَى حَدِّ الْكَمَالِ، وَكَذَلِكَ عَمَلُ ابْنِ آدَمَ لَا سِيَّمَا الصَّدَقَةُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَصَدَّقَ بِكَسْبٍ طَيِّبٍ، لَا يَزَالُ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهَا بِكَسْبِهَا نَعْتَ الْكَمَالِ حَتَّى تَنْتَهِيَ بِالتَّضْعِيفِ إِلَى نِصَابٍ تَقَعُ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ نِسْبَةَ مَا بَيْنَ التَّمْرَةِ إِلَى الْجَبَلِ. (أَوْ فَصِيلَهُ) ، وَهُوَ وَلَدُ النَّاقَةِ ; لِأَنَّهُ فُصِلَ عَنْ رَضَاعِ أُمِّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: أَوْ قَلُوصَهُ، وَهِيَ النَّاقَةُ الْمُسِنَّةُ، وَعِنْدَ الْبَزَّارِ: مُهْرَهُ، أَوْ وَصَيْفَهُ، أَوْ فَصِيلَهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 663 وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَلُوَّهُ، أَوْ قَالَ: فَصِيلَهُ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ " أَوْ " لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي. ( «حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» ) ، لِتُثْقِلَ فِي مِيزَانِهِ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ: " «حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ» "، وَلَهُ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ: " «حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَ» "، وَلِابْنِ جَرِيرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: " «حَتَّى يُوَافَى بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ» "، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 276) ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ: " «حَتَّى أَنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ جَبَلِ أُحُدٍ» "، قَالَ الْحَافِظُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَيْنَهَا تَعْظُمُ لِتُثْقِلَ فِي الْمِيزَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَوَابِهَا، وَفِي التَّمْهِيدِ: قِيلَ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا، وَإِنَّا نَرَى أَصْحَابَ الرِّبَا تُنْمَى أَمْوَالُهُمْ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا حَيْثُ يُرْبِي الصَّدَقَاتِ، وَيُضَعِّفُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا نَظَرَ الْعَبْدُ إِلَى أَعْمَالِهِ نَظَرَهَا مَمْحُوقَةً، أَوْ مُضَاعَفَةً، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ، انْتَهَى. وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدَةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 664 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ «كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَخْ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ»   1875 - 1828 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ) زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْخَزْرَجِيُّ (أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ) ، أَيْ أَكْثَرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ، فَهُوَ مِنَ التَّفْضِيلِ عَلَى التَّفْضِيلِ، قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ (بِالْمَدِينَةِ مَالًا) ، تَمْيِيزٌ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَالُ (مِنْ نَخْلٍ) بَيَانٌ لِمَالٍ، (وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ) ، هِيَ حَوَائِطُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَتْ دَارُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَالدَّارُ الَّتِي تَلِيهَا حَوَائِطَ لِأَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ قَصْرُ بَنِي حُدَيْلَةَ حَائِطًا لَهُ، يُقَالُ لَهَا: بَيْرُحَاءُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَمُرَادُهُ بِدَارِ أَبِي جَعْفَرٍ الَّتِي صَارَتْ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعُرِفَتْ بِهِ، وَهُوَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ، وَقَصْرُ بَنِي حُدَيْلَةَ - بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ - مُصَغَّرٌ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ بِجِيمٍ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ بِسَبَبِ الْمُجَاوَرَةِ، وَإِلَّا فَالَّذِي بَنَاهُ مُعَاوِيَةُ، لَمَّا اشْتَرَى حِصَّةَ حَسَّانَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، لِيَكُونَ لَهُ حِصْنًا، وَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ أَحَدُهُمَا شَارِعٌ عَلَى خَطِّ بَنِي حُدَيْلَةَ، وَالْآخَرُ فِي الزَّاوِيَةِ الشَّرْقِيَّةِ، وَالَّذِي بَنَاهُ لِمُعَاوِيَةَ الطُّفَيْلُ بْنُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَبَّةَ، وَغَيْرُهُ (بَيْرُحَاءَ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: قَرَأْنَاهُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ الحديث: 1875 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 664 وَالْخَفْضِ وَالْجَمْعِ وَاللَّفْظَانِ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ، وَلَيْسَتْ مُضَافَةً إِلَى مَوْضِعٍ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيُّ: إِنَّمَا هِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ، وَاتَّفَقَ هُوَ وَأَبُو ذَرٍّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْحُفَّاظِ عَلَى أَنَّ مَنْ رَفَعَ الرَّاءَ حَالَ الرَّفْعِ، فَقَدْ غَلِطَ، وَعَلَى ذَلِكَ كُنَّا نَقْرَؤُهُ عَلَى شُيُوخِ بَلَدِنَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْمَشْرِقِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ بِقَصْرِ بَنِي حُدَيْلَةَ قِبْلِيَّ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: بَيْرَحَاءَ، بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، وَبِفَتْحِ الرَّاءِ، وَبِالْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ، وَجَاءَ فِي ضَبْطِهَا أَوْجُهٌ، جَمَعَهَا فِي النِّهَايَةِ، فَقَالَ: يُرْوَى بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا، وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، وَبِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ. وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، يَعْنِي فِي مُسْلِمٍ بَرَيْحَا - بِفَتْحِ وَكَسْرِ الرَّاءِ - مُقَدَّمَةً عَلَى التَّحْتِيَّةِ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ: بَأَرْيَحَاءَ مِثْلُهُ، لَكِنْ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَفْصَحُهَا بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَسُكُونِ الْيَاءِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ مَقْصُورٌ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ الصَّغَانِيُّ، وَقَالَ: إِنَّهُ فَعَيْلَا مِنَ الْبَرَاحِ، قَالَ: وَمَنْ ذَكَرَهُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، فَظَنَّ أَنَّهَا بِئْرٌ مِنْ آبَارِ الْمَدِينَةِ، فَقَدْ صَحَّفَ، انْتَهَى. وَتُعُقِّبَ فِيمَا نَسَبَهُ لِلنِّهَايَةِ بِأَنَّ الَّذِي فِيهَا إِنَّمَا هُوَ خَمْسٌ فَقَطْ، فَنَصَبَهَا بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا، وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، وَالْمَدِّ فِيهَا، وَبِفَتْحِهِمَا وَالْقَصْرِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: رُوِّينَا بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَالرَّاءِ وَبِكَسْرِ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ، وَضَمِّهَا، يُسَمَّى بِهِ، وَلَيْسَ اسْمَ بِئْرٍ، وَجَزَمَ التَّيْمِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْبُسْتَانُ، قَالَ: لِأَنَّ بَسَاتِينَ الْمَدِينَةِ تُدْعَى بِآبَارِهَا، أَيِ الْبُسْتَانَ الَّذِي فِيهِ بَيْرُحَاءُ، وَجَزَمَ الصَّغَانِيُّ بِأَنَّهَا اسْمُ أَرْضٍ لَا بِئْرٍ، قَالَ فِي اللَّامِعِ: وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَرْضَ أَوِ الْبُسْتَانَ تُسَمَّى بَاسِمِ الْبِئْرِ الَّتِي فِيهِ، وَصَوَّبَ الصَّغَانِيُّ، وَالزَّمَخْشَرِيُّ، وَالْمَجْدُ الشِّيرَازِيُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَتْحَ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّهَا الْمَسْمُوعَةُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاخْتُلِفَ فِي حَاءٍ هَلْ هِيَ اسْمُ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ أَوْ مَكَانٍ، أُضِيفَتْ إِلَيْهِ الْبِئْرُ، أَوْ هِيَ كَلِمَةُ زَجْرٍ لِلْإِبِلِ؟ فَكَأَنَّ الْإِبِلَ كَانَتْ تَرْعَى هُنَاكَ وَتُزْجَرُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، فَأُضِيفَتِ الْبِئْرُ إِلَى اللَّفْظَةِ الْمَذْكُورَةِ. (وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ) النَّبَوِيِّ، أَيْ مُقَابِلَتَهُ قَرِيبَةً مِنْهُ، (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُهَا) ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَيَسْتَظِلُّ فِيهَا، (وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا) ، أَيْ فِي بَيْرُحَاءَ (طَيِّبٍ) بِالْجَرِّ صِفَةُ مَاءٍ، وَفِيهِ إِبَاحَةُ اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ، وَتَفْضِيلُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَإِبَاحَةُ الشُّرْبِ مِنْ دَارِ الصَّدِيقِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا إِذَا عُلِمَ طِيبُ نَفْسِهِ، وَاتِّخَاذُ الْحَوَائِطِ وَالْبَسَاتِينِ، وَدُخُولُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ فِيهَا، وَالِاسْتِظْلَالُ بِظِلِّهَا، وَالرَّاحَةُ وَالتَّنَزُّهُ فِيهَا، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا يُثَابُ عَلَيْهِ إِذَا قُصِدَ بِهِ إِجْمَامُ النَّفْسِ مِنْ تَعَبِ الْعِبَادَةِ، وَتَنْشِيطُهَا فِي الطَّاعَةِ. (قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: «لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ» ) ، أَيْ لَا تَبْلُغُوا حَقِيقَةَ الْبِرِّ الَّذِي هُوَ كَمَالُ الْخَيْرِ، أَوْ لَنْ تَنَالُوا بِرَّ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَةُ وَالرِّضَا وَالْجَنَّةُ، (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 665 أَيْ بَعْضَ مَا تُحِبُّونَ مِنَ الْمَالِ، أَوْ مَا يَعُمُّهُ وَغَيْرُهُ، كَبَذْلِ الْجَاهِ فِي مُعَاوَنَةِ النَّاسِ، وَالْبَدَنِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْمُهْجَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. (قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ) ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَسُولُ اللَّهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، ( «فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبَرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] ، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ» ) - بِشَدِّ الْيَاءِ - (بَيْرُحَاءُ) خَبَرُ إِنَّ، ( «وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا» ) ، أَيْ خَيْرَهَا، (وَذُخْرَهَا) بِضَمِّ الذَّالِ، وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ، أَيْ أُقَدِّمُهَا فَأَدَّخِرُهَا لِأَجِدَهَا (عِنْدَ اللَّهِ) تَعَالَى. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ لَمَّا أُنْزِلَتِ الْآيَةُ، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: «أَرَى رَبَّنَا يَسْأَلُنَا مِنْ أَمْوَالِنَا فَأَسْتَشْهِدُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي جَعَلْتُ أَرْضِي بَيْرُحَاءَ لِلَّهِ، (فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ) » ، وَلِلتَّنِّيسِيِّ، وَالْقَعْنَبِيِّ: حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، فَوَّضَ أَبُو طَلْحَةَ تَعْيِينَ مَصْرِفِهَا لَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لَكِنْ لَا تَصْرِيحَ فِيهِ بِأَنَّهُ جَعَلَهَا وَقْفًا، وَلِذَا قِيلَ: لَا يَنْهَضُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ لِشَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِ الْوَقْفِ. (قَالَ) أَنَسٌ: (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَبَخْ) ، بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَدْ تُنَوَّنُ مَعَ التَّثْقِيلِ وَالتَّخْفِيفِ بِالْكَسْرِ وَبِالرَّفْعِ وَالسُّكُونِ، وَيَجُوزُ التَّنْوِينُ، لُغَاتٌ، وَلَوْ كُرِّرَتْ فَالْمُخْتَارُ تَنْوِينُ الْأُولَى، وَتَسْكِينُ الثَّانِيَةِ، وَمَعْنَاهُ تَفْخِيمُ الْأَمْرِ وَالْإِعْجَابُ بِهِ، قَالَهُ الْحَافِظُ: (ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ) مَرَّتَيْنِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: رَوَاهُ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٌ بِتَحْتِيَّةٍ وَجِيمٍ، أَيْ يَرُوحُ ثَوَابُهُ فِي الْآخِرَةِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، رَوَاهُ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٌ " رَابِحٌ " مِنَ الرِّبْحِ، أَيْ رَابِحٌ صَاحِبُهُ وَمُعْطِيهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ بِتَحْتِيَّةٍ، أَيْ يَرُوحُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى عِنْدِي، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ الدَّانِيِّ فِي أَطْرَافِ الْمُوَطَّأِ، رَوَاهُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَرَوَاهُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ بِالتَّحْتِيَّةِ، وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ بِالشَّكِّ، انْتَهَى. وَمَعْنَى رَابِحٍ - بِمُوَحَّدَةٍ -: ذُو رِبْحٍ كَلَابِنٍ وَتَامِرٍ، أَيْ يَرْبَحُ صَاحِبُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ مَالٌ مَرْبُوحٌ فِيهِ، وَمَعْنَاهُ بِتَحْتِيَّةٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الرَّوَاحِ نَقِيضُ الْغَدِ، وَأَنَّهُ قَرِيبُ الْفَائِدَةِ يَصِلُ نَفْعُهُ إِلَى صَاحِبِهِ كُلَّ رَوَاحٍ، لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَكَلَّفَ فِيهِ إِلَى مَشَقَّةٍ وَسَيْرٍ، أَوْ يَرُوحُ بِالْأَجْرِ، وَيَغْدُو بِهِ، وَاكْتَفَى بِالرَّوَاحِ عَنِ الْغُدُوِّ لِعِلْمِ السَّامِعِ، أَوْ مَنْ شَأْنُهُ الرَّوَاحُ، وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 666 الذَّهَابُ وَالْفَوَاتُ، فَإِذَا ذَهَبَ فِي الْخَيْرِ فَهُوَ أَوْلَى، وَادَّعَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ رِوَايَةَ التَّحْتِيَّةِ تَصْحِيفٌ. (وَقَدْ سَمِعْتُ) أَنَا (مَا قُلْتَ) أَنْتَ (فِيهِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: قَبِلْنَاهُ مِنْكَ، وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْكَ فَاجْعَلْهُ فِي الْأَقْرَبِينَ، (فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ) - بِضَمِّ اللَّامِ مُضَارِعٌ - (يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ) ، عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ. وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ: «فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ، وَأُبَيٍّ، وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِي مِنْهَا، فَبَاعَ حَسَّانُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَبِيعُ صَدَقَةَ أَبِي طَلْحَةَ؟ فَقَالَ: أَلَا أَبِيعُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِصَاعٍ مِنْ دَرَاهِمَ» ؟ وَفِي مُرْسَلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: فَرَدَّهُ عَلَى أَقَارِبِهِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَخِيهِ، أَوِ ابْنِ أَخِيهِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَنُبَيْطِ بْنِ جَابِرٍ، فَتَقَاوَمُوهُ فَبَاعَ حَسَّانُ حِصَّتَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَيْ بَعْدِ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَى إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: «فَقَسَمَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ، أَيْ أَقَارِبِ أَبِي طَلْحَةَ» ، وَإِضَافَةُ الْقَسْمِ إِلَى الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهُ الْآمِرُ بِهِ، وَإِنْ شَاعَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، لَكِنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَفِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ ; لِأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ فَهِمْ مِنَ الْآيَةِ تَنَاوُلَ ذَلِكَ الْجَمْعِ أَفْرَادَهُ، فَلَمْ يَقِفْ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ الْبَيَانَ عَنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ بَلْ بَادَرَ إِلَى إِنْفَاقِ مَا يُحِبُّهُ وَأَقَرَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي طَلْحَةَ لِأَنَّ الْآيَةَ تَضَمَّنَتِ الْحَثَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنَ الْمَحْبُوبِ، فَتَرَقَّى هُوَ إِلَى إِنْفَاقِ أَحَبِّ الْمَحْبُوبِ فَصَوَّبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَكَرَ فِعْلَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهَا أَهْلَهُ، وَكَنَّى عَنْ رِضَاهُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: بَخْ، وَزِيَادَةُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى نِصَابِ الزَّكَاةِ، خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَهَا بِهِ، وَصَدَقَةُ الصَّحِيحِ بِأَكْثَرِ مِنْ ثُلُثِهِ ; لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَفْصِلْ أَبَا طَلْحَةَ عَنْ قَدْرِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ، وَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» ، وَفِيهِ جَوَازُ حُبِّ الْمَالِ لِلرَّجُلِ الْفَاضِلِ الْعَالِمِ، وَأَنَّهُ لَا نَقْصَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنِ الْإِنْسَانِ بِقَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8] (سورة الْعَادِيَاتِ: الْآيَةُ 8) ، وَالْخَيْرُ: الْمَالُ اتِّفَاقًا وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْوِكَالَةِ عَنْ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ، وَفِي الْوَقْفِ، وَفِي الْأَشْرِبَةِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَفِي التَّفْسِيرِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَمُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ عَنْ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ عَنْ إِسْحَاقَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 667 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَعْطُوا السَّائِلَ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ»   1876 - 1829 - « (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَعْطُوا السَّائِلَ) الَّذِي يَسْأَلُ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ (وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ) » ; يَعْنِي لَا تَرُدُّوهُ، وَإِنْ جَاءَ عَلَى حَالَةٍ تَدُلُّ عَلَى غِنَاهُ كَرُكُوبِ فَرَسٍ، فَإِنَّهُ لَوْلَا حَاجَتُهُ لِلسُّؤَالِ مَا بَذَلَ وَجْهَهُ، بَلْ هَذَا وَشِبْهُهُ مِنَ الْمَسْتُورِينَ الَّذِينَ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعَثَ مَالًا يُفَرَّقُ بِالرِّقَّةِ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي بَعَثَ مَعَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَبْعَثُنِي إِلَى قَوْمٍ لَا أَعْرِفُهُمْ، وَفِيهِمْ غَنِيٌّ وَفَقِيرٌ، فَقَالَ كُلُّ مَنْ مَدَّ يَدَهُ إِلَيْكَ فَأَعْطِهِ. وَزُعِمَ أَنَّ الْمُرَادَ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ يَطْلُبُ عَلَفَهُ وَطَعَامَهُ، تَعَسُّفٌ رَكِيكٌ. قَالَ الْحَرَّانِيُّ: وَلَوْ فِي مِثْلِهِ تَجِيءُ مُنَبِّهَةً عَلَى أَنَّ مَا قَبْلَهَا جَاءَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْصَاءِ، وَمَا بَعْدَهَا جَاءَ نَصًّا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّهَا لَا تَنْدَرِجُ فِيمَا قَبْلَهَا، فَكَوْنُهُ عَلَى فَرَسٍ يُؤْذِنُ بِغِنَاهُ فَلَا يَلِيقُ إِعْطَاؤُهُ دَفْعًا لِلتَّوَهُّمِ. وَقَالَ أَبُو حَيَّانِ: هَذِهِ الْوَاوُ لِعَطْفِ حَالٍ عَلَى حَالٍ مَحْذُوفَةٍ تَضَمَّنَهَا السَّابِقُ، وَالْمَعْنَى أَعْطُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَلَا تَجِيءُ هَذِهِ الْحَالُ إِلَّا مُنَبِّهَةً عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ عُمُومِ الْحَالِ الْمَحْذُوفَةِ، فَأُدْرِجَ تَحْتَهُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَعْطِ السَّائِلَ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، انْتَهَى. وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ: الْحَثُّ عَلَى إِعْطَاءِ السَّائِلِ وَإِنْ جَلَّ، وَلَوْ مَا قَلَّ كَمَا يُفِيدُهُ حَذْفُ الْمُتَعَلِّقِ، لَكِنْ إِذَا وَجَدَهُ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَهَمُّ، وَإِلَّا فَلَا ضَيْرَ فِي رَدِّهِ كَمَا يُفِيدُهُ أَحَادِيثُ أُخَرُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ خِلَافًا عَنْ مَالِكٍ، وَلَيْسَ فِيهِ مُسْنَدٌ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَدْ وَصَلَهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَكِنَّ عَبْدَ اللَّهِ ضَعِيفٌ، نَعَمْ لَهُ شَاهِدٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: " «لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» "، وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ، قَالَهُ الْعِرَاقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: سَنَدُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَجَاءَ بِلَفْظِ الْمُوَطَّأِ وَجْهٌ آخَرُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ، وَضَعَّفَهُ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرْسَلَ صَحِيحٌ، وَتَتَقَوَّى رِوَايَةُ الْوَصْلِ بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ، وَاعْتِضَادِهَا بِالْمُرْسَلِ. الحديث: 1876 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 668 وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ الْأَشْهَلِيِّ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا قَالَتْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ إِحْدَاكُنَّ أَنْ تُهْدِيَ لِجَارَتِهَا وَلَوْ كُرَاعَ شَاةٍ مُحْرَقًا»   1877 - 1830 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ (عَنْ عَمْرِو) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بْنِ مُعَاذِ) بْنِ الحديث: 1877 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 668 سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ (الْأَشْهَلِيِّ الْأَنْصَارِيِّ) الْأَوْسِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ (عَنْ جَدَّتِهِ) يُقَالُ: اسْمُهَا حَوَّاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ صَحَابِيَّةٌ مَدَنِيَّةٌ، (أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ) ، رُوِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُنَادًى مُفْرَدٌ الْمُؤْمِنَاتِ صِفَةٌ لَهُ، فَيُرْفَعُ عَلَى اللَّفْظِ، وَيُنْصَبُ بِالْكَسْرَةِ عَلَى الْمَحَلِّ، وَرُوِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مُنَادًى مُفْرِدٌ مُضَافٌ، وَ " الْمُؤْمِنَاتِ " صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ نِسَاءَ النُّفُوسِ، أَوِ الطَّائِفَةِ الْمُؤْمِنَاتِ، فَخَرَجَ عَنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ، وَيَجُوزُ أَنَّهَا مِنْهَا بِتَأْوِيلِ نِسَاءٍ بِفَاضِلَاتٍ، أَيْ فَاضِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رِوَايَةَ الْإِضَافَةِ، وَرَدَّهُ ابْنُ السَّيِّدِ بِأَنَّهَا قَدْ صَحَّتْ نَقْلًا، وَسَاعَدَتْهَا اللُّغَةُ، فَلَا مَعْنَى لِلْإِنْكَارِ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: «يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ (لَا تُحْقِرَنَّ إِحْدَاكُنَّ أَنْ تُهْدِيَ لِجَارَتِهَا) شَيْئًا (وَلَوْ) كَانَ (كُرَاعَ شَاةٍ) » - بِضَمِّ الْكَافِ - مَا دُونُ الْعَقِبِ، وَخَصَّ النِّسَاءَ لِأَنَّهُنَّ مَوَادُّ الْمَوَدَّةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَلِأَنَّهُنَّ أَسْرَعُ انْتِقَالًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، (مُحْرَقًا) نَعْتٌ لِـ " كُرَاعَ "، وَهُوَ مُؤَنَّثٌ فَحَقُّهُ مُحْرَقَةً، لَكِنْ وَرَدَتِ الرِّوَايَةُ هَكَذَا فِي الْمُوَطَّآتِ وَغَيْرِهَا، وَقَلَّ أَنْ تُعَرِّضَ الْعَرَبُ بِذِكْرِهِ، فَلَعَلَّ الرِّوَايَةَ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ نَهْيٌ لِلْمُهْدَى إِلَيْهَا، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَمَرَّ هَذَا الْحَدِيثُ سَنَدُهُ وَمَتْنُهُ فِي جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الطَّعَامَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُطْعَمُ، وَإِنْ قَلَّ، وَأَعَادَهُ هُنَا إِلَى التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ، وَإِنْ قَلَّتْ، وَالنَّهْيُ عَنِ احْتِقَارِهَا فَلَا تَكْرَارَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِي ذِكْرِ الْقَلِيلِ تَنْبِيهٌ عَلَى فَضْلِ الْكَثِيرِ لِمَنْ فَهِمَ مَعْنَى الْخِطَابِ، وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ: افْعَلِ الْخَيْرَ مَا اسْتَطَعْتَ وَإِنْ ... كَانَ قَلِيلًا، فَلَنْ تُطِيقَ لِكُلِّهِ. وَمَتَى تَفْعَلُ الْكَثِيرَ مِنَ الْخَيْرِ إِذَا كُنْتَ تَارِكًا لِأَقَلِّهِ وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقِ: لَوْ قَدْ رَأَيْتَ الصَّغِيرَ مَنْ عَمِلَ الْـ ... ـخَيْرِ ثَوَابًا عَجِبْتَ مِنْ كِبَرِهِ أَوْ قَدْ رَأَيْتَ الْحَقِيرَ مِنْ عَمَلِ ... الشَّرِّ جَزَاءً شَفَقْتَ مِنْ شَرِّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 669 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إِلَّا رَغِيفٌ فَقَالَتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا أَعْطِيهِ إِيَّاهُ فَقَالَتْ لَيْسَ لَكِ مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ فَقَالَتْ أَعْطِيهِ إِيَّاهُ قَالَتْ فَفَعَلْتُ قَالَتْ فَلَمَّا أَمْسَيْنَا أَهْدَى لَنَا أَهْلُ بَيْتٍ أَوْ إِنْسَانٌ مَا كَانَ يُهْدِي لَنَا شَاةً وَكَفَنَهَا فَدَعَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ كُلِي مِنْ هَذَا هَذَا خَيْرٌ مِنْ قُرْصِكِ   1877 - 1831 - (مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 669 وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إِلَّا رَغِيفٌ) وَاحِدٌ (فَقَالَتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا) - لَمْ تُسَمَّ -: (أَعْطِيهِ إِيَّاهُ، فَقَالَتْ: لَيْسَ لَكِ مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: أَعْطِيهِ إِيَّاهُ، قَالَتْ:) الْمُوَلَّاةُ (فَفَعَلْتُ) أَعْطَيْتُهُ الرَّغِيفَ (قَالَتْ: فَلَمَّا أَمْسَيْنَا أَهْدَى لَنَا أَهْلُ بَيْتٍ أَوْ إِنْسَانٍ) شَكَّتْ (مَا كَانَ يُهْدِي لَنَا) شَيْئًا قَبْلَ ذَلِكَ (شَاةً) مَفْعُولُ أَهْدَى، (وَكَفَنَهَا) أَيْ مَطْبُوخَةً لِلْأَكْلِ (فَدَعَتْنِي عَائِشَةُ فَقَالَتْ: كُلِي مِنْ هَذَا) ، أَيْ لَحْمِ الشَّاةِ (هَذَا خَيْرٌ مِنْ قُرْصِكِ) الرَّغِيفِ الَّذِي أَرَدْتِ مَنْعِي عَنْ إِعْطَائِهِ لِلسَّائِلِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 670 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ مِسْكِينًا اسْتَطْعَمَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ يَدَيْهَا عِنَبٌ فَقَالَتْ لِإِنْسَانٍ خُذْ حَبَّةً فَأَعْطِهِ إِيَّاهَا فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَيَعْجَبُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَتَعْجَبُ كَمْ تَرَى فِي هَذِهِ الْحَبَّةِ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ   1877 - 1832 - (مَالِكٌ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مِسْكِينًا اسْتَطْعَمَ عَائِشَةَ - أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - وَبَيْنَ يَدَيْهَا عِنَبٌ، فَقَالَتْ لِإِنْسَانٍ: خُذْ حَبَّةً فَأَعْطِهِ إِيَّاهَا فَجَعَلَ) ذَلِكَ الْإِنْسَانُ (يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَيَتَعَجَّبُ) ، إِذْ لَا تَقَعُ حَبَّةُ عِنَبٍ مَوْقِعًا مِنَ الْمُسْتَطْعِمِ، (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَتَعْجَبُ كَمْ تَرَى فِي هَذِهِ الْحَبَّةِ مِنْ مِثْقَالِ) ، أَيْ زِنَةِ (ذَرَّةٍ) ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47] (سورة الْأَنْبِيَاءِ: الْآيَةُ 47) ، أَيْ مِنْ نَقْصِ حَسَنَةٍ، أَوْ زِيَادَةِ سَيِّئَةٍ، وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 670 [بَاب مَا جَاءَ فِي التَّعَفُّفِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ] وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ ثُمَّ قَالَ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنْ الصَّبْرِ»   2 - بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّعَفُّفِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ فِي كُلِّ شَيْءٍ غَيْرِ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ. 1880 - 1833 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ) - بِتَحْتِيَّةٍ فَزَايٍ - الحديث: 1880 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 670 (اللِّيثِيِّ) بِمُثَلَّثَةٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَقِيلَ: مَوْلَاهُمْ (الْمَدَنِيِّ) نَزِيلُ الشَّامِ مِنَ الثِّقَاتِ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَمِائَةٍ، وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ أُنَاسًا) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - (مِنَ الْأَنْصَارِ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ يَتَعَيَّنْ لِي أَسْمَاؤُهُمْ إِلَّا أَنَّ فِي النَّسَائِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الرَّاوِيَ مِنْهُمْ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: أَنَّهُ خُوطِبَ بِبَعْضِ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَيْسَ أَنْصَارِيًّا إِلَّا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، « (سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ) ثَانِيًا (فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ) » بِكَسْرِ الْفَاءِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ، أَيْ فَرَغَ (مَا عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ) مَا مَوْصُولَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَجَوَابُهُ، (فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ) بِتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ لَنْ أَجْعَلَهُ دَخِيرَةً لِغَيْرِكُمْ، أَوْ لَنْ أَحْبِسَهُ، وَأَخْبَأَهُ وَأَمْنَعَهُ إِيَّاهُ، (وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ) بِفَاءَيْنِ، أَيْ يَطْلُبِ الْعِفَّةَ عَنِ السُّؤَالِ (يُعِفَّهُ اللَّهُ) ، بِنَصْبِ الْفَاءِ، أَيْ يَصُونَهُ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ يَرْزُقَهُ الْعِفَّةَ، أَيِ الْكَفِّ عَنِ الْحَرَامِ، (وَمَنْ يَسْتَغْنِ) يُظْهِرِ الْغِنَى بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْيَسِيرِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ (يُغْنِهِ اللَّهُ) ، أَيْ يَمُدَّهُ بِالْغِنَى مِنْ فَضْلِهِ. (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ) يُعَالِجِ الصَّبْرَ وَيَتَكَلَّفْهُ عَلَى ضِيقِ الْعَيْشِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَكَارِهِ الدُّنْيَا، (يُصَبِّرْهُ اللَّهُ) : يَرْزُقُهُ اللَّهُ الصَّبْرَ، وَيُعِينُهُ عَلَيْهِ، وَيُوَفِّقُهُ لَهُ، (وَمَا أُعْطِيَ) ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (أَحَدٌ) نَائِبَهُ (عَطَاءً) ، نُصِبَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأُعْطِيَ، (هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ) ، لِجَمْعِهِ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ، وَلِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ: أَمْرٌ يَدُومُ لَهُ الْغِنَى بِهِ لَا يَفْنَى، وَمَعَ عَدَمِهِ لَا يَدُومُ لَهُ الْغِنَى وَإِنْ كَثُرَ، وَرُبَّمَا يَغْنَى، وَيَمْتَدُّ الْأَمَلُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهُ مَعَ عَدَمِ الصَّبْرِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ مَنْ طَلَبَ مِنْ نَفْسِهِ الْعِفَّةَ عَنِ السُّؤَالِ، وَلَمْ يُظْهِرْ الِاسْتِغْنَاءَ يُعِفَّهُ اللَّهُ، أَيْ يُصَيِّرُهُ عَفِيفًا، وَمَنْ تَرَقَّى عَنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْ إِظْهَارِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْخَلْقِ، لَكِنْ إِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا لَمْ يَرُدَّهُ، يَمْلَأُ اللَّهُ قَلْبَهُ غِنًى، وَمَنْ فَازَ بِالْقَدَحِ الْمُعَلَّى وَتَصَبَّرَ، وَلَمْ يَسْأَلْ وَإِنْ أُعْطِيَ لَمْ يَقْبَلْ، فَهَذَا هُوَ الصَّبْرُ الْجَامِعُ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، انْتَهَى. وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ السَّخَاءِ، وَإِنْفَاذِ أَمْرِ اللَّهِ، وَإِعْطَاءِ السَّائِلِ مَرَّتَيْنِ، وَالِاعْتِذَارِ إِلَى السَّائِلِ، وَالْحَضِّ عَلَى التَّعَفُّفِ، وَجَوَازِ السُّؤَالِ لِلْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ وَالصَّبْرَ حَتَّى يَأْتِيَهُ رِزْقُهُ بِلَا مَسْأَلَةٍ. وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي الزَّكَاةِ، وَالْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 671 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ»   1881 - 1834 - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ» ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ وَقَعَتْ حَالًا، (وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ) ، أَيْ يَحُضُّ عَلَيْهَا الْأَغْنِيَاءَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ اسْمِيَّةٌ أَيْضًا، وَلِلْقَعْنَبِيِّ وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الْحَالِيَّةِ، (وَ) يَذْكُرُ (التَّعَفُّفَ) بِفَاءَيْنِ (عَنِ الْمَسْأَلَةِ) ، أَيْ يَحُضُّ الْفَقِيرَ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنْهَا، أَوْ يَحُضُّهُ عَلَى التَّعَفُّفِ، وَيَذُمُّ الْمَسْأَلَةَ، ( «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى» ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ أَكْثَرُ ثَوَابًا، سُمِّيَتْ يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا ; لِأَنَّهُ أَرْفَعُ دَرَجَةً وَمَحَلًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. (وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ) ، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَنْفَقَ، هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا قَالَ الْأَكْثَرُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ، وَقَالَ وَاحِدٌ عَنْهُ: الْمُتَعَفِّفَةُ، وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ الْحَافِظُ الْوَاحِدُ الْقَائِلُ " الْمُتَعَفِّفَةُ " بِعَيْنٍ وَفَاءَيْنِ هُوَ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبْدِ الْوَارِثِ، فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا مَوْصُولَةً، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادٍ بِلَفْظِ: وَالْيَدُ الْعُلْيَا يَدُ الْمُعْطِي، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: الْمُتَعَفِّفَةُ فَقَدْ صَحَّفَ، انْتَهَى. وَرَجَّحَ الْخَطَّابِيُّ الثَّانِيَةَ بِأَنَّ السِّيَاقَ فِي ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّعَفُّفِ عَنْهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَتَجْوِيزُ تَرْجِيحِهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ. . . إِلَخْ، كَلَامٌ مُجْمَلٌ فِي مَعْنَى الْعِفَّةِ عَنِ السُّؤَالِ، وَقَوْلُهُ: الْيَدُ الْعُلْيَا بَيَانٌ لَهُ، وَهُوَ أَيْضًا مُبْهَمٌ، فَيَنْبَغِي تَفْسِيرُهُ بِالْعِفَّةِ لِيُنَاسِبَ الْمُجْمَلَ، وَتَفْسِيرُهُ بِالْمُنْفِقَةِ لَا يُنَاسِبُ الْمُجْمَلَ، لَكِنْ إِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: الْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ، وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بِقَوْلِهِ: (وَ) الْيَدُ (السُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ) لِدَلَالَتِهَا عَلَى عُلُوِّ الْمُنْفِقَةِ، وَسَفَالَةِ السَّائِلَةِ، وَرَذَالَتِهَا، وَهِيَ مَا يُسْتَنْكَفُ مِنْهَا، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْفِقَةِ أَرْجَحُ نَقْلًا وَدِرَايَةً، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رِوَايَةُ مَالِكٍ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِالْأُصُولِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، قَالَ: «قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَإِذَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا» ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: " «الْأَيْدِي ثَلَاثَةٌ: فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا، وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا، وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى» "، وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مَرْفُوعًا: " «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ يَدِ الْمُعْطِي، وَيَدُ الْمُعْطِي فَوْقَ يَدِ الْمُعْطَى، وَيَدُ الْمُعْطَى أَسْفَلُ الْأَيْدِي» "، وَلِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارُ عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ: " «الْيَدُ الْمُعْطِيَةُ هِيَ الْعُلْيَا، وَالسَّائِلَةُ هِيَ السُّفْلَى» "، فَهَذِهِ الحديث: 1881 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 672 الْأَحَادِيثُ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ الْمُعْطِيَةُ، وَأَنَّ السُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا التَّفْسِيرُ نَصٌّ مِنَ الشَّارِعِ يَدْفَعُ الْخِلَافَ فِي نَوَائِلِهِ، وَادَّعَى أَبُو الْعَبَّاسِ الدَّانِي فِي أَطْرَافِ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ مُدْرَجٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مُسْتَنَدًا، نَعَمْ فِي الصَّحَابَةِ لِلْعَسْكَرِيِّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ انْقِطَاعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ: «إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَلَا أَحْسَبُ الْيَدَ السُّفْلَى إِلَّا السَّائِلَةَ، وَلَا الْعُلْيَا إِلَّا الْمُعْطِيَةَ» ، فَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّفْسِيرَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ، لَكِنْ يُؤَيَّدُ لِرَفْعِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَقِيلَ: الْيَدُ السُّفْلَى الْآخِذَةُ سَوَاءٌ كَانَ بِسُؤَالٍ، وَبِلَا سُؤَالٍ، وَقَوَّاهُ قَوْمٌ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ اللَّهِ قَبْلَ يَدِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: التَّحْقِيقُ أَنَّ السُّفْلَى يَدُ السَّائِلِ، وَأَمَّا يَدُ الْآخِذِ فَلَا ; لِأَنَّ يَدَ اللَّهِ هِيَ الْمُعْطِيَةُ، وَهِيَ الْآخِذَةُ، وَكِلْتَاهُمَا يَمِينٌ وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْبَحْثَ إِنَّمَا هُوَ فِي أَيْدِي الْآدَمِيِّينَ، أَمَّا يَدُ اللَّهِ فَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَالِكَ كُلِّ شَيْءٍ نُسِبَتْ يَدُهُ إِلَى الْإِعْطَاءِ، وَبِاعْتِبَارِ قَبُولِهِ لِلصَّدَقَةِ وَرِضَاهُ بِهَا، نُسِبَتْ إِلَى الْأَخْذِ، وَيَدُهُ الْعُلْيَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا يَدُ الْآدَمِيِّ فَأَرْبَعَةٌ: يَدُ الْمُعْطِي وَقَدْ تَظَافَرَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّهَا عُلْيَا، وَيَدُ السَّائِلِ وَقَدْ تَظَافَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِأَنَّهَا السُّفْلَى، سَوَاءٌ أَخَذَتْ أَمْ لَا، وَهَذَا مُوَافِقٌ بِكَيْفِيَّةِ الْإِعْطَاءِ وَالْأَخْذِ غَالِبًا. ثَالِثُهَا: يَدُ الْمُتَعَفِّفِ عَنِ الْأَخْذِ وَلَوْ بَعْدَ مَدِّ يَدِ الْمُعْطِي مَثَلًا، وَهَذِهِ تُوصَفُ بِأَنَّهَا عُلْيَا عُلُوًّا اعْتِبَارِيًّا، رَابِعُهَا: يَدُ الْآخِذِ بِلَا سُؤَالٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى أَنَّهَا سُفْلَى نَظَرًا إِلَى الْمَحْسُوسِ، وَأَمَّا الْمَعْنَوِيُّ فَلَا يَطَّرِدُ فَقَدْ تَكُونُ عُلْيَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهَا عُلْيَا. وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: الْعُلْيَا الْمُعْطِيَةُ، وَالسُّفْلَى الْمَانِعَةُ، وَلَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ آخَرُونَ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ أَنَّ الْيَدَ الْآخِذَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْمُعْطِيَةِ مُطْلَقًا، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَمَا أَرَى هَؤُلَاءِ إِلَّا قَوْمًا اسْتَطَابُوا السُّؤَالَ، فَهُمْ يَحْتَجُّونَ لِلدَّنَاءَةِ، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَكَانَ الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ هُوَ الَّذِي كَانَ رَقِيقًا فَأُعْتِقُ، وَالْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي أَعْتَقَ، وَفِي مَطْلَعِ الْفَوَائِدِ لِلْعَلَّامَةِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ نُبَاتَةَ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ مَعْنًى آخَرَ أَنَّ الْيَدَ هُنَا النِّعْمَةُ، فَكَانَ الْمَعْنَى: الْعَطِيَّةُ الْجَزِيلَةُ خَيْرٌ مِنَ الْعَطِيَّةِ الْقَلِيلَةِ، فَهَذَا حَثٌّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ بِأَوْجَزِ لَفْظٍ، وَيَشْهَدُ لَهُ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ: مَا أَبْقَتْ غِنًى، أَيْ مَا حَصَلَ بِهِ لِلسَّائِلِ غِنًى عَنْ سُؤَالِهِ، كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَلْفٍ، فَلَوْ أَعْطَاهَا لِمِائَةِ إِنْسَانٍ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمِ الْغِنَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْطَاهَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِ الْيَدِ عَلَى الْجَارِحَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَمِرُّ، إِذْ قَدْ يَأْخُذُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنْ يُعْطِي. قُلْتُ: التَّفَاضُلُ هُنَا يَرْجِعُ إِلَى الْإِعْطَاءِ وَالْأَخْذِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْطِي أَفْضَلَ مِنَ الْآخِذِ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 673 الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ رَوَى إِسْحَاقُ فِي مَسْنَدِهِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، أَنَّهُ قَالَ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْيَدُ الْعُلْيَا؟ قَالَ: الَّتِي تُعْطِي، وَلَا تَأْخُذُ» "، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْآخِذَةَ لَيْسَتْ بِعُلْيَا، وَكُلُّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ الْمُتَعَسَّفَةِ تَضْمَحِلُّ عِنْدَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْمُرَادِ، فَأَوْلَى مَا فُسِّرَ الْحَدِيثُ بِالْحَدِيثِ، وَمُحَصَّلُ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ أَعْلَى الْأَيْدِي الْمُنْفِقَةُ، ثُمَّ الْمُتَعَفِّفَةُ عَنِ الْأَخْذِ، ثُمَّ الْآخِذَةُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ، وَأَسْفَلَ الْأَيْدِي السَّائِلَةُ وَالْمَانِعَةُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الْكَلَامِ لِلْخَطِيبِ بَلْ كُلُّ مَا يَصْلُحُ مِنْ مَوْعِظَةٍ وَعِلْمٍ وَقُرْبَةٍ، وَالْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الطَّاعَةِ، وَتَفْضِيلُ الْغِنَى مَعَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ عَلَى الْفَقْرِ ; لِأَنَّ الْعَطَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْغِنَى، وَفِيهِ كَرَاهَةُ السُّؤَالِ، وَالتَّنْفِيرُ عَنْهُ وَمَحَلُّهُ إِذَا لَمْ تَدْعُ إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ مِنْ خَوْفِ هَلَاكٍ وَنَحْوِهِ. وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَا الْمُعْطِي مِنْ سِعَةٍ بِالْأَفْضَلِ مِنَ الْآخِذِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا» "، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 674 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعَطَاءٍ فَرَدَّهُ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَ رَدَدْتَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَخْبَرْتَنَا أَنَّ خَيْرًا لِأَحَدِنَا أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ يَرْزُقُكَهُ اللَّهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَأْتِينِي شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ إِلَّا أَخَذْتُهُ»   1882 - 1835 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) مُرْسَلًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ: يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ عَنْ عُمَرَ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعَطَاءٍ» ) ، بِالْمَدِّ أَيْ بِسَبَبِ الْعِمَالَةِ، كَمَا فِي مُسْلِمٍ، لَا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَلَيْسَ الْعَطَاءُ الْمَذْكُورُ مِنْ جِهَةِ الْفَقْرِ، وَقَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ عَنِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْعَطَاءَ مَا يُفَرِّقُهُ الْإِمَامُ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ، (فَرَدَّهُ عُمَرُ) زُهْدًا، وَعَدَمَ حِرْصٍ عَلَى التَّكْثِيرِ مِنَ الْمَالِ وَإِيثَارًا لِلْغَيْرِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِينِي الْعَطَاءَ، فَأَقُولُ أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي، « (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -: لِمَ رَدَدْتَهُ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ أَخْبَرْتَنَا أَنَّ خَيْرًا) أَفْضَلَ (لِأَحَدِنَا أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّمَا ذَلِكَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ) » السُّؤَالِ لِلنَّاسِ، (فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ يَرْزُقُكَهُ اللَّهُ) الحديث: 1882 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 674 زَادَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: " «فَخُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ» "، أَيِ اقْبَلْهُ، وَأَدْخِلْهُ فِي مِلْكِكَ وَمَالِكَ. (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَا) - بِالْفَتْحِ، وَخِفَّةِ الْمِيمِ - ( «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا، وَلَا يَأْتِينِي شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ إِلَّا أَخَذْتُهُ» ) اتِّبَاعًا لِلْأَمْرِ النَّبَوِيِّ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَفِيهِ أَنَّ رَدَّ عَطِيَّةِ الْإِمَامِ لَيْسَ مِنَ الْأَدَبِ، وَلَا سِيَّمَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] (سورة الْحَشْرِ: الْآيَةُ 7) ، وَإِنَّمَا رَدَّهَا عُمَرُ لِلشُّبْهَةِ الَّتِي أَزَالَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَحَبٌّ، وَاخْتُلِفَ فِي إِعْطَاءِ غَيْرِهِ دُونَ مَسْأَلَةٍ، وَالْمُعْطَى مَنْ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ، فَقِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ أَيْضًا كَانَ الْمُعْطِي سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، يَعْنِي بِالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي قَوْلِهِ لِعُمَرَ: إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُسْرِفٍ، وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَقِيلَ: هُوَ مَخْصُوصٌ بِالسُّلْطَانِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ سَمُرَةَ فِي السُّنَنِ: " «إِلَّا أَنْ تَسْأَلَهُ ذَا سُلْطَانٍ» "، قَالَ: وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ لَا مِنْهُ فَحَرَامٌ، وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقْبَلُ عَطِيَّةَ السُّلْطَانِ، وَبَعْضُهُمْ يَكْرَهُ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى عَطِيَّةِ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ، وَالْكَرَاهَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْوَرَعِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ تَصَرُّفِ السَّلَفِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالتَّحْقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ عُلِمَ حِلُّ مَالِهِ لَا يُرَدُّ عَطِيَّتُهُ، أَوْ حُرْمَتُهُ فَيَحْرُمُ عَطِيَّتُهُ، وَمَنْ شَكَّ فِيهَا فَالِاحْتِيَاطُ رَدُّهُ، وَهُوَ الْوَرَعُ وَمَنْ أَبَاحَهُ أَخَذَ بِالْأَصْلِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: احْتَجَّ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْيَهُودِ: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 42) ، وَقَدْ رَهَنَ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ أَكْثَرَ أَمْوَالِهِمْ ثَمَنُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمُعَامَلَاتِ الْفَاسِدَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 675 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ»   1883 - 1836 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) - بِكَسْرِ الزَّايِ، وَخِفَّةِ النُّونِ - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ، أَوْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ، (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) فِيهِ الْحَلِفُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَقْطُوعِ بِصِدْقِهِ لِتَأْكِيدِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ، (لَيَأْخُذُ) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا فِي جُلِّ الْمُوَطَّآتِ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْنٍ، وَابْنِ نَافِعٍ: لَأَنْ يَأْخُذَ (أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ) بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَحْبُلَهُ بِالْجَمْعِ الحديث: 1883 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 675 (فَيَحْتَطِبَ) - بِكَسْرِ الطَّاءِ - أَيْ يَجْمَعَ الْحَطَبَ (عَلَى ظَهْرِهِ) ، وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ» "، وَذَلِكَ مُرَادٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْحَافِظُ، عَلَى أَنَّ فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَيَجْعَلَهَا عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا» "، وَلَهُ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ، وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنِ النَّاسِ» "، (خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا) ، وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ: " «مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ» "، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ (أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، صِفَةُ " رَجُلٍ " (فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ) ، لِحَمْلِهِ ثِقَلَ الْمِنَّةِ مَعَ ذُلِّ السُّؤَالِ، (أَوْ مَنَعَهُ) ، فَاكْتَسَبَ الذُّلَّ، وَالْخَيْبَةَ وَالْحِرْمَانَ، وَخَيْرٌ لَيْسَتْ بِمَعْنَى أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ، بَلْ هِيَ هُنَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24] (سورة الْفُرْقَانِ: الْآيَةُ 24) ، إِذْ لَا خَيْرَ فِي السُّؤَالِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِسَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِحَسَبِ اعْتِقَادِ السَّائِلِ تَسْمِيَةَ مَا يُعْطَاهُ خَيْرًا، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ شَرٌّ، وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْهَا، وَلَوِ امْتَهَنَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، وَارْتَكَبَ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ. وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُمَرَ: " مَكْسِبَةٌ فِيهَا بَعْضُ الدَّنَاءَةِ خَيْرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ "، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَوْلَا قُبْحُ الْمَسْأَلَةِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، لَمْ يُفَضِّلْ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى السَّائِلِ مِنْ ذُلِّ السُّؤَالِ، وَمِنَ الرَّدِّ إِذَا لَمْ يُعْطَ، وَلِمَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَسْئُولِ مِنَ الضِّيقِ فِي مَالِهِ إِنْ أَعْطَى كُلَّ سَائِلٍ، وَفِيهِ فَضْلُ الِاكْتِسَابِ بِعَمَلِ الْيَدِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 676 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَنَّهُ قَالَ «نَزَلْتُ أَنَا وَأَهْلِي بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَقَالَ لِي أَهْلِي اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْأَلْهُ لَنَا شَيْئًا نَأْكُلُهُ وَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ مِنْ حَاجَتِهِمْ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا أَجِدُ مَا أُعْطِيكَ فَتَوَلَّى الرَّجُلُ عَنْهُ وَهُوَ مُغْضَبٌ وَهُوَ يَقُولُ لَعَمْرِي إِنَّكَ لَتُعْطِي مَنْ شِئْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ لَا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا قَالَ الْأَسَدِيُّ فَقُلْتُ لَلَقْحَةٌ لَنَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ قَالَ مَالِكٌ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَالَ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ فَقُدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَعِيرٍ وَزَبِيبٍ فَقَسَمَ لَنَا مِنْهُ حَتَّى أَغْنَانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»   1884 - 1837 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ) ، وَإِبْهَامُ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ لِعَدَالَةِ جَمِيعِهِمْ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، (أَنَّهُ قَالَ: نَزَلْتُ أَنَا وَأَهْلِي بِبَقِيعِ) - بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ - (الْغَرْقَدِ) - بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَقَافٍ - مَقْبَرَةِ الْمَدِينَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِشَجَرِ غَرْقَدٍ كَانَ هُنَاكَ، وَهُوَ شَجَرٌ عَظِيمٌ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ الْعَوْسَجُ، ( «فَقَالَ لِي أَهْلِي: اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْأَلْهُ لَنَا شَيْئًا نَأْكُلُهُ، وَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ مَنْ حَاجَتِهِمْ» ) مَا يَأْكُلُونَ، (فَذَهَبْتُ الحديث: 1884 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 676 إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَسْأَلَهُ، ( «فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ: لَا أَجِدُ مَا أُعْطِيكَ فَتَوَلَّى الرَّجُلُ عَنْهُ وَهُوَ مُغْضَبٌ» ) ، لِعَدَمِ الْعَطَاءِ، (وَهُوَ يَقُولُ: لَعَمْرِي) ، أَيْ حَيَاتِي، (إِنَّكَ لَتُعْطِي مَنْ شِئْتَ) ، وَلَعَلَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ مِنْ أَجْلَافِ الْعَرَبِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ كَانَ مُنَافِقًا عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ، ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّهُ لَيَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ لَا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ» ) ، مَعَ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي الْغَضَبَ بِوَجْهٍ، ( «مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ» ) ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَشَدِّ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، (أَوْ عَدْلُهَا) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهَا مِنْ غَيْرِ الْفِضَّةِ، (فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا) ، أَيْ إِلْحَاحًا، وَهُوَ أَنْ يُلَازِمَ الْمَسْئُولَ حَتَّى يُعْطِيَهُ، يُقَالُ: لَحَفَنِي مِنْ فَضْلِ لِحَافِهِ، أَيْ أَعْطَانِي مِنْ فَضْلِ مَا عِنْدَهُ، فَخَالَفَ ثَنَاءَ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 273) ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ، وَإِنْ سَأَلُوا عَنْ ضَرُورَةٍ لَمْ يُلِحُّوا، وَقِيلَ هُوَ نَفْيُ السُّؤَالِ وَالْإِلْحَاحِ مَعًا كَقَوْلِهِ: عَلَى لَاحِبٍ لَا يَهْتَدِي لِمَنَارِهِ. فَمُرَادُهُ نَفْيُ الْمَنَارِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ نَفْيَ السُّؤَالِ وَالْإِلْحَاحِ أَدْخَلُ فِي التَّعَفُّفِ. (قَالَ الْأَسَدِيُّ: فَقُلْتُ) عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ، (لَلِقْحَةٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ الْأُولَى ابْتِدَائِيَّةٌ، أَوْ جَوَابُ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ، وَكَسْرِ اللَّامِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ تُفْتَحُ، وَسُكُونِ الْقَافِ، أَيْ نَاقَةٌ (لَنَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ) بِالْأَلْفِ قَالَ: (وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنَ الْوِقَايَةِ ; لِأَنَّ الْمَالَ مَخْزُونٌ مَصُونٌ، أَوْ لِأَنَّهُ يَقِي الشَّخْصَ مِنَ الضَّرُورَةِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي السُّؤَالِ دُونَ الْأَخْذِ، فَتَحِلُّ لِمَنْ لَهُ خَمْسُ أَوَاقٍ، وَإِنْ كَانَ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا إِذَا كَانَ ذَا عِيَالٍ. وَفِي التِّرْمِذِيَّ وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ، وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ» "، وَفِي إِسْنَادِهِ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ رَفَعَهُ: " «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ فَقَالُوا: وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ» "، (قَالَ) الْأَسَدِيُّ: (فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ) يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ فَهْمِهِ ; لِأَنَّهُ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ. (فَقُدِمَ) - بِضَمِّ الْقَافِ، وَكَسْرِ الدَّالِّ - (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ بِشَعِيرٍ وَزَبِيبٍ فَقَسَمَ لَنَا مِنْهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ قَسَمَهُ كُلَّهُ وَأَعْطَاهُمْ بَعْضَهُ، (حَتَّى أَغْنَانَا اللَّهُ) ; لِأَنَّ مَنْ يَسْتَغْنِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 677 يُغْنِيهِ اللَّهُ، وَقَدْ وَقَعَ نَحْوُ هَذِهِ الْقِصَّةِ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: " «أَسْرَحَتْنِي أُمِّي إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي لِأَسْأَلَهُ مِنْ حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ، فَأَتَيْتُهُ، وَقَعَدْتُ فَاسْتَقْبَلَنِي، فَقَالَ: مَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ، وَمَنِ اسْتَعَفَّ أَعَفَّهُ اللَّهُ، وَمَنِ اسْتَكْفَى كَفَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ سَأَلَ، وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ، فَقَدْ أَلْحَفَ، فَقُلْتُ: نَاقَتِي خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ» "، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالضِّيَاءُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 678 وَعَنْ مَالِك عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ عَبْدٌ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي أَيُرْفَعُ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا   1885 - 1838 - (مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ابْنِ يَعْقُوبَ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ صَدُوقٌ، (أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» ) ، بَلْ يَزِيدُ اللَّهُ فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَ فَلَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْأَجْرِ مَا يَجْبُرُ ذَلِكَ النَّقْصَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ الْأَمْرَانِ، قَالَهُ عِيَاضٌ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ " مِنْ " زَائِدَةٌ، أَيْ مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مَالًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا صِلَةٌ لِـ " نَقَصَتْ "، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ، أَيْ مَا نَقَصَتْ شَيْئًا مِنْ مَالٍ، بَلْ يَزِيدُ فِي الدُّنْيَا بِالْبَرَكَةِ فِيهِ، وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ عَنْهُ وَالْإِخْلَافِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَجْدَى، وَأَنْفَعُ، وَأَكْثَرُ، وَأَطْيَبُ، وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، أَوْ فِي الْآخِرَةِ بِإِجْزَالِ الْأَجْرِ وَتَضْعِيفِهِ، أَوْ فِيهِمَا وَذَلِكَ جَائِزٌ لِإِضْعَافِ ذَلِكَ النَّقْصِ، بَلْ وَقَعَ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ مِنْ مَالِهِ، فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ نَقْصًا، قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ مِنْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ، فَوَزَنَهَا فَلَمْ تَنْقُصْ قَالَ: وَأَنَا وَقَعَ لِي ذَلِكَ. وَقَوْلُ الْكَلَابَاذِيِّ يُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الْفَرْضُ، وَبِإِخْرَاجِهَا مَا لَمْ يَنْقُصْ مَالُهُ لِكَوْنِهَا دَيْنًا - فِيهِ بُعْدٌ لَا يَخْفَى. (وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ) ، أَيْ تَجَاوُزٍ عَنْ الِانْتِصَارِ (إِلَّا عِزًّا) ، أَيْ رِفْعَةً فِي الدُّنْيَا فَمَنْ عُرِفَ بِالصَّفْحِ سَادَ وَعَظُمَ فِي الْقُلُوبِ، فَيَزِيدُ عِزَّةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِأَنْ يَعْظُمَ ثَوَابُهُ، أَوْ فِيهِمَا قَالَهُ عِيَاضٌ. (وَمَا تَوَاضَعَ عَبْدٌ) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رَقَا عُبُودِيَّةً لِلَّهِ فِي الِائْتِمَارِ بِأَمْرِهِ، وَالِانْتِهَاءِ عَنْ نَهْيِهِ، وَمُشَاهَدَتِهِ لِحَقَارَةِ نَفْسِهِ، وَنَفْيِ الْعُجْبِ عَنْهَا، فَفِي لَفْظِ " عَبْدٌ " إِشْعَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُهُ، وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ (إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) ، فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُثَبِّتَ لَهُ فِي الْقُلُوبِ الْمُحِبَّةَ وَالْمَكَانَةَ، أَوْ فِي الْآخِرَةِ بِأَنْ يُنِيلَهُ الرِّفْعَةَ فِيهَا لِتَوَاضُعِهِ فِي الدُّنْيَا، أَوْ فِيهِمَا، وَقَدْ ظَهَرَ صِدْقُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ كُلَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَفِي هَذَا كُلِّهِ رَدُّ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الصَّبْرُ وَالْحُلْمُ الذُّلُّ، وَمَنْ قَالَهُ مِنَ الْأَجِلَّةِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ يُشْبِهُهُ فِي الِاحْتِمَالِ وَعَدَمِ الِانْتِصَارِ، قَالَهُ عِيَاضٌ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: التَّوَاضُعُ انْكِسَارٌ، وَالتَّذَلُّلُ ضِدُّ التَّكَبُّرِ، فَالتَّوَاضُعُ إِنْ كَانَ لِلَّهِ، أَوْ لِرَسُولِهِ، أَوْ لِلْحَاكِمِ، أَوْ لِلْعَالِمِ، فَهَذَا وَاجِبٌ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ فِي الدَّارَيْنِ، وَأَمَّا لِسَائِرِ الْخَلْقِ فَإِنْ قُصِدَ بِهِ الحديث: 1885 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 678 وَجْهُ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ قَدْرَ صَاحِبِهِ فِي الْقُلُوبِ، وَيُطَيِّبُ ذِكْرَهُ فِي الْأَفْوَاهِ، وَيَرْفَعُ قَدْرَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا فَلَا عِزَّ مَعَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ فِي تَحَمُّلِ مُؤْنَةِ خَلْقِهِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ مَا يَرْفَعُهُ إِلَى هَذَا الْمَقَامِ، وَمَنْ تَوَاضَعَ فِي قَبُولِ الْحَقِّ مِمَّنْ دُونَهُ قَبِلَ اللَّهِ مِنْهُ مَدْحُورَ طَاعَتِهِ، وَنَفَعَهُ بِقَلِيلِ حَسَنَاتِهِ، وَزَادَ فِي رَفْعِ دَرَجَاتِهِ، وَحَفِظَهُ بِمُعَقِّبَاتِ رَحْمَتِهِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ جِبِلَّةِ الْإِنْسَانِ الشُّحَّ بِالْمَالِ، وَمُشَايَعَةَ السَّبُعِيَّةِ مِنْ إِيثَارِ الْغَضَبِ، وَالِانْتِقَامَ وَالِاسْتِرْسَالَ فِي الْكِبْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ نَتَائِجِ الشَّيْطَنَةِ، فَأَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْلَعَهَا، فَحَثَّ أَوَّلًا عَلَى الصَّدَقَةِ لِيَتَحَلَّى بِالسَّخَاءِ وَالْكَرَمِ، وَثَانِيًا عَلَى الْعَفْوِ لِيَتَعَزَّزَ بِعِزِّ الْحُكْمِ وَالْوَقَارِ، وَثَالِثًا عَلَى التَّوَاضُعِ لِيَرْفَعَ دَرَجَاتِهِ فِي الدَّارَيْنِ. (قَالَ) مَالِكٌ: (لَا أَدْرِي أَيَرْفَعُ) الْعَلَاءُ (هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا؟) شَكَّ فِي رَفْعِهِ، وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ رَأْيًا، وَأَسْنَدَهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ مَحْفُوظٌ مُسْنَدٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَحَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، وَشُعْبَةُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا أَسْنَدَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي التَّمْهِيدِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 679 [بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ] حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ   3 - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ 1887 - 1839 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ:) ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، وَقَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ» ) ، بَنِي هَاشِمٍ فَقَطْ عِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ إِلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى آلَ أَبِي لَهَبٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ الْقَوْلَانِ، (إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ) ، وَهُمْ مُنَزَّهُونَ عَنْ ذَلِكَ صِيَانَةً لِمَنْصِبِهِ، لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ ذُلِّ الْآخِذِ، وَعِزِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ لِحَدِيثِ: " «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى» " الحديث: 1887 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 679 وَأُبْدِلُوا بِالْفَيْءِ الْمَأْخُوذِ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، الْمُنْبِئِ عَنْ عِزِّ الْآخِذِ، وَذُلِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ. وَتَعَقَّبَ ابْنُ الْمُنِيرِ هَذَا التَّعْلِيلَ بِأَنَّهَا مَذَلَّةٌ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ تَحْرِيمُ الْهِبَةِ لَهُمْ، وَلَا قَائِلَ بِهِ وَلِأَنَّ الْوَاهِبَ لَهُ أَيْضًا الْيَدُ الْعُلْيَا، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ: الْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُعْطِيَةُ، وَهِيَ الْمُتَصَدِّقَةُ فَيُدْخِلُ الْهِبَاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّهَا تُطَهِّرُ أَمْوَالَهُمْ، وَتُكَفِّرُ ذُنُوبَهُمْ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةُ الْفَرْضِ دُونَ التَّطَوُّعِ: " لِقَوْلِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَشْرَبُ مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ "، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ. قَالَ الْبَاجِيُّ: مَحَلُّ حُرْمَةِ الْفَرْضِ مَا لَمْ يَكُونُوا بِمَوْضِعٍ يُسْتَبَاحُ فِيهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ لَا بَأْسَ بِذِكْرِهَا، لِأَنَّهَا مِنْ مُسْنَدِ مَالِكٍ خَارِجِ الْمُوَطَّأِ، قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَا الضُّبَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرَةُ بْنُ أَسْمَا عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ قَالَ: " «اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَا: وَاللَّهِ لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ، قَالَ لِي، وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَّمَاهُ، وَأَمَّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَأَدَّيَا مَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَأَصَابَا مِمَّا يُصِيبُ النَّاسُ، قَالَ: فَبَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ، قَالَ عَلِيٌّ: لَا تَفْعَلَا فَوَاللَّهِ مَا هُوَ بِفَاعِلٍ، فَانْتَحَاهُ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا تَصْنَعُ هَذِهِ إِلَّا نَفَاسَةً مِنْكَ عَلَيْنَا، فَوَاللَّهِ لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا نَفِسْنَاهُ عَلَيْكَ، قَالَ: أَرْسِلُوهُمَا، وَاضْطَجَعَ عَلِيٌّ قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ سَبَقْنَاهُ إِلَى الْحُجْرَةِ، فَقُمْنَا عِنْدَهَا حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِآذَانِنَا، ثُمَّ قَالَ: اخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ، ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَ: فَتَوَاكَلْنَا الْكَلَامَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْتَ أَبِرُّ النَّاسِ، وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ، فَجِئْنَا لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فَنُؤَدِّيَ إِلَيْكَ كَمَا تُؤَدِّي النَّاسُ، وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ، قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا حَتَّى أَرَدْنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ، وَجَعَلَتْ زَيْنَبُ تُلْمِعُ إِلَيْنَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَنْ لَا تُكَلِّمَاهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ ادْعُو إِلَيَّ مَحْمِيَةَ، وَكَانَ عَلَى الْخُمُسِ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَجَاءَ فَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَأَنْكَحَهُ، وَقَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ: أَنْكِحُ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ لِي فَأَنْكَحَ لِي، وَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنَ الْخُمُسِ كَذَا وَكَذَا» "، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَمْ يُسَمِّهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: " «إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» "، قَالَ النَّسَائِيُّ: لَا أَعْلَمَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ جُوَيْرِيَةَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 680 رَوَاهُ الْحَافِظُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي زَنْبَرٍ - بِفَتْحِ الزَّايِ، وَالْمُوَحَّدَةِ، بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ - صَدُوقٌ لَهُ عَنْ مَالِكٍ مَنَاكِيرُ، لَكِنَّهُ هُنَا مُتَابِعٌ لِجُوَيْرِيَةَ، فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ جُوَيْرِيَةُ كَمَا ادَّعَاهُ النَّسَائِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 681 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ سَأَلَهُ إِبِلًا مِنْ الصَّدَقَةِ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ وَكَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ أَنْ تَحْمَرَّ عَيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُنِي مَا لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا لَهُ فَإِنْ مَنَعْتُهُ كَرِهْتُ الْمَنْعَ وَإِنْ أَعْطَيْتُهُ أَعْطَيْتُهُ مَا لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا لَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَسْأَلُكَ مِنْهَا شَيْئًا أَبَدًا»   1887 - 1840 - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ) أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْبَلْخِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ» ) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ -: بَطْنٌ مِنَ الْأَوْسِ (فِي الصَّدَقَةِ) ، أَيْ عَلَيْهَا، وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، ( «فَلَمَّا قَدِمَ سَأَلَهُ إِبِلًا مِنَ الصَّدَقَةِ» ) يُعْطِيهَا لَهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ زِيَادَةً: عَلَى أُجْرَةِ عَمَلِهِ ( «فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ» ) الْوَجِيهِ، ( «وَكَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ أَنْ تَحْمَرَّ عَيْنَاهُ» ) لِشِدَّةِ الْغَضَبِ وَكَانَ يَكْظِمُهُ (ثُمَّ قَالَ: إِنِ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُنِي) أَنْ أُعْطِيَهُ (مَا لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا لَهُ، فَإِنْ مَنَعْتُهُ كَرِهْتُ الْمَنْعَ) ; لِأَنَّهُ مَجْبُولٌ عَلَى الْجُودِ وَعَدَمِ الْمَنْعِ (وَإِنْ أَعْطَيْتُهُ أَعْطَيْتُهُ مَا لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا لَهُ) لِعَدَمِ حِلِّهِ. (فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَسْأَلُكَ مِنْهَا شَيْئًا أَبَدًا) وَفَّقَهُ اللَّهُ لِقَبُولِ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ بِبَرَكَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 681 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ ادْلُلْنِي عَلَى بَعِيرٍ مِنْ الْمَطَايَا أَسْتَحْمِلُ عَلَيْهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْتُ نَعَمْ جَمَلًا مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ أَتُحِبُّ أَنَّ رَجُلًا بَادِنًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ غَسَلَ لَكَ مَا تَحْتَ إِزَارِهِ وَرُفْغَيْهِ ثُمَّ أَعْطَاكَهُ فَشَرِبْتَهُ قَالَ فَغَضِبْتُ وَقُلْتُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَتَقُولُ لِي مِثْلَ هَذَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ إِنَّمَا الصَّدَقَةُ أَوْسَاخُ النَّاسِ يَغْسِلُونَهَا عَنْهُمْ   1888 - 1841 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ) بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ الْقُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ وَلَّاهُ عُمَرُ بَيْتَ الْمَالِ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ. (ادْلُلْنِي عَلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَطَايَا) جَمْعُ مَطِيَّةٍ، الْإِبِلُ الَّتِي تُرْكَبُ الحديث: 1888 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 681 (أَسَتَحْمِلُ عَلَيْهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ) عُمَرَ أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَحْمِلَنِي عَلَيْهِ، (فَقُلْتُ: نَعَمْ، جَمَلًا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ: أَتُحِبُّ أَنَّ رَجُلًا بَادِنًا) - بِنُونٍ - أَيْ سَمِينًا، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّحْتِيَّةِ، أَيْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ عَدَمُ النَّظَافَةِ (فِي يَوْمٍ حَارٍّ غَسَلَ لَكَ مَا تَحْتَ إِزَارِهِ وَرُفْغَيْهِ) - بِضَمِّ الرَّاءِ، وَإِسْكَانِ الْفَاءِ، وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ - تَثْنِيَةُ رُفْغٍ - بِضَمِّ الرَّاءِ - فِي لُغَةِ الْعَالِيَةِ، وَالْحِجَازِ، وَالْجَمْعُ أَرْفَاغٍ مِثْلُ قُفْلٍ وَأَقْفَالٍ، وَبِفَتْحِ الرَّاءِ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ، وَالْجَمْعُ رُفُوغٌ وَأَرْفُغٌ، كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَأَفْلُسٍ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ أَصْلُ الْفَخِذِ، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: أَصْلُ الْفَخِذِ وَسَائِرُ الْمَغَابِنِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ اجْتَمَعَ فِيهِ الْوَسَخُ، فَهُوَ رُفْغٌ. « (ثُمَّ أَعْطَاكَهُ فَشَرِبْتَهُ؟ قَالَ) أَسْلَمُ (فَغَضِبْتُ وَقُلْتُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَتَقُولُ لِي مِثْلَ هَذَا) » الْكَلَامِ الْفَظِيعِ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ أَوْسَاخُ النَّاسِ) ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يَغْسِلُونَهَا عَنْهُمْ) ، فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهَا لِغَيْرِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، وَقَدْ جَاءَ مَرْفُوعًا: " «إِنَّهَا دَاءٌ فِي الْبَطْنِ وَصُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ» "، وَكَانَ مُرَادُ ابْنِ الْأَرْقَمِ أَنَّ أَسْلَمَ يَدُلُّهُ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ غَيْرِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ يَطْلُبُهُ مَنْ عُمَرَ، فَلَمَّا دَلَّهُ عَلَى حِمْلِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ، ضَرَبَ لَهُ هَذَا الْمِثَالَ، لِيُنَبِّهَهُ عَلَى مَا غَفَلَ عَنْهُ، انْتَهَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 682 [كِتَابُ الْعِلْمِ] [بَابُ مَا جَاءَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ] بَابُ مَا جَاءَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ أَوْصَى ابْنَهُ فَقَالَ يَا بُنَيَّ جَالِسْ الْعُلَمَاءَ وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ فَإِنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْقُلُوبَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ كَمَا يُحْيِي اللَّهُ الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِوَابِلِ السَّمَاءِ   59 - كِتَابُ الْعِلْمِ 1 - بَابُ مَا جَاءَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ قَدْ جَاءَ فِي طَلَبِهِ، وَالْحَثِّ عَلَيْهِ، وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَرْفُوعَةٌ، وَفِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ لَمْ يَذْكُرِ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْهَا فَتَبِعْتُهُ، وَحَسْبُكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» ". 1842 - (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ) الْحَبَشِيَّ، أَوِ النَّوْبِيَّ الْعَبْدَ الصَّالِحَ كَانَ فِي عَصْرِ دَاوُدَ عَلَى الصَّحِيحِ مَرَّ بَعْضُ تَرْجَمَتِهِ قَرِيبًا، (أَوْصَى ابْنَهُ) ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: اسْمُهُ بَارٌ بِمُوَحَّدَةٍ، وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَقِيلَ فِيهِ بِالدَّالِ فِي أَوَّلِهِ، وَقِيلَ: اسْمُهُ أَنْعَمُ، وَقِيلَ: شَكُورٌ، وَقِيلَ: أَسْلَمُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَالَ: يَا بُنَيَّ جَالِسِ الْعُلَمَاءَ، وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ) عِبَارَةً عَنْ مَزِيدِ الْقُرْبِ مِنْهُمْ. (فَإِنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْقُلُوبَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ) ، هِيَ تَحْقِيقُ الْعِلْمِ وَإِتْقَانُ الْعَمَلِ، وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان: 12] (سورة لُقْمَانَ: الْآيَةُ 12) ، قَالَ: التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ صَفَا لَنَا مِنْهَا أَنَّهَا الْعِلْمُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ، مَعَ نَفَاذِ الْبَصِيرَةِ، وَتَهْذِيبِ النَّفْسِ، وَتَحْقِيقِ الْحَقِّ لِلْعَمَلِ، وَالْكَفِّ عَنْ ضِدِّهِ، وَالْحَكِيمُ مَا حَازَ ذَلِكَ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. (كَمَا يُحْيِي) - بِضَمِّ أَوَّلِهِ - (اللَّهُ) تَعَالَى (الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ) بِالنَّصْبِ، وَالتَّخْفِيفِ، وَيُثَقَّلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 683 (بِوَابِلِ السَّمَاءِ) ، بِالْمُوَحَّدَةِ أَيِ الْمَطَرِ الْخَفِيفِ، وَهَذَا الْبَلَاغُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ لُقْمَانَ قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ عَلَيْكَ بِمُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ، وَاسْمَعْ كَلَامَ الْحُكَمَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَيُحْيِي الْقَلْبَ الْمَيِّتَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ، كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِوَابِلِ الْمَطَرِ» "، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: سَنَدُهُ حَسَّنَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَعَلَّهُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَالْعَسْكَرِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَفَعَهُ: " «جَالِسُوا الْعُلَمَاءَ، وَسَائِلُوا الْكُبَرَاءَ، وَخَالِطُوا الْحُكَمَاءَ» "، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ نُجَالِسُ، أَوْ قَالَ: أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ؟ قَالَ: مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ، وَزَادَ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَذَكَّرَكُمُ الْآخِرَةَ عَمَلُهُ» "، وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: " قِيلَ لِعِيسَى: يَا رُوحَ اللَّهِ مَنْ نُجَالِسُ؟ فَقَالَ: مَنْ يَزِيدُ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَيُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ، وَيُرَغِّبُكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ "، رَوَاهُمَا الْعَسْكَرِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 684 [كِتَابُ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ] [بَابُ مَا يُتَّقَى مِنْ دَعْوَةِ لْمَظْلُومِ] بَابُ مَا يُتَّقَى مِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى فَقَالَ يَا هُنَيُّ اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنْ النَّاسِ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ وَإِيَّايَ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَوْفٍ فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى زَرْعٍ وَنَخْلٍ وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُ يَأْتِنِي بِبَنِيهِ فَيَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لَا أَبَا لَكَ فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَايْمُ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ إِنَّهَا لَبِلَادُهُمْ وَمِيَاهُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا   60 - كِتَابُ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ 1 - بَابُ مَا يُتَّقَى مِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ جَاءَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَرْفُوعَةٌ كَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاذٍ يَعْنِي لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: " إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ» " الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: " «وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» "، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَصَحَّحَهُ الضِّيَاءُ عَنِ ابْنِ ثَابِتٍ رَفَعَهُ: " «اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ يَقُولُ اللَّهُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْصُرُنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» "، وَلِلْحَاكِمِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ كَأَنَّهَا شَرَارَةٌ» "، وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى وَصَحَّحَهُ الضِّيَاءُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهُ حِجَابٌ» . 1890 - 1843 - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) فِي خِلَافَتِهِ (اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى) : يُسَمَّى (هُنَيًّا) ، بِضَمِّ الْهَاءِ، وَفَتْحِ النُّونِ، وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ، وَقَدْ تُهْمَزُ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ مَعَ إِدْرَاكِهِ، وَوَجَدْتُ لَهُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، رَوَى عَنْهُ ابْنَهُ عُمَيْرٌ، وَشَيْخٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَغَيْرُهُمَا، وَشَهِدَ صِفَّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ تَحَمَّلَ إِلَى عَلِيٍّ لَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ، وَفِي كِتَابِ مَكَّةَ لِعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ أَنَّ آلَ هُنَيٍّ يُنْسَبُونَ فِي هَمْدَانَ، وَهُمْ مَوَالِي آلِ عُمَرَ، وَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْفُضَلَاءِ النُّبَلَاءِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ، لِمَا اسْتَعْمَلَهُ عُمَرَ (عَلَى الْحِمَى) - بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الْمِيمِ - مَقْصُورٌ مَوْضِعٌ يُعَيِّنُهُ الْإِمَامُ لِنَحْوِ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، مَمْنُوعًا مِنَ الْغَيْرِ، وَلِابْنِ سَعْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ هُنَيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى حِمَى الرَّبْذَةِ، (فَقَالَ) عُمَرُ (لَهُ: يَا هُنَيُّ اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ النَّاسِ) ، أَيِ اكْفُفْ يَدَكَ عَنْ ظُلْمِهِمْ. وَلِلْأُوَيْسِيِّ عَنْ مَالِكٍ فِي غَرَائِبِ الدَّارَقُطْنِيِّ: اضْمُمْ جَنَاحَكَ لِلنَّاسِ، وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَاهُ اسْتُرْهُمْ بِجَنَاحِكَ، وَهُوَ كِنَايَةٌ الحديث: 1890 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 685 عَنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ. (وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ) ، أَيِ اجْتَنِبِ الظُّلْمَ لِئَلَّا يَدْعُوَ عَلَيْكَ مَنْ تَظْلِمُهُ، وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِتَجَنُّبِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ عَلَى أَبْلَغِ دَرَجَةٍ، وَأَوْجَزِ إِشَارَةٍ، وَأَفْصَحِ عِبَارَةٍ كَأَنَّهُ إِذَا اتَّقَى دُعَاءَ الْمَظْلُومِ، لَمْ يَظْلِمْ، فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ لَوْ قَالَ: لَا تَظْلِمْ، ( «فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ» ) ، أَيْ مَقْبُولَةٌ، وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا: " «دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا، فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ» "، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، «وَإِنْ كَانَ كَافِرًا» ، كَمَا مَرَّ فِي خَبَرِ أَنَسٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر: 50] (سورة غَافِرٍ: الْآيَةُ 50) فَذَاكَ فِي دُعَائِهِمْ لِلنَّجَاةِ مِنْ نَارِ الْآخِرَةِ، أَمَّا دُعَاؤُهُمْ لِطَلَبِ الِانْتِصَافِ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ فَلَا تُنَافِيهِ الْآيَةُ. (وَأَدْخِلْ) ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، حُذِفَ مُتَعَلِّقُهُ، أَيْ فِي الرَّعْيِ، (رَبَّ) ، أَيْ صَاحِبَ (الصُّرَيْمَةِ) ، بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ، الْقِطْعَةُ الْقَلِيلَةُ مِنَ الْإِبِلِ نَحْوُ الثَّلَاثِينَ، وَقِيلَ: مِنْ عِشْرِينَ إِلَى أَرْبَعِينَ. (وَالْغُنَيْمَةِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ النُّونِ تَصْغِيرُ غَنَمٍ، قِيلَ: إِنَّهَا أَرْبَعُونَ، وَالْمُرَادُ الْقَلِيلُ مِنْهَا، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّصْغِيرُ، (وَإِيَّايَ وَنَعَمَ) عُثْمَانَ (بْنِ عَفَّانَ وَ) نَعَمَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (بْنِ عَوْفٍ) ، وَفِيهِ تَحْذِيرُ الْمُتَكَلِّمِ نَفْسَهُ، وَهُوَ شَاذٌّ عِنْدَ النُّحَاةِ كَذَا قِيلَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الشُّذُوذَ فِي لَفْظِهِ، وَإِلَّا فَالْمُرَادُ فِي التَّحْقِيقِ، إِنَّمَا هُوَ تَحْذِيرُ الْمُخَاطَبِ، وَكَأَنَّهُ بِتَحْذِيرِ نَفْسِهِ حَذَّرَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَيَكُونُ أَبْلَغَ، وَنَحْوُهُ نَهْيُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ، وَمُرَادُهُ نَهْيُ مَنْ يُخَاطِبُهُ قَالَهُ الْحَافِظُ، قَالَ: وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ عَلَى طَرِيقِ الْمِثَالِ لِكَثْرَةِ نَعَمِهِمَا، لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ مَيَاسِيرِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُرِدْ مَنْعَهُمَا الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْمَحْ لِرَعْيِ نَعَمِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فَنَعَمُ الْمُقِلِّينَ أَوْلَى، فَنَهَى عَنْ إِيثَارِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا، أَوْ تَقْدِيمِهِمَا قَبْلَ غَيْرِهِمَا، وَبَيَّنَ حِكْمَةَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ) - بِكَسْرِ اللَّامِ - (مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ) إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمَا مِنْ (زَرْعٍ وَنَخْلٍ) ، وَغَيْرِهِمَا، (وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُ يَأْتِنِي) مَجْزُومٌ بِحَذْفِ الْيَاءِ (بِبَنِيهِ) بِنُونٍ فَتَحْتِيَّةٍ، جَمْعُ ابْنٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِتَحْتِيَّةٍ فَفَوْقِيَّةٍ مُفْرَدُ بُيُوتٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ (فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ) مَرَّتَيْنِ، وَحُذِفَ الْمَقُولُ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي لَفْظٍ، أَيْ أَنَا فَقِيرٌ أَنَا أَحَقُّ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. (أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا) ، اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ مَعْنَاهُ: لَا أَتْرُكُهُمْ مُحْتَاجِينَ، وَلَا أُجَوِّزُ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ لِي مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَهُمْ بَدَلَ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، (لَا أَبَا لَكَ) ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالْمُوَحَّدَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 686 بِلَا تَنْوِينٍ ; لِأَنَّهُ صَارَ شَبِيهًا بِالْمُضَافِ، وَأَصْلُهُ لَا أَبَ لَكَ، وَظَاهِرُهُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ عَلَى مَجَازِهِ لَا حَقِيقَتِهِ. (فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَيْسَرُ) أَهْوَنُ (عَلَيَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ) الْفِضَّةِ، أَيْ مِنْ إِنْفَاقِهِمَا لَهُمْ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُعَارِضُهُ عَارِضٌ فِي مُهِمٍّ آخَرَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ عُمَرُ مِنَ التُّقَى، وَأَنَّهُ لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُدَاهِنْ عُثْمَانَ، وَلَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَلَا آثَرَ الضُّعَفَاءَ وَالْمَسَاكِينِ، وَبَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ، وَامْتَثَلَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» "، يَعْنِي إِبِلَ الصَّدَقَةِ. (وَايْمُ اللَّهِ إِنَّهُمْ) ، أَيْ أَرْبَابَ الْمَوَاشِي الْقَلِيلَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَرَأَهَا (لَيُرَوْنَ) ، بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ، أَيْ يَظُنُّونَ، وَبِفَتْحِهَا، أَيْ يَعْتَقِدُونَ (أَنْ قَدْ ظَلَمْتُهُمْ) قَالَ ابْنُ التِّينِ: يُرِيدُ أَرْبَابَ الْمَوَاشِي الْكَثِيرَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يُرِيدُ أَرْبَابَ الْمَوَاشِي الْقَلِيلَةِ لِأَنَّهُمُ الْمُعْظَمُ وَالْأَكْثَرُ، وَهُمْ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ مِنْ بَوَادِي الْمَدِينَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ عُمَرَ: (إِنَّهَا لَبِلَادُهُمْ وَمِيَاهُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ) ، فَكَانَتْ لَهُمْ، وَإِنَّمَا سَاغَ لِعُمَرَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ كَانَ مَوَاتًا، فَحَمَاهُ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ، وَلِمَصْلَحَةِ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بِلَادُنَا قَاتَلْنَا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمْنَا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، بِمَ تُحْمَى عَلَيْنَا؟ فَجَعَلَ عُمَرُ يَنْفُخُ وَيَفْتِلُ شَارِبَهُ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ: فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلُ ذَلِكَ. . . إِلَخْ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ: الْمَالُ مَالُ اللَّهِ، وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: لَمْ يَدْخُلِ ابْنُ عَفَّانَ، وَلَا ابْنُ عَوْفٍ فِي قَوْلِهِ: قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَالْكَلَامُ عَائِدٌ عَلَى عُمُومِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا عَلَيْهِمَا. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: إِنَّمَا قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَسْلَمُوا عَفْوًا، فَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ لَهُمْ، وَلِذَا سَاوَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي النَّجَّارِ بِمَكَانِ مَسْجِدِهِ، قَالَ: فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِأَرْضِهِ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْعَنْوَةِ، فَأَرْضُهُ لِلْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ غُلِبُوا عَلَى بِلَادِهِمْ، كَمَا غُلِبُوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ، بِخِلَافِ أَهْلِ الصُّلْحِ فِي ذَلِكَ. وَفِي نَقْلِ الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ: إِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَقَامَ بِهَا حَتَّى غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ، إِلَّا أَرْضَهُ وَعَقَارَهُ فَفَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَخَالَفَهُمْ أَبُو يُوسُفَ، فَوَافَقَ الْجُمْهُورَ، وَالْمُهَلَّبُ وَمَنْ بَعْدَهُ حَمَلُوا الْأَرْضَ عَلَى أَرْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا، وَهِيَ فِي مِلْكِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ هُنَا، وَإِنْ حَمَى عُمَرُ بَعْضَ الْمَوَاتِ مِمَّا فِيهِ نَبَاتٌ مِنْ غَيْرِ مُعَالِجَةِ أَحَدٍ، وَخَصَّ إِبِلَ الصَّدَقَةِ، وَخُيُولَ الْمُجَاهِدِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 687 وَأَذِنَ لِمَنْ كَانَ مُقِلًّا أَنْ يَرْعَى فِيهِ مَوَاشِيَهُ رِفْقًا بِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْمُخَالِفِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: يُرَوْنَ أَنْ قَدْ ظَلَمْتُهُمْ فَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَوْلَى بِهَا، لَا أَنَّهُمْ مُنِعُوا حَقَّهَمُ الْوَاجِبَ لَهُمْ، انْتَهَى. (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ) أَيِ الْإِبِلُ وَالْخَيْلُ الَّتِي كَانَ يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَنْ لَا يَجِدُ مَا يَرْكَبُ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْجِهَادِ (مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا) ، وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ عِدَّةَ مَا كَانَ فِي الْحِمَى فِي عَهْدِ عُمَرَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ إِبِلٍ وَخَيْلٍ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي الْحَدِيثِ: مَا كَانَ عَلَيْهِ عُمَرُ مِنَ الْقُوَّةِ، وَجَوْدَةِ النَّظَرِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَوَقَعَ فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي الْمُوَطَّأِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَإِنَّ هَذَا لِشَيْءٌ عُجَابٌ نَفَى كَوْنَهُ فِي الْمُوَطَّأِ، لَكِنَّ الْجَوَادَ قَدْ يَكْبُو، وَالْكَمَالُ لِلَّهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 688 [كِتَابُ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [بَابُ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بَابُ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ»   كِتَابُ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَابُ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي لَمْ يَتَّسِمْ بِهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ، جَمْعُ اسْمٍ، وَهُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ عَلَى الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ لِلتَّمْيِيزِ، كَمَا فِي الْقَامُوسِ، قَالَ ابْنُ الْقِيَمِ: وَأَسْمَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَامٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ هِيَ أَوْصَافُ مَدْحٍ، فَلَا يُضَادُّ فِيهَا الْعَلَمِيَّةُ الْوَصْفِيَّةَ، فَمُحَمَّدٌ عَلَمٌ وَصِفَةٌ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَمًا مَحْضًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، انْتَهَى، وَحَكَى الْغَزَالِيُّ الِاتِّفَاقَ، وَأَقَرَّهُ غَيْرُهُ عَلَى مَنْعِ تَسْمِيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاسْمٍ لَمْ يُسَمِّهِ بِهِ أَبُوهُ، وَلَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ يَعْنِي وَلَوْ دَلَّ عَلَى صِفَةِ كَمَالٍ، وَلَا يَرِدُ عَلَى الِاتِّفَاقِ وُجُودُ الْخِلَافِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِأَنَّ صِفَاتِ الْكَمَالِ ثَابِتَةٌ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ صِفَاتُ الْكَمَالِ اللَّائِقَةُ بِهِ بِالْبَشَرِ، فَلَوْ جَازَتْ تَسْمِيَتُهُ بِمَا لَمْ يُرِدْهُ لَرُبَّمَا وُصِفَ بِأَوْصَافٍ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ - تَعَالَى - دُونَهُ عَلَى سَبِيلِ الْغَفْلَةِ، فَيَقَعُ الْوَاصِفُ فِي مَحْظُورٍ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ هَذَا، وَلَعَلَّ الْإِمَامَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَتَمَ الْكِتَابَ بِالْأَسْمَاءِ النَّبَوِيَّةِ بَعْدَ مَا ابْتَدَأَهُ بِالْبَسْمَلَةِ مَحْفُوظًا بِأَسْمَائِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَأَسْمَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَاءَ قَبُولِهِ. 1891 - 1844 - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ الْقُرَشِيِّ الزُّهْرِيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) الْقُرَشِيِّ النَّوْفَلِيِّ الثِّقَةِ، الْعَالِمِ بِالْأَنْسَابِ مَاتَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا أَرْسَلَهُ يَحْيَى، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ، وَأَسْنَدَهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ الصُّورِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ شَرُوسٍ الصَّنْعَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، وَآخَرُونَ، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرٍ، بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرٌ ابْنِ مُطْعَمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الصَّحَابِيِّ الْعَالِمِ بِالْأَنْسَابِ، أَسْلَمَ بَيْنَ الحديث: 1891 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 689 الْحُدَيْبِيَةِ، وَفَتْحِ مَكَّةَ، وَقِيلَ أَسْلَمَ فِي الْفَتْحِ، وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَرِوَايَةُ الْإِرْسَالِ لَا تَضُرُّ فِي رِوَايَةِ الْوَصْلِ ; لِأَنَّ الْكُلَّ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مَالِكًا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ مَعْلُومُ الِاتِّصَالِ عِنْدَ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ وَشُعَيْبٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَمَعْمَرٍ وَعَقِيلٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ خَمْسَتُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، مَوْصُولًا. وَرَوَاهُ عَنْ جُبَيْرٍ وَلَدُهُ الْآخَرُ نَافِعٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ فِي التَّارِيخِ، وَابْنِ سَعْدٍ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِي: خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ» ) يَعْنِي اخْتَصَّ بِهَا لَمْ يَتَّسِمْ بِهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ، أَوْ مُعَظَّمَةٍ أَوْ مَشْهُورَةٍ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ، وَحَكَاهُ عَنِ الْعُلَمَاءِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَسْمَاءَهُ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ، وَيُدْفَعُ بِقَوْلِهِ مَشْهُورَةٍ ; لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ مِنْهَا خَمْسَةٌ فَقَطْ، مَا يُقَالُ الْمُقَرَّرُ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْجَارِّ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ: لِلَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَلْفُ اسْمٍ، وَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْفُ اسْمٍ بَعْضُهَا فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، وَبَعْضُهَا فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ، فَمَجِيءُ الرِّوَايَاتِ بِأَكْثَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ حَصْرًا مُطْلَقًا، بَلْ حَصْرَ تَقْيِيدٍ بِمَا ذُكِرَ، وَأَجَابَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْعَزَفِيُّ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ، وَبِالْفَاءِ بِأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُطْلِعَهُ اللَّهُ عَلَى بَقِيَّةِ أَسْمَائِهِ. وَقَالَ الْعَسْكَرِيُّ: خُصَّتْ لِعِلْمِ السَّامِعِ بِمَا سِوَاهَا، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ لَفْظُ " خَمْسَةُ " لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا مَالِكٌ، بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، فَهِيَ زِيَادَةُ ثِقَةٍ حَافِظٍ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ فَيَجِبُ قَبُولُهَا، وَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ هِيَ سِتَّةٌ، فَزَادَ الْخَاتَمَ، فَوَهْمٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ تَفْسِيرُ الْعَاقِبِ، كَمَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، لَا اسْمًا بِرَأْسِهِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ، وَيَأْتِي بَسْطُهُ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَسَاكِرَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْعَدَدَ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الرَّاوِي بِالْمَعْنَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ لَفْظِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ يَعْنِي الْمُطْلَقَ، فَتَعَقَّبَ ابْنُ دِحْيَةَ وَالْحَافِظُ احْتِمَالَهُ الْأَوَّلَ بِأَنَّ تَصْرِيحَهُ فِي الْحَدِيثِ بِهَا بِقَوْلِهِ: لِي، وَنَصُّهُ عَلَى عِدَّتِهَا قَبْلَ ذِكْرِهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ مِنْ لَفْظِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ لِي خَمْسَةٌ أَخْتَصُّ بِهَا لَمْ يَتَّسِمْ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي، أَوْ مُعَظَّمَةٌ، أَوْ مَشْهُورَةٌ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْحَصْرَ فِيهَا، يَعْنِي كَمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ كَمَا مَرَّ. (أَنَا مُحَمَّدٌ) ، مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةِ الْحَمْدِ، وَهُوَ مَحْمُودٌ وَفِيهِ الْمُبَالَغَةُ ; لِأَنَّ الْمُحَمَّدَ لُغَةً هُوَ الَّذِي حُمِدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ كَالْمَدْحِ أَوِ الَّذِي تَكَامَلَتْ فِيهِ الْخِصَالُ الْمَحْمُودَةُ، قَالَ الْأَعْشَى: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 690 إِلَيْكَ - أَبَيْتَ اللَّعْنَ - كَانَ وَجِيفُهَا إِلَى ... الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الصَّغِيرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ أَبُو طَالِبٍ يَقُولُ: وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذا مُحَمَّدُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لِحَسَّانَ، فَإِمَّا أَنَّهُ تَوَارَدَ مَعَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ، أَوْ ضَمَّنَهُ شِعْرَهُ، سُمِّيَ بِهِ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - «لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرُؤْيَا رَآهَا أَنَّ سِلْسِلَةَ فِضَّةٍ خَرَجَتْ مِنْ ظَهْرِهِ، لَهَا طَرَفٌ فِي السَّمَاءِ، وَطَرَفٌ فِي الْأَرْضِ، وَطَرَفٌ فِي الْمَشْرِقِ، وَطَرَفٌ فِي الْمَغْرِبِ، ثُمَّ عَادَتْ كَأَنَّهَا شَجَرَةٌ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْهَا نُورٌ، قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ نُورًا أَزْهَرَ مِنْهَا أَعْظَمَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، وَهِيَ تَزْدَادُ كُلَّ سَاعَةٍ عِظَمًا وَنُورًا وَارْتِفَاعًا، وَرَأَيْتُ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ لَهَا سَاجِدِينَ، وَنَاسًا مِنْ قُرَيْشٍ تَعَلَّقُوا بِهَا، وَقَوْمًا مِنْهُمْ يُرِيدُونَ قَطْعَهَا، فَإِذَا دَنَوْا مِنْهَا أَخَذَهُمْ شَابٌّ لَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْهُ وَجْهًا، وَلَا أَطْيَبَ رِيحًا، فَيَكْسِرُ أَظْهُرَهُمْ، وَيَقْلَعُ أَعْيُنَهُمْ، فَرَفَعْتُ يَدَيَّ لِأَتَنَاوَلَ مِنْهَا، فَلَمْ أَنَلْ، وَقِيلَ لِي: النَّصِيبُ لِلَّذِينَ تَعَلَّقُوا بِهَا، فَقَصَصْتُهَا عَلَى كَاهِنَةِ قُرَيْشٍ، فَعَبَّرَتْ بِمَوْلُودٍ مِنْ صُلْبِهِ يَتْبَعُهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَيَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» ، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ «مَعَ مَا حَدَّثَتْهُ بِهِ أُمُّهُ آمِنَةُ حِينَ قِيلَ لَهَا: إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِذَا وَضَعَتَيْهِ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا» . وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «لَمَّا وُلِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا الْحَارِثِ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ سَمَّيْتَهُ مُحَمَّدًا، وَلَمْ تُسَمِّهِ بِاسْمِ آبَائِهِ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَحْمَدَهُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ، وَيَحْمَدَهُ النَّاسُ فِي الْأَرْضِ» "، (وَأَنَا أَحْمَدُ) عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ الْمُنْبِئَةِ عَنِ الِانْتِهَاءِ إِلَى غَايَةٍ لَيْسَ وَرَاءَهَا مُنْتَهًى، وَمَعْنَاهُ أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ يُفْتَحُ عَلَيْهِ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ بِمَحَامِدَ لَمْ يُفْتَحْ بِهَا عَلَى أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَقِيلَ: الْأَنْبِيَاءُ حَامِدُونَ، وَهُوَ أَحْمَدُهُمْ، أَيْ أَكْثَرُهُمْ حَمْدًا، وَأَعْظَمُهُمْ فِي صِفَةِ الْحَمْدِ، فَهُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَقِيلَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ أَنْ يُحْمَدَ، فَيَكُونُ كَمُحَمَّدٍ فِي الْمَعْنَى، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا: أَنَّ مُحَمَّدًا هُوَ الْكَثِيرُ الْخِصَالِ الَّتِي يُحْمَدُ عَلَيْهَا، وَأَحْمَدُ هُوَ الَّذِي يُحْمَدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُحْمَدُ غَيْرُهُ، فَمُحَمَّدٌ فِي الْكَثْرَةِ وَالْكَمِّيَّةِ، وَأَحْمَدُ فِي الصِّفَةِ وَالْكَيْفِيَّةِ، فَيَسْتَحِقُّ مِنَ الْحَمْدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ، أَيْ أَفْضَلَ حَمْدٍ حَمِدَهُ الْبَشَرُ، فَالِاسْمَانِ وَاقِعَانِ عَلَى الْمَفْعُولِ. قَالَ عِيَاضٌ: كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْمَدَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدًا، كَمَا وَقَعَ فِي الْوُجُودِ ; لِأَنَّ تَسْمِيَةَ أَحْمَدَ وَقَعَتْ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ، وَتَسْمِيَتُهُ مُحَمَّدًا وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَمِدَ رَبَّهُ قَبْلَ أَنْ يَحْمَدَ النَّاسُ، وَكَذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ يَحْمَدُ رَبَّهُ فَيُشَفِّعُهُ فَيَحْمَدُهُ النَّاسُ، وَقَدْ خُصَّ بِصُورَةِ الْحَمْدِ وَبِلِوَاءِ الْحَمْدِ، وَبِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَشُرِعَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 691 الْحَمْدُ بَعْدَ الْأَكْلِ، وَبَعْدَ الشُّرْبِ، وَبَعْدَ الدُّعَاءِ، وَبَعْدَ الْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ، وَسُمِّيَتْ أُمَّتُهُ الْحَامِدِينَ فَجُمِعَتْ لَهُ مَعَانِي الْحَمْدِ وَأَنْوَاعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ السُّهَيْلِيِّ: لَمْ يَكُنْ مُحَمَّدًا حَتَّى كَانَ أَحْمَدَ ; لِأَنَّهُ حَمِدَ رَبَّهُ فَنَبَّأَهُ وَشَرَّفَهُ فَلِذَا يُقَدَّمُ أَحْمَدُ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَكَّلَاهُمَا صَرِيحٌ فِي سَبْقِيَّةِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَزَعَمَ ابْنُ الْقَيِّمِ سَبْقِيَّةَ مُحَمَّدٍ، وَنَسَبَ الْقَائِلَ بِسَبْقِيَّةِ أَحْمَدَ إِلَى الْغَلَطِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ فِي التَّوْرَاةِ تَسْمِيَتُهُ ماذمان، وَصَرَّحَ بَعْضُ شُرَّاحِهَا مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ مُحَمَّدٌ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ عِيسَى أَحْمَدَ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِهِ وَقَعَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِمُحَمَّدٍ فِي التَّوْرَاةِ، وَمُتَقَدِّمَةً عَلَى تَسْمِيَتِهِ فِي الْقُرْآنِ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ التَّسْمِيَتَيْنِ مَحْفُوفَةً بِهِمَا، وَأَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ: «إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - سَمَّاهُ مُحَمَّدًا قَبْلَ الْخَلْقِ بِأَلْفِ عَامٍ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ» . وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ: " «أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ» "، الْحَدِيثَ. ( «وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِهِ» ) ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ، وَمَعْنٍ وَغَيْرِهِمَا بِيَ (الْكُفْرَ) يُزِيلُهُ ; لِأَنَّهُ بُعِثَ وَالدُّنْيَا مُظْلِمَةٌ بِغَيَاهِبِ الْكُفْرِ، فَأَتَى بِالنُّورِ السَّاطِعِ حَتَّى مَحَاهُ، قَالَ عِيَاضٌ: أَيْ مِنْ مَكَّةَ، وَبِلَادِ الْعَرَبِ، وَمَا زُوِيَ لَهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَوُعِدَ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ مُلْكُ أُمَّتِهِ، قَالَ: أَوْ يَكُونُ الْمَحْوُ عَامًّا بِمَعْنَى الظُّهُورِ وَالْغَلَبَةِ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: اسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ مَا يُمْحَى مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى الْأَغْلَبِ، أَوْ عَلَى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، أَوْ أَنَّهُ يُمْحَى بِسَبَبِهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ فِي زَمَنِ عِيسَى، فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْجِزْيَةَ، وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، وَيُجَابُ بِجَوَازِ أَنْ يَرْتَدَّ بَعْضُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ عِيسَى، وَتُرْسَلُ الرِّيَاحُ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى إِلَّا الشِّرَارُ. وَفِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ: " وَأَنَا الْمَاحِي "، فَإِنَّ اللَّهَ يَمْحِي بِهِ سَيِّئَاتِ مَنِ اتَّبَعَهُ، وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي، انْتَهَى، أَيْ بِمَغْفِرَتِهَا لَهُ بِلَا سَبَبٍ، أَوْ بِإِلْهَامِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ لِمَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ، وَقَبُولِهَا: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25] (سورة الشُّورَى: الْآيَةُ 25) ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا تَفْسِيرَهُ بِمَحْوِ الْكُفْرِ ; لِأَنَّ مَحْوَ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ مَحْوَ الْآخَرِ، فَلَيْسَ تَفْسِيرًا لِلْمَاحِي بِخِلَافِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ الشَّارِعُ ; لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ، وَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّ الْكُفْرَ لِظُهُورِ مَحْوِهِ بِرِسَالَتِهِ. (وَأَنَا الْحَاشِرُ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْحَشْرِ، وَهُوَ الْجَمْعُ ( «الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي» ) ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَخِفَّةِ الْيَاءِ بِالْإِفْرَادِ، وَبِشَدِّ الْيَاءِ مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ مُثَنًّى رِوَايَتَانِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ قُدَّامِي، وَأَمَامِي أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، وَيَنْضَمُّونَ حَوْلَهُ، وَيَكُونُونَ أَمَامَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَرَاءَهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: حَشَرْتُ النَّاسَ إِذَا ضَمَمْتَهُمْ مِنَ الْبَوَادِي. وَقَالَ الْبَاجِيُّ وَعِيَاضٌ: اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى عَلَى قَدَمِي، فَقِيلَ: عَلَى زَمَانِي وَعَهْدِي، أَيْ لَيْسَ بَعْدِي نَبِيٌّ، وَقِيلَ: لِمُشَاهَدَتِي كَمَا قَالَ: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 692 (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 143) ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ عَلَى أَثَرِي، أَيْ أَنَّهُ يَقْدُمُهُمْ، وَهُمْ خَلْفَهُ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ فَيَتْبَعُونَهُ، قَالَ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى رِوَايَةُ: عَلَى عَقِبِي، وَقِيلَ: عَلَى أَثَرِي، بِمَعْنَى أَنَّ السَّاعَةَ عَلَى أَثَرِهِ أَيْ قَرِيبَةً مِنْ مَبْعَثِهِ كَمَا قَالَ: " «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» "، وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: أَيْ عَلَى أَثَرِي، أَيْ أَنَّهُ يُحْشَرُ قَبْلَ النَّاسِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: " «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي» "، بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مُخَفَّفًا عَلَى الْإِفْرَادِ، وَلِبَعْضِهِمْ بِالتَّشْدِيدِ، وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى التَّثْنِيَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَدَمِ: الزَّمَانُ، أَيْ وَقْتَ قِيَامِي عَلَى قَدَمِي بِظُهُورِ عَلَامَاتِ الْحَشْرِ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ، وَلَا شَرِيعَةٌ، وَاسْتُشْكِلَ هَذَا التَّفْسِيرُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحْشُورٌ، فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِهِ حَاشِرٌ اسْمُ فَاعِلٍ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ إِسْنَادَ الْفِعْلِ إِلَى الْفَاعِلِ إِضَافَةٌ، وَالْإِضَافَةُ تَصِحُّ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، فَلَمَّا كَانَ لَا أُمَّةَ بَعْدَ أُمَّتِهِ ; لِأَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، نُسِبَ الْحَشْرُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَقَعُ عَقِبَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ يُحْشَرُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» " وَقِيلَ مَعْنَى الْقَدَمِ: السَّبَبُ، وَقِيلَ الْمُرَادُ: عَلَى مُشَاهَدَتِي قَائِمًا لِلَّهِ شَاهِدًا عَلَى الْأُمَمِ. وَفِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ: " «وَأَنَا حَاشِرٌ بُعِثْتُ مَعَ السَّاعَةِ» "، وَهُوَ يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ. (وَأَنَا الْعَاقِبُ) ، أَيْ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كُلُّ شَيْءٍ خَلَفَ بَعْدَ شَيْءٍ فَهُوَ عَاقِبٌ، وَلِذَا قِيلَ لِوَلَدِ الرَّجُلِ بَعْدَهُ: هُوَ عَقِبُهُ، وَكَذَا آخِرُ كُلِّ شَيْءٍ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: أَيْ مَعْنَى الْعَاقِبِ خَتَمَ اللَّهُ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ، وَخَتَمَ بِمَسْجِدِهِ هَذَا الْمَسَاجِدَ، يَعْنِي مَسَاجِدَ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ زَادَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ سَمَّاهُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى آخِرِ مَا فِي سُورَةِ " بَرَاءَةٌ ". وَأَمَّا قَوْلُهُ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ، فَظَاهِرُهُ الْإِدْرَاجُ أَيْضًا، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ: «الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ» . وَفِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ: فَإِنَّهُ عَقِبَ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلرَّفْعِ وَالْوَقْفِ، انْتَهَى. وَجَزَمَ السُّيُوطِيُّ بِأَنَّهُ مُدْرَجٌ مِنْ تَفْسِيرِ الزُّهْرِيِّ لِرِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَى قَوْلِهِ: وَأَنَا الْعَاقِبُ، قَالَ مَعْمَرٌ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: «مَا الْعَاقِبُ؟ قَالَ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ» . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ سُفْيَانُ: الْعَاقِبُ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، انْتَهَى. وَلَا يُنَافِيهِ رِوَايَةُ: بَعْدِي بِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، لِأَنَّهَا قَدْ تَرِدُ عَلَى لِسَانِ الرَّاوِي حِكَايَةً عَنْ لِسَانِ مَنْ فَسَّرَ كَلَامَهُ إِذَا قَوِيَ تَفْسِيرُهُ عِنْدَهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ نَطَقَ بِهِ. وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ، وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَابْنِ سَعْدٍ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَقَالَ لَهُ: أَتُحْصِي أَسْمَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي كَانَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ يَعُدُّهَا؟ قَالَ نَعَمْ هِيَ سِتَّةٌ: مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَخَاتَمٌ وَحَاشِرٌ وَعَاقِبٌ وَمَاحٍ. قَالَ الْحَافِظُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 693 لَكِنْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ، وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ: وَأَنَا الْعَاقِبُ، قَالَ: يَعْنِي الْخَاتَمَ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ: زِيَادَةُ الْخَاتَمِ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ تَفْسِيرًا لِلْعَاقِبِ لَا اسْمًا بِرَأْسِهِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ: «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ» ، وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ، فَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، بَلْ فِي وُرُودِهِ فِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ، وَفِي مُسْلِمٍ، وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: «سَمَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْمَاءً، مِنْهَا مَا حَفِظْنَا، وَمِنْهَا مَا لَمْ نَحْفَظْ، فَقَالَ: أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَالْمُقْتَفِي وَالْحَاشِرُ (وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ) وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ» . وَلِابْنِ عَدِيٍّ عَنْ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ لِي عِنْدَ رَبِّي عَشَرَةَ أَسْمَاءٍ، فَذَكَرَ الْخَمْسَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَنَا رَسُولُ الرَّحْمَةِ وَرَسُولُ التَّوْبَةِ وَرَسُولُ الْمَلَاحِمِ، وَأَنَا الْمُقْتَفِي، قَفَّيْتُ النَّبِيِّينَ عَامَّةً، وَأَنَا قَيِّمٌ» "، وَالْقَيِّمُ الْكَامِلُ الْجَامِعُ. وَلِأَبِي نُعَيْمٍ، وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ مَرْفُوعًا: " «لِي عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ عِنْدَ رَبِّي أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَالْفَاتِحُ وَالْخَاتَمُ وَأَبُو الْقَاسِمِ وَالْحَاشِرُ وَالْعَاقِبُ وَالْمَاحِي وَيَس وَطه» ". قَالَ الْحَافِظُ: وَمِنْ أَسْمَائِهِ فِي الْقُرْآنِ بِاتِّفَاقٍ: الشَّاهِدُ الْمُبَشِّرُ النَّذِيرُ الْمُبِينُ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ السِّرَاجُ الْمُنِيرُ وَالْمُذَكِّرُ وَالرَّحْمَةُ وَالنِّعْمَةُ وَالْهَادِي وَالشَّهِيدُ وَالْأَمِينُ وَالْمُزَّمِّلُ وَالْمُدَّثِّرُ. وَفِي حَدِيثِ عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي: الْمُتَوَكِّلُ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْمَشْهُورَةِ: الْمُخْتَارُ وَالْمُصْطَفَى وَالشَّفِيعُ وَالصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ بَلَّغَهَا ابْنُ دِحْيَةَ ثَلَاثَمِائَةِ اسْمٍ، وَغَالِبُهَا صِفَاتٌ وُصِفَ بِهَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ هُنَا سَوَاءٌ يَعْنِي لِأَنَّ كَثِيرًا مَا يُطْلَقُ الِاسْمُ عَلَى الصِّفَاتِ لِلتَّقْلِيبِ، أَوْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تَعْرِيفِ الذَّاتِ وَتَمْيِيزِهَا عَنْ غَيْرِهَا، وَقَدْ أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ خَمْسَمِائَةٍ قَالَ: مَعَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا نَظَرًا، قَالَ عِيَاضٌ: حَمَى اللَّهُ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الْخَمْسَةَ، أَيِ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنْ يَتَسَمَّى بِهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا سَمَّى بَعْضُ الْعَرَبِ مُحَمَّدًا قُرْبَ مِيلَادِهِ لَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْكُهَّانِ وَالْأَحْبَارِ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يُسَمَّى مُحَمَّدًا، رَجَوْا أَنْ يَكُونَ هُوَ، فَسَمَّوْا أَبْنَاءَهُمْ بِذَلِكَ، قَالَ: ثُمَّ حَمَى اللَّهُ كُلَّ مَنْ تَسَمَّى بِهِ أَنْ يَدَّعِيَ النُّبُوَّةَ أَوْ يَدَّعِيَهَا لَهُ أَحَدٌ، وَيَظْهَرَ عَلَيْهِ سَبَبٌ يُشَكِّكُ أَحَدًا فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَحَقَّقَتِ السِّمَتَانِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَهُمْ سِتَّةٌ لَا سَابِعَ لَهُمْ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: تَبَعًا لِابْنِ خَالَوَيْهِ ثَلَاثَةٌ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ جَمَعْتُهُمْ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ، فَبَلَغُوا نَحْوَ عِشْرِينَ، لَكِنْ مَعَ تَكْرَارٍ فِي بَعْضِهِمْ، وَوَهْمٍ فِي بَعْضٍ فَخَلَصَ خَمْسَةَ عَشَرَ. رَوَى الْبَغَوِيُّ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ شَاهِينَ، وَابْنُ السَّكَنِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ عَبْدَةَ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ رَبِيعَةَ كَيْفَ سَمَّاكَ أَبُوكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُحَمَّدًا؟ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ، فَقَالَ: خَرَجْتُ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ مِنْ تَمِيمٍ أَنَا أَحَدُهُمْ، وَسُفْيَانُ بْنُ مُجَاشِعٍ، وَيَزِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ، وَأُسَامَةُ بْنُ مَالِكٍ نُرِيدُ الشَّامَ، فَنَزَلْنَا عَلَى غَدِيرٍ عِنْدَ دَيْرٍ، فَقَالَ لَنَا الدَّيْرَانِيُّ: إِنَّهُ يُبْعَثُ فِيكُمْ وَشِيكًا نَبِيٌّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 694 فَسَارِعُوا إِلَيْهِ فَقُلْنَا: مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا وُلِدَ لِكُلٍّ مِنَّا وَلَدٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا لِذَلِكَ، فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ لَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ صُحْبَةٌ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ عَدِيٍّ، قَالَ سَعْدٌ: لَمَّا ذَكَرْنَا فِي الصَّحَابَةِ عِدَادَهُ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَذَكَرَ عَبْدَانُ الْمَرْوَزِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ سُمِّيَ مُحَمَّدًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجَلَالِ، وَذَكَرَ الْبَلَاذُرِيُّ مُحَمَّدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ، فَلَا أَدْرِي أَهُمَا وَاحِدٌ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، أَمْ هُمَا اثْنَانِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْبَرِّ الْبِكْرِيِّ ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَضَبَطَ الْبَلَاذُرِيُّ أَنَاءَ الْبَرِّ بِشَدِّ الرَّاءِ لَيْسَ بَعْدَهَا أَلِفٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُتْوَارَةَ، وَغَفَلَ ابْنُ دِحْيَةَ، فَعَدَّ مُحَمَّدَ بْنَ عُتْوَارَةَ وَهُوَ وَنُسِبَ إِلَى جَدِّهِ الْأَعْلَى. وَمُحَمَّدُ بْنُ الْيَحْمَدِيِّ الْأَزْدِيِّ ذَكَرَهُ الْمُفَجَّعُ الْبَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ خَوْلِيٍّ الْهَمْدَانِيُّ ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حِرْمَازِ بْنِ مَالِكٍ الْيَعْمُرِيُّ، ذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى الدِّيلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ وَاسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ مَالِكٍ الْجُعْفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالشُّوَيْعِرِ ذَكَرَهُ الْمَرْزُبَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ خُزَاعِيِّ بْنِ عَلْقَمَةَ السُّلَمِيُّ مِنْ بَنِي ذَكْوَانَ ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُغْفِلٍ، بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَسْرِ الْفَاءِ، ثُمَّ لَامٍ، مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَوَلَدُهُ حُبَيْبٌ بِمُوَحَّدَتَيْنِ مُصَغَّرٌ صَحَابِيٌّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ خَدِيجٍ ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ الْقَعْنَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ الْأَسَدِيُّ ذَكَرَهُمَا ابْنُ سَعْدٍ، وَلَمْ يَنْسُبْهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ عِيَاضٌ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، وَهُوَ غَلَطٌ، فَإِنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ مِيلَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُدَّةٍ، فَفَضَلَ لَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَدْ خَلَصَ لَنَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصِّفَةِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى الْقَزَّازِ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ مَوْصُولًا، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ مَوْصُولًا كَمَا مَرَّ. هَذَا، وَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ بِتَمَامِ هَذَا الشَّرْحِ الْمُبَارَكِ عَلَى الْمُوَطَّأِ، لِجَامِعِهِ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ الْحَقِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شِهَابِ الدِّينِ بْنِ مُحَمَّدِ الزَّرْقَانِيِّ الْمَالِكِيِّ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، يَا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ، وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ مُتَوَسِّلًا إِلَيْكَ بِأَشْرَفِ رُسُلِكَ أَنْ تَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِكَ، وَأَنْ تَنْفَعَ بِهِ، وَأَنْ تَجْعَلَهُ سَبَبًا لِلْفَوْزِ بِرِضَاكَ وَلِقَائِكَ وَلِقَاءِ حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَافَقَ الْفَرَاغُ مِنْ تَسْوِيدِهِ وَقْتَ أَذَانِ الْعَصْرِ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْمُبَارَكِ حَادِيَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ الْحَرَامِ سَنَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ بَعْدَ مِائَةٍ وَأَلْفٍ مَضَتْ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، هِجْرَةِ مَنْ لَهُ الشَّرَفُ الْأَعْظَمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالصَّحَابَةِ وَالْآلِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 695 الدِّينِ. ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي خَلَدِي قَطُّ أَنْ أَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ، لِعِلْمِي بِالْعَجْزِ عَنِ الْخَوْضِ فِي هَذِهِ الْمَسَالِكِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ قَدْ شَاءَ، وَيَسَّرَ لِي ذَلِكَ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ عَلَى مَا هُنَالِكَ، وَعَسَى أَنْ يَنْفَعَ بِهِ نَفْعًا جَمًّا، وَيَفْتَحَ بِهِ قُلُوبًا غُلْفًا وَأَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا، فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ نَظَرَ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ إِلَيْهِ، وَوَقَفَ فِيهِ عَلَى خَطَأٍ فَأَطْلَعَنِي عَلَيْهِ، وَإِنِّي لَجَدِيرٌ بِأَنْ أُنْشِدَ قَوْلَ الْقَائِلِ: حَمِدْتُ اللَّهَ حِينَ هَدَى فُؤَادِي ... لِمَا أَبْدَيْتُ مَعَ عَجْزِي وَضَعْفِي فَمَنْ لِي بِالْخَطَأِ فَأَرُدَّ عَنْهُ ... وَمِنْ لِي بِالْقَبُولِ وَلَوْ بِحَرْفِ وَأَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ. . . إِلَى تَمَامِ السُّورَتَيْنِ، فَإِنِّي الْحَقِيقُ بِأَنْ أُنْشِدَ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ: إِنِّي لَأَرْحَمُ حَاسِدِي لِفَرْطِ مَا ... ضَاقَتْ صُدُورُهُمُ مِنَ الْأَوْغَارِ نَظَرُوا صَنِيعَ اللَّهِ بِي فَعُيُونُهُمْ ... فِي جَنَّةٍ وَقُلُوبُهُمْ فِي نَارِ لَا ذَنْبَ لِي قَدْ رُمْتُ كَتْمَ فَضَائِلِي ... فَكَأَنَّمَا عَلَّقْتُهَا بِمَنَارِ لَكِنَّ مَنْ يَكُنِ اللَّهُ مُعِينًا لَهُ وَتَوَكُّلُهُ عَلَيْهِ لَا يَضُرُّهُ حَسَدُ الْحَاسِدِينَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مَا شَاءَ اللَّهُ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحِبَهُ وَسَلِّمَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 696