الكتاب: إبراز المعاني من حرز الأماني المؤلف: أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي المعروف بأبي شامة (المتوفى: 665هـ) الناشر: دار الكتب العلمية عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- إبراز المعاني من حرز الأماني المقدسي، أبو شامة الكتاب: إبراز المعاني من حرز الأماني المؤلف: أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي المعروف بأبي شامة (المتوفى: 665هـ) الناشر: دار الكتب العلمية عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مقدمات خطبة الكتاب ... بسم الله الرحمن الرحيم خطبة الكتاب: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} "قرآن كريم". الحمد لله الذي أسبغ علينا نعمه، وأفاض لدينا مننه. وأنزل إلينا كتابه الذي فصل آياته فأحكمه وأتقنه، وجعلنا من حملته وخدام شرعه الذي علمنا فروضه وسننه. وخصنا بإرسال أكرم الخلق عليه الذي طهر قلبه وأظهر لُسُنَه. وجعل خير الناس أمته، وخير القرون قرْنه الذي به قرَنه، أبي القاسم، "محمد بن عبد الله" خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه، وعلم أوليائه، الذي زان عصره وشرف زمنه، صلوات الله وسلامه عليه، ما قصد شام شامه، وبلغ يمان يمنه. وعلى آله الأبرار الممتثلين أمره والمقتفين سننه، وعلى أصحابه الكرام الذين منهم من أواه ونصره، ومنهم من هجر لأجله أهله وماله ووطنه، وعلى كل من تبعهم بإحسان، في جميع الأزمان، ممن اتخذ طاعة ربه سكنه، ووافق في الصلاح سره علنه، وجعلنا ممن أصغى للمواعظ في الدنيا أذنه، وأذهب عنه في الآخرة حزنه، من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. "أما بعد" فإن أولى ما أفنى فيه المكلف عمره، وعلق به خاطره، وأعمل فيه فكره، تحصيل العلوم النافعة الشرعية، واستعمالها في الأعمال المرضية. وأهم ذلك علم كتاب الله تعالى، الذي تولى سبحانه حفظه بفضله، وأعجز الخلائق أن يأتوا بمثله، وجعل ذلك برهانا لتصديق رسالة من أنزل عليه، وأخبر أن الباطل لا يأتيه لا من خلفه ولا من بين يديه. ثم العلوم المتعلقة به كثيرة، وفوائد كل علم منها غزيرة، لكن الأهم أولا إتقان حفظه، وتقويم لفظه، ولا يحصل ذلك إلا بعد الإحاطة بما صح من قراءاته؛ وثبت من رواياته، ليعلم بأي لفظ يقرأ، وعلى أي وجه يروي. والقرآن كلام الله منقول نقل التواتر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، الذي أنزل عليه، لم يزل في كل حين وجيل ينقله خلق لا يحصى، ويبحث في ألفاظه ومعانيه ويستقصى، وإنما يعد أهل العلم منهم من كثرت عنايته به، واشتهر عند الناس بسببه. وذكر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى في أول كتابه في القراءات تسمية من نقل عنهم شيء من وجوه القراءات من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من كبار أئمة المسلمين. فذكر الخلفاء الأربعة، وطلحة وسعدا، وابن مسعود، وحذيفة، وسالما مولى أبي حذيفة، وأبا هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وعمرو بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 العاص، وابنه عبد الله، ومعاوية، وابن الزبير، وعبد الله بن السائب وعائشة، وحفصة وأم سلمة، وهؤلاء كلهم من المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين. وذكر من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبا الدرداء، وزيد بن ثابت، وأبا زيد، ومجمع بن حارثة، وأنس بن مالك. وعن التابعين بالمدينة: ابن المسيب، وعروة، وسالما، وعمر بن عبد العزيز، وسليمان، وعطاء ابني يسار، ومعاذ بن الحارث الذي يعرف بمعاذ القارئ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وابن شهاب، ومسلم بن جندب، وزيد بن أسلم. وبمكة عبيد بن عميرة، وعطاء، وطاوسا، ومجاهدا وعكرمة1، وابن أبي مليكة. وبالكوفة علقمة، والأسود، ومسروقا، وعبيدة، وعمرو بن شرحبيل؛ والحارث بن قيس، والربيع ابن خيثم، وعمرو بن ميمون وأبا عبد الرحمن السلمي، وزر بن حبيش، وعبيد بن نضلة وأبا زرعة بن عمرو ابن جرير، وسعيد بن جبير، والنخعي والشعبي. وبالبصرة: عامر بن عبد بن قيس، وأبا العالية، وأبا رجاء، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر وجابر بن زيد، والحسن، وابن سيرين، وقتادة. وبالشام: المغيرة بن أبي شهاب المخزومي صاحب عثمان بن عفان رضي الله عنه في القراءة. قال: ثم تجرد قوم للقراءة فاشتدت بها عنايتهم، وكثر لها طلبهم حتى صاروا بذلك أئمة بأخذها الناس عنهم ويقتدون بهم فيها، وهم خمسة عشر رجلا من هذه الأمصار الخمسة في كل مصر ثلاثة رجال. فكان بالمدينة: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، ثم شيبة بن نصاح، ثم نافع بن أبي نعيم، وإليه صارت قراءة أهل المدينة. وكان يمكة: عبد الله بن كثير، وحميد بن قيس الأعرج، ومحمد بن محيصن، وأقدمهم ابن كثير، وإليه صارت قراءة أهل مكة. وكان بالكوفة: يحيى بن وثاب، وعاصم بن بهدلة، وسليمان الأعمش ثم تلاهم حمزة رابعًا، ثم الكسائي. وكان بالبصرة: عبد الله بن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، وابو عمرو بن العلاء، وإليه صار أهل البصرة في القراءة واتخذوه إماما، وكان لهم رابع وهو عاصم الجحدري. وكان بالشام: عبد الله بن عامر، ويحيى بن الحارث الذماري، وثالث نسيت اسمه. قلت: قيل هو خليد بن سعد صاحب أبي الدرداء. وعندي أنه عطية بن قيس الكلابي أو إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر. ثم إن القراء بعد هؤلاء كثروا وتفرقوا في البلاد وانتشروا: وخلفهم أمم بعد أمم عرفت طبقاتهم واختلفت صفاتهم. فمنهم المحكم للتلاوة المعروف بالرواية والدراية. ومنهم المقتصر على وصف من هذه الأوصاف، وكثر بسبب ذلك الاختلاف، وقل الضبط واتسع الخرق، والتبس الباطل بالحق، فميّز جهابذة العلماء ذلك بتصانيفهم، وحرروه وضبطوه في تآليفهم، وقد أتقن تقسيم ذلك الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس   1 هو أبو عبد الله بن عبيد الله التميمي، توفي سنة 118. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 ابن مجاهد رحمه الله تعالى في أول كتاب السبعة له، ثم قال. والقراءة التي عليها الناس: بالمدينة. ومكة، والكوفة والبصرة، والشام هي القراءة التي تلقوها من أوليهم تلقيا، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين، اجتمعت الخاصة والعامة على قراءته، وسلكوا فيها طريقه. وتمسكوا بمذاهبه على ما روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، وزيد بن ثابت. ثم عن محمد بن المنكدر، وعروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، وعامر الشعبي -رضي الله عنهم، يعني أنهم قالوا: إن القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، فاقرءوا كما علمتموه. قال زيد بن ثابت: القراءة سنة. قال إسماعيل القاضي رحمه الله: أحسبه، يعني هذه القراءة التي جمعت في المصحف الكريم. وذكر عن محمد بن سيرين قال: أنبئت أن القرآن كان يعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- كل عام مرة في شهر رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين. قال ابن سيرين: فيرون أو يرجون أن تكون قراءاتنا هذه أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة. وعنه عن عبيدة السلماني قال: القراءة التي عرضت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الذي قبض فيه هي التي يقرؤها الناس اليوم. قلت: وهذه السنة التي أشاروا إليها هي ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-نصا، أنه قرأه أو أذن فيه على ما صح عنه أن القرآن أنزل على سبعة أحرف. فلأجل ذلك كثر الاختلاف في القراءة في زمانه بعده إلى أن كتبت المصاحف باتفاق من الصحابة -رضي الله عنهم- بالمدينة. ونفذت إلى الأمصار. وأمروا باتباعها وترك ما عداها، فأخذ الناس بها وتركوا من تلك القراءات كل ما خالفا وبقوا ما يوافقها نصا أو احتمالا، وذلك لأن المصاحف كتبت على اللفظ الذي أنزل، وهو الذي استقر عليه في العرضة الأخيرة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-كما عرضها هو على جبريل عليهما الصلاة والسلام، وكل ذلك ثابت في الأحاديث الصحيحة مفرقا في أبوابه، قد وقف على ذلك من له بها عناية. فمن ذلك ما في الصحيحين من رواية عائشة عن فاطمة عن أبيها صلى الله عليه وسلم: "أنه أسر إليها في مرض موته أن جبريل عليه السلام كان يعارضني بالقرآني في كل سنة مرة، وإنه عارضني به العام مرتين". وفي صحيح البخاري من حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال: "كان يعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن كل عام مرة فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه". وذكر المحققون من أهل العلم بالقراءة ضابطا حسنا في تمييز ما يعتمد عليه من القراءات وما يطرح، فقالوا: كل قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيها، ومجيئها على الفصيح من لغة العرب فهي قراءة صحيحة معتبرة. فإن اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة وضعيفة. أشار إلى ذلك كلام الأئمة المتقدمين، ونص عليه أبو محمد مكي -رحمه الله تعالى- في تصنيف له مرارا، وهو الحق الذي لا محيد عنه على تفصيل فيه، قد ذكرناه في موضع غير هذا. وقد كثرت تصانيف الأئمة في القراءات المعتبرة والشاذة، ووقع اختيار أكثرهم على الاقتصار على ذكر قراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 سبعة من أئمة الأمصار، وهم الذين أجمع عليهم وإن كان الاختلاف أيضا واقعا فيما نسب إليهم. وأول من فعل ذلك الإمام أبو بكر بن مجاهد قبيل سنة ثلاثمائة أو في نحوها، وتابعه بعد ذلك من أتى بعده وإلى الآن، وكان من كبار أئمة هذا الشأن. وبعضهم صنف في قراءة أكثر من هذا العدد، وبعضهم في أنقص منه. واختار ابن مجاهد فمن بعده هذا العدد موافقة لقوله عليه الصلاة والسلام: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف". فإن كان المراد بها غير ذلك على ما ذكرناه في كتاب مفرد لذلك، وتأسيا لمصحف الأئمة التي نفذها الصحابة إلى الأمصار؛ فإنها كانت سبعة على ما نطقت به الأخبار، ووقع اختيارهم من أئمة القراءة على كل مختار. وتولى شرح كتاب ابن مجاهد في السبعة: أبو علي الفارسي النحوي في كتاب كبير يسمى "الحجة" وقد أوضح فيه المحجة. وكان قد شرع فيه قبله شيخه أبو بكر بن السراج، فسلك أبو علي بعده ذلك المنهاج وهما من كبار أئمة النحويين المحققين المتقنين. ثم شرح كتاب ابن مجاهد في القراءات الشواذ أبو الفتح بن جني صاحب الشيخ أبي علي في كتاب سماه بـ "المحتسب" وأتى فيه بكل عجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 فصل في ذكر القراء السبعة : في ذكر القراء السبعة الذين اختار ابن مجاهد قراءتهم، واشتهر ذكرهم في الآفاق: ومعظم المصنفين في القراءات يذكرونهم في أوائل كتبهم، مع طرف من أخبارهم، مختلفين في ترتيبهم. ونحن نذكرهم بطريق الاختصار على الترتيب الذي ألفناه بهذه الديار: الأول الإمام أبو عبد الرحمن نافع بن أبي نعيم المدني رحمه الله، وبه بدأ ابن مجاهد؛ قرأ على سبعين من التابعين. وقال فيه مالك بن أنس الإمام، وصاحبه عبد الله بن وهب: قراءة نافع سنة. وقال الليث بن سعد إمام أهل مصر: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، وإمام الناس في القراءة يومئذ نافع بن أبي نعيم. وقال: أدركت أهل المدينة وهم يقولون: قراءة نافع سنة. وقال ابن أبي أويس: قال لي مالك: قرأت على نافع. الثاني: أبو معبد عبد الله بن كثير المكي رحمه الله: قرأ على مجاهد وغيره من التابعين، وقيل إنه قرأ عبد الله بن السائب المخزومي، وله صحبة. وقرأ عليه جماعة من أئمة أهل البصرة مع جلالتهم: كأبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، والخليل بن أحمد، وحماد، وحماد بن أبي سلمة، وابن زيد، وحديثه مخرج في الصحيحين. ونقل الإمام أبو عبد الله الشافعي قراءته، وأثنى عليها، وقرأ على صاحبه إسماعيل بن قسطنيطين قارئ أهل مكة، وقال: قراءتنا قراءة عبد الله بن كثير، وعليها وجدت أهل مكة، من أراد التمام فليقرأ لابن كثير: الثالث: أبو عمرو بن العلاء البصري، رحمه الله تعالى. أغزرهم علما وأثقبهم فهما. قرأ على جماعة جلة من التابعين، من أهل الحجاز والعراق، كمجاهد، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ويحيى بن يعمر، وأبي العالية. واشتهرت قراءته في البلاد، وأخبر مثل سفيان بن عيينة قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام فقلت: يا رسول الله قد اختلفت علي القراءات، فبقراءة من تأمرني أن أقرأ؟ قال: "اقرأ بقراءة أبي عمرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ابن العلاء". وقال أحمد بن حنبل في إحدى الروايات عنه: قراءة أبي عمرو أحب القراءات إلي، هي قراءة قريش، وقراءة الفصحاء. الرابع: أبو عمران: عبد الله بن عامر الدمشقي رحمه الله تعالى، هو أسن القراء السبعة وأعلاهم إسنادا: قرأ على جماعة من الصحابة: حتى قيل إنه قرأ على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وممن قرأ هو عليه من الصحابة: معاوية، وفضالة بن عبيد، وواثلة بن الأسقع، وأبو الدرداء -رضي الله عنهم. فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر وقام مقامه، واتخذه أهل الشام إماما، وحديثه مخرج في صحيح مسلم. ومن رواته الآخذين عن أصحاب أصحابه: هشام بن عمار أحد شيوخ أبي عبد الله البخاري رحمهم الله. الخامس: أبو بكر عاصم بن أبي النجود الكوفي رحمه الله. قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وزر بن حبيش، وكانا من أصحاب عثمان، وعلى، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم على تفصيل في ذلك. وجلس عاصم للإقراء بعد وفاة أبي عبد الرحمن. وروى عنه الحديث والقرآن قبل سنة مائة. وكانت قراءته عندهم جليلة خطيرة مختارة. وقال صالح بن أحمد بن حنبل: سألت أبي: أي القراءات أحب إليك؟ قال: قراءة نافع. قلت: فإن لم توجد. قال: قراءة عاصم. وفي رواية أخرى قال: أهل الكوفة يختارون قراءته وأنا أختارها. السادس: أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات رحمه الله، من رجال صحيح مسلم، وهو إمام أهل الكوفة بعد عاصم: قرأ عليه جماعة من أئمة أهل الكوفة وأثنوا عليه في زهده وورعه، منهم سفيان الثوري، وشريك بن عبد الله، وشعيب بن حرب، وعل بن صالح، وجرير بن عبد الحميد، ووكيع وغيرهم. ولم يوصف أحد من السبعة القراء بما وصف به حمزة من الزهد والتحرز عن أخذ الأجر على القرآن، حتى إن جرير بن عبد الحميد قال: مر بي حمزة الزيات في يوم شديد الحر، فعرضت عليه الماء؛ ليشرب فأبى؛ لأني كنت أقرأ عليه القرآن. السابع: أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي إمام نحاة الكوفة عنه أخذ القراء وغيرهم، وانتهت إليه الرياسة في القراءة بعد حمزة، وبلغ عند هارون الرشيد منزلة عظيمة: وكان الناس يأخذون عنه ألفاظه بقراءته عليهم، وينقطون مصاحفهم بقراءته. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي. وقال إسماعيل بن جعفر المدني، وهو من كبار أصحاب نافع: ما رأيت أقرأ لكتاب الله من الكسائي. ورؤي رحمه الله في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وفي رواية: رحمني ربي بالقرآن، وفي رواية: إلى ماذا صرت؟ قال: إلى الجنة، قيل له: ما فعل حمزة الزيات، وسفيان الثوري؟ قال: فوقنا، ما نراهم إلا كالكوكب الدري. وفي أخرى قال: غفر لي وأكرمني، وجمع بيني وبين النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: ألست عليَّ بن حمزة الكسائي؟ فقلت: نعم1، فقال: اقرأ، فقرأت: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} حتى بلغت {شِهَابٌ ثَاقِبٌ} 2. فقال لي: لأباهين بك الأمم يوم القيامة. فهؤلاء هم السبعة القراء الذي أطبق عليهم أهل الأداء.   1 فقلت: نعم: الصواب أن يقال بلى. 2 سورة الصافات، آية: 1، آية: 10 الصافات أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وقد كثرت التصانيف بعد ابن مجاهد في ذكر قراءتهم، وهي من بين مصنف وجيز، وكتاب مطول، يجمع طرفهم وأخبارهم ورواياتهم، وآل الأمر إلى أن صنف كتاب التيسير لأبي عمرو الداني -رحمه الله- فاعتمد عليه، وصرفت العناية إليه؛ لما فيه من التنقيح والاختيار والتحرير والاختصار. ثم إن الله تعالى سهل هذا العلم على طالبيه بما نظمه الشيخ الإمام العالم الزاهد أبو القاسم الشاطبي رحمه الله من قصيدته المشهورة المنعوتة بحرز الأماني، التي نبغت في آخر الدهر أعجوبة لأهل العصر، فنبذ الناس سواها من مصنفات القراءات، وأقبلوا عليها لما حوت من ضبط المشكلات وتقييد المهملات، مع صغر الحجم وكثرة العلم، وإنما شهرها بين الناس شرحها؛ وبين معانيها وأوضحها، ونبه على قدر ناظمها، وعرف بحال عالمها، شيخنا الإمام العلامة علم الدين، بقية مشايخ المسلمين، أبو الحسن على بن محمد هذا الذي ختم به الله العلم مع علو المنزلة في الثقة والفهم، جزاه الله عنا أفضل الجزاء، وجمع بيننا وبينه في دار النعيم والبقاء. فلما تبين أمرها وظهر سرها تعاطى جماعة شرحها، ولم ينصفوا من أباحهم سرحها، ورقاهم صرحها، وهي أول مصنف وجيز حفظته بعد الكتاب العزيز، وذلك قبل بلوغ الحلم وجريان القلم، ولم أزل من ذلك الزمان إلى الآن طالبا إتقان باب، ومن معانيها ما لم يكن في حساب. وكنت سمعت شيخنا أبا الحسن علي بن محمد المذكور، يحكي عن ناظمها شيخه الشاطبي رحمها الله مرارا أنه قال كلاما ما معناه: لو كان في أصحابي خير أو بركة لاستنبطوا من هذه القصيدة معاني لم تخطر لي. ثم إني رأيت الشيخ الشاطبي -رحمه الله- في المنام وقلت له: يا سيدي حكى لنا عنك الشيخ أبو الحسن السخاوي أنك قلت كيت وكيت، فقال: "صدق". وحكى لنا بعض أصحابنا أنه سمع بعض الشيوخ المعاصرين للشاطبي يقول: لمته في نظمه لها لقصور الأفهام عن دركها فقال لي: "يا سيدي هذه يقيض الله لها فتى يبينها" أو كما قال، قال: فلما رأيت السخاوي قد شرحها علمت أنه ذلك الفتى الذي أشار إليه. قلت: ثم إن الله تعالى فتح على من مراجعته وبركات محاضرته معاني لم يودعها كتابه ولم يعرفها أصحابه، فأردت تدوينها مع استقصاء شرح للأبيات معنى ولفظا، وذكر ما يتعلق بها مما رأيت لها منه قسما وحظا، فابتدأت ذلك في كتاب كبير بلغت فيه "باب الهمزتين من كلمة" في نحو مجلدة بخطي محكمة، ثم إني فكرت في قصور الهمم، وتغيير الشيم وطولبت بتتميمه فاستقصرت العمر عن تلك الهمة مع ما أنا بصدده من تصانيف مهمة، فشرعت في اختصار ذلك الطويل واقتصرت مما فيه على القليل، فلا تهملوا أمره لكونه صغيرًا حجما، فإنه كما قيل: كنيف ملئ علما، وسميته: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 مقدمة القصيدة مدخل ... مقدمة القصيدة: "إبراز المعاني من حرز الأماني": وقد أخبرني بهذه القصيدة عن ناظمها جماعة من أصحابه، وقرأتها على شيخنا أبي الحسن المذكور مرارا، وأخبرني أنه قرأها على ناظمها غير مرة، ومات -رحمه الله- سنة تسعين وخمسمائة في جمادى الآخرة، ومولده في آخر سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة فيكون عمره أقل من اثنتين وخمسين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 قال -تغمده الله برحمته وجمع بيننا وبينه في جنته: 1- بَدَأْتُ بِبِسْمِ اْللهُ فيِ النَّظْمِ أوَّلاَ ... تَبَارَكَ رَحْمَاناً رَحِيماً وَمَوْئِلاَ أي: قدمت لفظ: بسم الله الرحمن الرحيم في أول نظمي هذا يقال بدأت بكذا إذا قدمته فالباء الأولى لتعدية الفعل والثانية هي التي في أول البسملة: أي بدأت بهذا اللفظ. والنظم الجمع ثم غلب على جمع الكلمات التي انتظمت شعرا فهو بمعنى منظوم أو مصدر بحاله؛ واللام في النظم للعهد المعلوم من جهة القرينة وهي قائمة مقام الإضافة كقوله تعالى: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} 1. أي أدنى أرض العرب أي في نظمي نزله منزلة المعروف المشهور تفاؤلا له بذلك أو أراد في هذا النظم نزله منزلة الموجود الحاضر فأشار إليه كقوله تعالى: {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} 2. أو يكون المصدر في موضع الحال أي منظوما وأولا نعت مصدر محذوف أي في أن نظمت نظما أول أي أنه مبتكر لم يسبق إليه وهو نظم قصيدة على روي واحد في مذاهب القراء السبعة موجزة بسبب ما اشتملت عليه من الرموز وقد تشبه به قوم في زماننا، فمنهم من سلك مسلكه مختصرا لها ومنهم من غير الرموز بغيرها ومنهم من نظم في مذاهب القراء العشرة، زاد رواية أبي جعفر المدني ويعقوب الحضرمي وخلف البزار فيما اختار والفضل للمتقدم الذي هو أتقى وأعلم فالألف في قوله أولا على هذا الوجه للإطلاق؛ لأنه غير منصرف، ويجوز أن تكون الألف بدلا من التنوين على أن يكون أولا ظرف زمان عامله بدأت أو النظم أي بدأت في أول نظمي "بسم الله" أو بدأت بسم الله في نظمي الواقع أولا فهو كقول الشاعر: فساغ لي الشراب وكنت قبلا3 والبركة كثرة الخير وزيادته واتساعه وشيء مبارك أي زائد نامٍ وما لا يتحقق فيه ذلك يقدر في لازمه وما يتعلق به كقوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} 4، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} 5. أي كثير خير ذلك وما يتعلق به من الأجر وتبارك تفاعل منه كتعاظم من العظمة وتعالى من العلو، وقيل إنه فعل لم يتصرف أصلا لا يقال يتبارك وغيره، ثم كمل لفظ البسملة بقوله رحمانا رحيما وزاد قوله وموئلا وهذا المعنى زاد دخول الواو فيها حسنا والموئل. المرجع والملجأ وهو وإن لم يكن لفظه ثابت الإطلاق على الله تعالى من حيث النقل فمعناه ثابت نحو: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} 6، {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} 7.   1 سورة الروم، آية: 3. 2 سورة القصص، آية: 15. 3 البيت ليزيد بن الصعق لا كما نسب إلى عبد الله بن يعرب، وأتى الشارح بصدره مستشهدا به وتمامه: أكاد أغص بالماء الفرات والصواب: الحميم. 4 الأنبياء، آية: 50. 5 سورة الدخان آية: 3. 6 سورة يونس، آية: 4. 7 سورة فاطر، آية: 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وانتصاب الثلاثة على التمييز أو الحال: أي تبارك من رحمن رحيم أو في حال كونه كذلك أو يكنَّ منصوبات على المدح وتم الكلام على تبارك، وهذا نحو قولهم: الحمد لله الحميد ويتعلق بهذا البيت أبحاث كثيرة ذكرناها في الكبير واستوفينا ما يتعلق بشرح البسملة في كتاب مفرد وغيره والله أعلم: 2- وَثَنَّيْتُ صَلَّى اللهُ رَبِّي عَلَى الِرَّضَا ... مُحَمَّدٍ الْمُهْدى إلَى النَّاسِ مُرْسَلاَ أي ثنيت بصلى الله أي بهذا اللفظ كما قال بدأت ببسم الله أو على إضمار القول أي بقولي صلى الله أو ثنيت بالصلاة فقلت صلى الله فموضع صلى الله نصب على إسقاط الخافض في الوجه الأول وعلى أنه مفعول مطلق أو مفعول به إن قلنا إنه على إضمار القول وصلى الله لفظه خبر معناه دعاء والرضى بمعنى ذي الرضى أي الراضي من قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} 1. أو المرضي أي الذي ارتضاه الله تعالى أو الذي يرضيه يوم القيامة أي يعطيه ما يرضيه من الشفاعة وغيرها فيرضى، وقرئ قوله تعالى في آخر طه: "لعلك تَُرضى"2. بفتح التاء وضمها جمعا بين المعنيين وقوله محمد بدل أو عطف بيان والمهدَى اسم مفعول من أهديت الشيء فهو مهدَى؛ لأن الله تعالى أهداه إلى خلقه تحفة لهم فأنقذ به من أسعده من النار وأدخله الجنة مع الأبرار، وعن الأعمش عن أبي صالح قال: كان النبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يناديهم: "يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة". أخرجه أبو محمد الدارمي في مسنده هكذا منقطعا، وروي موصولا بذكر أبي هريرة فيه وفي معناه قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 3. ومرسلا حال من الضمير في المهدَى، ويجوز أن يكون تمييزا كما سبق في تبارك رحمانا أي المهدى إرساله والله أعلم: 3- وَعِتْرَتِهِ ثُمَ الصَّحَابَةِ ثُمّ مَنْ ... تَلاَهُمْ عَلَى اْلأِحْسَانِ بِالخَيْرِ وُبَّلاَ سئل مالك بن أنس -رحمه الله- عن عترة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: هم أهله الأدنن وعشيرته الأقربون، وقال الجوهري: عترة الإنسان نسله ورهطه الأدنون. قلت: وهو معنى قول الليث: عترة الرجل أولياؤه يعني الذين ينصرونه ويهتمون لأمره ويعنون بشأنه   1 سورة الضحى، آية: 4. 2 سورة طه، آية: 130. 3 سورة الأنبياء، آية: 107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وليس مراد الناظم بالعترة جمع من يقع عليه هذا الاسم من عشيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما مراده المؤمنون منهم وهم الذين جاء فيهم الحديث: "وإني تارك فيكم ثقلين: كتاب الله وعترتي" وفي رواية موضع عترتي: "وأهل بيتي". وكأن ذلك تفسير للعترة وأهل بيته: هم آله من أزواجه وأقاربه، وقد صح: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن كيفية الصلاة عليه فقال: "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد" وفي رواية: "على محمد وعلى أزواجه وذريته". فكأنه فسر الآل بما في الحديث الآخر، فلهذا لما صلى على النبي صلى على عترته ثم على الصحابة وإن كان بعضهم داخلا في العترة؛ ليعم الجميع ثم على التابعين لهم بإحسان، ومعنى "تلاهم" تبعهم وقوله: "على الإحسان" أي على طلب الإحسان أو على طريقة الإحسان أو على ما فيهم من الإحسان أو يكون على بمعنى الباء كما يأتي في قوله: "وليس على قرآنه متأكلا" وفي تلا ضمير مفرد مرفوع مستتر عائد على لفظ من، و"وبلا" جمع وابل وهو المطر الغزير وأصله الصفة ولذلك جمع على فعل كشاهد وشهد وهو منصوب على الحال من أحد الضميرين في تلاهم: إما المرفوع العائد على التابعين وإما المنصوب العائد على الصحابة أي مشبهين الوبل في كثرة خيرهم أو يكون حالا منهما معا كقوله: لقيته راكبين فإن كان حالا من المرفوع المفرد فوجه جمعه حمله على معنى من وبالخير متعلق بوبلا من حيث معناه أي جائدين بالخير، ويجوز أن يتعلق بتلا أي تبعوهم بالخير على ما فيهم من الإحسان وإن جعلنا على بمعنى الباء كان قوله بالخير على هذا التقدير كالتأكيد له والتفسير والله أعلم: 4- وَثَلَّثْتُ أنَّ اْلَحَمْدَ لِلهِ دائِماً ... وَمَا لَيْسَ مَبْدُوءًا بِهِ أجْذَمُ الْعَلاَ وثلثت مثل ثنيت في أنه فعل يتعدى بحرف الجر فيجوز في أن بعدها الفتح والكسر فالفتح على تقدير بأن الحمد والكسر على معنى فقلت: إن الحمد لله ودائما بمعنى ثابتا وهو حال من الحمد أو من اسم الله أو نعت مصدر محذوف أي حمدا مستمرا وما مبتدأ وهي موصولة وليس مبدوءا به صلتها واسم ليس ضمير مستتر يعود على ما ومبدوءا خبرها والهاء في به عائدة على الحمد أو على اسم الله تعالى على تقدير بذكره أو باسمه وبه منصوب المحل بمبدوء أو مرفوع مبدوء ضمير عائد على ما أي وكل كلام ليس ذلك الكلام مبدوءا بالحمد "أجذم العلا" أي مقطوع الأعلى أي ناقص الفضل فأجذم خبر المبتدأ الذي هو ما والجزم أصله القطع والعلاء بفتح العين يلزمه المد وهو الرفعة والشرف وأتي به في قافية البيت على لفظ المقصور وليس هو من باب قصر الممدود الذي لا يجوز إلا في ضرورة الشعر بل يمكن حمله على وجه آخر سائغ في كل كلام نثرا كان أو نظما وذلك أنه لما وقف أسكن الهمزة ثم إنه قلبها ألفا فاجتمع ألفان فحذف أحدهما كما يأتي في باب وقف حمزة وهشام على نحو السماء والدعاء وهكذا نقول في كل ما ورد في هذه القصيدة من هذا الباب في قوافيها كقوله: "فتى العلا" "أحاط به الولا" "فتنجو من البلا" "وإن افتحوا الجلا" "بعد على الولا" "عن جلا" ... أما ما يأتي في حشو الأبيات كقوله: وحق لوى باعد ومالي سما لوى ويا خمس أجرى ... فلا وجه لذلك إلا أنه من باب قصر الممدود ثم يجوز في موضع العلا أن يكون مرفوعا ومنصوبا ومجرورا؛ لأن أجذم العلا من باب حسن الوجه فهو كما في بيت النابغة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 أجب الظهر ليس له سنام1 يروى الظهر بالحركات الثلاث وأشار بما في عجز هذا البيت إلى حديث خرجه أبو داود في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم". قال الخطابي: معناه المنقطع الأبتر الذي لا نظام له، قلت: وروي هذا الحديث مرسلا وروي: "أقطع" موضع: "أجذم" وروي: "لم يبدأ فيه بذكر الله ... ". فتكون البسملة على هذا إذا اقتصر عليها مخرجة من عهدة العمل بهذا الحديث ولو أن الناظم -رحمه الله- قال: وثنيت أن الحمد وثلثت: صلى الله لكان أولى تقديما لذكر الله تعالى على ذكر رسوله الله -صلى الله عليه وسلم، ووجه ما ذكر أنه أراد أن يختم خطبته بالحمدلة فإن ذكر الله تعالى قد سبق بالبسملة فهو كقوله سبحانه في آخر سورة والصافات:   1 وقبله قوله: وتمسك بعده بذئاب عيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 بعض ما جاء في ذكر القرآن العزيز وفصل قراءته ... بعض ما جاء في ذكر القرآن العزيز وفضل قراءته: {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1 والله أعلم. 5- وَبَعْدُ فَحَبْلُ اللهِ فِينَا كِتَابُهُ ... فَجَاهِدْ بِهِ حِبْلَ الْعِدَا مُتَحَبِّلاَ أي وبعد هذه الخطبة أذكر بعض ما جاء في فضائل القرآن العزيز وفضل قرائه "وحبل الله: مبتدأ، وفينا: متعلق به من حيث المعنى على ما نفسر به الحبل أو يكون صلة لموصول محذوف أي الذي فينا وكتابه خبر فحبل، ويجوز أن يكون فينا هو الخبر وكتابه خبر مبتدأ محذوف أي هو كتابه والفاء في فحبل رابطة للكلام بما قبله ومانعة من توهم إضافة بعد إلى حبل والعرب تستعير لفظ الحبل في العهد والوصلة والمودة وانقطاعه في نقيض ذلك، فلذلك استعير للقرآن العزيز لأنه؛ وصلة بين الله تعالى وبين خلقه من تمسك به وصل إلى دار كرامته، وجاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- وغيره في تفسير قوله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} 2. أنه القرآن، وفي كتاب الترمذي من حديث الحارث الأعور عن علي -رضي الله عنه- في حديث طويل في وصف القرآن قال: "هو حبل الله المتين". وفي كتاب أبي بكر بن أبي شيبة في ثواب القرآن عن أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض".   1 وقبله قوله: وتمسك بعده بذئاب عيس 2 سورة الصافات، آخر آية. 3 سورة آل عمران، آية: 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وفيه عن ابن شريح الخزاعي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به". وقوله: {فَجَاهِدْ بِهِ} أي بالقرآن العزيز كما قال تعالى: {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} 1. أي بحججه وأدلته وبراهينه والحبل بكسر الحاء الداهية ومتحبلا حال من فاعل فجاهد يقال تحبل الصيد إذا أخذه بالحبالة وهي الشبكة واستعمل التجانس في هذا البيت والذي بعده وهو مما يعد من الفصاحة في الشعر وغيره: 6- وَأَخْلِقْ بهِ إذْ لَيْسَ يَخْلُقُ جِدَّةً ... جَدِيداً مُوَاليهِ عَلَى الْجِدِّ مُقْبِلاَ أخلق به تعجب أي ما أخلقه بالمجاهدة به أي ما أحقه بذلك يقال هو خليق بكذا أي حقيق به وإذ هنا تعليل مثلها في قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} 2. ويقال: أخلق الثوب خلق إذا بلى وجدّة تمييز وهي ضد البلى يستعار ذلك للقرآن العزيز لما جاء في الحديث عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا: "إن هذا القرآن حبل الله لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد". أخرجه الحافظ البيهقي في كتاب المدخل أي لا يحدث له البلى ناشئا عن كثرة ترداده وتكراره ومرور الزمان عليه وجديدا فعيل من الجد بفتح الجيم وهو العظمة والعزة والشرف وانتصابه على الحال من ضمير يخلق العائد على القرآن العزيز أو على المدح ومواليه بمعنى مصافيه وملازمه العامل بما فيه وهو مبتدأ وعلى الجد خبره فهي جملة مستأنفة أي حصل على الجد واستقر عليه والجد بكسر الجيم ضد الهزل ومقبلا حال من الضمير المقدر في الخبر الراجع على مواليه أي استقر على الجد في حال إقباله عليه واحتفاله به عملا وعلما يشير إلى ما كان الأولون عليه من الاهتمام به، ويجوز أن يكون مواليه فاعل جديدا فيكون بمعنى جديدا له وإن كان حالا من القرآن العزيز لفظا نحو رأيت زيدا كريما غلامه وعلى هذا يكون في على الجد ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون حالا ومقبلا حال بعد حال: والثاني: أن يكون معمول مقبلا قدم عليه: والثالث: أن يكون معمول مواليه أي للذي والاه على الجد حصل له العز والشرف وعند هذا يجوز أن يكون الجد ههنا من الجد في الأمر وهو الاجتهاد فيه وهو يئول إلى ضد الهزل، والله أعلم: 7- وَقَارِئُهُ الْمَرْضِيُّ قَرَّ مِثَالُهُ ... كاَلاتْرُجّ حَالَيْهِ مُرِيحًا وَمُوكَلاَ نظم في هذا البيت ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم   1 سورة الفرقان، آية: 52. 2 سورة الزخرف، آية: 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب" ... الحديث. فقوله: "وقارئه" مبتدأ والمرضي صفته وأراد به تفسير المؤمن المذكور في هذا الحديث لأنه ليس المراد به أصل الإيمان بل أصله ووصفه، وفي كتاب الترمذي من حديث صهيب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه". والجملة من قوله: "قر مثاله" هي خبر المبتدأ وقر بمعنى استقر أي استقر مثاله مشابها للأترج ويجوز أن يكون المرضي خبر المبتدأ أي لا يعد قارئا للقرآن إلا من كان مرضي الطريقة ثم استأنف جملة فعلية فقال قر مثاله كالأترج ويجوز أن يكون قر وحده هو خبر المبتدأ وفيه ضمير عائد على القارئ: أي قرت عينه أو استقر أمره بنيل درجات الأبرار ثم استأنف جملة اسمية بقوله: مثاله كالأترج فقوله: كالأترج خبر مثاله وعلى هذا يجوز أن يكون قر دعاء كما تقول زيد العاقل أقر الله عينه، والأترج بتشديد الجيم والأترنج بالنون لغتان، وكلاهما مستقيم في وزن البيت وإنما اختار لغة التشديد للفظ الحديث وحاليه بدل اشتمال من الأترج، ومريحا وموكلا حالان من الأترج يقال أراح الطيب: إذا أعطى الرائحة وآكل الزرع وغيره: إذا أطعم والله أعلم. 8- هُوَ الْمُرْتَضَى أَمًّا إِذَا كَانَ أُمَّهً ... وَيَمَّمَهُ ظِلُّ الرَّزَانَةِ قَنْقَلاَ فسر بهذا البيت ما عناه بقوله المرضي فقوله: هو ضمير القارئ المرضي أو ضمير القارئ مع الإعراض عن وصفه بالمرضي؛ لأنه أغنى عنه قوله: المرتضى أما ... إلى آخر البيت، ويجوز أن يكون هو المرتضى خبر قوله: وقارئه المرضي وما بينهما من قوله قر مثاله خر البيت اعتراض وإما تمييز ومعناه القصد أي هو المرتضى قصده تيمنا به وانتفاعا بعلمه وكان بمعنى صار ويقال للرجل الجامع للخير أمة كأنه قام مقام جماعات؛ لأنه اجتمع فيه ما تفرق فيهم من المصالح ومنه قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} 1. وقوله: ويممه أي قصده والرزانة الوقار وقد رزن الرجل بالضم فهو رزين أي وقور ثابت، واستعار للرزانة ظلا إشارة إلى شمول الوقار له واستراحته في ظله وأمنه من تخليط الناقص من عقله وجعل الرزانة هي التي تقصده كأنها تفتخر به وتتزين بأن تظله لكثرة خلال الخير فيه مبالغة في مدحه، وفي الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال قال رسول -صلى الله عليه وسلم: "من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت". وعن عبد الملك بن عمير قال: كان يقال: إن أبقى الناس عقولا قراء القرآن وقنقلا حال من ظل الرزانة: أي مشبها قنقلا وكذا يقدر في ما جاء مثله مما هو منصوب على الحال وليس بمشتق كقوله: وانقاد معناه يعملا والقنقل: المكيال الضخم وكان لكسرى تاج يسمى القنقل والقنقل أيضا: الكثيب من الرمل،   1 سورة النحل، آية: 120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 يشير إلى عظم الرزانة وتوفرها إن قصد الكثيب أو المكيال وإن قصد التاج قدرت الحال بمتوجا ومن كلامهم جلس فلان وعليه السكينة والوقار، فإن قلت: علام عطف قوله: ويممه؟ قلت: يحتمل وجهين أحدهما أن يكون عطفا على معنى المرتضى: أي هو الذي ارتضى أمة ويممه الوقار فهو من باب قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا} 1. أي إن الذين تصدقوا وأقرضوا ويكون مضمون البيت ثناء عليه بأنه مرتضى كامل العقل، والوجه الثاني أن يكون معطوفا على كان أمة أي إذا اتصف بهاتين الصفتين أي أن قارئ القرآن إنما يرتضى للاقتداء به ويقصد للانتفاع به بشرطين وهما أن يكون جامعا للخير وافر العقل والله أعلم. 9- هُوَ الْحُرُّ إِنْ كانَ الْحَرِيّ حَوَارِياً ... لَهُ بِتَحَرّيهِ إلَى أَنْ تَنَبَّلاَ هو ضمير القارئ المرتضى قصده الذي هو أمة وافر العقل، أو يكون ضمير القارئ مع الإعراض عن تلك الأوصاف؛ لأنه يغني عنها اشتراطها بقوله: إن كان الحري أي إن كان الحري بها ولهذا قال بعضهم: إن إن بمعنى إذ ولو أراد الناظم ذلك لقال إذ وكان تعليلا والوزن موافق له فل حاجة إلى ارتكاب ما لم يثبت لغة وإن ثبت فهو لغة بعيدة ضعيفة، فإن قلنا: هو ضمير القارئ بصفاته فكل بيت كأنه تأكيد لما قبله، وإن قلنا: هو ضمير القارئ مطلقا كان كل بيت مستقلا بالغرض من وصفه بما يستحق به الإمامة والحرية، على أني أقول قوله بتحريه صلة الحري وليس المراد الحري بها بل الحري بالتحري وقوله: حواريا له معترض بينهما والحر الخالص من الرق أي لم تسترقه دنياه ولم يستعبده هواه؛ لأنه لما تحقق بتدبر القرآن وفهم معانيه صغرت في عينه الدنيا وأهلها كقوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} ، {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} 2، {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} 3، {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 4. إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى وما أحسن ما قاله الشاطبي -رحمه الله- من قصيدة له: لمن يترك القراء وردٌ فراته ... ورودا من الدنيا أجاج المشارب ولو سمع القراء حين اقترائهم ... لفي آل عمران كنوز المطالب بها ينظر الدنيا بعين احتقارها ... فقيه المعاني غير عاني الذوائب يعني قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} إلى قوله {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} 5   1 سورة الحديد، آية: 18. 2 سورة الحديد، آية: 20. 3 سورة العنكبوت، آية: 64. 4 سورة طه، آية: 31. 5 سورة آل عمران، آبة: 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وما أحلى قوله: "فقيه المعاني" يعني من أعطاه الله فهما وفقها في معاني القرآن العزيز فهذا هو الذي يحتقر الدنيا عند تلاوته لهذه الآية ونظائرها لا الفقيه الذي هو أسير الذوائب المتقيد بلباسه وخدمة أهل الدنيا ففقيه المعاني محرر عن رق الأشياء، ويحتمل قوله: هو الحر معاني أخر ذكرناها في الكبير، والحري بمعنى الحقيق، والحواري: الناصر الخالص في ولائه والياء مشددة خففها ضرورة، والتحري القصد مع فكر وتدبر واجتهاد أي يطلب هو الأحرى، والهاء في له للقرآن العزيز وفي تحريه للقارئ أو للقرآن، وحواريا خبر لكان بعد خبر أو حال من ضمير الحري العائد على القارئ، ويجوز أن يكون بتحريه متعلقا بحواريا أي ناصرا له بالتحري أو تكون الباء للمصاحبة أي مصاحبا للتحري فيه هذا كله على أن يكون التقدير إن كان الحري بالأوصاف السابقة والأولى ألا يتعلق قوله بتحريه بالحري كما سبق، وقوله: إلى أن تنبلا متعلق بالتحري أو بحواريا ومعنى تنبل: مات أو أخذ الأنبل فالأنبل أي انتفى ذلك من المعاني التي تحتملها ألفاظ القرآن. 10- وَإِنَّ كِتَابَ اللهِ أَوْثَقُ شَافِعٍ ... وَأَغْنى غَنَاءً وَاهِباً مُتَفَضِّلاَ هذا حث على التمسك بالقرآن العزيز وتحريه والعمل بما فيه ليكون القرآن العزيز شافعا له كافيه كل ما يحذر واهبا له متفضلا عليه بما يلقاه من ثواب قراءته واعمل به، وفي الصحيح عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال قال رسول -صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا القرآن فإنه يجيء يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرءوا البقرة وآل عمران؛ فإنهما الزهراون تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان تحاجان عن صاحبهما". وفي كتاب الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال -صلى الله عليه وسلم: "إن سورة في القرآن ثلاثين آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ". قال: هذا حديث حسن وأوثق من قولهم شيء وثيق أي محكم متين، وقد وثق بالضم وثاقة وإنما وصفه بذلك؛ لأن شفاعته مانعة له من وقوعه في العذاب وشفاعة غيره مخرجة له منه، بعد وقوعه فيه والغناء بالفتح والمد الكفاية وفعله أفعل كقوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} 1. فقوله: "وأغنى غنا" أي وأكفى كفاية أي كفاية القرآن العزيز أتم من كفاية غيره فأغنى في هذا البيت ليس فعلا ماضيا ولكنه أفعل التفضيل وبناؤه من غير الثلاثي المجرد شاذ، والقياس أن يقال: أشد غناء أو أتم غناء أو نحو ذلك، ويجوز أن يقال: هو من غني، إذا استغنى، أو من غني بالمكان: إذا أقام به فمعناه على الأول أنه غني من كفاية ما يحذر حامله مليء بها واسع جوده، وعلى الثاني أنه دائم الكفاية مقيم عليها لا يسأم منها ولا يمل، ولا بد من تقدير مضاف محذوف قبل غناء على الوجهين أي وأغنى ذي غناء؛ لأن المراد أن القرآن أثرى ذوي الكفايات وأدومهم عليها، ولك أن تقدر مثل ذلك في الوجه الذي بدأنا به أي والقرآن أكفى ذوي الكفايات   1 سورة الحاقة، آية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وتلخيص اللفظ على الأوجه الثلاثة أن نقول التقدير وأغنى مغنٍ والمغني الكافي ولا يتغير معناه عن ذلك في الوجوه كلها وإنما المعاني الثلاثة في لفظ أغنى ولولا تقدير المضاف المحذوف للزم نصب غناء؛ لأن أفعل لا يضاف إلا إلى ما أفعل بعضه والقرآن ليس بعض الكفاية فيجب النصب كقولك هو أفره عبدا بالنصب إذا كانت الرفاهية في العبد وهو ليس بعبد وواهيا ومتفضلا حالان من الضمير في أغنى العائد على كتاب الله تعالى، وقيل النصب على التمييز كقولك هو أغناهم أبا وقيل إن قلنا إن أغنى بمعنى أثرى فالنصب على التمييز وإن قلنا بالوجهين الآخرين فالنصب على الحال، وقد بينا فساد هذين القولين1 في الكتاب الكبير والله أعلم. 11- وَخَيْرُ جَلِيسٍ لاَ يُمَلُّ حَدِيثُهُ ... وَتَرْدَادُهُ يَزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّلاً "وخير" مثل قوله: وأغنى كلاهما معطوف على أوثق، ولا يمل حديثه صفة خير أو جليس أو هو خبر بعد خبر؛ لأن كل قول مكرر مملول إلا القرآن العزيز؛ فإنه كلما كرر حلا واقتبس من فوائده ما لا يدخل تحت الحصر وأجر على تلاوته بكل حرف عشر حسنات فهو خير جليس وكيف يمل حديثه وهو أحسن الحديث كما قال سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} 2. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "مثل صاحب القرآن مثل جراب مملوء مسكًا يفوح به كل مكان". فأي جليس أفضل منه؟ والترداد بفتح التاء: مصدر ردده ترديدا وتردادا والهاء المتصلة به تعود على القارئ أو على القرآن العزيز؛ لأن المصدر يجوز إضافته إلى افاعل وإلى المفعول فهو كما سبق في قوله بتحريه والضمير المستكن في يزداد يحتمل الأمرين، والهاء في فيه عائدة على الترداد وفيه بمعنى به أي يزداد القرآن بالترداد تجملا لما يظهر من تلاوته ونوره وحلاوته وفصاحته أو يزداد القارئ بالترداد تجملا لما يقتبس من فوائده وآدابه وجزيل ثوابه، ويجوز أن يكون الضمير في يزداد للترداد وفي فيه للقارئ وتكون فيه على ظاهرها لا بمعنى به وتجمل الترداد يئول إلى جمال حاصل في القارئ وزينة له والله أعلم. 12- وَحَيْثُ الْفَتى يَرْتَاعُ فيِ ظُلُمَاتِهِ ... مِنَ اْلقَبرِ يَلْقَاهُ سَناً مُتَهَلِّلاً كنى عن القارئ بالفتى وصفًا له بالفتوة وهي خلق جميل يجمع أنواعا من مكارم الأخلاق ويرتاع: أي يفزع والهاء في ظلماته للفتى: أي في ظلماته الناشئة من القبر ووحشته وإنما أضافها إليه لملابستها له،   1 لا يظهر وجه فساد القولين، غير أن يقال: إذا جعل واهبا ومنفضلا تمييزان، يصير معناه أغنى ذوي غناء هبة وتفضلا فيكون نسبة أغنى في الحقيقة إلى الهبة والتفضل، وهذا ليس بلائح الوجه إلا على طريقة المجاز، هذا غاية ما يمكن في توجيه الفساد، وفيه ما فيه. 2 سورة الحاقة، آية: 28. 3 سورة الزمر، آية: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وكونه فيها، فقوله من القبر على هذا في موضع الحال من الظلمات أي صادرة من القبر، ويجوز أن يكون كنى بالظلمات عن أعماله السيئة فيكون من القبر على هذا متصلا بيلقاه أي يلقاه القرآن من القبر أي يأتيه من تلك الجهة، ويجوز أن يكون التقدير يرتاع من القبر كائنا في ظلماته، ويجوز أن يكون قوله في ظلماته من القبر واردا على طريقة القلب لأمن الإلباس أي يرتاع في القبر من ظلماته والهاء في يلقاه للفتى أو للقرآن العزيز؛ لأن كل واحد منهما يلقى الآخر، والسنا بالقصر الضوء، والسناء بالمد الرفعة والمتهلل الباش المسرور وكلاهما حال من القرآن أي يلقى القرآن الفتى في حال إضاءته وبشاشته أي ذا سنا أي مستنيرا، ويجوز أن يكون متهللا صفة لسنا، وفي جامع الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "ضرب بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا هو قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعلمه فقال النبي -صلى الله عليه وسلم": "هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر". وفي كتاب ابن أبي شيبة وأول كتاب الوقف والابتدا لابن الأنباري آثار في فضل قارئ القرآن العامل به ذكرنا بعضها في الكتاب الكبير والله أعلم. 13- هُنَالِكَ يَهْنِيهِ مَقِيلاً وَرَوْضَةً ... وَمِنْ أَجْلِهِ فِي ذِرْوَةِ الْعِزِّ يُجتلَى هنالك من تتمة قوله يلقاه أي يلقاه في ذلك المكان ثم استأنف قوله: يهنيه أو يكون يهنيه حالا، ويجوز أن يكون هنالك ظرفا ليهنيه وهنالك يستعمل ظرف زمان وظرف مكان وكلاهما محمل هنا والظرف هو هنا والكاف خطاب واللام زائدة للدلالة على البعد والعرب تنزل الميت أبعد منزلة وذلك لبعد الملتقى كقول الشاعر: من كان بينك في التراب وبينه ... شبران فهو بغاية البعد والهاء في يهنيه للقارئ وضمير الفاعل مستتر عائد على القرآن أو على القبر فإن عاد على القرآن كان مقيلا مفعولا ثانيا ليهنيه من قولهم: هنأت الرجل أهنؤه وأهنئه إذا أعطيته ثم ترك الهمز ضرورة على لغة كسر النون ولو استعمل لغة الفتح لقال يهناه، وإن عاد الضمير على القبر كان مقيلا تمييزا من قولهم هنأ لي الطعام أي لذ لي طعمه وطاب، وروضة عطف على مقيلا بالاعتبارين، والمقيل موضع القائلة وهي الاستراحة في وسط النهار، ولا يشترط فيها نوم أي يصير له القبر كالمقيل وكالروضة بثواب قراءة القرآن والعمل به عبر بذلك عن الراحة الحاصلة له حينئذ، وفي الحديث: "القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار". والهاء في: ومن أجله للقرآن ومرفوع يجتلى للقارئ ويتعلق بيجتلى ما قبله من المجرورات وذروة كل شيء أعلاه تضم ذاله وتكسر ويجتلى معناه ينظر إليه بارزا من قولهم اجتليت العروس وعبر بذلك عن عظم أمره فهو سالم من كل آفة والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 14- يُنَاشِدُه في إرْضَائِهِ لحبِيبِهِ ... وَأَجْدِرْ بِهِ سُؤْلاً إلَيْهِ مُوَصَّلاَ يناشد أي يسأل ربه وقيل معناه يكثر المسألة ملجًّا فيها وعدى بفي؛ لأن في المناشدة معنى الرغبة وفاعل يناشد ضمير عائد على القرآن العزيز وهو جملة واقعة خبرا لقوله: وإن كتاب الله أوثق شافع، بعد أخبار سلفت أي هو أوثق شافع وخير جليس ويلقى قارئه حيث يرتاع ويناشد في إرضائه والهاء في لحبيبه تعود على القرآن العزيز وحبيبه قارئه العامل بما فيه والهاء في إرضائه يعود إلى الله تعالى، وقد تقدم ذكره في قوله وإن كتاب الله كقولك: غلام زيد يطلب منه كذا أي من زيد أي يناشد الله تعالى في أن يرضي حبيبه أي يعطيه من الأجر والثواب ما تقر به عينه فالإرضاء مضاف إلى الفاعل وعدي الإرضاء بلام الجر؛ لأنه مصدر نحو عجبت من ضرب لزيد، ويجوز أن يكون التقدير يناشد لحبيبه في إرضائه: أي يسأل الله تعالى في أن يرضى حبيبه ففي الكلام تقديم وتأخير فتكون الهاء في إرضائه للحبيب والإرضاء حينئذ مضاف للمفعول وقيل الهاء في إرضائه للقرآن العزيز: أي يسأل ربه أن يعطي القارئ ما يرضى به القرآن وتكون اللام في لحبيبه بمعنى لأجل حبيبه. وفي كتاب الترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حله فيلبس تاج الكرامة فيقول: يا رب زده حلة الكرامة ثم يقول: يا رب ارض عنه فيرضى عنه، فيقال: اقرأ وارق ويزداد بكل آية حسنة". قال: هذا حديث حسن، وروي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- غير مرفوع، وفي ذا المعنى أحاديث كثيرة ذكرناها في الشرح الكبير، وقوله: وأجدر به تعجب كأخلق به أي ما أجدره بذلك وأحقه به والسؤل المسئول وهو المطلوب ونصبه على التمييز وموصلا نعته وإليه متعلق بموصلا والهاء عائدة على القرآن العزيز أو على القارئ والضمير في له للإرضاء أي ما أحق سؤله أن يوصل إليه وقيل يجوز أن يكون الهاء في إليه للرضى الدال عليه الإرضاء أو للإلحاح الدال عليه يناشد، وموصلا حال من القرآن العزيز وقيل غير ذلك على ما بينا وجه فساده في الشرح الكبير والله أعلم. 15- فَيَا أَيُّهَا الْقَارِى بِهِ مُتَمَسِّكاً ... مُجِلاًّ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ مُبَجِّلا نادى قارئ القرآن المتصف بالصفات المذكورة في هذا البيت وبشره بما ذكره في البيت الآتي وبعده1 والقارئ مهموز وإنما أبدل الهمزة ياء ضرورة والهاء في به للقرآن وهو متعلق بمتمسكا مقدم عليه أي متمسكا به يعني عاملا بما فيه ملتجئا إليه في نوازله كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} 2.   1 أي الآتي بعده وبعده فحذف الأول للقرينة اهـ من هامش الأصل. 2 سورة الأعراف، آية: 170. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وفي الحديث الصحيح: "كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله وخذوا به"، وفي رواية: "من استمسك وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل". وفي به وجوه أخر بعيدة ذكرناها في الكبير، وإجلال القرآن العزيز تعظيمه وتبجيله توقيره وهما متقاربان في المعنى ونصب متمسكا وما بعده على الحال من ضمير القارئ؛ لأن المعنى يا أيها الذي قرأ القرآن ومن إجلال القرآن حسن الاستماع له والإنصات لتلاوته وتوقير حملته وصيانة القارئ نفسه مما يشين دينه جعلنا الله كذلك والله أعلم. 16- هَنِيئاً مَرِيئاً وَالِدَاكَ عَلَيْهِما ... مَلاَبِسُ أَنْوَارٍ مِنَ التَّاجِ وَالحُلاْ الهنيء: الذي لا آفة فيه، الطيب المستلذ، الخالي من المنغصات، الحاصل من غير تعب، والمريء: المأمون الغائلة المحمود العاقبة، المستساغ في الحلق، وهما من أوصاف الطعام والشراب في الأصل، ثم تجوز بهما في التهنئة بكل أمر سار، وهما هنا منصوبان على الحال أي ثبت لك ثواب تمسكك بالقرآن العزيز وإجلالك له هنيئا مريئا، ويجوز أن ينصبا بفعل مضمر أي صادفت أمرا هنيئا مريئا، وأن يكونا نعتي مصدر محذوف أي كاللبس وجمعه لاختلاف الملبوس، أو تكون جمع ملبس بكسر الميم وفتح الباء وهو الشيء الذي يلبس ويسمى أيضا لباسا ومثله ميزر وإزار وملحف ولحاف وملابس فاعل عليهما وعليهما خبر والداك أو يكون ملابس مبتدأ ثانيًا خبره عليهما المقدم عليه والجملة خبر والداك وأنوار جمع نور والنور الضياء وأضاف الملابس إلى الأنوار؛ لملابستها إياها والتاج الإكليل والحلي جمع حلية وهي الهيئة من التحلي الذي هو لبس الحلي، ويجوز أن تكون الحلي جمع حلة وأراد الحلل لكنه أبدل من ثاني حرفي التضعيف حرف علة نحو أمليت وهذا وإن لم يكن مسموعا فهو جائز في الضرورة نص عليه الرماني في آخر شرح الأصول والمنظوم في هذا البيت حدي أخرجه أبو داود وغيره من حديث سهل بن معاذ الجهني عن أبيه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجا يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم فما ظنكم بالذي عمل بهذا". فقوله: "من قرأ القرآن وعمل بما فيه" نظمه في البيت السابق وقوله: "فما ظنكم بالذي عمل بهذا" منظوم في البيت الآتي والباقي منظوم في هذا البيت، وفي مسند بقي بن مخلد عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يكسى والداه حلة لا تقوم لها الدنيا وما فيها". ففي هذا ذكر الحلة وفي الذي قبله ذكر التاج فصح تفسيرنا لقوله: الحلي بالحلل ويكون نظم ما تفرق في الحديثين، وقوله في الحديث: "تاجا وحلة" أي كل واحد منها والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 17- فَما ظَنُّكُمْ بالنَّجْلِ عِنْدَ جَزَائِهِ ... أُولئِكَ أَهْلُ اللهِ والصَّفَوَةُ المَلاَ هذا استفهام تفخيم للأمر وتعظيم لشأنه كقوله تعالى: {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} 1. وقوله: فما ظنكم مبتدأ وخبر وفيه معنى الأمر؛ أي ظنوا ما شئتم من الجزاء لهذا الولد الذي يكرم والداه من أجله، والخطاب للسامعين مطلقا، فيكون التفاتا من خطاب القارئ إليهم، ويجوز أن يكون خطابا إليهم مع القراء؛ لأن قوله: "فيا أيها القارئ" للجنس؛ أي فما ظنكم بأنفسكم، "والنجل" النسل كالولد يقع على المفرد والجمع فحمل على اللفظ قوله: عند جزائه، ثم حمل على المعنى قوله: أولئك ومفعولا الظن محذوفان؛ أي ما تظنونه واقعا بالنجل، وقوله: "عند جزائه" ظرف للمحذوف ولا يجوز أن يكون ظرفا للظن وقوله: أولئك أهل الله إشارة إلى حديث آخر أخرجه أبو عبيد والبزار وابن ماجه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لله أهلين من الناس قيل من هم يا رسول الله قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته". والإشارة بالأهلية إلى قرب المنزلة من رحمته وكرامته والأهل اسم جمع كالرهط والركب وقد جمع في الحديث جمع السلامة ومثله في القرآن العزيز: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} إلى: {أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} 2. فيجوز أن يكون في بيت الشاطبي -رحمه الله- تعالى أيضا مجموعا وسقطت النون للإضافة والواو لالتقاء الساكنين واللفظ بالمفرد والجمع في مثل هذا واحد وإنما يفترقان في الخط، فتزاد واو في الجمع والمصنف لم يكتب ما نظمه؛ لأنه كان ضريرا وإنما أملاه ولا يظهر في اللفظ جمع فكتبه السامع مفردا ويطرد ذلك في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخرها هذا الحديث: أهل الله وخاصته يجوز أن يكون جمعا وهو الأظهر اعتبارا بما في أول الحديث، ويجوز أن يكون استعمله جمعا ومفردا في حديث واحد كما قال سبحانه: {أَهْلَ الْبَيْتِ} 3، {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} 4، {إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ} 5. وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: "هؤلاء أهل بيتي". والصفوة: الخالص من كل شيء بكسر الصاد وفتحها وروي ضمها. وأشار بالصفوة إلى الخاصة المذكورة في الحديث. وأدخل واو العطف في قوله: "والصفوة" ليأتي على صورة لفظ الحديث في قوله -صلى الله عليه وسلم:   1 سورة الصافات، آية: 87. 2 سورة الفتح، آية 11 و12. 3 سورة الأحزاب، آية: 33. 4 سورة الفتح، آية: 26. 5 سورة المطففين، آية: 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 "أهل الله وخاصته". والملأ: الأشراف والرؤساء وهو موافق لما روي من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل"، وفي رواية: "قراء القرآن وقوام الليل"، ومن حديث علي بن أبي طالب وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري -رضي الله عنهم- رفعوه: "حملة القرآن عرفاء أهل الجنة". أخرجهما الحافظ أبو العلا الهمذاني والملأ مهموز أبدل من همزة ألفا للوقف والله أعلم. 18- أُولُو الْبِرِّ وَالإِحْسَانِ وَالصَّبْرِ وَالتُّقَى ... حُلاَهُم بِهَا جَاءَ الْقُرَانُ مُفَصَّلاَ "أولو" مثل ذوو: بمعنى أصحاب وهو خبر بعد أخبار لقوله: أولئك أي هم المتصفون بهذه الصفات الجليلة من البر وما بعده وحلاهم مبتدأ ومعناه صفاتهم جمع حلية وهي الصفة وخبره الجملة التي بعده وبها متعلق بجاء، ويجوز أن تكون حلاهم صفة البر والإحسان والصبر والتقى فيكون مجرور المحل، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هذه حلاهم ثم قال: بها جاء القرآن والقرآن بلا همز وبالهمز لغتان وهما للقراء قراءتان ومفصلا حال من القرآن ومعناه مبينا ومنه قوله تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} 1. ويجوز أن يكون مفصلا من باب تفصيل القلائد بالفرائد كقول امرئ القيس2: فأدبرن كالجزع المفصل بينه وقوله: تعرُّضَ أثناءِ الوشاح المفصل3 وقيل هذا المعنى أيضا في تفسير قوله تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} 3. أي فصلت بدلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص فكذا أراد الناظم أن القرآن مشتمل على ذكر الأبرار وأخبار الكفار فصفات الأبرار فيه كالفرائد التي تفصل بها العقود وهي الجواهر التي تزينها وتعظم وقعها وهذا بالنسبة إلى المذكور وأما النسبة إلى الذاكر فكلتاهما سواء؛ لأن كلا كلام الله -عز وجل: والله وأعلم. 19- عَلَيْكَ بِهَا مَا عِشْتَ فِيهَا مُنَافِساً ... وَبِعْ نَفْسَكَ الدُّنْيَا بِأَنْفَاسِهَا الْعُلاَ "عليك بها" إغراء وحث: أي الزم هذه الصفات، والصق بها وبادر إليها مدة حياتك منافسا فيها غيرك   1 سورة فصلت آية: 3. 2 آخره: بجيد معم في العشيرة مخول 3 أوله: إذا ما الثريا في السماء تعرضت 4 سورة هود، آية: 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 والمنافسة: المزاحمة في الشيء رغبة فيه ومنافسا حال من الضمير في الإغراء، وقيل من التاء في "عشت" وهو وهم ولك أن تجعل فيها من صلة عشت والضمير للدنيا وإن لم يجر لها ذكر؛ لأن لفظ عشت يدل عليها والدنيا التي وصف بها النفس تأنيث الأدنى الذي هو الحقير الخسيس وإنما وصفها بذلك؛ لاتضاعها مبدأ ومآلا كما قال: ما بال من أوله نطفة ... وجيفة آخره يفخرُ لا فخر إلا فخر أهل التقى ... غدا إذا ضمهم المحشرُ والأنفاس جمع نفس بفتح الفاء: أي بأرواح طيبها التي هي علا في المبدأ والمآل والهاء في أنفاسها تعود إلى حلاهم، "والعلا" بضم العين والقصر له معنيان؛ أحدهما أن يكون جمع عليا تأنيث أعلى فيطابق موصوفه لفظا ومعنى، والثاني أن يكون مفردا بمعنى العلاء بالفتح والمد فيكون وصف الأنفاس بالعلاء على هذا من باب رجل عدل والتقدير ذوات العلا فالوجه الأول أولى وهذا البيت بديع اللفظ جليل المعنى يشم من رائحته أن ناظمه كان من أولياء الله -رحمه الله- تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 بيان القراء السبعة ورواتهم وأخبارهم : ثم أثنى على علماء القراءة فقال: 20- جَزَى اللهُ بِالْخَيْرَاتِ عَنَّا أَئِمَّةً ... لَنَا نَقَلُوا القُرْآنَ عَذْباً وَسَلْسَلاَ هذا دعاء بلفظ الخبر كما تقدم في: صلى الله، وجزى: بمعنى قضى ويتعدى إلى مفعولين نحو قوله تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} 1. وأدخل الشاطبي -رحمه الله- تعالى على المفعول الثاني وهو قوله: "بالخيرات" باء الجر زيادة، والمعنى جزى الله أئمة القراءة خيرا والخيرات: جمع خيرة وهي الفاضلة من كل شيء قال الله تعالى: {وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ} 2. "ولنا" يجوز أن يكون صفة لأئمة، ويجوز أن يكون معمول نقلوا، ونقلوا صفة الأئمة على الوجهين، وعذبا نعت مصدر محذوف: أي نقلا عذبا لم يزيدوا فيه ولم ينقصوا منه ولا حرفوا ولا بدلوا، ويجوز أن يكون حالا أي نقلوه وهو كذلك على هذه الحال لم يتغير عنها ويجوز أن يريد بالقرآن القراءة؛ لأنه مصدر مثلها من قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} 3. وعذوبتها أنهم نقلوها غير مختلطة بشيء من الرأي بل مستندهم فيها النقل الصحيح مع موافقته خط المصحف الكريم واتضاح ذلك على الوجه الفصيح في لغة العرب وسلسلا عطف على عذبا والعذب الماء الطيب والسلسل السهل الدخول في الحلق والله أعلم. 21- فَمِنْهُمْ بُدُورٌ سَبْعَةٌ قَدْ تَوَسَّطَتْ ... سَمَاءَ الْعُلَى واَلْعَدْلِ زُهْراً وَكُمَّلاَ أي فمن تلك الأئمة الناقلين للقرآن على الوجه المرضي سبعة من صفتهم كيت وكيت جعلهم كالبدو في علو   1 سورة الدهر، آية: 13. 2 سورة التوبة، آية: 88. 3 سورة القيامة، آية: 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 منزلتهم عند الناس واتساع علمهم وكثرة الانتفاع بهم وشهرتهم، وقد تقدم ذكرهم وذكر طائفة من الأئمة في خطبة هذا الكتاب وستأتي أبيات في نظم البدور السبعة وأصحابهم وفي السبعة يقول أبو مزاحم الخاقاني: وإن لنا أخذ القراءة سنة ... عن الأولين المقرنين ذوي الستر فللسبعة القراء حق على الورى ... لإقرائهم قرآن ربهم الوتر فبالحرمين ابن الكثير ونافع ... وبالبصرة ابن للعلاء أبو عمرو وبالشام عبد الله وهو ابن عامر ... وعاصم الكوفي وهو أبو بكر وحمزة أيضا والكسائي بعده ... أخو الحذق بالقرآن والنحو والشعر "والعلا" بمعنى العلاء الممدود وهو الرفعة والشرف أو يكون جمع عليا فتكون على حذف الموصوف أي سماء المناقب العلا استعار للعلى والعدل سماء وجعل هذه البدور متوسطة لتلك السماء في حال كونها زاهرة أي مضيئة كاملة من غير نقص مبالغة في وصفهم؛ لأن القمر إذا توسط السماء في حال كماله وتمامه وقوة نوره سالما مما يستر ضوءه كان ذلك أشرف أحواله وأعظم لانتفاع الخلق به فهم أتم نورا وأعم ضوءا، وزُهرا: جمع أزهر أو زاهر كأحمر وحمر وبازل وبزل يقال: زهر إذا أضاء فهو زاهر وأزهر على المبالغة، ولذلك قيل للقمر أزهر وللرجل المشرق الوجه أيضا، وهو منصوب على الحال من فاعل توسطت، وكُملا عطف وهو جمع كامل. فإن قلت: لفظ البدر يشعر بالكمال فما معنى هذه الحال. قلت: أراد كمال أمره من سلامته مما يشينه من خسوف وغيره لا كمال جرمه، وقال فيهم أبو عمر والداني: فهؤلاء السبعة الأئمة ... هم الذين نصحوا للأمّه ونقلوا إليهم الحروفا ... ودونوا الصحيح والمعروفا وميزوا الخطأ والتصحيفا ... واطَّرحوا الواهيَ والضعيفا ونبذوا القياس والآراء ... وسلكوا المحجة البيضاء بالاقتداء بالسادة الأخيار1 ... والبحث والتفتيش للآثار اهـ والله أعلم. 22- لَهَا شُهُبٌ عَنْهَا اُسْتَنَارَتْ فَنَوَّرَتْ ... سَوَادَ الدُّجَى حَتَّى تَفَرَّق وَانْجَلاَ كنى بالشهب عن الأصحاب الذين أخذوا العلم عن البدور السبعة ولما كانوا دونهم في العلم والشهرة كنى عنهم بما إنارته دون إنارة البدر ويقال نار واستنار إذا أضاء وضمن استنارت معنى أخذت فلذلك عداه بـ"عن"، والدجى الظلم جمع دجية وهي هنا كناية عن الجهل، وانجلا: أي انكشف. والشهب جمع شهاب.   1 نسخة: بالنقل والإسناد والأخبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 والشهاب في أصل اللغة: اسم للشعلة الساطعة من النار ثم سمي به الكوكب المضيء المرصد لرجم من استرق السمع من الجن، ويتعلق به كلام طويل ومعانٍ حسنة ذكرتها في شرح قصيدة الشقراطسي -رحمه الله- والله أعلم. 23- وَسَوْفَ تَرَاهُمْ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ ... مَعَ اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ مُتَمَثِّلاَ أي ترى البدور المذكورين في هذه القصيدة على هذه الصفة أي مرتبين واحد بعد واحد فنص واحداً على الحال وبعد واحد صفته وهو كقولهم بينت حسابه بابا بابا وبابا بعد باب هذا إن كان تراهم من رؤية البصر فكأنه نزل ظهورهم في النظم سماعا أو كتابة منزلة المتشخص من الأجسام وإن كان تراهم من رؤية القلب فواحدا مفعول ثانٍ أي تعلمهم كذلك، ويجوز أن يكون واحدا بعد واحد بدلا من هم في تراهم ومتمثلا صفة لواحدا بعد صفة ومع اثنين متعلق بمتمثلا أي متمثلا مع اثنين من أصحابه يقال مثل قائما أي انتصب وتمثل قائما، والمعنى متمثلا في النظم أي متشخصا فيه، ويجوز أن يكون مع اثنين خبر مبتدأ محذوف: أي كل مع اثنين أو يكون التقدير كلا مع اثنين بالنصب على البدل من واحد بعد واحد أي ترى كل واحد منهم مع اثنين من أصحابه، ويجوز أن يكون التقدير واحدا مع اثنين من أصحابه بعد واحد مع اثنين من أصحابه ثم حذف الأول؛ لدلالة الثاني عليه، ولو قال: وسوف تراهم هاهنا كل واحد مع اثنين من أصحابه لكان أسهل معنى وأحسن لفظا، وأصحاب الإنسان أتباعه ومن أخذ بقوله كقولك أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة، فقوله: من أصحابه أي من الناقلين عنه، ثم إن الذين ذكرهم على ثلاثة أقسام منهم من أخذ عن البدر نفسه وهم ثلاثة، أصحاب نافع وعاصم والكسائي، ومنهم من بينه وبين البدر واحد وهم أصحاب أبي عمرو وحمزة، ومنهم من بينه وبين البدر أكثر من واحد وهم أصحاب ابن كثير وابن عامر على ما سيأتي بيان ذلك، وبين المتوسط بين أبي عمرو وصاحبيه وهو اليزيدي وبين المتوسط بين حمزة وصاحبيه وهو سليم لتيسر ذلك عليه في النظم وترك بيان المتوسط بين ابن كثير وصاحبيه وبين ابن عامر وصاحبيه لتعذر ذلك وتعسره نظما والله أعلم 24- تَخَيَّرَهُمْ نُقَّادُهُمْ كُلَّ بَارِعٍ ... وَلَيْسَ عَلَى قُرْآنِهِ مُتَأَكِّلاَ تخير: بمعنى اختار، والنقاد جمع ناقد، والبازغ الذي فاق أضرابه في صفات الخير والضمير في تخيرهم ونقادهم للبدور السبعة أو للشهب أولهما وكل بارع بالنصب بدل من مفعول تخيرهم أو هو نصب على المدح أثنى عليهم بالبراعة في العلم ثم أثنى عليهم بالتواضع فيه والزهد بقوله وليس على قرآنه متأكلا فهو صفة بعد صفة أي كل بارع غير متأكل بقرآنه وإنما دخلت الواو في ليس على تقدير كل من برع وليس على قرآنه أي بقرآنه متأكلا أي لم يجعله سببا للأكل، وقد تورع جماعة من أهل العلم عن الأكل بالقرآن العزيز مع جوازه لهم، كان حمزة -رحمه الله- تعالى من أشدهم في ذلك وقيل هو من قولهم: تأكل البرق والسيف إذا هاج لمعانه أي لم ينتصب ظاهر الشعاع لأهل الدنيا بالقرآن العزيز فيجعله وصلة إلى دنياهم ويقال: تأكلت النار إذا هاجت أي لم يكثر الحرص على الدنيا فتكون على بمعنى مع كقوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} 1 أي من حبه: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} 2، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} 3، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ} 4.   1 سورة الدهر، آية: 80. 2 سورة البقرة، آية: 177. 3 سورة الرعد، آية: 6. 4 سورة إبراهيم، آية: 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وفيه وجوه أخر ذكرناها في الشرح الكبير والله أعلم. 25- فَأَمَّا الْكَرِيمُ السِّرِّ في الطيِّبِ نَافِعٌ ... فَذَاكَ الَّذِي اخْتَارَ الْمَدينَةَ مَنْزِلاَ شرع في ذكر البدور السبعة واحدا بعد واحد وجرت عادة المصنفين في القراءات بذكرهم في أول مصنفاتهم وذكر طرف من أخبارهم والتعريف بهم فمنهم من اختصر ومنهم من أكثر وقد استقصينا ذلك في الشرح الكبير وتقدم في خطبة هذا الكتاب ما يجزئ من ذلك سوى ذكره وفياتهم فنأتي بها وبشرح ما نظمه الشاطبي من أحوالهم، وقد نظم لنافع في هذا البيت سرًّا كريما وهو ما ذكره1 أبو عمرو الداني -رحمه الله- في كتاب الإيجاز وذكره أيضا شيخه أبو الحسن بن غلبون وأبو معشر الطبري وغيرهم. قالوا: كان نافع -رحمه الله- إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك فقيل له: يا أبا عبد الرحمن أو يا أبا رويم أتطيب كلما قعدت تقرئ الناس؟ فقال: ما أمس طيبا ولا أقرب طيبا ولكني رأيت فيما يرى النائم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقرا في فيّ فمن ذلك الوقت يشم من فيّ هذه الرائحة فهذا هو السر الكريم لنافع في الطيب، والمراد بالكرم هنا: الشرف والنباهة والجلالة ومنه قوله تعالى: {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} 2. والكريم في نظم الشاطبي مبتدأ والسر مضاف إليه ويجوز رفعه ونصبه؛ لأنه من باب الحسن الوجه كما سبق ذكره في أجذم العلا وفي الطيب متعلق بالسر أو بالكريم ونافع بدل من الكريم أو عطف بيان والفاء في فذاك جواب أما لما في أما من معنى الشرط وما بعد الفاء جملة اسمية هي خبر المبتدأ، أثنى عليه في ضمن التعريف به بأنه اختار مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- منزلا له أقام بها في جوار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أن مات بها في سنة تسع وستين ومائة وقيل غير ذلك ومنزلا تمييز أو مفعول ثانٍ على تضمين اختار معنى اتخذ أو على حذف حرف الجر من الأول من باب قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} 3. وقيل غير ذلك والله أعلم. 26- وَقَالُونُ عِيسى ثُمَّ عُثْمانُ وَرْشُهُمْ ... بِصُحْبَتِهِ المَجْدَ الرَّفِيعَ تَأَثَّلاَ ذكر اثنين من أصحابه وفاء بوعده وكلاهما أدركه. أحدهما: أبو موسى عيسى بن ميناء المدني ويلقب بقالون وهي كلمة رومية يقولون للجيد من الأشياء هو قالون قيل لقَّبه نافع بذلك؛ لجودة قراءته وقيل لقبه بذلك مالك بن أنس ومات سنة خمس ومائتين بالمدينة وقيل غير ذلك. والثاني عثمان بن سعيد المصري الملقب بورش4 لقَّبه بذلك نافع أيضا؛ لبياضه وقيل فيه وجوه كثيرة ذكرناها في الشرح الكبير ومات بمصر سنة سبع وتسعين ومائة وقالون في البيت مبتدأ ولم يصرفه وإن كان قبل   1 هو صاحب التيسير. ودانية: بلدة بالمغرب. 2 سورة النور، آية: 26. 3 سورة الأعراف، آية: 125. 4 والورش: ضرب من الجبن اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 اللقب اسم جنس وعلى رأي الكوفيين وإما أن يكون قد سمي به في الأعجمية كما في العربية التسمية بحسن وسهل ولا بعد في ذلك؛ لأنه على وزان قارون وهارون وعيسى بدل من قالون ولا يقال عطف بيان؛ فإن اللقب هنا أشهر من الاسم ولهذا أيضا لم يقل إنه مضاف إلى عيسى؛ لأن المعروف إضافة الاسم إلى اللقب لا عكس ذلك، ويجوز أن يكون امتناع صرفه لما يأتي ذكره في اسم غلبون في باب المد والقصر وعثمان عطف على قالون، وورشهم عطف بيان والضمير للقراء، وكذا قوله فيما يأتي: وصالحهم، وأبو عمرهم، وكوفيهم، وحرميهم، لابن كثيرهم ... والهاء في بصحبته لنافع والمجد مفعول تأثلا ضمير تثنية يعود إلى قالون وورش وهو خبر المبتدإ، ومعنى تأثلا جمعا أي سادا بصحبة نافع والقراءة عليه والله أعلم. 27- وَمَكَّةُ عَبْدُ اللهِ فِيهَا مُقَامُهُ ... هُوَ اُبْنُ كَثِيرٍ كاثِرُ الْقَوْمِ مُعْتَلاَ وهذا البدر الثاني عبد الله بن كثير المكي وصفة الشاطبي بأنه كاثر القوم معتلا: أي اعتلاء وكاثر اسم فاعل من كثر بفتح الثاء وهو بناء الغلبة يقال كاثرني فكثرته أي غلبته بالكثرة وكذلك فاخرني ففخرته وخاصمني فخصمته، وعنى بالقوم: القراء السبعة، ومعتلا تمييز: أي هو أكثر اعتلاء ووجهه لزومه مكة وهي أفضل البقاع عند أكثر العلماء وقراءته على صحابي وهو عبد الله بن السائب المخزومي وهو الذي بعث عثمان -رضي الله عنه- معه بمصح إلى أهل مكة لما كتب المصاحف وسيرها إلى الأمصار، وأمره أن يقرئ الناس بمصحفه، فكان ممن قرأ عليه عبد الله بن كثير على ما حكاه غير واحد من المصنفين. فإن قلت: ابن عامر قرأ على جماعة من الصحابة، ونافع لزم المدينة وهي أفضل البقاع عند مالك وغيره وهو مذهب ناظم القصيدة. قلت: كذلك الذي نقول إلا أن المجموع لم يحصل إلا لابن كثير، ولعل الناظم كان يرى مذهب الجمهور في تفضيل مكة وهو الأصح، وقوله: ومكة مبتدأ وعبد الله مبتدأ ثانٍ ومقامه مبتدأ ثالث وفيها خبر الثالث مقدم عليه والثالث وخبره خبر الثاني والجملة التي هي خبره خبر الأول، ويجوز أن يكون مقامه فاعل، والمقام بضم الميم الإقامة وموضعها أي فيها إقامته أو موضع إقامته أي اختارها مقاما كما اختار نافع المدينة منزلا، ومات بمكة سنة عشرين ومائة ثم ذكر اثنين من أصحابه وبينهما وبينه أكثر من واحد فقال: 28- رَوى أَحْمَدُ الْبَزِّي لَهُ وَمُحَمَّدٌ ... عَلَى سَنَدٍ وَهْوَ المُلَقَّبُ قُنْبُلاَ له: بمعنى عنه كقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} 1. أي عنهم، وقوله: على سند أي بسند، أي ملتبسين بسند أو يكون التقدير: معتمدين على سند في نقل القراءة عنه؛ لأنهما لم يرياه: أحدهما: أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع ابن أبي بزة مولى لبني مخزوم مؤذن   1 سورة الأحقاف، آية: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 المسجد الحرام أربعين سنة وإنما قيل له البزي؛ لأنه منسوب إلى جده أبي بزة وخفف الشاطبي ياء النسب ضرورة وهو جائز، ومثله يأتي في البصرى والمكي والدوري وغيرها. قرأ البزي على جماعة منهم عكرمة بن سليمان، وقرأ عكرمة على شبل والقسط، وقرأ على ابن كثير ومات البزي سنة خمس وخمسين ومائتين وقيل غير ذلك. والثاني: أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن سعيد بن جرجة، ويلقب بقنبل: يقال رجل قنبل وقنابل؛ أي: غليظ شديد ذكره صاحب المحكم وغيره، وقيل في سبب تلقيبه بقنبل غير ذلك ذكرناه في الشرح الكبير، وقرأ قنبل على أبي الحسن القواس وابن فليح، وقرأ على أصحاب القسط، وقرأ على ابن كثير. وروي أن قنبلا قرأ أيضا على البزي وهو في طبقة شيخيه المذكورين. ومات قنبل سنة إحدى وتسعين ومائتين. 29- وَأَمَّا الإْمَامُ المَازِنِيُّ صَرِيحُهُمْ ... أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِي فَوَالِدُهُ الْعَلاَ وهذا البدر الثالث أبو عمرو بن العلا البصري المازني من بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر، والصريح هو الخالص النسب وليس في السبعة من أجمع على صراحة نسبه غيره إلا ما لا يعرج عليه فلهذا قال صريحهم وسيأتي الكلام في ابن عامر. ودخل الفرزدق الشاعر على أبي عمرو وهو مختف بالبصرة يعوده فقال فيه: ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمارِ حتى أتيت امرأ محضا ضرائبه -ويروي: ضخما وسيعته ... مر المريرة حرا وابن أحرارِ ينميه من مازن في فرع نبعتها ... أصل كريم وفرع غير حوارِ ويروى ناقص ويروي: جد كريم وعود غير حوار نسبة إلى جده في قوله أبا عمرو بن عمار وهو أبو عمرو بن العلاء بن عمار؛ لأن عمارا كان من أصحاب علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وكان لوالده العلا قدر وشرف، وكان على طراز الحجاج بن يوسف فاشتهر بسبب الولاية وتقدُّم أبيه فلهذا صار أبو عمرو يعرف بابن العلاء فهذا معنى قول الشاطبي: فوالده العلا: أي الرجل المشهور المتقدم في زمانه مات أبو عمرو -رحمه الله- سنة ثمان وأربعين ومائة وقيل سنة أربع أو خمس أو سبع وخمسين ومائة ونقل قراءته خلق كثير أضبطهم لها اليزيدي الذي يذكره الآن. 30- أَفَاضَ عَلَى يَحْيَى الْيَزيدِيِّ سَيْبَهُ ... فَأَصْبَحَ بِالْعَذْبِ الْفُرَاتِ مُعَلَّلاَ هو أبو محمد يحيى بن المبارك العدوي التميمي وعرف باليزيدي لأنه كان منقطعا إلى يزيد بن منصور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 خال المهدي يؤدب ولده فنسب إليه ثم اتصل بالرشيد فجعل المأمون في حجره يؤدبه، ومات في أيامه سنة اثنتين ومائتين. ومعنى أفاض: أفرغ، والسيب: العطاء والعذب الماء الطيب والفرات هو العذب ووجه الجمع بينهما التأكيد أراد به صدق العذوية وكمالها، وقيل: الفرات الصادق العذوبة وسمي الشرب الأول النهل وما بعده العلل: الذي سقى مرة بعد مرة وهو أبلغ في الري. ومعنى البيت: أن أبا عمرو أفاض عطاءه على اليزيدي وكنى بالسيب عن العلم الذي علمه إياه فأصبح اليزيدي ريان من العلم الحسن النافع والله أعلم. 31- أَبُو عُمَرَ الدُّورِي وَصَالِحُهُمْ أَبُو ... شُعَيْبٍ هُوَ السُّوسِيُّ عَنْهُ تَقَبَّلاَ ذكر اثنين ممن قرأ على اليزيدي: أحدهما: أبو عمر حفص بن عمر الأزدي الدوري الضرير نسبة إلى الدور موضع ببغداد بالجانب الشرقي مات سنة ست وأربعين ومائتين. والثاني: أبو شعيب صالح بن زياد السوسي نسب إلى السوس موضع بالأهواز ومات بالرقة سنة إحدى وستين ومائتين في المحرم، وصالحهم مثل ورشهم أي هو الذي من بينهم اسمه صالح فلم يرد وصفه بالصلاح دونهم والهاء في عنه لليزيدي أي تقبلا عنه القراءة التي أفاضها أبو عمرو عليه، يقال تقبلت الشيء وقبلته قبولا: أي رضيته وضمن تقبلا معنى أخذا فلذلك عداه بعن والله أعلم. 32- وَأَمَّا دِمَشْقُ الشَّامِ دَارُ ابْنُ عَامِرٍ ... فَتْلِكَ بِعَبْدِ اللهِ طَابَتْ مُحَلَّلاَ وهذا البدر الرابع: عبد الله بن عامر الدمشقي أحد الأئمة من التابعين. وصفه الناظم بأن دمشق طابت به محللا أي طاب الحلول فيها من أجله أي قصدها طلاب العلم للرواية عنه والقراءة عليه، وإضافة دمشق إلى الشام كإضافة ورش إلى القراء في قوله ورشهم وما أشبهه، وفي ذلك أيضا تبيين لمحلها وتنويه بذكرها لا سيما لمن بعدت بلاده من أهل المشرق والمغرب ألا يرى أن أهل الشام وما يدانيه يسمعون بالمدن الكبار شرقا وغربا، ويتوهمون قرب مدينة منها من أخرى ولعل بينهما مسافة أشهر وإذا كان عبد المحسن الصوري، وهو شاعر فصيح من أهل الشام قد أضاف دمشق إلى الشام في نظمه فكيف لا يفعل ذلك ناظم أندلسي من أقصى المغرب. قال عبد المحسن: كان ذم الشآم مذ كنت شاني ... فنهتني عنه دمشق الشآم ودار ابن عامر بدل من دمشق أو صفة وأوقع الظاهر موقع المضمر في قوله: فتلك بعبد الله؛ بيانا لاسمه وبعبد الله متعلق بطابت ومحللا تمييز يقال: مكان محلل إذا أكثر الناس به الحلول، ومات ابن عامر -رحمه الله- بدمشق في سنة ثمانية عشر ومائة. 33- هِشَامٌ وَعَبْدُ اللهِ وَهْوَ انْتِسَابُهُ ... لِذَكْوَانَ بِالإِسْنَادِ عَنْهُ تَنَقَّلاَ هذان راويان أخذت عنهما قراءة ابن عامر اشتهر بذلك، وكل واحد منهما بينه وبين ابن عامر اثنان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 فهذا معنى قوله: بالإسناد عنه تنقلا أي نقلا القراءة عنه بالإسناد شيئا بعد شيء فتنقل من باب تفهم وتبصر. أما هشام: فهو أبو الوليد هشام بن عمار بن نصير السلمي خطيب دمشق أحد المكثرين الثقات، مات سنة خمس أو ست وأربعين ومائتين، قرأ على أيوب بن تميم التميمي وعراك بن خالد المري، وقرأ على يحيى بن الحارث الذماري، وقرأ يحيى على بن عامر. وأما ابن ذكوان فهو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القرشي الفهري، قرأ على أيوب بن تميم أيضا وكان يصلي إمامًا بجامع دمشق سوى الجمعة ومات سنة اثنتين وأربعين ومائتين، أي هشام وعبد الله تنقلا عن ابن عامر القراءة بالإسناد، وقوله: وهو انتسابه لذكوان جملة معترضة يعني لا تظن أن ذكوان والد عبد الله وإنما هو منتسب إليه كما ذكرنا والله أعلم. 34- وَبِالْكُوفَةِ الْغَرَّاءِ مِنْهُمْ ثَلاَتَةٌ ... أَذَاعُوا فَقَدْ ضَاعَتْ شَذاً وَقَرَنْفُلاَ الغراء: يعني المشهورة البيضاء المنيرة بكثرة العلماء بها، منهم: يعني من السبعة ثلاثة: هم عاصم وحمزة والكسائي أذاعوا أي أفشوا العلم بها وشهروه ونشروه، والضمير في ضاعت للكوفة أو للقراءة أي فاحت رائحة العلم بها والشذا كسر العود والقرنفل معروف وهما منصوبان على حذف مضاف هو مفعول مطلق أي ضوع شذا وقرنفل، أو هما نصب على التمييز أي ضاع شذاها وقرنفلها، أو لأن ضاع يستعمل في الرائحة الكريهة أيضا فميزه بما نفى ذلك والله أعلم. 35- فَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعَاصِمٌ اسْمُهُ ... فَشُعْبَةُ رَاوِيهِ المُبَرِّزُ أَفْضَلاَ وهذا هو البدر الخامس: أبو بكر عاصم بن أبي النجود أحد السادة من أئمة القراءة والحديث، مات سنة عشرين أو سبع أو ثمانٍ أو تسع وعشرين أو سنة ثلاثين ومائة بالسماوة، وهو موضع بالبادية بين الشام والعراق من ناحية الفرات وقيل مات بالكوفة. أثنى الشيخ الشاطبي على عاصم بأن من جملة الرواة عنه شعبة الذي برز في الفضل، وهو باب من أبواب المدح معروف، فكم من تابع قد زان متبوعه، وكم من فرع قد شرف أصله، فقوله: فشعبة مبتدأ وراويه خبره، والمبرز صفة راويه أو نعت شعبة أو يكون راويه نعت شعبة والمبرز خبره، وأفضلا نصب على الحال بمعنى فاضلا وفيه زيادة مبالغة، ويقال برز الرجل أي فاق أضرابه، ويجوز أن يكون تمييزا من باب قولهم: لله دره فارسا؛ لأن الإسناد في المعنى إلى مصدر هذا الاسم أي المبرز فضله أي فاق فضله فضل أقرانه. ولما كان شعبة اسما مشتركا والمشهور بهذا الاسم بين العلماء هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج البصري ميز الذي عناه بما يعرف به فقال: 36- وَذَاكَ ابْنُ عَيَّاشٍ أَبُو بَكْرٍ الرِّضَا ... وَحَفْصٌ وَبِاْلإتْقَانِ كانَ مُفصَّلاَ ذاك إشارة إلى شعبة؛ لأنه مشهور بكنيته واسم أبيه ومختلف في اسمه على ثلاثة عشر قولا ذكرناها في الكبير. والرضا صفة له: أي المرضي ذكره محمد بن سعيد في الطبقة السابعة من أهل الكوفة قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وكان من العباد، وتوفي بالكوفة في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة في الشهر الذي توفى فيه هارون الرشيد بطوس. والراوي الثاني لعاصم: هو حفص بن سليم البزاز بزايين، مات سنة ثمانين ومائة، قال أبو بكر الخطيب: كان المتقدمون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش ويصفونه بضبط الحرف الذي قرأ به على عاصم، وقال يحيى بن معين بن عمرو بن أيوب: زعم أيوب بن المتوكل قال: أبو عمر حفص البزاز أصح قراءة من أبي بكر ابن عياش وأبو بكر أوثق من أبي عمر فهذا معنى قول الشاطبي وبالإتقان كان مفضلا يعني بإتقان حرف عاصم لا في رواية الحديث والله أعلم. 37- وَحَمْزَةُ مَا أَزْكاهُ مِنْ مُتَوَرِّعٍ ... إِمَاماً صَبُوراً لِلقُرانِ مُرَتِّلاَ وهذا البدر السادس: أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات شيخ القراء بالكوفة بعد عاصم فقوله: وحمزة مبتدأ وخبره ما بعده من الجملة التعجبية، كقوله: زيد ما أكرمه، ومن متورع في موضع نصب على التمييز كقولك: ما أكرمه رجلا وما أكرمه من رجل، وكذلك المنصوبات بعده أي ما أزكى ورعه وإمامته وصبره وترتيله للقرآن، ويجوز نصب إماما وما بعده على المدح أي اذكر إماما صبورا ويجوز نصبهنّ على الحال ويجوز أن يكون ما أزكاه إلى آخر البيت كلاما معترضا لمجرد الثناء، وخبر المبتدأ أول البيت الآتي، وهو: "روى خلف عنه وأزكاه من زكا" إذا طهر ونما صلاحه أي ما أجمعه لخصال الخير، ومات -رحمه الله- سنة ست ومسين وقيل سنة أربع أو ثمان وخمسين ومائة والله أعلم. 38- رَوَى خَلَفٌ عَنْهُ وَخَلاَّدٌ الَّذِي ... رَوَاهُ سُلَيْمٌ مُتْقِناً وَمُحَصِّلاَ اعتمد في هذا الإطلاق على معرفة ذلك واشتهاره بين أهله وهو أن سليما قرأ على حمزة وأن خلفا وخلادا أخذا قراءة حمزة عن سليم عنه وظاهر نظمه لا يفهم منه هذا؛ فإنه لا يلزم من كونهما رويا الذي رواه سليم أن يكون أخذهما عن سليم لاحتمال أن يكون سليم رفيقا لهما ومتقنا ومحصلا حالان من الهاء في رواه أو من الذي وكلاهما واحد. وسليم هذا: هو سليم بن عيسى مولى بني حنيفة، مات سنة ثمان أو تسع وثمانين ومائة وقيل سنة مائتين. وأما خلف: فهو صاحب الاختيار وهو أبو محمد خلف بن هشام البزار آخره راء، مات ببغداد سنة إحدى أو ثمان أو تسع وعشرين ومائتين. وأما خلاد: فهو أبو عيسى ويقال أبو عبد الله خلاد بن خالد الأحول الصيرفي الكوفي ويقال خلاد ابن خليد ويقال ابن عيسى: توفي سنة عشرين أو ثلاثين ومائتين. 39- وَأَمَّا عَلِيٌّ فَالْكِسَائِيُّ نَعْتُهُ ... لِمَا كانَ في الْإِحْرَامِ فِيهِ تَسَرْبَلاَ وهذا البدر السابع: أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بميم ونون آخره النحوي المعروف بالكسائي، مات سنة تسع وثمانين ومائة، وقيل قبل ذلك. ذكر الشاطبي في هذا البيت سبب كونه نعت بالكسائي وهو أحد الأقوال في ذلك ولم يذكر صاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 التيسير غيره وقيل له الكسائي من أجل أنه أحرم في كساء والنعت الصفة والسربال القميص وقيل كل ما يلبس كالدرع وغيره يقال سربلته فتسربل أي ألبسته السربال فلبسه ولما تنزل الكساء من الكسائي منزلة القميص أطلق عليه لفظ تسربل، واللام في لما للتعليل وما مصدرية أي: لكونه تسربل الكساء في وقت إحرامه بنسك الحج أو العمرة، وقوله: فيه يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون متعلقا بالإحرام أي لكونه أحرم فيه والضمير للكساء الذي دل عليه لفظ الكسائي ومفعول تسربل محذوف أي تسربل الكساء. الوجه الثاني: أن يكون فيه مفعول تسربل أي لكونه في وقت الإحرام تسربل فيه فتكون في زائدة أو عداه بـ "في" لكونه ضمنه معنى حل أو تكون في بمعنى الباء أي به تسربل، وقيل سمي الكسائي؛ لأنه كان في حداثته يبيع الأكسية وقيل: لكونه كان من قرية من قرى السواد يقال لها باكسايا وقيل: كان يتشح بكساء ويجلس مجلس حمزة فكان حمزة يقول: اعرضوا على صاحب الكساء. قال الأهوازي: وهذا القول أشبه بالصواب عندي. 40- رَوَى لَيْثُهُمْ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ الرِّضاَ ... وَحَفْصٌ هُوَ الدُّورِيُّ وَفيِ الذِّكْرِ قَدْ خَلاَ ليثهم مثل ورشهم هو أبو الحارث الليث بن خالد، مات سنة أربعين ومائتين، والرضى أي المرضى أو على تقدير ذي الرضى وحفص هو الدوري الراوي عن اليزيدي ولهذا قال في الذكر: "قد خلا" أي سبق ذكره فيما ذكرناه من النظم. 41- أَبُو عَمْرِهِمْ والْيحْصَبِيُّ ابْنُ عَامِرٍ ... صَرِيحٌ وَبَاقِيهِمْ أَحَاطَ بِهِ الْولاَ أضاف أبا عمرو إلى ضمير القراء كما سبق في ورشهم وليثهم وصالحهم وأبو عمرو وإن كان لفظه مركبا فمدلوله مفرد فلوحظ المدلول فأضيف على حد قولهم "حب رماني" في إضافة ما يسمى في العرف حب رمان، واليحصبي منسوب إلى يحصب حي من اليمن وفي الصاد الحركات الثلاث قبل النسب وبعده وابن عامر عطف بيان لليحصبي، وصريح خبر المبتدإ وما عطف عليه ولم يقل صريحان؛ لأن الصريح كالصديق والرفيق يقع على الواحد والمتعدد أو يكون صريح خبر الأول أو الثاني وحذف خبر الآخر لدلالة المذكور عليه وقد تقدم أن معنى الصريح الخالص النسب. فمعنى البيت أن أبا عمرو وابن عامر خالصا النسب من ولادة العجم فهما من صميم العرب وهذا على قول الأكثر، ومنهم من زعم أن ابن عامر ليس كذلك، ومنهم من زعم أن ابن كثير وحمزة من العرب أيضا ولم يختلف في نافع وعاصم والكسائي أنهم ليسوا من العرب. وغلب على ذرية العجم لفظ الموالي يقال فلان من العرب وفلان من الموالي فهذا الذي ينبغي أن يحمل عليه ما أشار إليه بقوله أحاط به الولا يعني ولادة العجم ولا يستقيم أن يراد به ولاء العتاقة فإن ذلك لم يتحقق فيهم أنفسهم ولا في أصول جميعهم ولا يستقيم أن يراد به ولاء الحلف فإن العربية لا تنافي ذلك وقد كان جماعة من العرب يحالفون غيرهم، وقد قيل في نسب أبي عمرو: إنه كان حليفا في بني حنيفة وقيل كان ولاؤه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 للعنبر وقد بينا جميع ذلك وحققناه في الشرح الكبير، والهاء في به عائدة على باقيهم فهو لفظ مفرد وإن كان مدلوله هنا جماعة، وأحاط أي أحدق وشمل والله أعلم. 42- لَهُمْ طُرُقٌ يُهْدَى بِهَا كُلُّ طَارِقٍ ... وَلاَ طَارِقٌ يُخْشى بِهاَ مُتَمَحِّلاً أي لهؤلاء القراء مذاهب منسوبة إليهم يهدى بها أي يهتدي بنفسه أو يرشد المستهدين بتلك الطرق كل طارق أي كل من يقصدها ويسلك سبيلها. جعل تلك الطرق كالنجوم التي يهتدى بها كأنه قال: كل سالك ومارّ في هذا العلم فإنه يهتدي بهذه الطرق ويهدى بها، وقيل: المراد بكل طارق أي كل نجم وكنى بالنجم عن العالم؛ لاشتراكهما في الاهتداء بهما ثم قال: ولا طارق يخشى بها ... أي ولا مدلس من قولهم: طرق يطرق طروقا إذا جاء بليل والليل محل الآفات. والمعنى أن تلك الطرق قد اتضحت واستنارت فلا يخشى عليها مضلل ولا مدلس، و"لا" بمعنى ليس وطارق اسمها ويخشى خبرها أو صفة لطارق وبها الخبر، ويجوز أن يكون بها متعلقا بمتمحلا، ومتمحلا خبر لا أو حال من الضمير في يخشى العائد على طارق يقال تمحل إذا احتال ومكر فهو متمحل. 43- وَهنَّ الَّلوَاتِي لِلْمُوَاتِي نَصَبْتُهاَ ... مَنَاصِبَ فَانْصَبْ فِي نِصَابِكَ مُفْضِلاَ وهن ضمير الطرق واللواتي من الأسماء الموصولة وهو جمع اللاتي جمع التي، والمواتي: الموافق وأصله الهمز، ونصبتها أي رفعتها وأبرزتها وأصلتها، مناصب: أي أصولا جمع منصب، وهو الأصل وكذلك النصاب؛ أي وتلك الطرق والمذاهب هي التي نظمت في هذه القصيدة لمن وافقني على ما اصطلحت فيها ونصبتها أصولا لمن يقرؤها أو أعلاماً لعز من علمها وشرفه ومناصب مفعول ثانٍ لنصبت على تضمين نصبت معنى جعلت وقيل: هو حال وقيل: تمييز ثم قال: فانصب أي اتعب وتجرد وشمر لتحصيلها ونصاب الشيء أصله أي اتعب في تحصيل بضاعة العلم الذي يصير أصلا لك تنسب إليه إذا انتسب الناس إلى آبائهم وقبائلهم، وقيل: المراد به النية أي اتعب في تخليص نيتك مما يفسدها في قراءة هذا العلم ومفضلا حال من الضمير في انصب يقال: أفضل الرجل إذا أتى بفاضل الأعمال كأحسن وأجمل إذا أتى بحسنها وجميلها أي مفضلا بإخلاص النية والله أعلم. 44- وَمَا أَنَا1 ذَا أَسْعى لَعَلَّ حُرُوفَهُمْ ... يَطُوعُ بِهَا نَظْمُ الْقَوَافِي مُسَهِّلاَ ها حرف تنبيه وأنا ضمير المتكلم وذا اسم إشارة ونظير هذه العبارة قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ} 2. فإعرابه كإعرابه وأسعى: بمعنى أحرص وأجتهد: أي إني مجتهد في نظم تلك الطرق راجيا حصول ذلك وتسهيله والضمير في حروفهم للقراء والمراد بالحروف قراءاتهم المختلفة، وقال صاحب العين: كل كلمة   1 أنا مبتدأ ثانٍ وأسعى خبره؛ أو تقول أنا مبتدأ وذا بدل منه، وأسعى خبره. أو ذا خبر أنا. 2 سورة آل عمران، آية: 119. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 تقرأ على وجوه من القرآن تسمى حرفا، ويجوز أن يكون المراد بالحروف الرموز؛ لأنها حروفهم الدالة عليهم ويدل عليه قوله بعد ذلك: جعلت أبا جادٍ كأن قائلا قال له: وما تلك الحروف التي ترجو طوع القوافي بها فقال ذلك، ويطوع بمعنى ينقاد فكأنه ضمنه معنى يسمح فعداه بالباء، والقوافي جمع قافية وهي كلمات أواخر الأبيات بضابط معروف في علمها، وقد نظمت فيها الأرجوزة الوافية بعلمي العروض والقافية ومسهلا حال من النظم ثم قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 بيان الرموز التي يشير بها الناظم إلى القراء السبعة ورواتهم : 45- جَعَلْتِ أَبَا جَادٍ عَلَى كُلِّ قَارِئٍ ... دَلِيلاً عَلَى المَنْظُومِ أَوَّلَ أَوَّلاَ أي صيرت حروف أبي جاد فحذف المضاف للعلم به أي جعلته دليلا على كل قارئ ذكرته في هذا النظم فقوله: "على المنظوم" بدل من قوله: "على كل قارئ" بإعادة العامل أو يكون معمول عامل مقدر أي مرتبا على ما نظمته، وتقدير أول أولا أولا فأولا أو أولا لأول ثم حذف الحرف وركبت الكلمتان معا وبنيتا على الفتح أي الأول من حروف أبي جاد للأول من القراء والثاني للثاني وهكذا إلى أن ينتهي عدد القراء السبعة، والرواة الأربعة عشر وحروف أبي جاد هي حروف المعجم المعروفة جمعت في كلمات أولها أبجد وكان أصله أبو جاد فحذفت منه الواو والألف؛ لئلا تتكرر الصور؛ لأن أول أبجد ألف وفي هوز واو وقد بسطنا الكلام في ذلك في الشرح الكبير وصفا لنا من الحروف سبع كلمات كل كلمة لواحد من السبعة وراوييه على ترتيب نظمه الأول للشيخ والثاني لأول الروايين والثالث لثانيهما ولا يعد في القراء اليزيدي ولا سليم؛ لأنه إنما ذكرهما لبيان السند لمن قرأ عليهما لا لتنسب القراءة إليهما والكلمات هي أبج دهز حطي كلم نصع فصق رست وهي تجيء نصف بيت بتسكين الحرف الوسط من دهز كلم نصع وتحريكه من البواقي وتمام البيت دليل على المنظوم أول أولا فالألف لنافع والباء لقالون والجيم لورش والدال لابن كثير وهكذا إلى آخرهم فتكون الراء للكسائي والسين لأبي الحارث والتاء للدوري عنه1 وله عن عن أبي عمرو الطاء من حطي هذا عقد هذا الاصطلاح. وننبه بعد ذلك على فوائد تتعلق باستعماله لهذه احروف لم يتعرض لها وإنما فهمتها من تصرفه في نظمه، منها أن هذه الحروف لا يأتي بها مفردة بل في أوائل كلمات قد ضمن تلك الكلمات معاني صحيحة مفيدة فيما هو بصدده من ثناء على قراءة أو على قارئ أو تعليل أو نحو ذلك على ما سيأتي بيانه كقوله: وبسمل بين السورتين بسنة ومالك يوم الدين راويه ناصر سلاسل نون إذ رووا صرفه لنا وقد يأتي بها بعد الواو الفاصلة كقوله: ألا وعلا الحرمي إن لنا هنا وكم صحبة يا كاف دون عناد عم وحكم صحاب قصر همزة جاءنا فالحاء من حكم رمز لأبي عمرو فكأنه قال وأبو عمرو وفلان وفلان يقرءون كذا وكذلك الدال من ودون لابن كثير والكاف من وكم لابن عامر والعين من وعلى لحفص ولا يأتي ذلك إلا حيث يكون الواو زائدة على الكلمة فالعين من قوله وعى نفر ليست برمز وكذا قوله في سورة النحل معا يتوفاهم لحمزة وصلا سما كاملا يهدي الواو في وصلا فصل وهي أصلية فالصاد ليست برمز داخل مع سما كاملا،   1 أي إذا كان راويا عن الكسائي: وللدوري أيضا إذا كان راويا عن أبي عمرو البصري الطائي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وكذا لا يفعل ذلك إلا في ابتداء المسألة لا في أثناء الرمز، فقوله: حق وذو جلا، حق وذو ملا ليس الذال برمز وكذا ما أشبه ذلك ولو كان تجنب الرمز في الحشو مطلقا لكان أولى. ومنها أن رمز نافع أول حروف أبجد؛ لأن نافعا أول القراء في نظمه وأول حروف أبجد همزة لفظا وألف خطًّا فاستعمل المجموع في رمز نافع فالهمزة يستعملها كثيرا نحو ورابرق افتح آمنا وقد يستعمل ألف الوصل نحو معي نفر العلا، له الرحب له الحلا وإن افتحوا الجلا كما انجلا وهو كثير ولو تجنبه لكان أحسن فإن ألف الوصل ساقطة لفظا منه فكلما كان الرمز بلفظ بين كان أولى منه بلفظ خفي ولزم منه إلباس في قوله: سورة الكهف: وأقبلا على حق السدين أن يكون الألف من واقبلا رمز نافع فيكون مع على حق في فتح السدين كما فعل ذلك في وعلا وكم ودون وحكم على ما تقدم. ومنها أنه مهما اجتمع الراويان على قراءة فالرمز لإمامهما دونهما في غالب الأمر؛ لأنه الأخص إذ لا يحتاج إلا إلى كلمة واحدة، وقد جاء في بعض المواضع الرمز لهما بكلمتين لاحتياجه إلى ذلك في إقامة الوزن وتتمة البيت كقوله: ضوء سنا تلا، وفي الفرقان زاكيه هللا، وفي لوصل لكنا فمد له ملا. ومنها أنه إذا اتصل شيء من هذه الحروف بضمير قراء تقدم ذكرهم لم يكن ذلك رمزا وكان الضمير كالمصرح به من أسمائهم، ومن حكمه أن المصرح به لا رمز معه وذلك نحو قوله: وصية ارفع صفو حرميه رضى ثم قال: ويبصط عنهم: أي أن من تقدم ذكرهم يقرءون يبصط بالصاد ولا نقول إن العين في عنهم رمز حفص ومثله: وضم الراء حق ولاغية لهم أي ضم نافع وابن كثير وأبو عمرو الياء من: لا تسمع فيها1 ورفع: لاغية لهم أيضا ولا نقول إن اللام في لهم رمز هشام وهذا بخلاف ما إذا كان الضمير غير راجع إلى أحد من القراء الذين سبق ذكرهم فإن الحرف حينئذ يكون رمزا مثل: له الرحب له الحلا. ومنها أنه قد جاء في مواضع ألفاظ تصلح أن تكون رمزا وليست برمز في مراده وذلك كما سنبينه في باب المد والإمالة والزوائد وفرش الحروف، وهو مشكل وفي باب البسملة موضع ذكر أنه رمز وعندي أنه ليس برمز كما سنذكره. ومنها أنه إذا اجتمعت قراءتان لقارئ واحد فتارة يسمى لكل قراءة منهما كقوله: وفيه لم ينون لحفص كيد بالخفض عولا وتارة يسمى بعد الثانية فتكون التسمية لهما كقوله: وأنث ان تكون مع الأسرى الأسارى حلا حلا وفي قوله: سنكتب ياء ضم البيت رمز بعد ثلاث قراءات لحمزة بقوله فيكملا وتارة يسمى مع الأولى ويعطف الثانية عليها كقوله: ويغشى سما خفا البيت فقوله والنعاس ارفعوا يعني لحق المقدم ذكره؛ لأنه قد أتى بالواو الفاصلة في قوله: ولا فلو كان رفع النعاس لغير من تقدم ذكره لسماه قبل الواو فيعلم بمحئ الواو أن لا رمز لها سوى ما تقدم والله أعلم. 46- وَمِنْ بَعْدِ ذِكْرِى الْحَرْفَ أُسْمِى رِجَالَهُ ... مَتَى تَنْقَضِي آتِيكَ بِالْوَاوِ فَيْصَلاَ الحرف مفعول ذكرى المضاف إلى ياء المتكلم والمراد بالحرف ما وقع الاختلاف فيه بين القراء من الكلمات وأسمى وأسمى لغتان بمعنى واحد ويتعديان إلى مفعول واحد؛ لأنه واحد؛ لأنه بمعنى ذكرى الاسم، والهاء في رجاله تعود إلى الحرف والمراد برجاله قراؤه أي أذكرهم برموزهم التي أشرت إليها لا بصريح أسمائهم فإن ذلك يتقدم على الحرف ويتأخر كما سيأتي.   1 سورة الغاشية، آية: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 بين بهذا البيت كيفية استعماله الرمز بحروف أبجد فذكر أنه يذكر حرف القراءة1 أولا ثم يرمز له سواء كان المختلف فيه كلمة أو أكثر فالكلمة نحو: وتقبل الاولى أنثوا دون حاجز والكلمتان نحو وكسر بيوت والبيوت يضم عن حماجلة والثلاث نحو: وقيل وغيض ثم جيء يشمها والربع نحو: وسكِّنْ يؤده معْ نولهْ ونصلِهِ ونؤته منهاوقد تكون قاعدة كلية يدخل تحتها كلم متعددة نحو: وضمك أولى الساكنين ... البيت والأغلب أن الرمز المذكور لا يأتي إلا بعد كمال تقييد القراءة إن احتاجت إلى تقييد كالأمثلة التي ذكرناها، وقد وقع قليلاً رمز قبل تمام التقييد كقوله: والعين في الكل ثقلا كما دار واقصر مع مضعفة فقوله: كما دار رمز متوسط بين كلمتي التقييد وهما ثقلا واقصر، ومثله: ومع مد كائن كسر همزته دلا ولا ياء مكسورا ... وأما قوله في سورة غافر: أو أن زد الهمز ثملا وسكن لهم فإن قوله: لهم قام مقام تكرار الرمز وقد يرمز قبل جملة التقييد كقوله: وإثم كبير شاع بالثا مثلثا، ومثله مع تسمية القارئ قوله وفي فأزل اللام خفف لحمزة وزد ألفا من قبله فتكملا والضمير في تنقضي للرجال، ويجوز أن يعود على المسألة برمتها من ذكر الحرف وقرائه لدلالة سياق الكلام على ذلك. يريد أنه إذا انقضى ذكر الحرف ورمز من قرأه أتى بكلمة أولها واو تؤذن بانقضاء تلك المسألة واستئناف أخرى؛ لأن الواو لم يجعلها رمز القارئ بخلاف سائر الحروف ولو لم يفعل ذلك لاختلطت المسائل وظن ما ليس برمز رمزًا لا سيما إذا أتى بكلام بين المسألتين للحاجة إليه في تتميم وزن البيت كقوله: وجها على الأصل أقبلا وجها ليس إلا مبجلا حق وذو جلا فإن ما بعد الواو ليس رمزا في كل ذلك وقد يأتي بكلمة أولها واو في أثناء تقييد المسألة لضرورة القافية فلا تكون الواو فيها فصلا كقوله: من رجز أليم معا ولا على رفع خفض الميم دل عليه، وكقوله: والياسين بالكسر وصلا مع القصر مع إسكان كسر دنا غنى، فالواو في ولا ووصلا في هذين الموضعين ليسا بفصل كما أن ألفاظ التقييد لا تكون أوائلها إلا رمزا، وإنما الرمز ما يأتي بعد كمال التقييد غالبا كذلك الواو الفاصلة هي ما يأتي بعد كمال المسألة من التقييد والرمز والله أعلم. وإثبات الياء في تنقضي وآتيك وهما فعلا شرط وجزاء على لغة من قال: ألم يأتيك والأنباء تنمي وحقها حذف الياء منها للجزم ولم يستقم له حذف الياء من تنقضي، أما من آتيك فكان حذفها جائزا له على ارتكاب زحاف جائز والناظم لم يفعله لنفور الطبع السليم منه وفيصلا حال وهو من الصفات التي جاءت على وزن فيعل كضيغم وبيئس وفيه معنى المبالغة والله أعلم. 47- سِوَى أَحْرُفٍ لاَ رِيبَةٌ فِي اتِّصَالِهَا ... وَبالَّلفْظِ أَسْتَغْنِي عَنِ الْقَيْدِ إِنْ جَلاَ نبه بهذا البيت على أنه إنما جعل الواو فاصلة؛ لترتفع الريبة واللبس من اختلاط الحروف وإنما خص الواو بالفصل لتأتِّيها له في النظم وتيسرها عليه من حيث هي في الأغلب عاطفة والقراءات تراجم ومسائل يعطف بعضها على بعض وربما فصل بغير العاطفة كقوله: دار وجها شاع وصلاه في عمد وعوا وهو قليل، وليس كل كلمة أولها واو يكون الواو فيها فصلا؛ فإن ذلك قد يقع في كلمات القرآن وفي ألفاظ التقييد،   1 أي ما وقع في الاختلاف فيه بين القراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 كقوله: وراؤه بكسر بعد قوله: وصحبة يصرف فتح ضم، ومنه قوله: وبالضم واقصروا كسر التاء قاتلوا، وقد تقدم أنها تقع في أثناء كلمات التقييد وإن لم تكن تلك الكلمة تقييدا بل احتيج إليها؛ لتتميم القافية كقوله: وفك ارفعن ولا، فإن قوله: "ولا" وقع حشوا؛ لأجل القافية، وقوله: بعد ذلك وبعد اخفضن واكسر ومد الواو في الكلمات الثلاث داخلة على ما هو تقييد لا فصل في واحدة منها إلى قوله ومؤصدة فإنما الواو الفاصلة هي الآتية بعد كمال الرمز، ثم إن الكلمة التي أولها واو للفصل تارة ليس المراد منها إلا ذلك نحو وضم حليهم بكسر شفا وافٍ فكلمة وافٍ لم يأتِ بها إلا للفصل وإن تضمنت معنى صحيحًا فيما يرجع إلى الثناء على القراءة وتارة تأتي الكلمة ويكون ما بعد الواو مقصودًا لغير الفصل إما هو من الحروف المختلف فيها نحو: وموصدة فاهمز وحمالة المرفوع، وإما اسم لقارئ نحو وحمزة أسرى وورش؛ لئلا وبصر وأتبعنا أو تقييد للحرف المختلف فيه نحو: وخاطب حرفا تحسبن وبالضم صر أشاع وميم ابن أم اكسر وذكر لم يكن شاع وقد يكون ما بعد الواو رمزا وهو قليل وقد تقدم الكلام فيه نحو وعلى الحرمي ثم ذكر في هذا البيت أنه قد لا يأتي بالواو الفاصلة وذلك في أحرف من القراءات إذا اتصلت لم يلبس أمرها ولا يرتاب الناظر فيها؛ لأنها من كلم القرآن وذلك كقوله وينبت نون صح يدعون عاصم ويدعون خاطب إذ لوى ورابرق افتح آمنا البيتين ففي كل بيت منهما ثلاثة أحرف ولا واو بينها وقد يقع ااتصال من تقييد قراءة ورمز أخرى كقوله: يظلمون غيب شهددنا ثم قال: إدغام بيت في حلا وقوله: واكسر الضم اثقلا نعم عم في الشورى. فالحاصل أنه يلتزم الواو في مواضع الريبة وفيما عداها قد يأتي بالواو طردا للباب وقد لا يأتي بها للاستغناء عنها وأكثر المواضع التي أتى فيها بالواو لا لبس فيها كقوله: وعند سراط والسراط ورضوان اضمم زكا وقواريرا، وقد ترك الواو سهوا في موضع واحد ملبس في سورة القصص وقل قال موسى واحذف الواو دخللا نما نفر بالضم ثم ذكر حكما آخر فيما يتعلق بتقييد الحرف المختلف فيه فقال: وباللفظ استغنى عن القيد ولم يكن هنا موضع ذكره ولو أخره إلى ما بعد انقضاء الرموز لكان أولى وذلك عند قوله: وما كان ذا ضد ... إلى قوله: وفي الرفع والتذكير والغيب فهاتيك الأبيات كلها فيما يتعلق بتقييد القراءات، وهذه الأبيات من قوله: جعلت أبا جاد ... إلى قوله: وما كان ذا ضد كلها في الرمز وما يتعلق به ويتفرع عنه فاعترض بهذا الحكم في أثناء ذلك فذكر أنه قد لا يحتاج إلى تقييد الحرف بهيئة قراءته إذا كان التلفظ به كاشفا عن ذلك القيد، ولهذا قال: إن جلا أي إن كشف اللفظ عن المقصود وبينه يقال جلوت الأمر إذا كشفته، وهذا قد أتى في القصيدة على ثلاثة أقسام إما أن يلفظ بالقراءتين معا كقوله: وحمزة أسرى في أسارى وفي طائر طيرا سكارى معا سكرى وعالم قل علام، وإما أن يلفظ بإحداهما ويقيد الأخرى كقوله: وبالتاء آتينا، والثالث أن يلفظ بإحداهما ولا يقيد الأخرى كقوله: و {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 1. كأنه قال بالمد ففهم من ذلك القراءة الأخرى من جهة الضد، وقد يلفظ بالقراءتين معا ويذكر بعد بعض   1 سورة الفاتحة، آية: 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 قيود إحداهما كقوله: تمارونه تمرونه وافتحوا شذا وطأ وطاء فاكسروه وكل موضع لفظ بحرف مختلف فيه ولم يستغن باللفظ به عن القيد ثم قيده بما فهم منه الخلاف باعتبار الأضداد على ما سيأتي ذكرها، فإن لم يكن أن يلفظ بذلك اللفظ إلا على إحدى القراءتين تعين، وهو في القصيدة على نوعين: أحدهما أن يكون القيد لما لفظ به كقوله: وما يخدعون الفتح من قبل ساكن وبعد ذكا وخفف كوف يكذبون وعدنا جميعا دون ما ألف وكفلها الكوفي ثقيلا البيت وحامية بالمد صحبته كلا وفي حاذرون المد. والثاني أن يكون القيد لما لم يلفظ به وهذا أحسن لأخذ كل من القراءتين حظا إما لفظا وإما تقييدا كقوله: وفي تكملوا قل شعبة الميم ثقلا وقصر قياما عم مع القصر شدد ياء قاسية شفا ووحد للمكي آيات الولا فإن أمكن أن يلفظ بذلك اللفظ على كل واحدة من القراءتين فالأولى أن يلفظ بما لم يقيده كقوله: عليهم إليهم حمزة بكسر الهاء وصحبة يصرف بضم الياء وذكر لم تكن بالتاء الدالة على التأنيث وقد جاء في سورة طه موضع استغنى فيه باللفظ عن القيد ولم يحصل الاستغناء به لأنه لم يجل القراءة الأخرى ولم يكشفها وهو قوله: وأنجيتكم واعدتكم ما رزقتكم شفا وسيأتي ما يمكن الاعتذار به في موضعه إن شاء الله تعالى. 48- وَرُبَّ مَكاَنٍ كَرَّرَ الْحَرْفَ قَبْلَهَا ... لِمَا عَارِضٍ وَالْأَمْرُ لَيْسَ مُهَوِّلاَ الحرف: مفعول كرر وفاعله ضمير راجع إلى مكان على طريقة المجاز جعل المكان مكرر لما كان التكرار واقعا فيه كقولهم ليل نائم أو يرجع إلى الناظم على طريقة الالتفات من استغنى إلى كرر كقوله تعالى: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ} 1. أي كرر فيه الناظم الحرف قبلها أي قبل الواو الفاصلة ومراده بالحرف هنا حرف الرمز الدال على القارئ لا الكلمة المختلف فيها المعبر عنها بقوله: ومن بعد ذكرى الحرف ولو قال: ورب مكان كرر الرمز لكان أظهر لغرضه وأبين ورب حرف تقليل وعامله محذوف مقدر بعده أي وجد أو عثر عليه أشار إلى أن ذلك يوجد قليلا وهو تكرار الرمز تأكيدا وزيادة بيان، وهو في ذلك على نوعين: أحدهما: أن يكون الرمز لمفرد فيكرره بعينه كقوله: اعتاد فضلا، وحلا حلاء، وعلا علا. والثاني: أن يكون الرمز لجماعة لم يرمز لواحد من تلك الجماعة كقوله: سما العلا، ذا أسوة تلا. وقد يتقدم المفرد كقوله: إذ سما كيف عولا، وقوله: قبلها يعني قبل الواو الفاصلة المنطوق بها أو قبل موضعها وإن لم توجد فإن حلا حلا وعلا علا ليس بعدهما واو فاصلة، وقوله: لما عارض تعليل للتكرير وما نكرة موصوفة أي لأمر عارض أو زائدة كزيادتها في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} 2.   1 سورة الإسراء، آية: 1. 2 سورة آل عمران، آية: 159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 أي لأجل عارض اقتضى ذلك من تحسين لفظ أو تتميم قافية ثم سهل هذا الأمر على الطالب وهونه بقوله والأمر ليس مهولا: أي ليس مفزعا أي لا يجر لبسا ولا يؤدي إلى إشكال. واعلم أنه كما يكرر الرمز لعارض فقد تكرر الواو الفاصلة أيضا لذلك كقوله قاصداً ولا ومع جزمه، ولم يخشوا هناك مضللا وأن يقبلا التذكير، ولم ينبه على ذلك وهو واضح والله أعلم. 49- وَمِنْهُنَّ لِلْكُوفِيِّ ثَاءٌ مُثَلَّتٌ ... وَسِتَّتُهُمْ بِالْخَاءِ لَيْسَ بِأَغْفَلاَ الضمير في منهن للحروف للعلم بها ووصف الثاء بأنه مثلث بالنقط ليميزه من الباء والتاء وكذلك قوله: في الخاء ليس بأغفلا: أي أنه منقوط ليميزه من الحاء. لما اصطلح الناظم -رحمه الله- على رموز للقراء منفردين اصطلح أيضا على رموز لهم مجتمعين إلا أنه ليس لكل اجتماع بل لما يكثر دوره ووقوعه. واعلم أن لكل واحد من القراء شيئا ينفرد به وقد جمعت ذلك في مصنف بترتيب حسن ولكل واحد منهم اجتماع مع كل واحد منهم هذا مطرد ويتفق اجتماع ثلاثة على قراءة ولا يطرد في الجميع وكذا يتفق اجتماع أربعة وخمسة وستة وكان قد بقي ستة أحرف فجعل كل حرف منها رمزا لما يذكره فذكر في هذا البيت حرفين الثاء والخاء فالثاء رمز للقراء الكوفيين وهم ثلاثة كما سبق وقوله للكوفي أي للقارئ الكوفي من السبعة: أي لهذا الجنس منهم والحروف كلها تذكر وتؤنث واختار التذكير في وصف هذه الحروف هنا لما كانت عبارة عن ذكور فقال مثلث وليس بأغفلا وكذا الأربعة البواقي على ما يأتي فالضمير في وستتهم للقراء: أي يعبر عنهم بالخاء ثم بين الستة منهم فقال: 50- عَنَيْتُ الْأُلَى أَثْبَتُّهُمْ بَعْدَ نَافِعٍ ... وَكُوفٍ وَشَامٍ ذَا لُهُمْ لَيْسَ مُغْفَلاَ الألى بمعنى الذين: أي عنيت بالستة الذين ذكرتهم بعد ذكر نافع وهم باقي السبعة. وعبر عن الكوفيين وابن عامر وهو الشامي بالذال وقال ليس مغفلا ليميزه عن الدال ووجه قوله وكوف وشام وكذا ما يأتي بعده مثل وبصر ومك أنه حذف إحدى ياءي النسب تخفيفا كما يخفف المشدد لضرورة الشعر وكأن المحذوف المتحركة فبقيت الساكنة مع التنوين فحذفت لالتقاء الساكنين فصار كقاض والألف واللام مقدرة أو الإضافة ولهذا صح الابتداء به أي والكوفي والشامي أو وكوفيهم وشاميهم ذالهم التي هي عبارة عنهم منقوطة ثم قال: 51- وَكُوفٍ مَعَ المَكِّيِّ بِالظَّاءِ مُعْجَماً ... وَكُوفٍ وَبَصْرٍ غَيْنُهُمْ لَيْسَ مُهْمَلاَ المعجم من الحروف ما نقط من قولهم: أعجمت الكتاب: أي أزلت عجمته والمهمل ما لم ينقط ولسنا بخائضين في بيان مناسبة كل حرف لمن جعله له من جهة مخارج الحروف وصفاتها فإنه لو عكس ما ذكره لأمكن توجيهه أيضا والله أعلم. 52- وَذُو النَّقْطِ شِينٌ لِلْكِسَائِي وَحَمْزَةٍ ... وَقُلْ فِيهِمَا مَعْ شُعْبَةٍ صُحْبَةٌ تَلاَ شين بدل من وذو النقط وتمت حروف أبجد واحتاج إلى الاصطلاح في التعبير عن جماعات يكثر اتفاقهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 على القراءة فوضع ثماني كلمات لمن يأتي ذكرهم وهي صحبة صحاب عم سما حق نفر حرمي حصن، منها ما هو دل على اثنين وهو عم حق حرمي والبواقي مدلولها جماعة فجعل لحمزة والكسائي إذا اتفق معهما أبو بكر عن عاصم لفظ صحبة كقوله رمى صحبة وصحبة يصرف، وتارة رمز لهم بالحروف كقوله: وموص ثقله صح شلشلا وتلا بمعنى تبع أي تبع ما قبله في أنه رمز وليس بصفة لصحبة وإلا تقيدت وأشعر اللفظ بأنه المجموع هو الرمز وكذا ما يأتي في قوله: نفر حلا. 53- صِحَابٌ هَمَا مَعْ حَفْصِهِمْ عَمَّ نَافِعٌ ... وَشَامٍ سَمَا فِي نَافِعٍ وَفَتَى الْعَلاَ هما: يعني حمزة والكسائي مع حفص عن عاصم يعبر عنهم بصحاب ولفظ عم دليل نافع وشام وسما مستقر في التعبير به عن نافع، وفتى العلا وهو أبو عمرو بن العلا وفي ابن كثير وهو المراد بقوله ومك في البيت الآتي: 54- وَمَكٍّ وَحَقٌّ فِيهِ وَابْنِ الْعَلاَءِ قُلْ ... وَقُلْ فِيهِمَا وَالْيَحْصُبِي نَفَرٌ حَلاَ فيه أي في المكي وهو ابن كثير أي استقر لفظ حق فيه، وفي ابن العلاء فحذف حرف الجر من المعطوف على الضمير المجرور وهو جائز في الشعر مختلف فيه في غيره ولفظ نفر قل فيهما أي في ابن كثير وأبي عمرو وفي اليحصبي وهو ابن عامر فحذف حرف الجر أيضا. 55- وَحِرْمِيٌّ الْمَكِّيُّ فِيهِ وَنَافِعٍ ... وَحِصْنٌ عَنِ الْكُوفِي وَنَافِعِهِمْ عَلاَ أي ولفظ حرمي اشترك فيه ابن كثير ونافع وهو نسبة إلى الحرم والحرم والحرم واحد. فإن قلت: هذه نسبة صحيحة فتكون كالعبارة الصريحة فقوله: حرمي كقوله: مكي وبصري وشامي وكوفي؛ لأن كل واحد من ابن كثير ونافع منسوب إلى الحرم هذا من حرم مكة وذا من حرم المدينة. قلت: موضع الرمز كون اللفظ مفردا أراد به مثنى ولم يستعمل المفرد لإلباسه؛ إذ لا يعلم أي الحرميين أراد والتصريح بنسبتهما أن يقول الحرميان كما يقوله صاحب العنوان وغيره ولكونه جعل هذا اللفظ رمزا لم يتصرف فيه بحذف ياء النسبة ولا تخفيفها بخلاف قوله: ومن تحتها المكي سوى الشام ضموا إشعارا بأنه رمز لا نسبة، ثم قال: وحصن جعلته عبارة عن الكوفيين ونافع وقوله: علا أي الحصن أو المذكور أي ظهر المراد وانكشف وهذه الألفاظ الثمانية تارة يأتي بها بصورتها وتارة يضيف بعضها إلى ضمير القراء كقوله ونذر أصحابهم حموه كما قال: وكوفيهم تساءلون، شاميهم تلا وتارة يضيفه إلى الهاء والكاف نحو: وحامية بالمد صحبته كلا وقل مرفقا فتح مع الكسر عمه حقه بتنبت وحقك يوم لا ثم قال: 56- وَمَهْماَ أَتَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ كِلْمَةٌ ... فَكُنْ عِنْدَ شَرْطِي وَاقْضِ بِالْوَاوِ فَيْصَلاَ أي هذه الكلمات الثماني التي وضعتها رمزا تارة أستعملها مجردة عن الرمز الحرفي الذي تقدم ذكره وتارة يجتمعان، فإذا اجتمعا لم ألتزم ترتيبا بينهما فتارة يتقدم الحرف على الكلمة وتارة تتقدم الكلمة على الحرف كقوله: وعم فتى نعم عم صحبة كهف كفء صحبة وتارة تتوسط الكلمة بين حرفين كقوله: صفو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 حرميه رضى يبشركم سما نعم، ومدلول كل واحد من الحرف والكلمة بحاله لا يتغير بالاجتماع فهذا معنى قوله: فكن عند شرطي: أي على ما شرطته واصطلحت عليه من موضوع كل واحد منهما: أي أنه باق بحاله واقض بالواو فيصلا عند انتهاء كل مسألة سواء كان رمزها بالحرف أو بالكلمات أو بهما إلا حيث لا ريبة في الاتصال كقوله: وخفف حق سجرت البيت. فالمعنى مهما أتت من قبل الرمز الحرفي أو من بعده كلمة من هذه الكلمات الثماني أو مهما أتت من قبل هذه الكلمات الثماني أو بعدها كلمة من الكلمات التي تدخل حروف أوائلها على القارئ سواء كان مفردا كالألف والدال أو مجتمعا كالشين والذال، وفي مهما بحوث حسنة ذكرناها في الشرح الكبير. وحاصله أنها في استعمال الناظم هنا وفي قوله: ومهما تصلها أو بدأت براءة بمعنى شيء ما ووجه صحة هذا الاستعمال أن مهما مركبة من ما التي للشرط ومن ما المزيدة للتأكيد ثم أبدلت ألف ما الجزائية هاء فصار مهما، وقد استقر أن ما الجزائية تتضمن معنى الزمان ولهذا يقال لها الظرفية كقوله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} 1. فمتى أبدلت ألف الظرفية هاء لدخول المزيدة عليها صار مهما متى ما ومتى كانت المبدلة غير ظرفية لم تكن بهذا المعنى والله أعلم. 57- وَمَا كانَ ذَا ضِدٍّ فَإِنِّي بَضِدِّهِ ... غَنّيٌّ فَزَاحِمْ بِالذَّكاءِ لِتَفْضُلاَ أي: وما كان من وجوه القراءات له ضد فإنه يستغني بذكر أحدهما عن ذكر الآخر فيكون من سمى يقرأ بما ذكر ومن لم يسم يقرأ بضد ما ذكر كقوله: وخف لووا إلفا فيعلم أن غير نافع يشدده وليس هذا الاستغناء بلازم فإنه قد يذكر القراءة الأخرى المعلومة من الضد كقوله: ولكن خفيف والشياطين رفعه ... البيت، وإن لم تكن القراءة الأخرى تعلم بالضد ذكرهما نحو: أوصى بوصي كما اعتلا أنجيت للكوفي أنجا تحولا. ومتى لفظ بالقراءتين فلا حاجة إلى تقييد واحدة منهما فإن قيده كان زيادة بيان كما فعل في وما يخدعون وإنما قال بضده ولم يقل به ولا بذكره؛ لأنه قصد المعنى المذكور في قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} 2. ولم يقل فتذكرها: أي أيتهما ضلت ذكرتها الأخرى فهذا اللفظ أوغل في الإبهام من ذكر الضمير وكذا قوله: بضده: أي استغنى بأحد الضدين عن الآخر. واعلم أنه لم يبن كلامه في الأضداد هنا على ما يعلم بالعقل أنه ضده بل بعضه كذلك وبعضه اصطلح هو عليه وبيان ذلك فيما ذكر من الأمثلة كما سيأتي وقد لف بعضها ببعض والذكي يميز ذلك ولهذا قال: فزاحم بالذكاء لتفضلا.   1 سورة التوبة، آية: 7. 2 سورة البقرة، آية: 282. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 58- كَمَدٍّ وَإِثْبَاتٍ وَفَتْحٍ وَمُدْغَمٍ ... وَهَمْزٍ وَنَقْلٍ وَاخْتِلاَسٍ تَحَصَّلاَ شرع يمثل الألفاظ التي يستغنى بها عن أضدادها أو بأضدادها عنها أي هي كمد وما بعده، وقوله: ومدغم اسم مفعول ويجوز أن يكون مصدرا وهو أولى ليناسب ما قبله وما بعده من الكلمات المذكورات، وهي منقسمة إلى ماله ضد معين وإلى ما ليس كذلك فالأول يفهم بالعقل والثاني بالاصطلاح وإنما أشرح ما ذكره واحدا واحدا وأبين ما فيه وأزيد على ما ذكره أمثلة أخر. أما المد فضده القصر وهو متعين وكلاهما مستعمل مستغنى به عن الآخر في هذه القصيدة كقوله وفي حاذرون المد وفي لابثين القصر ومد وخفف ياء زاكية وآتاكم فاقصر. وأما الإثبات فضده الحذف وكلاهما مستعمل وما في معناهما كقوله وتثبت في الحالين واحذف الواو ودخللا والواو زد بعد مفسدين وما الواو دع كفى وزد ألفا من قبله فتكملا وعدنا جميعا دون ما ألف حلا وقبل يقول الواو غصن وأسقط الأولى في اتفاقهما معا. وأما الفتح فلم يكن له حاجة إلى ذكره لأنه سيذكر فيما بعد أنه آخا بين الفتح والكسر فصارا ضدين بالاصطلاح وإن كان أراد به أنه ضد للإمالة كما ذكره الشيخ في شرحه فهو قليل الفائدة لم يستعمله إلا في قوله في سورة يوسف والفتح عنه تفضلا وفي باب الإمالة ولكن رءوس الآي قد قل فتحها وإنما الذي يستعمله كثيرا الإمالة وضدها ترك الإمالة ويعبر عنه بعض القراء بالفتح كما يعبر بعض النحويين عن الإمالة بالكسر ويعبر الناظم عنها أيضا بالإضجاع نحو وإضجاعك التوراة ما رد حسنه. وأما المدغم فضده المظهر وكلاهما مستعمل نحو وأدغم باقيهم تمدونني الإدغام وأظهر لدى واع ومن حيى اكسر مظهرا. وأما الهمز فضده ترك الهمز وكلاهما مستعمل وترك الهمز قد يكون بحذفه وهو حيث لا صورة له في الرسم كقوله: وفي الصابئين الهمز والصابئون خذ وننسها مثله من غير همز وقد يكون بإبداله بالحرف الذي صور به الهمز كقوله: وحيث ضياء وافق الهمز قنبلا وبادئ بعد الدال بالهمز حللا ويأجوج مأجوج اهمز الكل ناصرا ويهمز ضيزى وفي ضد ذلك وورش لئلا والنسيء بيائه ويجوز أن يقال الهمز وتركه من باب الإثبات والحذف فكان مغنيا عنه. وأما النقل فعبارة عن تحويل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها مع حذف الهمزة فضد ذلك إبقاء الهمز على حاله والساكن على حاله ولم يقع التقييد في القصيدة إلا بالعقل لا بضده نحو ونقل ردا عن نافع ونقل قران والقران وفي معنى النقل لفظا التسهيل والإبدال كقوله: لأعنتكم بالخلف أحمد سهلا وسهل أخا حمدوكم مبدل جلا وتسهيل أخرى همزتين، وحمزة عند الوقف سهل همزه وضد ذلك كله تحقيق الهمز وقد استعمله في قوله: وحققها في فصلت صحبة أآلهه كوف يحقق ثانيا. وأما الاختلاس فضده إكمال الحركة؛ لأن معناه خطف الحركة والإسراع بها وضده ترك ذلك وهو التؤدة في النطق بها تامة كاملة والاختلاس كالنقل في أنه لم يقع التقييد إلا به دون ضده مع أن استعماله قليل كقوله: وكم جليل عن الدوري مختلسا جلا وقد عبر عنه بالإخفاء كثيرا كقوله: وإخفاء كسر العين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وأخفى العين قالون وأخفى بنو حمد وأخف حلوبر وقوله تحصلا أي تحصل في الرواية وئبت والله أعلم. 59- وَجَزْمٍ وَتَذْكِيرٍ وَغَيْبٍ وَخِفَّةٍ ... وَجَمْعٍ وَتَنْوِينٍ وَتَحْرِيكٍ اْعَمِلاَ ضد الجزم عنده الرفع ولا ينعكس الأمر فهذا مما اصطلح عليه فإذا كانت القراءة دائرة بين الجزم والرفع فإن ذكر قراءة الجزم ذكر الجزم مطلقا بلا قيد فتكون القراءة الأخرى بالرفع لأنه ضده عنده كقوله وحرفا يرث بالجزم وإن ذكر قراءة الرفع لم يطلق ذلك؛ لأن ضد الرفع النصب على ما يأتي من اصطلاحه بل يقيد ذلك كقوله: وتلقف ارفع الجزم، يضاعف ويخلد رفع جزم، يصدقني ارفع جزمه، فكان الواجب أن يذكر الجزم مع الرفع والضم في قوله: وحيث أقول الضم والرفع؛ لأن كل واحد منهما لا ينعكس ضده به. وأما التذكير فضده التأنيث، وكلاهما مستعمل كقوله: وذكَّر تسقي عاصم وأنث يكن عن دارم وليس بلازم أن يكونا عبارتين عن الياء والتاء في أفعال المضارعة فقد يأتي غير ذلك كقوله: وذكر فناداه وذكر مضجعا توفاه. وأما الغيبة فضدها الخطاب عنده وكلاهما مستعمل كقوله: ولا يعبدون الغيب وبالغيب عما يعملون وخاطب تروا شرعا وفي أم تقولون الخطاب، وللتحقيق أن ضد الغيبة الحضور، والحضور ينقسم إلى خطاب وتكلم وتردد القراءة بين الغيبة والخطاب كثير فجعلهما ضدين والتردد بين الغيب والتكلم قليل كقوله تعالى في الأعراف: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} 1. يقرؤه ابن عامر على الغيبة وإذ أنجاكم فعبر الناظم عن هذا بالحذف والإثبات فقال: وانجا بحذف الياء والنون كفلا. والخفة ضدها الثقل، وكلاهما قد جاء كقوله: وخف قدرنا دار وثقل غساقا معا ومثله وشدد حفص منزل. والجمع ضده التوحيد ومثله الإفراد والكل مستعمل كقوله وجمع رسالاتي رسالات فرد ووحد حق مسجد الله خطيئته التوحيد لكنه إذا ذكر لفظ الجمع كان ضده معلوما وهو الإفراد والتوحيد، وإذا ذكر التوحيد فضده الجمع إلا أن الجمع على قسمين جمع سلامة وجمع تكسير فإن لفظ به اتضح كقوله: رسالات فرد1 وإن لفظ بالإفراد فتارة يكون ضده جمع السلامة كقوله خطيئته التوحيد وتارة جمع التكسير كقوله: ووحد حق مسجد الله وهنا يمكن التلفظ بالجمع فيقرأ البيت خطيآته التوحيد ولكل واحد من الجمع   1 سورة الأعراف، آية: 141. 2 إذا لفظ بالإفراد بالحق أن يحمل ضده الذي هو الجمع على جمع؛ لأنه الأصل في الجمع؛ لأن الأصل عدم تغيير المفرد وأما قوله: ووعد حق مجد الله فضده المكسر، وهو معلوم من المجمع عليه من لفظ المساجد اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 والإفراد ضد آخر وهو التثنية ولكن لم يجيء إلا ضميرها ولقلته أدرجه في باب الحذف والإثبات تارة كقوله: ودع ميم خيرا منهما، وتارة أدرجه في باب المد والقصر كقوله: وحكم صحاب قصر همزة جاءنا، والتنوين ضده ترك التنوين إما لعدم الصرف وإما للإضافة وكلاهما قد استعمله بهذا اللفظ وبما يؤدي معناه كقوله: ونوَّنوا عزيز رضا نص ثمود مع الفرقان والعنكبوت لم ينون، وقلب نونوا من حميد خالصة أضف أكل أضف حلا. وقد يعبر عن التنوين بالنون نفيا وإثباتا كقوله: شهاب بنون ثق معا سبأ افتح دون نون وفي درجات النون ولا نون شركا، ولو تجنب ذلك لكان أحسن؛ لأنه قد آخى بين النون والياء كما يأتي فيتحد اللفظ والضد يختلف فيقول تارة: نغفر بنونه فيكون ضده الياء، وضابطه أن يكون الحرف المختلف فيه فعلا مضارعا، وحيث يكون الحرف المختلف فيه اسما تكون النون فيه عبارة عن التنوين. وأما التحريك فضده الإسكان سواء كان التحريك مقيدا أو مطلقا وكلاهما مستعمل كقوله: معا قدر حرك وحرك عين الرعب ضما وسكن معا شنآن وأرنا وأرني ساكنا الكسر وقوله اعملا أي اجعل عاملا في الحرف ما يتصف به الحرف من ارتفاع وانفتاح وانخفاض فمتى ذكر التحريك فضده السكون ومتى ذكر اسم الحركة دونها فالضد له مثاله إذا قال ارفع فضده انصب وإذا قال انصب فضده اخفض وإذا قال اخفض فضده انصب ولا مدخل للسكون في القراءة المسكوت عنها، وإن ذكر التحريك مع واحد من هذه الثلاثة فالضد له وهو السكون ولا التفات إلى كونه قد قيد التحريك بضم أو فتح أو كسر مثاله قوله: وتسأل ضموا التاء واللام حركوا برفع، فلأجل قوله: حركوا أخذنا السكون للقراءة الأخرى ولم نأخذ ضد الرفع، ولو قال موضع حركوا برفع: رفعوا لأخذنا ضد الرفع وهو النصب، وكذا قوله وحمزة وليحكم بكسر ونصبه يحركه لولا قوله: يحركه لكانت قراءة الباقين بفتح اللام وخفض الميم، فلما قال يحركه سكن الحرفان فاعرف ذلك فإنه قل من أتقنه فهذا شرح ما ذكر من أمثلة الأضداد في هذين البيتين وقد استعمل ألفاظا أخر كثيرة لم يذكرها هنا منها التقديم والتأخير كقوله هنا: قاتلوا أخر وختامه بفتح وقدم مده ومنها القطع والوصل كقوله: وشام قطع اشدد وشدد وصل وامدد. ويجيء صل بمعنى آخر وهو وصل ميم الجمع وهاء الكناية بواو أو ياء وضده ترك ذلك. ومنها الإهمال الدال على النقط في القراءة الأخرى كقوله في سورة الأنعام: في يقض الحق شدد وأهملا ومنها الاستفهام والخبر كقوله: واستفهام إنا صفا ولا وأخبروا بخلف إذا ما مت وغير ذلك مما يأتي في مكانه إن شاء الله تعالى. 60- وَحَيْثُ جَرَى التَّحْرِيكُ غَيْرَ مُقَيَّدٍ ... هُوَ الْفَتْحُ وَالْإِسْكانُ آخَاهُ مَنْزِلا يعني إذا أطلق التحريك فمراده به الفتح دون الضم والكسر مثاله: معا قدر حرك من صحاب أي افتح الدال، وقال في الضم والكسر: وحرك عين الرعب ضما وضيقا مع الفرقان حرك مثقلا بكسر فقيدهما ولم يطلق لفظ التحريك. وقوله: والإسكان آخاه فيه وجهان؛ أحدهما: أن السكون آخا التحريك غير المقيد في أنه متى ذكر غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 مقيد فضده التحريك المطلق وهو الفتح أي كأنه قال سكن حركة الفتح كقوله: "ويطهرون" في الطاء السكون فضد السكون هنا الفتح، أما إذا كان ضد السكون حركة غير الفتح فإنه يقيدها كقوله: "وأرنا" وأرني ساكنا الكسر وفي سبلنا في الضم الإسكان وقد استعمل الأمرين معا في نصف بيت في حرف دار ست حق في سورة الأنعام فقال: وحرك وسكن كافيا فأطلق التحريك والإسكان فكان المراد بما نطق به من الحركة وبضد السكون الفتح فابن عامر افتح السين وسكن التاء والباقون سكنوا السين وفتحوا التاء. الوجه الثاني أن تكون الهاء في آخاه عائدة على التحريك كله المطلق والمقيد والمراد بالأخوة الضدية كما قال في البيت بعده: وآخيت بين النون والياء ويفهم من الإسكان المطلق أن ضده الفتح؛ لأن ضده الحركة المطلقة، وقد قال: وحيث جرى التحريك غير مقيد هو الفتح يعني سواء جرى ذكره نصا صريحا أو أخذ ضدا لما نص على إسكانه مطلقا ولهذا قلت أنا بدل هذا البيت ما أظنه وفيا إن شاء الله تعالى بالمقصود: وإن أطلق التحريك نصا ولازما ... من الضد فهو الفتح حيث تنزلا ولم يخرج عن الأصل الذي ذكره إلا قوله: وفي الصعقة اقصر مسكن العين وكان حقه أن يقول مسكن الكسر وأما قوله وإسكان بارئكم فيأتي الكلام عليه في موضعه ومنزلا تمييز وهو مصدر أي آخاه نزولا أو اسم مكان أي آخا منزل كل واحد منهما الآخر وقيل هو ظرف والله تعالى أعلم. 61- وَآخَيْتُ بَيْنَ النُّونِ وَالْيَأ وَفَتْحِهِمْ ... وَكَسْرٍ وَبَيْنَ النَّصْبِ وَالخَفْضِ مُنْزِلاَ أي وبين فتحهم وكسر فحذف بين؛ لدلالة ما قبله وبعده عليه، والمعنيّ بالمؤاخاة أنه جعل كل اثنين مقترنين من هذه الستة يغني ذكر أحدهما عن الآخر كقوله: ويدخله نون مع طلاق ويؤتيه باليا في حماه أن الدين بالفتح رفلا إن الله يكسر في كلا وانصب بينكم عم وقوم بخفض الميم وأراد بالفتح والكسر حركتي البناء وبالنصب والخفض حركتي الإعراب وفائدة محافظته على ذلك الاختصار فإن الكلمة تشتمل على حركات البناء والإعراب فإذا اتفق الخلاف في كلمة فيها حركتا إعراب وبناء من جنس واحد كضمة ورفع وفتحة ونصب وكسرة وجر أولا من جنس واحد فإذا كان الخلاف في حركة البناء قال اكسر وإذا كان في حركة الإعراب قال: اخفض أو جر ولو لم يكن ملتزما لهذه التفرقة لما علم عند إطلاقه أنه قصد الحرف الذي فيه حركة البناء أو حرف الإعراب مثاله قوله والوتر بالكسر شائع، فلفظ الوتر مشتمل على الكسر والفتح في الواو والجر في الراء فتعلم من قوله: بالكسر أنه أراد كسر الواو، وقوله: وفك ارفعن تعلم أنه أراد حركة الكاف لا الفاء ثم قال: وبعد اخفضن يعني آخر رقبة واكسر يعني همزة إطعام مع الرفع يعني في ميم إطعام وقد اختل عليه هذا الالتزام في موضع واحد سهوا وهو قوله في الزخرف: وفي قيله اكسر واكسر الضم، وصوابه: اخفض في الأول؛ لأنه للام وهو حرف إعراب، وأما قوله في: تضارر وضم الراء حق وهي حركة إعراب فلأجل القراءة الأخرى بالفتح؛ لأنها حركة بناء فلم يكن له بد من الإخلال بأحدهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وأما قوله في الأنعام "رسالات فرد" وافتحوا وإنما هو نصب وكذا قوله في الأعراف: "ويقصر ذريات" مع فتح تائه فسيأتي عذر حسن عنهما في موضعهما إن شاء تعالى ومنزلا حال من التاء في وآخيت. 62- وَحَيْثُ أَقُولُ الضَّمُّ وَالرَّفْعُ سَاكِتاً ... فَغَيْرُهُمُ بِالْفَتْحِ وَالنَّصْبِ أَقْبَلا في حيث معنى الشرط فلهذا دخلت الفاء في الجواب في قوله فغيرهم كقوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ} 1. وسقطت في البيت المتقدم وحيث جرى التحريك غير مقيد هو الفتح أي فهو الفتح وقوله الضم مبتدأ محكي والرفع عطف عليه والخبر محذوف أي الضم لفلان والرفع لفلان وأقبل خبر فغيرهم لأنه مفرد لفظا وإن أضيف إلى جماعة من القراء والضم حركة بناء والرفع حركة إعراب وقوله ساكتا أي مقتصرا على ذلك غير منبه على قراءة الباقين أي أقول هذا ساكتا عن غيره مثال ذلك وفي إذ يرون الياء بالضم كللا وحتى يقول الرفع في اللام أولا فقراءة الباقين بالفتح في ياء يرون وبالنصب في لام يقول فإذا كانت قراءة الباقين ليست بفتح ولا نصب فإنه لا يسكت حينئذ بل يبين ذلك بالتقييد كقوله: وجزء أو جزؤ ضم الإسكان صف ورضوان اضمم كسره يضاعف ويخلد رفع جزم وخضر برفع الخفض ويرفع بعد الجر. واعلم أنه لم يؤاخ بين ما ذكر في هذا البيت بخلاف ما في البيت المتقدم فإن الفتح ليس ضده الضم وإنما ضده الكسر وكذلك النصب ضده الخفض لا لرفع، وقد سبق أنه كان ينبغي له أن يذكر الجزم هنا؛ لأنه إذا ذكر الجزم فالقراءة الأخرى بالرفع وإذا ذكر الرفع فالأخرى بالنصب وإذا ذكر النصب فالأخرى بالخفض ولا ينعكس إلا هذا الأخير؛ لأنه آخى بين النصب والخفض فجعلهما ضدين باصطلاحه ثم سواء في ذلك المثبت والمنفي من هذه التقييدات كلها فالأضداد لا تختلف بذلك فقوله في البقرة نغفر بنونه ولا ضم معناه افتح. واعلم أنه كما يطلق حركات البناء والإعراب فقد يقيدهما بذكر الحرف الذي هما فيه كقوله: وبا عبد اضمم وفتحك سين السلم يضركم بكسر الضاد الرفع في اللام أولا وبا ربنا بالنصب وقوم بخفض الميم ومن المواضع المطلقة في حركة البناء ما يلبس نحو: وضمهم في يزلقونك خالد وكان يمكنه أن يقول وضمهم يا يزلقونك والله أعلم. 63- وَفي الرَّفْعِ وَالتَّذْكِيرِ وَالْغَيْبِ جُمْلَةٌ ... عَلَى لَفْظِهَا أَطْلَقْتُ مَنْ قَيَّدَ الْعُلاَ جملة مبتدأ خبره ما قبله وما بعد جملة صفة لها و"من" موصولة أو موصوفة؛ أي وفي هذه الثلاثة جملة مواضع في هذه القصيدة أطلقت أي أرسلت على لفظها من غير تقييد، من قيد العلا أي حصله وحازه أو حصلها أو حازها؛ لأن العلا يحتمل الإفراد والجمع أو يكون التقدير من حاز الرتب العلا في الفهم والذكاء؛ لأنه لا يكاد يفهم مثل هذه الدقائق إلا من كان كذلك.   1 سورة البقرة، آية: 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 ومعنى البيت أن هذه الثلاثة وهي الرفع والتذكير والغيب يذكر الكلمات التي هي فيها مطلقة فيعلم من إطلاقه أنها هي المرادة أضدادها مثاله وأربع أولا صحاب ويجبي خليط وبل يؤثرون حز. فيعلم من هذا الإطلاق أن مقصوده الرفع في أربع والياء في يجبي وهي الدالة على التذكير والياء في يؤثرون وهي الدالة على الغيب، وكل قراءة دائرة بين الياء والتاء فهي إما تذكير أو تأنيث أو غيب أو خطاب فلا يقيدها إذا أراد تقييدها إلا بهذه العبارة نحو: وذكر يكن شافٍ، ولا يعبدون الغيب، وأنث تكن عن دارم، وخاطب تروا شرعا، وإنما يقيد بالياء ما كان ضده النون كما سبق فقوله في سورة الأحزاب: ويعمل يؤت بالياء قوله: بالياء تقييد ليؤت ليكون قراءة الباقين بالنون ولا يكون تقييدا ليعمل؛ لأن القراءة الأخرى بالتاء للتأنيث فقوله: ويعمل لفظ مطلق تعلم من إطلاقه أنه أراد به التذكير ثم هذا الإطلاق في هذه الثلاثة ليس بلازم بل أخبر أنه وقع منها مواضع مطلقة، ووقعت أيضا مواضع مقيدة كما سبق تمثيله في الغيب والخطاب والتذكير والتأنيث، ومثله في الرفع: وقل مثل ما بالرفع، وقد اجتمع إطلاق الثلاثة في بيت واحد في سورة الأعراف وخالصة أصل البيت، ويجوز أن يكون وخالصة مقيدا بما قبله من قوله: ولباس الرفع كما استغنى بذكر الخفة في الأول عن الخفة في الثاني نحو: ورب خفيف إذ نما سكرت دنا ما نزل الخفيف إذ عز والصادان والله أعلم. 64- وَقبْلَ وبَعْدَ الْحَرْفِ آتِي بِكُلِّ مَا ... رَمَزْتُ بِهِ فِي الْجَمْعِ إِذْ لَيْسَ مُشْكِلا أراد وقبل الحرف وبعده والمراد بالحرف كلمة القراءة والرمز في اللغة الإشارة والإيماء. ولما كانت هذه الكلمات والحروف التي جعلها دلالة على القراء كالإشارة إليهم سماها رمزًا، وأراد بما رمز به في الجمع الكلمات الثماني فإنها هي التي لا يشكل أمرها في أنها رمز سواء تقدمت على الحرف أو تأخرت أما الحروف الدالة على الجمع كالثاء والخاء وما بعدهما فلها حكم الحروف الدالة على القراء منفردين وقد التزم ذكرها بعد الحرف بقوله: ومن بعد ذكرى الحرف أسمى رجاله؛ لينحصر موضعها فلا يتعدد المحال على الناظر المفكر فيها نعم إذا اجتمعت الحروف المرموزة للإفراد وللاجتماع مع شيء من كلمات الرمز تبعت الحروف الكلمات تتقدم معها وتتأخر؛ إذ لفظ الكلمات دل على محل الرمز كقوله: وحق نصير كسر واو مسومين على حق السدين ثقل نشرت شريعة حق ومنزلها التخفيف حق شفاؤه وقد نبه على ذلك قوله: ومهما أتت من قبل أو بعد كلمة كما سبق. ويحتمل أن يكون هذا المعنى مستفادًا من هذا البيت وأراد بكل ما رمزت به الحروف كلها وقوله: "في الجمع" أي آتى بها مع كلمات رمز الجمع فهو من باب قوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} 1. ويقوي هذا المعنى أنه لو أراد المعنى الأول لقال للجمع باللام، فلما عدل إلى لفظ "في" من غير ضرورة دلنا على أنه لمح هذا المعنى، فإذا ثبت جواز هذا قلنا: يحتمل أيضا أن يكون معنى قوله: ومهما أتت   1 سورة الفجر، آية: 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 من قبل أو بعد كلمة هو المعنى الذي جعلناه أولا لهذا البيت أي من قبل الحرف المختلف فيه أو من بعده كلمة أي الكلمات الثماني لا التزام لها قبلية ولا بعدية بل آتى بها كذا وكذا والله أعلم. فهذه ثلاثة أبيات فرقها وكان الأولى اتصالها وجميع كلمات الرمز اتفق له تقديمها وتأخيرها على حرف القراءة وفاء بعموم قوله بل ما رمزت به كقوله رمى صحبة وصحبة يصرف من يرتدد عم وعم بلا واو الذين فتذكر حقًّا وحقًّا بضم الحاء فلا يحسبنهم، وما موصولة أو موصوفة، وإذ تعليل، واسم ليس ضمير الأبيات الدال عليه آتى. 65- وَسَوْفَ أُسَمِّي حَيْثُ يَسْمَحُ نَظْمُهُ ... بِهِ مُوضِحاً جِيداً مُعَمًّا وَمُخْوَلا أي أذكر اسم القارئ صريحا حيث يسهل علي نظمه قبل الحرف وبعده يقال سمح به أي جاد به فالهاء في نظمه وبه عائدة على الاسم الدال عليه أسمى، ويجوز أن تكون في نظمه عائدة على الشعر للعلم به من سياق الكلام. وقد استقريت المواضع التي سمى فيها فوجدته قد استوعب جميع السبعة ورواتها الأربعة عشر. ومن عادته أن لا يأتي في ترجمة واحدة برمز مع اسم صريح استمر له هذا ولم ينبه عليه وإنما علم بالاستقراء ولولا ذلك للزم الإشكال في نحو قوله في سورة النساء: يصلون ضم كم صفا نافع بالرفع واحدة جلا فلم يأت بواو فاصلة بين حرف يصلون وواحدة فكان ذكره لنافع محتملا أن يكون من جملة رجال ضم يصلون ويكون جلا رمز قراءة واحدة بالرفع ولكن لما كان محافظا على تلك القاعدة بن أن قوله: نافع ابتداء مسألة وجلا ليس برمز وليس لك أن تقول هو مثل قوله شاع تنزلا أي أنه رمز مكرر لما تقدم من أنه لا يرمز مع مصرح به كما أنه لا يصرح مع مرموز به، وهذا كله مخصوص بالقراءة الواحدة وإلا فيجوز له في الحرف الواحد المختلف فيه أن يرمز لقراءة ويسمى للقراءة الأخرى في ذلك الحرف كما قال وقالون ذو خلف بعد قوله له دار جهلا وقوله سوى أو وقل لابن العلا وبكسره لتنوينه، قال ابن ذكوان بعد قوله كسره في ندخلا وقوله ووجهان فيه لابن ذكوان بعد قوله لاح وجملا وكذا يصرح إذا استثنى من رمز كقوله وأن لعنة التخفيف والرفع نصه سما ما خلا البزي وإضجاع راكل الفواتح ذكره حمى غير حفص؛ ليقضوا سوى بزيهم نفرجلا غلبوا سوى شعبة. ثم التصريح يكون باسم القارئ أو كنيته أو نسبته أو ضميره كقوله: ونقل ردا عن نافع وقطبه أبو عمرو وكوفيهم تساءلون وما قبله التسكين لابن كثيرهم يمد هشام واقفا معهم ولا وبصروهم أدرى. وأما حرمى فإنه وإن كان نسبة إلا أنه جعله رمزا فيجئ بالرمز معه كقوله وإستبرق حرمي نصر، ثم تمم الناظم -رحمه الله- هذا البيت بألفاظ يصعب على الطالب المبتدئ فهمها مع أنه مستغنٍ عنها والبيت مفتقر إلى أن ينبه فيه على أنه إذا صرح باسم القارئ لا يأتي معه برمز فلو أنه بين ذلك في موضع تلك الألفاظ لكان أولى نحو أن يقول: وسوف أسمي حيث يسمح نظمه ... به خاليا من كل رمز ليقبلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وموضحا حال من فاعل أسمى وقيل لفظ به الذي قبله يتعلق به. والجيد: العنق، والمعم والمخول: الكريم الأعمام والأخوال لأن كلا من الفريقين يزين ذلك الجيد. فمعناه أوضح شيئا يشبه جيدًا هذه صفته أو أوضحه إيضاح جيد بهذه الصفة، وقال امرؤ القيس: بجيد معمٍّ في العشيرة مخول فأضاف الجيد إلى الموصوف بذلك وكذا وجدته في استعمالهم يصفون به الجملة لا يخصون به الجيد كقوله: معمٍّ لعمري في الجياد ومخولِ وقال يحيى بن عروة بن الزبير: أنا والله المعمُّ المخولُ ... تفرقت العرب عن عمي وخالي يريد عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم. 66- وَمَنْ كانَ ذَا بَابٍ لَهُ فِيهِ مَذْهَبٌ ... فَلاَ بُدَّ أَنْ يُسْمَى فَيُدْرَى وَيُعْقَلاَ أي ومن كان من القراء منفردا بمذهب مطرد قد بوب له باب في الأصول فلا بد من أن يسمى ذلك الباب كقوله: باب الإدغام الكبير، باب هاء الكناية ... ونحو ذلك، أو يكون المعنى فإني ألتم التصريح باسمه ولا أرمزه زيادة في البيان كقوله: وحمزة عند الوقف، ورقق ورش فإن وافقه غيره في شيء منه أو عرض له فيه مذهب يناسبه، فربما سمى ذلك الغير، وربما ذكره رمزا كما في باب هاء الكناية ونقل الحركة والإمالة وقولهم: لا بد من كذا أي لا فرار منه والتقدير من أن يسمى وهذا آخر ما أعلمنا به مما يستعمله في نظمه رمزا وتقييدا وقد نبهت على فوائد فاتته فيها من قوله: جعلت أبا جاد إلى هنا في الترتيب والنظم والاصطلاح وكنت أود به ذكر أبيات الرموز يتلو بعضها بعضا ثم ذكر كيفية استعمالها ثم اصطلاحه في الأضداد والتقييد: وقد نظمت عشرة أبيات في موضع ثلاثة عشر بيتا وفيها من الزيادات والاحترازات كثير مما تقدم شرحه فلو أنه قال: حروف أبي جاد جعلت دلالة ... على القارئ المنظوم أول أولا ثم قال: ومنهن للكوفي ثاء مثلث إلى آخر الرمز في قوله: ونافعهم علا ثم بين كيفية استعماله للرموز فقال: ومن بعد ذكرى الحرف رمز رجاله ... بأحرفهم والواو من بعد فيصلا هذه العبارة أظهر من قوله: أسمي رجاله "وفيصلا" حال. سوى أحرف لا ريب في وصلها وقد ... تكرر حرف الفصل والرمز مسجلا أي حرف الرمز وحرف الفصل وهو الواو: وقبل وبعد الحرف ألفاظ رمزهم ... وإن صحبت حرفا من الرمز أولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 هذا بيت يتضمن بيتين ومعناهما فيه أظهر منه فيهما: وطورا أسميهم فلا رمز معهم ... وباللفظ أستغني عن القيد إن جلا وما كان ذا ضد غنيت بضده ... كصِلْ زِدْ ودَعْ حرِّك وسهِّل وأبدِلا ومد وتنوين وحذف ومدغم ... وهمز ونقل واختلاس وميلا وجمع وتذكير وغيب وخفة ... ورقق وغلظ أخر اقطع وأهملا وإن أطلق التحريك نصا ولازما ... من الضد فهو الفتح حيث تنزلا وحيث أقول الضم والجزم ساكنا ... فغيرهم بالفتح والرفع أقبلا وفي الرفع والتذكير والغيب لفظها ... وبالفتح واليا الكسر والنون قوبلا أي لفظها مغنٍ عن تقييدها وقوبل الكسر بالفتح وقوبل النون بالياء ولم أعدد ألقاب الحركا باعتبار البناء والإعراب إذ ألقاب كل نوع تطلق على الآخر وهو مجرد اصطلاح. والمعنى: الذي ذكرناه في فائدة ذكره للمغايرة بينهما قد أعرض عنه حيث يبين حرف الإعراب والبناء كما سبق، وقد يطلق حيث لا يتعين ذلك الحرف كما في "يزلقونك" فهو قليل الجدوى فالإعراض عنه أولى تخفيفًا عن خاطر الطالب. ثم شرع يثني على قصيدته ويصفها بالجزالة وصحة المعاني ويذكر ما اشتملت عليه من العلم فقال: 67- أَهَلَّتْ فَلَبَّتْهَا المَعَانِي لُبَابُهاَ ... وَصُغْتُ بِهَا مَا سَاغَ عَذْباً مُسَلْسَلاَ أي لكثرة ما أودعت من جيد المعاني كأنها كانت صرخت بها، أي نادتها فأجابتها بالتلبية ولبابها بدل من المعاني بدل البعض من الكل وقيل بدل اشتمال وهو وهم أي لم يلبها إلا خيار المعاني وشرافها، وصغت من الصياغة ويعبر بها عن إتقان الشيء وإحكامه ما ساغ أي الذي ساغ استعماله من الكلمات يقال ساغ الشراب أي سهل مدخله في الحلق وتسلسل الماء جرى في حدور وعذبا مسلسلا حالان من فاعل ساغ العائد على ما أو يكون مسلسلا صفة عذبا أي مشبها ذلك أو يكون عذبا نعت مصدر محذوف أي صوغا عذبا يستلذه السمع ويقبله الطبع. 68- وَفي يُسْرِهَا التَّيْسِيرُ رُمْتُ اخْتَصَارَهُ ... فَأَجْنَتْ بِعَوْنِ اللهِ مِنْهُ مُؤَمَّلاَ أي وفيما يسره الله سبحانه منها جميع مسائل كتاب التيسير في القراءات السبع من الطرق التي تقدم ذكرها فالتيسير مبتدأ وما قبله خبره، وقيل: في يسرها "من" صلة رمت أو اختصاره وجاز تقديمه على المصدر؛ لأنه ظرف ورمت الشيء طلبت حصوله فأجنت أي كثر جناها منه أي من التيسير أو من الله تعالى ومؤملا حال من الهاء على التقديرين، وقيل إن عادت على التيسير فهو تمييز، ويجوز أن تكون الهاء في منه للاختصار ومؤملا حال منه، ويجوز أن تكون من أجنيته الثمرة فيكون مؤملا مفعولا به ثانيا أي فأجنتني مؤملي ومنه على هذا يجوز تعلقه بأجنت وبمؤملا ولو قال على هذا المعنى المؤملا بالألف واللام لظهر المعنى وكان أحسن. ومصنف التيسير هو الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، وأصله من قرطبة مقرئ محدث، مات بدانية سنة أربع وأربعين وأربعمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 69- وَأَلْفَافُهَا زَادَتْ بِنَشْرِ فَوَائِدٍ ... فَلَفَّتْ حَيَاءً وَجْهَهَا أَنْ تُفَضَّلا الألفاف: الأشجار الملتف بعضها ببعض وفي الكتاب العزيز: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} 1. أي ذوات ألفاف وحسن استعارة الألفاف هنا بعد قوله فأجنت؛ لالتفاف المعاني فيها والأبيات كأن كل بيت ملتف بما قبله وبعده لتعلق بعضها ببعض وانضمامه إليه فتلك الألفاف نشرت فوائد زيادة على ما في كتاب التيسير من زيادة وجوه أو إشارة إلى تعليل وزيادة أحكام وغير ذلك مما يذكره في مواضعه، ومن جملة ذلك جميع باب مخارج الحروف، ثم بعد هذا استحيت أن تفضل على كتاب التيسير استحياء الصغير من الكبير والمتأخر من المتقدم وإن كان الصغير فائقا والمتأخر زائدا، والذي لفَّت به وجهها أي سترته هو الرمز؛ لأنها به كأنها في ستر وحياء مفعول له أو مصدر مؤكد مبين لمعنى لفت؛ لأن لف الوجه يشعر بالحياء وأن تفضلا معمول حياء على حذف من أي من أن تفضلا أو هو معمول لفت على تقدير خشية أن تفضل. 70- وَسَمَّيْتُهاَ [حِرْزَ الْأَمَانِي] تَيَمُّنا ... وَوَجْهَ التَّهانِي فَاهْنِهِ مُتَقبِّلاَ الحرز: ما يعتمد عليه في حفظ ما يجعل فيه. والأماني جمع أمنية، والتهاني جمع تهنئة وخفف ياء الأماني وأبدل همز التهاني ياء ساكنة؛ لأنه لما استعملهما سجعتين سكنتا فخفف هذه وأبدل هذه؛ لتتفقا. ومعنى هذه التسمية أنه أودع في هذه القصيدة أماني طالبي هذا العلم وأنها تقابلهم بوجه مهنئ بمقصودهم وهو من قولهم: فلان وجه القوم أي شريفهم؟ ومعنى تيمنا تبركا وهو مفعول من أجله، يريد أن هذه التسمية سبقت النظم؛ ليكون كذلك، وقوله فاهنه: أي تهنأ بهذا الوجه أو بهذا الحرز من قولهم هنأت الرجل بفتح النون أهنئه بكسرها إذا أعطيته حكاه الجوهري. أي أعطه القبول منك والإقبال عليه؛ لتنال الغرض منه وكن له هنيئا كما تقول: هنأني الطعام، والمعنى ترفق به؛ لتنال الغرض بسهولة، ولا تنفر من الشيء قبل وقوفك على حقيقته وأصله، فأهنئه بالهمز، ثم أبدله لكونه ياء ثم حذفها للأمر فصار اهنه كارمه، وفي جواز مثل هذا نظر من حيث النقل والقياس، وقد بسطنا القول فيه في الشرح الكبير ومثله قول زهير2. وإن لا يبد بالظلم يظلم وحكى ابن مجاهد في القراءات الشواذ: قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهِمْ3 مثل أعطهم ومتقبلا حال: أي في حال تقبلك إياه ولشيخنا أبي الحسن علي بن محمد -رحمه الله- من جملة أبيات: هذى القصيدة بالمراد وفيةٌ ... من أجل ذلك لقبت حرز المنى   1 سورة النبأ، آية: 16. 2 أوله: جرئ متى يظلم يعاقب بظلمه سريعا. 3 سورة البقرة، آية: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 71- وَنَادَيْتُ أللَّهُمَّ يَا خَيْرَ سَامِعٍ ... أَعِذْنِي مِنَ التَّسْمِيعِ قَوْلاً وَمِفْعَلا معنى اللهم يا الله، الميم عوض عن حذف حرف النداء وقطع همزته ضرورة ثم كرر النداء بقوله: يا خير سامع أعذني أي اعصمني، والتسميع مصدر سَمَّع بعلمه إذا عمله يريد به السمعة في الناس والشهرة ومثله راءى بعمله إذا عمله؛ ليراه الناس فيثنوا عليه يقال: فعل ذلك رثاء وسمعة وكلاهما خلق مذموم محبط للعمل كأن الناظم -رحمه الله- لما مدح نظمه بما مدحه به خاف أن يكون في ذلك تسميع فاستعاذ بالله سبحانه منه، وقولا ومفعلا مصدران في موضع الحال من الياء في أعذني أي قائلا وفاعلا أو منصوبان على إسقاط الحافض أي فيهما وبهما، ويكون العامل فيهما التسميع على هذا التقدير أو هما بدلان من ياء أعذني بدل اشتمال أي أعذ قولي وفعلي من التسميع وقيل هما تمييزان. 72- إِلَيكَ يَدِي مِنْكَ الْأَيَادِي تَمُدُّهَا ... أَجِرْنِي فَلاَ أَجْرِي بِجَوْرٍ فَأَخْطَلا يدي مفعول فعل مضمر أي إليك مددت يدي سائلا الإعاذة من التسميع والإجارة من الجور، ثم قال: الأيادي منك تمدها أي هي الحاملة لي على مدها والمسهلة لذلك أي هي التي أطمعتني في ذلك وجرأتني عليه وإلا فمن حقي أن لا أمدها حياء من تقصيري في القيام بما يجب من طاعتك، والأيادي النعم جمع أيد وأيد جمع يد، واليد النعمة ويجوز أن تكون يدي مبتدأ والأيادي مبتدأ ثانٍ أي يدي الأيادي منك تمدها إليك والفاء في فلا أجري جواب الأمر، وفي فأخطلا جواب النفي وهي ناصبة بإضمار أن في الموضعين وإنما سكن أجري ضرورة أو على تقدير فأنا لا أجري، ومعنى فلا أجري بجوز أي فلا أفعله والجور: الميل أي يميل عن طريق الاستقامة، والخطل المنطق الفاسد، وقد خطل بالكسر خطلا. 73- أَمِينَ وَأَمْناً لِلأَمِينِ بِسِرِّهَا ... وَإنْ عَثَرَتْ فَهُوَ الْأَمُونُ تَحَمُّلا أمين: صوت أو اسم فعل بني آخره على الفتح ومعناه اللهم استجب وأمنا مفعول فعل مضمر معطوف على معنى أمين كأنه قال: اللهم استجب وهب أمنا للأمين بسرها أي بخالصها وما فيها من الفوائد وهي لباب المعاني الذي تقدم ذكره، وسر النسب محضه وأفضله، وسر الوادي: أفضل موضع فيه والباء في بسرها بمعنى على يقال هو أمين بكذا وعلى كذا والأمين الموثوق به دعاء له بالأمن وهو ضد الخوف ومن أمانته اعترافه بما فيها من الصواب وإذاعته وتعليمه، والعثرة، الزلة وأضافها إلى القصيدة مجازا أو إنما يريد عثرة ناظمها فيها، والأمون الناقة الموثقة الخلق التي أمن ضعفها. كأنه أمن منها العثور لقوتها أي إن كان فيها اختلال فاحتمله كما تتحمل هذه الناقة الأعباء الثقيلة وتصبر عليها أي يكون بمنزلة هذه الناقة في تحمل ما يراه من زلل أو خطأ فلا يوجد عنده قلق ولا نفرة بل يقيم المعاذير بجهده ويعترف بتقصير البشر عن إدراك الكمال في أمر ما. ومن زل في موضع وأصاب في مواضع عديدة فهو على ما أجرى الله تعالى به العادة في حق الأكابر إلا من ثبتت عصمته، وقوله: تحملا تمييز وهو من باب قولهم: هو حاتم جوادا، وزهير شعرا، وقيل: هو مفعول من أجله وهو وهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 74- أَقُولُ لِحُرٍ وَالْمُرُوءةُ مَرْؤُهَا ... لِإخْوَتِهِ الْمِرْآةُ ذُو النُّورِ مِكْحَلا شرع في ذكر وصايا وآداب ومواعظ والحر أراد به من تقدم شرحه في قوله هو الحر والمقول يأتي في البيت الثاني. واعترض بباقي البيت بين القول والمقول إرادة أن ينبه على سبب النصيحة فنظم ما جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المؤمن مرآة المؤمن". أخرجه أبو داود. أي أنه له بمنزلة المرآة تريه عيوبه فيصلحها، والمروءة: كمال الرجولية وهي مشتقة من لفظ المرء كالإنسانية من لفظ الإنسان والمرء والإنسان مترادفان فهي عبارة عن صفات الإنسان الشريفة التي يتميز بها عن غيره من الحيوانات، وقوله: والمروءة مبتدأ أول ومرؤها مبتدأ ثانٍ، ومعناه رجلها الذي قامت به المروءة والمرآة خبر مرؤها والجملة خبر المروءة، ولإخوته متعلق بمضاف محذوف تقديره نفع مرئها لإخوته كنفع المرآة لهم، وذو النور صفة مرؤها أو خبر بعد خبر أو صفة للمرآة على تقدير التذكير فيها كما قالوا: ليلة غم؛ لأن معناها الشيء المنور ومكحلا تمييز كما تقول: زيد ذو الحسن وجها أي مكحله ذو نور أي هو منور يشفي الداء بنوره كما تشفى العين المريضة بما يفعله المكحل فيها وهو الميل المعروف، وقيل مكحلا حال من مرؤها أو من المرآة على حذف المضاف فيهما كما ذكرناه وهو العامل وقيل حال من ذو النور؛ لأن معناه صاحب النور نحو زيد ذو مال مقيما. 75- أَخي أَيُّهَا الْمُجْتَازُ نَظْمِي بِبَابِهِ ... يُنَادَى عَلَيْهِ كَاسِدَ السُّوْقِ أَجْمِلا هذا هو المقول للحر نادى أخاه في الإسلام والدين الذي جاز هذا النظم ببابه: أي مر به كنى بذلك عن السماع به أو الوقوف عليه إنشادا أو في كتاب وكساد السلعة ضد نفاقها: أي إذا رأيت هذا النظم غير ملتفت إليه فأجمل أنت أي ائت بالقول الجميل فيه والألف في آخر أجملا بدل من نون التأكيد الخفيفة أراد أجملن مثل: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} 1. وقد استعمل ذلك كثيرا نحو: فاعلمه واعملا ومسئولا اسئلا واثنان فاعقلا ويبلو وأقبلا، ونظمي فاعل المجتاز وكاسد السوق حال من هاء عليه وعليه مفعول ينادي القائم مقام الفاعل. رقق الشاطبي -رحمه الله- خطابه بقوله: أخي أجمل وتواضع بجعله نظمه كاسد السوق ولم يكسد سوقه والحمد لله بل نفقت قصيدته نفاقا واشتهرت شهرة لم تحصل لغيرها من مصنفات هذا الفن. وكان شيخنا أبو الحسن -رحمه الله- قد أخبرنا عنه أنه قال: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله بها لأني نظمتها لله سبحانه. 76- وَظُنَّ بِهِ خَيْراً وَسَامِحْ نَسِيجَهُ ... بِالِاغْضاَءِ وَالْحُسْنَى وَإِنْ كانَ هَلْهَلا النسيج: المنسوج واستعاره في بيوت الشعر تشبيها ببيوت الشعر، والإغضاء: التغافل عن الشيء، والحسنى   1 سورة العلق، آية: 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 تأنيث الأحسن أي وبالطريقة الحسنى أو بالكلمة الحسنى، والهلهل: السخيف النسج. لما عبر عن النظم بالنسيج عبر عن عيبه بما يعد عيبًا في النسيج من الثياب وهو كونه سخيفا. أي أحسن القول فيه وتجاوز عنه. 77- وَسَلِّمْ لِإِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِصَابَةٌ ... وَالُاخْرَى اجْتِهادٌ رَامَ صَوْباً فَأَمْحَلا أي: وسلم لإحدى الحسنيين اللتين لا ينفك عن إحداهما؛ أي عبر عنه بأنه متصف بإدراك إحدى الحسنيين، فهذا من جملة الطريقة الحسنى التي يسامح بها نسيجه أو سلمه من الطعن والاعتراض؛ لأجل أنه لا ينفك من إحداهما أو لحصول إحدى الحسنيين له ثم بينهما يقول إصابة واجتهاد ممحل، وفي رام ضمير عائد على الاجتهاد جعله طالبا للصواب كما جعله، وإنما المتصف بذلك حقيقة من قام به الاجتهاد، وكنى بالصوب وهو نزول المطر عن الإصابة وبالمحل عن الخطأ يقال: أمحل الرجل صادف محلا، والمحل انقطاع المطر ويبس الأرض، فللناظم على تقدير الإصابة أجران وله على التقدير الآخر أجر واحد وذلك مأخوذ من قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "من طلب علما فأدركه كان له كفلان من الأجر وإن لم يدركه كان له كفل من الأجر". أخرجه الدارمي في مسنده من حديث واثلة بن الأسقع، وفي الصحيحين في اجتهاد الحاكم نحو ذلك، وفي "إصابة" وجهان الجر على البدل من "إحدى" والرفع على معنى هي إصابة ثم استأنف بيان الحسنى الأخرى فقال: والأخرى اجتهاد، وكأن ذا كله اعتذار عن الرموز التي اصطلح عليها وعن هذه الطريقة الغريبة التي سلكها رحمه الله سبحانه. 78- وَإِنْ كانَ خَرْقُ فَأدَّرِكْهُ بِفَضْلَةٍ ... مِنَ الحِلْمِ ولْيُصْلِحْهُ مَنْ جَادَ مِقْوَلا كان هنا تامة: أي وإن وجد خرق في نسيجه، وحسن ذكر الخرق هنا ما تقدم من لفظ النسيج، وكنى بالخرق عن الخطأ، وقوله: فأدركه؛ أي فتداركه أي تلافه ملتبسا بفضلة من الرفق والأناة وليصلح الخرق من جاد مقوله وهو لسانه ونصب مقولا على التمييز، وجودة اللسان كناية عن جودة القول به. وقد امتثل شيخنا أبو الحسن -رحمه الله- أدبه في ذلك، فنبه على مواضع سنذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى، وحذوت حذوه في ذلك في مواضع ستراها؛ وذلك مساعدة له فيما فعله لله وإعانة له على تقريب هذا العلم على الناس ولله الحمد. 79- وَقُلْ صَادِقًا لَوْلاَ الوِئَامُ وَرُوحُهُ ... لَطاَحَ الأَنَامُ الكُلُّ فِي الخُلْفِ وَالقِلا صادقا حال أو أراد قولا صادقا نظم في هذا البيت مثلا مشهورا وهو لولا الوئام لهلك الأنام أي لولا موافقة الناس بعضهم بعضا في الصحبة والمعاشرة لكانت الهلكة، وزاد الشاطبي قوله: وروحه أي روح الوئام تنبيها على ما في الوئام من مصلحة الدين والدنيا. وفي الحديث الصحيح: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وروح الوئام حياته أراد الحياة التي تحصل بسببه؛ لأنه سبب لبقاء الناس وتوادهم والروح يعبر به عما تحصل به الحياة، ومنه قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} 1. أي بالوحي سماه روحا لحصول حياة القلوب به فكأنه قال: لولا الوئام وثمرته ... ولكنه جاء بالمثل على طريقة قولهم: يعجبني زيد وحسنه المقصود الحسن لكن جئ به معطوفا على من اتصف به مبالغة، وطاح بمعنى هلك، والأنام: الإنس، وقيل: الإنس والجن، وقيل: كل ذي روح، والقلا: البغض؛ أي لهلك الناس في الاختلاف والتباغض، جعلهما ظرفين مجاز، أو يكون في بمعنى الباء أي لهلكوا بهما كأنه وقع في نفسه أن من الناس من يخالفه فيما قصد من الاصطلاح ويعيبه، وربما اغتيب لأجله، فحذر من ذلك كله والله أعلم. 80- وَعِشْ سَالماً صَدْراً وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ ... تُحَضَّرْ حِظَارَ الْقُدْسِ أَنْقَى مُغَسَّلا سالما حال، وصدرا تمييز: أي سالما صدرك من كل خلق رديء، والغيبة: ذكر الإنسان في غيبته بما يكره سماعه لا لمصلحة دينية وقوله: فغب، أي لا تحضر مع المغتابين ولا توافقهم ولا تصغ إليهم فتكون في حكمهم فإن لم يستطع أن يغيب بجسمه فليغب بقلبه وسمعه ولسانه فيكون حاضرا صورةً غائبا معنًى. وإنما اعتنى بذكر الغيبة من بين الأخلاق المذمومة لغلبتها على أهل العلم، ومنه قيل: الغيبة فاكهة القراء، وقال بشر بن الحارث: هلك القراء في هاتين الخصلتين: الغيبة والعجب، وقوله: تحضر من احضور الذي هو ضد الغيبة، وحظار القدس مفعول ثانٍ لتحضر أو على حذف حرف الجر أي في حظار القدس، والحظار الحظيرة تعمل للإبل من شجر لتقيها البرد والريح، وحظيرة القدس: الجنة، وأنقى مغسّلا حالان أي نقيا من الذنوب مغسلا منها، والقدس الطهارة وقيل هو موطن في السماء فيه أرواح المؤمنين والله أعلم. 81- وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتِي ... كَقَبْضٍ عَلَى جَمْرٍ فَتَنْجُو مِنَ الْبلا يريد أن الناس قد تغيروا وفسدوا وساءت مقاصدهم وكثر نفاقهم فقلَّ من يوثق به منهم أو يسلم من أذاهم. وقد أدركنا الزمان الذي أخبر عنه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو ثعلبة الخشني عنه قال: "ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام؛ فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم". وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر". أخرجهما الترمذي وقال حديث حسن غريب.   1 سورة النحل، آية: 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن من بعدي أيام الصبر المتمسك فيهن بمثل ما أنتم عليه له كأجر خمسين عاملا". وقوله: من لك بكذا جملة استفهامية تستعمل فيما يستبعد وقوعه وتقديره: من يسمح لك به. فمعنى البيت: من يسمح لك بحصول الحالة التي هي كقبض على جمر وحصولها هو القيام فيها بحقوق الله تعالى. وقد ذكر الشيخ الشاطبي -رحمه الله- زمان الصبر في قصيدة أخرى له فقال: إلى الله أشكو وحدتي في مصائبي ... وهذا زمان الصبر لو كنت حازما عليك بالاسترجاع إنك فاقد ... حياة العلى وابغ السلو منادما أي عليك بقولك: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 1. على فقدك لحياة العلى، ونادم السلو عنها. فقد أيست منها. 82- وَلَوْ أَنَّ عَيْناً سَاعَدتْ لتَوَكَّفَتْ ... سَحَائِبُهَا بِالدَّمْعِ دِيماً وَهُطّلا أي ولو ساعدت عين صاحبها لكثر بكاؤها دائما على التقصير في الطاعة وقلة البضاعة، ومعنى توكفت قطرت وتصببت وسالت، قال الأزهري: وَكَفَ البيت وتوكف: أي هطل وقوله: سحائبها أي مدامعها على وجه الاستعارة، والديم جمع ديمة كجِيَز ولِيَن في جمع جيزة ولينة وهما الناحية والنخلة، والأكثر في جمع ديمة ديم بفتح الياء، والديمة المطر الدائم ليس بشديد الوقع، وهطلا جمع هاطلة والهطل تتابع المطر والدمع سيلانه، وديما وهطلا حالان من السحائب المتوكفة أي دائمة هاطلة فهي حقيقة بذلك ومن فسر توكفت هنا بمعنى توقعت فقد جهل معنى البيت وأخطأ اللغة وقد بينا ذلك في الشرح الكبير والله أعلم. 83- وَلكِنَّها عَنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ قَحْطُهاَ ... فَيَا ضَيْعَةَ الْأَعْمَارِ تَمْشِى سَبَهْلَلا الهاء في لكنها للعين أو هو ضمير القصة والهاء في قحطها للعين، والقحط الجدب أي لم ينقطع الدمع إلا بسبب أن القلب قاسٍ، وذلك من علامات الشقاء. ففي جامع الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله تعالى". هذا حديث حسن صحيح. وفي مسند البزار عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أربعة من الشقاء جمود العين وقساء القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا". وضيعة الأعمار مفعول فعل مضمر، والمنادى محذوف: أي يا قوم احذروا ضيعة الأعمار. أو يكون ناداها على معنى التلهف والتأسف نحو:   1 سورة البقرة، آية: 156. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} 1. وقوله: تمشي حال من الأعمار أو جملة مستأنفة مفسرة مؤكدة لقوله: يا ضيعة الأعمار، أي تمر وتذهب باطلة ضائعة، يقال لكل فارغ: سبهلل، وجاء فلان سبهلل أي غير محمود المجيء أي جاء وذهب في غير شيء والله أعلم. 84- بِنَفسِي مَنِ اسْتَهْدَىَ إلى اللهِ وَحْدَهُ ... وَكانَ لَهُ الْقُرْآنُ شِرْباً وَمَغْسَلا أي أفدي بنفسي، و"من" موصولة أو موصوفة، ومعنى استهدى طلب الهداية، أي سلك الطريق المستقيم الموصل إلى الله تعالى، والهاء في وحده لله -عز وجل، أو تعود على المستهدى. فمعناه على الأول: أنه مخلص لله في استهدائه لا يريد إلا الله، وعن الثاني: هو منفرد في ذلك؛ لأنه في زمان خمول الحق وعلو الباطل، والشرب: النصيب. أي إذا اقتسم الناس حظوظهم كان القرآن العزيز حظه، فيكون القرآن العزيز له شربا يتروى به ومغسلا يتطهر به من الذنوب بدوام تلاوته والعمل بما فيه ولتلذذ بمناجاة منزله به في ظلام الليل، فمغسلا اسم مكان على التجوز أو مصدر على معنى ذا غسل. 85- وَطَابَتْ عَلَيْهِ أَرْضُهُ فَتفَتَّقَتْ ... بِكُلِّ عَبِيرٍ حِينَ أَصْبَحَ مُخْضَلا طابت معطوف على استهدى، والهاء في عليه وأرضه للمستهدي، وقيل هي في أرضه لله، والمراد بالأرض: المعروفة، وعليه: بمعنى له أي طابت له الأرض التي تحمله لما عنده من الانشراح بسبب صلاح حاله مع الله تعالى، وكنى بقوله: فتفتقت بكل عبير عن ثناء أهلها عليه واغتباطهم به، والعبير: الزعفران وقيل: أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران، ومعنى تفتقت: تشققت أو يكون المعنى أن الأرض زكت وكثر خيرها بسبب هذا المستهدي؛ لقيامه بالحق وعمله بطاعة الله من قولك: طابت نفسي على كذا أي وافقتها وطابت الأرض إذا أخصبت، وقيل: الهاء في أرضه للقرآن العزيز استعار للقرآن العزيز أرضا كأن القارئ له حالة تفكره فيه وتدبره لمعانيه كالسالك في أرض تفتقت بكل عبير، يشير إلى كثرة الفوائد الحاصلة له بذلك علما وعملا، ومعنى مخضلا أي مبتلا، كنى بذلك عما أفاض الله تعالى عليه من نعمه بالمحافظة على حدوده. 86- فَطُوبى لَهُ وَالشَّوْقُ يَبْعَثُ هَمُّهُ ... وَزَنْدُ الْأَسَى يَهْتَاجُ فِي الْقَلْبِ مُشْعِلا طوبى له خبر أو دعاء والواو في "والشوق" للحال: أي العيش الطيب له في هذه الحالة أي ما أطيب عيشه حين يبعث الشوق همه، والهم هنا الإرادة أي الشوق إلى ثواب الله العظيم والنظر إلى وجهه الكريم يثير إرادته ويوقظها ويحركها مهما آنس منها فتورا أو غفلة، ويجوز أن يكون طوبى له دعاء معترضا، والشوق وما بعده معطوف على ما تقدم من الجمل أي بنفسي من استهدى وطابت عليه أرضه ومن الشوق يبعث همه والأسى الحزن والزند الذي يقدح به النار استعارة له ويهتاج أي يثور وينبعث ومشعلا حال من فاعل يهتاج أي موقدًا، وسبب هذا الحزن المشتعل التأسف على ما ضاع من العمر والخوف من التغير، وفي طوبى بحوث أخر حسنة ذكرناها في الشرح الكبير.   1 سورة الأنعام، آية: 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 87- هُوَ المُجْتَبَى يَغْدُو عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ ... قَرِيباً غَرِيباً مُسْتَمَالاً مُؤَمَّلاَ المجتبى: المختار، وفي يغدو وجهان: أحدهما أنها جملة مستأنفة، والثاني أنها حال من ضمير المجتبى. وفي معناها أيضا وجهان: أحدهما أنها من غدا يغدو إذا مر أي أنه يمر بالناس متصفا بهذه الصفات الجليلة المذكورة وهو باين منهم، أي يمر بهم مرورا غير مزاحم لهم على الدنيا ولا مكاثر لهم. والثاني أنه من غدا بمعنى صار التي من أخوات كان، وعلى الناس خبرها: أي رفع الله تعالى منزلته على الناس وقريبا وما بعده أخبار لها أيضا أو أحوال والمراد بقربه تواضعه أو هو قريب من الله تعالى قرب الرحمة والطاعة وهو غريب في طريقته ومذهبه؛ لقلة أشكاله في التمسك بالحق؛ لأنه كالقابض على الجمر مستمالا أي يطلب منه من يعرف حاله الميل إليه والإقبال عليه، ويؤمل عند نزول الشدائد كشفها بدعائه وبركته أي من جملة صفاته أن يكون مطلوبا للناس لا طالبا لهم بل ينفر منهم بجهده. 88- يَعُدُّ جَمِيعَ النَّاسِ مَوْلى لِأَنَّهُمْ ... عَلَى مَا قَضَاهُ اللهُ يُجْرُونَ أَفْعَلا يعد هنا: بمعنى يعتقد ويحسب فلهذا عداها إلى مفعولين، وأفرد مولى؛ لأن "جميع" لفظ مفرد كقوله: {نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} 1. وفي معناه وجهان: أحدهما أنه أراد يعد كل واحد منهم عند الله تعالى مأمورا مقهورا لا يمك لنفسه نفعا ولا ضرا فلا يرجوهم ولا يخافهم بل يكون اعتماده واتكاله على خالقه أو لا يرى لهم نفعا ولا ضرا؛ لأن أفعالهم تجري على سابق القضاء والقدر. والثاني أنه أراد سيدا، فلا يحتقر أحدا منهم بل يتواضع لكبيرهم وصغيرهم؛ لجواز أن يكون خيرا منه فإن النظر إلى الخاتمة. فعلى الأول وصفه بالتوكل وقطع طمعه عن الخلق. وعلى الثاني وصفه بالتواضع وصيانة نفسه عن الكبر والعجب ونحوهما. ثم علل ذلك بقوله: لأنهم على ما قضاه الله أي تجري أفعالهم على ما سبق به القضاء من السعادة والشقاء، وأفعلا تمييز، ووجه جمعه اختلاف أنواع أفعال الخلق، فهو كقوله تعالى: {بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} 2 والله أعلم. 89- يَرَى نَفْسَهُ بِالذَّمِّ أَوْلَى لِأَنَّهَا ... عَلَى المَجْدِ لَمْ تَلْعقْ مِنَ الصَّبْرِ وَالْأَلاَ أي لا يشغل نفسه بعيب الناس وذمهم ويرى ذمه لنفسه أولى؛ لأنه يعلم منها ما لا يعلمه من غيرها أو يرى نفسه مقصرة بالنسبة إلى غيره ممن سبقه من المجتهدين فيذمها لذلك، وقوله: على المجد: أي على تحصيل الشرف   1 سورة القمر، آية: 44. 2 سورة الكهف، آية: 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 يصفها بالتقصير عن مجاهدات الصديقين وعبر عن تحمله في ذلك المكاره والمشاق بتناوله ما هو مر المذاق، والصبر بكسر الصاد وفتحها مع سكون الباء وبفتح الصاد مع كسر الباء ثلاث لغات كما في كبد وكتف ذكر ذلك الناظم فيما أملاه من الحواشي على قصيدته، ومنهم من أنكر فتح الصاد مع سكون الباء وهو الشي المر الذي يضرب بمرارته المثل والألا بالمد. شجر حسن المنظر مر الطعم وقيل: إنه الدفلى، وقيل: إنه يؤكل ما دام رطبا فإذا يبس لسع ودبغ به، واحده ألاة. قال الشيخ في شرحه: ولو قال لم تصبر على الصبر والألا لكان أحسن؛ لأن الألا لا يلعق: وهو نبت يشبه الشيح رائحة وطعما ولا يستعظم لعقه وإنما يستعظم الصبر عليه مع العدم، وقوله. من الصبر: أي من مثل الصبر. قلت: هو من باب قولهم: متقلدا سيفا ورمحا ... وعلفتها تبنا وماء أي لم تلعق من الصبر ولم تأكل من الألا: أي لم يتناول الأشياء المرة لعقا مما يلعق وأكلا مما يؤكل، ولو قال لم تطعم لجمع الأمرين والله أعلم. 90- وَقَدْ قِيلَ كُنْ كَالْكَلْبِ يُقْصِيهِ أَهْلُهُ ... وَمَا يَأْتَلِى فِي نُصْحِهِمْ مُتَبَذِّلا أي لا يحملك ما ترى من تقصير الناس في حقك على ترك نصحهم أو لا يحملك الفقر والبؤس على ترك طاعة الرب سبحانه وتعالى وحث المخاطبين بالصفة المحمودة في أخس الحيوانات وأنجسها من المحافظة على خدمة أهله وإن قصروا في حقه. وقد صنف أبو بكر محمد بن خلف المرزبان جزءا ذكر فيه أشياء مما وصفت الكلاب ومدحت به سماه "فضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب"، ونظم الشيخ الشاطبي -رحمه الله- تعالى في هذا البيت من ذلك أثرًا. روي عن وهب بن منبه -رضي الله عنه- قال: أوصى راهب رجلًا فقال: انصح لله حتى تكون كنصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويضربونه ويأبى إلا أن يحيط بهم نصحا، ويقصيه أي يبعده ويأتلي أي يقصر وهو يفتعل من الائتلاء، وقوله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} 1. هو أيضا يفتعل ولكن من الألية: وهي الحلف، ومتبذلا حال من فاعل يأتلي أو خبر "كن": أي كن مبتذلا كالكلب، والتبذل في الأمر: الاسترسال فيه لا يرفع نفسه عن القيام بشيء من جليله وحقيره. 91- لَعَلَّ إِلهَ الْعَرْشِ -يَا إِخْوَتِي- يَقِى ... جَمَاعَتَنَا كُلَّ المَكاَرِهِ هُوّلا أي لعل الله -تعالى- يقينا إن قبلنا هذه الوصايا وعملنا بها جميع مكاره الدنيا والآخرة، و"هوَّلا" حال من المكاره وهو جمع هائل، يقال: هالني الأمر يهولني هولا أي أفزعني فهو هائل: أي مفرغ.   1 سورة النور، آية: 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 92- وَيَجْعَلُنَا مِمَّنْ يَكُونُ كِتاَبُهُ ... شَفِيعاً لَهُمْ إِذْ مَا نَسُوْهُ فَيمْحَلا يجعلنا معطوف على يقي ومن موصولة أو موصوفة وإذ ظرف شفيعًا كقوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} 1. فقيل هي تعليل في الموضعين كما في قوله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا} 2. قلت: التقدير وإذ اعتزلتموهم أفلحتم وخلصتم فأووا الآن إلى الكهف، وأما إذ ظلمتم فنزل المسبب عن الشيء كأنه وقع زمن سببه فكأنه انتفى نفع الاشتراك في العذاب زمن ظلمهم، وفي بيت الشاطبي -رضي الله عنه- كأن الشفاعة حصلت زمن عدم النسيان لما كانت مسببة عنه. وقال أبو علي: الدنيا والآخرة متصلتان وهما سواء في حكم الله وعلمه حتى كأنها واقعة وكأن اليوم ماضٍ، وقيل: التقدير: بعدَ إذ ظلمتم فهكذا يقدر بعد إذ ما نسوه وقيل: العامل في "إذ": ويجعلنا، ولا خفاء بفساد هذا، ويقال: محل به إذا سعى به إلى سلطان ونحوه وبلَّغ أفعاله القبيحة مثل وشى به ومكر به، وانتصاب فيمحلا على جواب النفي بالفاء، قال أبو عبيد في كتاب "فضائل القرآن": ثنا حجاج عن ابن جريج قال: حدثت عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق من شفع له القرآن يوم القيامة نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله في النار على وجهه". وفي كتاب الترمذي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة أو آية من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها". وروي في ذم نسيان القرآن آثار كثيرة والمراد بها ترك العمل به فإن النسيان الترك، ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} 3. وقد فسر ذلك قول ابن مسعود -رضي الله عنه: "القرآن شافع مشفع وماحل مصدق فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار". أخرجه مع غيره أبو بكر بن أبي شيبة في كتاب ثواب القرآن.   1 سورة الزخرف، آية: 31. 2 سورة الكهف، آية: 16. 3 سورة طه، آية: 115. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فالحاصل أن للقرآن يوم القيامة حالتين: إحداهما: الشفاعة لمن قرأه ولم ينس العمل به. والثانية: الشكاية لمن نسيه: أي تركه متهاونا به ولم يعمل بما فيه. ولا يبعد أن يكون من تهاون به حتى نسي تلاوته كذلك، والله أعلم. قال الشيخ: وفي الدعاء ولا تجعل القرآن بنا ماحلا: أي ذاكرا لما أسلفناه من المساوي في صحبته: 93- وَبِاللهِ حَوْلِى وَاعْتِصَامِي وَقُوَّتِى ... وَمَا ليَ إِلاَّ سِتْرُهُ مُتَجَلِّلا حولي: أي تحولي من أمر إلى أمر والاعتصام: الامتناع من كل ما يشين: أي ذلك كله بيد الله لا يحصل إلا بمعونته ومشيئته. وفي الحديث الصحيح: "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة". قال ابن مسعود في تفسيرها لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله، قال الخطابي هذا أحسن ما جاء فيه ومتجملا حال من الياء في لي أي وما لي ما أعتمد عليه إلا ما قد جللني به من ستره في الدنيا فأنا أرجو مثل ذلك في الآخرة أي وما لي إلا ستره في حال كوني متجللا به: أي متغطيا به وقيل هو حال من الستر وفيه نظر. 94- فَيَا رَبِّ أَنْتَ اللهُ حَسْبي وَعُدَّتِي ... عَلَيْكَ اعْتِمَادِي ضَارِعاً مُتَوَكِّلا حسبي: أي كافي: والعدة ما يعد لدفع الحوادث، والضارع الذليل والمتوكل: المظهر للعجز معتمدا على من يتوكل عليه وهما حالان من الياء في اعتمادي، وهذا آخر شرح الخطبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 باب: الاستعاذة كل ما يأتي في كتب العلماء من قولهم: باب، أو فرع، أو نحو ذلك فهو خبر مبتدأ محذوف. وبعضهم يظهره: أي هذا باب نذكر فيه مذاهب القراء في الاستعاذة قبل القراءة، وهي طلب الإعاذة من الله تعالى، وهي عصمته كالاستجارة والاستعانة والاستغاثة، يقال: عذت بفلان واستعذت به: أي لجأت إليه، ولفظ الاستعاذة على اختلافه كما سيأتي ذكره كلفظ الخبر، ومعناه الدعاء: أي اللهم أعذني. 95- إِذَا مَا أَرَدْتَ -الدَّهْرَ- تَقْرَأُ فَاسْتَعِذْ ... جِهَاراً مِنَ الشَّيْطَانِ بِاللهِ مُسْجَلا الدهر منصوب على الظرف وجهارا مصدر في موضع الحال: أي مجاهرا أو جاهرا أو يكون نعت مصدر محذوف: أي تعوذا جهارًا أي ذا جهار، وهذا في استعاذة القارئ على المقرئ أو بحضرة من يسمع قراءته أما من قرأ خاليا أو في الصلاة فالإخفاء له أولى، ومسجلا: بمعنى مطلقا لجميع القراء في جميع القرآن لا يختص ذلك بقارئ دون غيره ولا بسورة ولا بحزب ولا بآية دون باقي السور والأحزاب والآيات، وهذا بخلاف البسملة على ما سيأتي، ووقت الاستعاذة ابتداءُ القراءة على ذلك العمل في نقل الخلف عن السلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 إلا ما شذ عن بعضهم أن موضعها بعد الفراغ من القراءة، وقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} 1 معناه إذا أردت القراءة كقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} 2. وقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فليستنثر، ومن أتى الجمعة فليغتسل". كل ذلك على حذف الإرادة للعلم بها، وأظهر الشاطبي -رحمه الله- في نظمه ذلك المقدر المحتاج إليه في الآية، وهو الإرادة فقال: إذا ما أردت الدهر تقرأ ... ولم يقل إذا ما قرأت الدهر للكل فاستعذ إشارة إلى تفسير الآية وشرحها، وهو كقولك: إذا أكلت فسم الله إذا أردت الأكل استغنى بالفعل عن ذكر الإرادة؛ لشدة اتصاله بها، ولكونه موجودا فيها. 96- عَلَى مَا أَتَى في النَّحْلِ يُسْراً وَإِنْ تَزِدْ ... لِرَبِّكَ تَنْزِيهاً فَلَسْتَ مُجَهَّلا أي استعذ معتمدا على ما أتى في سورة النحل دليلا ولفظا، وهو قوله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} . فهذا اللفظ هو أدنى الكمال في الخروج عن عهدة الأمر بذلك، ولو نقص منه بأن قال: أعوذ بالله من الشيطان ولم يقل الرجيم كان مستعيذا، ولم يكن آتيا باللفظ الكامل في ذلك، ويسرا مصدر في موضع الحال من فاعل أتى أي أتى ذا يسر، أي سهلا ميسرا وتيسره قلة كلماته فهو أيسر لفظا من غيره على ما سنذكره، وزاد يتعدى إلى مفعولين نحو قوله تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} 3. والمفعول الأول هنا محذوف: أي وإن تزد لفظ الاستعاذة تنزيها: أي لفظ تنزيه يريد بذلك أن تذكر صفة من صفات الله تعالى تثني عليه بها سواء كانت صفة سلب أو ثبوت نحو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، أو أعوذ بالله السميع العليم فكل صفة أثبتها له فقد نزهته عن الاتصاف بضدها وقوله: لربك متعلق بتنزيها، ولا يمتنع ذلك من جهة كونه مصدرا فلا يتقدم معموله عليه فإن هذه القاعدة مخالفة ي الظروف؛ لاتساع العرب فيها وتجويزها من الأحكام فيها ما لم تجوزه في غيرها، وقد ذكرت ذلك في نظم المفصل وقررناه في الشرح الكبير، ومن منع هذا قدر لأجل تعظيم ربك وقيل لربك هو المفعول الأول دخلت اللام زائدة أي وإن تزد ربك تنزيها وقوله: فلست مجهلا أي منسوبا إلى الجهل؛ لأن ذلك كله صواب مروي، وليس في الكتاب ولا في السنة الثابتة ما يرد ذلك.   1 سورة النحل، آية: 98. 2 سورة المائدة، آية: 6. 3 سورة الكهف، آية: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 97- وَقَدْ ذَكَرُوا لَفْظَ الرَّسُولِ فَلَمْ يَزِدْ ... وَلَوْ صَحَّ هذَا النَّقْلُ لَمْ يُبْقِ مُجْمَلا أي: وقد ذكر جماعة من المصنفين في علم القراءات أخبارا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيره لم يزد لفظها على ما أتى في النحل. منها: "أن ابن مسعود قرأ على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أعوذ بالله السميع العليم فقال: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". وعن جبير بن مطعم قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". وكلا الحديثين ضعيف والأول لا أصل له في كتب أهل الحديث. والثاني أخرجه أبو داود بغير هذه العبارة وهو: $"أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه". ثم يعارض كل واحد منهما بما هو أصح منهما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه". قال الترمذي: هو أشهر حديث في هذا الباب. وفي صحيح أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "أنه كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ونفخه وهمزه ونفثه". وأشار بقوله: ولو صح هذا النقل إلى عدم صحته كما ذكرناه، وقوله: لم يبق مجملا أي إجمالا في الآية وذلك أن آية النحل لا تقتضي إلا طلب أن يستعيذ القارئ بالله من الشيطان الرجيم فبأي لفظ فعل المخاطب فقد حصل المقصود كقوله تعالى: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} 1. ولا يتعين للسؤال هذا اللفظ فبأي لفظ سأل كان ممتثلا، ففي الآية إطلاق عبر عنه بالإجمال وكلاهما قريب، وإن كان بينهما فرق في علم أصول الفقه. وأما زوال إجمال الآية لصحة ما رواه من الحديث، فوجهه أنه كان يتعين ختما أو أولوية وأياما كان فهو معنى غير المفهوم من الإطلاق والإجمال إذ الألفاظ كلها في الاستعاذة بالنسبة إلى الأمر المطلق سواء يتخير فيها المكلف وإذا ثبتت الأولوية لأحدها أو تعين فقد زال التخيير والله أعلم.   1 سورة النساء، آية: 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 98- وَفِيهِ مَقَالٌ في الأُصُولِ فُرُوعُهُ ... فَلاَ تَعْدُ مِنْهَا بَاسِقاً وَمُظَلِّلا أي في التعوذ قول كثير وكلام طويل تظهر لك فروعه في الكتب التي هي أصول وأمهات، يشير إلى الكتب المطولة في هذا العلم كالإيضاح لأبي علي الأهوازي والكامل لأبي القاسم الهذلي وغيرهما؛ ففيها يبسط الكلام في ذلك ونحوه فطالعها وانظر فيها ولا تتجاوز منها القول الصحيح الظاهر البين المتضح الحجج، وأشار إلى ذلك بقوله: باسقا أي عاليا والمظلل ما له ظل؛ لكثرة فروعه وورقه أي قولا باسقا، وقيل مراده بالأصول علم أصول الفقه لأجل الكلام المتعلق بالنصوص فالهاء في فيه تعود إلى لفظ الرسول أو إلى النقل أو إلى المذكور بجملته، وقد أوضحنا ذلك كله في الشرح الكبير وبالله التوفيق. 99- وَإِخْفَاؤُهُ "فَـ"ـصلْ "أَ"بَاهُ "وَ"عُاَتُنَا ... وَكَمْ مِنْ فَتىً كالمَهْدَوِي فِيهِ أَعْمَلاَ أي روى إخفاء التعوذ عن حمزة ونافع؛ لأن الفاء رمز حمزة والألف رمز نافع، وهذا أول رمز وقع في نظمه والواو في وعاتنا للفصل وتكررت بقوله: وكم هذا هو المقصود بهذا النظم في الباطن. وأما ظاهره فقوله "فصل" يحتمل وجهين: أحدهما: أنه فصل من فصول القراءة وباب من أبوابها كرهه مشايخنا وحفاظنا: أي ردوه ولم يأخذوا به والوعاة جمع واع كقاض وقضاة يقال: وعاه أي حفظه: والثاني أن يكون أشار بقوله فصل إلى بيان حكمة إخفاء التعوذ، وهو الفصل بين ما هو من القرآن وغيره فقوله: وإخفاؤه فصل جملة ابتدائية و"أباه وعاتنا" جملة فعلية وهي صفة لفصل على الوجه الأول مستأنفة على الوجه الثاني؛ لأن الوعاة ما أبوا كونه فاصلا بين القرآن وغيره وإنما أبا الإخفاء الوعاة؛ لأن الجهر به إظهار لشعار القراءة كالجهر بالتلبية وتكبيرات العيد. ومن فوائده أن السامع له ينصت للقراءة من أولها لا يفوته منها شيء، وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع بالقراءة إلا بعد أن فاته من المقروء شيء، وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة خارج الصلاة وفي الصلاة فإن المختار في الصلاة الإخفاء؛ لأن المأموم منصت من أول الإحرام بالصلاة ثم أشار بقوله: وكم من فتى إلى أن جماعة من المصنفين الأقوياء في هذا العلم اختاروا الإخفاء وقرروه واحتجوا له، وذكر منهم المهدوي وهو أبو العباس أحمد بن عمار المقرئ المفسر مؤلف الكتب المشهورة التفصيل والتحصيل والهداية وشرحها منسوب إلى المهدية من بلاد أفريقية بأوائل المغرب، والهاء في فيه للإخفاء "وأعملا" فعل ماضٍ خبر "وكم من فتى" أي أعمل فكره في تصحيحه وتقريره، وفيه وجوه أخر ذكرناها في الشرح الكبير والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 باب: البسملة البسملة، مصدر بسمل؛ إذا قال: "بسم الله" وهي لغة مولدة، ومثلها: هلل؛ إذا قال: "لا إله إلا الله" وحمدل؛ إذا قال: "الحمد لله"، وحسبل؛ إذا قال: "حسبي الله"، وحوقل وحواق؛ إذا قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" وحيعل؛ إذا قال: "حي على الصلاة" أريد الاختصار، فعبر بكلمة واحدة عن كلمتين أو أكثر، سبك لفظ تلك الكلمة منها، ومنه ما فعلوا في النسب من عبقسي وعبشمي وعبدري وحضرمي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 ثم البسملة مستحبة عند ابتداء كل أمر مباح أو مأمور به، وهي من القرآن العظيم من قصة سليمان عليه السلام في سورة النمل. وأما في أوائل السور، ففيها اختلاف للعلماء قرائهم وفقهائهم قديما وحديثا في كل موضع رمست فيه من المصحف. والمختار أنها في تلك المواضع كلها من القرآن، فيلزم من ذلك قراءتها في مواضعها، ولها حكم غيرها من الجهر والإسرار في الصلاة وغيرها. وقد أفردت لتقرير ذلك كتابا مبسوطا مستقلا بنفسه، ثم اختصرته في جزء لطيف بعون الله تعالى وحده. 100- وَبَسْمَلَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ "بِـ"سُنَّةٍ ... "رِ"جَالٌ "نَـ"ـمَوْهاَ "دِ"رْيَةً وَتَحَمُّلاَ البسملة تقع في قراءة القراء في ثلاثة مواضع، إذا ابتدءوا سورة أو جزءا وسيأتي الكلام فيهما، والثالث بين كل سورتين فابتدأ ببيانه لأن الاختلاف فيه أكثر والحاجة إلى معرفته أمسّ وفاعل بسمل قوله: رجال، وبسنة حال مقدمة أي آخذين أو متمسكين بسنة وهي كتابة الصحابة -رضي الله عنهم- لها في المصحف، وما روي من الآثار في ذلك أو تكون نعت مصدر محذوف أي بسملة ملتبسة بسنة منقولة ونموها أي نقلوها ورفعوها وأسندوها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- والضمير للبسملة أو للسنة والجملة صفة لرجال أو للسنة، ودرية وتحملا مصدران في موضع الحال من فاعل نموها أي ذوي درية وتحمل أي دارين متحملين لها أي جامعين بين الدرية والرواية، والمبسملون من القراء هم الذين رمز لهم في هذا البيت من قوله بسنة رجال نموها درية وعلم من ذلك أن الباقين لا يبسملون؛ لأن هذا من قبيل الإثبات والحذف. قال أبو طاهر بن أبي هاشم صاحب ابن مجاهد: أولى القولين بالصواب عندي الفصل بين السورتين بالبسملة؛ لاتباع المصحف، وللحديث الذي يروي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: اقرءوا ما في المصحف، ثم ذكر قول ابن عمر: فلم كُتِبت في المصحف إن لم تقرأ؟ قال أبو طاهر: ألا ترى أن ترك قراءتها كان عند ابن عمر كترك قراءة غيرها مما هو مرسوم في المصحف من سائر آي القرآن؛ إذ كان رسمها في الخط كرسم ما بعدها لا فرق بينهما، قال: وقد أجمع مع ذلك من أئمة القراءة بالأمصار على الجهر بها بين السورتين أهل الحرمين وعاصم والكسائي وأهل الشام. 101- وَوَصْلُكَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ "فَـ"ـصَاحَةٌ ... وَصِلْ وَاسْكُتَنْ "كُـ"ـلٌّ "جَـ"ـلاَيَاهُ "حَـ"ـصَّلاَ بين في صدر هذا البيت قراءة حمزة -رضي الله عنه- ورمز له بقوله: فصاحة وبين في عجز البيت قراءة ابن عامر وورش وأبي عمرو، ورمز لهم بقوله: كل جلاياه حصلا، وبين السورتين ظرف للوصل أو مفعول به وفصاحة خبره، وإنما كان فصاحة؛ لأنه يستلزم بيان إعراب أواخر السور ومعرفة أحكام ما يكسر منها وما يحذف؛ لالتقاء الساكنين كآخر المائدة والنجم وبيان همزة القطع والوصل كأول القارعة، و {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} 1.   1 سورة التكاثر؛ آية: 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وما يسكت عليه في مذهب خلف كآخر "والضحى" فكل ذلك لا يحكمه ويتقنه إلا من عرف كيف يصله وسكوت خلف لا يخرجه عن كونه وصلا فإنه لا يفعل ذلك إلا في الوصل كما سيأتي شرحه في قوله: روى خلف في الوصل ... وقد نقل أبو علي الأهوازي عن حمزة أنه قال: إنما فعلت ذلك؛ ليعرف القارئ كيف إعراب أواخر السور أي: ووصلك بين السورتين بعد إسقاط البسملة يستلزم فصاحة ثم بين قراءة غير حمزة ممن لم يبسمل فقال وصل واستكن وهذا على التخيير وإلا فالجمع بينهما محال إلا في حالتين أي صل إن شئت كما سبق لحمزة واسكت على آخر السورة إن شئت، وبهذا التقدير دخل الكلام معنى التخيير وإلا فالواو ليست بموضوعة له وقد قيل إنها قد تأتي للتخيير مجازًا والنون في واسكتن للتوكيد ولعله قصد بذلك أن السكوت لهم أرجح من الوصل، وقال صاحب التيسير على اختيار ذلك لهم، وقال الشيخ رحمة الله عليه: أكثر أهل الأداء لما فيه من الفصل، وقد روي السكت أيضا عن حمزة، وجلاياه جمع جلية وهو مفعول حصل، والهاء في جلاياه تعود على التخيير أي كل من أهل الأداء استوضح التخيير، ورآه صوابا أو تعود على كل؛ أي كل من القراء حصل جلايا ما ذهب إليه وصوبه والله أعلم. 102- وَلاَ نَصَّ كَلاَّ حُبَّ وجْهٍ ذَكَرْتُهُ ... وَفِيهاَ خِلاَفٌ جِيدُهُ وَاضِحُ الطُّلا أي لم يرد بذلك نص عن هؤلاء بوصل ولا سكوت وإنما التخيير بينهما لهم اختيار من المشايخ واستحباب منهم، وهذا معنى قوله: "حب وجه ذكرته"، وكلا حرف ردع وزجر كأنه منع من اعتقاد النصوصية عن أحد منهم على ذلك، ثم قال: "وفيها" أي في البسملة خلاف عنهم جيد ذلك الخلاف واضح، الطلا: أي أنه مشهور معروف عند العلماء والجيد: العنق، والطلا جمع طلاة أو طلية والطلية صفحة العنق وله طليتان فجاء بالجمع في موضع التثنية لعدم الإلباس كقولهم: عريض الحواجب وطويل الشوارب، وقيل الطلا الأعناق أنفسها فكأنه قال عنق هذا الخلاف واضح الأعناق أي هو الواضح من بينها، وإنما تتضح الأعناق إذا كانت مرتفعة وارتفاع الأعناق والرءوس يكنى به عن ارتفاع المنزلة وعلو المرتبة، ومنه الحديث الصحيح: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة". فحاصل ما في هذا البيت أن الخلاف في البسملة مروي عن ابن عامر وورش وأبي عمرو بل أكثر المصنفين لم يذكروا عن ابن عامر إلا البسملة، وقد ذكرنا عبارة المصنفين عنهم في ذلك في الشرح الكبير، فإذا قلنا لا يبسملون فهل يصلون كحمزة أو يسكتون لم يأت عنهم في ذلك نص، وذكر الشيوخ الوجهين لهم استحبابا، وقد بسطنا الكلام في ذلك بسطا شافيا ولم نجعل في هذا البيت رمزا لأحد كما ذكر غيرنا فإنا إذا قلنا إن كلا حب رمز ابن عامر وأبي عمرو لزم من مفهوم ذلك أن يكون ورش عنه نص في التخيير، وليس كذلك بل لم يرد عنه نص في ذلك، وإن قلنا: إن جيده رمز ورش لزم أن يكون ابن عامر وأبو عمرو لم يرد عنهما خلاف في البسملة، وهو خلاف المنقول، فلهذا قلنا لا رمز في البيت أصلا والله أعلم. 103- وسَكْتُهُمُ المُخْتَارُ دُونَ تَنَفُّسٍ ... وَبَعْضُهُمُ فِي الأَرْبِعِ الزُّهْرِ بَسْمَلا السكت والسكوت واحد كلاهما مصدر سكت والضمير في سكتهم يعود على الثلاثة المخير لهم بين الوصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 والسكت أي السكت المنسوب إليهم المختار فيه أن يكون دون تنفس فالمختار على هذا يكون مبتدأ ثانيا ويجوز أن يكون صفة السكت، ويجوز أن يكون خبره كأنه لما خير أولا بين الوصل والسكت أردفه بأن السكت هو المختار على ما أشرنا إليه في قوله: واسكتن، وقوله بعد ذلك: دون تنفس خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو حال من ضمير المختار، والإشارة بقولهم: "دون تنفس" إلى عدم الإطالة المؤذنة بالإعراض عن القراءة وإلا فلأواخر السور حكم الوقف على أواخر الآيات وفي أثنائها من الوقوف التامة والكافية فما ساغ ثم من السكوت فهو سائغ هنا وأكثر والله أعلم. ثم قال: وبعضهم؛ أي: وبعض المشايخ من المقرئين الذين استحبوا التخيير بين الوصل والسكوت واختاروا في السكوت أن يكون دون تنفس اختاروا أيضا البسملة لهؤلاء الثلاثة في أوائل أربع سور هي القيامة والمطففين والبلد والهمزة دون سائر السور، قالوا: لأنهم استقبحوا وصلها بآخر السور قبلها من غير تسمية، وقوله: الزهر جمع زهراء تأنيث أزهر أي المضيئة المنيرة كنى بذلك عن شهرتها ووضوحها بين أهل هذا الشأن فلم يحتج إلى تعيينها. 104- لَهُمْ دُونَ نَصٍّ وَهْوَ فِيهِنَّ سَاكِتٌ ... لِحَمْزَةَ فَافهَمْهُ وَلَيْسَ مُخَذَّلا لهم: أي لابن عامر وورش وأبي عمرو، "دون نص" أي من غير نص، وقد استعمل -رحمه الله- لفظ دون بمعنى غير كثيرا كقوله: ومن دون وصل ضمها، "وسلطانية" من دون هاء، ولفظ غير مؤات له في المواضع كلها، قال صاحب التيسير: وليس في ذلك أثر عنهم، وإنما هو استحباب من الشيوخ، ثم قال: وهو فيهن أي: وذلك البعض يسكت في هذه المواضع الأربعة لحمزة؛ لأن حمزة مذهبه الوصل فاكتفى له هنا بالسكت ثم قال فافهمه أي افهم هذا المذهب المذكور وليس مخذلا يقال خذله إذا ترك عونه ونصرته خذلانا وخذل عنه أصحابه تخذيلا أي حملهم على خذلانه فالتقدير وليس مخذلا عنه أصحابه ويجوز أن يكون اسم ليس عائدا على البعض في قوله: "وبعضهم" كأن التقدير، وليس ذلك القائل مخذلا عن نصرة هذا المذهب بل قد انتصب له من ساعده ونصره وأعانه، وإني أقول لا حاجة إلى تكلف التسمية لأجل المعنى المذكور بل السكوت كافٍ للجميع كما يكتفي به لحمزة وكما يكتفي به بين الآيات الموهم اتصالها أكثر مما في هذه الأربعة أو مثلها مثل: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} 1 بعد قوله: {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} 2، وقوله: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ} 3 بعد قوله: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} 4. ويمكن حمل قول الشاطبي -رحمه الله- وليس مخذلا على السكوت المفهوم من قوله: وهو فيهن ساكت أي ليس هذا السكوت مخذلا بل هو مختار لحمزة وغيره، ولقد أعجبني قول أبي الحسن الحصري: ولم أقر بين السورتين مبسملا ... لورش سوى ما جاءَ في الأربع الغر وحجتهم فيهن عندي ضعيفة ... ولكن يقرون الرواية بالنصر   1 سورة غافر، آية: 7. 2 سورة غافر أيضًا، آية: 6. 3 سورة النساء، آية: 114. 4 النساء أيضًا آية، 113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 قال: من شرح هذا لو قال: يقرون المقالة موضع قوله: الرواية لكان أجود؛ إذ لا رواية عنهم بذلك قد أشبعت الكلام في هذا في الشرح الكبير. 105- وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً ... لِتَنْزِيلِهاَ بالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلا قد سبق الكلام في مهما وأن فيها معنى الشرط فتدخل الفاء في جوابها كقوله فيما مضى: فكن عند شرطي ... وفيما يأتي: "فلا تقفن الدهر ... " وهي محذوفة في هذا البيت لضرورة الشعر، والتقدير فلست مبسملا وقيل إنما تدخل الفاء؛ لأنه خبر بمعنى النهي وهو فاسد؛ فإن الفاء لازمة في النهي فكيف الخبر الذي بمعناه، وقوله: تصلها الضمير فيه لبراءة أضمر قبل الذكر على شريطة التفسير، وبراءة مفعول بدأت، والقاعدة تقتضي حذف المفعول من الأول فلا حاجة إلى إضماره كقوله تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} 1. وقيل: براءة بدل من الضمير في تصلها بمعنى أن سورة براءة لا بسملة في أولها سواء ابتدأ بها القارئ أو وصلها بالأنفال لأن البسملة لم ترسم في أولها بخلاف غيرها من السور. ثم بين الحكمة التي لأجلها لم تشرع في أولها البسملة فقال: "لتنزيلها بالسيف" أي ملتبسة بالسيف كنى بذلك عما اشتملت عليه السورة من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد، وفيها الآية التي يسميها المفسرون آية السيف، وهذا التعليل يروى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعن غيره، قال القاضي أبو بكر ابن الباقلاني: وعليه الجمهور من أهل العلم، وقد زدت في الشرح الكبير هذا المعنى بسطا وتقريرا، وذكرت وجوها أخر في التعليل، ونقل الأهوازي أن بعضهم بسمل في أول براءة. 106- وَلاَ بُدَّ مِنْهاَ في ابْتِدَائِكَ سُورَةً ... سِوَاهاَ وَفي الأَجْزَاءِ خُيِّرَ مَنْ تَلا الضمير في منها للبسملة وفي سواها لبراءة، وسورة منصوب على إسقاط الخافض أي بسورة، وكذا قوله: "أبو بدأت براءة" أي براءة يقال بدأت بالشيء أي ابتدأت به، وأما بدأت الشيء من غير باء فمعناه فعلته ابتداء ومنه: "بدأ اللَّه الخلق"2. وسورة نكرة في كلام موجب فلا عموم لها إلا من جهة المعنى، فكأنه قال: مهما ابتدأت سورة سوى براءة فبسمل، ولو قال ولا بد منها في ابتدا كل سورة سواها لزال هذا الإشكال. ومعنى البيت: أن القراء كلهم اتفقوا في إبتداء السور على البسملة سواء في ذلك من بسمل منهم بين السورتين ومن لم يبسمل، ووجهه أنهم حملوا كتابة ما في المصحف على ذلك كما تكتب همزات الوصل وهي ساقطة في الدرج. قال بعض العلماء: ولا خلاف بين القراء في البسملة أول فاتحة الكتاب سواء وصلها القارئ بسورة أخرى قبلها أو ابتدأ بها، ولم يذكر ذلك في القصيدة اعتمادا على أن الفاتحة في غالب الأحوال لا يكون القارئ لها إلا   1 سورة الكهف، آية: 96. 2 سورة العنكبوت، آية: 20، والتلاوة "بدأ الخلق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 مبتدئا، ثم قال: وفي الأجزاء أي وفي ابتداء الأجزاء والأحزاب والأعشار وغير ذلك، ويجمع ذلك أن تقول: كل آية يبتدأ بها غير أوائل السور خير المشايخ فيه فسوغوا البسملة فيه؛ لأنه موضع ابتداء في الجملة كما يسمى في ابتداء الوضوء والأكل والشرب ومن تلا فاعل خير وتلا بمعنى قرأ كنى بذلك عن أهل الأداء ولو كان خُير بضم الخاء وكسر الياء لكان حسنا أي خير التالي وهو القارئ في ذلك والله أعلم. 107- وَمَهْمَا تَصِلْهَا مَعْ أَوَاخِرِ سُورَةٍ ... فَلاَ تَقِفَنَّ -الدَّهْرَ- فِيهاَ فَتَثْقُلا الضمير في تصلها وفيها للبسملة وأواخر جمع في موضع مفرد أي بآخر سورة أي بالكلمات الأواخر أو نقول سورة لفظ مفرد في موضع جمع؛ لأنه ليس المراد سورة واحدة بل جميع السور فكأنه قال مع أواخر السور، والدهر نصب على الظرفية وفيها بمعنى عليها كما قيل ذلك في قوله تعالى: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} 1. أي عليها، "ولا تقفن" نهي نصب في جوابه فتثقلا بإضمار أن بعد الفاء، ومعنى فتثقل أي يستثقل ويتبرم بك؛ لأن البسملة لأوائل السور لا لأواخرها فإن ابتليت بوصلها بالآخر فتمم الوصل بأول السورة الأخرى فتتصل بهما كما تتصل سائر الآيات بما قبلها وما بعدها، ولك أن تقطعها من الآخر والأول وتلفظ بها وحدها، والأولى قطعها من الآخر ووصلها بالأول فهذه أربعة أوجه الأول مكروه والآخر مستحب، وما بينهما وجهان متوسطان وهما وصل البسملة بهما وقطعها عنهما، ويتعلق بالوصل والقطع أحكام ذكرناها في الكبير، قال صاحب التيسير: والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السور غير جائز والله أعلم.   1 سورة طه، آية: 71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 سورة أم القرآن : هي الفاتحة؛ سميت بذلك لأنها أول القرآن، وأم الشيء: أصله وأوله، ومن ذلك تسمية مكة بأم القرى، ومنه: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} 1. أي أصله، وهو اللوح المحفوظ؛ لأن كل كائن مكتوب فيه، وقوله في الآيات المحكمات: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} 2. أي أصل الكتاب؛ لأن تحمل المتشابهات عليها وترد إليها. وقيل: سميت أم القرآن؛ لأن سور القرآن تتبعها كما يتبع الجيش أمه، وهي الراية. وقيل: فيه وجوه أخر، وتسمى بأسماء أخر، أشهرها سورة الحمد، وفاتحة الكتاب؛ لأن الكتاب العزيز بها يفتح كتابة وتلاوة، وهي مكية وقيل نزلت بالمدينة أيضا، وليس بعد بيان الاستعاذة والبسملة إلا ذكر ما اختلف فيه من الحروف في سورة الحمد. وكان الترتيب يقتضي أن يبدأ بأول موضع وقع فيه الخلاف منها، وهو إدغام الميم من قوله تعالى: "الرَّحِيمِ، مَلِكِ"3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وإظهاره إلا أنه نظر في مواضع الحلاف في الفاتحة، فبدأ منها بما لا يتكرر في غيرها وهو الخلاف في "ملك ومالك" ثم أردفه بالخلاف فيما وقع فيها وفي غيرها فذكر الصراط وميم الجمع والهاء قبلها ثم ذكر باب الإدغام الكبير، أفرده لطوله وكثرة تشعبه بباب يجمع مسائله وأطرافه، ولأجل {الرَّحِيمِ، مَالِكِ" فعله، والله أعلم. 108- وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [رَ] اوِيهِ [نَـ]ـاَصِرٌ ... وَعَنْدَ سِرَاطِ وَالسِّرَاطَ لِ قُنْبُلا هذا من جملة المواضع التي استغنى فيها باللفظ عن القيد فلم يحتج إلى أن يقول: ومالك بالمد أو مد أو نحو ذلك؛ لأن الشعر لا يتزن على القراءة الأخرى فصار اللفظ كأنه مقيد، فكأنه قال بالمد كما قال في موضع آخر: وفي حاذرون المد أي قرأ مالك بالمد الكسائي وعاصم وقراءة الباقين بالقصر؛ لأنه ضد المد والمد هنا هو إثبات الألف والقصر حذفها، وكان التقييد ممكنا له لو قال: ومالك ممدودا نصير رواته والقراءتان صحيحتان ثابتتان وكلا اللفظين من مالك وملك صفة لله تعالى. وقد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الكلام في الترجيح بين هاتين القراءتين حتى إن بعضهم يبالغ في ذلك إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين، وصحة اتصاف الرب سبحانه وتعالى بهما فهما صفتان لله تعالى يتبين وجه الكمال له فيهما فقط ولا ينبغي أن يتجاوز ذلك. وممن اختار قراءة "مالك" بالألف عيسى بن عمر وأبو حاتم وأبو بكر بن مجاهد وصاحبه أبو طاهر بن أبي هاشم وهي قراءة قتادة والأعمش وأبي المنذر وخلف ويعقوب، ورويت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبي هريرة ومعاوية، ثم عن الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود وسعيد بن جبير وأبي رجاء والنخعي وأبي عبد الرحمن السلمي ويحيى بن يعمر وغيرهم. واختلف فيه عن علي وعمر بن عبد العزيز -رضي الله عنهم- أجمعين. وأما قراءة ملك بغير ألف فرويت أيضا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقرأ بها جماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم منهم أبو الدرداء، وابن عمر، وابن عباس، ومروان بن الحكم، ومجاهد، ويحيى بن، وثاب، والأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وابن جريج، والجحدري، وابن جندب، وابن محيصن، وخمسة من الأئمة السبعة، وهي اختيار أبي عبيد، وأبي بكر بن السراج النحوي، ومكي المقري، وقد بينت كلامهم في ذلك في الشرح الكبير، وأنا أستحب القراءة بهما؛ هذه تارة، وهذه تارة، حتى إني في الصلاة أقرأ بهذه في ركعة، وهذه في ركعة، ونسأل الله تعالى اتباع كل ما صح نقله والعمل به، ثم قال: وعند سراط ... والسراط أي مجردا عن لام التعريف ومتصلا بها، ثم المجرد عن اللام قد يكون نكرة نحو: {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 1، {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} 2، {أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} 3. وقد تكون معرفة بالإضافة نحو:   1 سورة الشورى، آية: 52. 2 سورة يس، آية: 61. 3 سورة مريم، آية: 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 1، {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي} 2، {صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} 3، {صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} 4. فلهذا لم أقل إرادة المنكر والمعرف ومثله، وكسر بيوت والبيوت، ونقل قران والقران بخلاف قوله: في لؤلؤ في العرف والنكر شعبة، فإنه لم يأت مجردا عن اللام إلا وهو نكرة ولو اقتصر على لفظ النكرة في الكل لحصل الغرض فإن لام التعريف زائدة على الكلمة كما قال: ووالاه في بئر وفي بئس ورشهم، والحكم عام في كل ما في القرآن من لفظ بئس مجردا من الراء والفاء واللام، وفي وبئس بالواو وفي فبئس بالفاء وفي لبئس باللام وإنما نبه على ما فيه لام التعريف دون المضاف لاتحاد لفظ اللام وتعدد المضاف إليه ولو أنه قال سراط بسين قنبل كيف أقبلا وبالصاد باقيهم وزايا أشمها البيت لتم له المقصود والله أعلم. ثم هذا أيضا مما استغني فيه باللفظ عن القيد فكأنه قال بالسين، واعتمد على صورة الكتابة فلم يخف التباسا إذ يقرأ بالصاد، "وقنبلا" منصوب؛ لأنه مفعول به لقوله: "لِ" وهذه اللام المنفردة هي فعل أمر من قوله ولي هذا هذا يليه إذا جاء بعده، أي: اتبعْ قنبلا عند هاتين اللفظتين فاقرأ قراءته فيهما بالسين في جميع القرآن وقد بين ذلك بقوله رحمه الله: 109- بِحَيْثُ أَتَى وَالصَّادُ زَاياً أشِمَّهَا ... لََى خَلَفٍ وَاشْمِمْ لِخَلاَّدِ الَاوَّلا أي بحيث أتى المذكور، وهذا لفظ يفيد العموم كقوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} 5. والباء في "بحيث" زائدة ولو لم يقل بحيث أتى لاقتصر الحكم على ما في الفاتحة وهكذا كل موضع يطلق فيه اللفظ يكون مخصوصا بتلك السورة كقوله: وخفف كوف يكذبون سبيل برفع خذ، وفي "شركاي" الخلف فإن كان الخلاف مطردا في موضعين قال: معا، وإن كان في أكثر قال: جميعا أو كلا أو حيث جاء ونحو ذلك، ولم يخرج عن هذا إلا حروف يسيرة كالتوراة وكأين في آل عمران وقراءة الباقين بالصاد وهي أقوى القراءات لاتفاق الرسم عليها وأفصحها لغة وعلم أن قراءة الباقين بالصاد من قوله والصاد زايا أشمها كأنه قال: والباقون بالصاد وأشمها زايا خلف، ويجوز في قوله: الصاد النصب والرفع والنصب هو المختار لأجل الأمر وغلط من قال هنا الرفع أجود، وأصل كلمة السراط السين والصاد بدل منها لأجل قوة الطاء ومن أشمها زايا بالغ في المناسبة بينهما وبين الطاء، وروي عن بعضهم إبدالها زايًا خالصة والمعنى بهذا الإشمام خلط صوت الصاد بصوت الزاي فيمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد ولا زاي. والإشمام في عرف القراء يطلق باعتبارات أربعة، أحدها خلط حرف بحرف كما في الصراط وما يأتي في أصدق ومصيطر، والثاني خلط حركة بأخرى كما يأتي في قيل وغيض وأشباههما، والثالث إخفاء الحركة فيكون بين الإسكان والتحريك كما يأتي في:   1 سورة الفاتحة، آية: 7. 2 سورة الشورى، آية 53. 3 سورة الأعراف، أية 16. 4 سورة الأنعام، آية: 153. 5 سورة البقرة، آية: 191. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 {تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} 1. على ظاهر عبارة صاحب التيسير، والرابع ضم الشفتين بعد سكون الحرف، وهو الذي يأتي في باب الوقف وفي باب وقف حمزة وهشام وآخر باب الإدغام على ما سنبين ذلك ونوضح ما فيه من الإشكالات إن شاء الله، وقوله: لدى خلف أي عنده ومعنى عنده أي في مذهبه وقراءته، ووصل همزة القطع من قوله: وأشمم لخلاد ضرورة كما صرف براءة فيما تقدم وأصله من قولهم أشممته الطيب أي أوصلت إليه شيئا يسيرا مما يتعلق به وهو الرائحة، والأول مفعول "واشمم"، ونقل الحركة من همزة أول إلى لام التعريف فتحركت، فإن لم يعتد بالحركة كان حذف التنوين من قوله لخلاد؛ لالتقاء الساكنين تقديرا، وإن اعتد بها فحذف التنوين ضرورة، وسيأتي تحقيق هذين الوجهين في مسألة: "عادا الأولى" والمراد بالأول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} 2؛ أي أشمه وحده خلاد دون ما بقي في الفاتحة وفي جميع القرآن، وهذه إحدى الروايات عنه وقلَّ من ذكرها. وروي أنه يوافق خلفا في حرفي الفاتحة معا دون سائر القرآن. وروي أنه يشم ما كان بالألف واللام فقط في الفاتحة وغيرها. والرواية الرابعة أنه يقرأ بالصاد خالصة كسائر القراء في الفاتحة وغيرها. قال أبو الطيب بن غلبون: المشهور عن خلاد بالصاد في جميع القرآن قال: وهذه الرواية هي المعول عليها وبها أخذ في فاتحة الكتاب وغيرها. وفي الشرح الكبير تعليل هذه الروايات وبسط القول في ذلك والله أعلم. 110- عَلَيْهِمْ إِلَيْهِمْ حَمْزَةٌ وَلَدَيْهِموُ ... جَمِيعاً بِضَمِّ الْهاءِ وَقْفاً وَمَوْصِلا أي قرأ حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بضم الهاء وحذف واو العطف من إليهم ضرورة وسيأتي له نظائر فموضع عليهم وإليهم ولديهم نصب على المفعولية ويجوز الرفع على الابتداء وخبره حمزة أي يقرؤهن بالضم، أو قراءة حمزة والأولى أن يلفظ بالثلاثة في البيت مكسورات الهاء ليتبين قراءة الباقين؛ لأن الكسر ليس ضدا للضم فلا تتبين قراءتهم من قوله بضم الهاء ولو قال: بضم الكسر لبان ذلك، ولعله أراده وسبق لسانه حالة الإملاء إلى قوله: بضم الهاء، وسيأتي في قوله: كسر الهاء بالضم شمللا، وقف للكل بالكسر مكملا ما يوضح أن الخلاف في هذا الباب دائر بين كسر الهاء وضمها، ومن عادته المحافظة على قيوده وإن كان موضع الخلاف مشهورًا أو لا يحتمل غيره كقوله: وها هو وها هي أسكن، ثم قال: والضم غيرهم وكسر مع كونه صرح بلفظي هو وهي وهذه الكلمات الثلاث ليس منها في الفاتحة إلا "عليهم"، وأدرج معها "إليهم" و"لديهم"؛ لاشتراكهن في الحكم، وهذا يفعله كثيرا حيث يسمح النظم به كقوله: وقيل وغيض وجئ وحيل وسيق وسيء وسيت ويتركه حيث يتعذر عليه فيذكر كل واحد في سورته كقوله: في الأحزاب بما يعلمون اثنان عن   1 سورة يوسف، آية: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ولد العلا. ثم قال: في سورة الفتح: "بما يعملون حج"، وقال في البقرة: "وفتحك سين السلم"، ثم ذكر في الأنفال الذي في سورة القتال فكل واحد من الجمع والتفريق يقع مع اتحاد القارئ واختلافه، وقوله: جميعا أي حيث وقعت هذه الثلاث في جميع القرآن ووقفا وموصلا حالان من حمزة أي ذا وقف ووصل أي في حالتي وقفه ووصله فالموصل والوصل مثل المرجع والرجع. وأعلم أن الضم في الهاء هو الأصل مطلقا للمفرد والمثنى والمجموع نحو: "منه وعنه ومنهما وعنهما ومنهم وعنهم ومنهن وعنهن"، وفتحت: في "منها وعنها" لأجل الألف وكسرت إذا وقع قبلها كسر أو ياء ساكنة نحو بهم وفيهم فمن قرأ بالضم فهو الأصل، وإن كان الكسر أحسن في اللغة كما قلنا في الصراط وإنما اختص حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بالضم؛ لأن الياء فيها بدل عن الألف ولو نطق بالألف لم يكن إلا الضم في الهاء فلحظ الأصل في ذلك وإنما اختص جمع المذكر دون المؤنث والمفرد والمثنى فلم يضم عليهن ولا عليه ولا عليهما؛ لأن الميم في عليهم يضم عند ساكن في قراءته ومطلقا في قراءة من يصلها بواو فكان الضم في الهاء إتباعا وتقديرا وليس في عليه وعليهما وعليهن ذلك ولم يلحظ يعقوب الحضرمي هذا الفرق فضم هاء التثنية وجمع المؤنث ونحو فيهم وسيؤتيهم وقد ضم حمزة فيما يأتي: {لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} 1. وضم حفص {عَلَيْهُ اللَّهَ} 2 في الفتح، {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} 3. والضم الأصل في الكل والله أعلم. 111- وَصِلْ ضَمَّ مِيمِ الْجَمْعِ قَبْلَ مُحَرَّكٍ ... "دِ"رَاكاً وَقاَلُونٌ بِتَخْيِيرِهِ جَلا نبه على أن أصل ميم الجمع أن تكون مضمومة، والمراد بوصل ضمها إشباعه فيتولد منه واو، وذلك كقولهم في أنتمْ ومنهمْ: أنتمو ومنهمو فيكون زيادة الجمع على حد زيادة التثنية هذه بواو وهذه بألف "فأنتمو وأنتما" كالزيدون والزيدان وقاما وقاموا وكلاهما لغة فصيحة، وقد كثر مجيئها في الشعر وغيره، قال لبيد: وهمو فوارسها وهمْ حكامها فجمع بين اللغتين، وكذا فعل الكميت في قوله: هززتكمو لو أن فيكمْ مهزَّة وقال الفرزدق: من معشر حبهم دين وبغضهمو ... كفر ... .... وقوله: قبل محرك احتراز مما بعده ساكن، وسيأتي حكمه؛ لأن الزيادة قبل الساكن مفضية إلى حذفها لالتقاء الساكنين، وبقي عليه شرط آخر وهو أن لا يتصل بميم الجمع ضمير فإنه إن اتصل بها ضمير وصلت لجميع القراء وهي اللغة الفصيحة حينئذ وعليها جاء الرسم نحو:   1 سورة طه، آية: 10. 2 آية: 10. 3 سورة الكهف، آية: 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ} ، {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} ، {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} ، {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} ، {حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ، {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} ، {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ} . وقوله: دراكا أي متابعة وهو مصدر في موضع الحال أي صلة تابعا لما نقل، يقال دارك الرجل صوبه أي تابعه والدال رمز ابن كثير وصرف اسم قالون هنا وترك صرفه فيما تقدم فيكون صرفه أو ترك صرفه للضرورة، وجلا أي كشف؛ وذلك لأنه نبه بتخييره بين مثل قراءة ابن كثير، وقراءة الجماعة على صحة القراءتين وثبوتهما أي يروى عن قالون الوجهان؛ الوصل وتركه، وهذا التخيير منقول أيضا عن نافع نفسه، ويروى عن قالون مثل ورش، وعن ابن كثير مثل الجماعة: 112- وَمِنْ قَبْلِ هَمْزِ الْقَطْعِ صِلْهَا لِوَرْشِهِمْ ... وَأَسْكَنَهاَ الْبَاقُونَ بَعْدُ لِتَكْمُلا كان يلزمه أن يذكر مع ورش ابن كثير وقالون؛ لئلا يظن أن هذا الموضع مختص بورش كما قال في باب الإمالة: رمى صحبة ولو قال: ومن قبل همز القطع وافق1 ورشهم لحصل الغرض. ومعنى البيت: أن ورشا يقرأ مثل قراءة ابن كثير إذا كان بعد الميم همزة قطع، وهي التي تثبت في الوصل نحو: {عَلَيْهِمْ} ، {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ} ، {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} ، {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا} . لكن ورشا يكون أطول مدًّا من ابن كثير على أصله وإنما خص ورش الصلة بما كان قبل همزة لحبه المد وإيثاره له ولهذا مد ما بعد الهمزة في وجه كما سيأتي، وأراد أيضا الجمع بين اللغتين، كما قال امرؤ القيس: أمرخ خيامهمو أم عشر ... أم القلب في إثرهم منحدر وخص ذلك؛ ليستعين بالمد على النطق بالهمز، قال أبو علي: كأنه أحب الأخذ باللغتين وكان المد قبل الهمزة مستحبًّا، واعتل له المهدوي وغيره بما يلزمه من نقل الحركة على أصله، ولو نقل إليها لتحركت بالضم والفتح والكسر، فآثر أن يحركها بحركتها الأصلية ولا تعتورها الحركات العارضة والهاء في صلها وأسكنها تعود على ميم الجمع، وإنما بين قراءة الباقين أنها بالإسكان؛ لئلا يظن أنها بترك الصلة ولا يلزم من ترك الصلة الإسكان؛ إذ ربما تبقى الميم مضمومة من غير صلة كما يفعل في هاء الكناية وهو المعبر عنه ثم بالقصر وسيأتي، ولم يقرأ بذلك في الميم؛ لقوتها واستغنائها عن الحركة، ولما كانت الهاء خفية ضعيفة قويت بالحركة تارة وبها وبالصلة أخرى، وقوله: بعد متعلق بالباقون أي الذين بقوا في ذكرى بعد ذكر من وصل ولا يجوز تعلقه بأسكنها؛ لأن من المسكنين من سبق الواصلين في الزمان كابن عامر إلا على تأويل ترتيب الذكر فيرجع إلى المعنى الأول ويجوز أن يتعلق بمحذوف ولتكملا أيضا متعلق به أي أعلمتك بقراءة الباقين بعد ما ذكرت قراءة الواصلين؛ لتكمل وجوه القراءة في ميم الجمع وإن علقنا بعد بالباقون كان لتكملا متعلقا بأسكنها، واللام للعاقبة؛ لأنهم لم يسكنوها لهذه العلة وإنما كانت العاقبة ذلك، ويجوز على هذا أن يتعلق اللام بصلها والواو في وأسكنها للحال أي صلها لورش في الحال التي أسكنها فيها الباقون؛ لتكمل وجوهها، وإسكان ميم الجمع هو اللغة الفصيحة الفاشية، وقد وافق من وصلها على ترك الصلة في الوقت، وكذا في هاء الكناية ولم ينبه الناظم على ذلك في البابين والله أعلم.   1 فيه نظر؛ إذ لم يعلم منه أوافق الأقرب على التخيير أم الأبعد على الصلة اهـ ضباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 113- وَمِنْ دُونِ وَصْلٍ وضُمَّهَا قَبْلَ سَاكِنٍ ... لِكُلٍ وَبَعْدَ الْهَاءِ كَسْرُ فَتَى العَلاَ ذكر في هذا البيت حكم ميم الجمع إذا لقيها ساكن ولا يقع ذلك الساكن في القرآن إلا بعد همزة الوصل فقال ضمها من غير صلة لكل القراء ووجه الضم تحريكها لالتقاء الساكنين واختير ذلك؛ لأنه حركتها الأصلية فهي أولى من حركة عارضة ولم تمكن الصلة؛ لأن إثباتها يؤدي إلى حذفها لأجل ما بعدها من الساكن وضمها فعل أمر، وفي نسخة ضمها على أنه مبتدأ خبره ما قبله أو ما بعده ومثله: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} 1 - {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} 2. وكان يمكن إثبات الصلة في: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ} 3؛ لأن الساكن بعدها مدغم فيبقى من باب إدغام أبي عمرو: {قَالَ رَبِّ} 4. وقد فعل ذلك البزي في: "عنهو تلهى"، "فظلتمو تفكهون"، إلا أن الفرق أن إدغام أبي عمرو والبزي طارئ على حرف المد فلم يحذف له، وكذا إدغام "دابة" و"الصاخة" و"خاصة" فلم يحذف حرف المد خوفا من الإجحاف باجتماع إدغام طارئ وحذف، وأما إدغام اللام في الذين ونحوه فلأصل لازم وليس بطارئ على حرف المد فإنه كذلك أبدا كان قبله حرف مد أو لم يكن فحذف حرف المد للساكنين طردا للقاعدة فلم يقرأ "منهمو الذين" كما لم يثبت حرف المد في مثل: {قَالُوا اطَّيّرْنَا} 5، {ادْخُلا النَّارَ} 6، {وَفِي النَّارِ} 7. ثم قال: وبعد الهاء كسر فتى العلا؛ أي: إن وقع قبل الميم التي قبل الساكن هاء كسر أبو عمرو الميم إتباعا للهاء؛ لأن الهاء مكسورة وبقي الباقون على ضم الميم ثم ذكر شرط كسر الهاء فقال: 114- مَعَ الْكَسْرِ قَبْلَ الْهَا أَوِ الْيَاءِ سَاكِناً ... وَفي الْوَصْلِ كَسْرُ الْهَاءِ بالضَّمَّ "شَـ"ـمْلَلا أي: إذا كان قبل الهاء كسر أو ياء ساكنة وقصر لفظ الهاء ضرورة وساكنا حال من الياء والياء كغيرها من الحروف يجوز تأنيثها وتذكيرها، ومعنى شملل أسرع وفاعله ضمير عائد على كسر الهاء أي أتى بالضم في عجل جعل الكسر آتيا بالضم تجوزا واتساعا وإن كانا لا يجتمعان، ووجهه توافق معنى القراءتين وصحتهما وحلول كل واحد منهما في محل الآخر، والشين رمز حمزة والكسائي قرءا بضم الهاء والميم على الأصل في الميم والإتباع في الهاء وأبو عمرو كسر الهاء؛ لما قبلها، والميمَ؛ للإتباع، والباقون ضموا الميم على الأصل لما احتاجوا إلى تحريكها لأجل الساكن بعدها، وكسروا الهاء لمجاورة ما أوجب ذلك من الكسر أو الياء الساكنة كما أجمعوا على "بهم وفيهم"   1 سورة آل عمران، آية: 110. 2 سورة آل عمران أيضًا، آية: 129. 3 سورة التوبة، آية: 61. 4 سورة مريم، آية: 3. 5 سورة النمل، آية: 47. 6 سورة التحريم آية: 10. 7 سورة غافر، آية: 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 إذا لم يكن بعدها ساكن ولم يبالوا بالخروج من كسر إلى ضم؛ لأن الكسر عارض قاله أبو علي، وقوله في الوصل لم يكن إليه حاجة فإن الكلام فيه فكان ينبغي أن ينبه على أنه شرط في ضم الميم كما أنه شرط في ضم الهاء وإلا فإتيانه به ههنا يوهم أنه شرط في ضم الهاء فقط وليس كذلك، وكان يغني عنه أيضا قوله بعد ذلك: وقف للكل بالكسر ثم مثل ما ذكره فقال: 115- كَمَا بِهِمُ الْأَسْبَابُ ثُمَّ عَلَيْهِمُ الْـ ... ـقِتَالُ وَقِفْ لِلْكُلِّ بِالْكَسْرِ مُكْمِلا "ما" في "كما" زائدة. مثَّل ما قبل الهاء فيه كسر بقوله تعالى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} 1 ومثله في {قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} 2، {مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ} 3. ومثل ما قبله ياء ساكنة بقوله سبحانه: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ} 4 ومثله {يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} 5، {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} 6. ثم قال: وقف للكل بالكسر يعني في الهاء؛ لأن ضمها في قراءة حمزة والكسائي كان إتباعا لضم الميم لا لمجرد كون الضم هو الأصل فإنهما لم يضما الهاء في نحو: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} 7 ولا ضم الكسائي نحو {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 8. وإذا كان ضم الهاء إتباعا للميم ففي الوقف سكنت الميم، فلم يبق إتباع فعاودا كسر الهاء ولا يستثنى من هذا إلا الكلمات الثلاث المقدم ذكرها وهي: "عليهم وإليهم ولديهم" فإن حمزة يضم الهاء فيها وقفا ووصلا فلا يؤثر الوقف في مذهبه شيئا في نحو: {عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ} 9 إلا سكون الميم فقط، وكان ينبغي للناظم أنه ينبه على سكون الميم وقفا كما نبه على كسر الهاء ولكنه أهمله؛ لوضوحه، ومكملا حال أي قف مكملا وجوه القراءة في ميم الجمع والله أعلم.   1 سورة البقرة، آية 166. 2 سورة البقرة أيضًا، آية: 93. 3 سورة القصص، آية: 23. 4 سورة النساء، آية: 77. 5 سورة البقرة، آية: 177. 6 سورة يس، آية: 14. 7 سورة البقرة، آية: 10. 8 سورة الفاتحة، آية: 7. 9 سورة النساء، آية: 177. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 باب الإدغام الكبير: الإدغام إدخال الشيء في الشيء، ومنه: أدغمت اللجام في فم الفرس: إذا أدخلته فيه، وأدغمت رأس الفرس في اللجام كذلك، قال الشاعر: بمقرِ بابٍ بأيديهمْ أعنَّتُها ... خُصٌّ إذا أفزعوا أدغمن في اللجُمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ولما أدخل أحد الحرفين في الآخر على سبيل التقريب، ونبا اللسان عنهما نبوة واحدة سمي إدغاما. وقيل: أصل الكلمة من الخفاء، ومنه الأدغم من الخيل: وهو الذي خفي سواده، فالحرف المدغم يخفى ولا يتبين، يقال: أدغَمَ وادَّغم بوزن أفعل وافتعل، وإنما فعلت العرب ذلك؛ طلبا للخفة لما ثقل التقاء الحرفين المتجانسين والمتقاربين على ألسنتهم، ويكون في بعض المواضع واجبا، وفي بعضها جائزا، وفي بعضها ممتنعا على تفصيل معروف عند علماء العربية. وأما الإدغام في مذاهب القراء فينقسم إلى صغير وكبير: فالصغير ما اختلف في إدغامه من الحروف السواكن، ولا يكون إلا المتقاربين، وهو الذي يأتي ذكره بعد وقف حمزة وهشام على الهمز إلى أول باب الإمالة، وهو في تسعة أحرف يجمعها قولك: ذل ثرب دفنت، وكل المصنفين في علم القراءات يذكرونه، وأما الإدغام الكبير فحذفه جماعة من المصنفين كصاحب العنوان ومكي والمهدوي، ومنهم من فرشه على ترتيب السور، وهو يكون في المثلين والمتقاربين من الحروف المتحركة؛ وسمي بالكبير لتأثيره في إمكان المتحرك قبل إدغامه، ولشموله نوعي المثلين والمتاقربين. ومن شواهد الإدغام الكبير في شعر العر ب قول عدي بن زيد: وتذكر رب الخورنق إذ فكـ ... ـر يوما وللهدى تفكير فقوله تذكر فعل ماضي ورب فاعله: وقال آخر: عشية تمنى أن تكون حمامة ... بمكة يورويك السنار المحرم 116- وَدُونَكَ الِاِدْغَامَ الْكَبِيرَ وَقُطْبُهُ ... أَبُو عَمْرٍ الْبَصْرِيُّ فِيهِ تَحَفَّلا دونك هنا من ألفاظ الإغراء يقال: دونك كذا: أي خذه والإدغام مفعول به وقطب كل شيء: ملاكه وهو ما يقوم به، وقطب القوم سيدهم الذي يدور عليه أمرهم والواو في وقطبه للحال أو للاستئناف وقطبه مبتدأ وأبو عمرو خبره ثم استأنف جملة أخرى فقال: فيه تحفلا؛ أي: في أبي عمرو اجتمع الإدغام يقال تحفل المجلس وتحفل اللبن في الضرع وتحفل الوادي إذا امتلأ بالماء ويجوز أن يكون أبو عمرو عطف بيان والخبر فيه تحفلا على أن تكون الهاء في فيه للإدغام، وفاعل تحفل ضمير عائد على أبي عمرو أي تحفل أبو عمرو في أمر الإدغام من جميع حروفه ونقله والاحتجاج له والقراءة به يقال: احتفلت لكذا أو بكذا أو في كذا وتحفل بمعناه مثل اكتسب وتكسب أراد بذلك أن مدار الإدغام على أبي عمرو فمنه أخذ وإليه أسند وعنه اشتهر من بين القراء السبعة والإظهار والإدغام كلاهما مروي عن اليزيدي عن أبي عمرو من طريق الدوري والسوسي وغيرهما، ولم أر بعد في كتاب تخصيص رواية السوسي بذلك عن الدوري1، وقد كان الشيخ الشاطبي -رحمه الله- يقرئ به من طريق السوسي، ولم يوافق أبا عمرو في المشهور على شيء من الإدغام الكبير سوى حمزة في إدغام "بيت طائفة".   1 وعلى ذلك عمل أهل الأداء الآن. اهـ ضباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} 1. وما ذكر معها في سورتها، واختار أبو طاهر بن أبي هاشم الإظهار كما هو مذهب سائر القراء قال: لأن فيه إيتاء كل حرف حقه من إعرابه أو حركة بنيته التي استحقها، والإدغام يلبس على كثير من الناس وجه الإعراب، ويوهم غير المقصود من المعنى نحو قوله تعالى: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} 2، {الْمُصَوِّرُ لَهُ} 3. ولم يذكر أبو عبيد الإدغام في كتابه وقال في: {بَيَّتَ طَائِفَةٌ} 4: القراءة عندنا هي الأولى يعني الإظهار لكراهتنا الإدغام إذا كان تركه ممكنا: 117- فَفِي كِلْمَةٍ عَنْهُ مَنَاسِكَكُمْ وَمَا ... سَلَككُّمْ وَبَاقِي الْبَابِ لَيْسَ مُعَوَّلاَ الأولى أن يقرأ مناسككم في هذا البيت من غير إدغام؛ لأنه إن قرئ مدغما لزم ضم الميم وصانتها بواو وليست قراءة أبي عمرو ولا غيره، هكذا نعم يجوز من حيث اللغة فلهذا نقول: إن اضطررنا إليه جاز ارتكابه كقوله فيما بعد: {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} 5؛ لأن البيت لا يتزن إلا بالصلة وأما سلككم فلا يستقيم التلفظ به في البيت إلا مدغما ساكن الميم وأراد قوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} 6 في البقرة {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} 7 في سورة المدثر: أي لم يأتِ الإدغام من أبي عمرو في حرفين في كلمة واحدة إلا في هذين الموضعين، ويرد عليه نحو: {يَرْزُقُكُمْ} 8، كما سيأتي في أول الباب الآتي؛ فإنه أدغم ذلك وشبهه وجميعه من باب الإدغام الكبير في كلمة واحدة وإنما خصص هذين من باب التقاء المثلين في كلمة واحدة، وما أوردناه هو من باب المتقاربين، وإنما ورد عليه من جهة أنه لم يقيد بالمثلين بل قال: ففي كلمة عنه ولم يتقدم قبل هذا البيت سوى أنه حضنا على الإدغام الكبير ولم يعرفنا ما هو، ووقع لي أنه لو قال عوض البيت السابق: أبو عمرو البصري يدغم أن تحر ... ركا والتقى المثلان في الثانِ الَاوَّلا   1 سورة الصافات، آية: 1. 2 سورة النمل، آية: 40. 3 سورة الحشر، آية: 24. 4 سورة النساء، آية: 81. 5 سورة التوبة، آية: 87. 6 سورة البقرة آية: 120. 7 آية: 42. 8 سورة سبأ، آية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 لكان شرحا للإدغام الكبير الواقع في المثلين ويأتي قوله: ففي كلمة عنه بعد تمهيد قاعدته وقولنا: تحركا والتقى من باب قاما وقعد الزيدان وهو الوجه المختار للبصريين في باب توجه الفعلين إلى فاعل واحد، فاعلم أن الإدغام الكبير ضربان؛ أحدهما: إدغام حرف في مثله وهو الذي ذكره في جميع هذا الباب، والآخر: إدغام حرف في مقاربه وسيأتي في الباب الآخر، وشرطهما معا أن يكونا متحركين فإن سكن أول المثلين وجب له إدغام لكل بشرط أن لا يكون حرف مد ولين، ثم الحرف الذي يدغم في مثله لا يخلو هو والذي يدغم فيه إما أن يلتقيا في كلمة أو في كلمتين، فإن التقيا في كلمة لم يدغم إلا في هاتين الكلمتين المذكورتين في هذا البيت، ثم قال: وباقي الباب ليس معولا أي على إدغامه أو لا معول عليه بإدغام أو التقدير: وإدغام باقي الباب ليس معولا عليه، فحذف المضاف كما أن التقدير: ففي كلمة عنه إدغام مناسككم وباقي الباب مثل قوله تعالى: "بأعيننا" و"أتعدانني" و"جباههم" و"وجوههم" و"بشرككم" وقد روي إدغام ذلك، وهو في بأعيننا أقوى لتحرك ما قبل المثلين، وفي بشرككم ضعيف لسكونه وهو حرف صحيح، وقد أدغم أبو عمرو وغيره مواضع تأتي في سورها مثل: {مَا مَكَّنِّي} ، و {تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} ، و {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ} ورو إدغام: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ} 1. في آخر الأعراف وهو ضعيف؛ لأن الحرف المدغم مشدد، وسيأتي؛ لأنه لا يدغم مثل ذلك نحو: {مَسَّ سَقَرَ} 2 والله أعلم. 118- وَمَا كَانَ مِنْ مِثْلَيْنِ في كِلْمَتَيْهِمَا ... فَلاَ بُدَّ مِنْ إدْغَامِ مَا كانَ أَوَّلاَ أي وما وجد من هذا القبيل وهو التقاء مثلين في كلمتين ويلزم من ذلك أن يكون أحدهما آخر كلمة والآخر أول كلمة بعدها فلا بد من إدغام الأول في الثاني إلا ما يأتي استثناؤه مما أجمع عليه أو اختلف فيه وشرطهما أن يتحركا، فإن سكن الأول أدغم للجميع، وإن سكن الثاني فلا إدغام للجميع، مثال الأول: {إِذْ ذَهَبَ} 3، {وَقَدْ دَخَلُوا} 4 ومثال الثاني: {إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا} 5، {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ} 6. ثم هذا الإدغام في المثلين من كلمتين يأتي في القرآن في سبعة عشر حرفا؛ لأن عشرة من باقي الحروف لم يلتق منها مثلان متحركان في القرآن، وهي: الجيم والخاء المعجمة والدال والذال والزاي والشين المعجمة والصاد والضاد والطاء الظاء، وأما الألف فلا يتأتى إدغامها؛ لأنها لا تزال ساكنة، وأما الهمزتان إذا التقتا فأبو عمرو يسقط الأولى إن اتفقتا ويسهل الثانية إن اختلفتا على ما سيأتي بيانه فلا إدغام فيها. وأما الحروف التي تدغم في مقاربها فستة عشر حرفا ستأتي في الباب الآتي وأما نحو قوله: {أَنَا نَذِيرٌ} 7.   1 سورة الأعراف، آية: 196. 2 سورة القمر، آية: 48. 3 سورة الأنبياء، آية: 87. 4 سورة المائدة، آية: 57. 5 سورة المائدة، آية: 58. 6 سورة العنكبوت، آية: 41. 7 سورة الملك، آية: 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 فإن المثلين التقيا لفظا ولا إدغام محافظة على حركة النون ولهذا تعمد بألف في الوقف ومما يدغم آخر سورة الرعد وإبراهيم إذا وصلا بالنسبة عند من يرى ذلك لأبي عمرو، وقد ذكر فيه خلاف والله أعلم. 119- كَيَعْلَمُ مَا فِيهِ هُدًى وَطُبِعْ عَلَى ... قُلُوبِهِمُ وَالْعَفْوَ وَأْمُرْ تَمَثَّلاَ مثَّل التقاء المثلين في كلمتين، وقد تقدم أن ذلك واقع في سبعة عشر حرفا وهي الباء والتاء والثاء والحاء المهملة والراء والسين المهملة والعين وعشرة الأحرف بعدها مثال ذلك: {لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} 1، {الشَّوْكَةِ تَكُونُ} 2، {ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} 3، {لا أَبْرَحُ حَتَّى} 4، {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} 5، {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} 6، {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} 7، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ} 8. وليس في القرآن للغين غيره: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ} 9، {الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ} 10، {إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا} 11، {جَعَلَ لَكُمُ} 12، {تَعْلَمُ مَا} 13، {أَحْسَنُ نَدِيًّا} 14، {إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ} 15، {إِنَّهُ هُوَ} 16 ولا تمنع صلة الهاء. {نُودِيَ يَا مُوسَى} 17. وقوله: تمثلا، أي تمثل المذكور وهو إدغام أول المثلين إذا التقيا في كلمين، ومعنى تمثلا أي تشخص وتشكل وتصور وتبين وقد تضمن ما مثل به في هذا البيت ثلاثة أنواع عليها مدار الباب، وذلك أن الحرف المدغم إما أن يكون قبله متحرك أولا فإن كان فمثاله: {يَعْلَمُ مَا} 18، {وَطُبِعَ عَلَى} 19. وإن لم يكن متحركا فإما أن يكون حرف مد أو لا فإن كان فمثاله: {فِيهِ هُدى} 20. وإن لم يكن حرف مد فهو حرف صحيح ومثاله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ} 21.   1 سورة البقرة، آية: 20. 2 سورة الأنفال، آية: 7. 3 سورة المائدة، آية 72. 4 سورة الكهف، آية: 60. 5 سورة ص، آية: 24. 6 سورة الحج، آية: 2. 7 سورة التوبة، آية: 87. 8 سورة آل عمران، آية: 85. 9 سورة المطففين، آية: 24. 10 سورة يونس، آية: 90. 11 سورة طه، آية: 35. 12 سورة النحل، آية: 89. 13 سورة المائدة، آية: 116. 14 سورة مريم، آية: 73. 15 سورة آل عمران آية: 18. 16 سورة الإسراء، آية: 1. 17 سورة طه، آية: 11. 18 سورة النحل آية: 19. 19 سورة التوبة، آية: 87. 20 سورة البقرة، آية: 2. 21 سورة الأعراف، آية: 199. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وهذا القسم إطلاق الإدغام عليه فيه مسامحة بخلاف النوعين المتقدمين، وسيأتي تحقيق ذلك في آخر باب إدغام المتقاربين، ثم ذكر ما استثني إدغامه من المثلين فقال: 120- إِذَا لَمْ يَكُنْ تَا مُخْبِرٍ أَوْ مُخَاطَبٍ ... أوِ الْمُكْتَسِي تنْوِينُهُ أَوْ مُثَقَّلا الضمير في "يكن" عائد إلى قوله: ما كان أولا أي: إذا لم يكن ذلك الأول من المثلين تاء مخبر أي ضميرا هو تاء دالة على المتكلم أو يكن تاء مخاطب أو يكن الذي اكتسى تنوينه أي منونا، وأشار بذلك إلى أن نون التنوين كالحلية والزينة فلا ينبغي أن يعدم وقصر لفظ تا، وأسكن ياء المكتسي ضرورة وهما منصوبان خبرين لقوله: يكن، ولهذا نصب أو مثقلا وعلة استثناء المنون والمثقل ظاهرة، أما المنون فلأن التنوين حاجز بين المثلين وهو حرف صحيح معتد به في زنة الشعر، وتنقل إليه حركة الهمزة ويكسر لالتقاء الساكنين، وأما المثقل فيستحيل إدغامه بدون حذف أحد الحرفين من المشدد، وقد حكى بعضهم إدغامه على لغة تخفيف المشدد وحكى بعضهم إدغام: {مِنْ أَنْصَارٍ، رَبَّنَا} 1. ولم يعتد بالتنوين لذهابه في الوقف وحكى بعضهم إدغام: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ} 2. وفيه المانعان الخطاب والتشديد والعلة في استثناء تاء المخبر والمخاطب كونهما كناية عن الفاعل أو شبهه والإدغام تقريب من الحذف والفاعل لا يحذف نحو: {كُنْتُ تُرَابًا} 3، {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو} 4. وألحق بذلك التاء من أنت5 تكره وشبهه ليكون الباب واحدا وذكر لذلك علل أخر هي في الشرح الكبير. 121- كَكُنْتُ تُرَاباً أَنتَ تُكْرِهُ وَاسِعٌ ... عَلِيمٌ وَأَيْضاً تَمَّ مِيقاَتُ مُثِّلاَ هذه أمثلة ما تقدم استثناؤه في البيت السابق على ترتيبه وقوله: وأيضا أي: أمثل النوع الرابع ولا أقتصر على تمثيل الأنواع الثلاثة وهو مصدر آض إذا رجع والضمير في مثّلا عائد على المذكورات أي مثل جميع المستثنى أو يكون عائدا على لفظ: {تَمَّ مِيقَاتُ} 6. أي: وأيضا ثم ميقات مثل به كما مثل بالثلاثة الأول ومثله: {مَسَّ سَقَرَ} 7، {وَخَرَّ رَاكِعًا} 8، {وَأُحِلَّ لَكُمْ} 9.   1 سورة آل عمران، آية: 192. 2 سورة الإسراء، آية: 74. 3 سورة النبأ، آية: 40. 4 سورة العنكبوت، آية: 48. 5 "قوله رحمه الله: وألحق بذلك التاء من أنت ... " فيه إشارة إلى أن أنت ليست بضمير بالإجماع، وإنما الضمير "أن" اهـ. 6 سورة الأعراف، آية: 143. 7 سورة القمر، آية: 48. 8 سورة ص، آية: 24. 9 سورة النساء، آية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وقد أورد على استثناء المنون الهاء الموصولة بواو أو ياء نحو: {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ} 1، {مِنْ فَضْلِهِ} 2، {هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} 3. وقيل: يلزم استثناؤه أيضا فإن الواو والياء حرف حاجز بين المثلين، زعم أبو حاتم وغيره أن الإدغام فيها غير جائز. والفرق بينهما أن التنوين حرف مستقل مقصود في نفسه دالٌّ على تمكن الاسم وصرفه، والصلة عبارة عن إشباع حركة الهاء فلم يكن لها استقلال ولهذا تحذف للساكن والتنوين يحرك، وإذا اجتمع التنوين وحرف العلة حذف حرف العلة وبقي التنوين نحو قاضٍ وغازٍ فهو أولى بالاعتداد فضلا عن الصلة والله أعلم. 122- وَقَدْ أَظْهَرُوا فِي الْكَافِ يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ ... إِذِ النُّونُ تُخْفَى قَبْلَهَا لِتُجَمَّلا أراد قوله تعالى في سورة لقمان: {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} 4، استثناه بعضهم للعلة التي ذكرها5، وبعضهم أدغمه جريا على الأصل والضمير في أظهروا يعود إلى بعض المصنفين والرواة وأهل الاختيار لا إلى جميعهم؛ لأنهم مختلفون في ذلك على ما نقلناه في الشرح الكبير، وهذه العلة ذكرها أبو طاهر بن أبي هاشم وغيره وهي أن الإخفاء تقريب من الإدغام والنون تخفى قبل الكاف على ما سيأتي تقريره في باب أحكام النون الساكنة والتنوين وإذا كان الإخفاء كالإدغام فكأن الكاف الأولى مدغم فيها، فتكون كالحرف المشدد في: {مَسَّ سَقَرَ} ونحوه وذلك ممتنع الإدغام فكذا هذا، وهذه العلة تقوي استثناء تاء المخبر والمخاطب في نحو كنت وأنت؛ لأن النون أيضا مخفاة قبل التاء فكأن الناظم أراد بهذه العبارة الاستدلال على صحة استثناء تاء المخبر والمخاطب فقال: إنهم أظهروا الكاف من "يحزنك" لهذه العلة، وهي موجودة في تاءي المخبر والمخاطب، وإذ ظرف فيه معنى التعليل، وقوله: لتجملا تعليل لإخفاء النون أو للإظهار والضمير فيه للكلمة أي لتجمل الكلمة ببقائها على صورتها والله أعلم. 123- وَعِنْدَهُمُ الْوَجْهَانِ في كُلِّ مَوْضِعٍ ... تَسَمَّى لِأَجْلِ الْحَذْفِ فِيهِ مُعَلَّلا أي: وعند المصنفين من المشايخ الوجهان من الإظهار والإدغام في كل موضع التقى فيه مثلان بسبب حذف وقع في آخر الكلمة الأولى لأمر اقتضى ذلك، وقد يكون المحذوف حرفا أو حرفين، فمن نظر إلى أصل الكلمة فيظهر إذ لم يلتقِ في الأصل مثلان ومن نظر إلى الحالة الموجودة فيدغم، وقوله: تسمى فعل ماضٍ وقع صفة لموضع وأضاف التسمية إليه تجوزا؛ لأجل أنه وجد فيه ما اقتضى تلقينه بذلك، ولو قال: يسمى بضم الياء المثناة من تحت لكان حسنا وهو حقيقة الكلام، ومعللا مفعول به على الوجهين، وكل كلمة فيها حرف العلة وهي:   1 سورة الزمر، آية: 4. 2 سورة النساء، آية: 32. 3 سورة آل عمران، آية: 180. 4 سورة لقمان، آية، 23. 5 لا داعي إلى هذا التفصيل؛ إذ لا يستفاد الخلاف من لفظ الناظم مع أن الإجماع عن أبي عمرو من طريق السوسي على الإظهار. قال السخاوي: روي إدغامه من طريق الدوري عن أبي عمرو، وروى غيره الإظهار، وبه أخذ أبو عمرو الحافظ، وعليه عول ناظم القصيدة اهـ ضباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الألف والياء والواو موضع أحد حروفها الأصول تسمى معلة فإن طرأ عليها ما يغير حرف العلة فيها من حذف أو قلب يقال هذه كلمة معتلة وقد أعلت كأنه حصل بها إعلال ومرض، فقوله معللا لا يجيء من أعله إنما هو اسم مفعول من علله، ولا يبعد استعماله بمعناه مثل نزل وأنزل ثم مثل ذلك فقال: 124- كَيَبْتَغِ مَجْزُوماً وَإِنْ يَكُ كاذِباً ... وَيَخْلُ لَكُمْ عَنْ عَالِمٍ طَيِّبِ الْخَلاَ أراد: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا} 1. كان الأصل يبتغي بالياء فحذف للجزم، وقوله: مجزوما حال نبه بها على أن هذا اللفظ فرع عن غيره، وإن يك أصله يكون فسكنت النون للجزم، فحذفت الواو؛ لالتقاء الساكنين، ثم حذفت النون؛ تخفيفا فهذه الكلمة حذف منها حرفان. {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} 2. أصله يخلو بالواو وإنما حذفت جوابا للأمر، وقوله: عن عالم متعلق بقوله في البيت السابق وعندهم الوجهان أي عند أهل الأداء الوجهان مرويان عن عالم طيب الخلا وأراد به أبا عمرو بن العلاء نفسه؛ لأنه قطب ذلك كما سبق أو أراد به أبا محمد اليزيدي؛ لأنه هو الذي شهر ذلك عنه، والخلا بالقصر الرطب من الحشيش، وكني به عن العلم؛ لأن الناس يقتبسونه كما يختلون الخلا، ويقال: هو طيب الخلا أي حسن الحديث، وقال الشيخ أبو الحسن رحمه الله: أراد بالعالم الطيب نفسه أو صاحب التيسير أي خُذه أو أخذته أنا عنه والله أعلم. 125- وَيَا قَوْمِ مَا لِي ثُمَّ يَا قَوْمِ مَنْ بِلا ... خِلاَفٍ عَلَى الإِدْغَامِ لاَ شَكَّ أُرْسِلا أراد: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ} 3، {وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ} 4. أرسلا أطلقا على الإدغام بلا خلاف لا شك في ذلك؛ إذ ليس فيهما ما يمنع الإدغام، وإن توهم متوهم أنه من باب المعتل؛ لأن أصله يا قومي بالياء ثم حذفت رد عليه وهمه فإن اللغة الفصيحة يا قوم بحذف الياء وصاحبها لا يثبت الياء بحال فصارت الياء كالعدم من حيث التزم حذفها، ولأن الياء المحذوفة من يا قوم ليست من أصل الكلمة بل هي ضمير المضاف إليه بخلاف المحذوف من يبتغ ونحوه، وكأن الناظم أورد هذا البيت في صورة الاحتجاج على ترجيح الإدغام في المعتل، فقال: قد أجمعوا على إدغام هذا فكذا ما سبق، ونص صاحب التيسير على أنه من المعتل مع الإجماع على الإدغام. 126- وَإِظْهَارُ قَوْمٍ آلَ لُوطٍ لِكَوْنِهِ ... قَلِيلَ حُرُوفٍ رَدَّه مَنُْ تَنَبَّلا عنى بالقوم أبا بكر بن مجاهد وغيره من البغداديين منعوا إدغام [آل لوط] حيث وقع لقلة حروفه وهو في الحجر والنمل والقمر ولا أعلم ما معنى قولهم إنه قليل الحروف فإنهم إن عنوا به أنه في الخط حرفان   1 سورة آل عمران، آية: 85. 2 سورة يوسف، آية: 9. 3 سورة غافر، آية: 41. 4 سورة هود، آية: 30. 5 سورة القمر وغيرها من السور، آية: 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 فلا اعتبار بالخط وإنما الاعتبار باللفظ وهو باللفظ ثلاثة أحرف، فهو مثل: "قال لهم" فكما يدغم "قال" يدغم "آل" لأنه مثله وعلى وزنه فيمنع هذا التعليل من أصله ويرد على قائله فقوله: وإظهار قوم مبتدأ خبره قوله: رده من تنبلا يعني به صاحب التيسير وغيره أي من صار نبيلا في العلم أي من رسخت فيه قدمه أو من مات من المشايخ يعني أن هذا رد قديم. ثم بين الذي رده به فقال: 127- بِإِدْغاَمِ لَكَ كَيْدًا وَلَوْ حَجَّ مُظْهِرٌ ... بِإِعْلاَلِ ثَانِيهِ إِذَا صَحَّ لاَعْتَلا قال صاحب التيسير رحمه الله: قد أجمعوا على إدغام لك كيدا في يوسف، وهو أقل حروفا من آل؛ لأنه على حرفين وقيل لا يستقيم هذا الرد؛ لأن ذلك كلمتان اللام حرف والكاف مجرورة المحل بها فهي قائمة مقام اسم مظهر وهو يوسف فكما يدغم: "ليوسف في الأرض"1 فكذا الكاف التي هي كناية عنه، ثم قال: ولو حج مظهر أي ولو احتج من اختار الإظهار استعمل حج بمعنى احتج مثل قرأ واقترأ وكسب واكتسب، والمعروف أن حج بمعنى غلب في الحجة في كقوله صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى". وإن حمل ما في البيت على هذا المعنى لم يبق لقوله لاعتلا فائدة فإن من غلب في حجته معتل أي مرتفع وأراد أن يذكر حجة سائغة غير منقوضة عليه لمن اختار الإظهار في آل لوط وهي حجة قد سبق بها جماعة من المتقدمين مثل ابن أبي هاشم وابن مهران وصاحب التيسير وهي أن ثاني حروف آل قد تغير مرة بعد مرة، والإدغام تغيير آخر فعدل عنه خوفا من أن يجتمع على كلمة قليلة الحروف في نظرهم تغييرات كثيرة فيصير مثل: {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا} 2. وقوله: إذا صح بعد قوله بإعلال ثانيه من محاسن الكلام حيث قابل الإعلال بالصحة يعني إذا صح له الإظهار من جهة النقل فإن أبا عمرو الداني قال في غير التيسير: لا أعلم الإظهار فيه من طريق اليزيدي، ثم بين إعلال ثانيه فقال: 128- فَإِبْدَالُهُ مِنْ هَمْزَةٍ هَاءٌ اصْلُهَا ... وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ وَاوٍ ابْدِلا أي: إبدال ثاني إبدال حروف آل وهو الألف من حمزة أصل تلك الهمزة هاء يعني هذا القائل أن أصل الكلمة أهل فأبدلت الهاء همزة كما قيل أرقت في هرقت فاجتمعت همزة ساكنة بعد همزة مفتوحة فوجب قلبها ألفا على القياس المطرد المعروف الذي بينه في آخر باب الهمز المفرد، وهذا القول وإن اعتمد عليه جماعة فهو مجرد دعوى وحكمة لغة العرب تأبى ذلك إذ كيف يبدل من الحرف السهل وهو الهاء حرف مستثقل وهو الهمزة التي من عادتهم الفرار منها حذفا وإبدالا وتسهيلا على ما عرف في بابه مع أنهم إذا أبدلوا الهاء همزة في هذا المكان فهي في موضع لا يمكن إثباتها بل يجب قلبها ألفا، فأي حاجة إلى اعتبار هذا التكثير من التغيير بلا دليل   1 سورة يوسف آية: 21. 2 سورة غافر، آية: 420. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وفي لفظ: ماء قام دليل إبدالها همزة لتقوى على الإعراب، وأما أرقت فالهاء فيه بدل من الهمزة وليست الهمزة بدلا من الهاء كذا يقول أهل النحو وهو الموافق للقياس. ثم قال: وقد قال بعض الناس يعني أبا الحسن بن شنبوذ وغيره: إن ثاني آل أبدل من واو وهذا هو الصحيح الجاري على القياس، وأهل التصانيف من اللغويين وأصحاب الأعزية لا يفسرون هذه الكلمة إلا في فصل الواو بعد الهمزة فيكون أصل الكلمة أول كما أن أصل قال قول فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا في اللفظين على قياس معروف في علم التصريف فهو مشتق من آل يئول إذا رجع أي أن آل الرجل إليه يرجعون في النسب أو الدين والمذهب، وإذا كان من باب قال فله حكم قال فيدغم. ولم يذكر الشاطبي -رحمه الله- هذا القول الثاني حجة للإظهار فإنه غير مناسب له وإنما بين أن العلماء مختلفون في أصل الكلمة فيعطى كل أصل حكمه. 129- وَوَاوَ هُوَ الْمَضْمومُ هَاءً َكَهُو وَمَنْ ... فَأَدْغِمْ وَمَنْ يُظْهِرْ فَبِالْمَدِّ عَلَّلا المضموم بالخفض صفة لهو وهاء منصوب على التمييز: أي الذي ضمت هاؤه نحو: {هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} 1. احترز بذلك عما سكنت هاؤه في قراءة أبي عمرو وهو ثلاثة مواضع: "فهو وليهم بما"2، "وهو وليهم اليوم"3، "وهو واقع بهم"4. والجمهور على5 منع الإدغام في هذه المواضع الثلاثة، وبعضهم قال: هي مظهرة بلا خلاف ووجهه أن الكلمة قد خففت بسكون هائها فلم تحتج إلى تخفيف الإدغام. وقال صاحب التيسير: لا خلاف في الإدغام، قلت: يريد في طرقه التي قرأ بها وإلا فقد ذكر الخلاف فيها أبو علي الأهوازي والحافظ أبو العلا وغيرهما قدس سرهم. وأما المواضع المضمومة الهاء وهي ثلاثة عشر موضعا فإدغامها ظاهر ولهذا جزم بقوله: فأدغم ... ومنهم   1 سورة النحل، آية: 76. 2 سورة الأنعام، آية: 27. 3 سورة النحل أيضا، آية: 63. 4 سورة الشورى، آية 22. 5 حاصل كلامه أن الجمهور من رواة أبي عمرو على عدم إدغام المواضع الثلاثة، لأن الهاء خففت بالسكون فلا تحتاج إلى تخفيف الإدغام، إلا أن صاحب التيسير على أنه لا خلاف في الإدغام، وهذا التقدير يعطي جواز الوجهين في الثلاثة من طريق النظم وجرى على ذلك أيضا شعلة في شرحه، وهو خلاف المفهوم من كلام الناظم، إذ المفهوم منه والذي جرى عليه جمهور الشراح عدم الخلاف فيهن، وذلك أنه لما قيد محل الخلاف بالمضموم الهاء بقى ساكنها على الأصل في اجتماع المثلين من متفق الإدغام، كما أنه لما قيد بواو هو بقي غير واو هو مدغما على الأصل فيه نحو: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ". وأيضا تعليل المظهر بالمد يفهم أنه حيث لا يوجد المد لا يظهر. ويؤيد ما قلناه قول الحافظ الداني في جامعه في إدغام "هو ومن" بالوجهين قرأت ذلك، واختار الإدغام؛ لاطراده وجريه على قياس نظائره. ثم قال: فإن سكن ما قبل الواو سواء كان هاء أو غيرها فلا خلاف في إدغام الواو في مثلها وذلك نحو: "وهو وليهم" و"خذ العفو وأمر" اهـ ضباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 من أظهرها؛ لأن الواو زيدت تقوية لهاء الضمير ففي إدغامها كالإخلال بما زيدت لأجله ولأن الواو تشدد في لغة قوم من العرب والتخفيف هو اللغة الفصيحة التي نزل بها القرآن ففي إدغامها ما يؤدي إلى أن الواو تشتبه بتلك اللغة، وقيل أيضا: إن تشديد الواو هو الأصل ثم خففت فاستغني بذلك التخفيف عن تخفيف الإدغام وكل هذه علل حسنة للإظهار لا بأس بها وقول الشاطبي: ومن يظهر فبالمد عللا يوهم أنه لم يعلله بغير ذلك، ثم تقديره أن يقال: إذا كان قبل الواو ضمة وقصد إلى إدغامها وجب إسكانها للإدغام فتصير حرف مد ولين وحروف المد واللين لا تدغم لأداء الإدغام إلى ذهاب المد مثل قالوا وأقبلوا، وهذا خطأ من المعلل فإن هذا مد تقديري لا ثبوت له فلا يلزم من منع الإدغام حيث كان المد محققا أن يمتنع أيضا إذا كان المد مقدرا. 130- وَيَأْتِيَ يَوْمٌ أَدْغَمُوهُ وَنَحْوَهُ ... وَلاَ فَرْقَ يُنْجِي مَنْ عَلَى الْمَدِّ عَوَّلا نقض على من علل بالمد في إظهار الواو بأنه يلزمه مثل ذلك في الياء في: "يأتي يوم"، و"نودي يا موسى"، وهذا مدغم عند من يرى الإظهار في هو ومن ونحوه ولا فرق بينهما فيما يرجع إلى المد فإن ما قرره في الواو موجود مثله في الياء فهذا معنى قوله ولا فرق ينجي من على المد عولا. وأما قوله: {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} 1، فينبغي أن يكون حكمه حكم قوله تعالى: {وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} فإن الكلمة خففت بإسكان الهاء فيهما والضمير في أدغموه عائد على معنى "من" في قوله: ومن يظهر فبالمد عللا. 131- وَقَبْلَ يَئِسْنَ الْيَاءُ في الَّلاءِ عَارِضٌ ... سُكُونًا أَوَ اصْلاً فَهُوَ يُظْهِرُ مُسْهِلا أي فأبو عمرو يظهره راكبا للطريق الأسهل يقال: أسهل إذا ركب السهل يعني أنه أظهر الياء من قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} 2 بلا خلاف، وعلل ذلك بأن الياء عارض سكونها أو أصلها فقوله: سكونا أو أصلا منصوبان على التمييز، ونقل حركة همزة أصلا إلى واو أو فكأنه أراد تعليلين، ولو أراد أن يجعل المجموع علة واحدة لقال: سكونا وأصلا أي سكونها عارض وأصلها عارض وكلا التعليلين غير مستقيم، أما السكون العارض فغير صالح؛ لأن يمنع الإدغام كما لم يمنع في نحو: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ} 3، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ} 4. وأما إن كانت في نفسها عارضة وأصلها همزة فكان ينبغي أن يجري فيها الوجهان المتقدمان في: "يبتغ" ونحوه نظرا إلى الأصل، وإلى ما عليه اللفظ الآن، وفي قوله: عارض أصلا نظر فإن الأصل هو الهمز وليس بعارض، ولو قال لفظا موضع أصلا لكان أبين.   1 سورة الحاقة، آية: 16. 2 سورة الطلاق، آية: 4. 3 سورة ق، آية: 48. 4 سورة الحجرات، آية: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وشيخنا أبو الحسن زاد في شرحه بآخره أن أصلا منصوب على المصدر كقولك: ما فعلته أصلا، قال: و"أو" بمعنى بل أو بمعنى الواو، فكأنه جعل المجموع علة واحدة والظاهر خلافه. ثم الصواب أن يقال لا مدخل لهذه الكلمة في هذا الباب بنفي ولا إثبات؛ فإن الياء كما زعم الناظم ساكنة، وباب الإدغام الكبير مختص بإدغام المتحرك، وإنما موضع ذكر هذه قوله: وما أول المثلين فيه مسكن فلا بد من إدغامه ... وعند ذلك يجب إدغامه لسكون الأول وقبله حرف مد فالتقاء الساكنين فيه على حدهما. على أني أقول1 سبب الإظهار عدم التقاء المثلين بسبب أن أبا عمرو -رحمه الله- كان يقرأ هذه الكلمة بتليين الهمزة بين بين وعبروا عنه بياء مختلسة الكسرة والهمزة المسهلة كالمحققة، قال أبو بكر بن مهران: ولا تدغم {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} "؛ لأنها ليست بياء خالصة فيدغمها في مثلها إنما هي همزة ملينة ولو كانت ياء خالصة لأدغم. قلت: ومن عبر من الرواة عن قراءة أبي عمرو بإسكان الياء خفي عنه أمر التسهيل فلم يضبطه والله أعلم، وقد نظمت هذا التعليل الصحيح فقلت: وقبل يئسن الياء في اللاء همزة ... مليَّنة حقا فأظهر مسهلا   1 فيه نظر؛ لأن كلام الناظم مفرع على وجه إبدال الهمزة ياء ساكنة؛ ليدخل في المثلين لا على وجه تسهيلها بين بين. وحينئذ فلا حاجة إلى تغيير البيت بما قاله اهـ ضباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 باب: إدغام الحرفين المتقاربين في كلمة وفي كلمتين هذا أيضًا من جملة الإدغام الكبير، فإنه على ضربين: إدغام المثلين وإدغام المتقاربين كل واحد منهما في كلمة وفي كلمتين، فإدغام المثلين مضى في الباب السابق فلا يحتاج فيه إلى أكثر من أن تسكن الحرف وتدغمه في مثله، وهذا الباب مقصور على إدغام حرف في حرف يقاربه في المخرج، ويحتاج فيه مع تسكينه إلى قبله إلى لفظ الحرف المدغم فيه، فترفع لسانك بلفظ الثاني منهما مشددا ولا تبقي للأول أثرا، إلا أن يكون حرف إطباق أو ذا غنة، فتبقي أثر الإطباق والغنة على تفصيل في ذلك معروف والتقارب كالمثلين تقريبا فساغ الإدغام فيهما؛ وليس ذلك في كل متقاربين، فقد تعرض موانع من الإدغام ومقتضيات الإدغام أبعد منهما، فاعتمد على ما يذكره. 132- وَإِنْ كِلْمَةٌ حَرْفَانِ فِيهَا تَقَارَبَا ... فإِدْغَامُهُ لِلْقَافِ في الْكافِ مُجْتَلا كلمة فاعل فعل مضمر: أي وإن وجدت كلمة وكان ينبغي أن يكون بعدها ما يفسر هذا المضمر كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 2، فالوجه أن يقول: وإن كلمة وجد فيها حرفان تقاربا فيكون حرفان فاعل فعل مضمر، أو نقول: حرفان مبتدأ وتقاربا خبره، ولك أن تجعل حرفان بدلا من كلمة بدل بعض من كل فيكون تقاربا نعت حرفان وهو تفسير للمضمر المقدر؛ أي: وإن تقارب حرفان في كلمة والهاء في فإدغامه تعود على أبي عمرو وهو مبتدأ   1 فيه نظر؛ لأن كلام الناظم مفرع على وجه إبدال الهمزة ياء ساكنة؛ ليدخل في المثلين لا على وجه تسهيلها بين بين. وحينئذ فلا حاجة إلى تغيير البيت بما قاله اهـ ضباع. 2 سورة التوبة، آية: 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ومجتلى خبره: أي إدغام أبي عمرو للقاف في الكاف مكشوف منظور إليه: أي أنه مشهور ظاهر ويجوز أن يكون الخبر قوله للقاف: في الكاف كما تقول إكرامي لزيد أي أخصه بذلك دون غيره فكذا ههنا أي إدغام أبي عمرو في الحرفين المتقاربين في كلمة كائن للقاف في الكاف لا غير، ومجتلى على هذا في موضع نصب على الحال. ومعنى البيت أنه لم يدغم من كل حرفين متقاربين التقيا في كلمة واحدة سوى القاف في الكاف بشطرين يأتي ذكرهما في البيت الآتي، فنحو: متجاورات ويتدبرون والمتطهرين ويتذكرون والمتصدقين لا يدغمه وإن كانت التاء تدغم في الجيم والدال والطاء والذال والصاد على ما سيأتي في هذا الباب وغيره، ثم ذكر الشرطين فقال: 133- وَهذَا إِذَا مَا قَبْلَهُ مُتَحَرِّكٌ ... مُبِينٌ وَبَعْدَ الْكافِ مِيمٌ تَخَلَّلا ما زائدة مثلها في قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ} 1. أي وهذا الإدغام كائن إذا استقر قبل القاف حرف متحرك ووقع بعد الكاف ميم وإنما اشترطا؛ ليكونا على منهاج ما أدغم من المثلين في كلمة وهو: "مناسككم"، "وما سلككم"، وقوله: "مبين" أي بين ولم يحترز به من شيء وإنما هو صفة مؤكدة، ومعنى تخلل من قولهم: تخلل المطر إذا خص ولم يكن عاما أي تخلل أبو عمرو بإدغامه ذلك ولم يعم جميع ما التقت فيه القاف بالكاف، وقيل: الضمير في تخلل للميم من تخللت القوم إذا دخلت بين خللهم وخلالهم أي تخلل الميم الحروف التي قبله وبعده والله أعلم. 134- كَيَرْزُقْكُّمُ وَاثقَكُّمُو وَخَلَقكُّمُو ... وَمِيثَاقَكُمْ أظْهِرْ وَنَرْزُقُكَ انْجلا مثل في النصف الأول من البيت ما وجد فيه الشرطان من التحريك والميم فأتى بثلاثة أمثلة فالكلمة الأولى يمكن أن تقرأ في البيت مدغمة وغير مدغمة وما بعدها لا يتزن الشعر إلا بقراءتهما مدغمتين ويلزم الإدغام في الثلاثة صلة الميم بواو، ثم قال: وميثاقكم أظهر ... لأجل فقْد أحد الشرطين وهو تحريك ما قبل القاف ونرزقك أيضا أظهره؛ لفقد الشرط الثاني وهو عدم وجود الميم في آخره، ومعنى انجلى انكشف أي ظهر الأمر بتمثيل المدغم وغير المدغم وميثاقكم في البيت بفتح القاف؛ لأنه مفعول أظهر، وقد جاء في القرآن منصوبا في البقرة ومرفوعا في الحديد على قراءة أبي عمرو فلم يمكن أن تجعله حكاية؛ إذ يعم المحكي في الموضعين، وقد روي إدغام ما قبله ساكن، وروي ترك الإدغام في المتحرك أيضا، وأما قوله في سورة المرسلات: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ} فمجمع على إدغامه. 135- وَإِدْغَامُ ذِي التَّحْرِيمِ طَلَّقَكُنَّ قُلْ ... أَحَقُّ وَبِالتَّأْنِيثِ وَالْجَمْعِ أُثْقِلا أي وقل إدغام طلقكن أحق مما تقدم ذكره من يرزقكم ونحوه: أي أولى بالإدغام منه؛ لأن الإدغام أريد به التخفيف وكلما كانت الكلمة أثقل كان أشد مناسبة للإدغام مما هو دونها في الثقل، وقد وجد فيه أحد الشرطين   1 سورة التوبة، آية: 122. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وهو تحريك ما قبل القاف وفقد الشرط الثاني وهو الميم، ولكن قام مقامها ما هو أثقل منها وهو النون؛ لأنها متحركة ومشددة ودالة على التأنيث والميم ساكنة خفيفة دالة على التذكير، فهذا وجه الأحقية بذلك، والناظم جعله قد ثقل بالتأنيث والجمع، أما التأنيث فهو ما أشرنا إليه وهو أحد أسباب الترجيح الثلاثة، وأما الجمع فمشترك فإن الميم أيضا دالة على الجمع فإن أردت نظم المرجحات الثلاثة فقل: وطلقكن ادغم أحق فَنُونُه ... محركة جمع المؤنث ثقلا أي هو أحق: يعني الإدغام ومحركة وما بعدها أخبار لقوله: فنونه والنون تؤنث وتذكر فلهذا أنث محركة وذكر ثقلا، وكان ابن مجاهد وعامة أصحابه يظهرونه لما يلزم في الإدغام من توالي ثلاثة أحرف مشددة اللام والكاف والنون. واختلف الرواة عن أبي عمرو في إدغامه، واختلف المشايخ في الاختيار من ذلك؛ فمنهم من أظهره للاستثقال المذكور ومنهم من دغمه، وقال: هو أحق لما تقدم ذكره، وقول الناظم: ذي التحريم أي صاحب التحريم أي الحرف الذي في سورة التحريم، وقوله: {طَلَّقَكُنّ} بيان له. 136- وَمَهْماَ يَكُونَا كِلْمَتَيْنِ فَمُدْغِمٌ ... أَوَائِلِ كِلْمِ البَيْتِ بَعْدُ عَلَى الوِلاَ أي ومهما يكن المتقاربان ذوي كلمتين: أي إذا التقيا في كلمتين على حد التقاء المثلين فيما تقدم فأبو عمرو مدغم من ذلك الحروف التي هي أوائل كلم البيت الآتي عقيب هذا البيت فهذا معنى قوله: بعد على الولا أي بعد هذا البيت وهو الذي يليه، والولاء المتابعة، وهو ممدود وقف عليه، وأبدل همزه فانقصر وأراد خذ كلم هذا البيت الآتي على الولاء أي استوعبها يتلو بعضها بعضا، والكلم جمع كلمة كلاهما بفتح الكاف، فكسر اللام ويجوز فيهما إسكان اللام ونقل حركتها إلى الكاف فتكسر فعلى هذا استعملهما في هذا البيت وغيره والكلمة في عرف القراء الحروف المتصلة ما لم يحسن قطع شيء منها مما قبلها فنحو: "خلقكم، وطلقكن" كلمة وهي كلمات عند أهل النحو وبما ومنه كل واحدة عندهم كلمتان وهي في العرف كلمة. والغرض من هذا أن تعلم أن كلمات البيت الآتي التي تأخذ حروفها الأوائل ست عشرة كلمة فخذ منها ستة عشر حرفا ثم ذكرها فقال: 137- "شِـ"ـفَا "لَـ"ـمْ "تُـ"ـضِقْ "نَـ"ـفْسًا "بِـ"ـهَا "رُ"مْ "دَ"وَا "ضَـ"ـنٍ "ثَـ"ـوَى "كَـ"ـانَ "ذَ"ا "حُـ"سْنٍ "سَـ"ـأى "مِـ"ـنْهُ "قَـ"ـدْ "جَـ"ـلاَ اعلم1 أنه أتى في مثل هذا البيت الذي يذكر فيه كلما لأجل حروف أوائلها تضمنها معاني قصدها من غزل ومواعظ؛ لئلا يبقى كلاما منتظما صورة لا معنى تحته وقد ضمن هذا البيت التغزل بامرأة من نساء الآخرة وسماها شفا، وقد سمت العرب بذلك النساء، وكثر في أمهات القرشيين وهو ممدود وقصره ضرورة، ولم ينونه؛ لأنه جعله علما على مؤنث، وقوله: لم تضق نفسا أي أنها حسنة الخلق ونصب نفسا على التمييز، ورم أي اطلب بها أي بوصلها وقربها دواء ضن وقصر دواء ضرورة أي دواء رجل ضن على أنه اسم منقوص، ولو قال   1 "قوله: اعلم ... إلخ" كذا بالنسخ التي بأيدينا، ولعل الصواب أن مثل هذا البيت يذكر فيه إلخ فيكون بذكر خبر أن اهـ ضباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ضنا بالفتح على أنه مقصور لكان معناه أيضا حسنا، والضنا بالقصر المرض يقال منه ضنى بالكسر ضنا شديدا فهو رجل ضنا وضن مثل حرا وحر قاله الجوهري، ومعنى ثوى أقام، وسأى على وزن رأى مقلوب ساء على وزن جاء، وهو بمعناه، ومثله له نأى وناء أي ساءت حاله من أجل الضنا أو كانت مساءته ناشئة من الضنا وقوله: قد جلا أي كشف الضنا أمره فالضمير في ثوى ومنه وجلا للضنا الدال عليه لفظ ضن وفي كان وسأى لضن، وهذه جمل أتى بها من غير حرف عطف استئنافا لا أخبارا بعد أخبار كقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ} 1، {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} 2. وقيل: المعنى سأى من يرى ذلك منه أو ساءه الضنا على أن من زائدة، وسيذكر كل حرف من هذه الستة عشر فيما ذا يدغم ولكن لم يلتزم ترتيب ما في هذا البيت بل أتى به على ترتيب صاحب التيسير، ولم يمكنه جمع الحروف على ذلك الترتيب في بيت له معنى مستقيم، فخالف الترتيب في جميع حروفها ثم شرط في إدغام هذه الحروف الستة عشر أن تكون سالمة من أربعة أوصاف فقال: 138- إِذَا لَمْ يُنَوَّنْ أَوْ يَكُنْ تَا مُخَاطَبٍ ... وَمَا لَيْسَ مَجْزُومًا وَلاَ مُتَثَقِّلا أي إذا لم يكن الحرف المدغم موصوفا بإحدى هذه الصفات الأربع فالمنون وتاء المخاطب والمثقل مضى الكلام عليها في باب المثلين، وإذا امتنع إدغام ذلك هناك فهنا أولى. فمثال المنون: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} 3، {شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ} 4، {رَجُلٌ رَشِيدٌ} 5، {نَذِيرٌ لَكُمْ} 6، ومثال الخطاب: {كُنْتَ ثَاوِيًا} 7، {فَلَبِثْتَ سِنِينَ} 8، {دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} 9، {خَلَقْتَ طِينًا} 10 ومثال المثقل {أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} 11، {لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} 12، {لا يَضِلُّ رَبِّي} 13، {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} 14. ولم يقع في القرآن تاء متكلم عند مقارب لها فلهذا لم يذكرها في المستثنى. وأما المجزوم فنحو: {لَمْ يُؤْتَ سَعَةً} 15. لم يدغم بلا خلاف وإن كان المجزوم في باب المثلين فيه وجهان؛ لأن اجتماع المثلين أثقل من اجتماع المتقاربين، وسيأتي خلاف في قراءة قوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ} 16، {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى} 17؛ لأن الطاء والدال أقرب إلى التاء من السين ويأتي خلاف في:   1 سورة الرعد، آية: 2. 2 سورة الرحمن، آية: 1-4. 3 سورة الزمر، آية: 6. 4 سورة الحشر، آية: 14. 5 سورة هود، آية: 78. 6 سورة سبأ، آية: 46. 7 سورة القصص، آية: 45. 8 سورة طه، آية: 40. 9 سورة الكهف، آية: 39. 10 سورة الإسراء، آية: 63. 11 سورة البقرة، آية: 200. 12 سورة المؤمنون، آية: 70. 13 سورة طه، آية: 52. 14 سورة الأعراف، آية: 134. 15 سورة البقرة، آية: 247. 16 سورة النساء، آية: 102. 17 سورة الإسراء، آية: 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 {جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} 1. ولم يذكر الناظم تمثيلا لما استثنى من المتقاربين كما ذكر في المثلين وكان ذكر المتقاربين أولى لعسر أمثلته وقد نظمت فيه بيتا فقلت: نذير لكم مثل به كنت ثاويا ... ولم1 يؤت قبل السين هم بها انجلا أراد يؤت سعة من المال ولم يمكن نظمه؛ لكثرة حركاته فقال: قبل السين. 139- فَزُحْزِحَ عَنِ النَّارِ الَّذِي حَاهُ مُدْغَمٌ ... وَفي الْكاَفِ قَافٌ وَهْوَ في الْقَافِ أُدْجِلاَ شرع من هنا يبين المواضع التي أدغمت فيها تلك الحروف الستة عشر فبدأ بالحاء أي أدغمت في العين في قوله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} 3. فقط لطول الكلمة وتكرر الحاء فيها، وهذا هو المشهور، ورواية الجمهور، وروي ترك إدغامه، وروي إدغامها في العين حيث التقيا مطلقا نحو: {ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} 4، "والمسيح عيسى"، {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا} 6. وقوله: فزحزح عن النار بالفاء أراد فمنها أي من الكلمات المدغمات زحزح الذي أدغم حاؤه وقصر الحاء ضرورة، ثم ذكر أن القاف والكاف يدغم كل واحد منهما في الآخر بشرط أن يتحرك ما قبل كل واحد منهما، وقد بين ذلك في البيت الآتي، ولم يذكر في الكلمة الواحدة إلا إدغام القاف في الكاف فقط؛ لأن عكسه لم يوجد في القرآن، ثم مثل ذلك فقال: 140- خَلَقْ كُلَّ شَيْءٍ، لَكْ قُصُوراً وأَظْهِرَا ... إِذَا سَكَنَ الْحَرْفُ الَّذِي قَبْلُ أُقْبِلا نطق بالحرفين مدغمين في هذين المثالين ثم قال: وأظهرا يعني القاف والكاف إذا سكن الحرف الذي قبلهما نحو: {وَفَوْقَ كُلّ} 7، {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} 8. ويقال أقبلته الشيء: إذا جعلته يلى قبالته، يقال: أقبلنا الرماح نحو القوم، وأقبلنا الإبل أفواه الوادي فهذه ثلاثة أحرف من الستة عشر الحاء والقاف والكاف، ثم ذكر الجيم فقال: 141- وَفي ذِي المَعَارِجْ تَعْرُجُ الجِيمُ مُدْغَمٌ ... وَمِنْ قَبْلُ أَخْرَجْ شَطْأَهُ قَدْ تَثَقَّلاَ أي أدغم حرف الجيم في حرفين: التاء في:   1 سورة مريم، آية: 27. 2 لو قال: وقبل سعة لم يؤت هم بها انجلا، لكان أوضح اهـ من هامش الأصل. 3 سورة آل عمران، آية: 185. 4 سورة المائدة، آية: 3. 5 سورة النساء، آية: 17. 6 سورة البقرة، آية: 229. 7 سورة يوسف، آية: 76. 8 سورة الجمعة، آية: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 {ذِي الْمَعَارِجِ، تَعْرُجُ} 1 والشين في: {أَخْرَجَ شَطْأَهُ} 2. وهو قبل ذي المعارج في تأليف القرآن وليس لهما نظير وحكى الإظهار فيهما وقوله: قد تثقلا؛ أي: أدغم، ثم ذكر الشين والضاد فقال: 142- وَعِنْدَ سَبِيلاً شِينُ ذِي الْعَرْشِ مُدْغَمٌ ... وَضَادُ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ مُدْغَمًا تَلاَ أراد قوله تعالى في سبحان: {إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} 3. ولا يجوز عند النحويين إدغام الشين والضاد إلا في مثلهما ولم يلتق منهما مثلان في القرآن، ويجوز في قوله: وضاد الرفع على الابتداء وتلا خبره أي تبع ما قبله في حال كونه مدغما، ويجوز نصبه على أنه مفعول تلا، وفاعله ضمير يعود على أبي عمرو أي تلاه أبو عمرو أي قرأه مدغما. 143- وَفي زُوِّجَتْ سِينُ النُّفُوسِ وَمُدْغَمٌ ... لَهُ الرَّأْسُ شَيْبًا بِاخْتِلاَفٍ تَوَصَّلاَ أي وأدغمت سين النفوس في زاي زوجت من قوله تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} 4 وموضع قوله: {الرَّأْسُ شَيْبًا} 5 رفع بالابتداء، وقوله: ومدغم له ... خبر مقدم عليه، والضمير في له لأبي عمرو، ويقال: توصل إليه أي تلطف في الوصول إليه أي وصل الخلاف إلى هذا الحرف ففي هذا البيت إدغام السين في حرفين ثم قال: 144- وَلِلدَّالِ كَلْمٌ "تُـ"رْبُ "سَـ"ـهْلٍ "ذَ"كَا "شَـ"ـذاً ... "ضَـ"ـفَا "ثُـ"ـمَّ "زُ"هْدٌ "صِـ"ـدْقُهُ "ظَ"ـاهِرٌ "جَـ"ـلا أي وللدال كلم تدغم عندها وهي ما وافق أوائلها أوائل هذه الكلمات العشر في هذا البيت من قوله: ترب سهل ... إلى قوله: جلا. وضمن في هذا البيت الثناء على أبي محمد سهل بن عبد الله التستري أحد أولياء الله المشهورين، قال القشيري في رسالته: هو أحد أئمة القوم، ولم يكن له في وقته نظير في المعاملات والورع وكان صاحب كرامات، لقي ذا النون المصري بمكة سنة حج. توفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين وقيل ثلاث وسبعين. والترب: التراب، وذكا من قولهم: ذكت النار تذكو ذكا مقصور؛ أي: اشتعلت والشذا حدة الرائحة أي فاحت رائحة ترابه يشير بذلك إلى الثناء عليه وما ظهر من كرامته وأعماله الصالحة، وشذا منصوب على التمييز أي ذكا شذاه وضفا: طال يشير إلى كثرة ذلك وثم بفتح الثاء بمعنى هناك: أي دفن في ذلك التراب زهد ظاهر الصدق لم   1 سورة المعارج، آية: 3. 2 سورة الفتح، آية: 29. 3 سورة الإسراء آية: 42. 4 سورة، التكوير، آية: 7. 5 سورة مريم، آية: 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 يكن عن رياء ولا تصنع، وجلا: بمعنى كشف أي أوضح الزهد أمر سهل رحمة الله عليه وأبان أنه من خيار عباد الله. وقال الشيخ: أراد جلاء بالمد وهو منصوب على التمييز: أي صدق ذلك الزهد ظاهر أي بين مكشوف جلاء. مثال إدغام الدال في الحروف العشرة: {فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ} 1، {عَدَدَ سِنِينَ} 2، {وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ} 3، {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} 4، {مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ} 5، {يُرِيدُ ثَوَابَ} 6، {تُرِيدُ زِينَةَ} 7، {نَفْقِدُ صُوَاعَ} 8، {مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} 9، {دَاوُدُ جَالُوتَ} 10 وفي {دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً} 11 خلاف12. ثم ذكر حكم الدال بعد الساكن فقال: 145- وَلَمْ تُدَّغَمْ مَفْتُوحَةً بَعْدَ سَاكِنٍ ... بِحَرْفٍ بِغَيْرِ التَّاءِ فَاعْلَمْهُ وَاعْمَلا تدْغم وتدَّغم لغتان بفتح الدال المشددة وإسكانها: أي إذا انفتحت الدال وقبلها ساكن لم تدغم في غير التاء فالباء في بحرف وفي بغير التاء بمعنى في وبغير التاء بدل من قوله: بحرف على إعادة العامل والألف في واعملا بدل من نون التأكيد، فمثال الدال المفتوحة مع غير الاء: {لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ} 13، {بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} 14، {آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} 15، {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} 16، {بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} 17، {بَعْدَ ظُلْمِهِ} 18، {بَعْدَ ثُبُوتِهَا} 19. فهذا كله لا يدغم. ومثالها مع التاء: {كَادَ يَزِيغُ} 20، {بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} 21. ولا ثالث لهما فهذان يدغمان؛ لأن التاء من مخرج الدال فكأنهما مثلان فإن كسرت الدال أو ضمت بعد ساكن أدغمت نحو: {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} 22، {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} 23.   1 سورة البقرة، آية: 17. 2 سورة المؤمنون، آية: 112. 3 سورة المائدة، آية: 2. 4 سورة الأحقاف، آية: 10. 5 سورة فصلت، آية: 50. 6 سورة النساء، آية: 134. 7 سورة الكهف، آية: 28. 8 سورة يوسف، آية: 72. 9 سورة المائدة، آية: 29. 10 سورة البقرة، آية: 251. 11 سورة فصلت، آية: 28. 12 والصحيح أن هذا الخلاف دائر بين الإدغام المحض الذي هو مذهب المتقدمين والإخفاء الذي ذهب إليه أكثر المتأخرين. اهـ ضباغ. 13 سورة ص، آية: 30. 14 سورة القلم، آية: 11. 15 سورة سبأ، آية: 12. 16 سورة النساء، آية: 163. 17 سورة هود، آية: 10. 18 سورة الشورى، آية: 41. 19 سورة النحل، آية: 94. 20 سورة التوبة، آية: 117. 21 سورة النحل، آية: 94. 22 سورة التوبة، آية: 127. 23 سورة البقرة، آية: 251. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 146- وفِى عَشْرِهَا وَالطَّاءِ تُدْغَمُ تَاؤُهَا ... وَفي أَحْرُفٍ وَجْهَانِ عَنْهُ تَهَلَّلا أي والتاء تدغم في حروف الدال العشرة، وفي الطاء إلا أن من جملة حروف الدال العشرة التاء، فيكون إدغام التاء فيها من باب المثلين، وإنما لم يستننها لحصول الغرض مع الاختصار من غير إلباس، فإذا أسقطت التاء من العدد عددت الطاء عوضها فيكمل للتاء أيضا عشرة أحرف ولم يلق الدال طاء في القرآن فلهذا لم يذكر الطاء في حروفها، وكذا لم يلق التاء دالا في القرآن إلا والتاء ساكنة نحو: {أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} 1. وذلك واجب الإدغام كما سيأتي فلهذا أيضا لم يذكر الدال في حروف التاء والهاء في عشرها للدال وفي تائها يجوز أن يكون للدال ويجوز أن يكون للعشر وأن يكون للحروف السابقة الستة عشر، وفي شرح الشيخ لك أن تعيد الضمير في عشرها على الأحرف السابقة التي للدال وهو مشكل فإنه من إضافة الشيء إلى نفسه وذلك غير جائز فمثال إدغام التاء في الطاء: {الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ} 2، ومع السين: {بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} 3، ومع الذال: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} 4، ومع الشين: {بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} 5، ومع الضاد: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} 6، ولا ثاني له، ومع الثاء: {وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ} 7، ومع الزاي: {إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} 8، ومع الصاد: {وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا} 9، ومع الظاء: {الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي} 10. في النساء والنحل ليس غيره ومع الجيم: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} 11. ولم يذكر في التاء ما ذكره للدال من كونها لم تدغم مفتوحة بعد ساكن؛ لأن التاء لم تقع كذلك إلا وهي حرف خطاب وهو قد علم استثناؤه نحو: {دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} 12، {أُوتِيتَ سُؤْلَكَ} 13. إلا في مواضع وقعت فيها مفتوحة بعد ألف فهي على قسمين منها ما نقل فيها الخلاف، وهي الأربعة المذكورة في البيت الآتي، وهي المشار إليها بقوله: وفي أحرف وجهان عنه تهللا، والألف في تهللا ضمير الوجهين أي استنارا، وظهرا، ونقلا عن أبي عمرو، ومنها موضع واحد لا خلاف في إدغامه، وهو قوله:   1 سورة يونس، آية: 89. 2 سورة النحل، آية: 32. 3 سورة الفرقان، آية: 11. 4 سورة الذاريات، آية: 1. 5 سورة النور، آية: 4. 6 سورة العاديات، آية: 1. 7 سورة آل عمران، آية: 79. 8 سورة الزمر، آية: 73. 9 سورة النبأ، آية: 38. 10 سورة النساء، آية: 97. 11 سورة الملك، آية: 93. 12 سورة الكهف، آية: 39. 13 سورة طه، آية: 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} 1؛ لأن الطاء من مخرج التاء فهو كاستثناء التاء مع الدال لأن الثلاثة من مخرج واحد ولو اتفق أن وقعت الطاء بعد الدال المفتوحة بعد ساكن لكان هذا حكمها، وأما: {بَيَّتَ طَائِفَةٌ} 2، فأكثر المصنفين في الإدغام لا يذكرونه في الإدغام الكبير بل يذكرونه في سورته، وسببه أن أبا عمرو كان يدغمه، وإن لم يقرأ بالإدغام الكبير، وهو معنى قولهم: إنه كان يدغمه في الأحوال كلها، وبعضهم يقول في الحالين أي سواء قرأ بالإدغام أو بالإظهار فهذا الموضع لا بد من إدغامه عنده. ثم اختلفوا هل هو من قبيل الإدغام الكبير أو الصغير، وهو مبني على أن التاء في قراءته مفتوحة أو ساكنة، والظاهر أنها مفتوحة كقراءة الجماعة، فيكون من باب الإدغام الكبير، وقد بينا وجه الخلاف في ذلك في الشرح الكبير. 147- فَمَعْ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ الزَّكَاةَ قُلْ ... وَقُلْ آتِ ذَا الْـ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ عَلا أي قل: هي الزكاة مع حملوا التوراة، ولو قال: الزكاة ثم قل آت لكان أولى؛ لأنه أبين لموضع الإدغام وتخلص من تكرار قل أراد قوله تعالى في البقرة: {وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} 3.وفي سورة الجمعة: {حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} 4. وأراد بقوله: "آت ذا الـ" قوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى} 5. في سورة سبحان وفي سورة الروم: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى} 6. وبين الذال ولام التعريف من القربي ألفان: أحدهما ألف ذا والأخرى همزة الوصل في القربى وهي تسقط في الدرج وسقطت ألف ذا لأجل لام التعريف بعدها؛ لكونها ساكنة فلهذا كتبتها أناذل بإسقاط الألفين على صورة اللفظ ويقع في النسخ بالألفين على الأصل وقطع لام التعريف مما دخلت عليه جائز في الشعر كقوله: دع ذا وقدم ذا وألحقنا بذل، وقصد الناظم بذلك زيادة البيان وإلا فكان يمكنه أن يقو وقل آت ذا والهمزة في: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ} تبدل ألفا في قراءة المدغم فجاءت التاء في هذه المواضع الأربعة بعد ألف، فوجه الخلاف في التوراة والزكاة كونها مفتوحة بعد ساكن فخفت فلم تدغم، ووجه الخلاف في آت ولتأت ما تقدم في:   1 سورة هود، آية: 114. 2 سورة النساء، آية: 81. 3 سورة البقرة، آية: 83. 4 سورة الجمعة، آية: 5. 5 سورة الإسراء، آية: 38. 6 سورة الروم، آية: 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ} 1. لأنها كلها من المجزوم ولا خلاف في إظهار: {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً} 2. وهو مثلهما، وليس قوله: علا رمزا؛ لأن الباب كله لأبي عمرو، وقد تقدم قوله وفي أحرف وجهان عنه: 148- وَفي جِئْتِ شَيْئًا أَظْهَرُوا لِخِطَابِهِ ... وَنُقْصَانِهِ وَالْكَسْرُ الإِدْغَامَ سَهَّلا يريد قوله في سورة مريم عليها السلام: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} 3. بكسر التاء؛ فهذا الذي اختلف فيه فأما مفتوح التاء فلا خلاف في إظهاره وهو موضعان في الكهف: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} 4، {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} 5؛ لأن تاء الخطاب لم تدغم في المثلين ففي المتقاربين أولى أن لا تدغم فعلل وجه الإظهار بالخطاب يعني بالخطاب الموجود فيه تاء الخطاب وأما مجرد الخطاب فغير مانع من الإدغام بدليل إدغام: {لَكَ كَيْدًا} 6، و: {إِنَّكِ كُنْتِ} 7. ونحوه وعلل أيضا بالنقصان، وهو حذف عين الفعل؛ لسكون ما قبل تاء الخطاب، وهذا مطرد في كل فعل معتل الوسط نحو: قمت وبعت وسرت، ووجه الإدغام ثقل الكسرة في التاء، وهي ضمير تأنيث فهو الذي سهل الإدغام بخلاف ما في الكهف، وبخلاف ثقل الضم في: {كُنْتُ تُرَابًا} 8. 149- وَفي خَمْسَةٍ وَهْيَ الأَوائِلُ ثَاؤُهَا ... وَفي الصَّادِ ثُمَّ السِّينِ ذَالٌ تَدَخَّلا الهاء في: "ثاؤها" كما تقدم في: "تاؤها" تعود على الحروف السابقة أو على الدال أو على عشرها: أي أدغمت الثاء المثلثة في خمسة أحرف وهي الخمسة الأوائل من حروف الدال، يريد أوائل كلمات: "ترب سهل ذكا شذا ضفا". مثال ذلك: {حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} 9، {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ} 10، {وَالْحَرْثِ ذَلِكَ} 11 و {حَيْثُ شِئْتُمْ} 12، {حَدِيثُ ضَيْفِ} 13 وليس غيره.   1 سورة آل عمران، آية 85. 2 سورة البقرة، آية: 247. 3 آية: 27. 4 آية: 71. 5 آية: 74. 6 سورة يوسف، آية: 5. 7 سورة يوسف، آية: 29. 8 سورة النبأ، آية: 40. 9 سورة الحجرات، آية: 65. 10 سورة النمل، آية: 16. 11 سورة آل عمران، آية: 14. 12 سورة البقرة، آية: 58. 13 سورة الذاريات، آية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ثم ذكر أن الذال المعجمة أدغمت في السين والصاد المهملتين وذلك في: {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} 1. في الكهف في موضعين وفي الجن موضع: {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا} 2. والتدخل بمعنى الدخول، يقال: تدخل الشيء إذا دخل قليلا قليلا، ومثله: تحصل من حصل، وتعلم من علم. 150- وَفي الَّلامِ رَاءٌ وَهْيَ في الرَّا وَأُظْهِرَا ... إِذا انْفَتَحَا بَعدَ المُسَكَّنِ مُنْرَلا أي إذا أدغمت اللام في الراء والراء في اللام ونحو: {كَمَثَلِ رِيحٍ} 3، {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} 4. وفي إدغام الراء ضعف عند نحاة البصرة، وإذا انفتحا بعد مسكن أظهرا نحو: {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} 5، {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي} 6. ومنزلا حال من ضمير المسكن المقدر فيه وأنت ضمير اللام في قوله: "وهي"، ثم ذكر ضمير اللام والراء معا في قوله: وأظهرا إذا انفتحا جمعا بين اللغتين، وقصر الراء ضرورة: 151- سِوَى "قالَ" ثُمَّ النُّونُ تُدْغَمُ فِيهِمَا ... عَلَى إِثْرِ تَحْرِيكٍ سِوَى نَحْنُ مُسْجَلا يعني سوى كلمة: "قال" فإنها أدغمت في كل راء بعدها وإن كانت اللام مفتوحة وقبلها حرف ساكن وهو الألف نحو: {قَالَ رَبِّي} 7، {قَالَ رَجُلانِ} 8، {وَقَالَ رَبُّكُمُ} 9؛ لأن ذلك كثير الدور في القرآن فخفف بالإدغام بخلاف: {فَيَقُولَ رَبِّ} 10، {رَسُولَ رَبِّهِمْ} 11 ونحوه. ثم ذكر أن النون تدغم فيهما أي في الراء واللام بشرط أن يتحرك ما قبلهما وهو معنى قوله على إثر تحريك أي تكون النون بعد محرك مثل:   1 سورة الكهف، آية: 61. 2 سورة الجن، آية: 3. 3 سورة آل عمران، آية: 117. 4 سورة هود، آية: 78. 5 سورة الحاقة، آية: 10. 6 سورة المطففين، آية: 18. 7 سورة الشعراء، آية: 188. 8 سورة المائدة، آية: 23. 9 سورة غافر، آية: 60. 10 سورة المنافقون، آية: 10. 11 سورة الحاقة، آية: 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} 1، {خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} 2، {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} 3، {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ} 4. فإن وقع قبل النون ساكن لم تدغم مطلقا سواء كان ذلك الساكن ألفا، أو غيرها وسواء كانت النون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة نحو: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ} 5، {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} 6، {أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ} 7. ولهذا قال مسجلا أي يشترط التحريك قبلها مطلقا في جميع أحوال النون وليس الأمر فيها كما سبق في اللام والراء من أنه لم يستثن من ذلك إلا المفتوح بعد ساكن. ثم قال الشيخ الشاطبي -رحمه الله- سوى نحن أي استثنى مما قبل النون فيه ساكن كلمة نحن فأدغمت في اللام بعدها حيث أتت نحو: {وَنَحْنُ لَهُ} 8، {وَمَا نَحْنُ لَكَ} 9. وهو عشرة مواضع ومسجلا حال من فاعل تدغم العائد على النون أو هو نعت مصدر محذوف أي إدغاما مطلقا ويجوز أن يكون حالا من نحن أي في جميع القرآن والأول أولى والله أعلم. 152- وَتُسْكُنُ عَنْهُ الْمِيمُ مِنْ قَبْلِ بَائِهَا ... عَلَى إِثْرِ تَحْرِيكٍ فَتَخْفَى تَنَزُّلا عنه يعني عن أبي عمرو والهاء في بائها تعود على الحروف السابقة أو على الميم وتخفي عطف على تسكن غير أن تاء تخفي مفتوحة وتاء تسكن مضمومة وتنزلا تمييز، وقوله: على إثر تحريك أي تكون الميم بعد محرك نحو: {آدَمَ بِالْحَقِّ} 10، {أَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} 11، {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} 12، {حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} 13. والمصنفون في التعبير عن هذا مختلفون فمنهم من يعبر عنه بالإدغام كما يطلق على ما يفعل بالنون الساكنة والتنوين عند الواو والياء أنه إدغام وإن بقي لكل واحد منهما غنة، كما يبقى الإطباق في الحرف المطبق إذا أدغم، ومنهم من يعبر عنه بالإخفاء؛ لوجود الغنة وهي صفة لازمة للميم الساكنة فلم يكن إدغامًا محضا فإن سكن ما قبل الميم أظهرت نحو: {إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ} 14، {الْيَوْمَ بِجَالُوتَ} 15، {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ} 16 وقيل في ذلك خلاف. 153- وَفي مَنْ يَشَاءُ با يُعَذِّبُ حَيْثُمَا ... أَتَى مُدْغَمٌ فَادْرِ الأُصُولَ لِتَأْصُلاَ أي وإدغام الباء من كلمة:   1 سورة الأعراف، آية: 167. 2 سورة الإسراء، آية: 100. 3 سورة الإسراء أيضا، آية: 90. 4 سورة التوبة، آية: 113. 5 سورة النحل، آية: 50. 6 سورة إبراهيم، آية: 1. 7 سورة البقرة، آية: 247. 8 سورة البقرة، آية: 138. 9 سورة الأعراف، آية: 132. 10 سورة المائدة، آية: 27. 11 سورة الأنعام، آية: 53. 12 سورة العلق، آية: 4. 13 سورة غافر، آية: 48. 14 سورة البقرة، آية: 132. 15 سورة البقرة أيضا، آية: 249. 16 سورة التوبة، آية: 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 {يُعَذِّبُ} 1 في: {مَنْ يَشَاءُ} 2 حيث أتى في القرآن: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} 3. بضم الباء وهو خمسة مواضع سوى الذي في البقرة فإنه ساكن الباء في قراءة أبي عمرو فهو واجب الإدغام عنده من جهة الإدغام الصغير لا الإدغام الكبير، ولهذا وافقه عليه جماعة على ما سنذكره، فقوله: "با" مبتدأ وقصره ضرورة، ومدغم خبره، وما عدا كلمة يعذب لا يدغم باؤها في الميم نحو "ضرب مثل". {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} 4. لأنه اقترن بكلمة يعذب ما يجب إدغامه في أصله وهو "يرحم من": {وَيَغْفِرُ لِمَنْ} 5. إما قبلها أو بعدها فطرد الإدغام فيه موافقة لما جاورها فهذا آخر ذكر إدغام الحروف الستة عشر ولهذا ختم ذلك بقوله فادر الأصول أي قف على أصول الإدغام وحصلها لتأصلا أي لتشرف، يقال: رجل أصيل الرأي أي محكم الرأي، وقد أصلَ أصالةً. ثم لما فرغ من تفصيل الحروف المدغمة في باب المتقاربين ذكر بعد ذلك ثلاث قواعد تتعلق بجميع باب الإدغام الكبير مثليا كان أو متقاربيا كل قاعدة في بيت، فقال في القاعدة الأولى: 154- وَلاَ يَمْنَعُ الإِدْغامُ إِذْ هُوَ عَارِضٌ ... إِمَالَةَ كَالأَبْرَارِ وَالنَّارِ أُثْقِلا أثقلا: أي ثقيلا وهو حال من الإدغام يريد بالثقل التشديد الحاصل بالإدغام ولم يرد أنه أثقل لفظا من الإظهار؛ لأنه ما أدغم إلا طلبا للخفة، وإذ هو عارض ظرف خرج مخرج التعليل، وقد سبق تحقيق القول فيه في شرح قوله: إذ م نسوه فيمحلا، وإمالة مفعول يمنع، وسقط التنوين منه؛ لإضافته إلى كالأبرار، وهو مشكل فإنه ليس في القرآن كالأبرار بالكاف، فالوجه أن يقال: هو مضاف إلى الكاف وحدها وهي هنا اسم بمعنى مثل كقول الراجز: يضحكن عن كالبرد المثهم أي إمالة مثل الأبرار، ويجوز أن تكون الكاف ضمير المخاطب والأبرار مفعول إمالة أي إمالتك الأبرار فهو مثل قوله: وإضجاعك التوراة ... والناظم -رحمه الله- كان ضريرا فأملى هذا اللفظ فسبق إلى ذهن الكاتب السامع منه أنها كاف التشبيه فكتبها متصلة بالأبرار والله أعلم أي لا يمنع الإدغام في حال ثقله إمالة الألف في نحو: {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا} 6، {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} 7. لزوال الكسر الموجب للإمالة بالإدغام، وعلة ذلك أن الإدغام عارض، فكأن الكسرة موجودة، وهو كالوقف الذي تحذف الحركة فيه أيضا فهي وإن حذفت مرادة منوية، وهذه مسألة من مسائل الإمالة فبابها أليق   1 و2 و3 سورة المائدة، آية: 40. 4 سورة آل عمران، آية: 181. 5 سورة آل عمران، آية: 181. 6 سورة آل عمران، آية: 192. 7 سورة المطففين، آية: 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 من باب الإدغام. وقد ذكر في باب الإمالة أن عروض الوقف لا يمنع الإمالة فالإدغام معه كذلك، وكان يغنيه عن البيتين هنا، وثم أن يقول: ولا يمنع الإدغام والوقف ساكنا ... إمالة ما للكسر في الوصل ميلا فيستغنى عن بيتين مفرقين في بابين بهذا البيت الواحد في باب الإمالة. ثم ذكر القاعدة الثانية فقال: 155- وَأَشْمِمْ وَرُمْ فِي غَيْرِ بَاءٍ وَمِيمِهَا ... مَعَ الْبَاءِ أَوْ مِيمٍ وَكُنْ مُتَأَمِّلا يعني بالإشمام والروم ما يأتي تحقيقه في باب الوقف على أواخر الكلم أي لك أن تشم وتروم في جميع الحروف المدغمة في المثلين والمتقاربين سوى أربع صور: - وهي أن يلتقي الباء مع مثلها نحو: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا} 1. - أو مع الميم نحو {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} 2. - أو يلتقي الميم مع مثلها نحو: {يَعْلَمُ مَا} 3. - أو مع الباء نحو {أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا} 4. فهذا معنى قوله: مع الباء أو ميم أي كل واحد من الباء والميم مع الباء أو ميم والهاء في ميمها تعود إلى الباء؛ لأنها مصاحبتها، ومن مخرجها أو تعود على الحروف السابقة. والإشمام يقع في الحروف المضمومة، والروم يدخل في المضمومة والمكسورة ولا يقعان في المفتوحة، ويمتنع الإدغام الصحيح مع الروم ون الإشمام، فالروم هنا عبارة عن الإخفاء والنطق ببعض الحركة فيكون مذهبا آخر غير الإدغام وغير الإظهار، وهذان المذهبان المحكيان عن أبي عمرو من الإشمام والروم في الحروف المدغمة سيأتيان لجميع القراء في مسألة: {لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} 5. ووجه دخولهما في الحروف المدغمة وهما من أحكام الوقف أن الحرف المدغم يسكن للإدغام فشابه إسكانه إسكانه للوقف فجرت أحكام الوقف فيه، واستثناء هذه الصور الأربع، إنما يتجه بعض الاتجاه على مذهب الإشمام للعلة التي ذكرها صاحب التيسير، وهو قوله: لأن الإشارة تتعذر في ذلك من أجل انطباق الشفتين أي تتعسر؛ لأن الإشارة بالشفة والباء والميم من حروف الشفة، والإشارة غير النطق بالحرف فيتعذر فعلهما معا في الإدغام؛ لأنه وصل، ولا يتعذران في الوقف؛ لأن الإشمام فيه هو ضم الشفتين بعد سكون الحرف فلا يقعان معا، ومنهم من استثنى الفاء أيضا، ومنهم من لم يستثن شيئا من ذلك، أما الروم فلا يتعذر؛ لأنه نطق ببعض حركة الحرف فهي تابعة لمخرجه فكما ينطق بالباء والميم بكل حركتهما كذلك ينطق بهما بعض حركتهما، وأظن الناظم -رحمه الله- أشار إلى هذه الأشياء ونحوها بقوله: وكن متأملا أي تأمل ما قد أطلقه المصنفون في التعبير عن ذلك بفهمك   1 سورة يوسف، آية: 140. 2 سورة العنكبوت، آية: 21. 3 سورة الأنعام، آية: 60. 4 سورة المائدة، آية: 61. 5 سورة يوسف، آية: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وتدبره بعقلك وعلمك ونزل كل شيء في منزلته ولا تزله عن مرتبته، وقد نقلت في الشرح الكبير، من كلام المصنفين في ذلك عبارات كثيرة مختلفة ولله الحمد. ثم ذكر القاعدة الثالثة فقال: 156- وَإِدْغَامُ حَرْفٍ قَبْلَهُ صَحَّ سَاكِنٌ ... عَسِيرٌ وَبِالإِخْفَاءِ طَبَّقَ مَفْصِلا أي إدغام الحرف الذي قبله حرف صحيح ساكن عسير: أي يعسر النطق به وتعسر الدلالة على صحته؛ لأنه يؤدي إلى الجمع بين الساكنين؛ لأن الحرف المدغم لا بد من تسكينه وقوله: عسير خبر المبتدأ الذي هو إدغام حرف، وقوله: قبله صح ساكن جملة في موضع الصفة لحرف. واحترز بقوله: صح ساكن عما قبله ساكن ليس بحرف صحيح بل هو حرف مد؛ فإن الإدغام يصح معه نحو: {فِيهِ هُدىً} 1، {وَقَالَ لَهُمْ} 2، و {يَقُولُ رَبَّنَا} ، وكذا إذا انفتح ما قبل الواو والياء نحو: {قَوْمُ مُوسَى} 3. كيف فعل فإن في ذلك من المد ما يفصل بين الساكنين، وأما ما قبله ساكن صحيح فلا يتأتى إدغامه إلا بتحريك ما قبله وإن خفيت الحركة فإن لم يحرك انحذف الحرف الذي تسكنه للإدغام، وأنت تظن أنه مدغم، ودليل ذلك أن العرب إذا أدغمت نحو ذلك في الكلمة الواحدة حركت الساكن نحو: استعد واستعف، ولذلك لما أجمع على إدغام الميم في مثلها في: {فَنِعِمَّا هِيَ} 4 كسرت العين وهي ساكنة في غير هذا الموضع نحو: {نِعْمَ الْعَبْدُ} 5. فإذا ثبت أن ذلك ممتنع الإدغام لم يبق فيه إلا الإظهار أو الروم السابق ذكره، وهو النطق ببعض الحركة ويعبر عنه بالاختلاس وبالإخفاء فهذه العبارات كلها صحيحة، والتعبير عنه بالإدغام تجوز، قال الجوهري في: {شَهْرُ رَمَضَانَ} 6 إنما هو بحركة مختلسة ولا يجوز أن تكون الراء الأولى ساكنة؛ لأن الهاء قبلها ساكنة فيؤدي إلى الجمع بين الساكنين في الوصل من غير أن يكون قبلها حرف لين، وهذا غير موجود في شيء من لغات العرب وكذا: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} 7 و: {أَمَّنْ لا يَهِدِّي} 8 و: {يَخِصِّمُونَ} 9.   1 سورة البقرة، آية: 2. 2 سورة البقرة أيضا، آية: 248. 3 سورة الأعراف، آية: 148. 4 سورة البقرة، آية: 271. 5 سورة ص، آية: 30. 6 سورة البقرة، آية: 185. 7 سورة الحجر، آية: 9. 8 سورة يونس، آية: 35. 9 سورة يس، آية: 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وأشباه ذلك قال: ولا معتبر بقول القراء: إن هذا ونحوه مدغم؛ لأنهم لا يحصلون هذا الباب والضمير في طبق للقارئ أي إذا أخفاه القارئ أصاب وإن رام إدغامه امتنع عليه، ويجوز أن يكون الضمير للتعبير وإن لم يجر له ذكر؛ لأنه مفهوم من سياق الكلام أي العبارة عنه بالإخفاء هي العبارة الصحيحة أو طبق من عبر عنه بالإخفاء مفصلا، وقيل الضمير في طبق للحرف وليس بشيء، ومعنى مفصلا أصاب وهو من قولهم طبق السيف إذا أصاب المفصل وكذا طبق الجزار المفصل ويقال للرجل إذا أصاب الحجة أنه يطبق المفصل ثم مثل ما قبله ساكن فقال: 157- خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ ثُمَّ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ ... وَفي المَهْدِ ثُمَّ الخُلْدِ وَالْعِلْمِ فَاشْمُلا ذكر أمثلة من المثلين والمتقاربين فذكر من المثلين: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} 1، {مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ} 2 ومن المتقاربين {مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} 3 و {فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} 4، {دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً} 5. وقوله: فاشملا أراد فاشملن ثم أبدل من النون الخفيفة المؤكدة ألفا يقال شملهم الأمر إذا عمهم بكسر الميم في الماضي وفتحها في المضارع، وفيه لغة أخرى وهي فتحها في الماضي وضمها في المضارع أي فاشمل الجميع من البابين بالحفظ والفهم أي اجمعه فالأمر من ذلك بفتح الميم على اللغة الفصيحة وبضمها على اللغة الأخرى، وقال ابن دريد: شمل الرجل وانشمل: أسرع؛ أي: أسرع في حفظ ذلك وفهمه وتعليمه ولا تتباطئ في ذلك ولا تتخلف عنه والله أعلم.   1 سورة الأعراف، آية: 199. 2 سورة الرعد، آية: 37. 3 سورة الشورى، آية: 41. 4 سورة مريم، آية: 29. 5 سورة فصلت، آية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 باب: هاء الكناية هذا الباب غير متعلق بسورة الفاتحة، بل هو وما بعده من الأبواب إلى آخر الأصول مما يتعلق بسورة البقرة فما بعدها، وقد تقدمت ترجمة سورة الفاتحة وذكر ما فيها من الحروف فرشا وأصولا، فكان القياس بعد الفراغ من الإدغام أن يقول سورة البقرة، ثم يبوب لما فيها من الأصول، ثم يذكر الفرش وكذا فعل صاحب التيسير. فإن قلت: لم قدم حروف الفرش في الفاتحة على الأصول وعكس ذلك في البقرة: قلت: لتقدم حروف الفرش في نظم آياتها، وهو "مالك، والصراط، ثم عليهم" وقد سبق الاعتذار عن تأخر باب الإدغام عن ذلك. وأما في البقرة فأول ما تجد فيها من الحروف قوله تعالى: {فِيهِ هُدىً} 1. ويتعلق به أمران: أحدهما الإدغام وقد سبق. والثاني صلة هاء الكناية، فيتعين الابتداء ببابها، وبعده باب المد والقصر؛ لأجل قوله تعالى:   6 سورة البقرة، آية: 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} 1. وأبواب الهمزة؛ لأجل قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ} ، {أَأَنْذَرْتَهُمْ} . وباب نقل الحركة وترقيق الراء؛ لقوله تعالى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} 2. وباب الإظهار والإدغام الصغير؛ لقوله: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} ، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} ، {غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ} 3. ولو كان وصل ذلك بباب الإدغام الكبير لكان حسنا. وقد فعل ذلك جماعة من المصنفين. وباب الإمالة؛ لقوله: {هدى} ، {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} . وباب اللامات؛ لقوله: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} . وأما باب الوقف على أواخر الكلم فظاهر، وكان حقه أن يتقدم على هذه الأبواب؛ لأنه محتاج إليه في كلمات الفاتحة وغيرها، وأتبع ذلك بالوقف على مرسوم الخط إتباعا للوقف بالوقف. فقد اتضح أن المقتضي لذكر هذه الأبواب مقدم على كلمة: {وَمَا يَخْدَعُونَ} 4. وتلك أول كلمات الفرش، فلزم من ذلك ذكر تلك الأبواب قبلها، وألحق بها ياءات الإضافة والزوائد؛ لأنها أيضا موجودة في سورة البقرة وإن تقدم عليها بعض كلمات الفرش إلحاقا لأبواب الأصول بعضها ببعض. ثم اعلم أن ما أضيف من هذه الأبواب إلى المصادر التي هي أفعال القراء فهو الجاري على حقيقة الكلام، نحو: باب الاستعاذة والبسملة والإدغام والمد والقصر، ونقل الحركة والوقف والإمالة، وما أضيف إلى محل هذه الأفعال فهو على حذف مضاف، نحو: باب هاء الكناية وباب الهمزتين والهمز المفرد: أي باب أحكام ذلك كما صرح بذلك في أول باب أحكام النون الساكنة والتنوين، أو يقدر المحذوف في كل باب بما يناسبه: أي باب صلة الهاء، وباب تسهيل الهمز، ونحو ذلك. وهاء الكناية في عرف القراء عبارة عن هاء الضمير التي يكنى بها عن الواحد المذكر الغائب وحقها الضم، إلا أن يقع قبلها كسر أو ياء ساكنة فحينئذ تكسر، ويجوز الضم كما قرئ به في: {لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} 5، {وَمَا أَنْسَانِيهُ} 6، {عَلَيْهُ اللَّهَ} 7.   1 سورة البقرة، آية: 4. 2 نفس السورة، آية: 4. 3 نفس السورة، آية: 7. 4 نفس السورة، آية: 9. 5 سورة طه، آية: 10. 6 سورة الكهف، آية: 63. 7 سورة الفتح، آية: 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 في سورة الفتح: والخلاف بين القراء في هاء الكناية في صلتها بواو إن كانت مضمومة وبياء إن كانت مكسورة، وفي تحريكها بذلك من غير صلة ويسمى قصرا، وفي إسكانها في مواضع مخصوصة، وسيأتي جميع ذلك إن شاء الله تعالى: 158- وَلَمْ يَصِلُوا هَا مُضْمَرٍ قَبْلَ سَاكِنٍ ... وَمَا قَبْلَهُ التَّحْرِيكُ لِلْكُلِّ وُصِّلاَ قصر لفظ ها ضرورة أي هاء الضمير إذا لقيها ساكن لم توصل لجميع القراء؛ لأن الصلة تؤدي إلى الجمع بين ساكنين بل تبقى الهاء على حركتها ضمة كانت أو كسرة ومثاله: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ} 1، {وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} 2. وكذا إذا كانت الصلة ألفا وذلك في ضمير المؤنث المجمع على صلته بها مطلقا فإن صلتها تحذف للساكن بعدها نحو: {مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} 3، {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} 4. فقوله: ولم يصلوا "ها" مضمر عام يشمل ضمير المذكر والمؤنث وإن كان خلاف القراء واقعا في المذكر فحسب، فأمكن حمل اللفظ فيه على عمومه. ولا يرد على هذا الإطلاق إلا موضع واحد في قراءة البزي فإنه يقرأ في سورة عبس: "عنهو تلهى" بالصلة وتشديد التاء بعدها فقد وصل قبل ساكن في قراءته، وأما قنبل فوصل قبل متحرك وهذا كما أنه يصل ميم الجميع في قوله تعالى: "ولقد كنتمو تمنون"5، "ظلتمو تفكهون"6. على رواية تشديد التاء بعدها، ووجهه أن الجمع بين الساكنين في مثل هذا جائز فصيح من حيث اللغة؛ لأن الأول حرف مد والثاني مدغم، فهو من باب "دابة"، "والضالين". فإن قلت: فلم لا يوصل نحو: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ} 7 فهو كذلك. قلت: لأن الإدغام في "الذين" متأصل لازم بخلاف تلك المواضع، وقد سبق هذا الفرق في ترك صلة ميم الجمع قبل الساكن. ثم قال: وما قبله التحريك أي والذي تحرك ما قبله من هاءات المضمر المذكر التي ليس بعدها ساكن فكل القراء يصلها بواو إن كانت مضمومة وبياء إن كانت مكسورة والضمير في وصل يرجع إلى "ما"؛ لأنها بمعنى الذي، وشدد وصل للتكثير؛ لكثرة المواضع نحو كسر وقطع، ومثال ذلك:   1 سورة النساء، آية: 83. 2 سورة الليل، آية: 21. 3 سورة البينة، آية: 8. 4 سورة مريم، آية: 23. 5 سورة آل عمران، آية: 143. 6 سورة الواقعة، آية: 65. 7 سرة النساء، آية: 83. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 {أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} 1، {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} 2. ووجه أصل الصلة أن الهاء حرف خفي فقوي بالصلة بحرف من جنس حركته إلا أن هذه الصلة تفعل في الهاء التي تكون من نفس الكلمة نحو: {مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا} 3، {فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ} 4، {وَلَمَّا تَوَجَّهَ} . لأن صلة مثل ذلك قد توهم تثنية وجمعا بخلاف هاء الضمير ولأن هاء الضمير اسم على حرف واحد فناسب أن تقوى وما أجروه مجرى هاء الضمير الهاء في اسم الإشارة إلى المؤنث نحو: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ} 5. فهي موصولة للكل لتحرك ما قبلها وتحذف عند الساكن نحو: {هَذِهِ النَّارُ} 6. ثم إن الصلة تسقط في الوقف كما ذكرنا في صلة ميم الجمع إلا الألف في ضمير المؤنث، وذلك لأن الصلة زيادة في الآخر لتتميم وتكميل فشابهت التنوين فحذفت كما تحذف مع الضم والكسر وتثبت مع الفتح كما تبدل من التنوين ألفا في الوصل. 159- وَمَا قَبْلَهُ التَّسْكِينُ لاِبُنِ كَثِيرِهِمْ ... وَفِيهِ مُهَاناً مَعْهُ حَفْصٌ أَخُو وِلاَ أي وصل ما قبله ساكن لابن كثيرهم وحده نحو: "فيه-وعليه-وإليه-ومنه-واجتباه-وعقلوه" فإن لقي الهاء ساكنا لم يصل على ما سبق تقريره نحو: {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} 7، {فَأَرَاهُ الْآيَةَ} 8، {يَعْلَمْهُ اللَّهُ} 9. وقراءة الباقين بترك الصلة في كل ما قبله ساكن وعلم ذلك من الضد؛ لأن ضد الصلة تركها. ووافق ابن كثير هشام على صلة "أرجئه" بواو على ما سنذكره ووافقه حفص على صلة: {فِيهِ مُهَانًا} 10. في سورة الفرقان بياء فهذا معنى قوله: وفيه مهانا معه حفص ... أي مع ابن كثير والولاء بكسر الواو والمد بمعنى المتابعة مصدر والاه ولاء مثل راماه رماء وهذه اللفظة قد كثر ورودها في قافية هذه القصيدة وهذا معناها حيث جاءت، ولوقوفه عليها سقط همزها ومدها على ما سبق تقريره في أجذم العلا فقوله: وفيه مهانا ... مبتدأ وما بعده الخبر والعائد إلى المتبدأ محذوف للعلم به أي وهذه الكلمة حفص أخو متابعة لابن كثير فيها فقوله: حفص مبتدأ ثانٍ وخبره "أخو وِلا" أي: ذو متابعة لابن كثير في مذهبه؛ لأن الموافقة كالمتابعة،   1 سورة عبس، آية: 21. 2 سورة الجاثية، آية: 23. 3 سورة هود، آية: 91. 4 سورة المؤمنون، آية: 12. 5 سورة هود، آية: 64. 6 سورة الطور، آية: 19. 7 سورة غافر، آية: 3. 8 سورة النازعات، آية: 20. 9 سورة البقرة، آية: 97. 10 سورة الفرقان، آية: 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 أو هو صاحب متابعة السنة في قراءته وكل من أكثر من شيء ولازمه جاز أن يدعى أخاه كقوله: قل لابن قيس أخي الرقيات1 فإن قلت: هل يجوز أن تعود الهاء في معه إلى لفظ: "فيه مهانا" كما يقال: زيد معه المال. قلت: هو جائز من حيث اللفظ، ولكنه ممتنع من جهة أنه يوهم أن حفصا وحده يصله دون ابن كثير، وإن رجع الضمير في معه إلى ابن كثير زال هذا الوهم، فمن قرأ بالصلة فعلى الأصل، والأكثر على ترك الصلة تخفيفا، وهشام وحفص جمعا بين اللغتين، وقيل: قصدا بالصلة تطويل اللفظ تشنيعا على "ملإ فرعون، ما أمروا به" وإسماعا للخلق ما أوعد به العاصي. 160- وَسَكِّنْ يُؤَدِّهْ مَعْ نُوَلِّهْ وَنُصْلِهْ ... وَنُؤْتِهِ مِنْهَا "فَ"اعَتَبِرْ "صَ"افِياً "حَ"لاَ شرع يذكر ما وقع فيه الخلاف بين القراء في إسكان هاء الكناية منه وهو عشرة ألفاظ جاءت في خمسة عشر موضعا وهي: "نوله"، "ونصله"، "ويأته"، "ويرضه"، "وألقه"، "ويتقه" فهذه ستة لم يكرر شيء منها "ويؤده"، "وأرجه"، "ويره" كل واحد جاء مرتين فهي ستة أيضا "ونؤته" في ثلاثة مواضع وعدها أبو بكر بن مجاهد ستة عشر موضعا فزاد: {لَمْ يَرَهُ} 2، في سورة البلد وكلها هاءات كناية اتصلن بأفعال حذفت أواخرها للجزم بالشرط أو جوابه أو للأمر، ولم يذكرها صاحب التيسير إلا مفرقة في أماكنها في القرآن وكلها غير أرجئه كان واجب الصلة للكل؛ لتحرك ما قبل الهاء ولكن عرض فيه أمر آخر اقتضى جواز الإسكان فيه وجواز القصر على ما سيأتي فصار فيها ثلاثة أوجه، ولقد لفظ الناظم -رحمه الله- بالكلمات المذكورة في هذا البيت على الوجوه الثلاثة فسكن يؤده ونوله ووصل نصله وقصر: {نُؤْتِهِ مِنْهَا} 3. وهذا من عجيب ما اتفق أي أن حمزة وأبا بكر عن عاصم وأبا عمرو سكنوا هاء الكناية في هذه الكلمات الأربع من بين العشر المذكورة وهي في سبعة مواضع: {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} 4. موضعان في آل عمران، {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ} 5 في سورة النساء، {نُؤْتِهِ مِنْها} موضع في {حم، عسق} 6 وموضعان في آل عمران. فإن قلت: من أين يعلم أنه أراد تكرير يؤده ونؤته وعادته في مثل ذلك أن يقول معا أو جميعا أو حيث أتى أو نحو ذلك:   1 تمامه: ما أحسن العِرف في المصيبات والعرف: بكسر العين اهـ من هامش الأصل. 2 سورة البلد، آية: 7. 3 سورة آل عمران، آية: 145. 4 سورة آل عمران، آية: 175. 5 سورة النساء، آية: 115. 6 سورة الشورى، آية: 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 قلت: إطلاقه وعدم تقييده دل على ذلك؛ لأنه ليس بعضه أولى به من بعض فإن ما يذكره في أبواب الأصول لنسبته إلى المواضع كلها سواء، ولهذا قال: "أرجئه" ولم يبين أنه في سورتين، وإنما يحتاج إلى قوله: معا وجميعا في فرش الحروف؛ لئلا يظن أن ذلك مختص بما في تلك السورة دون غيرها، هذا هو الغالب من أمره، وقد جاء في بعض المواضع مقيدا في الأصول كقوله: "تسؤ، ونشأ" ست وعشر، "يشأ، ونبى" بأربع "وأرجى" معا "وأقرأ" ثلاثا، ولم يستوعب التقييد في هذه المواضع المستثناة فقال بعد ذلك: "ومؤصدة"، ولم يقل معا فأطلق على الأصل، وجاء الإطلاق في الفرش في مواضع مع عموم الحكم كالتوراة، وكائن: على ما يأتي، وإسكان هاء الكناية لغة محكية سواء اتصلت بمجزوم أو غيره كقوله: وأنشده ابن مجاهد: وأشرب الماء مائي نحوه عطش ... إلا لأن عيونه سيل واديها ولم يسكنها القراء إلا في المجزوم كالكلمات المذكورة ووجه الإسكان تشبيه هاء الضمير بألف وواوه ويائه فأسكنت أو اسنثقلت صلتها فأسكنت كما فعل في ميم الجميع أو وصلت بنية الوقف وهذه الوجوه الثلاثة تعم المجزوم وغيره. وفي المجزوم وجهان آخران: أحدهما أنها سكنت تنبيها على الحرف المحذوف قبلها للجزم. والثاني أنها سكنت لحلولها محله، ونبه بقوله صافيا حلا على صحة هذه القراءة وحسن وجهها في العربية وإن كانت قد جاءت على خلاف المعهود في هاءات الكناية من التحريك والصلة وصافيا نعت المفعول المحذوف أي لفظا صافيا حلوا أو يكون حالا من فاعل فاعتبر: أي اعتبر المذكور في حال صفاء ذهنك وباطنك من النفرة منه وحلاوة عبارتك في ذكر دليله أو يكون حالا من مفعول فاعتبر المحذوف إن قدرته معرفة أي فاعتبر المذكور في حا صفائه وحلاوته فيعود المعنى إلى ما ذكرناه في الوجه الأول أو أراد فاعتبر نظما صافيا حلوا. ووجهه ما ذكرناه من أنه لفظ في هذا البيت بوجوه الاختلاف الثلاثة في هذه الكلمات ونحوه والله أعلم وأحكم. 161- وَعَنْهُمْ وَعَنْ حَفْصٍ فَأَلْقِهْ وَيَتَّقِهْ ... [حَ] مى [صَ] فْوَهُ [قَ] وْمٌ بِخُلْفٍ وَأَنْهَلاَ أي وعن من تقدم ذكرهم وعن حفص إسكان قوله تعالى: {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} 1. في سورة النمل، والتقدير: وسكن فألقه عنهم وعن حفص فيكون عطفا على قوله وسكن يؤده وقد تقدم في شرح الخطبة أن ضمير من تقدم رمزه نازل منزلة المسمى بصريح لفظه لا منزلة الرمز فلهذا جمع بين الضمير في وعنهم وبين قوله وعن حفص فصار على إسكان فألقه عاصم بكماله وأبو عمرو وحمزة وقوله ويتقه مبتدأ وليس عطفا على فألقه والواو من نفس التلاوة أراد قوله تعالى في سورة النور:   1 سورة النمل، آية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 {وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ} 1. وخبر المبتدأ حمى صفوه إلى آخر البيت، وتقدير الكلام فيه وإسكان ويتقه على حذف مضاف أي أسكن هاءه أبو بكر وأبو عمرو وخلاد عن حمزة بخلاف عنه، فنقص من الرمز المذكور في البيت السابق راوٍ وهو خلف، وزاد في فألقه راوٍ وهو حفص. ومعنى حمى صفوه: أي صفو إسكانه قوم بخلف: أي حماه جماعة بحجج مختلفة وهي خمسة أوجه سبق ذكرها، ومعنى أنهل سقاه: النهل وهو الشرب الأول، وحسن استعارة النهل بعد ذكر الصفو أشار بذلك إلى أنهم قاموا في نصرة الإسكان بما انشرحت له الصدور، فهذا معنى ظاهر هذا الكلام، والمراد بباطنه رمز القراء، وقوله: بخلف ليس رمزا، وكذلك كل ما جاء منه نحو بخلفه بخلفهما بخلفهم؛ لأن المراد منه أن القارئ المذكور قبلها اختلفت الرواية عنه فكأنه من تتمة ذكره، وأفرد الضمير في أنهل ردا على لفظ قوم، ويجوز أن يكون الضمير فيه ليتقه، أي روى هذا الحرف القوم الذين حموه لما استنبطوا من المعاني والفوائد أو يعود على الصفو وهو أليق أي حموه مما يكدره؛ حفظا له بحاجتهم إليه فأنهلهم ورواهم، ثم بين قراءة حفص لهذه الكلمة فقال: 162- وَقُلْ بسُكُونِ الْقَافِ وَالْقَصْرِ حَفْصُهُمْ ... وَيَأْتِهْ لَدَى طه بِالِاِسْكَانِ [يُـ]ـجْتَلا أي قراءة حفصهم، فحذف المضاف؛ يعني أن حفصا يسكن القاف ويحرك الهاء بالكسر من غير صلة، وهذا معنى القصر وهو ترك الصلة؛ لأنها مد، وأسكن القاف؛ لأنها صارت آخر الفعل بعد حذف الياء للجزم، وقيل: أجرى "يتقه" مجرى "كتف" فأسن الوسط تخفيفا، وأنشد: فبات منتصبا وما تكردسا فلما سكنت القاف ذهبت صلة الهاء؛ لأن أصل حفص أن لا يصل الهاء التي قبلها ساكن إلا في قوله تعالى: {فِيهِ مُهَانًا} ، وبقيت كسرة الهاء أمارة على عروض الإسكان في القاف والأصل كسرها، ولولا هذا المعنى لوجب ضم الهاء؛ لأن الساكن قبلها غير ياء فهو مثل: منه وعنه، وقيل: كانت الهاء ساكنة في قراءة حفص، كما أسكنها في "فألقه" فلما أسكن القاف كسر الهاء لالتقاء الساكنين، وهذا ضعيف؛ إذ لا مقتضى لإسكان القاف على تقدير سكون الهاء، ولأن كسر القاف وسكون الهاء أخف من العكس فلا معنى للعدول عنه: وأما قوله: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا} 2 في سورة طه؛ فلم يذكر الإسكان فيه إلا عن السوسي تبعا لصاحب التيسير، وذكره الأهوازي عن ابن عامر وعاصم وأبي عمرو وحمزة رحمهم الله تعالى، ومعنى يجتلا ينظر إليه بارزا غير مستتر من قولهم: اجتليت العروس يشير إلى أن الإسكان محكي مسطور في الكتب فلا ينفى لعدم ذكر بعض المصنفين له كابن الفحام في تجريده وغيره، وقوله: لدى طه أي عندها، وفي أثناء آياتها وسمى سورة هذا الحرف زيادة في البيان لا للتمييز إذ ليس غيره.   1 سورة النور، آية: 52. 2 سورة طه، آية: 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 163- وَفي الْكُلِّ قَصْرُ الْهَاءِ "كـ"ـانَ "لِـ"سَانَهُ ... بخُلْفٍ وَفي طه بِوَجْهَيْنِ "بُـ"ـجِّلا يعني بالكل جميع الألفاظ المجزومة من قوله: وسكن يؤده إلى يتقه، وقصر الهاء عبارة عن ترك الصلة ويسمى أيضا الاختلاس، وقوله: بأن لسانه رمز لقالون وهشام، ومعناه في الظاهر: اتضحت لغته وظهر نقله؛ لأن قصر الهاء لغة فصيحة سواء اتصلت بمجزوم أو غيره، أنشد الداني للأعشى جمعا بين اللغتين القصر والصلة قوله: وما له من مجد تليد وما له ... من الريح حظ لا الجنوب ولا الصَّبَا ووجه لغة القصر في المجزوم النظر إلى الحرف المحذوف قبل الهاء للجزم؛ لأن حذفه عارض ولو كان موجودًا لم توصل الهاء لوجود الساكن قبلها على ما تقرر، فهذا توجيه حسن؛ لما جاءت القراءة به من القصر في المجزوم، ولم تأت في غيره؛ لفقد هذه العلة فيه، وقوله: بخلف يعني عن هشام؛ لأنه الذي يليه ولو كان الخلاف عنه وعن قالون لقال بخلفهما، ولو كان عن ثلاثة لقال: بخلفهم، وكل هذا قد استعمله في نظمه كما سيأتي. والخلف الذي عن هشام وجهان: أحدهما القصر وقد ذكره، والثاني الصلة كسائر القراء، ولا يجوز أن يكون الإسكان؛ لأنه قد ذكر الإسكان عن الذين قرءوا به، ولم يذكر هشاما معهم. وأما حرف طه فوصله هشام كسائر القراء غير السوسي. ولقالون وجهان: القصر والصلة، ولا يكون الإسكان؛ لما ذكرنا، ووجه الصلة تحرك الحرف الذي قبل الهاء ولا نظر إلى الحرف المحذوف، وقوله: بوجهين متعلق بمحذوف أي يقرأ حرفه بوجهين بجلا أي وقرأ كلاهما يشير إلى أن القصر أفشى من الإسكان في لغة العرب كما تقدم بيانه، ولأنه ضمير على حرف واحد صحيح فكان محركا كالتاء والكاف، ووجه أسكانها تشبيهها بالألف والواو. وفي ياء الإضافة وجهان: الفتح والإسكان وسيأتيان، ويجوز أن يكون التقدير والحرف الذي في طه بجل بوجهين. 164- وَإِسْكَانُ يَرْضَهُ "يُـ"ـمْنُهُ "لُـ"ـبْسُ "طَ"ـيِّبٍ ... بِخُلْفِهِمِاَ وَالْقَصُرُ "فَـ"ـاذْكُرْهُ "نَـ"ـوْفَلا أراد قوله تعالى في سورة الزمر: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} 1. أسكنه السوسي بلا خلاف وهشام والدوري عن أبي عمرو وبخلفهما وأخبر بظاهر لفظه عن الإسكان بأن يمنه لبس طيب تقريرا له وإزالة للنفرة عنه، ويجوز في قوله: والقصر وجهان الرفع على الابتداء وخبره ما بعده أو محذوف أي والقصر كذلك يمنه ليس طيب، أو والقصر مقروء به فهو قريب من قوله تعالى:   1 سور الزمر، آية: 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} 1، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} 2. والنصب بفعل مضمر فسره ما بعده والفاء في فاذكره زائدة كقوله: وإذا هلكْت فعند ذلك فاجزعي3 والخلف الذي للدوري هو الإسكان والصلة، والذي لهشام الإسكان والقصر وعلم ذلك من جهة أنه ذكر هشاما مع أصحاب القصر في أول البيت الآتي، ولم يذكر الدوري معهم، فكان مع المسكوت عنهم وهم أصحاب الصلة ونوفلا حال، والنوفل الكثير العطاء. 165- "لَـ"ـهُ "ا"لرُّحّبُ وَالزِّلْزَالُ خَيْراً يَرَهْ بِهَا ... وَشَرًّا يَرَهْ حَرْفَيْهِ سَكِّنْ "لِـ"ـيَسْهُلا الرحب: السعة أشار إلى شهرته وصحته أي يجد المتصدي لنصرة القصر رحبا وسعة ومجالا من نقل ذلك لغة وقوة تعليلية، فالذين قصروا "يرضه" حمزة وعاصم وهشام -بخلافٍ عنه- ونافع، ثم قال: والزلزال أي وسورة الزلزال يعني: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} 4. وهو مبتدأ وسكن خبره والعائد إلى المبتدأ الضمير في بها وأنثه؛ لأنه ضمير السورة: {خَيْرًا يَرَهُ} 5 و {شَرًّا يَرَهُ} 6. مفعول سكن وحرفيه صفة لهما يفيد التأكيد. وإنما أكثر من هذا البيان ولم يكتف بقوله "يره" كما نص على ألقه ويتقه ويؤده وغير ذلك حذرا من التي في سورة البلد قوله: {لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} 7. فتلك لم يذكر في التيسير فيها خلافا، وذكره في غيره، والهاء في حرفيه تعود على لفظ الزلزال، ويجوز أن يكون بدلا من "خيرا يره" و"شرا يره" بدل البعض من الكل، ويعني بحرفيه هاءي الكناية في هذا اللفظ، وكأن الوجه على هذا أن يقول حرفيهما وإنما وحد ردا على "يره"؛ لأنه لفظ واحد تكرر والألف في ليسهلا للتثنية أي ليسهل الحرفان بالإسكان ويجوز أن يكون خبر الزلزال قوله خيرا يره بها وشرا يره، ثم قال سكن حرفي هذا اللفظ كما تقول الدار بها زيد وعمرو أكرمهما، وقيل أشار بقوله ليسهلا إلى ثقل الصلة هنا من جهة أن بعد كل هاء منهما واو، فيلتقي واوان في قوله يرهو ومن يعمل يرهو والعاديات؛ لأن هذه الصلة إنما اعتبارها   1 سورة النور، آية: 80. 2 سورة المائدة، آية: 38. 3 أوله: لا تجزعي إن منفسا أهلكته اهـ. 4 سورة الزلزلة، آية: 1. 5 و6 سورة الزلزال، آية: 7، 8. 7 سورة البلد، آية: 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 في الوصل: وأما الوقف فبالإسكان لا صلة فيه لجميع القراء في جميع الهاءات، وقد تقدم ذكره. فإن قلت: هذه المواضع التي نص لبعض القراء على إسكانها من أين تعلم قراءة الباقين. قلت: قد سبق الإعلام بها في قوله: وما قبله التحريك للكل وصلًا، وهذه المواضع المسكنة كلها قبل هاءاتها متحركات فكأنه قال القراء كلهم على صلة الهاء إذا تحرك ما قبلها، واستثنى هؤلاء هذه المواضع فأسكنوها والله أعلم. 166- وَعى "نَفَرٌ" أَرْجِئْهُ بِالْهَمْزِ سَاكِناً ... وَفي الْهَاءِ ضَمٌّ "لَـ"ـفَّ "دَ"عْوَاهُ "حَـ"ـرْمَلا أرجئه موضعان في الأعراف والشعراء، ومعنى وعى حفظ: أي حفظ مدلول نفر وهم ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر أرجئه بهمزة ساكنة وحفظ الباقون بلا همز وهما لغتان فصيحتان قرئ بهما قوله تعالى: "وآخرون مرجئون"1، "وترجئ من تشاء"2. ونفر همزوا الجميع يقال أرجأت الأمر إذا أخرته وبعض العرب يقول: أرجيت كما يقول أخطيت وتوضيت فلا يهمز حكاه الجوهري وقوله: بالهمز يؤخذ منه أن قراءة الباقين بلا همز ولم تكن له حاجة إلى قوله: ساكنا فإنه قد لفظ به كذلك. فإن قلت: فيه زيادة بيان. قلت: صدقت ولكنه يلبس الضد؛ إذ يلزم من ذلك أن يكون الضد فتح الهمز كقوله: "ويطهرن" في الطاء السكون "والأيكة" اللام ساكن "منسأته" سكون همزته ماضٍ، فإنه ضد السكون فيها فتح الطاء واللام والهمزة، وعذره في ذلك أن الهمز هو صاحب الضد فضده لا همز كما ذكر ذلك في "الصابئين" و"الأيكة"، ولم يقدح في ذلك وصفه الهمز بالسكون وهذا كما أن الحركة ضدها السكون ولا يقدح في ذلك ذكره الكسر والضم والفتح معها على ما مهدناه في شرح الخطبة وساكنا حال من الهمز، ولو قال مكانه فيهما لكان جيدًا، وارتفع الإيهام المذكور أي في الموضعين. ثم ذكر أن جميع من همز أرجئه ضم الهاء إلا ابن ذكوان فإنه كسرها، واستبعدت قراءته وتكلم فيها من جهة أن الهاء إنما تكسر بعد كسر أو ياء ساكنة وحقها الضم في غير ذلك فأرجئه مثل منه وزنه وأهبه، وقد اعتذر له بأن الهمز لم يعتد به حاجزًا؛ لقبوله الإبدال فكأن الهاء وَلِيَتِ الجيم المكسورة أو كأنها بعد ياء ساكنة في التقدير لو أبدلت الهمزة ياء، ويضعف هذا الاعتذار وجوه. الأول: أن الهمز معتدٌّ به حاجزًا بإجماع في "أنبئهم ونبئهم" والحكم واحد في ضمير الجمع والمفرد فيما يرجع إلى الكسر والضم. الثاني: أنه كان يلزمه صلة الهاء؛ إذ هي في حكمه كأنها قد ولِيَت الجيم. الثالث: أن الهمز لو قلب ياء لكان الوجه المختار ضم الهاء مع صريح الياء؛ نظرا إلى أن أصلها همزة فما الظن بمن يكسر الهاء مع صريح الهمزة، وسيأتي تحقيق ذلك في باب وقف حمزة فضم الهاء مع الهمز هو الوجه   1 سورة التوبة، آية: 106. 2 سورة الأحزاب، آية: 51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 فلهذا قال فيه: لف دعواه حرملا، والهاء في دعواه للضم، والحرمل: نبت معروف له في الأدوية مدخل، أشار بذلك إلى ظهور وجه الضم مع الهمز، أي في طي الدعوى به ما يبين حسنه وجودة القراءة به، وذكر ابن جني في كتابه المحتسب قال: وروي عن ابن عامر "أنبئهم" بهمزة وكسر الهاء، قال ابن مجاهد: وهذا لا يجوز، قال ابن جنى طريقه أن هذه الهمزة ساكنة والساكن ليس بحاجز حصين عندهم فكأن لا همز هناك أصلا، ثم قرر ذلك بنحو مما تقدم والله أعلم قال: 167- وَأَسْكِنْ "نَـ"ـصِيراً "فَـ"ـازَ وَاكْسِرْ لِغَيْرِهِمْ ... وَصِلْهَا "جـ"ـوَاداً "دُ"ونَ "رَ"يْبٍ "لِـ"ـتُوصَلا نصيرا حال من فاعل أسكن: أي ناصرا فائزا بظهور الحجة، وقد تقدم وجه الإسكان، وقرأ به هنا عاصم وحمزة ولا همز في قراءتهما، فصار "أرجه" كـ "ألقه"، وهما يسكنانهما وأبو عمرو وافقهما على ألقه ولم يمكنه الإسكان في "أرجه"؛ لأنه يهمز ففي الإسكان جمع بين ساكنين، ثم قال: واكسر لغيرهم أي لغير الذين ضموا والذين سكنوا، وهم نافع والكسائي وابن ذكوان، وقد مضى الكلام في قراءة ابن ذكوان ونافع والكسائي كسرا الهاء؛ لكسرة الجيم قبلها؛ إذ ليسا من أصحاب الهمز. ثم ذكر الذين وصلوا الهاء وهم أربعة: اثنان من أصحاب الضم والهمز، وهما ابن كثير وهشام، واثنان من أصحاب الكسر بلا همز، وهما الكسائي وورش، وصلاها بياء على أصلهما في صلة ما قبله متحرك وابن كثير وصلها بواو على أصله في صلة ما قبله ساكن وهشام وافقه وخالف أصله في ترك صلة ما قبله ساكن فقد وافق ابن كثير على مذهبه في الصلة راويان كل واحد منهما في حرف واحد أحدهما في صلة الضم بواو وهو هشام في هذا الحرف، والآخر في صلة الكسر بياء وهو حفص في: {فِيهِ مُهَانًا} 1. وقد تقدم وأبو عمرو ضم من غير صلة على أصله، وقالون قصر الهاء، فكسرها من غير صلة على أصله في المواضع المجزومة كلها. فالحاصل أن في كلمة أرجه ست قراءات؛ ثلاث لأصحاب الهمز لابن كثير وهشام وجه ولأبي عمرو وجه ولابن ذكوان وجه، وثلاث لمن لم يهمز لعاصم وحمزة وجه، وللكسائي وورش وجه ولقالون وجه، وقد جمعت هذه القراءات الست في بيت واحد في النصف الأول قراءات الهمز الثلاث وفي النصف لآخر قراءات من لم يهمز الثلاث فقلت: وأرجئه مل والضم خر صله دع لنا ... وأرجه ف نل صل جي رضي قصره بلا فابتدأت بقراءة ابن ذكوان ولم أخف تصحيفها بغيرها؛ إذ لا يمكن في موضعها من جهة الوزن شيء من القراءات الست إلا قراءة أبي عمرو وهي مبينة بعدها، وقراءة قالون على زحاف في البيت، وقراءة قالون سنبين في آخر البيت مع أن صورة الكتابة مختلفة فتعين ما ابتدأ به لابن ذكوان والله أعلم.   1 سورة الفرقان، آية: 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وجميع الكلمات المجزومة الخمسة عشر توصل بالياء إلا كلمتين يرضه ويره فإنهما يوصلان بالواو، وفي أرجئه الوجهان من وصل هامزا فبالواو وغير الهامز يصل بالياء، وقوله: جوادا حال من فاعل صلها، والريب الشك، وقوله: لتوصل من محاسن الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 باب المد والقصر: المد في الباب: عبارة عن زيادة المد في حروف المد لأجل همزة أو ساكن. والقصر: ترك الزيادة من المد، وقد يستعمل المد في إثبات حرف المد والقصر في حذفه، وذلك يأتي في فرش الحروف نحو: ومد أنا في الوصل، وفي "حاذرون" المد، وقصر: {آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} 1. وآتاكم فقصر حفيظا، ومعنى القصر: المنع؛ من قولهم قصرت فلانا عن حاجته: أي منعته منها؛ ومنه: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} 2. فلهذا سمي منع المد قصرا، والله أعلم. 168- إِذَا أَلِفٌ أَوْ يَاؤُهَا بَعْدَ كَسْرَةٍ ... أَوِ الْوَاوُ عَنْ ضَمّ لَقِي الْهَمْزَ طُوِّلا ألف فاعل فعل مضمر فسره قوله لقي الهمز أي إذا لقيت الألف الهمز والهاء في ياؤها تعود على الألف لأنها أختها في المد أو تعود على حروف الهجاء للعلم بها، وقوله: عن ضم أي بعد ضم؛ لأن عن للمجاوزة، وأسكن الياء في لقي ضرورة والضمير في طول الحرف المد مطلقا أي الذي لقي الهمز، ومعنى طول مد؛ لأن حرف المد كلما طول ازداد مدا، وقد تقدم أن حروف الهجاء يجوز تأنيثها وتذكيرها فلهذا أنث في قوله ياؤها وذكر في قوله لقي الهمز طول وذكر في هذا البيت حروف المد الثلاثة، وهن: الألف والياء والواو، ولم يقيد الألف؛ لأنها لا تقع إلا بعد فتحه وقيد الياء بكسرة قبلا والواو بضمة قبلها؛ لأن كل واحدة منهما يجوز أن يقع قبلها فتحة "كهيئة-وسوأة" ولذلك حكم سيأتي وشرط الياء والواو أيضا أن يكونا ساكنين وأما الألف فلا تكون إلا ساكنة، فالألف لا يزال حرف مد. وأما أختاها فبشرطين: أحدهما السكون، والثاني أن يكون حركة ما قبلهما من جنسهما قبل الياء كسرة وقبل الواو ضمة، فحينئذ يكونان حرفي مد نحو قال وقيل ويقول ينطق في هذه الثلاثة بعد القاف بمدة ثم لام. فإذا اتفق وجود همز بعد أحد هذه الحروف طول ذلك المد استعانة على النطق بالهمز محققا وبيانا لحرف المد خوفا من سقوطه عند الإسراع؛ لخفائه وصعوبة الهمز بعده وهذا عام لجميع القراء إذا كان ذلك في كلمة واحدة نص على ذلك جماعة من العلماء المصنفين في علم القراءات من المغاربة والمشارقة.   1 سورة الروم، آية: 39. 2 سورة الرحمن، آية: 72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 ومنهم من أجرى فيه الخلاف المذكور في كلمتين على ما سيأتي، وبعضهم اختار تفضيل الألف على أختيها في المد وتفضيل الياء على الواو والله أعلم وأحكم. 169- فَإِنْ يَنْفَصِلْ فَالْقَصْرُ "يَـ"ـادّرْهُ "طَ"ـالِباً ... بِخُلْفِهِما "يُـ"ـرْوِيكَ "دَ"رًّا وَمُخْضَلا أي فإن ينفصل المذكور بعضه من بعض والمذكور هو أن يلقى حرف المد همزا، وهو في اصطلاح القراء على ضربين: متصل ومنفصل، فالمتصل أن يلتقيا في كلمة واحدة وقد سبق ذكره، والمنفصل أن يلتقيا وحروف المد آخر كلمة والهمز أول كلمة أخرى، ويسمى مد حرف لحرف، وهذا هو المذكور في هذا البيت، فالقراء فيه على قسمين منهم من جرى على المد كما في المتصل، ومنهم من لم يطول المد بل اقتصر على ما في حرف المد من المد الذي فيه إذا لم يصادف همزة، فهذا هو الذي عبر عنه بالقصر، وسواء في ذلك حرف المد المرسوم في المصحف والذي لم يرسم له صورة نحو "هاأنتم، ويا آدم" لم يرسم في كل كلمة غير ألف واحدة هو صورة الهمزة، وألف هاويا محذوفة، ونحو صلة هاء الكناية وميم الجمع نحو: {بِهِ أَنْ يُوصَلَ} 1، {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} 2، يجري الأمر فيه كغيره من المد والقصر على ما تقتضيه مذاهب القراء، فالذين قصروا هم ابن كثير والسوسي وكذا قالون والدوري عن أبي عمرو بخلاف عنهما، والباقون على المد3، ولم يذكر صاحب التيسير القصر عن الدوري فهو من زادات القصيدة، وقد ذكره غيره على ما نقلناه في الشرح الكبير. ومنهم من نقل الخلاف عن أبي عمرو نفسه، ووجه القصر الانفصال؛ لأن لكل كلمة حكم الاستقلال فلم يقو الالتقاء قوته إذا كان في كلمة واحدة، ومنهم4 من حكى عن ابن كثير المد في كلمة الشهادة. وقد ذكر جماعة من المصنفين تفصيلا بين أصحاب المد فجعل بعضهم أطول مدا من بعض، ولم يتعرض الشيخ الشاطبي -رحمه الله- في نظمه لذلك. وحكى عنه الشيخ أبو الحسن -رحمه الله- في شرحه أنه كان يرى في المنفصل مدتين طولى لورش وحمزة ووسطى لمن بقي. ويجوز في قوله: فالقصر الرفع والنصب أجود، ويرويك جملة مستأنفة أو حال من الهاء في بادره أي بادره طالبا مرويا فيكون طالبا حالا من الفاعل، ومرويا حالا من المفعول نحو: لقيته مصعدا منحدرًا. ويجوز أن يكون يرويك جوابا للأمر في بادره ولم يجزمه ضرورة ودرّا مصدر في موضع الحال: أي دارا ومخضلا عطف عليه، وهما حالان من فاعل يرويك العائد على القصر يقال: درت الناقة ودر الضرع باللبن يدر ويدر درورا ودرا، والدر: اللبن نفسه أيضا، ودرت السماء: كثر مطرها، وأخضلت الشيء فهو مخضل إذا بللته وشيء خضل أي رطب، والخضل: النبات الناعم، وكل هذا ثناء على القصر: أي بادره يثلج له   1 سورة البقرة، آية: 27. 2 سورة البقرة أيضا، آية: 87. 3 وفي الشرح الكبير: هذا اختيار صاحب القصيدة، والذي أخذناه عن شيخنا أبي الحسن والمتصل وجهان؛ مد طويل لورش وحمزة. ومد متوسط للباقين، وفي المنفصل كذلك اهـ. 4 كالحافظ أبي العلا الهمداني والهذلي والطبري، وليس من طريق الناظم اهـ ضباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 صدرك بما يدر من فوائده وينسكب من معاني استحسانه، وهو اختيار المبرد، ثم مثل القسمين فقال: 170- كَجِيءَ وَعَنْ سُوءٍ وَشَاءَ اتِّصَالُهُ ... وَمَفْصُولُهُ في أُمِّهَا أَمْرُهُ إِلَى أي اتصال الهمز بحرف المد في كلمة واحدة مثل "جيء" في قوله: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} 1. فهذا مثال الياء ومثله {سِيءَ بِهِمْ} ، والواو كقوله: {أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ} 2. و {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} ، الألف في نحو "شاء" و"جاء"، ثم مثل المفصول، وهو الالتقاء في كلمتين بقوله سبحانه: {فِي أُمِّهَا رَسُولًا} 3. فهذا مثال الياء ومثله: {أُولِي أَجْنِحَةٍ} 4، {يَا بَنِي آدَمَ} 5 والواو نحو: {قُوا أَنْفُسَكُمْ} 6، {قَالُوا آمَنَّا} 7. ومثل الشاطبي -رحمه الله- بقوله: "أمره إلى" إعلاما بأن واو الصلة التي لا رسم لها في المصحف كغيرها، ومثله على قراءة ورش وغيره: "إنهمو أناس"، "عليهمو آياتنا". ومثال الألف: {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} 8، {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ} 9، {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} 10. وضا على الناظم تمثيل الألف من القرآن في هذا البيت، وإن كان حاصلا من جمعه بين المثالين في قوله أمها أمره؛ لأن الغرض تصوير المثال كما أنه في بيت آخر سيأتي مثل بـ "أوهلا" في آخر باب الهمز المفرد، فقال كآدم أوهلا، وليس أوهل في القرآن والهاء في اتصاله ومفصوله لحرف المد ومفصوله مبتدأ، وما بعده الخبر على حذف مضاف أي مثل هذا اللفظ وغلط من قال: الخبر في الجار والمجرور أي مستقر في المذكور؛ لأن في أمها لم يقصد به في البيت إلا حكاية ما في القرآن، وفي نحو قوله تعالى: {هَؤُلاء} مدان مد ألف "ها" من المنفصل، ومد الألف الأخيرة من المتصل فاعلم ذلك والله أعلم. 171- وَمَا بَعْدَ هَمْزٍ ثَابِتٍ أَوْ مُغَيَّرٍ ... فَقَصْرٌ وَقَدْ يُرْوَى لِوَرْش مُطَوَّلا أي والذي وقع من حروف المد بعد همز سواء كان ذلك الهمز ثابتا أو مغيرا ويعني بالثابت الباقي على لفظه وصورته وبالمغير ما لحقه نقل أو تسهيل أو إبدال على ما نبينه، وتقدير الكلام فإن انعكس ما ذكرناه فوقع حرف المد بعد الهمز، وهذا لا يكون إلا في المتصل؛ لأن حرف المد لا يقع أول كلمة؛ لاستحالة ذلك من أجل سكونه، فقوله: "وما" مبتدأ وخبره قوله: فقصر، أي فهو ذو قصر أو فحكمه قصر، ودخلت الفاء لما   1 سورة الفجر، آية: 23. 2 سورة النساء، آية: 149. 3 سورة القصص، آية: 59. 4 سور فاطر، آية: 1. 5 سورة الأعراب، آية: 26. 6 سورة التحريم، آية: 6. 7 سورة البقرة، آية: 14. 8 سورة القتال، آية: 19. 9 سورة الأنعام، آية: 109. 10 سورة الكافرون، آية: 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 في المبتدأ من معنى الشرط وهذا القصر لجميع القراء ورش وغيره، ولم يذكر ابن مجاهد عن أحد خلاف ذلك، ولا عامة كتب العراقيين، ثم قال: أو قد يروى ذلك لورش مطولا أي ممدودا مدا طويلا قياسا على ما إذا تقدم حرف المد على الهمز، ونص على المذكور ابن شريح وابن الفحام وصاحب العنوان ومكي والمهدوي وغيرهم من المغاربة والمصريين في مصنفاتهم، ووجه القصر عدم المعنى الذي لأجله مد حرف المد إذا تقدم على الهمز والله أعلم. 172- وَوَسَّطَهُ قَوْمٌ كَآمَنَ هؤُلاَءِ ... آلِهَةً آتى لِلِاِيمَانِ مُثِّلا أراد وسط المد لورش في ذلك جماعة؛ ليكون المد في هذا النوع أقل منه فيما إذا تقدم حرف المد على الهمز؛ لظهور الفارق بينهما ولم يذكر صاحب التيسير غيره، وذكره أيضا أبو علي الأهوازي وغيره ولا مانع من أن يكون لفظ قوم في بيت الشاطبي -رحمه الله- رمزًا لخلاد على اصطلاحه كما قال فيما مضى: حمى صفوه قوم، فكان ينبغي له أن يأتي بلفظ يزيل هذا الاحتمال نحو أن يقول: وبالمدة الوسطى أو يقول: ووسطه أيضا كآمن فقد صار لورش ثلاثة أوجه في هذا النوع القصر كسائر القراء والمد المتوسط والمد الطويل، ثم مثل ما فيه هذه الأوجه بأربعة أمثلة اثنان فيهما الهمز ثابت، وهما آمن وأتى، وبعد الهمز ألف ومثال ما بعده واو أوحى وأوتي، ومثال ما بعده ياء: {إِيلافِهِمْ} 1، {وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} 2. وإن كان الهمز في بعض ذلك يجوز أن تلقى حركته على الساكن قبله، فيصير من باب الهمز المغير نحو: {قُلْ أُوحِي} 3، {مَنْ آمَنَ} 4. واثنان من أمثلة الناظم فيهما الهمز مغير أحدهما: {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً} 5. فقراءة ورش بإبدال همزة آلهة ياء في الوصل بعدها ألف فهي حرف مد بعد همز مغير ولثاني للإيمان بنقل حركة همزة إيمان إلى اللام ونحو: {جَاءَ آلَ لُوطٍ} 6. يسهل ورش همزة آل بين بين فالياء من إيمان والألف من آل بعد همز مغير، وبعض7 من يرى المد لم يذكره بعد الهمز المغير، ووجهه عدم الهمز، ووجه المد ترك الاعتداد بالعارض فالوجهان جائزان في قصر حرف المد قبل الهمز المغير على ما يأتي في باب الهمزتين من كلمتين، فقصر حرف المد بعد الهمز المغير أولى. ثم إن بعض القائلين بالمد في هذا النوع قد استثنوا له مواضع فلم يمدوها، وقد ذكرها الناظم فقال:   1 سورة قريش، آية: 2. 2 سورة النحل، آية: 90. 3 سورة الجن، آية: 1. 4 سورة سبأ، آية: 27. 5 سورة الأنبياء، آية: 99. 6 سورة الحجر، آية: 61. 7 "قوله: وبعض إلخ"، ولكن العمل الآن من طريق النظم على تسوية المغير بالمحقق فليعلم اهـ ضباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 173- سِوى يَاءِ إِسْرَائِيلَ أَوْ بَعْدَ سَاكِنٍ ... صَحِيحٍ كَقُرْآنٍ وَمَسْئُولًا اسْأَلا في كلمة إسرائيل حرفا مد الألف قبل الهمزة والياء بعدها فمد الألف من باب المتصل ومد الياء من هذا النوع المختص لورش، وأكثر ما تجيء كلمة إسرائيل بعد كلمة بني فيجتمع ثلاث مدات مد يا بني من المنفصل، وفي إسرائيل مدتان مع طول الكلمة وكثرة دورها فاستثنى مد الياء تخفيفا فترك. فإن قلت: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ} 1 فيه أيضا ثلاث مدات فمد الألف قبل الهمزة من المتصل ومد الواو لهمزة أباهم من المنفصل، ومدها للهمزة قبلها من النوع المختص لورش. قلت: مدها لما بعدها وما قبلها متَّحد، فتدخلا فلم يبق إلا مدتان و "أو" في قوله: أو بعد ساكن بمعنى الواو كما قال بعد ذلك وما بعد همز الوصل أراد: وما بعد ساكن، ثم حذف الموصول اكتفاء بصلته يعني واستثنوا من ذلك ما وقع من الهمز الذي بعده حرف مد بعد ساكن صحيح أي ليس بحرف علة مثل: "جاءوا" و"الموءودة" و"سوآت" و"النبيين"؛ فإن المد في كل هذا منصوص عليه، والذي قبله ساكن صحيح نحو: "قرآن" و"ظمآن" و"مسئولًا"، وعللوه بأن الهمزة معرضة للنقل إلى الساكن قبلها وهذه علة فاسدة من وجوه: الأول: أنه ليس من مذهب ورش النقل في كلمة واحدة. الثاني: أنه فيما تحقق فيه النقل يمد نحو للإيمان فما الظن بما يتوهم جواز نقله لغة. الثالث: أنه منقوض بالموءودة فإن النقل فيها سائغ كقرآن، وقد نص مكي، والداني في كتاب الإيجاز على مدها فعندي أن علة استثنائه مشكلة، وأن الناظم نبه على ذلك في قوله: اسألا، وهو فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة، ثم أبدل منها ألفا في الوقف كنظائر له سلفت أي اسألن عن علته وابحث عنها واكشفها ثم ذكر باقي المستثنى فقال: 174- وَمَا بَعْدَ هَمْزِ لْوَصْلِ إيتِ وَبَعْضُهُمْ ... يُؤَاخِذُكُمُ آلانَ مُسْتَفْهِمًا تَلا ما بمعنى الذي مجرورة المحل عطفا على إسرائيل وقوله "إيت" مثل: "إِيتِ بِقُرْآنٍ"2، "إِيتُوا صَفًّا"3، "إِيذَنْ لِي"4، "أُوتُمِنَ"5. إذا ابتدأت بهذه الكلمات ونحوها وقع حرف المد بعد همز الوصل وحرف المد في الجميع بدل من الهمزة التي هي فاء الكلمة من آتى وآذن وآمن، ولهذا إذا وصلت الكلمة بما قبلها ذهبت همزة الوصل ونطقت بفاء الكلمة همزة في موضع حرف العلة فوجه ترك المد ظاهر وهو أن أصل أحرف المد همزة ولأن همزة الوصل قبله عارضة. وذكر بعض المصنفين في مده وجهين، وعلة المد النظر إلى صورة الكلمة الآن والإعراض عن الأصل.   1 سورة يوسف، آية: 16. 2 سورة يونس، آية: 15. 3 سورة طه، آية: 64. 4 سورة التوبة، آية: 49. 5 سورة البقرة، آية: 283. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 واتفقوا على منع المد في الألف المبدلة من التنوين بعد الهمزة نحو خطأ وملجأ وماء وغثاء وأما نحو: {رَأى الْقَمَرَ} 1، {تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} 2، {تَبَوَّأُوا الدَّارَ} 3، مما حذف منه حرف العلة لساكن بعده في الوصل فإذا وقفت عليه وقفت على حرف العلة ومددته لأجل الهمزة قبله فهذا آخر ما استثنى بعد همز ثابت وهذا آخر باب المد والقصر في كتاب التيسير، وزاد صاحب القصيدة عليه في هذا الباب من قوله: وبعضهم يؤاخذكم إلى آخر قوله: وفي واو سوآت ... البيت إلا أن الداني ذكر مد نحو شيء وسوء في أول البقرة. ثم ذكر الناظم ما استثنى من هذا النوع بعد همز مغير فلم يمد لورش فقال: وبعضهم أي وبعض أهل الأداء استثنى لورش مواضع أخر ليست في كتاب التيسير كالمهدوي ومكي والحصري في قصيدته، ومحمد بن شريح في كتاب التذكير قال: ولم يمد: "يواخذكم"، {عَادًا الْأُولَى} 4، و"آلان"5. في الموضعين في يونس أعني الألف التي بعد اللام، وقال أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز: أجمع أهل الأداء على ترك زيادة تمكين في قوله: "يُوَاخِذُكُمْ"6، "لا تُوَاخِذْنَا"7، "لا يُوَاخِذُكُمُ اللَّهُ"8. حيث وقع، وكأن ذلك عندهم من واخذت غير مهموز. قلت: فقد نص الداني على أن استثناء يواخذكم مجمع عليه فكان يلزمه ذكره في كتاب التيسير، ثم قال: وزاد بعضهم ثلاثة أحرف في "آلان" في الموضعين في يونس، و"عادا الأولى" في النجم. قلت: فهذه الثلاثة هي التي جعلها الداني من استثناء بعضهم، فأدخل الشاطبي فيها "يؤاخذكم" لما رأى بعض المصنفين قد قرنها بهن ولم يذكر استثناء ما تصرف منها وكان يلزمه ذكره؛ لئلا يتوهم تخصيصها بذلك، ثم قال: آلان مستفهما أي هو من جملة ما استثنى بعضهم، وتلا خبر وبعضهم، ومستفهما حال من فاعل تلا: أي وبعضهم تلا يؤاخذكم كيف ما وقع وآلان في حال استفهامه به، و"عادا الأولى" بغير مد ودل على هذا التقدير كونه يعد في تعداد ما استثنى من الممدود، ويجوز أن يكون مستفهما حالا من الآن لما كان الاستفهام فيه، ويجوز على هذا أن تكون الهاء مفتوحة أي مستفهما به. وفيه مدتان لم يبين المستثنى منهما إحداهما بعد همزة الاستفهام، والثانية بعد اللام وهي المستثناة بين ذلك المهدوي وابن شريح كما نقلناه من كلامه، ووجه استثنائه استثقال الجمع بين مدتين من هذا النوع المختص بورش في كلمة واحدة، ولا نظير لذلك فمد بعد الهمزة الأولى الثابتة، وترك المد بعد الثانية المغيرة بالنقل، وأما: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} 9.   1 سورة الأنعام، آية: 77. 2 سورة الشعراء، آية: 61. 3 سورة الحشر، الآية: 9. 4 سورة النجم، آية: 5. 5 سورة الأنفال، آية: 66. 6 سورة البقرة، آية: 225. 7 سورة البقرة أيضًا، آية: 286. 8 سورة المائدة، آية: 89. 9 سورة الأنفال، آية: 66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 فليس فيه إلا مدة واحدة واحترز بقوله: مستفهما عن هذا ونحوه؛ لأن ما لفظ به في البيت يمكن قراءته باستفهام قبضًا لخبن "مفاعيلن"، ونظمت أنا بيتا نطقت فيه بما لا يحتمل غير الاستفهام وأدرجت يؤاخذ مع المجمع عليه في الاستثناء على ما ذكره الداني ولم أقيده بالضمير ليشمل المواضع كلها وأوضحت ما بعد همز الوصل بأن ذلك في حال الابتداء وصرحت بالتمثيل بـ "ايت" فقلت: وما بعد همز الوصل بدءا كـ "ايت" معيؤاخذ زاد البعض آلان قصر لا أي موضع الاستثناء في "آلان" قصر لفظها لامها وهو ترك المد بعد الهمزة الثانية المنقول حركتها إلى اللام، ففي البيت الذي نظمته خمسة أشياء فاتت بيت الشاطبي -رحمه الله- وهي: تصريح التمثيل بـ "ايت"، وذكر البدء، وإدراج يؤاخذ مع المستثنى المتفق عليه، وتعريته من الضمير ليعم، وبيان موضع المستثنى من الآن. ثم تمم المستثنى فقال: 175- وَعَادًا الُاولى وَابْنُ غَلْبُونَ طَاهِرٌ ... بِقَصْرِ جَمِيعِ الْبَاب قَالَ وَقَوَّلا لم يسمح له النظم أن يلفظ بـ "عادا الأولى" على قراءة ورش، فلفظ بها على قراءة حمزة إذا وقف عليها في بعض الوجه، وأما قراءة ورش فبإدغام التنوين في اللام بعد نقل حركة الهمزة إليها فلم يمد واو "الاولى" هنا وإن كان يمدها في: "سِيرَتَهَا الْأُولَى"1؛ لأن الحركة هنا صارت كاللازمة من أجل التنوين فيها، فكأن لا همز في الكلمة لا ظاهرا ولا مقدرا، فإن وقفت لورش على "عادا" فتلك في ابتداء "الاولى" مذهبان؛ المد إن لم تعتد بالعارض وتركه ن اعتددت بها ذكرهما المهدوي، وقوله: وابن غلبون مبتدأ وطاهر عطف بيان ميزه بذلك من أبيه؛ كل واحد منهما يقال له ابن غلبون وكلاهما من علماء القراءات المصنفين فيها، فالأب مصنف كتاب "الإرشاد" وشيخ أبي محمد مكي بن أبي طالب وهو أبو الطيب عبد المنعم بن عبد الله بن غلبون الحلبي نزيل مصر، وابنه أبو الحسن طاهر بن عبد المنعم وهو مصنف كتاب التذكرة، وشيخ صاحب التيسير، وقوله: يقصر جميع الباب متعلق بـ "قال"، وقال هو خبر المبتدأ أتى بذلك وأخذ به وعنى بجميع الباب كل ما كان حرف المد فيه بعد همز ثابت أو مغير، وقولا: عطف على قال أي وقول ورشا بذلك أي جعله هو المذهب له وما سواه غلطا ووهما قد قرر ذلك في كتاب التذكرة فأحسن، وما قال به ابن غلبون هو الحق وهو اختيار ناظم القصيدة في ما أخبرني الشيخ أبو الحسن عنه -رحمهما الله تعالى- وغلبون اسم مشتق من الغلبة وهو في الزنة كحمدون من الحمد وسعدون من السعد، واستعمله الناظم هنا غير منصرف وفي باب الهمز المفرد منصرفا والنظم يحتمل الأمرين، وقد نقل ابن برهان في شرح "اللمع" عن أبي علي أن حمدون يمتنع صرفه، ووقع في نظم المتنبي حمدون مصروفا وغير مصروف في بيت واحد فقال ابن جني في شرحه: ترك صرف حمدون ضرورة، وقد أجازه الكوفيون فدل هذا الكلام على أن رأي ابن جني فيه الصرف، فتحصلنا على وجهين في حمدون وغلبون مثله فالصرف رأي أبي الفتح وتركه رأي شيخه أبي علي -رحمه الله- والله أعلم.   1 سورة طه، آية: 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 176- وَعَنْ كُلِّهِمْ بِالْمَدِّ مَا قَبْلَ سَاكِنٍ ... وعِنْدَ سُكُونِ الْوَقْفِ وَجْهَانِ أُصِّلا أي وما وقع من حروف المد قبل ساكن فحكمه المد عن كل القراء فهذه الجملة معطوفة على قوله وما بعد همز ثابت أو مغير، فقوله: ما قبل ساكن ما فيه بمعنى الذي وهي مبتدأ خبره أحد الجارين قبله مع مجروره وبالمد وعن كلهم فأيهما قدرته خبرا علقت الآخر به، فإن جعلت الخبر بالمد كان التقدير: والذي قبل ساكن مقروء بالمد عن كلهم، وإن قلت: الخبر عن كلهم قدرت مرويّ عن كلهم بالمد ولولا الباء في بالمد لكان ما قبل ساكن مفعولا به. واعلم أن الساكن الواقع بعد حرف المد تارة يكون مدغما وتارة غير مدغم والمدغم على ضربين واجب الإدغام لغة وجائزه فالواجب نحو: {دَابَّة} 1، {الصَّاخَّة} 2، {الطَّامَّة} 3، {الضَّالِّين} 4، {أَتُحَاجُّونِّي} 5، {آلذَّكَرَيْنِ} 6، {اللَّهُ خَيْرُ} 7، والجائز نحو: {الْكِتَابَ} 8، {الْأَبْرَارَ لَفِي} 9، {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا} 10، على قراءة أبي عمرو {وَلا تَعَاوَنُوا} 11، على قراءة البزي والساكن غير المدغم نحو ما يأتي في فواتح السور: {آلْآنَ} 12 في موضعي يونس، وكذا {وَاللَّائِي} 13، {وَمَحْيَايَ} 14. في قراءة من أسكن وكذا ما يأتي في قراءة ورش من الإبدال في نحو: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} 15، {شَاءَ أَنْشَرَهُ} 16. وشرط الإدغام المذكور: أن يكون في كلمة أو واقعا بعد التقاء الكلمتين كما مثلنا من قراءتي أبي عمرو والبزي فإن كان الإدغام في الكلمة الثانية سابقا لالتقائهما مستمرة حاله على ذلك فإن حروف المد تحذف حينئذ ولا يقنع بالمد فيها نحو: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} 17، {وَقَالُوا اتَّخَذَ} 18، {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} 19. وكذا الساكن غير المدغم نحو: {وَإِذَا الْجِبَالُ} 20، {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ} 21، {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ} 22.   1 سورة هود، آية: 56. 2 سورة عبس، آية: 33. 3 سورة النازعات، آية: 34. 4 سورة الفاتحة، آية: 7. 5 سورة الأنعام، آية: 80. 6 سورة الأنعام أيضا، آية: 143. 7 سورة النمل، آية: 59. 8 سورة فاطر، آية: 32. 9 سورة الأنفال، آية: 13. 10 سورة يوسف، آية: 56. 11 سورة المائدة، آية: 2. 12 سورة يونس، آية: 91. 13 سورة الطلاق، آية: 5. 14 سورة الأنعام، آية: 162. 15 سورة البقرة، آية: 6. 16 سورة عبس، آية: 22. 17 سورة التكوير، آية: 1. 18 سورة يونس، آية: 68. 19 سورة الحج، آية: 65. 20 سورة التكوير، آية: 3. 21 سورة فاطر، آية: 34. 22 سورة العنكبوت، آية: 40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 فقوله: ما قبل ساكن ليس على إطلاقه بل يختص بما كان من ذلك في كل ما يعد كلمة واحدة، قوله: وعند سكون الوقف: يعني إذا كان الساكن بعد حرف المد إنما سكنه الوقف، وقد كان محركا فسكونه عارض فهل يمد لأجله؛ لأنه سكون في الجملة أو لا يمد نظرا إلى عروض السكون ويكتفي بما في حرف المد من المد فيه وجهان وذلك نحو: {الْمَصِيرُ} 1، {وَيُؤْمِنُونَ} 2، {الْأَلْبَابِ} 3. وذلك أيضا عام لجميع القراء وإنما قال سكون الوقف ولم يقل وعند الوقف احترازا من الروم فلا مد مع الروم ويمد مع الإشمام؛ لأنه ضم الشفتين بعد سكون الحرف. ثم إذا قيل بالمد فهل هو مد متوسط أو مشبع؟ فيه وجهان، وذكر الشيخ وغيره أن الناظم أشار إلى هذين الوجهين بقوله: وجهان أصلا أي جعلا أصلا يعتمد عليه، وأشار بقوله: أصلا إلى وجه ثالث، وهو الاختصار على ما في حرف المد من المد ولا يظهر لي أنه أراد بالوجهين إلا القصر والمد؛ لأنه ذكر المد لما قبل ساكن ولم يبين طوله ولا توسطه، وقال بعد ذلك: وعند سكون الوقف وجهان أصلا فعلم أنه المد وضده وهو القصر، ولو كان أشار إلى الطول والتوسط لكان ممدودا بلا خلاف وإنما الخلاف في المقدار، والمد لا يفهم من عبارته في نظمه فالظاهر ما ذكرته لكن ما ذكره الشيخ يقويه ما يأتي في شرح البيت الآتي وقوله: أصلا تنبيه على الوجوه الثلاثة، كأنه قال: اختلف في مده وقصره بالنظر إلى أصل الكلام في ذلك، ثم إذا قيل بالمد فهل هو مشبع أو متوسط فيه وجهان، ولا يمتنع أن يكون أصلا رمزا لنافع فهو لفظ موهم كما ذكرناه في: "ووسطه قوم" وقوله قبل ذلك: "وعن كلهم" لا يدفع هذا الإبهام؛ لاحتمال أن يقال الذي هو عن كلهم هو غير سكون الوقف ثم لا فرق في حرف المد بين أن يكون مرسوما نحو: {قَالَ} 4 أو غير مرسوم نحو {الرَّحْمَنَ} 5. أو كان بدلا من همزة نحو: {الذِّئْبُ} 6، {وَيُؤْتِ} 7 والرأس. واختار أبو الحسن الحصري وجه القصر في سكون الوقف؛ لأنه كسائر ما يوقف عليه مما قبله ساكن صحيح نحو: {وَالْعَصْرِ} 8 و {خُسْرٍ} 9 و {الصَّبْرِ} 10. فما الظن بما قبله حرف مد؟ فقال في قصيدته التي نظمها في قراءة نافع:   1 سورة الحج، آية: 48. 2 سورة البقرة، آية: 3. 3 سورة آل عمران، آية: 7. 4 سورة البقرة، آية: 32. 5 سورة الرحمن، آية: 1. 6 سورة يوسف، آية: 13. 7 سورة النساء، آية: 40. 8، 9، 10 الآيات: 1، 2، 3 من سورة العصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وإن يتطرف عند وقفك ساكن ... فقف دون مدٍّ ذاك رأيي بلا فخرِ فجمعك بين الساكنين يجوز إن ... وقفت وهذا من كلامهم الحرِّ 177- وَمُدَّ لَهُ عِنْدَ الْفَوَاتِحِ مُشْبِعاً ... وَفي عَيْن الْوَجْهَانِ وَالطُّولُ فُضِّلا له: أي للساكن؛ لأن كلامه في البيت السابق فيما يمد قبل الساكن فكأنه قال: ويمد لأجل الساكن أيضا في موضع آخر، وهو فواتح السور، ومشبعا: حال من فاعل مد، ويجوز بفتح الباء على معنى مدا مشبعا فيكون نعت مصدر محذوف، ويجوز في دال مد الحركات الثلاث، والفواتح جمع فاتحة وهي الأوائل، ومنه سميت فاتحة الكتاب، وعني بها أسماء حروف التهجي التي تبتدئ بها السور نحو كاف قاف نون لام ميم سين؛ إذ لا مد في فاتحة سورة لأجل ساكن إلا فيها وفي: {وَالصَّافَّاتِ} 1، {الْحَاقَّة} 2. وذلك قد علم مما قبل، وقوله: عند الفواتح أي فيها وبحضرتها كما قال في الباب السابق: ويأته لدى طه ولا بعد في أن يتجوز بحضرة الشيء عن الشيء وهذا المد أيضا لجميع القراء، ولأن السكون لازم قال: مشبعا كمدًا دابة بخلاف المد؛ لسكون الوقف، ومنهم من اختار تفضيل مد المدغم على غيره ففضل مد لام من ألف لام على مد ميم، ومنهم من سوى فإن ترك الساكن نحو ميم أول آل عمران لجميع القراء وأول العنكبوت على قراءة ورش، ففي المد وجهان ظاهران، والأقيس عندهم المد وترك الاعتداد بالعارض، ثم قال: وفي عينٍ الوجهان يعني في لفظ عين من حروف الفواتح وذلك في: {كهيعص} 3، {عسق} 4. وإنما أعرب آخرها وكسر ونون وكان الوجه أن ينطق بها على لفظها ساكنة من أجل أن الشعر لا يجمع فيه بين ساكنين. ولما انتفى هذا المانع في ألف طه نطق بهن على لفظهن في البيت الذي يأتي، ولو قال في عينها الوجهان لكان أيضا جيدا أي في عين الفواتح. وظاهر كلامه أن الخلاف في مد عين لجميع القراء؛ لأن السابق كذلك وهو اختيار مكي، ونص المهدوي وابن شريح أن ذلك مختص بورش. ووجه الخلاف انفتاح ما قبل الياء فلم يقو المد فيها قوته في الياء لينكسر ما قبلها. وقوله: الوجهان الألف واللام فيه للعهد أي الوجهان المذكوران في المد لسكون الوقف في البيت قبله هما في عين مطلقا وصلا ووقفا. ثم قال: والطول فضلا يعني المد في عين؛ لأنه لاجتماع الساكنين مع أن الثاني ليس بعارض بخلاف سكون الوقف، ويحتمل أنه عني أن الطول فضل في عين وفي المد؛ لسكون الوقف؛ لشبه الجميع بباب دابة ولا نظر إلى عروض السكون في الوقف. والأولى أن يكون قوله: الوجهان إشارة إلى إشباع المد وهو المراد بالطول، وإلى عدم إشباع المد مع أنه لا بد من المد فلهذا قال: والطول فضلا يعني الإشباع، ولم يقل: والمد فضلا؛ لأن المد في الوجهين.   1 سورة الصافات، آية: 1. 2 سورة الحاقة، آية: 1. 3 سورة مريم، آية: 1. 4 سورة الشورى، آية: 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 178- وَفي نَحْوِ "طهَ" الْقَصْرُ إِذْ لَيْسَ سَاكِنٌ ... وَمَا فِي أَلِفْ مِنْ حَرْفِ مَدٍ فَيُمْطَلا أي: إذ ليس فيه ساكن فيمد حرف المد لأجله، فوجب القصر في كل ما كان من حروف الهجاء على حرفين وذلك خمسة أحرف: حا. را. طا. يا. ها. وأما ألف فآخره ساكن، ولكن ليس فيه حرف مد وقوله: فيمطلا أي فيمد، وكل ممدود ممطول، يقال: مطلت الحديدة أمطلها مطلا إذا ضربتها بعد ما حميت في النار، ومددتها؛ لتطول، ومنه اشتقاق المطل بالدين؛ لأنه مد في المدة، ونصب فيمطلا في جواب النفي بالفاء. فقد تحرر من هذين البيتين أن حروف الفواتح على أربعة أقسام، الأول ما هو على ثلاثة أحرف، والتقى فيه حرف المد والساكن، وقبل حرف المد حركته المجانسة له فهو ممدود بلا خلاف، وذلك في سبعة أحرف للألف أربعة صاد قاف كاف لام، ولياء اثنان: سين ميم، وللواو واحد نون، القسم الثاني مثل ذلك إلا أنه عدم مجانسة الحركة للحرف ففي مده خلاف وهو حرف واحد وهو عين والثالث والرابع المذكوران في هذا البيت لا مد فيهما؛ لفقد الساكن في "حا" وأخواتها، ولفقد حرف المد في ألف والله أعلم. 179- وَإِنْ تَسْكُنِ الْـ "يَا" بَيْنَ فَتْحٍ وَهَمْزَةٍ ... بِكِلْمَةٍ اوْ "وَاوٌ" فَوَجْهَانِ جُمِّلا يعني إذا كان قبل الياء والواو فتح، وبعدهما همزة في كلمة واحدة نحو: "كهيئة، وسوأة" فلورش في مد ذلك وجهان جميلان، وهذا هو مد المتصل بعينه الذي تقدم في أول الباب لم يعدم من شرطه إلا كون حرف المد ليس حركة ما قبله من جنسه فصار هذا من الممدود لأجل الهمز بمنزلة: {عِينٍ} 1، {وَجَرَيْنَ} 2، في الممدود لأجل الساكن والمتصل بمنزلة لام ميم. وكان الأولى وصل الكلام في هذا الفصل بالكلام في المتصل والمنفصل؛ لأنه كله من باب واحد، وهو مد حرف المد لهن بعده ثم يذكر مده لهمز قبله، ثم يذكر مده للساكن بعده، ويقسمه إلى مدغم وغير مدغم مبينا ما يحذف حرف المد لأجله مما يمد على ما سبق تفصيله إلى فواتح وغير فواتح، وإلى ما يمد وصلا ووقفا، وإلى ما يمد وقفا لا غير، ولكن لما لم يكن ذلك في التيسير في هذا الباب أخره إلى الفراغ من نظم ما في التيسير، والجيم من قوله: جملا يجوز أن تكون رمزا لورش، ولا يضر ذلك تسميته في البيت الآتي فهو كما يتكرر الرمز فهذا أولى، ويجوز أن يكون أتى به لمجرد الوصف، واستغنى بالتسمية عن الرمز، والتقدير: ففيه وجهان فحذف خبر المبتدإ للعلم به ثم بين الوجهين فقال: 180- بِطُولٍ وَقَصْرٍ وَصْلُ وَرْشٍ وَوَقْفُهُ ... وَعِنْدَ سُكُونِ الْوَقْفِ لِلْكُلِّ أُعْمِلا وصل ورش ووقفه مبتدأ وخبره بطول وقصر: أي الوجهان له في الوصل والوقف؛ لأنه لما مد ذلك وصلا كان ذلك من باب مد المتصل وكل من مد المتصل وصلا مده وقفا لوجود الهمز الموجب لذلك، والمراد بالوجهين: المد المشبع والمتوسط، نص على ذلك المهدوي وغيره، ونبه على ذلك بقوله: بطول أي بتطويل المد والقصر عدم تطويل المد مع بقاء أصل المد ولولا إرادته لهذا المعنى لقال: بمد وقصر فوجه الإشباع جعله كالمتصل، ووجه التوسط حطه عن تلك الرتبة قليلا؛ لضعفه عن ذلك بانفتاح ما قبله، وقد بين ذلك الحصري في قصيدته فقال:   1 سورة الواقعة، آية: 22. 2 سورة يونس، آية: 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وفي مد عين ثم شيء وسوءة ... خلاف جرى بين الأئمة في مصرِ فقال أناس مده متوسط ... وقال أناس مفرط وبه أُقْري فإن قلت: كيف عبر الناظم -رحمه الله- عن المد المتوسط بلفظ القصر؟، وهلا كان المفهوم منه عدم المد مطلقا كما استعمله بهذا المعنى في قوله فيما تقدم: فإن ينفصل فالقصر ... وقوله: وفي نحو طه القصر ... ؟ قلت: كأنه قال بمد طويل ومد قصير. ووجه التعبير عنه بالتوسط أنه مذهب بين مذهبين؛ الإفراط في المد وعدمه الذي هو لسائر القراء؛ لأن الياء والواو متى ما انفتح ما قبلهما لم يكن فيهما مد، وإن كانا قابلين له لو فعل فيهما لأجل همز أو ساكن كما سيأتي، والدليل على أنهما لا مد فيهما له إجراؤهما مجرى الحروف الصحيحة في إدغامهما في مثلهما نحو: {عَصَوْا وَكَانُوا} 1، {آوَوْا وَنَصَرُوا} 2. واخشي يا هند. وإذا كانت حركة ما قبلهما من جنسهما فلا إدغام لما فيهما من المد، فجاز أن يعبر عن ذلك المد بالقصر أي لا يزاد عليه، وهنا لما لم يكن فيهما مد كان القصر عبارة عن مد يسيرٍ يصيران به على لفظهما إذا كانت حركة ما قبلهما من جنسهما. ووجه قراءة ورش أن العرب أعطتهما وإن انفتح ما قبلهما حكمَ ما لم ينفتح في إدغام ما هما قبله، نحو: ثوب بكر ودويبة، وفي اجتماع النوعين ردفا في الشعر، ولا يدغمان في مقاربهما، ولا ينقل إليهما حركة الحرف الموقوف عليه في نحو: زيد وعون من لغته النقل في بكر ونصر، وذلك للمد المقدر فيهما فينزل منزلة الحركة، ثم قال: وعند سكون الوقف أراد أن يبين حكم الياء والواو المفتوح ما قبلهما عند لقائهما للساكن بعد أن بيَّن حكمهما عند الهمز، وهذا كما ذكر حكم حروف المد واللين عند الهمز ثم ذكر حكمهما عند الساكن وقد تقدم. يعني إذا وقعت الياء والواو المفتوح ما قبلهما قبل حرف سكن للوقف همزة كان أو غيره فالوجهان المذكوران وهما المد المشبع والمتوسط أعملا لجميع القراء نحو شيء وسوء وميت وخوف، وأعملا بمعنى استعملا كقول نابغة بني شيبان: أمدح الكاس ومن أعملها ... وأهجُ قوما قتلونا بالعطش 181- وَعَنْهُمْ سُقُوطُ الْمَدِّ فِيهِ وَوَرْشُهُمْ ... يُوَافِقُهُمْ فِي حَيْثُ لَا هَمْزَ مُدْخَلا ذكر وجها ثالثا عن القراء وهو عدم المد في حرف اللين قبل الساكن للوقف، فصار لهم فيه ثلاثة أوجه ووافقهم ورش عليها في الوقف على كل ما لا همز فيه نحو: {رَأْيَ الْعَيْنِ} 3، {إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} 4 و {فَلا فَوْتَ} 5 و {الْمَوْتَ} 6.   1 سورة آل عمران، آية: 112. 2 سورة الأنفال، آية: 72. 3 سورة آل عمران، آية: 13. 4 سورة التوبة، آية: 52. 5 سورة سبأ، آية: 51. 6 سورة المائدة، آية: 106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 فيكون له أيضا ثلاثة أوجه. وأما ما كان ساكنة همزة نحو: شيء وسوء فله فيه الوجهان المقدمان وقفا ووصلا؛ لأن مد ورش هو لأجل الهمز لا لأجل سكون الوقف، وهذه الأوجه الثلاثة في الوقف هنا هي الأوجه التي سبقت في حروف المد واللين عند سكون الوقف، ولم ينص ثَم على وجه سقوط المد، وفي نصه عليه هنا تنبيه على ذلك، واحترز أيضا بقوله هنا وعند سكون الوقف عن الوقف بالروم فلا مد فيه كما سبق في حروف المد واللين إلا في روم الهمزة فالمد باق لورش وحده لأجل الهمز فقد بان لك أن حرف اللين وهو الياء والواو المفتوح ما قبلهما لا مد فيه إلا إذا كان بعده همز أو ساكن عند من رأى ذلك فإن خلا من واحد منهما لم يجز مده فمن مد عليهم وإليهم ولديهم، ونحو ذلك وقفا أو وصلا أو مد نحو: {الصَّيْفِ} 1 و {الْبَيْتِ} 2 و {الْمَوْتُ} و {الْخَوْفُ} 3، في الوصل فهو مخطئ، وقوله: مدخلا نعت لما قبله والألف فيه للإطلاق إن قدرناه مبنيا على الفتح كموصوفه وهي بدل من التنوين إن قدرناه منصوبا منونا، وكلاهما جائز في صفة اللفظ المفرد المبني بعد لا، وخبر لا محذوف تقديره: لا همز فيه أي يوافقهم في مكان عدم الهمز والله أعلم. 182- وَفِي وَاوِ سَوْآتٍ خِلاَفٌ لِوَرْشِهِمْ ... وَعَنْ كُلٍّ الْمَوْءُودَةُ اقْصُرْ وَمَوْئِلا هذا الخلاف هو سقوط المد والمد. فإن قلنا بالمد على الوجهين في طوله وتوسطه فوجه المد ظاهر، ووجه تركه النظر إلى أصل ما تستحقه هذه الواو وهو الفتح؛ لأن ما وزنه فعلة بسكون العين جمعه فعلات بفتحها كتمرات وجفنات وأسكن حرف العلة تخفيفا. ويقال ترك مدها؛ لئلا يجمع بين مدتين في كلمة واحدة مقتضيهما ضعيف؛ لأن مد ما قبله فتح ضعيف، ومد ما بعد الهمز ضعيف كما سبق، ولهذا جاء في الكل بخلاف اجتماع المدتين في نحو: {جَاءُوا} 4، {وَالنَّبِيِّينَ} 5. فإن المد قبل الهمز مجمع عليه فلم يكن في الكلمة مد مقتضيه ضعيف غير واحد وهو ما بعد الهمز. فإن قلت: كيف يمد ما بعد الهمزة في سوآت، وقبل الهمز ساكن، وليس من أصل ورش مد ذلك كما تقدم. قلت: لأن الواو حرف علة والمانع هو الساكن الصحيح على أن الواو وإن كانت ساكنة لفظا فهي متحركة تقديرا على ما بيناه، فلوحظ الأصل في ترك مدها في نفسها، وفي مد ما بعد الهمزة فالعلة واحدة والحكم   1 سورة قريش، آية: 2، 3. 2 سورة الأحزاب، آية: 19. 3 سورة الفرقان، آية: 4. 4 سورة آل عمران، آية: 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 مختلف فيهما ولهذا ألغز الحصري هذه الكلمة في أبيات له قد ذكرناها1، والجواب عنها من نظم جماعة من المشايخ في الشرح الكبير وأطلق لفظ سوءات؛ ليتناول ما أضيف إلى ضمير التثنية وإلى ضمير الجمع نحو: {بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} 2، {يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} 3 وأما {الْمَوْؤُودَةُ} 4. فأجمعوا على ترك المدة في واوها الأولى؛ لأن الثانية بعد الهمزة ممدودة فلم يجمع بين مدتين والتزم ذلك فيها خلاف "سوءات"؛ لثقل مد الواو والهمزة المضمومة بخلاف الهمزة المفتوحة، ومد الألف بعدها وأما موئلا فترك مده؛ مشاكلة لرءوس الآى؛ لأن بعده موعدا. وقد ذكر فيه في "الموءودة" علل أخر ضعيفة تركت ذكرها هنا اختصارا، وهي مذكورة في الشرح الكبير والله سبحانه أعلم وهو على كل شيء قدير.   1 لغز الحصري هو قوله: سألتكمُ يا مقرئي الغرب كله ... وما من سؤال الحبر عن علمه بدُّ بحرفين مدوا ذا وما المد أصله ... وذا لم يمدوه ومن أصله المدُّ وقد جُمِعَا في كِلْمة مستبينةٍ ... على بعضكم تخفى ومن بعضكم تبدو وأجابه الإمام الشاطبي بقوله: عجبت لأهل القيروان وما جدوا ... لدى قصر سوآتٍ وفي همزها مدوا لورش ومد اللين للهمز أصله ... سوى مشرع الثنيا إذا عذب الورد وما بعد همز حرف مد يمده ... سوى ما سكون قبله ما له مد وفي همز سؤآت يمد وقبله ... سكون بلا مد فمن أين ذا المد؟ يقولون عين الجمع فرع سكونها ... فذو القصر بالتحريك الَاصلي يعتد ويوجب مد الهمز هذا بعينه ... لأن الذي بعد المحرك ممتد ولولا لزوم الواو قلبا لحركت ... بجمعٍ بفعلات في الَاسما له عقد وتحريكها الويا هزيل وإن فشا ... فليس له فيما روى قارئ عقد وللحصري نظم السؤال بها وكم ... عليه اعتراض حين زايله الجد ومن يعن وجه الله بالعلم فليُعن ... عليه وإن عنَّى به خانه الجد وقوله سوى مشرع الثنيا: أي موضع الاستثناء من الموءودة وموئلا اهـ. 2 سورة الأعراف، آية: 22. 3 سورة الأعراف أيضا، آية: 26. 4 سورة التكوير، آية 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 باب الهمزتين من كلمة: أي باب حكم الهمزتين المعدودتين من كلمة، وكذا معنى باب الهمزتين من كلمتين، وبعض المصنفين يجعل موضع من في، وهي ظاهرة المعنى، والهمز أول حروف المعجم، والهمز: جمع همزة كتمرة وتمر، ومصدر همز همزًا، والهمز في أصل اللغة مثل الغمز والضغط، وسمى الحروف همزة؛ لأن الصوت بها يغمز ويدفع؛ لأن في النطق بها كلفة، ولذلك تجرأ على إبدالها وتسيهلها بجميع أنواع التسهيل على ما سيأتي في أبوابه. والكلام في الهمز على طريقة مذاهب القراء يأتي في خمسة أبواب سوى ما تأخر ذكره في فرش الحروف كالمذكور في سورة الرعد من لفظ الاستفهامين، وفي الزخرف: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} 1، {أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ} 2. والهمز إما أن يأتي منفردا أو منضما إلى مثله، فالمفرد ذكره في ثلاثة أبواب متوالية ستأتي، والمنضم إلى همز آخر ينقسم إلى قسمين: إلى ما هو في كلمة، وإلى ما هو في كلمتين، فرسم لكل قسم منهما بابا. واعلم أن جميع ما ذكر أنه من كلمة فالهمزة الأولى منهما همزة استفهام منفصلة تقديرا من الكلمة إلى حرفا واحدا وهو: {أَئِمَّةً} 3. وأخر عن هذا الباب ما كان ينبغي أن يذكر فيه، وهو إذا اجتمعت همزتان الثانية ساكنة، فتلك كانت أولى بهذا الباب؛ لأن الكلمة مبنية على تلك الزنة بالهمزتين معا، فذكر ذلك في آخر باب الهمز المفرد، وكان ينبغي أن يذكر هنا عند ذكر أئمة، فكلا اللفظين فيه همزتان الثانية أصلها السكون كما سيأتي بيانه، وباقي المذكور في هذا الباب الأولى منها مفتوحة أبدا لا يتعلق بها حكم إلا في كلمة: {أَأَمِنْتُمْ} 4. ومعظم الخلاف إنما هو في الثانية، وهي مفتوحة ومكسورة ومضمومة. قال رحمه الله تعالى: 183- وَتَسْهِيلُ أُخْرَى هَمْزَتَيْنِ بِكِلْمةٍ ... "سَمَا" وَبِذَاتِ الْفتْحِ خُلْفٌ "لِـ"تَجْمُلا لما كانت الهمزة حرفا جلدا على اللسان في النطق بها كلفة بعيد المخرج يشبه بالسعلة؛ لكونه نبرة من الصدور توصل إلى تخفيفه، فسهل النطق به كما تسهل الطرق الشاقة والعقبة المتكلف صعودها، فلهذا سمي تخفيفها تسهيلا، ثم تخفيفها يكون على ثلاثة أنواع: الإبدال والنقل وجعْلها بين بين، وتجتمع الأنواع الثلاثة في باب وقف حمزة وهشام، وللنقل باب مختص به، والإبدال له باب الهمز المفرد، وهو يقع في المتحركة والساكنة، وأما النقل وبين بين فلا يكونان إلا في المتحركة، وهذا الباب وما بعده مختصان بما يسهَّل بين بين، ويقع فيهما ذكر الإبدال قليلا ولفظ التسهيل وإن كان يشمل هذه الأنواع الثلاثة تسمية من حيث اللغة والمعنى إلا أنه قد صار في اصطلاح القراء وكثرة استعمالهم وتردده في كلامهم كالمختص ببين بين أي تكون الهمزة بينها وبين الحرف الذي منه حركتها، وقد بيَّن ذلك في آخر الباب الذي بعد هذا. ثم الهمزة الأولى في هذا الباب لا تكون إلا مفتوحة محققة إلا أن يأتي قبلها ساكن فتنقل حركتها إليه في مذهب من يرى ذلك بشرطه نحو: "قُلَ اؤُنَبِّئُكُمْ"5، "قُلَ اأَنْتُمْ أَعْلَمُ"6، "قُلَ اإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ"7. وهذا سيأتي ذكره في بابه إن شاء الله تعالى، وأخرى: بمعنى أخيرة أي الهمزة الأخيرة من همزتين واقعتين بكلمة وهي الثانية والأصل الأخرى تأنيث آخر بفتح الخاء كقوله تعالى:   1 سورة الزخرف، آية: 22. 2 سورة الزخرف، آية: 58. 3 سورة السجدة، آية: 24. 4 سورة طه، آية: 22. 5 سورة آل عمران، آية: 15. 6 سورة البقرة، آية: 140. 7 سورة فصلت، آية: 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى} 1، ثم استعملت أخرى بمعنى أخيرة كقوله تعالى: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} 2. وقال تعالى في موضع آخر: {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} 3. فقابل بهما سبحانه لفظ الأولى في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} 4. وقال تعالى أيضا: "قالت أُخْرِيهم" و: {قَالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ} 5. أي الفرقة المتقدمة للفرقة المتأخرة، ومنه قوله: جاء بي في أخريات الناس أي أواخرهم ولا أفعله أخرى الليالي أي أبدا. فالهمزة الأخيرة من همزتين وهي الثانية تسهيلها بأن يجعل لفظها بين الهمزة والألف إن كانت مفتوحة وبين الهمزة والياء إن كانت مكسورة وبين الهمزة والواو إذا كانت مضمومة والذين فعلوا هذا التسهيل مدلول قوله: سما وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وسما خبر قوله: وتسهيل أخرى همزتين وإنما صح الابتداء بلفظ: تسهيل وهو نكرة؛ لتخصيصه بإضافته إلى مضاف إلى موصوف إن جعلنا "بكلمة" صفة لهمزتين أي كائنتين بكلمة كقولك: بيت رجل ذي علم مقصود، ويجوز أن تجعل "بكلمة" صفة تسهيل أي: وتسهيل واقع بكلمة في همزة ثانية سما أي ارتفع شأنه وظهر وجهه وعليه أكثر العرب واختارته الأئمة من أهل العربية؛ لأنهم إذا كانوا يستثقلون الهمزة المفردة فيخففونها بجميع أنواع تخفيفها فما الظن بها إذا اجتمعت مع همزة أخرى وقراءة باقي القراء بتحقيق الهمزة الثانية كالأولى فضد التسهيل تركه وهو إبقاء الهمز على حاله، وهذا الخلاف مختص بالهمزة المتحركة؛ لأنها هي التي يمكن جعلها بين بين. أما إذا كانت ساكنة فإبدالها واجب على ما يأتي في موضعه. قوله: وبذات الفتح؛ أي وبالهمزة الأخيرة ذات الفتح على حذف الموصوف، أي وبالهمزة المفتوحة خلف لهشام في التسهيل والتحقيق واللام في لتجملا رمز لهشام، والضمير فيها يرجع إلى الهمز أو إلى الكلمة وهو متعلق بالتسهيل؛ لأنه مصدر: أي وسهلت الهمزة الأخيرة لتجمل؛ لأن تسهيلها يخفف النطق بها فهو جمال لها، ولا يتعلق بالاستقرار المتعلق به وبذات الفتح؛ لأنه ليس في الخلف جمال لها، والجمال: الحسن، وقد جمل الشيء بالضم فهو جميل، وسيأتي لهشام تسهيل موضع من المكسورة وموضعين من المضمومة بخلاف عنه فيهما كما أن الخلاف عنه في المفتوحة لكنه استوعبها بالتسهيل؛ لثقل اجتماع المثلين وليس في كتاب التيسير   1 سورة طه، آية: 38. 2 سورة النجم، آية: 47. 3 سورة العنكبوت، آية: 20. 4 سورة الواقعة، آية: 62. 5 سورة الأعراف، آية: 38، 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 والعنوان والمستنير غيره، وكذا ذكر ابنا غلبون ومكي والمهدي وابن شريح، وذكر له التحقيق ابن مجاهد والنقاش وصاحب الروضة، وممن لم يذكر له إلا التحقيق أبو معشر وابن مريم والشيخ أبو محمد البغدادي وهو رواية إبراهيم بن عباد عن هشام، وذكر الوجهين أبو علي الأهوازي وابن رضوان وابن الفحام والحافظ أبو العلا الهمداني والله أعلم. 184- وَقُلْ أَلِفاً عَنْ أَهْلِ مِصْرَ تَبَدَّلَّتْ ... لِوَرْشٍ وَفي بَغْدَادَ يُرْوَى مُسَهَّلا ألفا: مفعول تبدلت أي تبدلت الهمزة الثانية المفتوحة ألفا لورش، قُلْ ذلك عن أهل مصر أي انقله عنهم وانسبه إليهم، والضمير في يروى عائد على المذكور وهي الهمزة بالصفة المتقدمة أي يروى ذلك مسهَّلًا أي بين بين كما سبق، وهي رواية العراقيين وغيرهم، وإنما ذكر يروى بعد تأنيث تبدلت والضمير فيهما للهمزة لأجل قوله: مسهلا، ثم رجع إلى التأنيث في البيت الآتي فقال: وحققها في فصلت فالتأنيث الأصل والتذكير على تأول يروى ذلك كما تقدم أو يروى الهمز والتسهيل هو الوجه المختار الجاري على القياس. وأما البدل في مثل هذا فلا يكون إلا سماعا؛ لأنه على خلاف قياس تخفيف الهمز على ما سيأتي بيانه في باب وقف حمزة. وقد قيل: إنه لغة لبعض العرب فعلى هذا إن كان بعد الهمز الثانية المبدلة ساكن طول المد لأجله نحو: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} 1؛ أخذا من قوله: وعن كلهم بالمد ما قبل ساكن، وعلى رواية التسهيل لا مد؛ لأن المسهلة بزنة المحققة. وقيل: يمد؛ لأن المسهلة قريبة من الساكنة ولهذا لا تبتدأ بها، وليس في القرآن متحرك بعد الهمزتين في كلمة سوى موضعين الذي في هود، وهو قوله تعالى: {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} 2 و {أَأَمِنْتُمْ} 3 في تبارك. فهذه أصول مطردة لمن حقق أو سهل أو أبدل تأتي في جميع المواضع. ثم ذكر التي خرج فيها بعضهم عن أصله وكان الخلاف فيها غير الخلاف المقدم ذكره، وهي تسعة مواضع في طريقته وبعضهم زاد عليها، وإنما ذكرها صاحب التيسير في سورة فقال: 185- وَحَقَّقَهَا فِي فُصِّلَتْ "صُحْبَةٌ" ءأَعْـ ... ـجَمِيٌّ وَالُاولَى أَسْقِطَنَّ "لِـ"ـتُسْهِلا أي وحقق الهمزة الثانية التي هي ذات الفتح في حرف فصلت صحبة فقرءوا: {أَأَعْجَمِيّ} 4. وخالف ابن ذكوان وحفص أصلها فسهلاها كما يقرؤها ابن كثير وأسقط هشام الأولى فقرأ على لفظ الخبر أي هو أعجمي وعربي أو والرسول عربي أو يكون معنى الاستفهام باقيا وإن سقطت همزته؛ للعلم بها من قرينة الحال كنظائر له فيتفق حينئذ معنى القراءتين والاستفهام هنا للإنكار.   1 سورة البقرة، آية: 6. 2 آية: 72. 3 آية: 16. 4 سورة فصلت، آية: 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 ويجوز أن يكون قوله: أعجمي بدلا من حرف فصلت أو عطف بيان له، وفصل بينهما بفاعل حققها وهو صحبة وضرورة، ولك أن تجعله خبرا مبتدأ محذوف أي هو ءأعجمي، وقوله: لتسهلا أي لتركب الطريق السهل أو لتسهل اللفظ بإسقاطها، ثم إن الناظم -رحمه الله- بعد ذكره لحرف فصلت أتبعه ما وقع فيه الخلاف بعده فلهذا ذكر ما في الأحقاف، ونون ثم ذكر ما قبل فصلت على الترتيب فقال: 186- وَهَمْزَة أَذْهَبْتُمْ فِي الأَحْقَافِ شُفِّعَتْ ... بِأُخْرَى "كَـ"مَا "دَ"امَتْ وِصَالاً مُوَصَّلا شفعت: أي جعلت شفعا بزيادة همزة التوبيخ عليها ابن كثير وابن عامر يقرآنها بهمزتين، وكل واحد منهما على أصله من التحقيق والتسهيل، وإدخال الألف بينهما على ما يأتي فالتحقيق لابن ذكوان، ولهشام التسهيل وإدخال الألف، ولابن كثيرٍ التسهيلُ من غير ألف، ولم أر في تصانيف من تقدم الناظم مَن ذَكَر لهشام التحقيق هنا فإن كان فالمد معه ولكن ليس هذا مما يؤخذ قياسا؛ ألا ترى أن ابن عامر بكماله شفع في نون مع التسهيل كما يأتي. وظاهر نظم الشاطبي أن وجه التحقيق لهشام يجري هنا لإطلاقه القول في ذلك وإجماله له مع أنه بين الذي في سورة ن وللحافظ أبي عمرو الداني -رحمه الله- كتاب مستقل في إيضاح مذاهب القراء في الهمزتين الملتقيتين في كلمة أو كلمتين متفقتين أو مختلفتين فحكى فيه عن ابن ذكوان في: {أَذْهَبْتُمْ} 1 وجهين: أحدهما تحقيق الهمزتين، والثاني بهمزة ومدة. قال: واختلف أصحاب هشام عنه فروى الحلواني عنه بهمزة مطولة قال: يعني أنه حقق همزة الاستفهام وسهل همزة القطع بعدها فجعلها بين بين وأدخل ألفا فاصلة بينهما؛ طردا لمذهبه في سائر الاستفهام، وقال أحمد بن يونس: حدثنا هشام عن أصحابه عن ابن عامر "أأذهبتم" بهمزتين ولم يذكر فصلا بينهما. قلت: ولم يذكر تحقيقا ولا تسهيلا والظاهر التسهيل؛ توفيقا ين الروايتين، ويصدق على ذلك إطلاق عبارة الهمزتين، قال الداني: وقياس رواية إبراهيم بن عباد عن هشام أن يحققها ويفصل بألف بينهما، وقوله: كما دامت نعت لمصدر محذوف أي شفعت تشفيعا دائما دواما كدوام همزة "أذهبتم" في نفسها: أي ثابتا ثباتا كثباتها. والمعنى أن ثبات التشفيع في قراءة ابن عامر وابن كثير كثبات همزة أذهبتم لا تبرح ولا تذهب أو شفعت بأخرى دائمة كدوامها فتواصلا وصالا موصلا ينقله بعض القراء إلى بعض، وقيل: كما دامت كذلك مشفعة بهمزة التوبيخ مواصلة لها في مواضع كثيرة نحو: {أَأَشْفَقْتُمْ} 2. ويؤيده قوله في آخر السورة: {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ} 3.   1 سورة الأحقاف، آية: 20. 2 سورة المجادلة، آية: 13. 3 سور الأحقاف، آية: 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 ولا يمتنع الاستفهام بطريق التوبيخ عما وجد، وكان كقوله تعالى: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} 1، {أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي} 2. ووجه القراءة على الخبر ظاهر والله أعلم. 187- وَفِي نُون فِي أَنْ كَانَ شَفعَ حَمْزَةٌ ... وَشُعْبَةُ أَيْضاً وَالدِّمَشْقِي مُسَهِّلا أي وفي حرف نون ثم أبدل منه قوله في أن كان بإعادة حرف الجر يريد قوله تعالى: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} 3. أي لا تطعه لأن كان ذا مال ومن زاد همزة الإنكار فمعناه ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه فحمزة وأبو بكر وهو شعبة عن عاصم زادا همزة وحققاهما على أصلهما والدمشقي وهو ابن عامر زاد همزة وسهل الثانية أي وشفع الدمشقي في حال تسهيله، خالف أصله فسهل هذا الموضع بلا خلاف وهشام يدخل ألفا بين الهمزتين على أصله كما يأتي وابن ذكوان يقرأ هنا كابن كثير في غير هذا الموضع. وذكر صاحب التيسير في سورة فصلت قال على أن بعض أهل الأداء من أصحابنا يأخذ لابن ذكوان بإشباع المد هنا يعني في -ءأعجمي- وفي ءأن كان ذا مال قياسيا على مذهب هشام قال وليس ذلك بمستقيم من طريق النظر ولا صحيح من جهة القياس وذلك أن ابن ذكوان لما لم يفصل بهذه الألف بين الهمزتين في حال تحقيقهما مع ثقل اجتماعهما علم أن فصله بها بينهما في حال تسهيله إحداهما مع خفة ذلك غير صحيح في مذهبه. 188- وَفِي آلِ عِمْرَانَ عَنِ ابْنِ كَثِيرِهِمْ ... يُشَفَّعُ أَنْ يُؤْتَى إِلَى مَا تَسَهَّلاَ أي مضافا إلى ما تسهلا في مذهبه أي أنه وإن شفع: {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ} 4. فهو يسهل الثانية على أصله وقراءة الباقين في هذه المواضع الثلاثة أذهبتم وأن كان وأن يؤتى بعدم التشفيع وهو الإتيان بهمزة واحدة وصاحب التيسير يعبر عن مذهب من سهل في هذه المواضع بهمزة ومدة ومراده بين بين والله أعلم. 189- وَطه وفِي الأَعْرَافِ وَالشُّعَرَا بِهَا ... ءَآمَنْتُمُ لِلكُلِّ ثَالِثًا ابْدِلاَ أي وطه بها وفي الأعراف والشعراء لفظ آمنتم وقيل بها أي بهذه السور الثلاث على زيادة في من قوله وفي الأعراف ووجه الكلام وطه والأعراف والشعراء بها ءآمنتم ولو قال مع الأعراف لما احتاج إلى هذا التكلف وثالثا نصب على التمييز وقد تقدم على عامله وفي جواز مثل ذلك خلاف النحويين ولو قال ثالثه أبدلا لخلص من ذلك وظهر المراد ولكن فيه وصل همزة القطع ومثل ذلك في التمييز قولك زيد ضربته ظهرا لأن الظهر بعضه وكذا ثالث حروف -أآمنتم- بعضها وقيل هو نصب على الحال: أي أبدل   1 سورة آل عمران، آية: 106. 2 سورة النمل، آية: 84. 3 سورة القلم، آية: 14. 4 سورة آل عمران، آية: 72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 همزة في حال كونه ثالثا، ولا دليل على هذا؛ بل الضمير في أبدل يعود إلى المذكور وهو أآمنتم، وأصل آمن أأمن بهمزة ثانية ساكنة ثم دخلت همزة الترفيع فاجتمعت ثلاث همزات، فأبدلت الثالثة ألفا بلا خلاف لسكونها وانفتاح ما قبلها، والثانية مختلف في تسهيلها على ما سنذكر، فعلى قراءة من سهلها يكون قد اجتمع همزتان مخففتان ليس بينهما حاجز، وقد جرى بمجلس أبي محمد مكي ذكر اجتماع همزتين مخففتين في القرآن ليس بينهما حاجز في قراءة ورش، فأجاب بأربعة أوجه؛ اثنان منها نقلت حركة الأولى إلى ساكن قبلها والثانية مسهلة بين بين أو مبدلة نحو: {قُلْ أَأَنْتُمْ} 1، {مَنْ آمَنَ} 2. والثالث منها: الأولى بين بين والثانية مبدلة وهي: {أَأَمِنْتُمْ} 3، {آلِهَتُنَا خَيْرٌ} 4. والرابع نحو: {مِنَ السَّمَاءِ آيَةً} 5، {هَؤُلاءِ آلِهَةً} 6. الأولى من آية وآلهة مبدلة ياء وبعدها ألف منقلبة من همزة والله أعلم. 190- وَحَقَّقَ ثَانٍ "صُحْبَةٌ" وَلِقُنْبُلٍ ... بِإِسْقَاطِهِ الأُولى بِطَهَ تُقُبِّلا أي وحقق الهمزة الثانية من أآمنتم صحبة على أصولهم وسهلها الباقون بين بين ومن أبدل لورش الثانية في نحو "ءأنذرتهم" ألفا أبدلها أيضا ألفا ثم حذفها هنا لأجل الألف التي بعدها نص عليه أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز، فتبقى قراءة ورش على هذا على وزن قراءة حفص بإسقاطه الهمزة الأولى كما يأتي فلفظهما متحد ومأخذهما مختلف. واعلم أن كل من أسقط الهمزة الأولى حقق الثانية أيضا، وهو حفص في المواضع الثلاثة، وقنبل في طه كما يأتي، فليس تحقيق الثانية من خصائص صحبة إلا بتقدير اجتماعها مع الأولى، فإذا سقطت الأولى فالثانية في قراءة صحبة صارت أولى لمن أسقط الأولى، ومدلول صحبة هم حمزة والكسائي وأبو بكر، وقال ثانٍ؛ لأنه أراد الحرف ولم ينصبه ضرورة كما قال الآخر: لعلي أرى باقٍ على الحدثان ... وقنبل أسقط الأولى في طه وحقق الثانية فقرأ على لفظ الخبر. وفيه أيضا معنى التقريع والتوبيخ وإن انحذفت همزته كما يبقى معنى الاستفهام بعد حذف همزته؛ لأن قرينة الحال دالة عليها، والضمير في تقبلا للفظ: "أآمنتم" أي تقبل هذا الحرف لقنبل بسبب إسقاطه الأولى منه بسورة طه وقيل الضمير في تقبل يعود إلى الإسقاط وليس بشيء. 191- وَفي كُلِّهَا حَفْصٌ وَأَبْدَلَ قُنْبُلٌ ... فِي الَاعْرَافِ مِنْهَا الْوَاوَ وَالْمُلْكِ مُوْصِلا أي وفي المواضع الثلاثة أسقط حفص الهمزة الأولى كما فعل قنبل في طه، وأبدل قنبل في سورة الأعراف منها أي من الأولى واوًا؛ لأن ما قبلها ضمة في: {قَالَ فِرْعَوْنُ} 7.   1 سورة البقرة، آية: 140. 2 سورة البقرة، آية: 62. 3 سورة الأعراف، آية: 132. 4 سورة الزخرف، آية: 58. 5 سورة الشعراء، آية: 40. 6 سورة الأنبياء، آية: 199. 7 سورة الأعراف، آية: 132. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 والهمزة المفتوحة بعد الضمة إذا أريد تسهيلها قلبت واوًا، وفي سورة الملك: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} 1. أبدل أيضا قنبل من همزتها الأولى واوًا كذلك؛ لأن قبلها: {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} 2. والهمزة الثانية في الموضعين يسهلها بين بين على أصله وهو في التي في الشعراء يقرأ كما يقرأ من يحقق الثانية، فقد غاير في قراءته بين المواضع الثلاثة في الهمزة الأولى فأسقطها في طه وأبدلها في الأعراف وأثبتها في الشعراء، وحكم ما في الملك حكم "ءأنذرتهم" وشبهه؛ لأن ليس فيها إلا همزتان، ولم يكن له حاجة بذكر التي في الملك هنا؛ فإنها ليست بلفظ هذه الكلمة ولأنه قد أفرد لها بيتا في سورتها، فلو قال هنا: في الَاعراف منها الواو في الوصل موصَلا بفتح الصاد من موصلا لكان أولى وأبين وقوله: موصلا بكسر الصاد حال من قنبل أي أبدل الأولى موصِلا لها إلى ما قبلها احترز بذلك من الوقف على فرعون أو النشور فإنه لو ابتدأ بما بعدهما لم يكن إبدال لانفصال الضمة من الهمزة، والناظم -رحمه الله- يستعمل كثيرا في هذه القصيدة موصلا بمعنى واصلا كما يأتي في البقرة والنمل، وفيه نظر؛ فإن موصلا اسم فاعل من أوصله: إذا بلغه، ويقال: وصله به ومنه الواصلة للشعر، ويقرن لفظ الوصل بالإيصال. ووجه الاعتذار له أنهما يتلاقيان في المعنى؛ لأن الشيء إذا أوصلته إلى الشيء فقد وصلته به، وكان يمكنه من جهة وزن الشعر أن يقول: واصلا، ولكنه عدل عنه تجنُّبا للسناد الذي هو عيب من عيوب القوافي وهو تأسيس بعضها دون بعض. 192- وَإِنْ هَمْزُ وَصْلٍ بَيْنَ لاَمٍ مُسَكِّنٍ ... وَهَمْزَةِ الاِسْتِفْهَامِ فَامْدُدْهُ مُبْدِلا هذه مسألة ليست في كتاب التيسير في هذا الباب، وإنما ذكرها في سورة يونس تبعا لذكر نقل الحركة لنافع في: "آلْآنَ"3. ولم يجعل هذه المسألة أصلا فلم يذكرها هنا ولا في سورة الأنعام؛ لأنها مما أجمع القراء عليه ولم توضع كتب القراءات إلا لبيان الحروف المختلف فيها لا المتفق عليها، ولكن جرت عادة أكثر المصنفين أن يذكروا في بعض المواضع من المتفق عليه ما يشتد إلباسه بالمختلف فيه؛ ليحصل التمييز بينهما، وهذا الموضع من ذلك القبيل، ومنه ما ذكر في آخر باب الهمز المفرد والإدغام الصغير ومسألة: {لا تَأْمَنَّا} 4 في يوسف وغير ذلك، قوله: وإن همز وصل ... يعني وإن وقع همز وصل فحذف الفعل ولم يذكر له مفسرا ظاهرا، وكذا في قوله في الباب الذي بعد هذا: وإن حرف مد قبل همز مغير ... ولا بد بعد إن الشرطية من وقوع صريح أو مقدر بمفسر ظاهر نحو:   1 الآية: 16، 17. 2 الآية: 15. 3 سورة يونس، آية: 91. 4 آية: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 1. ومن العجز من شعر الحماسة2: ... ... إن ذو لُوثَة لاثا ووجه ما ذكره أن الظرف في البيتين دال على المفسر وهو ما يتعلق الظرف به فالتقدير: وإن همز وصل وقع بعد لام إلى آخره وإن حرف مد وقع قبل همز مغير، وأراد أن همزة الوصل التي دخلت على لام التعريف إذا دخل عليها همزة الاستفهام أبدلت ألفا ومدت لأجل سكون اللام بعدها، وكان القياس أن تحذف همزة الوصل؛ لأنه استغني عنها بدخول همزة الاستفهام عليها كما في قوله: {أفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} 3 في سورة سبأ. {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} 4. ولكن في لغة العرب الفرق بينهما؛ لأنها لو حذفت مع لام التعريف لاقتبس الاستفهام بالخبر؛ لأن همزة الوصل فيه مفتوحة كهمزة الاستفهام، وهي في: "أفترى، وأصطفى" مكسورة ففتح همزتها دليل على أنها للاستفهام لا للخبر فأعرضت العرب عن حذف همزة الوصل مع لام التعريف إذا دخل الاستفهام عليها وأبدلتها ألفا والهاء في قوله: فامدده لهمز الوصل، وكذا في قوله: ويقصره ... في البيت الآتي وهو مجاز؛ فإن الهمزة لا تقبل المد ولا القصر كسائر الحروف غير حروف العلة الثلاثة، ولكن أطلق عليه صفة ما يبدل منه وهو الألف ومبدلا حال ولو كان بفتح الدال لقوي هذا المعنى، ويجوز أن يكون من باب القلب؛ لأمن الإلباس كأنه أراد: فأبدله مادا أي حرف مد، وهذا هو حقيقة المعنى المراد، وجملة ما وقع في القرآن من ذلك ستة مواضع متفق عليها وهي: {آلذَّكَرَيْنِ} 5 موضعان في الأنعام: {آلْآنَ} 6 موضعان في يونس وفيها: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} 7. وفي النمل: {آللَّهُ خَيْرٌ} 8. وفي يونس موضع سابع مختلف فيه وهو: "آلسِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ"9. فهو في قراءة أبي عمرو من هذا الباب وهو في قراءة الباقين خبر والله أعلم.   1 سورة التوبة، آية: 6. 2 أوله: إذًا لقام بنصري عشر خشن ... عند الحفيظة ... .... 3 آية: 8. 4 سورة الصافات، آية: 153. 5 آية: 143. 6 آية: 51، 91. 7 سورة يونس، آية: 9. 8 سورة النمل، آية: 59. 9 سورة يونس، آية 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 193- فَلِلْكُلِّ ذَا أَوْلى وَيَقْصُرُهُ الَّذِي ... يُسَهِّلُ عَنْ كُلِّ كَآلآنَ مُثِّلا أي فهذا الوجه أولى لكل القراء أي إبدال همزة الوصل هنا ألفا أولى من تسهيلها بين بين كما ذكر بعضهم عن كل القراء أيضا؛ لأن همزة الوصل لا قدم لها في الثبوت فتسهل والقائل بالتسهيل لا يمد؛ لأن المسهلة بزنة المحققة فلم يجتمع ساكنان بدليل اتزان الشعر في نحو قوله: أأن رأت رجلا أعشى أضر به1 سواء أنشدت الثانية محققة أو مسهلة بين بين مع أن بعدها نونا ساكنة. ويحتمل أن يقال بالمد على مذهب التسهيل تخريجا من الوجه المحكي في أول الباب على قراءة ورش وهذا في مد يكون فاصلا بين المسهلة والساكن بعدها أما المد الذي يفصل بين المحققة والمسهلة؛ لثقل اجتماعهما على ما سيأتي فلا جريان له هنا على مذهب التسهيل وقد بينه في البيت الآتي، وقوله: عن كل يتعلق بيسهل أو بيقصر، وقوله: كآلآن خبر مبتدأ محذوف أي وذلك كآلآن، ثم استأنف جملة خبرية بقوله: مثلا؛ أي حصل تمثيل ذلك بما ذكرناه ولو قال: بآلآن مثلا لكان المعنى ظاهرا، ولم يحتج إلى هذه التقديرات والله أعلم. 194- وَلاَ مَدَّ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ هُنَا وَلا ... بِحَيْثُ ثَلاَثٌ يَتَّفِقْنَ تَنَزُّلا هنا يعني في هذا الذي سهلت فيه همزة الوصل: أي من مذهبه المد بين اهمزتين على ما سيأتي لا يفعل ذلك هنا؛ لأن همزة الوصل لا قدم لها في الثقل؛ لأن ثبوتها عارض وحقها الحذف في الوصل وكذلك لا مد بين الهمزتين في كلمة اجتمع فيها ثلاث همزات وذلك لفظان: "أَآمِنْتُمْ" في الأعراف وطه والشعراء. {أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ} 2 في الزخرف. فالهمزة الثالثة مبدلة ألفا بإجماع على ما تقدم بيانه وسيأتي أيضا في سورة الزخرف، والثانية مختلف في تحقيقها، وتسهيلها ولم يمد أحد بينهما وبين الأولى خوفا من ثقل الكلمة باجتماع همزتين بينهما همزة، وقيل: لئلا يجمعوا بين أربع ألفات، وليس في ذلك اللفظ أربع ألفات وإنما فيه همزتان وألفان نعم في الخط ألفان هما صورة الهمزتين، وقوله: بحيث ثلاث ... ثلاث مرفوع بالابتداء ولا يجوز جرها بإضافة حيث إليها؛ لأن حيث إنما تضاف إلى الجمل لا إلى المفردات، وقد شذ ما لا قياس عليه و"يتفقن" صفة ثلاث والخبر محذوف أي مجتمعة وقد كثر حذف الخبر بعد حيث؛ لدلالة الكلام عليه ولا يكون يتفقن خبرا لئلا يبقى الابتداء بنكرة من غير وجود شرطها وإدخال الباء على حيث كإدخال من عليها في نحو: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} 3. ونصب تنزلا على التمييز: أي اتفق نزولهن والله أعلم.   1 بيت شعر الأعشى ميمون، وآخره: ريب المنون ودهر مفند خبل 2 الآية: 58. 3 سورة البقرة، آية: 149. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 195- وَأَضْرُبُ جَمْعِ الْهَمْزَتَيْنِ ثَلاَثَةٌ ... ءأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ أَئِنَّا أَأُنْزِلا أي أن اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة يأتي في القرآن على ثلاثة أضرب ثم بينها بالأمثلة والهمزة الأولى مفتوحة في الأضرب الثلاثة، والثانية إما مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وكان الأولى تقديم هذا البيت في أول الباب، وإنما احتاج إلى ذكر هذا التقسيم؛ ليبني عليه الخلاف في المد بين الهمزتين كما سيأتي، وموضع قوله: {أءنذرتهم} وما بعده رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: أمثلتها كذا وكذا على حذف حرف العطف، و"أم لم" تتمة لقوله: "أأنذرتهم" احتاج إليها الوزن الشعر ولا مدخل لها في الأضرب الثلاثة فقوله أأنذرتهم في سورة البقرة ويس مثال المفتوحتين: {أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا} 1. ونحوه مثال ما الثانية فيه مكسورة والأولى مفتوحة، وقوله: أأُنزل عليه الذكر مثال ما الثانية فيه مضمومة والأولى مفتوحة في الجميع، ولا تكون إلا همزة الاستفهام والله أعلم. 196- وَمَدُّكَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ "حُـ"ـجَّةٌ ... بِـ"ـهَا" "لُـ"ـذْ وَقَبْلَ الْكَسْرِ خُلْفٌ لَهُ وَلا أي قبل ذات الفتح وذات الكسر يعني أن أبا عمرو وقالون وهشاما مدوا قبل الهمزة الثانية المفتوحة وقبل المكسورة، وحجة خبر قوله: ومدك، على تقدير حذف مضاف أي ذو حجة وهي إرادة الفصل بين الهمزتين؛ لثقل اجتماعهما، ولأن الأولى ليست من بنية الكلمة ففصل بينهما ءايذانا بذلك، ولهذا ضعف المد في كلمة أئمة؛ لأن الأولى من بنية الكلمة وهي لغة فاشية، قال ذو الرمة: آأنت أم أم سالم2 "بها لذْ" أي الجأ إليها وتمسك بها ثم قال: وقبل ذات الكسر خلف لهشام إلا فيما يأتي ذكره، والهاء في "له" يعود على الحلف، والولا النصر أي لكل وجه دليل ينصره والله أعلم. 197- وَفي سَبْعَةٍ لاَ خُلْفَ عَنْهُ بِمَرْيَمٍ ... وَفي حَرْفَيِ الأَعْرَافِ وَالشُّعَرَا الْعُلا لا خلف لهشام في مد هذه السبعة أو يكون التقدير: وفي مد سبعة لا خلف عنه ثم بينها بما بعدها أي هي بمريم أو يكون قوله: بمريم بدلا من قوله: وفي سبعة؛ لأن معنى مريم أي بمريم لا خلف عنه في المد وكذا في حرفي الأعراف وما بعد ذلك، والذي في مريم قوله تعالى: {أَإِذَا مَا مِتُّ} 3. وفي الأعراف موضعان:   1 سورة الصافات، آية: 36. 2 أوله: أبا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا ... ... 3 آية: 66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 "أئنكم لتأتون"1، "أئن لنا لأجرًا"2، وفي الشعراء "أئن لنا لأجرًا"3. والعلا نعت السور الثلاث فهذه أربعة مواضع من السبعة ثم قال: 198- أَئِنَّكَ آئِفْكاً مَعًا فَوْقَ صَادِهَا ... وَفي فُصِّلَتْ حَرْفٌ وَبِالخُلْفِ سُهِّلا يريد قوله تعالى في والصافات: "أئنك لمن المصدقين"4، "أئفكا آلهة"5؛ أي وفي: "أءنك" "أئفكاً" وقوله: معًا حال منهما كما تقول: جاء زيد وعمرو معا أي مصطحبين، أي إنهما في سورة واحدة فوق صادها وهي سورة الصافات، وفي قوله: "معا" يوهم أن أئفكا موضعان كقوله: "نِعِمَّا". معا فلو قال موضعها هما فوق صادها لزال الإيهام والضمير في صادها لسور القرآن وفوق ظرف للاصطحاب الذي دل عليه معا، أي اصطحبا فوق صادها أو ظرف الاستقرار أي ولا خلف في مد أئنك أئفكا اللذين فوق صادها وفي فصلت خلف وهو: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُون} 6. وبالخلف سهلا: أي روي عن هشام تسهيله ولم يسهل من المكسور وغيره، وفي جميع المفتوح خلف مقدم سوى حرف نون والأحقاف و"أأعجمي" و"أأمنتم"، ولم يذكر صاحب التيسير في حرف فصلت لهشام غير التسهيل ولم يذكر صاحب الروضة فيه لابن عامر بكماله غير التحقيق. فإن قلت: من أين يعلم أن لهشام المد في هذه المواضع السبعة بلا خلاف وكل واحد من الأمرين محتمل؛ لأنه ذكر الخلاف له في المد قبل المكسور، واستثنى هذه المواضع فمن أين تعلم المد دون القصر؟ قلت: هذا سؤال جيد، وجوابه أنه قد قدم أنه يمد قبل الفتح والكسر ثم استثنى الخلاف له قبل الكسر إلا في سبعة فلو لم يذكر الخلف في المكسورة لأخذنا له المد في الجمع عملا بما ذكر أولا فغايته أنه عين ما عدا السبعة للخلاف فنزل هذا منزلة استثناء من استثناء، فكأنه قال: يمد مطلقا إلا قبل الكسر فإنه لا يمد إلا في سبعة مواضع فمعناه أنه يمد فيها؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات على أنه لو قال سوى سبعة فالمد حتم بمريم لزال هذا الإشكال والله أعلم. 199- وَآئِمَّةً بِالخُلْفِ قَدْ مَدَّ وَحْدَهُ ... وَسَهِّلْ "سَمَا" وَصْفاً وَفي النَّحْوِ أُبْدِلا لم يمد هنا بين الهمزتين غير هشام بخلاف عنه؛ لأن الأولى من بنية الكلمة كما سبق ذكره، ولأن الهمزة الثانية حركتها عارضة فلم يتحكم ثقلها إذا أصلها السكون، وذلك أن أئمة جمع إمام وأصله أئمة على وزن مثال   1 سورة الأعراف، آية: 81. 2 سورة الأعراف، آية: 113. 3 الآية: 41. 4 و5 الآية: 52 و86. 6 الآية: 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وأمثلة ثم نقلت حركة الميم إلى الهمزة فانكسرت وأدغم الميم في الميم فمن حقق فعلى هذا وهم الكوفيون وابن عامر على أصولهم، ومن سهل أيضا فهو على أصله، وهم مدلول سما؛ إذ قد اجتمع همزتان متحركتان الآن ولا نظر إلى كون الحركة عارضة فإن ذلك الأصل مرفوض، وقوله: أئمة مفعول مقدم بالخلف أي مدها مدًّا ملتبسا بالخلف، ووصفا تمييز أي سما وصف التسهيل، ثم قال: وفي النحو أبدلا أي رأى أهل النحو إبدال الهمزة ياء في أئمة نص على ذلك أبو علي في الحجة والزمخشري في مفصله، ووجهه النظر إلى أصل الهمزة وهو السكون وذلك يقتضي الإبدال مطلقا، وتعينت الياء هنا لانكسارها الآن فأبدلت ياء مكسورة ثم لم يوافق أبو القاسم الزمخشري أهل النحو في ذلك واختار مذهب القراء فقال في تفسيره في سورة براءة في قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} "1. فإن قلت كيف لفظ أئمة؟ قلت: همزة بعدها همزة بين بين أي بين مخرج الهمزة والياء وتحقيق الهمزتين قراءة مشهورة وإن لم تكن مقبولة عند البصريين. قال: وأما التصريح بالياء فليس بقراءة ولا يجوز أن تكون، ومن صرح بها فهو لاحِنٌ محرف. قلت: ولم يذكر صاحب التيسير إبدالهما ياء ولا ذكر مسألة أئمة في هذا الباب، وإنما ذكرها في سورة براءة، ولفظ الناظم بأئمة على قراءة هشام بالمد والضمير في قوله أبدلا للمسهل المفهوم من قوله وسهل وهو الهمز المكسور. وقال ابن جنى في باب شواذ الهمز من كتاب الخصائص: ومن شواذ الهمز عندنا قراءة الكسائي أئمة بالتحقيق فيهما، فالهمزتان لا تلتقيان في كلمة واحدة إلا أن تكونا عينين نحو: سأال وسأار وجأار، وأما التقاؤهما على التحقيق من كلمتين فضعيف عندنا وليس لحنا، وذلك نحو قرأ أبوك و: "السُّفَهَاءُ أَلا"2، {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ} 3، {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ} 4. فهذا كله جائز عندنا على ضعف لكن التقاؤهما في كلمة واحدة غير عينين لحن إلا ما شذ مما حكيناه في خطاء وبابه. 200- وَمَدُّكَ قَبْلَ الضَّمِّ "لَـ"ـبَّى "حَـ"ـبِيبُهُ ... بِخُلْفهِمَا "بَـ"رَّا وَجَاءَ لِيَفْصِلا مضى الكلام في المد قبل الفتح والكسر ثم ذكر المد قبل الضم فنص على أن لهشام وأبي عمرو خلافا في ذلك، ولم يذكر عن قالون خلافا في المد، وقد ذكره ابن الفحام في تجريده، وأما أبو عمر فالمشهور عنه   1 الآية: 12. 2 سورة البقرة، آية: 13. 3 سورة الحج، آية: 65. 4 سورة البقرة، آية: 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ترك المد، ولم يذكر له صاحب التيسير غيره، وذكره غيره، وأما هشام فله ثلاثة أوجه اثنان كالوجهين عن أبي عمرو والثالث فصله في البيت الآتي والهاء في حبيبه تعود إلى المد: أي لباه حبيبه، ويكون الحبيب كناية عن القارئ كأن المد ناداه ليجعله في قراءته فأجابه بالتلبية والقبول له وبرا حال من حبيبه أي لباه في حال بره وشفقته عليه أو يكون برا مفعول لبى حبيبه قارئا بارا بالمد مختارا له والبر والبار، بمعنى واحد وهو ضد العاق المخالف والضمير في جاء للمد أي جاء المد للفصل بين الهمزتين. 201- وَفي آلِ عِمْرَانَ رَووْا لِهِشَامِهِمْ ... كَحَفْصٍ وَفي الْبَاقِي كَقَالُونَ وَاعْتَلا فصل في هذا البيت الوجه الثالث الذي لهشام، وشرحه أن يقال إن هذه الهمزة المضمومة بعد المفتوحة جاءت في القرآن في ثلاثة مواضع، وجاءت لبعضهم في موضع رابع، أما الثلاثة ففي آل عمران: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} 1 وفي ص: {أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} 2 وفي القمر: {أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ} 3 والرابع في الزخرف: "أَءُشْهِدُوا خَلْقَهُمْ"4. على قراءة نافع وحده وسيأتي في سورته، والباقون بهمزة واحدة فلا مد فيه لغير نافع، ومذهب هشام في الثلاثة على ما في التيسير أنه في آل عمران بلا خلاف فإنه قال: وهشام من قراءتي على أبي الحسن بتحقيق الهمزتين من غير ألف بينهما في آل عمران، ويسهل الثانية ويدخل قبلها ألفا في الباقيتن كقالون والباقون يحققون الهمزتين في ذلك وهشام من قراءتي على أبي الفتح كذلك ويدخل بينهما ألفا. فقد اتفق الشيخان أبو الحسن وأبو الفتح على التحقيق في آل عمران وعلى المد في ص والقمر، واختلفا في المد في آل عمران والتسهيل في ص والقمر فتكون قراءة هشام في ص والقمر كقراءته: "أئنكم" في فصلت مد بلا خلاف وتسهيل بخلاف، فيكون قد فعل في المكسورة في بعض مواضعها، وجماعتنا أشكل عليهم تنزيل النظم على ما في التيسير، وصوابه أن يقال لهشام في هذه الثلاثة ثلاثة أوجه: القصر التحقيق في الجميع وهذا الوجه ذكره صاحب الروضة وغيره وهو من زيادات هذه القصيدة. والوجه الثاني المد في الجميع مع التحقيق وهذا الذي قرأه صاحب التيسير على أبي الفتح فارس بن أحمد وهو شيخه الذي ذكره في آخر باب التكبير. والوجه الثالث التفصيل، القصر والتحقيق في آل عمران والمد والتسهيل في الباقيين، وهذا الذي قرأه صاحب التيسير على أبي الحسن طاهر بن غلبون الذي سبق ذكره في باب المد والقصر فالوجهان الأولان لهشام يماثل فيهما أبا عمرو في أنه يمد في الجميع ولا يمد، فلهذا أدرجه الناظم معه، فقال في البيت الأول: بخلفهما، ثم ذكر لهشام الوجه الثالث في البيت الثاني، ولو أنه نظم مقتصرا على ما في التيسير لقال ما كنت قد نظمته قديما تسهيلا على الطلبة:   1 سورة آل عمران، آية: 15. 2 الآية: 8. 3 الآية: 25. 4 الآية: 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 ومدك قبل الضم بر حبيبه ... بخلف هشام في الثلاثة أصلا ففي آل عمران يمد بخلفه ... وفي غيرها حتما وبالخلف سهلا أي مد حتما بلا خلاف والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 بب: الهمزتين من كلمتين ... باب: الهمزتين في كلمتين يعني الهمزتين المجتمعتين من كلمتين، وذلك أن تكون أولاهما آخر كلمة والثانية أول كلمة آخرى، وذلك يأتي على ضربين. أحدهما: أن يتفقا في الفتح أو الكسر أو الضم. والآخر: أن لا يتفقا في شيء من ذلك بل يختلفا فيه، ولكل واحد من الضربين حكم يخصه، وقد بين كلاهما منها وبدأ بقسم الاتفاق فقال: 202- وَأَسْقَطَ الُاولَى في اتِّفَاقِهِمَا مَعًا ... إِذَا كَانَتَا مِنْ كِلْمَتَيْنِ فَتَى الْعلا فتى العلا فاعل أسقط يعني ولد العلا وهو أبو عمرو بن العلاء أسقط الهمزة الأولى من المتفقتين بالفتح والكسر والضم وهذا نقل علماء القراءات عن قراءة أبي عمرو بإسقاط الهمزة. ثم منهم من يرى أن الساقطة هي الأولى؛ لأن أواخر الكلم محل التغيير غالبا ومنهم من يجعل الساقطة هي الثانية؛ لأن الثقل بها حصل. والذي نقله النحاة عن أبي عمرو أنه يخفف الأولى من المتفق والمختلف جميعا. قال أبو علي في التكملة: أهل التحقيق يحققون إحداهما فمنهم من يخفف الأولى ويحقق الثانية، ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الثانية، وهو الذي يختاره الخليل، ويحتج بأن التخفيف وقع على الثانية إذا كانتا في كلمة واحدة نحو آدم وآخر فكذلك إذا كانتا من كلمتين. قال الخليل: رأيت أبا عمرو قد أخذ بهذا القول في قوله: {يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ} 1. قال العبدي في شرحه: مذهب أبي عمرو تخفيف الأولى، ومذهب الخليل تخفيف الثانية، والقراء على خلاف ما حكاه النحويون عنه؛ وذلك أنهم يقولون: الهمزتان إذا التقيا بحركة واحدة حذفت إحداهما حذفا من غير أن تجعلها بين بين، وإذا اختلفت الحركة عادوا إلى ما قلناه، قال وقياس قول أبي عمرو المحذوفة هي الأولى؛ لأنه حكى مذهبه أن تكون الأولى بين بين. قلت: ومن فوائد هذا الاختلاف ما يظهر في نحو: {جَاءَ أَمْرُنَا} 2 من حكم المد فيه.   1 سورة هود، آية: 72. 2 سورة هود، آية: 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 فإن قيل الساقطة هي الأولى كان المد فيه من قبيل المنفصل، وإن قيل هي الثانية كان المد من قبيل المتصل، وقد نص مكي في كتاب التبصرة على قول أن الساقطة هي الأولى. ثم إن القارئ لأبي عمرو إذا وقف على "جاء" فإنه يمد ويهمز فإن الحذف إنما يكون في الوصل؛ لأن الاجتماع إنما يحصل فيه. ولم أر أن النحويين ذكروا لغة الإسقاط. ووجهها على ما نقله القراء أن من مذهب أبي عمرو الإدغام في المثلين ولم يمكن هنا لثقل الهمز غير مدغم فكيف به مشددا مدغما فعدل الإسقاط واكتفى به، وقوله: معا حال من ضمير التثنية الذي أضيف إليه الاتفاق؛ لأنه بمنزلة قولك: اتفقا معا، ولا فائدة لقوله معا في هذا الموضع إلا مجرد التوكيد، كما لو قال: كليهما، وفي غير هذا الموضع معا يذكر لفائدة سننبه عليها في الباب الآتي، والهاء في اتفاقهما عائدة1 على الهمزتين في قوله في أول الباب السابق: وتسهيل أخرى همزتين، ثم مثل صورة الاتفاق فقال: 203- كَجَا أَمْرُنَا مِنَ السَّماَ إِنَّ أَوْلِيَا ... أُولئِكَ أَنْوَاعُ اتِّفَاقٍ تَجَمَّلا فمثل المفتوحتين بقوله تعالى: {جَاءَ أَمْرُنَا} والمكسورتين بقوله في سبأ: {مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ} 2. والمضمومتين بقوله في الأحقاف: {أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ} 3. وليس في القرآن العزيز غيره، ولفظ بالأمثلة الثلاثة على لفظ قراءة أبي عمرو فالهمزة المسموعة في جاء أمرنا هي أول أمرنا ومثله: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} 4. الهمزة أول "أنشره"؛ لأنها همزة قطع فإن اتفق بعد ما آخره همزة همزة وصل حذفت فتبقى الهمزة المسموعة هي آخر الكلمة الأولى لجميع القراء: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ} 5، {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ} 6. الهمزة آخر شاء وآخر الماء. وقوله: أنواع خبر مبتدأ محذوف؛ أي هي أنواع اتفاق تجمل أي تزين. ثم بين مذهب قالون والبزي فقال: 204- وَقَالُونُ وَالْبَزِّيُّ في الْفَتْحِ وَافَقَا ... وَفي غَيْرِهِ كَـ "الْيا" وَكَالْوَاوِ سَهَّلا أي وافقا أبا عمرو في ذواتي الفتح، فأسقطا الأولى منهما وفي غير الفتح جعلا المكسورة كالياء والمضمومة كالواو أي سهلا كل واحدة منهما بين بين فجمعا بين اللغتين.   1 بعيد والأولى عودها على الهمزتين في هذا الباب، ومثلها الألف في "كانتا" اهـ ضباع. 2 سورة هود، آية: 40. 3 الآية: 32. 4 سورة عبس، آية: 32. 5 سورة المزمل، آية: 19. 6 سورة الحج، آية:5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 205- وَبِالسُّوءِ إِلاَّ أَبْدَلا ثُمَّ أَدْغَمَا ... وَفِيهِ خِلاَفٌ عَنْهُمَا لَيْسَ مُقْفَلا يعني قوله تعالى في سورة يوسف: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} 1، خالفا فيها أصلهما فعدلا عن تسهيل همزة السوء بين بين؛ لأن لغة العرب في تخفيف همزة مثل ذلك على وجهين سيأتي ذكرهما في باب وقف حمزة وهشام. أحدهما: أن تُلقى حركة الهمزة على الواو وبحذف الهمز وهذا لم يقرأ به لهما، وهو الوجه المختار في تخفيف همز ذلك، وقد نبه عليه مكي -رحمه الله- في التبصرة. والثاني: أن تبدل الهمزة واوا، وتدغم الواو التي قبل الهمزة فيها، وهذا الوجه هو المذكور لهما في هذا البيت أي أبدلا الهمز واوا ثم أدغما فيها الواو التي قبلها، وإنما اختارا هذا على وجه نقل الحركة؛ لأن النقل يؤدي هنا إلى أن تنكسر الواو بعد ضمة، فتصير مثل قول، وهو مرفوض في اللغة، وقول بالتشديد مستعمل وهو أخف من قول، ولعل سببه حجز الساكن بين الضمة والكسرة، وقد فعل قالون نحو ذلك في لفظ النبي في موضعين في سورة الأحزاب؛ لأنه يهمز لفظ النبي، وقبل الهمز ياء، فأبدل الهمزة ياء وأدغم فيها الياء التي قبلها وذلك متعين، ثم لا يجوز فيه نقل حركة الهمزة إلى الياء؛ لأنها زائدة بخلاف الواو هنا وهذا سيأتي ذكره ف سورة البقرة إن شاء الله تعالى، ثم قال: "وفيه" أي: وفي تخفيف بالسوء خلاف عن قالون والبزي ليس مقفلا أي ليس مغلقا أو ليس مقفلا عليه أي ممنوعا لا يوصل إليه بل هو مشهور معروف في كتب مصنفة منها التبصرة لمكي، وإن كان صاحب التيسير ما ذكره ولم يذكر هذه المسألة إلا في سورتها، والخلاف المشار إليه أنهما قرآها بين بين على أصلهما ولا يمنع من ذلك كون الواو ساكنة قبلها؛ فإنها لو كانت ألفا لما امتنع جعلها بين بين بعدها لغة على ما يأتي فالواو قريبة منها والله أعلم. قال مكي: ذكر عن قالون فيها أنه يجعل الأولى كالياء الساكنة، قال: والأحسن الجاري على الأصول إلقاء الحركة ولم يرو عنه، ويليه في الجواز الإبدال والإدغام وهو الأشهر عن قالون وهو الاختيار لأجل جوازه والرواية، قال: فأما البزي فقد روي عنه الوجهان أيضا والاختيار الإبدال والإدغام؛ لجريه على الأصول. قلت: فهذا آخر الكلام في مذهب من يخفف الهمزة الأولى إما بإسقاط وإما بتسهيل، وذلك في الوصل فلو وقف عليها لحققت الهمزة، وسنذكر ذلك أيضا في سورة البقرة بتوفيق الله تعالى. 206- وَالُاخْرَى كَمَدٍّ عِنْدَ وَرْشٍ وَقُنْبُلٍ ... وَقَدْ قِيلَ مَحْضُ المَدِّ عَنْهَا تَبَدَّلا مذهب أبي عمرو وقالون والبزي كان متعلقا بالهمزة الأولى ومذهب ورش وقنبل يتعلق بالثانية؛ لأن الثقل عندها حصل وهي المرادة بقوله: "والأخرى" وروي عنهما في تسهيلها وجهان؛ أحدهما: جعلها بين بين؛ لأنها همزة متحركة ما قبلها كذلك قياس تسهيلها وهو المراد بقوله: كمد، والوجه الثاني لم يذكر في التيسير، وهو أن تبدل حرفا ساكنا من جنس حركتها، وهو مذهب عامة المصريين كما فعلوا ذلك في المفتوحتين في كلمة   1 الآية: 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 واحدة إلا أن البدل هنا عام في المفتوحة والمكسورة والمضمومة؛ لأنه أمكن إبدال المكسورة ياءا ساكنة والمضمومة واواً ساكنة؛ لأن حركة ما قبلهما من جنسهما، ولم يمكن ذلك في كلمة واحدة؛ لأن قبلهما فتحا وبعدهما ساكنا والهمز المتحرك: المتحرك ما قبله لا يبدل إلا سماعا وهذا المراد بقوله "محض المد" قالوا: وأما "جا آل"1 فالبدل فيه ممتنع والتسهيل متعين خوفا من اجتماع ألفين. قلت: وأي مانع في ذلك إذا اجتمع ألفان زيد في المد لهما لو حذف إحداهما كما ذُكر هذان الوجهان لحمزة في وقفه على مثل "يشاء" و"من السماء" وهو قوله فيما يأتي: ويقصر أو يمضي على المد أطولا إلا أنه اغتفر ذلك في وقف حمزة؛ لتعينه وأما "جاء آل" فلنا عنه مندوحة إلى جعل الهمزة بين بين فصير إليه. وقوله: محض المد مبتدأ وخبره قوله: عنها تبدلا أي تبدل المد المحض عن الهمزة. وقال بعض الشارحين محض المد منصوب بقوله: نبدل. قلت: فالمعنى حينئذ تبدل الهمز محض المد فيبقى قوله عنها لا معنى له، فنصب محض المد فاسد والله أعلم. 207- وَفي هؤُلا إِنْ وَالْبِغَا إِنْ لِوَرْشِهِمْ ... بِيَاءِ خَفِيفِ الْكَسْرِ بَعْضُهُمْ تَلا قال صاحب التيسير2: وأخذ على ابن خاقان لورش بجعل الثانية ياء مكسورة في البقرة في قوله: "هؤلاء إن كنتم"3. وفي النور: "على البغاء يإن أردن"4. فقط، قال: وذلك مشهور عن ورش في الأداء دون النص. قلت: وهذا الوجه مختص بورش في هذين الموضعين وفيهما له ولقنبل الوجهان السابقان: 208- وَإِنْ حَرْفُ مَدِّ قَبْلَ هَمْزٍ مُغَيَّرٍ ... يَجُزْ قَصْرُهُ وَالْمَدُّ مَا زَالَ أَعْدَلا هذا الخلاف يجيء على مذهب أبي عمرو وقالون والبزي؛ لأنهم يغيرون الأولى إسقاطا أو تسهيلا فوجه القصر زوال الهمز أو تغيره ع لفظه المستثقل، والمد إنما كان لأجله ووجه المد النظر إلى الأصل، وهو الهمز وترك الاعتداد بما عرض من زواله، ونبه على ترجيح وجه المد بقوله: والمد ما زال أعدلا؛ لقول صاحب التيسير إنه أوجه فإنه قال: ومتى سهلت الهمزة الأولى من المتفقتين أو أسقطت فالألف التي قبلها ممكنة على حالها مع تخفيفها اعتدادا بها، ويجوز أن يقصر الألف؛ لعدم الهمزة لفظا والأول أوجه، ثم اعلم أن هذين الوجهين على قراءة الإسقاط إنما هما في مذهب من يقصر في المنفصل كبالزي والسوسي وقالون والدوري في أحد الروايتين عنهما فإنهم يمدون المتصل نحو: "جاء، السماء، أولياء".   1 سورة الحجر، آية: 61. 2 هذه عبارة اصطلاحية فيقال: أخذ علي القراءة بمعنى قرأْتُ عليه اهـ ضباع. 3 الآية: 31. 4 الآية: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 فلما تغيرت الهمزة في قراءتهم اتجه الخلاف المذكور إما في قراءة من يمد المتصل والمنفصل جميعا فكل ذلك ممدود له بلا خلاف كالرواية الأخرى عن قالون والدوري؛ لأنه كيف ما فرض الأمر فهو إما متصل أو منفصل فليس لهم إلا المد وكذا على قول من زعم أن الهمزة الساقطة هي الثانية ليس إلا المد في قراءته؛ لأن الكلمة التي فيها المد المتصل بحالها ويجري الوجهان لحمزة في وقفه على نحو: "الملائكة، و: إسرائيل". وكل هذه تنبيهات حسنة والله أعلم، ومضى وجه قوله: وإن حرف مد بغير فعل مفسر في شرح قوله وإن همز وصل في الباب السابق. 209- وَتَسْهِيلُ الُاخْرَى في اخْتِلاَفِهِماَ "سَمَا" ... تَفِيءَ إِلَى مَعْ جَاءَ أُمَّةً انْزِلاَ فرغ الكلام في أحكام المتفقتين ثم شرع في بيان حكم المختلفتين؛ إذ التقتا في كلمتين فالأولى محققة بلا خلاف عند القراء، وإن كان يجوز تسهيلها عند النحاة على ما سبق ذكره. ووجه ما اختاره القراء أن حركة الثانية مخالفة للأولى فلم يصح أن تكون خلفا منها، ودالة عليها بخلاف المتفقتين ثم إن الذين سهلوا في المتفقتين على اختلاف أنواع تسهيلهم وهم مدلول سما هم أيضا الذين سهلوا الثانية من المختلفتين متفقين على لفظ تسهيلها على ما يأتي بيانه. ثم شرع يعدد أنواع اختلافها، وهي خمسة أنواع، والسمة العقلية تقتضي ستة إلا أن النوع السادس لا يوجد في القرآن فلهذا لم يذكر. أما الخمسة الموجودة في القرآن فهي أن تكون الأولى مفتوحة والثانية مكسورة أو مضمومة وأن تكون الثانية مفتوحة والأولى مضمومة أو مكسورة فهذه أربعة أنواع والخامس أن تكون الأولى مضمومة والثانية مكسورة والنوع السادس الساقط أن تكون الأولى مكسورة والثانية مضمومة نحو في الماء أمم فذكر في هذين البيتين النوعين الأولين من الخمسة المكسورة بعد المفتوحة بقوله: {تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} 1. والمضمومة بعد المفتوحة بقوله: {جَاءَ أُمَّةً} 2. في سورة "قد أفلح"، وليس في القرآن من هذا الضرب غيره، وأما -تفيء إلى- فمثله كثير نحو: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ} 3. وموضع قوله: {تَفِيءَ إِلَى} رفع؛ لأنه خبر مبتدأ محذوف أي هي نحو: {تَفِيءَ إِلَى} . وكذا وكذا، وقوله: أنزلا جملة معترضة:   1 سورة الحجرات، آية: 9. 2 الآية: 44. 3 سورة البقرة، آية: 133. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 210- نَشَاءُ أَصَبْنَا والسَّماءِ أَوِ ائْتِنَا ... فَنَوْعَانِ قُلْ كـ "الْيَا" وَكَالْوَاوِ سُهِّلا وهذان نوعان على العكس مما تقدم وهما مفتوحة بعد مضمومة كقوله تعالى في سورة الأعراف: {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} 1، ومثله: "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ"3 في قراءة نافع ومفتوحة بعد مكسورة كقوله في الأنفال: "من السماء أو ائتنا3 بعذاب أليم". فأما النوعان الأولان في البيت السابق فالثانية فيهما مسهلة بين بين وهو المراد بقوله: كالياء وكالواو؛ لأنها همزة متحركة بعد متحرك وأما النوعان اللذان في هذا البيت فأبدلت فيهما ياء وواوا كما قال: 211- وَنَوْعَانِ مِنْهَا أُبْدِلا مِنْهُمَا وَقُلْ ... يَشَاءُ إِلى كـ "الْيَاءِ" أَقْيَسُ مَعْدِلا منها؛ أي: من الأنواع المتقدمة، والضمير في أبدلا عائد إلى الياء والواو في قوله: كالياء وكالواو، وفي منهما للهمزتين أي أبدل الياء والواو من همزهما، وهذا قياس تخفيف الهمزة المفتوحة بعد الضم أن تبدل واوا وبعد الكسرة أن تبدل ياء، وهذا مما استثني من تسهيل الهمز المتحرك بعد حرف متحرك بين بين لمعنى اقتضى ذلك على ما نبين في باب وقف حمزة إن شاء الله تعالى فأبدلت في: "نشاء أصبناهم" واوا، وفي: "السماء أو ائتنا" ياء. وا يضر كونه في البيت السابق قدم ذكر الياء على الواو قوله: كالياء وكالواو سهلا، ثم قال: ونوعان منهما أبدلا فعاد الضمير إليهما والواو في هذا البيت متقدمة على الياء من لفظ ما مثل به من الآيتين فإنا نرد كل شيء إلى ما يليق به، وله نظائر فقوله: ونوعان مبتدأ و"منها" صفته، وأبدلا خبره، ونوعان في البيت السابق أيضا مبتدأ وسهلا صفته وخبره محذوف قبله أي فمنها نوعان سهلا كالياء وكالواو ومنها نوعان أبدلا منهما، فلما ذكر منهما بعد نوعان صارت صفة له ثم ذكر النوع الخامس وهو مكسورة بعد مضمومة نحو: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 4؛ فقياسها أن تجعل بين الهمزة والياء؛ لأنها مكسورة بعد متحرك أي جعلها كالياء أقيس من غيره لغة، ومعدلا تمييز أي أقيس عدول عن هذه الهمزة هذا العدول، ثم ذكر مذهب القراء فيها فقال: 212- وَعَنْ أَكْثَرِ القُرَّاءِ تُبْدَلُ وَاوُهَا ... وَكُلٌّ بِهَمْزِ الكُلِّ يَبْدَا مُفَصَّلا واوها ثاني مفعولي تبدل فلهذا نصبه والهاء عائدة على الهمزة؛ لأنها تبدل منها في مواضع أو على الحروف للعلم بها أي تبدل الهمزة واوا مكسورة. وقال صاحب التيسير: المكسورة المضموم ما قبلها تسهل على وجهين: تبدل واوا مكسورة على حركة   1 الآية: 100. 2 سورة الأحزاب، آية: 6. 3 الآية: 22. 4 سورة البقرة، آية: 213. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 ما قبلها وتجعل بين الهمزة والياء على حركتها والأول مذهب القراء وهو آثر، والثاني مذهب النحويين وهو أقيس. قلت: ولم يذكر مكي في التبصرة ولا ابن الفحام في التجريد ولا صاحب الروضة غير الوجه الأقيس وذكر ابن شريح ثلاثة أوجه فذكر الوجه الأقيس. ثم قال: وبعضهم يجعلها بين الهمزة والواو ومنهم من يجعلها واوا والأول أحسن. قلت: فلهذا قال الشاطبي عن أكثر القراء تبدل واوها؛ لأن منهم من سهلها باعتبار حركة ما قبلها؛ لأنها أثقل من حركتها وهذا الوجه أقرب من وجه الإبدال الذي عليه الأكثر، وهذان الوجهان سيأتيان في باب وقف حمزة منسوبا الإبدال إلى الأخفش، ووجه التسهيل موصوف ثم بالإعضال، وسيأتي الكلام على ذلك. وقوله: وكل بهمز الكل يبدأ ... أي وكل من سهل الثانية من المتفقتين والمختلفتين، وإنما ذلك في حال وصلها بالكلمة قبلها؛ لأن الهمزتين حينئذ متصلتان وتلتقيان، فأما إذا وقف على الكلمة الأولى فقد انفصلت الهمزتان فإذا ابتدأ بالكلمة الثانية حقق همزتها، ولو أراد القارئ تسهيلها لما أمكنه؛ لقرب المسهلة من الساكن والساكن لا يمكن الابتداء به. وقوله: يبدأ أبدل فيه الهمزة ألفا ضرورة أو يقدر أنه وقف عليه فسكنت الهمزة فجاز قلبها حينئذ ألفا ومفصلا أي مبينا لفظ الهمزة محققا له. فإن قلت: كما بين الابتداء للكل كان ينبغي أن يبين الوقف على الأولى للكل؛ لأن التسهيل قد وقع في الأولى وفي الثانية في حال الاتصال، فبقي بيان حالهما في الانفصال فلم تعرض لبيان حال الثانية دون الأولى؟ قلت: من حقق الهمزة الأولى وقف عليها ساكنة إلا من عرف من مذهبه أنه يبدلها كما يأتي في باب وقف حمزة وهشام ومن سهلها وقف أيضا بسكونها؛ إذ لا تسهيل مع السكون وللكل أن يقفوا بالروم والإشمام بشرطهما على ما سيأتي في بابه، فلما كان للوقف باب يتبين فيه هذا وغيره أعرض عنه وأما الابتداء فلا باب له فبين هنا ما دعت الحاجة إلى بيانه. والله أعلم وأحكم. 213- وَالِابْدَالُ مَحْضٌ وَالمُسَهَّلُ بَيْنَ مَا ... هُوَ الهَمْزُ وَالحَرْفُ الَّذِي مِنهُ أُشْكِلا لما كان يستعمل كثيرًا لفظي الإبدال والتسهيل احتاج إلى بيان المراد منهما في اصطلاح القراء فقال: الإبدال محض أي ذو حرف محض أي يبدل الهمز حرف مد محضا ليس يبقى فيه شائبة من لفظ الهمز بخلاف التسهيل فإنه عبارة عن جعل الهمز بينه وبين الحرف المجانس لحركة الهمزة فمن أبدل في موضع التسهيل أو سهل في موضع الإبدال فهو غالط فما في قوله: بين ما بمعنى الذي أي بين الذي هو الهمز وبين الحرف الذي منه أي من جنس لفظه أشكل الهمز أي ضبط بما يدل على حركته. قال الجوهري: يقال شكلت الكتاب: قيدته بالإعراب، قال: ويقال أشكلت الكتاب بالألف كأنك أزلت عنه الإشكال والالتباس ويقع في كثير من عبارات المصنفين غير ذلك، فيرى بعضهم يقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 قرأ ورش وابن كثير بهمزة وبعدها مدة في تقدير ألف، وقرأ قالون وأبو عمرو وهشام بهمزة وبعدها مدة مطولة في تقدير ألفين فكملت هذه العبارة كثيرا من الناس على أن مدوا بعد الهمزة، وكان بعض أهل الأداء يقرب الهمزة المسهلة من مخرج الهاء. وسمعت أنا منهم من ينطق بذلك وليس بشيء والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 باب الهمز المفرد: يعني بالمفرد الذي لم يجتمع مع همز آخر، وما مضى في البابين السابقين، فهو حكم الهمز المجتمع مع همز آخر في كلمة وكلمتين، ثم شرع في بيان الهمز المفرد فذكر حكمه في ثلاثة أبواب متوالية، هذا أولها. وتخفيف الهمز يقع على ثلاثة أضرب نقل، وإبدال، وبين بين. فالذي مضى في البابين تخفيفه في عموم الأحوال بين بين، وجاء منه شيء قليل بالإبدال والإسقاط. والذي في هذا الباب كله إبدال. والذي في الباب بعده كله نقل: وباب وقف حمز في جميع الأنواع، وإنما قدم الأبواب التي كثر مسهلوها، وأخر ما ينفرد به واحد أو اثنان، والله المستعان. 214- إِذَا سَكَنَتْ فَاءً مِنَ الفِعْلِ هَمْزَةٌ ... فَوَرْشٌ يُرِيهَا حَرْفَ مَدٍّ مُبَدَّلا أي إذا سكنت همزة في حال كونها فاء من الفعل؛ لأنه حال بمعنى متقدمة، ويجوز أن يكون ظرفا؛ لأنه بمعنى أولا ومعنى كونها فاء للفعل أن الكلمة التي تكون فيها همزة لو قدرتها فعلا لوقعت الهمزة موضع فائه أي أول حروفه الأصول وذلك نحو: {مَأْتِيًّا} 1؛ لأنك لو قدرت هذا فعلا لكان أتى ووزن أتى فعل فالهمزة موضع الفاء وتقريبه أن يقال هي كل همزة ساكنة بعد همزة وصل أو تاء أو فاء أو ميم أو نون أو واو أو ياء يجمعها قولك: فيتمنو، وهمزة الوصل نحو قوله: {ائْتِ بِقُرْآنٍ} 2، {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} 3، {الَّذِي اؤْتُمِنَ} 4؛ لأن وزنها أفعل، وافتعل يؤمنون، فأتوا، فائيا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} 5، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ} 6، "وائتمروا بينكم"7؛ لأن وزنهما أفعل وافتعلوا:   1 سورة مريم، آية: 61. 2 سورة يونس، آية: 15. 3 سورة طه، آية: 64. 4 سورة البقرة، آية: 283. 5 سورة البقرة، آية: 55. 6 سورة طه، آية: 122. 7 سورة الطلاق، آية: 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 {يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} 1. ولا فرق بين أن تكون هذه الحروف أو الكلمة أول في وسطها نحو: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} 2، {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ} 3، {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ} 4. فإذا علمت همزة فاء الفعل بالحد والعلامة فإذا وقعت ساكنة أبدلها ورش حرف مد من جنس حركة ما قبلها، فـ "في يأتين" إبدالها ألفا، وفي "الذي أؤتمن" ياء، وفي "نؤمن لك" واوا، وقوله: يريها أي يريك إياها، وحرف مد مفعول ثالث إن كأن يرى بمعنى يعلم أي ورش ومن يقوم مقامه من المعلمين قراءته يعلمونك أيها الطالب بأنها في قراءته حرف مد ويجوز أن يكون يرى من رؤية البصر فيكون حرف مد حالا أي يبصرك إياها على هذه الصفة كقولك أرأيت زيدا فقيرا وأرأيته إياه غنيا أي بصرته به فأبصره في هاتين الحالتين وإنما خص ورش همزة فاء الفعل بالإبدال دون همزة عينه ولامه، وهي الواقعة في الوزن في موضع العين أو اللام؛ لأن همزة فاء الفعل كأنها مبتدأة وورش من أصله نقل حركة الهمزة المبتدأة كما يأتي فأجرى هذه مجرى تيك في التعبير؛ أو لأنه لما وجب إبدالها في نحو: {آمَنَ} 5، {وَآتَى الْمَالَ} 6. مما وقعت فيه بعد همزة طرد الباب، فأبدلها مطلقا كما فعلت العرب في مضارع أفعل حذفوا الهمزة؛ لأجل حذفها مع همزة المتكلم مع سائر حروف المضارعة، وأبدل ورش ثلاثة مواضع من همزات عين الفعل وهي: بئر، وبئس، والذئب وسيأتي. ومبدلا حال من ضمير ورش وهو فاعل يريها وبدل وأبدل لغتان قرئ بهما في مواضع وهما كنزل وأنزل وفي التشديد معنى التكثير ثم ذكر ما استثناه ورش من همز فاء الفعل فلم يبدله فقال: 215- سِوَى جُمْلَةِ الإِيوَاءِ وَالْوَاوُ عَنْهُ إِنْ ... تَفَتَّحَ إِثْرَ الضَّمِّ نَحْوُ مُؤَجَّلا أي سوى كل كلمة مشتقة من لفظ الإيواء نحو: تؤوي، وتؤويه، ومأواهم، ومأواكم، والمأوى، وفأووا إلى. وعلته أن الهمز في تؤوي أخف من إبداله فطرد جميع الباب لأجله، وجمع بين اللغتين ثم استأنف كلاما آخر بقوله: والواو عنه أي مبدلة نائبة عن همز فاء الفعل إن تفتح الهمز بعد ضم، وذلك قياس تخفيف كل همز مفتوح بعد ضم أن يبدل واوا ولم يخفف غير هذا من همز فاء الفعل نحو: "يتأخر، ومآرب، وتؤزهم"؛ لأنه كان يلزمه فيه التسهيل، وإنما مذهبه الإبدال في همز فاء الفعل فلم يخرج عنه، وقيل الهاء في عنه تعود على ورش والواو مروية عن ورش إن يفتح الهمز، والأول أولى؛ لأن فيه عود الضمير في عنه وتفتح إلى شيء واحد، وقد روي عن ورش تسهيل باقي الباب في فاء الفعل على ما يقتضيه القياس، والمشهور الأول. وإثر: ظرف، يقال إثْر وأَثَر ومؤجلا في موضع جر وإنما نصبه حكاية للفظه في القرآن العزيز وهو قوله تعالى:   1 سورة الحج، آية: 37. 2 سورة النمل، آية: 54. 3 سورة الأحزاب، آية: 13. 4 سورة النمل، آية: 37. 5 و6 سورة البقرة، آية: 177. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 {كِتَابًا مُؤَجَّلًا} 1، ومثاله: {يُؤَاخِذُكُمْ} 2، {يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} 3، {لا تُؤَاخِذْنَا} 4، {وَالْمُؤَلَّفَةِ} 5، ويؤيد ... وغير ذلك. وأما نحو: "فؤادك، وسؤال" فالهمزة فيه عين الفعل فلا يبدلها والله أعلم. 216- وَيُبْدَلُ لِلسُّوسِيِّ كُلُّ مُسَكَّنٍ ... مِنَ الهَمْزِ مَدًّا غَيْرَ مَجْزُومِ نُ اْهْمِلا وهذا الإبدال منسوب في كتاب التيسير وغيره إلى أبي عمرو نفسه لم يختص السوسي بذلك، وذكره في باب مستقل غير الباب الذي بين فيه مذهب ورش. وقال الشيخ في شرحه: أما قوله: ويبدل للسوسي فلأن القراءة به وقعت من طريقه لا من طريق الدوري وعن السوسي اشتهر ذلك اشتهارا عظيما دون غيره. قلت: وممن نسبه إلى السوسي من المصنفين: ابن شريح وابن الفحام وغيرهما. قوله: "كل مسكَّن" أي كل همزة ساكنة سواء كانت فاء أو عينا أولا ما يبدلها حرف مد من جنس حركة ما قبلها ففاء الفعل مضى تمثيله في مذهب ورش وعين الفعل مثل رأس وبأس وبئر وبئس ولام الفعل نحو: {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} 6، و"جئت"، و"شئت". فإن قلت: لم أبدلت الساكنة ولم تبدل المتحركة؟ قلت: لأن الساكنة أثقل؛ لاحتباس النفَس معها. والإجماع على إبدالها إذا اجتمعت مع المتحركة في كلمة وهذا مدرك بالحس وهو من خصائص الهمز وسائر الحروف ساكنها أخف من متحركها هذا قول جماعة ويرد عليه إسكان أبي عمرو بارئكم طلبا للتخفيف وقول النحويين إن سكون الوسط يقاوم أحد سببي منع الصرف ولم يفرقوا بين حروف وحرف، وقيل: إنما خص الساكنة بالتخفيف؛ لأن تسهيلها يجري مجرى واحدًا، وهو البدل والمتحركة تخفيفها أنواع، فآثر أن يجري اللسان على طريقة واحدة ومدا ثاني مفعول يبدل أي حرف مد وغير مجزوم استثناء من كل مسكن أي أهمل فلم يبدل: ثم ذكر المجزوم فقال: 217- تَسُؤْ وَنَشَأْ سِتٌّ وَعَشْرُ يَشَأ وَمَعْ ... يُهَيِّئْ وَنَنْسَأْهَا يُنَبَّأْ تَكَمَّلا أي: والمجزوم المهمل هو كذا وكذا وقوله: "ست" صفة "تسؤ ونشأ" أو خبر مبتدأ محذوف أي كلتاهما ست كلمات أي كل لفظة منهما في ثلاثة مواضع: "تسؤ" في آل عمران، وفي المائدة، وفي التوبة. و"نشأ" بالنون في الشعراء وسبأ، ويس، و"يشأ" بالياء عشر كلمات في النساء وإبراهيم وفاطر وفي الأنعام ثلاث وفي "سبحان" ثنتان، وفي الشورى ثنتان، وعشر في النظم مضاف إلى يشأ أي وعشر هذا اللفظ ولو نون لاستقام النظم ولكن كان يوهم عوده إلى ما قبله فيكون "تسؤ ونشأ" بالنون ست عشر أي، وتسؤ، ست و"نشأ"، عشر، فلهذا الخوف من الإيهام عدل إلى الإضافة، و {يُهَيِّءْ لَكُمْ} في الكهف، و"ننسأها"، في البقرة، و {أَمْ   1 سورة آل عمران، آية: 145. 2 سورة البقرة، آية: 225. 3 سورة النور، آية: 42. 4 آخر سورة البقرة، آية: 286. 5 سورة التوبة، آية: 60. 6 سورة البقرة، آية: 72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 لَمْ يُنَبَّأْ} ، في النجم تسع عشرة كلمة ولم يستوعب صاحب التيسير ذكر مواضعها كما حصرها الناظم -رحمه الله- فالهمزة في جميع ذلك ساكنة للجزم، ولهذا قال تكملا أي تكمل المجزوم واستثناه لعروض السكون والأصل الحركة ولئلا يجمع على الهمز أمرين إسكانا ثم إبدالا ويرد على هاتين العلتين نحو: جئتم، وشئتم، والأولى أن يقال: حافظ على الهمز كراهة لصورة ثبوت حرف المد في موضع الجزم أو الوقف أو يقال حافظ على ما سكونه علامة الإعراب فلم يغيره، ويرد عليه ما روى من إسكانه علامتي الإعراب في الرفع والجر من نحو: يأمركم، وبارئكم، على ما يأتي. ولكن الأصح عنه أنه كان يختلس الحركة في ذلك فتوهم بعض الرواة أنها سكون. وقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} ، يبدل همزه وليس من المستثنى؛ لأن سكون الهمز فيه لأجل ضمير الفاعل لا للجزم. 218- وَهَيِّئْ وَأَنْبِئْهُمْ وَنَبِّئْ بِأَرْبَعٍ ... وَأَرْجِئْ مَعًا وَاقْرَأْ ثَلاَثًا فَحَصِّلا وجميع ما في هذا البيت سكونه علامة للبناء فحافظ عليه فقوله: وهيئ عطف على "مجزوم" في قوله: غير مجزوم أهملا، أي وغير هيئ وما بعده ووقع تسؤ ونشأ بيانا للمجزوم، ويجوز أن يكون وهيئ مبتدأ وما بعده من البيتين عطف عليه، والخبر قوله: كله تخيره إلى آخر البيت وأراد: {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا} 2، {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} 3. نبئ، بأربع أي بأربع كلمات: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} 4، {نَبِّئْ عِبَادِي} 5، {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} 6، {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ} 7. وأرجئه في الأعراف والشعراء، ولذلك قال: معا أي في موضعين، وحقيقة الكلام في السورتين معا، وكذا معنى هذا اللفظ وفائدته حيث جاء خصصه الناظم بذلك وهو في اللغة يستعمل للاثنين فما فوقها وقد استشهدت على ذلك بأبيات العرب في موضعين من شرح الشقراطسية، ووقع في قصيدة متمم بن نويرة الأمران فقال: إذا جنب الأولى شجعن لها معا فهي هنا حال من جماعة وقال في الاثنين: فلما تغربنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا وكذا تستعمل العرب جميعا قال مطيع بن إياس: كنت ويحيى كيدَيْ واحد ... نرمي جميعا ونرامي معا   1 قوله والأصح عنه أنه كان يختلس: غريب، ووجه غرابته أنه لا يتصور مثله في الرواية المتواترة اهـ. 2 سورة الكهف، آية: 10. 3 سورة البقرة، آية: 33. 4 سورة يوسف، آية: 36. 5 سورة الحجر، آية: 49. 6 و7 سورة الحجر، آية: 15، وسورة القمر، آية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 فجميعا هنا حال من اثنين واصطلاح الناظم على أن معا للاثنين وجميعا لما فوقها. وقوله: واقرأ ثلاثا أراد اقرأ كتابك، اقرأ باسم ربك الذي، اقرأ وربك الأكرم: وقوله: {إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} 1. مبدل فجملة المبني المستثنى إحدى عشرة كلمة وقوله فحصلا الألف فيه بدل من نون التأكيد أراد فحصلن وقد سبق له نظائر ثم ذكر مواضع أخر مستثناة وعللها فقال: 219- وتُؤْوِي وَتُؤْوِيهِ أَخَفُّ بِهَمْزِهِ ... وَرِئْيًا بِتَرْكِ الْهَمْزِ يُشْبِهُ الامْتِلاَ يعني أنه استثنى أيضا: {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} 2، {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} 3. فهمزها لثقل الإبدال فيهما ولم يطرد ذلك في جملة ما هو مشتق من لفظ الإيواء كما فعل ورش لزوال هذه العلة واستثنى أيضا: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا4 وَرِئْيًا} . لأنه لو أبدل الهمزة ياء لوجب إدغامها في الياء التي بعدها كما قرأ قالون وابن ذكوان فكان يشبه لفظ الري وهو الامتلاء بالماء ويقال أيضا رويت ألوانهم وجلودهم ريا أي امتلأت وحسنت ورءيا بالهمز من الرواء وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة وبترك الهمز يحتمل المعنيين فترك أبو عمرو الإبدال لذلك: وقول الناظم: وتؤوى وتؤويه معطوفان على ما تقدم باعتبار الوجهين المذكورين في هييء وقوله: أخف خبر مبتدأ محذوف أي ذلك بهمزة أخف منه بلا همز وكذا قوله ورءيا عطف على ما تقدم أيضا وما بعده جملة مستأنفة أي يشبه بترك الهمز الامتلاء وكذا قوله في البيت الآتي وهو مؤصدة أو صدت يشبه ويجوز أن يكون تؤوى ورءيا ومؤصدة-مبتدآت وما بعد كل واحد خبره والله أعلم. 220- وَمُؤْصَدَةٌ أَوْصَدتُّ يُشْبِهُ كُلُّهُ ... تَخَيَّرَهُ أَهْلُ الأَدَاءِ مُعَلَّلاَ أي واستثنى أيضا مؤصدة فهمزها لأنها عنده من آصدت أي أطبقت فلو أبدل همزها لظن أنها من لغة أو صدت كما يقرأ غيره فلهذا قال أوصدت يشبه فأوصدت مفعول يشبه أي مؤصدة بترك الهمز يشبه لغة أوصدت ثم قال كله أي كل هذا المستثنى تخيره المشايخ وأهل أداء القراء معللا بهذه العلل المذكورة قيل إن ابن مجاهد اختار ذلك وروي عن أبي عمرو بعضه وقاس الباقي عليه وقيل الجميع مروي عن أبي عمرو ومؤصدة موضعان في آخر سورة البلد والهمزة فهذه خمس وثلاثون كلمة لم يقع فيها إبدال لأبي عمرو وإن كان حمزة في الوقف يبدل الجميع على أصله كما يأتي ولا ينظر إلى هذه العلل وهي على خمسة أقسام كما   1 سورة يوسف، آية: 27. 2 سورة الأحزاب، آية: 15. 3 سورة المعارج، آية: 13. 4 سورة مريم، آية: 74. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 تقدم ما سكونه علامة للجزم وما سكونه علامة للبناء في مثال الأمر، وما همزه أخف من إبداله، وما ترك همزه يلبسه بغيره وما يخرجه الإبدال من لغة إلى أخرى وقد اتضح ذلك ولله الحمد. وحكى ابن الفحام في التجريد أن منهم من زاد على هذا المستثنى، ومنهم من نقص، ومنهم من لم يستثن شيئا. 221- وَبَارِئِكُمْ بِالهَمْزِ حَالَ سُكُونِهِ ... وَقَالَ ابْنَ غَلْبُونٍ بِيَاءٍ تَبَدَّلا وبارئكم: عطف على المستثنى أي: وغير بارئكم المقروء للسوسي بهمزة ساكنة على ما يأتي في سورة البقرة أي المقروء بالهمز في حال سكونه، فنصب حال سكونه على الحال، وإن قدرنا وهيئ وما بعده مبتدآت كان قوله: وبارئكم على تقدير: وبارئكم كذلك، ويجوز قراءة: "وبارئكم" في البيت بكسر الهمزة وإسكان الميم وبسكون الهمزة وصلة الميم ولكلٍّ وجه. ولم يذكر صاحب التيسير بارئكم في المستثنى ولا نبه عليها في سورتها أنها تبدل، وذكر فيها مكي الوجهين الهمزة والإبدال واختار ترك الإبدال، ووجهه أن سكونها عارض للتخفيف فكأنها محركة فاستثناؤه أولى من المجزوم والذي سكونه لازم لأمر موجب له. قال مكي في كتاب التبصرة: اختلف المعقبون فيما أسكنه أبو عمرو استخفافا نحو بارئكم في رواية الرقيين عنه فمن القراء من يبدل منها ياء ويجريها مجرى ما سكونه لازم، ومنهم من يحققها؛ لأن سكونها عارض ولأنها قد تغيرت فلا نغيرها مرة أخرى قياسا على ما سكونه علم للجزم، وهو أحسن وأقيس؛ لأن سكونها ليس بلازم. وقال أبو الحسن طاهر بن غلبون في كتاب التذكرة: وكذا أيضا هو يعني السوسي بترك الهمزة من قوله تعالى: "بارئكم" في الموضعين في البقرة فيبدلها ياء ساكنة؛ لأنه يسكنها في هذه الرواية تخفيفا من أجل توالي الحركات، فلذلك تركها كما يترك همزة: "وإن أسأتم" ويبدلها ياء ساكنة كما يبدل همز الذئب وما أشبهه. قلت: والإبدال عندي أوجه من القراءة بهمزة ساكنة، وإليه مال محمد بن شريح في كتاب التذكير. والضمير في قوله: تبدلا للهمز ومما يقوي وجه البدل التزام أكثر القراء والعرب إبدال همزة البرية فأجرى ما هو مشتق من ذلك مجراه والله أعلم. 222- وَوَالاَهُ في بِئْرٍ وَفي بِئْسَ وَرْشُهُمْ ... وَفي الذِّئْبِ وَرْشٌ وَالكِسَائِي فَأَبْدَلا أي: وتابع ورش السوسي في إبدال همزة: "بئر"، و"بئس" ياء وهو عين الفعل وتابعه في: "الذئب" ورش والكسائي معا فأبدلا همزه أيضا ياء وكل ذلك لغة فالذئب موضعان في يوسف وبئر في سورة الحج وبئس في مواضع، وسواء اتصلت به في آخره "ما" أو في أوله "واو" أو "فاء" أو "لام" أو تجرد عنها. فأما الذي في الأعراف: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} 1، فنافع بكماله يقرؤه كذلك بالياء من غير همز، وهو غير هذا.   1 آية: 165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 223- وَفي لُؤْلُؤٍ في العُرْفِ وَالنُّكْرِ شُعْبَةٌ ... وَيَأْلِتْكُمُ الدُّورِي وَالِابْدَالُ "يُـ"ـجْتَلا أي وتابعه شعبة عن عاصم في إبدال همزة "لؤلؤ" الأولى واوا سواء كانت الكلمة معرفة باللام نحو: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا1 اللُّؤْلُؤُ} . أو منكرة نحو: {مِنْ ذَهَبٍ 2 وَلُؤْلُؤًا} . وذكر صاحب التيسير هذا الحكم في سورة الحج، ووجه اختيار شعبة تخفيف لؤلؤ دون غيره استثقال اجتماع الهمزتين فيه والساكنة أثقل فأبدلها. قوله: ويألتكم الدوري.. أي قراءة الدوري بهمزة ساكنة، وأبدلها السوسي على أصله فالياء من يجتلا رمزه وهذا مما استغنى فيه باللفظ عن القيد، فكأنه قال: بالهمز وقراءة الباقين بضد ذلك وهو ترك الهمز فإذا ترك صار يلتكم، وكذلك قرءوا وإنما تعين أن لفظ "يألتكم" بالهمز للدوري، والوزن مستقيم بالهمز وبالألف لأنه قال بعده والإبدال يجتلا فتعين أن قراءة الدوري بالهمز وهو من ألت يألت، وقراءة الباقين من لات يليت، وهما لغتان بمعنى نقص، وإنما كان موضع ذكر هذا الحرف سورته وهناك ذكره صاحب التيسير، قال: قرأ أبو عمرو: "ولا يألتكم" بهمزة ساكنة بعد الياء، وإذا خفف أبدلها ألفا والباقون بغير همز ولا ألف. 224- وَوَرْشٌ لِئَلَّا والنَّسِىءُ بِيَائِهِ ... وَأَدْغَمَ في يَاءِ النَّسِيءِ فَثَقَّلا أي قرأ: "لئلا" حيث وقع بياء؛ لأن الهمزة مفتوحة بعد كسر فهو قياس تخفيفها، وأبدل أيضا من همزة النسيء في سورة التوبة ياء، وأدغم الياء التي قبلها فيها، وهذا أيضا قياس تخفيفها؛ لأن قبلها ياء ساكنة زائدة، وهكذا يفعل حمزة فيهما إذا وقف عليهما ورسما في المصحف بالياء فالهاء في بيانه للهمز الموجود في "لئلا" و"النسيء" أي بيائه التي رسم بها أو بياء هذا اللفظ التي رسم بها، أو أراد بياء الهمز المبدل؛ لأنه قد علم وألف. أن الهمزة تبدل تارة ألفا، وتارة واوا، ياء باعتبار حركة ما قبلها على الأوضاع المعروفة في ذلك فقال ورش يقرأ: "لئلا"، و"النسيء" بياء الهمزة المعروف إبدالها منه. وقوله: وأدغم في ياء -النسيء- أي أدغم في هذه الياء المبدلة من الهمزة ولم يذكر المدغم؛ لضيق النظم عنه، واكتفى بما يدل عليه؛ لأن المبدلة من الهمزة إذا كانت مدغما فيها علم أن المدغم ما كان قبلها وهو الياء التي بعد السين، وقوله: فثقِّلا أي فشدد؛ لأن الإدغام يحصل ذلك وقيل الهاء في بيائه لورش أضافها إليه؛ لأنه يبدلها من الهمزة.   1 سورة الرحمن، آية: 22. 2 سورة الحج، آية: 23 وسورة فاطر، آية 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 ذكر صاحب التيسير "النسيء" في سورتها و"لئلا" في هذا الباب وأصلها "لأن لا" فأدغم. 225- وَإِبْدَالُ أُخْرَى الهَمْزَتَيْنِ لِكُلِّهِمْ ... إِذَا سَكَنَتْ عَزْمٌ كَآدَمَ أُوهِلا هذه المسألة موضعا باب الهمزتين من كلمة لا هذا الباب فإنه للهمز المفرد. وأخرى بمعنى آخرة أي إذا اجتمع همزتان في كلمة والثانية ساكنة فإبدالها عزم أي واجب لا بد منه وفي الحديث فكانت عزمة والأصل ذو عزم أي إبدالها أمر معزوم عليه، وهو أن تبدل حرف مد من جنس حركة ما قبلها؛ لثقل الهمزة الساكنة ولا حركة لها، فتسهل بين بين فتعين البدل، ولا يكون ذلك إلا في كلمة واحدة، وقال أبو بكر الأنباري في كتاب الوقف والابتداء: وقد أجاز الكسائي أن يثبت الهمزتين في الابتداء فأجاز للمبتدئ أن يقول: "إئت بقرآن" بهمزتين، قال: وهذا قبيح؛ لأن العرب لا تجمع بين همزتين الثانية منهما ساكنة. ثم قال: وأجاز الكسائي أن تبتدئ "أؤتمن" بهمزتين. قلت: ثم مثل الناظم بمثالين فيهما نظر أحدهما -آدم- وأصله على هذا الرأي أأدم كأنه مشتق من أديم الأرض أو من الأدمة، فوزنه أفعل وقيل: إنما وزنه فاعل؛ لأن التسمية بهذا الوزن غالبة في الأسماء القديمة التي هي عمود النسب بين إبراهيم ونوح صلوات الله عليهما، وذكره الزمخشري في باب تخفيف الهمز من مفصله، وقال في تفسيره: أقرب أمره أن يكون على فاعل كعازر وعابر وشالح وفالغ. قلت: والوجهان محتملان أيضا في آزر وإنما تعين مثالا لذلك: آخر وآمن وآتى ونحوه. المثال الثاني قوله: أوهلا لفظ ليس في القرآن وهو من قولهم: "أوهل فلان، لكذا أي جعل له أهلا هكذا في شرح الشيخ ويشهد له قول صاحب المحكم: آهله لذلك الأمر، وءأهله، ويجوز أن يكون من قولهم: آهلك لله في الجنة إيهالا أي أدخلكها وزوجك فيها، حكاه الجوهري عن أبي زيد، وقد استعمل الناظم اسم المفعول من هذا في باب ياءات الإضافة في قوله: وافق موهلا، واستعمل اسم الفاعل من ثلاثي هذا لازما في قوله: فاهمز آهلا متأهلا على ما سيأتي شرحه في موضعه إن شاء الله تعالى. فقوله: أوهل مثاله في القرآن: {أُوتِيَ مُوسَى} 1، {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ} 2، "أوتمن أمانته"3. إذا ابتدأت فهذه أمثلة قلبها ألفا وواوا ومثال قلبها ياء: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ} 4، "إيت بقرآن"5. إذا ابتدأت به وهذا أمر مجمع عليه لغة ولا يختص بقراءة القرآن ولهذا صح تمثيله بأوهل، وهو بدل لازم لا يرتد تصغيرا ولا تكسيرا كأواخر وأويخر بخلاف قولهم: ميقات ومواقيت وموسر ومياسير ومويقت ومويسر فرد الجمع والتصغير ياء ميقات إلى أصلها وهو الواو؛ لأنه من الوقت وردا واو موسر   1 سورة البقرة، آية: 136. 2 سورة الأعراف، آية: 129. 3 سورة البقرة، آية: 283. 4 سورة قريش، آية: 1 و2. 5 سورة يونس، آية: 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 إلى أصلها وهو الياء؛ لأنه من اليسار وأما ما لا أصل له في الهمز، ويشبه في اللفظ ما هو مهموز، فيخفى على من لا خبرة له، فتعرض لبيانه بعض المتقدمين فقال: لا يجوز همز: "يوقنون" و"الموقنين"، و"يوفون" و"الموفون". و"تورون"، ولا همز، "يولي". و"يوقي". و"موهن"، مما لا أصل له في الهمز، قال الحصري: ولا تهمزنْ ما كانت الواو أصله ... كقولك في الإنسان يوفون بالنذر والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 باب: نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ... باب: نقل حركة الهمز إلى الساكن قبلها هذا نوع من أنواع تخفيف الهمز المفرد، وأدرج معه في الباب مذهب حمزة في السكت، وهو مذكور في كتاب التيسير بعد باب الوقف على مرسوم الخط في باب يخصه، وذكر في الباب أيضا مسألة: "آلَان، وعادا الُاولي" وهما في التيسير في سورتي يونس والنجم، وهكذا "ردءًا" ذكرها الداني في سورة القصص. وبالله التوفيق. 226- وَحَرِّكْ لِوَرْشٍ كُلَّ سَاكِنِ آخِرٍ ... صَحِيحٍ بِشَكْلِ الْهَمْزِ واحْذِفْهُ مُسْهِلا وصف الساكن بوصفين: أحدهما أن يكون آخر الكلمة والهمز أول الكلمة التي بعدها؛ لأن الأطراف أنسب للتغيير من غيرها، والثاني أن يكون الساكن الآخر صحيحا أي ليس بحرف مد ولين نحو: {فِي أَنْفُسِهِمْ} 1، و {قَالُوا آمَنَّا} 2؛ لأن حرف المد لما فيه من المد بمنزلة المتحرك فلم ينقل إليه كما لم ينقل إلى المتحرك ويدخل في هذا ميم الجمع قبل الهمز؛ لأن ورشا يصلها بواو فلا ينقل حركة ذلك الهمز في نحو: "ومنهمو أميون"؛ لأن قبله حرف مد ولين وهو الواو التي هي صلة الميم فإن كان قبل الهمزة ياء أو واو ليسا بحرفي مد ولين وذلك بأن ينفتح ما قبلهما فإنه ينقل حركة الهمزة إليهما نحو: {ابْنَيْ آدَمَ} 3، {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ} 4، {خَلَوْا إِلَى} 5، {تَعَالَوْا أَتْل} 6، {وَلَوْ أَنَّهُمْ} 7. ودخل في الضابط أنه ينقل حركة الهمزة في: {أَحَسِبَ النَّاسُ} إلى الميم من ألف لام ميم في أول العنكبوت وينقل إلى تاء التأنيث نحو: {قَالَتْ أُولاهُمْ} 8. وإلى التنوين نحو: "كفْؤا أحد"9.   1 سورة النساء، آية: 65. 2 سورة البقرة، الآيتان: 14 و16. 3 سورة المائدة، آية: 37. 4 سورة سبأ، آية: 16. 5 سورة البقرة، الآية: 14. 6 سورة الأنعام، آية: 151. 7 سورة النساء، آية: 64. 8 سورة الأعراف، آية: 39. 9 سورة الإخلاص آية: 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وإلى لام التعريف نحو: "الأرض"، و"الآخرة"؛ لأنها منفصلة مما بعدها فهي وهمزتها كلمة مستقلة نحو: قد وهل حرف دخل لمعنى، فكانت لذلك آخر كلمة وإن اتصلت خطا، والتنوين معدود حرفا؛ لأنه نون لفظا، وإن لم تثبت له صورة في الخط، وقد نص في التيسير على النقل إلى جميع ما ذكرناه من الأمثلة وليس هذان الشرطان بلازمين في اللغة فالنقل جائز في وسط الكلمة كما يجوز في آخرها، وهذا سيأتي في مذهب حمزة في الوقف ويجوز النقل إلى حرف المد غير الألف مثل: قاضو أبيك وابتغى أمره نص الزمخشري عليهما في المفصل، وفي كتاب سيبويه من ذلك أمثلة كثيرة، ولو كانت الألف تقبل الحركة لجاز النقل إليها وقيل: لا تنقل إلى الواو والياء حركة همزة مضمومة ولا مكسورة؛ لثقل ذلك، والغرض من النقل تخفيف اللفظ بتسهيل الهمز والنقل في ذلك أثقل من عدم النقل، فترك الهمز بحاله، وقد استعمل الناظم هنا قوله: ساكن صحيح باعتبار أنه ليس بحرف مد ولين، ولم يرد أنه ليس بحرف علة بدليل أنه ينقل بعد حرف اللين في نحو: "ابني آدم"، و"خلوا إلى" كما تقدم، وهذا بخلاف استعماله في باب المد والقصر حيث قال: أو بعد ساكن صحيح فإنه احترز بذلك عن حرف العلة مطلقا بدليل أنه لا يمد واو "الموؤودة" بعد الهمزة وقد تقدم بيان ذلك. وقوله: بشكل الهمز أي حرك ذلك الساكن الآخر بحركة الهمز الذي بعده أي حركة كانت. قوله: واحذفه يعني الهمز بعد نقل حركته؛ لأن بقاءه ساكنا أثقل منه متحركا وربما يكون بعده ساكن في مثل "قد أفلح" فيؤدي إلى الجمع بين الساكنين، ومسهلا حال أي راكبا للطريق الأسهل. 227- وَعَنْ حَمْزَةَ في الْوَقْفِ خُلْفٌ وَعِنْدَهُ ... رَوَى خَلَفٌ في الْوَقْفِ سَكْتًا مُقَلَّلا يعني حكي عن حمزة في الوقف على الكلمة التي نقل همزها لورش مثل قراءة ورش ومثل قراءة الجماعة، وهذا مطرد فيما نقل إليه ورش، وفيما لم ينقل إليه، ولكنه داخل في الضابط المذكور في البيت الأول نحو: {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} 1. فإن ورشا وصل الهاء بياء وفي ميم الجمع وجوه ستأتي، ولم يذكر صاحب التيسير النقل لحمزة في هذا كله، وذكره جماعة غيره، وسيأتي له في بابه أنه يخففه الهمز إذا كان وسطا أو آخرا، وهذا الباب الهمز أولا وسيأتي له في بابه خلاف في الهمز المتوسط بسبب دخول حروف زوائد عليه هل يخفيه أولا ثم ذكر صاحب التيسير من هذا نحو: "الأرض"، و"الآخرة"، دون: "قد أفلح" وشبهه. فإن قلنا: لا يخفف ذاك فهذا أولى؛ لأن هذا مبتدأ حقيقة وذاك مبتدأ تقديرا. وإن قلنا يخفف ذلك ففي هذا وجهان. ثم لا ينبغي أن يختص الخلاف بالهمزة المنقولة إلى الساكن قبلها بل يعطى لجميع الهمزات المبتدآت حكم المتوسط فيما يستحقه من وجوه التخفيف، فإن كانت المبتدأة ساكنة، وذلك لا يتصور إلا فيما دخل عليها همزة وصل وحذفت لاتصال الكلمة التي قبلها بها نحو:   1 سورة آل عمران، آية: 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 {يَا صَالِحُ ائْتِنَا} 1. فإذا وقف عليها أبدلها واوا وفي -لقاءنا ائت- يبدلها ألفا وفي: "الذي أؤتمن" يبدلها ياء، وصاحب التيسير ذكر ما كان من هذا القبيل في الهمز المتوسط، فقال: تفرد حمزة بتسهيل الهمزة المتوسطة نحو: "المؤمنون"، و"يأكلون"، و"الذئب". قال: وكذلك: {الَّذِي اؤْتُمِنَ} "2، و: {لِقَاءَنَا ائْتِ} 3 و: {فِرْعَوْنُ ائْتُونِي} 4 وشبهه. قلت: ووجهه أن دخول همزة الوصل قبلها في الابتداء صيرها متوسطة، فإذا أبدل هذا الهمز حرف مد وكان قبله من جنسه وكان يحذف؛ لأجل سكون الهمزة اتجه وجهان؛ أحدهما: عود الحرف المحذوف؛ لزوال ما اقتضى حذفه وهو الهمزة الساكنة، فإن الجمع بين حرفي مد من جنس واحد ممكن بتطويل المد، والوجه الثاني: حذفه لوجود الساكن وهذان الوجهان هما المذكوران في باب وقف حمزة وهشام على الهمز في قوله: ويبدله مهما تطرف مثله ... ويقصر أو يمضي على المد أطولا وينبني على الوجهين جواز الإمالة في قوله تعالى: {الْهُدَى ائْتِنَا} لحمزة ولورش أيضا، فإن أثبتنا الألف الأصلية أملنا، وإن حذفناها فلا، ويلزم من الإمالة إمالة الألف المبدلة فالاختيار المنع والله أعلم. إن كانت همزة الابتداء متحركة وقبلها متحرك جعلت بين بين مطلقا نحو: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ} 6، {إِنَّ أَبَانَا} 7، {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً} 8؛ إلا أن تقع مفتوحة بعد كسر أو ضم فتبدل ياء أو واوا نحو: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} 9، {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} 10. وإن كانت متحركة وقبلها ساكن صحيح أو حرف لين نقل الحركة إليه على ما يتبين في مذهب ورش، وإن كان حرف مد ولين امتنع النقل في الألف فتجعل الهمزة بين بين كما يفعل في المتوسطة وعلى قياس مذاهب القراء في الواو والياء يجوز قلب الهمزة والإدغام ويجوز النقل إلى الأصليتين نحو:   1 سورة الأعراف، آية: 77. 2 سورة البقرة، آية: 282. 3 سورة يونس، آية: 15. 4 سورة يونس، آية: 79. 5 سورة الأنعام، آية: 71. 6 سورة البقرة، آية: 258. 7 سورة يوسف، آية: 8. 8 سورة القصص، آية: 23. 9 سورة آل عمران، آية: 97. 10 سورة آل عمران، آية: 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 {يَدْعُو إِلَى} 1، {تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ} . والزائدتان هما نحو: {قَالُوا آمَنَّا} 2، {نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ} 3. ويجوز النقل إليهما لغة، وأما إذا كان الساكن قبل الهمزة ميم الجمع نحو: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} 4. فقال الشيخ في شرحه: لا خلاف في تحقيق مثل هذا في الوقف عندنا. قلت: قد ذكر أبو بكر بن مهران في كتاب له قصره على معرفة مذهب حمزة في الهمز فيه مذاهب أحدها -وهو الأحسن: نقل حركة الهمزة إليها مطلقا فتضم تارة وتفتح تارة وتكسر تارة نحو: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} 5، {عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ} 6، {ذَلِكُمْ إِصْرِي} 7. الثاني: تضم مطلقا وإن كانت الهمزة مفتوحة أو مكسورة حذرا من تحرك الميم بغير حركتها الأصلية. الثالث: تنقل في الضم والكسر دون الفتح؛ لئلا يشبه لفظ التثنية، فإن كانت الهمزة قبلها همزة وهما متفقتان أو مختلفتان سهل الثانية بما تقتضيه؛ لأنها في الكلمة الموقوف عليها، وفي نحو: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} 8. تنقل الأولى وتسهل الثانية ويكون تخفيف الثانية مخرجا على الخلاف فيما هو متوسط بزائد دخل عليه؛ لأن همزة الاستفهام زائدة على كلمة أنذر، فإن تحققت هذه القواعد انبنى عليها مسألة حسنة وهي قوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ} 9. فيها ثلاث همزات فنص ابن مهران فيها على ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يخفف الثلاثة؛ الأولى تنقل حركتها إلى لام قل، والثانية والثالثة تجعلان بين الهمزة والواو؛ لأنهما مضمومتان بعد متحرك، أما تسهيل الثالثة فلا خلاف فيه؛ لأنها همزة متوسطة أو متطرفة إن لم يعتد بالضمير وفي ذلك بحث سيأتي في موضعه، وفي كيفية تخفيفها وجوه ستأتي، وأما الثانية فهي متوسطة بسبب الزائد ففي تخفيفها خلاف، وأما الأولى فمبتدأة ففي نقل حركتها الخلاف المذكور في هذا الباب. الوجه الثاني: تخفيف الثالثة فقط وذلك رأي من لا يرى تخفيف المبتدأة ولا يعتد بالزائد. الوجه الثالث: تخفيف الأخيرتين فقط إعتدادا بالزائد، وإعراضا عن المبتدأة، وكان يحتمل وجها رابعا وهو: أن يخفف الأولى والأخيرة دون الثانية لولا أن من خفف الأولى يلزمه تخفيف الثانية بطريق الأولى؛ لأنها متوسطة صورة فهي أحرى بذلك من المبتدأة، فهذا الكلام كله جره قوله: وعن حمزة في الوقف خلف ... فاحتجنا إلى استيعاب الكلام في وقفه على كل همزة مبتدأة، وفهمت كل ما ذكرته من كلام الأئمة مفرق في كتبهم حتى قال ابن مهران بتركها، وإن كانت في أول الكلمة، قال: وعلى هذا يدل كلام المتقدمين وبه كان يأخذ أبو بكر   1 سورة يونس، آية 25. 2 سورة البقرة، الآيتان، 14 و76. 3 سورة يوسف، آية: 53. 4 سورة المائدة، آية: 105. 5 سورة البقرة، آية: 78. 6 سورة المنافقين، آية: 6. 7 سورة آل عمران: 81. 8 سورة البقرة، آية: 6 ويس الآية: 10. 9 سورة آل عمران، آية: 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 ابن مقسم ويقول بتركها كيف ما وجد السبيل إليها إلا إذا ابتدأ بها؛ فإنه لا بد له منها ولا يجد السبيل إلى تركها، وقال مكي: ذكر ابن مجاهد أنه يسهل لحمزة في الوقف ما كان من كلمتين نحو: {يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} 1. قال: يلحقها بواو ونحو: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ} 2. قال يجعلها بين الهمزة والواو أجرى الباب كله على أصل واحد. فصل: قوله: وعنده أي وعند الساكن المذكور قيل، وهو كل آخر صحيح، وروى خلف عن سليم عن حمزة أنه يسكت عليه قبل النطق بالهمز سكتا مقللا، أي قليلا لطيفا، وهذا حكم آخر غير نقل الهمزة، وع معترضا في هذا الباب لتعلقه به. وغيره من المصنفين يقرر له بابا؛ وذكره صاحب التيسير بين مرسوم الخط وياءات الإضافة، والغرض بهذا السكت الاستعانة على إخراج الهمز وتحقيقه بالاستراحة قبله، ولهذا يسبق لسان كثير من الناس إلى نقل الحركة، والسكت مطرد في كل ما نقل فيه ورش الحركة، حتى في الميم من قوله تعالى: "الم، أَحَسِبَ النَّاسُ"3. بقى عليه أن يسكت أيضا على ميم الجمع قبل الهمزة نحو: {عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ} 4. وورش لا ينقل إليه الحركة، ولكنه ساكن آخر صحيح، فيدخل في عموم البيت، وإن كان مراده الخصوص في تبيين مذهب ورش. وإذا كان الساكن قبل الهمزة حرف مد استغنى بمده عن السكت. وقال أبو القاسم الهذلي: قال سليم في رواية خلف وغيره. المد يجزئ عن السكت عند الزيات. وقال في رواية غيره: الجمع بين المد والسكت أحسن. والهاء في قوله "وعنده" تعود عن الساكن كما تقدم، ولا تعود على حمزة؛ لنبو اللفظ عن ذلك وركته، ولأنه يبقي موضع السكت غير مبين، وإذا عادت الهاء على الساكن الموصوف بان موضع القراءة، وخلص من قبح العبارة، وقوله: "في الوصل" يريد به إذا وصلت الكلمة التي آخرها ذلك الساكن بالكلمة التي أولها همزة؛ لأنك إذا وقفت على كلمة الساكن كنت ساكتا لجميع القراء، وإنما يظهر سكت خلف في الوصل، فنبه على ذلك. فإن قلت بتقدير أن يقف القارئ على كلمة الهمز يكون الناظم قد استعمل لفظ الوقف حيث استعمل لفظ   1 سورة محمد، آية: 30. 2 سورة المطففين، آية: 4. 3 سورة العنكبوت، آية: 1. 4 سورة المائدة، آية: 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الوصل، لأنه قد سبق أن المراد من قوله "وعن حمزة في الوقف خلف" وهو وقوفه على كلمة الهمز، فهو واقف باعتبار نقل الحركة واصل باعتبار السكت، بيانه أن القارئ إذا قرأ "قد أفلح" ووقف فهو مأمور بشيئين: أحدهما السكت على الدال لأنه وصلها بهمزة أفلح، والثاني نقل حركة الهمزة إليها لأنه قد وقف فيوسف القارئ أنه واقف واصل والحاقة واحدة. قلت لا يعد في ذلك لأنهما باعتبارين فوضع الوصل غير موضع الوقف فإن الوقف على آخر الكلمة الثانية، والوصل وصل آخر الكلمة الأولى بأول الثانية، ثم يقال: لا يلزم من كونه يصل الساكن بالهمزة أن يقف على كلمة الهمز فقد يصلها بما بعدها، وإنما يتوجه الإشكال في بعض الصور، وذلك عند الوقف على كلمة الهمز، وجوابه ما تقدم، ومثاله: شخص له رحم يصل بعض أقاربه ويقطع بعضهم، فيصح أن يوسف ذلك الشخص بأنه واصل وأنه قاطع نظرًا إلى محل الوصل والقطع، والله أعلم. ولا يمكن حمل قوله في الوصل على وصل كلمة الهمزة بما بعدها كما توهمه بعضهم؛ لأن ذلك لم يشترطه أحد فكيف يشترط الناظم ما لم يشترط، وكلام صاحب التيسير دال على ما قاله الناظم -رحمه الله؛ فإنه قال: كان يسكت سكتة لطيفة من غير قطع؛ بيانا للهمز، فقوله: من غير قطع هو قول الشاطبي في الوصل، أي من غير وقف، ثم قال: وقرأ الباقون بوصل الساكن مع الهمزة من غير سكت، وهذا نص فيما ذكرنا، والله أعلم. 228- وَيَسْكُتُ في شَيْءٍ وَشَيْئًا وَبَعْضُهُمْ ... لَدَى الَّلامِ لِلتَّعْرِيفِ عَنْ حَمْزَةٍ تَلا أي وسكت خلف أيضا على الساكن قبل الهمزة في هاتين الكلمتين وهو الياء وهما كلمة واحدة وإنما غاير بينهما باعتبار لفظ النصب وغيره لاختلاف ذلك في خط المصحف فالمنصوب بألف دون المرفوع والمجرور، وهذه عبارة المصنفين من القراء فسلك سبيلهم في ذلك؛ وإنما فعلوا ذلك مبالغة في البيان؛ لئلا يتوهم من الاقتصار على لفظ أحدهما عدم جريان الحكم في الآخر، ومثله قوله: وجزأ وجزء ضم الإسكان صف. فإن قلت: لِم لم يفعل ذلك في "صراط"، و"بيوت" مع أنهما في القرآن بلفظ النصب وغيره نحو: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} 1، {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} 2. قلت: كأنه لما ضبط ذلك؛ لخلوه عن لام التعريف استغنى عنه وإنما احتاج إلى ذكر شيء وشيئا؛ لأنهما لا يدخلان في الضابط السابق لورش؛ لأن ورشا لا ينقل فيهما الحركة لأن ساكنهما ليس بآخر كلمته فحاصله أن خلفا يسكت بين الكلمتين ولم يسكت في كلمة واحدة إلا في هاتين اللفظتين. وحكى صاحب التيسير هذا السكت عن حمزة في الكلمة الواحدة مطلقا نحو: {قُرْآنٌ} 3، و: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ} 4. كما في شيء وهو متجه؛ لأن المعنى الذي لأجله فعل السكت موجود في الجميع، والذي قرأه الداني على أبي الفتح لخلف هو ما ذكره الناظم، وكان لا يرى لخلاد سكتا في موضع ما، وقرأ الداني على طاهر بن غلبون   1 سورة الفتح، آية: 2. 2 سورة النور، آية: 61. 3 سورة يونس، آية: 15. 4 سورة فصلت: آية: 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 بالسكت لخلف وخلاد جميعا على لام التعريف وشيء وشيئا فقط وهو المراد بقوله، وبعضهم أي وبعض أهل الأداء تلا بالسكوت لحمزة عند لام التعريف كالأرض والآخرة وعنه سكوت شيء وشيئا وتمم ذلك بقوله: 229- وَشَيْءٍ وَشَيْئًا لَمْ يَزِدْ وَلِنَافِعٍ ... لَدَى يُونُسٍ آلانَ بِالنَّقْلِ نُقِّلاَ أي لم يزد بعضهم على ذلك شيئا بل اقتصر على السكت وقال الشيخ المراد لم يزد المذكور فقد صار لخلف وجهان أحدهما السكوت عند كل ساكن بالشرط المقدم وفي "شيء" و"شيئا"، والثاني يختص السكت بلام المعرفة وشيء وشيئا فسكوته على لام التعريف وشيء وشيئا بلا خلاف عن خلف؛ لأن الطريقتين اجتمعتا عليه وفي غير ذلك له خلاف، وصار لخلاد وجهان؛ أحدهما: السكوت على لام التعريف وشيء وشيئا فقط, والوجه الثاني لخلف والآخر لا سكوت لخلاد في موضع أصلا، وهذا الموضع من مشكلات القصيدة فافهمه فإن وقفت لحمزة على الكلمة من ذلك فإن كانت لفظ شيء وشيئا وقفت بتخفيف الهمزة وله وجهان على ما يأتي، وإن كانت غيره نحو "قد أفلح" والأرض، فإن قلنا: إن حمزة ينقل الحركة في الوقف نقلت؛ لأن تخفيف الهمزة في الوقف هو مذهبه، فيقدم على غيره كما قلنا في وقفه على شيء وشيئا وإن قلنا لا ينقل وقفت لخلف بالسكت في "الأرض" وبالسكت وعدمه في "قد أفلح" ووقفت لخلاد بعدم السكت في "قد أفلح" وبالسكت وعدمه في "الأرض" فلهما ثلاثة أوجه لخلف، ولخلاد وجهان، النقل وعدمه، وفي نحو "الأرض" بالعكس لخلاد ثلاثة أوجه ولخلف وجهان النقل والسكوت وهذا من عجيب ما اتفق، وأما ميم الجمع فإن قلنا يجوز النقل إليها فهي مثل "قد أفلح" وإلا ففيها لخلف وجهان السكوت وعدمه وصلا ووقفا، وخلاد كغيره وصلا ووقفا. فصل: لما فرغ الناظم من بيان مذهب السكت الذي وقع معترضا في هذا الباب، رجع إلى تتمة باب نقل الحركة، فذكر مسألة الآن -في يونس- موضعين: {آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ} 1، {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} 3. وافق قالون ورشًا في نقل الحركة إلى اللام لنقل هذه الكلمة وقد بهمزتين، وكون اللام قبلها ساكن فقوله: "آلآن" مبتدأ وخبره نقلا، أي الآن الذي في يونس نقل لنافع بالنقل، أي نقل عنه على هذه الصفة وشدد نقلا مبالغة وتكثيرًا لنقله؛ لأنه نقله قوم بعد قوم حتى وصل إلينا. 230- وَقُلْ عَادًا الاُوْلَى بِإِسْكَانِ لامِهِ ... وَتَنْوِينِهِ بِالْكَسْرِ "كَـ"ـاسِيهِ "ظَ"ـلّلا يعني إسكان لام التعريف وكسر التنوين الذي في "عادًا"؛ لالتقاء الساكنين هو واللام، وهذه القراءة جاءت على الأصل كما تقول: رأيت زيدًا الطويل فلهذا أثنى عليها بقوله: كاسيه ظللا أي حجتها قوية بخلاف قراءة   1 سورة يونس، آية: 51. 2 سورة يونس، آية: 91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الباقين ففيها كلام، وكنى بكاسيه عن قارئه؛ لأنه كساه تنوينا فظلله بذلك أي ستره عن اعتراض معترض تعرض للقراءة الأخرى، وإن كان لا يؤثر اعتراضه والحمد لله. وهذا الحرف في سورة النجم: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} 1. 231- وَأَدْغَمَ بَاقِيهِمْ وَبِالنَّقْلِ وَصْلُهُمْ ... وَبَدْؤُهُمْ وَالْبَدْءُ بِالأَصْلِ فُضِّلا يعني بالباقي نافعا وأبا عمرو؛ لأن القراءة الأولى عليها الكوفيون وابن كثير وابن عامر ويعني بالإدغام إدغام تنوين "عادًا" في لام التعريف من الأولى بعد ما نقل إلى اللام حركة الهمزة تخفيفا واعتدادا بالحركة وإن كانت عارضة؛ لأنهما لما نقلا والتنوين ساكن أدغماه في اللام المتحركة بناء على قاعدة إدغام التنوين في اللام على ما سيأتي في باب أحكام النون الساكنة والتنوين. وحكى أبو عمرو بن العلاء إدغام مثل ذلك في قولهم: رأيت زيادا لَعجم، في: "زيادا الأعجم" ووجه الاعتراض على هذه القراءة أن تحريك اللام عارض، فكأنها تعد ساكنة، ولا يصح في الساكن إدغام وجواب هذا أن الممتنع هو ما يدغم في ساكن حقيقي أما ما هو ساكن تقديراً فلا وليس كل عارض لا يعتد به ولا ذلك بمجمع عليه وقد تقدم له نظائر، فمن أدغم كان معتدا بالحركة كما يعتد بها من لغته لَحْمر، إذا ابتدأ بكلمة الأحمر بعد نقل الحركة على ما سيأتي، والهاء في وصلهم وبدؤهم تعود على مدلول باقيهم وجمع الضمير والباقي اثنان إما على مذهب من يرى أن أقل الجمع اثنان وإما باعتبار رواتهما أي أن النقل إلى اللام ثابت وصلا وبدأً ويعني بالوصل وصل الأولى بـ "عادا"، فالنقل لهما فيه لازم؛ لأجل أنهما أدغما التنوين فيها فإن وقفا على "عادًا" ابتدأ الأولى بالنقل أيضا؛ ليبقى اللفظ حاكيا بحالة الوصل وفي كيفيته وجهان يأتيان؛ فأما ورش فيتعين النقل له على أصله في النقل إلى لام التعريف، وأما قالون وأبو عمرو فالأولى لهما أن يبتدئا بالأصل كما يقرأ الكوفيون وابن كثير وابن عامر؛ لأنهما ليس من أصلهما النقل وما نقلا هنا إلا لأجل الإدغام؛ لتخفيف الكلمة وقد زال الإدغام بالوقف فيرجع إلى الأصل وهو لأبي عمرو أولى منه لقالون؛ لأن قالون في الجملة قد نقل الحركة في "آلآن" في موضعي يونس، ونقل أيضا في ردءا كما سيأتي. ثم ذكر من فضل له البدء بالأصل، والبدء مصدر بدأ، فقال: 232- لِقَالُونَ وَالْبَصْرِي وَتُهْمَزُ وَاوُهُ ... لِقَالُونَ حَالَ النَّقْلِ بَدْءًا وَمَوْصِلا أي أن قالون يهمز واو الُاولى إذا بدأ بالنقل وفي الوصل مطلقا أي حيث قلنا لقالون بالنقل سواء ابتدأ الأولى أو وصلها بـ "عادا" فواو الُاولى مهموز بهمزة ساكنة وإن قلنا يبتدئ بالأصل فلا همز؛ لئلا يجتمع همزتان فهذا معنى قوله حال النقل ووجه الهمز ضمة اللام قبلها فهمزت لمجاورة الضم كما همزت إذا كانت مضمومة في أجوه وأدور، وهي لغة لبعض العرب كقوله: أحب المؤقدين إليَّ موسى وهذا توجيه أبي علي في الحجة، وقيل: الأصل في الواو الهمز، وأبدل لسكونه بعد همز مضموم واوًا كأولى فلما حذفت الهمزة الأولى بعد نقل حركتها إلى لام الأولى زال اجتماع الهمزتين فرجعت تلك الهمزة، ذكر ذلك مكي وغيره، والله أعلم.   1 الآية: 50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 ومادة هذه الكلمة مختلف فيها وهي من المشكلات وسنتكلم عليها في شرح النظم إن شاء الله تعالى كلاما شافيا وبالله التوفيق. وقوله "بدءا وموصلا" مصدران في موضع الحال أي بادءاً وواصلاً. ثم ذكر كيفية البدء في حال النقل فقال: 233- وَتَبْدَأْ بِهَمْزِ الْوَصْلِ في النَّقْلِ كُلِّهِ ... وَإِنْ كُنْتَ مُعْتَدًّا بِعَارِضِهِ فَلا أبدل من همز وتبدأ ألفا بعد إسكانها ضرورة. وقوله: بهمز الوصل يعني همزة الوصل التي تصحب لام التعريف تقول إذا ابتدأت كلمة دخل فيها لام التعريف على ما أوله همزة قطع نحو "الأرض" و"الآخرة" و"الإنسان" و"الإحسان" فنقلت حركة الهمزة إلى اللام ثم أردت الابتداء بتلك الكلمة بدأت بهمزة الوصل كما تبتدئ بها في صورة عدم النقل لأجل سكون اللام فاللام بعد النقل إليها كأنها بعد ساكنة؛ لأن حركة النقل عارضة فتبقى همزة الوصل على حالها لا تسقط إلا في الدرج، وهذا هو الوجه المختار لغة وقراءة على ما سيأتي تقريره، ثم ذكر وجها آخر وهو أن لا يحتاج إلى همزة لوصل؛ لأنها إنما اجتلبت لأجل سكون اللام وقد زال سكونها بحركة النقل العارضة فاستغنى عنها فهذا معنى قوله وإن كنت معتدا بعارضه أي منزلا لحركة النقل منزلة الحركة الأصلية فلا تبدأ بهمز الوصل؛ إذ لا حاجة إليه فتقول على الوجه الأول: ألَرض، ألِنسان، وعلى الثاني: لَرْض، لِنْسان، وعادة أهل النحو يمثلون في هذه المسألة بالأحمر فتقول على الوجه الأول الَحْمر وعلى الثاني لَحْمر. وقوله: في النقل كله؛ ليشمل جميع ما ينقل إليه ورش من لام المعرفة، ويدخل في ذلك الُأولى من "عادا الُاولى"، فيكون الوجهان لورش في جميع القرآن، ويكونان لأبي عمرو وقالون في هذا الموضع إن قلنا إنهما يبدآن بالنقل كما في الوصل، وإن قلنا يبدآن بالأصل من غير نقل فلا بد من همزة الوصل، فقد صار لكل واحد منهما ثلاثة أوجه في صوره؛ الإبتدا بقوله تعالى "الُاولى" من "عادا الُاولى" ولورش وجها. كما له في سائر القرآن على ما ذكرنا، هكذا ذكر صاحب التيسير وغيره من المصنفين في القراءات وتبعهم الشيخ الشاطبي -رحمه الله- في نظمه هذا، وفيه إشكال وهو أن النحاة ذكروا وجهين في أن حركة النقل يعتد بها أولا، وأجروا على كل وجه ما يقتضي من الأحكام لم يخصوا بذلك دخول همزة الوصل وعدم دخولها بل قالوا: إن اعتدنا بالعارض فلا حاجة إلى تحريك النون في "من"؛ لأن "بل" تبقى على سكونها؛ إذ لم يلتق ساكنان، وإن لم نعتد بالعارض أبقينا فتحة النون على حالها قبل النقل فإذا اتضح ذلك وجب النظر في مواضع النقل في القرآن فما رأينا فيه أمارة الاعتداد بالعارض حذفنا همزة الوصل في الابتداء به، وما رأينا فيه أمارة عدم الاعتداد بالعارض أبقينا همزة الوصل فيه وما لا أمارة فيه على واحد منهما ففيه الوجهان وهذا تحقيق البحث في ذلك إن شاء الله تعالى، فنقول: في مسألة "عادًا الُاولى" ظهرت أمارة الاعتداد بالعارض في قراءة أبي عمرو ونافع معا وذلك أنهما أدغما في الوصل التنوين في اللام فهذه أمارة الاعتداد بحركة اللام فإذا ابتدأ القارئ لهما بالنقل لم يحتج إلى همزة الوصل؛ لأنا قد علمنا أن الحركة معتد بها عندهما وصلا فابتنى الابتداء عليه، وقد نص أبو محمد مكي في كتاب الكشف على أن ورشا لا يمد، الأولى، وإن كان من مذهبه مد حرف المد بعد الهمز المغير؛ لأن هذا وإن كان همزا مغيرا إلا أنه قد اعتد بحركة اللام فكان لا همز في الكلمة فلا مد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 قلت: هكذا ينبغي في القياس أن لا تعود همزة الوصل في الابتداء، والله أعلم. ونقول في جميع ما نقل فيه ورش الحركة إلى لام المعرفة في جميع القرآن غير "عادا الُاولى" هو على قسمين، أحدهما ما ظهرت فيه أمارة عدم الاعتداد بالعارض كقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ} 1، {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا 2 فِي الْآخِرَةِ} ، {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ} 3، {قَالُوا الْآنَ} 4، {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} 5. ونحو ذلك ألا ترى أنه بعد نقل الحركة في هذه المواضع لم تردّ حروف المد التي حذفت لأجل سكون اللام ولم تسكن تاء التأنيث التي كسرت لسكون "الآزفة"، فعلمنا أنه ما اعتد بالحركة في مثل هذه المواضع فينبغي إذا ابتدأ القارئ له فيها أن يأتي بهمزة الوصل؛ لأن اللام وإن تحركت فكأنها بعد ساكنة، القسم الثاني ما لم تظهر فيه أمارة نحو: {وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا} 6. فإذا ابتدأ القارئ لورش هنا اتجه الوجهان المذكوران والله أعلم: فصل: هذا الذي فعله نافع وأبو عمرو في عادًا الُاولى من النقل والإدغام، ومثله جاء في قراءة شاذة في قوله تعالى في سورة المائدة: {إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ} 7. لما نقل الحركة واعتد بها سكنت نون "من" فودب الإدغام، وكان يمكن في "عادا الُاولى" ثلاث قراءات صحيحات الوجوه غير ما تقدم، وهي: حذف التنوين من "عادا" سواء نقل الحركة في "الأولى" أو لم ينقل، ووجه حذفه التقاء الساكنين على لغة من قتل: ولا ذاكرة إلا قليلا، ويكون حذفه مع النقل على لغة من لم يعتد بالمعارض من نقل الحركة، والقراءة الثالثة على مذهب من نقل الحركة أن يكسر التنوين ولا يدغمه؛ لأن إدغام المتحرك ليس واجب، ولا يمكن القراءة بسكون التنوين مع الاعتداد بالحركة إلا بالإدغام، وهي قراءة نافع وأبي عمرو، وقد سهل الله سبحانه وتعالى في هذا الباب مباحث حسنة، ولله الحمد: 234- وَنقْلُ رِدًا عَنْ نَافِعٍ وَكِتَابِيهْ ... بِالِاسْكانِ عَنْ وَرْشٍ أَصَحُّ تَقَبُّلا لو أتى بهذا البيت قبل مسألة "عادا الُاولى" لكان أحسن؛ ليتصل مذهب نافع بكماله يتلو بعضه بعضا وليفرغ مما روي عن ورش الانفراد بنقله ثم يذكر من وافقه في شيء من مواضع النقل كما هي عادته غالبا في باقي الأبواب، وإنما أخر هذا البيت؛ لأن النقل في كتابيه ضعيف والنقل في ردا على خلاف أصل ورش   1 سورة الكهف، آية: 7. 2 سورة الرعد، آية: 26. 3 سورة الإسراء، آية: 11. 4 سورة البقرة، آية: 71. 5 سورة النجم، آية: 57. 6 سورة الزلزلة، آية: 3. 7 آية: 106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 لأنه لا ينقل في كلمة وأراد قوله تعالى: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} 1؛ أي معينا، قراءة نافع بغير همز كما يقف عليه حمزة بنقل حركة الهمزة إلى الدال الساكنة وقيل هو من أردى على كذا أي زاد فلا همز فيه أي أرسله معي زيادة، وأما قوله تعالى في الحاقة: {كِتَابِيَهْ، إِنِّي ظَنَنْت} 2. فروي عن ورش نقل حركة همزة إني إلى هاء كتابيه؛ لأنه ساكن آخر صحيح فدخل في الضابط المذكور أول الباب، وروي ترك النقل وهو الصحيح في العربية؛ لأن هذه الهاء هاء سكت وحكمها السكون لا تحرك إلا في ضرورة الشعر على قبح وأيضا فإنها لا تثبت إلا في الوقف فإذا خولف الأصل فأثبتت في الوصل إجراءً له مجرى الوقف؛ لأجل ثباتها في خط المصحف فلا ينبغي أن يخالف الأصل من وجه آخر وهو تحريكها فتجتمع في حرف واحد مخالفتان وهذه المسألة من الزيادات لم يذكرها الداني -رحمه الله- في التيسير وذكرها في غيره. قال مكي: أخذ قوم بنقل الحركة في هذا وتركه أحسن وأقوى. قلت: فلهذا قال الناظم: أصح تقبلا؛ أي "وكتابيهْ" بالإسكان أصح تقبلا منه بالتحريك، وذلك أن التحريك تقبله قوم وتقبل الإسكان قوم فالإسكان أصح تقبلا من حيث الدليل على ما سبق ونصبه على التمييز وبالإسكان حال أي وكتابيه ساكنا أصح تقبلا منه متحركا فهو مثل قولهم هذا بسرا أطيب منه رطبا والله أعلم.   1 سورة القصص، آية: 34. 2 الآية: 19 و20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 باب: وقف حمزة وهشام على الهمز هذا الباب من أصعب الأبواب نظما ونثرا في تمهيد قواعده وفهم مقاصده، وقد أنقنه الناظم -رحمه الله- ولكثرة تشعبه أفرد له أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران المقرئ رحمه الله تصنيفا حسنا جامعا، وذكر أنه قرأ على غير واحد من الأئمة فوجد أكثرهم لا يقومون به حسب الواجب فيه، إلا في الحرف بعد الحرف: 235- وَحَمْزَةُ عِنْدَ الْوَقْفِ سَهَّلَ هَمْزَهُ ... إِذَا كَانَ وَسْطًا أَوْ تَطَرَّفَ مَنْزِلا سبق الكلام في مذهبه في الهمزة المبتدأة في شرح قوله في الباب السابق: وعن حمزة في الوقف خلف ... والكلام في هذا الباب في الهمزة المتوسطة والمتطرفة التي في آخر الكلمة، ويأتي فيهما إن شاء الله تعالى جميع أنواع تخفيف الهمز وهي إبداله وحذفه بعد إلقاء حركته على ساكن قبله وجعله بين بين. ولفظ التسهيل يشمل الجميع وقد يخص القراء لفظ التسهيل بين بين كما سبق، وهذه الأنواع هي التي نقلها أهل العربية في ذلك، وعند القراء نوع آخر وهو تخفيف الهمز باعتبار خط المصحف وسيأتي الكلام عليه وعلى تفاريع هذه الأنواع على ما تقتضيه أصول العربية والقراءات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 والهاء في همزه تعود إلى حمزة أو إلى الوقف لملابسة كل واحد منهما هذا بفعله فيه وهذا بأنه محل الفعل والشيء يضاف إلى الشيء بأدنى ملابسة بينهما، ووسطا ظرف، وكان تامة أي إذا وقع في وسط الكلمة أي بين حروفها كما تقول: جلست وسط القوم، ويجوز أن يكون خبر كان الناقصة؛ لأن وسطا مصدر من قولهم: وسطت القوم أوسطهم وسطا وسطة أي توسطتهم ذكره الجوهري، فالمعنى ذا وسط أي إذا كان متوسطا أو تطرف آخرها ومنزلا تمييز أي تطرف منزله أي موضعه وإنما اختص تسهيل حمزة للهمزة بالوقف؛ لأنه محل استراحة القارئ والمتكلم مطلقا، ولذلك حذفت فيه الحركات والتنوين وأبدل فيه تنوين المنصوب ألفا، قال ابن مهران: وقال بعضهم هذا مذهب مشهور ولغة معروفة يحذف الهمز في السكت كما يحذف الإعراب فرقا بين الوصل والوقف وهو مذهب حسن. قال: وقال بعضهم لغة أكثر العرب الذين هم أهل الجزالة والفصاحة ترك الهمزة الساكنة في الدرج والمتحركة عند السكت. قلت: وفيه أيضا تآخي رءوس الآي في مثل: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} 1. و"الخاطئة" في الحاقة، و"خاطئة" في سورة "اقرأ"، وأنا أستحب ترك الهمز في هذه المواضع في الوقف لذلك. وأما الحديث الذي رواه موسى بن عبيدة عن نافع عن ابن عمر قال: "ما همز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أبو بكر ولا عمر ولا الخلفاء، وإنما الهمز بدعة ابتدعها من بعدهم". فهو حديث لا يحتج بمثله؛ لضعف إسناده فإن موسى بن عبيدة هو الزيدي وهو عند أئمة الحديث ضعيف. ثم شرع الناظم في بيان ما يفعل حمزة بالهمز المتوسط والمتطرف فقال: 236- فَأَبْدِلْهُ عَنْهُ حَرْفَ مَدِّ مُسَكَّنًا ... وَمِنْ قَبْلِهِ تَحْرِيكُهُ قَدْ تَنَزَّلاَ أي فأبدل الهمز عن حمزة حرف مد من جنس حركة ما قبله بشرطين أحدهما أن يكون الهمز ساكنا والثاني أن يتحرك ما قبله سواء توسط أو تطرف نحو، "يؤمنون"، و"إن يشأ"، و"قال الملأ"، والهمزة في الملأ متحركة ولكن لما وقف عليها سكنت وهذا قياس تخفيف الهمزات السواكن؛ إذ لا حركة لها فتجعل بين بين أو تنقل. وقال: مسكنا بالكسر وهو حال من الضمير المرفوع في "فأبدله"، ولم يقل مسكنا بالفتح ولو قاله لكان حالا من الهاء في "فأبدله"، وهي عائدة على الهمز؛ لئلا يوهم أنه نعت؛ لقوله حرف مد فعدل إلى ما لا إيهام فيه وحصل به تقييد الهمز بالسكون، ولأنه أفاد أن القارئ وإن سكن الهمز المتحرك في الوقف فحكمه هكذا أي أبدل الهمز في حال كونك مسكنا له سواء كان ساكنا قبل نطقك به أو سكنته أنت للوقف. والواو في قوله: ومن قبله تحريكه ... للحال والجملة حال من الهمز أي فأبدله مسكنا محركا ما قبله، فتكون   1 سورة الرحمن، آية: 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 الحال الأولى من الفاعل والثانية من المفعول نحو لقيته مصعدا ومنحدرا، واشتراط تحرك ما قبل الهمز إنما يحتاج إليه في المتحرك الذي سكنه القارئ في الوقف نحو: {قَالَ الْمَلَأُ} . ليحترز به من نحو: "يشاء" و"قروء" و"هنيئا" و"شيء" و"سوء". وسيأتي أحكام ذلك كله. وأما الهمزة الساكنة قبل الوقف فلا يكون ما قبلها إلا متحركا، وفي هذا القسم الذي تسكنه للوقف وتبدله حرف مد من جنس حركة ما قبله وجهان آخران سنذكرهما. أحدهما: تسهيله على اعتبار مرسوم الخط، والآخر تسهيله بالروم. فإن قلت: لم كانت الهمزة الساكنة تبدل حرفا من جنس حركة ما قبلها، ولم تكن من جنس حركة ما بعدها؟ قلت: لأن ما قبلها حركة بناء لازمة وما بعدها يجوز أن تكون حركة إعراب، وحركة الإعراب تنتقل وتتغير من ضم إلى فتح إلى كسر فأي حركة منها تعتبر ولا ترجيح لإحداهن على الأخريين، فينظر إلى ما لا يتغير وهو حركة ما قبلها. فإن قلت: كان من الممكن أن تعتبر كل حركة في موضعها. قلت: يلزم من ذلك أن ينقلب الهمز مع الضم واوا، ومع الفتح ألفا، ومع الكسر ياء، فتختل بنية الكلمة نحو رأس يصير عين الكلمة في الرفع واوا، وفي النصب ألفا، وفي الجر ياء، وفي ذلك اختلال الألفاظ واختلاط الأبنية وأيضا فاعتبار الحرف بما قبله أقرب إلى قياس اللغة من اعتباره بما بعده، ألا تراهم التزموا فتح ما قبل الألف دون ما بعدها نحو قالوا وقائل، ولأن اعتبار الأول أخف، ومما ينبه عليه في هذا الموضع أن كل همزة ساكنة للجزم أو للوقف إذا أبدلت حرف مد بقي ذلك الحرف بحاله لا يؤثر فيه الجازم نحو: {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا} 1، {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} 2. ونقل صاحب الروضة شيئا غريبا فقال: وتقف على: {نَبِّئْ عِبَادِي} 3 بغير همز: فإن طرحت الهمزة وأثرها قلت: نبا وإن طرحتها وأبقيت أثرها قلت نبي والله أعلم. 237- وَحَرِّكْ بِهِ مَا قَبْلَهُ مَتَسَكِّنًا ... وَأَسْقِطْهُ حَتّى يَرْجِعَ اللَّفْظُ أَسْهَلا به أي بالهمز يعني بحركته على حذف مضاف يعني إذا كان متحركا وقبله ساكن فألق حركته على   1 سورة الكهف، آية: 16. 2 و3 سورة الحجر، آية: 49 ,51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 الذي استقر قبله متسكنا وأسقط الهمز كما تقدم في باب نقل الحركة حتى يرجع اللفظ أسهل مما كان أو سهلا وذلك نحو، موئلا، ودفء، تلقى الحركة إلى الواو والفاء، ويسقط الهمز ثم تسكن الفاء من دفء للوقف ولك فيها الروم والإشمام كما يأتي. فإن قلت لم كان نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ولم ينقل إلى الساكن بعدها في نحو: {قَدْ أَفْلَحَ} 1. قلت: لو نقل إلى الساكن بعدها لالتبست الأبنية فإنه كان يقال قد فلح، فيظن أنه فعل ثلاثي وإذا نقل إلى الساكن قبله بقي في اللفظ ما يدل على بناء أصل الكلمة وهو السكون بعد الهمزة وكذا في أشياء وأزواج ونحوهما ثم استثنى من هذا أن يكون الساكن قبل الهمزة ألفا فقال: 238- سِوَى أَنَّهُ مِنْ بَعْدِ مَا أَلِفٍ جَرى ... يُسَهِّلُهُ مَهْمَا تَوَسَّطَ مَدْخلا أي: سوى أن حمزة يسهل الهمز المتحرك الجاري من بعد ألف مهما توسط، وما زائدة، ومدخلا تمييز، ومن بعد متعلق بيسهله أو بتوسط أي يسهله من بعد ألف أو مهما توسط من بعد ألف، وقوله: جرى حشو لا فائدة فيها على هذا التقدير فإنه لو حذف لم يختل المعنى المقصود، وحيث قد أتى به فأقرب ما تقدره به أن يكون حالا ويتعلق به من بعد ما ألف، وقد مقدرة قبله كما قيل ذلك في قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} 2. والتقدير يسهله جاريا من بعد ألف أي في هذه الحالة أو مهما توسط جاريا من بعد ألف، ومراده بالتسهيل هنا بين بين؛ وذلك لأن نقل الحركة إلى الألف متعذر؛ لأنها لا تتحرك؛ لأنها بما فيها من المد كأنها حرف متحرك فيسهل الهمز بعدها بين بين كما سنذكره في الهمز المتحرك بعد متحرك فإذا سهله بعد الألف هل يمكن مد الألف الذي كان لأجل الهمز أو يقصر، فيه تردد سبق؛ لأنها حرف مد قبل همز مغير وذلك نحو: {دُعَاؤُكُمْ} 3، {وَنِدَاءً} 4؛ لأن بعد الهمزة في نداء ألف التنوين وهي لازمة فصارت الهمزة متوسطة. قال صاحب التيسير في هذا النوع إن شئت مكنت الألف قبلها وإن شئت قصرتها والتمكين أقيس5 ثم ذكر حكم المتطرفة بعد ألف فقال: 239- وَيُبْدِلُهُ مَهْمَا تَطَرَّفَ مِثْلُهُ ... وَيَقْصُرُ أَوْ يَمْضِي عَلَى الْمَدِّ أَطْوَلا مثله أي حرفا مثله يريد مثل ما قبله يعني ألفا؛ وذلك لأن الهمزة المتطرفة سكنت للوقف وقبلها ألف،   1 سورة المؤمنون، آية: 1. 2 سورة النساء، آية: 90. 3 سورة الفرقان، آية: 77. 4 سورة البقرة، آية: 171. 5 وإنما كان التمكين أقس؛ لأن الألف يستحق المد المشبع مع بقاء تحقيق الهمز، فلما سهلت بين بين، حصلت بها الخفة وهي في زنة المخففة، ومن قال بالقصر قال: كان لقوّة الهمزة؛ وقد ضعفت بالتسهيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وقبل الألف فتحة فلم تعد الألف حاجزا فقلبت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها فاجتمع ألفان فإما أن يحذف إحداهما فيقصر ولا يمد أو يبقيهما؛ لأن الوقف يحتمل اجتماع ساكنين فيمد مدًّا طويلًا ويجوز أن يكون متوسطا لقوله في باب المد والقصر: "وعند سكون الوقف وجهان أصلا" وهذا من ذلك ويجوز أن يمد على تقدير حذف الثانية؛ لأن حرف المد موجود والهمزة منوية فهو حرف مد قبل همز مغير وإن قدر حذف الألف الأولى فلا مد وذلك نحو: {صَفْرَاءُ} 1، {وَالسَّمَاءَ} 2. والمد هو الأوجه، وبه ورد النص عن حمزة من طريق خلف وغيره، وهذا مبني على الوقف بالسكون فإن وقف بالروم كما سيأتي في آخر الباب فله حكم آخر وإن وقف على اتباع الرسم أسقط الهمزة، فيقف على الألف التي قبلها فلا مد أصلا والله أعلم، وأطول حال من المد على معنى زائدا طوله، فهذه فائدة مجيئه على وزن أفعل والله أعلم. 240- وَيُدْغِمُ فِيهِ الْوَاوَ وَالْيَاءَ مُبْدِلا ... إِذَا زِيدَتَا مِنْ قَبْلُ حَتَّى يُفَصَّلا فيه أي في الهمز بعد إبداله يعني إذا وقع قبله واو أو ياء زائدتان فأبدله حرفا مثله ثم أدغم ذلك الحرف فيه كما تقدم لورش في: "النسيء" وذلك نحو "خطيئة" و"قروء". وقوله: حتى يفصلا أي حتى يفصل بين الزائد والأصل فإن الواو والياء الأصليتين ينقل إليهما الحركة؛ لأن لهما أصلا في التحريك بخلاف الزائدة، والزائد ما ليس بقاء الكلمة ولا عينها ولا لامها بل يقع ذلك، وفي هذه الكلمات وقع بين العين واللام؛ لأن النسيء فعيل والخطيئة فعيلة وقروء فعول، ولأصلي بخلافه نحو هيئة وشيء؛ لأن وزنهما فعلة، وفعل فهذا النوع تنقل إليه الحركة كما فعل في: "موئلا" و"دفء". وبعضهم روى إجراء الأصلي مجرى الزائد في الإبدال والإدغام، وسيأتي ذلك في قوله: وما واو أصلي تسكن قبله أو الياء ... وهذا كان موضعه وإنما أخره لمعنى سنذكره، ولو قال بعد هذا البيت: وإن كانتا أصلين أدغم بعضهم ... كشيء وسوء وهو بالنقل فضلا لكان أظهر وأولى والله أعلم، وفرغ الكلام في الهمزة المتحركة الساكن ما قبلها ثم شرع في ذكر المتحركة المتحرك ما قبلها فقال: 241- وَيُسْمِعُ بَعْدَ الْكَسْرِ وَالضَّمِّ هَمْزُهُ ... لَدى فَتْحِهِ يَاءًا وَوَاوًا مُحَوَّلا أي ويسمع حمزة همزة المفتوح بعد كسرٍ ياءً وبعد ضمٍ واوًا مبدلا من الهمزة فقوله: محولا: نعت للواو وحذف نعت ياء؛ لدلالة الثاني عليه وأراد ياء محولا واوا محولا ولو كسر الواو من محولا لكان جائزًا ويكون حالا من حمزة أي محولا للهمزة ياء وواوًا.   1 سورة البقرة، آية: 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وقوله: همزة ثاني مفعولي يسمع، والأول محذوف أي يسمع الناس همزه الموصوف إذا قرأه ياء وواوا أي يسمعهم إياه على هذه الصفة، وبعضهم جعل يسمع متعديا إلى ثلاثة مفعوله الثالث قوله: محولا ياء وواوا. وهذا البيت فصيح النظم حيث لف الكلام فجمع بين الكسر والضم، ثم رد إليهما قوله: ياء وواوا فردت الفطنة الياء إلى الكسر والواو إلى الضم، فهو من باب قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} 1. وقول امرئ القيس: كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العناب والخشف البالي واعلم أن قياس العربية في كل همزة متحركة متحرك ما قبلها إذا خففت أن تجعل بين بين إلا المفتوحة بعد كسر أو ضم فإنها تقلب ياء وواوا قالوا: لأنها لو جعلت بين بين لقربت من ألف والألف لا يكون قبلها إلا فتح، ومثال ذلك: "فئة"، و"لئلا"، و"مؤجلا"، و"يؤده" ونحو ذلك. 242- وَفي غَيْرِ هذَا بَيْنَ بَيْنَ وَمِثْلُهُ ... يَقُولُ هِشَامٌ مَا تَطَرَّفَ مُسْهِلا أي ويسمع همزه في غير ما تقدم ذكره بلفظ بين بين وهذا الغير الذي أشار إليه هو ما بقى من أقسام الهمز المتحرك بعد متحرك ومجموعهما تسعة؛ لأن الحركات ثلاث كل واحدة قبلها ثلاث حركات فثلاثة في ثلاثة تسعة. ذكر في البيت السابق منها قسمين؛ مفتوحة بعد كسر، مفتوحة بعد ضم، وحكمهما الإبدال كما سبق فبقي لبين بين سبعة أقسام: مفتوحة بعد مفتوح، نحو: "سأل"، "مآرب". مكسورة بعد فتح وكسر وضم نحو: "بئس"، و"خاسئين" و"سئلوا". مضمومة بعد فتح وكسر وضم نحو: "رءوف"، "فمالئون"، "برءوسكم". وقد عرفت أن معنى قولهم بين بين أن تجعل الهمزة بين لفظها وبين لفظ الحرف الذي منه حركتها أي بين هذا وبين هذا ثم حذفت الواو والمضاف إليه منهما، وبنيت الكلمتان على الفتح فهذه أصول مذهب حمزة في تخفيف الهمز على ما اقتضته لغة العرب. ثم يذكر بعد ذلك فروعا على ما تقدم وقع فيها اختلاف، ووجوها أخر من التخفيف غير ما سبق ذكره، ثم قال: ومثله أي ومثل مذهب حمزة مذهب هشام فيما تطرف من الهمز أي كل ما ذكرناه لحمزة في المتطرفة فمثله لهشام ولم يوافقه في المتوسطة؛ لأن المتطرفة أحرى بالتخفيف؛ لأنها آخر لفظ القارئ، وموضع   1 سورة القصص، آية: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 استراحته وانقطاع نفسه ويقع في النسخ ومثله بضم اللام ونصبها أجود؛ لأنه نعت مصدر محذوف أي ويقول هشام في تسهيل ما تطرف من الهمز قولا مثل قول حمزة، وما في قوله ما تطرف ظرفية كقوله: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} 1. أي مهما تطرف الهمز فهشام موافق لحمزة في تخفيفه أو تكون ما مفعول يقول؛ لأن يقول هنا بمعنى يقرأ أي يقرأ ما تطرف كقراءة حمزة له، ومسهلا حال من هشام أي راكبا للسهل، وأجاز الشيخ أن يكون حالا من الهاء في مثله العائدة على حمزة، ثم ذكر الناظم فروعا للقواعد المتقدمة فقال: 243- وَرِءْيَا عَلَى إِظْهَارِهِ وَاِدِّغَامِهِ ... وَبَعْضٌ بِكَسْرِ الْها لِيَاءٍ تَحَوَّلا أي "ورءيا" مقروء أو مروي أو مستقر على إظهاره وإدغامه، أو "ورءيا" على إظهاره وإدغامه جماعة، أي اختار قوم الإظهار وآخرون الإدغام يريد قوله تعالى في مريم: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} 2. وقد روي عن حمزة أنه استثناها فهمزها كما استثناها أبو عمرو فيما تقدم ذكره ثم قياس تخفيف همزها أن يبدل ياء؛ لأنه ساكن بعد كسر فإذا فعل ذلك اجتمع ياءان فروي الإدغام لاجتماع ياءين، وروي الإظهار نظرا إلى أصل الياء المدغمة وهو الهمز، وكذلك الخلاف في: "تؤوى"، و"تؤويه" لاجتماع واوين فكأن الناظم أراد "ورءيا" وما كان في معناه، وكان يمكنه أن يقول: ورءيا وتؤوى أظهرنْ أدغمنْ معا قال صاحب التيسير اختلف أصحابنا في إدغام الحرف المبدل من الهمز وفي إظهاره في قوله: "ورئيا وتؤوى وتؤويه" فمنهم من يدغم؛ اتباعا للخط، ومنهم من يظهر؛ لكون البدل عارضا والوجهان جائزان، ثم ذكر أن بعضهم يكسر هاء الضمير المضمومة؛ لأجل ياء قبلها تحولت تلك الياء عن همزة، ويكون الضمير في تحولا للياء وذكر ضميره؛ لأن حروف الهجاء كما ذكرنا فيها وجهان التذكير والتأنيث، ويجوز أن يكون فاعل تحولا ضمير الهمز أي تحول الهمز إلى تلك الياء ثم مثل ذلك فقال: 244- كَقَوْلِكَ أَنْبِئْهُمْ وَنَبِّئْهُمُ وَقَدْ ... رَوَوْا أَنَّهُ بِالخَطِّ كانَ مُسَهَّلا يعني: {أَنْبِئْهُمْ} 3 في البقرة {وَنَبِّئْهُمْ} 4 في الحجر والقمر. قال صاحب التيسير: اختلف أهل الأداء في تغيير حركة الهاء مع إبدال الهمز ياء قبلها في قوله: "أنبئهم ونبئهم" فكان بعضهم يرى كسرها من أجل الياء وكان آخرون يبقونها على ضمتها؛ لأن الياء عارضة، قال: وهما صحيحان يعني الوجهين، ووجه قلب الهمزة في هاتين الكلمتين ياءً أنها ساكنة بعد كسر فهو قياس تخفيفها فوجه كسر الهاء وجود الياء قبلها فصار نحو: "فيهم ويهديهم"، وهو اختيار ابن مجاهد وأبي الطيب بن غلبون، وقال ابنه أبو الحسن كلا الوجهين حسن، قال ابن مهران: سمعت أبا بكر بن مقسم يقول: ذهب ابن مجاهد إلى أبي أيوب الضبي فقال له: كيف يقف حمزة على قوله تعالى: {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ} ؟   1 سورة التوبة، آية: 7. 2 الآية: 74. 3 الآية: 33. 4 سورة الحجر، آية: 51 والقمر آية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فقال: "أنبيهم" خفف الهمزة وضم الهاء، فقال له ابن مجاهد: أخطأت وذكر تمام الحكاية. ووجه ضم الهاء أن الياء عارضة؛ لأن الهمزة لم تترك أصلا وإنما خففت وهي مرادة وهو اختيار مكي وابن مهران، وهو الأشبه بمذهب حمزة ألا تراه ضم هاء "عليهم"، و"إليهم" و"لديهم"؛ لأن الياء قبلها مبدلة من ألف وهاتان المسألتان: "رءيا"، و"أنبئهم" فرعان لقوله: فأبدله عنه حرف مد مسكنا، ثم ذكر قاعدة أخرى مستقلة فقال: وقد رووا أنه بالخط كان مسهلا أي أن حمزة كان يعتبر تسهيل الهمز بخط المصحف الكريم على ما كتب في زمن الصحابة -رضي الله عنهم- وذلك يعرف من مصنفات موضوعة له. روى سليم عن حمزة أنه كان يتبع في الوقف على الهمز خط المصحف الكريم. قال صاحب التيسير: واعلم أن جميع ما يسهله حمزة فإنما يراعي فيه خط المصحف الكريم دون القياس. قلت: وضابط ذلك أن ينظر في القواعد المتقدم ذكرها فكل موضع أمكن إجراؤها فيه من غير مخالفة للرسم لم يتعد إلى غيره نحو جعل: {بَارِئِكُمْ} 1 بين الهمزة والياء، وإبدال همز "أبرئ" ياء وهمز، "ملجأ" ألفا، وإن لزم فيها مخالفة الرسم فسهل على موافقة الرسم فاجعل: "تَفْتَؤُ"2 بين الهمزة والواو: {مِنْ نَبَأِ} 3 بين الهمزة والياء ولا تبدلهما ألفا وكان القياس على ما مضى؛ ذلك لأنهما يسكنان للوقف وقبلهما فتح فيبدلان ألفا، وهذا الوجه يأتي تحقيقه في قوله: "فالبعض بالروم سهلا"، ومثله في المتوسطة: {أُنَبِّئُكُمْ} 4. تجعل من بين الهمزة والياء أو تبدل ياء على خلاف يأتي وحكى ابن مهران خلافا في نحو: "تائبات"، "سائحات" بين بين، وإبدال الياء المحضة، وكذا في نحو: "رؤوف"، "تؤزهم". بين بين وإبدال الواو المحضة اتباعا للرسم.   1 سورة البقرة، آية: 54. 2 سورة يوسف، آية: 85. 3 سورة الأنعام، آية: 34. 4 سورة آل عمران، آية: 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 قال غيره: وقد تأتي مواضع يتعذر فيها اتباع الرسم، فيرجع فيها إلى الأصول المتقدمة وما روي عن حمزة -رحمه الله- تعالى يحمل على ما يسوغ فيه ذلك والله أعلم. 245- فَفِي الْيَا يَلِي والْوَاوِ وَالحَذْفِ رَسْمَهُ ... وَالَاخْفَشُ بَعْدَ الْكَسْرِ والضَّمِّ أَبْدَلا بين بهذا مذهبه في اتباع الخط عند التسهيل، ومعنى يلي يتبع، ورسمه مفعول به أي يتبع رسم الخط في الياء والواو والحذف أي أن الهمز تارة تكتب صورته ياء وتارة واوا وتارة يحذف أي لا تكتب له صورة. وإنما ذكر هذه الأقسام الثلاثة ولم يذكر الألف، وإن كانت الهمزة تصور بها كثيرا؛ لأن تخفيف كل همزة صورت ألفا على القواعد المتقدمة لا يلزم منه مخالفة الرسم؛ لأنها إما أن تجعل بين بين نحو: "سأل". أي بين الهمزة والألف أو تبدل ألفا في نحو: "ملجأ". فهو موافق للرسم وإنما تجيء المخالفة في رسمها بالياء والواو وفي عدم رسمها وقد بينا المخالفة في الياء والواو في كلمتي: "تفتؤ"، و"من نبأ"، وقد رسم الهمز في كلمة واحدة رسمين مرة ألفا ومرة واوا نحو: "الملأ"؛ رسم بالألف إلا في أربعة مواضع: ثلاثة في النمل، وواحد في أول المؤمنون، فسهل في كل موضع باعتبار رسمه، وأما الحذف ففي كل همزة بعدها واو جمع نحو: "فمالئون، يطئون، مستهزءون". فكل هذا لو خفف همزه باعتبار ما تقدم من القواعد لجعل الجميع بين بين باعتبار حركته في نفسه فإذا أريد تخفيفه باعتبار خط المصحف حذف الهمز حذفا حتى أنهم نصوا أنه يقول في-الموءودة المودة بوزن الموزة وفي نحو: "برءاء"، كتبت الأولى بالواو، والثانية بالألف، فلزم من اتباع الرسم أن تبدل الأولى واوا مفتوحة؛ إذ لم يمكن تسهيلها بين الهمزة والواو؛ لأن الهمزة مفتوحة، وإنما تسهل على قياس ما تقدم بين الهمزة والألف والثانية تبدل ألفا على القاعدتين معا، وهما اتباع الرسم والقياس؛ لأنها سكنت للوقف وقبلها فتحة فأبدلت ألفا، واتفق أن كان الرسم كذلك فلا وجه غيره وعلى اتباع الخط تكون الهمزة في: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 {تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} 1 وفي "رءا القمر"2 متطرفة؛ فلها حكم المتطرفة؛ لأنه لم يرسم بعد الهمز فيهما شيء بل كتبا على لفظ الوصل. ثم بين الناظم -رحمه الله تعالى- مذهب الأخفش النحوي وهو أبو الحسن سعيد بن مسعدة، وهو الذي يأتي ذكره في سورة الأنعام وغير الذي ذكره في سورة النحل. ووجه اتصاله بما تقدم من وجهين: أحدهما: أنه ذكره استئناسا لمذهب حمزة في إبدال الهمزة المتحرك المتحرك ما قبله حرف مد؛ اتباعا للخط حيث يلزم من تسهيله على القياس المقدم مخالفة الرسم، فذكر أن من أئمة العربية الأكابر من رأى بعض ذلك في هذا الموضع بشرطه، وقد ذكره صاحب التيسير فقال نحو: {أُنَبِّئُكُمْ} 3، {سَنُقْرِئُكَ} 4؛ يبدلها ياء مضمومة؛ اتباعا لمذهب حمزة في اتباع الخط عند الوقف على الهمز وهو قول الأخفش -أعني التسهيل- في ذلك بالبدل. الوجه الثاني أن يكون في المعنى متصلا بقوله: وفي غير هذا بين بين ... كأنه قال: إلا في موضعين فإن الأخفش أبدل فيهما، فتصير مواضع الإبدال على قوله أربعة من تسعة؛ هذا نوعان، ونوعان وافق فيهما سيبويه وهما المذكوران في قوله: ويسمع بعد الكسر والضم، وقوله: ذا الضم مفعول أبدلا أي أبدل الهمز المضموم بعد الكسر بياء، وتمم بيان مذهب الأخفش فقال: 246- بِيَاءِ وَعَنْهُ الْوَاوُ في عَكْسِهِ وَمَنْ ... حَكَى فِيهِمَا كَالْيَا وَكَالْوَاوِ أَعْضَلا أي وعن الأخفش إبدال الواو في عكس ذلك وهو أن تكون الهمزة مكسورة بعد ضم نحو "سئل" والأول نحو: {تُنَبِّئُهُمْ بِمَا} 5، فأبدل المضمومة ياء والمكسورة واوا أبدلهما حرفين من جنس حركة ما قبلها فتارة يوافق مذهبه الرسم في نحو: {تُنَبِّئُهُمْ} ، ومذهب سيبويه ما تقدم وهو جعل كل واحدة منها بين بين، قال من قرر مذهب الأخفش: لو جعلت هنا بين بين لقربت من الساكن فيؤدي إلى واو ساكنة قبلها كسرة وياء ساكنة قبلها ضمة، ولا مثل لذلك في العربية كما أن المفتوحة بعد كسر أبدلت ياء، وبعد ضم واوا كذلك.   1 سورة الشعراء، آية: 61. 2 ورة الأنعام، آية: 77. 3 سورة آل عمران، آية: 14. 4 سورة الأعلى، آية: 6. 5 سورة التوبة، آية: 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وأجيب بأنه يلزمه أيضا في مذهبه أن تكون ياء مضمومة بعد كسرة وواو مكسورة بعد ضمة، وذلك مطرح الاستعمال حقيقة، وما اختاره سيبويه يشبه ما اطرح استعماله فما ذكره أفظع، وأما إلزامه المفتوحة فلأن إبدالها لا يؤدي إلى ما اطرح استعماله بخلاف ما ذكره. ثم قال: ومن حكى فيهما أي في المضمومة بعد كسر، والمكسورة بعد ضم أن تجعل المضمومة كالياء والمكسورة كالواو أي تسهل كل واحدة منها بينها وبين حرف من جنس حركة ما قبلها لا من جنس حركتها؛ ليسلم من الاعتراضين الواردين على مذهب سيبويه والأخفش، فمن حكى ذلك أعضل، قال الشيخ: أي أتى بعضلة، وهي الأمر الشاق؛ لأنه جعل همزة بين بين مخففة بينها وبين الحرف الذي منه حركة ما قبلها. قلت: وهذا الوجه مذكور في كتاب الكشف لأبي محمد مكي بن أبي طالب وغيره عن الأخفش، ويقوى في مواضع توافق خط المصحف الكريم كالوقف على: "لؤلؤ" المخفوض بروم الحركة؛ لأنه يجعلها بين الهمزة والواو وذلك موافق للخط، وعلى رأي سيبويه تصير بين الهمزة والياء فتخالف الخط فيوقفه بلا روم ليجد قبلها واوًا فيوافق الرسم، نص عليه مكي، وقد تقدم مثل هذين الوجهين المحكيين عن الأخفش في مذهب الفراء في نحو: {يَشَاءُ إِلَى} 1؛ أكثرهم أبدل الثانية واوا وبعضهم جعلها بين الهمزة المكسورة والواو، وقد غلط بعض الجهال؛ لسوء فهمه فظن أن من سهل الهمزة بينها وبين الحرف الذي من جنس حركة ما قبلها قدر أن الحركة تكون على الهمزة من جنس حركة الحرف قبلها ففي: {تُنَبِّئُهُمْ} ، 2 و {يَسْتَهْزِئُونَ} تسهل بين الهمزة المكسورة والياء الساكنة وفي نحو: "سئل" و"يشاء إلى" تسهل بين الهمزة المضمومة والواو الساكنة وهذا جهل مفرط وغلط بيِّن، ولولا أني سمعته من قائله لما صدقت أن أحدا يقوله؛ فإن الهمزة محركة والحاجة داعية إلى تسهيلها، وذلك ممكن مع بقائها على حركتها فأي حاجة إلى تغير حركتها وتختل في وزنها ولفظها، وإنما لما احتيج إلى الحرف الذي يسهل إليه قال أهل المذهب الصحيح: يكون الحرف من جنس حركتها فهو أقرب إليها، وقال قوم: يجعل الحرف من جنس حركة ما قبلها كما لو كانت الهمزة ساكنة والفرق أن الساكنة لما لم تكن لها حركة اضطررنا إلى إبدالها حرفا من جنس حركة ما قبلها؛ إذ لم يكن اعتبارها بنفسها وفيما ذكرناه لها حركة فاعتبارها بها أولى، وهذا واضح لمن تأمله والله أعلم. ويقال: قد أعضل الأمر: أي اشتد وغلظ واستغلق، وأمر معضل: لا يهتدى لوجهه والله أعلم.   1 سورة البقرة، آية: 213. 2 سورة التوبة، آية: 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 247- وَمْسْتَهْزِئُونَ الحَذْفُ فِيهِ وَنَحْوِهِ ... وَضَمٌّ وَكَسْرٌ قِبْلُ قِيلَ وَأُخْمِلا هذا مفرع على القول بالوقف على مرسوم الخط فتحذف الهمزة منه؛ لأنها لم تكتب لها في صورة، وكذلك فيما أشبهه فيما فيه همزة مضمومة بعد كسر وبعدها واو ساكنة نحو: {فَمَالِئُونَ} 1، {لِيُطْفِئُوا} 2، {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ} 3، {مُتَّكِئُونَ} . وهذا قد عرف مما تقدم وإنما غرضه بهذا البيت بيان الحركة لما قبل الواو بعد حذف الهمز وهذه مسألة ليست في التيسير. وقال الشيخ في شرحه: منهم من وقف: "مستهزون"، و"مُتَّكُون". فضم ما قبل الواو ومنهم من كسر ما قبلها ولم يمد، ثم قال: وأخملا يعني المذهبين المذكورين، وإنما أخملا؛ لأن حركة الهمزة ألقيت على متحرك. وفي الوجه الآخر واو ساكنة قبلها كسرة وليس ذلك في العربية. قلت: هذا الذي ذكره الشيخ فيه نظر وإن كان قد تبعه فيه جميع من رأيت له كلاما على شرح هذا البيت سوى الشيخ أبي عمرو رحمهما الله تعالى. والصواب أن يقال: ضم ما قبل الواو وجه جيد وليس نقلا لحركة الهمزة إليه وإنما بنى الكلمة على فعلها. قال الفراء: من العرب من يبدل الهمز -يعني في الفعل- فيقول: استهزيت مثل استقضيت فمن وقف على: "مستهزون"4، فعلى ذلك مثل مستقضون، وقد ذكر الشيخ ذلك في شرحه، وقال ابن مهران: حكي عن الكسائي أنه قال: من وقف بغير همز قال: "مستهزون"، فرفع الزاي، ومثله "متكون"، و"ليطفُوا" وأشباه ذلك. قال: وقال الزجاج: أما "مستهزون". فعلى لغة من يبدل من الهمز ياء في الأصل فيقول في: استهزئ استهزيت فيجب على استهزيت يستهزون، قلت: وقد قرئ: "لا يأكله إلا الخاطون"5.   1 سورة الصافات، آية: 66. 2 سورة الصف آية: 8. 3 سورة يونس، آية: 53. 4 سورة البقرة، آية: 14. 5 سورة الحاقة، آية: 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 بضم الطاء وترك الهمز رويت عن نافع كما قرأ: "والصابون"1. فلا وجه لإخمال هذا الوجه أما كسر ما قبل الواو الساكنة فحقيق بالإخمال؛ لأنه لا يوجد في العربية نظيره، وهو الذي أراده الناظم -رحمه الله- تعالى إن شاء الله. وتقدير البيت الحذف فيه وضم يعني في الحرف الذي قبل الهمز؛ لأنه صار قبل الواو الساكنة، فضم كما في قاضون، ونحو ثم قال وكسر قبل قيل يعني قيل بالكسر قبل الواو، وأخمل هذا القول؛ لأنه على خلاف اللغة العربية. ولو أراد الناظم المعنى الأول لقال: قيلا بالألف، والوزن مؤاتٍ له على ذلك، فلما عدل عنه إلى قيل دل على أنه ما أراد إلا وجها واحدا، فيصرف إلى ما قام الدليل على ضعفه وهو الكسر، ولا معنى لصرفه إلى الضم مع كونه سائغا في اللغة والألف في أخملا للإطلاق لا للتثنية والخامل الساقط الذي لا نباهة له وقد خمل يخمل خمولا وأخملته أنا والله أعلم. 248- وَمَا فِيهِ يُلْفى وَاسِطًا بِزَوَائِدٍ ... دَخَلْنَ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ أُعْمِلا أي واللفظ الذي فيه يوجد الهمز متوسطا بسبب حروف زوائد دخلن عليه واتصلن به خطا أو لفظا ولم يأته التوسط من انتظام حروف الكلمة فيه وجهان أعملا أي استعملا مأخذ الوجهين أنه: هل يعطى ذلك الهمز حكم المتوسط فيسهل تسهيل مثله على ما سبق تفصيله أو حكم المبتدأ فيحقق، وأصل ذلك الاعتداد بالزائد العارض وعدم الاعتداد به. قال في التيسير: والمذهبان جيدان وبهما ورد نص الرواة. قلت: ولا ينبغي أن يكون الوجهان إلا تفريعا على قول من لا يرى تخفيف الهمز المبتدأ لحمزة في الوقف خلف أما من يرى ذلك فتسهيله لهذا أولى؛ لأنه متوسط صورة، وقد سبق التنبيه عليه، وقوله يلفى أي يوجد ومنه قوله تعالى: {مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} 2؛ أي ما وجدنا، كما قال تعالى ذلك في سورة لقمان. وقوله: واسطاً هو اسم فاعل من وسطت القوم، وقد سبق ذكره ثم مثل ذلك فقال: 249- كَمَا هَا وَيَا وَالَّلامِ وَالْبَا وَنَحْوِهَا ... وَلاَمَاتِ تَعْرِيفٍ لِمَنْ قَدْ تَأَمَّلا ما في قوله كما زائدة أي الزائد مثل لفظ "ها" و"يا" أما "ها" ففي نحو: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ} 3؛ لأن الكلمة التي للإشارة إلى الجماعة أولاء دخل عليها حرف التنبيه وهو "ها". ويا حرف النداء نحو: "يا أيها"، "يا أدم"، "يا أولي"، {يَا أُخْتَ هَارُونَ} 4.   1 سورة المائدة، آية: 69. 2 سورة البقرة، آية: 170. 3 سورة النساء، آية: 109. 4 سورة مريم، آية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وإنما عد الهمز في هذين الموضعين متوسطا، وإن كان الزائد الداخل عليه كلمة مستقلة بنفسها من جهة الاتصال خطا؛ لأن ألف "ها" و "يا" محذوفة في رسم المصحف الكريم، واتصلت الهاء والياء بالهمزة بعدهما والألف المتصلة بالياء في نحو: "يأيها". هي صورة الهمزة وليست ألف يا، والدليل على ذلك أنه إذا لم تكن بعد يا همزة لم يكتبوا ألفا أصلا نحو: "يقوم"1، "وينوح" واللام نحو: "لأنتم أشد، ولأبويه" والباء مثل "بأنهم". ونحو هذه الزوائد "فأمنوا، وأمر، كأنهم، ءأنذرتهم، أفأنت، فبأي، لبإمام، سأريكم" ونحو ذلك. ولامات التعريف نحو: "الآخرة"، و"الأرض". فالهمز في كل ذلك متوسط باعتبار أن ما دخل عليه متصل به خطا أو لفظا لا يمكن انفصاله منه، والزائد ما أمكن فصله من الكلمة ولا تختل بنيتها؛ فحروف المضارعة لا تعطى حكم الزوائد، والهمز بعدها متوسط بلا خلاف نحو: "يؤمن، يأكل" وكذا "وأمر، فأووا، وألحق به بعضهم: {يَا صَالِحُ ائْتِنَا} 2، و {إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} 3. والاختيار التحقيق لتأتي الوقف على ما قبل الهمزة فإن وقف بتخفيف "الهدى ائتنا" لم يمل الألف؛ لأنها بدل الهمزة وليست ألف الهدى وهو اختيار أبي عمرو الداني وقيل بل هي ألف الهدى، وحذفت المبدلة من الهمزة ويحتمل أن ترجع ألف الهدى، ويجمع بين الألفين بزيادة المد، فعلى هذا تسوغ الإمالة في ألف الهدى لمن مذهبه الإمالة، وقد سبق ذكر الوجهين والله أعلم. وقوله تعالى: {هَاؤُمُ} 4 في الحاقة ليس لها حكم هأنتم؛ لأن همزة هاؤم متوسطة؛ لأنها من تتمة كلمة ها بمعنى: خذ ثم اتصل بها ضمير الجماعة المتصل، وها أنتم الهاء فيه للتنبيه دخل على أنتم، وتسهل همزة هاؤم بلا خلاف بين بين ويوقف هاؤم، ومنع مكي من الوقف عليها؛ ظنا منه أن الأصل هاؤموا بواو وإنما كتبت على لفظ الوصل فحذفت، فقال: لا يحسن الوقف عليها؛ لأنك إن وقفت على الأصل بالواو خالفت الخط، وإن وقفت بغير وخالفت الأصل، وذكر الشيخ معنى ذلك وشرحه وهو سهو؛ فإن الميم في "هاؤم" مثل الميم في أنتم الأصل فيها الصلة بالواو على ما سبق في بيان قراءة ابن كثير، ورسم المصحف الكريم في جميع هذا الباب بحذف الواو فيما ليس بعده ساكن فما الظن بما بعده ساكن فالوقف على الميم لجميع القراء وإذا كان ابن كثير الذي   1 سورة غافر، آية: 29. 2 سورة الأعراف، آية: 27. 3 سورة الأنعام، آية: 71. 4 الآي: 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 يصل ميم الجمع بواو في الوصل لا يقف بالواو على الأصل فما الظن بغيره فإن قلت هلا جرى الوجهان في نحو: "دعاؤكم" و"هاؤم"؛ لأن الهمز فيها متوسط بزائد دخل عليه بعده كما لو كان الزائد قبله قلت؛ لأن الهمز هنا دائر بين أن يكون متوسطا أو متطرفا، وأيا ما كان فحمزة يسهله بخلاف ما إذا كان الزائد متقدما فإن الهمز يصير مبتدأ والمبتدأ فيه الخلاف كما سبق ولم تكن له حاجة إلى ذكر لام التعريف؛ لأنه قد فهم له الخلاف فيه مما سبق في مذهب ورش ولكنه أراد إعلام أنه من هذا النوع والنقل فيه أولى من غيره والله أعلم. 250- وَأَشْمِمْ وَرُمْ فِيمَا سِوى مُتَبَدِّلٍ ... بِهَا حَرْفَ مَدٍّ وَاعْرِفِ الْبَابَ مَحْفِلا هذا عطف على كلام مقدر دل عليه ما تقدم أي افعل ما ذكرت لك من تخفيف الهمزة، وأشمم ورم في مواضع ذلك بشرطه أي أن تخفيف الهمز المتطرف ليس بمانع من جريان الروم والإشمام فقطع بهذا الكلام وهم من توهم ذلك والروم والإشمام من خصائص الأطراف يجريان في المضموم دون المفتوح عند القراء ويجري الروم وحده في المكسور فمعنى البيت: أنهما جائزان في كل ما تقدم بشروطهما إلا في موضع يبدل طرفه بالهمزة حرف مد أي ألفا أو واوا أو ياء سواكن وقبلهن حركات من جنسهن أو ألف فلا روم ولا إشمام حينئذ؛ لأن هذه حروف سواكن لا أصل لهن هنا في الحركة فصرن مثلهن في يخشى ويدعو ويرمي وذلك نحو: الملأ، ولؤلؤ، والبارئ، ويشأ. وضابطه كل همز طرف قبله متحرك أو ألف وقد سبق ذكر النوعين في قوله: فأبدله عنه حرف مد مسكنا، ويبدله مهما تطرف مثله، فأما ما قبله ساكن غير الألف فيصح رومه وإشمامه وهو نوعان أحدهما ما ألقي فيه حركة الهمز على الساكن نحو دفء، والثاني ما أبدل فيه الهمز حرفا وأدغم فيه ما قبله نحو: "قروء"، و"شيء"؛ فكل واحد من هذين النوعين قد أعطي حركة فترام تلك الحركة. أما ما ألقى عليه حركة الهمز فظاهر وأما نحو: "قروء" فقد أدغم في الحرف المبدل من الهمز ما قبله ولا يدغم إلا في متحرك وضابطه كل همز طرف قبله ساكن غير الألف، وهذا معنى قول صاحب التيسير: والروم والإشمام جائزان في الحرف المتحرك بحركة الهمزة وفي المبدل منها غير الألف. ومحفل القوم مجتمعهم: أي هذا الباب موضع اجتماع أنواع تخفيف الهمز فاعرفه، ونصبه على الحال. 251- وَمَا وَاوٌ اصْلِيٌّ تَسَكَّنَ قَبْلَهُ ... أوِ الْيَا فَعَنْ بَعْضٍ بِالِادْغَامِ حُمِّلا أي والهمز الذي تسكن قبله واو أصلي؛ يعني إذا وقعت واو أصلية ليست بزائدة وهي ساكنة قبل الهمز نحو: "سوء" و"السوأى"، أو ياء كذلك نحو: "شيء"، "واستيأس"1.   1 سورة يوسف، آية: 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فقد ذكر أن مثل هذا تنقل إليه الحركة وتقدم أنهما لو كانا زائدين أبدل الهمز مثلهما وأدغما فيه فروي بعضهم عنه إجراء الأصلي مجرى الزائد في الإبدال والإدغام، وحكى جواز ذلك عن العرب يونس وسيبويه، وكان الأحسن أن يذكر هذا البيت عقيب قوله: ويدغم فيه الواو والياء مبدلا إذا زيدتا ويقول عقيبه: وإن ولو أصلي، بلفظ حرف إن الشرطية فهي أحسن هنا من لفظ "ما" وأقوم بالمعنى المراد ولو فعل ذلك لاتصل الكلام في الإدغام، واتصل هنا كلامه في الروم والإشمام فإن هذا البيت الآتي متعلق بقوله: وأشمم ورم على ما سنبينه، فوقع هذا البيت فاصلا في غير موضعه من وجهين وبعضهم صوب ما فعله الناظم، وقال: قصد أوَّلا أن يلخص من أحكام التسهيل حكما واحدا اشتهر ثم يذكر بعد ذلك أحكاما أخر كما فعل في: "مستهزؤن"1 وغيره. والله أعلم. 252- وَمَا قَبْلَهُ التَّحْرِيكُ أَوْ أَلِفٌ مُحَرْ ... ـرَكًا طَرَفاً فَالبَعْضُ بالرَّوْمِ سَهَّلا المذكور في هذا البيت هو ما امتنع رومه وإشمامه لأجل البدل على ما تقدم بيانه، حكي فيه وجه آخر عن حمزة أنه كان يجعل الهمز في ذلك بين بين كأنه لما كان البدل يفضي إلى تعطيل جريان الروم المختار لجميع القراء على ما سيأتي في بابه لم يبدل، وخفف الهمز بالتسهيل كما لو كان الهمز متوسطا إلا أن الوقف لا يكون على متحرك بل على ساكن أو مروم فالوقف بالسكون لا تسهيل معه إلا بالبدل والوقف بالروم يتأتى التسهيل معه بلفظ بين بين فنزل النطق ببعض الحركة وهو الروم منزلة النطق بجميعها وكل ذلك حركة الهمزة فسهلها بين بين فهذا معنى قوله بالروم سهلا أي في حال الروم أي وقع التسهيل بحالة الروم. وخفي هذا المعنى على قوم فقالوا: لا معنى لبين بين إلا روم الحركة فعبر عن الروم بكونه يجعلها بين بين، وهذا التأويل ليس بشيء؛ فإن النطق بالروم غير النطق بالتسهيل برهانه أن الروم عبارة عن النطق ببعض حركة الحرف فلا يلزم من ذلك تغيير ذلك الحرف كما إذا رام الدال من زيد والتسهيل بين بين بغير لفظ النطق بالهمزة، والروم نطق ببعض حركة الهمزة أو حركة ما جعل بدلا عنها، وهو كونها بين بين، وهذا أوضح ولله الحمد. فحاصل ما في هذا البيت أن ما دخل في الضابط الذي ذكره وسنبينه فلحمزة فيه وجهان: أحدهما: أن يقف بالسكون فيلزم إبدال الهمز حرف مد فلا روم إذا ولا إشمام كما سبق ذكره، وهذا الذي تقدم استثناؤه له. والثاني: أنه يروم حركة الهمزة ويجعلها بين بين، ثم إذ قلنا بهذا الوجه فهل يجري في المفتوح جريانه في المضموم والمكسور، أو لا يجري فيه؛ إذ لا روم فيه عند القراء فيه اختلاف. وقد ذكر هذا الوجه مكي في الكشف، وجعله المختار فيما يؤدي فيه الوقف بالسكون إلى مخالفة الخط نحو: "تَفْتَأُ"2. واختار الوقف بالسكون فيما يوافق الخط نحو: "يُبْدِئُ"3.   1 سورة البقرة، آية: 14. 2 سورة يوسف، آية: 85. 3 سورة البروج، آية: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وقوله محركا طرفا حالان من الهمز المعبر عنه بما في قوله وما قبله التحريك أو ألف أي والهمز المحرك الذي هو طرف إذا وقع قبله تحريك نحو: "قال الملأ" أو ألف نحو "يشاء". فالبعض وقف بالروم وسهل، ويجوز أن يكون طرفا حالا من الضمير المستكن في محركا ويجوز أن يكون محركا حالا من مفعول سهل المحذوف تقديره فالبعض بالروم سهلة محركا طرفا، وفيه ضعف؛ لتقدمه على فاء الجزاء ولا يستقيم أن يكون طرفا تمييزا على معنى محركا طرفه؛ لأن المراد بالمحرك هو الطرف وهو الهمز، ولو كان المراد بالمحرك اللفظ لاستقام ذلك لكن لا يمكن أن يكون المراد به اللفظ لقوله: "وما قبله التحريك أو ألف"؛ لأن المراد أن الحركة أو الألف قبل الهمزة لا قبل اللفظ، ولا يكون في هذا النوع إشمام؛ لأن حالة الروم لا حاجة إلى الإشمام، وأن يبدل الهمز حرف مد فلا إشمام أيضا ولا روم على ما سبق فلو كان هذا البيت جاء عقيب قوله: "وأشمم ورم" لكان أوضح للمقصود وأبين. وقلت أنا بيتين قربا معنى بيتيه على ما شرحناهما به: وأشمم ورم في كل ما قبل ساكن ... سوى ألف وامنعهما المد مبدلا أي في كل همزة قبلها ساكن غير الألف، وهما نوعان: النقل والإدغام كما سبق أو يقول: وأشمم ورم تحريك نقل ومدغم ... كشيء دفٍ وامنعهما المد مبدلا أي وامنع المد أي في حرف المد المبدل من الهمز من الروم والإشمام. ثم بين ذلك الذي يمنعه منهما فقال: وذلك فيما قبله ألف أو الـ ... ـذي حركوا والبعض بالروم سهلا فانضبط في هذين البيتين على التفصيل كل ما يدخله الروم والإشمام وما يدخلانه والله أعلم. 253- وَمَنْ لَمْ يَرُمْ وَاعَتدَّ مَحْضاً سُكُونَهُ ... وَألْحقَ مَفْتُوحاً فَقَدْ شَذَّ مُوغِلا أي ومن الناس من لم يرم لحمزة في شيء من هذا الباب. أي ترك الروم في الموضع الذي ذكرنا أن الروم يدخله وهو كل ما قبله ساكن غير الألف فنفى الروم فيه وألحق المضموم والمكسور بالمفتوح في أن لا روم فيه فلم يرم: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} 1، "كما لم يرم"، {يُخْرِجُ الْخَبْءَ} 2. فقال الناظم: هذا قد شذ مذهبه موغلا في الشذوذ؛ لأنه قد استقر واشتهر أن مذهب حمزة الروم في الوقف إلا فيما ثبت استثناؤه، ويجوز أن يكون هذا القائل بنى مذهبه في ترك الروم على أن حمزة وقف على الرسم فأسقط الهمزة؛ إذ لا صورة لها في نحو: "سوء، وشيء، ودفء، وقروء".   1 سورة النحل، آية: 5. 2 سورة النمل، آية: 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 فما قبل الهمز في ذلك كله حرف ساكن لا حظ له في الحركة فلا روم وهذا مأخذ حسن والله الحمد، ويجوز أن يكون نظر إلى أن حركة النقل والمدغم من جنس الحركة العارضة وتلك لا يدخلها روم ولا إشمام فقاس هذه عليها. ويقال في نظم هذا. ومن لم يرمه أو يشم وقاسه ... بعارض شكل كان في الرأي محملا ولو أتى بهذا البيت بعد قوله وأشمم ورم كان أحسن؛ لأنه متعلق به وليس هو من توابع قوله: "فالبعض بالروم سهلا"، والهاء في سكونه عائدة على "من" في قوله: "ومن لم يرم"، أو على الحرف الذي لا يرام؛ لأن سياق الكلام دال عليه ولا تعود على صاحب القراءة؛ لأنهما اثنان؛ حمزة وهشام إلا أن يريد حمزة وحده أو القارئ من حيث هو قارئ ويقطع النظر عن تعدده. فإن قلت: لم لم تعد على ما في قوله: وما قبله التحريك والتقدير فالبعض سهله بالروم ومن لم يرمه واعتد محضا سكونه فقد شذ، ويكون هذا البيت من تبع البيت الذي قبله لا من أتباع قوله: "وأشمم ورم"؛ أي ومن لم يرم في هذا المتحرك الطرف الذي قبله متحرك أو ألف ولم ير الوقوف عليه إلا بالسكون فقد شذ؟ قلت: يمنع من ذلك أنه قد منع الروم والإشمام في موضع يبدل فيه الهمز حرف مد، والموضع الذي يبدل فيه الهمز حرف مد هو المحرك الطرف الذي قبله محرك أو ألف، فإذا كان هذا مختارا فيه ترك الروم كيف يعود يقول: ومن لم يرم فقد شذَّ؟ وإنما أشار بهذا إلى الموضع الذي نص على جواز رومه. فإن قلت: إن كان هذا هو المراد فهلا قال: ومن لم يرم ولم يشم، ولم اقتصر على ذكر الروم دون الإشمام؟ قلت: يجوز أن يكون هذا الفريق الذي نفى الروم جوز الإشمام ولم ينفه؛ لأنه إشارة بالعضو لا نطق معه فهو أخف من الروم والباب باب تخفيف، فناسب ذلك ذلك، ويجوز أن يكون أيضا نفى الإشمام واقتصر الناظم على ذكر الروم اجتزاء به عن الإشمام؛ لأن الكلام فيه من القوة والوضوح ما يدل على ذلك فهو من باب قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرّ} 1، ولم يقل تعالى: والبرد؛ لأنه معلوم والله أعلم. على أن من الناس من جعل هذا البيت متعلقا بما قبله، وقال: من الناس من أنكر الروم في هذا النوع فتعذر التسهيل وأخذ في ذلك بالبدل لا غير فهذا قد أتى بقول شاذ: لكونه أنكر هذا الوجه وهو مروي عن حمزة قال: ومنهم من أجرى التسهيل بالروم بالمفتوح أيضا وهذا أتى أيضا بقول شاذ مخالف لما عليه اختيار القراء فأشار الناظم في هذا البيت إلى إبطال هذين القولين: أي ومن لم يأخذ بالتسهيل في ذلك وأخذ به في الحركات كلها فقد شذ، وإنما ينبغي الأخذ به في المضموم والمكسور؛ لأنهما محل الروم عند القراء.   1 سورة النحل، آية: 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وقوله: محضا؛ أي ليس فيه للتحريك شائبة ما؛ لأن الروم بخلاف ذلك، وهو منصوب على أنه مفعول ثانٍ لقوله: اعتد؛ لأنه بمعنى حسب وظن واعتقد ونحو ذلك ومفتوحا ثاني مفعولي ألحق على حذف حرف الجر والمفعول الأول محذوف أي ألحق مضموم هذا البيت ومكسوره بالمفتوح الذي أجمعوا على ترك رومه والإيغال: السير السريع والإمعان فيه. 254- وَفِي الْهَمْزِ أَنْحَاءٌ وَعِنْدَ نُحَاتِهِ ... يُضِيءُ سَنَاهُ كُلَّمَا اسْوَدَّ أَلْيَلا أي: وروي في تخفيف الهمز وجوه كثيرة وطرائق متعددة اشتمل عليها كتب القراءات الكبار والأنحاء المقاصد والطرائق واحدها نحو وهو القصد والطريقة، وقد ذكر الناظم -رحمه الله- تعالى من تلك الطرائق أشهرها وأقواها لغة ونقلا، وذكر شيئا من الأوجه الضعيفة ونبه على كثرة ذلك في كتب غيره والهاء في نحاته وسناه للهمز أي يضيء ضوءه عند النحاة؛ لمعرفتهم به وقيامهم بشرحه كلما اسود عند غيرهم؛ لأن الشيء الذي يجهل كالمظلم عند جاهله، والنحويون هم المتصدون لكشف ما أشكل من هذا ونحوه مما يتعلق باللسان العربي. هذا إن كان "كلما" مفعولا؛ ليضيء وتكون ما نكرة موصوفة أي كل شيء أسود، ويجوز أن يكون ظرفا لازما؛ لأن "ما" يجوز أن تكون ظرفية، ولفظ كل إذا أضيف إلى الظرف صار ظرفا كقوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} 1. فمعناه على هذا كلما اسود الهمز عند غير النحاة أضاء عندهم سناه أي كثر ضوؤه فيكون يضيء بلا مفعول؛ لأن أضاء يستعمل لازما ومتعديا؛ قال الله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} 2، وقال: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَه} ، فعبر الناظم بالإضاءة عن وضوحه عند العلماء به، وبالسواد عن إشكاله عند الجاهلين له، وأليلا حال أي مشبها ليلا أليل في شدة سواده، يقال ليل أليل ولائل أي شديد الظلمة كقولهم: شعر شاعر للتأكيد والمبالغة والله تعالى أعلم.   1 سورة الرحمن، آية: 29. 2 سورة البقرة، آية: 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 باب: الإظهار والإدغام مدخل ... باب: الإظهار والإدغام هذه عبارة مكي وغيره في هذا الباب، وزاد صاحب التيسير للحروف السواكن، وهذه زيادة حسنة فيها تمييز هذا الباب من الإدغام الكبير، فإنه إدغام للحروف المتحركة، ومن المصنفين من يسمى هذا: الإدغام الصغير لذلك، ولأنه يختص ببعض الحروف بخلاف الكبير. وضابط هذا الباب أنه إدغام حرف ساكن في مقاربة المتحرك، وهو ينقسم ثلاثة أقسام: الأول: إدغام حرف من كلمة عند حروف متعددة من كلمات، وذلك حيث وقع، وهو المذكور في فصول: إذ، وقد تاء التأنيث، وبل، وهل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الثاني: إدغام حرف في حرف من كلمة أو كلمتين، أو حيث وقع، وهو الذي عبر عنه بحروف قربت مخارجها، ويتعلق به بحث سنذكره في أول بابه إن شاء الله تعالى. الثالث: الكلام في أحكام النون الساكنة والتنوين على الخصوص، لأنه يتعلق به أحكام أخر غير الإدغام والإظهار من الإخفاء والقلب، كما سيأتي والله أعلم. 255- سأَذْكُرُ أَلْفَاظًا تَلِيهَا حُرُوفُهَا ... بالإظْهَارِ وَالإدْغَامِ تُرْوىَ وَتُجْتَلا أراد بالألفاظ كلمات تدغم أواخرها السواكن وهي لفظ "إذ" و"قد" و"بل" و"هل" ونفس تاء التأنيث، وقوله تليها حروفها أي يتبع كل لفظ منها ذكر الحروف التي تدغم أواخر هذه الألفاظ فيها وتظهر على اختلاف القراء في ذلك، وإنما يذكر تلك الحروف في أوائل كلمات على حد ما مضى في شفا لم تضق وللدال كلم ترب سهل ونحو ذلك، والله أعلم. 256- فَدُونَكَ إِذْ فِي بَيْتهَا وَحُرُوفُهَا ... وَمَا بَعْدُ بالتَقْييدِ قُدْهُ مُذَلَّلاَ إذ منصوب المحل على الإغراء كقوله ودونك الإدغام أي خذ من تلك الألفاظ كلمة إذ فهي السابقة في الذكر في بيتها أي تفرد لذكرها بيت مستقل تذكر فيه هي والحروف التي تدغم الذال منها فيها فقوله وروفها بالنصب عطف على إذ وما بعد معطوف أيضا أي وخذ ما أذكره بعد ذلك، وسنبينه في البيت الآتي، ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده خبره أي، وما يأتي بعد ذلك قده مذللا أي خذه سهلا بسبب التقييد الذي أبينه به أي لا أدع فيه إلباسا، وهو من قولهم: بعير مذلل إذا كان سهل القياد وهو الذي خزم أنفه ليطاوع قائده ثم بين ذلك فقال: 257- سَأُسْمِي وَبَعْدَ الْوَاوِ تَسْمُو حُرُوفُ مَنْ ... تَسمَّى عَلَى سِيمَا تَرُوقُ مُقَبَّلا يعني أسمي القراء إما بأسمائهم أو بالرمز الدال عليهم ثم آتي بواو فاصلة بعد الرمز وآتي بعد الواو الفاصلة بحروف من سميت من القراء يعني الذي يظهر ذلك القارئ ذال إذ عندها أو يدغم، وهذا في غير القراء الذين اطرد أصلهم في إظهار واحدة من الألفاظ المذكورة عند جميع حروفها وإدغامها فإنه يقول في هذا أظهرها فلان وأدغمها فلان، ثم يذكر من انقسم مذهبه إلى إظهار وإدغام فيقول وأظهر فلان كذا وأدغم فلان كذا. وحكمة الواو الفاصلة أن لا تختلط الحروف الدالة على القراء بالحروف المدغم فيها ولهذا إذا صرح باسم القارئ لا يأتي بالواو كقوله وأدغم ورش ضر -ظمآن- وأدغم ورش ظافرا وإن رمز أتى بالواو كقوله: وأظهر -ريا- قوله واصف جلا فالواو في واصف فاصلة بين رمز القراء والحرف المدغم فيه ولولا الواو لم تعرف كلمة رمز القراء من كلمة رمز الحروف ومثله وأدغم مرو واكف ضير وأدغم كهف وافر سيب لولا الواو لكانت الضاد من ضير والسين من سيب محتملة أن تكون رمز القارئ ورمز الحرف المدغم فيه، وإذا صرح بالاسم لم يكن إلباس لأنه قد تمهد من معرفة اصطلاحه أنه لا يجمع بين رمز ومصرح باسمه والسمو الارتفاع والعلو كنى به عن ذكر الحروف على وجه ظاهر لا إلباس فيه بسبب أنه قد فصل بالواو بينها وبين رمز القارئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 والسيما: العلامة، وراق الشيء: صفا؛ أي أذكر ذلك على طريقة واضحة مستحسنة، والمقبل: التقبيل أو نفس الثغر وهو منصوب على التمييز أو عبر به عن نفس الفم؛ لأن الفم منه يخرج الكلام فأشار إلى ما يحصل بالإثبات من العلم، كأنها خاطبتك به فيحصل منها ما يشفيك ويروقك أي يقوم بما تريده منها، وكل هذه الألفاظ استعارات حسنة المعنى متجانسة الألفاظ نبه بها على حسن ذكره لاختلاف القراء في هذا الباب؛ لأنه احتاج فيه إلى زيادة لم يكن محتاجها في غيره، ثم ذكر أن هذا الصنيع يصنعه أيضا في غيرِ إذ، من باقي الألفاظ، فقال: 258- وَفِي دَالِ قَدْ أَيْضًا وَتَاءٍ مُؤَنَثِ ... وَفِي هَلْ وَبَلْ فَاحْتَلْ بِذِهْنِكَ أَحْيَلا أي أذكر ذلك أيضا في باقي الألفاظ، وقوله: احتل من الحوالة أو من الحيلة وأحيلا من الحيلة يقال: هو أحيل منك وأحول منك أي أكبر حيلة، وهو منصوب على الحال، والذهن الفطنة والحفظ أي احتل بذهنك على ما وعدتك به أو احتل في استخراجه. وهذه الأبيات الأربعة غير وافية بالتعريف بما صنعه في هذه الأبواب على ما ستراه، وتهيأ لي مكانها أربعة أبيات لعلها تفي بأكثر الغرض فقلت: سأذكر ألفاظا أخيرا حروفها أي الحرف الأخير من كل لفظ منها هو الذي يروى بالإظهار والإدغام فهو أولى من نسبة ذلك إلى اللفظ بكماله ثم ذكرت الألفاظ، فقلت: فدونك إذ قد بل وهل تا مؤنث ... لدي أحرف من قبل واو تحصلا أي أذكر كل واحد منها وحروفها التي عندها يختلف في إظهارها وإدغامها فإذا تمت الحروف جاءت كلمة أولها واو دليلا على انفصالها. وقراءها المستوعبين وبعدهم ... أُسَمِّي الذي في أحرف اللفظ فصلا أي: ودونك القراء الذين استوعبوا الإظهار عند الحروف والإدغام، أي أول ما أبدأ أن أقول: أظهر هذا الحرف عند جميع الحروف أو أدغم فلان وفلان، وبعد ذلك أذكر من فصل فأدغم في بعض وأظهر في بعض فإذا فرغ ذكر من فصل علمت أن باقي القراء استوعبوا الإدغام في الجميع إن كان الأولون أظهروا والإظهار إن كان المستوعبون الأولون أدغموا، ثم ذكرت كيفية نظمه لمن استوعب أو فصل من القراء فقلت: ويرمز مع واو وبعد حروفهأوائل كلم بعدها الواو فيصلا ... أي بعد الفراغ من الرمز للقراء تأتي الواو الفاصلة فهي بعد المستوعبين فاصلة بين المسائل على ما جرت به العادة في سائل المسائل ففصل بها هنا بين المستوعبين والمفصلين كقوله فإظهارها أجرى دوام نسيمها وأظهر قالوا: وفي أظهر مثال ما ذكرناه والواو الآتية بعد رمز المفصلين فاصلة بين القراء وحروفهم التي أدغموا عندها أو أظهروا فإذا تمت حروف ذلك الرمز جاءت واو أخرى فاصلة بين المسائل وهي التي تجري في سائر المواضع. فحاصل الأمر أنه احتاج في هذا الباب إذا ذكر القارئ المفصل بالرمز إلى واوين فاصلتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الأولى: بين القارئ والحروف والثانية بين المسائل، وتأتي أمثلة ذلك في استعماله وقوله: أوائل كلم بيان لكيفية ذكر الحروف ثم ذكر ذال إذ فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 " ذكر ذال إذ ": 259- نعم "إ"ذ "تـ"مشت "ز"ينب "صـ"ـال "د"لُّهَا "سـ"مِيَّ "جـ"مال واصلا من توصلا كأنه قدر أن مستدعيا طلب منه الوفاء بما وعد في قوله سأذكر فقال مجيبا نعم وهو على عادته في تضمين الكلمات المأخوذ حروف أوائلها إما تغزل كما تقدم في شفا لم تضق وإما بثناء على صالح كقوله: ترب سهل وحيث تغزل عني واحدة من نساء أهل الجنة على ما هو لائق بحاله رضي الله عنه. وصال بمعنى استطال ووثب والدل الدلال وسمي جمال وإصلاحا؛ لأن من الدل والسمي الرفيع ومعنى واصلا من توصلا أي يصل من توصلا إليه أي الحروف التي تدغم فيها ذال إذ هي هذه الستة من التاء إلى الجيم وواو واصلا فاصلة وأمثلة ذلك: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ} 1، {وَإِذْ زَيَّنَ} 2، {وَإِذْ صَرَفْنَا} 3، {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} 4، {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} 5، {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُم} 6. ثم ذكر من أظهرها في الكل فقال: 260- فإِظْهَارُهَا "أ"جْرى "د"وَامَ "نـ"سيمِهَا ... وَأَظْهَرَ "ر"يا "قـ"وْلِهِ وَاصِفٌ جَلاَ أي أظهر ذال إذ عند جميع حروفها الستة نافع وابن كثير وعاصم وتابعهم الكسائي وخلاد عند الجيم فقط وأدغما عند البواقي والإظهار في جميع هذه الأبواب هو الأصل ووجه الإدغام التخفيف؛ لقرب المخارج ومن فرق جمع بين اللغتين وقيل: ليست الجيم كالبواقي في القرب من الذال، والواو في "وأظهر" وفي "واصف" للفصل. والنسيم الريح الطيبة والريا بالقصر: الرائحة الطيبة والهاء في قوله: لواصف، وريا مفعول أظهر أي أظهر واصفها طيب رائحة قوله أي لما وصفها واصف وجلا وصفها أي كشفه. أظهر بقوه: ثناء عطرًا وما أظهرته من الجمال والزينة أجرى دوام نسيمها ثم ذكر باقي المفصلين الذين أدغموا في بعض وأظهروا في بعض فقال: 261- وَأَدْغَمَ "ضَـ"ـنْكاً وَاصِلٌ تُومَ "دُ"رّه ... وَأَدْغَمْ "مُـ"ـوْلَى وُجْدُهُ "د"ائمٌ وَلا أي أدغم خلف عند التاء والدال وأظهر عند الأربعة الباقية، وأدغم ابن ذكوان عند الدال وحدها وأظهر عند الخمسة الباقية، وباقي القراء وهم: أبو عمرو وهشام فقط على الإدغام عند الستة، والواو في وأدغم في الموضعين وفي ولا للفصل بين المسائل والواو في واصل وفي وجده للفصل بين الرمز والحرف،   1 سورة البقرة، آية: 66. 2 سورة الأنفال، آية: 48. 3 سورة الأحقاف، آية: 29. 4 سورة الحجر، آية: 52. 5 سورة النور، الآية: 12. 6 سورة الأحزاب، آية: 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 والضنك: الضيق، والتوم جمع تومة وهي: الحبة تعمل من الفضة كالدر أي أدغم الضيق رجل وصل توم دره، والمولى هنا هو الولي المحب والوجد بضم الواو الغني ومولى فاعل أدغم. وقوله: وجده دائم: جملة ابتدائية في موضع الصفة لمولى أي غناه بها دائم ستر أمره وكتم ضره والولا بالكسر المتابعة ويكون صفة لمولى أيضا على تقدير ذو ولا، أو يكون محله نصبا على التمييز أي متابعة دائمة ولو كان ولا بالفتح بمعنى الموالاة لكان حسنا وكان مفعول أدغم الثاني أي أدغم المولى ولاه ومحبته ويكون موافقا لأدغم الأول فإن ضنكا مفعوله والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 " ذكر دال قد ": 262- وَقَدْ "سَـ"ـحَبَتْ "ذ"يْلاً "ضَـ"ـفَا "ظ"ـلَّ "زَ"رْنَبٌ ... "جـ"ـلَتْهُ "صـ"ـبَاهُ "شـ"ـاَئِقاً وَمُعَلِّلا أي والحروف التي تدغم فيها دال "قد"، وتظهر في هذه الثمانية من السين إلى الشين أمثلتها: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} 1، {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا} 2، {قَدْ ضَلُّوا} 3، {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} 4، {وَلَقَدْ زَيَّنَّا} 5، {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ} 6، {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} 7، {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} 8. والواو في "ومعللا" فاصلة، والضمير في "سحبت" لزينب المقدم ذكرها، وضفا طال، والزرنب ضرب من النبات طيب الرائحة، جلته صباه أي كشفته ريحه، وشائقا خبر ظل أي يشوق من وجد ريحه ومعللا عطف عليه أي مرويا لظمائه إليه مرة بعد مرة أو ملهيا له عن كل شيء، يقال: علله بالشيء أي ألهاه به والهاء في جلته لزرنب وفي صباه للذيل يعني أن طيب ريح ذيلها كشف عن طيب الزرنب، وأبان محله كأنه إذا شم الزرنب تذكر به ريح ذيلها فيظل الزرنب شائقا ومعللا. وللشعراء في هذا المعنى وما يقاربه نظوم كثيرة والله أعلم: 263- فَأَظْهَرَهَا "نَـ"ـجَمٌ "بـ"ـدَا "دَ"ـلَّ وَاضِحاً ... وَأَدْغَمَ وَرْشٌ "ضَـ"ـرَّ "ظ"ـمْآنَ وَامْتَلا أي فأظهر دال "قد" عند جميع حروفها عاصم وقالون وابن كثير وأدغمها ورش عند الضاد والظاء فقط وأظهرها عند باقي الحروف فهو في هذا الباب والذي بعده مفصل وكان من المستوعبين الإظهار في ذال إذ، والواو في واضحا وامتلأ للفصل، وقد تكررت في الموضعين بواو وأدغم بعدهما، والنجم يكنى به عن العالم. 264- وَأدْغَمَ "مُـ"ـرْوٍ وَاكِفٌ "ضـ"يْرَ "ذ"ابِلٍ ... "ز"وى "ظ"ـلَّهُ وَغْرٌ تَسَدَّاهُ كَلْكلا أي وفصل ابن ذكوان أيضا فأدغم عند الضاد والذال والزاي والظاء وأظهر عند الأربعة الباقية. والواو في "واكف" وفي "وغر" فاصلة، ومُرْو واسم فاعل من أروى يروي، ويقال: وكف البيت   1 سورة المجادلة، آية: 1. 2 سورة الأعراف، آية: 179. 3 سورة الأنعام، آية: 140. 4 سورة البقرة، آية: 231. 5 سورة الملك، آية: 5. 6 سورة النحل، آية: 113. 7 سورة الكهف، آية: 54. 8 سورة يوسف، آية: 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 أي قطر، والضير: الضر، والذابل: الذاوي وزوى من زويت الشيء أي جمعته ومنه زوى فلان المال عن ورثته والوغر جمع وغرة وهي شدة توقد الحر وتسداه أي علاه وكلكلا بدل من الهاء في تسداه بدل البعض من الكل على حذف الضمير أي كلكله والكلكل الصدر أي لم يبق الوغر له ظلا لنحافته وضره: 265- وَفِي حَرْفِ زَيَّنَا خِلاَفٌ وَمُظْهِرٌ ... هِشَامٌ بِـ: ص حَرْفَهُ مُتَحمِّلاَ أي اختلف عن ابن ذكوان في: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا} . فروي له فيه الإظهار والإدغام. قال صاحب التيسير: روى النقاش عن الأخفش الإظهار عند الزاي، وأظهر هشام: {لَقَدْ ظَلَمَكَ} 1 في "ص" فقط، ولم تجيء دال قد عند الزاي إلا في: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا} . الذي فيه الخلاف لابن ذكوان، فلهذا لم يضره تخصيص لفظ زينا وأما دال قد عند الظاء فجاءت في غير حرف "ص" فلهذا قيد بـ "ص"، وليس فيها غير هذا الموضع فتعين. فقد صار ابن عامر بكماله مفصلا أدغم بعضا وأظهر بعضا، وورش كذلك، والباقون وهم أبو عمرو وحمزة والكسائي أدغموها في الجميع. وهشام مبتدأ ومظهر خبره مقدم عليه وحرفه مفعول بالخبر ومتحملا حال أي تحمل هشام ذلك ونقله، والهاء في حرفه تعود على هشام؛ لأنه لم يظهر غير هذا الموضع فهو حرفه الذي اشتهر بإظهاره، ولو عاد على "ص" لقال حرفها والله أعلم.   1 آية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 " ذكر تاء التأنيث ": 266- وَأَبْدَتْ "سَـ"ـنَا "ثَـ"غْرٍ "صـ"ـفَتْ "ز"رْقُ "ظَ"لمِهِ ... "جـ"ـمَعْنَ وُرُوداً بَارِداً عَطِر الطِّلا أي تاء التأنيث الساكنة المتصلة بالأفعال في أي كلمة وقعت اختلفوا في إظهارها وإدغامها عند هذه الحروف الستة من السين إلى الجيم وتجمع أمثلتها بهذا البيت: مضت كذبت لهدمت كلما خبت ... ومع نضجت كانت لذلك مثلا أي هذا المذكور مثل ذلك وإنما نظمتها؛ لأن أمثلتها تصعب؛ لأنها ليست بلفظ واحد، فيستذكر به ما بعده بخلاف: إذ وقد. وقد أتيت بالأمثلة على ترتيب الحروف المذكورة في البيت إلا أن الجيم قد تقدمت على الظاء وهي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 {مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} 1، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ} 2، {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} 3، {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ} 4، {نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} 5، {كَانَتْ ظَالِمَةً} 6. والواو في ورودا فاصلة ثم تمم البيت بما يلائم معناه المقصود بظاهر اللفظ. والضمير في أبدت لزينب والسنا: الضوء والثغر: ما تقدم من الأسنان وزرق: جمع أزرق بوصف الماء لكثرة صفائه بذلك ويقولون: نطفة زرقاء، أي صافية وقال زهير: فلما وردن الماء زرقا حمامه ... وضعن عصى الحاضر المتخيم والظلم: ماء الأسنان وبريقها هو كالسواد داخل عظم السن من شدة البياض كفرند السيف وقال الشاعر: إلى شنباء مشربة الثنايا ... بماء الظلم طيبة الرضاب الشنباء: ذات الشنب وهو حدة في الأسنان حين تطلع يراد حداثتها وقيل هو بردها وعذوبتها، والرضاب: الريق. وقوله جمعن: يعني الزرق، ورودًا أي ذا ورود، يعني الريق، والورود: لحضور ثم وصفه بأنه بارد عطر، والطلاء بالمد ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه ويسمى به الخمر أيضا، والعطر الطيب الرائحة ومن عادة الشعراء تشبيه الريق بالخمر لجلالتها عند الجاهلية وتبعهم في ذلك من بعدهم من الشعراء. قال الشيخ: أو يكون الطلا بمعنى الشفا، من طلا الإبل، قلت: وقصره في الوقف على ما مضى في أجذم العلا والله أعلم. 267- فإِظْهَارُهَا "دُ"رٌّ "نَـ"مَتْهُ "بُـ"ـدُورُهُ ... وَأَدْغَمَ وَرْشٌ "ظَـ"ـافِراً وَمُخَوِّلا أي أظهرها عند جميع حروفها الستة ابن كثير وعاصم وقالون وهم الذين أظهروا دال "قد" عند حروفها الثمانية، وإنما غاير بين ألفاظ الرمز في الموضعين كما غاير في عبارة الإظهار بين اللفظين فقال في دال "قد": فأظهرها نجم بجملة فعلية، وقال هنا بجملة اسمية حذرا من تكرار الألفاظ، واشتراكها ومعنى نمته رفعته وأدغم ورش عند الظاء فقط كما فعل في دال "قد" إلا أنه ليس هنا ضاد معجمة، وأظهرها عند الباقي والمخول الملك وكما اتحد في البابين أسماء المستوعبين للإظهار اتحد أيضا المستوعبون للإدغام، فهم: أبو عمرو وحمزة والكسائي واتحد أيضا من فصل وهو ابن عامر وورش وقد تمم ذلك بقوله: 268- وَأَظْهَرَ "كـ"ـهْفٌ وَافِرٌ "سـ"ـيْبُ "جُـ"ودِهِ ... "زَ"كيٌّ وَفيٌّ عُصْرَةً وَمُحَلَّلا أي وأظهر ابن عامر عند ثلاثة: السين والجيم والزاي والواو في "وافر"، وفي قوله: وفيٌّ فاصلة، والعصرة الملجأ والمحلل المكان الذي يحل فيه وهما حالان من فاعل وأظهر أي الذي أظهر كان بهذه الصفات تشد   1 سورة الأنفال، آية: 28. 2 سورة الحاقة، آية: 4. 3 سورة الحج، آية: 40. 4 سورة الإسراء، آية: 97. 5 سورة النساء آية: 56. 6 سورة الأنبياء، آية: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 إليه الرحال ويقتبس من فوائده، والسيب: العطا وقد تقدم أي: عطاؤه وافر وصف الكهف بثلاث صفات وهي أنه وافر العطا، وأنه زكي، وفي ثم نصب عنه حالين لأجل القافية وإلا كانتا صفتين والله أعلم. 269- وَأَظْهَرَ رَاويهِ هِشَامٌ لَهُدِّمَتْ ... وَفِي وَجَبَتْ خُلْفُ ابْنِ ذَكْوانَ يُفْتَلا أي راوي مدلول كهف أي أظهر هشام راوي ابن عامر: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} 1، زيادة على ما مضى دون باقي مواضع الصاد نحو: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} 2 وفي {وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} 3 خلاف لابن ذكوان دون قوله تعالى: {نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} 4؛ فإنه يظهره على أصله. وقوله: يفتلى أي يتدبر ويبحث عنه، من فليت الشعر إذا تدبرته واستخرجت معانيه وكذلك فليت شعر الرأس وفلَّيته شدد للتكثير وإنما قال ذلك؛ لأن الإظهار هو المشهور عن ابن ذكوان وعليه أكثر الأئمة ولم يذكر في التيسير غيره وذكر الإدغام في غير التيسير في قراءته على فارس بن أحمد لابن ذكوان وهشام معا وذكر أبو الفتح في كتابه عن هشام الإدغام فيه، وعن ابن ذكوان الإظهار عند الجيم حيث وقع، فقد صار الخلاف في {وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} عن ابن عامر بكماله والأولى الإظهار على ما أطلقه في البيت الأول.   1 سورة الحج، آية: 40. 2 سورة النساء، آية: 90. 3 سورة الحج، آية: 26. 4 سورة النساء، آية: 56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 ذكر لام وهل وبل ... "ذكر لام "هل" و"بل": 270- ألا بَلْ وَهَلْ "تَـ"ـرْوِي "ثَـ"ـنَا "ظـ"عْنِ "زَ"يْنَبٍ ... "سـ"ـمِيرَ "فَـ"ـوَاهَا "طِـ"ـلْحَ "ضُـ"ـرٍّ وَمُبْتَلا أي لام هاتين الكلمتين لها هذه الحروف الثمانية من التاء إلى الضاد اختلف في إدغامها وإظهارها عندها وكذا أطلق غيره هذه العبارة وهي موهمة أن كل واحدة من الكلمتين تلتقي مع هذه الثمانية في القرآن العزيز وليس كذلك وإنما تختص كل واحدة منها ببعض هذه الحروف وتشتركان في بعض فمجموع ما لها ثمانية أحرف واحد يختص بهل وهو الثاء نحو: "هَلْ ثُوِّبَ". وخمسة تختص "ببل" وهي السين والظاء والضاد والزاي والطاء نحو: "بل سولت، بل ظننتم، بل ضلوا، بل زين، بل طبع الله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 واثنان لهما معا، وهما التاء والنون نحو: "هل ترى"، "بل تأتيهم". "هل ننبئكم"، "بل نحن". فلو أن الناظم قال: ألا بل وهل تروي نوى هل ثوى وبل ... سرى ظل ضر زائد طال وابتلا لزال ذلك الإيهام أي لام هل وبل لهما التاء والنون وهل وحدها الثاء وليل الخمسة الباقية و"ألا" حرف تنبيه يستفتح به الكلام ثم قال: بل فأضرب عن الأول وهو الإخبار ثم استفهم، فقال: هل تروي أي هل تروي هذا الكلام الذي أقوله وهو ثنا ظعن زينب إلى آخره كأنه يستدعي منه أن يسمعه ذلك ومعنى ثنا كف وصرف، والظن: السير، والسمير والمسامر: هو المحدث ليلا، وأضافه إلى نواها لمخالطته إياه كأنه يسامره أي سير زينب صرف محبها عن حاجته، والطلح بكسر الطاء: الغي وأضافه إلى الضر؛ لأنه منه نشأ وهو منصوب على الحال من سمير نواها، ومبتلى عطف عليه أي صرفته في هذه الحال، ويجوز أن يكون ضمن ثنى: معنى صير، فيكون طلح ضر مفعولا ثانيا والله أعلم بالصواب. 271- فَأَدْغَمَهَا "رَ"اوٍ وَأَدْغَمَ فَاضِلٌ ... وَقُورٌ "ثـ"ـنَاهُ "سَـ"ـرّ "تـ"ـيْماً وَقَدْ حَلا أي فأدغم لامهما الكسائي عند جميع الحروف والباقون على إظهارها عند الجميع إلا حمزة وأبا عمرو وهشاما فإنهم فصلوا فأدغموا في بعض وأظهروا في بعض. أما حمزة فأدغم في ثلاثة أحرف: الثاء والسين والتاء وأظهر عند البواقي والواو في وقور، وفي وقد حلا فاصلة والوقور ذو الحلم والرزانة وتيم اسم قبيلة مستقلة من غير قريش وينسب حمزة إليها بالولاء أو بالنسب فقد وافق التضمين معنى لائقا بالقارئ أي ثناؤه سر قومه ومواليه والثناء ممدود وإنما قصره في قوله ثناء والله أعلم بالصواب. 272- وَبَلْ فِي النِّسَا خَلاَّدُهُمْ بِخِلاَفِهِ ... وَفِي هَلْ تَرَى الإدْغَامُ حُبَّ وَحُمِّلا أي أن خلادا له خلاف في قوله تعالى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا} 1؛ في سورة النساء، وأدغم أبو عمرو: "هل ترى" وهو في موضعين: {هَلْ تَرَى مِنْ 2 فُطُورٍ} ، {هَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} 3، وأظهر باقي جميع هذا الباب.   1 الآية: 155. 2 سورة الملك، آية: 3. 3 سورة الحاقة، آية: 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 273- وَأَظْهِرْ لَدى وَاعٍ "نَـ"ـبِيلٍ "ضَـ"ـماَتُهُ ... وَفِي الرَّعْدِ هَلْ وَاسْتَوْفِ لاَ زَاجِراً هَلا أي أظهر هشام عند النون والضاد مطلقا وعند التاء في الرعد في قوله تعالى: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ} 1، وأدغم الباقي ولم يدغم أحد الذي في الرعد لأن حمزة والكسائي يقرآن: "يستوي" بالياء وهما أهل الإدغام أو هشام استثناه؛ لأنه يقرؤه بالتاء وباقي القراء أهل الإظهار والواو في واعٍ واستوفِ فاصلة أي واستوف جميع هذا الباب غير زاجر بهلا وهي كلمة يزجر بها الخيل فحذف الخافض والتقدير لا قائلا هلا؛ لأن الزجر قول فعداه تعديته، والمعنى خذه بغير كلفة ولا تعب؛ لأني قد أوضحته وقربته إلى فهم من أراده والله أعلم.   1 سورة البقرة، آية: 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 باب: اتفاقهم في إدغام "إذ" و"قد" وتاء التأنيث و"هل" و"بل" هذا الباب ليس في التيسير، وهو من عجيب التبويب في مثل هذا الباب؛ فإنه لم ينظم هذه القصيدة إلا لبيان مواضع خلاف القراء، لا لما أجمعوا عليه؛ فإن ما أجمعوا عليه أكثر مما اختلفوا فيه، فذكر ما أجمعوا عليه يطول، ولكن قد يعرض في بعض المواضع ما يختلفون فيه وما يجمعون عليه، والكل من باب واحد، فينص على الجمع عليه مبالغة في البيان، ولأن من هذا الباب ما أجمعوا على إظهاره في الأنواع كلها نحو: {إِذْ قَالُوا} ، {قَدْ تَرَى} ، و {قَالَتْ لِأُخْتِهِ} ، {هَلْ يَنْصُرُونَكُم} ، {بَلْ قَالُوا} ، {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} ، "بل أدركه". وما أجمعوا على إدغامه وما اختلفوا فيه، فلما ذكر المختلف فيه بقي المجمع عليه، وهو منقسم إلى مدغم ومظهر، فنظم المدغم لقلته، فبقي ما عداه مظهرًا. 274- وَلاَ خُلفَ فِي الإِدْغَامِ إِذْ "ذَ"لَّ "ظ"ـاَلِمٌ ... وَقَدْ "تـ"ـيَّمَتْ "دَ"عْدٌ وَسِيمًا تَبَتَّلا أي أدغموا ذال إذ في مثلها نحو: {إِذْ ذَهَبَ} . وفي الظاء لأنها من مخرجها نحو: {إِذْ ظَلَمْتُمْ} . وأدغموا دال قد في مثلها نحو: {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وفي التاء لأنها من مخرجها نحو: {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي} . ولم يقع في القرآن إذ عند الثاء المثلثة ولا عند الطاء المهملة وإلا لوجب الإدغام للموافقة في المخرج، والوسيم الحسن الوجه، وتبتل أي انقطع، وكذلك لا خلاف في إظهار ذال إذ ودال قد عند خمسة أحرف يجمعها بل نفر. 275- وَقَامَتْ "تُـ"ـرِيِه "دُ"مُيْةٌ "طـ"ـيبَ وَصْفِهَا ... وَقُلْ بَلْ وَهَلْ "ر"اهَا "لَـ"ـبَيبٌ وَيَعْقِلا أي ولا خلاف في إدغام تاء التأنيث في مثلها وفي الحرفين اللذين من مخرج التاء وهما الدال والطاء المهملتان نحو: {رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} 1، {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ} 2، {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ} 3، {أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} 4، {فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} 5، {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ} 6. والواو في وصفها فاصلة وقد تكررت، والدمية الصورة من العاج ونحوه وتشبه بها المرأة وجمعها دمى، ثم ذكر أن اللام من "هل" و"بل" واجبة الإدغام في مثلها نحو: {بَل لَا تُكْرِمُونَ} ، {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ} . وفي الراء؛ لقربها منها نحو: {بَلْ رَانَ} ، "هل رأيتم". واللام من -قل- مثلهما في ذلك نحو: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ} ، {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ} . فيجوز أن يكون قصد ذلك في قوله: "وقل، بل، وهل" أي لام هذه الكلمات الثلاث تدغم في مثلها وفي الراء ويجوز أن يكون لم يقصد ذلك وإنما وقع منه كلمة "وقل" تتميم للنظم كما وقع مثل ذلك في كلم عديدة من هذه القصيدة، وهذا الوجه هو الظاهر؛ لأن الباب معقود فيما اتفق عليه من إدغام ما سبق الخلاف فيه، والذي سبق ذكره من اللامات المختلف فيها هو لام بل وهل ولم يجمع هذا الباب ذكر جميع ما اتفق عليه ولهذا لم يذكر "قل" في ترجمة الباب. فإن قلت: لم أدغم "هل ترى"، "بل تأتيهم"، ولم يدغم: {قُلْ تَعَالَوْا} ؟ قلت: لأن قل فعل قد أعل بحذف عينه فلم يجمع إلى ذلك حذف لامه بالإدغام من غير ضرورة و"بل" و"هل" كلمتان لم يحذف منهما شيء فأدغم لامهما، فإن قلت: فقد أجمعوا على إدغام "قل ربي" قلت لشدة القرب بين اللام والراء وبعد اللام من التاء والله أعلم.   1 سورة البقرة، آية: 16. 2 سورة الكهف، آية: 17. 3 سورة الأعراف، آية: 189. 4 سورة يونس، آية: 89. 5 سورة الصف، آية: 14. 6 سورة آل عمران، آية: 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وقوله: راها بألف بعد الراء أراد راءها بهمزة بعد الألف مقلوب رآها بألف بعد الهمزة وكلاهما لغة كقوله: ويلمه لو راءه مروان، فقصر الناظم الممدود من هذه اللغة، ونصب قوله: ويعقلا على جواب الاستفهام بالواو والله أعلم. 276- وَمَا أَوْلُ المِثْلَينِ فِيهِ مُسَكَّنٌ ... فَلاَ بُدَّ مِنْ إِدْغَامِهِ مُتَمَثِّلا لما ذكر أن الذال من "إذ" والدال من "قد" وتاء التأنيث واللام من "بل" و"هل" تدغم كل واحدة في مثلها خاف أن يظن أن ذلك مختص بهذه الكلمات، فتدارك ذلك بأن عمم الحكم، وقال: كل مثلين التقيا وأولهما ساكن فواجب إدغامه في الثاني لغة وقراءة، وسواء كان ذلك في كلمة نحو: "يدرككم الموت" أو في كلمتين نحو: "ما تقدم"، ولا يخرج من هذا العموم إلا حرف المد نحو: {وَأَقْبَلُوا} 1، {فِي يَوْمَيْنِ} . فإنه يمد عند القراء ولا يدغم، وقرأت في حاشية نسخة قرئت على المصنف -رحمه الله- قوله متمثلا يريد متشخصًا لا هوائيًّا واحترز بهذا عن الياء والواو إذا كانتا حرفي مد. قلت: وهذا احتراز فيه بعد من جهة أن متمثلا غير مشعر بذلك إذا أطلق والله أعلم. وفي: {مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} 2. خلاف والمختار الوقف على ماليه فإن وصل لم يتأت الوصل إلا بالإدغام أو تحريك الساكن وقال مكي في التبصرة: يلزم من ألقى الحركة في: "كتابيهْ إني" أن يدغم: "ماليه هلك"؛ لأنه قد أجراها مجرى الأصلي حين ألقى الحركة وقدر ثبوتها في الوصل. قال: وبالإظهار قرأت، وعليه العمل، وهو الصواب إن شاء الله تعالى. قلت: يعني بالإظهار أن يقف على "ماليه" وقفة لطيفة، وأما إن وصل فلا يمكن غير الإدغام أو التحريك وإن خلا اللفظ من أحدهما كان القارئ واقفا، وهو لا يدري بسرعة الوصل، وإن كان الحرفان في كلمة واحدة مختلفتين إلا أنهما من مخرج واحد نحو: "حصدتم"، و"وعدتم"، و"ألم نخلقكم"، و"إن طردتهم". فالإدغام لكونهما من مخرج واحد في كلمة واحدة ذكره الشيخ في شرحه، وهذا مما يدل على أن الساكن من المثلين والمتقاربين أثقل من المتحرك؛ حيث أجمع على إدغام الساكن واختلف في إدغام المتحرك ونظير هذا ما تقدم من اجتماع الهمزتين والثانية ساكنة؛ فإنهم أوجبوا إبدالها، وإن كانت متحركة جوزوا تسهيلها ولم   1 سورة يوسف، آية: 71. 2 سورة الحاقة، آية: 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 يوجبوه، وما ذكرناه من أن حرف المد لا يدغم قد ادعى فيه أبو علي الأهوازي الإجماع، فقال في كتابه الكبير المسمى بالإيضاح: المثلان إذا اجتمعا وكانا واوين قبل الأولى منهما ضمة أو ياءين قبل الأولى منهما كسرة فإنهم أجمعوا على أنهما يمدان قليلا ويظهران بلا تشديد ولا إفراط في التليين؛ بل بالتجويد والتبيين مثل: {آمَنُوا وَكَانُوا} 1، في يوسف: {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} 2. قال: وعلى هذا وجدت أئمة القراءة في كل الأمصار، ولا يجوز غير ذلك فمن خالف هذا فقد غلط في الرواية وأخطأ في الدراية. قال: فأما الواو إذا انفتح ما قبلها وأتى بعدها واو من كلمة أخرى فإن إدغامها حينئذ إجماع مثل: {عَفَوْا وَقَالُوا} ، {عَصَوْا وَكَانُوا} ، {آَوَوْا وَنَصَرُوا} ، {اتَّقَوْا وَآَمَنُوا} ... ونحو ذلك وذكر أن بعض شيوخه خالف في هذا والله سبحانه أعلم.   1 سورة يوسف، آية: 57. 2 سورة النساء، آية: 127. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 باب: حروف قربت مخارجها هذه العبارة من الناظم، وسبقه إليها غيره، وإنما ذكر صاحب التيسير ما في هذا الباب في فصل وكذا الباب الذي بعده في فصل آخر، وفي هذه العبارة بحث، وذلك أن جميع ما سبق هو إدغام حروف قربت محارجها، فما وجه اختصاص ما في هذا الباب بهذه العبارة؟، ولو كان زادها لفظ "أخر" فقال: "باب حروف أخر قربت مخارجها" لكان حسنا، ووجه ما ذكره أن الذي سبق هو كما نبهنا عليه في أول الباب: إدغام حرف عند حروف متعددة من كلمات، والذي في هذا الباب هو إدغام حرف في حرف، كالباء في الفاء، وعكسه في عكسه، واللام في الذال؛ والذال في التاء، والراء في اللام، والباء في الميم، أو في حرفين كالثاء في التاء، والذال نحو: "أورثتموها"، "لبثتم"، "يلهث ذلك". والدال في الثاء والذال، نحو: "يرد ثواب"، "ص ذِكْر". والنون في الواو والميم، نحو: "يس والقرآن"، "ن والقلم"، "طسم". فكأنه نزل ما في هذا الباب منزلة فرش الحروف من أبواب الأصول، لقلة حروفه ودوره، أي باب حروف منشورة في مواضع مخصوصة، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 277- وَإِدْغَامُ باءِ الجَزْمِ فِي الفَاءٍ "قَـ"ـدْ "ر"سَا ... "حَـ"ـمِيداً وَخَيِّرْ فِي يَتُبْ "قـ"ـاَصِداً وَلا أضاف الباء إلى الجزم الداخل عليها أراد الباء المجزومة وهي في خمسة مواضع أما ثلاثة منها فالباء فيها مجزومة بلا خلاف عند النحويين: {أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ} 1، {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} 2، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ} 3. والموضعان الآخران الباء فيهما مجزومة عند الكوفيين دون البصريين، وهما: {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ} ، {اذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ} . فلأجل الاختصار سمي الكل جزما، واختار قول الكوفيين والبصريون يسمون نحو هذا وقفا فلو عبر عن الكل بالوقف لكان خطأ؛ لأن أحدا لم يقل في الثلاثة الأول إنها موقوفة والاختصار منعه أن ينص على كل ضرب باسمه وصفته أي ادغم الباء الموصوفة في الفاء خلاد والكسائي وأبو عمرو ولخلاد خلاف في قوله تعالى في الحجرات: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ} . وعبر عن الخلاف بلفظ التخيير؛ إذ لا مزية لأحد الوجهين على الآخر فأنت فيها مخير؛ لأن الكل صحيح ومثله ما تقدم في سورة الفاتحة وقالون بتخييره جلا، وهذه عبارة صاحب التيسير هنا، فإنه قال: وخير خلاد في: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ} . وأظهر ذلك الباقون وأثنى على الإدغام بأنه قد رسا حميدا أي ثبت محمودا خلافا لمن ضعفه هنا وقاصدا حال والولاء بالفتح النصر أي قاصدا بالتخيير نصر الوجهين المخير فيهما. فإن قلت: لم قال وإدغام باء الجزم. قلت: لأن الباء غير مجزومة لم تدغم إلا في رواية شاذة عن أبي عمرو في الإدغام الكبير؛ لأنه إدغام متحرك لا ريب فيه: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا} ، {مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ} . 278- وَمَعْ جَزْمِهِ يَفْعَلْ بِذلِكَ "سَـ"ـلَّمُوا ... وَنَخْسِفْ بِهِمْ "رَ"اعَوْا وَشَذَّا تَثَقُّلا الهاء في جزمه ليفعل؛ لأنه مؤخر في المعنى نحو: في بيته يؤتي الحكم، أي وإدغام لفظ يفعل مع جزمه أي حال كونه مجزوما وحرف العطف كما يجوز دخوله على الجملة يدخل أيضا على ما يتعلق بها نحو قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ} 4؛ أي: وترى يوم، ومعناه أدغم أبو الحارث عن الكسائي اللام المجزومة من يفعل ذال "ذلك" وهو:   1 سورة النساء: آية: 74. 2 سورة، الرعد آية: 5. 3 سورة الحجرات، آية: 11. 4 سورة الزمر، آية: 60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 "ومن يفعل ذلك". في ستة مواضع في القرآن في البقرة وآل عمران وفي النساء موضعان وفي سورة المنافقين والفرقان فإن لم يكن يفعل مجزوما لم يدغم نحو: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ} 1. وقوله: سلموا أي سلموه من الطعن بما احتجوا له به: "ويخسف بهم" في سورة سبأ راعوا إدغامه أي راقبوه فقرءوا به ولم يلتفتوا إلى من رده أي أدغم الفاء المجزومة في الباء الكسائي وحده فإن تحركت لم تدغم نحو: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ} 2. والألف في قوله: وشذا ضمير يفعل ويخسف: أي شذ إدغام هذين الحرفين عند أهل النحو فهم يضعفونه وتثقلا أي إدغاما وهو تمييز: أي وشذ إدغامهما أو حال على تقدير ذوي تثقل: 279- وَعُذْتُ عَلَى إِدْغَامِهِ وَنَبَذْتُهَا ... شَوَاهِدُ "حَـ"ـمَّادٍ وَأَورِثْتُوُا "حَـ"ـلا 280- "لَـ"ـهُ "شَـ"ـرْعُهُ وَالرَّاءُ جَزْماً يِلاَمِهَا ... كَـ: وَاصِبرْ لِحُكْمِ "طـ"ـالَ بُالْخُلْفُ "يَـ"ـذْبُلا أي أدغم حمزة والكسائي وأبو عمرو الذال في التاء في كلمتين وهما: {وَإِنِّي عُذْتُ} 3 في غافر الذنب والدخان وفي طه: {فَنَبَذْتُهَا} 4. وأدغم الثاء في التاء في: {أُورِثْتُمُوهَا} 5 في الأعراف والزخرف هؤلاء مع هشام ونبذتها عطف على الهاء في إدغامه أي على إدغام "عذت" وإدغام "نبذتها" شواهد حماد أو التقدير: ونبذتها كذلك، والضمير في "له" لحماد؛ أي شواهد قارئ كثير الحمد وشواهد حماد وحلا له شرعه كلام حسن ظاهرا وباطنا ومعنى شرعه طريقه، والراء جزما أي مجزومة أي ذات جزم ونصبه على الحال أي أدغمت في حال جزمها بلامها أي في اللام المعهود إدغامها فيها كما سبق في الإدغام الكبير نحو: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} 6، {أَنِ اشْكُرْ لِي} 7، {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} 8.   1 سورة البقرة، آية: 85. 2 سورة الأنبياء، آية: 18. 3 سورة، آية: 27. 4 سورة غافر، آية: 96. 5 سورة الأعراف، آية: 43. 6 سورة الطور، آية: 48. 7 سورة لقمان، آية: 14. 8 سورة نوح، آية: 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 أدغمها السوسي؛؛ لأنه يدغمها متحركة فساكنة أولى وعن الدوري خلاف؛ لأن الساكن يدغم منه ما لا يدغم من المحرك على ما سبق في الياء واللام والفاء ولم يذكر صاحب التيسير هذا التفصيل بل ذكر الإدغام عن أبي عمرو نفسه وقال بخلاف بين أهل العراق في ذلك ويذبل اسم جبل أي طال الإدغام في شهرته عن أبي عمرو يذبل أي علاء خلافا لما قاله النحاة. وإلى هنا تم كلام الناظم في الإدغام فيأخذ للباقين الإظهار في جميع ذلك، ثم عبر في المواضع الباقية من هذا الباب بالإظهار فيأخذ للمسكوت عنه الإدغام فقال: 281- وَيس اظْهِرْ "عَـ"ـنْ "فَـ"ـتى "حَـ"ـقُهُ "بَـ"ـدَا ... وَنُون وَفيهِ الْخِلْفُ عَنْ وَرْشِهمْ خَلا حرك النون من هيجاء ياسين و"ن" بالفتح، وحقها أن ينطق بها ساكنة على الحكاية، وإنما فعل ذلك لضرورة الشعر إذا الساكنان لا يلتقيان في حشو النظم وكذا نون من: "طس". كما يأتي ودال صاد مريم واختار حركة الفتح على حد قوله في أول آل عمران: "ألم الله". فإنه لما وجب تحريك الميم للساكن بعدها فتحت فكذا في هذه المواضع ولا يجوز أن يكون إعرابها ففتحها؛ لأنه مفعول به كما تعرب المبنيات من الحروف عند قصد الألفاظ كما يأتي في شرح قوله وكم لو وليت؛ لأنه لو قصد ذلك لنون؛ إذ لا مانع من الصرف على هذا التقدير؛ لأنه لم يرد اسم السورة وإنما أراد هذا اللفظ والوزن مستقيم له في "يس"، و"ن" فيقول: وياسينا أظهر بنقل حركة همزة أظهر إلى التنوين، ثم يقول: ونونا ثم هو على حذف مضاف أي ونون ياسين أظهر، وكذا نون "نون"، ودال "صاد"، ونون "طس"، وكان ينبغي أن يذكر النون من هذه الحروف في باب أحكام النون الساكنة والتنوين؛ لأنه منه وفرع من فروعه؛ وإنما ذكره هنا لأجل صاد مريم؛ لئلا يتفرق عليه ذكر هذه الحروف، ولم يذكرها صاحب التيسير إلا في مواضعها من السور أي أظهر النون من: "يس" و"ن" حفص وحمزة وابن كثير وأبو عمرو وقالون، وأدغم الباقون، وعن ورش وجهان في نون: {نْ وَالْقَلَمِ} خاصة. ومعنى خلا: مضى أي بق ذكر المتقدمين له ووجه الإدغام في ذلك ظاهر قياسا على كل نون ساكنة قبل واو على ما يأتي في الباب الآتي ووجه الإظهار: أن حروف الهجاء في فواتح السور وغيرها حقها أن يوقف عليها مبينا لفظها؛ لأنها ألفاظ مقطعة غير منتظمة ولا مركبة، ولذلك بنيت ولم تعرب: 282- وَ"حِرْمِيُّ" "نَـ"ـصْرِ صَادَ مَرْيَمَ مَنْ يُرِدْ ... ثَوَابَ لَبِثْتَ الفَرْدَ وَالجَمْعُ وَصَّلا أي أظهر نافع وابن كثير وعاصم جميع ما في هذا البيت وهو ثلاثة أحرف: الدال من هجاء صاد في: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 {كهيعص، ذِكْرُ} ، ولا خلاف في إظهارها من: {وَالْقُرْآنِ} 1؛ فلهذا ميزها منها بقوله: صاد مريم وأظهروا الدال عند الثاء المثلثة من قوله: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ} 2؛ حيث وقع وأظهروا الثاء عند التاء من "لبثت" كيفما وقع فردا وجمعا فالفرد "لبثت" بضم التاء وفتحها نحو: {قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ} 3، والجمع نحو قال: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} 4 دون قوله: {لَبِثْنَا يَوْمًا} 5. فهو وإن كان جمعا إلا أنه ليس فيه تاء والمدغم إنما هو الثاء عند التاء لأن المثال الذي ذكره كذلك وهو لبثت ثم قال الفرد والجمع يعني من هذا اللفظ دون غيره وقوله صاد مريم مفعول وصل في آخر البيت وكذا ما بعده ولهذا نصب نعت لبثت، وهو الفرد والجمع أي وصل هذا المجموع، ويجوز أن يكون ذلك مفعول فعل مضمر أي أظهر صاد مريم وما بعده؛ لأن الكلام في الإظهار ويقع في بعض النسخ للفرد والجمع بالضم. قال الشيخ رحمه الله: هو مثل: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ} 6 في قراءة ابن عامر، ولا حاجة إلى العدول عن النصب عطفا على صاد مريم؛ لأن حكم الكل واحد فلا معنى لقطع بعضه عن بعض والله أعلم. ثم قال: وصل أي وصل هذه الجملة إلينا بالإظهار والضمير في وصل عائد على لفظة حرمي نصر؛ لأنه مفرد دال على مثنى كما سبق تقريره في الرموز فهو كقوله في موضع آخر حرميه كلا ولا تكون الألف في وصلا ضمير تثنية؛ لأن القارئ ثلاثة لا إثنان فلم يبق إلا أن تكون الألف للإطلاق: 283- وَطس عِنْدَ المِيم "فَـ"ـازَا اتَخَذْتُمْ ... أَخَذْتُمْ وَفِي الإِفْرَادِ "عَـ"ـاشَرَ "دَ"غْفَلا أي ونون "طس" فاز بالإظهار عند الميم يعني "طسم" في أول الشعراء، والقصص احترازا من الذي في أول النمل فإن نونه مظهرة بلا خلاف والفاء رمز حمزة وأظهر حفص وابن كثير الذال من نحو:   1 سورة ص، آية: 1. 2 سورة آل عمران، آية: 145. 3 سورة البقرة، آية: 259. 4 سورة المؤمنون، آية: 114. 5 سورة المؤمنون، آية: 113. 6 سورة النساء، آية: 95، وسورة الحديد، آية: 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 {اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ} 1، {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} 2. فهذا ضمير الجمع ثم قال: وفي الإفراد يعني نحو: {فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} 3، {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي} 4، {لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} 5، {ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} 6. وتقدير الكلام: إظهار اتخذتم في الجميع وفي الإفراد عاشر دغفلا، ويقال عيش دغفل أي واسع وعام دغفل أي مخصب يشير إلى ظهور الإظهار وسعة الاحتجاج له، ولا مانع من توهم أن إظهار اتخذتم وأخذتم لفاز ثم قال وفي الإفراد حفص وابن كثير والواو فصل. 284- وَفِي ارْكَب "هُـ"ـدى "بَـ"ـرٍ "قَـ"ـرِيبٍ بِخُلْفِهِمْ ... "كَـ"ـمَا "ضـ"ـاَعَ "جـ"ـاَ يَلْهَثْ "لَـ"ـهُ "دَ"ارِ "جُـ"ـهَّلا أي والإظهار في اركب هدى قارئ ذي بر متواضع يعني قوله تعالى في سورة هود: {ارْكَبْ مَعَنَا} ، أظهر الباء البزي وقالون وخلاد بخلف عنهم، وأظهرها ابن عامر وخلف وورش بلا خلاف وأظهر الثاء من: {يَلْهَثْ ذَلِكَ} 7 هشام وابن كثير وورش ويلهث موضعان في الأعراف الخلاف في الثاني منهما والأول لا خلاف في إظهار ثائه فكان ينبغي أن يقيده كما قيد صاد مريم. فإن قلت: الثاء لا تدغم في الهمزة فهلا اغتفر أمرها؟ قلت: والدال لا تدغم في الواو فهلا اغتفر أمرها والبر بفتح الباء ذو البر وضاع أي انتشر واشتهر من ضاع الطيب إذا فاحت رائحته، ودار فعل أمر من دارى يداري وجهلا جمع جاهل وما أطبع اقتران هذه الكلمة في الظاهر كما ضاع جا يلهث: 285- وَقَالُونُ ذُو خُلْفٍ وَفِي الْبَقَرَهْ فَقُلْ ... يُعَذِّبْ "دَ"نَا بالْخُلْفِ "جَـ"ـوْدًا وَمُوبِلا قد تقدم في شرح الخطبة أنه إنما سمى قالون هنا بعد الرمز؛ لأنه يذكر الخلف له كأنه مستأنف مسألة أخرى كقوله: وبصروهم أدري، ولهذا قال: ذو خلف بالرفع؛ لأنه خبر وقالون الذي هو مبتدأ، ولو عطف قالون على ما قبله لقال: ذا خلف نصبا على الحال يعني لقالون خلاف في الثاء من يلهث، وأما: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} 8. في آخر البقرة فابن عامر وعاصم يضمان الباء كما سيأتي في موضعه والباقون من القراء يسكنونها ثم   1 سورة الجاثية، آية: 35. 2 سورة آل عمران، آية: 81. 3 سورة المؤمنون، آية: 5. 4 سورة الشعراء، آية: 186. 5 سورة الكهف، آية: 77. 6 سورة الحج، آية: 18. 7 سورة الأعراف، آية: 176. 8 الآية: 281. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 ثم انقسموا فمنهم من أظهرها وهو ورش، وعن ابن كثير خلاف، وأدغم الباقون، وأسكن الناظم الهاء من البقرة ضرورة، وكذا ما يأتي مثله وهو جائز للشاعر في الضرورة، قال الراجز: لما رأى أن لا دعه ولا شبع والجود المطر الغزير ونصبه على الحال أي ذا جود وموبلا عطف عليه وهو اسم فاعل من أوبلا وقد استعمل فعله في سورة الأنعام فقال: حمى صوبه بالخلف در وأوبلا والمعروف: وبلت السماء فهي وابلة والوابل المطر الغزير، فيجوز أن يكون أوبلا مثل أغدوا جرب أي صار ذا وبل، وقيل: الموبل: الذي أتى بالوبل وهو المطر والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 باب: أحكام النون الساكنة والتنوين التنوين: نون ساكنة أيضًا. وإنما جمع بينهما في الذكر؛ لأن التنوين اسمٌ لنون ساكنة مخصوصة، وهي التي تلحق الكلمة بعد كمال لفظها؛ لا للتأكيد، ولا ثبات لها في الوقف، ولا في الخط. وأحكامها أربعة، وهي: الإظهار، والإدغام، والقلب، والإخفاء. ثم الإدغام يكون بغنة في موضع؛ وبعدمها في موضع. ومختلف فيها في موضع، وسيأتي جميع ذلك. ولأجل هذه الأحكام الزائدة على ما مضى أفرد لهما بابا، والله أعلم. 286- وَكُلُّهُمُ التَّنْوينَ وَالنُّونَ ادْغَمُوا ... بِلاَ غُنَّةٍ فِي الّلاَمِ وَالرَّا لِيَجْمُلا أي: كل القراء أدغموهما في اللام والراء للقلب، وأسقطوا غنة التنوين والنون منهما؛ لتنزلهما من اللام والراء منزلة المثل؛ لشدة القرب، والضمير في ليجملا للام والراء أو التنوين والنون، ولم يقيد النون في نظمه بالسكون؛ اجتزاء بذكر ذلك في ترجمة الباب ولو قال وقد أدغموا التنوين والنون ساكنا لحصل التقييد ولم يضر إسقاط لفظ كل؛ لأن الضمير في أدغموا يغني عنه. 287- وَكُلٌّ بِـ: يَنْمُو أَدْغَمُوا مَعَ غُنَّةٍ ... وَفِي الوَاوِ وَاليَا دُونَهَا خَلَفٌ تَلا جرت عادة المصنفين أن يقولوا النون الساكنة تدغم في حروف كلمة يرملون فلما قدم الناظم في البيت السابق ذكر اللام والراء جمع الباقي من حروف يرملون في كلمة ينمو أي كل القراء أدغموا النون الساكنة والتنوين في حروف ينمو وهي أربعة: الياء والنون والميم والواو ولم يذهبوا غنتهما معها؛ لأن حروف ينمو ليست في القرب إليها كقرب اللام والراء. قال الشيخ رحمه الله: اعلم أن حقيقة ذلك في الواو والياء إخفاء لا إدغام وإنما يقولون له إدغام مجازا، وهو في الحقيقة إخفاء على مذهب من يبين الغنة؛ لأن ظهور الغنة يمنع تمحض الإدغام؛ لأنه لا بد من تشديد يسير فيهما وهو قول الأكابر، قالوا: الإخفاء ما بقيت معه الغنة، وأما عند النون والميم فهو إدغام محض؛ لأن في كل واحد من المدغم والمدغم فيه غنة وإذا ذهبت إحداهما بالإدغام بقيت الأخرى وخلف أدغمهما عند الواو والياء بلا غنة كما يفعل عند اللام والراء فهو إدغام محض على قراءته، وقوله: دونها أي دون الغنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وفي اللغة: حذف الغنة وإبقاؤها جائز عند الحروف الستة، ويستثنى مما نسبه في هذا البيت إلى الكل وإلى خلف ما سبق ذكره من نوني: "يس"، و"ن والقلم". 288- وَعِنْدَهُمَا لِلكُلِ أَظْهِرْ بِكِلْمَةٍ ... مَخَافَةَ إِشْبَاهِ المُضَاعَفِ أَثْقَلا أي وعند الواو والياء أظهر النون الساكنة إذا جاءت قبلهما في كلمة واحدة نحو صنوان وقنوان والدنيا وبنيانه؛ لأنك لو أدغمت لأشبه ما أصله التضعيف وهذا كاستثناء السوسي همزة: {وَرِئْيًا} 1. يبدلها خوفا من أن يشبه لفظه لفظ الري كما تقدم ولم تلتق النون الساكنة في كلمة بلام ولا راء ولا ميم في القرآن العزيز فلهذا لم يذكر من حروف يرملون غير الواو والياء وأما النون إذا لقيها فيجب الإدغام للمثلية وأما التنوين فلا مدخل له في وسط الكلمة ولا في أولها، وأثقلا حال من فاعل إشباه وهو الذي فيه الكلام وإشباه مصدر أشبه كإكرام مصدر أكرم وأضيف إلى المفعول وهو المضاعف أي مخافة إشباه هذا الذي ذكرناه وهو صنوان ونحوه في حال كونه ثقيلا أي مدغما المضاعف فالمضاعف هو المفعول أضيف إليه المصدر نحو عجبت من إكرام زيد أي من إكرام عمرو له، والمضاعف: هو الذي في جميع تصرفاته يكون أحد حروفه الأصول مكررا نحو حيان وحتان ورمان والله أعلم. 289- وَعِنْدَ حُرُوفِ الْحَلْقِ لِلكُلِ أُظْهِرَا ... "أَ"لاَ "هـ"ـاَجَ "حُـ"ـكْمٌ "عَـ"ـمَّ "خـ"ـاَليهِ "غُـ"ـفَّلا يعني أظهر التنوين والنون الساكنة لكل القراء إذا كان بعدهما أحد حروف الحلق؛ لبعدهما منها سواء كان ذلك في كلمة أو كلمتين ثم بين حروف الحلق بأوائل هذه الكلمات من ألا إلى آخر البيت وحروف الحلق سبعة ذكر منها ستة وبقي واحد وهو الألف وإنما لم يذكرها؛ لأنها لا تأتي أول كلمة ولا بعد ساكن أصلا؛ لأنها لا تكون إلا ساكنة فمثالهما عند الهمزة: "كل آمن، وينأون، من أسلم". ولا توجد نون ساكنة قبل همزة في القرآن في كلمة غير ينأون ومثالهما عند الهاء: "جرف هار، منها، من هاجر إليهم". ومثالهما عند الحاء: "نار حامية"، "وانحر"، "من حاد الله"، و"عند العين" "حقيق على"، {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 2. "من عمل". وعند الخاء، "يومئذ خاشعة"، و"المنخنقة" و"من خاف". و"إن خفتم" و"من خزي". وعند الغين: "من ماء غير آسن"، "فسينغضون" "من غل". وقوله: "خاليهِ" أي ماضيهِ، وغفلا جمع غافل، وكأنه أشار بهذا الكلام إلى الموت أو إلى البعث ومجازاة كل بعمله فهذا حكم عظيم عم الغافلين عنه كقوله:   1 سورة مريم، آية: 74. 2 سورة الفاتحة، آية: 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} 1. وفي مواعظ الحسن البصري -رحمه الله: أيها الناس إن هذا الموت قد فضح الدنيا فلم يبق لذي لب فرحا، وما أحسن قول بعضهم: يا غفلة شاملة للقوم ... كأنما يرونها في النوم ميت غد يحمل ميت اليوم وقوله: "ألا": استفتاح كلام، و"هاج" بمعنى هيج الغافل هذا الحكم أي حركه فلم يدع له قرارا ولا هناء بعيش أيقظنا الله تعالى بفضله من هذه الغفلة: 290- وَقَلْبُهُمَا مِيماً لَدَى الْيَا وَأَخْفِيا ... عَلَى غُنَّةٍ عِنْدَ الْبَوَاقِي لِيَكْمُلاَ أي الموضع الذي تقلبان فيه ميما هو عند الباء يعني إذا التقت النون الساكنة مع الباء في كلمة نحو: "أنبئهم، أو في كلمتين نحو: "أن بورك". وإذا التقى التنوين مع الباء، ولا يكون ذلك إلا في كلمتين نحو: {سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ، قلبا ميما؛ ليخف النطق بهما؛ لأن الميم من مخرج الباء وفيها غنة كغنة النون فتوسطت بينهما، ولم يقع في القرآن ولا فيما دون من كلام العرب ميم ساكنة قبل ياء في كلمة واحدة فلم يخف إلباس في مثل عنبر ومنبر وعند باقي الحروف غير هذه الثلاثة عشر وغير الألف أخفي التنوين والنون مع بقاء غنتهما؛ لأنها لم يستحكم فيها البعد ولا القرب منهما فلما توسطت أعطيت حكما وسطا بين الإظهار والإدغام وهو الإخفاء، وسواء في ذلك ما كان في كلمة وما كان في كلمتين نحو: "أنتم، أنذر الناس، أنشأكم، أنفسكم، إن تتوبا، من جاء بالحسنة، إن كنتم، أن قالوا بخلق جديد، غفور شكور، على كل شيء قدير، أزواجا ثلاثة". وقوله: ليكملا؛ أي: ليكملا بوجوههما وهي لام العاقبة أي لتؤل عاقبتهما إلى كمال أحكامهما؛ لأن هذه الوجوه هي التي لهما في اللغة وهي الإدغام في حروف "يرملون" الستة، والإظهار في حروف الحلق الستة أيضا، والقلب عند الباء والإخفاء في البواقي، ثم الإدغام بغنة وبغير غنة، فكمل ذكرها في النظم من هذه الوجوه والله أعلم.   1 سورة ص، آية 67 و68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 باب: الفتح والإمالة وبين اللفظين الفتح هنا ضد الإمالة؛ وهو منقسم إلى فتح شديد، وفتح متوسط؛ فالشديد هو نهاية فتح القارئ لفيه بلفظ الحرف الذي بعده ألف، ويسمى التفخيم، والقراء يعدلون عنه، ولا يستعملونه، وأكثر ما يوجد في ألفاظ أهل خراسان، ومن قرب منهم،؛ لأن طباعهم في العجمة جرت عليه، فاستعملوه كذلك في اللغة العربية، وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 في القراءة مكروه معيب، هذا قول أبي عمرو الداني في كتاب "الموضح" قال: والفتح المتوسط هو ما بين الفتح الشديد والإمالة المتوسطة، وهذا الذي يستعمله أصحاب الفتح من القراء، قال: والإمالة أيضا على ضربين: إمالة متوسطة، وإمالة شديدة، والقراء يستعملونهما معًا؛ فالإمالة المتوسطة حقها أن يؤتى بالحرف بين الفتح المتوسط وبين الإمالة الشديدة، والإمالة الشديدة حقها أن تقرب الفتحة من الكسرة، والألف من الياء، من غير قلب خالص، ولا إشباع مبالغ، قال: والإمالة والفتح لغتان مشهورتان فاشيتان على ألسنة الفصحاء من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، فالفتح لغة أهل الحجاز، والإمالة لغة عامة أهل نجد، من تميم وقيس وأسد قال: وعلماؤنا مختلفون في أي هذه الأوجه الثلاثة أوجه وأولى، وأختار الإمالة الوسطى التي بين بين؛ لأن الغرض من الإمالة حاصل بها، وهو الإعلام بأن أصل الألف الياء أو التنبيه على انقلابها إلى الياء في موضع، أو مشاكلتها للكسر المجاور لها أو الياء، ثم أسند حديثا عن حذيفة بن اليمان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرءوا القرآن بألحان العرب" وفي رواية: "بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين". قال: فالإمالة لا شك من الأحرف السبعة، ومن لحون العرب وأصواتها، وهي مذاهبها وطباعها. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكع حدثنا الأعمش عن إبراهيم، قال: كانوا يرون أن الألف والياء في القراءة سواء، قال: يعني بالألف والياء التفخيم والإمالة. قلت: وصنف كل واحد من أبي الطيب ابن غلبون، وأبي عمرو الداني في هذا الباب مجلدة، قصراها على حكم الإمالة وما يتعلق بها، وكتاب الداني متأخر عن كتاب ابن غلبون، فلذلك فوائده أكثر، وذكر الشيخ رحمه الله في هذا الباب معظم ما تقع فيه الإمالة في القرآن من أصول مطردة، وحروف منفردة وأخر من ذلك قليلا فذكره في مواضعه من السور، تبعا لصاحب التيسير. كـ: "التوراة"، و"ناداه" في آل عمران، و"ناه"، و"استهواه"، و"رأى" في الأنعام، و"را"، و"طا"، و"ها"، و"يا" من فواتح السور، و"أدري"، في أول سورة يونس، "وبشراى" في يوسف وغيره، ذكر ذلك في الباب أو بعضه، ويجوز في قوله وبين اللفظين: فتح النون من بين على الظرفية، أي والحالة هي بين اللفظين، أي بين لفظي الفتح والإمالة، ويجوز كسر النون عطفا على الفتح والإمالة، ولفظ بين تارة يجري بوجوه الإعراب، كقوله: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} 1، وتارة ينصب على الظرف والإعراب يجري على ما هي تابعة له، وقرئ بالوجهين قوله سبحانه: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} 2 بالرفع والنصب عاما سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى والله أعلم.   1 سورة الكهف، آية: 77. 2 سورة الأنعام، آية: 94. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 291- وَحَمْزَةُ مِنْهُمْ وَالكِسَائِيُّ بَعْدَهُ ... أَمَالاَ ذَوَاتِ الْياَءِ حَيْثُ تأَصَّلا منهم أي: من القراء كقولهم: أنت منهم الفارس الشجاع أي من بينهم والكسائي بعده؛ لأنه أخذ عنه أمالا ذوات الياء يعني الألفات التي انقلبت عن الياء احترازا عن ذوات الواو وهي الألفات التي انقلبت عن الواو، فاجتزأ بالصفة لشهرتها عن الموصوف والإمالة تقع في الألف والهاء والراء وهذا الباب جميعه في إمالة الألف والذي بعده في إمالة الهاء والثالث في إمالة الراء على ما سيأتي بيانه ثم الألف تكون أصلية ومنقلبة وتارة زائدة، واعلم أن كل ألف منقلبة عن ياء فجائز إمالتها وهي أن تكون عينا أو لاما فالعين نحو باع وسار؛ لأنهما من البيع والسير وهذا النوع جائز الإمالة لغة مطلقا وقراءة في بعض المواضع الآتية نحو: "جاء"، و"شاء"، واللام نحو "هدى" و"رمى"1. فهذا هو الذي يمال مطلقا عند القراء لمن مذهبه الإمالة، وأطلق الناظم ذوات الياء، وهو لفظ يقع على الضربين ومراده الضرب الثاني، ولم يبين في نظمه الحرف الذي تقع فيه الإمالة، ولو أنه قال: أمال الكسائي بعد حمزة إن تطـ ... ـرفت ألفاتٌ حيث ياء تأصلا لذكر الحرف الممال وشرطيه وهما كونه عن ياء وكونه طرفا أي تكون لام الفعل وإنما خص لقراء الإمالة بذلك؛ لأنه طرف والأطراف محل التغيير غالبا والإمالة تغيير؛ فإنها إزالة الألف عن استقامتها وتحريف لها عن مخرجها إلى نحو مخرج الياء ولفظها، وأخذ لها هذا الاسم من أمالت الرمح ونحوه إذا عوجته عن استقامته أي أما لا ألفات الياء إن تطرفت احترازا من المتوسطة فقوله تعالى: {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} 2 يمال وكذا: {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ} 3؛ لتوسط الألف فيها والألف في أثاب عن واو في الأصل، وإنما يجوز إمالتها لغة؛ لأن الفعل قد زادت حروفه فرجع إلى ذوات الياء على ما سيأتي في شرح قوله وكل ثلاثي يزيد فإنه ممال وقوله حيث تأصلا قال الشيخ: أي حيث كان الياء أصلا وهو أحد أسباب الإمالة وأكثر أنواعها استعمالا وإنما أميلت الألف؛ لتدل على الأصل. قلت: فكأن قوله حيث تأصلا خرج مخرج التعليل؛ فإن "حيث" من ظروف المكان، وإذ من ظروف الزمان تأتي كل واحدة منهما وفيها معنى التعليل نحو قولك: حيث جاء زيد فلا بد من إكرامه، وإذ خرج فلا بد من التزامه أي لأجل أن الياء أصلها أميلت ولم يخرج ذلك مخرج الاشتراط فإن هذا شرط مستغنى عنه بقوله: ذوات الياء كما قال صاحب التيسير: كان حمزة والكسائي يميلان كل ما كان من الأسماء والأفعال من ذوات الياء، ولم يرد على ذلك لكنه ما أراد بذوات الياء إلا كل ألف تنقلب ياء في تثنية أو جمع أو عند رد الفعل إلى المتكلم أو غيره فيدخل في ذلك ما الياء فيه أصل وما ليست بأصل، ولهذا مثل: "موسى" و"عيسى" و"إحدى" و"يتامى".   1 سورة طه، الأنفال: 17. 2 القصص آية: 27. 3 سورة المائدة، آية: 85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 ونحوه ما ألفه للتأنيث ثم قال: وكذلك: "الهدى" و"العمى". ونحوه مما الألف فيه منقلبة عن ياء فجمع بين النوعين فعبر عنهما بذوات الياء فيجوز أن يكون الناظم سلك هذا المسلك وقسم ذوات الياء إلى ما الألف فيه أصل وإلى ما الألف فيه للتأنيث وسيأتي كل ذلك ويجوز أن يكون المراد تأكيد ما تقدم أي أن الإمالة لا تقع في قراءتهما إلا حيث كانت الياء التي انقلبت عنها الألف أصلا وهذا وإن كان معلوما من قوله: ذوات الياء فإن ذلك لا يقال إلا لما كانت الياء فيه أصلا فإنه غير معلوم من اللفظ بل من قاعدة علم التصريف فنص عليه لفظا وغرضه إعلام أن الإمالة لهما لا تقع في الألفات الزوائد كألف نائم ولاعب، وإنما تقع في ألف منقلبة عن ياء هي لام الكلمة، ويجوز أن يكون المعنى حيث تأصلا الياء أي تمكنت تمكنا تاما بحيث رسمت الكلمة بها لا بالواو، فأميلت الألف موافقة للرسم فهذه ثلاثة أوجه في معنى هذا الكلام إن كان فاعل تأصلا ضميرا عائدا على الياء والألف فيه للإطلاق، ويجوز أن تكون الألف للتثنية وهي ضمير عائد على حمزة والكسائي، وله وجهان من المعاني: أحدهما في المواضع التي تأصلاها أي أنهما أصلا لها أصلا فكل ما دخل في ذلك الأصل والضابط أمالاه ثم بين الأصل والضابط بالبيت الآتي. والثاني أن المعنى حيث تأصلا هما؛ أي: كانا أصلا في باب الإمالة؛ لاستيعابهما منهما ما لم يستوعب غيرهما فكل من أمال شيئا فهو تابع لهما أو لأحدهما في الغالب أي فعمما جميع ذوات الياء؛ لأنهما ليس من مذهبهما تخصيص أفراد من الكلم بالإمالة بخلاف ما فعل غيرهما كما ستراه ثم لا فرق في إمالة هذه الألف المنقلبة عن الياء لهما بين ما هي مرسومة في المصحف بالياء وما هي مرسومة بالألف فإن من ذوات الياء ما رسم في المصحف بالألف كما ترسم ذوات الواو نحو: "طغا" و"تولاه" و"أقصا المدينة" و"الأقصا" و"العليا" و"الدنيا" ... وغير ذلك. وأما الحياة فلم تمل، وإن كانت ألفها منقلبة عن ياء عند قوم؛ لأن ألفها رسمت واوا في المصحف، ولأن الخلاف قد وقع في أصل ألفها فوقع الشك في سبب لإمالة فتركت وعدل إلى الفتح فإنه الأصل، وكل ما أميل ففتحه جائز، وليس كل ما فتح إمالته جائزة، ثم من ضرورة إمالة الألف حيث تمال أن ينحى بالحرف الذي قبلها نحو الكسرة ثم إن حمزة والكسائي يميلان الألف الموصوفة بالأوصاف المذكورة حيث وجدت إلا في مواضع خالف فيها بعضهم أصله وفي مواضع زاد معهم غيرهم ثم بين ذات الياء فقال: 292- وَتَثْنِيَةُ الأسْماءِ تَكْشِفَها وَإِنْ ... رَدَدْتَ إِلَيْكَ الْفِعْلَ صَادَفْتَ مَنْهلا الهاء في تكشفها لذوات الياء؛ أو الألف الممالة المفهومة من سياق الكلام أي تكشف لك أصلها إن كانت في اسم تثنية نحو: "قال لفتاه"؛ لأن هذا لو ثنى لانقلبت الألف ياء نحو: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} 1 وكذا {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى} 2، لو ثنيته لقلت: عميان وهذا بخلاف: "الصفا" و {شَفَا جُرُفٍ} 3، و {سَنَا بَرْقِهِ} ، و {عَصَاهُ} ، و {عَصَايَ} ، و {أَبَا أَحَدٍ} . فإن الألف في ذلك كله أصلها الواو، ويثني جميع ذلك بها، وأما الألف في الأفعال فيكشفها أن تنسب الفعل إلى نفسك وإلى مخاطبك فإن انقلبت فيه ياء أملتها نحو: "رمى" و"سعى"؛ لأنك تقول: رميت وسعيت بخلاف: دعا وعفا وخلا وبدا وعلا ونجا، فإنك تقول فيهما: دعوت وعفوت ... إلى آخرها، ويكشفها لك أيضا لفظ المضارع نحو يدعو ويعفو، ولحوق ضمير التثنية نحو: دعوا وعفوا، والاشتقاق يكشف الأمرين نحو الرمي والسعي والعفو والعلو، فإن قلت: من جملة الأسماء الممالة ما لا تظهر التثنية ياءه التي انقلبت الألف عنها نحو الحوايا جمع حاوية فالألف عن ياء كائنة في المفرد وفي تثنية المفرد ولكن اللفظ الممال في القرآن لا يثنى فلم يكشف هذا اللفظ تثنية فكيف قال: وتثنية الأسماء تكشفها؟ قلت: ذكر ذلك كالعلامة؛ والعلامة قد لا تعم ولكنها تضبط الأكثر والحد يشمل الجميع، وهو قوله: ذوات الياء والألف من آخر الحوايا من ذوت الياء وأصلها حواوي على حد ضوارب؛ لأنه جمع حاوية وهي المباعر، على أنك لو قدرت من هذا فعلا، ورددته إلى نفسك لظهرت الياء نحو حويت، وصاحب التيسير ذكر هذا الحرف مع يتامى وأيامى فجعل الجميع في باب فعالى الذي يأتي ذكره، وقوله: صادفت منهلا أي موردا للإمالة، وهذه استعارة حسنة؛ لأن طالب العلم يوصف بالعطش فحسن أن يعبر عن بغيته ومطلوبه بالمورد، كما يعبر عن كثرة تحصيله بالري فيقال هو ريان من العلم ثم مثل ذوات اليا من الأسماء والأفعال فقال: 293- هَدى وَاشْتَرَاهُ وَالهَوى وَهُدَاهُمُ ... وَفِي أَلِفِ التَّأْنِيثِ فِي الكُلِّ مَيَّلا لأنك تقول: هديت واشتريت وهويان وهديان فمثل بفعلين واسمين، ثم ذكر أن حمزة والكسائي ميلا أيضا ألف التأنيث في كل موضع وقعت فيه فقوله: وفي ألف متعلق بميلا أي أوقعا الإمالة فيها فهو من باب قوله: ذي الرمة يجرح في عراقيبها نصلي، وقوله: في الكل بدل من ألف التأنيث أي: وفي كل ما فيه ألف التأنيث أوقعا الإمالة، وخالف حمزة أصله في الرؤيا على ما يأتي، وليست ألف التأنيث منقلبة عن ياء وإلا لاستغني عنها بما تقدم وإنما هي مشبهة بالمنقلبة عن الياء لأجل أنها تصير ياء في التثنية والجمع تقول حبليان وحبليات. فإن قلت: ظهرت فائدة قوله: فيما قبل حيث تأصلا فإن ألف التأنيث ليست أصلا فاحترز عنها. قلت: ولماذا يحترز عنها وهي ممالة لهما كما أن الأصلية ممالة لهما فلا وجه للاحتراز إن كانت ألف التأنيث داخلة في مطلق قوله: ذوات الياء وهو ممنوع، وإذا لم تكن داخلة فلا احتراز، ولم يبق فيه إلا التأكيد أو المعاني التي تقدم ذكرها، ثم ذكر الأمثلة التي توجد فيها ألف التأنيث المقصورة وهي الممالة فقال:   1 سورة يوسف، آية: 36. 2 سورة فصلت، آية: 17. 3 سورة التوبة، آية: 109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 294- وَكَيْفَ جَرَتْ فَعْلى فَفيهَا وُجُودُهَا ... وَإِنْ ضُمَّ أَوْ يُفْتَحْ فُعَالى فَحَصِّلا أي وجود ألف التأنيث في موزون فعلى كيف جرت بفتح الفاء أو بكسرها أو بضمها نحو "السلوى"" و"التقوى" و"الموتى" و"مرضى" و"إحدى" و"سيما" و"ذكرى" و"الدنيا" و"القربى" و"الأنثى" وكذلك في "فعالى" بضم الفاء وفتحها نحو كسالى ويتامى والتحق بهذا الباب موسى وعيسى ويحيى وهو مذهب القراء اعتمادا على أنها فعلى فعلى وفعلى والفاء في فحصلا ليس برمز لأن مراده بهذا البيت بيان محل ألف التأنيث ولأنه سيقول بعد هذا وعسى أيضا أمالا والضمير لحمزة والكسائي ولو كان فحصلا رمز اللزوم بعد ذلك إذا ذكر مسألة أن يرمز لها أو يصرح باسم القارئ ولا يأتي بضمير من تقدم إلا إذا كان الباب كله واحدا على أنه يشكل على هذا أنه سيذكر اختصاص الكسائي بإمالة مواضع ثم قال بعدها وأما ضحاها والضحى والربى مع القوى فأمالاها ويذكر أيضا ما تفرد به حفص عن الكسائي ثم قال: ومما أمالاه، وجوابه أنه صرح باسم الكسائي وحفص فلا إلباس، وأما بعد الرمز فلم يفعل مثل ذلك لما فيه من الإلباس وأراد فحصلا بالنون الخفيفة، ثم أبدل منها ألفا في الوقف ثم ذكر أنهما أمالا أشياء أخر لم تدخل في الضابط المتقدم من ذوات اليء الأصلية ولا في ضابط ألف التأنيث ولكنها من المرسومات بالياء فقال: 295- وَفِي اسْمٍ فِي الِاستِفْهَامِ أَنَّى وَفِي مَتى ... مَعاً وَعَسى أَيْضاً أَمَالاَ وَقُلْ بَلى أي وأوقع الإمالة في اسم استعمل في الاستفهام وهو أنى وإن كان قد استعمل غير استفهام وهو إذا وقع شرطا نحو: أنى تقم أقم معك إلا أنه في القرآن للاستفهام، ولهذا قال صاحب التيسير: أمالا "أنَّى" التي بمعنى كيف، نحو قوله تعالى: {أَنَّى شِئْتُمْ} 1، {أَنَّى لَكِ هَذَا} 2. قلت: وغرضهم من هذا القيد أن يفصلوها من أنا المركبة من أن واسمها نحو: {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} 3. وهو احتراز بعيد؛ فإن أحدا لا يتوهم الإمالة في مثل ذلك، ثم قال: وفي "متى" أي وأوقعا الإمالة أيضا في "متى"، ومعا حال من حمزة والكسائي أي أوقعا معا الإمالة في ذلك أو حال من أتى ومتى، بمعنى أنهما اصطحبا في الإمالة والاستفهام. وقال الشيخ: مراده أن ألف التأنيث أيضا في اسم استعمل في الاستفهام، وهو أنى ومتى فأما أنى فكان ابن مجاهد يختار أن يكون فعلى فقال الداني وزنها فعلى وهو كقولهم قوم تلى أي صرعى وليلة غمى إذا كان على السماء غيم وألف متى مجهول فأشبهت ألف التأنيث في ذلك فأميلت، ونص النحاة على أنه لو سمي بها وبيلى لثنيا بالياء وهذا صحيح، ولكن من أين يلزم إذا كانت ألفها مجهولة أن تكون للتأنيث، وإنما وزنها فعل، والألف لام الكلمة على أن الحروف وما تضمن معناها من الأسماء لا يتصرف فيها بوزن ولا ينظر في ألفاتها فـ"متى" كإلى وبلى في ذلك.   1 سورة البقرة، آية: 223. 2 سورة آل عمران، آية: 27. 3 سورة النمل، آية: 51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ثم قال: وأمالا عسى وبلى أما عسى ففعل تقول فيه: عسيت فالألف منقلبة عن ياء فهو داخل في ما تقدم فلم يكن له حاجة إلى إفراده بالذكر، ولكنه تبع صاحب التيسير في ذلك فإنه قال بعد أنى: وكذلك متى وبلى وعسى حيث وقع ولعله إنما أفرده بالذكر؛ لأنه لا يتصرف، وقيل إن بعض النحاة زعم أنها حرف كما أطلق الزجاجي على كان وأخواتها أنها حروف بمعنى أنها أدوات للمعاني التي اكتسبتها الجمل معها، ولما كفت بلى في الجواب ضارعت بذلك الاسم والفعل فأميلت ألفها وقيل إن ألف بلى أيضا بل للتأنيث وهو حرف لحقه ألف التأنيث كما لحقت تاء التأنيث ثم ورب، وأصلها بل فيجوز على هذا أن يقال ألف أنى كذلك وأصلها أن، ثم خرج هذان الحرفان عن معناهما المعروف بلحوق ألف التأنيث لهما إلى معنى آخر فصار أنى على وزن شتى ورسمت أنى ومتى وبلى بالياء وكذا عسى وعيسى ويحيى وموسى وإلحاق الألف في شيء من ذلك بألف التأنيث بعيد بل هي قسم برأسها، فكأنه قال أمالا ذوات الياء الأصلية وغير الأصلية مما رسمت ألفه ياء وغير الأصلية على ضربين ألف تأنيث وملحق بها، ولو قال عوض هذا البيت: وموسى عسى عيسى ويحيى وفي متى ... وأنى للاستفهام تأتى وفي بلا لكان أحسن وأجمع للغرض، وتبعناه في ذكر عسى، وإن كانت داخلة في قسم الياء الأصلية وخلصنا من جزرفة العبارة في قوله: وفي اسم في الاستفهام أنى، والضمير في "تأتى" للإمالة وما أبعد دعوى أن الألف في موسى وعيسى ويحيى للتأنيث فموسى وعيسى معربان ويحيى إن كان عربيا فوزنه يفعل والكلام في النبي المسمى بيحيى عليه السلام، وأما نحو قوله تعالى: {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} 1، وقوله: {وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} 2، فوزنه يفعل والله أعلم. 296- وَمَا رَسَمُوا باليَاءِ غَيْرَ لَدى وَمَا ... زَكى وَإِلى مِنْ بَعْدُ حَتَّى وَقُلْ عَلَى أي وأمالا كل ما رسم في المصحف بالياء من الألفات وإن لم تكن الياء أصلية إتباعا للرسم، ولأنها قد تعود إلى الياء في صورة وذلك ضحى في الأعراف وطه: "وضحاها"، "ودحيها" في والنازعات، وفي والشمس وضحيها: "وتلاها"، "وطحاها"، "والضحى"، "وسجى". فهذا جميع ما رسم من ذوات الواو بالياء على ما ذكره في قصيدته الرائية لكن: "تلاها" "وطحاها" "وسجى"، لم يملها إلا الكسائي وحده كما يأتي، وإمالتهما "ضحى" في الأعراف وطه تبنى على خلاف يأتي في آخر الباب وأما:   1 سورة طه، آية: 74. 2 سورة الأنفال، آية: 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 "ويلتى" و"حسرتى" و"أسفى". فألفاتها مع كونها مرسومة بالياء منقلبة عن ياء بالإضافة فقويت الإمالة فيها وهذا البيت لا يظهر له فائدة إلا في هذه الألفاظ الثلاثة فإن الياء التي انقلبت عنها الألف ليست بأصل في الكلمة فلم تدخل في قوله: "حيث تأصلا" ويظهر أيضا فائدته في إمالة "ضحى" في الأعراف على قول من يقول إنه إذا وقف عليه كان الوقف على ألفه الأصلية وأما باقي الكلمات التي ذكرت أنها رسمت بالياء وهي من ذوات الواو فكانت تعرف من ذكره إمالة رءوس الآى وأما نحو: "أدنى" و"أزكى" و"يدعى" و"تتلى". فتعلم إمالته من البيت الآتي؛ فإنه من الثلاثي الزائد، ثم ذكر أنه استثنى مما رسم بالياء وليست الياء أصله خمس كلمات: فلم تمل وهي اسم وفعل وثلاثة أحرف فالاسم "لدى" لم يمل أنه رسم بالألف في يوسف وبالياء في غافر، وألفه مجهولة فلم يمل؛ ليجري مجرى واحدا والفعل: {مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} 1. هو من ذوات الواو فلم يمل تنبيها على ذلك، والحروف إلى وحتى وعلى لم تمل؛ لأن فلا حظ لها في الإمالة بطريق الأصالة إنما هي للأفعال والأسماء فلم يؤثر فيها رسمها بالياء وكل ما أميل من الحروف بلى ويا في الندا ولا في أمالا لإغنائها عن الجمل فأشبهت الفعل والاسم وقول الناظم من بعد حتى الدال من بعد مجرورة وبعضهم اختار ضمها وقدر حذف واو العطف من قوله حتى، ومعنى الوجهين ظاهر، وإذا كسرنا الدال كان التقدير من بعد استثناء حتى، وكذا معنى قولي أنا فيما تقدم: أمال الكسائي بعد حمزة أي بعد إمالة حمزة: 297- وَكُلُّ ثُلاَثِيٍّ يِزِيدُ فَإِنَّهُ ... مُمَالٌ كَزَكَّاهَا وَأنْجَى مَعَ ابْتَلى أي كل لفظ ثلاثي ألفه عن واو إذا زيد في حروفه الأصول حرف فأكثر فصار كلمة أخرى أميل؛ لأن واوه تصير ياء إذا اعتبرتها بالعلامات المقدم ذكرها، وذلك كالزيادة في الفعل بحروف المضارعة وآلة التعدية وغيرها نحو: "ترضى"2، "وتدعى"3 "وتتلى"4 "ويدعى"5، "وتبلى"6، "ويزكى"7، "وتزكى"8، "وزكاها"9، "ونجانا الله منها"10، {فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} 11، {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} 12، {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ} 13.   1 سورة النور، آية: 21. 2 سورة طه، آية: 130. 3 سورة سبأ، آية، 43. 4 سورة آل عمران، آية: 101. 5 سورة الجاثية، آية: 28. 6 سورة الطارق، آية: 9. 7 سورة عبس، آية: 3. 8 سورة الأعلى، آية: 14. 9 سورة الشمس، آية: 9. 10 سورة الأعراف، آية: 89. 11سورة العنكبوت، آية: 24. 12 سورة البقرة، آية: 124. 13 سورة الأعراف، آية: 143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} 1، {فَتَعَالَى اللَّهُ} 2، {مَنِ اسْتَعْلَى} 3. ومن ذلك أفعل في الأسماء نحو: "أدنى، وأرى، وأزكى، وأعلى"؛ لأن لفظ الماضي من ذلك كله تظهر فيه الياء إذا رددت الفعل إلى نفسك نحو: زكيت ورضيت وابتليت وأعليت، وأما فيما لم يسم فاعله نحو "تدعى" فلظهور الياء في دعيت ويدعيان، فقد بان أن الثلاثي المزيد يكون اسما نحو أدنى وفعلا ماضيا نحو أنجى وابتلى ومضارعا مبنيا للفاعل نحو يرضى وللمفعول نحو يدعى. ولو قال الناظم رحمه الله تعالى: وكل ثلاثيٍّ مزيد أمله مثـ ... ـل يرضى وتدعى ثم أدنى مع ابتلى لجمع أنواع ذلك، وقد نص صاحب التيسير وغيره على أن ذلك يمال، وجعل سببه الزيادة فقال: الإمالة شائعة في "تدعى" و"تتلى" و"اعتدى" و"استعلى" و"أنجى" و"نجى" وشبهه؛ لانتقاله بالزيادة إلى ذوات الياء، قلت: الزيادة في أوله إذا كانت مفتوحة ظهرت الواو نحو يدعو ويتلو، فإذا ضمت قلبت الواو ألفا؛ لانفتاح ما قبلها فمن أين تجيء الياء؟ وأين الزيادة التي اقتضت ذلك؟ لا جائز أن تكون حرف المضارعة فإنها موجودة في حالة الضم وجودها في حالة الفتح، والضم والفتح حركتان متقابلتان فليس إمالة هذا لأجل الزيادة وإنما لأجل أن الياء ظهرت في الماضي في قولك: دعى، قلبت الواو ياء؛ لانكسار ما قبلها والمضارع فرع عن الماضي فلهذا اعتقد في ألف تدعى أنها ياء وأميلت مع أن رسم المصحف الكريم فيها بالياء، وقوله تعالى: {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا} 4 وارد على ما ذكره في هذا البيت فإنه ثلاثي زاد ولا يمال؛ لأن ألفه ليست طرفا وهو لم يشترط الطرف فلهذا ورد والله أعلم. 298- وَلَكِنَّ أَحْيَا عَنْهُمَا بَعْدَ وَاوِهِ ... وَفِيمَا سَوَاهُ لِلكِسَائِي مُيِّلا أي إذا جاء أحيا أو يحيي بعد الواو فإنهما أمالاه، قال في التيسير: واتفقا يعني الكسائي مع حمزة على الإمالة في قوله: "ويحيى"، "ولا يحيى"، {أَمَاتَ وَأَحْيَا} 5 إذا كان منسوقا بالواو وتفرد الكسائي دون حمزة بإمالة: "أحياكم" و"فأحيا به" و"أحياها" حيث وقع، إذا نسق ذلك بالفاء أو لم ينسق لا غير، وإنما ذكر هذا البيت؛ ليبين ما انفرد به الكسائي، ولهذا أتى بحرف "لكن"   1 سورة البقرة، آية: 194. 2 سورة المؤمنون، آية: 116. 3 سورة طه، آية: 64. 4 سورة المائدة، آية: 85. 5 سورة النجم، آية: 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 التي للاستدراك وإلا فما اجتمعا عليه من ذلك داخل في ذوات الياء فكأنه قال أمالا الجميع لكن كذا وكذا تفرد به الكسائي ثم استوفى جميع ما انفرد به الكسائي من ذلك وغيره فقال: 299- وَرُءْيَايَ وَالرءُيَا وَمَرْضَاتِ كَيْفَمَا ... أَتَى وَخَطَايَا مِثْلُهُ مُتَقَبَّلا رؤيا: فعلى مستثناة مما فيه ألف التأنيث ومرضاة مفعلة من الرضوان ترجع ألفها إلى الياء في التثنية والجمع فهي كمغزى ومدعى؛ لأن ألفها ترجع إلى الياء في الماضي نحو رضيت، وذكر مكي في الثلاثي الزائد مرضاة وكمشكاة؛ لأن ضابطه ما كانت ألف الإمالة فيه رابعة فصاعدا، فمرضاة مستثناة من ذلك لحمزة بخلاف مزجاة فإنها ممالة لهما وقوله كيف ما أتى يعنى نحو مرضاة الله ومرضاتي بخلاف الرؤيا فإنه لم يملها كيف ما أتت؛ لأن رؤياك لم يملها إلا الدوري عنه كما يأتي فلهذا قال ورؤياي والرؤيا أي هاتان اللفظتان مع ما بعدهما ممال للكسائي وخطايا مثله أي مثل مرضاة يميلها كيف ما أتت نحو: "خطايانا، خطاياكم، وخطاياهم". والإمالة في ألفها الأخيرة لأجل الياء قبلها، ولأنها من ياء؛ لأنها جمع خطية بغير همز عند الفراء كهدية وهدايا وعند غيره أصلها خطايىء بياء بعدها همزة فمنهم من يقول همزت الياء كما تهمز في صحائف فاجتمع همزتان، فأبدلت الثانية ياء فاجتمع بعد ألف الجمع همزة عارضة في الجمع وياء فوجب قلب الهمزة ياء والياء ألفا على قياس قولهم مطايا ومنهم من يقول قدمت الهمزة وأخرت الياء ثم فعل ذلك "وأما الحوايا" فأمالها حمزة والكسائي وألفها عن ياء وهو على وزن خطايا، ومتقبلا حال من خطايا أو من ضمير مرضاة ويجوز أن يكون تمييزا على أن يكون متقبلا بمعنى قبولا مثل قولهم على التمرة مثلها زيدا ولا مانع من حيث اصطلاحه من أن يكون متقبلا رمزا وكذا ما بعده من قوله ليس أمرك مشكلا ويجتلا والذي أذعت به إلى آخره ويكون ما في كل بيت لمن رمز له. فإن قلت هو في باب إمالة حمزة والكسائي فجميعه لا يخلو عنهما أو عن أحدهما ولهذا يذكر ما انفرد به الكسائي ثم يذكر ما اتفقا عليه فيقول مع "القوى" فأمالاها ولو كان ما اعترض به رمزا لما صح له هذا الضمير إذ تقدم جماعة، فلا يتعين من يعود إليه الضمير وكذا يذكر ما تفرد به الدوري ثم يقول ومما أمالاه وذلك مما يدل على أن قوله: "قد انجلا" ليس برمز. قلت: كل هذا صحيح معلوم أنه ليس برمز في نفس الأمر ولكن من حيث اصطلاحه يوهم ذلك والله أعلم. 300- وَمَحْيَاهُمُوا أَيْضًا وَحَقَّ تُقَاتِهِ ... وَفِي قَدْ هَدَانِي لَيْسَ أمْرُكَ مُشْكِلا أراد: {سَوَاءً مَحْيَاهُمْ} 1، في الجاثية: {حَقَّ تُقَاتِهِ} 2 في آل عمران، ووافق حمزة الكسائي على إمالة الأول فيها وهو قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} 3.   1 سورة الجاثية، آية: 21. 2 سورة آل عمران، آية: 102. 3 سورة آل عمران، آية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 لأنه رسم بالياء في الأول وفي الثاني بالألف فاتبع الرسم فيهما وكلاهما من ذوات الياء والأصل تقية. {وَقَدْ هَدَانِ} 1. في أول الأنعام وصوابه في البيت بغير ياء؛ لأن قراءة الكسائي كذلك والبيت متزن بالقبض وقيده بقد احترازًا من الذي في آخر السورة: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي} 2، وفي الزمر: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} 3؛ فإن ذلك ممال لحمزة والكسائي معًا على أصلهما والياء فيهما ثابتة بإجماعهم. 301- وَفِي الْكَهْفِ أَنْسَاني وَمَنْ قَبْلُ جَاءَ مَنْ ... عَصَاني وَأَوْصَاني بِمَرْيَمَ يُجْتَلا أراد: {وَمَا أَنْسَانِيهُ} ، ومن قبل الكهف جاء في إبراهيم: {وَمَنْ عَصَانِي} 4، {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ} 5. في مريم ويجتلا ليس برمز: 302- وَفِيهَا وَفِي طس آتَانِيَ الَّذِي ... اذَعْتُ بِهِ حَتَّى تَضَوَّعَ مَنْدَلا أي وفي مريم والنمل لفظ: "آتاني، يريد"، {آتَانِيَ الْكِتَابَ} 6، {آتَانِيَ اللَّهُ} 7؛ بخلاف الذي في هود فإنه ممال لهما، وقوله: أذعت به أي أفشيته من قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} 8؛ أي أفشوه، والمراد أني جهدت بالنص على إمالته ولم أسر ذلك، ولكن في اللفظ إشكال؛ لأنه إن كان فعل هذا قبل هذا الكلام فأين ذكره، وإن كان ما فعله إلا بهذا الكلام لم تصح هذه العبارة؛ لأن حق ما يوصل به الذي يكون معلوما للمخاطب، وهذا لم يعلمه بعد إلا من هذا العبارة فإن جاز ذلك فينبغي أن يجوز أن يقال: جاءني الذي أكرمته ويكون إكرامك له لم يعرف إلا من هذه اللفظ، وهذا لا يجوز فالوجه في هذا أن يقال "الذي" مفعول فعل مقدر وتضرع محذوف إحدى تائيه، وهو مضارع لا ماضٍ وتقدير الكلام خذ هذا الذي أعت به؛ لكي تتضوع أنت أي تفوح رائحة عملك مشبها مندلا، والمندل نوع من الطيب، وموضع في بلاد الهند ينسب إليه العطر، وقيل المندل: العود الهندي.   1 آية: 80. 2 سورة الأنعام، آية: 161. 3 سورة الزمر، آية: 57. 4 سورة إبراهيم، آية: 36. 5 سورة مريم آية: 31. 6 سورة مريم، آية: 30. 7 سورة النمل، آية: 36. 8 سورة النساء، آية: 83. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 303- وَحَرْفُ تَلاَهَا مَعْ طَحَاهَا وَفِي سَجى ... وَحَرْفُ دَحَاهَا وَهَي بِالْوَاوِ تُبْتَلا "تلاها، وطحاها" في سورة الشمس، "وسجى" في "والضحى"، و"دحاها" في والنازعات، وأشار بقوله: وهي بالواو إلى علة استثناء حمزة لها وهي كون ألفها عن واو وما تقدم كانت ألفه عن ياء ومعنى تبتلا تختبر وإنما حسن إمالتها للكسائي كونها رءوس آي، فأميلت تبعا لذوات الياء فهو من باب إمالة لإمالة، ولأنها رسمت في المصحف بالياء كأخواتها من ذوات الياء, فلما ألحقت بها كتابة طلبا للمشاكلة ألحقت بها إمالة لذلك والله أعلم. 304- وَأَمَّا ضُحَاهَا وَالضُّحى وَالرِّبا مَعَ الْـ ... ـقُوى فَأَمَالاهَا وَبِالْوَاوِ تَخْتَلا تختلا أي تجتنى، وتحصل من قولهم: اختليت الخال وهو الحشيش إذا جززته وقطعته. أمال حمزة والكسائي هذه الأربعة وإن كانت من ذوات الواو؛ لأن أوائلها إما مضموم أو مكسور فالكسر في واحد وهو الربا والضم في الثلاثة البواقي وهي رءوس آي، ومن العرب من يثنى ما كان بهذه الصفة بالياء وإن كان من ذوات الواو فيقول: ربيان وضحيان فرار من الواو إلى الياء؛ لأنها أخف حيث ثقلت الحركتان بخلاف المفتوح الأول. قال مكي: مذهب الكوفيين أن يثنوا ما كان من ذوات الواو مضموم الأول أو مكسوره بالياء، فأمالا على أصل مذهبهما؛ لأنهما كوفيان ولم يعتبر الأصل، وإنما أفرده الناظم بالذكر وإن كان داخلا تحت قوله: ومما أمالاه أواخر آي ما كما يأتي؛ لأن منه ما ليس برأس آية وهو الربا، وليبين أن الجميع من ذوات الواو والقوى جمع قوة وهو رأس آية في "والنجم"1، ولم يبق عليه إلا ذكر العلا ولكنه لما كان جمع عليا، وقد قلبت الواو في عليا ياء صار كأنه من ذوات الياء والله أعلم. وأما "الزنا" بالزاي والنون فمن ذوات الياء، فلم يحتج إلى ذكره؛ لأنه ممال لهما على أصلهما. 305- وَرُؤيَاكَ مَعْ مَثْوَايَ عَنْهُ لِحَفْصِهِمْ ... وَمَحْيَايَ مِشْكَاةٍ هُدَايَ قَدِ انجَلا جميع ما في هذا البيت تفرد بإمالته الدوري عن الكسائي دون أبي الحارث، وحفص هو اسم أبي عمرو الدوري، والهاء في عنه تعود إلى الكسائي وأراد ورؤياك المضاف إلى الكاف وهي في أول يوسف دون المضاف إلى الياء والمعرف باللام فهما للكسائي بكماله كما تقدم، وذكر مكي وغيره أن أبا الحارث وافق الدوري في إمالة الرؤيا حيث وقعت، فلم يستثن المضاف إلى الكاف وأما مثواي ففي يوسف: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} 2، فالذي تفرد به الدوري هو المضاف إلى الياء، دون قوله تعالى: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} 3، {وَمَثْوَاكُم} 4، و"مثواهم".   1 الآية: 5. 2 الآية: 23. 3 سورة يوسف، آية: 21. 4 سورة الأنعام، آية: 128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 فأمال الثلاثة حمزة والكسائي على أصلهما في إمالة ذوات الياء: "ومحياي". المضاف إلى الياء في آخر الأنعام دون: "ومحياهم"، فذاك للكسائي بكماله كما سبق: و"مشكاة" في النور، ووجه إمالتها الكسرة بعد الألف الميم أيضا كما تميل العرب شملال وأما "هدى" ففي سورة البقرة وطه، أراد المضاف إلى الياء دون المضاف إلى غيرها نحو: "فبهداهم"، و"هداها"، و"الهدى". ونحوه فذلك ممال لحمزة والكسائي. 306- وَممَّا أَمَالاَهُ أَوَاخِرُ آيٍ مَّا ... بـ: طَهَ وَآيِ الْنَّجْمِ كَيْ تَتَعَدَّلا أي أواخر آي القرآن الذي تراه بسورة طه مما أماله حمزة والكسائي على الأصول المتقدمة، وآي جمع آية كتمر وتمرة، وما بمعنى الذي وبـ "طه" صلتها كما تقول: عرفت ما بالدار أي الذي فيها، أراد الألِفَات التي هي أواخر الآيات مما جميعه لام الكلمة سواء فيها المنقلب عن الياء والمنقلب عن الواو إلا ما سبق استثناؤه من أن حمزة لا يمليه، فأما الألف المبدلة من التنوين في الوقف نحو "همسا" و"ضنكا" و"نسفا" و"علما" و"عزما" فلا تمال لأنها لا تصير ياء في موضع بخلاف لمنقلبة عن الواو فإن الفعل المبني للمفعول تنقلب فيه ألفات الواو ياء فألف التنوين كألف التثنية لا إمالة فيها نحو: {فَخَانَتَاهُمَا} ، {إِلاَّ أَنْ يَخَافَا} ، {اثْنَتَا عَشْرَةَ} . وأما المنون من المقصور نحو: "هدى"، و"سوى"، و"سدى". ففي الألف الموقوف عليها خلاف يأتي ذكره في آخر الباب ثم قال: وآي النجم أي أواخر سورة "والنجم"، ثم بين حكمة ذلك فقال: كي تتعدلا يعني رءوس الآي، فتصير على منهاج واحد، وهذه حكمة ترك الإمالة أنسب لها منها؛ لأن الفتح يناسب في كل المواضع الممالة وغيرها، فإن في أواخر الآى من السور المذكورة ما لا يمال وليس فيها ما لا يفتح. فإن قلت: أراد بالتعديل إلحاق ذوات الواو بذوات الياء في الإمالة لم يتم له هذا؛ لأن حمزة استثنى أربعة مواضع من رءوس الآى فلم يملها فلم يكن في إمالة الباقي تعدل ولو لم يمل الجميع حصل التعدل على أني أقول: لم يكن له حاجة إلى ذكر إمالة أواخر الآي؛ لأن جميع ذلك قد علم مما تقدم من القواعد من ذوات الياء أصلا ورسما، وقد نص على ذوات الواو منها فلم يبق منها شيء، ولهذا لم يتعرض كثير من المصنفين لذكر هذه السور ولا ذكرها صاحب التيسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 فإن قلت: فيها نحو: "وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحى"1، فمن أين تعلم إمالته؟ قلت: من قوله: وما رسموا بالياء، وقد نبهنا عليه ثَمَّ وكذلك العلى ثم ذكر باقي السور فقال: 307- وَفِي الشَّمْسِ وَالأَعْلى وَفِي اللَّيْلِ والضُّحى ... وَفِي اقْرَأْ وَفِي وَالنَّازِعَاتِ تَمَيَّلا 308- وَمِنْ تَحْتِهَا ثُمَّ الْقِيَامَةِ ثُمَّ فِي الْـ ... ـمَعَارِجَ يا مِنْهَالُ أَفْلَحْتَ مُنْهِلا الضمير في تميلا للمذكور ومراده تميل أواخر أي هذه السور أيضا، والضمير في ومن تحتها للنازعات أراد سورة عبس والجار والمجرور صفة موصوف محذوف كقوله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} ، أي وفي سورة من تحت النازعات ثم في القيامة ثم في المعارج أي وفي سورة سأل سائل، ألا ترى كيف ذكر ما قبلها وما بعدها بحرف في فجملة هذه السور إحدى عشر منها أربع شملت الإمالة أواخر آياتها كلها لقبولها لذلك وهي: "والنجم إذا هوى"، "سبح اسم ربك الأعلى"، "والشمس وضحاها"، "والليل إذا يغشى". وسبع سور دخلت الإمالة في بعض آياتها وهي التي تقبل الإمالة وهي: طه والمعارج والقيامة والنازعات وعبس والضحى واقرأ باسم ربك، ثم الإمالة في الجميع ليس بعدها ضمير مؤنث إلا في سورتين: "والشمس"، و"النازعات"، أما "والشمس" فاستوعب ضمير المؤنث أواخر آيها وأما "النازعات" ففيها الأمران مرتين ولم يأت آيات في آخرهن ألف مقصورة نسقا إلا في هذه السور، والمنهال الكثير الإنهال والإنهال إيراد الإبل المنهل ومنهلا أي موردا أو معطيا إذ يقال: أنهلت الرجل إذا أعطيته، وانتصب على الحال فكأنه نادى نفسه أو جميع من يعلم العلم وحروف القرآن ورواياته الثابتة من ذلك، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". والله أعلم. 309- رَمى "صُحْبَةٌ" أَعْمَى فِي الِاسْراءِ ثَانِيًا ... سِوًى وَسُدًى فِي الوَقْفِ عَنْهُمْ تَسَبُّلا جميع ما في هذا البيت إمالة صحبة وهو من ذوات الياء، وسدى من أسديت الشيء إذا أهملته ولا يمال "سوى وسدى".   1 سورة طه، آية: 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 في الوصل؛؛ لأنهما منونان وتبنى إمالتهما في الوقف على خلاف يأتي، والأرجح الإمالة على ما سنوضحه إن شاء الله تعالى وأراد: "وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى"1، "فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى"2، "مَكَانًا سُوَىً"3، "أَنْ يُتْرَكَ سُدىً"4. وهذه الأربعة معلوم إمالتها لحمزة والكسائي من القواعد المقدمة، وإنما ذكرها بعد ذلك لموافقة أبي بكر عن عاصم لهما فيها وكان يمكنه أن يقول: رمى شعبة وإنما عدل عنه خوفا من وهم أن ذلك مختص بشعبة وهذه عادته في مثل ذلك على ما سيتضح فيما بعد. قال الشيخ: "وقوله: تسبلا" أي تحبس يشير إلى ثبوته. قلت: أظن معناه أبيحت إمالته عنهم من سبلت الماء فتسبل؛ لأن غيرهم لم يسبل إمالته وهو خبر أعمى فما بعده أي إضجاع ذلك نقل عنهم والإضجاع من أسماء الإمالة، وإنما قدرت المحذوف بها لتذكير الضمير فيه، وفي الإسراء في موضع الحال عاملها المضاف المحذوف أي إمالة أعمى في حال كونه في الإسراء ثانيا. "وسوى وسدى" عنهم تسبل ورمى صحبة أي أماله صحبة والله أعلم. 310- وَرَاءُ تَراءَى "فـ"ـَازَ فِي شُعَرَائِهِ ... حُـ"ـكْمُ "صُحْبَةٍ" أَوّلا وَأَعْمى فِي الِاسْرا " الهاء في شعرائه تعود على الراء أو لفظ تراءا؛ لأن كل واحد منهما في السورة المذكورة فهو كقولك غلام زيد في داره ولفظ تراءا وزنه تفاعل، ففيه ألفان بينهما همزة الأولى زائدة والثانية لام الكلمة منقلبة عن ياء فإذا وقف عليها أميلت الثانية لحمزة والكسائي على أصلهما في إمالة ما كان من الألفات من ذوات الياء طرفا غير أن حمزة يجعل الهمزة بين بين على أصله وأضاف إلى ذلك أن إمالة الألف الأولى لمجاورة الثانية فهو من باب إمالة الإمالة ولهذا لم يمل الراء من قوله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ} 5 لما لم تكن فيها إمالة تسوغ ذلك، وليست الألف أصلية منقلبة عن ياء بل هي زائدة؛ لأنها ألف تفاعل، ولم يجاورها كسر فلا إمالة فيها ولا نظر إلى كونها بعد راء والعرب تستحسن إمالة الألف قبل الراء وبعدها نحو: "ترى" و"النار" ما لا تستحسنه في غير ذلك ولهذا أمالهما أبو عمرو؛ لأن الألف في كل ذلك إما منقلبة عن ياء أو هي ألف تأنيث أو مجاورة لكسر نحو: "ترى، وبشرى، وأبصارهم". والراء المفتوحة تمنع الإمالة إلا أن يوجد أحد أسباب الإمالة ثم من ضرورة إمالة الألفين في تراءا   1 سورة الأنفال، الآية: 17. 2 سورة الإسراء، الآية: 72. 3 سورة طه، الآية: 58. 4 سورة القيامة، الآية: 36. 5 سورة الأنفال، الآية: 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 إمالة الراء والهمزة قبلها، فبقيت الهمزة المسهلة بين ألفين ممالتين وهي في نفسها ممالة فتجاورت أربعة أحرف ممالة في الوقف فإذا وصلت سقطت الألف الثانية؛ لوجود الساكن بعدها فبطلت الإمالة في الهمزة وبقيت إمالة الألف الأولى والراء قبلها لحمزة وحده، فعبر الناظم عن ذلك بإمالة الراء؛ لأن من ضرورتها إمالة الألف بعدها وهي عبارة صاحب التيسير ولم يذكر ذلك في باب الإمالة بل في سورة الشعراء فقرا حمزة: "فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ"1 بإمالة فتحة الراء، وإذا وقف أتبعها الهمزة فأمالها مع جعلها بين بين على أصله فتصير بين ألفين ممالتين الأولى أميلت لإمالة فتحة الراء والثانية أميلت لإمالة فتحة الهمزة ألا ترى كيف عبر عن إمالة الألفين بإمالة ما قبلهما مجازا وجعلهما أصلين في ذلك والحق عكس ذلك وهو أن ما قبل الألفين أميلا لإمالة الألفين تبعا لهما والتعبير بذلك في الراء أقرب منه في الهمزة؛ لأن الراء في الجملة قد أميلت حيث لا ألف مجاورة لها كما يأتي في باب ترقيق الراءات في: "رءا القمر" في الوصل وبه قرأ حمزة أمال الراء والألف بعدها وقد تجوز الناظم أيضا بهذه العبارة فيه هنا عن إمالة الألف الذي بعد الراء بإمالة الراء فقال: وراء تراءا، فاز أي إضجاعها أو فاء بالإمالة وعبر في سورة الأنعام في نحو: "رءا كوكبا"، "ورأى القمر". عن إمالة الألف بإمالة الهمزة، فقال: وفي همزه حسن، وقال وقل في الهمز خلف مع أن الهمز لو تجرد عن الألف لم تقع فيه إمالة أبدا وإنما أماله من أمال في الوصل في: "رءا القمر"؛ نظرا إلى الأصل ولم يعتد بعارض حذف الألف للساكن، وسيأتي الكلام في نحو هذا في آخر هذا الباب ولما لم يكن هذا المذهب في قراءة حمزة في: "رءا القمر"؛ بل اقتصر على إمالة الراء فعل مثل ذلك في: "تراءا الجمعان" في الوصل فأمال الراء دون الهمزة وأما: "أعمى" الأول في سورة الإسراء فأماله أبو عمرو موافقا لصحبة وخالفهم في الثاني كما سبق إما جمعا بين اللغتين   1 سورة الشعراء، الآية: 61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وإما لفرق ذكروه وهو: أن الثاني عنده أفعل التفضيل فكأن ألفه لم يقع طرفا؛ لافتقاره إلى من المقدرة وصاغ ذلك؛ لأنه من العمى المجازي وهو عمي القلب دون الحقيقي الذي هو عمى العين، فلهذا بنى أفعل منه أي من كان جاهلا للحق في الدنيا فهو في الآخرة أجهل وأضل ومن أمالهما أو فتحهما سوى بينهما وإن اختلفا في المعنى؛ لأن الألف فيهما عن ياء ولهم أن يقولوا ليس الثاني أفعل تفضيل بل هو اسم فاعل من العمى كالأول؛ أي من كان أعمى في الدنيا عن الحق فهو أعمى أيضا في الآخرة، وعند هذا يجوز أن يكون من العمى المجازي كالأول، ويجوز أن يكون حقيقة كما في قوله تعالى في طه: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} 1، فهذا دليل على أنه عمى العين؛ إذ كان بصيرا بها قبل ذلك ولم يكن المذكور بصيرا بقلبه وقال سبحانه في آخر سورة الإسراء: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} 2. فقول الناظم "أولا" ليس برمز وإنما هو بيان لموضع أعمى فهو من تتمة بيان الحرف المختلف فيه وهو حال من أعمى؛ أي وإمالة أعمى أولا في الإسراء حكم صحبة، فهو من القبيل الذي جاء الرمز فيه متوسطا في أثناء التقييد كما نبهنا عليه في شرح الخطبة مثل قوله: دار واقصر مع مضعفة، وقد فصل الناظم بمسألة تراءا بين لفظي أعمى في الإسراء ولو اتصلا لكان أولى، فيقول: واعمى في الاسرا أوَّلا حكم صحبة ... وراء تراءا بالإمالة فصِّلا فيجئ الرمز لأعمى بعد كمال قيده بقوله: أولا، ولولا أن همزة تراءا لا تمال إلا في الوقف لقلت وراء تراءا فاز والهمز شمللا والله أعلم. 311- وَمَا بَعْدَ رَاءٍ "شَـ"ـاعَ "حُـ"ـكْمًا وَحَفْصُهُمْ ... يُوَالِي بِمَجْرَاهَا وَفي هُودَ أُنْزِلا حكما تمييز، ي ما وقع من الألفات بعد راء فقل شاع حكمه في الإمالة؛ وذلك لما ذكرته من مجاورتها للراء، قال الكسائي: للعرب في كسر الراء رأي ليس لها في غيره، وروي عن أبي عمرو أنه قال: أدركت أصحاب ابن مجاهد وهم لا يكسرون شيئا من القرآن إلا نحو: "وما أدراك"، و"أفترى"، "وترى". أي أمال ذلك حمزة والكسائي وأبو عمرو ومثاله: "ذكرى"، و"اشترى"، و"النصارى"، و"القمر". وتابعهم حفص في إمالة: {مَجْرَاهَا} .   1 سورة طه، الآيتان: 124 و125. 2 الآية: 97. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 في سورة هود ولم يمل غيره وهو وحمزة والكسائي يقرءونها بفتح الميم كما يأتي في السورة وغيرهم بالضم وأما إمالة ألف مرساها فلحمزة والكسائي على أصلهما؛ لأنها عن ياء ولم تجاور راء، وقوله: يوالي أي يتابع، ووجه الكلام وحفص يواليهم، فنقل الضمير من يوالي إلى حفص، فقال: وحفصهم يوالي، والكل صواب، وجعل في هذا البيت الإمالة؛ لما بعد الراء وهو الألف على ما ذكرنا أن هذا هو الحق في التعبير عن ذلك وإمالة الراء قبل الألف تبع لها وما ذكره في إمالة: "تراءا" مجاز والله أعلم. 312- نَأَى "شَـ"ـرْعُ يُـ"مْنٍ" بِاخْتِلاَفٍ وَشُعْبَةٌ ... في الِاسْرَا وَهُمْ وَالنُّونُ "ضَـ"ـوْءُ "سَـ"ـنًا "تـ"ـلا أي إمالة ألف "نأى" شرع يمن؛ لأنها عن ياء، والمشهور عن السوسي الفتح، ووافقهم شعبة على إمالتها في سورة الإسراء دون فصلت، فلهذا قال: وهم، أي وهم وشعبة أمالوا التي في سبحان وإنما احتاج إلى قوله: وهم؛ لما ذكرناه في قوله: رمى صحبة، ولم يقل شعبة ثم قال: والنون يعني إمالة النون من نأى أمالها خلف والكسائي لأجل إمالة ما بعدها وهو سبب من أسباب الإمالة وأسباب الإمالة التي يذكرها أهل العربية هي انقلاب الألف عن الياء أو عن كسرة أو مجاورتها لواحدة منها أو لإمالة ولم يأت ذلك للقراء في غير هذا الحرف فلم يقرأ: "هدى"، ولا "رمى"، ولا "نهار". ولا نحو ذلك في هذه الطرق المشهورة وقوله: والنون مبتدأ وضوء سنا خبره أي وإمالة النون ضوء أي ذات ضوء أي لها وجه ظاهر مضيء وأضافه إلى السنا ومعناه الضوء؛ لاختلاف اللفظين نحو: كجلمود صخر خطه السيل من علِ وتلا: خبر بعد خبر ومعناه تبع أي أميل تبعا لما بعده لا بطريق الأصالة، ويجوز نصب ضوء سنا بقوله: تلا ويكون تلا وحده خبر المبتدأ، والثناء على هذا؛ لإمالة ما بعد النون والله أعلم. 313- إِنَاهُ "لَـ"ـهُ "شَـ"ـافٍ وَقُلْ أَوْ كِلاَهُمَا ... "شَـ"ـفَا وَلِكَسْرٍ أَوْ لِيَاءٍ تَميَّلا أي لإمالته دليل شاف، وهو أن ألفه منقلبة عن ياء من أنى يأنى بمعنى آن يئين آي حان يحين، ومنه قول الشاعر فجمع بين اللغتين: ألما يئن لي أن تقضَّى عمايتي ... وأُعرِض عن ليلى بلى قد أنا ليا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وقال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} 1. وأصل "أنا": "أني" تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فقال أنا الطعام يأني إناء إذا بلغ حال النضج، فمعنى قوله تعالى: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي غير متحينين وقت نضجه وإدراكه فأمال ألف إناه هشام مع حمزة والكسائي، وأما كلاهما في سبحان فوجه إمالة ألفه كسرة الكاف إن قلنا إن الألف منقلبة عن واو ولا يضرنا حجز اللام بينهما كما أمالت العرب عماد وإن قلنا ألفه عن ياء فظاهر فلهذا قال: ولكسر أولياء تميلا، وقياس هذا أن تمال كلتا إذا وقف عليها من قوله: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} 2، ولأنها على وزن فعلى عند قوم قال الداني في كتاب الإمالة يجوز إمالتها مشبعة وغير مشبعة في مذهب من تقدم وعامة القراء وأهل الأداء على القول الأول يعني عدم الإمالة والله أعلم. وذكر مكي أيضا فيها الوجهين وإنما احتاج الناظم إلى ذكر الإمالة في كلمة كلاهما خوفا من عدم دخولها في قاعدة ذوات الياء على قولنا إنها من ذوات الواو ولم ترسم بالياء فنص عليها لذلك وإلا فلم يوافق حمزة والكسائي على إمالتها غيرهما ولم يذكر من قوله رمى صحبة إلى هاهنا إلا المواضع التي وافقهما على الإمالة فيها غيرهما مما لو تركه لا ندرج فيما سبق وأما راء: "تراءا". فلا اندراج لها فيما تقدم فنص عليها لحمزة وحده والله أعلم. 314- وَذُوا الرَّاءِ وَرْشٌ بَيْنَ بَيْنَ وَفي أَرَا ... كَهُمْ وَذَوَاتِ اليَا لَهُ الخُلْفُ جُمِّلا شرَعَ يبين مذهب ورش عن نافع وجميع إمالته في القرآن بين بين إلا الهاء من: "طه"؛ فإنها إمالة محضة على ما سيأتي في أول سورة يونس وصفة إمالة بين بين أن يكون بين لفظي الفتح والإمالة المحضة كما تقول في همزة بين بين إنها بين لفظي الهمز وحرف المد فلا هي همزة ولا حرف مد، فكذا هنا لا هي فتح ولا إمالة وأكثر الناس ممن سمعنا قراءتهم أو بلغنا عنهم يلفظون بها على لفظ الإمالة المحضة ويجعلون الفرق بين المحضة وبين بين رفع الصوت بالمحضة وخفضه بين بين وهذا خطأ ظاهر فلا أثر لرفع الصوت وخفضه في ذلك ما دامت الحقيقة واحدة وإنما الغرض تمييز حقيقة المحضة من حقيقة بين بين وهو ما ذكرناه فلفظ الصوت بين بين يظهر على صورة اللفظ بترقيق الراءات وقد أطلق العلماء على ترقيق الراءات لفظ بين بين فدل على ما ذكرناه، وإن كان الأمر في اتضاحه لا يحتاج إلى شاهد. قال صاحب التيسير: اعلم أن ورشا كان يميل فتحة الراء قليلا بين اللفظين.   1 سورة الحديد، الآية: 16. 2 سورة الكهف، الآية: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وقال في باب الإمالة: وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين فعبر في البابين بعبارة واحدة فدل على اتحاد الحقيقة فيهما وكذا ذكر في كتاب الإمالة هو وأبو الطيب ابن غلبون قبله. ومعنى قوله وذو الراء ورش أي يقرؤه ورش بين بين. ومعنى قولهم بين بين وبين اللفظين واحد. واللفظان هما الفتح والإمالة؛ أي بين هذا وبين هذا، وهو معنى قول مكي: هو صوت بين صوتين، وحكى ابن مهران عن خلف قال: سمعت الفراء النحوي "يحيى ابن زياد" يقول: أفرط عاصم في الفتح، وأفرط حمزة في الكسر. قال: وأحَبُّ إليَّ أن تكون القراءة بين ذلك. قال خلف: فقلت له: ومن يطيق هذا؟ قال: كذلك ينبغي أن تكون القراءة بين الفتح والكسر مثل قراءة أبي عمرو -رحمه الله- وإنما يترك ذلك من يتركه لما لا يقدر عليه؛ لأنه أمر صعب شديد. قلت: صدق ولصعوبته غلب على ألسنة الناس جعله كالإمالة المحضة، وفرقوا بينهما برفع الصوت وخفضه وهو خطأ، وأسهل ما يظهر فيه إمالة بين بين: الراء فهو في نحو: "ذكرى" أشد بيانا فافهم ذلك وابْنِ عليه. وعني الناظم بقوله: وذو الراء ما كانت الألف الممالة المتطرفة فيه بعد الراء نحو: "قد نرى" و"القرى". وهو الذي وافق أبو عمرو وحمزة والكسائي في إمالته في قوله: وما بعد راءٍ شاع حكما، ولا يدخل في ذلك ما بعد راء: "تراءا الجمعان"1؛ فإنها ليست بمتطرفة ولكنها واردة على إطلاقه؛ فإنه لم يقيدها بالألف المتطرفة كما لم يقيد ألفات ذوات الياء في أول الباب، وأما قوله تعالى: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} 2 فعن ورش فيه وجهان: الفتح وبين بين، والفتح رواية المصريين؛ لبعد الألف عن الطرف؛ لكثرة الحروف المتصلة بها بعدها والوجهان جاريان له في ذوات الياء والصحيح وجه بين بين وعليه الأكثر. قال في التيسير: وهو الذي لا يوجد نص بخلافه عنه، وقال في موضع آخر: وهو الصحيح الذي يؤخذ به رواية وتلاوة. وليس يريد الناظم بقوله: "ذوات الياء" تخصيص الحكم بالألفات المنقلبات عن الياء؛ فإن إمالة ورش أعم   1 سورة الشعراء، الآية: 61. 2 سورة الأنفال، الآية: 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 من ذلك فالأولى حمله على ذلك، وعلى المرسوم بالياء مطلقا مما أماله حمزة والكسائي أو تفرد به الكسائي أو الدوري عنه أو زاد مع حمزة والكسائي في إمالته غيرهما نحو: "رمى"، و"أعمى"، و"نأى"، و"إناه". ودخل في ذلك ما فيه ألف التأنيث من فعلى وفعالى كيف تحركت الفاء وكذلك: "ألَّ"، و"متى"، و"عسى"، و"بلى". وكل ثلاثي زائد: كـ "أزكى"، و"تدعى"، وكذا "خطايا"، "ومزجاة"، "وتقاة"، "وحق تقاته"، "والرءيا"، "كيف آسى"، و"مثواي"، و"محياي"، و"هداي". وقد نص على ذلك كله أبو عمرو الداني في كتاب الإمالة مفرقا في أبوابه، وكشفت الأبواب التي فيه ذوات الواو مما جازت إمالته لحمزة والكسائي أو الكسائي وحده، فوجدته لم يذكر لورش بين بين، في: "مشكاة، ولا "مرضاة" ولا "كلاهما" وأما "تلاها" و"دحاها" و"طحاها" فساقها في باب فعل المعتل اللام نحو: "أتى" و"سعى" و"قضى" و"سجى"، وقال في آخره: وقرأ نافع الباب كله على نحو ما تقدم من الاختلاف عنه في ذوات الياء، وأقرأني ابن غلبون لورش بفتح جميع ذلك إلا ما وقع منه رأس آية في سورة، أواخر آيها على ياء وليس بعد الياء كناية مؤنث فإنه بين اللفظين. قلت: فخرج من مذهب ابن غلبون أن ورشا يميل: "سجى" في سورة والضحى؛ لأنه رأس آية وليس في آخرها هاء ولا يميل: "دحاها" و"تلاها" و"طحاها" ويميل الجميع على الرواية الأولى وسنوضح ذلك أيضا في البيت الآتي، وأما ما كسر أوله أو ضم من ذوات الواو وهو الذي اتفق حمزة والكسائي على إمالته وهو: "ضحاها" و"الضحى" و"الربا" و"القوى" ففيه نظر؛ فإن الداني جمع في باب واحد من كتاب الإمالة ذكر الأسماء المقصورة في القرآن سواء انفتح أولها نحو: "الهوى" و"فتاها". أو انكسر نحو: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 "الربا، والزنا"، أو انضم نحو: "الهدى، والضحى، والقوى". وقال في آخره: وقرأ نافع جميع ذلك على ما تقدم من الاختلاف عنه في باب فعل. واقرأني ابن غلبون لورش ما كان من ذلك فيه راء أو وقع رأس آية ولم يتصل بها ضمير مؤنث بين اللفظين وما عدا ذلك بإخلاص الفتح. قلت: فحصل لنا من ظاهر مجموع ذلك أن رءوس الآي مما لا هاء فيه تمال بلا خلاف، "كالضحى" و"القوى"، وما فيه الهاء من رءوس الآى كالذي لا هاء فيه من غير رءوس الآى ففيه الوجهان: كـ "ضحاها" و"تلاها" "وجلاها" و"بناها"، واستخراج ذلك من كتاب التيسير مشكل؛ فإنه ذكر ذوات الياء ثم قال: وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلا ما كان من ذلك في سورة أواخر آيها على هاء؛ فإنه أخلص الفتح فيه على خلاف بين أهل الأداء في ذلك. هذا ما لم يكن في ذلك راء يعني فإنه يميله بلا خلاف بين بين نحو: "ذكراها"، كما يميل: "ذكرى" في غير رءوس الآي، وهو داخل في قوله: وذو الراء ورش بين بين، ثم ذكر صاحب التيسير ما تفرد الكسائي بإمالته وفيه أربع كلمات من ذوات الواو: "سجى" و"دحاها" و"تلاها" و"طحاها" "وفيه" "مرضاة"، وذكر في الفصل بعينه ما اتفقا عليه من إمالة: "الضحى" و"الربا"، و"كلاهما". ثم قال: وقد تقدم مذهب ورش في ذوات الياء، وهذه العبارة تحتمل معنيين؛ أحدهما: أن يريد أنه فعل في هذا الفصل ما فعله في ذوات الياء فيلزم من ذلك أنه يميل: "مرضاة" و"كلاهما" كما يميل: "الربا" و"الضحى" و"سجى" و"دحاها"، ولم أره في كتاب الإمالة ذكر لورش إمالة فيهما. والثاني: أن يريد أنه أمال من هذا الفصل ما كان من ذوات الياء كما تقدم فيلزم من ذلك أن لا يميل ذوات الواو في رءوس الآي ولا الربا، وقد ذكرنا عبارته من كتاب الإمالة وهي تقتضي إمالة ذلك، ثم ذكر صاحب التيسير ما انفرد الدوري بإمالته، ثم قال: وفتح الباقون ذلك كله إلا قوله -عز وجل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 "رءياك"؛ فإن أبا عمرو وورشًا يقرآنه بين بين على أصلهما ولم يستثن: "مثواي" ولا "محياي" و"هداي"، وهي ممالة لورش بين بين؛ لأنها من ذوات الياء، فأعمل على ما ذكره في كتاب الإمالة؛ فإنه بين فيه مذهب ورش في كل فصل وباب وحرف، وأما: "الدنيا" و"العليا" فممالان؛ إذ إنهما من باب فعلى إلا أنهما من ذوات الواو ولم يرسما بالياء فلا يمكن إدخالهما في قوله: وذوات اليا؛ فإنهما ليسا من ذوات الياء أصلا ولا رسما، وإنما هما منها إلحاقا؛ فإن ألفهما ألف تأنيث ترجع ياء في التثنية والجمع والله أعلم. فهذا البيت والذي بعده من مشكلات هذه القصيدة، واستخراج مذهب ورش منهما صعب لا سيما إذا أريد ضبط مواضع الوفاق والخلاف، وقد تحيلنا في إدخال كثير مما أماله في قوله: ذوات اليا باعتبار الأصل والرسم والإلحاق، وأما كل ما أماله من ذوات الواو فهو رأس آية، سيأتي بيانه وشرحه في البيت الآتي إلا لفظ "الربا"؛ فإنه ليس برأس آية وفي إمالته نظر عن ورش على ما دل عليه كلام الداني في كتاب الإمالة، ولكنه نص في كتاب إيجاز البيان على أن جميع ما كان من ذوات الواو في الأسماء والأفعال نحو: "الصفا"، و"الربا"، و"عصاي"، و"سنا برقه"، و"شفا جرف"، و"مرضاة الله"، و"خلا"، و"عفا"، و"دعا"، و"بدا"، و"دنا"، و"علا"، و"ما زكى"؛ فورش يخلص الفتح في جميعه إلا ما وقع آخر آية نحو: "الضحى"، و"سجى"، وكذا: "وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحى"1 عند الوقف والله أعلم. 315- وَلكِنْ رُءُوسُ الآيِ قَدْ قَلَّ فَتْحُهَا ... لَهُ غَيْرَ مَا هَا فِيهِ فَاحْضُرْ مُكَمَّلا يعني: أن رءوس الآي لا يجري فيها الخلاف المذكور بل قراءته لها على وجه واحد وهو بين اللفظين، وعبر عن ذلك بقوله: قد قل فتحها؛ يعني: أنه قلله بشيء من الإمالة، وقد عبر عن إمالة بين بين بالتقليل في مواضع كقوله: وورش جميع الباب كان مقللا، و: التقليل جادل فيصلا، و: قلل في جود، و: عن عثمان في الكل قللا، وأراد برءوس الآي جميع ما في السور المذكورة الإحدى عشرة سواء كان من ذوات الواو أو من ذوات الياء، وقد نص الداني على ذلك في كتاب إيجاز البيان، وإنما لم يجيء وجه الفتح فيها إرادة أن تتفق ألفاظها ولا يختلف ما يقبل الإمالة منها، وذلك أن منها ما فيه راء نحو:   1 سورة طه، الآية: 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 "الثرى" و"الكبرى"، وذاك ممال لورش بلا خلاف، فأجرى الباقي مجراه؛ ليأتي الجميع على نمط واحد، ثم استثنى من ذلك ما فيه هاء أي غير ما فيه لفظ هاء نحو: "ذكراها" و"بناها" و"طحاها"، وهذا التقدير أولى من أن يقول: تقديره غير ما هاء فيه أي ما فيه هاء بالمد؛ لما يلزم في ذلك من قصر الممدود والابتداء بالنكرة من غير ضرورة إلى ذلك، ولأنه يوهم أيضا استثناء ما فيه مطلق الهاء فيدخل في ذلك هاء المذكر نحو: "تقواهم" و"ذكراهم". وإنما المراد هاء ضمير المؤنث. قال الشيخ: وهو ينقسم على ثلاثة أقسام: ما لا خلاف عنه في إمالته نحو: "ذكراها". وذلك داخل في قوله: وذو الراء ورش بين بين. وما لا خلاف عنه في فتحه نحو: "ضحاها". وشبهه من ذوات الواو. وما فيه الوجهان: وهو: ما كان من ذوات الياء. قلت: وتبع الشيخ غيره في ذلك وعندي أنه سوى بين جميع ما فيه الهاء سواء كانت ألفه عن ياء أو واو، فيكون في الجميع وجهان، وقد تقدم ما دل على ذلك من كلام الداني في كتاب الإمالة، وقال أيضا في الكتاب المذكور: اختلف الرواة وأهل الأداء عن ورش في الفواصل إذا كن على كناية المؤنث نحو آي: "والشمس وضحاها"، وبعض آي: "والنازعات"، فأقرأني ذلك أبو الحسن عن قراءته بإخلاص الفتح، وكذلك رواه عن ورش أحمد بن صالح، وأقرأنيه أبو القاسم وأبو الفتح عن قراءتهما بإمالة بين بين، وذلك قياس رواية أبي الأزهر وأبي يعقوب وداود عن ورش. قلت: وجه المغايرة بين ما فيه ضمير المؤنث وغيره من رءوس الآى أن الألف في: "ضحاها"، ونحوه ليست طرفا للكلمة يحصل بإمالتها مشاكلة رءوس الآي بل المشاكلة حاصلة بضمير المؤنث فلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 تكن حاجة إلى إمالة الألف قبله فصارت الكلمة كغيرها مما ليس برأس آية فجرى فيها الخلاف ومن سوى في الإمالة بين: "ضحاها" و"الضحى" قصد قوة المشاكلة بالإمالة وضمير المؤنث، فتقع المشاكلة طرفا ووسطا، وقوله: فاحضر مكملا أي لا تغب عنه، فالمذكور مكمل البيان، فيكون مكملا مفعولا به أي احضر كلاما مكملا أو يكون التقدير احضر رجلا مكملا في هذا العلم يفهمك إياه؛ أي لا تقتد ولا تقلد إلا مكمل الأوصاف كمالا شرعيا معتادا، فالكمال المطلق إنما هو لله -عز وجل- ويجوز أن يكون مكملا نعت مصدر محذوف أو حالا أي احضر حضورا مكملا أي لا تكن حاضرا ببدنك غائبا بذهنك وخاطرك، أو احضر في حال كونك مكملا أي بجملتك من القلب والقالب والله أعلم. وإنما قال ذلك على أي معنى قصده من هذه المعاني لصعوبة ضبط مذهب ورش هنا فأشار إلى تفهمه والبحث عنه وإلقاء السمع لما يقوله الخبير به، وقد تخلص من مجموع ما تقدم أن ورشا يميل بين اللفظين كل ألف بعد راء، ورءوس الآي غير المؤنثة بلا خلاف وفي المؤنثة الخالية من الراء وفي كلمة: "أراكهم". في ذوات الياء انقلابا أو رسما أو إلحاقا خلاف ولا يميل: "مرضاة" ولا "كلا" ولا "كمشكاة" ولا "الربا". من مجموع ما تقدم إمالته وباقي ما تقدم لورش على التفصيل المذكور ووقع لي في ضبط ذلك بيتان فقلت: وذو الراء ورش بين بين وفي رُءُو ... س الَاي سوى اللاتي تحصلا بها وأراكهم وذي اليا خلافهم ... كلا والربا مرضاة مشكاة أهملا فذكر أولا ما يميله بلا خلاف ثم ما فيه وجهان ثم ما امتنعت إمالته والله أعلم. 316- وَكَيْفَ أَتَتْ فَعْلَى وَآخِرُ آيِ مَا ... تَقَدَّمَ لِلبَصْرِي سِوى رَاهُمَا اعْتَلا أي وأميل لأبي عمرو بين بين فعلى كيف أتت بفتح الفاء، نحو: "تقوى" و"شتى" و"يحيي" أو بكسرها نحو: "إحدى" و"عيسى" أو بضمها نحو: "الحسنى" و"موسى"، وكذا أواخر الآي من السور المقدم ذكرها، وعطف ذلك على قراءة ورش، فعلم أنها بين اللفظين فلا يزال في ذلك إلى أن يذكر الإمالة لحمزة مثل ما أنه قال: وإدغام باء الجزم وعطف عليها مسائل أخر، ولم يذكر الإدغام، فحملت عليه إلى أن قال: ويس أظهر وعطف المسائل إلى آخر الباب وحمل الجميع على الإظهار وقوله: سوى راهما اعتلا أي سوى ما وقع من بابي فعلى ورءوس الآي بالراء قبل الألف نحو: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 "ذكرى"، "وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ"1، "هُدىً وَبُشْرَى"2، "رسلنا تترى"3، {وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} 4 و {مَآرِبُ أُخْرَى} 5، {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} 6. فإنه يميله إمالة محضة على ما تقدم له من ذلك في قوله وما بعد راء شاع حكما فالضمير في راهما يعود على فعلى وعلى آخر آي ما تقدم وقصر لفظ الراء ضرورة كما قصر الياء من قوله وذوات الياله الخلف وفي جملا ضمير يعود على الخلف ويجوز أن تكون الألف فيه للتنبيه لأن معنى الخلف وجهان فكأنه قال وجهان جملا كما قال ذلك في باب المد والقصر وقوله اعتلا الضمير فيه عائد على الراء أي اعتلا في الإمالة أو يعود على الإضجاع أي اعتلت الإمالة فيه فكانت محضة، وقد اختلف في سبعة مواضع من تلك السور أهي رأس آية أم لا، فيبنى مذهب أبي عمرو وورش على ذلك الأول في طه: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى} 7، عدها الشامي وحده. والثاني فيها أيضا: "هذا إلهكم وإله موسى"، عدها المدني الأول والكوفي. والثالث فيها أيضا: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} 8، لم يعدها الكوفي. والرابع في والنجم: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى} 9، عدها الشامي. والخامس في والنازعات: "فأما من طغى"، لم يعدها المدني. والسادس في والليل: "إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى"، لم يعدها بعض أهل العدد وهو غلط. والسابع في اقرأ: "أرأيت الذي ينهى". تركها الشامي. وليس قوله:   1 سورة الشعراء، آية: 209. 2 سورة البقرة، آية: 97. 3 سورة المؤمنون، آية: 44. 4 سورة طه، آية: 6. 5 سورة طه، آية: 18. 6 سورة طه، آية: 61. 7 سورة طه، آية: 88. 8 سورة البقرة، آية: 28. 9 سورة النجم، آية: 290. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} في سورة والليل برأس آية، وقوله تعالى: {فَأَوْلَى لَهُمْ} ، {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، قيل هو أفعل وقيل هو فعلى، وقوله تعالى: {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً} ، هو مفعل وليس فعلى. قال مكي: واختلف عنه في: "يحيى"؛ فمذهب الشيخ أنه بين اللفظين وغيره يقول بالفتح؛ لأنه يفعل. قلت: يعني "يحيى" اسم النبي عليه السلام، وأما نحو: {وَيَحْيَى مَنْ حَيّ} ، فهو يفعل بلا خلاف كـ "يسعى" و"يخشى" ويصلى" فاعلم ذلك. 316- وَيَا وَيْلَتَى أَنَّى وَيَا حَسْرَتى "طَ"ـوَوْا ... وعَنْ غَيْرِهِ قِسْهَا وَيَا أَسَفَى العُلا يعني أن الدوري عن أبي عمرو أمال هذه الكلم الأربع بين بين وهذا الحكم منقول في التيسير وغيره عن أبي عمرو البصري نفسه لكنه قال من طريق أهل العراق وتلك طريق الدوري قال ومن طريق أهل الرقة بالفتح يعني طريق السوسي وروي عنه فتحها وروي فتح: {يَا أَسَفَى} . وإمالة الثلاثة الباقية، وهذه طريق أبي الحسن ابن غلبون، ووالده أبي الطيب فلهذا اختزل الناظم: {يَا أَسَفَى} عن أخواتها، وألحقها بها، أرادوا: يا أسفى كذلك، وكأنه أشار بقوله: طووا إلى ذلك أي طووه ولم يظهروه إظهار غيره فوقع فيه اختلاف كثير، ثم قال: وعن غير الدوري قسها على أصولهم فتميل لحمزة والكسائي؛ لأن الجميع من ذوات الياء رسما، وقد تقدم الكلام في: {أَنَّى} . والألف في: "ويلتى" و"حسرتى" و"أسفى" منقلبة عن ياء، والأصل إضافة هذه الكلمات إلى ياء المتكلم وتميل لورش بين اللفظين على أصله في ذوات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 الياء بخلاف عنه وافتح للباقين، وإن كان ظاهر ما في التيسير أن ورشا لا يميلها؛ لأنه ذكر مذهب أبي عمرو، ثم قال: وأمال ذلك حمزة والكسائي على أصلهما، وقرأه الباقون بإخلاص الفتح في جميع ما تقدم. وقوله: العلا صفة لهذه الكلمات أي هي العلا، ولو قال: "ويا أسفى على" لكان أحسن؛ لأنه لفظ القرآن. فإن قلت: إنما عدل عنه؛ لئلا يلتبس ويوهم أن "على" من جملة الكلمات الممالة وأن التقدير: ويا أسفا وعلى، قلت: زال هذا الإلباس بنصه فيما سبق على أن على لا تمال سلمنا الإلباس لكنا نقول: الإلباس أيضا واقع في قوله: العلا؛ فإنه من ألفاظ القرآن أيضا، فيقال لعله أراد والعلا، ولفظ العلا لا يختص الدوري بإمالته بين اللفظين بل ذلك لأبي عمرو بكماله ولورش؛ لأنهما رأس آية ثم إنه يلتبس أيضا من وجه آخر؛ لأنه يوهم أنه رمز لنافع في ويا أسفى وتكون الواو في يا أسفى للفصل والله أعلم. 317- وَكَيْفَ الثُّلاَثِي غَيْرَ زَاغَتْ بِمَاضِيٍ ... أَمِلْ خَابَ خَافُوا طَابَ ضَاقَتْ فَتُجْمِلا أي: وكيف أتى اللفظ الذي على ثلاثة أحرف من هذه الأفعال العشرة التي يأتي ذكرها بشرط أن تكون أفعالا ماضية فأملها لحمزة، وكلها معتلة العين، والإمالة واقعة في وسطها بخلاف ما تقدم كله؛ فإن الإمالة كانت واقعة في الطرف وكلها من ذوات الياء إلا واحد وهو خاف أصله خوف فأميل لأجل الكسرة التي كانت في الواو، ولأن الخاء قد تنكسر في نحو: خفت إذا رددت للفعل إلى نفسك أو إلى مخاطبك كما تكسر أوائل أخواتها لذلك، ولأن الألف قد تنقلب ياء إذا بني الفعل لما لم يسم فاعله نحو: خيف زيد، و: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} . وزيد في المال، ورين على قلبه، ذكر في هذا البيت أربعة من العشرة وهي: خاب وخاف وطاب وضاق ومثل بالفعل المجرد في خاب وطاب والمتصل بالضمير في خافوا وبالملحق به تاء التأنيث في ضاقت واستثنى من هذا لفظا واحدا في موضعين وهو زاغت في الأحزاب وص، ومعنى قوله: وكيف الثلاثي أي سواء اتصل به ضمير أو لحقته تاء تأنيث أو تجرد عن ذلك أي أمله على أي حالة جاء بعد أن يكون ثلاثيا نحو: {وَخَافَ وَعِيدِ} و {خَافُوا عَلَيْهِمْ} {خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا} . واحترز بالثلاثي عن الرباعي فإنه لا يميله وهو: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} لا غير، والمراد بالثلاثي هنا أن يكون الفعل على ثلاثة أحرف أصول والرباعي ما زاد على الثلاثة همزة في أوله دون ما زاد في آخره ضمير أو علامة تأنيث فلهذا أمال نحو: {خَافَتْ} "ولم يمل" {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ، وإن كانت عدة الحروف في كل كلمة أربعة، فإن الهمزة مقومة للفظ الفعل بخلاف التاء والواو في: {خَافَتْ} و {خَافُوا} . واحترز بقوله بماضي عن غير الفعل الماضي، فلا يميل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ} ولا {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ} ولا {تَخَافُ} ولا "ما تشاؤون". ونحوه ولا يتصور الألف في مضارع باقي الأفعال العشرة بل تنقلب فيها ياء نحو يخيب يطيب واستثنى من الماضي أيضا زاغت كما مضى جمعا بين اللغتين إلا أنه في التيسير قال زاغ في النجم، وزاغوا في الصف لا غير وكذا قال مكي وقال الداني في كتاب الإمالة أما زاغ فجملته ثلاثة مواضع في الأحزاب: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ} . وفي النجم والصف فأما في ص: {أَمْ زَاغَتْ} وفي الصف {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} . فلا خلاف في فتحهما واستثنى ابن شريح في الجميع ما اتصل بتاء تأنيث ولم يستثن ابن الفحام ذلك وطاب في القرآن موضع واحد: {مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ، "وإنما لم يمل" "أجاءها". وأزاغ تخفيفا لأن في إمالة ذلك ثقلا من جهة انحدار اللفظ بعد همزة ثم صعوده إلى مثلها وإلى حرف استعلاء فهو مشبه بنزول واد والصعود منه فاختير اتصال اللفظ على سنن واحد كما يختار السنن كذلك وإنما لم يمل: {يَخَافُ} و {يَشَاءُ} . لأن الألف في المضارع من هذين الفعلين مفتوح الأصل إذ التقدير. "يخيف ويشيأ". ولا ينكسر أوله إذا رد الفعل إلى المتكلم والمخاطب ولا تنقلب ألفه ياء إذا بنى لما لم يسم فاعله بخلاف الماضي في هذه الوجوه كلها فلهذا أمال الماضي دون المضارع. وقوله بماضي كسر الياء ونونها وهذا هو الأصل ولكنه متروك لا يأتي إلا في ضرورة الشعر قال جرير: فيوما يجازين الهوى غير ماضي ووجه الكلام ماض بحذف الياء وإبقاء التنوين على كسر الضاد في الرفع والجر. والفاء في فتجملا رمز لحمزة ونصب الفعل بإضمار أن بعدها في جواب الأمر في قوله أمل وهو من أجمل إذا فعل الجميل ثم ذكر باقي الأفعال العشرة فقال: 318- وَحَاقَ وَزَاغُوا جَاءَ شَاءَ وَزَارَ [فُـ]ـزْ ... وَجَاءَ ابْنُ ذَكْوَانٍ وَفِي شَاءَ مَيَّلاَ فهذه خمسة أفعال وتقدم أربعة والعاشر يأتي في البيت الآتي والفاء في فز: رمز حمزة أيضا ثم ذكر أن ابن ذكوان وافق حمزة في إمالة ألف جاء وشاء وزاد على ما يأتي في البيت الآتي ووجهه خلو هذه الأفعال الثلاثة من حروف الاستعلاء قبلها وبعدها بخلاف الستة الباقية فإن ثلاثة منها حرف الاستعلاء في أوائلها وهي: خاب، خاف، طاب، واثنان حرف الاستعلاء في آخرهما، وهما، حاق وزاغ، وواحد حرف الاستعلاء في أوله وآخره وهو ضاق، وحروف الاستعلاء تمنع الإمالة إذا وليت الألف قبلها أو بعدها في الأسماء فتجنبها ابن ذكوان أيضا في الأفعال.   1 الآية: 17. 2 الآية: 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وقوله: جاء مبتدأ وابن ذكوان خبره أي وجاء ممال ابن ذكوان على حذف مضاف وفي شاء ميلا أي وأوقع الإمالة في شاء، ولو قال: وجاء وفي شاء ابن ذكوان ميلا لكان جاء مفعول ميل، ومن لا يعرف مقاصد هذا الكتاب يعرب جاء ابن ذكوان فعلا وفاعلا ثم ذكر الفعل الثالث الذي أماله فقال: 319- فَزَادَهُمُ الأُولَى وَفِي الْغَيْرِ خُلْفُهُ ... وَقُلْ [صُحْبَةٌ] بَلْ رَانَ وَاصْحَبْ مُعَدَّلا يعني أول ما في القرآن من كلمة زاد وهي قوله تعالى في أول البقرة: {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} ، هذه يميلها ابن ذكوان بلا خلاف، وفي غير هذا الموضع له في إمالة لفظ: زاد كيف أتى خلاف، ولا يقع في القرآن إلا متصلا بالضمير إلا أنه على وجوه نحو: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} ، {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} . وقول الناظم: فزادهم إما أن يكون معطوفا على ما قبله وحذف حرف العطف؛ فإن حذفه لضرورة الشعر جائز إذا دل عليه دليل وإما أنه مبتدأ وخبره محذوف أي فزادهم الأولى كذلك أي أماله ابن ذكوان وأما الفعل العاشر فقوله سبحانه: {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ، وافق حمزة الكسائي على إمالته، وأبو بكر عن عاصم، ولم يملها ابن ذكوان؛ لأن الراء غير المكسورة إذا وليت الألف كان لها حكم حروف الاستعلاء، وقوله: واصحب معدلا مثل قوله فيما سبق: فاحضر مكملا على قولنا: أن المعنى رجلا مكملا كأنه لمح من لفظ صحبة ما يختار في نفس الصحبة فحث عليه رحمه الله. 320- وَفِي أَلِفَاتٍ قَبْلَ رَا طَرَفٍ أَتَتْ ... بِكَسْر أَمِلْ "تُـ"ـدْعى "حَـ"ـمِيداً وَتُقْبَلا وهذا نوع آخر من الممالات وهي كل ألف متوسطة قبل راء مكسورة تلك الراء طرف الكلمة احترازا من نحو: {نَمَارِقُ} ، {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ} ؛ لأن الراء فيهما عين الكلمة أما في: "نمارق" فظاهر، وأما في: "فلا تمار"؛ فلأن لام الفعل ياء وحذفت للجزم، واشترط صاحب التيسير ومكي وابن شريح في الراء أن تكون لام الفعل وهو منتقض بالحواريين؛ فإن الراء فيهما لام الكلمة، ولا تمال الألف قبلها فإن ياء النسبة حلت محل الطرف، فأزالت الراء عن الطرف بخلاف الضمائر المتصلة في نحو: "أبصارهم"؛ فإنها منفصلة تقديرا باعتبار مدلولها فلم تخرج الراء عن كونها طرف كلمة أيضا، وأما الياء في حواري فأزالت الراء عين الطرف ولهذا انتقل الإعراب إلى ياء النسبة وحرف الإعراب من كل معرب آخره والمسوغ للإمالة في هذه الألف كسرة الراء بعدها. وقوله: وفي ألفات مفعول أمل أي أوقع الإمالة فيها، وقوله: تدعى مجزوم تقديرا؛ لأنه جواب الأمر وإنما أجراه مجرى الصحيح فلم يحذف ألفه كما قرئ: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 بإثبات الياء كما يأتي ونصب: وتقبلا؛ لأنه فعل مضارع بعد الواو في جواب الأمر كما تقول: زرني وأكرمك، وليس بمعطوف على تدعى بل على مصدره وسيأتي نظير هذا في قوله تعالى: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ} بالنصب في سورة الشورى، وقد استعمل الناظم هذه العبارة أيضا في سورة الرحمن عز وجل: فقال: "يطمث" في الأولى ضم تهدى وتقبلا، وقال الشيخ وغيره: أراد: وتقبلن أي ولتقبلن ثم حذف اللام وأبدل من النون ألفا: 321- كَأَبْصَارِهِمْ وَالدَّارِ ثُمَّ الحِمَارِ مَعْ ... حِمَارِكَ وَالكُفَّارِ وَاقْتَسْ لِتَنْضُلا مثل هذا النوع بأمثلة متعددة خاليا من الضمير ومتصلا به غائبا ومخاطبا، وهو يأتي في القرآن على عشرة أوزان ذكر الناظم منها أربعة: أفعال وفعل وفِعال وفُعَّال وبقي ستة: فَعَّال نحو كفار وسحار، وفَعَال نحو نهار وبوار، وفِعَّال نحو دينار أصله دنار فأبدلت النون الأولى ياء، وفعلال وهو قنطار، ومفعال وهو مقدار، وإفعال وهو إبكار، واقتس: أي قس على ما ذكرته ما لم أذكره فهو مثل قرأ واقترأ، وقوله: لتنضلا أي لتغلب يقال: ناضلهم فنضلهم إذا رماهم فغلبهم في الرمي، ويلزم أن يكون من هذا الباب: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} 1، وهو الذي انفرد الدوري بإمالته كما يأتي فإن الراء طرف والياء ضمير كالضمير في: {أَبْصَارُهُمْ} و {حِمَارِكَ} . 322- وَمَعْ كَافِرِينَ الكافِرِينَ بِيَائِهِ ... وَهَارٍ "رَ"وَى "مُـ"ـرْوٍ بِخُلْفٍ "صَـ"ـدٍ "حَـ"ـلا أي وأمالا الكافرين مع كافرين يعني معرفا ومنكرا وبيائه في موضع الحال أي أمالا هذا اللفظ في هذه الحالة وهي كونه بالياء التي هي علامة النصب والجر، احترز بذلك ن المرفوع نحو كافرون والكافرون فإن ذلك لا يمال؛ لأن الراء غير مكسورة ولا يميلان أيضا ما هو على وزن كافرين بالياء نحو صابرين، وقادرين، وبخارجين، والغارمين، وأما "هار" من قوله تعالى: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} ، فأصله هاور أو هاير من هار يهور ويهير ثم قدمت اللام إلى موضع العين، وأخرت العين إلى موضع اللام، وفعل فيه ما فعل بقاضٍ فالراء على ما استقر عليه الأمر آخرا ليست بطرف، وبالنظر إلى الأصل هي طرف ولكن على هذا التقرير لا تكون الألف تلي الراء التي هي طرف بل بينهما حرف مقدر فصار مثل كافرين بين الألف والراء حرف محقق، وقوله مرو هو اسم فاعل من أروى غيره وهو فاعل روى   1 سورة الصف، آية: 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 أي نقل رجل عالم معلم، وصد نعته ومعناه العطشان أي هو مرو لغيره بالعلم صد إلى تعلم ما لم يعلم كقوله صلى الله عليه وسلم: "منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا"، أو يكون صد مفعولا ولم ينصبه ضرورة أي أمال "هار" الكسائي بكماله، وابن ذكوان بخلاف عنه، وأبو بكر وأبو عمرو، فإن قلت يظهر من نظم هذا البيت أن الذين أمالوا "هارٍ" أمالوا "كافرين"؛ لأنه قال: ومع كافرين، ولا مانع من أن تكون الواو في "ومع" فاصلة بعد واوٍ واقتس، وإذا كان الأمر كذلك، ولم يذكر بعده من أماله فيظهر أن قوله: "وهار" عطف عليه والرمز بعده لهما فيكون كقوله في آل عمران: {سَنَكْتُبُ} ياء ضم البيت ذكر فيه ثلاث قراءات في ثلاث كلمات ثم رمز لهن رمزًا واحدًا قلت: لا مانع من توهم ذلك ويقويه أن كافرين وهار كلاهما ليس داخلا في الضابط المقدم لأبي عمرو والدوري على ما شرحناه فإنه فصل بين الألف والراء الفاء في كافرين وفي "هارٍ" حرف مقدر إما واو وإما ياء، وعلى الوجه الآخر لا تكون الراء طرفا، وإذا خرجا من ذلك الباب قوي الوهم في أن من أمال أحدهما أمال الآخر، ولو كان أسقط الواو من "ومع"، وقال مع الكافرين كافرين لزال الوهم أي أمالا هذا مع الكافرين، ولو قال: كذا كافرين الكافرين لحصل الغرض والله أعلم. 323- "بَـ"ـدَارِ وَجَبَّارِينَ وَالجَارِ "تَـ"ـمَّمُوا ... وَوَرْشٌ جَمِيعَ البَابِ كَانَ مُقَلِّلا بدار رمز قالون؛ لأنه من جملة من أمال هارٍ ومعناه بادر، مثل قولهم: نزال أي: انزل أي بادر إلى أخذه ومعرفته وأمال الدوري وحده جبارين في المائدة والشعراء والجار في موضعين في النساء والشعراء فتمموا الباب بإمالة هذين له وورش قلل جميع هذا الباب أي أماله بين اللفظين من قوله: وفي ألفات قبل را طرف إلى هنا والله أعلم. 324- وَهذَانِ عَنْهُ بِاخْتِلاَفٍ وَمَعَهُ في الـ ... ـبَوَارِ وَفي القَهَّارِ حَمْزَةُ قَلَّلا يعني جبارين والجار عن ورش خلاف في تقليلهما، ووافق حمزة ورشا في تقليل "البوار" و"القهار" فقط والله أعلم. 325- وَإِضْجَاعُ ذِي رَاءَيْنِ "حَـ"ـجَّ "رُ"وَاتُه ... كَالأَبْرَارِ وَالتَّقْلِيلُ "جَـ"ـادَلَ "فَـ"ـيْصَلا الإضجاع الإمالة وحج رواته رمز، ومعناه غلبوا في الحجة أي إضجاع ذي راءين مما ذكرناه أي تكون الألف قبل راء مكسورة طرف ومثاله: {مِنَ الْأَشْرَارِ} ، و: {دَارُ الْقَرَارِ} ، و: {كِتَابَ الْأَبْرَارِ} فقوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ} لا يمال؛ لأن الراء مفتوحة كما لا يمال "خلق الليل والنهار"، وفيصلا حال من الضمير في جادل العائد على التقليل؛ لأن التقليل متوسط بين الفتح والإمالة أي أمال ذلك أبو عمرو والكسائي بكماله وقرأه ورش وحمزة بين اللفظين والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 326- وَإِضْجَاعُ أَنْصَارِي "تَـ"ـمِيمٌ وَسَارِعُوا ... نُسَارِعُ وَالبَارِي وَبَارِئِكُمْ "تَـ"ـلا يريد قوله تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} في آل عمران والصف: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} ، {نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ} ، و {الْبَارِئُ} في الحشر، و {بَارِئِكُمْ} في موضعين في البقرة. انفرد بإمالة ما في هذا البيت والذي بعده الدوري عن الكسائي، والتاء في تميم وتلا رمز كل واحد منهما رمز لما سبقه من الألفاظ وكذا آخر البيت الآتي، وأشار بقوله: تميم إلى أن الإمالة هي لغة تميم على ما سبق نقله في أول الباب، وهو على حذف مضاف أي الإضجاع لغة تميم ولو قال: واضجع {أَنْصَارِي} تميم لكان حسنا ولم يحتج إلى حذف مضاف، والضمير في تلا فاعل يعود إلى المقصود بقوله: تميم، وهو القارئ كما قال في البيت الآتي عنه، ويجوز أن يريد تبع هذا المذكور ما قبله في الإمالة، ووجه إمالة الألف في هذه المواضع ما بعدها من الكسر على الراء مع أن الراء ظرف في أنصاري، ولو لم يذكر ههنا مع ما اختص بالدوري لكانت واجبة الإمالة في مذهب أبي عمرو أيضا على القاعدة السابقة. 327- وَآذَانِهِمْ طُغْيَانِهِمْ وَيُسَارِعُو ... نَ آذَانِنَا عَنْهُ الجَوَارِي "تَـ"ـمَثَّلا وجميع ما في هذا البيت انفرد بإمالته الدوري عن الكسائي، والضمير في عنه له، والتاء في تمثلا رمزه لأجل لفظ الجواري، وقيل الرمز هو قوله تميم وما ذكرناه واضح وإنما أميلت هذه الألفاظ الخمسة للكسر المجاور للألف بعدها مع كون الكسرة على راء في "يسارعون" و"الجوار" ومع زيادة "في طغيانهم" وهي مجاورة الياء للألف من قبلها "وآذانهم" في القرآن في سبعة مواضع في البقرة والأنعام و"سبحان" والكهف في موضعين وفصلت ونوح، و"طغيانهم" في خمس سور في البقرة والأنعام والأعراف ويونس والمؤمنون ولا يمال طغيانا كبيرًا إلا في رواية شاذة عن الكسائي ويسارعون في سبعة مواضع في آل عمران موضعان وفي المائدة ثلاثة وفي الأنبياء المؤمنون و"آذاننا" في فصلت فقط والجوار في ثلاث سور في: "حم عسق"، والرحمن وكورت وصواب قراءته في النظم بغير ياء؛ لأن قراءة من أمالها كذلك في: "حم عسق"، وأجمعوا على حذفها في الرحمن و"كورت" للساكن بعدها ثم ذكر ما اختلف فيه عن الدوري فقال: 328- يُوَارِي أُوَارِي فِي العُقُودِ بِخُلْفِهِ ... ضِعَافًا وَحَرْفَا النَّمْلِ آتِيكَ "قَـ"ـوَّلا العقود هي: سورة المائدة يريد قوله تعالى: {كَيْفَ يُوَارِي} 1، {فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} 2. ولم يذكر صاحب التيسير فيهما إمالة، وقال في كتاب الإمالة: اجتمعت القراءة على إخلاص الفتح فيهما،   "1و 2" آية: 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 إلا ما حدثنا به عبد العزيز بن جعفر بن محمد هو ابن أبي غسان الفارسي قال: حدثنا أبو طاهر بن أبي هاشم قال: قرأت على أبي عثمان الضرير عن أبي عمرو عن الكسائي: "يواري" "فأواري". بالإمالة قال: وقرأت على أبي بكر بالفتح ولم ترو الإمالة عن غيره: قال أبو عمرو: وقياس ذلك الموضع الذي في الأعراف وهو قوله: {يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} 1، ولم يذكره ثم ذكر ضعافا من قوله تعالى في النساء: {ذُرِّيَّةً ضِعَافًا} . فوجه إمالة ألفها كسرة الضاد ولا اعتبار بالحاجز كما تميل العرب عمادا وفي النمل: {أَنَا آتِيكَ بِهِ} في موضعين أميلت ألف آتيك لكسرة التاء بعدها، واستضعف إمالتها قوم من جهة أن أصلها همزة؛ لأنه مضارع أتى ويمكن منع هذا ويقال هو اسم الفاعل منه كقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ} ؛ أي أنا محضره لك فقوله: ضعافا مبتدأ، وحرفا النمل عطف عليه، وآتيك عطف بيان له، ووجه الكلام أن يقول: آتيك آتيك مرتين، وإنما استغني بأحدهما عن الآخر، وقولا خبر المتبدأ، وما عطف عليه، ونزل حرفي النمل منزلة حرف واحد؛ لأنهما كلمة واحدة تكررت وهي آتيك، وكأنه قال: ضعافا، وآتيك قولا فالألف في قولا للتثنية أي قيلا بالإمالة والقاف رمز خلاد ثم قال: 329- بِخُلْفٍ "ضَـ"ـمَمْنَاهُ مَشَارِبُ "لا"مِعٌ ... وَآنِيَةٍ فِي هَلْ أَتَاكَ "لِـ"أَعْدِلا أي الخلف عن خلاد في إمالتها والضاد في ضممناه رمز خلف أمالهما من غير خلاف ثم قال مشارب لامع وهما مبتدأ وخبر أي ظاهر واضح كالشيء اللامع أراد أن هشاما أمال: {مَشَارِبُ} في سورة يس لكسرة الراء بعدها وألف: {آنِيَةٍ} في سورة الغاشية لكسرة النون بعدها وللياء التي بعد الكسرة، ووزنها فاعلة وهي قوله تعالى: {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} أي حارة وأما:   1 الآية: 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 {آنِيَةٍ} التي في سورة هل أتى قوله تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ} فوزنها أفعلة؛ لأنها جمع إناء ولم يمل ألفها أحد ولعل سببه أن ألفها بدل عن همزة فنظر إلى الأصل فلم تمل فقوله في هل أتيك أي في سورة: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} احترازا من التي في: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} ، واللام في لأعدلا رمز لهشام أي لقارئ زائد العدل أي أماله من هذه صفته والألف للإطلاق والله أعلم. 330- وَفِي الْكَافِرُونَ عَابِدُونَ وَعَابِدٌ ... وَخَلَفُهُمْ في النَّاسِ في الْجَرِّ "حُـ"ـصِّلا أي في سورة الكافرون أمال هشام: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ} ، في موضعين {وَلا أَنَا عَابِدٌ} ؛ لكسرة الباء بعد الألف واحترز بذلك من قوله تعالى: {وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} . ثم قال: وخلفهم أي خلف الناقلين من أهل الأداء في إمالة لفظ الناس إذا كان مجرورا نحو جميع الذي في سورة الناس، فروي عن أبي عمرو الوجهان، واختار الداني الإمالة في كتاب الإمالة، ووجهها كسرة السين بعد الألف وقيل إن ذلك لغة أهل الحجاز، قال الشيخ: وكان شيخنا يعني الشاطبي -رحمه الله- يقرئ بالإمالة يعني لأبي عمرو من طريق الدوري، وبالفتح من طريق السوسي، وهو مسطور في كتب الأئمة كذلك. قلت: وكذلك أقرأنا شيخنا أبو الحسن ولم يذكر أبو الحسن ابن غلبون غيره ويتجه في هذا البيت من الإشكال ما اتجه فيما مضى في قوله: ومعْ كافرين الكافرين بيائه ... من أنه يحتمل أن تكون الواو في قوله وفي الكافرون فاصلة وإذا كان كذلك فلم يذكر لقارئها رمزا فيكون حصلا رمزا لها وللناس، وتكون الواو في وخلفهم عاطفة، ولو قال: وفي الكافرون عابدون وعابد له خلفهم في الناس لخلص من ذلك الإيهام، ولا يحتاج إلى واو فاصلة في خلفهم؛ لأن هذا من باب قوله: سوى أحرف لا ريبة في اتصالها كما قال بعد هذا: حمارك والمحراب إلى آخره، ولم يأت بواو فاصلة، فإن قلت فقد سنح إشكال آخر وهو أنه يحتمل أن يكون بعض ما في البيت الآتي لأبي عمرو إذا لم يأت بواو والباقي من عند الواو لابن ذكوان فمن أين يتمحض الجميع لابن ذكوان؟ قلت: من جهة استفتاحه ذلك بقوله: حمارك وهو مما قد علم أن أبا عمرو يميله دل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 ذلك على أنه إنما ساقه مع ما عطف عليه لغير أبي عمرو فينتظر من يرمز له وليس إلا قوله مثلا والله أعلم. 331- حِمَارِكَ وَالمِحْرَابِ إِكْرَاهِهِنَّ وَالـ ... ـحِمَارِ وَفي الإِكْرَامِ عِمْرَانَ مُثِّلا أي أمال ابن ذكوان جميع ما في هذا البيت: {حِمَارِكَ} في البقرة و {الْحِمَارِ} في الجمعة، والمحراب، وعمران حيث وقعا، و"إكراههن" في النور، "والإكرام" في موضعين في سورة الرحمن عز وجل، ووجهه كسرة أوائل الجميع وما بعد الألف غير عمران والمحراب المنصوب، ووافق في حمارك والحمار مذهب أبي عمرو والدوري عن الكسائي في ذلك، فإن قلت: فما له لم يذكرهما معه عندما ذكر حمارك والحمار كما أعاد ذكر حمزة والكسائي مع من وافقهما في إمالة "رمى" و"نأى" و"إناه"؟، قلت:؛ لأنه نص على احمار وحمارك في إمالة أبي عمرو والدوري في قوله: كأبصارهم والدار ثم الحمار مع حمارك فلم يضره بعد ذلك أن يذكر مذهب ابن ذكوان وحده، ومثل ذلك قوله فيما مضى: وجاء ابن ذكوان وفي شاء ميلا وإن كان حمزة يقرأ كذلك؛ لأنه قد تقدم ذكره له معينا بخلاف "رمى" و"نأى" و"إناه" فإنه لم يتقدم النص عليها معينة، وإنما اندرجت في قاعدة ذوات الياء فلو لم يعد ذكر حمزة والكسائي، لظن أن ذلك مستنثى من الأصل المقدم كما تفرد الكسائي بإمالة مواضع من ذلك والله أعلم. 332- وَكُلٌّ بِخُلْفٍ لاِبْنِ ذَكْوَانَ غَيْرَ مَا ... يُجَرُّ مِنَ الْمِحْرَابِ فَاعْلَمْ لِتَعْمَلا أي كل هذه الألفاظ الستة في إمالتها لابن ذكوان خلاف إلا المحراب المجرور فلم يختلف عنه إمالته، وهو موضعان في آل عمران ومريم فتفردا ابن ذكوان بإمالة هذه الكلم الأربع "المحراب" و"إكراههن" والإكرام وعمران، وباقي القراء على فتحها إلا ورشا فإنه يقرؤها بين اللفظين إلا عمران وهو المعبر عنه بترقيق الراء على ما يأتي في بابه ويتضح لك الفرق بين الإمالة وبين اللفظين بقراءة ورش وابن ذكوان في هذه الكلمات وهو عين ما نبهنا عليه في شرح قوله: وذو الراء ورش بين بين، وأكثر الناس يجهلون ذلك والله أعلم. 333- وَلاَ يَمْنَعُ الإِسْكَانُ فِي الوَقْفِ عَارِضًا ... إِمَالَةَ مَا لِلكَسْرِ فِي الْوَصْلِ مُيِّلا في الوقف معمول عارضا ولو جعلناه معمول الإسكان لقلت فائدته؛ فإن إسكان الوقف لا يكون إلا عارضا ومعنى البيت كل ألف أميلت في الوصل لأجل كسرة بعدها نحو "النار" و"الناس" فتلك الكسرة تزول في الوقف وتوقف بالسكون فهذا السكون في الوقف لا يمنع إمالة الألف؛ لأنه عارض ولأن الإمالة سبقت الوقف ولم يذكر في التيسير غير هذا الوجه، وذهب قوم إلى منع الإمالة لزوال الكسر الموجب لها فإن رمت الحركة فالإمالة لا غير والله أعلم. 334- وَقَبْلَ سُكُونٍ قِفْ بِمَا فِي أُصُولِهِمْ ... وَذُو الرَّاءِ فِيهِ الخُلْفُ في الْوَصْلِ "يُـ"ـجُتَلا أي كل ألف قبل ساكن لو لم يكن بعدها ساكن لجازت إمالتها ففي الوصل لا يمكن إمالتها؛ لذهابها، فإن وقف عليها كانت على ما تقرر من أصول القراء تمال لمن يميل، وتفتح لمن لم يمل، وتقرأ بين اللفظين لمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 مذهبه ذلك لكن الألف التي قبلها راء اختلف عن السوسي في إمالتها في الوصل ولا يظهر إلا كسر الراء ولم يذكر صاحب التيسير للسوسي إلا الإمالة وابن شريح وغيره من المصنفين لم يذكروا وجه الإمالة أصلا وشرط ما يميله السوسي من هذا الباب: أن لا يكون الساكن تنوينا فإن كان تنوينا لم يملْ بلا خلاف نحو "قرى" و"مفترى"، ثم مثل النوعين وهما ذو الراء وما ليس فيه راء والألف ظرف الكلمة فقال: 335- كَمُوسَى الهُدى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ والْقُرَى الـ ... ـتِي مَعَ ذِكْرَى الدَّارِ فَافْهَمْ مُحَصِّلا إذا وقفت على موسى من قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى} أملت ألف موسى لحمزة والكسائي وجعلتها بين بين لأبي عمرو وورش وفتحت للباقين وكذا في: {عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} فهذا مثال ما ليس فيه راء ومنه: "إنا لما طغى الماء" نص مكي وغيره على أن الوقف على طغى بالإمالة لحمزة والكسائي ومثال ما فيه الراء: {الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} . في سبأ: {ذِكْرَى الدَّارِ} في ص فإذا وقفت على القرى وذكرى أملت لأبي عمرو وحمزة والكسائي ولورش بين اللفظين وههنا أمر لم أر أحدا نبه عليه، وهو أن: {ذِكْرَى الدَّارِ} ، وإن امتنعت إمالة ألفها وصلا فلا يمتنع ترقيق رائها في مذهب ورش على أصله لوجود مقتضى ذلك وهو الكسر قبلها ولا يمنع ذلك حجز الساكن بينهما فيتخذ لفظ الترقيق وإمالته بين بين في هذا فكأنه أمال الألف وصلا وما ذكره الشيخ في شرح قوله وحيران بالتفخيم بعض تقبلا من قوله الترقيق في: {ذِكْرَى} ؛ من أجل الياء لا من أجل الكسر أراد بالترقيق الإمالة فهو من أسمائها والله أعلم. والسوسي في أحد الوجهين يكسر الراء في الوصل ومثله: {حَتَّى نَرَى اللَّهَ} و {يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} بخلاف قوله {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ؛ لأن ألف يرى قد ذهبت للجازم فإذا وقفت عليها قلت أو لم ير ثم ذكر ما حذفت فيه الألف لأجل التنوين لأنه ساكن فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 336- وَقَدْ فَخَّمُوا التَّنْوِينَ وَقْفًا وَرَقَّقُوا ... وَتَفْخِيمُهُمْ في النَّصْبِ أَجْمَعُ أَشْمُلا هذا فرع من فروع المسألة المتقدمة داخل تحت قوله وقبل سكون قف بما في أصولهم وأفردها بالذكر لما فيها من الخلاف والأصح والأقوى أن حكمها حكم ما تقدم تمال لمن مذهبه الإمالة، وهو الذي لم يذكر صاحب التيسير غيره، وجعل للمنون ولما سبق ذكره حكما واحدا، فقال: كلما امتنعت الإمالة فيه في حال الوصل من أجل ساكن لقيه تنوين أو غيره نحو: "هدى" و"مصفى" و"مصلى" و"مسمى" و"ضحى" و"غزى" و"مولى" و"ربا" و"مفترى" و"الأقصا الذي" و"طغا الماء" و"النصارى المسيح" و"جنا الجنتين" .... وشبهه، فالإمالة فيه سائغة في الوقف؛ لعدم ذلك الساكن، وذكر مكي في المنون وجهين أحدهما هذا وهو الذي اختاره، وقرأه على شيخه أبي الطيب ابن غلبون قال: ونص على: "مصلى" و"غزى" أن الوقف عليهما بالإمالة لحمزة والكسائي وكلاهما في موضع نصب، والوجه الثاني الفرق بين المنصوب وغيره فلا يمال المنصوب ويمال المرفوع والمجرور قال الشيخ: وقال قوم: يفتح ذلك كله فقد صار في المسألة ثلاثة أوجه وهي مبنية على أن الألف في الوقف على جميع الأسماء المقصورة المنونة هي الأصلية رجعت لما سقط الموجب لحذفها وهو التنوين أو يقال: هي مبدلة من التنوين إذا كانت منصوبة المحل، وهي الأصلية في الرفع والجر؛ لأنه قد ألف من اللغة الفصيحة التي نزل بها القرآن أن تبدل من التنوين ألفا في جميع الأحوال؛ لأن التنوين إنما يبدل ألفا في النصب؛ لانفتاح ما قبله، والانفتاح موجود في الأحوال كلها في الأسماء المعتلة المقصورة بخلاف الصحيحة، وهذه الأوجه الثلاثة معروفة عند النحويين فإن قلنا الوقف إنما هو على الألف المبدلة في جميع الأحوال أو في حال النصب فلا إمالة؛ لأن ألف التنوين لا حظ لها في الإمالة كما لو وقف على: "أمتا" و"همسا" و"علما". وقد سبق بيان ذلك فقد صار المنصوب مفخما على قلين وممالا على قول فلهذا قال: "وتفخيمهم في النصب أجمع أشملا" وليس ذلك منه اختيارا لهذا القول وإنما أشار إلى أن الوجهين اتفقا عليه، والأجود وجه الإمالة مطلقا والرسم دال عليه والنقل أيضا ومن وجهة المعنى: أن الوقف لا تنوين فيه وإنما كانت الألف الأصلية تحذف للتنوين في الوصل، فالنطق بالكلمة على أصلها إلى أن يلقاها ما يغيرها وأيضا فإن المبدل من التنوين إنما هو الألف والأصلية أيضا ألف فلا حاجة إلى حذف ما هو أصل وجلب ما هو مثله في موضعه، فترك اعتقاد الحذف فيه أولى، وقول الناظم: وقد فخموا التنوين فيه تجوز فإن التنوين لا يوصف بتفخيم ولا إمالة لعدم قبوله لهما فهو على حذف مضاف تقديره ذا التنوين، ولا تقول: التقدير ألف التنوين لما فيه من الإلباس بألف نحو: "أمتا" و"همسا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 مما لا يمال وسمى في هذا الموضع الفتح تفخيما والإمالة ترقيقا كما سمى ترقيق الراء إمالة على ما سيأتي، وأشملا جمع شمل ونصبه على التمييز أي اجتمع شمل الأصحاب على الوجهين فيه بخلاف المرفوع والمجرور فإن كل واحد منهما مفخم على قول واحد وهو أضعف الأقوال وممال على قولين فهما في الترقيق أجمع أشملا لاقي التفخيم ثم مثل ذلك فقال: 337- مُسَمَّى وَمَوْلًى رَفْعُهُ مَعْ جَرِّهِ ... وَمَنْصُوبُهُ غُزَّى وَتَتْرًى تَزَيَّلا أي لفظ "مسمى، ومولى" وقع كل واحد منهما في القرآن مرفوعا ومجرورا كقوله تعالى: {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} ، {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ، وقال تعالى: {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى} ، "وأما" "غزى" و"تترى". فلم يقعا في القرآن إلا منصوبين في قوله تعالى في آل عمران: {أَوْ كَانُوا غُزّىً} ، ونصبه على أنه خبر كان وهو جمع غاز، ووزنه فعل مثل كافر وكفر، وأما: "تترى"، ففي سورة قد أفلح1 منصوب على الحال وإنما ينفع التمثيل به على قراءة أبي عمرو فهو الذي نونه وأما حمزة والكسائي فلا ينونانه فهو لهما ممال بلا خلاف في الوقف والوصل وكذا ورش يميله بين اللفظين وصلا؛ ووقفا لأنه غير منون في قراءته أيضا فلم يمنع فتح من نون إمالة من لم ينون وهذا مما يقوى ما ذكرناه من ترقيق ورش راء: {ذِكْرَى الدَّارِ} في الوصل فلا يمنع ترك الإمالة لزوال محلها ترقيق الراء لوجود مقتضيه والله أعلم. وقوله: "تزيلا" أي تميز المذكور. وهو التنوين أي ظهرت أنواعه وتميز بعضها من بعض بالأمثلة المذكورة، ومنه قوله تعالى: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} 2، {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} ، والهاء في رفعه مع جره ومنصوبه راجعة إلى التنوين أيضا، والكل على تقدير ذي التنوين وهو المنون، وقال الشيخ: تميز المنصوب من غيره بالمثال فإن قلت الألف الممالة في: {غُزّىً} .   1 في قوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} : الآية: 44. 2 سورة الفتح، آية: 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 منقلبة عن واو؛ لأنه من غزا يغزو فكيف تمال قلت هو داخل في قوله: وكل ثلاثي يزيد فإنه ممال كـ "زكاها" ... والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 باب: مذهب الكسائي في إمالة هاء التأنيث في الوقف وهي الهاء التي تكون في الوصل تاء، نحو: {رَحْمَةً} ، و {نِعْمَةَ} ، أمالها بعض العرب كما تميل العرب الألف، وهي اللغة الغالبة على ألسنة الناس، وقيل للكسائي: إنك تميل ما قبل هاء التأنيث؟ فقال: هذا طباع العرصة، قال الداني: يعني بذلك أن الإمالة هنا لغة أهل الكوفة، وهي باقية فيهم إلى الآن، وهم بقية أبناء العرب، يقولون أخذت أخذه، وضربت ضربه، وحكى نحو ذلك عنهم الأخفش سعيد، وإنما أميلت لشبه الهاء بالألف؛ لخفائهما واتحاد مخرجهما، وخص هاء التأنيث بذلك حملا لها على ألف التأنيث لتآخيهما في ذلك، وكون ما قبلهما لا يكون إلا مفتوحا أو ألفا، ولم تقع الإمالة في الهاء الأصلية، نحو: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ} . وإن كانت تقع في الألف الأصلية؛ لأن الألف أميلت؛ لأن أصلها الياء، والهاء لا أصل لها في ذلك، وكذا لا تقع في هاء الضمير نحو: {مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ} ؛ ليقع الفرق بين هاء التأنيث وغيرها، والهاء من "هذه" لا يحتاج إلى إمالة؛ لأن قبلها كسر، والله أعلم. وكذا لا تمال هاء السكت نحو: {كِتَابِيَهْ} ؛ لأن من ضرورة إمالتها كسر ما قبلها، وهي إنما أتي بها بيانا للفتحة قبلها، ففي إمالتها مخالفة للحكمة التي اجتلبت لأجلها، قال الداني في كتاب الإمالة: والنص عن الكسائي والسماع من العرب إنما ورد في هاء التأنيث خاصة، قال: وقد بلغني أن قوما من أهل الأداء منهم أبو مزاحم الخاقاني كانوا يجرونها مجرى هاء التأنيث في الإمالة، وبلغ ذلك ابن مجاهد فأنكره أشد النكير، وقال فيه أبلغ قول، وهو خطأ بين، والله أعلم. 338- وَفِي هَاءِ تَأْنِيثِ الْوُقُوفِ وَقَبْلَهَا ... مُمَالُ الْكِسَائِي غَيْرَ عَشْرٍ لِيَعْدِلا احترز بقوله هاء تأنيث عن هاء السكت وهاء الضمير وقد تقدم بيان ذلك، والوقوف مصدر بمعنى الوقف وأضاف هاء التأنيث إليه احترازا من الهاء في: "هذه"؛ فإنها هاء تأنيث لكنها لا تزال هاء وقفا ووصلا، فأراد أن الإمالة واقعة في هاء التأنيث التي هي في الوقف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 هاء وفي الوصل تاء سواء كانت مرسومة في المصحف بالتاء أو بالهاء؛ لأن من مذهب الكسائي الوقف على جميع ذلك بالهاء على ما يأتي بيانه، فإن قلت: ما وجه إضافة التأنيث إلى الوقوف؟ قلت: لم يضف التأنيث وحده فإن التأنيث من حيث هو التأنيث وقفا ووصلا وإنما أضاف إلى الوقوف ما يخصه وهو كون حرف التأنيث صار هاء، فيكون من باب قولهم: حب رماني لم يضف إلى الياء الرمان وحده وإنما أضاف حب الرمان وقد تقدم بيان ذلك في شرح قوله: أبو عمرهم، ويدخل تحت قوله هاء تأنيث ما جاء على لفظها وإن لم يكن المقصود بها الدلالة على التأنيث كهمزة: "لمزة" "كاشفة" "بصيرة". ولهذا قال صاحب التيسير: اعلم أن الكسائي كان يقف على هاء التأنيث وما ضارعها في اللفظ بالإمالة، ومثل المضارع بما ذكرناه وغيره فقوله: وما قبلها أي وفي الحروف التي قبلها، وممال بمعنى الإمالة كمقام بمعنى إقامة أي أن إمالة الكسائي واقعة في هاء التأنيث في الوقف وفي الحرف الذي قبلها؛ لقرب الهاء من الياء ولقرب ما قبلها من الكسرة كما يفعل مثل ذلك في إمالة الألف لا بد من تقريب ما قبلها من الكسر ويوصف ذلك بأنه إمالة له وعلى ذلك شرحنا قوله وراء: {تَرَاءَى} . فإن قلت: لما ذكر في الباب المتقدم إمالة الألفات لم ينص على إمالة ما قبلها من الحروف فلم نص هنا على إمالة الحرف الذي قبل هاء التأنيث؟ قلت: لأن الألف الممالة لم يستثن من الحروف الواقعة قبلها شيء وهنا بخلاف ذلك على ما ستراه. قوله: "غير عشر" مستثنى من موصوف قبلها المحذوف، والتقدير: وفي الحروف التي قبلها غير عشرة من تلك الحروف فإنه لم يملها، ومن ضرورة ذلك أن لا يميل الهاء، وإنما أنث لفظ عشر، وإن كان الوجه تذكيره؛ لأن معدوده حروف، وهي مذكرة؛ لأنها جمع حرف من أجل أن تلك الحروف عبارة عن حروف الهجاء وأسماء حروف الهجاء جاء فيها التذكير والتأنيث، فأجرى ذلك في العبارة عنها اعتبارا بالمدلول لا اعتبارا باللفظ والعرب تعتبر المدلول تارة والعبارة أخرى كقوله: وأن كلابا هذه عشر أبطن فأنث أبطنا وهو جمع مذكرٍ وهو بطن لما كان البطن بمعنى القبيلة ولهذا تم البيت بقوله: وأنت بريء من قبائلها العشر وأشار بقوله: ليعدلا إلى أن تلك الحروف تناسب الفتح دون الإمالة فلهذا استثناها، ثم بين تلك الحروف العشرة في كلمات جمعها فيها فقال: 339- وَيَجْمَعُهَا "حَقٌ ضِغَاطٌ عَصٍ خَظَا" ... وَ"أَكْهَرُ" بَعْدَ اليَاءِ يَسْكُنُ مُيِّلا أي يجمع تلك الحروف هذه الكلمات الأربع، وضغاط جمع ضغطة، وعص بمعنى عاصٍ وخظا بمعنى سمن واكتنز لحمه يشير إلى ضغطة القبر وهي عصرته والضيق فيه والعاصي حقيق بذلك ولا سيما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 إذا كان سمينا، وكأنه يشير بالسمن إلى كثرة ذنوبه كما يوصف من كثر ماله بذلك، والسمن الحقيقي مكروه في ذاته لأهل الدين والعلم؛ لأنه يشعر غالبا بقلة اهتمامه بالآخرة، وبالبلادة أيضا والهم يذيب الجسم وينحفه ولهذا جاء في الحديث: "أما علمت أن الله يبغض الحبر السمين". وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذم قوم: "قليل فقه قلوبهم وكثير شحم بطونهم". قال العلماء: فيه تنبيه على أن الفطنة قل ما تكون مع كثرة اللحم والاتصاف بالسمن والشحم وفي أخبار الإمام الشافعي -رضي الله عنه- أنه قال ما رأيت سمينا عاقلا قط إلا رجلا واحدا وفي رواية: ما رأيت سمينا أخف روحا من محمد بن الحسن -رضي الله عنه- ومثال ذلك: "النطيحة" و"الحاقة" و"قبضة" و"بالغة" و"حياة" و"بسطة" و"القارعة" و"خصاصة" و"الصاخة" و"موعظة"، وهذه الحروف العشرة سبعة منها هي حروف الاستعلاء تستعلى إلى الحنك الأعلى فتناسب الفتح، وهي تمنع إمالة الألف في الأسماء فكيف لا تمنع إمالة الهاء التي هي مشبهة بها فإن كان قبل حرف الاستعلاء كسرة فإن الإمالة جائزة في الألف نحو: {ضِعَافًا} ، ولم يقرأ الكسائي بها في هاء التأنيث نحو: {الْقَارِعَةِ} ، والبالغة طردا للباب، ولأن الإمالة في الهاء ضعيفة، فجاز أن يمنعها ما لا يمنع إمالة الألف فإن فصل بين حرف الاستعلاء وبين الهاء فاصل جازت الإمالة نحو: "رقبة" و"مسبغة" و"نحلة" و"بطشة" و"عصبة"، والأحرف الثلاثة الباقية هي من حروف الحلق الألف والحاء والعين أما الألف فلأنها ساكنة لا يمكن كسرها ولو كسر ما قبلها لكانت الإمالة للألف لا للهاء، وأما الحاء والعين، فلأنها أقرب حروف الحلق إلى حروف الاستعلاء، فأعطيا حكمها، ثم قال: "وأكهر" أي حروف أكهر، وهي أربعة: الهمزة والكاف والهاء والراء إذا وقعت قبل هاء التأنيث بعد ياء ساكنة أو كسرة أميلت، فذكر الباء في هذا البيت، والكسر في البيت الآتي، ويلزم من إمالة هذه الحروف إمالة الهاء بعدها، "والأكهر": الشديد العبوس، يقال كهره إذا استقبله بذلك، والكهر ارتفاع النهار مع شدة الحر، ويسكن في موضع الحال من الياء، والضمير في ميلا عائد على لفظ أكهر دون معناه، وهما مبتدأ وخبر وذكر ميلا معاملة للمضاف إليه بعد حذف المضاف لما أقيم مقامه فهو من باب قوله تعالى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا} ، وشبهه ولو عامل المضاف المحذوف لقال ميلت كما قال تعالى بعد ذلك: {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ، وإنما اختار الناظم ذلك لأجل القافية فمثال الهمزة بعد الياء الساكنة: "خطيئة" "هيئة" وبعد الكسر "خاطئة". ومثال الكاف بعد الياء الساكنة: {الْأَيْكَةِ} وبعد الكسر {الْمَلائِكَةَ} . ومثال الهاء بعد الكسر: {آلِهَةٌ} و {فَاكِهَةٌ} . ولا مثال لها بعد الياء الساكنة في القرآن ومثال الراء بعد الياء: "الكبيرة" و"صغيرة" وبعد الكسر "تبصرة" "والآخرة". وقد ذكر الكسر قبل الأربعة في قوله: 340- أَوِ الْكَسْرِ وَالإِسْكَانُ لَيْسَ بِحَاجِزٍ ... وَيَضْعُفُ بَعْدَ الْفَتْحِ وَالضَّمِّ أَرْجُلا إذا وقع بين الكسر وبين الراء حرف ساكن لم يكن ذلك بحاجز أي بمانع للكسر من اقتضائه الإمالة، فكأنه قال: أو تقع هذه الحروف الأربعة بعد كسر يليها أو بعد ساكن يليه كسر، ولا مثال لهذا في الهمزة والكاف، وإنما مثاله في الهاء نحو وجهة، وفي الراء نحو: "عبرة" و"سدرة"، واختلف في "فطرة"؛ لأجل أن الساكن حرف الاستعلاء فقوى المانع وهذا وجه جيد ويقويه ما يأتي في الراءات فإنه اعتد به حاجزا، فمنع الترقيق فكذا يمنع الإمالة، ولكن هما بابان كل باب لقارئ فلا يلزم أحدهما مذهب الآخر، والكل جائز: الإمالة والترك في اللغة، ومثاله: ترك ورش ترقيق راء عمران للعجمة وابن ذكوان رققها تبعا لإمالة الألف بعدها ولم ينظر إلى العجمة ثم قال: ويضعف يعني أكهر ضعفت حروفه عن تحمل الإمالة إذا وقعت بعد الفتح والضم وأرجلا جمع رجل ونصبه على التمييز استعار ذلك لما كان يقال لكل مذهب ضعيف هذا لا يتمشى ونحوه لأن الرجل هي آلة المشي فمثال الهمزة بعد الفتح امرأة فإن فصل بين الفتح وبين الهمزة فاصل ساكن فإن كان ألفا منع أيضا نحو: {بَرَاءَةٌ} . وإن كان غير ألف اختلف فيه نحو: {سَوْءَةَ} . وكهيئة والنشأة قال الداني: والقياس الفتح كأنه أراد القياس على الألف أو لأن الإسكان لما لم يحجز الكسر عن اقتضاء الإمالة في نحو: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 {عِبْرَةٌ} . فكذا لا يحجز الفتح عن منع الإمالة في نحو: {سَوْءَةَ} . مثال الكاف بعد الفتح نحو: {مُبَارَكَةٍ} و {الشَّوْكَةِ} . سواء في ذلك ما فيه فصل وما لا فصل فيه وبعد الضمة نحو: "التهلكة". ومثال الهاء بعد الفتح مع فصل الألف "سفاهة"، ولا يقع غير ذلك ومثال الراء بعد الفتح شجرة وثمرة وكذا مع فصل الألف وغيرها من الساكن نحو: "سيارة" و"نضرة"، وبعد الضم مع الحاجز نحو: "عسرة" و"محشورة"، ويجمع ذلك كله أن تقع حروف أكهر بعد فتح أو ضم بفصل ساكن وبغير فصل، فلهذا طلق قوله بعد الفتح والضم ووجه استثناء هذه الحروف الأربعة في بعض الصور أما الهمزة والهاء فمن حروف الحلق فألحقا بالألف والحاء والعين والخاء والغين وأما الكاف فقريبة من القاف فمنعت منعها وأما الراء فلما فيها من التكرير تشبه المستعلية فمنعت فأما إذا وقع قبل هذه الأحرف الأربعة كسرة أو ياء ساكنة؛ فإن أسباب الإمالة تقوى وتضعف المانع فتمال الهاء، ثم مثل ما قبله ساكن بعد كسر وما قبله كسر أو ياء ساكنة فقال: 341- لَعِبْرَهْ مِائَهْ وِجْهَهْ وَلَيْكَهْ وَبَعْضُهُمْ ... سِوى أَلِفٍ عِنْدَ الكِسَائي مَيَّلا أراد قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} ؛ فهذا مثال ما قبله ساكن بعد كسر ومثله "ولكل وجهة" ومثال ما قبله كسر: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ} 1. ومثال ما قبله ياء: {أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} 2. ووقع في نظم البيت: "ليكة" باللام وهذا وإن كان قرئ به في سورتي: الشعراء و"ص"2 فليس صاحب الإمالة ممن قرأ هذه   1 سورة الأنفال، آية: 66. 2 سورة الحجر، آية: 78. 3 سورة الشعراء، آية: 176 وس، آية: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 القراءة، فالأولى أن يقع المثال بما هو قراءة له فيقال: وأيكة بهمزة قبل الياء ولا يضر حذف لام التعريف فإنها منفصلة من الكلمة تقديرًا، ووجه ثانٍ وهو أن الأيكة جاءت في القرآن في غير هاتين السورتين غير مقروءة باللام بإجماع على ما في التيسير ونظمه، فإذا وقع المثال بهمزة عم جميع المواضع مع موافقة القراءة بخلاف التمثيل بقراءة اللام ولعله أراد: "الأيكة" على قراءته وإنما نقل حركة الهمزة إلى اللام؛ لضرورة النظم كما يقرأ ورش، فالصواب كتابته على هذه الصورة في هذا البيت؛ ليشعر بذلك ولا يوهم أنه أراد تلك القراءة فهو كقوله في الأنعام: "وَالْآخِرَةِ" المرفوع بالخفض، و"كلا" والله أعلم. ثم قال: وبعضهم أي وبعض المشايخ من أهل الأداء ميل: للكسائي جميع الحروف قبل هاء التأنيث مطلقا من غير استثناء شيء إلا الألف، قال صاحب التيسير والنص عن الكسائي في استثناء ذلك معدوم، وبإطلاق القياس في ذلك قرأت على أبي الفتح عن قراءته، ثم قال: والأول أختار إلا ما كان قبل الهاء فيه ألف فلا تجوز الإمالة فيه، وقال في كتاب الإمالة: لم يستثن خلف عن الكسائي شيئا، وكذلك بلغني عن أبي مزاحم الخاقاني، وكان من أضبط الناس لحرف الكسائي وإليه ذهب أبو بكر بن الأنباري وجماعة من أهل الأداء والتحقيق، وبه قرأت على شيخنا أبي الفتح عن قراءته على أصحابه، قال: وكان أبو بكر بن مجاهد وأبو الحسين بن المنادى وأبو طاهر بن أبي هاشم وجميع أصحابهم يخصون من ذلك بالفتح ما كان فيه قبل هاء التأنيث أحد عشرة أحرف فذكرها، ثم قال: جعلوا للهمزة والراء والكاف إذا وقعت قبل هاء التأنيث أحوالا، فأمالوا بعضا وفتحوا بعضا، ثم شرح ذلك على نحو ما تقدم فأما الألف قبل هاء التأنيث فأتت في عشر كلم: "الصلاة"، و"الزكاة"، و"الحياة"، و"النجاة"، و"مناة"، و"هيهات هيهات"، و"ذات"، و"لات"، و"اللات"؛ لأن الكسائي يقف على هذه الكلم الخمس بالهاء، وهو وغيره يقفون على ما عداها كذلك فلا تمال الهاء في هذه الكلم العشر؛ لأنه يلزم من ذلك إمالة الألفات وهي لا تقبل الإمالة؛ لأنها من ذوات الواو في بعضها، ومجهولة في بعضها، ولا حظ للجميع في الإمالة فلو وقعت إمالة لظن أنها للألف لا للهاء؛ لأن الألف هي الأصل في الإمالة والهاء فرع لها ومشبهة بها ألا ترى أن: "تقاة"، و"مرضات"، و"مزجاة"، و"التوراة"، و"كمشكاة" معدودة في باب إمالة الأف لا في باب إمالة الهاء، وذكر مكي في "مناة" خلافا مبنيا على أصل الألف، واختار عدم الإمالة، وذكر الداني في ألف الحياة خلافا أنها منقلبة عن واو وعن ياء، وإنما لم تمل على هذا القول؛ لكونها مرسومة في المصحف بالواو والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 باب: الراءات ... باب: مذاهبهم في الراءات أي باب حكم الراءات أو باب الإمالة الواقعة في الراءات، وقد سبق إمالة الألفات والهاءات، وقد عبر في هذا الباب عن الإمالة بالترقيق؛ تنبيها على أنها إمالة بين اللفظين، وقد عبر عنه الداني في التيسير بالإمالة، والترقيق من أسماء الإمالة، فلهذا قال الشاطبي: "وقد فخموا التنوين وقفا ورققوا"، وقد تقدم ذكر إمالة ورش لذوات الراء بين بين، وهذا الباب تتمة لمذهبه في إمالة الراء، حيث لا يميلها غيره، وهو إذا لم يكن بعدها ألف، أو كان، ولكنها ألف غير طرف أو ألف تثنية نحو: "فراش" و"ساحران". فقوله: "وما بعد راء شاع حكما" لا يدخل فيه هذان النوعان؛ لأن الإمالة المذكورة في ذلك البيت للألف لا الراء، وجاءت إمالة الراء تبعا لها، والمذكور في هذا الباب إمالة الراء لا الألف، فلم يضر وقوع ألف التثنية بعدها ولا غيرها، وإن كان قد خالف في بعض هذا مخالف، على ما سنذكره إن شاء الله سبحانه، والله أعلم. 342- وَرَقَّقَ وَرْشٌ كُلَّ رَاءٍ وَقَبْلَهَا ... مُسَكَّنَةً يَاءٌ أَوِ الْكَسْرِ مُوصَلا رقق: أي أمال بين بين قال في التيسير: اعلم أن ورشا كان يميل فتحة الراء قليلا بين اللفظين، وكذا قال في باب الإمالة وقال مكي: كان ورش يرقق الراء، فيعلم من هذا الإطلاق أن الترقيق في هذا الباب عبارة عن إمالة بين بين ويستخرج من هذا أن إمالة الألفات بين بين على لفظ الترقيق في هذا الباب على ما ينطق به قراء هذا الزمان، وقد نبهنا على ذلك في شرح قوله: وذو الراء ورش بين بين فالمراد من ترقيق الراء تقريب فتحها من الكسرة، وقوله: كل راء يعني ساكنة كانت أو متحركة بأي حركة تحركت على الشروط المذكورة إلا ما يأتي استثناؤه، وقوله: مسكنة حال مقدمة لو تأخرت لكانت صفة للياء والواو في وقبلها للحال أي رققها في حال كون الياء السكنة قبلها نحو: "غير"، و"الخير"، و"لا ضير"، و"ميراث"، و"فقيرا"، و"المغيرات"، ولا يكون قبل الياء الساكنة إلا مفتوح أو مكسور وقد مثلنا بالنوعين ثم قال: أو الكسر أي أو أن يكون قبل الراء كسر نحو: "الآخرة" و"باسرة" و"المدبرات". ولا فرق في المكسور بين أن يكون حرف استعلاء أولا، وتقع حروف الاستعلاء قبلها إلا الغين نحو: {نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، {قَاصِرَاتُ} ، {قَطِرَانٍ} ، ونحوه فهذه ستة ودخل ذلك كله تحت قوله: كل راء أي سواء توسطت أو تطرفت لحقها تنوين أو لم يلحقها كان المكسور قبلها حرف استعلاء أو غير حرف استعلاء فالراء مرققة محالة بين اللفظين لورش سواء وصل الكلمة أو وقف عليها وقوله: موصلا حال من الكسر أي يكون الكسر موصلا بالراء في كلمة واحدة احترازا مما يأتي ذكره وهو: الكسر العارض، والمفصل والغرض من الإمالة والترقيق مطلقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 اعتدال اللفظ، وتقريب بعضه من بعض بأسباب مخصوصة وأسباب ترقيق الراء هنا لورش: أن يكون قبلها ياء ساكنة أو كسرة لازمة متصلة لفظا أو تقديرا والله أعلم. 343- وَلَمْ يَرَ فَصْلاً سَاكِنًا بَعْدَ كَسْرَةٍ ... سِوى حَرْفِ الاِسْتِعْلاَ سِوَى الخَا فَكَمَّلا أي لم يعتد بالحرف الساكن الذي وقع فصلا بين الكسرة اللازمة والراء فأعمل الكسرة ما تقتضيه من الترقيق كأنها قد وليت الراء وذلك نحو: "إكراه" و"إكرام" و"سدرة"، فرقق؛ لضعف الفاصل بسكونه؛ فإن كان الفاصل الساكن حرف استعلاء قوي المانع فإنه لقوته في منع الإمالة لا يضعف بكونه ساكنا كما يضعف غيره، ولا يقع كذلك من حروف الاستعلاء إلا الصاد والطاء والقاف نحو: "إصرا" و"قطرا" و"وقرا". واستثنى من حروف الاستعلاء الخاء فلم يعتد بها فاصلا نحو إخراجا؛ لأنها ضعفت عن أخواتها بالهمس والصاد وإن كانت مهموسة إلا أنها مطبقة ذات صفير فقويت فمنعت فإن قلت قوله: ولم ير من رؤية القلب فأين مفعولاه؟ قلت: فصلا هو المفعول الثاني وساكنا هو الأول أي لم ير الساكن فصلا وقوله: ساكنا نكرة في سياق النفي فهي للعموم فاستثنى من ذلك العموم حروف الاستعلاء فقوله: حرف بمعنى حروف اكتفى بالمفرد عن الجمع للدلالة على الجنس، ثم استثنى الخاء من هذا الجنس فهو استثناء من استثناء والاستثناء مغاير في الحكم للمستثنى منه؛ فحروف الاستعلاء فاصلة والخاء ليست فاصلة فهو كقولك: خرج القوم إلا العبيد إلا سالما فيكون سالم قد خرج، وقصر الناظم لفظي الاستعلاء والخاء ضرورة، والضمير في: ولم ير، وفي: فكملا لورش؛ أي كمل حسن اختياره بصحة نظره حين اختزل الخاء من حروف الاستعلاء فرقق بعدها: 344- وَفَخَّمَهَا في الأَعْجَمِيِّ وَفِي إِرَمْ ... وَتَكْرِيرِهَا حَتَّى يُرى مُتَعَدِّلاَ ذكر في هذا البيت ما خالف فيه ورش أصله فلم يرققه مما كان يلزم ترقيقه على قياس ما تقدم والتفخيم ضد الترقيق أي وفخم ورش الراء في الاسم الأعجمي أي الذي أصله العجمة وتكلمت العرب به ومنعته الصرف بسببه والذي منه في القرآن ثلاثة: "إبراهيم"، و"إسرائيل"، و"عمران"، كان يلزمه ترقيق رائها؛ لأن قبلها ساكنا بعد كسرة وليس الساكن حرف استعلاء، ثم قال وفي إرم أي وفخم الراء في: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} 1.   1 سورة الفجر، آية: 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وكان يلزمه ترقيقها؛ لأنها بعد كسرة وإرم أيضا اسم أعجمي وقيل عربي فلأجل الخلاف فيه أفرده بالذكر، ووجه تفخيم ذلك كله التنبيه على العجمة، ورقق أبو الحسن بن غلبون: {إِرَمَ} ؛ لأن الكسرة وليت الراء بخلاف البواقي وأما: {عَزِيزٌ} ، فلم يتعرضوا له وهو أعجمي وقيل عربي على ما يبين في سورته فيتجه فيه خلاف مبني على ذلك ثم قال: وتكريرها أي، وفخم الراء أيضا في حال تكريرها، أو في ذي تكريرها أي في الكلمة التي تكررت الراء فيها يعني إذا كان في الكلمة راءان نحو: "فرارا" و"ضرارا" و"لن ينفعكم الفرار" و"إسرارا" و"مدرارا"، لم ترقق الأولى وإن كان قبلها كسرة؛ لأجل الراء التي بعدها فالراء المفتوحة والمضمومة تمنع الإمالة في الألف كما تمنع حروف الاستعلاء فكذا تمنع ترقيق الراء وقوله: حتى يرى متعدلا يعني اللفظ، وذلك أن الراء الثانية مفخمة؛ إذ لا موجب لترقيقها، فإذا فخمت الأولى اعتدل اللفظ، وانتقل اللسان من تفخيم إلى تفخيم فهو أسهل والله أعلم. 345- وَتَفْخِيمُهُ ذِكْرًا وَسِتْرًا وَبَابَهُ ... لَدى جِلَّةِ الأَصْحَابِ أَعْمَرُ أَرْحُلا ذكر في هذا البيت ما اختلف فيه مما فصل فيه بين الكسر والراء ساكن غير حرف استعلاء فذكر مثالين على وزن واحد وهما: "ذكرا" و"سترا"، ثم قال: وبابه أي وما أشبه ذلك، قال الشيخ: وبابه يعني به كل راء مفتوحة لحقها التنوين، وقبلها ساكن قبله كسرة نحو: "حجرا" و"صهرا" و"شيئا إمرا" و"وزرا". فالتفخيم في هذا هو مذهب الأكثر، ثم علل ذلك بأن الراء قد اكتنفها الساكن والتنوين فقويت أسباب التفخيم، قلت: ولا يظهر لي فرق بين كون الراء في ذلك مفتوحة أو مضمومة بل المضمومة أولى بالتفخيم؛ لأن التنوين حاصل مع ثقل الضم، وذلك قوله تعالى: {هَذَا ذِكْرُ} 1، فإن كان الساكن الذي قبل الراء قد أدغم فيها فالترقيق بلا خلاف نحو: "سرا" و"مستقرا".   1 سورة س، آية: 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 باب: اللامات أي تغليظها : وهذا باب لم يذكره أكثر المصنفين في القراءات، إنما اعتنى به المغاربة والمصريون، دون البغداديين والشاميين، ولا شك أنه إن ثبت لغة فهو لغة ضعيفة مستثقلة؛ فإن العرب عرف من فصيح لغتها الفرار من الأثقل إلى الأخف، والتغليظ عكس ذلك، ثم هو على مخالفة المعروف من قراءة ورش، فإنها مشتملة على ترقيق الراءات وإمالة بين بين، وتخفيف الهمز نقلا وتسهيلاً وإبدالا، ولهذا أكثر الروايات عن ورش: ترك التغليظ، كقراء الجماعة، هذه رواية يونس بن عبد الأعلى وداود بن أبي طيبة وغيرهما. وقال مكي: اعلم أن هذا الباب قد اضطرب النقل فيه عن ورش، وقليل ما يوجد فيه النص عنه: 358- وَغَلَّظَ وَرْشٌ فَتْحَ لاَمٍ لِصَادِهَا ... أَوِ الطَّاءِ أَوْ لِلظَّاءِ قَبْلُ تَنَزُّلا التغليظ في هذا الباب زيادة عمل في اللام إلى جهة الارتفاع، وضده ترك ذلك، ومنهم من يعبر عن تركه بالترقيق، وعن التغليظ بالتفخيم، ثم التغليظ إشباع الفتحة في اللام، فلهذا لم يجئ في المكسورة ولا المضمومة ولا الساكنة نحو: {يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} ، {تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ} ، {وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} . وبعضهم غلظ اللام من: "صَلْصَالٍ"؛ لوقوعها بين حرفين مستعليين فالتغليظ عند الأكثر لا يقع إلا في اللام المفتوحة، ولا فرق بين أن تكون مخففة أو مشددة نحو: "أَوْ يُصَلَّبُوا"، "وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وحكى مكي عن شيخه أبي الطيب ابن غلبون أنه رقق المشددة بعد الظاء دون الصاد، وقوله: لصادها أي لأجل الصاد الواقعة قبلها أو أضافها إليها؛ لاتصالها بها، أي إذا تنزل أحد هذه الأحرف الثلاثة قبل اللام المفتوحة غلظت اللام، ولم يعتبر أبو الطيب ابن غلبون الطاء المهملة، واعتبر قوم الضاد المعجمة أيضا نحو: {أَضْلَلْتُمْ} و {ضَلَلْنَا} . ومنهم من اعتبر أيضا كل لام مفتوحة بين حرفين مستعليين مطلقا نحو: "خَلَطُوا"، و"أَخْلَصُوا"، و"غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ"، "فَاسْتَغْلَظَ"، "مَاذَا خَلَقُوا"، وكل هذا قياس على رواية ضعيفة نقلا ولغة والله أعلم. 359- إِذَا فُتِحَتْ أَوْ سُكِّنَتْ كَصَلاتِهِمْ ... وَمَطْلَعِ أَيْضًا ثمَّ ظَلَّ وَيُوصَلا أي شرط تأثير هذه الحروف الثلاثة وهي: الصاد والطاء والظاء في التغليظ في اللام المفتوحة أن تكون مفتوحة أو ساكنة فإن حرف الاستعلاء إذا فتح أو سكن عظم استعلاؤه بخلافة إذا انكسر أو انضم نحو: "فُصِّلَتْ"، و"عُطِّلَتْ"، و"ظِلالٍ"، و"فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ". فمثال الصاد المفتوحة: "الصَّلاةِ". ومثال الساكنة: "فَيُصْلَبُ" والطاء نحو "طَلَّقْتُمُ"، و"مَطْلَعِ"، والظاء نحو: "ظَلَمُوا"، و"إِذَا أَظْلَمَ". ومثل الشاطبي -رحمه الله- بقوله تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ} ، و {يَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} . وهذان وما أشبههما نحو: "بَطَلَ"، و"فَصْلَ"، وقعت اللام فيها طرفا؛ فالمتوسطة نحو: "صَلاتِهِمْ" و"مَطْلَعِ"مغلظة وصلا ووقفا، والمتطرفة مغلظة وصلا، وأما في الوقف فقال أبو عمرو الداني: يحتمل وجهين؛ الترقيق والتفخيم؛ فالترقيق نظرا إلى السكون العارض بالوقف والتفخيم نظرا إلى الأصل، قال: وهو أوجه: 360- وَفي طَالَ خُلْفٌ مَعْ فِصَالًا وَعِنْدَماَ ... يُسَكَّنُ وَقْفًا وَالمُفَخَّمُ فُضِّلا أراد قوله تعالى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} 1، {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} 2، {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا} 3، وكذلك: "يصالحا" وشبهه مما بين اللام فيه وبين حرف الاستعلاء ألف فاصل وظاهر النظم يوهم اقتصار الخلاف على: "طَالَ"، و"فِصَالًا". ولو قال: وفي طال خلف مع فصالا ونحوه ... وساكن وقف والمفخم فضلا لزال الإيهام. قال الداني: في اللام وجهان: التفخيم؛ اعتدادا بقوة الحرف المستعلي، والترقيق؛ للفاصل الذي فصل بينهما. قال: والأوجه التفخيم؛ لأن ذلك الفاصل ألف والفتح منه. قلت: وأما اللام المشددة نحو: "ظل"، و"يُصَلَّبُوا"، فلا يقال فيها إنه فصَل بينها وبين حرف الاستعلاء فاصل، فينبغي أن يجري الوجهان؛ لأن ذلك الفاصل أيضا لام أدغمت في مثلها فصارا حرفا واحدا فلم تخرج اللام عن أن حرف الاستعلاء وليها وأما الذي سكن للوقف فنحو: "أَنْ يُوصَلَ" إذا وقفت عليه ففيه وجهان سبق ذكرهما أي وعند الذي يسكن في الوقف وقوله: وقفا مصدر في موضع الحال أي ذا وقف أي موقوفا عليه، وقوله: والمفخم فضلا يعني في المسألتين المذكورتين كما نقلناه من كلام الداني. فإن قلت: لم كان التفخيم أفضل فيما سكن للوقف؟ ولقائل أن يقول: ينبغي أن لا يجوز التفخيم أصلا كما سبق في الراء المكسورة أنها تفخم وقفا، ولا ترقق لذهاب الموجب للترقيق وهو الكسر وههنا قد ذهب الفتح الذي هو شرط في تغليظ اللام وكلا الذهابين عارض. قلت: سبب التغليظ هنا قائم وهو: وجود حرف الاستعلاء وإنما فتح اللام شرط فلم يؤثر فيه سكون الوقف لعروضه وقوة السبب، فعمل السبب عمله؛ لضعف المعارض وفي باب الوقف على الراء المكسورة زال السبب بالوقف وهو الكسر فافترقا. 361- وَحُكْمُ ذَوَاتِ الياَءِ مِنْهاَ كَهذِهِ ... وَعِنْدَ رُءُوسِ الآيِ تَرْقِيقُهَا اعْتَلا منها أي من هذه الألفاظ التي فيها اللام المستحقة للتفخيم، ويعني الكلمات المقصورة التي آخرها ألف منقلبة عن ياء، ولا يقع ذلك في القرآن إلا مع الصاد وحدها في خمسة مواضع في سبحان:   1 سورة طه، آية: 86. 2 سورة الحديد، آية: 16. 3 سورة البقرة، آية: 233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 "يَصْلاهَا مَذْمُومًا"1، وفي الانشقاق: "وَيَصْلَى سَعِيرًا"2، وفي الغاشية: "تَصْلَى نَارًا"3، وفي الليل: "لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى"4، وفي تبَّتْ: "سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ"5، وكذا: "وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً"6. في الوقف ففي تفخيم اللام وجهان كالوجهين فيما سكن في الوقف وذلك أنه قد تقدم أن له في إمالة ذوات الياء وجهين فإن أمال فلا تغليظ وإن لم يمل فالتغليظ فهما ذانك الوجهان، ويجوز أن يقال إن الخلاف على قول من يميل ذوات الياء؛ لأن اللام جاورها ما يقتضي تغليظها وما يقتضي ترقيقها لكن التغليظ يكون ههنا أولى من الإمالة؛ لأنه شبه الخلاف الذي هنا بالخلاف الذي فيما سكن للوقف، وقد ذكر أن المفخم ثَم: فضل، فكذا ينبغي أن يكون هنا، وقد نص عليه الداني في كتاب الإمالة فقال: والأوجَه هنا التفخيم، ولم يذكر مرجحا، وإنما فرق بين هذا وبين رءوس الآي على ما سنذكره. وأقول: سبب ترجيح التفخيم وجود سببه سابقا وتقدم اللام المغلظة على الألف الممالة فعمل السبب عمله قبل وجود ما تدخله الإمالة، ثم قال: وعند رءوس الآي أي إذا وجد مثل ذلك وهو ما يقتضي التغليظ والإمالة في كلمة هي رأس آية من السور الإحدى عشرة المتقدم ذكرها غلبت الإمالة التغليظ؛ لأن ورشا يميل رءوس الآي بلا خلاف؛ لمؤاخاة رءوس الآي، والتغليظ يخالف بينها، وقد روي التغليظ، قال الداني: كلا الوجهين حسن جميل غير أن الترقيق أقيس وأوجه. قلت: فلهذا قال: ترقيقها اعتلا أي اعتلى على التغليظ واستعمل الترقيق هنا بمعنى الإمالة وجملة ما وقع من ذلك في رءوس الآي ثلاثة مواضع في سورة القيامة: {وَلا صَلَّى} 7، وفي سبح: {فَصَلَّى} 8، وفي اقرأ: {إِذَا صَلَّى} 9، وأما: "مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً" ففيه التغليظ في الوصل؛ لأنه منون، وفي الوقف الوجهان السابقان، ولا تترجح الإمالة وإن كان رأس آية؛ إذ لا مؤاخاة لآي قبلها ولا بعدها، قوله: كهذه أي كهذه المواضع المذكورات في البيت السابق وهي ما في باب طال والمسكن وقفا. 362- وَكُلُّ لَدَى اسْمِ اللهِ مِنْ بَعْدِ كَسْرَةٍ ... يُرَقِّقُهَا حَتَّى يَرُوقَ مُرَتَّلا أي: وكل القراء وغيرهم أيضا اجتمعوا على أن اللام من اسم الله تعالى إذا كان قبلها حرف مكسور أنهم يرققونها والترقيق هنا ضد التغليظ، وليس المراد به الإمالة بخلاف قوله: وترقيقها اعتلا على ما سبق   1 الآية: 18. 2 الآية: 12. 3 الآية: 4. 4 الآية: 15. 5 الآية: 4. 6 سورة البقرة، الآية: 125. 7 الآية: 31. 8 الآية: 15. 9 الآية: 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 واسم الله تعالى التزم فيه التغليظ؛ تفخيما له وتعظيما اختص بذلك اسمه سبحانه من غير وجود حرف استعلاء فيه، فإذا وقع بعد كسرة رققت اللام؛ تحسينا للفظ به، فهذا معنى قوله: حتى يروق مرتلا أي يروق في اللفظ به حال ترتيله؛ وذلك لكراهة التصعد بعد التسفل، وأما سائر اللامات فمرققة مطلقا كالليل واللبن واللحم. 363- كَمَا فَخَّمُوهُ بَعْدَ فَتْحٍ وَضَمَّةٍ ... فَتَمَّ نِظَامُ الشَّمْلِ وَصْلاً وَفَيْصَلا الهاء في فخموه لاسم الله تعالى ولو قال: فخموها يعني اللام كما قال: ترقيقها لكان جيدًا وقوله: وصلا وفيصلا حالان من الهاء أي ذات وصل، و"فيصل" أي سواء كانت الحركات المذكورة على حروف متصلة بالاسم العظيم أو على حروف منفصلة منه في كلمة أخرى فلا يتغير الحكم بشيء من ذلك في الترقيق والتفخيم فمثال المتصل: "بِاللَّهِ" و"لِلَّهِ" ومثال المنفصل: {بِسْمِ اللَّهِ} {قَالَ اللَّهُ} {رُسُلُ اللَّهِ} . وكذا يرقق بعد الكسر العارض نحو: {قُلِ اللَّهُ} ، وهذا بخلاف ما سبق في ترقيق الراء؛ فإنهم قالوا: لا يؤثر في ترقيقها كسرة مفصولة ولا عارضة، والفرق أن المراد من ترقيق الراء إمالتها، وذلك يستدعي سببا قويا للإمالة، وأما ترقيق اللام فهو الإتيان بها على ماهيتها وسجيتها من غير زيادة شيء فيها، وإنما التغليظ هو الزيادة فيها، ولا تكون الحركة قبل لام اسم الله تعالى إلا مفصولة لفظا أو تقديرا، وأما الحركة قبل الراء فتكون مفصولة وموصولة فأمكن اعتبار ذلك فيها بخلاف اللام هذا كله فيما إذا وصلت اسم الله تعالى بما قبله فإن ابتدأت به فخمته؛ لأن الهمزة قبل اللام مفتوحة فهذه حركة متصلة وذلك كأول آية الكرسي ونحوه والراء المرققة غير المكسورة كغير المرققة يجب بعدها التفخيم؛ لأن الترقيق لم يغير فتحها ولا ضمها، وأما إذا وقع اسم الله تعالى بعد إمالة نحو قراءة السوسي: "ترى الله". ففيه وجهان: التفخيم كالذي بعد الراء المرققة الغير المكسورة والترقيق؛ لأن في الراء بالإمالة شيئا من الكسر، وقال شيخنا أبو الحسن: التفخيم أولى، وحكاه عن شيخه الشاطبي، وقال لي الشيخ أبو عمرو: الترقيق أولى لأمرين؛ أحدهما: أن أصل هذه اللام الترقيق، وإنما فخمت للفتح والضم ولا فتح ولا ضم هنا فعدنا إلى الأصل، والثاني: اعتبار ذلك بترقيق الراء في الوقف بعد الإمالة على ما سبق في باب الراءات، وقوله تعالى: {رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ} . الاسم الأول: مفخم، والثاني: مرقق، وقوله تعالى في أول إبراهيم: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} . هو مرقق في الوصل ومفخم إذا ابتدئ به سواء قرئ برفع الهاء أو بجرها والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 باب: الوقف على أواخر الكلم ... باب: الوقف على أوخر الكلم هذه ترجمة كان ينبغي أن يذكر في بابها جميع ما يتعلق في تلاوة القرآن، فإن قوله: أواخر الكلم يشمل آخر كل كلمة، ومن جملة الكلم المنصوب المنون يقف القراء عليه بألف مبدلة من التنوين والمرفوع المنون، والمجرور المنون يوقف عليها بالسكون من غير أن يبدل من تنوينهما واوًا أو ياءً، وهذه هي اللغة الفصيحة، ومن العرب من يبدل في الجميع، ومنهم من لا يبدل في الجميع، فترك بيان هذا وهو مهم، ولم يذكر في الباب إلا الكلام في الروم والإشمام، وهما أيضا وجهان للعرب في الوقف، فهذه خمس لغات، وفي الوقف أيضا لغتان: النقل والتضعيف، ولم يقرأ بهما أحد إلا قليلا. وحكى مجاهد عن أبي عمرو: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} . يشمّ الباء شيئًا من الجر، ولا يشبعه، قال: وهذا لا يجوز إلا في الوقف؛ لأنه ينقل كسرة الراء إلى الباء، وحكى الأهوازي عن الضبي عن حمزة: "دِفْءٌ"، و"جُزْء"، و"مِلْء" بالتشديد من غير همز في حال الوقف. قلت: وفي الطرق المشهورة أن القراءة إنما جاءت باللغة الأولى: الفصحى، وبالروم والإشمام، وهما أيضًا فصيحتان، فكان ينبغي أن تكون ترجمة هذا الباب: "باب الروم والإشمام"، ولكن تبع الناظم في هذا عبارة التيسير، والله أعلم. 364- وَالِاسْكَانُ أَصْلُ الوَقْفِ وَهْوَ اشْتِقَاقُهُ ... مِنَ الوَقْفِ عَنْ تَحْرِيكِ حَرْفٍ تَعَزَّلا أي اشتقاق الوقف من قولك: وقفت عن كذا إذا لم تلابسه فلما كان هذا وقفا عن الإتيان بالحركة سمي وقفا؛ لأن لغة العرب أن لا يوقف على متحرك؛ فالأصل أن يكون الوقف بالإسكان؛ لهذا ولأنه أخف، والوقف موضع تخفيف وقوله: تعزلا يعني أن الحرف صار بمعزل عن الحركة يقال: اعتزله وتعزله، ومنه الأعزل الذي لا سلاح معه فيجوز أن يكون تعزلا صفة لحرف، وقد ذكرنا معناه، ويجوز أن يكون صفة لتحريك حرف أي لتحريك انعزل عن محله. فإن قلت في قوله: وهو اشتقاقه إشكال لأن المعنى يؤول إلى تقدير: والوقف اشتقاقه من الوقف، ولا يكون اللفظ مشتقا من نفسه، ووجه الكلام إنما يسمى وقفا من قولهم: وقفت عن كذا؛ لأنه وقف عن الحركة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 قلت: يجوز أن يكون وهو ضمير الشأن لا ضمير الوقف، فيلتئم الكلام ولا يتنافر، وهذا الذي ذكره تبرع منه وليس في كتاب التيسير الذي نظمه. 365- وَعِنْدَ أَبِي عَمْرٍو وَكُوفِيِّهِمْ بِهِ ... مِنَ الرُّوْمِ وَالإِشْمَامِ سَمْتٌ تَجَمَّلا به أي فيه، والهاء ضمير الوقف والسمت الهيئة والسمت الطريق والسمت القصد نفسه، يقال: سمت يسمت إذا قصد، والسمت الناحية المقصودة، وكل ذلك محتمل هنا ووصفه بالتجمل أي عندهم من ذلك أمر جميل من الاحتفال به والاهتمام بشأنه والقصد له في التلاوة به، قال صاحب التيسير: وردت الرواية عن الكوفيين وأبي عمرو بالوقف بالإشارة إلى الحركة سواء كانت إعرابا أو بناء، والإشارة تكون روْمًا وإشمامًا والباقون لم يأت عنهم في ذلك شيء، واستحباب أكثر شيوخنا من أهل القرآن أن يوقف في مذاهبهم بالإشارة لما في ذلك من البيان. قلت: فهذا معنى قوله: 366- وَأَكْثَرُ أَعْلاَمِ الْقُرَانِ يَرَاهُما ... لِسَائِرِهِمْ أَوْلَى العَلاَئِقِ مِطْوَلا أعلام: جمع علم يشير إلى المشايخ أهل أداء القراءة، وجعلهم أعلاما لحصول الهداية بهم كالأعلام في الطرق، وأضافهم إلى القرآن الذي هو اسم للكتاب العزيز؛ لأنهم أهله أو أراد به القراءة؛ لأنها صناعتهم وأتي به بغير همز كما في قراءة ابن كثير له كما يأتي، والقرآن بمعنى القراءة، وأراد في قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} ، وقوله: يراهما يعني الروم والإشمام لسائرهم أي لباقي القراء السبعة وهم نافع وابن كثير وابن عامر، والعلائق جمع علاقة والمطول الحبل ونصبه على التمييز، أي يراهما أولى حبل يتعلق به والحبل يكنى به عن السبب الموصل إلى المطلوب، فكأنه قال: أولى الأسباب سببا أو يكون العلائق البضائع، ومطولا حال من الضمير المستتر في يراهما الراجع على أكثر. قال الشيخ: لأنه يكون بذلك سببا للطول أو الطول. 367- وَرَوْمُكَ إِسْمَاعُ المُحَرَّكِ وَاقِفًا ... بِصَوْتٍ خَفِيٍّ كُلَّ دَانٍ تَنَوَّلا أخذ يبين حقيقة الروم فقال هو أن تسمع الحرف المحرك احترازا من الساكن في الوصل نحو: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} ، فهذا لا روم فيه إنما يكون الروم في المحرك في حالة الوصل فترومه في الوقف بأن تسمع كل قريب منك ذلك المحرك بصوت خفي قال في التيسير: هو تضعيفك الصوت بالحركة حتى يذهب بذلك معظم صوتها، فتسمع لها صوتا خفيًّا يدركه الأعمى بحاسة سمعه، وقال الشيخ: هو الإشارة إلى الحركة مع صوت خفي وكلاهما واحد وهذا أخصر، فقول الناظم: كل دانٍ مفعول إسماع، والمفعول الأول أضيف إليه إسماع، وهو المحرك أراد إسماعك المحرك كل قريب منك كقولك: أسمعت زيدا كلاما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وقوله: واقفا حال من فاعل إسماع، وتنولا صفة لدانٍ، وهو مطاوع نولته أي أعطيته نوالا كأنه يشير إلى السماع أي كل دانٍ سامع منصت لقراءتك، فهو المدرك لذلك بخلاف غيره من غافل أو أصم، وقال صاحب صحاح اللغة: روم الحركة الذي ذكره سيبويه هي حركة مختلسة مخفاة بضرب من التخفيف، وهي أكثر من الإشمام؛ لأنها تسمع وهي بزنة الحركة، وإن كانت مختلسة مثل همزة بين بين ثم أخذ يبين الإشمام فقال: 368- وَالِاشْمَامُ إِطْبَاقُ الشِّفَاهِ بُعَيْدَ مَا ... يُسَكَّنُ لاَ صَوْتٌ هُنَاكَ فَيَصْحَلا أي بعد ما يسكن الحرف المحرك، والشفاه بالهاء جمع شفة، وإنما جمع اعتبارا بالقارئين أو هو من باب قولهم هو عريض الحواجب عظيم المناخر ويقال صحل صوته بكسر الحاء يصحل بفتحها إذا صار أبح أي كانت فيه بحوحة لا يرتفع الصوت معها فكأنه أشبه إضعاف الصوت في الروم بذلك فقال: ليس في الإشمام مثل ما في الروم، قال في التيسير: الإشمام ضمك شفتيك بعد سكون الحرف أصلا، ولا يدرك معرفة ذلك الأعمى؛ لأنه لرؤية العين لا غير؛ إذ هو إيماء بالعضو إلى الحركة وقال الشيخ: هو الإشارة إلى الحركة من غير تصويت، وقال في موضع آخر: حقيقته أن تجعل شفتيك على صورتهما إذا لفظت بالضمة، وقال الجوهري: إشمام الحرف أن تشمه الضمة أو الكسرة وهو أقل من روم الحركة؛ لأنه لا يسمع وإنما يتبين بحركة الشفة العليا، ولا يعتد بها حركة؛ لضعفها، والحرف الذي فيه الإشمام ساكن أو كالساكن. قلت: وهذا خلاف ما يقوله القراء والنحاة في حقيقة الإشمام، وفي محله أيضا لكن قال مكي: قد روي عن الكسائي الإشمام في المخفوض قال: وأراه يريد به الروم؛ لأن الكوفيين يلقبون ما سميناه روما إشماما وما سميناه إشماما روما. قلت: فعبر الجوهري بما لا يوافق المذهبين فكأنه كان في ذلك بين بين، وقال أبو علي في التكملة الإشمام هو أن تضم شفتيك بعد الإسكان وتهيئهما للفظ بالرفع أو الضم وليس بصوت يسمع وإنما يراه البصير دون الأعمى وذكر نصر بن علي الشيرازي في كتابه الموضح أن الكوفيين، ومن تابعهم ذهبوا إلى أن الإشمام هو الصوت وهو الذي يسمع؛ لأنه عندهم بعض حركة، والروم هو الذي لا يسمع؛ لأنه روم الحركة من غير تفوه به. قال: والأول هو المشهور عند أهل العربية. قلت: وزعم بعضهم أن ابن كيسان ومن وافقه من الكوفيين ترجموا عن الإشمام بالروم وعن الروم بالإشمام، وزعموا أن ذلك أقرب إلى استعمال اللفظين في وضع اللغة، ولا مشاحة في التسمية إذا عرفت الحقائق، ثم ذكر الناظم مواضع استعمال الروم والإشمام فقال: 369- وَفِعْلُهُماَ في الضَّمِّ وَالرَّفْعِ وَارِدٌ ... وَرَوْمُكَ عِنْدَ الكَسْرِ وَالجَرِّ وُصِّلا أي فعل الروم والإشمام ورد عنهم في المضموم والمرفوع ويختص الروم بالمكسور والمجرور. 370- وَلَمْ يَرَهُ في الفَتْحِ وَالنَّصْبِ قَارِئٌ ... وَعِنْدَ إِمَامِ النَّحْوِ في الكُلِّ أُعْمِلا الهاء في: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 {يَرَهُ} ، للروم أي مذهب القراء أن لا روم في المفتوح والمنصوب، قالوا: لأن الفتحة خفيفة فإذا خرج بعضها خرج سائرها؛ لأنها لا تقبل التبعيض كما تقبله الضمة والكسرة؛ لما فيهما من الثقل، ولأن المنصوب المنون لما تبينت فيه الفتحة؛ لإبدال التنوين فيه ألفا لم يرم الباقي؛ لأن لا يبقى ذلك على التقريب من لفظه وقال مكي يجوز فيه الروم غير أن عادة القراء أن لا يروموا فيه، وأن يقفوا بالسكون للجميع وقال: وقد اختلف لفظ أبي الطيب -رحمه الله- تعالى في ذلك وبالإسكان قرأت عليه في المنصوب لجميع القراء، وأما أهل النحو فأجازوا الروم في الفتح كما في الكسر والضم من غير فرق، فقوله: إمام النحو: يحتمل أن يريد به أئمة النحو فهو لفظ مفرد أريد به الجنس، ويجوز أن يريد به المشهور فيهم المقتدى به منهم وهو سيبويه الذي كتابه قدوة هذا العلم، والضمير في "أعملا" للروم، وليست الألف للتثنية إنما هي للإطلاق فالإشمام لا مدخل له في حركة الفتح كما لا مدخل له في الكسر، وإنما يختص بحركة الضم؛ لأن حقيقته ضم الشفتين، وذلك لا يحصل به إلا الدلالة على الضم فقط، وقوله: في الكل يعني في الحركات كلها ولم يتعرض صاحب التيسير لبيان مذهب النحويين، قال سيبويه في كتابه: أما ما كان في موضع نصب أو جر فإنك تروم فيه الحركة فأما الإشمام فليس إليه سبيل. 371- وَمَا نُوِّعَ التَّحْرِيكُ إِلاَّ لِلاَزِمٍ ... بِنَاءً وَإِعْرَابًا غَدَا مُتَنَقِّلا هذا اعتذار منه عن كونه لفظ بستة أسماء للحركات وهن ثلاث فخاف من إشعار ذلك بتعدد الحركات فقال: ما نوعت التحريك وقسمته هذه الأقسام إلا لأعبر عن حركات الإعراب وحركات البناء؛ ليعلم أن حكمهما واحد في دخول الروم والإشمام، وفي المنع منهما أو من أحدهما، ولو اقتصر على ألقاب أحدهما لخيف أن يظن أن الآخر غير داخل في ذلك وحركة البناء توصف باللزوم؛ لأنها لا تتغير ما دام اللفظ بحاله فلهذا قال: للازم بناء أي ما نوعته إلا لأجل أنه منقسم إلى لازم البناء وإلى ذي إعراب غدا بذلك متنقلا من رفع إلى نصب إلى جر باعتبار ما تقتضيه العوامل المسلطة عليه فألقاب الإعراب رفع ونصب وجر، وربما قيل: وخفض، وألقاب البناء ضم وفتح وكسر، وقد ذكرها سيبويه في أول باب من كتابه واعتذر عن تعدد الأسماء، واتحاد المسمى في اللفظ بنحو من ذلك؛ فإن الرفع والضم لفظهما واحد وكذا النصب والفتح والجر والكسر، وكذا الذي آخره ساكن للإعراب يسمى جزما، والذي للبناء يسمى وقفا والله أعلم. فمثال حركات البناء في القرآن: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} ، و {مِنْ حَيْثُ} ، و {مَنْ عَادَ} ، و {هَؤُلاءِ} . وحركات الإعراب نحو: {قَالَ الْمَلَأُ} ، و {إِنَّ الْمَلَأَ} ، و {إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى} . ونصب بناء في قوله للازم بناء على أنه مفعول للازم أو تمييز، والتقدير: وإن اختلفا فهما متفقان في المعنى؛ لأن الكلمة لزمت البناء والبناء لزم الكلمة إما مطلقا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 كـ "حيث"، و"أين"، و"هؤلاء". وإما في حالة من أحواله مطلقا نحو: {مِنْ قَبْلُ} و {لا ظُلْمَ} {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} والله أعلم. 372- وَفي هَاءِ تَأْنِيثٍ وَمِيمَ الْجَمِيعِ قُلْ ... وَعَارِضِ شَكْلٍ لَمْ يَكُوناَ لِيَدْخُلا شرع يبين ما يمتنع فيه الروم والإشمام على رأي القراء فالألف في: "يَكُونَا". ليدخلا: ترجع إلى الروم والإشمام أي لم يقعا في هذه المواضع الثلاثة حيث كانت الموضع الأول هاء التأنيث وهي التي تكون تاء في الوصل ويوقف عليها بالهاء نحو: "رَحْمَةً"، و"نِعْمَةَ" فلا يدخلان فيها؛ لأن الحركة إنما كانت للتاء والهاء بدل عنها في الحالة التي تعدم الحركات فيها وهي الوقف فلا حركة للهاء فترام وتشم، فأما ما وقف عليه بالتاء من هذا الباب لأجل رسمه فيدخله الروم والإشمام؛ لأن الحركات داخلة في التاء نص عليه مكي وقال: لم يختلف القراء في هاء التأنيث أن الوقف عليها بالإسكان ولا يجوز الروم والإشمام فيها؛ لأن الوقف على حرف لم يكن عليه إعراب إنما هو بدل من الحرف الذي كان عليه الإعراب إلا أن تقف على شيء منه بالتاء اتباعا لخط المصحف؛ فإنك تروم وتشم إذا شئت لأنك تقف على الحرف الذي كانت الحركة لازمة له فيحسن فيه الروم والإشمام. الموضع الثاني: ميم الجمع أي الدالة على جماعة نحو: "عَلَيْهِمُ"، و"إِلَيْهِمْ"، و"مِنْهُمْ"، و"عَنْهُمْ". في المواضع التي توصل بواو على ما تقدم بيانه لم يدخلا فيها؛ لأنها ساكنة وتحريكها في حال صلتها على مذهب من وصلها إنما كان لأجل الصلة ولهذا إذا وقف عليها ترك الصلة، فيسكن الميم، وأجاز مكي رومها وإشمامها كهاء الضمير على ما يأتي ورد عليه الداني وقال: خالف في ذلك الإجماع، وأتى بخطأ من القول، قال مكي: ميم الجمع أغفل القراء الكلام عليها، والذي يجب فيها على قياس شرطهم أن يجوز فيها الروم والإشمام؛ لأنهم يقولون ل فرق بين حركة الإعراب وحركة البناء في جواز الروم والإشمام فالذي يروم ويشم حركة الميم على النص غير مفارق له للإجماع، والذي لا يروم حركة الميم خارج عن النص بغير رواية اللهم إلا أن يوجد الاستثناء فيها منصوصا، فيجب الرجوع إليه إذا صح، قال: وليس ذلك بموجود، ومما يقوى جواز ذلك فيها نصهم على هاء الكناية بالروم والإشمام فهي مثل الهاء؛ لأنها توصل بحرف بعد حركتها كما توصل الهاء، ويحذف ذلك الحرف في الوقف كما يحذف مع الهاء فهي مثلها في هذا غير أن الهاء أخفى منها، فلذلك امتنعت الهاء عند القراء من الروم والإشمام إذا كانت حركتها مثل حركة ما قبلها أو كان قبلها ساكن من جنس حركتها، وهذا لا يكون في الميم؛ لأنها ليست بالخفية، ولو كانت في هذا مثل الهاء لم يجز الإشمام في: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 "يَا قَوْمِ"، و"يَحْكُمَ". وليس في جوازه اختلاف وليس قول من يمنع ذلك؛ لأجل أن الميم من الشفتين بشيء لإجماع الجميع على الروم والإشمام في الميم التي في أواخر الأفعال والأسماء التي ليست للجمع، ولو تم له منع الإشمام فيها لم يتم له منع الروم فقياس ميم الجمع لمن ضمها وهو يريد بالضم أصلها أن يقف عليها كغيرها من المتحركات والإسكان حسن فيها، فأما من حركها لالتقاء الساكنين فالوقف له بالسكون لا غير قلت: فنحو: {عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} حركة الميم بالضم أو الكسر هي لالتقاء الساكنين عند الأكثر فلا ترام ضما ولا كسرا ولا تشم ضما، وهي في مذهب من يرى الصلة ليست لالتقاء الساكنين، فيجوز فيها الروم والإشمام على مذهب ابن كثير على ما ذكره مكي، وفرق الداني بين ميم الجمع وهاء الكناية بأن الهاء محركة قبل الصلة بخلاف الميم يعني بدليل قراءة الجماعة، فعوملت حركة الهاء في الوقف معاملة سائر الحركات، ولم يكن للميم حركة، فعوملت بالسكون فهي كالتي تحرك لالتقاء الساكنين كما يأتي. الموضع الثالث قوله: وعارض شكل الشكل عبارة عن الحركة هنا تجوزا على تجوز، وذلك أن استعماله في دلالة الخط على الحركات والسكون مجاز؛ لأنه تقييد كالشكل في الدواب، ثم استعماله مخصصا بالحركة تجوز آخر ودلت قرينة الكلام في الروم والإشمام على هذا التجوز؛ لأنهما لا يدخلان إلا في متحرك أي وفي شكل عارض أي حركة عارضة فهو من باب حسن وجه إلا أنه لا يجوز أن تقول: مررت بحسن وجه وأنت تريد بوجه حسن؛ لما فيه من إضافة الصفة إلى الموصوف وإنما يجوز على تقدير مررت بشخص حسن وجه فعلى هذا يكون تقدير البيت: وفي لفظ عارض شكل لم يدخلا، وذلك حركة التقاء الساكنين، نحو: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ} ، {وَعَصَوُا الرَّسُولَ} ، {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ} ، {وَيَوْمَئِذٍ} ؛ لأنه ليس هنا حركة فتفتقر إلى دلالة والعلة الموجبة للتحريك في الوصل مفقودة في الوقف؛ لأن الساكن الذي من أجله تحرك الحرف الأول قد باينه وانفصل عنه، فأما حركة نحو القاف من قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ} فترام وإن كانت حركة التقاء الساكنين أيضا؛ لأن الأصل يشاقق فأدغم وحرك، وسببه دوام مصاحبة الساكن المدغم وقفا ووصلا ومما يمتنع رومه من الحركات العارضة حركة الهمزة المنقولة في قراءة ورش نحو: "مِنْ إِسْتَبْرَقٍ" و"قُلْ أُوحِيَ". قال مكي: فأما إن كان الذي أوجب الحركة في الحرف لازما فالروم والإشمام جائزان فيه على ما قدمناه في الوقف على: "جزء" و"ملء" و"دفء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 إذا ألقيت حركة الهمزة على ما قبلها في قراءة حمزة وهشام؛ لأنها حركة الهمزة وهي تدل عليها فكأن الهمزة ملفوظ بها قال: فأما: "يَوْمَئِذٍ"، و"حِينَئِذٍ" فبالإسكان تقف عليه؛ لأن الذي من أجله تحركت الذال يسقط في الوقف فترجع الذال إلى أصلها وهو السكون فهو بمنزلة: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ} ، وشبهه. قال: وليس هذا بمنزلة: "غَوَاشٍ"، و"جَوَارِ"، وإن كان التنوين في جميعه دخل عوضا من محذوف؛ لأن التنوين دخل في هذا على متحرك فالحركة أصلية والوقف عليه بالروم حسن، والتنوين في "يومئذ" دخل على ساكن فكسر لالتقاء الساكنين على الأصل والله أعلم. 373- وَفي الهَاءِ لِلإِضْمَارِ قَوْمٌ أَبَوْهُمَا ... وَمِنْ قَبْلِهِ ضَمٌّ أَوِ الكَسْرُ مُثِّلا 374- أَوُ امَّاهُمَا وَاوٌ وَيَاءٌ وَبَعْضُهُمْ ... يُرى لَهُمَا فِي كُلِّ حَالٍ مُحَلِّلا يعني هاء الضمير وهي هاء الكناية التي سبق لها باب: أبى قوم الروم والإشمام فيها إذا كان قبلها ضم أو كسر نحو: {بِمُزَحْزِحِهِ} {لا نُخْلِفُهُ} . أو يكون قبلها، إما الضم أو الكسر وهما الواو والياء نحو: "فِيهِ"، و"عَقَلُوهُ". وطلبوا بذلك التخفيف؛ لئلا يخرجوا من ضم أو واو إلى ضمة أو إشارة إليها ومن كسر أو ياء إلى كسرة، والهاء في قبله تعود إلى الإضمار أو إلى الهاء ولو قال قبلها لجاز على هذا وكان أحسن؛ لأنه أوضح والوزن مُواتٍ له، قوله: مثِّلا أي شخّص قبل الهاء والألف للإطلاق، ويجوز أن يكون ضمير التثنية على حد قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} . وليس هذا مثل قولك: زيد أو عمرو قائم فإنه لا يجوز قائما؛ لأنك لم ترد الإخبار عنهما بل عن أحدهما وههنا يريد الإخبار عنهما معا، وإنما حرف أو أفاد نفي اجتماعهما فلا يكون إلا أحدهما فلهذا عدل عن الواو إلى أو فهي قريبة الشبه من قولهم جالس الحسن أو ابن سيرين فإن المعنى جالسهما، وعدل إلى لفظ "أو"؛ ليفيد أن لك أن تجالس واحدا منهما منفردا كما لك أن تجالسهما معا، ثم قال: أو أماهما فنقل حركة همزة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 أم إلى الواو وجعل الواو "أُمًّا" للضم والياء "أُمًّا" للكسر أي أن الضم والكسر تولدا منهما، وهذه مسألة قد اختلف الناس فيها وهي أن الحركات الثلاث أصول حروف العلة أو حروف العلة أصول الحركات، وقد سبق الناظمَ إلى هذه العبارة أبو الحسن الحصري فقال في باب الكناية من قصيدته: وأشمم ورم ما لم تقف بعد ضمة ... ولا كسرة أو بعد أُمَّيْهِما فادرِ وقوله: واو وياء بدلان من "أُمًّا" ثم قال: وبعضهم أي وبعض الشيوخ يرى محللا لهما أي مجوزا للروم والإشمام في هاء الإضمار كيف كانت وعلى أي حال وجدت، ولم يستثن ما ذكره هؤلاء القوم فقوله: محللا اسم فاعل من التحليل الذي هو ضد التحريم، ونصبه على أنه مفعول ثانٍ لقوله يرى، وهذه المسألة لم تذكر في التيسير، وقد ذكرها مكي فقال: إذا وقفت على هاء الكناية وكانت مضمومة وقبلها ضمة أو واو ساكنة أو كانت مكسورة وقبلها كسرة أو ياء ساكنة وقفت بالإسكان لا غير عند القراء. قال: وقد ذكر النحاس جواز الروم والإشمام في هذا، وليس هو مذهب القراء، ويقف عليها فيما عدا هذين الأصلين كسائر الحروف بالروم والإشمام على ما ذكرناه والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 باب: الوقف على مرسوم الخط يعني خط المصحف: على ما وضعته عليه الصحابة -رضي الله عنهم- لما كتبوا المصاحف في زمن عثمان رضي الله عنه وأنفذها إلى الأمصار، ففيها مواضع وجدت الكتابة فيها على خلاف ما الناس عليه اليوم في الكتابة، وقد صنف في ضبط ذلك تصانيف، ولأبي عمرو الداني في ذلك الكتاب "المقنع"، وقد نظمه الشيخ الشاطبي أيضا في قصيدته الرائية، ولا يعرف ذلك إلا من وقف على تصنيف منها، وأصل الرسم: الأثر، فمعنى مرسوم الخط: ما أثره الخط. 375- وَكُوفِيُّهُمْ وَالمَازِنِيُّ وَنَافِعٌ ... عُنُوا بِاتَّبَاعِ الخَطِّ فِي وَقْفِ الاِبْتِلا المازني هو: أبو عمرو، وعنوا أي اعتنوا باتباع خط المصحف، والابتلا الاختبار أي إذا اختبروا بالوقف على كلمات ليست بموضع وقف؛ ليعلم به معرفة القارئ بحقيقة تلك الكلمة أو إذا انقطع نفس القارئ فوقف على تلك الكلمة، فقد وردت الرواية عن هؤلاء الأئمة المذكورين باتباع الرسم فيها، فيوقف عليها على وفق رسمها في الهجاء، وذلك باعتبار الأواخر في تفكيك الكلمات بعضها من بعض وتقطيعها، فما كتب من كلمتين موصولتين لم يوقف إلا على الثانية منهما، وما كتب منهما مفصولا يجوز أن يوقف على كل واحدة منهما، وذلك نحو: "عن ما"؛ هما كتبتا بالقطع في موضع وبالوصل في آخر فيقفون في المقطوع على "عن"، وفي الموصول على "عما"، وفي الوصل لا يظهر لذلك أثر فلهذا خص الباب بالوقف. 376- وَلاِبْنِ كَثِيٍر يُرْتَضى وَابْنِ عَامِرٍ ... وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ حَرٍ أَنْ يُفَصَّلا أي يرتضى لهما الوقف على المرسوم وإن لم يرد به عنهما رواية، وذلك لما فيه من التنبيه على الرسم قال في التيسير: اعلم أن الرواية ثبتت لدينا عن نافع وأبي عمرو والكوفيين أنهم كانوا يقفون على المرسوم، وليس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 باب: مذاهبهم في ياءات الإضافة ياء الإضافة هي: ياء المتكلم، بها تكون متصلة بالاسم والفعل والحرف، نحو: "عذابي" و"ليبلوني"، و"إني"، و"ولي". فهي مجرورة المحل، وتارة منصوبة المحل، وقد أطلق الناظم وغيره من مصنفي كتب القراءات هذه التسمية عليها، وإن كانت منصوبة المحل غير مضاف إليها نحو: "إني"، و"آتاني" و"يحزنني" و"ذروني". تجوُّزًا، وقد جاءت في المصحف على ضربين: محذوفة وثابتة، فالمحذوفة يأتي الكلام فيها في الباب الآتي، والثابتة فيها لغتان: الفتح والإسكان، فوجه الفتح: أنها ضمير على حرف واحد، قابل لحركة الفتح، واقع في موضع النصب والجر، فحرك، كالكاف والهاء، وقولنا: قابل لحركة الفتح؛ لأن الياء المكسور ما قبلها لا تحرك بغير الفتح إلا في ضرورة شعر، وقولنا: واقع في موضع النصب والجر، احترازًا من باب افعلي، في خطاب المرأة، ووجه الإسكان التخفيف؛ لأن حرف العلة تثقل عليه الحركة، وإن كانت فتحة، ولأن المد يخاف الحركة، فيصير الحرف بالمد كأنه محرك، وكلاهما لغة فصيحة، وقد جمعهما امرؤ القيس في بيت واحد، فقال: ففاضت دموع العين مني صبابة ... على النحر حتى بَلَّ دمعي محملي فقال: مني، بالإسكان، ودمعي بالفتح، وعند هذا نقول: كل ضمير مفرد متصل: منصوب أو مجرور لا ينفك من أن يكون ياء المتكلم أو كاف الخطاب أو هاء الغائب، فالياء تسكن؛ لما فيها من المد، ولأنها حرف علة تثقل عليه الحركة، وإن كانت فتحة بدليل إجماعهم على إسكان الياء من معدي كرب، ولزموا الفتح في نحو القاضي لأجل الإعراب، والكاف حرف صحيح محرك، والهاء مع كونها حرفا صحيحا فيها ضعف، فقويت بالصلة إما بواو، أو ياء، على حسب ما قبلها من الحركة، على ما سبق في بابها، ثم ياء الإضافة الثابتة في المصحف منها ما أجمع القراء على تسكينه، وهو كثير، نحو: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} ، {وَمَنْ عَصَانِي} ، {الَّذِي خَلَقَنِي} ، {يُطْعِمُنِي} ، {يُمِيتُنِي} ، {إِنِّي جَاعِلٌ} ، {فَقُلْ لِي عَمَلِي} ، {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 ومنها ما أجمع على فتحه، وهو: {بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} ، {أَرُونِيَ الَّذِينَ} ، {نِعْمَتِيَ الَّتِي} ونحوه، مما بعده لام التعريف، أو شبهها، غير ما يأتي الخلاف فيه، ومنه ما وقع فيه قبل ياء الإضافة ألف، نحو: {هُدَايَ} ، و {عَصَايَ} ، و"بشراي"، واختلف في: "مَحْيَاي" على ما يأتي، وإن وقع قبلها ياء ساكنة أدغمت فيها، وفتحت نحو: "لدي"، و"عَلَيَّ"، و"إِلَيَّ"، و"بِيَدَيَّ"، واختلف في "بِمُصْرِخِيّ"، و"يَا بُنَيَّ" في الفتح والكسر، ومنهم من أسكن: "يَا بُنَيَّ" "كما يأتي". وقد صنف الإمام أبو بكر بن مجاهد -رحمه الله- كتابا مستقلا في الياءات: إثباتا، وفتحا وإسكانا، وذكر المتفق عليه والمختلف فيه، على ترتيب القرآن، سورة سورة، وسيأتي في آخر كل سورة ذكر ما فيها من ياءات الإضافة. وههنا بيان أحكامها، فابتدأ الناظم ببيان حقيقتها فقال: 386- وَلَيْسَتْ بِلاَمِ الفِعْلِ يَاءُ إِضَافَةٍ ... وَمَا هِيَ مِنْ نَفْسِ الأُصُولِ فَتُشْكِلا أي تكون آخر كلمة ولكن ليست من حروف تلك الكلمة بل زائدة عليها، وشرح هذا الكلام أن تقول الكلمة إن كانت مما يوزن ووقع في آخرها ياء فزنها بالفاء والعين واللام فإن صادفت اللام مكان الباء فتعلم أنها لام الفعل مثاله: {أَمَّنْ يَأْتِي آمِنًا} ، {نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ} ، {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ} ، {فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} ، {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقّ} ، {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ} . فحكم مثل هذه الياء في المضارع السكون في الرفع والفتح في النصب والحذف في الجذم وفي الماضي الفتح نحو: {أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ} {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ} . ومثاله في الأسماء نحو: "الدَّاعِيَ"، و"الْمُهْتَدِي"، و"الزَّانِي"، و"النَّوَاصِي". فهذا وشبهه يقع الاختلاف فيه في الياء بالحذف والإثبات منا ما اتفق على إثباته "كالزاني" و"النواصي"، ومنها ما اختلف فيه "كالداعي" و"التلاق" على ما سيأتي بيانه في بابه وإن كانت الكلمة مما لا يوزن وذلك في الأسماء المبهمة نحو الذي والتي واللاتي، وفي الضمائر هي فالياء فيها ليست بياء إضافة؛ لأنها من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 نفس أصول الكلمة ليست زائدة عليها وإن كان يجوز في ياء الذي وأخواته الحذف والتشديد ويجوز في ياء هي في الشعر الإسكان والتشديد فاحترز بقوله: وما هي من نفس الأصول من مثل ذلك، ولم يكتف بقوله: وليست بلام الفعل؛ لما ذكرت من الفرق بين الكلمات الموزونة وغيرها، وقوله: وما هي من نفس الأصول يشمل الجميع، ولكن أراد التنبيه على مثل هذه الفوائد وإذا تقرر أنها ليست من نفس الأصول لم تبق مشكلة، فلهذا قال: فتشكلا، ونصبه على الجواب بالفاء بعد النفي، وكان ينبغي أن يأتي بما يحترز به أيضا عن ياء ضمير المؤنث في نحو: {اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} ، {وَهُزِّي إِلَيْكِ} . وعن الياء في جميع السلامة نحو: {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ} ، و {عَابِرِي سَبِيلٍ} ، {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} ، {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ} ، {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} ، {مُهْلِكِي الْقُرَى} . فهذا كله ليس من باب ياءات الإضافة وكان يكفيه في تعريفها أن يقول: هي ياء المتكلم أي ضميره المعبر عنه به في موضع النصب والجر متصلا ثم عرفها بالعلامة فقال: 387- وَلكِنَّهَا كالهَاءِ وَالكَافِ كُلُّ مَا ... تَلِيهِ يُرى لِلهَاءِ وَالكَافِ مَدْخَلا أي أنها كهاء الضمير وكافه كل لفظ تليه ياء الإضافة أي كل موضع تدخل فيه فإنه يصح دخول الهاء والكاف فيه مكانها فتقول في: "ضَيْفِي"، و"يَحْزُنُنِي"، و"إِنِّي"، "ولى ضيفه"، و"يَحْزُنُه"، و"إِنَّهُ"، و"لَهُ"، و"ضيفك"، و"يَحْزُنْكَ"، و"إِنَّكَ"، و"لك"، و"لكن". ههنا إشكال وهو: أن من المواضع مالا يصح دخول الكاف فيه نحو: "فَاذْكُرُونِي"، و"حَشَرْتَنِي". فلا يبقى قوله: "كل ما" على عمومه، ولو قال: كل ما تليه يرى للها أو الكاف لزال هذا الإشكال بحرف أو وقصر الهاء، وقوله: "كل ما" مبتدأ وحق كلمة "ما" بعدها أن تكتب مفصولة منها؛ لأنها مضاف إليها وهي نكرة موصوفة أي كل شيء يليه ولا تكاد تراها في النسخ إلا متصلة بكل ومنهم من ينصب كل ما يعتقد أنه مثل قوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} ، وذلك خطأ، ويرى خبر المبتدأ أي كل شيء يليه الياء يرى ذلك الشيء مدخلا للهاء والكاف أي موضع دخول لهما وقوله: تليه يجوز أن يكون من ولى هذا هذا أي تبعه وأتى بعده أي كل موضع اتصل به ياء الإضافة يرى موضعا لاتصال الهاء والكاف به مكان الياء، ويجوز أن تكون تليه من الولاية التي بمعنى الإمرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 أي كل موضع وليته الياء أي حكمت عليه بحلولها فيه فذلك الموضع يصح أن يكون مدخلا للضميرين الهاء والكاف ضميري الغائب والمخاطب، فيحكما حكمها فيه والله أعلم. ووقع لي بيتان في تعريفها حدا وتمثيلا باتصالها بالاسم والفعل والحرف وتمثيل ما احترز عنه مما تقدم ذكره فقلت: هي الياء في أني على متكلم ... تدل وضيفي فاذكروني مثلا وليست كـ "يائي" وهي أوحي واسجدي ... وياء التي والمهتدي حاضري انجلا فالحد أن تقول: هي الياء التي تدل على المتكلم وعند ذلك تتصل بالحروف الجارة والناصبة نحو: "لي" و"إني" وبالأسماء نحو ضيفي ودوني وتحتي وعندي وبالإفعال الماضية والمضارعة ومثال الأمر: "حشرتني" و"يحزنني" "فاذكروني". والبيت الثاني فيه أمثلة ما الياء فيه أصل لا عبارة عن متكلم والله أعلم. قال رحمه الله تعالى: 388- وَفي مِائَتَيْ ياَءٍ وَعَشْر مُنِيفَةٍ ... وَثِنْتَيْنِ خُلْفُ القَوْمِ أَحْكِيهِ مُجْمَلا منيفة أي زائدة: يقال أناف على كذا: أي أشرف عليه، وأنافت الدراهم على مائة إذا زادت عليها وناف الشيء في نفسه ينوف: أي طال وارتفع ذكره أي جملة ياءات الإضافة هي العدة وهي: مائتان واثنتا عشرة ياء وعدها صاحب التيسير مائتين وأربع عشرة ياء فزاد ثنتين وهما: {آتَانِيَ اللَّهُ} في سورة النمل1، وقوله في الزمر: {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ} ، وذكرهما الناظم في باب الزوائد؛ لأن الياء حذفت منهما في الرسم وهذا حقيقة باب الزوائد ثم إن صاحب التيسير لما ذكر: {آتَانِيَ اللَّهُ} في سورتها، عدها مع الزوائد ولم يعدها مع ياءات الإضافة وعد: {فَبَشِّرْ عِبَادِ} في سورتها مع ياءات الإضافة ولا شك أنهما أخذا من كل باب من هذين البابين حكمه فإن الخلاف فيهما في فتح الياء وإسكانها وفي إثباتها وحذفها وأما: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} .   1 آية: 36. 2 آية: 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 في الزخرف1 فذكرها الشيخ الشاطبي -رحمه الله- في باب ياءات الإضافة وبين حكمها؛ لأن المصاحف لم تجتمع على حذف يائها كما يأتي بيانه بخلاف ياء: "آتَانِي" في النمل، و"عِبَادِي" في الزمر. فإن المصاحف اجتمعت على حذف الياء منهما وذكر صاحب التيسير حكم الياء التي في الزخرف في باب الزوائد ولذلك عدها إحدى وستين ياء وأدرجها في باب ياءات الإضافة في العدد ولم ينص على حكمها فإنه عد الياءات التي ليس بعدها همز ثلاثين كما عدها الشاطبي، ولا يتم هذا العدد إلا بالتي بالزخرف وذكرها صاحب التيسير في سورتها مع ياءات الإضافة فقد عدها في البابين، وعذره في ذلك أنها حذفت في بعض الرسوم كما يأتي ذكره، وقوله: أحكيه مجملا يعني خلف القراء فيها بالفتح والإسكان، ولم يذكر في هذا الباب حذفا وإثباتا إلا في التي في الزخرف فإنه ذكر فيها الأمرين؛ فإن من أثبتها اختلفوا في فتحها وإسكانها وكذا فعل في باب الزوائد في اللتين في النمل والزمر، وقوله: مجملا حال من الهاء في أحكيه أو نعت مصدر محذوف أي ذكرا مجملا فهو مصدر قرن بغير فعله؛ لأنه بمعناه مثل قعدت جلوسا؛ لأن معنى أحكيه وأذكره واحد أي أذكره على الإجمال بضابط يشملها من غير بيان مواضع الخلاف كلها تنصيصا على أعيانها في سورها، وستأتي معينة في آخر كل سورة وإنما أحكامها تؤخذ من هذا الباب، وقيل هو من إجمال العدد وهو ما كان منه متفرقا ويجوز أن يكون من أجمل إذا أتى بالجميل من قولهم أحسن فلان وأجمل أي أذكره ذكرا جميلا سهلا، ويروى مجملا بكر الميم وهو حال من الفاعل بالمعاني السابقة. 389- فَتِسْعُونَ مَعْ هَمْزٍ بِفَتْحٍ وَتِسَعُها ... "سَمَا" فَتْحُهَا إَلاَّ مَوَاضِعَ هُمَّلا أي فمن جملة المائتين والاثنتي عشرة ياء المذكورة تسع وتسعون ياء بعدها همزة مفتوحة نحو: {إِنِّي أَعْلَمُ} ، {نِّي أَرَى} فتحها كلها مدلول سما وهم: نافع وابن كثير وأبو عمرو إلا مواضع خرجت عن هذا الأصل ففتحها بعضهم أو زاد معهم غيرهم جمعا بين اللغتين أو اختلف عن بعضهم في شيء من ذلك، ومعنى هملا متروكة وهو جمع هامل يقال بعير هامل من إبل هوامل وهمل وهمل وقد همل هذا إذا ترك بلا راعٍ، والشيء الهمل هو السدى المتروك، وقد رتب الناظم ذكر الياءات المختلف فيه ترتيبا حسنا وهو ترتيب صاحب التيسير وحاصل المختلف فيه منها ستة أنواع؛ فإن الياء لا تخلو إما أن يكون بعدها همزة أو لا، فالتي بعدها همزة لا تخلو من أن تكون همزة قطع أو همزة وصل، فهمزة القطع لا تخلو من أن تكون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وإن كانت همزة وصل فلا تخلو من أن يكون معها لام التعريف أو لا، فهذه ستة أنواع خمسة منها لما بعده همز، وواحد مع غير همز، فابتدأ بذكر ما بعده همزة قطع على الترتيب المذكور وبدأ بما بعده همزة مفتوحة؛ لكثرة ذلك، ولأن الفاتحين له من القراء ثلاثة عبر عنهم بسما وربما زادوا في بعض المواضع كما يأتي بيانه ثم ذكر ما بعده همزة مكسورة؛ لأنه دون ذلك في العدة وعلى فتحه من جملة مدلول سما اثنان   1 آية: 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 ثم ذكر ما بعده همزة مضمومة لقلته وعلى فتحه واحد من مدلول سما ثم ذكر ما بعده همزة وصل وقدم ما معه لام التعريف؛ لكثرته ثم ذكر النوع الآخر ثم ذكر ما لا همز بعده وهو آخر الأنواع الستة. واعلم أن الغالب على ياء الإضافة في القرآن الإسكان وأكثر ما فتح منها ما بعده همزة قطع، وسببه الخلاص بالفتح من المد وقد ذكر ابن مجاهد في كتابه: قال الفراء: وقد زعم الكسائي أن العرب تستحب نصب الياء عند كل ألف مهموزة سوى الألف واللام، قال الفراء: ولم أر ذلك عند العرب، رأيتهم يرسلون الياء فيقولون: عندي أبواك، ولا يقولون: عنديَ أبواك إلا أن يتركوا الهمزة، فيحولوا الفتحة في الياء، قال ابن مجاهد: فأما قولهم: لِيَ ألفان وبِيَ أخواي كفيلان، فإنهم ينصبون في هذين؛ لقلتهما. قلت: يعني قلة حروف الكلمتين "لي" و"بي" فحيث تقل الحروف يحسن الفتح ما لا يحل في كثرتها، وقد أفادنا ما حكاه عن الفراء أن معظم العرب على الإسكان، وأن من فتح منهم فأكثر فتحه فيما بعده همزة قطع، وأما ما بعده همزة وصل فلا؛ لأنه يلزم من إسكان الياء المد في القطع دون الوصل، ومذهب أكثر القراء عكس ذلك وهو اختيار الفتح قبل لام التعريف؛ لتظهر الياء ولا تحذف لالتقاء الساكنين، وفيما بعده همزة وصل بغير لام التعريف من الخلاف نحو مما بعده همزة قطع ولعل سببه أن همزة لام التعريف مفتوحة فكأن فتحتها نقلت إلى الياء وهمزة الوصل في غيرها مكسورة أو مضمومة، وقد أشار أبو عبيد إلى قريب من هذا الفرق في سورة الصف والخلاف في هذا الباب جميعه في الفتح والإسكان، وليس أحدهما ضدا للآخر، فكان الواجب عليه في اصطلاحه أن ينص في كل ما يذكره على القراءتين معا، لكن كان يطول عليه فاكتفى بدلالة النظم في جميع الباب على ذلك فإنه تارة ينص على الفتح وتارة على الإسكان ففهم من ذلك الأمران والله أعلم. 390- فَأَرْنِي وَتَفْتِنِّي اتَّبِعْنِي سُكُونُهَا ... لِكُلٍ وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ وَلَقَدْ جَلا يعني أن هذه الياءات الأربع وإن كان بعدها همزات مفتوحة فقد أجمعوا على إسكانها وليست من جملة التسع والتسعين التي ذكرها وأراد: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} وأتى به على قراءة ابن كثير والسوسي، و {لا تَفْتِنِّي أَلا} ، {فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ} و {إلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ} . وفائدة ذكره لهذه المواضع الأربعة من بين المجمع عليه أن لا يلتبس المختلف فيه بها؛ لأنها داخلة في الضابط المذكور وهو ما بعده همزة مفتوحة، فلولا تنصيصه عليها بالإسكان للكل لظن أنها من جملة العدة، فتفتح لمن يفتح تلك العدة، فعلم من ذكره لهذا المواضع أن المختلف فيه غيرها مما بعده همزة مفتوحة، وكذا يفعل فيما بعده مكسورة ومضمومة فلهذا قال: ولقد جلا أي كشف مواضع الخلاف وبينها، وفاعل جلا ضمير يرجع إلى الناظم أو إلى المذكور، وقيل يعود الضمير على السكون أي كشف فصاحة هذه اللغة وهي الإسكان بسبب الاتفاق عليه في هذه المواضع، وكذا فيما بعده همزة مكسورة أو مضمومة كما يأتي وقد ذكرنا فيم مضى أن أكثر الياءات في غير كلمات الخلاف مسكنة والمجمع على فتحه من ذلك ما قبله ساكن مدغم أو ألف نحو: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 "لَدَيَّ"، و"هُدَايَ"؛ للضرورة أو كان بعده لام التعريف نحو: {بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} ؛ حرصا على بيان الياء، وقيل حسن الإسكان في: {أَرِنِي} أن بعده: {لَنْ تَرَانِي} ، و {سَوْفَ تَرَانِي} . ساكن الياء وفي: "تَفْتِنِّي" أن قبله "إيذن لي" ساكن الياء وأنه محل الوقف. وفي: {اتَّبَعَنِي} أن قبله: {جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ} ساكن الياء. وفي: {تَرْحَمْنِي} أن قبله {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} ساكن الياء. والله أعلم. 391- ذَرُونِي وَادْعُونِي اذْكُرُونِيَ فَتْحُهَا ... "دَ"وَاءٌ وَأَوْزِعْنِي مَعاً "جَـ"ـادَ "هُـ"ـطَّلا أراد: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} ، {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} فتح هذه المواضع من مدلول سما ابن كثير وحده: {أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ} في النمل والأحقاف1، وهو معنى قوله: معا، وتقدير الكلام: وفتح ياءي كلمتي: أوزعني معا، وقد تقدم بيان اصطلاحه في ذلك في قوله: وأرجئ معا، وفتح ياءي أوزعني في الموضعين: ورش والبزي والضمير في جاد يرجع إلى الفتح وهطلا جمع هاطل، والهطل تتابع المطر ويقال: جاد المطر إذا غزر، وهطلا: حال أي ذا هطل أي سحائب هطل، قال الجوهري: سحائب هطل: جمع هاطل ويجوز أن يكون جاد من الجودة أي جاد في نفسه أو يكون من جاد بماله إذا سمح به ونصب هطلا على ما ذكرناه وقيل هطلا تمييز على حد تفقأ زيد شحما أي جاد هطله والله أعلم. 392- لِيَبْلُوَنِي مَعْهُ سَبِيلِي لِنَافِعٍ ... وَعَنْهُ وَلِلْبصْرِي ثَمَانٍ تُنُخِّلا معه أي مع ليبلوني، سبيلي فتحهما لنافع أراد: "لِيَبْلُوَنِيَ أَأَشْكُرُ"، "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو".   1 سورة النمل، آية: 19 والأحقاف، آية: 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وعنه: يعني عن نافع، ولأبي عمرو فتح ثمانِ ياءات تنخل: أي اختير فتحها، ولو قال تنخلا: أي اختارا فتحها وتكون الألف ضمير التثنية كان أبين وأحسن، ثم بين مواضعها فقال: 393- بِيُوسُفَ إِنيِّ الأَوَّلاَنِ وَليِ بِهَا ... وَضَيْفِي وَيَسِّرْ لِي وَدُونِي تَمَثَّلا أراد: "إِنِّي أَرَانِيَ أَعْصِرُ خَمْرًا"، "إِنِّي أَرَانِيَ أَحْمِلُ" احترز بقوله: الأولون عن ثلاث ياءات أخر في يوسف بلفظ إني وبعدها همزة مفتوحة وهي: "إِنِّيَ أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ"، "إِنِّيَ أَنَا أَخُوكَ"، "إِنِّيَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ". فهذه الثلاث يفتحها سما على أصلهم ووجه الكلام ياء كلمتي إني الأولان أو إني إني الأولان ولكنه حذف أحدهما؛ لدلالة المراد من هذا الكلام على المحذوف، وكذا قوله: وأوزعني معا أي أوزعني أوزعني معا، وقوله: ولي بها أي بسورة يوسف أيضا أراد: "حَتَّى يَأْذَنَ لِيَ أَبِي"، و"ضَيْفِيَ أَلَيْسَ مِنْكُمْ" في هود1، و"يَسِّرْ لِيَ أَمْرِي" في طه2، "مِنْ دُونِيَ أَوْلِيَاءَ". في آخر الكهف3 وقوله: تمثلا أي تشخّص ذلك وبان، فهذه ست ياءات، ثم ذكر الياءين الباقتين فقال: 394- وَيَاءَانِ في اجْعَلْ لِي وَأَرْبَعٌ "ا"ذْ حَمَتْ ... "هُـ"ـدَاهَا وَلكِنِّي بِهَا اثْناَنِ وُكِّلا أراد: {اجْعَلْ لِي آيَةً} . في آل عمران ومريم4 فهذه آخر الياءات الثمانية لنافع وأبي عمرو فتحها ثم ذكر أربعا فتحها لهما، وللبزي فقال: وأربع أي وفتحت أربع؛ إذ حمت تلك الأربع هداها أي ذوي هداها أي المهتدي لفتحها وهم قراؤها حمتهم من أن يطعن عليهم في فتحهم لها لحسن الفتح فيها ثم أخذ يبينها فقال: ولكني والواو من نفس التلاوة وليست عطفا أراد قوله تعالى: {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ} . في هود والأحقاف5 وهو معنى قوله: بها اثنان والهاء في بها عائدة على: ولكني أي وكل بهذا اللفظ موضعان ثم ذكر ما بقي فقال: 395- وتَحْتِي وَقُلْ في هُودَ إِنِّي أَرَاكُمُو ... وَقُلْ فَطَرَنْ في هُودَ "هَـ"ـادِيهِ "أَ"وْصَلا   1 آية: 78. 2 آية: 36. 3 آية: 102. 4 آل عمران آية: 41 ومريم آية: 10. 5 هود، آية: 29، والأحقاف، آية: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 أراد: "مِنْ تَحْتِيَ أَفَلا تُبْصِرُونَ" في الزخرف1، {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} 2. وفتح البزي ونافع: "فطرنيَ أفلا تعقلون". وحذف الناظم الياء من فطرني وأسكن النون ضرورة؛ لأنه لا يستقيم الوزن في بحر الطويل بلفظ: فطرني لما فيه من توالي أربع حركات ويستقيم فيه اجتماع ثلاث حركات، ومعنى قوله: هاديه أوصلا أي أوصل فتحه وهاديه ناقله. 396- وَيَحْزُنُنِي "حِرْمِيُّـ"ـهُمْ تَعِدَانِنِي ... حَشَرْتَنِيَ اعْمى تَأْمُرُونِي وَصَّلا وجميع ما في هذا البيت وصل الحرميان فتحه وليست الألف في وصلا للتثنية وإنما في وصل ضمير مستكن يرجع إلى لفظ حرمي؛ لأنه مفرد وإن كان مدلوله اثنين، ويجوز أن تكون الألف ضمير التثنية اعتبارا للمدلول أراد: {لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} 3، {أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} 4، {حَشَرْتَنِي أَعْمَى} 5 في طه، {تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} 6 في الزمر، فهذه أربع آيات لفظ بإثنتين منها ساكنتين وبإثنتين مفتوحتين على ما اتفق نظمه على أن فتحته ياء: {حَشَرْتَنِي} يحتمل أن تكون حركة ياء الإضافة ووصل همزة أعمى ضرورة ويحتمل أن تكون حركة الهمزة نقلت إليها وهو أولى، فهذا آخر ما أهمل فتحه بعض مدلول سما ثم ذكر ما زاد معهم على فتحة غيرهم فقال: 397- أَرَهْطِي "سَمَا مَـ"ـوْلًى وَمَالِي "سَمَا لِـ"وىً ... لَعَلِّي "سَمَا كُـ"ـفْؤًا مَعِي "نَفَرُ" العُلا يريد قوله تعالى: "أَرَهْطِيَ أَعَزُّ عَلَيْكُمْ".   1 آية: 51. 2 سورة هود، آية: 84. 3 آية: 13. 4 الأحقاف، آية: 17. 5 آية: 125. 6 آية: 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 زاد على فتحه ابن ذكوان: "مَا لِيَ أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ". زاد على فتحه هشام لعلي زاد على فتحه ابن عامر بكماله وهو في ستة مواضع في القرآن: "لَعَلِّي أَرْجِعُ" في يوسف1. "لَعَلِّي آتِيكُمْ" في طه والقصص2. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا"3 في قد أفلح. "لَعَلِّي أَطَّلِعُ" في القصص4. "لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ" في غافر5. ونصب: مولى ولوا وكفؤا على التمييز أو على الحال، والمولى: الناصر ولوى مقصور لواء، ويكنى به عن الشهرة وسموه موافق لذلك أي ارتفع لواؤه؛ هذا إن نصبناه على التمييز، وإن كان حالا فالتقدير: ذا لواء والكفؤ: المماثل، وأما "معي" في قوله تعالى: {مَعِيَ أَبَدًا} في براءة6، {مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا} في تبارك7، فزاد على فتحه ابن عامر أيضا وحفص وهو المذكور في أول البيت الآتي، ومعي مبتدأ ونفر العلا خبره أي ذو نفر العلا أي نفر الأدلة العلا أو يكون نفر العلا مبتدأ ثانيا وخبره أول البيت الآتي وهو قوله: 398- "عِـ"مَادٌ وَتَحْتَ النَّمْلِ عِنْدِيَ "حُـ"سْنُهُ ... "إِ"لَى "دُ"رِّهِ بِالخُلْفِ وَافَقَ مُوهَلا   1 آية: 46. 2 طه، آية: 10، والقصص آية: 29. 3 آية: 100. 4 آية: 38. 5 آية: 37. 6 آية: 83. 7 آية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 أي هم عماد له في فتحه فالجملة خبر معي، وقوله: عندي مبتدأ، وتحت النمل خبر أراد قوله تعالى في القصص: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} ، {أَوَلَمْ يَعْلَمْ} 1. وهذا الموضع هو الذي اختلف فيه عن بعض مدلول سما وهو ابن كثير، ولولا الخلف لما كان له حاجة لذكره؛ فإنه داخل في عموم ما تقدم لهم، وقوله: حسنه: مبتدأ أيضا؛ أي: حسن الفتح إلى دره وافق موهلا، وقوله: وافق هو خبر المبتدأ، وموهلا حال أي مجعولا أهلا للموافقة للصواب من قولهم: أهلك الله لكذا أي: جعلك أهلا له أو هو مفعول به أي وافق قارئا هذه صفته أو ذا أهل يشير إلى أن له أدلة وبراهين. وهذا آخر الكلام فيما بعده همزة مفتوحة. ثم ذكر النوع الثاني وهو ما بعده همزة مكسورة فقال: 399- وثِنْتَانِ مَعْ خَمْسِينَ مَعْ كَسْرِ هَمْزَةٍ ... بِفتْحِ "أُ"ولِي "حُـ"كْمٍ سِوى مَا تَعَزَّلا أي استقرت بفتح أولى حكم أي بفتح جماعة أصحاب حكم وعدل وذلك نحو: {فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ} ، {فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ} ، {رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ} . سوى ما تعزلا: أي ما انعزل عن هذا الأصل ففتحه بعض مدلول قوله: أولى حكم، أو زاد معهم غيرهم، ومن المواضع ما لم تزد فيه العدة، ولم تنقص، وخرج عن الأصل السابق، وهو موضعان: أحدهما خلف فيه قارئ عن قارئ وهو: "رُسُلِي" في سورة المجادلة2؛ فتحه ابن عامر وأسكنه أبو عمرو وهو مذكور في البيت الآتي، والثاني: "رَبِّي" في حم السجدة3؛ فتحه نافع وأبو عمرو على أصلهما لكن عن قالون فيه وجهان، وقد ذكر الخلاف فيه في سورته فهو نظير ما تقدم فيما بعده همزة مفتوحة من قوله: "عِنْدِي" في القصص4، وتعزل واعتزل واحد. قال الأحوص: يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكل   1 آية: 78. 2 آية: 21. 3 آية: 66. 4 آية: 78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 400- بَنَاتِي وَأَنْصَارِي عِبَادِي وَلَعْنَتِي ... وَمَا بَعْدَهُ بِالفَتْحِ إِنْ شَاءَ أُهْمِلا جميع ما في هذا البيت فتحه نافع وحده، فأهمل، فلم يجر عليه الحكم المتقدم، وهو فتحه لمدلول قوله: أولى حكم بل فتح لبعضهم وأراد: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ} ، {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى} في آل عمران والصف1، {أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ} في الشعراء2، فحذف الباء ضرورة، وليس في القرآن لفظ "عبادي" بعده همزة مكسورة غير هذا فلا تلتبس هذه العبارة: {لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} ، والذي بعده إن شاء هو قوله تعالى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ} حيث جاء، وهو في الكهف والقصص والصافات3، وإنما عبر عنه الناظم بهذه العبارة؛ لأن مثله لا يستقيم في وزن الشعر؛ لكثرة حركاته المتوالية، وليس في القرآن ياء إضافة بعدها إن شاء غير هذه اللفظة فتعينت، وعبر عنها في آخر الكهف بقوله: وما قبل إن شاء، وفي آخر القصص والصافات بقوله: وذو الثنيا أي الاستثناء والله أعلم. 401- وَفِي إِخْوَتِي وَرْشٌ يَدِي "عَـ"نْ "أُ"ولِي "حِـ"ـمًى ... وَفِي رُسُلِي "أَ"صْلٌ "كَـ"ـسَا وَافِيَ الْمُلا أراد: {وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي} فتحها ورش وحده وأما: {يَدِيَ إِلَيْكَ} في المائدة4، فزاد حفص في أصحاب الفتح، وهم نافع وأبو عمرو وأما: {رُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} ، ففتحها نافع وابن عامر، والملا: جمع ملاءة، وهي الملحفة البيضاء أراد أنها كسوة سابغة وافية، وانتصاب وافي الملا على أنه مفعول ثانٍ لكسا أي كسا الفتح كسوة وافية، ويجوز أن يكون حالا أي هذا الأصل، الكاسي: حاله أنه وافي الملا أي سابغ الكسوة جيدها والله أعلم.   1 آل عمران، آية: 52 والصف، آية: 14. 2 آية: 52. 3 الكهف، آية: 69 والقصص، آية: 27 والصافات، آية: 102. 4 آية: 128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 باب: مذاهبهم في الزوائد أي في الياءات الزوائد على الرسم، وهي ياءات أواخر الكلم، يقع ذلك في الأسماء الأفعال، نحو: "الْوَادِ"، و"الْمُنَادِ"، و"التَّنَادِ"، و"يأت"، و"نبغ"، و"نرتع"، فهي في هذا ونحوه لام الكلمة، وقد تكون ياء إضافة في موضع الجر والنصب، نحو: "دعاءي" و"أخرتني"، وتنقسم إلى ما هو رأس آية نحو: "المتعالي"، وإلى غير ذلك، نحو: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ} . فما كان من هذه الياءات ثابتا رسما فلا خلاف في إثباته، وما كان منها محذوفا رسما؛ فمنه ما اتفق على حذفه وهو الأكثر، ومنه ما اختلف فيه، وهو ما يأتي ذكره في هذا الباب، وفي بعض السور، وضابط ما يذكر في هذا الباب أن تكون الياء مختلفا في إثباتها وحذفها في الوصل، أو في الوصل والوقف معا، وضابط في السور أن تكون الياء مختلفا في إثباتها وحذفها الوقف فقط، ومجمعا على حذفها في الوصل، وذلك نحو ما ذكره في: سورة الرعد، وسورة: ق: "مِنْ هَادٍ"، و"وَالٍ"، و"واف"، و"باق"، و"الْمُنَادِ". وقد سبق التنبيه على: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 {وَادِ النَّمْلِ} أنه كان ينبغي أن يكون من هذا، ثم بين ياءات الزوائد فقال: 419- وَدُونَكَ يَاءَاتٍ تُسَمّى زَوَائِدًا ... لأَنْ كُنَّ عَنْ خَطِّ المَصَاحِفِ مَعْزِلا أي: إنما سميت زوائد؛ لأنها زادت على رسم المصحف عند من أثبتها، والمعزل ههنا مصدر بمعنى العزل كالمرجع أي لأن كن ذوات عزل أي إنهن عزلن عن الرسم فلم تكتب لهن صورة، ثم بين حكمها فقال: 420- وَتَثْبُتُ في الحَالَيْنَ "دُ"رًّا "لَـ"ـوَامِعًا ... بِخُلْفٍ وَأُولَى النَّمْلِ حَمْزَةُ كَمَّلا أي إن القراء مختلفون في هذه الياءات الموصوفة بأنها زوائد، فمنهم من أثبتها في حالي الوصل والوقف، وهم المذكورون في هذا البيت ومنهم من أثبتها في الوصل دون الوقف، وهم المذكورون في البيت الآتي وليس الأمران على العموم؛ هؤلاء أثبتوا الجميع في الحالين وأولئك في الوصل، بل معنى هذا الكلام أن كل من أذكر عنه أنه أثبت شيئا ولم أقيده فانظر فيه؛ فإن كان من المذكورين في هذا البيت فاعلم أنه يثبته في الحالين وإن كان من المذكورين في البيت الآتي، فاعلم أنه يثبته في الوصل فقط، فحصل من هذا أن ابن كثير من طريقيه أو من أحدهما، وهشاما يثبتان الياء في الحالين في المواضع التي يأتي ذكرها لهما لكن ابن كثير له مواضع كثيرة، وأما هشام فليس له إلا موضع واحد في الأعراف سيأتي ذكره وفيه خلاف عنه وقفا ووصلا، وأثبت حمزة في الحالين موضعا واحدا وهو: "أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ" وهو يقرؤه بتشديد النون على ما سيأتي في سورته، وهذا الموضع هو أول النمل؛ لأن فيها ياءين زائدتين على رأي الناظم، وكلتاهما في آية واحدة وهذه الياء هي الأولى وبعدها: "فما آتان الله"، فاحترز بقوله: وأولى النمل عن ياء "آتاني"، وقوله: كملا ليس برمز؛ لأن الرمز لا يجتمع مع المصرح به، وإنما معناه أن حمزة كمل عدة المثبتين في الحالين، ودرا لوامعا حالان من ضمير الياءات في وتثبت أي مشبهة ذلك؛ لأن هذه القراءة موافقة للأصل؛ لأن الياء إما لام الكلمة أو كناية عن المتكلم وأيًّا ما كان فالأصل إثباتها، وأما حذفها والاجتزاء بالكسرة عنها ففرع عن ذلك الأصل، وحكى ابن قتيبة أن إثباتها لغة أهل الحجاز ثم الإثبات في نحو: "الداعي" و"الجواري" مما الياء فيه لام الفعل وفيه الألف واللام أحسن عند أهل العربية من الحذف إلا في الفواصل والقوافي فالحذف أحسن، وكذا الياء التي هي لام الفعل نحو: "نَبْغِي"، و"يَأْتِيَ" إثباتها أحسن من حذفها، فإن قلتَ: بقي على الناظم ذكر جماعة لهم خلاف في الإثبات في الحالين في ثانية النمل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ} ، وهم قالون وأبو عمرو وحفص كما يأتي وكذا قنبل: له خلاف في الوقف على: "بِالْوَادِ" في سورة الفجر1. قلتُ: هذا كله يجيء مفصلا مبينا، وإنما ذكر في هذا البيت ما يأتي مجملا مطلقا، فتعلم من إجماله وإطلاقه أن الإثبات في الحالين للمذكورين، وأما المبين فمتضح في نفسه فلا يحتاج إلى هذه المقدمة، ثم ذكر المثبتين في الأصل فقط في المواضع التي تذكر لهم فقال: 421- وَفِي الوَصْلِ "حَـ"ـمَّادٌ "شَـ"ـكُورٌ "إِ"مَامُهُ ... وَجُمْلَتُهاَ سِتُونَ وَاثْنَانِ فَاعْقِلا أي إمامه حماد شكور؛ لأن هؤلاء جمعوا في قراءتهم بين الأصل وموافقة الرسم، وخصوا الوقف بالحذف؛ لأنه الأليق بالتخفيف على ما مضى في تخفيف الهمز في الوقف فالمثبتون في الوصل وحده هم أبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع على ما رمز لهم في البيت، فأما الكسائي وورش، فاطرد لهما ذلك، فلم يثبتا في الوقف شيئا، وأما حمزة فقد تقدم أنه أثبت في الوقف والوصل: "أَتُمِدُّونَنِ" في النمل وحدها، وما2 عدها مما سيذكر له أنه يثبته يختص بوصله دون وقفه وذلك موضع واحد: "وتقبل دعائي" في سورة إبراهيم3، وأما أبو عمرو وقالون فلهما خلاف في الوقف على: "آتَانِيَ اللَّهُ" في النمل4، كما يأتي، والباقون على حذف الجميع في الحالين اتباعا للرسم وهم عاصم وابن عامر فقط لكن لهشام خلاف في الموضع الواحد المقدم ذكره، وكذا لحفص موضع واحد وهو: {آتَانِيَ اللَّهُ} في النمل على ما يأتي، فما يصفو من أهل الحذف على الإطلاق أحد غير أبي بكر وابن ذكوان، والحذف لغة هذيل، قال أبو عمرو: وأنشد الفراء: كفاك كف ما تليق درهما ... وجود أخرى تعطِ بالسيف الدما لقد تخف بشارتي قدر يوم ... ولقد تخف شيمتي إعساري وقال آخر: وأخو الغوانِ متى يشأن صرمنه   1 آية: 9. 2 آية: 36. 3 آية: 4. 4 آية: 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وأنشد سيبويه: محمد تفدِ نفسَك كُلُّ نفسٍ ... إذا ما خفت من شيء تباني وحمله هو والنحاة على حذف لام الأمر، وجعلوه لذلك شاذًّا والأولى جعله من هذا الباب ثم ذكر الناظم عدد الياءات التي اختلف القراء في إثباتها وحذفها وهي محذوفة في الرسم فقال: جملتها اثنان وستون ياء، وعدها صاحب التيسير إحدى وستين؛ لأنه أسقط: {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ} في النمل، "فبشر عبادي" في الزمر1، وعدّهما في باب ياءات الإضافة. فإن قلت: فينبغي أن يبقى ستون فما هي الواحدة الزائدة. قلتُ هي: {يَا عِبَادِيَ} التي في الزخرف2، ذكرها في البابين، وقد تقدم التنبيه على ذلك، وذكر الناظم في هذا الباب لفظ العدد، فقال: اثنان وأنثه في باب ياءات الإضافة في قوله: وعشر وتسعها وثنتان وأربع عشرة وسبع وأربع وثمان والكل في البابين عبارة عن الياءات وكلا اللفظين من التذكير والتأنيث سائغ في العبارة عن الياء؛ لأنها من حروف المعظم، وكلها يجوز فيها الأمران على ما قد ذكرناه مرارا، ثم شرع يذكر الزوائد مفصلة فقال: 422- فَيَسْرِي إِلى الدَّاعِ الجَوَارِ المُنَادِيَهْ ... دِيَنْ يُؤْتِينَ مَعْ أَنْ تُعَلِّمَنِي وِلا وأراد: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} ، {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} ، {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ} في سورة الشورى3، دون اللتين في سورة الرحمن وكورت، ودلنا على ذلك أنهما لا يمكن إثبات الياء في الوصل لأجل الساكن بعدهما فتعينت التي في الشورى وهذا بخلاف إمالة الدوري للجواري فإنها في المواضع الثلاثة كما سبق: "والمنادي" في سورة ق4 {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} ، والثلاثة الباقية في الكهف: {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي} ، {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ} ، {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ} . والولاء5 المتابعة: يعني أن هذه الثلاثة تتابعت في سورة واحدة على هذا النسق ودلنا على أن مراده يهدين التي في الكهف أن التي في القصص مثبتة بإجماع وسيأتي ذلك وليس غيرهما فتعينت التي في الكهف والله أعلم.   1 آية: 18. 2 آية: 68. 3 آية: 32. 4 آية: 41. 5 الآيات: 24 و40 و66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 423- وَأَخَّرْتَنِي الإِسْرَا وَتَتَّبِعَنْ "سَمَا" ... وَفي الكَهْفِ نَبْغِي يَأْتِ فِي هُودَ "رُ"فِّلا أراد: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} 1، وأضافه إلى الإسراء احترازا من التي في سورة المنافقين: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} 2؛ فإنها مثبتة في الحالين بلا خلاف وأراد: {أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ} في طه3، أثبت هاتين الياءين مع اللآتي في البيت السابق جميعها مدلول قوله: سما فابن كثير أثبتها في الحالين ونافع وأبو عمرو في الوصل فقط وأما: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} و {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ} ، فوافقهم فيهما الكسائي، فأثبتها في الوصل، وإنما قيد: {نَبْغِي} في الكهف احترازا من التي في يوسف: {يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} 4؛ فإنها مثبتة بإجماع وقيد يأتي بهود احترازا مما أجمع أيضا على إثباته نحو: {يَأْتِي بِالشَّمْسِ} {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} {أَمَّنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} . ورفل معناه: عظم. 426- "سَماَ" وَدُعَاءِي "فِـ"ـي "جَـ"ـنَا "حُـ"ـلْوِ "هَـ"ـدْيِهِ ... وَفي اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ "حَـ"ـقَّهُ "بِـ"ـلا سما من تتمة رمز "نبغي" ويأتي وأراد: "وتقبل دعائي"، أثبتها في الوصل حمزة وورش وأبو عمرو وأثبتها البزي في الحالين، {وَاتَّبِعُونِ} في غافر5، أثبتها في الوصل أبو عمرو وقالون وفي الحالين ابن كثير. وبلا معنى اختبر أي اختبر الحق ما ذكرته فكان صوابا دون ما روي من خلاف ذلك فإن قلت: من أين علمنا أن مراده بقوله:   1 الآية: 62. 2 آية: 10. 3 آية: 93. 4 آية: 65. 5 الآية: 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 {دُعَاءِ} التي في إبراهيم دون التي في نوح: {دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} ؟ قلتُ: لأن تلك دخلت في حساب ياءات الإضافة في عده ما بعده همزة مكسورة وقد نص عليها في قوله: "دعاءي" و"آباءي". لكوف تجملا، والفرق بينهما أن التي في نوح ثابتة في الرسم والتي في إبراهيم محذوفة، وذلك فصل ما بين ياء الإضافة والزائدة، وكذلك القول في: {اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ} ؛ إذ لقائل أن يقول: لم لا تدخل هذه في ياءات الإضافة التي بعدها همزة مفتوحة؟ فيكون الجواب: أن هذه الياء محذوفة رسما غير ثابتة فيه وعلم ذلك من موضع آخر، وقيد اتبعوني، بقوله: "أهدكم" احترازا من الذي في الزخرف لأبي عمرو وحده، وسيأتي، ومن الذي أجمع على إثباته نحو: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ، {فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} والله أعلم. 425- وَإِنْ تَرَنِي عَنْهُمْ تُمِدُّونَنِي "سَمَا" ... "فَـ"ـرِيقًا وَيَدْعُ الدَّاعِ "هَـ"ـاكَ "جَـ"ـنًا "حَـ"ـلا عنهم: أي عن مدلول حقه بلا أراد: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ} و"أتمدونني" في النمل لمدلول سما فريقا، وهذا الموضع هو الذي يثبته حمزة في الحالين، ونصب فريقا على التمييز أي ارتفع فريقه وهم قراؤه، وروي عن حمزة فيه الحذف في الحالين والإثبات في الوصل دون الوقف: {يَدْعُ الدَّاعِ} في سورة القمر1، أثبتها في الحالين البزي وفي الوصل ورش وأبو عمرو، وما أحلا قوله: هاك جنا حلا أي خذ ثمرا حلوا وهو ما نظمه الناظم -رحمه الله. 426- وَفي الفَجْرِ بِالوَادِي "دَ"نَا "جَـ"ـرَيَانُهُ ... وَفي الوَقْفِ بِالوَجْهَيْنِ وَافَقَ قُنْبُلا أي وافق بالوادي قنبلا بالوجهين يعني روي عن قنبل الحذف والإثبات في الوقف وأما في الوصل فيثبت بلا خلاف كورش، وأثبت البزي في الحالين، وما أحسن ما وافقه لفظ الجريان بعد ذكر الواد. 427- وَأَكْرَمَنِي مَعْهُ أَهَانَنِ "إِ"ذْ هَـ"ـدَ"ى ... وَحَذْفُهُمَا لِلْمَازِنِي عُدَّ أَعْدَلا يعني أن المشهور عن أبي عمرو حذفهما وقد روي عنه إثباتهما في الوصل كنافع وأثبتهما البزي في الحالين أراد:   1 الآية: 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 {رَبِّي أَكْرَمَنِ} و {رَبِّي أَهَانَنِ} كلاهما في سورة الفجر1، أتبعهما ذكر بالواو؛ لأن الجميع في سورة واحدة. 428- وَفي النَّمْلِ آتانِي وَيُفْتَحُ "عَـ"ـنْ "أُ"وِلي ... "حِـ"ـمًى وَخِلافُ الْوَقْفِ "بَـ"ـيْنَ "حُـ"ـلًا "عَـ"ـلا يعني جمع هؤلاء بين إثبات الياء وفتحها في قوله تعالى: {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ} . ويلزم من الإثبات الفتح وإلا لانحذفت لالتقاء الساكنين والباقون على حذفها اتباعا للرسم فمن حذف في الوصل حذف في الوقف وأما من أثبت في الوصل فقياسه أيضا الحذف في الوقف؛ لأنه ليس فيهم من المثبتين في الحالين أحد، فأما ورش فجرى على القياس فحذفها في الوقف، وأما قالون وأبو عمرو وحفص فاختلف عنهم في إثباتها وحذفها في الوقف، ووجه إثباتها أن هذه الياء أخذت شبها من ياء الإضافة؛ لكونهم فتحوها وياءات الإضافة لا تحذف في الوقف فكذا هذه، وقوله: بين حلا متعلق بقوله علا. 429- وَمَعْ كَالْجَوَابِ الْبَادِ "حَقَّ جَـ"ـناَ "هُـ"ـمَا ... وَفي الْمُهْتَدِ الإِسْرَا وَتَحْتُ "أَ"خُو "حُـ"ـلا أراد: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} ، {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} . وتقدير الكلام والباد مع كالجواب حق جناهما فالباد مبتدأ وحق خبره وجناهما فاعل حق، وهذا أولى بالجواز من قوله: عليك ورحمة الله السلام، والجنا المجنى ويجوز أن يكون خبر الباد ما تقدم عليه كقولك: مع زيد درهم كأنه قال: اشترك هذان في إثبات الياء لقارئ مخصوص، ثم بينه، وحق خبر مقدم، وجناهما مبتدأ وكذا أعرب الشيخ وغيره قوله: وفي المهتدي الإسرا وتحت؛ قال: فإن قلت: كان الوجه أن يقول وفي الإسرا المهتدي قلت: معناه واشترك في المهتدي الإسراء والكهف، وهو أخو حلا، قلت أنا: يجوز أن يكون المهتدي مضافا إلى الإسراء؛ لأن المراد هذه اللفظة والكلمة فلا يمنع وجود الألف واللام فيها من إضافتها كما لو كانت فعلا أو حرفا؛ لأن المراد حكاية ما في القرآن كما قال: وأخرتني الإسراء، فأضاف أخرتني إلى الإسراء، وقوله: وتحت أي والذي تحت أي والإثبات في حرفي الإسراء والكهف الذي هو المهتدي أخو حلا، واحترز بذلك من الذي في الأعراف؛ فإن الياء فيه ثابتة بلا خلاف وهو: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} . وكذا لفظ ما في الإسراء والكهف إلا أنه بغير ياء في الرسم. 430- وَفي اتَّبَعَنْ فِي آلِ عِمْرَانَ عَنْهُمَا ... وَكِيدُونِ فِي الأَعْرَافِ "حَـ"ـجّ "لِـ"ـيُحْمَلا عنهما: يعني عن نافع وأبي عمرو أثبتا ياء:   1 الآيتان: 15 و16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 {وَمَنِ اتَّبَعَنِ} في آل عمران1، يريد: {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} . واحترز بذكر السورة عن التي في آخر سورة يوسف: {عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} ؛ فهي ثابتة بلا خلاف وقيد "كيدون" بالأعراف؛ احترازا من المجمع على إثباته في هود وعلى حذفه في المرسلات، وقوله: وكيدون حج أي غلب في الحجة بإثبات يائه؛ ليحمل ذلك ويقرأ به، وهذا هو الموضع الذي أثبته هشام في الحالين بخلاف عنه فيهما، وروي عن ابن ذكوان إثباتها في الحالين أيضا، قال أحمد بن يزيد الحلواني: رحلت إلى هشام بن عمار بعد وفاة ابن ذكوان ثلاث مرات ثم رجعت إلى حلوان، فورد علي كتابه يقول فيه: إني أخذت عليكم: {ثُمَّ كِيدُونِ} في سورة الأعراف بياء في الوصل وهو بياء في الحالين يعني الوصل والوقف. 431- بِخُلْفٍ وَتُؤْتُونِي بِيُوسُفَ "حًـ"ـقُّهُ ... وَفي هٌودَ تَسْأَلْنِي "حَـ"ـوَارِيهِ "جَـ"ـمَّلا إنما أعاد ذكر الخلف عن هشام؛ لئلا يظن أن الذي تقدم كان للوقف وحده، فأبان بهذا أن له أيضا في الوصل خلافا، وقيل: إنما أعاده تأكيدا؛ لأن بعض المصنفين لم يذكر له هذا الخلاف، وقوله: {حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا} أثبتها مدلول حق وأما: "فلا تسئلني ما ليس لك به علم"، فأثبت الياء أبو عمرو مع تخفيف الكلمة وأثبتها ورش مع تشديدها ويأتي الكلام في التخفيف والتشديد في سورة هود وحواريه ناصره وخفف الياء ضرورة كما تقدم في أول الخطبة. 432- وَتُخْزُونِ فِيهاَ "حَـ"ـجَّ أَشْرَكْتُمُونِ قَدْ ... هَدَانِ اتَّقُونِ يَا أُولِي اخْشَوْنِ مَعْ وَلا فيها: أي في هود: {وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} 2. وجميع ما في هذا البيت أثبته أبو عمرو في الوصل أراد: "أشركتموني من قبل" في إبراهيم3:   1 الآية: 20. 2 آية: 78. 3 آية: 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 {قَدْ هَدَانِ} في الأنعام1، و {اتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} في البقرة2، وقيد "هدان" بقوله: "قد" احترازا من نحو: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي} ، {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} ؛ فهي ثابتة باتفاق، وقيد اتقون بقوله: {يَا أُولِي} ؛ احترازا من قوله: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} ؛ فإنها محذوفة باتفاق، وقوله: {وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا} في المائدة، فقيده بقوله: ولا أي الذي بعده ولا احترز بذلك عن الذي في أول المائدة: {وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ} ؛ فإنها فيه محذوفة في الحالين باتفاق، ومن الذي في البقرة: {وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي} ؛ فإنه ثابت في الحالين باتفاق اتباعا للرسم فيهما مع أن الذي في أول المائدة واجب الحذف في الوصل لأن بعده ساكنا فأجرى الوقف مجراه. 433- وَعَنْهُ وَخَافُونِ وَمَنْ يَتَّقِي "زَ"كا ... بِيُوسُفَ وَافى كَالصَّحِيحَ مُعَلَّلا أي وعن أبي عمرو إثبات: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ} في آل عمران، فالواو في قوله: وخافون من التلاوة، وليست عاطفة في النظم، ثم قال: ومن يتقي زكا أراد: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} . زكا: أي طهر من طعن في قراءة قنبل؛ لأنه أثبت الياء في محل الجزم، ولا شك أنها قراءة ضعيفة؛ لأنه زاد على الرسم حرفا، وارتكب المحذور بزيادته وجها ضعيفا في العربية بخلاف الياءات المثبتة فيما تقدم فإنها لغة فصيحة، وهو من الاختلاف في الهجاء فلم يضر من جهة الرسم كقراءة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .   1 الآية: 80. 2 آية: 197. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 بالألف، ثم ذكر وجه هذه القراءة وهو أن من العرب من يجري المعتل مجرى الصحيح فلا يحذف منه شيئا من حروفه للجزم كما لا يحذف شيئا في الصحيح ويكتفي بإسكان آخره ومنه قوله: ألم يأتيك والأنباء تنمى ووجه آخر وهو أن الكسرة أشبعت فتولدت منها ياء والإشباع قد ورد في اللغة في مواضع ووجه ثالث وهو أن من في قوله: {مَنْ يَتَّقِي} ، تكون بمعنى الذي لا شرطية فلا جزم ولكن يضعفه أنه عطف عليه قوله: ويصبر، فأجيب بأنه أسكنه تخفيفا كما يأتي عن أبي عمرو في "يأمركم" ونحوه، وأكد ذلك أبو علي بأن جعله من باب هل المعطوف على المعنى نحو: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ} ، {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} ، {وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} ؛ لأن من يتقي في الجزاء بمنزلة الذي يتقي؛ لدخول الفاء في جوابهما فقد تضمنا معا معنى الجزاء وكل هذه وجوه ثابتة، ولكنها ضعيفة في الفصيح على خلاف في اللغة، وقال الحصري: وقد قرا "من يتقي" قنبلٌ ... فانصر على مذهبه قنبلا واختار الناظم الوجه الأول، وقوله: وافى أي جاء معللا كالصحيح أي بأنه أجرى مجراه، قال أبو بكر بن مجاهد: أخبرني قنبل عن القواس عن أصحابه أنهم يقرءون: "إنه من يتقي ويصبر" بالياء في الوصل والوقف، وقرأت في حاشية نسخة مقروءة على الناظم، وأظن الحاشية من إملائه قال: معللا أي مروي بعذوب الاحتجاج له فهو على هذا من العلل. 434- وَفِي المُتَعَالِي "دُ"رُّهُ وَالتَّلاقِ وَالتْـ ... ـتَنَا"دِ" رَا "بَـ"ـاغِيهِ بِالخُلْفِ "جُـ"ـهِّلا "المتعالى" في الرعد و"التَّلاقِ"، و"التَّنَادِ" في غافر، أثبت الثلاثة في الحالين ابن كثير، وأثبت ورش وقالون بخلاف عنه ياء التلاق والتناد في الوصل، ودرا بمعنى دفع، فأبدل من الهمزة ألفا، وباغيه بمعنى طالبه يقال بغيت الشيء إذا طلبته، وجهلا جمع جاهل، وهو مفعول درا أي دفع قارئه الجهال عن تضعيفه بكونه رأس آية، فلا ينبغي أن يثبت الياء؛ لئلا يخرج عن مؤاخاة رءوس الآي فأتى بالخلف ليرضى به كل فريق؛ لأن كلا الأمرين لغة فصيحة. 435- وَمَعْ دَعْوَةَ الدَّاعِ دَعَانِي "حَـ"ـلا "جَـ"ـنا ... وَلَيْسَا لِقَالُونٍ عَنِ الغُرِّ سُبَّلا يريد قوله تعالى:   1 الرعد، الآية: 9 وغافر الآيتان: 15 و32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ، أثبتهما أبو عمرو وورش، وجنا في موضع نصب على التمييز، وليسا-يعني الياءين في هاتين الكلمتين- لقالون أي لم يشتهر إثباتهما له، وإن كان قد روي عنه إثباتهما وإثبات الأول دون الثاني وعكسه، والغر المشهورون جمع أغر أي عن النقلة الغر، وسبلا حال منهم وهو جمع سابلة وهم المختلفون في الطرق يريد أنهم سلكوا طرق النقل، وقبلوها خبره بها، ولو جاز أن يكون جمع سبيل لقلنا: هو نصب على التمييز أي عن القوم المنيرة طرقهم والله أعلم. 436- نَذِيرِي لِوَرْشٍ ثُمَّ تُرْدِينِ تَرْجُمُو ... نِ فَاعْتَزِلُونِ سِتَّةٌ نُذُرِي جَلا 437- وَعِيدِي ثَلاَثٌ يُنْقِذُونِ يُكَذِّبُو ... نِ قَالَ نَكِيرِي أَرْبَعٌ عَنْهُ وُصِّلا هذا كله أثبته ورش في الوصل وحده أراد: {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} ، {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} ، وفي الدخان: {أَنْ تَرْجُمُونِ} ، {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} . ونذر ستة مواضع في سورة القمر، وجلا فيه ضمير لورش وعيدي ثلاث أي ثلاث كلمات واحدة في إبراهيم واثنتان في ق: {لا يُنْقِذُونِ} في يس، {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} في القصص1، وقيده بقوله: قال لأن بعده قال: {سَنَشُدّ} ، احترز بذلك عن: {يُكَذِّبُونَ} الذي ليس بعده، قال نحو: {أَنْ يُكَذِّبُونِ} و {يَضِيقُ صَدْرِي} ، فهذه محذوفة باتفاق في الحالين و"نكيري" أربع كلمات، في الحج وسبأ وفاطر وتبارك، وليس الذي في الشورى من هذا الباب، وهو قوله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} 2.   1 آية: 34. 2 آية: 47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 والضمير في عنه لورش فهذه تسع عشرة زائدة انفرد بها ورش والألف في فصلا ليست ضمير تثنية فإن الذي تقدم متعدد أي وصل المذكور عنه فالألف للإطلاق. 438- فَبَشِّرْ عِبَادِي افْتَحْ وَقِفْ سَاكِنًا "يَـ"ـدًا ... وَوَاتَّبِعُونِي "حَـ"ـجَّ في الزُّخْرُفِ الْعَلا لما فتح السوسي هذه الياء في الوصل وقف عليها بالإسكان كسائر ياءات الإضافة وهو القياس كما فعل في حرف النمل: "فما آتان الله"1 على وجه، وحذفها الباقون في الحالين اتباعا للرسم ووقع في نقل مذهب السوسي اختلاف كثير في غير التيسير، فروي عنه الحذف في الوقف، وروي عن أبي عمرو نفسه الحذف في الحالين وروي عنه الفتح في الوصل والحذف في الوقف، وأشار الناظم بقوله: وقف ساكنا يدا إلى ترك الحركة باليد؛ لأن المتكلم في إبطال الشيء أو إثباته قد يحرك يده في تضاعيف كلامه فكأنه قال لا تتحرك في رد ذلك بسبب ما وقع فيه من الخلاف هكذا ذكر الشيخ فقوله يدا في موضع نصب على التمييز، وكأن هذا زجر عن سؤال مقدر واعتراض وارد من حيث القياس والجدل، وذلك أن الخلاف محكي عن أبي عمرو نفسه في: {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ} في النمل والعمل في الاثنين واحد فعرف الناظم أن من سمع من جهة نظمه أن السوسي يقف بياء ساكنة دون الدوري، ولم يذكر خلافا أنه يورد حرف النمل ويطلب الفرق بينهما ويستطيل باعتراضه؛ لأنه وارد، فسكنه وثبته بقوله: وقف ساكنا يدا أي النقل كذا فلا ترده بقياس وجدل وهذا معنى جيد وتفسير حسن لظاهر اللفظ، ولكن يلزم منه أن تكون السين من ساكنا رمزا لأبي الحارث كما لو قال: باسطا يدا فإن الباء حينئذ كانت تكون رمز قالون، وإنما المراد من هذا اللفظ بيان قراءة السوسي في الوقف وهي غير مبينة من هذا التفسير، فإن أريد ذلك جعل ساكنا حالا من مفعول محذوف أي وقف عليه ساكنا ويكون يدًا حالا من الفاعل أي ذا يد، فتظهر قراءة السوسي حينئذ والله أعلم. ثم قال: و {اتَّبِعُونِ} أراد قوله تعالى في سورة الزخرف: {وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ} ، فأدخل واو العطف على كلمة القرآن وفيها واو فاجتمع واوان؛ ليحصل حكاية لفظ القرآن فهو كقوله في أول القصيدة: بدأت بـ: "بسم الله" كأنه قال: وحرف الزخرف الذي هو "واتبعوني" أثبت ياءه في الوصل أبو عمرو وحده، والعلا مفعول حج وليس برمز، وهو مشكل؛ إذ يحتمل ذلك ولا يدفعه كونه فصل بين الرمزين بقوله في الزخرف فإن هذا فصل تقييد فليس أجنبيا فلا يضر فهو كفصله بلفظ الخلف في أثناء الرمز كقوله: لبى حبيبه بخلفهما برا، وكما قد جاء الفصل بالرمز بين تقييدين كقوله: كما دار واقصر فلقائل أن يقول: كما جاز الفصل بين التقييدين بالرمز كذا يجوز الفصل بين الرمزين بالتقييد، ويؤيد الإشكال أنه   1 الآية: 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 قد التزم في خطبته أنه يسمى الرجال بعد ذكر الحرف ومتى انقضى ذلك أتى بالواو الفاصلة والواو لم تأت هنا إلا بعد قوله: العلا في أول البيت الآتي فليته قال: و"واتبعوني" زخرف حج واعتلا أو: و"واتبعوني" الزخرف اتبع فتى العلا ويكون قد أضاف واتبعوني إلى اسم السورة؛ لأنه لفظ، وكلمة وحرف من حروف القراءة فهو كما قدمنا في قوله: "أَخَّرْتَنِي" الإسراء، وفي "الْمُهْتَدِي" الإسراء والله أعلم. 439- وَفي الكَهْفِ تَسْأَلْنِي عَنِ الكُلِّ يَاؤُهُ ... عَلَى رَسْمِهِ وَالحَذْفُ بِالخُلْفِ مُثِّلا يعني أنه رسم بالياء فأثبتها الكل وقفا ووصلا، وروي عن ابن ذكوان حذفها في الحالين. فإن قلت: من أين يعلم أنه أراد في الحالين؟ قلتُ: هو في التيسير كذلك، وإنما لم ينبه عليه الناظم اتكالا على فهم الذكي من جهة أنه لا جائز أن يكون أراد أنه حذفها وصلا لا وقفا؛ إذ ليس في هذا الباب له نظير؛ إذ كل من أثبت ياء في الوقف أثبتها في الوصل، ولا ينعكس هذا القسم، ثم لو كان أراد هذا القسم لذكره في سورته كما ذكر ما يشبه ذلك في الرعد، وإذا بطل هذا القسم فلا يجوز أن يظن بالناظم أنه أراد عكسه، وهو أنه حذفها وقفا وأثبتها وصلا؛ لأنه لم يذكره مع من هذا فعله في سائر الباب في قوله: وفي الوصل حماد شكور إمامه، فبان أنه أراد حذفها في الحالين، وهذه الياء التي في الكهف زائدة على العدة بخلاف التي في هود؛ فإنها منها؛ لأن تلك محذوفة رسما وهذه ثابتة فيه. 440- وَفي نَرْتَعِي خُلْفٌ "زَ"كَا وَجَمِيعُهُمْ ... بِالِاثْبَاتِ تَحْتَ النَّمْلِ يَهْدِيَنِي تَلا ليته وصل هذا البيت بالبيت الذي فيه يتقي؛ لأن إثبات الياءين فيهما لقارئ واحد في سورة واحدة، وكلاهما في موضع الجزم، وما عطف عليهما مجزوم، أو ليته قدم هذا البيت على الذي قبله؛ لتتصل الياءات المعدودة، ثم بذكر الخارج من العدة. أراد قوله تعالى: "أرسله معنا غدا نرتع ونلعب"، وسيأتي الخلاف فيه في سورته، وأما وجه إثبات الياء فإجراء المعتل مجرى الصحيح أو الإشباع، ويجيء الوجه الآخر على أن يكون "نرتعى" في موضع الحال وسكن "ونلعب" تخفيفا على ما تقدم في: {يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} . والباقون على حذف الياء لكن مهم من كسر العين، ومنهم من أسكنها، وأجمعوا على إثبات ياء: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 {يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} في القصص1؛ لثبوتها في الرسم، وإنما نص عليها من بين ما أجمعوا على إثباته؛ لأنه ذكر فيما تقدم من جملة ما اختلفوا فيه "يهدين"، ولم يعين أنها التي في الكهف فخشي أن تلتبس بهذه فاستدرك وبيَّن أن هذه مجمع عليها فتعينت تلك للخلاف وقد نظم الشيخ -رحمه الله- في الياءات المجمع على إثباتها أبياتا جمعت أشياء مما يشكل منها، ولم يحتج الناظم إلى ذكر غير حرف القصص مما أجمع عليه؛ إذ لا التباس لشيء منه بما ذكره؛ لأنه استوعب ذكر العدة ببيان مواضعها بخلاف ما فعل في ياءات الإضافة، فلهذا ذكر المجمع عليه في الأنواع التي لم يستوعب ذكرها مفصلة على ما تقدم شرحه، ولم يحتج إلى ذكر غير الملتبس بما ذكره من المجمع عليه إسكانا وفتحا هكذا ههنا لم يذكر ما أجمع عليه حذفا وإثباتا والله أعلم. 441- فَهذِي أُصُولُ الْقَوْمِ حَالَ اطِّرَادِها ... أَجَابَتْ بِعَوْنِ اللهِ فَانْتَظَمَتْ حُلا أي تم الكلام في الأصول وحال اطرادها منصوب على الحال كقوله تعالى: {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} ، أو يكون العامل فيه أجابت أي أجابت مطردة لا دعوتها أي انقادت لنظمي طائعة بإعانة الله تعالى فانتظمت مشبهة حلا جمع حلية فيكون حلا في موضع نصب على الحال، ويجوز أن يكون تمييزا أي انتظمت حلاها وقد ذكر نحو ذلك صاحب التيسير، فقال بعد فراغه من باب الزوائد: فهذه الأصول المطردة قد ذكرناها مشروحة، وأقول: المراد من إفراد الأصول بأبواب قبل الشروع في السور الفرق بين ما يطرد حكمه وما لا يطرد، والمطرد هو المستمر الجاري في أشباه ذلك الشيء، وكل باب من أبواب الأصول لم يخل من حكم كلي يستمر في كل ما تحقق فيه شرط ذلك الحكم، وهو في جميع الأبواب ظاهر، وهو خفي في ياءات الإضافة والزوائد، وهو في الزوائد أخفى، فوجهه في ياءات الإضافة أن فيه ما يطرد حمله مثل قوله: فتح سما ما بعده همزة مفتوحة، وفي الزوائد وتثبت في الحالين وفي الوصل حماد فإن ذلك مطرد في الجميع وباقي الكلام في البابين أشبه بالفرش منه بالأصول، وشاهده ذكر التاءات المشددة للبزي في الفرش وهي قريبة من الزوائد والله أعلم. 443- وَإِنِّي لأَرْجُوهُ لِنَظْمِ حُرُوفِهِمْ ... نَفَائِسَ أَعْلاَقٍ تُنَفِّسُ عُطَّلا أي أرجو عون الله أيضا لتسهيل نظم الحروف المنفردة غير المطردة وهو ما سيأتي ذكره في السور وهو معنى قول صاحب التيسير: ونحن مبتدئون بذكر الحروف المتفرقة ونفائس جمع نفيس وأعلاق جمع علق وهو الشيء النفيس يقولون هو علق مضنة أي يضن به ويبخل بإعادته فلا يسمح به، قال الشاعر: وسلمى لعمر الله علق مضنة أي لا يسمح بفراقها فمعنى نفائس أعلاق على هذا نفائس أشياء نفائس كقولك: خيار الخيار ثم هو منصوب إما على الحال من حروفهم أو هو مفعول ثانٍ كما تقول: نظمت الدر عقدا فيكون قد كنى بالأعلاق عن القلائد، ويجوز أن يكون كنى بها عن أنواع النظم النفيسة.   1 آية: 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 فيكون نفائس منصوبا على المصدر وتقديره أنظم حروفهم أنفس نظم تنفس تلك لنفائس أجيادا عطلا أي أعناقا لا قلائد لها أي تجعلها ذات نفاسة، قال الشيخ: ومعنى ذلك أنه إذا نظمها، فحفظها من لا علم له كان كمن تحلى جيده بعقد نفيس. قلت: فهذا مما يقوى جعل نفائس أعلاق مفعولا ثانيا ولم يذكر الشيخ إلا أنها حال من حروفهم. 443- سَأَمِضي عَلَى شَرْطِي وَبِاللهِ أَكْتَفِي ... وَماَ خَابَ ذُو جِدٍّ إِذَا هُوَ حَسْبَلا أي سأستمر على ما شرطته في الرموز والقيود، والجد ضد الهزل، وحسبل إذا قال: حسبي الله ركب من لفظي الكلمتين كلمة تدل عليهما كما تقدم ذكره في باب البسملة، وقوله: وبالله أكتفي هو معنى حسبي الله، فلهذا أخبر أنه قد حسبل، والمعنى: أني لا أخيب فيما قصدته؛ لأني اكتفيت به سبحانه وتعالى في تتمة ذلك، واستعنت به عليه فأناب -رحمه الله- وما خاب بل اشتهر ذكره، وطاب، وانتفع بما نظمه الأصحاب والله أعلم. وهذا آخر شرح الأصول والحمد لله وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه الأكرمين أجمعين: وحسبنا الله وكفى، ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 باب: فرش الحروف سورة البقرة ... باب: فرش الحروف وهو الكلام على كل حرف في موضعه، على ترتيب السورة: سورة البقرة: قال الشيخ رحمه الله: القراء يسمون ما قل دوره من الحروف: فرشًا؛ لانتشاره، فكأنه انفرش، إذ كانت الأصول ينسحب حكم الواحد منها على الجميع. قلت: وسماه بعضهم: الفروع على مقابلة الأصول، ويأتي في الفرش مواضع مطردة حيث وقعت وهي بالأصول أشبه منها بالفرش، مثل إمالة التوراة، وفواتح السور، والكلام في "هأنتم" والاستفهامين، وتاءات البزي، والتشديد، والتخفيف في "ينزل" وبابه، ويقع في نسخ القصيدة ترجمة سورة البقرة في هذا الموضع، ولم يزد صاحب التيسير على قوله: "باب ذكر فرش الحروف"، وقدم ترجمة سورة البقرة في أول باب هاء الكتابة، وقد تقدم ثَم معنى ذلك، وبيان صحة ما فعله، وبالله التوفيق. 444- وَمَا يَخْدَعُونَ الفَتْحَ مِنْ قَبْلِ سَاكِنٍ ... وَبَعْدُ "ذَ"كَا وَالغَيْرُ كَالحَرْفِ أَوَّلا قوله: وما: تقييد للحرف المختلف فيه؛ احترازا من الأول وهو قوله: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} 1؛ فإنه ليس قبله وما والساكن الخاء، والفتح قبله في الياء وبعده في الدال وهذا تقييد لم يكن محتاجا إليه؛ لأنه قد لفظ بالقراءة ونبه على القراءة الأخرى بما في آخر البيت؛ لأنه لا يمكن أخذها من أضداد ما ذكر فهو زيادة بيان. فإن قلت: احترز بذلك عن أن يضم أحد الياء. قلت: ليس من عادته الاحتراز عن مثل هذا؛ ألا تراه يقول: سكارى معًا سكرى، ولم يقل بضم السين اكتفاء باللفظ. فالوجه أن يقال: هو زيادة بيان لم يكن لازما له، وهو مثل قوله في سورة الحج: ويدفع حق بين فتحيه ساكن، وذكا بمعنى اشتعل وأضاء، وأولا ظرف أي وقراءة الغير كالحرف الواقع أولا، وأجاز الشيخ أن يكون حالا، وأطلق الناظم الحرف على الكلمة على ما سبق في قوله: لعل حروفهم، وقوله: وفي أحرف وجهان، وما يأتي من قوله: وفي الروم والحرفين في النحل أولا، وذلك سائغ، ومنه قول أبي القاسم الزجاجي: باب الحروف التي ترفع الاسم وتنصب الخبر يعني كان وأخواتها أي اقرءوا:   1 آية: 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 "يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون"1؛ ففي هذه القراءة رد لفظ ما ابتدأ به وأجمع عليه ومن قرأ الثانية: "يخدعون" نبه على أن الأولى بهذا المعنى، وأن فاعلت هنا بمعنى فعلت نحو طارقت النعل وسافرت وعاقبت وقيل: جعلوا خادعين لأنفسهم لما كان ضرر ذلك عائدا إليهم كقوله تعالى في موضع آخر: {إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} 2، وإنما أجمع على الأول وعدل فيه من فعل إلى فاعل كراهة التصريح بهذا الفعل القبيح أن يتوجه إلى الله سبحانه فأخرج مخرج المحاولة لذلك والمعاناة له والله أعلم. 445- وخَفَّفَ كُوفٍ يَكْذِبُونَ وَيَاؤُهُ ... بِفَتْحٍ وَلِلبَاقِينَ ضُمَّ وَثُقِّلا عني بالتخفيف إسكان الكاف وإذهاب ثقل الذال والباقون ثقلوا موضع تخفيف هؤلاء، فلزم تحريك الكاف، وإن لم يتعرض له؛ إذ لا يمكن تثقيل الذال إلا بفتح الكاف وضم الياء والقراءتان ظاهرتان فإن المنافقين لعنهم الله قد وصفوا في القرآن بأنهم كاذبون في مواضع كثيرة، ومع أنهم كاذبون هم يكذبون؛ لأن الله تعالى وصفهم بقوله: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} ، ومن لم يكن مصدقا فهو مكذب ولا خلاف في تخفيف: {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} 3. كما أنه لا خلاف في تثقيل قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ} ، ونحوه، ولا يرد على الناظم ذلك لأنه لم يقل جميعا ولا بحيث أتى ولا نحو ذلك وتلك عادته فيما يتعدى الحكم فيه سورته إلا مواضع خرجت عن هذه القاعدة سننبه عليها في مواضعها منها ما في البيت الآتي: "وَالتَّوْرَاةَ" و"كائن"، وضُمَّ فعل ماض لا أمر بل هو من جنس ما عطف عليه من قوله وثقلا والله أعلم. 446- وَقِيلَ وَغِيضَ ثُمَّ جِيءَ يُشِمُّهَا ... لَدى كَسْرِهَا ضَمَّا "رِ"جَالٌ "لِـ"ـتَكْمُلا 447- وَحِيلَ بِإِشْمَامٍ وَسِيقَ "كَـ"ـمَا "رَ"سَا ... وَسِيءَ وَسِيئَتْ "كَـ"ـانَ "رَ"ـاوِيهِ "أَ"نْبَلا أراد {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} ، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا} .   1 آية: 9. 2 سورة النساء، آية: 142. 3 سورة التوبة: آية: 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وما جاء من لفظ قيل فهو فعل ماضٍ: {وَغِيضَ الْمَاءُ} ، {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ} ، {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ} ، {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} ، {وَسِيقَ الَّذِينَ} موضعان في آخر الزمر، "وسيء بهم" في هود والعنكبوت، و {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . فأطلق هذه الأفعال ولم يبين مواضع القراءة وفيها ما قد تكرر والعادة المستمدة منه فيما يطلق أن يختص بالسورة التي هو فيها كما في "يكذبون" السابقة ولكن لما أدرك مع قيل هذه الأفعال الخارجة عن هذه السورة كان ذلك قرينة واضحة في طرد الحكم حيث وقعت، قيل: وغيرها من هذه الأفعال، ورجال فاعل يشمها وضما مفعول ثانٍ والمراد بالإشمام في هذه الأفعال أن ينحى بكسر أوائلها نحو الضمة وبالياء بعدها نحو الواو فهي حركة مركبة من حركتين كسر وضم؛ لأن هذه الأوائل، وإن كانت مكسورة فأصلها أن تكون مضمومة؛ لأنها أفعال ما لم يسم فاعله، فأشمت الضم دلالة على أنه أصل ما يستحقه وهو لغة للعرب فاشية، وأبقوا شيئا من الكسر تنبيها على ما استحقته هذه الأفعال من الاعتلال، ولهذا قال: لتكملا أي لتكمل الدلالة على الأمرين، وهذا نوع آخر من الإشمام غير المذكور في الأصول وقد عبروا عنه أيضا بالضم والروم والإمالة، ومنهم من قال: حقيقته أن تضم الأوائل ضما مشبعا، وقيل مختلسا، وقيل بل هو إيماء بالشفتين إلى ضمة مقدرة مع إخلاص كسر الأوائل، ثم القارئ مخير في ذلك الإيماء إن شاء قبل اللفظ أو معه أو بعده، والأصح ما ذكرناه أولا، ومن أخلص الكسر فلأجل الياء الساكنة بعده كميزان وميقات وهو اللغة الفاشية المختارة، وقال مكي: الكسر أولى عندي كما كان الفتح أولى من الإمالة ونافع وابن ذكوان جمعا بين اللغتين، ورسا أي استقر وثبت وأنبلا أي زائد النبل وأما قيل الذي هو مصدر فلا يدخل في هذا الباب؛ إذ لا أصل له في الضم وهو في نحو: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} {وَقِيلِهِ يَا رَبِّ} {إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} {وَأَقْوَمُ قِيلًا} . والرمز في هذين البيتين: رجال لتكملا كما رسا كان راويه أنبلا والله أعلم. 448- وَهَا هُوَ بَعْدَ الْوَاوِ وَالفَا وَلاَمِهَا ... وَهَا هِيَ أَسْكِنْ "رَ"اضِياً "بَـ"ـارِدًا "حَـ"ـلا أي إذا كانت الهاء من لفظ هو والهاء من لفظ هي بعد واو أو فاء أو لام زائدة نحو: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ} {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ} ، {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ} ، {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ} ، {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ} ، {لَهِيَ الْحَيَوَانُ} . فأسكن الهاء في هذه المواضع الكسائي وقالون وأبو عمرو؛ لأن اتصال هذه الحروف بها صيرت الكلمة مشبهة لفظ عضد وكتف، فأسكنت الهاء كما أسكنا تخفيفا وقولنا: زائدة احتراز من نحو: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 {لَهْوَ الْحَدِيثِ} ، {إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} فالهاء ساكنة باتفاق؛ لأنها ليست هاء هو الذي هو ضمير مرفوع منفصل، وذلك معروف ولكنه قد يخفى على المبتدئ فبيانه أولى وقصر لفظ "ها" في الموضعين ضرورة، والضمير في لامها للحروف أو للفظ هو؛ لكثرة دخولها عليها وراضيا حال وباردا مفعول به، وحلا صفة باردا كما تقول رضيت شيئا جيدًا وباردًا من قولهم غنيمة باردة أي حاصلة من غير مشقة ويمكن جعل الكل أحوالا ويكون راضيا حال من الفاعل وباردا حالا من المفعول نحو لقيته مصعدا منحدرا وقيل باردا نعت مصدر محذوف إي إسكانا باردا حلوا، يروى عن من قرأ به كالماء البارد، وهذا الحكم المذكور في هذا البيت أيضا مطرد حيث جاءت هذه الألفاظ لا يختص بهذه السورة، ولم يصرح بذلك وكأنه اكتفى بضابط قوله بعد الواو وللفاء ولامها؛ لأن المجموع ليس في سورة البقرة والله أعلم. 449- وَثُمَّ هْوَ "رُِ"فْقًا "بَـ"ـانَ وَالضَّمُّ غَيْرُهُمُ ... وَكَسْرٌ وَعَنْ كُلٍّ يُمِلُّ هُوَ انْجَلا أراد: {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} لم يسكنه أبو عمرو؛ لأن ثم ليس اتصالها بهو كاتصال الواو والفاء واللام بها؛ لأن ثم كلمة مستقلة، وأسكنه الكسائي وقالون حملا لثم على هذه الحروف لمشاركتها لها في الحرفية والواو والفاء في العطفية، وقوله: رفقا بان حال أي أسكنه ذا رفق بين أي أرفق به في تقرير وجه إسكانه، والضم غيرهم في لفظ هو بعد هذه الحروف والكسر في لفظ هي بعدها، وإنما بين قراءة الباقين؛ لأنها لا تفهم من ضد الإسكان المطلق فإن ضده -على ما سبق في الخطبة- هو الفتح على أنه كان يمكنه أن لا يتكلف ببيان قراءة الباقين؛ فإنها قد علمت من تلفظه بها في قوله: وها هو وها هي فكأنه قال: أسكن ضم هذه وكسر هذه، ولو قال ذلك تصريحا لم يحتج إلى بيان قراءة الباقين فهذا المذكور في معناه، وأما قوله تعالى في آية الدين: {أَنْ يُمِلَّ هُوَ} فلم يسكن الهاء أحد؛ لأن يمل كلمة مستقلة وليست حرفا فتحمل على أخواتها وإنما ذكره؛ لأن هو قد جاء فيها بعد لام فخشي أن تدخل في عموم قوله ولامها فقال ضمها عن كل القراء ولم يصرح بذلك، ولكن لفظه أنبأ عنه ولهذا قال: انجلا أي انكشف الأمر في ذلك وبعض المصنفين ذكر عن قالون إسكانها. 450- وَفِي فَأَزَلَّ اللاَّمَ خَفِّفْ لِحَمْزَةٍ ... وَزِدْ أَلِفًا مِنْ قَبْلِهِ فَتُكَمِّلا يريد قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ} 1.   1 سورة البقرة، آية: 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 والهاء في قبله تعود إلى اللام فيصير فأزال، ومعناهما واحد أي فنحاهما عنها، وقيل: يجوز أن يكون معنى قراءة الجماعة أوقعهما في الزلة وهي الخطيئة، والفاء في فتكملا ليست برمز؛ لأنه قد صرح بقوله: لحمزة وإنما أتى بالفاء دون اللام؛ لئلا يوهم رمزا، فإن قلت لا يكون رمز مع مصرح باسمه قلت: يظن أنها قراءة ثانية بالألف وقراءة حمزة بالتخفيف فقط فاختار الفاء؛ لئلا يحصل هذا الإيهام وأراد فتكمل الألف الكلمة أو تكمل أنت الكلمة بزيادتك للألف وهو منصوب على جواب الأمر بالفاء. 451- وَآدَمَ فَارْفَعْ نَاصِباً كَلِمَاتِهِ ... بِكَسْرٍ وَلِلْمَكِّيِّ عَكْسٌ تَحَوَّلاَ أي القراءة: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} 1، فيكون آدم فاعلا وكلمات مفعولا وعلامة نصبه الكسرة وعكس ابن كثير، فجعل آدم مفعولا فنصبه، وكلمات فاعلا فرفعها، والمعنى واحد؛ لأن ما تلقيته فقد تلقاك وكذا ما أصبته، فقد أصابك وقوله: وللمكي عكس أي عكس ما ذكر، وحقيقة العكس لا تتحقق هنا من جهة أن نصب آدم ليس بكسر بل بفتح فهو عكس مع قطع النظر عن لفظ الكسر، ولم يمكنه أن يقول: وللمكي رفع؛ لأنه لا يعرف الخلاف في آدم حينئذ لمن هو؛ لأن رفع المكي مخصوص بكلمات وقوله: تحولا أي المذكور إليه أو عكس تحول إلى هذا والله أعلم. 452- وَيُقْبَلُ الُاولى أَنَّثُوا "دُ"ونَ "حَا"جِزٍ ... وَعُدْنَا جَمِيعًا دُونَ مَا أَلِفَ "حَـ"ـلا يريد قوله تعالى: {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} 2. يقرأ بالتأنيث والتذكير أي بالتاء والياء، فوجه التأنيث ظاهر؛ لأن الشفاعة مؤنثة، ولهذا قال: دون حاجز أي مانع، ووجه التذكير أن تأنيث الشفاعة غير حقيقي، وكل ما كان كذلك جاز تذكيره لا سيما وقد وقع بينه وبين فعله فاصل وسيأتي له نظائر كثيرة، واحترز بقوله الأولى أي الكلمة الأولى عن الأخيرة وهي: {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} . فإن الفعل مذكر بلا خلاف؛ لنه مسند إلى مذكر وهو عدل وبعده: {وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} ، لم يختلف في تأنيثها؛ لأنه لم يفصل بينهما كلمة مستقلة بخلاف الأولى وقرأ أبو عمرو: {وَعَدَنَا} في البقرة والأعراف وطه بغير ألف بعد الواو؛ لأن الله تعالى وعده وقرأ غيره "واعدنا" بألف بعد   1 الآية: 37. 2 الآية: 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 الواو على معنى وعدنا كقوله: "فحاسبناها" وقيل يصح فيه معنى المفاعلة فإن قلت: من أين يعلم من النظم أن قراءة الباقين بألف بعد الواو دون أن يكون بألف قبلها فيكون أوعدنا؛ لأنه قال دون ما ألف ولم ينطق بقراءة الجماعة ولو كان لفظ بها لسهل الأمر قلت: يعلم ذلك من حيث إنه أراد أوعدنا للزمه أن يبين إسكان الواو وتحريكها، فلما لم يتعرض لذلك علم أنه غير مراد وأيضا فإن حقيقة الألف ثابتة في لفظ: {وَاعَدْنَا} ، وأما أوعدنا فهي حمزة قبل الواو فإطلاق الألف عليها مجاز، والأصل الحمل على الحقيقة فيزول الإشكال على هذا مع ظهور القراءتين واشتهارهما وعدم صحة معنى الوعيد في هذه المواضع ولو قال: وفي الكل واعدنا أو وجملة واعدنا بلا ألف حلا بطل هذا الإشكال لكن في "وعدنا" و"واعدنا" ألف بعد النون كان ينبغي الاحتراز عنها أيضا، فإن قلتَ: تلك لا يمكن حذفها، فإن قلت: وليس كل ما لا يمكن حذفه لا يحترز منه فإنه سيأتي في قوله: وقالوا: الواو الأولى سقوطها ولا يمكن إسقاط الثانية مع بقاء ضمة اللام ثم إنه أيضا يرد عليه ما في سورة القصص: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا} 1. فهو بغير ألف بلا خلاف، وكذا الذي في الزخرف: {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} 2. فإن اعتذر له بأنه قال: "وعدنا" بغير هاء والذي في القصص بزيادة هاء، والذي في الزخرف بزيادة هاء وميم فلا ينفع هذا الاعتذار فإن الذي في طه بزيادة كاف وميم وهو قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ} 3. وصاحب التيسير نص على أن الخلاف في "وعدنا"، و"وعدناكم"، فخرج الذي في القصص فإنه لفظ ثالث والذي في الزخرف فإنه لفظ رابع فلو قال: الناظم وعدنا وعدناكم بلا ألف حلا لخلص من هذا الإشكال ولكن خلفه إشكال آخر، وهو أنه لم يقل جميعا ولكن يكون له أسوة بما ذكر في بيتي الإشمام ويبقى عليه الإشكالان المتقدمان في موضع الألف وما في قوله دون ما ألف زائدة والله أعلم. 453- وَإِسْكَانُ بَارِئِكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ لَهُ ... وَيَأْمُرُهُمْ أَيْضًا وَتَأْمُرُهُمْ تَلا 454- وَيَنْصُرُكُمْ أَيْضًا وَيُشْعِرُكُمْ وَكَمْ ... جَلِيلٍ عَنِ الدُّورِيِّ مُخْتَلِسًا جَلا أي أسكن أبو عمرو في هذه المواضع كلها حيث وقعت حركة الإعراب تخفيفا، وقد جاء ذلك عنه من طريق الرقيين كذا ذكر الداني ومكي وغيرهما، ورواية العراقيين عن أبي عمرو الاختلاس، وهي الرواية الجيدة المختارة؛ فإن الإسكان في حركات الإعراب لغير إدغام ولا وقف ولا اعتلال منكر فإنه على مضادة حكمة مجيء الإعراب وجوزه سيبويه في ضرورة الشعر؛ لأجل ما ورد من ذلك فيه نحو:   1 آية: 61. 2 آية: 42. 3 آية: 80. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وقد بدا هنك من الميزر ... فاليوم أشرب غير مستحقب ولا أعلام قد تعلل بالمناة ... فما تعرفكم العرب ونحوه: إذا اعوججن قلت: صاحب مقوم. قال أبو علي في الحجة: أما حركة الإعراب فمختلف في تجويز إسكانها فمن الناس من ينكره فيقول: إن إسكانها لا يجوز من حيث كان علما للإعراب، قال: وسيبويه يجوز ذلك في الشعر، قال الزجاج: روي عن أبي عمرو ابن العلاء أنه قرأ: "بَارِئْكُمْ" بإسكان الهمزة، قال: وهذا رواه سيبويه باختلاس الكسر، قال: وأحسب الرواية الصحيحة ما روى سيبويه فإنه أضبط؛ لما روي عن أبي عمرو، والإعراب أشبه بالرواية عن أبي عمرو؛ لأن حذف الكسر في مثل هذا وحذف الضم إنما يأتي في اضطرار الشعر وفي كتاب أبي بكر بن مجاهد قال سيبويه كان أبو عمرو يختلس الحركة: "من بارئكم"، و {يَأْمُرُكُمْ} ، وما أشبه ذلك مما تتوالى فيه الحركات فيرى من يسمعه أنه قد أسكن ولم يسكن قال أبو بكر: وهذا القول أشبه بمذهب أبي عمرو؛ لأنه كان يستعمل في قراءته التخفيف كثيرا كان يقرأ: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} ، {يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ} يشم الميم من يعلمهم، والنون من "يلعنهم" الضم من غير إشباع وكذلك: {عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ} يشم التاء شيئا من الخفض وكذلك: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ} . يشمها شيئا من الضم، وفي كتاب أبي علي الأهوازي عن المازني عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلا قال سمعت أعرابيا يقول: {بَارِئِكُمْ} ، فاختلس الكسر حتى كدت لا أفهم الهمزة قال أبو علي الفارسي وهذا الاختلاس وإن كان الصوت فيه أضعف من التمطيط وأخفى فإن الحرف المختلس حركته بزنة المتحرك قال: وعلى هذا المذهب حمل سيبويه قول أبي عمرو: "على بارئكم"، فذهب إلى أنه اختلس الحركة ولم يشبعها فهو بزنة حرف متحرك فمن روى عن أبي عمرو الإسكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 في هذا النحو فلعله سمعه يختلس فحسبه؛ لضعف الصوت به والخفاء إسكانا، وقال أبو الفتح بن جني في كتاب الخصائص الذي رواه صاحب الكتاب اختلاس هذه الحركة لا حذفها البتة وهو أضبط لهذا الأمر من غيره من القراء الذي رووه ساكنا، قال: ولم يؤت القوم في ذلك من ضعف أمانة لكن أتوا من ضعف دراية، قال الشيخ في شرحه: وقد ثبت الإسكان عن أبي عمرو، والاختلاس معا، ووجه الإسكان أن من العرب من يجتزى بإحدى الحركتين عن الأخرى قال: وقد عزا الفراء ذلك إلى بني تميم وبني أسد وبعض النجديين، وذكر أنهم يحققون مثل: "يأمركم" فيسكنون الراء لتوالي الحركات. قلت: وكان الناظم -رحمه الله- مائلا إلى رواية الاختلاس، وهو الذي لا يليق بمحقق سواه، فقال: وكم جليل أي كثير من الشيوخ الجلة جلوا الاختلاس عن الدوري، وكشفوه، وقرروه، وعملوا به، ومختلسا حال من الدوري أي جلا عن مذهبه في حال اختلاسه، ونسب الناظم ذلك إلى الدوري، وهو محكي عن أبي عمرو نفسه كما نسب إبدال الهمز الساكن إلى السوسي، وهي محكي عن أبي عمرو كما سبق، وسبب ذلك أن رواية الرقيين هي رواية السوسي ومن وافقه، ورواية العراقيين هي رواية الدوري وأضرابه قال أبو علي الأهوازي ومعنى الاختلاس أن تأتي بالهمز وبثلثي حركتها فيكون الذي تحذفه من الحركة أقل مما تأتي به قال: ولا يؤخذ ذلك إلا من أفواه الرجال. قلت: وقراءة الباقين بإشباع الكسر في: {بَارِئِكُمْ} . وإشباع الضم في البواقي. فإن قلت: من أين يؤخذ ذلك؟ قلت: ما بعد: {بَارِئِكُمْ} قد لفظ به مضموما فهو داخل في قوله: وباللفظ أستغني عن القيد إن جلا ... وقد سبق في شرح الخطبة أن قوله وإسكان: {بَارِئِكُمْ} لا يفهم منه القراءة الأخرى؛ فإنه ليس ضد السكون الكسر، ولو حصل التلفظ بالكسر لصار كالذي بعده، ولو قال: وبارئكم سكن لاستقام وقوله: له أي لأبي عمرو. فإن قلت: لِمَ لَمْ يكن رمزًا لهشام كما قال في موضع آخر بخلف له، ولا يكون له ثوى، قلت له لفظ صريح حيث يكون له ما يرجع إليه كهذا المكان وإن لم يكن له ما يرجع إليه فهو رمز، وعلامة ذلك اقترانه في الغالب برمز آخر معه ومتى تجرد وكان له ما يرجع فحكمه حكم الصريح وقوله: تلا ليس برمز وهو مشكل؛ إذ لا مانع من جعله رمزًا، ويكون إسكان يأمرهم وما بعده للدوري عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 الكسائي، وكان ينبغي أن يحترز عنه بأن بقوله: وتأمرهم حلا أو غير ذلك مما لم يوهم رمزا لغير أبي عمرو وأما جلا فظاهر أنه ليس برمز لتصريحه بالدوي والله أعلم. 454- وَفِيهَا وَفِي الأَعْرَافِ نَغْفِرْ بِنُونِهِ ... وَلاَ ضَمَّ وَاكْسِرْ فَاءه [حِـ]ـينَ [ظَـ]ـلَّلاَ فيها يعني في البقرة: {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} 1، ولا ضم يعني الفتح في النون فتأخذ للغير بالضم وفتح الفاء وضد النون الياء ووجه النون أن قبله: {وَإِذْ قُلْنَا} ، فهي نون العظمة، فأشار بقوله: حين ظللا إلى أنهم في ظل غفرانه سبحانه وتعالى: 455- وَذَكِّرْ هُنَا "أَ"صْلًا وَلِلشَّامِ أَنَّثُوا ... وَعَنْ نَافِعٍ مَعْهُ في الأعْرَافِ وُصِّلا ذكر في هذا البيت مذهب من بقي وهو نافع وابن عامر فقراءة نافع هنا على الضد من قراءة الجماعة بضم الياء وفتح الفاء وقراءته في الأعراف كقراءة ابن عامر في الموضعين: بضم التاء المثناة من فوق وهو معنى قوله أنثوا وقوله: وذكر أي اجعل موضع النون ياء مثناة من تحت، وقد تقدم أن التأنيث غير الحقيقي يجوز فيه التذكير، فلهذا قال: أصلا؛ لأن الخطايا راجعة إلى معنى الخطأ ونافع يقرأ في الأعراف: "خطيئتكم"2 على جمع السلامة ففيه تاء التأنيث لفظا، فترجح اعتبار التأنيث، فلهذا أنث فيها، وفي البقرة يقرأ: "خطايا" وهو جمع تأنيثه معنوي، فضعف أمر التأنيث فذكر، وابن عامر أنث اعتبارا للمعنى، وهو في الأعراف آكد؛ لأنه يقرأ فيها بالإفراد: "خطيئتكم". والضمير في "وصلا" راجع إلى التأنيث المفهوم من قوله: أنثوا؛ أي وصل التأنيث إلينا بالنقل عن نافع مع ابن عامر في الأعراف. 456- وَجَمْعًا وَفَرْدًَا فِي النَّبِيءِ وَفي النُّبُو ... ءَةِ الهَمْزَ كُلٌّ غَيْرَ نَافِعٍ ابْدَلا جمعا وفردا حالان من "النبيء"، والهمز مفعول أبدل وتقدير البيت: كل القراء غير نافع أبدل الهمزة في لفظ النبيء مجموعا ومفردا فالمجموع نحو: "الأنبياء" "والنبيين" و"النبيون". والمفرد نحو: النبيء "ونبيء" ونبيئا وفي لفظ: "النبوءة" أيضا يريد قوله تعالى:   1 آية: 58. 2 آية: 161. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} . فلهذا كانت في البيت منصوبة على الحكاية وفي تقدم حال المجرور عليه خلاف عند النحويين فإن كان جائزا فإعراب جمعًا وفردًا على ما ذكرناه، وإن لم يكن جائزا كان ذلك منصوبا بفعل مضمر؛ أي وخذ جمعا وفردا في لفظ -النبيء-أو دونك ذلك، ثم بين ما يفعل به، فقال: أبدل كل القراء الهمز فيه غير نافع؛ يعني أن أصل هذه اللفظة الهمز؛ لأنه من أنبأ إذا أخبر ثم فعل فيه بطريق تخفيف الهمز ما يفعله حمزة في نحو: "خَطِيئَةً"، "قُرُوءٍ"، و"لِئَلَّا" من البدل الإدغام في نبيء و"نبوة" ومن البدل في "أنبيا" أبدلت الهمزة الأولى ياء والأصل الهمز كما قال العباس بن مرداس: يا خاتم النبئاء إنك مرسل فلما جمعه على فعلاء ظهرت الهمزتان ولما جمع على أفعلاء أبدلت الأولى ياء لانكسار ما قبلها فعلى هذا القراءتان بمعنى واحد؛ لأن الهمز وإبداله لغتان؛ لأن لغة الإبدال هي الفصيحة الفاشية حتى أن بعض النحاة -رحمهم الله- يقول: التزمت العرب الإبدال في "النبي" و"البرية"، وقال أبو علي في الحجة: قال سيبويه: بلغنا أن قوما من أهل التحقيق يخففون "نبي" و"برية"، قال: وذلك رديء، قال: وإنما استردأه؛ لأن الغالب في استعماله التخفيف على وجه البدل من الهمز، وذلك الأصل كالمرفوض. قلت: وقيل إن قراءة الجماعة يجوز أن تكون من نبا ينبو إذا ارتفع والنباوة الرفعة فلا يكون في الكلمة همز والأول أصح لمجيء الهمز فيه فيكون "النبيء" فعيلا بمعنى مفعول بمعنى أنه مخبر من جهة لله تعالى بما لا يخبر به غيره صلوات الله على جميع الأنبياء وسلامه. قال أبو عبيد: الجمهور الأعظم من القراء، والعوام على إسقاط الهمز من "النبي" و"الأنبياء" والنبيين في كل القرآن وكذك أكثر العرب مع حديث رويناه مرفوعًا إن كان حفظ: حدثنا محمد بن ربيعة عن حمزة الزيات عن حمران بن أعين أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا نبيء الله فقال: "لست بنبيء ولكني نبي الله"، قال أبو عبيد: ومعناه أنه أنكر عليه الهمز، وقال لي أبو عبيدة: العرب تترك الهمز في ثلاثة أحرف: "النبي" و"البرية" والخابية، وأصلهن جميعا الهمز، قال أبو عبيد: وفيها حرف آخر رابع: "الذرية" وهو من قوله: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} . قلت: سأذكر إن شاء الله تعالى شرح هذه الأربعة الأحرف في شرح ما نظمته في النحو، وأما هذا الحديث الذي ذكره أبو عبيد، فقد أوله شيخنا أبو الحسن -رحمه الله- في شرحه بعد أن قال: إنه غير صحيح الإسناد، وقد أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه المستدرك، فقال: حدثني أبو بكر أحمد بن العباس بن الإمام المقرئ حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا خلف بن هشام حدثني الكسائي حدثني حسين الجعفي عن حمزان ابن أعين عن أبي الأسود الدؤلي عن أبي ذر قال: جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكره. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قلت: ولا يظهر لي في تأويله إلا ما قاله أبو عبيد: إنه أنكر عليه الهمز؛ لأن تخفيفه هو اللغة الفحيحة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وما أول الشيخ به الهمز لا ينفيه تخفيفه فإن "النبي" سواء كان من الإخبار أو غيره فتخفيف همزه جائز أو لازم والله أعلم. 457- وَقَالُونُ فِي الأَحْزَابِ فِي لِلنَّبيِّ مَعْ ... بُيُوتَ النَّبيِّ اليَاءَ شَدَّدَ مُبْدِلا يريد قوله تعالى: {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} ، و {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} ، خالف قالون أصله في الهمز في هذين الموضعين فقرأهما كالجماعة اعتبارا لا أصل له آخر، تقدم في باب الهمزتين من كلمتين لأجل أن كل واحد من هذين الموضعين بعده همزة مكسورة، ومذهبه في اجتماع الهمزتين المكسورتين أن يسهل الأولى إلا أن يقع قبلها حرف مد، فتبدل، فيلزمه أن يفعل ههنا ما فعل في: "بِالسُّوءِ إِلَّا"؛ أبدل ثم أدغم غير أن هذا الوجه متعين هنا لم يرو غيره، وهذا يفعله قالون في الوصل دون الوقف؛ لأن الوقف لا يجتمع فيه الهمزتان فإذا وقف وقف على همزة لا على ياء، وقد أشار صاحب التيسير إلى ذلك حين قال، وترك قالون الهمز في قوله في الأحزاب: {لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ} 1، و {بُيُوتَ النَّبِيِّ} 2 إلا في الموضعين في الوصل خاصة على أصله في الهمزتين المكسورتين. 458- وَفي الصَّابِئِينَ الهَمْزَ وَالصَّابِئُونَ خُذْ ... وَهُزْؤًا وَكُفْؤًا في السَّوَاكِنِ "فُـ"ـصِّلا أي خذ الهمز فيهما؛ لأنه الأصل، وروي الهمز رفعا على الابتداء، أي وفي "الصابئين" في البقرة والحج3، وفي "الصابئون" في المائدة4 الهمز، ثم قال: خذ أي خذ ما ذكرت بنية واجتهاد، يقال: صبأ يصبأ إذا خرج من دين إلى آخر، وأبدل نافع الهمز فكأنه من صبا بلا همز كرمى ورعى، فقرأ "الصابون" و"الصابين" كقولك الداعون والداعين، ومثل هذا البدل لا يكون إلا سماعا؛ لأنه همز متحرك بعد متحرك فهو كما قرئ: {سَأَلَ سَائِلٌ} بالهمز وبالألف كما يأتي فاجتمع في قراءة نافع همز "النبي" وترك همز "الصابئين" والعكس الذي هو قراءة الجماعة أفصح وأولى، وهذا نحو مما مضى في قراءة ورش ترقيق الراءات وتغليظ اللامات، وأسند أبو عبيد عن ابن عباس أنه قال: ما "الخاطون" إنما هي "الخاطئون"، ما "الصابئون" إنما هي "الصابون"، قال أبو عبيد: وإنما كرهنا ترك الهمزة ههنا؛ لأن من أسقطها لم يترك لها خلفا بخلاف "النبيين" وقرأ حمزة وحده: "هزؤا"، و"كفؤا" بإسكان الزاي والفاء تخفيفًا، والأصل الضم وهو قراءة الجماعة، وقيل: هما لغتان ليست إحداهما   1 آية: 50. 2 آية: 53. 3 البقرة آية: 62، والحج آية: 17. 4 آية: 99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 أصلا للأخرى. قال مكي: حكى الأخفش عن عيسى بن عمر قال: كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم ففيه لغتان التخفيف والتثقيل وقوله: في السواكن فصلا أي ذكرا في السواكن مفصلين أي عدا من جملة الأسماء التي سكن وسطها نحو قفل وشكر وكفر ثم ذكر قراءة الجماعة فقال: 459- وَضُمَّ لِبَاقِيهِمْ وَحَمْزَةُ وَقْفُهُ ... بِوَاوٍ وَحَفْصٌ وَاقِفاً ثُمَّ مُوصِلا يجوز في ضم. هنا أن يكون أمرًا وأن يكون ماضيًا لم يسم فاعله، ورسمت الهمزة في هاتين الكلمتين بواو، فوقف حمزة عليهما بالواو إتباعا للرسم مع كونه يسكن الوسط فهو يقول: "هزوا" و"كفوا". على وزن جزؤا، ولم يفعل مثل ذلك في جزأ، وإن كان يسكن زايه أيضا؛ لأن الهمزة في جزأ لم ترسم واوا فيقف على ما تمهد في باب وقفه على الهمز بنقل حركة الهمزة إلى الزاي الساكنة فيقول: "جُزًا". على وزن هدى ومثل ذلك جارٍ في: "هزؤًا"، و"كفؤًا" قياسا وقل من ذكره هنا، قال صاحب التيسير: قراءة حمزة بإسكان الزاي والفاء وبالهمز في الوصل، فإذا وقف أبدل الهمز واوًا؛ اتباعًا للخط وتقديرا لضمة الحرف المسكن قبلها يعني فلهذا لم ينقل حركة الهمز إلى الساكن، وقال مكي: وقف حمزة ببدل واو من الهمزة على غير قياس تباعًا لخط المصحف قال: وأما جزأ فكل القراء يسكن إلا أبا بكر؛ فإنه ضم الزاي، ووقف حمزة بإلقاء الحركة على الزاي يقول: "جُزًا" على الأصل المتقدم، وقال في الكشف: كلهم همز في: "هزوًا"، و"كفوًا" إلا حفصا؛ فإنه أبدل من الهمزة واوا مفتوحة على أصل التخفيف؛ لأنها همزة مفتوحة قبلها ضمة فهي تجري على البدل كقوله: "السفهاء إلا" في قراءة الحرميين، وأبو عمرو، وكذلك يفعل حمزة إذا وقف كأنه يعمل الضمة التي كانت على الزاي والفاء في الأصل قال: وكان يجب عليه على أصل التخفيف لو تابع لفظه أن يلقى حركة الهمزة على الساكن الذي قبلها كما فعل في "جزأ" في الوقف فكان يجب أن يقول: "كفا"، و"هزا"، لكنه رفض ذلك؛ لئلا يخالف الخط فأعمل الضمة الأصلية التي كات على الزاي والفاء في الهمزة، فأبدل منها واوا مفتوحة؛ ليوافق الخط ثم تأتي بالألف التي هي عوض من التنوين بعد ذلك فقوله: وحفص مبتدأ وخبره محذوف؛ أي: وحفص يقرأ بالواو في حال وقفه، وإيصال الكلمة إلى ما بعدها، يقال: وصلت الشيء بالشيء وأوصلته إليه أي بلغته إليه وألصقته به، والمستعمل في مقابلة الوقف هو الوصل لا الإيصال، ولكنه عدل عن واصلا إلى موصلا كراهة السناد في الشعر؛ فإنه عيب؛ لأن هذا البيت كان يبقى مؤسسًا بخلاف سائر أبيات القصيدة، وإنما أبدل حفص هذه الهمزة واوا لأنها همزة مفتوحة قبلها ضم أراد تخفيفها وهذا قياس تخفيفها على باب ما سبق في باب وقف حمزة وانفرد حفص بهذه القراءة؛ لأن كل من ضم الفاء لا يبدل هذه الهمزة: أما السوسي فلأنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 متحركة وأما ورش فلأنها لام الفعل وأما هشام في الوقف فلأنها متوسطة، وأما حمزة فإنه وإن أبدل فإنه لم يضم الزاي والفاء، ومن شأن حفص تحقيق الهمزة أبدا، وإنما وقع له الإبدال في هاتين الكلمتين، وسهل "أعجمي" جمعا بين اللغات ومن عادته مخالفة أصله في بعض الكلم كصلته: "فِيهِ مُهَانًا"، وإمالته: "مجراها"، ولم يصرح الناظم بقراءة حفص هنا، وحذف ما هو المهم ذكره، ولو أنه قال في البيت الأول: "وهزؤا" "وكفؤا" ساكنا الضم فصلا لاستغنى عن قوله: وضم لباقيهم، ثم يقول بدل البيت الثاني: وأبدل واوا حمزة عند وقفه ... وحفص كذا في الوصل والوقف أبدلا ورأيت في بعض النسخ وهو بخط بعض الشيوخ ومنقول من نسخة الشيخ أبي عبد الله القرطبي -رحمه الله- ومقروءة عليه ومسموعة من لفظه عوض هذا البيت: وفي الوقف عنه الواو أولى وضم غيـ ... ـره ولحفص الواو وقفا وموصلا وكتب عليهما معا، ورأيت في حاشية نسخة أخرى مقروءة على المصنف هذا البيت يتفق مع وضم لباقيهم في المعنى ومخالفة في اللفظ وخير المصنف بينهما؛ لأن كل واحد منهما يؤدي معنى الآخر. قلت: وهذا البيت أكثر فائدة لبيان قراءة حفص فيه، والتنبيه على أن أصل حمزة في الوقف يقتضى وجهًا آخر وهو نقل الهمز وإنما إبداله واوا أولى من جهة النقل وإتباع الرسم على أن أبا العباس المهدوي قال في شرح الهداية: الأحسن في "هزوا" و"كفوا" أن يلقي حركة الهمزة على الزاي والفاء كما ألقيت في "جزأ" والله أعلم. 460- وَبِالغَيْبِ عَمَّا تَعْمَلُونَ هُنَا "دَ"نَا ... وَغَيْبُكَ في الثَّانِي "إ"لَى "صَـ"ـفْوَهِ "دَ"لا هنا أي بعد هزؤا وهو قوله تعالى: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} 1. ودنا أي: دنا مما فرغنا منه يعني: {عَمَّا يَعْمَلُونَ} ، {أَفَتَطْمَعُونَ} . ووجه الغيب قطعه عن الأول واستئناف أخبار عنهم ولهذا قال بعده: {أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} . ووجه الخطاب رده على قوله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} ، ويعني بالثاني: {عَمَّا تَعْمَلُونَ} ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ} . ووجه الغيب فيه ظاهر وهو موافقة ما قبله وما بعده، ولهذا قال: إلى صفوه دلا أي أخرج دلوه ملأى بعد أن أدلاها إلى صفوه، وقيل: دلوت الدلو، وأدليتها بمعنى، وهذه عبارة حلوة شبه هذه القراءة بماء صاف   1 سورة البقرة، آية: 67. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 أرسل القارئ إليه آنية فاستخرجها وافية الامتلاء يشير إلى اختياره على ما هو أهل للاختيار ووجه الخطاب رده على قوله: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ} ، وفاعل قوله دنا ضمير: {عَمَّا يَعْمَلُونَ} ، وفاعل دلا ضمير قوله وغيبك والله أعلم. 461- خَطِيئَتُهُ التَّوْحِيدُ عَنْ غَيْرِ نَافِعٍ ... وَلاَ يَعْبُدُونَ الغَيْبُ "شَـ"ـايَعَ "دُ"خْلَلا لم يأت بواو فاصلة بين هاتين المسألتين؛ لأن قوله خطيئته لا يلتبس أنه رمز؛ لأنه رمز لنافع فيما قبله، ولأنه من لفظ القرآن، وهو في البيت مبتدأ والتوحيد صفته على معنى ذو التوحيد أو يكون مبتدأ ثانيا أي التوحيد فيه كقولهم: السمن منوان بدرهم، ولو قال "خطيئاته" وحده عن غير نافع لكان لأحسن؛ لأن فيه التلفظ بقراءة وتقييد أخرى ولئلا يوهم أن قراءة نافع بجمع التكسير كما قرئ شاذا "خطايا" والتوحيد في مثل هذا يفيد معنى الجمع كقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} ، ووجه الجمع ظاهر لأن الذنوب متعددة وفي الإفراد موافقة قوله قبله: {مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} ؛ أي وأحاطت به تلك السيئة وقيل في قراءة الجمع: إن المراد بالسيئة الشرك فيبقى على موازنة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} . فالمعنى: من أشرك وعمل السيئات والله أعلم، وقوله: شايع؛ أي تابع والدخلل الذي يداخلك في أمورك وهو حال من الضمير في شايع، والضمير عائد على الغيب، أو على يعبدون؛ فإن عاد على الغيب كان يعبدون مبتدأ والغيب مرفوع على أنه مبتدأ ثانٍ، أو بدل منه بدل اشتمال نحو: زيد ثوبه حسن أي الغيب فيه تابع ما قبله وهو قوله: {مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ} ؛ أي تابعه في حال كونه دخللا: أي ليس بأجنبي ويجوز أن يكون دخللا مفعولا على هذا أي تابع دخيلا له، وهو ما قبله من الغيبة، وإن عاد الضمير على "يعبدون" كان الغيب مفعولا به أي تابع الغيب فيكون الغيب منصوبا ودخللا حال، ووجه الخطاب أن بعده: "وقولوا للناس" وهو حكاية حال الخطاب في وقته، ولهذا يقال: قلت لزيد: لا تضرب عمرا بالياء والتاء، وهو نهي بلفظ الخبر كما يجيء الأمر كذلك نحو "والمطلقات يتربصن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} ، {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} في سورة الصف1، ونحو القراءتين هنا ما يأتي في آل عمران: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} ، بالياء والتاء2، فالخطاب كقوله تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا} ، والغيب كقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا} وذلك قريب من قولهم يا تميم كلكم ويا تميم كلهم بالخطاب والغيب نظرا إلى النداء وإلى الاسم: 462- وَقُلْ حَسَنًا "شُـ"ـكْرًا وَحُسْنًا بِضَمِّهِ ... وَسَاكِنِهِ الْبَاقُونَ وَاحْسِنْ مُقَوِّلا شكرا حال أو مفعول له أي لأجل شكر الله أي اشكر نعمة الله بسبب ما يصدر منك من القول الحسن، ثم بيَّن قراءة الباقين وقيدها بالضم والإسكان، ولزم من ذلك تقييد القراءة الأخرى، وإن كان لفظها قد جلا عنها؛ لأن الضم ضده الفتح والإسكان ضده التحريك المطلق، والتحريك المطلق هو الفتح وكان يمكنه جعل هذا البيت والذي بعده واحدا فيقول: وقل حسنا شكرا وحسنا سواهما ... وتظاهروا تظاهرا خف ثملا ويكون حذف النون للضرورة كقوله: قل فطرن في هود، ولم يقرأ أحد بحذف الياء وإسكان النون، ثم لو قال وإسكانه الباقون أو وتسكينه لكان أولى من قوله: وساكنه ليعطف مصدرا على مصدر ولا يصح ما ذكر إلا بتقدير بذي ضمه وساكنه أي بالمضموم والساكن، وقوله: بضمه وإسكانه أخصر وأولى وأوضح معنى، والقراءتان بمعنى واحد كلا اللفظين نعت مصدر محذوف أي وقولوا للناس قولا حُسْنا وقولا حَسَنا هذا إن قلنا هما لغتان كالرُّشْد والرَّشَد والبُخْل والبَخَل والحُزْن والَزَن وإن قلنا الحُسْن بالضم والإسكان مصدر فتقديره قولا ذا حسن، ومقولا أي ناقلا؛ لأن الناقل يقول غيره ما ينسبه إليه أي أحسن في نقلك وتوجيه ما تنقله من هذه القراءات ونصبه على التمييز كقولك: لله دره فارسا، وحسبك به ناصرا؛ لأن النسبة في المعنى إلى مصادر هذه المنصوبات أي لله در فروسيته، وحسبك نصرته وليحسن تقويلك وأداؤك لهذه الوجوه من القراءات في نسبتها إلى أربابها والله أعلم. 463- وَتَظَّّاهَرُونَ الظَّاءُ خُفِّفَ "ثَـ"ـابِتًا ... وَعَنْهُمْ لَدَى التَّحْرِيمِ أَيْضًا تَحَلَّلا أي الظاء فيه خفف، وثابتًا: حال أي في حال ثبوته والتقدير تخفيفا ثابتا فهو نعت مصدر محذوف،   1 آية: 11. 2 آية: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وتحللا من الحلول أو التحليل أي وحل التخفيف عنهم أيضا في سورة التحريم في قوله تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} ، والذي هنا: "تظاهرون عليهم بالإثم"، ووجه القراءتين ظاهر الأصل تتظاهرون وتتظاهرا فمن شدد أدغم التاء في الظاء ومن خفف حذف إحدى التاءين وأيتهما المحذوفة فيه اختلاف لأهل العربية، وسيأتي له نظائر كثيرة، وقابل بين لفظي التحريم، وقوله: تحللا وهو اتفاق حسن والله أعلم. 464- وَحَمْزَةُ أَسْرى فِي أُسَارى وَضَمُّهُمْ ... تُفَادُوهُمُو وَالمَدُّ "إِ"ذْ "رَ"اقَ "نُـ"ـفِّلا أي وقراءة حمزة: أسرى أو حمزة يقرأ أسرى في موضع أسارى فلفظ بالقراءتين فلم يحتج إلى تقييد، وأسرى جمع أسير كقتيل وقتلى وأسارى، قيل أيضا: جمع أسير كقديم وقدامى، وقيل جمع جمع ككسلان لما جمعهما لمعنى وهو عدم النشاط فكما قالوا: كسالى قالوا: أسارى، وقيل: هو جمع أسرى وفداه وفاده واحد وقيل: معنى المفاعلة محقق في فاد، وقوله: وضمهم يعني في التاء، والمد: يعني به الألف ويلزم من ذلك فتح الفاء، والباقون بفتح التاء والقصر وإسكان الفاء، ولو قال: أسارى قلَ اسرى فز وضم محرّكا ... لتفدوهم والمد إذ رق نفلا لحصلت قيود القراءتين، وراق الشراب: أي صفا، وراقني الشيء: أعجبني، ونفل: أي أعطى النفل وهو الغنيمة يشير بذلك إلى ظهور معنى القراءة يريد قوله تعالى: {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ} . 465- وَحَيْثُ أَتَاكَ القُدْسُ إِسُكَانُ دَالِهِ ... "دَ"وَاءٌ وَلِلبَاقِينَ بِالضَّمِّ أُرْسِلا إنما كان إسكان داله دواء؛ لأنه أخف، وهما لغتان؛ الضم لأهل الحجاز والإسكان لتميم، وإنما احتاج إلى بيان قراءة الباقين؛ لأن الإسكان المطلق ضده الفتح لا الضم وأرسل أي طلق، ومرفوعه ضمير القدس أو الدال، وحيث متعلق بالإسكان وتقديمه على عامله، وهو مصدر من باب الاتساع في الظروف، وقد نص على جوازه غير واحد من المحققين، وكأن الناظم -رحمه الله- كان يرى ذلك فقد تكرر ذلك في نظمه، وقد سبق في قوله: وإن تزد لربك تنزيها وكان يمكنه أن يحترز هنا عن ذلك بأن يقول وإسكان دال القدس في كل موضع دواء. 466- وَيُنْزِلُ خَفِّفْهُ وَتُنْزِلُ مِثْلُهُ ... وَتُنْزِلُ "حَقٌّ" وَهْوَ في الحِجْرِ ثُقِّلا التخفيف في هذا والتشديد لغتان، وقيل في التشديد دلالة على التكثير والتكرير، وبناء فعل يكون كذلك غالبا وأنزل ونزل واحد في التعدية، وأنزل أكثر استعمالا في القرآن، ويدل على أن نزل المشدد في معنى أنزل إجماعهم على قوله تعالى: {لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} ، وإنما كرر الناظم هذه الألفاظ الثلاثة؛ لأن مواضع الخلاف في القراءتين لا يخرج عنها من جهة أن أوائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 الأفعال لا تخلو من ياء أو تاء أو نون، وقوله وهو عائد على آخر الألفاظ الثلاثة المذكورة وهو ننزل؛ لأن الذي في الحجر موضعان أحدهما لحمزة والكسائي وحفص: {مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ} 1، والآخر لجميع القراء وهو قوله: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} 2. وفي هذا البيت نقص في موضعين: أحدهما أن الألفاظ التي ذكرها لا تحصر مواضع الخلاف من جهة أن مواضع الخلاف منقسمة إلى فعل مسند للفاعل كالأمثلة التي ذكرها وإلى أمثلة مسندة للمفعول ولم يذكر منها شيئا نحو: {أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} {مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} ؛ فضابط مواضع الخلاف أن يقال كل مضارع من هذا اللفظ ضم أوله سواء كان مبنيا للفاعل أو للمفعول وقوله ضم أوله احترازا من مثل قوله: {وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} ، وبذلك ضبطه صاحب التيسير فقال: إذا كان مستقبلا مضموم الأول وكذا قال مكي وغيره: الموضع الثاني الذي في الحجر لم يبين من ثقله، وليس في لفظه ما يدل على أن تثقيله لجميع القراء؛ إذ من الجائز أن يكون المراد به مثقل لحق دون غيرهما خالفا أصلهما فيه كما خالف كل واحد منهما أصله فيما يأتي في للبيت الآتي، وصوابه لو قال: وينزل حق خفه كيفما أتى ... ولكنه في الحجر للكل ثقلا وهذا اللفظ يشمل الموضعين في الحجر؛ لأن الأول وإن اختلفت القراءات فيه مشدد للجميع، على ما يأتي بيانه في سورته أو يقول ننزله في الحجر للكل ثقلا فينص على ما يوهم أنه مختلف فيه ولا حاجة إلى التنبيه على الموضع الآخر؛ لأن ذلك سيفهم من ذكره في سورته، وقلت أيضا في نظم بدل هذا البيت وما بعده في هذه المسألة ثلاثة أبيات ستأتي إن شاء الله. 467- وَخُفِّفَ لِلْبَصْرِي بِسُبْحَانَ وَالَّذِي ... في الَانْعَامِ لِلْمَكِّي عَلَى أَنْ يُنَزِّلا خالف أبو عمرو أصله في الأنعام فثقل لأنه جواب قوله: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ} . وخالف ابن كثير أصله بسبحان وفيها موضعان وهما: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ} ، {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا} 3.   1 آية: 8. 2 آية: 21. 3 الآيتان: 82 و93. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 فثقل فيهما جمعا بين اللغتين وبين الذي في الأنعام بقوله: على أن ينزل فهو عطف بيان، ولو عكس فقال: وثقل للمكي بسبحان والذي في الأنعام للبصري لأوهم انفراد كل واحد منهما بذلك وليس الأمر كذلك. 468- وَمُنْزِلُهَا التَّخْفِيفُ "حَقٌّ" شِفَاؤُهُ ... وَخُفِّفَ عَنْهُمْ يُنْزِلُ الغَيْثَ مُسْجَلا وافق حمزة والكسائي على تخفيف: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} 1 في المائدة، كقوله تعالى قبله: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً} ، وعلى تخفيف {يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} في لقمان والشورى2؛ لقوله في غير موضع: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} . ومسجلا: أي مطلقا، وهو نعت مصدر محذوف أي تخفيفا مطلقا ليعم الموضعين، وقلت أنا ثلاثة أبيات بدل هذه الثلاثة: وينزل مضموم المضارع خفه ... لحق على أي الحروف تنقلا وخفف للبصري بسبحان والذي ... في الَانعام للمكي وفي الحجر ثقلا لكل وحق شاء منزلها وينـ ... ـزل الغيث تخفيفا بحرفين أسجلا 469- وَجِبْرِيلَ فَتْحُ الجِيمِ وَالرَّا وَبَعْدَهَا ... وَعى هَمْزَةً مَكْسُورَةً "صُحْبَةٌ" وِلا 470- بِحَيْثُ أَتَى وَاليَاءَ يَحْذِفُ شُعْبَةٌ ... وَمَكِيُّهُمْ في الجِيمِ بالْفَتْحِ وُكِّلا وعى: أي حفظ وهمزة مفعوله، وصحبة فاعله أي همزوا بعد فتحهم الجيم والراء وحذف أبو بكر الياء بعد الهمزة فقرأ: "جبرئل"، ولباقون أثبتوا الياء فقرأ حمزة والكسائي: "جبرءيل"، وابن كثير لم يفتح إلا الجيم وليس من أصحاب الهمز فقرأ: "جَبْرِيل"، والباقون بكسر الجيم والراء: "جِبْرِيل". وكل هذه لغات في هذا الاسم وفيه غير ذلك والله أعلم. 471- وَدَعْ يَاءَ مِيكَاَئِيلَ وَالهَمْزَ قَبْلَهُ ... "عَـ"ـلى "حُـ"ـجَّةٍ وَاليَاءُ يُحْذَفُ "أَ"جْمَلا   1 الآية: 115. 2 لقمان الآية: 34، والشورى آية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 أي حذف أبو عمرو وحفص الهمز فبقي: {مِيكَالَ} على وزن ميثاق وحذف نافع الياء وحدها فقرأ: "ميكائل"، والباقون أثبتوهما، وكل ذلك لغات فيه أيضا، وأجملا حال أو نعت مصدر محذوف أي حذفا جميلا، وفي ميكائيل ياءان الأولى بعد الميم والثانية بعد الهمزة، ودلنا على أنه أراد الثانية قوله: والهمز قبله فلما عرف ذلك أعاد ذكرها بحرف العهد فقال: والياء يحذف أجملا. 472- وَلكِنْ خَفَيفٌ وَالشَّيَاطِينُ رَفْعُهُ ... "كَـ"ـمَا "شَـ"ـرَطُوا وَالعَكْسُ "نَـ"ـحْوٌ "سَمَا" العُلا أي كما شرط أهل العربية أن لكن إذا خففت بطل عملها فارتفع ما بعدها أي خفف ابن عامر وحمزة والكسائي [لكن] فلزم كسر النون لالتقاء الساكنين فقرءوا: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} . ولم ينبه على حركة النون ولو نبه عليها وترك ذكر قراءة الباقين؛ لأنها تعلم من الضد كان أولى فيقول والنون بالكسر وكّلا أو وصّلا، فتكون قراءة الباقين تشديد النون وفتحها، ونصب الشياطين، وهذه أضداد ما تقدم ذكره وقوله: والعكس، نحو: يعني تشديد لكن ونصب الشياطين على أنه اسم لكن أي هذا أيضا وجه من وجوه علم النحو سما العلا أي طال العلا يعني أنه نحو رفيع أي ذلك وجه قوي أيضا وهو اختيار الفراء قال: تشديد لكن بعد الواو أوجه من تخفيفها وأفصح؛ لأنها إذا خففت صارت حرف عطف والواو حرف عطف، فلزم أن لا تعمل كسائر حروف العطف ونحو سما العلا رمز قراءة الباقين ولم يكن محتاجا إليه؛ فإنه لو قال: والعكس غيرهم تلا لحصل المراد واستعمل العكس بمعنى الضد الذي اصطلح عليه، وهذا كما قال في سورة الإسراء وفي مريم بالعكس: حق شفاؤه. 473- وَنَنْسَخْ بِهِ ضَمٌّ وَكَسْرٌ "كَـ"ـفَى وَنُنْ ... سِهَا مِثْلُهُ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ "ذَ"كَتْ "إِ"لَى يعني ضم أوله وكسر ثالثه من أنسخ أي أمر بالنسخ، والنسخ: الإزالة، وقوله: كفى أي كفى ذلك في الدلالة على القراءتين لفظا وضدا فإن ضد الضم والكسر معا الفتح، ثم قال: وننسها مثله أي بضم أوله وكسر ثالثه أيضا وقد اتفق في الكلمتين أن المضموم فيهما حرف النون والمكسور حرف السين، وزاد في ننسها أن قال: من غير همز؛ لتأخذ الهمز في القراءة الأخرى، ومطلق الهمز لا يقتضي حركته فيقتصر على أقل ما يصدق عليه اسم الهمز وهو الإتيان بهمزة ساكنة فهو بلا همز من النسيان أي تذهب بحفظها من القلوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وقيل: هو من نسيت الشيء إذا تركته وأنسيته أمرت بتركه أي نأمر بترك حكمها أو تلاوتها، فكل من هذه المعاني قد وقع فيما أنزل من القرآن، وقراءة الهمز من الإنساء الذي هو التأخير أي نؤخرها إلى وقت هو أولى بها وأصلح للناس أي نؤخر إنزالها، والضمير في ذكت للقراء وإلى واحد الآلاء وهو النعم، يقال المفرد بفتح الهمزة وكسرها وهو في موضع نصب على التمييز أو الحال أي ذات نعمة. 474- عَلِيمٌ وَقَالُوا الوَاوُ الُاولَى سُقُوطُهَا ... وَكُنْ فَيَكُونُ النَّصْبُ في الرَّفْعِ "كُـ"ـفِّلا يعني أسقط ابن عامر الواو الأولى من "وقالوا" الذي قبله "عليم"، يعني قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا"، احترز بتقييده عما قبله من قوله: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ} . وهذه الواو التي أسقطها ابن عامر اتبع فيها مصاحف أهل الشام؛ فإنها لم ترسم فيها فالقراءة بحذفها على الاستئناف، ولأن واو العطف قد تحذف إذا عرف موضعها، وربما كان حذفها في أثناء الجمل أحسن، ولا سيما إذا سيقت للثناء والتعظيم ألا ترى إلى حسنه في قوله تعالى في أول سورة الرعد: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ} 1، وفي قوله: {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} ، وقول الناظم: عليم، وقالوا هذا المجموع مبتدأ وقوله الواو الأولى بدل من المبتدأ بدل البعض وسقوطها بدل من الواو بدل الاشتمال ويجوز أن يكون الواو الأولى مبتدأ ثانيا أي الواو الأولى من هذا اللفظ وسقوطها مبتدأ ثالثا، واحترز بقوله الأولى من الواو التي بعد اللام، وقوله: وكن فيكون أيضا مبتدأ معطوف على المبتدأ الأول والنصب في الرفع مبتدأ ثانٍ لهذا المبتدأ أي النصب فيه في مواضع الرفع، وفي كفلا ضمير تثنية يرجع لى المبتدأين فهو خبر عنهما أي سقوط الواو الأولى من عليم، وقالوا: والنصب في الرفع من كن فيكون كفلا أي حملا فهو كما تقول زيد ثوبه وعمرو قميصه مسلوبان كأنك قلت قميص زيد وقميص عمرو مسلوبان ويجوز أن يكون خبر سقوطها محذوفا دل عليه قوله: كفلا الذي هو خبر النصب في الرفع فالألف في كفلا على هذا للإطلاق لا ضمير تثنية وجعلها ضمير تثنية أولى لترتبط المسألتان لقارئ واحد على ما هو غرض الناظم فإن هذا موضع ملبس؛ إذ لا مانع من أن تكون المسألة الأولى للرمز السابق في البيت الذي قبل هذا البيت فإنه لم يأت بينهما بواو فاصلة، وقد أتى بين هاتين المسألتين بواو فاصلة وهي قوله: وكن فيكون فيظهر كل الظهور التحاق المسألة الأولى بما تقدم وإذ كان قد ألحق قراءة:   1 الآية: 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 "فتثبتوا". بالرمز السابق في إشمام أصدق على ما سيأتي مع وجود الواو الفاصلة بينهما فإلحاق هذا يكون أولى وكذا قوله في الأنفال: "والنعاس" ارفعوا ولا هو لحق المرموز لقراءة: "يغشاكم". فإن قلت قد جمع الناظم بين ثلاث مسائل لرمز واحد في قوله في آل عمران: "سنكتب" ياء ضم البيت فلا بعد في جمع مسألتين لرمز واحد. قلتُ: ذلك البيت ليس فيه الإلباس المذكور فإنه ما ابتدأ به إلا بعد واو فاصلة قبله فلم يبق ما يوهم التحاقه بما قبله، وتعين أن يكون رمزه بعده، ولم يأت رمز إلا في آخر البيت فكان لجميع ما هو مذكور في البيت. فإن قلت: ففيه واو في قوله: وقتل ارفعوا. قلتُ: هو من نفس التلاوة في قوله تعالى: {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ} . ولو لم تكن من التلاوة لما أوهمت الفصل؛ إذ ما قبلها لا رمز له، فيكون لعطف مسألة على مسألة أي قراءة هذا وهذا فلان، وما أحسنه لو قال: عليم، وقالوا: الشام لا واو عنده ولا حاجة إلى الاحتراز عن الواو التي بعد اللام لبعد وهم ذلك، وكان البيت قد خلص من هذا البحث الطويل ففي النظر في وجه قراءة النصب في فيكون شغل شاغل، قال الزجاج: كن فيكون رفع لا غير من جهتين إن شئت على العطف على يقول وإن شئت على الاستئناف المعنى فهو يكون، وقال ابن مجاهد: قرأ ابن عامر: "كُنْ فَيَكُونَ" نصبا قال: وهذا غير جائز في العربية؛ لأنه لا يكون الجواب للأمر ههنا بالفاء إلا في: يس والنحل فإنه صواب، وذلك نسق في ذينك الموضعين لا جواب، وقال في سورة آل عمران قرأ ابن عامر وحده: "كُنْ فَيَكُونَ" بالنصب، قال: وهو وهم، وقال هشام: كان أيوب بن تميم يقرأ فيكون نصبا، ثم رجع فقرأ: "فَيَكُونُ" رفعا، واعلم أن قراءة ابن عامر بالنصب مشكلة؛ لأن النصب بالفاء في جواب الأمر حقه أن ينزل منزلة الشرط والجزاء فإن صحَّ صحَّ، فتقول: قم فأكرمك أي: إن تقم أكرمتك، ولو قدرت هذا فيما نحن فيه فقلت: إن يكن يكن لم يكن مستقيما كيف وإنه قد قيل: إن هذا ليس بأمر على الحقيقة وإنما معناه أن لله إذا أراد شيئا أوجد مع إرادته له فعبر بهذه العبارة عنه فليس هذا مثل قم فتقوم، فقيل: جاز النصب لوجود لفظ الأمر ولا اعتبار بالمراد به، فلا يضر أن يكون المراد به غير ذلك قال أبو علي الفارسي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 أمَّا "كن"، فإنه وإن كان على لفظ الأمر فليس بأمر ولكن المراد به الخبر أي يكون فيكون: أي يوجد بإحدائه فهو مثل أكرم بزيد أي إنه أمر بمعنى الخبر قال: ومنه: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} ، والتقدير: مده الرحمن وبنى أبو علي على هذا أن جعل فيكون بالرفع عطفا على كن من حيث المعنى وضعف عطفه على يقول لأن من المواضع ما ليس فيه يقول كالموضع الثاني في آل عمران وهو: {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} . ولم ير عطفه على قال من حيث أنه مضارع فلا يعطف على ماض فأورد على نفسه عطف الماضي على المضارع في: ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت فقال: أمرُّ بمعنى: مررت فهو مضارع بمعنى الماضي، فعطف الماضي عليه. قلت: و"يكون" في هذه الآية بمعنى "كان" فليجز عطفه على قال: ثم قال أبو علي: وقد يمكن أن يقول في قراءة ابن عامر لما كان على لفظ لأمر وإن لم يكن المعنى عليه حمل صورة اللفظ قال: وقد حمل أبو الحسن نحو قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} . على أنه أجرى مجرى جواب لأمر وإن لم يكن جوابا له في الحقيقة فكذلك قول ابن عامر: يكون قوله فيكون بمنزلة جواب الأمر نحو ائتني فأحدثك لما كان على لفظه. 475- وَفي آلِ عِمْرَانٍ في الُاولَى وَمَرْيَمٍ ... وَفِي الطَّوْلِ عَنْهُ وَهْوَ بِاللَّفْظِ أُعْمِلا أي في الآية الأولى وهي التي بعد يكون فيها: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ} 1؛ احترازا من الثانية، وهي التي بعدها: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} 2. والتي في مريم بعدها: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ} 3. والطول سورة غافر والتي فيها بعدها: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} 4. والضمير في عنه: لابن عامر، وقوله: وهو يعني النصب باللفظ أعملا أي اعتبر فيه لفظ الأمر،   1 آل عمران، آية: 48. 2 آل عمران، آية: 60. 3 مريم، آية: 36. 4 غافر، آية: 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 لا حقيقته، فاستعمل "في" فيكون في هذه المواضع الأربعة، وإن لم يكن جوابا على الحقيقة، وقد اعتبرت المراعاة اللفظية في قوله: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا} ، {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا} ، {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} . وقال جرير: فقولا لحجاج يدع مدح كودن وقال عمر بن أبي ربيعة: فقلت لجناد خذ السيف واشتمل ... عليه برفق وارقب الشمس تغربِ وأسرج لي الرجناء واعجل بممطري ... ولا يعلمن خلق من الناس مذهبي فجعل تغرب جوابا لقوله ارقب، وهو غير متوقف عليه، ولكنها معاملة لفظية. 476- وَفي النَّحْلِ مَعْ يس بِالعَطْفِ نَصْبُهُ ... "كَـ"ـفَى "رَ"اوِيًا وَانْقَادَ مَعْنَاهُ يَعْمُلا هذان موضعان آخران إلا أن يقول: الذي قبله منصوب فيهما وهو: {أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ، فالنصب في "فيكون" عطفا على "أن يقول"، فهذا معنى قوله: بالعطف نصبه، ثم قال: كفى راويا أي كفى راويه النصب في توجيهه، وانقاد معناه مشبها يعمل وهو الجمل القوي يعمل في السير، ولهذا تابع الكسائي ابن عامر في نصبهما وقد ذكر هذا التوجيه غير واحد من أئمة العربية والقراءة، ويؤيده أن قراءة الرفع في غير هذين الموضعين قد ذكر الزجاج وغيره أنها معطوفة على يقول المرفوع، فإن قلتَ: هذا مكل من جهة أخرى، وهي أنه يلزم منه أن يكون "فيكون" خبرا للمبتدأ الذي هو "قولنا" في النحل1، "وأمره" في يس2؛ لأن قوله: "أن يقول" خبر عنهما، فما عطف عليه يكون خبرا أيضا كما تقول: المطلوب من زيد أن يخرج فيقاتل، فيكون المطلوب منه أمرين هما الخروج والقتال وهذا المعنى لا يستقيم ههنا؛ لأن التقدير يصير إنما قولنا لشيء قول كن فيكون، فيؤول المعنى إلى إنما قولنا كون فهو كما ترى مشكل، وليس مثل قول علقمة: فإن المندّى رِحلةٌ فركوبُ لأن كل واحد منهما يصح أن يكون خبرا عن المندى على الجهة التي قصدها من التجويز، قلت: القول في الآية ليس المراد منه حقيقته كما سبق ذكره، وإنما عبر به عن سرعة وقوع المراد فهو لقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} . فكأنه سبحانه قال: إذا أردنا شيئا وقع، ولم يتخلف عن الإرادة، فعبر عن ذلك بقول: "كن فيكون" فالعطف غير منافٍ لهذا المعنى فصح فهذه ستة مواضع وقع فيها قراءة النصب منها الموضعان الآخران نصبهما بالعطف والأربعة السابقة منصوبة على لفظ جواب الأمر، وبقي موضعان لم يختلف في رفعهما وهما الثاني في آل عمران3 وفي الأنعام4:   1 الآية: 40. 2 آية: 82. 3 آية: 47. 4 آية: 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ} . وعلل ذلك بعضهم بأنه معطوف على ماضٍ لفظا في آل عمران وتقديرا في الأنعام والله أعلم. 477- وَتُسْأَلُ ضَمُّوا التَّاءَ وَالَّلامَ حَرَّكُوا ... بِرَفْعٍ "خُـ"ـلُودًا وَهْوَ مِنْ بَعْدِ نَفْيِ لا يعني قوله تعالى: {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} ، فقرأه الجماعة بعد لا النافية، فهذا معنى قوله: وهو من بعد نفي لا، والمعنى أنت غير مسئول عنهم، وقراءة نافع بجزم الفعل على النهي أي لا تسأل عنهم أي احتقرهم ولا تعدهم، وخلودا مصدر أي خلد ذلك خلودا وثبت واستقر، أو التقدير تحريكا ذا خلود والله أعلم. 478- وَفيهاَ وَفي نَصِّ النِّساَءِ ثَلاَثَةٌ ... أَوَاخِرُ إَبْرَاهَامَ "لَ"احَ وَجَمَّلا وفيها يعني في سورة البقرة، وفي نص النساء أي وفيها نص الله سبحانه عليه في سورة النساء كما تقول في نص الشافعي كذا أي في منصوصه الذي نص عليه، ثم نضيف النص إلى محله فنقول في نص الأم كذا أي فيهما نص عليه الشافعي في كتاب الأم كذا، ولو قال: وفي آي النساء لكان أحسن وأظهر، وقوله: أواخر صفة لثلاثة وإبراهام مبتدأ وفيها متعلق بالخبر أي إبراهام لاح في سورة البقرة في جميع ما فيها من لفظ إبراهيم يقرؤه هشام إبراهام بالألف، وفي النساء ثلاثة مواضع كذا وهي أواخر ما فيها يعني: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} ، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ} 1؛ احترازا من الأول وهو: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ} 2؛ فقرأه هشام بالياء، وجعل بعضهم إبراهام بدلا من ثلاثة أواخر على حذف مضاف أي كلمات إبراهام، وجعل قوله وفيها خبر المبتدأ الذي هو قوله: ثلاثة أواخر إبراهام، وفي نص النساء عطف على الخبر، ويلزم من هذا الإعراب أن تكون الثلاثة الأواخر في البقرة وهو خطأ، والصواب في الإعراب ما قدمته والله أعلم. ولا يفهم من القصيدة قراءة الجماعة؛ لأنه ليس في اصطلاحه أن ضد الألف الياء وإنما القراءة المشهورة أظهر من ذلك، وكان طريقه المعلومة من عادته في مثل ذلك أن يلفظ بالقراءتين معا، كقوله: وحمزة أسرى في أسارى سكارى معًا سكرى، وعالم قل علام، وليس ذلك من باب استغنائه باللفظ عن القيد؛ لأن الوزن يستقيم له على القراءتين ولو قال: وفي ياء إبراهيم جا ألف وفي ... ثلاث النساء آخرا لاح وانجلا لحصل الغرض.   1 الآيتان: 125 و163. 2 آية: 54. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 479- وَمَعْ آخِرِ الأَنْعَامِ حَرْفَا بَرَاءَةٍ ... أَخِيرًا وَتَحْتَ الرَّعْدِ حَرْفٌ تَنَزَّلا وفي الأنعام لفظ إبراهيم في مواضع وقع الخلاف في آخرها، وهو قوله تعالى: {دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} 1. وفي براءة أيضا مواضع الخلاف منها في حرفين من آخرها وهما: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ} و {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ} 2. وتحت الرعد: يعني سورة إبراهيم فيها: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ} 3. وأخيرا ظرف أي وقفا أخيرا والله أعلم. 480- وَفي مَرْيَمٍ وَالنَّحْلِ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ ... وَآخِرُ مَا فِي العَنْكَبُوتِ مُنَزَّلا أي في مجموعهما خمسة؛ اثنان في النحل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} ، {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} 4، وفي مريم ثلاثة: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ} ، {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ} ، {وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ} 5. وآخر ما في العنكبوت هو قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ} 6؛ احترازا مما قبله وهو: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} 7. ومنزلا حال من ما وهي بمعنى الذي. 481- وَفي النَّجْمَ وَالشُّورى وَفي الذَّارِيَاتِ وَالـ ... ـحَدِيدِ وَيُرْوِي في امْتِحَانِهِ الأَوَّلا يريد: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} ، {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ} ، {حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} ، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} .   1 الآية: 116. 2 الآية: 114. 3 الآية: 35. 4 الآيتان: 119 و123. 5 الآيات: 41، 46، 58. 6 آية: 31. 7 آية: 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وفاعل يروي هو: هشام، والهاء في امتحانه تعود إلى القرآن للعلم به أو إلى لفظ إبراهيم؛ لأنه مذكور فيها، والأول مفعول يروي أي يروي الأول في سورة الممتحنة كذلك بالألف يعني: {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} ؛ احترازا من قوله بعده: {إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} . فجملة ما وقع فيه الخلاف ثلاثة وثلاثون موضعا منها خمسة عشر في البقرة، وإبراهيم لفظ أعجمي هو بالعبرانية بالألف، وتصرفت العرب فيه، فقالته بالياء، وجاء في أشعارهم إبراهيم ليس بين الهاء والميم حرف، وجاء أيضا إبراهيم بحذف الألف التي بين الراء والهاء، وحكى أبو علي الأهوازي عن الفراء فيه ست لغات: بالياء والألف والواو إبراهيم إبراهام إبراهوم، وبحذف كل واحد من هذه الحروف الثلاثة وإبقاء الحركة التي قبلها: "إبراهِم" "إبراهَم" "إبراهُم". قال: وجملة ما في القرآن من لفظ إبراهيم تسعة وستون موضعا رواها كلها إبراهام بألف من غير استثناء شيء منها العباس بن الوليد عن عبد الحميد ابن بكار عن ابن عامر، وقرأتها كلها كذلك عن النوفل عن عبد الحميد عنه، ولم أقرأ عن العباس بن الوليد عنه كل ذلك إلا بالياء ثم ذكر في بعض الطرق الألف في الأحزاب والزخرف والأعلى قال: والمشهور عن أصحاب ابن عامر إثبات الألف في ثلاثة وثلاثين موضعا يعني ما تقدم نظمه، قال: وهو مكتوب في مصاحف الشام في ثلاثة وثلاثين موضعا بألف، وهو الذي قدمنا ذكره، وفي ستة وثلاثين موضعا بالياء، قال: ورأيت من يقول: بل مصاحف الأمصار الخمسة على ذلك، قال: وحدثني أبو بكر محمد ابن أحمد السلمي قال: قال لي أبو الحسن محمد النضر بن الأخرم: كان الأخفش يقرأ مواضع إبراهام بالألف، ومواضع إبراهيم بالياء، ثم ترك القراءة بالألف، وقال لي أبو بكر السلمي أيضا: قال لي أبو الحسن السلمي: كان أهل الشام يقرءون إبراهام بألف في مواضع دون مواضع، ثم تركوا القراءة بالألف وقرءوا جميع القرآن بالياء، قال أبو علي: وهي لغة أهل الشام قديما، كان قائلهم إذا لفظ إبراهيم في القرآن وغيره قال: أبراهام بألف، وقال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي: دخلت بعض قرى الشام، فرأيت بعضهم يقول لبعض: يا إبراهام فاعتبرت ذلك فوجدتهم ما يعرفون غيره، قال أبو زرعة الدمشقي: حدثنا محمد بن أسامة الحلبي -وكان كيسا حافظا- قال: حدثنا ضمرة عن علي عن أبي جميل عن يحيى بن راشد قال: صليت خلف ابن الزبير صلاة الفجر فقرأ: "صحف إبراهام وموسى"، قال أبو زرعة: وسمعت عبد الله بن ذكوان بحضرة المشايخ وتلك الطبقة العالية قال: سمعت أبا خليد القارئ يقول: في القرآن ستة وثلاثون موضعا إبراهام، قال أبو خليد: فذكرت ذلك لمالك بن أنس فقال: عندنا مصحف قديم فنظر فيه ثم أعلمني أنه وجدها فيه كذلك، وقال أبو بكر بن مهران: روي عن مالك بن أنس أنه قيل له: إن أهل دمشق يقرءون إبراهام، فقال: أهل دمشق يأكل البطيخ أبصر منهم بالقراءة، فقيل: إنهم يدعون قراءة عثمان -رضي الله عنه- فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 مالك ها مصحف عثمان عندي، ثم دعا به فإذا فيه كما قرأ أهل دمشق، قال أبو بكر: وكذلك رأيت أنا في مصاحفهم وكذلك هو إلى وقتنا هذا قال: وفي سائر المصاحف: {إِبْرَاهِيمَ} مكتوب بالياء في جميع القرآن إلا في البقرة فإن فيها بغير ياء، وقال مكي الألف لغة شامية قليلة، قال أبو الحسن محمد بن الفيض: سمعت أبي يقول: صلى بنا عبد الله ابن كثير القارئ الطويل فقرأ: "وإذ قال إبراهام لأبيه"1، فبعث إليه نصر بن حمزة -وكان الوالي بدمشق إذ ذاك- فخفقه بالدرة خفقات ونحاه عن الصلاة، قال الأهوازي: لعله جعل ذلك سببا لشيء كان في نفسه عليه والله أعلم وأحكم. قلت: ويحتمل أنه فعل به ذلك؛ لكون هذا الموضع ليس من المواضع المذكورة المعدودة ثلاثة وثلاثون أو لأنه لما ترك أهل الشام ذلك استغرب منه ما قرأ وخاف من تجرؤ الناس على قراءة ما ليس بمشهور في الصلاة، فأدبه على ذلك والله أعلم. 482- وَوَجْهَانِ فِيهِ لاِبْنِ ذَكْوَانَ ههُنَا ... وَوَاتَّخِذُوا بِالفَتْحِ عَمَّ وَأَوْغَلا ههنا يعني في سورة البقرة ووجه تخصيصها بذلك اتباع الخط قال أبو عمرو الداني قال أبو عبد الله محمد بن عيسى عن نصير في سورة البقرة إلى آخرها في بعض المصاحف "إبراهم" بغير ياء وفي بعضها بالياء قال أبو عمرو: ولم أجد ذلك كذلك في مصاحف العراق إلا في البقرة خاصة قال: وكذلك رسم في مصاحف أهل الشام، وقال أبو عبيد: تتبعت رسمه في المصاحف فوجدته كتب في البقرة خاصة بغير ياء، قلت لم يكتب في شيء من المصاحف الألف على وفق قراءة هشام، وإنما لما كتب بغير ياء أوهم أن الألف محذوفة؛ لأنها هي المعتاد حذفها كالألف التي بعد الراء في هذا الاسم، وفي "إسحاق" وفي "إسماعيل" وغير ذلك، ومن قرأ بالياء قال: كتابتها في أكثر المواضع بالياء دليل على أنها المحذوفة، وفي ذلك موافقة للغة الفاشية الصحيحة. فهذا وجه الخلاف، وقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} يقرأ بكسر الخاء وفتحها، فهو بالكسر أمر وبالفتح خبر، وإنما جعل الفتح أعم؛ لأن الضمير يرجع إلى عموم الناس فيكون الفعل موجها إلى الأمم قبلنا نصا، وإلينا بطريق الاتباع لهم؛ لأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ وأما قراءة الكسر فتختص بالمأمورين، ويجوز أن يكون التقدير: وقلنا لهم: "اتخِذوا"، فيتحد العموم في القراءتين وهذا الوجه أولى وقوله: وأوغلا أي أمعن من الإيغال وهو السير السريع والإمعان فيه: 483- وَأَرْنَا وَأَرْنِي سَاكِنَا الكَسْرِ "دُ"مْ "يَـ"ـدًا ... وَفي فُصِّلَتْ "يُـ"ـرْوِي "صَـ"ـفًا "دَُ"رِّهِ "كُـ"ـلا   1 سورة الأنعام، آية: 74. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 اليد النعمة وهو في موضع نصب على التمييز أي دامت نعمتك أو يكون حالا أي دم ذا نعمة والسكون في هذين اللفظين حيث وقعا للتخفيف كقولهم في: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} ، {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} ، {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} ، {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} . والذي في فصلت: {أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا} 1، وافق على إسكانه أبو بكر وابن عامر والكُلا جمع كلية، والصفا ممدود وقصره ضرورة يشير إلى قوة القراءة؛ لأن الإسكان هنا في حركة البناء بخلافه في يأمركم ونحوه والله أعلم. 484- وَأَخْفَاهُمَا "طَـ"ـلْقٌ وَخِفُّ ابْنِ عَامِرٍ ... فَأُمْتِعُهُ أَوْصَى بِوَصّى "كَـ"ـمَا "ا"عْتَلا الطلق: السمح يريد بالإخفاء الاختلاس الذي تقدم ذكره في: {بَارِئِكُمْ} و {يَأْمُرُكُمْ} ، وهو اللائق بقراءة أبي عمرو والضمير في أخفاهما لقوله: {وَأَرِنَا} و {أَرِنِي} . وخف ابن عامر مبتدأ، والخبر فأمتعه، أي المخفف لابن عامر قوله تعالى: "فَأُمْتِعُهُ"، وقوله: أوصى بوصي أي يقرأ في موضع: "وصى" "أوصى". ومتع وأوصى ووصى: لغات كأنزل ونزل، وحسن تخفيف فأمتعه قوله بعده قليلا. 485- وَفي أَمْ يَقُولُونَ الخِطَابُ "كَـ"ـمَا "عَـ"ـلا ... "شَـ"ـفَا وَرَءُوفٌ قَصْرُ "صُحْبَتِهِ حَـ"ـلا يريد قوله تعالى: "أم يقولون إن إبراهيم" وجه الخطاب أن قبله: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا} ، وبعده: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ} ، ووجه الغيبة أن قبله: {فَإِنْ آمَنُوا} .   1 الآية: 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 أو يكون على الالتفات، ورؤف ورءوف لغتان، ولا يختص لخلاف في رءوف بما فيه هذه السورة فكان حقه أن يقول جميعا أو نحو ذلك وكان الأولى لو قال: صحاب كفى خاطب تقولون بعد أم وكل رءوف قصر صحبته حلا 486- وَخَاطَبَ عَمَّا يَعْمَلُونَ "كَـ"ـمَا "شَـ"ـفَا ... وَلاَمُ مُوَلِّيهَا عَلَى الفَتْحِ "كُـ"ـمِّلاَ يريد الذي بعده: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ} ، وهو ملتبس بالذي في آخر الآية التي أولها: {أَمْ تَقُولُونَ} . ولا خلاف في الخطاب فيها وإن اختلفوا في: {أَمْ تَقُولُونَ} ، وسببه أنه جاء بعد: {أَمْ تَقُولُونَ} ما قطع حكم الغيبة، وهو: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ} ، ويزيل هذا الالتباس كونه ذكره بعد رءوف، وذلك في آخر الآية التي بعد آية رءوف، فالخطاب للمؤمنين، والغيبة لأهل الكتاب، وفتح ابن عامر اللام من قوله: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} ، فانقلبت الياء ألفا، وإنما قال: كملا؛ لأن قراءة ابن عامر لا تحتاج إلى حذف مفعول أي لكل فريق وجهة هو موليها مبني لما لم يسم فاعله؛ لأن مولى بفتح اللام اسم مفعول وبكسرها اسم فاعل، فعلى قراءة الجماعة يحتاج مولى إلى مفعولين حذف أحدهما، والفاعل هو الله تعالى أو الفريق أي الله موليها إياهم أو الفريق موليها نفسه. 487- وَفي يَعْمَلُونَ الغَيْبَ "حَـ"ـلَّ وَسَاكِنٌ ... بِحَرْفَيْهِ يَطَّوَّعْ وَفي الطَّاءِ ثُقِّلا يعني الذي بعده: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} ، الخطاب للمؤمنين، والغيبة لأهل الكتاب، والهاء في بحرفيه عائدة إلى يطوع أي وتطوع ساكن في موضعيه وهما: {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ، {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} ، وقوله: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} ، ويعني بالساكن العين؛ لأنه فعل مستقبل، فانجزم بالشرط، وعلامة الجزم هنا السكون، وإنما عدل عن لفظ الجزم إلى لفظ السكون، وكان لفظ الجزم أولى من حيث أن يطوع فعل مضارع معرب؛ لأن الجزم في اصطلاحه ضده الرفع، وضد السكون الحركة المطلقة، وهي في اصطلاحه الفتح، وهو المراد هنا في قراءة الباقين لا الرفع، فاستعمل اللفظ الموافق لغرضه مع أن الضد وهو الفتح حركة بناء، فلم يكن له بد من تسمح، وهذا كما يأتي في قوله: تضارر، وضم الراء حق، ونحوه وقراءة الجماعة على أن تطوع فعل ماضٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وتثقيل الطاء من أجل أن أصله على قراءتهم بتطوع، فأدغمت التاء في الظاء كما في قوله: {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ، ثم ذكر تمام القراءة وهو أن أولها يا موضع التاء فقال: 488- وَفي التَّاءِ يَاءٌ "شَـ"ـاعَ وَالرِّيحَ وَحَّدَا ... وَفي الكَهْفِ مَعْهَا وَالشَّرِيعَةِ وَصَّلا كان ينبغي أن يبين بالتقييد لفظ التاء من لفظ الياء؛ فإنهما متفقان في الخط، وعادته بيان ذلك كقوله: بالثا مثلثا وكثيرا نقطة تحت نفلا فلو قال: وفي التاء يا نقطها تحت وحد الر ... ياح مع الكهف الشريعة شمللا لاستغنى بالرمز آخر البيت للمسألتين كما تقدم في كفلا أي قرأ هاتين القراءتين من شملل أي أسرع وأراد: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ} . وفي الكهف: {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} 1. وفي الجاثية: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} 2، قرأ حمزة والكسائي هذه المواضع الثلاثة بالتوحيد أي بلفظ الإفراد وهو: الريح، وهو بمعنى الجمع؛ لأن المراد الجنس وأجمعوا على توحيد ما جاء منكرا نحو: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا} ، وعلى توحيد بعض المعرف نحو: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} ، والهاء في معها تعود إلى السورة التي نحن فيها وهي سورة البقرة. 489- وَفي النَّمْلِ وَالأَعْرَافِ وَالرُّومِ ثَانِيًا ... وَفَاطِرِ "دُ"مْ "شُـ"ـكْرًا وَفي الحِجْرِ "فُـ"ـصِّلا أي وافقهما ابن كثير على التوحيد في هذه السورة، وإعراب قوله: دم شكرا كما تقدم في دم يدا أي ذا شكر أو دام شكرك فهو أمر بمعنى الدعاء والذي في النمل: {وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا} 3.   1 الآية: 45. 2 آية: 5. 3 آية: 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وفي الأعراف: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ} 1. والثاني الذي في الروم: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} 2. وأما الأول فيها فمجموع بالإجماع وهو: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} . وثانيا: حال؛ لأن المعنى وفي الذي في الروم ثانيا، واختص حمزة بتوحيد الذي في الحجر وهو قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} 3، وخالفه غيره؛ لأجل قوله: لواقح كما جمعوا الذي في الروم؛ لأجل قوله: "مبشرات"، وحجة حمزة أن ذلك غير مانع؛ لأن المراد بالمفرد الجمع فلواقح مثل "نشرا" بضم النون؛ لأنه جمع نشور في قراءة ابن كثير، وأما الكسائي فلا يلزمه ذلك؛ لأنه يقرأ بفتح النون. 490- وَفي سُورَةِ الشُّورى وَمِنْ تَحْتِ رَعْدِهِ ... "خُـ"ـصُوصٌ وَفي الفُرْقَانِ "زَ"اكِيهِ "هَـ"ـلَّلا يعني قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} ، وفي سورة إبراهيم: {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ} 4، وفي الفرقان: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا} 5. انفرد نافع بجمع الذي في الشورى وإبراهيم، وانفرد ابن كثير بتوحيد الذي في الفرقان، وقوله: خصوص مبتدأ خبره ما قبله أي خصوص لبعض القراء دون بعض، والهاء في رعده كما تقدم في امتحانه فإن الريح وإن كانت مؤنثة يعود الضمير إليها مذكرا باعتبار أنها حرف القراءة وموضعها، والهاء في زاكيه للموضع أيضا أو للتوحيد المفهوم من قوله: واحدا وهلل إذا قال: لا إله إلا الله، وهذا آخر الكلام في مسألة الرياح والله أعلم. 491- وَأَيُّ خِطَابٍ بَعْدُ "عَمَّ" وَلَوْ تَرى ... وَفي إِذْ يَرَوْنَ اليَاءُ بِالضَّمِّ "كُـ"ـلِّلا   1 آية: 57. 2 آية: 48. 3 آية: 22. 4 آية: 18. 5 آية: 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 بعد يعني: بعد ذكر الريح: {وَلَوْ تَرَى} مبتدأ خبره ما قبله، كقولك:؛ أي: رجل زيدا على سبيل التعظيم والتفخيم لشأنه لا على محض الاستفهام؛ أي: هو خطاب عظيم يتعلق به أمر فظيع من شدة عذاب الله يوم القيامة لمتخذي الأنداد من دون الله، وقيل: وأي خطاب مبتدأ، وعم خبره، وأشار بقوله: عم إلى أنه خطاب عام لكل إنسان؛ أي: ولو ترى أيها الإنسان القوم الظالمين حين يرون العذاب يوم القيامة لرأيت أمرا فظيعا وشدة شديدة لا يماثلها شدة، وإن كان الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- فهو من باب مخاطبة رئيس القوم بما هو مطلوب منه ومن جميع قومه، وهو مثل قوله تعالى: {الَمْ تَعْلَمْ انَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، {يَا ايُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} . فأشار بقوله: عم إلى أنه وإن كان على لفظ الخطاب للمفرد فالمراد به تعميم كل مخاطب فالذين ظلموا "مفعول" ترى على قراءة الخطاب، و"إذ يرون" ظرف للرؤية، وهي في الموضعين من رؤية البصر، ويجوز أن يكون "إذ يرون" بدلا من "الذين ظلموا" بدل الاشتمال كما قيل ذلك في نحو: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ} . أي ولو ترى زمان رؤية الظالمين العذاب وقد صرح بهذا المعنى في آيات كثيرة نحو: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} ، {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} ، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} ، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} ، {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ} ، {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ} . وعلى قراءة الغيبة يكون "الذين ظلموا" فاعل "يرى"، و"إذ يرون" مفعوله على سياق هذه الآيات المذكورة، وجواب "لو" محذوف على القراءتين، و"أن القوة" وما بعده معمول الجواب المحذوف؛ أي: لرأيت أو لرأوا أو لعلموا أن القوة لله؛ أي: لشاهدوا من قدرته سبحانه ما تيقنوا معه أنه قوي عزيز، وأن الأمر ليس ما كانوا عليه من جحورهم لذلك وشكهم فيه وقيل: الجواب بجملته محذوف مثل: {وَلَوْ انَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} . وإنما أبهم تفخيما للأمر كما يقول القائل: لو رأيت فلانا والسياط تأخذه ولو رأيته والسيوف تغشاه من كل جانب؛ أي: لرأيت أمرا شاقا لا صبر على رؤيته فكيف صبر من حل به أو تقديره لعلموا مضرة اتخاذهم للأنداد وأن القوة على تقدير؛ لأن القوة فهو تعليل للجواب وقيل: {أَنَّ الْقُوَّةَ} على قراءة الغيبة مفعول يرى، وعند هذا يجوز أن يكون يرى من رؤية القلب، وسدت "أن" مسد المفعولين، وقيل: إن القوة على قراءة الخطاب بدل من العذاب وقيل على قراءة الغيبة: التقدير "ولو يرى الذين ظلموا" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 في الدنيا حالهم حين يرون"، لأقلعوا عن اتخاذ الأنداد، وقيل: "الذين ظلموا" مفعول كما في قراءة الخطاب، والفاعل ضمير عائد على لفظ من في قوله: من يتخذ، وقيل التقدير: ولو يرى راء أو إنسان في الدنيا حال الظالمين إذ يرون العذاب لعلم أن القوة لله كما قيل في قوله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} . أي: ولا يحسبن حاسب، وقيل: التقدير: ولو يرى أحد حالهم في ذلك الوقت، فرأى أمرا هائلا، وقيل: المعنى: ولو تيقن الذين ظلموا زمان رؤية العذاب فيكون المراد به الإيمان بالبعث على أن يرى بمعنى عرف وهذا من المواضع المشكلة، وما قدمته أحسن الوجوه في تفسيره، وإذ فيه لمجرد الزمان من غير تعرض لمضي كما تستعمل إذا كذلك من غير تعرض للاستقبال نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} . وقال أبو علي: إنما جاء على لفظ المضى لما أريد فيها من التحقيق والتقريب وعلى هذا جاء: {وَنَادَى اصْحَابُ الْجَنَّةِ اصْحَابَ النَّارِ} . ومنه: قد قامت الصلاة والخلاف في يرون بفتح الياء وضمها ظاهر فإن الله تعالى يريهم ذلك فيرونه، وما أحسن ما عبر عن الضمة على الياء بأن الياء كللت بها، شبه الضمة بالإكليل وهو تاج الملك والله أعلم. 492- وَحَيْثُ اتي خُطُوَاتٌ الطَّاءُ سَاكِنٌ ... وَقُلْ ضَمُّهُ "عَـ"ـنْ "زَ"اهِدً "كَـ"ـيْفَ "رَ"تَّلا أي كيفما رتل القرآن فإنه يضم الطاء وضمها وإسكانها لغتان: فالإسكان موافق للفظ المفرد؛ لأنه جمع خطوة وهو اسم ما بين القدمين: من خطا يخطو والمصدر بفتح الخاء فمعنى قوله تعالى: {لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} ؛ أي: لا تسلكوا مسالكه ولا تفعلوا فعله، وضم الطاء في الجمع؛ للاتباع، ويجوز الفتح في اللغة أيضا، وقوله: عن زاهد؛ أي: الضم محكي مروي عن قارئ زاهد إشارة إلى عدالة نقلته والله أعلم. 493- وَضَمُّكَ أولَى السَّاكِنَينَ لِثَالِثٍ ... يُضَمُّ لُزُومًا كَسْرُهُ "فِـ"ـي "نَـ"ـدٍ "حَـ"ـلا وضمك: مبتدأ وما بعده مفعول به وتعليل، وكسره مبتدأ ثانٍ وهو وما بعده خبر الأول؛ أي: كسر ذلك الضم في ندٍ حلو في محل رطب لين أو التقدير كسره حلا في ند، ويجوز أن يكون لثالث خبر وضمك؛ أي: ضم أول كل ساكنين واقع عند كل ثالث يضم ضما لازما، فتكون هذه اللام للتوقيت لا للتعليل، ثم بين القراءة الأخرى فقال: كسره في ند حلا، وكان الوجه أن يقول أول الساكنين بالتذكير فلم يتزن له البيت، فعدل إلى التأنيث، ولم يتعرض الشيخ -رحمه الله- لبيانه، وقال غيره: التقدير: وضمك السواكن الأولى من باب التقاء الساكنين، ثم حذف الموصوف ولام التعريف وأضاف، قال: ونظيره: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} ، {وَقَالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 أي الطائفة الأخرى منهم، قلت: يجوز أن يكون أنث باعتبار المدلول، كما ذكرنا في شرح قوله: غير عشر ليعدلا؛ لأن السكون واقع في حرف من حروف الهجاء، وأسماء حروف الهجاء يجوز تأنيثها، فأنث لفظ أولى بهذا الاعتبار، وذكر لفظ الساكنين على الأصل، ويجوز أن يكون التأنيث في أولى باعتبار الحركة؛ أي: أولى حركتي الساكنين؛ وذلك لأن الساكنين متى التقيا فتارة يحرك الأول، وتارة يحرك الثاني نحو من الرجل وانطلق لما سكنت اللام تخفيفا كما جاء في خاء فخذ، وكانت القاف ساكنة للأمر فتحت القاف؛ لالتقاء الساكنين، فحركة الساكن الأول في من الرجل هي أولى حركتي الساكنين، ولا يحرك الساكن الأول إلا إذا كان التقاء الساكنين في كلمتين أو ما هو في حكم الكلمتين كهمزة الوصل، أو تقول الحركة الأولى هي حركة الساكن الأول في الوصل، والحركة الثانية هي حركة الهمزة إذا ابتدأت بها، ووقفت على الأول والحركتان معا لا يجتمعان فمهما حركت الأول بطلت حركة الهمزة وإذا بطلت حركة الأول تحركت الهمزة، وقوله: لثالث بضم؛ أي: لحرف ثالث مضموم وعده إياه ثالثا بأحد اعتبارين: أحدهما أنه عبد قبله الساكن وقبل الساكن همزة الوصل اعتبارا بالكلمة لو ابتدئ بها؛ لأن الكلام في مثل انقص واخرج، ولأن ذلك في الخط أربعة أحرف الثالث منها هو المضموم، الثاني أنه عد ذلك ثالثا باعتبار الساكن الأول؛ لأن الحكم متعلق به فبعده في الوصل الساكن الثاني وبعدهما الحرف المضموم، وهمزة الوصل انحذفت في الدرج، فالتقى الساكن الذي هو آخر الكلمة بالساكن الذي هو بين همزة الوصل والحرف المضموم، فوجب تحريك الأول، فمنهم من كسر على أصل التقاء الساكنين ومنهم من ضم للاتباع كراهة الخروج من كسر إلى ضم ولم يعتد بالحاجز؛ لأنه ساكن فهذا معنى التعليل المفهوم من قوله: لثالث يضم وهذا التعليل بمجرده لا يكفي فكم من ضمة لازمة لا يضم لها الساكن الأول نحو: {قُلِ الرُّوحُ} . وشبهه كما يأتي فلا بد من أن يضم إلى ذلك الدلالة على حركة همزة الوصل المحذوفة في ذلك وهي الضمة، وقوله: لزوما؛ أي: ذا لزوم، واللزوم مصدر لزمت الشيء ألزمه لزوما؛ أي: يكون الضم لازما لا عارضا، وذلك مثل أخرج ادعوا ضمة الراء والعين لازمة لهذه البنية مستحقة فيها بطريق الأصالة احترز بذلك من الضمة العارضة غير اللازمة وذلك نحو: {إِنِ امْرُؤٌ} . فإن ضمة الراء إنما جاءت لأجل ضمة الهمزة فلو فتحت الهمزة أو كسرت لفتحت الراء وكسرت، وكذلك الضمة في قوله تعالى: {انِ امْشُوا} ؛ لأن حق هذه الشين أن تكون مكسورة وأصله امشيوا كاضربوا، وكذلك ضمة الإعراب في نحو: {بِغُلامٍ اسْمُهُ} ، {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} ، فكل هذا يكسر فيه أول الساكنين، ولا يضمه أحد لأجل عروض الضمة في الثالث، والتمثيل بقوله: "عُزَيْرٌ" إنما ينفع في قراءة من نونه، والذي نونه اثنان: عاصم والكسائي، فكلاهما بكسر التنوين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 أما عاصم فعلى أصله في كسر أول الساكنين مطلقا، وأما الكسائي؛ فلأجل عروض الضمة في "ابن". وقوله: {أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} ، الضمة فيه على حرف رابع لا على ثالث؛ لأن التاء مشددة فهي حرفان هذا كله مع أن الضمة عارضة كما في: {أَنِ امْشُوا} . فهذا تمام الكلام في تقدير الضابط الذي ذكره الناظم، وقد أورد عليه قوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ} ، فهو مما اتفق على كسره مع أن ضمة الراء فيه لازمة، ومثله: {إِنِ الْحُكْمُ} ، {غُلِبَتِ الرُّومُ} ، {بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} ، {عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} . وصاحب التيسير قال: إذا كان بعد الساكن الثاني ضمة لازمة، وابتدئت الألف بالضم فهذا لقيد الثاني يخرج جميع ما ذكرناه من: {إِنِ امْرُؤٌ} ، {انِ امْشُوا} ، و {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} ، و {قُلِ الرُّوحُ} ، وشبهه؛ لأن همزة الوصل في أول الكلمة الثانية منهما مكسورة عند الابتداء بها في الثلاثة الأول ومفتوحة في "الروح" وما بعده مما ذكرناه، وهذا القيد كافٍ وحده فلا حاجة إلى ذكر الضمة اللازمة، ومكي -رحمه الله- لم يذكرها، واقتصر على ذلك القيد، فقال: اختلفوا في الساكنين إذا اجتمعا من كلمتين وكانت الألف التي تدخل على الساكن الثاني في الابتداء تبتدأ بالضم، وكذا قال ابن شريح الاختلاف في الساكن الذي بعده فعل فيه ألف وصل يبتدئ بالضم، فلو أن الناظم قال: وإن همز وصل ضم بعد مسكن ... فحركه ضما كسره في ند حلا أي: فحرك ذلك المسكن بالضم أو الكسر لمن رمز له لكان أبين وأسهل على الطالب إلا أن في بيت الشيخ الشاطبي -رحمه الله- إشارة إلى علة الضم والله أعلم. 494- قُلِ ادْعُوا أوِ انْقُصْ قَالَتِ اخْرُجْ أنِ اعْبُدُوا ... وَمَحْظُورًا انْظُرْ مَعْ قَدِ اسْتُهْزِئَ اعْتَلا هذه أمثلة ما تقدم ذكره وقد حصر أنواعه في هذه الأمثلة الستة، وذلك أن الساكن الأول لا يخلو من أن يكون أحد هذه الأحرف الستة: اللام والواو والتاء والنون والتنوين والدال، قال ابن الفحام: يجمعهن من غير التنوين لتنود، وإنما ذكر هذه القاعدة في هذه السورة؛ لأجل قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 ولم يتفق له التمثيل به وأغنى عنه قوله: {أَنِ اعْبُدُوا} ، ومثله: {وَلَكِنِ انْظُر} ، الساكن في الجميع نون، ولو قال: من اضطر او انقص قالت اخرج قل انظروا لحصلت النصوصية على موضع السورة التي هو فيها، ولا يضر وصل همزة أو إسكان راء اضطر؛ فإن لكليهما نظائر جائزة في اللغة، ومثل: {قُلِ ادْعُوا} ، {قُلِ انْظُرُوا} ، في يونس1 لا غير، ومثل: "أو انقص": "أو اخرجوا"، "أو ادعوا الرحمن" لا غير، ومثل "أن اعبدوا": {أَنِ اقْتُلُوا انْفُسَكُمْ} ، و {أَنِ اعْبُدُونِي} ، و {أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} ، {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} ، {أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ} . ولا نظير لقوله: {وَقَالَتِ اخْرُجْ} ، {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ} . ومثال التنوين اثنا عشر موضعا والله أعلم. 495- سِوى اوْ وَقُلْ لاِبْنِ الْعَلا وَبِكَسْرِهِ ... لِتَنْوِيِنهِ قالَ ابْنُ ذَكْوَانَ مُقْوِلا يعني: ضم أبو عمرو الواو من "أو"، واللام من "قل" حيث وقعا نحو: "قل ادعوا الرحمن"، "أو انقص منه"، "أو اخرجوا من دياركم"، "قل انظروا ماذا في السموات والأرض"؛ وذلك لأن كسر الواو أثقل من ضمها، واللام من قل قبلها ضمة، فترجح مقتضى الضم فيها والهاء في "بكسرة" تعود على ابن العلاء وكذا الهاء في لتنوينه أو أراد لتنوين هذا الكلام، وقوله: لتنوينه مفعول بكسره كما تقول: عجبت من ضربه لابنه وليست لام التعليل بخلاف اللام في لثالث؛ أي: قرأ ابن ذكوان التنوين بالكسر الذي لأبي عمرو فيه، ووجه ذلك أن التنوين ليس له استقرار غيره من الحروف؛ فإنه يحذف ويبدل فلما لم يكن لازما لا يضمه لأجل الاتباع؛ لأنه كأنه زائل كما أنهم لم يضموا لأجل الضمة العارضة التي هي غير مستقرة لذلك ويقال: أقوله مثل قوله؛ أي: معلما القول بذلك والله أعلم. 496- بِخُلْفٍ لَهُ فِي رَحْمَةٍ وَخَبِيثَةٍ ... وَرَفْعُكَ لَيْسَ الْبِرُّ يُنْصَبُ "فِـ"ـي "عُـ"ـلا يعني قوله تعالى في الأعراف: {بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} 2.   1 آية: 101. 2 آية: 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وفي إبراهيم: {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ} 1. روي عن ابن ذكوان ضمهما جمعا بين اللغتين، ولم يفعل ذلك في نحو: {وَعُيُونٍ، ادْخُلُوهَا} ، ونحو {مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا} ، وأما {لَيْسَ الْبِرَّ انْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} ، فقرأ حمزة وحفص بنصب "البر" على أنه خبر ليس، ورفع الباقون على أنه اسمها، و"أن تولوا" هو الاسم على قراءة النصب وهو الخبر على قراءة الرفع، وإنما جاز كونه اسما؛ لأنه مقدر بالمصدر معناه: توليتكم وجوهكم، قال الفارسي: كلا الوجهين حسن، وقوله: في علا؛ أي: في علا ورفعة، أو في حجج معتلية؛ لأن علا بالضم والقصر يحتمل الإفراد والجمع، ولا خلاف في رفع: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} ؛ لأن "بأن تأتوا" قد تعين؛ لأن يكون خبرًا بدخول الباء عليه، ولا يرد على الناظم؛ لأنه قال: "ليس البر" بلا واو، وهذا الذي لا خلاف في رفعه هو بالواو، وقد تعين النصب في القرآن في مواضع الحصر بإلا وإنما نحو: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا} ، {مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا} ، {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} ، {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا} . وجاء الخلاف في الأنعام في: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا} 2. لكن الأكثر على النصب حملا على نظائره، ووجه الرفع أنه جائز على ما ذكرناه وفي: {لَيْسَ الْبِرّ} بالعكس؛ الأكثر على الرفع؛ لأنه ليس للحصر، وفي: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ اسَاءُوا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا} اختلف أيضا على ما يأتي في موضعه والله أعلم. 497- وَلكِنْ خَفِيفٌ وَارْفَعِ اْلبِرَّ "عَمَّ" فِي ... هِما وَمُوَصٍّ ثِقْلُهُ "صَـ"ـحَّ "شُـ"ـلْشُلا فيهما يعني:   1 آية: 26. 2 آية: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 فيهما يعني: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} ، {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} . والكلام فيهما كما تقدم في: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} . وهو على حذف مضاف؛ أي: بر من آمن "وموصٍ" من أوصى وموص من وصى وقد تقدم أنهما لغتان كأنزل ونزل، ومعنى الشلشل الخفيف وهو حال من فاعل صح العائد على ثقله؛ أي: صح تشديده في حال كونه خفيفا وإنما خف بسبب كثرة نظائره في القرآن المجمع عليها نحو: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ} ، {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} في مواضع، {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ} . وأجمعوا أيضا على التخفيف في: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} ، و {يُوصِي بِهَا} ، و {يُوصِينَ} ، و {تُوصُونَ} ، في سورة النساء. 498- وَفِدْيَةُ نَوِّنْ وَارْفَعِ الخَفْضَ بَعْدُ فِي ... طَعَامٍ "لَـ"ـدى "غُـ"صْنِ "دَ"نَا وَتَذَلَّلا قراءة نافع وابن ذكوان على إضافة فدية إلى طعام من باب خاتم حديد، وقراءة الجماعة على أن طعام بدل من فدية أو عطف بيان، ولقرب هذه القراءة من الأفهام جعلها كالغصن الداني المتذلل الذي لا يعجز الضعيف عن نيل ثمره أراد قوله تعالى: "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ". ثم ذكر الخلاف في جمع مساكين وإفراده وكل من أضاف فدية إلى طعام جمع مساكين ومن لونه أفرد إلا هشاما والله أعلم. 499- مَسَاكِينَ مَجْمُوعًا وَلَيْسَ مُنَوَّنًا ... وَيُفْتَحُ مِنْهُ النُّونُ "عَمَّ" وَأبْجَلا مجموعا: حال؛ أي: عم في حال كونه مجموعا؛ لأن الذين يطيقونه جماعة على كل واحد إطعام مسكين فعلى الجماعة إطعام مساكين، وقراءة الباقين بالإفراد على أن المراد وعلى كل واحد إطعام مسكين كقوله تعالى في موضع آخر: {فَجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ؛ أي: كل واحد منهم، فإذا أفرد مسكين كان مكسور النون منونا؛ لأنه مضاف إليه، وإذا جمع فتحت النون من غير تنوين؛ لأنه غير منصرف كقناديل ودنانير وحركة النون حركة إعراب على القراءتين، والفتح فيها لا ينصرف علامة الجر فلم يمكن التعبير بالنصب؛ لأن الكلمة مجرورة فكان التعبير عنها بالنصب ممتنعا، ويقال: أبجله الشيء؛ أي: كفاه والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 500- وَنَقْلُ قُرَانٍ وَالقُرَانِ "دَ"وَاؤُنَا ... وَفِي تُكْمِلُوا قُلْ شُعْبَةُ المِيمَ ثَقَّلا أراد نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها كما يفعل حمزة في الوقف، قرأها ابن كثير كذلك في الوصل والوقف، وعطف قوله: والقران بالجر على قران؛ أي: نقل هذين اللفظين أراد أن ينص على المنكر والمعرف باللام ومن جملة ما فيه الخلاف "قرآنه" في موضعين في سورة القيامة1 وقد نص عليه صاحب التيسير وغيره، وليس هو واحدا من اللفظين المذكورين في البيت إلا أن يكون قصد ما دخله لام التعريف وما خلا منها، ولو أنه قال: ونقل قرآن كيف كان أو كيف جاء دواؤنا، لكان أعم وأبين، وما أحلى هذا اللفظ حيث كان موجها؛ أي: ذو وجهين حصل منه بيان القراءة بنقل حركة الهمزة لابن كثير، وظاهره أن نقل القرآن وهو قراءته وتلاوته وتعليمه دواء لمن استعمله مخلص من أمراض المعاصي، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، ثم قراءة ابن كثير هذه تحتمل أن تكون من باب نقل حركة الهمزة كما ذكر، وتحتمل أن تكون من قرنت بلا همز؛ أي: جمعت ومنه القِران في الحج2، وصح عن الإمام الشافعي -رحمه الله- أنه قال: قرأت على إسماعيل بن قسطنطين وكان يقول: القرآن اسم وليس بمهموز، ولم يؤخذ من قرأت، ولو أخذ من قرأت كان كل ما قرئ قرآنا، ولكنه اسم للقرآن مثل: التوراة والإنجيل، قال: وكان يقول وإذا قرأت القرآن يهمز قرأت ولا يهمز القران، قلت: والقرآن بالهمز مصدر من قرأت كالشكران والغفران، والذي في سورة القيامة المراد به المصدر والخلاف فيه أيضا، وذلك دليل على أن من لم يهمز نقل حركة الهمز والتسمية بالمصادر كثيرة والله أعلم. وكمل وأكمل: لغتان، فالخلاف في "ولتكملوا العدة" كالخلاف في "ينزل"، وفي "فأمتعه"، ونحو ذلك والميم: مفعول "ثقل"، وبقي عليه فتح الكاف لم ينبه عليه، وكان له أن يقول: لشعبة حرك تكملوا الميم ثقلا أو وفي تكملوا حرك لشعبة أثقلا كما قال في سورة الحج، ثم "وليوفوا" فحركه لشعبة أثقلا 501- وَكَسْرُ بُيُوتٍ وَالبُيُوتَ يُضَمُّ "عَـ"ـنْ ... "حِـ"ـمى "جِـ"ـلَّةٍ وَجْهًا عَلَى الأصْلِ أقْبَلا الكلام في عطفه والبيوت كما تقدم في قوله: والقران؛ ليجمع بين ما خلا من لام التعريف وبين ما هي فيه، والخالي منها تارة يكون معرفة بالإضافة نحو "بيوتكم" و"بيوتهن" و"بيوت النبي"، وتارة يكون نكرة منصوبة أو غير منصوبة نحو: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} ، {في بيوت أذن الله أن ترفع} ، فإذا صح لنا دخول المضاف تحت قوله: بيوت صح لنا دخول قرآنه المضاف تحت قوله: قران، وههنا كان يحسن ذكر الخلاف في الغيوب والعيون وشيوخا وجيوب؛ لأن الباب واحد وقد جمع ذلك ابن مجاهد وغيره هنا وجمعها الناظم في سورة المائدة، والأصل: ضم أوائل الجميع؛ لأن فعلا يجمع على فعول: كفلوس وفروج وقلوب، ومن كسر فلأجل الياء، وقال الزجاج: أكثر النحويين لا يعرفون الكسر،   1 الآيتان: 17 و18. 2 آية: 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 وهو عند البصريين رديء جدًّا؛ لأنه ليس في الكلام فعول بكسر الفاء ذكر ذلك في سورة النور، وقال أبو علي: مما يدل على جواز ذلك أنك تقول في تحقير عين وبيت: عيينة بييت فكسر الفاء ههنا؛ لتقريبه من الياء ككسر الفاء من فعول، وذلك مما قد حكاه سيبويه قال فكما كسرت الفاء من عيينة ونحوه -وإن لم يكن من أبنية التحقير على هذا الوزن- لتقريب الحركة مما بعدها كذلك كسروا الفاء من جيوب ونحوها، وقوله: وكسر بيوت يعني كسر الباء ويضم جر الكسر في اللفظين، وجلة: جمع جليل كصبية جمع صبي، ووجها تمييز لهم؛ أي: هم أجلاء الوجوه، ويجوز أن تكون حالا من فاعل يضم، ويجوز أن يكون مفعولا لحمى؛ أي: حموا قراءتهم بالضم عن طعن من طعن في الكسر؛ لكون الضم جاء على الأصل ويجوز أن يكون وجها منصوبا بفعل مضمر؛ أي: خذ وجها، وقوله: على الأصل أقبلا صفة للوجه على الوجوه كلها غير وجه التمييز. 502- وَلا تَقْتُلُوهُمْ بَعْدَهُ يَقْتُلُوكُمُو ... فَإِنْ قَتَلُوكُمْ قَصْرُها "شَـ"ـاعَ وَانْجَلا أي قصر هذه الألفاظ الثلاثة وهي: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ} ، فقراءة المد من "قاتل" وقراءة القصر من "قتل"، ولا خلاف في قوله: "فاقتلوهم" كذلك: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ} . أي لا تبدءوهم بقتل ولا قتال حتى يبدءوكم به ومعنى: "فإن قتلوكم فاقتلوهم"؛ أي: فإن قتلوا منكم أحدا فاقتلوا منهم؛ أي: فإن قتلوا بعضكم على حذف مضاف للعلم به كما سيأتي في قراءة: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا} ؛ أي: فما وهن من لم يقتل منهم والله أعلم. 503- وَبِالرَّفْعِ نَوِّنْهُ فَلا رَفَثٌ وَلا ... فُسُوقٌ وَلا "حَـ"ـقًّا وَزَانَ مُجَمَّلا فلا رفث وما بعده مبتدأ، وبالرفع نونه خبره، وأضمر قبل الذكر؛ لأن الخبر في نية التأخير فهو كقولك: في داره زيد، والمعنى نونه بالرفع؛ أي: ملتبسا به فيقرأ للباقين بغير تنوين ملتبسا بصورة النصب وهو الفتح، وقيل يجوز أن تكون الهاء في نونه ضميرا مبهما قدمه بشرط التفسير، وجعل: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} تفسيرًا له وأتى بقوله: ولا بعد قوله: فسوق إقامة لوزن البيت وإلا فقوله: ولا جدال لا خلاف في فتحه، ولا شك أن لا يبني معها اسمها على الفتح إذا كان نكرة، ويجوز رفعه إذا كرر، وتجوز المغايرة بين ما تكرر من ذلك ففي نحو: لا حول ولا قوة إلا بالله: خمسة أوجه فعلى هذا جاءت القراءتان وإنما غاير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 أبو عمرو وابن كثير، فرفعا الأولين على أن المراد النهي عنهما، وإن أتيا بلفظ الخبر؛ أي: فلا يكونن رفث وهو الجماع، ولا فسوق، وهو السباب أو المعاصي، وأما ولا جدال فهو إخبار محض؛ أي: قد ارتفع المراء في زمن الحج وفي مواقفه بعد ما كان الاختلاف فيه بين العرب من النسيء، ووقوف بعضهم بعرفة وبعضهم بمزدلفة، وفي الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، فاشترط عدم الرفث والفسوق، ولم يذكر الجدال فدل على أن سياقه في الآية لمعنى آخر غير ما سيق له الرفث والفسوق، وهو ما ذكرناه وقراءة الجماعة تحتمل هذا التفريق أيضا، ويحتمل أن يكون الجميع منهيا عنه والمراد به مخاصمة الرفقاء والخدم والمكاريين، ويحتمل هذا المعنى قراءة أبي عمرو أيضا، وتكون على لغة من غاير في الإعراب فقال: لا حول ولا قوة، والرفع في الآية أقوى منه في الحوقلة؛ لتكرر المرفوع قبل المفتوح، وقوله: حقا مصدر مؤكد لقوله: نونه بالرفع، وزان مجملا معطوف على الفعل الذي نصب حقا؛ أي: حق ذلك حقا، وزان القارئ الذي حمل هذه القراءة لحسن المعنى الذي ذكرناه في التفريق بين الثلاثة والله اعلم. 504- وَفَتْحُك سِينَ السِّلْمِ "أ"صْلُ "رِ"ضًى "دَ"نَا ... وَحَتَّى يَقُولَ الرَّفْعُ فِي الَّلامِ "أُ"وِّلا يعني قوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} ؛ فتح السين وكسرها لغتان، وقد قرئ بهما الذي في الأنفال والقتال على ما سيأتي في الأنفال، وقيل الكسر بمعنى الإسلام، والفتح بمعنى الاستسلام والمصالحة ولهذا كسر أكثر القراء هنا، وفتحوا في الأنفال والقتال لظهور معنى الإسلام في البقرة، فظهور معنى المصالحة في غيرها، فنافع وابن كثير والكسائي فتحوا الثلاثة، وأبو بكر كسر الثلاثة، وأبو عمرو وابن امر وحفص كسروا في البقرة وحدها وحمزة فتح في الأنفال وحدها، وأما الرفع في: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} . فعلى تأويل أن الفعل بمعنى المضي أي: حتى قال الرسول أو هي حكاية حال ماضية، والفعل إذا كان كذلك ووقع بعد حتى رفع، ووجه النصب أن يكون الفعل مستقبلا، وإذا كان كذلك نصبته على تقدير إلى أن يقول، أو كي يقول على ما عرف في علم النحو والله أعلم. 505- وَفي التَّاء فَاضْمُمْ وَافْتَحِ الجِيمَ تَرْجِعُ الـ ... ـأُمُورُ "سَمَـ"ـا نَصَّا وَحَيْثُ تَنَزَّلا ترجع الأمور مبتدأ، وما قبله خبره؛ أي: وترجع الأمور اضمم تاءه وافتح جيمه فيصير الفعل مبنيا للمفعول؛ لأن الله رجعهن، والقراءة الأخرى على تسمية الفاعل كقوله تعالى: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 ورجع ثلاثي سواء كان لازما أو متعديا، وسما نصا خبر آخر، لترجع الأمور ونصا منصوب على التمييز أي سما نصه بهذا، وحيث تنزلا عطف على ظرف محذوف أي هنا، وحيث تنزل ترجع الأمور أي حيث جاء في سور القرآن، والله أعلم. 506- وَإِثْمٌ كَبِيرٌ "شَـ"ـاعَ بِالثَّا مُثَلَّثًا ... وَغَيْرُهُمَا بِالَبَاءِ نُقْطَةٌ اسْفَلا القراءتان بمعنى واحد؛ لأن ما كبر فقد كثر وأجمعوا على: {أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} . وقيد الثانية بقوله: مثلثا والباء بقوله: نقطة اسفلا احترازا من التصحيف والتقدير هي ذات نقطة أسفلها على حذف المبتدأ أو التقدير لها نقطة أسفل على حذف الخبر، ولو أنه قال: نقطة بالنصب لكان حالا من الباء أي ذا نقطة ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وقوله: وغيرهما بالباء أي يقرأ بالباء والله أعلم. 507- قُلِ العَفْوَ لِلْبَصْرِيِّ رَفْعٌ وَبَعْدَهُ ... لأَعْنَتْكُمْ بِالخُلْفِ أَحْمَدُ سَهَّلا قل العفو: مبتدأ ورفع: خبره أي ذو رفع، والعفو الفضل هنا، وهو ما يسهل إخراجه وتقدير وجه الرفع الذي ينفقونه العفو، والنصب على تقدير: أنفقوا العفو، وأحمد هو البزي سهل همزة: "لأعْنَتَكُمْ" بين بين في وجه، وليس من أصله تسهيل الهمزة الواحدة في كلمة ففعل ما فعله حمزة في الوقف في وجه؛ لأنها همزة مفتوحة بعد مفتوح، فقياس تسهيلها جعلها بين بين كسأل؛ ففي قراءته جمع بين اللغتين وهو نظير إبدال حفص همزة: "هزؤا" و"كفؤا" واوا في الوصل والوقف كما سبق والله أعلم. 508- وَيَطْهُرْنَ فِي الطَّاءِ السُّكُونُ وَهَاؤُهُ ... يُضَمُّ وَخَفَّا "إِ"ذْ "سَمَا" كَيْفَ "عُـ"وِّلا وخفا يعني الطاء والهاء والباقون وهم حمزة والكسائي وأبو بكر فتحوهما وشددوهما؛ لأن السكون مهما جاء مطلقا فضده الفتح والضم ضده الفتح ومعنى كلمات الرمز: أن هذه القراءة كيف ما عول في تأويلها فهي سامية رفيعة محتملة للأمرين وهما انقطاع الدم والغسل والقراءة الأخرى ظاهرة في إرادة الاغتسال وأصلها يتطهرن فأدغمت التاء في الطاء؛ أي: حتى يغتسلن فتعين حمل القراة الأخرى على هذا المعنى أيضا وفي الحديث الصحيح عن أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: "إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين"، وفي رواية: "فإذا أنت قد طهرت" أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح فيكون من قوله: حتى يطهرن بهذا المعنى أو تنزل القراءتان منزلة اجتماعهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 فكأنه قيل: حتى يطهرن ويتطهرن؛ أي: حتى يجتمع الأمران، وهما انقطاع الدم والاغتسال، فأحدهما لا يكفي بدليل ما لو اغتسلت قبل انقطاع الدم، فإن ذلك لا يبيح الوطء فكذا إذا انقطع الدم ولم تغتسل والله أعلم. 509- وَضَمُّ يَخَافا "فَـ"ـازَ وَالكُلُّ أدْغَمُوا ... تُضَارَرْ وَضَمَّ الرَّاءَ "حَقٌّ" وَذُو جَلا قرأ حمزة على ما لم يسم فاعله كيقال فقوله تعالى: "أن لا يقيما حدود الله"، يكون بدلا من ضمير التثنية في "يخافا"، وهو بدل الاشتمال كقولك: خفيف زيد شره فالخائف غير الزوجين من الولاة والأقارب ونحو ذلك، وعلى قراءة الجماعة هما الخائفان وأن لا يقيما مفعول به، والخطاب في قوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ} يجوز أن يكون للأزواج، وأن يكون للولاء، وقوله: سبحانه: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ} أصله: لا تضارر بكسر الراء الأولى أو بفتحها مبنيا للفاعل أو للمفعول على اختلاف في تفسيره، والكل صحيح المعنى في الآية أدغمت الراء الأولى في الثانية فمن رفع جعله خبرا بمعنى النهي ومن فتح فهو نهي انجزمت الراء له، ففتحت؛ لالتقاء الساكنين، كقولك: لا تعض زيدا؛ لأن المدغم ساكن، ومثله في المائدة: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ} 1 وقرئ {مَنْ يَرْتَدِدْ} على الأصل، ولم يقرأ هنا تضارر فقوله: وضم الراء يعني: الراء المشددة الثانية من الراءين المدغمة والمدغم فيها، وإنما قال الناظم: وضم الراء ولم يقل ورفع الراء؛ لأن القراءة الأخرى بالفتح؛ لأنها حركة بناء فلا بد من الإخلال بإحدى العبارتين، وقوله: وذو جلا؛ أي: ذو جلاء بالمد؛ أي: انكشاف وظهور ويروى بفتح الجيم وكسرها، وذو جلا ليس برمز، وكذا قوله: في آخر آل عمران: وذو ملا؛ لأن الواو فاصلة ولا تجعل الواو في ذلك كالواو في وحكم صحاب على ما تقدم في شرح الخطبة. 510- وَقَصْرُ أَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا وَأَتَيْتمُو ... هُنَا "دَ"ارَ وَجْهًا لَيْسَ إِلا مُبَجَّلا {آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} ، في سورة الروم وهنا: {إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ} .   1 آية: 54. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 فالقصر بمعنى فعلتم، والمد بمعنى أعطيتم، وفي دار ضمير يعود على وقصر أتيتم، ووجها تمييز أو حال أو مفعول فعل مضمر كما تقدم في قوله: وجها على الأصل أقبلا، واسم ليس: ضمير يعود إلى الوجه، والمبجل الموقر يثني على قراءة القصر خلافًا لمن عابها، وقرأت في حاشية النسخة المقروءة على الناظم -رحمه الله- إنما قال: ليس إلا مبجلا؛ لأن قصره من باب المجيء لا من باب الإعطاء، وإنما يتضح بتبجيله مع تفسير: سلمتم بالإخلاص من المنة والخصام من قوله: سبحانه: {مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا} . أي سالمة والله أعلم. 511- مَعًا قَدْرُ حَرِّكْ "مِـ"ـنْ "صَحَابٍ" وَحَيْثُ جَا ... يُضَمُّ تَمَسُّوهُنَّ وَامْدُدْهُ "شُـ"ـلْشُلا قدر مفعول حرك ومعا حال مقدمة؛ أي: حرك قدر وقدر معًا؛ أي: أنهما اثنان وهما قوله تعالى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} ، ويعني بالتحريك: فتح الدال؛ لأنه مطلق، وقراءة الباقين بإسكانها، وهما: لغتان، وقوله: من صحاب يتعلق بمحذوف ذلك المحذوف حال من فاعل حرك أو مفعوله؛ أي: آخذا له أو مأخوذًا من صحاب؛ أي: منقولا عن جماعة ثقات معروفة صحبة بعضهم لبعض، وتمسوهن فاعل جاء؛ أي: حيث جاء لفظ: {تَمَسُّوهُنَّ} . وهو في موضعين هنا، وثالث في الأحزاب1 يضم حمزة والكسائي تاءه، ويمدان الميم فيصير "تماسوهن" من فاعلت بمعنى فعلت أو هو على بابه، والمراد به الجماع على القراءتين، لم يختلف في ذلك، وإن اختلف في معنى "لامستم"، و"لمستم" في سورة النساء، والمائدة على ما يأتي، والشلشل الخفيف، وهو رمز، ولهذا لم يوهم أنه تقييد للقراءة، وإن كان فيها تشديد في السين؛ لأنه لا يقيد إلا بالألفاظ الواضحة لا بالألفاظ المشكلة المعنى، والله أعلم. 512- وَصِيَّةً ارْفَعْ "صَـ"ـفْوَ "حِرْمِيِّهِ رِ"ضًى ... وَيَبْصُطُ عَنْهُمْ غَيْرَ قُنْبُلٍ اعْتَلا وصية: مفعول ارفع، والهاء في حرميه تعود إلى لفظ وصية، أو إلى الرفع الدالّ عليه ارفع، وصفو مبتدأ، ورضى خبره أراد: "وصيةٌ لأزواجِهِم" رفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف؛ أي: أمرهم وصية أو على حذف مضاف قبلها؛ أي: أهل وصية أو ذوو وصية أو قبل المبتدأ؛ أي: وحكم الذين يتوفون وصية أو هي مبتدأ خبرها محذوف قبلها؛ أي: عليهم وصية، والنصب على المفعول المطلق، وهو المصدر؛ أي: يوصون وصية، وقرأ هؤلاء إلا قنبلا.   1 آية: 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} بالصاد، والباقون بالسين على ما ذكره في البيت الآتي، والكلام في وجه القراءتين نحو ما تقدم في الصراط، وقوله: ويبصط مبتدأ، واعتلا خبره؛ أي: اعتلا عن المذكورين غير قنبل، وحسن قوله: اعتلا أن الصاد من حروف الاستعلاء بخلاف السين، ومن خالف جمع بين اللغتين، والله أعلم. 513- وَبِالسِّينِ بَاقِيِهِمْ وَفي الخَلْقِ بَصْطَةً ... وَقُلْ فِيهِما الوَجْهَانِ قَوْلا مُوَصَّلا "في الخلق بصطة": مبتدأ محذوف الخبر؛ أي: يقرؤه المذكورون بالصاد أيضا؛ أي: و"بصطة" في الأعراف1 كذلك، ولا خلاف في: "بَسْطَةً" في البقرة أنه بالسين، وهو: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} 2، إلا ما رواه مكي وغيره من أنه قد جاء عن نافع والكسائي في بعض الطرق بالصاد، وروي عن خلاد، وابن ذكوان في "يبصط"، و"بصطة" الوجهان: الصاد، والسين، ومعنى موصلا: منقولا إلينا، وذكر في التيسير الخلاف عن خلاد فيهما قال: وروى النقاش عن الأخفش هنا بالسين، وفي الأعراف بالصاد، وقال في غير التيسير: ورأيت ابن داود قد رواهما عن أبي سهل عن ابن السفر عن الأخفش بالسين، وقرأتهما على أبي الفتح، وأبي الحسن جميعا بالصاد، ولم يذكر مكي عن خلاد غير السين، وعن ابن ذكون غير الصاد قال: وروي عن حفص السين والصاد فيهما، وبالوجهين قرأت لحفص. 514- يُضَاعِفَهُ ارْفَعْ فِي الحَدِيدِ وَههُنَا ... "سَما شُـ"ـكْرُهُ وَالعَيْنُ في الكُلِّ ثُقِّلا 515- "كَـ"ـما "دَ"ارَ وَاقْصُرْ مَعْ مُضَعَّفَةٍ وَقُلْ ... عَسَيْتُمْ بِكَسْرِ السِّينِ حَيْثُ أَتى "ا"نْجَلا يريد: "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفُهُ" هنا، وفي سورة الحديد وجه الرفع الاستئناف؛ أي: فهو يضاعفه أو يكون معطوفا على يقرض، ووجه النصب أنه جواب الاستفهام، فنصب بأن مضمرة بعد الفاء، وابن عامر، وابن كثير شددا العين في جميع هذا اللفظ كيفما دار، وذلك معنى قوله: والعين في الكلِّ ثقلا كما دار نحو:   1 آية: 69. 2 آية: 247. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 "يضعف لهم"، "يضعف لها"، "يضعفه لكم". وكذا مضعفة في آل عمران في قوله: {أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} . وهما لغتان: ضاعف وضعف واحد، وعنى بقوله: واقصر حذف الألف، والباقون بالمد، وتخفيف العين: "وعسيتم". هنا، وفي سورة القتال قراءة نافع بالكسر قال أبو بكر الإدفوي: هو لغة أهل الحجاز يكسرونها مع المضمر خاصة، والفتح هو الأصل، وقال أبو علي وغيره: هما لغتان. قلت: وباقي الأفعال الموازنة لعسى لا يختلف حاله مع المضمر نحو "أتى"، و"أتيتم"، و"رمى"، و"رميتم"، وأثنى الناظم -رحمه الله- على رفع "فيضاعفه" بقوله: سما شكره؛ أي: شكر العلماء له فهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول. 516- دِفَاعُ بِها وَالحَجِّ فَتْحٌ وَسَاكِنٌ ... وَقَصْرٌ "خُـ"ـصُوصًا غَرْفَةً ضَمَّ "ذُ"ووِلا أراد: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} هنا، وفي سورة الحج، والفتح في الدال، والسكون في الفاء، والقصر حذف الألف، وهو مصدر دفع، ودفاع كذلك مثل كتبت كتابا أو مصدر دافع بمعنى دفع نحو "قاتلهم الله"؛ أي: قتلهم الله، قال أبو ذؤيب: فجمع بين اللغتين: ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... وإذا المنية أقبلت لا تدفع وأراد: ذو فتح، وقصر، ولهذا توسط بينهما قوله: وساكن، فكأنه قال: مفتوح ساكن مقصور، وخصوصا مصدر، ويأتي الخلاف في: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ} في سورة الحج: "غُرْفَةً" بالفتح المصدر، وبالضم المغروف، وذو ولاء بالمد أي: ذو نصرة للضم؛ أي: ضمه من هذه صفته، والله أعلم. 517- وَلا بَيْعَ نَوَّنْهُ وَلا خُلَّةٌ وَلا ... شَفَاعَةَ وَارْفَعْهُنَّ "ذَ"ا "أُ"سْوَةٍ تَلا أي متأسيا بمن سبق، والكلام فيهن كما سبق في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} ؛ غير أن الرفع هنا في الثلاث، وثم في اثنتين، والذين رفعوا هنا فتحوا ثَم، وبالعكس، والنفي هنا خبر محض، وثَم نفى بمعنى النهي، والله أعلم. 518- وَلا لَغْوَ لا تَأْثِيمَ لا بَيْعَ مَعْ وَلا ... خِلالَ بِإِبْرَاهِيمَ وَالطُّورِ وُصِّلا أي: وكذلك الخلاف في: {لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} ، في سورة الطور و: {لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} ، في سورة إبراهيم عليه السلام: 519- وَمَدُّ أَنا في الوَصْلَ مَعْ ضَمِّ هَمْزَةٍ ... وَفَتْحٍ "أَ"تَى وَالخُلْفُ في الكَسْرِ "بُـ"ـجِّلا يريد "أنا أحي" {أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا} ، {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ} . كلهم يثبت بالألف في الوقف، وأثبتها في الوصل نافع وحده، وحذفها في الوصل هو الفصيح، وقال الإدفوي وإثباتها لغة بعض بني قيس، وربيعة، قال الأعشى: فكيف أنا وانتحالي القوافيا وقال الآخر: أنا سيف العشيرة فاعرفوني وخص نافع بالإثبات ما بعده همزة مضمومة أو مفتوحة، وفيما بعده همزة مكسورة خلاف عن قالون، والمشهور عنه الحذف، وهو ثلاثة مواضع في: الأعراف، والشعراء، والأحقاف، ولا خلاف في قصر نحو: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} 1، والله أعلم. 520- وَنُنْشِزُهَا "ذَ"اكٍ وَبِالرَّاءِ غَيْرُهُمْ ... وَصِلْ يَتَسَنَّهْ دُونَ هَاءٍ "شَـ"ـمَرْدَلا ننشزها بالزاي من النشز، وهو: الرفع يعني تركيب العظام بعضها على بعض، وذاك معناه واضح بيِّن من ذكت النار؛ أي: اشتعلت أو من ذكا الطيب إذا فاح، و"ننشرها" بالراء نحييها من أنشر الله الموتى؛ أي: أحياهم، فهو موافق لقوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا} 2. ويقال: راء بالهمز كسائر الحروف من نحو ياء، وحاء، وطاء، وفاء، وهاء، وأخواتها التي على صورتها خطا، وأما التي على صورة الزاي فآخر اسمها ياء في اللغة الفصيحة، وهي الزاي. فإن قلت: من أين يعلم من نظم هذا البيت أن القراءة الأولى بالزاي المنقوطة؟ قلت: من جهة أنه بين   1 سورة الأعراف، آية: 12، ويس آية: 76. 2 سورة يس، آية: 78 و89 و78 و79. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 قراءة الباقين بالراء المهملة، وقد لفظ بالأولى، ولا يمكن أن يصحف الراء إلا بالزاي؛ إذ ليس لنا حرف على صورتها في الخط غيرها. فإن قلت: فلقائل أن يقول: لعله ابتدأ الكلمة بالمهملة ثم قال: وبالزاي غيرهم يعني: المنقوطة قلتُ: قد تقدم جواب هذا، وهو: أنه اعتمد في ذلك على ما هو الأفصح في لغة الزاي، ولهذا استغنى الأمير أبو نصر بن ماكولا في كتاب الإكمال في ضبط الأسماء بلفظ الزاي، والراء، ولا يقيد بنقط، ولا إهمال للمغايرة بينهما في الخط، وغيره من المصنفين يقيد ذلك زيادة في البيان. قوله: وصل "يتسنه"؛ أي: إذا وصلتها بما بعدها فاحذف الهاء لحمزة، والكسائي دون غيرهما، وأما في الوقف فثباته للجميع؛ لثبوتها في رسم المصحف، ووجه حذفها في الوصل أنها هاء السكت، وهذا حكمها، ووجه إثباتها في الوصل أنه وصل بنية الوقف إن قلنا إنها للسكت أو يقال هي من أصل الكلمة، وسكنت للجزم، ومعنى لم يتسنه: لم تغيره السنهات، وأصل سنة سنهة فمنهم من يصغرها على ذلك فيقول: سنيهة، ويقولون: سانهت، وفي الجمع سنهات، ومنهم من يقول سانيت، وسنية، وسنوات فلا يأتي بالهاء فقراءة الحذف من هذه اللغة، وقراءة الإثبات من اللغة الأولى، والشمردل: الخفيف، وهو حال من يتسنه؛ لأنه خف بحذف الهاء، والشمردل أيضا الكريم فيكون حالا من الضمير المرفوع في صل، والله أعلم. 521- وَبِالوَصْلِ قَالَ اعْلَمْ مَعَ الجَزْمِ "شَـ"ـافِع ... فَصُرْهُنَّ ضَمُّ الصَّادِ بِالكَسْرِ "فُـ"ـصِّلا "قال اعلم" مبتدأ، وشافع خبره؛ أي: هو ذو شفع بالوصل مع الجزم؛ أي: جمع بين همزة الوصل مع إسكان آخره على أنه فعل أمر أو يكون معنى شافع من الشفع بمعنى الزيادة؛ لأنه زاد على ما تقدم من أفعال الأمر نحو: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ} 1، {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ} 2، {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ} 3؛ أي: اعلم بما عاينت قدرة الله على ما لم تعاين، والآمر له هو: الله تعالى، ويجوز أن يكون هو آمرا نفسه كما قال سحيم: عميرة ودع إن تجهزت غاديا فيكون موافقا لقراءة الجماعة بالإخبار عن نفسه فهو بهمزة القطع، والرفع. فإن قلت: من أين يلزم إذا كانت همزة قطع أن تكون مفتوحة لا مضمومة. قلت: لأنه فعل أمر من ثلاثي فهمزة قطعه بالفتح سواء وقف على قال أو وصلها بها، ومن قرأ بالأمر، ووقف على قال ابتدأ بهمزة مكسورة، وكان ينبغي أن يبين ذلك كما بين الضم في لفظ: {اشْدُدْ} .   1 و2 و3 سورة البقرة، آية: 79. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 في سورة طه1 فقال: وضم في ابتدأ غيره، ولو بينه لأخذ ضده، وهو الفتح؛ لقراءة الباقين، وعنى بالوصل الإتيان بهمزة الوصل، وجعل آخرا علم مجزوما؛ ليؤخذ ضد الجزم عنده، وهو الرفع للقراءة الأخرى، ولو لفظ موضع الجزم بالسكون للزم أن تكون القراءة الأخرى بالفتح، وقد نظمت بدل هذا البيت ضاما إليه البيت الذي فيه خلف ربوة في بيتين يتضمنان إيضاح القراءتين في قال اعلم، ويتأخر بيت، وجزءًا بعدهما، ولا يضر ذلك؛ فإن ربوة مقدمة في التلاوة على أكلها فقلت: وصل همز قال اعلم مع الجزم وابتدا ... بكسر شفا واكسر فصرهن فيصلا وضم لباقٍ وافتحوا ضم ربوة ... على الراهنا والمؤمنين ندكلا وصرهن بالضم والكسر لغتان، ومعناه الإمالة والتقطيع، يقال: صاره يصيره، ويصوره في المعنيين، وقيل: الكسر؛ للقطع، والضم؛ للإمالة، وقوله: فصلا؛ أي: بين معنى الضم بقراءة الكسر؛ لأن الكسر متمحض؛ للتقطيع عند بعضهم، والضم يحتمل التقطيع، والإمالة، والله أعلم. 522- وَجُزْءًا وَجُزْءٌ ضَمَّ الإِسْكَانَ "صِـ"ـفْ وَحَيـ ... ـثُما أُكْلُهَا "ذِ"كْرًا وَفي الْغَيْرِ "ذُ"و "حُـ"ـلا أي وجزء المنصوب وغير المنصوب، وإنما قدم ذكر المنصوب؛ لأنه هو الذي في سورة البقرة في قوله تعالى: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا} 2، فكان هو الأصل، وأتبعه ما ليس بمنصوب نحو: {جُزْءٌ مَقْسُومٌ} 3. وإنما حافظ على لفظ المنصوب هنا دون صراط، وقران، وبيوت كما تقدم؛ لأنه اكتفى في تلك بضبطها بدخول لام التعريف فيها، وخلوها منها، واجتزأ هنا بتعداد اللفظين المختلفين خطا لما لم تأتِ لام التعريف ف واحدة منهما فهو مثل "شيء"، و"شيئا"، وقد تقدم البحث فيه في باب نقل الحركة،، وقوله: صف؛ أي: اذكره؛ أي: صف ضم الإسكان فيهما، وقد سبق أن مثل هذا فيه لغتان؛ الضم، والإسكان، وقوله: حيثما أكلها؛ أي: وحيثما أكلها موجود فصف ضم إسكانه أيضا لمدلول الذال من ذكرى نحو: {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} 4، {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} 5 و {ذِكْرَى} 6 مصدر من معنى صف؛ لأن الواصف ذاكر أو يكون في موضع الحال؛ أي: صف ذاكرا أو مذكرا أو لأجل الذكرى أو هذه ذكرى، وقوله: وفي الغير يعني في غير أكلها مما هو من لفظه إلا أنه لم يصف إلى ضمير المؤنث نحو:   1 آية: 31. 2 سورة البقرة، آية: 260. 3 سورة الحجر، آية: 44. 4 سورة البقرة، آية: 265. 5 سورة الرعد، آية: 35. 6 سورة الشعراء، آية: 209. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 {أُكُلٍ خَمْطٍ} ، {مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ} 1، {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} 2. زاد معهم أبو عمرو: على الضم لخفة هذا، وثقل ما فيه ضمير المؤنث، وذو حلا خبر مبتدأ محذوف يتعلق به في الغير؛ أي: والضم في غير ذلك ذو حلا؛ أي: صاحب زينة، وحلية، والله أعلم. 523- وَفي رُبْوَةٍ فِي المُؤْمِنِينِ وَههُنا ... عَلَى فَتْحِ ضَمِّ الراءِ "نَـ"ـبِّهْثُ "كُـ"ـفِّلا يريد قوله: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} 3، {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} 4، والفتح والضم في الراء لغتان، ويقال أيضا: بكسر الراء، وكفلا جمع كافل، وهو الضامن، والذي يعول غيره، وكنى به عن طالب العلم وخدمه. 524- وَفي الوَصْلِ لِلْبَزِّيِّ شَدِّدْ تَيَمَّمُوا ... وَتَاءَ تَوَفَّى فِي النِّسَا عَنْهُ مُجْمِلا مجملا حال من الضمير في شدد أو من الهاء في عنه، وهو من أجمل: إذا أتى بالجميل: وقوله: في الوصل؛ لأن قراءة البزي هذه لا تمكن في الوقف؛ لأنه يشدد التاء في أوائل هذه الكلم الآتي ذكرها، والحرف المشدد معدود حرفين أولهما ساكن، والابتداء بساكن غير مقدور عليه فخص التشديد بحالة الوصل؛ لتتصل التاء بما قبلها، وهذا التشديد إنما هو إدغام تاء في مثلها؛ لأن هذه المواضع التي وقع التشديد في أوائلها هي أفعال مضارعة أولها تاء المضارعة ثم التاء التي من نفس الكلمة، فأدغم البزي الأولى في الثانية، وغيره حذف إحدى التاءين تخفيفا ثم هذه التاءات على ثلاثة أقسام منها ما قبله متحرك كالذي في النساء: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} 5. ومنها ما قبله حرف مد مثل: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} 6. فالتشديد في هذين القسمين سائغ؛ إذ لم يجتمع ساكنان على غير حدهما فإن: {وَلا تَيَمَّمُوا} ، مثل "دَابَّةٍ"، فتمد الألف لذلك، والقسم الثالث ما قبله ساكن صحيح نحو: {هَلْ تَرَبَّصُونَ} 7، فهذا في إدغامه جمع بين الساكنين على غير حدهما، وسيأتي الكلام عليه، ومن المصنفين من يذكر هذه التاءات في باب الإدغام، وهذا التشديد وارد في أحد، وثلاثين موضعا بلا خلاف عن البزي، وله موضعان   1 سورة الرعد، آية: 141. 2 سورة الرعد، آية: 8. 3 سورة البقرة، آية: 265. 4 سورة الرعد، آية: 50. 5 آية: 97. 6 سورة البقرة، آية: 267. 7 سورة التوبة، آية: 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 مختلف عنه فيهما سيذكرهما بعد الفراغ من المتفق عليه له، وقد قال مكي في التبصرة: وقد روى عن البزي أنه شدد هذا، وما كان مثله في جميع القرآن قال: والمعول عليه هذه المواضع بعينها، وقد ذكر الناظم منها في هذا البيت موضعين ثم أخذ في ذكر الباقي فقال: 525- وَفي آلِ عِمْرَانٍ لَهُ لا تَفَرَّقُوا ... وَالَانْعَامُ فِيها فَتَفَرَّقَ مُثِّلا يريد: {وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} 1، {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 2، ولفظ به على صفة قراءة البزي له بالتشديد، ولم يلفظ بغيره على ذلك إلا قوله: {لِتَعَارَفُوا} ، وهو ممكن قراءته على رواية البزي، وعلى غيرها، وفاعل مثلا: ضمير عائد على البزي؛ يعني مثله؛ أي: أحضره لك، وأظهره، ولا تفرقوا مثل، ولا تيمموا، والتاء في فتفرق بعد متحرك فكل هذا تشديده مستقيم. 526- وَعِنْدَ العُقُودِ التَّاءُ في لا تَعَاوَنُوا ... وَيَرْوِى ثَلاثا فِي تَلَقَّفُ مُثَّلا مثلا جمع ماثل من قولهم: مثل بين يديه إذا قام، وهو نعت، ثلاثا: أي: روى التشديد في ثلاث متشخصات من لفظ: تلقف، وذلك في الأعراف، وطه، والشعراء، وكلها بعد متحرك، ولا تعاونوا مثل، ولا تيمموا: 527- تَنَزَّلُ عَنْهُ ارْبَعٌ وَتَنَاصَرُو ... نَ نَارًا تَلَظَّى إِذْ تَلَقَّوْنَ ثقِّلا في الحجر: {مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ} 3. وفي الشعراء موضعان: {عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ} 4. وفي القدر من: {الْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ} 5. وفي الصافات: {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} 6. فالذي في الحجر: {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} 7.   1 سورة آل عمران، آية: 103. 2 سورة الأنعام، آية: 153. 3 سورة الحجر، آية: 8. 4 آية: 221 و222. 5 آية: 5 و6. 6 آية: 25. 7 آية: 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 مثل: ولا تيمموا، والثاني من تنزل في الشعراء بعد متحرك، فتشديد هذه الثلاثة جيد، وأما الأول في الشعراء، والذي في القدر. {نَارًا تَلَظَّى} 1، و {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} 2، فممتنع ذلك فيها؛ لأنها بعد ساكن، قال مكي: وقوع الإدغام في هذا قبيح صعب، ولا يجيزه جميع النحويين؛ إذ لا يجوز المد في الساكن الذي قبل المشدد، قال: وقد قال بعض القراء فيه: إنه إخفاء، وليس بإدغام، وهذا أسهل قليلا من الإدغام؛ لأن الإخفاء لا تشديد فيه. 528- تَكَلَّمُ مَعْ حَرْفَيْ تَوَلَّوْا بِهُودِها ... وَفي نُورِهَا وَالِامْتِحانِ وَبَعْدَلا يريد: {لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ} 3، في هود، وفيها: "تولوا" في موضعين أحدهما في أولها: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ} 4، والآخر في قصة عاد، وفي النور: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} 5، وفي الممتحنة: {انْ تَوَلَّوْهُمْ} 6. فقوله: لا تكلم مثل: {وَلا تَيَمَّمُوا} ، والبواقي في إدغامها جمع بين ساكنين ثم قال: وبعد لا يعني لفظ "تولوا" جاء أيضًا مشددا بعد حرف لا ثم ذكر مكانه فقال: 529- في الَانْفَالِ أَيْضًا ثُمَّ فِيهَا تَنَازَعُوا ... تَبَرَّجْنَ في الأَحْزَابِ مَعْ أَنْ تَبَدَّلا يعني: {وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَانْتُمْ تَسْمَعُونَ} 7، وفي القرآن غير ذلك من لفظ تولوا، ولم يشدد؛ لأنه ماضٍ نحو ما في سورة المائدة: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ انَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} 8. والذي في آل عمران: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} 9. وكذا الذي في آخر براءة:   1 سورة الليل، آية: 14. 2 سورة النور، آية: 15. 3 سورة هود، آية: 105. 4 آية: 3 و26. 5 آية: 54. 6 آية: 9. 7 سورة الأنفال، آية: 20. 8 سورة المائدة، آية: 49. 9 سورة آل عمران، آية: 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} 1 يحتمل الوجهين، ولكن لم يذكر في التاءات المشددة، وفي الأنفال أيضا: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} 2، {وَلا تَبَرَّجْنَ} 3. فهذه الثلاثة من قبيل {وَلا تَيَمَّمُوا} ، وأما: {وَلا انْ تَبَدَّلَ بِهِنّ} 4، فمن قبيل اجتماع الساكنين فهذه تسعة مواضع ثم ذكر العاشر فقال: 530- وَفي التَّوْبَةِ الْغَرَّاءِ هَلْ تَرَبَّصُونَ ... عَنْهُ وَجَمْعُ السَّاكِنَيْنِ هُنَا انْجَلَى قال الشيخ: وقوله: وجمع الساكنين أراد به، وجمعنا للساكنين في النظم هنا انجلا؛ أي: انكشف، وذهب؛ لأن انقضاءه في النظم وقع ههنا، وهي ثمانية مواضع فذكرها، وإن تولوا، فإن تولوا في هود، وفي النور: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} 5، {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} 6، {عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ} 7، {نَارًا تَلَظَّى} 8، {شَهْرٍ، تَنَزَّلُ} 9، {هَلْ تَرَبَّصُونَ} 10. وبقي عليه اثنان: {انْ تَبَدَّلَ بِهِنّ} 11، {انْ تَوَلَّوْهُمْ} 12. وذكرها غيره تسعة فأسقط "أن تبدل"، وإنما هي عشرة في هذا البيت واحدة، وفي الذي قبله واحدة، وفي كل واحدة من البيتين قبلهما أربعة، وقد بينا كلا في موضعه. قال: أو يكون قوله: هنا؛ أي: في هذه القراءة. قلت: على هذا المعنى يحتمل أن يكون الناظم أشار إلى عسر هذه القراءة، وعدم تحقق النطق بالتشديد مع وجود الساكن الصحيح قبل التاء كما أشار إلى ذلك في آخر باب الإدغام الكبير؛ أي: انكشف أمره، وبان عسره، وظهر تعذره، وعلى الوجه الأول يكون المعنى: أن المواضع التي يلزم من تشديدها الجمع بين الساكنين قد ذكرت فيما تقدم، وفرغ منها هنا، وليس يفهم من ذلك أنه ذكرها مرتبة بل تفرق ذكرها في أثناء المواضع، ولكلامه هذا فائدة جليلة سيأتي ذكرها بعد شرح بيتين آخرين ثم تمم ذكر التاءات، ولم يبق إلا ما هو بعد متحرك أو حرف مد فقال: 531- تَمَيَّزَ يَرْوِي ثُمَّ حَرْفَ تَخَيَّرُونَ ... عَنْهُ تَلَهَّى قَبْلَهُ الهَاءَ وَصَّلا   1 سورة التوبة، آية: 129. 2 الأنفال، آية: 46. 3 الأحزاب، آية: 33. 4 الأحزاب، آية: 52. 5 آل عمران، آية: 20. 6 و7 و8 و9 سبق تخريجها. 10 سورة التوبة، آية: 52. 11 سبق تخريجها. 12 سورة الممتحنة، آية: 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 يعني {تَكَادُ تَمَيَّزُ} 1، {لَمَا تَخَيَّرُونَ} 2، {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} 3، ولا يمنع تشديد التاء من صلة الهاء في عنه بواو على أصله بل يصل ويشدد فيقع التشديد بعد حرف مد هو الواو فيبقى مثل "ولا تيمموا"، فهذا معنى قوله: قبله الهاء وصلا؛ أي: وصل الهاء بواو، وتمم الناظم البيت بذلك زيادة في البيان؛ خوفا من ترك الفطن لذلك كما أنه يترك الصلة في نحو "لعلمه الذين" ويستظهر بقول الناظم، ولم يصلوا ها مضمر قبل ساكن، وقد تقدم الفرق بينهما في سورة أم القرآن في شرح قوله: ومن دون وصل ضم ها قبل ساكن، وفي أول باب هاء الكناية، وقد ذكر مكي "عنه تلهى" في جملة ما قبله حرف مد، ولولا الصلة لعده في جملة ما قبله متحرك، والله أعلم. 532- وَفي الحُجُراتِ التَّاءُ فِي لِتَعَارَفُوا ... وَبَعْدَ وَلا حَرْفَانِ مِنْ قَبْلِهِ جَلا يريد قوله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} ، {وَلا تَنَابَزُوا} 4، فهذان موضعان كل واحد منهما بعد لفظ، ولا، وهما من قبل قوله: "وقبائل لتعارفوا"، والكل في سورة الحجرات، وقوله: جلا ليس برمز لورش فهو موهم ذلك؛ فإن جميع الأبيات يقيد فيها بأنها عنه أوله، ويروى فيفهم عود ذلك إلى البزي، وكل بيت خلا من شيء من ذلك لم يكن فيه ما يوهم رمزًا؛ لأنه مجرد تعداد المواضع، فيكون القيد فيما بعدها شاملا للجميع كقوله: تكلم في الأنفال البيتين فإن الجميع تقيد بقوله في البيت الآخر: {هَلْ تَرَبَّصُونَ} 5. عنه فإن قلت: فهذا البيت أيضا قد تقيد في البيت بعده من قوله: عنه على وجهين قلت: تكون الهاء في عنه عائدة على مدلول جلا فالإيهام باقٍ بحاله بخلاف ما تقدم فإنه لم يسبقه ما يوهم الرمز به، والضمير في جلا لقوله: {لِتَعَارَفُوا} 6؛ أي كشف عن الحرفين اللذين قبله بدلالته عليهما، فهذا آخر الكلمات المعدودة أحدى وثلاثين المشددة للبزي بلا خلاف منها سبعة بعد متحرك، وأربعة عشر بعد حرف مد، وعشرة بعد ساكن صحيح، والذي قبله حرف مد منه واحد بعد الواو، وهو: {عَنْهُ تَلَهَّى} ، وثلاثة عشر بعد الألف ثم ذكر له موضعين آخرين اختلف عنه فيهما فقال: 533- وَكُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الَّذِي مَعْ تَفَكَّهُونَ ... عَنْهُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَافْهَمْ مُحَصِّلا   1 سورة تبارك، آية: 8. 2 سورة ن، آية: 38. 3 سورة عبس، آية: 10. 4 سورة الحجرات، آية، 12. 5 سبق تخريجها. 6 سورة الحجرات، آية: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 يعني: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} ، في آل عمران1: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} ، في الواقعة2، ويصل الميم قبل ذلك كما تقدم في: {عَنْهُ تَلَهَّى} 3، فيبقى من قبيل: "ولا تيمموا". فإن قلت: لم ينص الناظم على صلة الميم قلت لا حاجة إلى ذلك فإنه معلوم من موضعه، ولو لم ينص على صلة: {عَنْهُ تَلَهَّى} لما احتيج إلى ذلك كما سبق، ولهذا لم يذكر في التيسر صلة شيء من ذلك اتكالا على ما علم من مذهبه، ومن المشتغلين بهذه القصيدة من يظن أنه لا صلة في الميمين لعدم نص الناظم عليها، وذلك، وهم منه، والناظم، وإن لم يصرح بالصلة فقد كنى عن ذلك بطريق لطيف لمن كان له لب، وفهم مستقيم، وذلك أنه لو لم تكن هنا صلة لأدى التشديد إلى جمع الساكنين على غير حدهما، وقد قال الناظم فيما قبل: وجمع الساكنين هنا انجلا، وكان من هذه العبارة وجود الصلة في هذه الميم تصديقا لقوله: إن اجتماع الساكنين قد انقضى عند قوله: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ} 4. وما أدري ما وجه الخلاف في تشديد هاتين التاءين، وليت الخلاف كان عند وجود الساكنين، وإلى مثل هذه الدقائق، والمعاني أشار بقوله: "فافهم محصلا"؛ أي: في حال تحصيل، واشتغال، وبحث، وسؤال لا في حال كلال، وملال، وعدم احتفال، والحمد لله على كل حال. 534- نِعِمَّا مَعًا في النُّونِ فَتْحٌ "كَـ"ـمَا "شَـ"ـفَا ... وَإِخْفَاءِ كَسْرِ الْعَيْنِ "صِـ"ـيغَ "بِـ"ـهِ "حُـ"ـلا معا: يعني هنا، وفي النساء فالذي هنا: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} ، والذي في سورة النساء: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} ، وكذلك حيث ذكر الناظم معا فإن معناه أن هذا الحرف في موضعين أحدهما أو كلاهما في هذه الصورة كما قال: معا قد حرك فإن كان الحرف في أكثر من موضعين لم يقل معا، بل يقول: حيث أتى أو جميعا أو الكل، ونحو ذلك، ولو قال: معا في الزائد على الاثنين لكان سائغا في اللغة، وقد سبق تقريره في باب الهمز المفرد، ولكنه فرق بين المعنيين بذلك، وليس بحتم أن يقول معا في موضعي الخلاف بل قد يأتي بعبارة أخرى نحو قوله: وفي لام لله الأخيرين حذفها:   1 آية: 143. 2 آية: 65. 3 سورة عبس، آية: 10. 4 سورة التوبة، آية: 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 {عَسَيْتُمْ} بكسر السين حيث أتى انجلا، وهو في موضعين فقط كما مر ذكره فإن كان الخلاف في موضعين لكلمة واحدة، وتلك الكلمة قد جاءت على أحد الوجهين في موضع ثالث بلا خلاف لم يقل فيه معا؛ لأنه لا يفهم من ذلك موضع الخلاف من موضع الاتفاق بل ينص على موضعي الخلاف كقوله: وكسرك: "سِخْرِيًّا" بها، وبصادها؛ لأن الكلمة قد جاءت أيضا في الزخرف، ولكنها مضمومة بلا خلاف، واعلم أن: "نِعِمَّا" كلمتان كتبتا متصلتين، والتقى المثلان فأدغمت الميم في الميم، واتفق القراء على الإدغام موافقة لخط المصحف فإنهما كتبتا بميم واحدة، وهذا موضع اتفق عليه من باب الإدغام الكبير؛ لأن الميم من نعم متحركة مفتوحة، وقد أدغمت في الميم من ما الداخلة عليها، وكان الأصل نعم ما كما تقول: بئس ما، ولما أريد الإدغام لم يمكن مع سكون العين قبلها فكسرت، فمن القراء من أشبع الكسر في الموضعين معا، وهم ابن كثير، وورش، وحفص، وكل من فتح النون، ومنهم من أخفى الكسر، واختلسه تنبيها على أن أصل هذه العين السكون، وهم أبو عمرو، وقالون، وأبو بكر، وما أحسن ما عبر عنهم الناظم بقوله: "صيغ به حلا"، وباقي القراء، وهم ابن عامر، وحمزة، والكسائي فتحوا النون، وكسروا العين، وهذه هي اللغة الأصلية في هذا الفعل كحمد، وعلم ثم سكن عينه تخفيفا لكثرة استعماله، ونقلت كسرة العين إلى النون فصارت هذه هي أفصح اللغات فيه كما قال تعالى في موضع لا يتصل به ما: {نِعْمَ الْعَبْدُ} 1، فلما اتصلت به ما وجب الإدغام لأجل الخط، ولزم كسر العين لأجل الساكنين بقيت كسرة النون على حالها، ومن فتحها عدل عن اللغة الأصلية؛ ليأتي بالكسر الأصلي للعين، ولا يحتاج إلى كسر لالتقاء الساكنين، ويجوز أيضا في اللغة أن يقال في نعم المجردة عن كلمة ما نعم بكسر النون، والعين، ونعم بفتح النون، وسكون العين نص على ذلك أبو جعفر النحاس، وغيره، وقد ذكر بعض المصنفين في القراءات إسكان العين مع الإدغام، وذلك غير مستقيم في التحقيق، ونسبه صاحب التيسير إلى من حكى لهم الإخفاء هنا فقال قالون، وأبو بكر، وأبو عمرو بكسر النون، وإخفاء حركة العين، ويجوز إسكانها، وبذلك ورد النص عنهم، والأول أقيس: قلت: ولم يعرج الناظم على هذه الرواية، وترك ذكرها كما ترك ذكر نظيرها في: {لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} 2 كما يأتي، وأصاب في ذلك قال مكي في التبصرة، وقد ذكر عنهم اإسكان، وليس بالجائز، وروى   1 سورة ص، آية: 30. 2 سورة الأعراف، آية: 163. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 عنهم الاختلاس، وهو حسن قريب من الإخفاء، وقال في الكشف: روي عن أهل الإخفاء الاختلاس، وهو حسن، وروي الإسكان للعين، وليس بشيء، ولا قرأت به؛ لأن فيهما جمعا بين ساكنين ليس الأول حرف مد، ولين، وذلك غير جائز عند أحد من النحويين، وقال أبو علي: من قرأ: {فَنِعِمَّا} بسكون العين لم يكن قوله: مستقيمًا عند النحويين؛ لأنه جمع بين ساكنين الأول منهما ليس بمد، ولين، وقد أنشد سيبويه شعرا قد أجتمع فيه الساكنان على حد ما اجتمعا في نعما، وأنكره أصحابه قال: ولعل أبا عمرو أخفا ذلك كأخذه بالإخفاء في نحو: {بَارِئِكُمْ} ، و {يَأْمُرُكُمْ} ، فظن السامع الإخفاء إسكانا للطف ذلك في السمع، وخفائه، وقال أبو جعفر النحاس: فأما الذي حكي عن أبي عمرو، ونافع من إسكان العين فمحال. حكي عن محمد بن يزيد أنه قال: أما إسكان العين، والميم مشددة فلا يقدر عليه أحد أن ينطق به، وإنما يروم الجمع بين ساكنين، ويحرك، ولا يأبه؛ أي: لا ينتبه للتحريك، ولا يفطن به. وقد اختار قراءة الإسكان الإمام أبو عبيد: القاسم بن سلام، وهو من عجيب اختياراته، فذكر قراءة الإسكان في كتابه أولا ثم ذكر قراءة فتح النون، وكسر العين ثم قال: وبالقراءة الأولى قرأت؛ لأنها فيما يروى لغة النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال لعمرو بن العاص: "نعما المال الصالح للرجل الصالح". قال: هكذا يروى عنه -صلى الله عليه وسلم- على هذا اللفظ، قال: ثم أصل الكلمة أيضا إنما هي "نعم" زيدت فيها "ما"، وإنما قرأ تلك القراءة الأخرى من قرأها لكراهة أن يجمعوا بين ساكنين: العين، والميم، فحركوا العين، قال: وهو مذهب حسن في العربية، ولكنه على خلاف الحديث، والأصل جميعا. قال أبو إسحاق الزجاج بعد ذكره كلام أبي عبيد: ولا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا، ولا هذه القراءة عند البصريين النحويين جائزة البتة؛ لأن فيها الجمع بين ساكنين مع غير حرف مد، ولا لين. قلت: صدق أبو إسحاق فكما قيل عمن روى قراءة الإسكان: إنه سمع الإخفاء فلم يضبط، كذلك القول في رواة الحديث بل أولى؛ لكثرة ما يقع في الأحاديث من الروائق، على خلاف فصيح اللغة، وقد أخرج هذا الحديث الحاكم في كتابه المستدرك، وقال في آخره: يعني بفتح النون، وكسر العين: هذا حديث صحيح، قلت: والحديث بتمامه مذكور في ترجمة عمرو بن العاص في تاريخنا الشمي، وغيره، والباء في بالمال زائدة مثلها في: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 1، والله أعلم.   1 سورة الفتح، الآية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 535- وَيَا وَنُكَفِّرْ "عَـ"ـنْ "كِـ"ـرَامٍ وَجَزْمُهُ ... "أَ"تَى "شَـ"ـافِيًا وَالغَيْرُ بِالرَّفْعِ وُكِّلا يعني أن حفصا وابن عامر بالياء، والباقون بالنون، وهي ظاهرة، وأما الياء فإخبار عن الله أو عن المذكور، وهو الإخفاء، والإيتاء الذي دل عليه قوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} 1. أي: هذا الفعل خير لكم، وهو يكفر عنكم، وجزم الراء من القراء نافع، وحمزة، والكسائي؛ لأنه معطوف على موضع: {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ، وموضعه جزم على جواب الشرط، وسيأتي مثل ذلك في الأعراف: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} 2، قرئ بالياء، والنون، والجزم، والرفع، والأكثر ثَم على الياء، والرفع،، ووجه الرفع فيهما الاستئناف، واستقل الجواب بما قبل ذلك، وقوله: والغير بالرفع، زيادة في البيان لم تدع إلى ذكر ضرورة؛ لأن الرفع ضد الجزم كما أن النون ضد الياء فكما لم يذكر النون كان له أن لا يذكر الرفع، والله أعلم. 536- وَيَحْسَبُ كَسْرُ السِّينِ مُسْتَقبَلًا "سَمَا" ... "رِ"ضَاهُ وَلَمْ يَلْزَمْ قِيَاسًا مُؤَصَّلا مستقبلا حال من يحسب، ولولا هو لما كان الخلاف إلا في الذي في سورة البقرة فقط: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ} . فقال: مستقبلا؛ ليشمل كل فعل مستقبل في القرآن سواء كان بالياء وأو بالتاء متصلا به ضمير أو غير متصل نحو: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ} 3، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ} 4، {وَلا تَحْسَبَنّ} 5، {وَهُمْ يَحْسَبُونَ} 6، {فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ} 7. ولو قال موضع مستقبلا: "كيف أتى" كان أصرح لكنه خاف أن يلتحق بذلك الفعل الماضي نحو: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 8، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} 9.   1 سورة البقرة، آية: 271. 2 آية: 186. 3 سورة القيامة، آية: 3. 4 سورة الفرقان، آية: 44. 5 سورة آل عمران، آية: 269. 6 سورة الكهف، آية: 104. 7 سورة المائدة، آية: 71. 8 سورة آل عمران، آية: 188. 9 سورة العنكبوت، آية: 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 مما لا خلاف في كسره، وكسر السين مبتدأ ثانٍ، والعائد إلى المبتدأ الأول، وهو يحسب محذوف تقديره كسر السين منه، وسما رضاه خبره، والكسر، والفتح في ذلك لغتان مشهورتان، والفتح هو الجاري على القياس؛ لأن ماضيه مكسور السين، والغالب على الأفعال التي ماضيها كذلك أن مستقبلها بالفتح كـ "علِم يعلَم"، و"شرب يشرب"، وأما إتيان المستقبل بالكسر كالماضي فخارج عن القياس، ولم يأت إلا في أفعال يسيرة منها حسب ونعم وبئس، فهذا معنى قوله: ولم يلزم قياسًا مؤصلًا أصلته العرب وعلماء العربية، وفاعل يلزم ضمير يرجع على يحسب؛ أي: لو لزم القياس لكانت سينه مفتوحة، واختار أبو عبيد قراءة الكسر، وذكر حديثا عن لقيط بن صبرة قال: كنت وافد بني المنتفق إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبينا نحن عنده إذ روح الراعي غنمه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما أولدت" قال: بهمة قال: "اذبح مكانها شاة"، ثم قال: "لا تحسبن" -ولم يقل لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها- قال أبو عبيد: بالكسر نقرؤها في القرآن كله اختيارا لما حفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من لغته واتباعا للفظه والله أعلم. 537- وَقُلْ فَأْذَنُوا بِالمَدِّ وَاكْسِرْ "فَـ"ـتىً "صَـ"ـفَا ... وَمَيْسَرَةَ بِالضَّمِّ في السِّينِ "أُ"صِّلا فتى صفا حال من الضمير في واكسر، وأراد كسر الذال وبالمد أراد به ألفا يزيدها بعد الهمزة، ويلزم من ذلك تحريك الهمزة، والعبارة مشكلة على من لا يعرف القراءة؛ إذ قد يفهم أن الكسر في الهمزة، فيكون المد بعدها ياء أو يريد بالمد الألف بعد الألف التي هي بدل من الهمزة الساكنة، ويكون الكسر في الذال، فيلبس ذلك على من لا يعرف، فيحتاج إلى موقف، ولو قال: ومد وحرك فأذنوا اكسر فتى صفاه، لظهر الأمر، فقراءة حمزة وأبي بكر من الأعلام؛ أي: فأعلِموا م وراءكم بحرب من الله؛ لأن آذن بمعنى أعلم، وقراءة الجماعة من أذن به؛ أي: علم به فهو أذين؛ أي: كونوا على إذن بحرب من الله ورسوله، وأما ميسرة بالفتح والضم فلغتان، والفتح أفصح وأشهر وأقيس، وهي اختيار أبي عبيد وغيره والله أعلم. 538- وَتَصَّدَّقُوا خِفٌّ "نَـ"ـمَا تُرْجَعُونَ قُلْ ... بِضَمٍّ وَفَتْحٍ عَنْ سِوى وَلَدِ العُلا يريد {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} 1، وأصله تتصدقوا، فحذف عاصم إحدى التاءين وغيره أدغم الثانية في الصاد، فمن ثم جاء التشديد، وأراد: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ} 2، والخلاف فيه على ما سبق معناه في ترجع الأمور.   1 سورة البقرة، الآية: 280. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 539- وَفي أَنْ تَضِلَّ الْكَسْرُ "فَـ"ـازَ وَخَفَّفُوا ... فَتُذْكرَ "حَقًّـ"ـا وَارْفَعِ الرَّا "فَـ"ـتَعْدِلا إنما قال: فاز؛ لأن وجهه ظاهر؛ أي: إن ضلت إحداهما ذكرتها الأخرى، ولهذا رفع فتذكر؛ لأنه جواب الشرط نحو: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} 1، فلما لم يستقم مع الكسر إلا الرفع قال: فتعدلا، ومن فتح "أن" فعلى التعليل وعطف فتذكر على تضل وإن كان التعليل في الحقيقة إنما هو الإذكار، ولكنه تقدم ذكر سببه وهو الإضلال، ونظيره أعددت السلاح أن يجيء عدو فأدفعه به، وعلة إعداد السلاح إنما هو دفع العدو لا مجيئه، ولكن ذكر مجيء العدو توطئة له؛ لأنه سبب الدفع والتخفيف والتشديد في فتذكر لغتان يقال: اذكر وذكر كأنزل ونزل والله أعلم. 540- تِجَارَةٌ انْصِبْ رَفْعَهُ فِي النِّسَا "ثَـ"ـوى ... وَحَاضِرةٌ مَعْهَا هُنَا عَاصِمٌ تَلا الذي في النساء: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} 2، وهنا: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً} 3، فنصب التي في النساء الكوفيون ونصب التي في البقرة عاصم مع صفتها وهي حاضرة فقوله: وحاضرة معها؛ أي: وانصب حاضرة مع تجارة هنا، ثم قال عاصم: تلا ذلك أو التقدير: عاصم تلا حاضرة معها؛ أي: نصبهما، وأجاز الناظم مع ههنا؛ أي: مع الحرف الذي ههنا فوجه النصب في الموضعين جعل كان ناقصة، واسمها مضمر يعني الأموال ذات تجارة، ومن رفع جعلها تامة، وقيل: إنها أيضا هنا ناقصة والخبر تديرونها، ويجوز أن يقدر في النساء دائرة بينكم والله أعلم. 541- وَ "حَقٌّ" رِهَانٍ ضَمُّ كَسْرٍ وَفَتْحَةٍ ... وَقَصْرٌ وَيَغْفِرْ مَعْ يُعَذِّبْ "سَمَا" العُلا أي: حق جمع رهان أن يكون مضموم الراء والهاء، وأن تحذف ألفه وهو المراد بقوله: وقصر فيقال: رهن يشير إلى أن رهن جمع رهان وهو قول الأكثر، ورهان جمع رهن وهو قياس جمعه كفرخ وفراخ وبغل وبغال وكبش وكباش، والرهن في الأصل مصدر، ثم استعمل استعمال الكتاب فكما يسمى المكتوب كتابا كذلك يسمى المرهون رهنا وقيل: رهن أيضا جمع رهن كسقف وسقف، وأما قوله تعالى: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} 4.   1 سورة المائدة، آية: 95. 2 سورة النساء: آية: 29. 3 سورة البقرة، آية: 282. 4 سورة البقرة، آية: 284. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 فقرءتا بالجزم عطفا على: {يُحَاسِبْكُمْ} ، وبالرفع قرأ ابن عامر وعاصم على الاستئناف؛ أي: فهو يغفر ويعذب ثم ذكر تتمة رمز الجزم فقال: 542- "شَـ"ـذَا الجَزْمِ وَالتَّوْحِيدُ فِي وَكِتَابِهِ ... "شَـ"ـرِيفٌ وَفي التَّحْرِيمِ جَمْعُ "حِـ"ـمًى "عَـ"ـلا شذا: فاعل سما في البيت الماضي، والعلا مفعول أي: طال شذا جزم يغفر مع يعذب العلا، والشذا حدة الطيب وتوحيد الكتاب هنا أريد به القرآن أو جنس الكتاب وفي التحريم أريد به الإنجيل أو الجنس ولم يقرأ بالجمع في التحريم إلا أبو عمرو وحفص؛ لأنه ليس معه ورسله بخلافه هنا، وروينا في جزء المخزومي عن علي بن عاصم قال: أخبرنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأ: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكِتَابِهِ} 1، ويقول: الكتاب أكثر من الكتب، قال علي بن عاصم: فسألت أهل العربية فقالوا: الكتاب جماع الجميع، قلت: كأنهم أشاروا إلى أن الكتاب مصدر فجميع الكتب كتابه: المشهورة وغير المشهورة، ووجه قراءة من جمع في البقرة وأفرد في التحريم أنه نظر إلى من أسند الفعل إليه في الموضعين، وهو في البقرة مسند إلى المؤمنين، ومؤمنو كل زمان لهم كتاب يخصهم، وفي التحريم الفعل مسند إلى مريم وحدها فأشير إلى الكتاب المنزل في زمانها، ووجه الجمع أن قبلها: {بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} . وفي البقرة قبلها: {وَمَلائِكَتِهِ} وبعدها {وَرُسُلِهِ} 2. 543- وَبَيْتِي وَعَهْدِي فَاذُكُرُونِي مُضَافُهَا ... وَرَبِّي وَبِي مِنِّي وَإِنِّي مَعًا حُلا أي في هذه السورة من ياءات الإضافة المختلف في فتحها وإسكانها على ما تقرر في بابها ثماني ياءات، وإنما ذكر في آخر كل سورة ما فيها من ياءات الإضافة؛ لأنه لم ينص عليها بأعيانها في بابها، وإنما ذكرها على الإجمال فبين ما في كل سورة من الياءات المختلف فيها؛ لتنفصل من المجمع عليها ويأخذ الحكم فيما يذكره من الياءات السابق في أحكامها، ولم يذكر الزوائد؛ لأنها كلها منصوص عليها بأعيانها في بابها، وصاحب التيسير لما لم ينص على الجميع بأعيانها في البابين احتاج إلى ذكر الأمرين في آخر كل سورة، وبيان حكم كل ياء منها فتحا وإسكانًا، حذفا وإثباتا وزاد بعض المصنفين في آخر كل سورة ذكر ما فيها من كلمات الإدغام الكبير مفروشة   1 سورة التحرير، آية: 12. 2 سورة البقرة، آية: 285. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 أما الياءات الثماني المنصوصة فنشرحها ونبين أحكامها؛ استذكارا لما سبق بيانه قوله تعالى: {بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} 1، فتحها نافع وهشام وحفص. {عَهْدِي الظَّالِمِينَ} 2، سكنها حمزة وحفص. {فَاذْكُرُونِي اذْكُرْكُمْ} 3، فتحها ابن كثير وحده. {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي} 4، سكنها حمزة وحده. {بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} 5، فتحها ورش وحده {مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ} 6، فتحها نافع وأبو عمرو. {إِنِّي اعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} 7، {إِنِّي اعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ} 8، فتحها الحرميان وأبو عمرو، فهذا معنى قوله: وإني معا؛ أي: تكررت مرتين وحلا:؛ أي: هي حلا. وفي هذه السورة من ياءات الزوائد ثلاث ياءات: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} 9، أثبتها أبو عمرو وورش في الوصل وقالون على رواية. {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْالْبَابِ} 10، أثبتها أبو عمرو وحده في الوصل، وكنت قد طلب مني نظم الزوائد في أواخر السور تبعا لياءات الإضافة ففعلت ذلك في نيف وعشرين بيتا سيأتي ذكرها مفرقة في أواخر السور التي تكون فيها، وقلت في آخر سورة البقرة بيتا ابتدأته بعد ياءات الإضافة المنظومة وهو: فتلك ثمانٍ والزوائد واتقو ... ن من قبلها الداعي دعاني قد انجلا والله أعلم.   1 سورة البقرة، آية: 125. 2 سورة البقرة، آية: 124. 3 سورة البقرة، آية: 152. 4 سورة البقرة، آية: 258. 5 سورة البقرة، آية: 186. 6 سورة البقرة، آية: 149. 7 سورة البقرة، آية: 30. 8 سورة البقرة، آية: 33. 9 سورة البقرة، آية: 186. 10 سورة البقرة، آية: 197. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 سورة آل عمران: مدنية: مائتا آية 544- وَإِضْجَاعُكَ التَّوْرَاةَ "مَـ"ـا رُدَّ "حُـ"ـسْنُهُ ... وَقُلِّلَ "فِـ"ـي "جَـ"ـوْدٍ وَبِالخُلْفِ "بَـ"ـلَّلا الإضجاع من ألفاظ الإمالة وأميلت ألف التوراة؛ لأنها بعد راءٍ، وقد وقعت رابعة فأشبهت ألف التأنيث كـ "تترى" و"النصارى"، فلهذا قال: ما رد حسنه وقيل الألف منقلبة عن ياء وأصلها تورية من ورى الزند وهذا تكلف ما لم تدع إليه حاجة ولا يصح؛ لأن إظهار الاشتقاق إنما يكون في الأسماء العربية والتوراة والإنجيل من الأسماء الأعجمية، قوله: وقلل في جود يعني أميل إمالة قليلة وهي التي يعبر عنها بقولهم بين بين وبين اللفظين وقد سبق الكلام في تحقيقها في باب الإمالة والجود المطر الغزير؛ أي: في شهرة واستحسان كالجود الذي تحيا به الأرض يشير إلى أن التقليل محبوب مشهور في اللغة وبالخلف بللا يعني قالون؛ لأنه لم يدم على التقليل فهو دون الجود؛ إذ كان مرة يفتح ومرة يقلل، فاختلف الرواة عنه لذلك، وهذا الموضع من جملة ما الحكم فيه عام ولم ينبه عليه الناظم؛ لأن إمالة التوراة لا تختص بما في هذه السورة، وكان موضع ذكرها باب الإمالة، ولو ذكرها فيه لظهر إرادة العموم؛ لأنه ليس بعض السور بأولى به من بعض كما ذكر ثَم ألفاظا كثيرة، وعمت كقوله: وإضجاع "أنصارى"، "وآذانهم" طغيانهم، وإنما ذكر إمالة التوراة هنا موافقة لصاحب التيسير، ولكن صاحب التيسير قال في جميع القرآن فزال الإشكال وظاهر إطلاق الناظم يقتضي الاقتصار على ما في هذه السورة على ما سبق تقريره مرارا ومن الدليل على أن من عادته بالإطلاق الاقتصار على ما في السورة التي انتظم فيها، وإذا أراد العموم نص عليه بما يحتمل ذلك. قوله في أول سورة المؤمنون: أماناتهم وحدٌ وفي سال داريا، ثم قال: صلاتهم شاف فأطلق وفي سأل أيضا "صلواتهم" ولا خلاف في إفراده، فلما لم يكن فيها خلاف أطلق لعلمه أن لفظه لا يتناولا إلا بزيادة قيد، ولما عم الخلاف في أماناتهم قيد فقال: وفي سال، وفي هذه السورة موضعان آخران عم الحكم فيهما ولم ينبه عليهما، وهما: "هأنتم" و"كأين" كما سيأتي، وكان يمكن أن يقول هنا: أمل جملة التوراة ما رد حسنه والله أعلم. 545- وَفي تُغْلَبُونَ الغَيْبُ مَعْ تُحْشَرُونَ "فِـ"ـي ... "رِ"ضًا وَتَرَوْنَ الغَيْبُ "خُـ"ـصَّ وَخُلِّلا في رضى: في موضع نصب على الحال من الغيب أو في موضع رفع خبرًا له؛ أي: الغيب مستقر في هذين اللفظين كائنا في وجه مرضيّ به أو الغيب فيهما كائن في رضى، والغيب والخطاب في مثل واحد كما تقول: قل لزيد يقوم، وقل لزيد: قم، وقد تقدم مثله في البقرة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 {لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} 1 بالتاء وبالياء، وقد جاء في القرآن العزيز الغيب وحده في قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ} 2. والخطاب وحده في قوله: سبحانه: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ} 3. وقيل: ليقول لهم اليهود: والإخبار عن مشركي مكة، وقوله: ويرون الغيب، ويرون مبتدأ والغيب بدل منه بدل الاشتمال؛ أي: وغيب يرون خص، ويجوز أن يكون الغيب خص: مبتدأ وخبرا وهما خبر يرون والعائد محذوف؛ أي: الغيب فيه، وخلل بمعنى خص، وإنما جمع بينهما تأكيدا لاختلاف اللفظين كقول عنترة: أقوى وأقفر بعد أم الهيثم يريد قوله: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ} 4؛ أي: خص الذين حضروا القتال فهم الذين رأوا الخطاب قيل لليهود وقيل لمن غاب عن الوقفة من المسلمين أو المشركين فلم يختص الرائي على قراءة الخطاب بالحاضرين، فالمعنى على قراءة الغيب: يرى المشركون المسلمين مثلي المشركين أو مثلي المسلمين أو يرون أنفسهم مثلي المسلمين أو يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين، وذلك أيضا تقليل؛ لأنهم كانوا أكثر من ثلاثة أمثالهم أو يرون أنفسهم مثلي المشركين، وعلى قراءة الخطاب يحتمل أن يكون الخطاب للمسلمين؛ أي: ترون المشركين ببدل مثلي المسلمين الحاضرين لها أو ترون المسلمين الحاضرين مثلي المشركين أو ترون المسلمين مثلي المسلمين تكثيرا لهم، ويحتمل أن يكون الخطاب للمشركين؛ أي: ترون المسلمين مثلي المشركين ترغيبا لهم أو ترون المشركين مثلي المسلمين حقيقة، ومع هذا نصر المسلمون عليهم، ويحتمل أن يكون الخطاب لليهود؛ أي: ترون المشركين مثلي المسلمين حقيقة أو ترون المسلمين مثلي المشركين آية من الله تعالى أو ترون المسلمين مثلي المسلمين، وعلى الجملة فهذه الوجوه كلها ما كان منها دالا على التقليل من الطريقين فهو على وفق ما كان في سورة الأنفال من قوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} 5. وما كان منها دالا على التكثير فوجه الجمع بين الآيتين أن التكثير وقع بعد التقليل وكان حكمة تقليل المسلمين أولا أن لا يكترث لهم الكفار ويستهينوا أمرهم فلا يكثروا الاستعداد لهم، وحكمة تقليل المشركين ظاهرة وهي أن لا يهابهم المسلمون ولا يرغبوا بسبب كثرتهم، فلما حصل الغرض من الجانبين والتقى الجمعان كثر الله تعالى المسلمين في أعين الكفار؛ ليجتنبوا عنهم فينهزموا، وليس بقوي عندي في معنى هذه الآية إلا أن المراد تقليل المسلمين وتكثير المشركين فهو موضع الآية التي ذكرها الله سبحانه بقوله:   1 سورة البقرة، آية: 83. 2 سورة الأنفال، آية: 38. 3 سورة الفتح، آية: 16. 4 سورة آل عمران، آية: 13. 5 آية: 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} 1، ويدل عليه قوله بعد ذلك: {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} ؛ أي: ليس ذلك بسبب قلة ولا كثرة فلا تغتروا بكثرتكم؛ فإن النصر من عند الله، والهاء في: ترونهم للكفار سواء قرئ بالغيب أو الخطاب، والهاء في مثليهم للمسلمين، فإن قلت: إن كان المراد هذا فهلا قيل: يرونهم ثلاثة أمثالهم وكان أبلغ في الآية وهي نصر القليل على هذا الكثير والعدة كانت كذلك أو أكثر؟ قلتُ: أخبر عن الواقع، وكان آية أخرى مضمومة إلى آية النصر، وهي تقليل الكفار في أعين المسلمين وقللوا إلى حد وعد المسلمون النصر عليهم، وهو أن الواحد من المسلمين يغلب الاثنين فلم تكن حاجة إلى التقليل أكثر من هذا، وفيه فائدة وقوع ما ضمن لهم من النصر في ذلك والله أعلم. 546- وَرِضْوَانٌ اضْمُمْ غَيْرَ ثَانِي الْعُقُودِ كَسْـ ... ـرَهُ "صَـ"ـحَّ إِنَّ الدِّينَ بِالفَتْحِ رُفِّلا ضم الراء وكسرها في رضوان لغتان قيل: الضم لبني تميم والكسر لأهل الحجاز، وأجمع على كسر الثاني في سورة المائدة، وقوله تعالى: {مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} 2. والأول فيه الخلاف وهو: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا} . والأولى في البيت أن يكون: ورضوانًا اضمم بالنصب فهو مثل زيدًا اضرب، وليس تصح إرادة الحكاية هنا؛ لأن لفظ رضوان المختلف فيه جاء بالحركات الثلاث فرفعه نحو ما في هذه السورة، ونصبه نحو الأول في المائدة، وجره مثل نحو: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ} 3، فإذا لم تستقم إرادة لفظ واحد منها على الحكاية تعين أن يسلك وجه الصواب في الإعراب وهو النصب. {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} 4 بالفتح، رفل؛ أي: عظم. يعني فتح همزة إن، ووجهه: جعله بدلا من قوله: {أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} 5. قال أبو علي: فيكون البدل من الضرب الذي الشيء فيه هو هو ألا ترى أن الدين هو الإسلام يتضمن   1 سورة آل عمران، آية: 13. 2 سورة المائدة، آية: 16. 3 سور التوبة: آية: 21. 4 سورة آل عمران، ية: 19. 5 سورة آل عمران، آية: 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 التوحيد والعدل، وهو هو في المعنى، قال: وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال؛ لأن الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل، قال: وإن شئت جعلته بدلا من القسط؛ لأن الدين الذي هو الإسلام قسط وعدل، فيكون من البدل الذي الشيء فيه هو هو، وقيل: إن الدين مفعول شهد الله، وقيل: إن الدين معطوف على أنه، وحرف العطف محذوف والبدل أوجَه هذه الأوجُه، ووجه الكسر الاستئناف؛ لأن الكلام الذي قبله قد تم والله أعلم. 547- وَفي يُقْتلُونَ الثَّانِ قَالَ يُقَاتِلُو ... نَ حَمْزَةُ وَهْوَ الحَبْرُ سَادَ مُقَتِّلا يعني: {وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ} 1. واحترز بقوله: اثنان عن الأول وهو: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقّ} 2، فلا خلاف فيه أنه من قتل، وأما الثاني فقرأه حمزة: من قاتل، ثم أثنى على حمزة بقوله: وهو الحبر؛ أي: العالم يقال: بفتح الحاء وكسرها، والمقتل والمجرب للأمور، وهو حال من فاعل ساد العائد على حمزة يشير إلى شيخوخته وخبرته بهذا العلم، يقال: رجل مقتل إذا كان قد حصلت له التجارب فتعلم وتحنك بها، والله أعلم. 548- وَفي بَلَدٍ مَيْتٍ مَعَ المَيْتِ خَفَّفُوا ... "صَـ"ـفَا "نَفَرًا" وَالمَيْتَةُ الْخِفُّ خُوِّلا أي الخلف وقع في هذين اللفظين حيث أتيا، قال في التيسير: الحي من الميت والميت من الحي وإلى بلد ميت وشبهه إذا كان قد مات والتخفيف والتثقيل في مثل هذا لغتان، قال الشاعر فجمع بين اللغتين: إنما المَيْت مَيِّتُ الأحياء وقوله: صفا نفرًا: نصب نفرا على التمييز، وقد استعمل هذا اللفظ بعينه في موضعين آخرين، أحدهما في أواخر هذه السورة في: "متم" "مت"، فقال فيه: صفا نفر بالرفع على الفاعلية، والموضع الآخر في سورة التوبة "ترجئ" همزة صفا نفر بالجر على الإضافة وقصر صفا الممدود، وقوله: والميتة الخف، والخف يقع في بعض النسخ منصوبا وفي بعضها مرفوعا، فوجه النصب أن يكون مفعولا ثانيا لقوله: خولا؛ أي: ملك هذا اللفظ الخف من قولهم: خوله الله الشيء إذا ملكه إياه، ووجه الرفع أنه مبتدأ ثانٍ والعائد إلى الأول محذوف؛ أي: الخف فيه كقوله: "السمن منوان بدرهم"؛ أي: التخفيف فيه خول؛ أي: حفظ من خال الراعي يخول فهو خائل إذا حفظ، والتشديد للتكثير ويجوز أن يكون الخف صفة الميتة؛ أي: انفرد نافع بتثقيله وأشار بقوله: خولا؛ أي: حفظ إلى أن لفظ الميتة الذي وقع فيه الخلاف معروف مشهور بين القراء، وهو الذي في سورة يس: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ} 3.   1 و2 سورة آل عمران، آية: 21. 3 آية: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 ولا شك أن إطلاق الناظم الميتة يلبس على المبتدئ بقوله: {الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} 1، في سورتي المائدة والنحل، أما الذي في البقرة فلا يلبس؛ لأنه تعداه ولم يذكره، فدل على أنه غير مختلف فيه، وقول من قال: لما لم يذكر الذي في البقرة علم أنه لا خلاف فيه ولا ما كان من نوعه غير مستقيم، فكم من ألفاظ متفقة وقع الخلاف في بعضها على ما نظم نحو: "بسطة" في البقرة2 بالسين اتفاقا، وفي الأعراف تقرأ بالصاد والسين3، ولو كان أخر ما في يس إلى سورته لكان أولى، وليته ذكره في الأنعام كما فعل صاحب التيسير والله أعلم. 549- وَمَيْتًا لَدَى الأَنْعَامِ وَالحُجُرَاتِ "خُذْ" ... وَمَا لَمْ يَمُتْ لِلْكلِّ جَاءَ مُثَقَّلا يريد قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} ، {أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} انفرد نافع أيضا بتثقيلهما كالميتة في يس ثم أخذ يذكر ما أجمعوا على تثقيله فقال: وما لم يمت؛ أي: ما لم يتحقق فيه بعد صفة الموت كقوله: {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} ، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} 4، {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} 5. وكذلك أجمعوا على تخفيف الميتة في غير يس، وذلك في البقرة والمائدة والنحل و: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} في الأنعام، وفيها: {وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} 6 وفي ق: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} 7، ونحوه، فقول صاحب التيسير في ضبط ما وقع فيه الخلاف: إذا كان قد مات يرد عليه هذا الذي أجمع على تخفيفه، والناظم أخذ مفهوم عبارة صاحب التيسير فقال: وما لم يمت للكل جاء مثقلا، ولم يتعرض لما أجمعوا على تخفيفه وتعرض له مكي فقال: لم يختلفوا في تشديد ما لم يمت، ولا في تخفيف ما هو نعت لما فيه هاء التأنيث نحو: {بَلْدَةً مَيْتًا} . فقد بان أن ما أجمع عليه منه ما ثقل ومنه ما خفف، وقلت بدل هذا البيت بيتا نبهت فيه على ذلك، وبينت ما وقع فيه الخلاف من الميتة وهو بعد قوله: والميتة الخف خولا: بياسين في الأنعام ميتا خذوا وفو ... ق ق وباقي الباب خف وثقلا   1 سورة المائدة، آية: 3 والنحل آية: 115. 2 سورة البقرة، آية: 247، والأعراف، آية: 69. 3 سورة الزمر، آية: 30. 4 سورة المؤمنون، آية: 15. 5 سورة الأنعام، آية: 139. 6 و7 سورة ق، آية: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 أي هذه مواضع الخلاف قد نص عليها وما عدا ذلك مجمع عليه لكن بعضه وقع الاتفاق على تحقيقه وبعضه على تشديده والله أعلم. ووقع في كتاب السبعة لابن مجاهد تخفيف سائر القرآن مما لم يمت زاد في نسخة كقوله: وإن يكن ميتة وبلدة ميتًا ونحوه: 550- وَكَفَّلَها الكُوفِي ثَقِيلًا وَسَكَّنُوا ... وَضَعْتُ وَضَمُّوا سَاكِنًا "صَـ"ـحَّ "كُفِّلا" أي يقرؤه الكوفي ثقيلا؛ أي: كفَّلها الله زكريا وقرأ الجماعة على إسناد الفعل إلى زكريا وهو موافق لقوله تعالى: {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} 1. وقراءة وضعت بإسكان العين وضم التاء على إخبار أم مريم عليها السلام عن نفسها، وقراءة وضعت بفتح العين وسكون التاء إخبار من الله تعالى عنها، وليس الضمير في سكنوا ولا في ضموا عائد على الكوفي، وإنما يعودان على مطلق القراءة ولو قال: وكفلها الكوفي ثقيلا وضعت سَا ... كِنَ العين واضمم ساكنا صح كفلا لارتفع هذا الوهم، وكفلا جمع كافل وهو منصوب على التمييز والله أعلم. 551- وَقُلْ زَكَرِيَّا دُونَ هَمْزِ جَمِيعِهِ ... "صِحَابٌ" وَرَفْعٌ غَيْرُ شُعْبَةَ الَاوَّلا أي دونه جماعات يقومون بنقله ودليله والعرب تنطق بزكريا ممدودا ومقصورا وهو اسم أعجمي، ومن عادتهم كثرة التصرف في الألفاظ الأعجمية، ويقال أيضا زكري وزكر بالصرف فيهما لإلحاق الأول بالنسب فهو كصرف معافري ومدايني، ولخفة الثاني بإسكان الوسط فهو كنوح ولوط، وغير شعبة من الذين همزوا زكريا رفعوا الأول، وهو قوله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} 2، على أنه فاعل "وكفلها"، وشعبة نصبه على أنه مفعول به؛ لأنه يقرؤه: "وكفَّلها" بالتشديد، وقوله: غير شعبة: مبتدأ، ورفع خبره؛ أي: ذو رفع وقيل غير فاعل والأولا: مفعول رفع؛ لأنه مصدر والله أعلم. 552- وَذَكِّرْ فَنَادَاهُ وأَضْجِعْهُ "شَـ"ـاهِدًا ... وَمِنْ بَعْدُ أَنَّ اللهَ يُكْسَرُ "فِـ"ـي "كَـ"ـلا إسناد الفعل إلى الجماعة يجوز تذكيره وتأنيثه، فلما ذكر حمزة والكسائي: "فناداه الملائكة" أمالا ألفه على أصلها في إمالة ذوات الياء ولهذا قال شاهدا؛ أي: شاهدا بصحته وإن الله من بعد فناداه يعني:   1 سورة آل عمران، آية: 44. 2 سورة آل عمران، آية: 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} 1. يكسر في كلأ؛ أي: في حراسة وحفظ والكسر على تقديره فقالت: "إن الله" أو يكون أقام النداء مقام القول، فكسر أن بعده ومن فتح فعلى تقدير فنادته بأن الله؛ أي: بهذا اللفظ، ثم حذف الجار وحذفه من نحو هذا شائع لكن هل تبقى: {إن} ، وما بعدها في موضع نصب أو جر فيه خلاف بين النحويين وهذه العبارة في قوله: {إِنَّ اللَّهَ} يكسر في النفس منها نفرة وكذا قوله: في أول براءة: {لا أَيْمَانَ} . عند ابن عامر والأولى فتح همزة: "أيمان" هناك أو يقال: ويفتح لا أيمان إلا لشامهم ويقال هنا": ويكسر أن الله من بعد في كلا والله أعلم. 553- مَعَ الكَهْفِ وَالإِسْرَاءِ يَبْشُرُ "كَـ"ـمْ "سَمَا" ... "نَـ"ـعَمْ ضُمَّ حَرِّكْ وَاكْسِرِ الضَّمَّ أَثْقَلا أي: لفظ يبشر هنا وفي سورتي الإسراء والكهف، أما في آل عمران فموضعان: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} 2، {إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} 3، وفي أول الإسراء: {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} 4، والكهف: {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ} ، الخلاف في هذا الفعل المضارع في هذه الأربعة هل هو مضارع فَعَل بتخفيف العين كخرج، أو مضارع فعَّل بتشديدها كسوَّل وهما لغتان إلا أن المشدد مجمع عليه في القرآن في الفعل الماضي والأمر: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} 5، {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ} 6، فهذا مما يقوي التشديد في المضارع، وقال الشاعر: بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة وأنشد أبو علي: فأعنهم وأبشر بما بشروا به   1 سورة آل عمران، آية: 39. 2 سورة آل عمران، آية: 45. 4 سورة الكهف، آية: 2. 5 سورة الصافات، آية: 112. 6 سورة لقمان، آية: 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 وحكى لغة ثالثة: أبشر يبشر كأكرم يكرم فالبشر والإبشار والتبشير: ثلاث لغات فيه ويقال: بشر بكسر الشين وأبشر كأدبر إذا سر وفرح، وأنشد الجوهري بيت أبي علي بفتح الشين في الأمر، وكسرها في الماضي، وأبشر بالهمز مطاوع وبشر، ومنه قوله تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} 1. وكان المعنى والله أعلم: بشروا أنفسكم بها، وكم في قوله: كم سما خبرية؛ أي: سما سموا كثيرًا، وتقديره: كم مرة سما ونعم: جواب سؤال مقدر كأنه قيل له صف ما شأنه فقال: نعم فهو مثل قوله: فيما سبق نعم إذ تمشت وأراد ضم الياء وفتح الباء؛ لأنه أطلق التحريك وكسر الشين؛ لأنها هي المضمومة في قراءة التخفيف وأراد بالضم المضموم؛ أي: ذا الضم وأثقلا حال منه؛ أي: في حال كونه ثقيلا؛ أي: يصير مكسورا مشددا والله أعلم. 554- "نَـ"ـعَمْ "عَمَّ" فِي الشُّورَى وَفي التَّوْبَةِ اعْكِسُوا ... لِحَمْزَةَ مَعْ كَافٍ مَعَ الحِجْرِ أَوَّلا أي عم هذا الحكم في الشورى وهو التثقيل، وهو قوله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ} 2، وافق أبو عمرو وابن كثير فيه من خفف، ووافق ابن عامر فيه من شدد، وقرأ حمزة وحده بعكس التثقيل يعني بالتخفيف في التوبة: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ} 3. وفي مريم وهي المرادة بقوله: مع كاف؛ لأن أولها كهيعص كما تسمى سورة ص وق ون بالحرف الذي في أولها، وصرفه ضرورة، وقد ترك صرفه في قوله: وكم صحبة يا كاف، وفي كاف فتح اللام، وكذا استعمل ص، فقال: هشام بصاد حرفه متحملا، وفي ص غيطلا، وفيها موضعان: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ} 4، وفي آخرها: {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} 5. والأول الذي في الحجر: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ} 6، واحترز بقوله: أولا عن الثاني وهو:   1 سورة فصلت، آية: 30. 2 سورة الشورى، آية: 23. 3 سورة التوبة، آية: 21. 4 سورة مريم، آية: 7. 5 سورة مريم، آية: 97. 6 سورة الحجر، آية: 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} 1، ولا خلاف في تشديده، فهذه المواضع الأربعة خففها حمزة وحده، فقد صار الخلاف في تسعة مواضع منها؛ في آل عمران موضعان وفي التوبة والحجر والإسراء والكهف والشورى منها واحد بالتاء وهو آخر مريم واثنان بالنون في الحجر وأول مريم والبواقي بالياء. 555- نُعَلِّمُهُ بِاليَاءِ "نَـ"ـصُّ "أَ"ئِمَّةٍ ... وَبِالكَسْرِ أَنِّي أَخْلُقُ اعْتَادَ أَفْصَلا الخلاف في: "ونعلمه الكتاب"2 بالنون والياء ظاهر، ونص أئمة خبره؛ أي: هو منصوص عليه للأئمة، ويجوز نصبه مثل: كتاب الله وصبغة الله والكسر في: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ} 3 على الابتداء فلا يبقى له تعلق بما قبله، فلهذا قال: اعتاد أفصلا أو: {أَنِّي أَخْلُقُ} مبتدأ وبالكسر خبره، واعتاد بمعنى تعود، والضمير فيه راجع إلى الكسر، ويجوز أن يعود إلى: {أَنِّي أَخْلُقُ} ، فيكون بالكسر حالا منه؛ أي: هو بالكسر اعتاد الفصل وأفصلا بمعنى فاصلا وهو حال أو في موضع المصدر كقوله: ولا خارجا من في ذور كلام؛ أي: اعتاد فصلا؛ أي: اعتاد الكسر أو المكسور وهو أني أن يفصل ما بعده مما قبله فيجوز على قراءة الكسر الوقف على: {بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} 4. ثم يبتدئ بقوله: {أَنِّي أَخْلُقُ} إما استئنافا وإما تفسيرا، فموقعها كموقع قوله: {خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} بعد قوله: {كَمَثَلِ آدَمَ} 5، ووجه قراءة الفتح: البدل من: {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ} .   1 سورة الحجر، آية: 54. 2 سورة آل عمران، آية: 48. 3 سورة آل عمران، آية: 49. 4 سورة آل عمران، آية: 49. 5 سورة آل عمران، آية: 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 أو من آية في قوله: {بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} . أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي {أَنِّي أَخْلُقُ} فيكون في موضع نصب أو جر أو رفع. 556- وَفِي طَائِرًا طَيْرًا بِها وَعُقُودِها ... "خُصُـ"ـوصًا وَيَاءٌ فِي نُوَفِّيهِمُ "عَـ"ـلا أي: قرءوا طيرا في موضع طائر هنا، وفي المائدة دون غيرهما، وأشار إلى ذلك بقوله: خصوصا، وهو مصدر، والطائر مفرد والطير اسم جمع ويقع على المفرد وجمعه طيور وأطيار وجمع طائر أيضا أطيار كصاحب وأصحاب، وأما: {فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} ، فالياء فيه والنون ظاهران. 557- وَلا أَلِفٌ فِي هَا هَأَنْتُمْ "زَ"كا "جَـ"ـنًا ... وَسَهِّلْ "أَ"خا "حَـ"ـمْدٍ وَكَمْ مُبْدِلٍ "جَـ"ـلا هذا من جملة المواضع التي الحكم فيها عام ولم يبينه بل أطلقه، فيوهم إطلاقه أنه مختص بسورته فقط، وصاحب التيسير وغيره قالوا: حيث وقع واستعمل الناظم لا بمعنى: ليس فارتفع "ألف" بعدها، وقوله: في ها "هأنتم" أي لا ألف في لفظ ها من: "هأنتم"1. ويشكل على هذا التأويل أنه لفظ بـ: "هأنتم" بغير ألف وجوابه أنه أراد في لفظ "ها" من "ها" أنتم الذي صار لفظه بعد حذف الألف منه: "هأنتم"2، وحذف هذا المقدر كله للعلم به فهو قريب من قوله: وفي بلد ميت مع الميت خففوا؛ أي: خففوا المثقل حتى صار على هذا اللفظ، وكذا قوله: قل: سارعوا لا واو، وقل: قال موسى، واحذف الواو أي: احذفها من: {وَقَالَ الَّذِي} 3.   1 سورة النساء، آية: 109. 2 سورة النمل، آية: 4. 3 سورة طه، آية: 71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 صار بعد الحذف قال: ويجوز أن يكون أراد في ها "ها أنتم" وقصر الممدود؛ أي: الألف بعدها هاء "ها أنتم"، ووجه التجوز في التعبير عن ذلك بحرف في أن الألف لما كانت عقيب الهاء تجوز؛ لشدة القرب بأن جعلها فيها قريبا من قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} . وهذا الوجه أوفق للفظة "أنتم" بغير ألف، ولو قال: و"ها أنتم" اقصر حيث جاء زكا، جنا، لخلص الكلام من هذا التكلف في تأويله وجنا في موضع نصب على التمييز وأخا حمد حال أو منادى على حذف حرف الندا، ومعنى البيت من جهة القراءة أن الألف في قراءة قنبل، وورش محذوف والباقون أثبتوا الألف إلا أن نافعا وأبا عمرو سهلا الهمزة؛ أي: جعلاها بين بين، فهي في قراءة أبي عمرو وقالون واقعة مسهلة بعد الألف وفي قراءة ورش مسهلة بعد الهاء؛ إذ الألف في قراءته والهمزة المفتوحة بعد الألف كالمفتوحة بعد مفتوح قياس تسهيلهما أن تجعلا بين بين وجماعة من أهل الأداء، وشيوخ الإقراء أبدلوها له ألفا، وهذان الوجهان لورش هما كما سبق له في باب الهمزتين من كلمة في قوله: عن الهمزة الثانية: وقل ألفا عن أهل مصر تبدلت ... لورش وفي بغداد يروى مسهلا وقراءة قنبل على نحو: فعلتم نحو هزمتم وهشمتم، وكذا يكن وزن قراءة ورش على وجه التسهيل؛ لأن الهمزة المسهلة بزنة المحققة فيما يرجع إلى الوزن ووزن قراءة الباقين فاعلتم نحو قاتلتم وضاربتم، إلا أن غير قالون وأبي عمرو وهم الكوفيون وابن عامر والبزي حققوا الهمزة، ثم أخذ يبين هذه الكلمة ويشرحها على ما تقرر من أصولهم وفي عبارة صاحب التيسير عن قراءة نافع وأبي عمرو إشكال فإنه قال: نافع وأبو عمرو "وها أنتم" حيث وقع بالمد من غير همز، وكذا قال شيخه أبو الحسن بن غلبون، ومكي وكأنهم يعنون من غير همز محقق، بل هو مسهل بين بين، وكذلك شرحه أبو علي الفارسي -رحمه الله- وصرح مكي في الكشف قال: وبين بين أنوى في العربية في ذلك كله لورش ثم قال الداني: وورش أقل مدا، وهذا هو الوجه الثاني له الذي أبدل فيه الهمزة ألفا، قال المهدوي: أبدلها ورش ألفا وحذف إحدى الألفين؛ لالتقاء الساكنين وقال صاحب الروضة: قرأ أهل المدينة وأبو عمرو "هأنتم" بتليين الهمزة والباقون بتحقيقها، وكلهم أثبتوا ألفا قبل الهمزة إلا ابن مجاهد عن قنبل؛ فإنه حذفها، وكان نافع في غير رواية ورش أقصرهم مدا، وفي كتاب أبي عبيد قرأ أهل المدينة وأبو عمرو "هأنتم" غير ممدودة ولا مهموزة في جميع القرآن، وكان حمزة والكسائي يقرآنها بالمد والهمز معا، قال: وكذلك نقرؤها بالإشباع والتحقيق، قلت: وهذا خلاف ما نقله الجماعة من المد لأبي عمرو وقالون والله أعلم. 558- وَفي هَائِهِ التَّنْبِيهُ "مِـ"ـنْ "ثَـ"ـابِتٍ "هُـ"ـدًى ... وَإِبْدَالُهُ مِنْ هَمْزَةٍ "زَ"انَ "جَـ"ـمَّلا يعني الهاء من "ها أنتم" فيها معنى التنبيه في قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزي؛ لأن لفظ ها من حروف التنبيه، وهو يدخل على أسماء الإشارة، وعلى الضمائر فيكون داخلا هنا على الضمير الذي هو: أنتم كما تقول: ها أنتم فعلت كذا، ودل على أنها للتنبيه في قراءة هؤلاء كونهم مدوا بعد الهاء وليس من مذهبهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 المد بين الهمزتين بخلاف غيرهم، وقوله: من ثابت متعلق بالتنبيه، وهدى تمييز مثل زكا جنا؛ أي: ثابت هداه يعني المتكلم بها أنتم وهو الله جل وعز، ثم قال: وإبداله؛ أي: إبدال الهاء من همزة زان، وجمل فجملا معطوف على زان بإسقاط حرف العطف، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر؛ أي: الهاء في "ها أنتم" على قراءة قنبل وورش تكون بدلا من همزة الاستفهام، والأصل: أأنتم؛ لأنهما مما مدا بعد الهاء ولو كانت للتنبيه لأتوا بألف ها، والهاء تبدل من الهمز في مواضع كثيرة فيجوز أن يكون هذا منها وإنما لم يسهل قنبل الثانية؛ لأنه قد أبدل الأولى هاء فلم تجتمع همزتان، وسهل ورش اعتبارا بالأصل أو كما سهل البزي في: {لأَعْنَتَكُمْ} 1 وقفا ووصلا وهو كما يفعل حمزة فيهما في الوقف على وجه وكل ذلك جمع بين اللغات: 559- وَيَحْتَمِلُ الوَجْهَيْنِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَكَمْ ... وَجِيهٍ بِهِ الوَجْهَيْنِ لِلكُلِّ حَمَّلا أي ويحتمل الهاء في قراءة غير من تقدم وهم أبو عمرو وقالون وهشام: أن تكون بدلا من همزة؛ لأن من مذهب هؤلاء الثلاثة المد بين الهمزتين من كلمة كما سبق في بابه والألف هنا في قراءتهم ثابتة، ومن مذهب أبي عمرو وقالون التسهيل في مثل هذا، وقد سهلا فكان من هذا الباب بدليل التسهيل والمد، ويحتمل أن تكون ها التي للتنبيه والألف الثانية هي ألف ها، وإنما سهل أبو عمرو وقالون الهمز على خلاف أصلهما جمعا بين اللغتين كما فعل البزي في "لأعنتكم"، ثم ذكر أن جماعة من القراء من له وجاهة، وقول مقبول حمل الهاء على الوجهين لجميع القراء السبعة، فالهاء في به للهاء والباء زائدة، وهذه الطريقة غير مذكورة في التيسير، ولكن قد ذكرها جماعة مثل مكي والمهدوي وأبي علي الفارسي، وإن كانت هذه الطريقة ظاهرة في بعض القراءات أكثر من بعض، وقد تقرر الوجهان في مذهب الغير على ما ذكر، وأما احتمال التنبيه في قراءة ورش وقنبل فوجهه أن يقال حذفت ألف ها؛ تخفيفا ولالتقاء الساكنين في قول من أبدل لورش، وأما احتمال البدل في قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزي فلا مانع منه إلا كونهم مدوا بين الهمزتين، وهذا لا يضر جمعا بين اللغتين؛ لأن الهمزة الأولى مقدرة منونة، وأريد بالمد الإشارة إلى ذلك، والذي استحسنه الجماعة أن تكون الهاء للتنبيه في قراءة هؤلاء، قال المهدوي: إذ ليس أحد من القراء يدخل بين الهمزتين المفتوحتين من كلمة ألفا مع التحقيق فيقدر له هذا التقدير، قال مكي: وهذا أولى بقراءة البزي، وعلى ذلك تحمل قراءة الكوفيين وابن عامر إلا هشاما؛ فإنه قد يدخل بين الهمزتين ألفا في غير هذا، فيجوز أن يحمل هذا على أصله في غيره، قلت: الأولى في هذه الكلمة على جميع وجوه القراءات فيها أن تكون ها للتنبيه؛ لأنا إن جعلنا الهاء بدلا من همزة كانت تلك الهمزة همزة استفهام، و"ها أنتم" أينما جاءت في القرآن إنما هي للخبر لا للاستفهام ولا مانع من ذلك إلا تسهيل من سهل وحذف من حذف، أما التسهيل فقد سبق تشبيهه بقوله: {لأَعْنَتَكُمْ} وشبهه، وأما الحذف فنقول: ها مثل أما كلاهما حرف تنبيه، وقد ثبت جواز حذف ألف أما، فكذا حذف ألف ها، وذاك قولهم: أم والله لأفعلن وقد حمل البصريون قولهم:   1 سورة البقرة، آية: 220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 بها كما سبق تقريره، وذكر بعض من شرح: أن إدخال الألف بين الهمزتين يقتضي أن الأمر يصير من قبيل المتصل كأن الألف من نفس الكلمة فعلى هذا القول أيضا يستوون في المد، ولا يجئ القصر إلا على قولنا: إن حرف المد الذي قبل الهمز المغير لا يمد إلا أن هذا القول عندي غلط، فإن من يقول بمد الألف بعد إدخالها بين الهمزتين يكون بقدر ألفين وأكثر، والمنقول أنهم يدخلون بينهما ألفا للفصل فلا حاجة إلى زيادة المد بل يقتصر على مقدار النطق بألف على حدها في نحو: قال وباع، وذكر الشيخ في شرحه أن قوله: وذو البدل يعني ورشا الوجهان عنه يعني المد والقصر في حال كونه مسهلا، ويعني بالتسهيل مذهبيه، وهما إبدال الهمز وبين بين فالمد على قول البدل والقصر على بين بين ولم يرد بمسهلا حالة بين بين فقط؛ فإنه لا يتجه له فيها إلا القصر وقد تقدم في الأصول أن التسهيل يطلق على كل تغيير للهمز، وإنما ذكر مسهلا؛ ليفصل ورشا من قنبل؛ لأن كليهما ذو بدل:؛ أي: الهاء بدل من همزة عندهما إلا أن قنبلا لا يمد لإسقاطه الألف وورش بمد؛ لأجل الألف المبدلة من الهمزة، فمده هو الإتيان بالألف المبدلة لا أمر زائد على ذلك هذا شرح ما ذكره في الشرح، وهو معلوم مما تقدم فلم تكن حاجة إلى ذكره وقال لي الشيخ أبو عمرو -رحمه الله- يعني بقوله: وذو البدل أبا عمرو وقالون؛ لأنهما هما اللذان من مذهبهما إدخال ألف بين الهمزتين، وجاء عنهما هنا خلاف لأجل أن الهمزة الأولى مبدلة والثانية مسهلة فلم يستصعب الجمع بينهما فلا حاجة إلى طول المد، واحترز بقوله: مسهلا من هشام فإنه أيضا من ذوي البدل ولا حاجة إلى ذكر قنبل وورش؛ إذ لا ألف في قراءتهما، قلت: وهذا مشكل فإنه يقتضي أن الألف في قراءتهما على وجه وليس الأمر كذلك؛ فإنهما يثبتان الألف، وأهل علم القراءات عبروا عن هذه الألف لهما بأنها مدهما الذي ثبت لهما في باب الهمزتين من كلمة، وقال صاحب التيسير من جعلها للتنبيه وميز بين المنفصل، والمتصل في حروف المد لم يزد في تمكين الألف سواء حقق الهمزة بعدها أو سهلها، ومن جعلها مبدلة، وكان ممن يفصل بالألف زاد في التمكين سواء أيضا حقق الهمزة أو لينها وقال ابن غلبون في التذكرة اعلم أن أبا عمرو ورجال نافع يتفاضلون في المد في-هاأنتم-إذا جعلوا الهاء بدلا من همزة الاستفهام على ما بيناه في تفاضلهم في: "ءأنذرتهم". ونحوه: يريد أن من أدخل الألف أطول مدا مثل قالون، ومن لم يدخل فلا مد أو له مد قصير كقراءة ورش ثم قال: فأما إذا جعلت الهاء للتنبيه فإنهم يستوون في المد في "ها أنتم"؛ لأنه ليس أحد منهم يدخل بين الألف، وبين الهمزة الملينة التي بعد "ها" ألفا كما فعل ذلك من فعله منهم في قوله: "أأندرتهم"، ونحوه: وكذا الباقون ممن عدا قنبلا يتفاضلون في المد هاهنا على ما بيناه من تفاضلهم في المد في حرف اللين الواقع قبل الهمزة في باب المد والقصر فيما كان من كلمة أو كلمتين على الوجهين من جعل الهاء بدلا من همزة الاستفهام أو للتنبيه قلت معنى عبارتهما أن الاختلاف في إدخال الألف إنما يأتي على قولنا: إنها بدل من الهمزة أما إذا كانت للتنبيه فلم يجتمع همزتان لا لفظا ولا تقديرا، فلا سبيل إلى القول بإدخال الألف، فاستووا في لفظ المد من هذه الجهة لكنهم يتفاضلون فيه على ما سبق ذكره في باب المد والقصر، ويعتبر الخلاف المستفاد من قوله: وإن حرف مد قبل همز مغير ونظير إتيان الناظم بقوله: وذو البدل تعريفا لا شرطا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 قول العلماء مثل ذلك في معنى الحديث الصحيح أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده، فقطع النبي -صلى الله عليه وسلم- يدها، قالوا: ذكر استعارة المتاع وجحده إنما كان تعريفا لا سببا للقطع، والسبب سرقة لم تُذكر للعلم بها، وكان الغرض تعريف المرأة التي قطعت يدها، فعرفت بما كانت مشهورة به والله أعلم. 561- وَضُمَّ وَحَرِّكْ تَعْلَمُونَ الكِتَابَ مَعْ ... مُشَدَّدَةٍ مِنْ بَعْدُ بِالكَسْرِ "ذُ"لِّلا يعني ضم التاء وحرك العين؛ أي: افتحها؛ لأنه ذكر التحريك مطلقا غير مقيد مع لام مشددة مكسورة من بعد ذلك، فيصير تعلمون من التعليم والقراءة الأخرى من العلم، وقد لفظ بها مع كونها معلومة من أضداد ما ذكره، والمفعول الأول على قراءة التشديد محذوف أي: تعلمون الناس الكتاب1؛ يعني حفظه وفهمه، والتعليم يستلزم علم المعلم فكان فيه دلالة على القراءة الأخرى، ويؤيد تعلمون بالتخفيف قوله بعد ذلك: {تَدْرُسُونَ} ؛ أي أنتم جامعون لفهم الكتاب وتلاوته، وقوله: ذللا؛ أي: قرب والله أعلم. 562- وَرَفْعُ وَلا يَأْمُرُكُمْ "رُ"وحُهُ "سَما" ... وَبِالتَّاءِ آتَيْنا مَعَ الضَّمِّ "خُـ"ـوِّلا ينبغي أن لا يقرأ يأمركم في البيت إلا بتحريك الراء إما برفع أو بنصب على القراءتين، والوزن مستقيم على ذلك على كف الجزء السباعي، وإن قرئ بسكون الراء وضم الميم استقام الوزن بلا كف لكن يكون التلفظ بما لم يقرأ به في القرآن مع ضعف الإسكان في الراء على ما سبق، وموضع ولا يأمركم جر بإضافة ورفع إليه، ووجه نصب يأمركم العطف على ما قبله من قوله: {أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ} ، ثم يقول: {وَلا يَأْمُرَكُمْ} 2. ووجه الرفع القطع مما قبله على تقدير: وهو لا يأمركم، أو: ولا يأمركم الله، وأبو عمرو على أصله في الاختلاس السابق ذكره وهو فائدة ذكره مع أهل الرفع، وهو دليل على ترجيح الاختلاس على الإسكان في ظنه على ما هو الحق وقد سبق بيانه، فقال صاحب التيسير: وأبو عمرو على أصله في الاختلاس والإسكان، قوله: وبالتاء آتينا يعني: "آتيناكم من كتاب وحكمة"3، اجعل مكان النون تاء مضمومة وهي تاء المتكلم موضع نون العظمة ولم ينبه على إسقاط الألف؛ لأنه   1 سورة آل عمران، آية: 79. 2 سورة آل عمران، آية: 80. 3 سورة آل عمران، آية: 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 لازم من ضم التاء؛ فإن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، ووجه القراءتين ظاهر، وخول معناه ملك والله أعلم. 563- وَكَسْرُ لِما "فِـ"ـيهِ وَبِالغَيْبِ تُرْجَعُو ... نَ "عَـ"ـادَ وَفيِ تَبْغُونَ "حَـ"ـاكِيهِ "عَـ"ـوَّلا أي كَسَر اللام من: "لما آتيناكم من كتاب وحكمة" حمزة، فالهاء في فيه عائدة على آتينا؛ لأنه معه ومتصل به، وهذا مما يقوي قوله: ولا ألف في ها "هأنتم"؛ أي: بعدها وههنا قبلها، ووجه التجوز فيها واحد وهو الاتصال المذكور؛ أي: الكسر مستقر فيما هو متصل بهذا الكلام ومتعلق به، ويجوز أن تعود الهاء على الكسر، ويكون خبر مبتدأ محذوف؛ أي: فيه كلام وبحث كما سنذكره أو تعود الهاء على: "لَمَا". أي كسره مستقر فيه غير خارج عنه، واللام على قراءة حمزة لام التعليل، وما مصدرية أو موصولة؛ أي: لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجئ رسول مصدق لما معكم أو الذي آتيتكموه وجاءكم رسول مصدق له، واللام في: "لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ" جواب القسم الذي دل عليه أخذ الميثاق، والخطاب للأنبياء والمراد أتباعهم، والتقدير: ميثاق أمم النبيين وعلى قراءة الجماعة: اللام في: "لَمَا" هي الموطئة للقسم، وما إما موصولة أو شرطية، والفعلان بعدها ماضيان في اللفظ مستقبلان في المعنى، ويظهر لك المعنى إذا قدرت موضع ما حرف إن الشرطية؛ أي: إن آتيتكم ذلك تؤمنوا، ثم أخرج مخرج الأقسام والمعاهدة وأخذ الميثاق تأكيد للأمر وتقوية له، ولتؤمنن جواب القسم ومثله: {لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَامْلَانَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ اجْمَعِينَ} 2. وقوله: حاكيه عولا؛ أي: حاكي الغيب عول عليه والغيب في: "يَبْغُونَ" راجع إلى ما قبله من قوله: {هُمُ الْفَاسِقُونَ} 3.   1 سورة البقرة، آية: 81. 2 سورة الأعراف، آية: 18. 3 سورة البقرة، آية: 82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 والخطاب على الالتفات أو الاستئناف، والغيب في "يرجعون" عاد؛ أي: عاد على يبغون؛ لأن حفصا قرأهما بالغيب والله أعلم. 564- وَبِالكَسْرِ حَجُّ البَيْتِ "عَـ"ـنْ "شَـ"ـاهِدٍ وَغَيْـ ... ـبُ مَا تَفْعَلُوا لَنْ تُكْفَرُوهُ لَهُمْ تَلا الكسر والفتح في الحج لغتان، ولم يقرأ بالكسر إلا في هذا الموضع، أي: "وحج البيت" بكسر الحاء منقول عن شاهد؛ أي: عن ثقة شاهد له بالصحة، وأضاف وغيب إلى جملة ما بعده من الفعلين؛ أي: غيب هذا المجموع لهم؛ أي: لمدلول عن شاهد، وفي تلا ضمير يعود على "وغيب"؛ أي: أنه تبع ما قبله من الغيبة من قوله: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ} إلى قوله: {وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} 1، والخطاب لهذه الأمة، أو على طريق الالتفات أو التقدير وقلنا لهم ذلك والله أعلم. 565- يَضِرْكُمْ بِكَسْرِ الضَّادِ مَعْ جَزْمِ رَائِهِ ... "سَما" وَيُضَمُّ الغَيْرُ وَالرَّاءَ ثَقَّلا يريد: {لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} 2؛ ضار يضير، وضر يضر: لغتان: والفعل مجزوم في القراءتين على جواب الشرط، والضم في الراء على قراءة من شدد ضمة بناء إتباعا لضمة الضاد كما نقول: لا يردّ، ويجوز في اللغة الفتح والكسر، وظاهر كلامه يدل على أن ضمة الراء حركة إعراب؛ لأنه ضد الجزم، وقد قيل به على أن يكون في نية التقديم على الشرط وقيل على حذف الفاء وكلاهما ضعيف، والأصح ما تقدم، ولكن ضاقت على الناظم العبارة كما تقدم في تضارر في سورة البقرة، وأراد بقوله: ويضم الغير ضمة الضاد؛ لأن الكسر ضده الفتح لا الضم فاحتاج إلى بيانه، وما جزم الراء فيفهم من القراءة الأخرى؛ لأن الجزم ضده الرفع والراء بالنصب؛ لأنه مفعول ثقلا وإنما نص عليه في القراءة الأخرى ولم ينص على التخفيف في الأولى؛ لأنه مستغنٍ عن ذكر التخفيف في الأولى؛ لعدم إمكان النطق بمشدد مجزوم في وسط كلمة، ولا يتعذر النطق بمرفوع خفيف فذكره في موضع الحاجة إليه والله أعلم. 566- وَفِيما هُنا قُلْ مُنْزِلِينَ وَمُنْزِلُو ... نَ لِلْيَحْصُبِي فِي العَنْكَبُوتِ مُثَقِّلا أي وفي جملة الحروف المختلف فيها هنا هذا الحرف الذي هو: {بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ} 3. أو التقدير: اقرأ لليحصبي "منزلين" في الحرف الذي هنا، "ومنزلون" في حرف العنكبوت وهو:   1 سورة آل عمران، آية: 113 و114. 2 سورة آل عمران، آية: 120. 3 سورة آل عمران، آية: 124. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 {إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} 1. واليحصبي هو ابن عامر ومثقلا بكسر القاف حال من فاعل قل وقل بمعنى اقرأ؛ لأن القراءة قول ومنه: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} 2. أو التقدير "منزلين" هنا و"منزلون" في العنكبوت استقر لليحصبي مثقلا لهما وإن كان مثقلا صح بفتح القاف فالتقدير استقر ذلك له مثقلا، والتخفيف والتثقيل في ذلك لغتان من أنزَل ونزَّل. 567- وَ"حَقُّ نَـ"ـصِيرٍ كَسْرُ وَاوِ مُسَوِّمِيـ ... ـنَ قُلْ سَارِعُوا لا وَاوَ قَبْلُ "كَـ"ـما "ا"نْجَلَى السومة: العلامة، وسوَّم أي: أعلَمَ فمن كسر الواو أسند الفعل إليهم وهو من الإعلام الذي يفعله الشجاع في الحرب من لباس مخصوص وغيره، ومن فتح الراء؛ فلأن الله تعالى فعل بهم ذلك، وحذف الواو من: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} 3 تقدم مثله في: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} 4 والواو منه ساقطة في مصاحف المدينة والشام دون غيرها، واحترز بقوله: قبل عن الواو التي بعد العين وانجلا؛ أي: انكشف والله أعلم. 568- وَقَرْحٌ بِضَم القَافِ وَالقَرْحُ "صُحْبَةٌ" ... وَمَعْ مَدِّ كَائِنْ كَسْرُ هَمْزَتِهِ "دَ"لا أي قرأه صحبة والضم والفتح لغتان، وجاء ذلك في ثلاثة مواضع في هذه السورة: اثنان بلفظ التنكير: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} 5 الثالث بلفظ التعريف: {مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} 6، ولفظ كائن جاء في مواضع: هنا وفي الحج والطلاق والخلاف في جميعها، ولم يبين النظم أنه حيث أتى، وفاعل دلا ضمير كسر همزته ومعنى دلا في اللغة: أخرج دلوه ملآى، واستعاره هنا لحصول الغرض وتمام الأمر بالمد مع الكسر، وأراد بالمد زيادة ألف بعد الكاف والباقون بلا ألف مع فتح الهمزة، ثم ذكر باقي قيود القراءة فقال:   1 آية: 34. 2 سورة التكوير، آية: 19. 3 سورة آل عمران، آية: 133. 4 سورة البقرة، آية: 116. 5 سورة آل عمران، آية: 130. 6 سورة آل عمران، آية: 173. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 569- وَلا يَاءَ مَكْسُورًا وَقَاتَلَ بَعْدَهُ ... يُمَدُّ وَفَتْحُ الضَّمِّ وَالكَسْرِ "ذُ"ووِلا الياء المكسورة زيادة في قراءة غير ابن كثير وهي مشددة ولم يتسع له مجال البيت لذكر ذلك، ولو قال في البيت السابق: وكل كائن كسر همزته دلا، ثم قال: ومد ولا ياء لكان وافيا بالغرض ولا حاجة إلى قوله: مكسورًا حينئذ؛ لأنه لفظ بقراءة الجماعة أي: ولا يثبت ابن كثير الياء التي في هذا اللفظ، و"كأين"، "وكئن" لغتان وفيها غير ذلك من اللغات وهي كلمة؛ أي: دخل عليها كاف التشبيه كما دخل على ذا في كذا ثم كثر استعمالهما كالكلمة الواحدة بمعنى كم الخبرية، فتصرفوا فيها على وجوه، وكتب تنوينها نونًا، قوله: وقاتل بعده؛ أي: بعد كأين قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ} ، "قتل معه"1، القراءتان ظاهرتان إلا أن معنى قوله: "قتل معه ربيون كثير فما وهنوا"؛ أي: فما وهن من لم يقتل منهم، والضم في القاف والكسر في التاء إذا فتحا مع المد صارت الكلمة قاتل، فقوله: ذو ولا؛ أي: فتح الضم والكسر ذو متابعة للمد مصاحبة له والله أعلم. 570- وَحُرِّكَ عَيْنُ الرُّعْبِ ضَمَّا كَمَا "رَ"سَا ... وَرُعْبًا وَيَغْشى أَنَّثُوا "شَـ"ـائِعًا تَلا يريد الرعب المعرف باللام ورعبا المنكر المنصوب حيث أتى ذلك، فالضم فيه والإسكان لغتان، وقيل الضم الأصل فأسكن تخفيفا وهو في أربعة مواضع، قيل: والأصل الإسكان إتباعا ورسا؛ أي: ثبت واستقر، والتأنيث في "تغشى" للأمنة والتذكير للنعاس، وهما واحد؛ لأنه أبدل النعاس من الأمنة وشائعا تلا حالان من مفعول أنثوا؛ أي: أنثوا شائعا تابعا ما قبله وهو الأمنة أو يكون شائعا حالا من الضمير في تلا العائد على يغشى: 571- وَقُلْ كُلَّهُ لِلهِ بِالرَّفْعِ "حَـ"ـامِدًا ... بِمَا يَعْمَلُونَ الغَيْبُ "شَـ"ـايَعَ "دُ"خْلُلا كله مبتدأ والله الخبر، والجملة خبر: {إِنّ الْأَمْرَ} 2. وقد أجمعوا على قراءة: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} 3. وهو على هذا الإعراب وكله بالنصب تأكيدا للأمر والغيب في:   1 سورة آل عمران، آية: 146. 2 سورة آل عمران، آية: 154. 3 سورة غافر، آية: 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 {بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 1 شايع دخللا له وهو: {حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} 2، ووجه الخطاب قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا} 3، وبعده: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ} 4. والدخلل الدخيل وقد تقدم. 572- وَمِتُّمْ وَمِتْنا مُتَّ فِي ضَمِّ كَسْرِها ... "صَـ"ـفَا "نَفَرٌ" وِرْدًا وَحَفْصٌ هُنا اجْتَلا أي حيث جاءت هذه الكلمات وفهم ذلك من حيث أنه عددها، وفيها ما ليس في هذه السورة، فقام ذلك مقام قوله: حيث أتى، ونحوه، وضم الميم وكسرها في جميع ذلك لغتان، يقال: مات يموت، فعلى هذا جاء الضم كقولك من قام يقوم: قمت ويقال مات يمات كخاف يخاف فعلى هذا جاء الكسر كخفت فيكون الضم من فعل يفعل كقتل يقتل والثاني من فعل يفعل كعلم يعلم ووردا نصب على التمييز؛ أي: صفا وردهم ووافقهم حفص على ضم ما في آل عمران وكسر ما في غيرها؛ جمعا بين اللغتين، والذي في آل عمران موضعان: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ} ، و {لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى} 5. وهذا معنى قوله: وحفص هنا اجتلا؛ أي: اجتلا الضم وهو من قولهم: اجتليت العروس وهذه عبارة مشكلة فإنه لا يفهم منها سوى أن حفصا خصص هذه السورة بقراءة وسائر المواضع بخلافها، فيحتمل أن يكون الذي له في آل عمران ضما وأن يكون كسرا؛ لأنه استأنف جملة ابتدأها لحفص ولم يخبر عنه إلا بقوله: اجتلا فاحتمل الأمرين، فإن قلت: اجعل حفصا عطفا على الرمز السابق قلت: كان جمعا بين الرمز والمصرح به في مسألة واحدة، وذلك غير واقع في هذا النظم، وأيضا فقد فصل بالواو في قوله: وردا، ثم لو سلمنا أن هذا اللفظ يفيد الضم كان مشكلا من جهة أخرى، وهي أنه يوهم أن حفصا منفرد بالضم هنا؛ إذ لم يعد معه الرمز الماضي كقوله: رمى صحبة، ولو قال صفا نفر معهم هنا حفص اجتلا حصل الغرض وبان وزال الإبهام، ولم يضر عدم الواو الفاصلة لعدم الريبة في اتصال ذلك والله أعلم. 573- وَبِالغَيْبِ عَنْهُ تَجْمَعُونَ وَضُمَّ فِي ... يَغُلَّ وَفَتْحُ الضَّمِّ "إِ"ذْ "شَـ"ـاعَ "كُـ"ـفِّلا   1 سورة الأنفال، آية: 39. 2 سورة آل عمران، آية: 156. 3 سورة آل عمران، آية: 156. 4 و5 سورة آل عمران، آية: 157. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 عنه؛ يعني: عن حفص، والغيب والخطاب في قوله: {خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} 1 كما تقدم في: {بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، وأما {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ} 2 فقواه: إذ شاع كفلا على البناء للمفعول، ومعنى كفل؛ أي: حمل، يعني: أن هذه القراءة حَمَّلها السلفُ الخلفَ لما كانت شائعة، ومعناها يوجد غالًّا أو ينسب إلى الغلول أو يغل منه؛ أي: يخان بأن يؤخذ من الغنيمة قبل أن يقسمها، والغلول الأخذ في خفية، ومن قرأ: يغل على البناء للفاعل فهو ظاهر؛ أي: أنه لا يفعل ذلك واختار ذلك أبو عبيد وأبو علي وقالا: أكثر ما يجيء الفعل بعد ما كان لكذا أن يفعل منسوبا إلى الفاعل نحو: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ} 3، {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ} 4، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} 5. فإن قلت: كل واحدة من القراءتين مشتملة على ضم وفتح فكيف تميز إحداهما من الأخرى قلتُ: كأنه استغنى بالترتيب عن تقييد ذلك فضم أولا ثم فتح الضم فيكون الضم في الياء وفتح الضم في الغين والواو وإن كانت لا تقتضي الترتيب على المذهب المختار إلا أن المذكور بها جائز أن يكون مرتبا في نفس الأمر ولا بد أن يريد بذلك إحدى القراءتين ودلنا على هذه القراءة ظاهر لفظه إذ لو أراد الأخرى لقال: وفتح أن يغل وضم الفتح حقك نولا أو دام ندحلا أو نل دائما حلا، ونحو ذلك. 576- بِمَا قُتِلُوا التَّشْدِيدُ "لَـ"ـبَّى وَبَعْدَهُ ... وَفي الحَجِّ لِلشَّامِي وَالَاخِرُ "كَـ"ـمَّلا أي التشديد بهذا اللفظ، وهو قوله تعالى: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} . والذي بعده: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا} 6، والآخر: {وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا} 7. يقرأ جميع ذلك بالتشديد والتخفيف، وفي التشديد معنى التكثير، فأما قوله: قبل ذلك: {مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} ، {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً} 8، فمخفف بلا خلاف، ويعلم ذلك من كونه تعداه ولم يذكره، واشتغل بذكر متم ويغل ويجمعون ويمتاز هنا أيضا من الأول المختلف فيه بكون هذا في أوله واو وذلك لا واو في أوله فقوله: "بما قتلوا"   1 آل عمران، آية: 157. 2 سورة آل عمران، آية: 161. 3 سورة آل عمران، آية: 145. 4 سورة يوسف، آية: 38. 5 سورة العنكبوت، آية: 40. 6 سورة آل عمران، آية: 169. 7 سورة آل عمران، آية: 195. 8 سورة آل عمران، آية: 156. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 لا يتناول ظاهره إلا ما ليس في أوله واو فالتشديد في: "ما قتلوا" لهشام وحده، وهو المشار إليه بقوله: لبى؛ أي: لبى بالتشديد من دعاه، "والذين قتلوا" مع الذي في الحج وهو: {ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا} شددهما ابن عامر: {وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا} شدده ابن عامر وابن كثير، وهو المرموز في هذا البيت الآتي: 577- "دَ"رَاكِ وَقَدْ قَالا فِي الأنْعَامِ قَتَّلُوا ... وَبِالخُلْفِ غَيْبًا يَحْسَبَنَّ "لَـ"ـهُ وَلا معنى دراك: أدرك كما تقدم في بدار، والذي في الأنعام: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ} 1. شدده أيضا ابن عامر وابن كثير، وأما الغيب في: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ} 2، فعن هشام فيه خلاف ومعنى الغيب فيه ولا يحسبن الرسول أو حاسب واحد أو يكون "الذين قتلوا" فاعلا، والمفعول الأول محذوف؛ أي: أنفسهم أمواتا، قال الزمخشري: وجاز حذف المفعول الأول؛ لأنه في الأصل مبتدأ، فحذف كما حذف المبتدأ في قوله: "بل أحياء"؛ أي: بل هم أحياء لدلالة الكلام عليهما، وقوله: غيبا نصب على الحال من يحسبن والعامل فيها ما يتعلق به بالخلف؛ أي: لا يحسبن استقرار بالخلف غيبًا؛ أي: ذا غيب له ولا؛ أي: نصر والله أعلم. فإن قلت: جاء يحسبن في هذه السورة في مواضع فمن أين علم أنه للذي بعده "الذين قتلوا". قلت: لأنه أطلق ذلك، فأخذ الأول من تلك المواضع ولأنه قد ذكر بعده: "أن ويحزن" فتعين هذا؛ لأن باقي المواضع ليس بعده أن ويحزن والله أعلم. وأكثر المصنفين في القراءات السبع لا يذكرون في هذا الموضع خلافًا حتى أن ابن مجاهد قال: لم يختلفوا في قوله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا} أنها بالتاء، وذكرها أبو علي الأهوازي في كتاب الإقناع في القراءات الشواذ، ونسبها إلى ابن محيصن وحده والله أعلم. 578- وَأَنَّ اكْسِرُوا "رُِ"فْقًا وَيَحْزُنُ غَيْرَ اْلَانْـ ... ـبِيَاءِ بِضَمٍّ وَاكْسِرِ الضَّمَّ "أَ"حْفَلا يعني: قوله تعالى:   1 آية: 140. 2 سورة آل عمران، آية: 169. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 {وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} 1. الكسر على الاستئناف والفتح على العطف على: {بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} 2، فيكون من جملة ما بشر به الشهداء وهو أن الله سبحانه يفعل بغيرهم من المؤمنين مثل ما فعل بهم من حسن الخاتمة، وقال أبو علي: المعنى يستبشرون بتوفر ذلك عليهم ووصوله إليهم؛ لأنه إذا لم يضعه وصل إليهم فلم يبخسوه ولم ينقصوه وحزن وأحزن لغتان وقيل حزنه بمعنى جعل فيه حزنا مثل كحله ودهنه؛ أي: جعل فيه كحلا ودهنا، ومثل حزنه في هذا المعنى: فتنه، قال سيبويه: وقال بعض العرب: أفتنت الرجل وأحزنته أراد جعلته حزينا وفاتنا، واستثنى نافع من ذلك ما في الأنبياء وهو: {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} 3. فقرأه كالجماعة بفتح الياء وضم الزاي، فقوله: غير الأنبياء؛ أي: غير حرف الأنبياء، ورفقا مصدر في موضع الحال؛ أي: ذوي رفق بمعنى: رافقين، وأحفلا حال من فاعل أكسر؛ أي: حافلا بهذه القراءة. 579- وَخَاطَبَ حَرْفَا يَحْسَبَنَّ "فَـ"ـخُذْ وَقُلْ ... بِمَا يَعْمَلُونَ الغَيْبُ "حَقٌّ" وَذُو مِلا حرفا يحسبن فاعل خاطب جعلهما مخاطبين لما كان الخطاب فيهما، وقد استعمل هذا التجوز كثيرا في هذه القصيدة نحو: وخاطب فيها تجمعون له ملا، وأراد بالحرفين: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ} 4، {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا} 5. فأما الأول فعلى قراءة الجماعة بالغيب يكون: {أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ} سد مسد مفعولي حسب نحو: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} 6. وفي الثاني يكون المفعول الأول محذوفا؛ أي: البخل خبرًا لهم، وقراءة حمزة بالخطاب مشكلة، وقد صرح جماعة من أهل العربية بعدم جوازها، قال أبو جعفر النحاس: زعم أبو حاتم أنه لحن لا يجوز، قال: وتابعه على ذلك جماعة، وقال الزجاج: من قرأ: {وَلا يَحْسَبَنّ} بالتاء لم يجز عند البصريين إلا كسر "إن"؛ المعنى: لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا لهم خير لهم، ودخلت أن مؤكدة فإذا فتحت صار المعنى ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا خيرا لهم، قال أبو إسحاق: وهو عندي يجوز في هذا الموضع على البدل من الذين، المعنى: ولا تحسبن إملاءنا للذين كفروا خيرا لهم، وقد قرأ بها خلق كثير ومثل هذه القراءة من الشعر قول الشاعر:   1 سورة آل عمران، آية: 171. 2 سورة آل عمران، آية: 174 3 سورة الأنبياء، آية: 103. 4 سورة آل عمران، آية: 178. 5 سورة آل عمران، آية: 180. 6 سورة الفرقان، آية: 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 فما كان قيس هلكه هلك واحد جعل هلكه بدلا من قيس المعنى: فما كان هلك قيس هلك واحد، قال أبو علي في الإصلاح: لا يصح البدل إلا بنصب خير من حيث كان المفعول الثاني لحسبت فكما انتصب هلك واحد في البيت لما أبدل الأول من قيس بأنه خبر كان كذلك ينتصب خير إذا أبدل الإملاء من {الَّذِينَ كَفَرُوا} بأنه مفعول ثانٍ لتحسبن، قال: وسألت أحمد بن موسى -يعني ابن مجاهد- عنها، فزعم أن أحدا لم يقرأ بها يعني: بنصب خير، وقال في الحجة: {الَّذِينَ كَفَرُوا} في موضع نصب بأنه المفعول الأول والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى فلا يجوز إذا فتح أن في قوله: {أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} 1؛ لأن إملاءهم لا يكون إياهم، قال: فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح في أن وتجعله بدلا من {الَّذِينَ كَفَرُوا} كقوله: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} 2، وكما كان أن من قوله سبحانه: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} 2. قيل: لا يجوز ذلك وإلا لزمك أن تنصب خيرا على تقدير: لا تحسبن إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث كان المفعول الثاني لتحسبن، وقيل: إنه لم ينصبه أحد فإذا لم ينصب علم أن البدل فيه لا يصح، وإذ لم يصح البدل لم يجز إلا كسر إن على أن يكون إن وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبن، وقال الزمخشري: الذين كفروا في من قرأ بالتاء نصب "وإنما نملي لهم خيرا لأنفسهم" بدل منه؛ أي: ولا تحسبن أنما نملى للكافرين خير لهم، وأن مع خبه ينوب عن المفعولين وما مصدرية، فإن قلت: كيف صح مجيء البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين، ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد، قلت: صح ذلك من حيث أن التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحى، ألا تراك تقول جعلت متاعك بعضه فوق بعض مع امتناع بكونك على متاعك، قال: ويجوز أن يقدر مضاف محذوف على: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أصحاب أن الإملاء خير؛ لأنفسهم أو ولا تحسبن حال الذين كفروا إن الإملاء خير لأنفسهم، وقال النحاس: زعم الكسائي والفراء أنها جائزة على التكرير؛ أي: ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن أنما نملي لهم يعني: مثل: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} ، {فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ} 3 كما سيأتي، قال النحاس: وقراءة يحيى بن وثاب بكسر إن حسنة كما تقول: حسبت عمرا أخوه خارج، وقال مكي: إنما وما بعدها بدل من الذين فسدّ مسدّ المفعولين كما في قراءة من قرأ بالياء، وقال المهدوي: قال قوم: قدم الذين كفروا توكيدا، ثم جاء لهم من قوله: {أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} ؛ ردا عليهم، والتقدير: ولا تحسبن أن إملاءنا للذين كفروا خير لهم، وقال أبو الحسن الحوفي: إن وما عملت فيه في موضع نصب على   1 سورة آل عمران، آية: 178. 2 سورة الكهف، آية: 64. 3 سورة الأنفال، آية: 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 البدل من الذين كفروا، والذين: المفعول الأول والثاني محذوف، وقال أبو القاسم الكرماني في تفسيره المسمى باللباب: يجوز أن تكون التاء للتأنيث كقوله: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} 1، ولا تحسبن القوم الذين، والذين وصف للقوم كقوله: {وَأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا} 2. قلت: فيتَّحد معنى القراءتين على هذا؛ لأن الذين كفروا فاعل فيهما، وكذا يتحد معنى القراءتين على قول من يقول إن الذين كفروا مفعول على قراءة الياء أيضا والفاعل الرسول أو أحد كما تقدم في: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا} . وقيل: إنما نملي بدل من الذين كفروا بدل الاشتمال؛ أي: إملاءنا خير بالرفع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو خير لأنفسهم والجملة هي المفعول الثاني، قلت: ومثل هذه القراءة بيت الحماسة: منا الأناة وبعض القوم تحسبنا ... أنا بطاء وفي إبطائنا سرع كذا جاءت الرواية بفتح أنا بعد ذكر المفعول الأول فعلى هذا يجوز أن تقول: حسبت وزيد أنه قائم؛ أي: حسبته ذا قيام، فوجه الفتح أنها وقعت مفعوله وهي وما عملت فيه في موضع مفرد وهو المفعول الثاني لحسبت والله أعلم. وأما {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُون} على قراءة الخطاب، فتقديرها على حذف مضاف؛ أي: بخل الذين يبخلون، والغيب في: {بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} رد على: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ} ، والخطاب رد على: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا} 3. والملأ بالمد مصدر لملا، وبالقصر: الجماعة الأشراف، وكلاهما مستقيم المعنى هنا والله أعلم. 580- يَمِيزَ مَعَ الأنْفَالِ فَاكْسِرْ سُكُونَهُ ... وَشَدِّدْهُ بَعْدَ الفَتْحِ وَالضَّمِّ "شُـ"ـلْشُلا يريد: {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ} 4. وفي الأنفال: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ} ؛ أي: يميز هنا مع حرف الأنفال اكسر الياء الساكنة، وشددها بعد الفتح في الميم والضم في الياء وماز يميز   1 سورة آل عمران، آية: 188. 2 سورة الشعراء، آية: 105. 3 و4 سورة آل عمران، آية: 179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وميز يميز لغتان، وشلشلا: حال من فاعل شدده أو من مفعوله ومعناه خفيفا؛ لأنه قبل التشديد خفيف ويستحب للقارئ تخفيف اللفظ بالحروف المشددة، وأن لا يتقعر فيها، ويزعج السامع، ويتكلف في نفسه ما لا يحتاج إليه والله أعلم. 581- سَنَكْتُبُ يَاءٌ ضُمَّ مَعْ فَتْحِ ضَمِّهِ ... وَقَتْلَ ارْفَعُوا مَعْ يَا نَقُولُ "فَـ"ـيَكْمُلا أي ياء ضمت مع فتح ضم التاء، فيصير الفعل مبنيا للمفعول، وقد كان الفاعل ورفع قتل ونصبه عطفا على محل ما قالوا، وهو رفع إن كان سنكتب مبنيا للمفعول، ونصب إن كان للفاعل، وياء يقول الله تعالى والنون نون العظمة،، وقوله: مع يا يقول؛ أي: مع قراءة يا يقول، ونصب فيكملا بالفاء في جواب ارفعوا؛ لأنه أمر والله أعلم؛ أي: قرأ ذلك كله حمزة. 582- وَبِالزُّبُرِ الشَّامِي كَذَا رَسْمُهُمْ وَبِالـ ... ـكِتَابِ هِشَامٌ وَاكْشِفِ الرَّسْمَ مُجْمِلا يعني: قرأ ابن عامر: {جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} . بزيادة الباء في: {وَبِالزُّبُرِ} 1، وكذلك رسم في مصاحف أهل الشام، وانفرد هشام بزيادة الباء في: "وبالكتاب" فقرأ الآية التي في آل عمران كالتي في فاطر بإجماع، وقد روى أبو عمرو الداني من طرق أنه في مصحف الشام كذلك، قال في المقنع: هو في الموضعين بالباء، وقال: رأيت هارون بن موسى الأخفش يقول في كتابه: إن الباء زيدت في الإمام يعني: الذي وجه به إلى الشام في "وبالزبر" وحدها، قلت: وكذلك رأيته أنا في مصحف عندنا بدمشق هو الآن بجامعها بمشهد علي بن الحسين يغلب على الظن أنه المصحف الذي وجهه عثمان -رضي الله عنه- إلى الشام، ورأيته كذلك في غيره من مصاحف الشام العتيقة، قال الشيخ في شرح العقيلة: والذي قاله الأخفش هو الصحيح إن شاء الله؛ لأني رأيته كذلك في مصحف لأهل الشام عتيق، يعني: المصحف المقدم ذكره، فإلى هذا الاختلاف أشار بقوله: واكشف الرسم مجملا؛ أي: آتيا بالجميل من القول والفعل والله أعلم. 582- "صَـ"ـفَا "حَقُّ" غَيْبٍ يَكْتُمُونَ يُبَيِّنُنْـ ... ـنَ لا تَحْسَبَنَّ الغَيْبُ "كَـ"ـيْفَ "سَمَا" اعْتَلا أي يكتمون ويبينن صفا حق غيب فيهما يريد قوله: تعالى: "ليبيننه للناس ولا يكتمونه"2، الغيب فيهما، والخطاب على ما تقدم في "لا يعبدون إلا الله" ويقوي الخطاب الاتفاق عليه في الآية المتقدمة   1 سورة آل عمران، آية: 184. 2 سورة آل عمران، آية: 187. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ} وأما {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} 1، فقرئ بالغيب والخطاب، وسيأتي توجيههما. 583- وَ"حَـ"ـقَّا بِضَمِّ البَا فَلا يَحْسِبُنَّهُمْ ... وَغَيْبٍ وَفِيهِ العَطْفُ أَوْ جَاءَ مُبْدَلا نصب حقا على المصدر؛ أي: حق ذلك حقا؛ وهو أن "فلا يحسبنهم" بضم الباء والغيب، وفي بعض النسخ وحق بالرفع فيكون خبر المبتدأ الذي هو "فلا يحسبنهم"؛ أي: أنه بالضم والغيب حق، ووجه ضم الباء أن الأصل فلا يحسبون فالواو ضمير {الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} ؛ لأن ابن كثير وأبا عمرو قرءا بالغيب فيهما، فانحذفت النون؛ للنهي، وانحذفت الواو؛ لسكون نون التأكيد، فبقيت ضمة الباء على حالها دالة على الواو المحذوفة، ويكون يحسبن على قراءتهما قد حذف مفعولاه؛ لدلالة ظهور المفعولين في: "فلا يحسبنهم بمفازة من العذاب"؛ أي: لا يحسبن الفارحون أنفسهم فائزين، وقرأ نافع وابن عامر بالغيبة في الأول، والخطاب في الثاني مع فتح الباء؛ لأجل النون المؤكدة، ولولاها لكانت الباء ساكنة، والقول في مفعولي الأول كما تقدم، وقرأ الباقون وهم عاصم وحمزة والكسائي بالخطاب فيهما، ووجه ذلك أن يقال: الذين يفرحون هو المفعول الأول والثاني محذوف؛ لأنه في الأصل خبر المبتدأ فحذف كما يحذف خبر المبتدأ عند قيام الدلالة عليه،، وقوله: "فلا يحسبنهم بمفازة" قد استوفى مفعوليه، وهما في المعنى مفعولا الأول فاستغني عنهما في لأول بذكرهما في الثاني على قراءة الغيبة في الأول، وعلى قراءة الخطاب استغني عن أحدهما دون الآخر تقوية في الدلالة، وقال الزمخشري: أحد المفعولين {الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} والثاني "بمفازة"، وقوله: "فلا يحسبنهم" تأكيد تقديره لا تحسبنهم فلا تحسبنهم فائزين، وقوله: وفيه العطف؛ أي: في تحسبنهم فائدة العطف على الأول، فلهذا كرر أو جاء مبدلا منه فذكر وجهين لمجيء فعل النهي عن الحسبان في هذه الآية مكررًا، وما ذكرناه من تأويل هذه القراءات الثلاث لا يخرج عن الوجهين اللذين ذكرهما؛ لأن الجملة الثانية إن وافقت الأولى في الغيبة والخطاب صح أن تكون بدلا منها على أن تكون الفاء في "فلا" زائدة كقوله: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي ووجه البدل أن الكلام إذا طال الفصل بينه وبين ما يتعلق به جاز إعادته ليتصل بالمتعلق به كقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} فلما طال الفصل قبل الجواب أعاد الفصل بالفاء فقال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} .   1 سورة آل عمران، آية: 187. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 وتجوز الإعادة بلا فاء، قال سبحانه في موضع آخر: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} 1 سمي نحو هذا بدلا باعتبار أنه عوض منه وإلا فهو بالتأكيد أشبه على اصطلاح النحويين، وبهذا عبر عنه الزمخشري كما سبق ذكره وأما على قراءة من غاير بين الفعلين غيبة وخطابا، فالثانية عطف على الأولى لا بدل كقولك: ما قام زيد فلا تظننه قائما، وذكر الشيخ أبو علي في الحجة وجه البدل، ونص على زيادة الفاء في "فلا" ومنع من وجه العطف، وقال: ليس هذا موضع العطف؛ لأن الكلام لم يتم ألا ترى أن المفعول الثاني لم يذكر بعد، وفيما قاله نظر والله أعلم. 585- هُنا قَاتَلُوا أَخِّرْ "شِـ"ـفَاءً وَبَعْدُ فِي ... بَرَاءةَ أَخِّرْ يَقْتُلُونَ "شَـ"ـمَرْدَلا يعني قوله تعالى: {وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا} ، وفي براءة {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} . قدم الجماعة في الموضعين: الفعل المبني للفاعل على الفعل المبني للمفعول، وعكس ذلك حمزة والكسائي في الموضعين، فأخرا المبني للفاعل، وقدما المبني للمفعول، ووجهه من جهة المعنى أنهم: {قَاتَلُوا وَقُتِلُوا} بعد ما وقع القتل فيهم، وقتل بعضهم لا أن القتل أتى على جميعهم وهو كالمعنى السابق في قوله: {قتل مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا} ، وقوله: شفاء مصدر في موضع الحال؛ أي: أخره ذا شفاء والشين فيه وفي شمردلا رمز ولو اختصر على الأخير لحصل الغرض، ولكن كرر زيادة في البيان؛ لأنه محتاج إلى كلمة يتزن بها البيت في موضع شفاء فلو أتى بكلمة ليس أولها شين لكانت رمزا لمن دل عليه أول حروفها فعدل إلى كلمة أولها رمز القارئ خوفا من اللبس، والشمردل الخفيف والله أعلم. 584- وَيَاءاتُها وَجْهِي وَإِنِّي كِلاهُمَا ... وَمِنِّيَ وَاجْعَلْ لِي وَأَنْصَاريَ امِلا يعني: "وجهيَ لله" فتحها نافع وابن عامر وحفص. وإني موضعان أحدهما: "وَإِنِّي أُعِيذُهَا"2فتحها نافع وحده، والآخر: "أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ"3 فتحها نافع وابن كثير وأبو عمرو غير أن: "أَنِّي" مفتوحة في قراءة غير نافع، فلفظ بها في البيت على قراءة نافع:   1 سورة يوسف -عليه الصلاة والسلام- الآية: 4. 2 سورة آل عمران، آية: 36. 3 سورة آل عمران، آية: 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 "فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ"1، فتحها نافع وأبو عمرو. و"اجْعَلْ لِي آيَةً"2، فتحها أيضا أبو عمرو ونافع. "مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ"3، فتحها نافع وحده. والملا -بكسر الميم والمد- جمع ملئ وهو الثقة وهو صفة لأنصاري، أو صفة لقوله: وياءاتها؛ أي: وياءاتها الملاهي كذا وكذاظ، فهذه ست ياءات إضافة مختلف في إسكانها وفتحها، وفي هذه السورة من ياءات الزوائد المختلف في إثباتها وحذفها ياءان: "وَمَنِ اتَّبَعَنِي"4، أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو. {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، أثبتها أبو عمرو وحده في الوصل. وقلت في ذلك: مضافاتها ست وجاء زيادة ... وخافون إن كنتم مَن اتبعنْ ولا أي وجاء وخافون ومن اتبعن زيادة؛ أي: ذوي زيادة فيهما الياء الزائدة على الرسم والولا المتابعة؛ أي: ولى هذا هذا ولاء بكسر الواو والله أعلم.   1 سورة آل عمران، آية: 35. 2 سورة آل عمران، آية: 14. 3 سورة آل عمران، آية: 53. 4 سورة آل عمران، آية: 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 سورة آل عمران ... {هَلُمَّ إِلَيْنَا} 1 على أن أصله ها لم، ثم حذفت ألفها، فكذا: "ها أنتم". 560- وَيَقْصُرُ فِي التنْبِيهِ ذُو الْقَصْرِ مَذْهَبًا ... وَذُو الْبَدَلِ الوَجْهانِ عَنْهُ مُسَهِّلا ذكر في هذا البيت تفريع ما يقتضيه الخلاف في البيت السابق على التقديرين: من أن الهاء للتنبيه أو بدل من همزة، ونبه بقوله: ويقصر على أن كلامه في من في قراءته ألف، فخرج من ذلك قنبل وورش؛ إذ لا ألف في قراءتهما والقصر والمد لا يكونان إلا في حرف من حروف المد فقال: إذا حكمنا بأن الهاء للتنبيه صار المد في ذلك على قراءة من أثبت الألف من قبيل المنفصل مثل: "وما لنا أن لا". وذلك أن ها كلمة وأنتم كلمة أخرى فيقصر من مذهبه القصر ويمد من مذهبه المد فخرج من هذا أن للبزي والسوسي القصر ولقالون والدوري خلاف تقدم، لكن على رواية المد لهما يتجه ههنا خلاف آخر مأخوذ من قوله: وإن حرف مد قبل همز مغير البيت قد تقدم شرحه، والباقون على المد فقوله: وذو البدل يعني من ذكرنا أن الهاء في مذهبه بدل من الهمزة عنه وجهان في حال تسهيله فلا يكون ذلك إلا في مذهب الدوري وقالون على رواية أما السوسي فإنه من ذوي القصر مذهبا، وأما ورش فلا ألف في قراءته فلا مد، وعلى الوجه الآخر الذي أبدل فيه الهمزة ألفا: مده بمقدار نطقه بألف نحو قال وباع لا زيادة عليه بقي من ذوي البدل هشام فله المد قولا واحدا؛ لأنه ليس بمسهل وكل هذا تفريع على أن "ها" للتنبيه لأصحاب البدل وغيرهم أما إذا قلنا إن الهاء بدل من الهمزة فالكل مستوون في المد بمقدار ألف كما يقرءون: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} 2. وكما يقولون: قال وباع؛ لأنها ألف بين همزتين فليس هذا من المد المنفصل ولا المتصل، وقول الناظم وذو البدل وإن كان يعني به بدل الهاء من الهمز فلم يقل ذلك ليبني الخلاف على البدل؛ ذ لا مناسبة في ذلك، وإنما ذكره تعريفا لمن عنه الوجهان لا شرطا، فقال من ذكرنا: إن الهاء مبدلة من همزة في مذهبه إذا فرعنا على أنها أيضا في حقه للتنبيه هل يكون له مد نظر، إن كان مسهلا فوجهان؛ لأن الألف حرف مد قبل همز مغير وإن كان محققا مد بلا خلاف وهو هشام، هذا قياس مذهبهم وما يقتضيه النظم والمعنى فلا تختلف القراءة بالمد والقصر إلا على قولنا إن ها للتنبيه فما فرع الناظم إلا على هذا القول، ولم يفرع على قول البدل لوجهين؛ أحدهما: أن كون ها للتنبيه هو الأصح على ما اخترناه في شرح البيت السابق، الثاني: أنه ترك التفريع على ذلك لظهوره؛ لأنه لا يقتضي تفاوتا في المد للجميع؛ لأن التقدير تقدير: أنهم أدخلوا ألفا بين همزتين بعضهم جرى على أصله وبعضهم خالف في ذلك أصله وإدخال ألف بين همزتين لا يختلف في النطق   1 سورة الأحزاب، آية: 18. 2 سورة يس، آية: 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 402- وَأُمِّي وَأَجْرِي سُكِّنَا "دِ"ينُ "صُحْبَةٍ" ... دُعَاءِي وَآباءِي لِكُوفٍ تَجَمَّلا أراد: {وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ} ، و {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا} حيث جاء زاد على فتحهما ابن عامر وحفص، ونصب قوله: دين صحبة على أنه مصدر مؤكد مثل: {صِبْغَةَ اللَّهِ} و {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} . والدين: العادة أي هي عادة صحبة إسكان ياءات الإضافة أي مذهبهم وطريقتهم وما يتدينون به في قراءة القرآن، وقيل نصبه على الحال من الإسكان المفهوم من قوله: سكنا أي أوقع الإسكان فيهما في حال كونه دين صحبة، وعبر في هذا الباب تارة بالفتح وتارة بالإسكان على قدر ما سهل عليه في النظم كما فعل في باب حروف قربت مخارجها عبر تارة بالإدغام وتارة بالإظهار، فمن أول الباب إلى هنا كان كلامه في الفتح، وفي هذا البيت وما بعده إلى انقضاء الكلام فيما بعده همزة مكسورة كلامه في الإسكان، وما بعد ذلك يأتي أيضا تارة فتحا وتارة سكونا، وتعبيره في هذا الباب بالإسكان أولى من تعبيره بالفتح؛ لأنه إذا قال فلان أسكن تأخذ لغيره بضد الإسكان وهو التحريك المطلق، والتحريك المطلق هو الفتح على ما تقرر في شرح الخطبة، وأما إذا قال: افتح فليس ضده أسكن إنما ضده عند الناظم اكسر، ولو قال: موضع الفتح حرك بفتح لصحت العبارة كما أن عادته أن يقول في الضم والكسر والفتح وحرك عين الرعب ضما ومحرك؛ ليقطع بكسر اللام، وليحكم بكسر، ونصبه بحركة؛ فإن ضد ذلك كله الإسكان لأجل لفظ التحريك وأما: {دُعَائي إِلَّا} في نوح1، {مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ} في يوسف2 فأسكنهما الكوفيون فزاد على فتحهما ابن كثير وابن عامر، وقوله: لكوف متعلق بتجملا وهو خبر دعائي وآبائي والألف ضمير التثنية أي حسنا في نظرهم بالإسكان فأسكنوهما فقوله: تجملا بالجيم، ويأتي في سورة النساء بالحاء على ما نبينه إن شاء الله تعالى. 403- وَحُزْنِي وَتَوْفِيقِي "ظِـ"ـلاَلٌ وَكُلُّهُمْ ... يُصَدِّقْنِيَ انْظِرْنِي وَأَخَّرْتَنِي إِلى {وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} و {مَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} : أسكنهما الكوفيون وابن كثير، فيكون قد زاد على فتحهما ابن عامر، وظلال جمع ظل أي هما ذوا ظلال لمن استظل بهما وهو المتصف بهما، وفقنا الله تعالى للحزن على ما فرطنا فيه من أعمارنا أي حزنه على ما سلف وتوفيق الله إياه لطاعته ظلال واقية من النار، ثم قال: وكلهم؛ أي: وكل القراء أسكنوا ستة ألفاظ ذكر في هذا البيت منها ثلاثة والباقي في البيت الآتي، وليست من جملة العدة السابقة والسبب في ذكره المتفق على   1 آية: 6. 2 آية: 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 إسكانه هنا: هو ما ذكرناه عند ذكر ما اتفق على إسكانه فيما بعده همزة مفتوحة غير أنه في ذلك النوع بدأ بذكر المتفق على إسكانه وهنا ختم به هذا النوع وأراد: {يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ} في القصص1، {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ} في الأعراف والحجر وص2، {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} في آخر المنافقين3، وأما قوله تعالى في سبحان: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} 4 فمذكور في باب ياءات الزوائد وحكم ياءات الزوائد أن من أثبتها لا يفتحها إلا في المواضع المستثناة وهي ثلاثة في النمل والزمر والزخرف ففيهما اختلاف وسيأتي ذكر الذي في الزخرف آخر هذا الباب والذي في النمل والزمر في باب الزوائد. فإن قلت: كيف يلفظ في البيت بقوله: "يصدقني"، "أنظرني"؟ قلت: يحتمل وجهين، وكلاهما لا يخلو من ضرورة: أحدهما بضم القاف على قراءة عاصم وحمزة فيلزم من ذلك وصل همزة القطع في: "أَنْظِرْنِي"، وحذف الياء؛ لالتقاء الساكنين والثاني بإسكان القاف على قراءة الجماعة فيلزم من ذلك فتح الياء وهي لم يفتحها أحد من القراء مع وصل همزة القطع ويجوز أن يعتذر عن هذا بأن يقال: لم يصل همزة القطع على هذا الوجه بل نقل حركة الهمزة إلى الياء كما تقول العرب: أبتغي أمره فالياء على هذا كأنها ساكنة في التقدير؛ لأن الفاء جاء من عارض نقل حركة الهمزة وليس الفتح من باب فتح ياء الإضافة. فإن قلتَ: فحذف الهمزة من: "أَنْظِرْنِي" لا يقرأ به أحد. قلتُ: حذف الهمزة لا بد منه في الوجهين المذكورين فما فيه إثبات الياء أولى مما فيه حذفها إلا أنه يعارض هذا أن فتح الياء قراءة وحذفها معلوم يوهم أنه؛ لالتقاء الساكنين فالوجهان متقاربان؛ لتعارض الكلام   1 آية: 34. 2 الأعراف، آية: 14، والحجر، آية: 36، ص آية: 79. 3 آية: 10. 4 آية: 62. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 فيهما ويحتمل وجهًا ثالثًا بإسكان القاف وحذف الياء مع بقاء كسرة النون وتبقى همزة: "أَنْظِرْنِي" ثابتة مفتوحة بحالها، ويكون هذا أولى بالجواز من قوله قبل ذلك وقل: "فطرن" في هود فإنه حذف الياء من: "فَطَرَنِي" وأسكن النون فحذف الياء مع بقاء كسرة النون أولى. 404- وَذُرِّيَّتِي يَدْعُونَنِي وَخِطَابُهُ ... وَعَشْرٌ يَلِيهَا الهَمْزُ بِالضَّمِّ مُشْكَلا أراد: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ} ، {مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} في يوسف1، وأراد بقوله: وخطابه أن يأتي هذا اللفظ بالتاء وهو موضعان في غافر: {وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} ، و {لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} فهذه أربع ياءات، وتقدم خمس فالمجموع تسع مجمع على إسكانها في ستة ألفاظ تكرر واحد مرتين، وهو: "تَدْعُونَنِي". بالخطاب وتكرر آخر ثلاثا وهو: "أَنْظِرْنِي". ثم ذكر النوع الثالث فقال: وعشر أي وعشر ياءات تليها الهمزة المضمومة ومشكلا حال من الهمز يقال: شكلت الكتاب وأشكلته وقد تقدم ذكره في آخر باب الهمزتين من كلمتين والعشر قوله: {إِنِّي أُعِيذُهَا} ، {إِنِّي أُرِيدُ} في المائدة والقصص، {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ} ، {إِنِّي أُمِرْتُ} في الأنعام والزمر2، {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ} ، {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ} ، {أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ} ، {إِنِّي أُلْقِيَ} ؛ فتحها جميعا نافع وحده وأسكنها الباقون وأجمعوا على إسكان ياءين وقد ذكر ذلك في قوله:   1 آية: 33. 2 الآيتان: 41 و43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 405- فَعَنْ نَافِعٍ فَافْتَحْ وَأَسْكِنْ لِكُلِّهِمْ ... بِعَهْدِي وَآتُونِي لتَفْتَحَ مُقْفَلا يريد قوله تعالى: {بِعَهْدِي أُوفِ} ، {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ} . وإنما ذكرهما للمعنى الذي ذكرناه في المفتوحة والمكسورة ولم يتعرض صاحب التيسير لذكر المجمع عليه من ذلك لا في التي قبل الهمزة المفتوحة ولا المكسورة ولا المضمومة، وكأنه اتكل على بيان المختلف فيه في آخر كل سورة، وحسنت المقابلة في قوله: لتفتح مقفلا بعد قوله: وأسكن، أي: لتفتح بابا من العلم كان مقفلا قبل ذكره والله أعلم. 406- وَفِي اللاَّمِ لِلتَّعْرِيفِ أَرْبَعُ عَشْرَةٍ ... فَإِسْكَانُهَا "فَـ"ـاشٍ وَعَهْدِي "فِـ"ـي "عُـ"لا هذا النوع الرابع وهو ما بعده همزة وصل بعدها لام التعريف ومجموع الهمزة واللام عند قوم هو المعرف وتقدير قوله: وفي اللام أي وفي قبل اللام، فحذف المضاف للعلم به، ولو قال: وفي قبل اللام لكان على حذف الموصول تقديره وفي الذي قبل اللام وكل ذلك قد جاءت له نظائر في اللغة، ونون قوله: أربع عشرة ضرورة، كما قال العرجي: فجاءت تقول الناس في تسع عشرة وجوز الفراء الإضافة مع التنوين في الشعر قال في كتاب "المعاني" أنشدني أبو ثروان: كلف من عنائه وشقوته ... بنت ثماني عشرة من حجته قلت: فعلى هذا يجوز في بيت الشاطبي أربع عشرة برفع أربع وجر عشرة مع التنوين، فأسكن الأربع عشرة جميعها حمزة ووافقه غيره في بعضها، وقوله فاشٍ: أي منتشر شائع خلافا لما نقل عن الكسائي عن العرب من ترك ذلك وقد تقدم ذكره ووافق حفص حمزة على إسكان: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} . 407- وَقُلْ لِعِبَادِي "كَـ"ـانَ "شَـ"رْعاً وَفِي النِّدَا ... "حِـ"ـمًى "شَـ"ـاعَ آيَاتِي "كَـ"ـمَا "فَـ"ـاحَ مَنْزِلا أراد: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} وافق على إسكانها ابن عامر والكسائي، ووافق على إسكان عبادي إذا جاء بعد حرف النداء أبو عمرو والكسائي وذلك في موضعين: في العنكبوت: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} ، وفي الزمر: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} 1، وهو ملبس بالتي في أول الزمر: {يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ} 2.   1 العنكبوت، آية: 56 والزمر آية: 53. 2 آية: 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وإنما لم يأت فيها خلاف؛ لأن الياء محذوفة منها في الرسم باتفاق، وإذا لم تكن ياء فلا فتح وأما: "آيَاتِي" ففي الأعراف: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ} 1، وافق ابن عامر على إسكانها، وتقدير معنى البيت: كان إسكانه شرعا وهو في الندا حمى شاع، وفاح: أي تضوع وظهرت رائحته ومنزلا تمييز ثم عد هذه الأربع عشرة ياء فقال: 408- فَخَمْسَ عِبَادِي اعْدُدْ وَعَهْدِي أَرَادَنِي ... وَرَبِّي الَّذِي آتَانِ آياتِي الحُلا 409- وَأَهْلَكَنِي مِنْهَا وَفِي: ص مَسَّنِي ... مَعَ الأَنَبِيَا رَبِّي فِي الَاعْرَافِ كمَّلا تقدم ذكر عهدي وآياتي وثلاثة من لفظ عبادي وبقي اثنان: {عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} {عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وأما {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ} ، فيأتي في باب الزوائد وأنث لفظ الخمس بحذف الهاء منه على تأويل إرادة الكلمات، وقوله: أرادني، أراد: {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرّ} ، {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي} ، {آتَانِيَ الْكِتَابَ} . في مريم2 وأما: {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ} . فيأتي ذكره في باب الزوائد، والحلا جمع حلية وهي صفة للكلمات المذكورة وحذف الياء من آتاني ضرورة، ويجوز إثبات الياء وفتحها نقلا لحركة همزة آياتي إليها على حد قوله: {حَشَرْتَنِي أَعْمَى} . ولو حذف الياء ثم وأثبت الهمزة لكان سائغا كما فعل هنا في: "آتان"، "آياتي". فالحاصل: أن كل واحد من الموضعين يجوز فيه ما نظمه في الآخر ومنها: {إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ} ، {مَسَّنِيَ الضُّرّ} في الأنبياء3، {مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ} في ص3، {حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} في الأعراف4، فهذه أربع عشرة ياء، وعدها صاحب التيسير ست عشرة فزاد ما في النمل والزمر:   1 آية: 146. 2 آية: 30. 3 آية 83. 4 آية: 41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 {آتَانِيَ اللَّهُ} ، "فبشر عبادي الذين". وإنما بين سورتي "مسني" دون سور باقي الياءات؛ لأن في الأعراف: {وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} مجمعا على فتحه، وإنما عد الشاطبي ياءات هذا النوع دون الأنواع التي سبقت؛ لئلا تشتبه بغيرها نحو: {شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ} ، {نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ} ، {بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} ؛ لأنه لم يذكر المجمع عليه من هذا القسم؛ لكثرته فرأى عده أيسر عليه، والمجمع عليه من هذا القسم مفتوح، والمجمع عليه من ما مضى مسكّن، ثم ذكر النوع الخامس فقال: 410- وَسَبْعٌ بِهَمْزِ الوَصْلِ فَرْدًا وَفَتْحُهُمْ ... أَخِي مَعَ إِنِّي "حَـ"ـقَّهُ لَيْتَنِي "حَـ"ـلا أي وسبع ياءات إضافة بعدها همزة الوصل دون لام التعريف، فلهذا قال: فردا وهو حال من الهمز، ثم أخذ يذكرها واحدة بعد واحدة ولم يعمها بحكم لأحد كما فعل في الأنواع السابقة؛ لأن كل واحدة منها تختص برمز إلا واحدة وافقت أخرى في الرمز بهذا البيت فجمعهما، وبدأ بهما فقال: "أخي" مع إني أراد: {أَخِي، اشْدُدْ} في طه، فهمز الوصل بعدها في قراءة من فتحها وغيره، وهي همزة قطع في قراءة ابن عامر كما يأتي وفي الأعراف: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ} ، فتحهما ابن كثير وأبو عمرو وانفرد أبو عمرو بفتح: {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ} ، وهو يفتح الجميع وابن كثير يفتح ما عدا: {يَا لَيْتَنِي} في رواية البزي، ونافع يفتح ما عدا هذا البيت ثم تممها فقال: 411- وَنَفْسِي "سَمَا" ذِكْرِي "سَمَا" قَوْمِي "ا"لرِّضَا ... "حَـ"ـمِيدُ "هُـ"دًى بَعْدِي "سَمَا صَـ"فْوُهُ وِلا   1 النمل آية: 36 والزمر آية: 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 أراد في طه: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي، اذْهَبْ} ، {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي، اذْهَبَا} 1، فتحهما مدلول سما، وكرر لهما الرمز من غير حاجة إلى تكريره سوى ضرورة النظم، وخرج منهم قنبل في فتح: {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا} في الفرقان2 وزاد مع سما أبو بكر ففتحوا: {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} ، والولاء بكسر الواو والمد: المتابعة ونصبه على التمييز: أي سمت متابعة صفوة. 412- وَمَعَ غَيْرِ هَمْزٍ فِي ثَلاَثيِنَ خُلْفُهُمْ ... وَمَحْياَيَ "جِـ"ـي بالْخُلْفِ وَالْفَتْحُ "خُـ"ـوِّلا وهذا النوع السادس الذي ليس بعده همز أصلا لا همز قطع ولا همز وصل، ثم شرع يذكرها واحدة بعد واحدة فبدأ بقوله تعالى: "وَمَحْيَايَ" في آخر الأنعام فالواو من جملة التلاوة لا عاطفة، فذكر أن قالون أسكنها، ولورش فيها خلاف، وفتحها الباقون وهو لأقيس في العربية فلذا قال: خولا أي ملك وإنما ضعف الإسكان لما فيه من الجمع بين الساكنين ولا يليق بفصاحة القرآن إلا ذلك، ألا ترى كيف أجمعوا على الفتح: "مَثْوَايَ"، و"هُدَايَ"، وكلاهما مثل: "مَحْيَايَ". وشنع بعض أهل العربية على نافع -رحمه الله- متعجبا منه: كيف أسكن: "مَحْيَايَ"، وفتح بعدها: "مَمَاتِي"، وكان الوجه عكس ذلك أو فتحهما معا، والظن به أنه فتحهما معا، وهو أحد الوجهين عن ورش عنه، وهي الرواية الصحيحة فقد أسندها أبو بكر بن مجاهد في كتاب الياءات عن أحمد بن صالح عن ورش عن نافع: الياء في: "مَحْيَايَ وَمَمَاتِي" مفتوحتان، وفي أخرى عن ورش قال: كان نافع يقرأ أولا محياي ساكنة الياء، ثم رجع إلى تحريكها بالنصب. قلتُ: فهذه الرواية تقضي على جميع الروايات؛ فإنها أخبرت بالأمرين، ومعها زيادة علم بالرجوع عن الإسكان إلى التحريك فلا تعارضها رواية الإسكان؛ فإن الأولى معترف بها، ومخبر بالرجوع عنها، وكيف وإن رواية إسماعيل بن جعفر وهو أجل رواة نافع: موافقة لما هو المختار، قال ابن مجاهد: أخبرني محمد   1 الآيتان: 41 و42. 2 آية: 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 ابن الجهم عن الهاشم عن إسماعيل بن جعفر عن أبي جعفر وشيبة ونافع أنهم ينصبون الياء في: {مَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ} . قلتُ: وهذه الآية مشتملة على أربع ياءات: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} . فالأولتان ساكنتان بلا خلاف في هذه الطرق المشهورة، فكأن نافعا أسكن اثنتين وفتح اثنتين، ولا ينبغي لذي لب إذا نقل له عن إمام روايتان أحداها أصوب وجها من الأخرى أن يعتقد في ذلك الإمام إلا أنه رجع عن الضعيف إلى الأقوى، ولا يغتر بما ذكره الداني في كتاب الإيجاز من اختياره الإسكان، وذكر وجهه من جهة العربية؛ فإن غاية ما استشهد به قول بعض العرب التقت حلقتا البطان وله ثلثا المال بإثبات الألف فيهما، وهذا ضعيف شاذ لم يقرأ بمثله؛ ألا ترى أن الإجماع على أن الألف محذوفة من نحو هذا مثل: {ادْخُلا النَّارَ} ، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} . وأما استشهاده بقراءة أبي عمرو: "والَّلاى" بإسكان الياء فسيأتي الكلام عليه في سورة الأحزاب وحكمه حكم: "مَحْيَاي". وقول الناظم: جئ بالخلف أي ائت به، وانظر في اختلاف الروايات يَبِنْ لك الصواب إن شاء الله تعالى. 413- وَ"عَمَّ عُلا" وَجْهِي وَبَيْتِي بِنُوحِ "عَـ"ـنْ ... "لِـ"ـوًى وَسِوَاهُ "عُـ"ـدْ "أَ"صْلًا "لِـ"ـيُحْفَلا يريد: {وَجْهِيَ لِلَّهِ} في آل عمران1، {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} 2 في الأنعام، {بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} 3 وسواه يعني سوى الذي في نوح وهو:   1 آية: 20. 2 آية: 79. 3 آية: 125. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 {بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} في البقرة والحج1، وتقدير البيت: وعم فتح وجهي علا، وفتح بيتي وارد لواء؛ أي: عن ذي لواء وشهرة قصروه ضرورة كما قال: لو كنت من هاشم أو من بني أسد ... أو عبد شمس أو أصحاب اللوى الصيدِ يريد بأصحاب اللواء بني عبد الدار بن قصي. وقوله: عد أصلا أي عده أصلا لفتح الذي بنوح؛ ليتضح عذر من عمم الفتح للجميع يقال: حفلته أي جلوته، وحفلت كذا أي باليت به، وفلان محافل على حسبه إذا صانه. 414- وَمَعْ شُرَكَاءِي مِنْ وَرَاءِي "دَ"وَّنُوا ... وَليِ دِينِ "عَـ"ـنْ "هَـ"ـادٍ بِخُلْفٍ "لَـ"ـهُ "ا"لحَلا يريد: {أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا} ، {مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ} ، {وَلِيَ دِينِ} آخر سورة الكافرين، له أي للخلف، والحلا جمع حلية. 415- مَمَاتِي "أَ"تَى أَرْضِي صِرَاطِي ابْنُ عَامِرٍ ... وَفِي النَّمْلِ مَالِي "دُ"مْ "لِـ"ـمَنْ "رَ"ـاقَ "نَـ"ـوْفَلا لو أتى بهذا البيت بعد محياي كان أولى؛ لأنه يتصل الكلام في: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} ، وأراد {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} ، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} ، {مَا لِيَ لَا أَرَى} . وراق الشيء صفا، والنوفل: السيد المعطي وهذا الكلام مليح: أي دم نوفلا لمن راق، وصفا باطنه وظاهره. 416- وَلِي نَعْجَةُ مَا كَانَ لِي اثْنَيْنِ مَعْ مَعِي ... ثَمَانٍ "عُـ"ـلًا وَالظُّلَّةُ الثَّانِ "عَـ"ـنْ "جِـ"ـلا أي وفتح هذه المواضع علا واثنين حال من قوله ما كان لي يريد: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ} في إبراهيم2، {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ} في ص3، ومعي في ثمانية مواضع: {مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ} في الأعراف4.   1 البقرة: 125 والحج، آية: 26. 2 آية: 22. 3 آية: 69. 4 آية: 105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 {مَعِيَ عَدُوًّا} في التوبة1. {مَعِيَ صَبْرًا} ثلاثة في الكهف2. {ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} في الأنبياء3. {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي} في الشعراء4. {مَعِيَ رِدْءًا} في القصص5. فَتَحَ الجميعَ حفصٌ وتابعه ورش على الثاني في سورة الظلة، وهي سورة الشعراء؛ لأن فيها: {عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} يريد قوله تعالى في قصة نوح: {وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 6؛ أي وحرف الظلة الثاني فتحه، عن جلا أي كشف وجلوت الشيء: كشفته. 417- وَمَعْ تُؤْمِنُوا لِي يُؤْمِنُوا بِي "جَـ"ـاوَيَا ... عِبَادِيَ "صِـ"ـفْ وَالحَذْفُ "عَـ"ـنْ "شَـ"ـاكِرٍ "دَ"لا يريد: {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي} في الدخان7، {وَلْيُؤْمِنُوا بِي} في البقرة8 فتحهما ورش، {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} في الزخرف9، فتحها أبو بكر وحذفها عن شاكر دلا أي أخرج دلوه ملأى يشير إلى قوة مذهبهم   1 آية: 83. 2 الكهف آيات: 67 و72 و75. 3 آية: 24. 4 آية: 62. 5 آية: 34. 6 آية: 118. 7 آية: 21. 8 آية: 68. 9 آية: 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 لأن الياء حذفت في بعض المصاحف وحذفها في باب الندا أفصح من إثباتها وأسكنها الباقون، وقوله في الزمر: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 1 ياؤها محذوفة في جميع المصاحف، وانضاف إلى ذلك أن حذفها في النداء أفصح لغة، فلهذا لم يأت فيها خلاف في حذفها من هذه الطرق المشهورة، وإن كان قد حكي إثباتها وفتحها في طرق أخرى. 418- وَفَتْحُ وَلِي فِيهَا لِوَرْشٍ وَحَفْصِهِمْ ... وَمَا لِي فِي: يس سَكِّنْ "فَـ"ـتَكْمُلا يريد: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} ، {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ} ؛ أسكنها حمزة وحده ونصب فتكملا على جواب الأمر بالفاء أي فتكمل معرفة مواضع الخلاف في هذا الباب والله أعلم.   1 آية: 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 سورة النساء : 587- وَكُوفِيُّهُمْ تَسَّاءَلُونَ مُخَفَّفًا ... وَحَمْزَةُ وَالأَرْحَامَ بِالخَفْضِ جَمَّلا نصف هذا البيت هو نصف هذه القصيدة؛ أي: الكوفيون قرءوا تساءلون بالتخفيف، والأصل: تتساءلون فمن خفف حذف التاء الثانية، ومن شدد أدغمها في السين، وله نظائر مثل: "تذكرون" "تزكى" تصدى، وأما قراءة والأرحام بالنصب، فعطف على موضع الجار والمجرور أو على اسم الله تعالى؛ أي: واتقوا الأرحام؛ أي: اتقوا حق الأرحام فصلوها ولا تقطعوها، وفي الحديث: "أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها من اسمي من قطعها قطعته"، فهذا وجه الأمر بالتقوى فيها مع لله تعالى وقرأها حمزة والأرحام بالجر وعبر الناظم عنه بالخفض، واستحسنه الشيخ هنا، وقال: فيه تورية مليحة؛ لأن الخفض في الجواري الختان وهو لهن جمال والخفض الذي هو الإعراب جمال الأرحام لما فيه من تعظيم شأنها، قلت: يعني: بسبب عطفها على اسم الله تعالى أو بسبب القسم بها، وبهذين الوجهين عللت هذه القراة، وفي كل تعليل منهما كلام، أما العطف فالمعروف إعادة حرف الجر في مثل ذلك كقوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} ونحو ذلك، وقال الزجاج: القراءة الجيدة نصب الأرحام، المعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها، فأما الخفض فخطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار شعر، وخطأ أيضا في أمر الدين عظيم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تحلفوا بآبائكم"، فكيف يكون تتساءلون بالله والأرحام على هذا قال: ورأيت إسماعيل بن إسحاق ينكر هذا، ويذهب إلى أن الحلف بغير الله أمر عظيم، وأن ذلك خاص لله تعالى على ما أتت به الرواية، فأما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الخفض إلا بإظهار الخافض، قال بعضهم: لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل فكأنه كالتنوين في الاسم، فقبح أن يعطف اسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه، وقال المازني كما لا تقول مررت بزيد وبك، لا تقول مررت بك وزيد، قلت: هاتان العلتان منقوضتان بالضمير المنصوب، وقد جاز العطف عليه فالمجرور كذلك، وأما إنكار هذه القراءة من جهة المعنى لأجل أنها سؤال بالرحم وهو حلف، وقد نهي عن الحلف بغير الله تعالى، فجوابه أن هذا حكاية ما كانوا عليه، فحضهم على صلة الرحم ونهاهم عن قطعها، ونبههم على أنها بلغ من حرمتها عندهم أنهم يتساءلون بها، ثم لم يقرهم الشرع على ذلك بل نهاهم عنه، وحرمتها باقية وصلتها مطلوبة وقطعها محرم، وجاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية عند حثه على الصدقة يوم قدم عليه وفد مضر، وهو إشارة إلى هذا سواء كان قرأها نصبا أو خفضا فكلاهما محتمل، وخفي هذا على أبي جعفر النحاس، فأورد هذا الحديث ترجيحا لقراءة النصب، ولا دليل له في ذلك، فقراءة النصب على تقدير: واتقوا الأرحام التي تتساءلون بها، فحذف استغناء بما قبله عنه، وفي قراءة الخفض حذف: واتقوا الأرحام ونبه بأنهم يتساءلون بها على ذلك، وحسن حذف الياء هنا أن موضعها معلوم فأنه كثر على ألسنتهم قولهم: سألتك بالله والرحم وبالرحم فعومل تلك المعاملة مع الضمير فهو أقرب من قول رؤبة خير لمن قال له: كيف أصبحت؛ أي: بخير لما كان ذلك معلوما، قال الزمخشري في كتاب الأحاجي في قولهم لا أبا لك: اللام مقدرة منوية وإن حذفت من اللفظ الذي شجعهم على حذفها شهرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 مكانها وأنه صار معلوما؛ لاستفاضة استعمالها فيه وهو نوع من دلالة الحال التي لسانها أنطق من لسان المقال، ومنه حذف "لا" في: "تالله تفتؤ تذكر يوسف"1. وحذف الجار في قوله: روبة خير إذا أصبح، وحمل قراءة حمزة: "تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ" عليه سديد؛ لأن هذا الكلام قد شهر بتكرير الجار، فقامت الشهرة مقام الذكر، وقال في الكشاف: وينصره قراءة ابن مسعود: "تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ"2. قال الفراء: حدثني شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم قال: "والأرحامِ" خفض الأرحام قال: هو كقولهم أسألك بالله والرحمِ، قال: وفيه قبح؛ لأن العرب لا ترد مخفوضا على مخفوض قد كني عنه، قال: وقال الشاعر في جوازه: فعلق في مثل السواري سيوفنا ... وما بينها واللعب غوط نفانف قال: وإنما يجوز هذا في الشعر؛ لضيقه، قال الزجاج: وقد جاء ذلك في الشعر أنشد سيبويه: فاذهب فما بك والأيامِ من عجب وقال العباس بن مرداس: أكر على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها وأنشده الحق في إعرابه لحسان بن ثابت فانظر بنا والحق كيف نوافقه والأبيات المتقدمة وزاد: إذا أوقدوا نارا لحرب عدوهم ... فقد خاب من يصلى بها وسعيرها ثم أخذ في الاستدلال على صحة ذلك وقوته من حيث النظر، وأصاب -رحمه الله- فإن الاستعمال قد وجد، وكل ما يذكر من أسباب المنع فموجود في الضمير المنصوب مثله، وقد أجازوا العطف عليه فالمجرور كذلك قياسا صحيحا، وقول أبي علي في الحجة هو ضعيف في القياس قليل في الاستعمال ممنوع، ولقائل أن يقول: العطف على الضمير المنصوب كذلك، فقال الشيخ في شرحه: حكى قطرب: ما فيها غيره وفرسه، وقال في شرح المفصل: وقد أجاز جماعة من النحويين الكوفيين أن يعطف على الضمير المجرور بغير إعادة الخافض، واستدلوا بقراءة حمزة وهي قراءة مجاهد والنخعي وقتادة وابن رزين ويحيى بن واب وطلحة والأعمش وأبي صالح وغيرهم، وإذا شاع هذا فلا بعد في أن يقال مثل ذلك في قوله تعالى: {وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ؛ أي: وبحرمة المسجد الحرام، ولا حاجة أن يعطف على سبيل الله كما قاله أبو علي وغيره، ولا على الشهر الحرام كما قاله الفراء؛ لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، وإن كان لكل وجه صحيح والله أعلم، والوجه الثاني في تعليل قراءة الخفض في الأرحام أنها على القسم وجوابه إن الله كان عليكم رقيبا أقسم سبحانه بذلك كما أقسم بما شاء من مخلوقاته من نحو والتين والزيتون والعصر والضحى والليل إما بها أنفسها أو على إضمار خالقها -عز وجل- وهو كإقسامه بالصافات وما بعدها على أن إلهكم لواحد وهذا الوجه وإن كان لا مطعن عليه من جهة العربية فهو بعيد؛ لأن قراءة النصب وقراءة ابن مسعود بالياء   1 سورة يوسف، آية: 75. 2 سورة النساء، آية: 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 مصرحتان بالوصاية بالأرحام على ما قررناه، وأما رد بعض أئمة العربية ذلك فقد سبق جوابه، وحكى أبو نصر بن القشيري -رحمه الله- في تفسيره كلام أبي إسحاق الزجاج الذي حكيناه، ثم قال: ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين؛ لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تواترًا يعرفه أهل الصنعة، وإذا ثبت شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن رد ذلك فقد رد على النبي -صلى الله عليه وسلم- واستقبح ما قرأ به، وهذا مقام محذور لا تقلد فيه أئمة اللغة والنحو، ولعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح وإن كان غيره أفصح منه؛ فإنا لا ندعي أن كل القراءات على أرفع الدرجات في الفصاحة قلت: وهذا كلام حسن صحيح والله أعلم. 588- وَقَصْرُ قِيَامًا "عَمَّ" يَصْلَوْنَ ضُمَّ "كَـ"ـمْ ... "صَـ"ـفَا نَافِعٌ بِالرَّفْعِ وَاحِدَةٌ جَلا القيم والقيام واحد يوصف به الذي يقوم بالمصالح، ومعناه الثبات والدوام، وهما مصدران وصف بهما الأموال هنا، والكعبة ي المائدة، ووصف الدين في الأنعام بالقيم والقيم؛ أي: هو مستقيم قال حسان بن ثابت: فنشهد أنك عبد الإلـ ... ـه أرسلت نورا بدين قِيَمْ فابن عامر قرأ الثلاثة قيما على وزن عِنَب ونافع هنا فقط، "وَسَيُصْلَوْنَ سَعِيرًا" بضم الياء وفتحها ظاهر، و"واحدة" التي رفعها نافع وحده وهو: "وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةٌ" جعل كان تامة، ومن نصب طابق به قوله: "فإن كن نساءٌ"، "فإن كانتا اثنتين"؛ أي: إن كان الوارث واحدة، وإنما أنث الفعل وألحق علامتي الجمع والتثنية في كن وكانتا ليطابق الاسم الخبر لفظا، ولم يأت الناظم في هذا البيت بواو فاصلة، وذلك في موضعين؛ إذ لا ريبة في اتصال المسائل الثلاث وجلا في آخر البيت ليس برمز إذ قد تقدم مرارا بيان أنه لم يرمز قط مع التصريح بالاسم ولم يصرح بالاسم مع الرمز، ولولا أن ذلك اصطلاحه لكان نافع محتملا أن يكون من جملة قراء سيصلون بالضم، ورفع واحدة لورش وحده والله أعلم. 589- وَيُوصَى بِفَتْحِ الصَّادِ "صَـ"ـحَّ "كَـ"ـمَا "دَنَا" ... وَوَافَقَ حَفْصٌ فِي الأَخِيرِ مُجَمَّلا الكسر والفتح في هذا ظاهر أن، والأخير هو الذي بعده: {غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} ومجملا حال من حفص؛ أي: مجملا ذلك على أئمته، وناقلا لفتحه ذلك عنهم، وفي قراءته جمع بين اللغتين، وحق هذا البيت أن يكون بعد البيتين اللذين بعده؛ لأن "فلأمه" في السورة قبل قوله: "يوصي بها" والله أعلم. 590- وَفِي أُمًّ مَعْ فِي أُمِّهَا فَلأُمِّهِ ... لَدَى الوَصْلِ ضَمُّ الهَمْزِ بِالكَسْرِ "شَـ"ـمْلَلا أراد: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ} 1 أول الزخرف. {فِي أُمِّهَا رَسُولًا} 2 في القصص، {فَلِأُمِّهِ} في موضعين هنا ضم الهمزة في هذه المواضع أسرع بالكسر، والأصل: الضم ووجه كسر   1 سورة الزخرف، آية: 4. 2 الآية: 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 الهمزة وجود الكسرة قبلها أو الياء، وهي من جنس الكسر فكسروا الهمزة استثقالا للخروج من كسر، وشبهه إلى ضم، وهذا كما فعلوا في كسر هاء الضمير نحو: بهم وفيهم، والهمز مجترأ عليه حذفا وإبدالا وتسهيلا، فغير بعيد من القياس تغيير حركته، وقد غيروا حركة حروف عدة كما مضى في بيوت، وما سيأتي في جيوب وعيون وشيوخ وغيوب، قال أبو جعفر النحاس -رحمه الله- في كسر "فلأمه": هذه لغة حكاها سيبويه، قال: هي لغة كثير من هوازن وهذيل، وقوله: لدى الوصل يريد به وصل حرف الجر بهمزة "أم" فلو فصلت بأن وقفت على حرف الجر ضمت الهمزة بلا خلاف؛ لأنه لم يبق قبلها ما يقتضي كسرها، فصارت كما لو كان قبلها غير الكسر والياء نحو: "ما هن أمهاتهن" وأمه آية، وكذا إذا فصل بين الكسر والهمزة فاصل غير الياء نحو: "إلى أم موسى"، "فرددناه إلى أمه" لا خلاف في ضم كل ذلك، فقول الناظم: وفي أم قيده بذكر "في" احترازا من مثل ذلك، وقوله: وفي أم وما بعده مبتدأ، وضم الهمزة بدل اشتمال من المبتدأ، وشمللا خبر المبتدأ، ومعناه أسرع. 591- وَفي أُمَّهَاتِ النَّحْلِ وَالنُّورِ وَالزُّمَرْ ... مَعَ النَّجِْ "شَـ"ـافٍ وَاكْسِرِ المِيمَ "فَـ"ـيْصَلا في هنا حرف جر، وليس كقوله: وفي أم فإن في ثم من لفظ القرآن، فلهذا أعربنا ذلك مبتدأ، وهذا خبره مقدم، والمبتدأ قوله: شاف؛ أي: وفي هذه الكلمة التي هي أمهات من هذه السور الأربع كسر شافٍ، أو يكون تقدير الكلام: وأسرع ضم الهمز بالكسر في هذه المواضع، وشاف خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو شافٍ، وأسكن الراء من الرمز ضرورة نحو: فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثمًا من الله ولا واغل وهذه المواضع الأربعة: "وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أِمَّهَاتِكُمْ"، "أَوْ بُيُوتِ أِمَّهَاتِكُمْ"، "يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أِمَّهَاتِكُمْ"1، "وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أِمَّهَاتِكُمْ"1. فالجميع قبله كسر فلهذا كسرت الهمزة اتباعا، وكسر حمزة دون الكسائي الميم بعد الهمزة تبعا لها في هذه المواضع الأربعة، وفيصلا حال من الضمير في اكسر؛ أي: فاصلا بين قراءتهما، فحمزة كسر الهمزة والميم معا، والكسائي كسر الهمزة وحدها، وكل ذلك في الوصل، فإن وقفت على حرف الجر وابتدأت الكلمات ضمت الهمزة، وفتحت الميم كقراءة الجماعة والله أعلم. 592- وَنُدْخِلْهُ نُونٌ مَعْ طَلاقٍ وَفَوْقُ مَعْ ... نُكَفِّرْ نُعَذِّبْ مَعْهُ في الفَتْحِ "إِ"ذْ "كَـ"ـلا أي ذو نون ههنا في موضعين "ندخله جنات"، "وندخله نارا" مع الذي في آخر الطلاق وندخله جنات، والذي فوق الطلاق يعني: سورة التغابن فيها ندخله مع نكفر يعني: قوله تعالى: "نكفر عنه سيئاته وندخله"، ثم قال: نعذب معه؛ أي: مع ندخله في الفتح؛ أي: اجتمعا في سورة الفتح في قوله: "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ نُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ نُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا"، فذلك سبعة مواضع قرأهن بالنون نافع وابن عامر والباقون بالياء ووجه   1 سورة النجم الآية: 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 القراءتين ظاهر، وضاق عليه البيت عن بيان أن في هذه السورة موضعين كما قال في البقرة: معا قدر حرك، ومثله قوله في الأعراف: والخف أبلغكم حلا، ولم يقل معا، وهو في قصتي نوح وهود وكلا أي: كلاه؛ أي: حفظه قارئه فرواه لنا، والله أعلم. 593- وَهذَانِ هاتَيْنِ الَّلذَانِ الَّلذَيْنِ قُلْ ... يُشَدَّدُ لِلْمَكِّي فَذَانِكَ "دُ"مْ "حَـ"ـلا التشديد في هذه الكلمات في نوناتها ولم يبينه؛ لظهوره، أو لأن كلامه في النون في قوله: ندخله نون فكأنه قال: تشدد نون هذه الكلمات لابن كثير والتشديد والتخفيف في ذلك كله لغتان، وأراد: {هَذَانِ خَصْمَانِ} 1، {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} 2، {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} 3، {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} 4، {أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا} 5، {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} 6. التشديد عوض من الألف المحذوفة من هاذان وهاتين وفذانك، ومن الياء المحذوفة في اللذان واللذين حذفتا؛ لسكون ألف التثنية بعدهما شدد الجميع ابن كثير، ووافقه أبو عمرو على تشديد: {فَذَانِكَ} ، وقراءة الباقين بالتخفيف على قياس نونات التثني مطلقا، وقوله: دم حلا؛ أي: ذا حلا، وأراد "فذانك" بالتشديد؛ لأن الكلام فيه، ولقائل أن يقول: إنما لفظ به مخففا فيدخل في قوله: وباللفظ أستغني عن القيد، وجوابه: أنه لم يمكنه اللفظ به مشددا؛ لامتناع اجتماع الساكنين في الشعر، فلم يبق اللفظ جاليا للمقصود. 594- وَضُمَّ هُنَا كَرْهًا وَعِنْدَ بَرَاءةٍ ... "شِـ"ـهَابٌ وَفي الأَحْقَافِ "ثُـ"ـبِّتَ "مَـ"ـعْقِلا الضم والفتح في هذا لغتان كالضعف والضعف وفي الأحقاف موضعان، وقوله: عند براءة؛ أي: فيها كما تقول: عندي كذا؛ أي: في ملكي يريد فيما حوته براءة من الآيات، وكما تجوز عما هو عندي بقي في قوله: ولا ألف في ها "هأنتم" على ما سبق تجوز هنا بعكس ذلك، وكان له أن يقول: وما في براءة أو وكرها هنا وفي براءة ضمه شهاب، ومعقلا تمييز أو حال، والضمير في ثبت للحرف المختلف فيه أو لشهاب؛ أي: ثبت معتلا أو مشبها معقلا، المعقل: الملجأ، يقال: فلان معقل لقومه، وأصله الحصن: 595- وَفي الكُلِّ فَافْتَحْ يَا مُبَيِّنَةٍ "دَ"نَا ... "صَـ"ـحِيحًا وَكَسْرُ الجَمْعِ "كَـ"ـمْ "شَـ"ـرَفًا "عَـ"ـلا أي كم علا شرفا والمميز محذوف؛ أي: كم مرة علا شرفا، والجمع يعني به مبينات جمع مبينة فوجه الفتح فيهما ظاهر؛ أي: بينها من يدعيها، "وآيات مبينات" بيَّنها الله سبحانه، وبالكسر يجوز أن يكون لازما،   1 سورة الحج، آية: 19. 2 سورة طه، آية: 64. 3 سورة القصص، آية: 27. 4 سورة النساء، آية: 16. 5 سورة فصلت، آية: 29. 6 سورة القصص، آية: 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 أي هي بينة في نفسها ظاهرة وبينات جمعها، يقال بينت الشيء تبين مثل تبين، ويجوز أن يكون متعديا؛ أي: مبينة صدق مدعيها فهو لازم ومتعدٍّ وصحيحا حال من فاعل دنا وكسر الجمع؛ أي: كسر "يا" المجموع من ذلك والله أعلم. 596- وَفي مُحْصَنَاتٍ فاكْسِرِ الصَّادَ "رَ"اوِيًا ... وَفي المُحْصَنَاتِ اكْسِرْ لَهُ غَيْرَ أَوَّلا يعني: اكسر المنكر والمعرف إلا الأول، وهو: "وَالْمُحْصِنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ"1، في رأس الجزء؛ لأنه بمعنى المزوجات فالكسر على معنى أنهن أحصن فروجهن إما بالأزواج أو بالحفظ، والفتح على أن الله تعالى أحصنهن أو يكون بمعنى الكسر، قال الشيخ في شرحه: يقال: أحصن فهو محصن والفتح إذا أفلس فهو مفلس وأشهب فهو مشهب، نذرت بالفتح هذه الثلاثة وأولا مخفوض بغير ولكنه غير منصرف والتقدير غير حرف أول والله أعلم. 597- وَضَمٌّ وَكَسْرٌ فِي أَحَلَّ صِحَابُهُ ... وُجُوهٌ وَفِي أَحْصَنَّ "عَـ"ـنْ "نَفَرِ" الْعُلا يعني: "وَأَحَلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ"2. ومعنى صحابه: وجوه؛ أي: رواته رؤساء من قولهم: هم وجوه القوم؛ أي: أشرافهم وكبارهم، وعاد الضمير مفردا صحابه وإن كان الذي عاد إليه مثنى، وهما: الضم والكسر؛ لأنهما في معنى المفرد وهو اللفظ والحرف أو صحاب هذا الفعل وجوه، وهذه القراءة على مطابقته: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ} 3، ووجه الفتح إسناد الفعل إلى الله تعالى؛ لقوله قبله: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} 4. قوله: وفي أحصن أي: والضم والكسر في الموضعين الفتح في الحرفين أما كونه ضد الكسر فمطرد ومنعكس، وأما كونه ضد الضم فمطرد غير منعكس على ما سبق بيانه في شرح الخطبة ولم يقرأ أحد بالضم والكسر في الكلمتين معًا إلا حفص، وقرأ أبو بكر بالفتح فيهما معًا، وأما باقي القراء فمن ضم وكسر في "أحل" فتح في "أحصن"، ومن فتح في "أحل" ضم وكسر في "أحصن" فالفتح في "أحصن" كالكسر في "محصنات أسند الفعل إليهن، والضم والكسر في "أحصن" كفتح صاد "محصنات" والله أعلم.   1 و2 و4 سورة النساء: آية: 24. 3 سورة النساء، آية: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 598- مَعَ الحَجِّ ضَمُّوا مَدْخَلًا "خَـ"ـصَّهُ وَسَلْ ... فَسَلْ حَرَّكُوا بِالنَّقْلِ "رَ"اشِدُهُ "دَ"لا أي خص بالخلف مدخلا هنا، وفي الحج: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} 1، {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ} 2، دون الذي في سبحان: {مُدْخَلَ صِدْقٍ} 3؛ فإنه بالضم اتفاقا وخصه فعل أمر وفتح الصاد لغة صحيحة خلافا لمن لم يجز فيه إلا الضم عند اتصال ضمير الغائب به اتباعا، ويجوز أن يكون خصه فعل ما لم يسم فاعله، على حذف حرف الجر اتساعا؛ أي: خص به ومدخلا بالضم إما مصدر أو اسم مكان من أدخل، وبالفتح أيضا كذلك من دخل، فيكون على قراءة الفتح قد قرن بالفعل غير مصدره واسم مكانه أو يقدر له فعله على معنى فيدخلون مدخلا، وأما فعل الأمر من سأل فإن لم يكن قبله واو ولا فاء فقد أجمع القراء على حذف الهمزة بعد نقل حركتها إلى السين نحو: {سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ} 4، وإن كان قبله واو أو فاء، وكان أمرا لغير المخاطب فأجمعوا على همزه نحو: {وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا} 5، وإن كان أمرا للمخاطب فالقراء أيضا أجمعوا على الهمز إلا ابن كثير والكسائي، وعلته أن أمر المخاطب كثير الاستعمال فخففوه والمستعمل بغير واو ولا فاء أكثر، فناسب التخفيف والهمز الأصل، والراشد السالك طريق الرشد ودلا؛ أي: وافق في حصول مقصوده فإن معناه لغةً: أخرج دلوه ملآء، وذلك مقصود من أدلى دلوه فاستعاره الناظم لهذا المعنى وما يناسبه والله أعلم وأحكم. 599- وَفي عَاقَدَتْ َقْصٌر "ثَـ"ـوَى وَمَعَ الحَدِيـ ... ـدِ فَتْحُ سُكُونِ البُخْلِ وَالضَّمِّ "شَـ"ـمْلَلا في المفاعلة: عاقدت ظاهرة ومعنى عقدت؛ أي: عقدت أيمانكم عهودهم والأيمان هنا جمع يمين التي هي اليد، وهنا وفي سورة الحديد: {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} 6.   1 سورة النساء، آية: 31. 2 سورة الحج، آية: 59. 3 سورة الإسراء، آية: 80. 4 سورة البقرة، آية: 211. 5 سورة الممتحنة، آية: 10. 6 سورة الحديد، آية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 فتح السكون في الخاء وفتح الضم في الباء شملل؛ أي: أسرع؛ أي: قراءة حمزة والكسائي بفتح الحرفين، والباقون بالضم والإسكان وهما لغتان كالحُزْن والحَزَن والعُرْب والعَرَب والله أعلم. 600- وَفي حَسَنَهْ "حِرْمِيُّ" رَفْعٍ وَضَمُّهُمْ ... تَسَوَّى "نَـ"ـما "حَقًّا" وَ"عَمَّ" مُثَقَّلا يعني: "وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ"1 الرفع على أن كان تامة، والنصب على أنها ناقصة، والاسم ضمير عائد على الذرّة أو على المثقال وأنث ضميره؛ لأنه مضاف إلى مؤنث كقوله: كما نهلت صدر القناة من الدم وأسكن الناظم الهاء من "حسنة" ضرورة كما سبق في هذه السورة، وفي أمهات النحل والنور والزمر وفي الأصول وفي البقرة فقل: {يُعَذِّبُ} 2. وقوله: سبحانه: {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ} 3 بضم التاء على البناء للمفعول والتثقيل أراد به التشديد مع فتح التاء أصله: لو تتسوى فأدغم التاء في السين وحمزة والكسائي على حذفها مع فتح التاء مثل ما مضى في تسألون أول السورة، ونما؛ أي: ارتفع، وحقا تمييز أو حال، ومثقلا حال وفاعل نما ضمير الضم وفاعل عم ضمير تسوى، والله أعلم. 601- وَلامَسْتُمُ اقْصُرْ تَحْتَها وَبِها "شَـ"ـفا ... وَرَفْعُ قَلِيلٌ مِنْهُمُ النَّصْبَ "كُـ"ـلِّلا يعني قوله: {لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 4. هنا وفي المائدة إذا قصر صار لمستم فيجوز أن يكون لامس بمعنى لمس، ويجوز أن يكون على بابه، واختلف الصحابة ومن بعدهم من الفقهاء في أن المراد به الجماع أو اللمس باليد مع اتفاقهم على أن المراد باللمس الجماع في قوله تعالى: {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} 5. حيث وقع سواء قرئ بالمد أو بالقصر والذين مدوا لامس: قصروا تمسوهن وبالعكس مع أن معنى اللفظين واحد من حيث أصل اللغة، وقد حققنا الكلام في هذا، ولله الحمد في المسائل الفقهية في الكتاب المذهب   1 سورة النساء، آية: 40. 2 سورة البقرة، آية: 284. 3 سورة النساء، آية: 42. 4 سورة المائدة، آية: 6. 5 سورة البقرة: آية: 236. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 سهل الله إتمامه، وأما: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} 1؛ فالرفع فيه هو الوجه الأقوى عند النحويين على البدل من فاعل فعلوه كأنه قال: ما فعله إلا قليل منهم ولو كان بهذه العبارة لم يكن إلا بالرفع، ومعنى اللفظين واحد، والنصب جائز على أصل باب الاستثناء كما في الإيجاب لو قلت: فعلوه إلا قليلا لم يجز إلا النصب، وقد أجمعوا على رفع: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} 2. واختلفوا في: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} 3. وفيه بحث حسن سيأتي إن شاء الله تعالى، قوله: ورفع قليل؛ أي: مرفوعه وهو اللام الأخيرة كلّل النصب؛ أي: بالنصب؛ أي: جعل له كالإكليل وهو التاج أو يكون من قولهم: روضة مكللة؛ أي: محفوفة بالنور، فيكون قوله: رفع على ظاهره ليس بمعنى مرفوع؛ يعني: أن النصب في مثل هذا تابع للرفع كالنور التابع للروضة؛ لأن أصل هذا الباب عند النحويين البدل كما ذكرنا، فكأن النصب طارئ على ما هو وجه الكلام وأصله. 602- وَأَنِّثْ يَكُنْ "عَـ"ـنْ "دَ"ارِمٍ "تظْلَمُونَ غَيْـ ... ـبُ شُهْدٍ "دَ"نَا إِدْغَامُ بَيَّتَ "فِـ"ـي "حُـ"ـلا يعني: "كأن لم يكن بينكم وبينه مودة"4. التأنيث لأجل لفظ مودة، والتذكير لأجل الفصل الواقع بين الفعل والفاعل مع أن المودة بمعنى الود والدارم الذي يقارب الخطا في مشيه؛ أي: القراءة منقولة عن شيخ هذه صفته ودارم أيضا: اسم قبيلة من تميم وليس ابن كثير منهم، خلافا لما وقع في شرح الشيخ -رحمه الله- وقد بينا الوهم في ذلك في الشرح الكبير في ترجمة ابن كثير، وأما: {وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} 5، {أَيْنَمَا تَكُونُوا} 6، فقرئ بالغيب؛ ردًّا على ما قبله من قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ} 7 إلى آخر الآية، والخطاب على الالتفات وإن كان المراد: قل لهم فالغيب والخطاب من باب قولك: قل لزيد لا يضرب ولا تضرب بالياء والتاء، ومنه ما سبق.   1 سورة النساء، آية: 66. 2 سورة النور، آية: 6. 3 سورة هود، آية: 81. 4 سورة النساء، آية: 73. 5 و6 سورة النساء، آية: 77 و78. 7 سور النساء، آية: 72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 "قل للذين كفروا سيغلبون"1، و"لا يعبدون إلا الله"2، ولا خلاف في الأول أنه بالغيبة وهو: {لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} ، {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ} 3، وأما "بَيَّتَ طَائِفَةٌ"4، فأبو عمرو على أصله في إدغامه، ووافقه حمزة فيه كما وافقه في مواضع أخر تأتي في أول سورة "والصافات"، ولولا حمزة لما احتاج إلى ذكر هذا الحرف لأبي عمرو هنا بل كان ذلك معلوما من إدغام الحرفين المتقاربين، فلما احتاج إلى ذكره لأجل حمزة رمز لأبي عمرو معه خشية أن يظن أنه لحمزة وحده، ولهذا نظائر سابقة ولاحقة، وكان يلزمه مثل ذلك في أول "والصافات" فلم يفعله، وقد قيل إن إدغام: "بَيَّتَ طَائِفَةٌ" ليس من باب الإدغام الكبير بل من الصغير، والتاء ساكنة للتأنيث مثل: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ} 5. وقد ذكرنا وجه هذا القول على بعده في الشرح الكبير في باب الإدغام، وفي هذا البيت ثلاث مسائل وصلها بغير واو فاصلة بينها؛ إذ لا ريبة في ذلك والله أعلم. 603- وَإِشْمَامُ صَادٍ سَاكِنٍ قَبْلَ دَالِهِ ... كَأَصْدَقُ زَايًا "شَـ"ـاعَ وَارْتَاحَ أَشْمُلا يعني: نحو: "تَصْدِيَةً"6، و"يَصْدِفُونَ"7، و"يُصْدِرَ"8، و"تَصْدِيقَ"9، و"فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ"10، و"عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ"11، و"مَنْ أَصْدَقُ"12، وجه هذا الإشمام ما تقدم في "الصراط"؛ لأن الدال مجهورة، وقراءة الباقين بالصاد الخالصة، وقوله: زايا بالنصب هو ثاني مفعولي وإشمام والأول أضيف إليه وهو صاد؛ لأنك تقول أشم الصاد زايا والمصدر يتعدى تعدية فعله، وأشملا تمييز والارتياح النشاط وأشملا جمع شمال بكسر الشين وهو الخلق واليد يشير إلى حسنه في العربية والله أعلم. 604- وَفِيهَا وَتَحْتَ الفَتْحِ قُلْ فَتَثَبَّتُوا ... مِنَ الثَّبْتِ وَالغَيْرُ البَيَانِ تَبَدَّلا   1 سورة آل عمران، آية: 12. 2 سورة البقرة، آية: 83. 3 سورة النساء، آية: 49 و50. 4 سورة النساء، آية: 81. 5 سورة آل عمران، آية: 72. 6 سورة الأنفال، آية: 35. 7 سورة الأنعام، آية: 46. 8 سورة الزلزلة، آية: 6. 9 سورة يونس، آية: 37. 10 سورة احجر، آية: 94. 11 سورة النحل، آية: 39. 12 سورة النساء، آية: 94. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 يعني: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} 1، {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا} . وفي الحجرات: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} 2. قرأها حمزة والكسائي من الثبات في الأمر والثبت هو خلاف الإقدام والمراد: التأني وخلاف العجلة ومنه قوله تعالى: {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} . أي وأشد وفقا لهم عما وعظوا بأن لا يقدموا عليه وقرأها الباقون من بيان الأمر وهو ثمر التثبت فيه فيستعمل في موضعه قال الأعشى: كما راشد تجدن أمرا تبين ثم ارعوى أو قدم قدم؛ أي: أقدم قال أبو علي: فاستعمل التبيين في الموضع الذي يقف فيه ناظرا في الشيء حتى يقدم عليه أو يرتدع عنه، وقال في موضع: الزجر النهي والتوقف: لزيد مناةَ توعِدُ يا ابن تيم ... تبيَّن أين تاه بك الوعيد وقال الفراء: هما متقاربان في المعنى، يقول ذلك للرجل: لا تعجل بإقامة الحد حتى يتبين ويتثبت، وقول الناظم: من الثبت؛ أي: اشتقاقه من كلمة الثبت، يقال رجل ثبت؛ أي: ثابت القلب واستعمله العلماء الحائزون أحوال الرواة ونقلة الأحاديث في الحافظ الذاكر لما حدث به الضابط له الذي لا تدخله شبهة في ذلك ولا تشكك فيه فيقولون هو: ثقة ثبت وهو من ذلك، وعسر على الناظم أن يقول: من التثبت أو التثبيت وكان هو وجه الكلام كما قال غيره: فعدل إلى كلمة فيها الحروف الأصول التي مرجع جميع ما اشتق من ذلك إليها، وقال الشيخ: أشار إلى أن معنى القراءة طلب الثبت، وهو تفعلوا بمعنى استفعلوا من طلب ثبات الأمر، والقراءة الأخرى أمر بطلب بيان الأمر، ثم قال الناظم والغير تبدل من الثبت البيان؛ أي: جعله مشتقا من البيان لا من الثبت ولم يذكر للقراءة من الثبت رمزا اعتمادا على ارمز السابق في إشمام "أصدق" وبابه؛ لأنه أول رمز يليه. فإن قلت: فلقائل أن يقول: ينبغي أن يؤخذ لها ما يرمز به في المسألة التي بعدها كما أنه جمع بين مسألتين لرمز واحد فيما مضى في البقرة، وهما: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} ، و {كُنْ فَيَكُونُ} ، وجمع بين ثلاث مسائل لرمز واحد في آل عمران في البيت الذي أوله: "سنكتب". قلت: اهتمامه ببيان قراءة الغير في هذا البيت قطع ذلك الاحتمال؛ لأنه يعلم أنه ما شرع في بيان قراءة الغير إلا وقد تم بيانه للقراءة الأخرى قيدا ورمزا، فتعين اعتبار الرمز السابق؛ إذ ليس غيره فكأنه قال: اشما،   1 و2 سورة البقرة، آية: 116 و117. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وقرءا، فتثبتوا من الثبت، وكان النظم يحتمل زيادة بيان، فيقال في الثبت السابق كأصدق زايا شاع والتثبت شمللا إليها، وتحت الفتح في "فتثبتوا"، وغيرهما لفظ الثبات تبدلا؛ أي: أسرع الثبت إلى هذه السورة وإلى الحجرات في لفظ: "فتثبتوا"، وغير حمزة والكسائي يبدل عن ذلك لفظ البيان والله أعلم. 605- وَ "عَمَّ فَـ"ـتًى قَصْرُ السَّلامَ مُؤَخَّرًا ... وَغَيْرُ أُولِى بِالرَّفْعِ "فِـ"ـى "حَقِّ نَـ"ـهْشَلا فتى مفعول عم؛ أي: عم قصر السلام قارئا ذا فتوة أو سخيا بعلمه أو قويا في العلم؛ لأن الفتى يكنى به عن الشاب، والشاب مظنة القوة فهو كما سبق شرحه في قوله: وكم من فتى كالمهدوي، وقال الشيخ: فتى حال من قصر السلام، ومؤخرا حال من السلام يريد قوله سبحانه وتعالى: {لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ} 1؛ احترازا من اللتين قبله ولا خلاف في قصرهما: {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} ، وبعده: {وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} 2. وكذا لا خلاف في قصر التي في النحل: {وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ} 3. فلعله أشار بالعموم إلى هذا؛ إذ سخا القصر في الجميع يقال: ألقى السلام والسلم إذا استسلم وانقاد، وقيل السلام هنا التسليم: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} . بالرفع صفة للقاعدين كقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ} ؛ لأن القاعدين كانوا نوعين: أولي الضرر وأصحاء، فمعناه غير أولي الضرر منهم، فحصل الحصر بين القسمين أو يكون بدلا من القاعدين؛ لأنه استثناء من المنفي، فيجوز فيه البدل والنصب، وقراءة النصب على الحال من القاعدين أو على الاستثناء وقرئ شاذا بالجر على أنه صفة المؤمنين، ونهشل اسم قبيلة فلهذا لم يصرفه، وأشار باشتقاقه إلى أولي الضرر؛ لأنه من قولهم: نهشل الرجل: إذا أسن واضطرب أو يكون قوله: نهشلا فعلا ماضيا على حذف الموصوف؛ أي: في حق الذي نهشل؛ أي: جاء غير أولى بالرفع في حق هؤلاء المعذورين؛ لأنه وصف القاعدون بلك؛ ليخرج منهم أولي الضرر والله أعلم. 606- وَنُؤْتِيهِ بِاليَا "فِـ"ـى "حِـ"ـمَاهُ وَضَمُّ يَدْ ... خُلُونَ وَفَتحُ الضَّمِّ "حَقٌّ صِـ"ـرًى حَلا   1 سورة النساء، آية: 94. 2 سورة النساء، آية: 91. 3 سورة النحل، آية: 87. 4 سورة النساء، آية: 95. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 يريد: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا} 1 القراءة بالنون والياء ظاهرة، والهاء في حماه عائدة على يؤتيه كقولك: زيد بماله في داره، ويدخلون الجنة بضم الياء وفتح الخاء على بناء الفعل للمفعول وبفتح الياء وضم الخاء على بنائه للفاعل وكلاهما ظاهر المعنى والصري بكسر الصاد وفتحها: الماء المجتمع المستنقع يشير إلى عذوبة القراءة وكل عذب. 607- وَفي مَرْيَمٍ وَالطَّوْلِ الَاوَّلِ عَنْهُمُ ... وَفِي الثَّانِ "دُ"مْ "صَـ"ـفْوًا وَفِي فَاطِرٍ "حَـ"ـلا وقع في نسخ القصيدة الأول بالرفع، والأولى أن يكون مجرورًا على أنه بدل من الطول أو: وفي مريم وحرف الطول الأول، ويدل عليه قوله: بعد ذلك، وفي الثان؛ أي: في الأول عنهم وفي الثانِ عن دم صفوا، وقوله: عنهم؛ أي: عن المذكورين بضم الياء وفتح الخاء والذي في مريم: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} 2. والأول في الطول: {يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا} 3. والثاني فيها: {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} 4. دم صفوا؛ أي: ذا صفوا أو دام صفوك نحو طب نفسا وقر عينا فهو حال على الأول تمييز على الثاني وحلا في آخر هذا البيت ليس بمعنى حلا في آخر البيت الذي قبله وإن اتفقا لفظا بل هو من حلا فلان امرأته؛ أي: جعلها ذات حلى كأن حرف فاطر وهو قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا} 5 لما صحبه ذكر الحلية كأنه قد حلا، وقال الشيخ: كأن هذا الحرف على قراءة أبي عمرو قد جعل المعنى: ذا حلية لحسن القراءة ومشاكلتها للمعنى، أو من حلوت فلانا: إذا أعطيته حلوانا والله أعلم. 608- وَيَصَّالَحَا فَاضْمُمْ وَسَكِّنْ مُخَفِّفًا ... مَعَ القَصْرِ وَاكْسِرْ لامُهُ "ثَـ"ـابِتًا تَلا يعني: قرأ الكوفيون: {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} 6.   1 سورة النساء، آية: 74. 2 سورة مريم، آية: 60. 3 سورة غافر، آية: 40. 4 سورة غافر، آية: 60. 5 سورة غافر، آية: 32. 6 سورة النساء، آية: 128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 من أصلح يصلح، وقرأ الباقون بهذا اللفظ المنظوم، وأصله يتصالحا، فأدغمت التاء في الصاد وثابتا حال من اللام أو من الهاء في لامه أو من فاعل اكسر؛ أي: في حال ثباتك فيما تفعل؛ فإنك على ثقة من أمرك وبصيرة من قراءتك أو يكون نعت مصدر محذوف؛ أي: كسرا ثابتا تلا ما قبله من الحركات المذكورة أو هو مفعول تلا؛ أي: تبع هذا المذكور أمرا ثابتا وهو كل ما تقدم ذكره من الحروف، وقال الشيخ: التلاء بالمد الذمة وهو منصوب على التمييز. 609- وَتَلْوُوا بِحَذْفِ الوَاوِ الأُولى وَلامُهُ ... فَضُمَّ سُكُونًا "لَـ"ـسْتَ "فِـ"ـيهِ مُجْهَّلا يقال: لويت فلانا حقه إذا دفعته ومطلته، وقد جعلت القراءة الأخرى التي بحذف الواو بمعناها على تقدير أن الواو المضمومة همزت، ثم ألقيت حركتها على اللام وحذفت، ذكر ذلك الفراء والزجاج والنحاس وأبو علي غير أن أبا علي قدم قبله وجهًا آخر اختاره، وهو أن جعله من الولاية، وقال: ولاية الشيء إقبال عليه، وخلاف الإعراض عنه، وتابعه الزمخشري على هذا ولم يذكر غيره، قال: وإن وليتم إقامة الشهادة أو أعرضتم عن إقامتها، وقول الناظم: ولامه فضم، الفاء زائدة ولامه مفعول فعل مضمر يفسره ما بعده؛ أي: حرك لامه أو ضم لامه ثم فسره بقوله: فضم سكونا ولا بد من ضمير يرجع إلى اللام كقولك: زيدًا اضرب رأسه ولا تقول: رأسا فقوله: سكونا؛ أي: سكونا فيه أو سكونه، وقوله: لست فيه مجهلا جملة في موضع الصفة لقوله: سكونا أو هي مستأنفة ولو كان قدم لفظ فيه على لست لكان جيدا، ورجع الضمير في فيه إلى اللام فيقول: فضم سكونا فيه لست مجهلا، ويكون فيه رمزا بحاله كقوله في آل عمران: وكسر لما فيه، وإن كان موهما في الموضعين أنه تقييد للقراءة. فإن قلت: سكونا مصدر في موضع الحال من اللام؛ أي: ضم لامه في حال كونها ساكنة فلا حاجة إلى ضمير يرجع إلى اللام ولا إلى تقديم فيه على لست. قلت: ضم اللام في حال السكون محال والحال تقييد للفع بخلاف الصفة فإذا قيل اضرب زيدا راكبا تعين ضربه في حال ركوبه، وإذا قيل: اضرب زيدا الراكب كان الراكب صفة مبينة لا غير فله ضربه وإن ترك الركوب فعلى هذا يجوز أن يقال: ضم اللام الساكنة ولا يجوز: ضم اللام ساكنة فاعرف ذلك. 610- وَنُزِّلَ فَتْحُ الضَّمِّ وَالكَسْرِ "حِصْنُـ"ـهُ ... وَأُنْزِلَ عَنْهُمْ عَاصِمٌ بَعْدُ نُزِّلا يريد قوله: تعالى: {وَالكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} 1. فتحهما حصن، وانفرد عاصم بفتح:   1 سورة النساء، آية: 136. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} 1. والقراءة في المواضع الثلاثة دائرة بين بناء الفعل للفاعل أو للمفعول وهما ظاهرتان، والهاء في حصنه تعود على نزل وهو خبر فتح الضم والكسر، وهما خبر نزل ثم قال: وأنزل كذلك عنهم والله أعلم. 611- وَيَا سَوْفَ تُؤْتِيِهِمْ "عَـ"ـزيزٌ وَحَمْزَةٌ ... سَيُوتِيهِمُ فِي الدَّرْكِ كُوفٍ تَحَمَّلا يريد: {سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ} 2، {أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} 3. الياء والنون فيهما ظاهرتان وقد سبق لهما نظائر، والدرك من قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} 4. تحمله الكوفيون بإسكان رائه، والباقون بفتحها وهما لغتان كالقدر والقدر والشمع والشمع وتحريك الراء اختيار أبي عبيد والله أعلم. 612- بِالِاسْكَانِ تَعْدُوا سَكِّنُوهُ وَخَفِّفُوا ... "خُـ"ـصُوصًا وَأَخْفَى العَيْنَ قَالُونُ مُسْهِلا قوله: بالإسكان: متعلق بآخر البيت السابق ثم ابتدأ: تعدوا؛ أي: قرأه غير نافع بإسكان العين وتخفيف الدال من عدا يعدو كما قال سبحانه في موضع آخر: {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} 5، وقرأ نافع بفتح العين وتشديد الدال، وكان الأصل يعتدوا كقوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ} 6، ثم أدغمت التاء في الدال، وألقيت حركة التاء على العين، وأخفى قالون حركة العين؛ إيذانا بأن أصلها السكون، والكلام فيه كما سبق في إخفاء كسر العين في نعما، وقوله: مسهلا؛ أي: راكبا للطريق الأسهل، وكأنه أشار بذلك إلى طريق آخر وعر روي عنه لم ير الناظم ذكره؛ لامتناع سلوكه، قال صاحب التيسير: والنص عنه بالإسكان. قلت: وكذا ذكر ابن مجاهد عن نافع، قال أبو علي: وكثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني منهما مدغما، ولم يكن الأول حرف لين نحو "دابة" "وثمود" "الشرب"، "وقيل لهم"، ويقولون إن المد يصير عوضا من الحركة ثم قال: وإذا جاز نحو أصيم ومديق ودويبة: مع نقصان المد الذي فيه لم يمتنع أن يجمع بين الساكنين في نحو "تعدوا"؛ لأن ما بين حرف اللين وغيره يسير.   1 سورة النساء، آية: 149. 2 سورة النساء، آية: 152. 3 سورة النساء، آية: 162. 4 سورة النساء، آية: 145. 5 سورة الأعراف، آية، 163. 6 سورة البقرة، آية: 65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 قلت: ذلك القدر اليسير هو الفارق؛ لأنه هو القائم مقام الحركة وما ليس فيه ذلك اليسير فلا حركة فيه ولا ما يقوم مقامها فلا ينبغي أن يتكلف جوازه، وصحته مع عسره على اللسان أو استحالته، وقد سبق في "نعما هي" تحقيق ذلك أيضا، وإنكار أبي علي وغيره من أئمة العربية جواز إسكان العين، وعجبت منه كيف سهل أمره هنا، قال ابن النحاس: لا يجوز إسكان العين والذي يقرأ بهذا إنما يروم الخطأ، قال الحوفي: وهذا شيء لا يجوز، ولعل القارئ بذلك أراد الإخفاء، فتوهم عليه الإسكان والله أعلم. 613- وَفي الأَنْبِيا ضَمُّ الزَّبُورِ وَههُنا ... زَبُورًا وَفي الإِسْرا لِحَمْزَةَ أُسْجِلا أسجلا؛ أي: أبيح لحمزة القراءة به، والمسجل المطلق المباح الذي لا يمتنع عن أحد، وأسجل الكلام إذا أرسله من غير تقييد وفتح الزاي من الزبور وضمها لغتان في اسم الكتاب المنزل على داود عليه السلام، وإن كانت اللفظة عربية، وهما مصدران سمي بهما الزبور وهو المكتوب يقال: زبر إذا كتب، ويقال: زبرت الكتاب إذا أحكمت كتابته، وقال مكي: زبرت الكتاب؛ أي: جمعته فهو مثل تسمية المكتوب كتابا، ومثل الزبور بالفتح القبول وبالضم الشكور، وقيل: المفتوح يصلح للمفرد والجمع كالعدو، وذكر أبو علي في المضموم وجهين؛ أحدهما: أنه جمع زبرا وقع على الزبور اسم الزبر كقولهم: ضرب الأمير ونسج اليمن ثم جمع الزبر على زبور كما جمع الكتاب على كتب، والآخر أن يكون جمع زبور على تقدير حذف الحرف الزائد وهو الواو، ولا ضرورة إلى هذا التكلف، ووقع في شرح الشيخ أنه جمع زبر وهو الكتاب كقدر وقدور، وقال مكي: هو جمع زبر كدهر ودهور. قلت: الإفراد وجهه ظاهر؛ لأن المتيقن كتاب واحد أنزل على داود اسمه الزبور. كالتوراة والإنجيل والقرآن، أما وجه الجمع إن كان مرادا فله معنيان؛ أحدهما: أن الجمع توجه إلى أنواع ما فيه فكل نوع منها زبر والآخر أن يكون نزل على داود صحف متعددة كما جاء: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} 1. وليس في سورة النساء شيء من ياءات الإضافة ولا ياءات زوائد المختلف فيها والله أعلم.   1 سورة الأعلى، آية: 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 سورة المائدة : 614- وَسَكِّنْ مَعًا شَنْئَانُ "صَـ"ـحَّا "كِـ"ـلاهُمَا ... وَفي كَسْرِ أَنَ صَدُّوكمُ "حَا"مِدٌ دَلا أي وسكن كلمتي "شنآن" معًا يعني: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} 1، في موضعين في هذه السورة، وضد الإسكان المطلق الفتح فقوله: صحا كلاهما رمز قراءة الإسكان، وأشار بهذا اللفظ إلى صحة الإسكان والفتح؛ أي: صحت القراءة بهما في هذه الكلمة، ومعناها شدة البغض وهما لغتان، ومن الإسكان قول الأحوص: وإن لام فيه ذو الشنان وفندا لأنه خفف الهمز بإلقاء حركته على الساكن قبله، وحذفه على ما تقرر في باب وقف حمزة، "وأن تعتدوا" مفعول ثانٍ لقوله: "ولا يجرمنكم" أي لا يلبسنكم، الشنآن: العدوان وأن صدوكم بالفتح: تعليل؛ أي: لأنهم صدوكم وكان الصد قد وقع سنة ست، ونزلت هذه الآية سنة ثمانٍ فاتضح معنى التعليل، وقراءة الكسر على معنى إن حصل صد، ويصح أن يقال مثل ذلك، وإن كان الصد قد وقع كقوله تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} 2. أي إن يكونوا قد صدوكم، وقال أبو علي: معناه إن وقع مثل هذا الفعل، وعلى ذلك قول الفرزدق: أتغضب أنْ أذنا قتيبة حزتا ودلا: معناه ساق سوقا رقيقا ودلا؛ أي: أخرج دلوه ملآء، وقد سبق وجه التجوز به في مثل هذه المواضع وهو أنه أنجح وحصل مراده ولم يحقق مسعاه ونحو ذلك والله أعلم. 615- مَعَ القَصْرِ شَدِّدْ يَاءَ قَاسِيَةً "شَـ"ـقَا ... وَأَرْجُلِكُمْ بِالنَّصْبِ "عَمَّ رِ"ضًا "عَـ"ـلا يريد: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ} 3، فإذا قصر بحذف الألف وشددت الياء صار: قسية على وزن فعيلة فالقراءتان بمعنى: عالمة وعليمة، وقيل: قسية ردية مغشوشة من قولهم: درهم قسي، قال الزمخشري: وهو من القسوة؛ لأن الذهب والفضة   1 سوة المائدة، آية: 2. 2 سورة يونس، آية: 41. 3 سورة المائدة، آية: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 الخالصين فيهما لين والمغشوش فيه يبس وصلابة، قال أبو علي: والقسوة خلاف اللين والرقة، وقد وصف الله تعالى قلوب المؤمنين باللين فقال: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} 1. ويشهد لقراءة المد: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} 2، وأما: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} 3، فقرئت بنصب اللام وجرها؛ أما النصب فوجهه العطف على وجوهكم وأيديكم؛ لأن الجميع ثابت غسله من جهة السنة، وإنما فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بقوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} للتنبيه على الترتيب المشروع سواء قيل بوجوبه أو استحبابه، وأما الجر فوجهه ظاهر وهو: العطف على برءوسكم، والمراد به المسح على الخفين، وعلى ذلك حمل الشافعي -رحمه الله- القراءتين فقال: أراد بالنصب قوما وبالجر آخرين: فإن قلت: التحديد يمنع من ذلك؛ فإن قوله: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} كقوله: {إِلَى الْمَرَافِقِ} . قلت: التحديد لا دلالة فيه على غسل ولا مسح وإنما يذكر عند الحاجة إليه فلما كانت اليد والرجل لم يذكر التحديد فيهما لاقتصر على ما يجب قطعه في السرقة أو لوجب استيعابها غسلا ومسحا إلى الإبط والفخذ أعتنى بالتحديد فيهما، ولما لم يحتج إلى التحديد لم يذكره لا مع الغسل ولا المسح كما في الوجه والرأس. فإن قلت: استيعاب المحدود بالمسح على الخف غير واجب بالإجماع، قلت: فائدة التحديد أن الاقتصار على مسح ما جاوز ذلك غير مجزٍ فليس المطلوب إلا المسح فيما دون الكعبين إلى أطراف الأصابع، فهذا أرجح ما وجدت من الأقوال في تفسير هذه الآية وإعرابها، ورضى في موضع نصب على التمييز أو الحال، أشار إلى ن قراءة النصب ظاهرة الموافقة لما ثبت في السنة، وقراءة الجر خفية الموافقة وهي ما ذكرناه والله أعلم. 616- وَفي رُسْلُنَا مَعْ رُسْلُكُم ثُمَّ رُسْلهُمْ ... وَفي سُبْلَنَا فِي الضَّمِّ الِاسْكَانُ "حُـ"ـصِّلا يريد: {وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ} 4، وضم إلى ذلك ما يناسبه حيث جاء فالإسكان لأبي عمرو في سين هذه الكلمات وفي باء "سبلنا" للتخفيف والباقون بضمها على الأصل، وهما لغتان، وأجمعوا على ضم المضاف إلى ضمير المفرد نحو "رسله"، وعلى ضم ما لا ضمير معه نحو "الرسل"، و"سبل السلام". 617- وَفِي كَلِمَاتِ السُّحْتِ "عَمَّ نُـ"ـهىً "فَـ"ـتًى ... وَكَيْفَ أَتى أُذْنٌ بِهِ نَافِعٌ تَلا   1 و2 سورة الزمر، آية: 22 و23. 3 سورة المائدة، آية: 6. 4 سورة المائدة، آية: 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 السحت: ما لا يحل، وإنما قال كلمات السحت؛ لأنه تكرر في مواضع من هذه السورة وفي عم ضمير يعود إلى الإسكان والنهى جمع نهية وهي الغاية والنهاية، والهاء في به للإسكان أيضا؛ أي: كيفما أتى لفظ أذن؛ منكرا أو معرفا مفردا أو مثنى نحو: "وَيَقُولُونَ هُوَ أُذْنٌ"1، "وَالْأُذْنَ بِالْأُذْنِ"2، "فِي أُذْنَيْهِ وَقْرًا"3. الضم والإسكان لغتان والله أعلم. 618- وَرُحْمًا سِوَى الشَّامِي وَنُذْرًا "صِحَابُـ"ـهُمْ ... "حَـ"ـمَوْهُ وَنُكْرًا "شَـ"ـرْعُ "حَـ"ـق "لَـ"ـهُ "عُـ"ـلا ألحق بالألفاظ السابقة ما يشاكلها مما وقع فيه الخلاف المذكور في غير هذه السورة أراد: {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} 4 في الكهف، {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} 5 في المرسلات، {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} 6 في الكهف، ولا خلاف في إسكان عذرا. 619- وَنُكْرٍ "دَ"نَا وَالعَيْنُ فَارْفَعْ وَعَطْفَهَا ... "رِ"ضًى وَالجُرُوحُ ارْفَعْ "رِ"ضى "نَفَرٍ" مَلا يريد: {إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} 7 في سورة القمر سكنها ابن كثير وحده قوله: والعين فارفع يريد: {وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ} . قوله: وعطفها؛ أي: ومعطوفها: يعني: ما عطف عليها وهو الأنف والأذن والسن. وللرفع ثلاثة أوجه: أحدها: الرفع على استئناف جملة وعطفها على الجملة السابقة كقولك: فعلت كذا وزيد فعل كذا وعمرو وبكر، قال أبو علي: الواو عاطفة جملة على جملة وليست للاشتراك في العامل كما كان كذلك في قول من نصب، ولكنها عطفت جملة على جملة كما يعطف المفرد على المفرد. قال: والوجه الثاني: أنه حمل الكلام على المعنى؛ لأنه إذا قال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 8.   1 سورة التوبة، آية: 61. 2 سورة المائدة، آية: 45. 3 سورة لقمان، آية: 7. 4 سورة الكهف، آية: 81. 5 سورة المرسلات، آية: 6. 6 سورة الكهف، آية: 74. 7 سورة القمر، آية: 6. 8 سورة المائدة، آية: 45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 فمعنى الحديث: قلنا لهم النفس بالنفس، فحملت العين بالعين على هذا. قلت: لأن "أنَّ" ههنا لو حذفت لاستقام معنى الكلام بحذفها استقامته بثبوتها، وتكون النفس مرفوعة فصارت "أنَّ" هنا كـ "إنَّ" المكسورة في أن حذفها لا يخل بالجملة، فجاز العطف على محل اسمها كما يجوز على محل اسم المكسورة، وقد حمل على ذلك: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} 1. قال الشيخ أبو عمرو: ورسولُه بالرفع معطوف على اسم "أنَّ" وإن كانت مفتوحة؛ لأنها في حكم المكسورة، وهذا موضع لم ينبه عليه النحويون، ثم وجّه ذلك وقرره بما سنذكره إن شاء الله تعالى في شرح النظم في النحو، وقال الزمخشري: والعين بالرفع للعطف على محل: {إِنَّ النَّفْسَ} ؛ لأن المعنى: وكتبنا عليهم النفس بالنفس؛ إما لإجراء كتبنا مجرى قلنا، وإما لأن معنى الجملة التي هي النفس بالنفس مما يقع عليه الكتب كما تقع عليه القراءة، قال الزجاج: رفعه على وجهين: العطف على موضع النفس بالنفس وعلى الاستئناف، قال: وفيها وجه آخر: أن يكون عطفا على الضمير في "بالنفس" المعنى أن النفس مأخوذة هي بالنفس والعين معطوفة على هي. قلت: ورفع الجروح على الابتداء، وقصاص: خبره، وعلى قراءة نصب الجروح يكون قصاص خبر أن ولا يستقيم في رفع الجروح. الوجه الثالث وهو: أنه عطف على الضمير الذي في خبر النفس، وإن جاز فيما قبلها وسببه استقامة المعنى في قولك: مأخوذة هي بالنفس والعين مأخوذة بالعين ولا يستقيم، والجروح مأخوذة قصاص هذا معنى قول بعضهم لما خلا وله الجروح وقصاص عن الباقي الخبر خالف الأسماء التي قبلها فخولف بينها في الإعراب، وقال بعضهم: إنما رفع الجروح ولم ينصب تبعا لما قبله فرقا بين الجملة والمفسر، وقيل: خولف ذلك الإعراب؛ لاختلاف الجراحات وتفاوتها، فإذن الخلاف بذلك الاختلاف، قال أبو علي: فأما {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} فمن رفعه يقطعه عما قبله؛ فإنه يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في قول من رفع: "والعينُ بالعين"، ال: ويجوز أن يستأنف: "وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ" ليس على أنه مما كتب عليهم في التوراة ولكن على استئناف إيجاب وابتداء شريعة في ذلك قال: ويقوي أنه من المكتوب عليهم في التوراة نصب من نصبه. قلت: وفي هذا البيت رضى مرتين فالأول: حال من الضمير في ارفع، والثاني: حال من مفعول ارفع والملا: الأشراف؛ أي: أنه مرضى لهم والله أعلم. 620- وَحَمْزَةُ وَلْيَحْكُمْ بِكَسْرٍ وَنَصْبِهِ ... يُحَرِّكُهُ يَبْغُونَ خَاطَبَ "كُـ"ـمَّلا أي: وحمزة يحرك: "وليحكم" بكسر ونصبه، فالهاء في نصبه لحمزة، أو للفظ: "وليحكم" والهاء في يحركه   1 سورة التوبة، آية: 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 لقوله: وليحكم فالكسر في اللام والنصب في الميم، وإنما زاد قوله: يحركه لتأخذ ضد التحريك للقراءة الأخرى وهو الإسكان في الحرفين، ولو لم يذكر لكان ضد الكسر الفتح وضد النصب الخفض أراد قوله تعالى: "وَلِيَحْكُمَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا"1، قرأه حمزة على التعليل؛ أي: لأجل الحكم بما فيه، {آتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ} ، وقرأه الباقون على الأمر. وقوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} 2 الخطاب فيه لأهل الكتاب والغيبة: إخبار عنهم، وجعل يبغون كأنه خطاب الكمل مجازا لما كان الخطاب فيه، وعنى بالكمل: أهل الكتاب؛ أي: إنهم أهل علم وفهم فحسن توبيخهم ولومهم لصدهم عن حكم الله تعالى وهم يعلمونه والله أعلم. 621- وَقَبْلَ يَقُولُ الْوَاوُ "غـ"ـصْنٌ وَرَافِعٌ ... سِوَى ابْنِ العَلا مَنْ يَرْتَدِدْ "عَمَّ" مُرْسَلا يعني: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ} 3، يثبت الواو في مصاحف أهل العراق دون غيرهم وجعل الواو غصنا؛ لأنها تصل ما بعدها بما قبلها؛ لأنها عاطفة كغصن امتد من شجرة إلى أخرى، ووجه حذف الواو أنه على تقدير سائل سأل: ماذا يقول المؤمنون حينئذ، ورفع يقول ظاهر على الاستئناف، ونصبه أبو عمرو وحده عطفا على: "فَيُصْبِحُوا"4؛ لأن فيصبحوا منصوب بالفاء في جواب الترجي بعسى، وهذا وجه جيد أفاد به الشيخ أبو عمرو -رحمه الله- ولم أر أحدا ذكره، وذكروا وجوها كلها بعيدة متعسفة قيل: هو عطف على: {أَنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ} 4. ولا يستقيم على ظاهره؛ إذ يبقى التقدير فعسى الله أن يقول الذين آمنوا، فتحيل أبو علي لصحته وجهين تبعه فيهما الناس؛ أحدهما: أنه عطف على معناه؛ لأن معنى: عسى الله أن يأتي وعسى أن يأتي الله واحد فالتقدير: عسى أن يأتي الله، وأن يقول الذين آمنوا، والثاني: أن يكون قوله: "أن يأتي" بدلا من اسم الله تعالى فيكون المعنى كما سبق، وقيل: التقدير: ويقول الذين آمنوا به؛ أي: بالله، وأما الزمخشري فلم يقدر شيئا من ذلك بل أطلق القول بأنه عطف على "أن يأتي"، وذكر ابن الحاس وجها آخر وهو أن يكون عطفا على بالفتح؛ لأن معناه بأن يفتح فأضمر أن قبل يقول؛ ليكون عطف مصدر على مصدر كقوله: للبس عباءة وتقر عيني   1 سورة المائدة، آية: 47. 2 سورة المائدة، آية: 50. 3 سورة المائدة، آية: 52. 4 سورة المائدة، آية: 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 وأظن أن الذي حملهم على ارتكاب هذه الأوجه البعيدة وتركهم الوجه الواضح الذي ذكرته أولا اعتقادهم أن "فيصبحوا" ليس نصبا على جواب الترجي؛ لأن الترجي من الله تعالى إيجاب وتحقيق فلم يكن معنى الترجي حاصلا، فيكون {فَيُصْبِحُوا} عطفا على {أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} ، ولا يستقيم عطف "ويقول" على ظاهر قوله: "أَنْ يَأْتِيَ"، فتأولوا هذه التأويلات، ونحن نقول: وإن كان الأمر كذلك فلا يمتنع النصب اعتبارا بلفظ الترجي وهذا متعين في تعليل قراءة عاصم: {فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} 1. بالنصب في سورة عبس فهو في جواب: {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} 2. فكذا ههنا والله أعلم. وقول الناظم: ورافع سوى ابن العلا: رافع خبر مقدم والمبتدأ قوله: سوى ابن العلا؛ أي: غير ابن العلا رافع ليقول وفي هذه العبارة نظر؛ فإن أكثر النحويين يقولون: إن سوى التي بمعنى غير لازمة للنصب على الظرفية، فلا يجوز أن يليها عامل يقتضي غير ذلك إلا أن المختار خلاف ما ذكروه، ففي أبيات الحماسة: ولم يبقَ سوى العدوان فإذا جاز وقوع سوى فاعلة جاز وقوعها مبتدأة، وأما: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} 3. فرسم بدالين في مصاحف المدينة والشام، وبدال واحدة في المصاحف الباقية فكل من القراء وافق مصحفه وهما لغتان: الإدغام لتميم والإظهار لأهل الحجاز، وقد جاء التنزيل بالأمرين: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} 4، {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ} 5. والمرسل: المطلق؛ يعني: أنه أطلق من عقال الإدغام، والضمير في عم؛ لقوله: من يرتد ثم بين قراءة الباقين فقال: 622- وَحُرِّكَ بِالإِدْغَامِ لِلغَيْرِ دَالُهُ ... وَبِالخَفْضِ وَالكُفَّار "رَ"اوِيهِ "حَـ"ـصَّلا يعني: الدال الثانية حركت بالفتح مصاحبة لإدغام الأولى فيها، فالباء في بالإدغام باء المصاحبة مثل: دخل عليه بثياب السفر وليست باء الاستعانة بالآلة نحو: كتبت بالقلم؛ فإن الإدغام لا يصلح آلة للتحريك، فإن قلت: من أين علم أن مراده بالتحريك الفتح قلت: لأنه ذكره غير مقيد وذلك هو الفتح في اصطلاحه   1 و2 سورة عبس، آية: 3 و4. 3 سورة المائدة، آية: 54. 4 سورة النساء، آية: 115. 5 سورة الحشر، آية: 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 كما سبق في شرح الخطبة، وإنما فتحت الدال الثانية؛ لسكون الأولى قبلها بسبب الإدغام ويجوز كسرها لغة لا قراءة: {وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ} 1. بخفض الراء عطفا على قوله: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} 2. وبالنصب عطفا على: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ} 3. والواو في "والكفار" من التلاوة، وهي مبتدأ، والتقدير: والكفار بالخفض راويه حصله والله أعلم. 623- وَبَا عَبَدَا اضْمُمْ واخْفِضِ التَّاء بَعْدُ "فُـ"ـزْ ... رِسَالَتَهُ اجْمَعْ وَاكْسِرِ التَّا "كَـ"ـمَا "ا"عْتَلا يريد: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} 4، اضمم باء عبد، واخفض التاء من الطاغوت فيكون عبدا اسما مضافا إلى الطاغوت ويكون معطوفا على القردة، وهو المبالغ في العبودية المنتهي فيها كما يقال فطن وحذر للبليغ في الفطنة، قال طرفة: أبني لبينى إن أمكمُ ... أمة وإن أباكم عبدُ وعبد في قراءة الجماعة فعل، والطاغوت مفعول والجملة عطف على صلة من وأما: "فما بلغت رسالاته"5 بالجمع فظاهر؛ لأنه أريد جمع ما أرسل به من التوحيد والأحكام، وما يشتمل عليه ذلك أنواع كثيرة، والإفراد يدل على ذلك أيضا؛ لأن رسالته -صلى الله عليه وسلم- تضمنت تلك الأشياء كلها، واستعمل الناظم لفظ الكسر في العبارة عن حركة التاء في الجمع، واستعمل لفظ الفتح في العبارة عن حركة المفرد في قوله في سورة الأنعام: "رسالات" فردوا "فتحوا" دون علة، والحركتان في الموضعين حركتا إعراب على القراءتين في كل حرف منها، ووجهه أن كل كلمة منهما في القراءتين منصوبة، غاية ما في الأمر أن علامة النصب في إحداهما فتحة وفي الأخرى كسرة، فلفظ في الموضعين بعلامة النصب في إحدى القراءتين؛ لتأخذ ضدها في القراءة الأخرى، ولو قال: انصبوا لتحير السامع؛ إذ القراءة الأخرى في الموضعين منصوبة، ومثل ذلك قوله في الأعراف: ويقصر ذريات معْ فتح تائه، والله أعلم.   1 سورة المائدة، آية: 57. 2 سورة المائدة، آية: 60. 3 سورة المائدة، آية: 67. 4 سورة المائدة، آية: 83. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 624- "صَـ"ـفَا وَتَكُونُ الرَّفْعُ "حَـ"ـجَّ "شُـ"ـهُودُهُ ... وَعَقَّدْتُمُ التَّخْفِيفُ "مِـ"ـنْ "صُحْبَةٍ" وَلا صفا من جملة رمز من قرأ رسالاته بالجمع وهم: بن عامر ونافع وأبو بكر، وأما: "وحسبوا أن لا تكون فتنة"1، فنصبه ورفعه؛ لوقوع حرف "أن" قبله من بعد فعل الحسبان، وما كان كذلك جاز فيه الوجهان، فالنصب بناء على أن "أن" هي الناصبة للأفعال المضارعة، والرفع بناء على أن "أن" هي المخففة من الثقيلة، وأما إذا جاءت أن بعد فعل علم، فالرفع لا غير نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} 2، {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} 3، وفي غير ذلك النصب لا غير نحو: {أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي} 4، {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} 5، ولم يختلف في نصب: {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} 6، {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} 7، وأما: "عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ"8، فالتخفيف فيه والتثقيل سيان، وفي التشديد معنى التكثير والتكرير، وقوله: عقدتم مبتدأ، والتخفيف بدل منه بدل اشتمال أو مبتدأ ثانٍ؛ أي: التخفيف فيه وخبره ولا؛ أي: متابعة من صحبة النقل، ويجوز أن يكون التقدير ظهر من صحبة متابعة فيكون: ولا حالا ومن صحبة خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون من صحبة متعلقا بالتخفيف والخبر ولا ويجوز أن يكون التخفيف: خبر وعقدتم؛ أي: هو ذو التخفيف من صحبة وولا على هذا حال والله أعلم. 625- وَفي العَيْنِ فَامْدُدْ "مُـ"ـقْسِطًا فَجَزَاءُ نَو ... وِتُوا مِثْلُ مَا فِي خَفْضِهِ الرَّفْعُ "ثُـ"ـمَّلا يعني: في عن عقدتم؛ أي: اتبع فتحها، فيتولد منها ألف عبر عنها بالمد وجعل المد في العين تجوزا، وهو على المعنى الذي ذكرناه في قوله: ولا ألف في هاء هأنتم يعني: أن ابن ذكوان زاد ألفا بعد العين وهو ممن خفف القاف، فتصير قراءته "عاقدتم"، وهو بمعنى عقدتم، أو يكون من اثنين على أصل فاعلتم، فههنا ثلاث قراءات والذي سبق في سورة النساء فيه قراءتان المد والتخفيف، والثالثة هنا التشديد، والمقسط: العادل، وثملا حال من الضمير في نونوا وهو جمع ثامل، وهو المصلح والمقيم أيضا يقال: ثمل يثمل بضم الميم وكسرها   1 سورة المائدة، آية: 71. 2 سورة المزمل، آية: 20 3 سورة الأعراف، آية: 148. 4 سورة المائدة، آية: 29. 5 سورة القصص، آية: 27. 6 سورة البقرة، آية: 230. 7 سورة القيامة، آية: 25. 8 سورة المائدة، آية: 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 في المضارع ثملا فهو ثامل، وقوله: مثل ما في خفضه الرفع جملة معترضة بين الحال وصاحبها وانتظامها كانتظام قولك: زيد في داره عمرو؛ أي: قرءوا: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ} 1 بتنوين "جزاء"، ورفع "مثل"، فمثل في هذه القراءة صفة جزاء وكذا من النعم؛ أي: فعليه جزاء مماثل ما قتل، وذلك الجزاء من النعم، والقراءة الأخرى بإضافة جزاء إلى مثل، وقد أشكلت على قوم حتى قالوا الجزاء إنما هو للصيد لا لمثله من النعم، ووجهها أنها إضافة تخفيف؛ لأن مثل مفعول جزاء أصله: فجزاء مثل ما أتى فعليه أن يجزي المقتول مثله من النعم فمن النعم على قراءة الإضافة يجوز أن يكون متعلقا بالجزاء ويجوز أن يكون صفة له كما أنه متعين للصفة على قراءة التنوين، وسببه أنك إذا نونت جزاء فقد وصفته بمثل ومتى وصف المصدر أو أكد أو عطف عليه امتنع تعلق شيء به نص أبو علي على ذلك كله، وعلى قراءة الإضافة لم يوصف فجاز تعلق من النعم به وجرى هنا بمنزلة قضى، فكما تقول: قضيت زيدا حقه كذا تقول: جزيت الصيد مثله فظهر أن تقدير الآية فعليه أن يجزى المقتول مثله من النعم، ثم حذف المفعول الأول لما في قوة الكلام من الدلالة عليه ثم أضيف الجزاء إلى المثل تخفيفا كما تقول أعجبني عزمك على إكرام زيد غدا، وقال أبو علي: هو من قولهم: أنا أكرم مثلك يريدون أنا أكرمك فكذا إذ قال: "فجزاء مثل ما قتل" فالمراد جزاء ما قتل فالإضافة كغير الإضافة قال ولو قدرت الجزاء تقدير المصدر فأضفته إلى المثل كما تضيف المصدر إلى المفعول به لكان في قوله: من جر مثلا على الاتساع الذي وصفنا؛ أي: يكون مثل زائد والله أعلم. 626- وَكَفَّارَةُ نَوِّنْ طَعامِ بَرَفْعِ خَفْـ ... ـضِهِ دُمْ "غِـ"ـنىً وَاقْصِرْ قِيَامًا "لَـ"ـهُ "مُـ"ـلا يريد: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} 2، الكلام في القراءتين هنا بالتنوين والإافة كما سبق في البقرة: {فِدْيَةٌ طَعَامُ} 3. ولكن مساكين في هذه السورة لا خلاف في جمعه، وقوله: دم غنا؛ أي: غنيا أو دام غناك بالعلم والقناعة، إن القنوع الغناء لا كثرة المال، القناعة كنز لا ينفد، وتقدم الكلام في سورة النساء في "قياما" وقيما، والملا بضم الميم جمع ملأة وهي الملحفة كنى بها عن حجج القراء؛ لأنها تسترها من طعن طاعن كما تستر الملا والله أعلم. 627- وَضَمَّ اسْتُحِقَّ افتح لَحِفْصٍ وَكَسْرُهُ ... وَفي الأَوْلَيانِ الأَوَّلِينَ "فَـ"ـطِبْ "صِـ"ـلا   1 سورة المائدة، آية: 95. 2 سورة المائدة، آية: 95. 3 سورة البقرة، آية: 184. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 يعني: افتح الياء المضمومة والحاء المكسورة، وكان يمكنه أن يقول: وتاء استحق افتح لحفص وحاءه ولكن المعنى كان يختل في التاء دون الحاء فإن ضد الفتح الكسر والتاء في قراءة غير حفص مضمومة فاحتاج أن يقول وضم استحق، ثم قال: وكسره فهو أولى من أن يقول: وحاءه؛ لوجهين: أحدهما المقابلة بين حركتي الضم والكسر، والثاني زيادة البيان لقراءة الغير، وإذا ابتدئت هذه الكلمة كسرت همزتها في قراءة حفص، وضمت في قراءة غيره، وأرادوا: قرأ "الأولين" في موضع "الأوليان" أو "الأولين" استقر مكان "الأوليان" وأراد بالصلا الذكاء؛ لأنهم يقولون هو يتوقد ذكاء أو أراد نار الضيافة كقوله: متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأجَّجَا وهو إشارة إلى حصول العلم منه، فموضع صلا نصب على التمييز أو الحال مثل دم غنا ودم يدا، والأوليان على قراءة حفص -رحمه الله- فاعل استحق كأنهما استحقا على أصحابهما أن يقيموهما للشهادة والأوليان تثنية الأولى وهو في غير قراءة حفص مفعول ما لم يسم فاعله على حذف مضاف؛ أي: استحق عليهم إقامة الأولين منهم للشهادة وقيل: بدل من آخران أو من الضمير في يقومان أو على تقديرهما الأوليان، وقيل: هو مبتدأ خبره آخران المقدم عليه؛ أي: فالأولياء آخران، وقيل هو صفة لآخران وإن كان لفظه نكرة؛ لأنه قد اختص بالصفة في قوله: يقومان، ومرفوع استحق على هذه الأقوال غير القول الأول محذوف؛ أي: استحق عليهم الإثم فاستغنى عنه بقوله: عليهم كما تقول: جنى عليهم، وقيل معناه استحق خصومهم الحق عليهم والأولين في قراءة حمزة وأبي بكر صفة الذين استحق؛ لأنهم أول المذكورين في القصة، وهم أولياء الميت أو؛ لأنهم هم الذين دفعوا الحكومة أولا، واعلم أن الآية من أشكل آي القرآن تفسيرًا وإعرابا وفقها، قال أبو محمد مكي في كتاب الكشف: هذه الآية في قراءتها وإعرابها وتفسيرها ومعانيها وأحكامها من أصعب آية في القرآن وأشكلها، قال: ويحتمل أن يبسط ما فيها من العلوم في ثلاثين ورقة أو أكثر، قال: وقد ذكرناها مشروحة في كتاب منفرد، قلت: وسأجتهد إن شاء الله تعالى في بيانها وكشف غامضها وتفصيل أحكامها في الكتاب "المذهب في علم المذهب"، أو في كتاب "إيضاح مشكلات الآيات". 628- وَضَمَّ الغُيُوبِ يَكْسِرَانِ عُيُونًا الْـ ... ـعُيُونِ شُيُوخًا "دَ"انَهُ "صُحْبَةٌ مِـ"ـلا يعني: أن حمزة وأبا بكر كسرا الغين من الغيوب؛ لما تقدم من التعليل في بيوت، ثم أردفه ما اختلف القراء في كسره من هذا القبيل وهو عيون المنكر والمعرف، نحو: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} 1، {وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ} 2، و"شيوخا" في غافر؛ كسر هذه الثلاثة ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر وابن ذكوان، ومعنى دانه أي: دان به؛ أي: تدين بقراءته؛ أي: دان له؛ أي: أطاعه، وملاء بكسر الميم والمد جمع ملآن، وهو صفة لصحبة يعني: أنهم ملئوا علما، ثم ذكر موضعا آخر فقال:   1 سورة الحجر، آية: 45. 2 سورة يس، آية: 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 629- جُيُوبِ "مُـ"ـنِيرٍ "دُ"ونَ "شَـ"ـكٍّ وَسَاحِرٌ ... بِسِحْرٌ بِها مَعْ هُودَ وَالصَّفِّ "شَـ"ـمْلَلا أراد: {عَلَى جُيُوبِهِنَّ} 1 في النور كسره الجماعة المتقدمون غير أبي بكر وقرأ حمزة والكسائي ساحر في موضع سحر هنا، وفي أول هود: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ} 2 وفي الصف: {قَالُوا هَذَا سِحْرٌ} 3. كذلك على تقدير ذو سحر وعبر عنه بالمصدر مبالغة، أو تكون الإشارة إلى ما جاء به وشملل؛ أي: أسرع ساحر بسحر في هذه السورة؛ أي: جاء به أشار إلى رجوع معنى سحر إلى معنى ساحر على ما ذكرناه والله أعلم. 630- وَخَاطَبَ في هَلْ يَسْتَطِيعُ "رُ"وَاتُهُ ... وَرَبُّكَ رَفْعُ الْبَاءِ بِالنَّصْبَ "رُ"تِّلا أي قرءوا بالخطاب للكسائي، ومعنى: قرأته ظاهر؛ أي: هل تطلب طاعة ربك في إنزال المائدة يريدون استجابة الله سبحانه دعاءه، وقراءة الجماعة على معنى: هل يطلب ربك الطاعة من نزول المائدة، ويجوز أن يكون عبر عن الفعل بالاستطاعة؛ لأنها شرطه، والمعنى: هل ينزل ربك علينا مائدة من السماء إن دعوته بها، ومثله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} 4؛ أي: ظن أن لن نؤاخذه، فعبر بشرط المؤاخذة هو القدرة على المشروط وهو المؤاخذة، ومثله في حديث الذي أوصى بنيه بتحريقه وتذرية رماده في البحر قوله: لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحد؛ أي: لئن حكم بتعذيبي ليكونن عذابا عظيما، ويقول الرجل للرجل بصورة المستفهم: تقدر تفعل كذا؟ وهو يعلم قدرته عليه وإنما معناه افعله فإنك قادر على فعله، وهذا معنى حسن يعم جميع هذه المواضع المشكلة والله أعلم، ومثل ذلك في الإشكال ما رواه الهيثم بن جمار وهو ضعف عن ثابت عن أنس أن أبا طالب مرض فعاده النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا ابن أخي ادع ربك الذي تعبد فيعافيني فقال: "اللهم اشف عمي"، فقام أبو طالب كأنما نشط من عقال، فقال: يا ابن أخي إن ربك الذي تعبد ليطيعك، قال: "وأنت يا عماه لو أطعته" أو قال: "لئن أطعته" أو قال: "لئن أطعت الله ليطيعنك"؛ أي: ليجيبنك إلى مقصوده والله أعلم. 631- وَيَوْمَ بِرَفْعٍ "خُـ"ـذْ وَإِنِّي ثَلاثُها ... وَلِي وَيَدِي أُمِّي مُضَافَاتُها العُلا   1 سورة النور، آية: 31. 2 سورة هود، آية: 7. 3 الآية: 6. 4 سورة الأنبياء، آية: 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 يريد: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ} . فارفع على أن يوم خبر هذا؛ أي: هذا اليوم يوم ينفع الصادقين وهو يوم القيامة والنصب على الظرف؛ أي: قال الله تعالى ما تقدم ذكره في هذا اليوم، أو قال الله: هذا الذي قصصته عليكم ينفع ذلك اليوم وقال الفراء: يوم خبر المبتدأ على معنى قراءة الرفع وإنما بني على الفتح لإضافته إلى غير اسم يعني: إلى غير اسم متمكن، ومنع البصريون بناء ما يضاف إلى المضارع وخصوا ذلك بالمضاف إلى الماضي نحو: على حين عاتبت؛ لأن المضارع معرب، والماضي مبني فسرى البناء إلى ما أضيف إليه، ثم ذكر الناظم ياءات الإضافة وهي ست؛ منها ثلاث في لفظ إني، فهذا معنى قوله: وإني ثلاثها فالضمير في ثلاثها يعود إلى إني الأولى: "إني أخاف" فتحها الحرميان وأبو عمرو، والأخريان: "إِنِّيَ أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ"1، "فَإِنِّيَ أُعَذِّبُهُ عَذَابًا"2، فتحهما نافع وحده. والثلاث الأخر: "مَا يَكُونُ لِيَ أَنْ أَقُولَ"3، فتحها الحرميان وأبو عمرو. {يَدِيَ إِلَيْكَ} 4 فتحها نافع وأبو عمرو وحفص. {وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ} 5 فتحها هؤلاء وابن عامر. وفيها زائدة واحدة: "وَاخْشَوْنِيَ وَلا تَشْتَرُوا" أثبتها في الوصل أبو عمرو وحده. وقلتُ في ذلك: فياءاتها ست وفيها زيادة ... وعبر عنها قوله اخشون مع ولا   1 سورة المائدة، آية: 29. 2 سورة المائدة، آية: 115. 3 سورة المائدة، آية: 116. 4 سورة المائدة، آية: 28. 5 سورة المائدة، آية: 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 سورة الأنعام : 632- وَ"صُحْبَةُ" يُصْرَفْ فَتْحُ ضَمٍّ وَرَاؤُهُ ... بِكَسْرٍ، وذكِّر لَمْ يَكُنْ شَاعَ وَانْجَلا أي الذي صحب يصرف فتح يائه وكسر رائه كما تقول: صحبة زيد عمرو وبكر: وإنما قال: فتح ضم، ولم يقل فتح ياء لما ذكرناه في فتح ضم استحق يريد قوله تعالى: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ} 1، قراءة صحبة على معنى من يصرف الله عنه العذاب، وقراءة الباقين على بناء الفعل للمفعول، وأما: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا} 2، فقراءة حمزة والكسائي "يكن" بالياء، وهذا معنى التذكير الذي أشار إليه بقوله: وذكر؛ فإن الباقين قرءوا بالتاء على التأنيث، فاسم يكن على قراءتهما قوله: أن قالوا، وفتنتهم الخبر، وأما قراءة الباقين فمن نصب فتنتهم فهذا وجهها، ومن رفع فتنتهم جعلها الاسم والخبر: أن قالوا والله أعلم. 633- وَفِتْنَتُهُمْ بالرَّفْعِ "عَـ"ـنْ "دِ"ين "كَـ"ـامِلٍ ... وَبَا رَبِّنا بِالنَّصْبِ "شَـ"ـرَّفَ وُصَّلا من رفع الفتنة مع تأنيث يكن فقراءته ظاهرة ومن نصبها ففي قراءته إشكال؛ فإن الاسم إن قالوا وهو مذكر فما وجه التأنيث؟ وهي قراءة أبي عمرو ونافع وأبي بكر، فقال أبو علي: أنث أن قالوا: لما كان الفتنة في المعنى وفي التنزيل: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} 3. وقال لبيد: فمضى وقدَّمها وكانت عادة ... منه إذا هي عردت إقدامها فأنث الإقدام لما كان العادة في المعنى قال: وقد جاء في الكلام: ما جاءت حاجتك فأنث ضمير ما حيث كان الحاجة في المعنى ونصب الحاجة مثل ذلك قولهم: من كانت أمك؟ فأنث ضمير من حيث كان، الأم، ومثله: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ} 4.   1 سورة الأنعام، آية: 16. 2 سورة الأنعام، آية: 23. 3 سورة الأنعام، آية: 190. 4 سورة الأحزاب، آية: 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 قال الزجاج: ويجوز أن يكون تأويل أن قالوا إلا مقالتهم؛ أي: فيؤنث الفعل على هذا التقدير؛ لأن المقالة مؤنثة والنصب في: {وَاللَّهِ رَبِّنَا} . على النداء أو بإضمار أعني، والخفض على النعت والثناء، وقوله: وصلا جمع واصل وهو مفعول شرف والفاعل ضمير يعود على الباء؛ أي: شرف هذا النداء الواصلين إلى الله لا هؤلاء الكفرة. 634- نُكَذِّبُ نَصْبُ الرَّفْعِ "فَـ"ـازَ "عَـ"ـلِيمُهُ ... وَفِي وَنَكُونَ انْصِبْهُ "فِـ"ـي "كَـ"ـسْبِهِ "عُـ"ـلا أي انصب الرفع، وكان يمكنه أن يقول: وفي ونكون النصب، ولكن كان يلزم من تلك العبارة أن يكون ضده الخفض، ولما قال: انصبه علم أن القراءة الأخرى الرفع والرفع في الفعلين على العطف على: "نُرَدُّ". أي: يا ليتنا نرد ونوفق للإيمان والتصديق أو يكون على القطع؛ أي: ونحن لا نكذب ونكون من المؤمنين؛ أي: قد عاينا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبدا، ومنه قولهم: دعني ولا أعود، ويجوز أن يكونا في موضع الحال؛ أي: يا ليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين، والنصب فيهما على جواب التمني بالواو وابن عامر نصب "ونكون" على الجواب ورفع ولا نكذب على ما سبق من الوجوه الثلاثة، ويشكل على قراءة النصب وعلى قراءة الرفع أن جعلنا الجميع متمنٍ، أو قلنا الواو للحال، قوله سبحانه بعد ذلك: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} 1. والمتمني لا يوصف بصدق ولا كذب، فيحمل ذلك على أنه استئناف إخبار عنهم بصفة ذم من جملة صفاتهم كما لو قال: "وإنهم لظالمون". 635- وَلَلدَّارُ حَذْفُ اللامِ الُاخْرَى ابْنُ عَامِرٍ ... وَالَاخِرَةُ المَرْفُوعُ بِالخِفْضِ وُكِّلا يعني: حذف ابن عامر لام التعريف، وأبقى لام الابتداء، وأضاف الدار إلى الآخرة على تقدير: ولدار الساعة الآخرة أو لدار الحياة الآخرة، وكتبت في مصاحف الشام بلام واحدة وقراءة الجماعة بالتعريف وجعل الآخرة صفة للدار. 636- وَ"عَمَّ عُـ"ـلًا لا يَعْقِلُونَ وَتَحْتَها ... خِطابًا وَقُلْ فَي يُوسُفِ "عَمَّ نَـ"ـيْطَلا   1 سورة الأنعام، آية: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 علا: تمييز أو حال؛ أي: عم علاه أو عاليا وفاعل عم لا يعقلون، وخطابا أيضا حال؛ أي: مخاطبا وذا خطاب، ويجوز أن يكون خطابا تمييز على قولنا: إن علا حال ونيطلا أيضا تمييز؛ أي: نصيبا، وقال الشيخ: هو مفعول من أجله؛ أي: عطاء؛ لأنه يستعمل في العطاء وأصله للدلو ثم استعير للنصب كما قال تعالى: {ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} 1. والغيبة والخطاب في ذلك ظاهران، ولفظه في السور الثلاث: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} . وبعده في الأنعام: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ} 2. وفي الأعراف وهي المراد بقوله: وتحتها؛ أي: تحت هذه السورة بعده: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} 3. وبعده في يوسف: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} 4. الخطاب في الثلاث لعم علا، وتابعهم أبو بكر في يوسف والذي في يس لابن ذكوان ونافع وذلك قوله: 637- وَيَاسِينَ "مِـ"ـنْ "أَ"صْلٍ وَلا يُكْذِبُونَكَ الْـ ... ـخَفِيفُ "أَ"تى "رُ"حْبًا وَطَابَ تأَوُّلا يعني: الذي بعده: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} 5، وبقي موضع آخر في القصص ذكره في سورته: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ} 6. الخطاب فيه لغير أبي عمرو وأما: "فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ"7 فالتخفيف فيه والتشديد من باب واحد: أكذَبَ وكذَّبَ مثل: أنزل ونزل، وتأولا تمييز ورحبا حال من الضمير في أتي العائد على يكذبونك أو مفعول به؛ أي: صادف مكانا رحبا من صدور قرائه لقبولهم له،   1 سورة الذاريات، آية: 59. 2 سورة الأنعام، آية: 33. 3 سورة الأعراف، آية: 170. 4 سورة يوسف، آية: 110. 5 سورة يس، آية: 69. 6 آية: 60. 7 سورة الأنعام، آية: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 وتوجيههم لمعانيها إذ يحتمل أن يكون من أكذبته؛ أي: وجدته كاذبا وأكذبته أيضا إذا نسبته إلى الكذب كقول الكميت: فطائفة قد أكفرتني بحبكم أي نسبتني إلى الكفر. 638- أَرَيْتَ فِي الِاسْتِفْهَامِ لا عَيْنَ "رَ"اجِعٌ ... وَعَنْ نَافِعٍ سَهِّلْ وَكَمْ مُبْدِلٍ جَلا يعني: إذا جاء لفظ رأيت أو رأيتم بعد همزة الاستفهام فالكسائي وحده يسقط عين الكلمة وهي الهمزة؛ لأنها عين الفعل تخفيفا لاجتماعها مع همزة الاستفهام وهي لغة للعرب مشهورة كقوله: أرَيت امرءا كنت لم أبله ... أتاني فقال اتخذني خليلا وقد أجمع على إسقاطها في المضارع نحو "يرى" مع الاستفهام وغيره فلم ترجع في الماضي في هذا الموضع وهو الاستفهام فقوله: راجع صفة لعين؛ أي: باعتبار الموضع، ويحوز نصبه على هذا نحو: لا رجل ظريفًا فيها ولا رجل ظريفٌ فيها كلاهما لغة، وخبر لا محذوف،؛ أي: راجع فيه ولو جعلت راجع خبر لا لم يبق عائد إلى المبتدأ الذي هو رأيت فهذا كقولك: زيد لا غلام ظيف له أو في الدار، ويجوز أن يكون راجع خبر المبتدأ ولا عين على تقدير لا عين فيه جملة حالية،؛ أي: رأيت محذوف العين راجع في المعنى إلى الثابت العين؛ لأنهما لغتان بمعنى واحد، وهذا الوجه أولى؛ ليكون قد رمز بعد كمال التقييد، وعلى الوجه الأول يلزم أن يكون راجع من جملة التقييد وهو رمز، وليس ذلك من عادته، ولأن هذا الباب لو فتح للزم أن تكون كلمات التقييد رمزا وإلا فجعل البعض رمزا دون بعض فيه إلباس، وقد سبق التنبيه على أن لفظ فيه في قوله: وكسر لما فيه ملبس وأنه لو قال: فضم سكونا فيه لكان فيه محتملا للتقييد وهو رمز، وأما قوله: وفي ونكون انصبه فلو لم يكن ظاهرا كل الظهور أن لفظ النصب لا يأتي إلا بيانا للقراءة وتقييدا لها، وإلا لأوهم أنه رمز نافع، ولم تكن له حاجة بذلك البيان فإن الكلمة التي قبلها مثلها في القراءة، فكانت الثانية داخلة في قيدها وهذه عادته كقوله فيما يأتي: إذا فتحت شدد لشام وههنا، فتحنا ولم يحتج أن يعيد لفظ شدد، وكذا: وإن بفتح عم نصر أو بعدكم نما، وكذا: وينذر صندلا، ولم يحتج أن يقول بالغيب، وقال بعضهم تقدير البيت: اذكر رأيت كائنا في الاستفهام ثم قال: وعن نافع سهِّل؛ أي: جعل الهمزة التي أسقطها الكسائي بين بين على قياس تخفيف الهمز وأبدلها جماعة من مشايخ مشيخة المصريين لورش ألفا وهذا على ما تقدم له من الخلاف في "أنذرتهم" "وأنتم" والله أعلم. 639- إِذَا فُتِحَتْ شَدِّدْ لِشَامٍ وَههُنَا ... فَتَحْنا وَفِي الأَعْرَافِ وَاقْتَرَبَتْ كَلا يعني: {إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} 1، {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} 2، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ} 3، {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ} 4.   1 سورة الأنبياء، آية: 96. 2 سورة الأنعام، آية: 44. 3 سور الأعراف، آية، 96. 4 سورة القمر، آية: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 والتخفيف والتشديد في كل ذلك لغتان ومن عادته أن يجمع النظائر مقدما لما في سورته مهما أمكن، وهنا لم يمكنه فقدم الذي في الأنبياء، ثم رجع إلى ما في سورة الأنعام وغيرها ومعنى كلا حفظ وهو مهموز كما قال تعالى: "قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ"1، ولكن وقف عليه، فأبدل من الهمزة ألفا؛ لسكونها والله أعلم. 640- وَبِالغُدْوَةِ الشَّامِيُّ بِالضَّمِّ ههُنا ... وَعَنْ أَلِفٍ وَاوٌ وَفِي الكَهْفِ وَصَّلا أي يقرأ ابن عامر بالغدوة والعشي بضم الغين وسكون الدال، وبالواو موضع الألف فتصير بالغدوة، ولم ينبه على كون الدال ساكنة استغناء باللفظ به، وكان له أن يستغني أيضا باللفظ عن ذكر الضم والواو، وإنما ذكرهما؛ لتعرف القراءة الأخرى فيه بالضم على الفتح، ونص على الألف بدلا عن الواو، وبقي فتح الدال استغنى عن التنبيه عليه؛ لأن الألف لا يكون قبلها إلا مفتوح أو تركه؛ لأنه قد لفظ بالدال في قراءة ابن عامر ساكنة فكأنه قال بسكون الدال، ولو قال ذلك لكان ضدا؛ لكون المطلق الحركة المطلقة وهي الفتح، ومعنى قوله: عن ألف واو؛ أي: وثبت له بدلا عن واو ثم قال: "وفي الكهف وصلا"؛ أي: اتبع الذي في الكهف الذي في الأنعام، فقرأ ذلك كما قرأ هذا أو وفي الكهف وصل هذه القراءة إلينا، ورسمت الغدوة بالواو في جميع المصاحف كالصلوة والزكوة والحيوة، قال الفراء في سورة الكهف من كتاب المعاني: قرأ أبو عبد الرحمن السلمي بالغدوة والعشي ولا أعلم أحدا قرأ بها غيره، والعرب لا تدخل الألف واللام في الغدوة؛ لأنها معرفة بغير ألف، ولام سمعت أبا الجراح يقول: ما رأيت كغدوة قط يعني: بردا أصابه، يريد: كغداة يومه ألا ترى أن العرب لا تضيفها فكذلك لا تدخلها الألف واللام إنما يقولون: أتيتك غداة الخميس ولا يقولون غدوة الخميس، فهذا دليل على أنها معرفة، وقال أبو عبيد: كان عبد الله بن عامر وأهل الشام أو كثير منهم يقرءونها بالغدوة على واو كذلك يروى عن أبي عبد الرحمن السلمي، وأما القراءة فعلى غير هذا قرءوا جميعا بالغداة قال: وكذلك هي عندنا، وإنما نرى ابن عامر والسلمي قرءا تلك القراءة اتباعا للخط، قال: والذي نقول به ليس في إثباتهم الواو في الكتاب دليل على القراءة بها؛ لأنهم قد كتبوا: الصلوة والزكوة بالواو، ولفظهما على تركها، وكذلك الغداة على هذا وجدنا ألفاظ العرب، قال ابن النحاس: قرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعبد الله بن عامر ومالك بن دينار بالغدوة، قال: وباب غدوة أن يكون معرفة إلا أنه يجوز تنكيرها كما تنكر الأسماء الأعلام فإذا نكرت دخلتها الألف واللام للتعريف، وعشى وعشية نكرتان لا غير، قال أبو علي: وجه دخول لام المعرفة عليها أنه قد يجوز -وإن كان معرفة- أن ينكر كما حكاه زيد من أنهم يقولون: لقيته فينة والفينة بعد الفينة، ففينة مثل الغدوة في التعريف بدلالة امتناع الانصراف، وقد دخلت عليه لام التعريف، وذلك أن يقدر من أمة كلها له مثل هذا الاسم، فيدخل التنكير لذلك، وقول من قال: بالغداة أبين قال سيبويه: زعم الخليل أنه يجوز أن يقول: أتيتك اليوم غدوة وبكرة،   1 سورة الأنبياء، آية: 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 فجعلهما بمنزلة ضحوة، قال أبو العباس المهدوي: حكى سيبويه والخليل أن بعضهم ينكره، فيقول: رأيته غدوة بالتنوين، وبذلك قرأ ابن عامر نكرة، فأدخل عليها الألف واللام والله أعلم. 641- وَأَنَّ بِفَتْحٍ "عَمَّ نَـ"ـصْرًا وَبَعْدُ"كَـ"ـمْ ... "نَـ"ـما يَسْتَبِينَ "صُحْبَةٌ" ذَكَّرُوا وِلا نصرًا تمييز أو حال كما تقدم في وعم علا، ونما أي: ورد من قولهم: نما الحديث قال: من حديث نمى إلي عجيب؛ أي: كم مرة نمى؛ أي: نقل أراد أنه: {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ} 1 والذي بعده: {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، قرأهما ابن عامر وعاصم بالفتح ونافع فتح الأول وكسر الثاني، والباقون بكسرهما فكسرهما معا ظاهر، أما الأول فوقع مستأنفا على وجه التفسير والثانية واقعة بعد فاء الجزاء، فكانت مكسورة كقوله سبحانه: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} 2، أجمعوا على كسرها وهذا وجه كسر نافع لها، وأما فتح الأول فعلى البدل من الرحمة أو على تقدير لأنه، وفتحت الثانية وإن كانت بعد فاء الجزاء على حذف مبتدأ؛ أي: فأمره "أنه غفور رحيم" أو على تقدير حذف الخبر، فالغفران حاصل له، وقد أجمع على الفتح في: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ} 3، {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} 4. ومنهم من جعل الثانية تكريرا للأولى لأجل طول الكلام على حد قوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} 5. ودخلت الفاء في: {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} على حد دخولها في: {فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ} .   1 سورة الأنعام، آية: 54. 2 سورة العين، آية: 23. 3 سورة التوبة، آية: 63. 4 سورة الحج، آية: 4. 5 سورة المؤمنون، آية: 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 على قول من جعله توكيدا لقوله: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} إلا أن هذا ليس مثل: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ} ؛ لأن هذه لا شرط فيها، وتلك فيها شرط فيبقى بغير جواب فقيل: الجواب محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره: غفور له، ومنهم من جعل الثانية معطوفة على الأولى بالفاء، وكل هذا تكلف، والوجه ما قدمناه، وأجاز الزجاج كسر الأولى مع فتح الثانية وإن لم يقرأ به، وأما: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ} ، فذكره صحبة متابعة للرواية؛ أي: قرءوه بالياء؛ لأن لفظ السبيل مذكر في قوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} 1، ومن قرأه بالتاء أنثوه كما جاء: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} 2، {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} 3. وكل هذا على قراءة من رفع سبيل على أنه فاعل تستبين وهم كل القراء غير نافع على ما سيأتي في أول البيت الآتي وأما قراءة نافع بنصب سبيل فعلى أنها مفعول تستبين والتاء للخطاب لا للتأنيث؛ أي: ولتستبين "أنت" سبيل المجرمين،؛ أي: تتبينها وتعرفها، فقول الناظم: "صحبة ذكّروا" يريد أن غيرهم أنثوا ونافع لم يؤنث، وإنما جاء بتاء المخاطبة، ولكن العبارة ضاقت عليه فلم يمكنه التنبيه عليه واغتفر أمره؛ لأن قراءته كقراءة الجماعة لفظا بالتاء إلا أنهما يفترقان في المعنى، وذلك لا يقدح في التعريف بصورة القراءة، وقوله: ولا؛ أي: متابعة، وهو في موضع نصب على الحال أو هو مفعول من أجله والله أعلم. 642- سَبِيلَ بِرَفْعٍ "خُـ"ـذْ وَيَقْضِ بِضَمِّ سَا ... كِنٍ مَعَ ضَمِّ الكَسْرِ شَدِّدْ وَأَهْمِلا مضى الكلام في رفع سبيل ونصبه وأما يقضي الحق، فقرئ بضم الساكن وهو القاف وبضم الكسر في الصاد مع تشديد الصاد وإهمالها، وهو أن تجعلها غير منقوطة فتعود صادا، فتصير الكلمة يقص من القصص من قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} 4. وبمعنى الإتباع من قوله سبحانه:   1 سورة الأعراف، آية: 146. 2 سورة يوسف، آية: 108. 3 سورة الأعراف، آية: 85. 4 سورة الكهف، آية: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} 1؛ أي يتبع الحق فيما يفعل، والقراءة الأخرى من القضاء، والحق: نعت مصدر محذوف؛ أي: يقضي القضاء الحق أو مفعول به على إسقاط الخافض؛ أي: يقضي بالحق كما قال: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} 2، وهو مفعول صريح على أن يقضي بمعنى يصنع الحق وتفعله، والياء منه محذوفة في الرسم باتفاق فلهذا احتمل القراءتين، ثم رمز لمن قرأ يقص من القصص في أول البيت الآتي، فقال: 643- "نَـ"ـعَمْ "دُ"ونَ "إِ"لْبَاس، وذكر مُضْجِعًا ... تَوَفَّاهُ وَاسْتَهْوَاهُ حَمْزَةُ مُنْسِلا ما أحسن ما عبر عن القراءتين في يقص: وكأنه جعل حسن ذلك حالة نظمه، فقال بعده: نعم دون إلباس، قدر كأن سائلا سأل فقال: هل استوعبت قيود هاتين القراءتين؟ فقال: نعم من غير إلباس بل هو أمر واضح ظاهر، ووقع لي أنه كان غنيا عن تكلف هذه العبارة، وذلك بأن يلفظ بالقراءتين معا فهو أسهل مما أتى فلو قال: سبيل برفع خذ ويقض يقص صا ... د حرمي نصر إذ بلا ياءٍ انزلا لحصل الغرض واجتمع في بيت واحد بيان اللفظين في القراءة ورمزها، وعرف بأن رسمها بلا ياء، ولكن فيما عبر به الناظم -رحمه الله- صناعة حسنة، وأسلوب غريب وأما: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} 3، {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ} 4. فقرأهما حمزة: توفاه واستهواه والخلاف فيهما كالذي سبق في: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ} 5، في آل عمران؛ أي: ذكر حمزة لفظ هذا الفعل وأضجع ألفه؛ أي: أمالها على أصله، ولو لم يذكر الإمالة لكان ذلك معلوما من أصله، كما أنه في البيت الآتي لما ذكر الكوفيين قرءوا "أنجانا" في موضع "أنجيتنا" لم يتعرض للإمالة، وكان ذلك مفهوما من باها فحمزة والكسائي يميلان الألف وعاصم لا يميل على أصله، وضد تذكير الفعل تأنيثه وذلك بإلحاق تاء ساكنة آخره فيلزم حذف الألف من آخر الفعل؛ لسكونها، وقوله: منسلا ليس برمز؛ لأنه صرح باسم القارئ ولم يأت بعده بواو فاصلة لظهور الأمر، يقال: انسلت القوم إذا تقدمتهم وهو حال من حمزة والله أعلم. 644- مَعًا خُفيَةً فِي ضَمِّهِ كَسْرُ شُعْبَةٍ ... وَأَنْجَيْتَ لِلْكًوِفِيِّ أَنْجى تَحَوَّلا   1 سورة الكهف، آية: 64. 2 سورة غافر، آية: 20. 3 سورة الأنعام، آية: 61. 4 سورة الأنعام، آية: 71. 5 آية: 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 الضم والكسر في خفية لغتان، وقوله: معًا يعني: هنا وفي الأعراف: {تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} 1، {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} 2؛ أي: مظهرين للضراعة والاستكانة ومضمرين ذلك في أنفسكم؛ أي: ادعوا ربكم، وارغبوا إليه ظاهرا وباطنا، وأما التي في آخر الأعراف: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} 3. فذلك من الخوف بتقديم الياء على الفاء، ووزنه فعلة كجلسة وركبة، فأبدلت الواو ياء لأجل الكسرة قبلها، وأما قوله: {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ} 4، فعلى الخطاب، وقراءة الكوفيين على الغيبة أي: أنجانا الله وهما ظاهران؛ أي: وأنجيت تحول للكوفي أنجا وهم في ذلك على أصولهم في الإمالة فيميلها حمزة والكسائي، ولم يبين ذلك كما بين في "توفاه" "واستهواه"، و"فناداه الملائكة"؛ لضيق العبارة عليه والله أعلم. 645- قُلِ اللهُ يُنْجِيكُمْ يُثَقِّلُ مَعْهُمُ ... هِشَامٌ وَشَامٍ يُنْسِيَنَّكَ ثَقَّلا أي هشام مع الكوفيين على تشديد "ينجيكم"، وابن عامر وحده على تشديد: "يُنْسِّيَنَّكَ الشَّيْطَانُ"5، والتخفيف والتشديد فيهما لغتان، أنجى ونجى وأنسى ونسَّى كأنزل ونزَّل وأكمل وكمَّل وأمتع ومتَّع: 646- وَحَرْفَيْ رَأَى كُلًّا أَمِلْ "مُـ"ـزْنَ صُحْبَةٍ ... وَفِي هَمْزِهِ "حُـ"ـسْنٌ وَفِي الرَّاءِ "يُـ"ـجْتَلا كلا بمعنى جميعا فهو حال من رأى؛ أي: حيث أتى رأى، فأمال حرفيه؛ أي: أمل حرفي رأى جميعا، وليس كلا تأكيدا لـ "حرفي"؛ لأن تأكيد المثنى إنما يكون بلفظ كلا، ولو أراد ذلك لأتى بلفظ: معا، واتزن النظم به، ولا هو تأكيد لرأي وإلا لكان مخفوضا كما قال: المخلصين الكل فلا يتجه أن يكون كلا هنا إلا بمنزلة جميعا في نحو قوله: عليهم إليهم حمزة ولديهم جميعا، فيكون منصوبا على الحال من رأى، ورأى هنا معرفة؛ أي: وحرفي هذا اللفظ، فجاز نصب الحال عنه، وإن كان مضافا إليه؛ لأنه من باب رأيت وجه القوم جميعا، ومزن صحبة منصوب على الحال أيضا أو على المدح، وكني بالمزن وهو السحاب عن العلم، وعنى بالحرفين الراءَ والهمزةَ، وعلى التحقيق الهمزة غير ممالة وإنما الإمالة في الألف التي بعدها وإنما من ضرورة ذلك   1 سورة الأنعام، آية: 63. 2 سورة الأعراف، آية: 55. 3 سورة الأعراف، آية: 205. 4 سورة يونس آية: 22. 5 سورة الأنعام، آية: 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 إضجاع فتحة الهمزة والعرب تستحسن إمالة الراء لا سيما إذا كان بعدها ألف ممالة ثم قال: وفي همزة حسن؛ أي: واقتصر على إمالة همز رأى أبو عمرو، وفي إمالة الراء خلاف عن السوسي ومزن صحبة أمالوهما معا والله أعلم. 647- بِخُلْفٍ وَخُلْفٌ فِيهِما مَعَ مُضْمِرٍ ... "مُـ"ـصِيبٌ وَعَنْ عُثْمَانَ في الكُلِّ قَلِّلا أي: وعن ابن ذكوان الخلف في إمالة الهمزة والراء معا إذا اتصلت الكلمة بالمضمر نحو: "وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى"1، "رَآهَا تَهْتَزُّ"2، "فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ"3. وجه الخلاف بعد الألف عن الطرف باتصال الضمير بها، وعثمان هو: ورش أمال الحرفين حيث جاءت كلمة رأى بين بين نحو: {رَأى كَوْكَبًا} 4، {رَأى نَارًا} 5. وقوله: بخلفٍ في أول البيت يعني: عن السوسي المرموز في البيت السابق ثم ابتدأ وخلف فيهما فقوله: فيهما خبر المبتدأ إن كان مصيب صفته وإلا فهو صفته إن كان مصيب الخبر، وفي قللا ضمير تثنية يرجع إلى حرفي رأى، والكل هنا هو كلا في البيت السابق. 648- وَقَبلَ السُّكُونِ الرَّا أَمِلْ "فِـ"ـي "صَـ"ـفا يَدٍ ... بِخُلْفٍ وَقُلْ فِي الْهَمْزِ خُلْفٌ "يَـ"ـقِي "صِـ"ـلا يعني: إذا وقع "رأى" قبل ساكن نحو: "رَأى الْقَمَرَ"6، "رَأى الشَّمْسَ"7، "وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ"8، "وَإِذَا رَأى الَّذِينَ"، فقد تعذرت إمالة الألف؛ لسقوطها لأجل الساكن وإضجاع الهمز إنما كان لأجل إمالة الألف، فأمال هؤلاء الراء تقدير أن الألف كلها موجودة ممالة بخلف عن السوسي وحده وأما إمالة الهمزة ففيها الخلاف عن السوسي وعن أبي بكر؛ لأنه إذا قدم ذكر الخلف وأطلقه كان لجميع من يأتي بعده، وإن قدم ذكر القراء: اختص الخلف المطلق بالأخير منهم وإن قيد الخلف ظه أمره وخلف السوسي: أنه يميل الراء والهمزة معا ولا يميلهما معا، ومثله الخلف المذكور لهشام في باب الزوائد في إثبات ياء "كيدوني" في الإعراف وصلا ووقفا، أو لا يثبتها وصلا ووقفا، ووجه إمالة الهمزة اعتبار الأصل أيضا؛ فإن التقاء الساكنين عارض، ولينبه على أنه لو وقف على الكلمة لأمال، وقوله: في صفا يد؛ أي: في صفا نعمة، وقوله: يقي صلا يعني: العلم؛ لأن معرفة الخلف تستلزمه؛ أي: يقي صلاء النار إن شاء الله تعالى وصلاء النار حرها صح بالكسر والمد والفتح والقصر.   1 سورة النجم، آية: 13. 2 سورة القصص، أية: 31. 3 سورة الصافات، آية: 55. 4 سورة الأنعام، آية: 76. 5 سورة طه، آية: 10. 6 و7 سورة الأنعام، الآيتان: 77 و87. 8 سورة الكهف، آية: 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 649- وَقِفْ فِيهِ كَالأُولَى وَنَحْوُ رَأَتْ رَأَوْا ... رَأَيْتُ بِفَتْحِ الكُلِّ وَقْفًا وَمَوْصِلا فيه: بمعنى عليه؛ أي: إذا وقفت على هذا الذي لقيه ساكن، فالحكم فيه كالحكم في الكلمة الأولى وهي: {رَأى كَوْكَبًا} 1، ونحوه فتميل الحرفين لحمزة والكسائي وأبي بكر وابن ذكوان، وتميل لأبي عمرو فتحة الهمزة وحدها، وأما السوسي فلا يختلف حكمه؛ فإن الخلف له في إمالة الراء في الكلمتين، وورش أمال الحرفين بين بين فهذه تفاصيل مذاهبهم في نحو: {رَأى كَوْكَبًا} تطرد في نحو: {رَأى الْقَمَرَ} 2. إذا وقفت على "رأى"؛ لأن الساكن قد زال، فرجعت الألف فأما إذا كان بعد الهمز ساكن لا ينفصل من الكلمة نحو: {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} 3، {رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} 4 و {إِذَا رَأَوْكَ} 5، {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا} 6، و {إِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا} 7، {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} 8، {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ} 9، {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ} 10. فكل القراء يفتحون الراء والهمزة؛ لأن الألف التي بعد الهمزة هنا معدومة لا ترجع أبدا وكسر فتحة الهمزة إنما كان لأجل إمالة الألف، وكذلك الذين أمالوا الراء إنما فعلوا ذلك؛ لأنهم كانوا يميلونها لإمالة الألف أو مع كونها في حكم الموجودة في نحو: "أي القمر"، فأما في موضع سقطت فيه الألف وليست في حكم الموجودة؛ فإنهم فتحوا على الأصل في الوقف والوصل، وقوله: بفتح الكل؛ أي: مقروء بفتح القراء كلهم واقفين وواصلين. 650- وَخَفِّفَ نُونًا َبْلَ فِي اللهِ "مَـ"ـنْ "لَـ"ـهُ ... بِخُلْفٍ "أَ"تى وَالحَذْفُ لَمْ يَكُ أَوَّلا يعني نون: {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ} 11، ولم يمكنه النطق بالكلمة في نظمه؛ لما فيها من اجتماع الساكنين وذلك لا يقع متزنا، ومثله ما يأتي في سورة   1 سورة الأنعام، آية: 76. 2 سورة الأنعام، آية: 77. 3 سورة النمل، آية: 44. 4 سورة الفرقان، آية: 12. 5 سورة الفرقان، آية: 41. 6 سورة الأحقاف، آية: 24. 7 سورة المطففين، آية: 32. 8 سورة يوسف، آية: 80. 9 سورة الأنعام، آية: 68. 10 سورة الدهر، آية: 19. 11 سورة الأنعام، آية: 80. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 النحل، ومن قبل فيهم يكسر النون نافع، ويشبه ذلك تعبيره عن "ستجدني" بقوله: وما بعده إن شاء؛ لأن في ستجدني خمس متحركات متواليات وذلك ممتنع في الشعر، والأصل: أتحاجونني بنونين الأولى علامة رفع الفعل، والثانية نون الوقاية فللعرب في مثل ذلك ثلاث لغات؛ إبقاء النونين على حالهما كما قال تعالى في سورة سبأ: {إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ} 1، وإدغام الأولى في الثانية على أصل قاعدة الإدغام فيلزم من ذلك النطق بنون مشددة واللغة الثالثة حذف إحدى النونين فبقي نون واحدة مخففة كرهة للتضعيف وقد قرئ بهذه اللغات الثلاث في سورة الزمر: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} 2. كما يأتي قرئ: {أَتَعِدَانِنِي} 3، في الأحقاف بالإظهار والإدغام دون الحذف ولم يقرأ هنا بالإدغام والحذف وقيل: إن الحذف لغة غطفان، وقوله: من له أتى؛ أي: خفف النون القارئ الذي أتى التخفيف له؛ أي: الذي وصل إليه نقله، وورد إليه خبره وعرفه قراءة، ولغة خلافا لمن أنكر الحذف، وقوله: بخلف يعني: عن هشام وحده لإطلاقه فرجع إلى من يليه وهو المرموز في له دون "من"، وقوله: والحذف لم يك أولا يعني: أن المحذوفة من النونين هي الثانية دون الأولى؛ لأن الاستثقال بها وقع، ولأن الأولى تقوم مقامها في وقاية الفعل وهي دالة على رفع الفعل، ففي حذفها إخلال، ولأن الأولى قد تكون ضمير الفاعل وذلك نون جماعة المؤنث نحو أكرمتني، وقد جاء الحذف في فليتى وتخوفني، والأصل: فليتني فلا ينبغي أن يقال الفاعل حذف، وبقي نون الوقاية، وأيضا فقد حذفت نون الوقاية؛ حيث لم يجتمع مع غيرها في نحو قدى وليتى ولعلى ففهم أنها هي المجترأ على حذفها في جميع المواضع ولا ضرورة تلجئ إلى الكشف عن مثل هذا والبحث عنه، ولكنه من فوائد علم العربية، وقد تعرض له أبو علي في الحجة ويأتي مثل هذا في سورة الحجر. 651- وَفي دَرَجَاتَ النُّونِ مَعْ يُوسُفٍ "ثَـ"ـوَى ... وَوَالَّليْسَعَ الْحَرْفانِ حَرِّكْ مُثَقِّلا يعني: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} 4 هنا مع حرف يوسف، وعنى بالنون: التنوين في درجات، وثوى؛ أي: أقام التنوين فيها وتقديرها نرفع درجات من نشاء فيكون درجات منصوبا على التمييز أو الحال؛ أي: ذوي درجات أو على إسقاط الخافض؛ أي: في درجات ويشهد لهذه القراءة قوله تعالى:   1 الآية: 33. 2 سورة الزمر، آية: 64. 3 سورة الأحقاف، آية: 17. 4 سورة الأنعام، آية: 83. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا} 1، {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ} 2، {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ} 3. القراءة الأخرى على إضافة درجات إلى أصحابها فتكون هي المرفوعة، ومنه قوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} 4، وفي الحديث: "اللهم ارفع درجته في عليين ومن رفعت درجته فقد رفع". قوله: ووالليسع لفظ القرآن "واليسع" فأدخل واو العطف الفاصلة على ذلك؛ لتحصل حكاية لفظ القرآن وهي في موضعين: هنا وفي سورة ص، وإليهما أشار بقوله: الحرفان؛ لأن الحرف اصطلاح القراء عبارة عن الكلمة المختلف في قراءتها، وفي إعراب الحرفان نظر وذلك أنه جاء بلفظ الرفع، فلزم أن يكون ووالليسع قبله مبتدأ والحرفان بدل منه بدل الاشتمال كأنه قال: حرفاه؛ أي: موضعاه ويجوز أن يكون مبتدأً ثانيًا؛ أي: الحرفان من هذا اللفظ، ولو قال: الحرفين بالنصب لكان أجود إعرابا وأقل إضمارا؛ فإن قولك: زيدا اضرب بنصب زيد أولى من رفعه بدرجات، وقوله: والليسع حرك مثل زيدا اضرب سواء وأراد بالتحريك فتح اللام؛ لأنه ليس في كلمة اليسع ساكن سواها ومثقلا حال من فاعل حرك؛ أي: مشددا اللام ثم تمم الكلام فقال: 652- وَسَكِّنْ "شِـ"ـفَاءَ وَاقْتَدِهْ حَذْفُ هَائِهِ ... "شِـ"ـفَاءً وَبِالتَّحْرِيكِ بِالكَسْرِ "كُـ"ـفِّلا يعني: سكن الياء وضاق عليه النظم عن بيان محل التسكين؛ فإنه محتمل أن يكون في الياء والسين وشفاء حال؛ أي: ذا شفاء، فقرأ حمزة والكسائي على أن اسمه ليسع على وزن لحمر، فدخلت عليه آلة التعريف وعلى قراءة الجماعة يكون اسمه كأنه يسع على وزن يضع، ثم دخله الألف واللام كقوله: رأيت الوليد بن اليزيد وكل هذا من تصرفاتهم في الأسماء الأعجمية، واختار أبو عبيد قراءة التخفيف، وقال: كذلك وجدنا اسم هذا النبي في الأنباء والأحاديث، وقال الفراء في قراءة التشديد: هي أشبه بأسماء العجم، وقوله: تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} 5، الهاء في اقتده هاء السكت فحذفها في الوصل شفاء كما تقدم في "يتسنه"، ومن أثبتها في الوصل أجراه مجرى الوقف، واتبع الرسم، وأجمعوا على إثبات هاء السكت في الوصل في "كتابيه" "وحسابيه" في موضعين   1 سورة البقرة، آية: 253. 2 سورة الأنعام، آية: 165. 3 سورة الزخرف، آية: 32. 4 سورة المؤمن، آية: 15. 5 سورة الأنعام، آية: 309. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 في الحاقة واختلفوا في "ماليه" و"سلطانيه" و"ماهيه" في سورة القارعة على ما يأتي وابن عامر حرك هاء "اقتده" بالكسر، قال ابن مجاهد: يشم الهاء الكسر من غير بلوغ ياء قال وهذا غلط؛ لأن هذه الهاء هاء وقف لا تعرف في حال من الأحوال؛ أي: لا تحرك، وإنما تدخل ليتبين بها حركة ما قبلها، وقال أبو علي ليس بغلط، ووجهها أن تجعل الهاء كناية عن المصدر لا التي تلحق الوقف وحسن إضماره لذكر الفعل الدال عليه، وعلى هذا قول الشاعر: هذا سراقة للقرآن يدرسه فالهاء كناية عن المصدر ودل يدرس على الدارس ولا يجوز أن يكون ضمير القرآن؛ لأن الفعل قد تعدى إليه اللام فلا يجوز أن يتعدى إليه وإلى ضميره كما أنك إذا قلت: زيدا ضربته لم تنصب زيدا بضربت؛ لتعديه إلى الضمير قلت: فالهاء على هذا ضمير الاقتداء الذي دل عليه اقتد، وقيل: ضمير الهدى، وقيل إن هاء السكت تشبه بهاء الضمير فتحرك كما تشبه هاء الضمير بهاء السكت فتسكن، وقوله: كفلا؛ أي: جعل له كافل وهو الذي ينصره ويذب عنه ثم قال: 653- وَمُدَّ بِخُلْفٍ "مَـ"ـاجَ وَالكُلُّ وَاقِفٌ ... بِإِسْكَانِهِ يَذْكُو عَبِيرًا وَمَنْدَلا أي: مد كسرة الهاء ابن ذكوان بخلاف عنه، والمد فرع تحريكها، فجرى فيها على القياس؛ إذ هاء الضمير بعد المتحرك موصولة في قراءة "يؤده" و"فألفه"، ونحوهما، وهشام من مذهبه القصر في ذلك فقصرها هنا، وقوله: ماج؛ أي: اضطرب وهو صفة لخلف، وهو من زيادات هذه القصيدة فلم يذكر صاحب التيسير فيه عن ابن ذكوان غير المد، وذكر النقاش عن هشام حذف الهاء كقراءة حمزة والكسائي، وذكر عن ابن ذكوان مثل قراءة نافع وغيره بالإسكان، ويجوز في قراءة الإسكان أن تكون الهاء ضميرًا على ما ذكر في قراءة ابن عامر، وأسكنت كما أسكنت في "فألقه" "ويتقه" ونحوهما، فإذا وقفت على "اقتده" فكلهم أثبتوا الهاء ساكنة؛ لأنها إن كانت هاء السكت فظاهر، وإن كانت ضميرا فالوقف يسكنها فهذا معنى قوله: والكل واقف بإسكانه؛ أي: بإسكان الهاء ويذكو معناه: يفوح من ذكت النار؛ أي: اشتعلت، والعبير أخلاط تجمع بالزعفران، عن الأصمعي وقال أبو عبيدة: هو الزعفران وحده والمندل: العود يقال له المندل والمندلي، ذكره المبرد، وأنشد: إذا ما أخمدت يلقى ... عليها المندل الرطب وقال صاحب الصحاح -رحمه الله: المندلي عطر ينسب إلى المندل، وهي بلاد الهند وانتصب عبيرا، ومندلا على التمييز ويجوز أن يكونا حالين أي: مشبها ذلك والضمير في يذكو للهاء، أو الإسكان وموضع الجملة من يذكو نصب على الحال؛ لأن إثبات الهاء في الوقف ساكنة لا كلام فيه والله أعلم. 654- وَتُبْدُونَهَا تُخْفُونَ مَعْ تَجْعَلُونَهُ ... عَلَى غَيْبِهِ "حَـ"ـقًّا وَيُنْذِرَ "صَـ"ـنْدَلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 يعني: "يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا"1. وجه الغيب فيه الرد على قوله: {إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ} 2. والخطاب لقوله: {قُلْ إِي} 3، قل لهم ذلك، وقوله: وعلمتم على قراءة للغيب التفات والغيب في: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} يرجع إلى الكتاب، فيكون فعل الإنذار مسندا إلى الكتاب والخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- وصندلا تمييز أو حال على ما سبق في عبيرا، ومندلا عطف جميع ما في هذا البيت على ما في البيت السابق؛ أي: وهذا المذكور في هذا البيت يذكو صندلا كما ذكا ذاك عبيرا ومندلا، وقوله: على غيبة أي: على ما فيه من الغيبة فهو في موضع الحال كقولك: هو على حداثته يقول الشعر أي: ويذكو يبدونها وما بعده على غيبه حقا مصدر مؤكد، والصندل شجر طيب الرائحة والله أعلم. 655- وَبَيْنَكُمُ ارْفَعْ "فِـ"ـي "صَـ"ـفَا "نَفَرٍ" وَجَا ... عِلُ اقْصُرْ وَفَتْحُ الكَسْرِ وَالرَّفْعِ "ثُـ"ـمِّلا أي: كائنا في صفا نفر، فقصر الممدود أو أراد في صلابة الصفا المقصورة؛ لقوة الحجة فيه، قال أبو عبيد: وكذلك نقرؤها بالرفع؛ لأنا قد وجدنا العرب تجعل "بين" اسما من غير "ما"، ويدل على ذلك قوله: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} 3، فجعل "بين" اسما من غير ما وكذلك قوله: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} 4، وقد سمعناه في غير موضع من أشعارها، وكان أبو عمرو يقول: معنى "تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ" تقطع وصلكم فصارت ههنا اسما من غير أن يكون معها ما، قال: وقرأها الكسائي نصبا، وكان يعتبرها بحرف عبد الله لقد تقطع ما بينكم. قال الزجاج: الرفع أجود، ومعناه: لقد تقطع وصلكم، والنصب جائز، المعنى لقد تقطع ما كان من الشرك بينكم، قال أبو علي لما استعمل بين مع الشيئين المتلابسين في نحو بيني وبينك شركة وبيني وبينه رحم وصداقة صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمنزلة الوصلة وعلى خلاف الفرقة فلهذا جاء: لقد تقطع وصلكم.   1 سورة الأنعام، آية: 91. 2 سورة الكهف، آية: 61. 3 سورة الكهف، آية: 78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 قلت: وقيل: المعنى: تفرق جمعكم وتشتت، وقيل اتسع في الظرف فأسند الفعل إليه مجازا كما أضيف إليه في قوله تعالى: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} 1، و {مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} 2، و {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} . وقال عنترة: وَكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشِيَّةً ... بِقَريبِ بَينَ المَنسِمَينِ مُصَلَّمِ وقول أبي عمرو: لقد تقطع وصلكم يعني: أن البين يطلق بمعنى الوصل فلا يكون الظرف متسعا فيه هذا وجه آخر وقراءة النصب على أنه ظرف على أصله والفاعل مضمر دل عليه سياق الكلام؛ أي: لقد تقطع الاتصال بينكم، وقيل: لقد تقطع الذي بينكم، فحذف الموصول، وقيل: تقطع الأمر بينكم، وقيل: بينكم صفة موصوف محذوف؛ أي: لقد تقطع وصل بينكم كقولهم: ما منهما مات، أي: أحد مات وقيل الفاعل: {مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} ؛ أي: لقد تقطع وصل ما زعمتم، كقولك: قام وقعد زيد فأحد الفعلين رافع للفاعل الموجود والآخر فاعله مضمر؛ لدلالة الموجود عليه، وأما قوله: تعالى: "وجاعل الليل سكنا"3، فهذه القراءة موافقة لقوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} 4؛ كلاهما اسم فاعل أضيف إلى مفعوله، وقرأه الكوفيون: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ} جعلوه فعلا ماضيا ومفعولا به؛ لأن فالق بمعنى فلق، فعطفوا "وجعل" عليه أراد فتح الكسر في العين وفتح الرفع في اللام، ومعنى ثمل أصلح والله أعلم. 656- وَعَنْهُمْ بِنَصْبِ اللَّيْلِ وَاكْسِرْ بِمُسْتَقَرْ ... رٌ القَافَ "حَـ"ـقًّا خَرَّقُوا ثِقْلُهُ "ا"نْجَلا أي عن الكوفيين؛ لأنه صار مفعولا وفي قراءة الباقين هو مضاف إليه فكان مجرورًا، وقوله: سبحانه بعد ذلك: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} بالنصب يقوي قراءة الكوفيين؛ أي: وجعل ذلك حسبانا، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} 5، هما بفتح القاف والدال موضع الاستقرار والاستيداع، فالتقدير: فلكم متقر وهو حيث يستقر الولد في الرحم   1 سورة البقرة، آية: 180. 2 سورة الكهف، آية: 61. 3 و4 سورة الأنعام، آية: 96. 5 سورة الأنعام، آية: 98. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 ولكم مستودع وهو حيث أودع المني في صلب الرجل، وإذا كسرت القاف كان اسم فاعل؛ أي: فمنكم مستقر في الرحم؛ أي: قد صار إليها واستقر فيها، ومنكم من هو مستودع في صلب أبيه، فعلى هذه القراءة يكون مستودع اسم مفعول؛ لأن فعله متعدٍّ ولم يتجه في مستقر بفتح القاف أن يكون اسم مفعول؛ لأن فعله لازم فلهذا عدل إلى جعله اسم مكان، وعطف مستودع عليه لفظا ومعنى؛ لإمكان ذلك فيهما والتخفيف والتشديد في: {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ} لغتان والتخفيف أكثر، وفي التشديد معنى التكثير ولهذا قال انجلا؛ أي: ظهر وجهه، وانكشف معناه، وهو التكثير؛ لأن المشركين قالوا: الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وكل طائفة من هؤلاء عالم لا يحصى، ومعنى "وخرقوا"؛ أي: افتروا ذلك يقال خرق واختلق واخترق إذا افترى، والباء في بنصب زائدة أو التقدير، وثمل الفتح أيضا بنصب الليل عنهم. 657- وَضَمَّانِ مَعْ يَاسِينَ فِي ثَمَرٍ "شَـ"ـفَا ... وَدَارَسْتَ "حَقٌّ" مَدُّهُ وَلَقَدْ حَلا أي: هنا ويس يريد: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} 1، {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ} 2. فالضمان في الثاء والميم، فيكون جمع ثمرة كخشب في جمع خشبة أو جمع ثمار ككتب في جمع كتاب أو جمع ثمر كأُسْد في جمع أسد وقيل: هو اسم مفرد لما يجنى كطنب وعنق وأما ثَمَر بفتح الثاء والميم فجمع ثمرة كبقر وشجر وخرز، واختلفوا أيضا في الذي في الكهف، كما يأتي إلا أن حمزة والكسائي جريا فيه على ضم الحرفين كما ضما هنا، وفي يس وعاصم وحده جرى على الفتحتين في الجميع ونافع وابن كثير وابن عامر ضموا في الكهف وحدها، وزاد أبو عمرو إسكان الميم فيها وكل ذلك لغات، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: "وليقولوا دارست"3 على وزن فاعلت؛ أي: دارست غيرك هذا الذي جئتنا به، والباقون بلا ألف "درست"؛ أي: قرأت وهو في الرسم بغير ألف كما في: "جاعل الليل"؛ إلا أن الألفات كثير حذفها في أوساط الكلم من الرسم ثم ذر قراءة أخرى فقال: 658- وَحَرِّكْ وَسَكنْ "كَـ"ـافِيًا وَاكْسِرِ انَّهَا ... "حِـ"ـمى "صَـ"ـوْبِهِ بِالخُلْفِ "دَ"رَّ وَأَوْبَلا أي: حرك السين؛ أي: افتحها وسكن التاء فقل: درست على وزن خرجت فالتاء على هذه القراءة   1 سورة الأنعام، آية: 99. 2 سورة يس، آية: 35. 3 سورة الأنعام، آية: 105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 هي تاء التأنيث الساكنة اللاحقة لأواخر الأفعال الماضية، والتاء في القراءتين السابقتين تاء الخطاب المفتوحة، ومعنى هذه القراءة أي: أمحيت هذه الآيات وعفت ومضت عليها دهور فكانت من أساطير الأولين فأحييتها أنت وجئتنا بها؟ وكافيا حال، ثم قال: واكسر أنها أراد: {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} 1، فألقى حركة الهمزة في أنها على الراء الساكنة من اكسر، فيجوز كسر الراء وفتحها على بناء حركة الهمزة المنقولة، وفيها قراءتان: الكسر لأبي عمرو وابن كثير ولأبي بكر بخلاف عنه وهي ظاهرة؛ لأنها استئناف إخبار عنهم أنهم لا يؤمنون إذا جاءت الآية، ومعنى: "وما يشعركم"، "وما يدريكم"، "إيمانهم" إذا جاءت، فحذف المفعول وابتدأ بالإخبار بنفي وقوعه والقراءة الأخرى بالفتح يوهم ظاهرها أنه عذر للكفرة فقيل إن أنها بمعنى: لعلها وهي في قراءة: أبي "لعلها" ذكر ذلك أبو عبيد وغيره ولعل تأتي كثيرا في مثل هذا الموضع نحو: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} 2، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} 3. وقيل: إنها وما بعده مفعول يشعركم، على أن لا زائدة نحو: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} 4، وهو قول الكسائي والفراء وقيل هو عذر للمؤمنين أنهم لا يعلمون ما سبق به القضاء على الكفار من أنهم لا يؤمنون إذا جاءت الآية على ما قاله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ، وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} 5. وقيل التقدير؛ لأنها إذا جاءت؛ أي: منعنا من الإتيان بالآية أنهم لا يؤمنون إذا جاءت قال الزجاج: زعم سيبويه عن الخليل أن معناها: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، وهي قراءة أهل المدينة قال: وهذا الوجه أقوى وأجود في العربية، والذي ذكر أن لا لغو غالط؛ لأن ما كان لغوا لا يكون بمنزلة لغو، ومن قرأ بالكسر فالإجماع على أن لا غير لغو فليس يجوز أن يكون معنى لفظه مرة لنفي ومرة لإيجاب، وقد أجمعوا على أن معنى أن ههنا إذا فتحت معنى لعل، قلت: وقد تكلم أبو علي في الاصطلاح على هذا واقتصر لمن قال: أن لا لغو، واختار أن يكون التقدير: لأنها؛ أي: فلا نؤتيهموها لإصرارهم على كفرهم عند ورودها، فتكون هذه الآية كقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} 6. أي بالآيات المقترحة وقول الناظم: "حمى صوبه" أضاف حمى إلى الصوب وهو نزول المطر   1 سورة الأنعام، آية: 109. 2 سورة الشورى، آية: 42. 3 سورة عبس، آية: 3. 4 سورة الأنبياء، آية: 95. 5 يونس، الآيتان، 96 و97. 6 سورة الإسراء، آية: 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 والهاء في صوبه للكسر المفهوم من قوله: واكسر ودر؛ أي: تتابع صبه وسيلانه وأوبل؛ أي: صار ذا وبل وقد مضى الكلام فيه في قوله: جودا وموبلا في الإدغام الصغير، وأشار إلى ظهور حجة قراءة الكسر والله أعلم. 659- وَخَاطَبَ فِيهَا يُؤْمِنُونَ "كَـ"ـمَا "فَـ"ـشَا ... وَصُحْبَةُ "كُفْؤٍ فِي الشَّرِيعَةِ وَصَّلا فيها أي: في هذه الآية، وفاعل خاطب: تؤمنون جعله مخاطبا لما كان فيه خطاب، وقد تقدم نظيره، فمن قرأ بالخطاب كان: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} خطابا للكفار، ومن قرأ بالغيبة فالخطاب للمؤمنين، ويجوز أن يكون للكفار على قراءة الكسر وعلى تقدير لعل، والخطاب في الشريعة وصله صحبة كفؤ يعني في قوله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} 1، الخطاب المرسل إليهم والغيبة ظاهرة والله أعلم. 660- وَكَسْرٌ وَفَتْحٌ ضُمَّ فِي قِبَلًا "حَـ"ـمى ... ظَهِيرًا وَلِلْكُوفِيِّ فِي الكَهْفِ وُصِّلا ضم؛ إما فعل ما لم يسم فاعله أو أمر فإن كان لم يسم فاعله فهو صفة لفتح، وحذف مثله بعد قوله: وكسر تخفيفا وأراد كسر ضم وفتح ضم؛ أي: القاف والباء من قبلا مضمومتان فهو كقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} 2، وهذه الصفة المقدرة هي التي سوغت جواز الابتداء بقوله: وكسر وفي قبلا: خبره، وإن كان ضم فعل أمر: كان عدولا عن الوجه الأقوى في الإعراب مع إمكانه إلى الوجه الأضعف حين رفع وكسر وفتح وكان الوجه نصبهما؛ لأنهما مفعول ضم، والظاهر أنه قصد هذا الوجه وغفل عن ضعف الرفع في مثل هذا فقد تكرر منه هذا النظم في قوله: المتقدم والليسع الحرفان حرك، وفاعل حمى ضمير الضم المفهوم من قوله: ضم، وظهيرًا حال منه أو مفعول به؛ أي: حمى من كان له ظهيرًا؛ أي: سعينا يحتج له وينصره وإا كان حلا فمعناه أن قراءة الضم ظهرت على الأخرى بكثرة وجوهها والخلاف في قوله تعالى: {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا} 3، وفي الكهف: {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} 4، يقرآن بضم القاف والباء، وبكسر القاف وفتح الباء قيل القراءتان بمعنى واحد أي: عيانا وقيل: المضموم هنا جمع قبيل وهو الكفيل؛ أي: كفلاء بما وعدناهم، والقبيل أيضا: الجماعة؛ أي: جماعات تشهد   1 سورة الجاثية، آية: 6. 2 سورة التوبة، آية: 62. 3 سورة الأنعام، آية: 111. 4 سورة الكهف، آية: 55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 بصدقك قال الفراء في سورة الأنعام: قبلا: جمع قبيل، وهو: الكفيل، قال: وإنما اخترت ههنا أن يكون القبيل في معنى الكفالة لقولهم: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا} 1، يضمون ذلك قال: وقد يكون قبلا من قبل وجوههم كما تقول: أتيتك قبلا، ولم أك دبرا وقد يكون القبيل: جمعا للقبيلة، كأنك قلت: أو تأتي بالله والملائكة قبيلة قبيلة وجماعة جماعة، وقال في الكهف: "قبلًا": عيانا، وقد يكون قبلا بهذا المعنى، وقد يكون قبلا كأنه طوائف من العذاب مثل قبيل وقبل، قال أبو علي: قال أبو زيد: يقال: لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا وقبلا وقبليا وقبيلا كله واحد، وهو المواجهة ثم أتبع ذلك بكلام طويل مفيد -رحمه الله: 661- وَقُلْ كَلِماتٌ دُونَ مَا أَلِفٍ "ثَـ"ـوَى ... وَفي يُونُسٍ وَالطَّوْلِ "حَـ"ـامِيهِ "ظَـ"ـلَّلا يعني: قرأ هؤلاء كلمة بالإفراد وهو يؤدي معنى الجمع كما تقدم في "رسالاته" في المائدة، ويأتي له نظائر، وأراد: {وَتَمَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} 2، "إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون"3، "وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار"4، أفرد الكوفيون الثلاثة، ووافقهم ابن كثير وأبو عمرو في يونس والطول، وما في قوله: "دون ما ألف" زائدة. 662- وَشَدَّدَ حَفْصٌ مُنْزَلٌ وَابْنُ عَامِرٍ ... وَحُرِّمَ فَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ "إ"ذْ "عَـ"ـلا أراد: {أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} 5، التخفيف والتشديد لغتان، من أنزَل ونزَّل، وحَرَّم بفتح الحاء والراء على إسناد الفعل إلى الله وبضم الحاء وكسر الراء على بناء الفعل للمفعول، وكذا توجيه الخلاف في "فصل لكم" الذي قبله وهو قوله: 663- وَفُصِّلَ "إِ"ذْ "ثَـ"ـنَّى يَضِلُّونَ ضَمَّ مَعْ ... يَضِلُّوا الذِي فِي يُونُسٍ "ثَـ"ـاِبتًا وَلا فقراءة نافع وحفص بإسناد الفعلين إلى الفاعل، وقراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر بإسنادهما إلى المفعول   1 سورة الإسراء، آية: 92. 2 سورة الأنعام، آية: 115. 3 سورة يونس، آية: 97. 4 سورة غافر، آية: 6. 5 سورة الأنعام، آية: 114. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 وقراءة حمزة والكسائي وأبي بكر بإسناد فصل إلى الفاعل، وإسناد حرم إلى المفعول ولم يأتِ عكس هذا ومعنى إذ ثنى أي: أعاد الضمير في فصل إلى اسم الله تعالى قبله فهو مثنًّ بذكره، ويقال: ضل في نفسه وأضل غيره، وأراد: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ} 1، {رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} 2 في يونس، ولا خلاف في فتح التي في صاد: {إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} 3، وسيأتي الخلاف في التي في إبراهيم وغيرها، وقوله: ثابتا حال من مفعول ضم، وولا تمييز؛ أي: نصرًا أو يكون حالا على تقدير: "ذا"، "ولا"، وساق الناظم -رحمه الله- هذه الأبيات الثلاثة على خلاف ترتيب التلاوة، ولكن على ما تهيأ له نظمه، وكان يمكنه أن يقول: وشدد حفص منزل وابن عامر ... وفي كلمات القصر للكوف رتلا وفي يونس والطول ظلل حاميا ... وفصل فتح الضم والكسر ثق ألا وحرم إذ علا يضلون ضم مع ... يضلوا الذي في يونس ثابتا ولا 664- رِسَالاتُ فَرْدًا وَافْتَحُوا دُونَ عِلَّةٍ ... وَضَيْقًا مَعَ الْفُرْقَانِ حَرِّكُ مُثْقِلا يريد قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} 4، وجه الإفراد والجمع فيه كما سبق في: {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} 5 في سورة المائدة، وتكلمنا، ثم على فتح التاء وخفضها، وقوله: وضيقا مع الفرقان، أراد: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} ، {إِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا} 6، شدد الياء وكسرها كل القراء سوى ابن كثير، والقراءتان كما سبق في الميْت والميِّت، ثم تمم الكلام فقال: 665- بِكَسْرٍ سِوَى المَكِّي وَرَا حَرَجًا هُنَا ... عَلَى كَسْرِهَا "إ"لْف "صَـ"ـفَا وَتَوَسَّلا بين التحريك أنه بالكسر ولو لم يبين لكان فتحا لإطلاقه، وقوله: سوى المكي مستثنى من محذوف   1 سورة الأنعام، آية: 119. 2 سورة يونس، آية: 88. 3 سورة ص، آية: 26. 4 سورة الأنعام، آية: 124. 5 سورة المائدة، آية: 67. 6 سورة الفرقان، آية: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 أي: لكل سوى المكي، والرواية بكسر التنوين، وإلا لجاز أن يكون بكسر مضافا إلى سوى المكي، وقوله: ورا حرجا أراد: وراء حرجا بالمد، وإنما قصره ضرورة يريد: {ضَيِّقًا حَرَجًا} 1، كسر راءه نافع وأبو بكر وفتحها الباقون، وهما بمعنى واحدا عند قوم، وقيل: هما كدنفٍ ودنفَ يحتاج الفتح إلى تقدير مضاف؛ أي: ذا حرج؛ لأنه مصدر والكسر اسم فاعل: كحذر وحذر، وقال الشيخ: وإذا تضايق الشجر والتف فلم تطق الماشية تخلله؛ لتضايقه سما حرجا وحرجة فشبه به قلب الكافر؛ لضيقه عن الحكمة، والإلف الأليف وصفا أخلص؛ يعني: على كسر هذه الراء قارئ أليف مخلص متوسل إلى الله تعالى؛ أي: متقرب إليه، وقوله: هنا زيادة في البيان والله أعلم. 666- وَيَصْعَدُ خِفٌّ سَاكِنٌ "دُ"مْ وَمَدُّهُ ... "صَـ"ـحِيحٌ وَخِفُّ الْعَيْنِ "دَ"اوَمَ "صَـ"ـنْدَلا أي: ذو خف؛ أي: ذو حرف خفيف ساكن وهو الصاد في قراءة ابن كثير، والباقون على تحريك الصاد بالفتح وتشديدها دم يعني: على القراءة به، ثم ذكر أن شعبة زاد مدا يعني: بعد الصاد، وأنه وابن كثير معا خففا العين، فقرأ ابن كثير: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ} 2. على وزن يذهب ويعلم وهو ظاهر؛ لأنه مضارع صعد كعلم، وقرأ شعبة يصاعد أصله يتصاعد، فأدغم التاء في الصاد، وقرأ الجماعة: "يَصَّعَدُ" بتشديد الصاد والعين أصله يتصعد فأدغم، ومفعول قوله: داوم محذوف أي: داوم خف الصاد في قراءة ابن كثير وداوم المد بعدها في قراءة أبي بكر وصندلا: حال؛ أي: عطرا مشبها صندلا. 667- وتَحْشُرَ مَعْ ثَانٍ بِيُونُسَ وَهُوَ فِي ... سَبَأْ مَعْ نَقُولُ اليَا فِي الَارْبَعِ "عُـ"ـمِّلا يعني: يحشر الذي بعد يصعد: وهو: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ} 3. والثاني في يونس هو الذي بعده: {كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا} 4.   1 سورة الأنعام، آية: 125. 2 سورة الأنعام، آية: 125. 3 سورة الأنعام، آية: 128. 4 الآية: 45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 وقوله: وهو يعني: يحشر في سبأ مصاحب لقوله: يقول؛ يعني: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ} 1، الياء في الأربع يعني: في يقول مع يحشر في السور الثلاث لحفص والباقون بالنون، ووجه القراءتين ظاهر، ولا خلاف في الأول بيونس والأول بالأنعام أنهما بالنون، وقوله: ونحشر مع ما بعده مبتدأ والياء مبتدأ ثانٍ وخبره عملا؛ أي: اعمل فيها، وقوله: في الأربع من باب إقامة الظاهر مقام المضمر وفيه زيادة فائدة العددية التي اندرج بسببها لفظ يقول فيما فيه الخلاف؛ لأن العدة لا تتم إلا بيقول وعمل وأعمل واحد كأنزل ونزَّل وقصر لفظ الياء ونقل حركة الهمزة في الأربع وأبدل همزة سبا ألفا بعد أن أسكنها بنية الوقف على قراءة قنبل كما يأتي، وكل ذلك سبق له نظائر والله أعلم. 668- وَخَاطَبَ شَامٍ تَعْلَمُونَ وَمَنْ تَكُو ... نُ فِيهَا وَتَحْتَ النَّمْلِ ذَكِّرْهُ "شُـ"ـلْشُلا يعني: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ، وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ} 2 وجه الخطاب أن بعده: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} ، وما بعده إلى آخر الآية، والغيب: رد على ما قبله من قوله: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} 3 وأما: "من يكون له عاقبة الدار"4 هنا وفي القصص فتذكيره وتأنيثه على ما سبق في: "ولا تقبل منها شفاعة"5؛ لأن تأنيث العاقبة غير حقيقي وشلشلا أي: خفيفا. 669- مَكَانَاتِ مَدَّ النُّونَ فِي الكُلِّ شعْبَةٌ ... بِزَعْمِهِمُ الحَرْفَانِ بِالضَّمِّ رُتِّلا مكانات جمع مكانة، وقد تقدم الكلام في نظير ذلك من الجمع والإفراد من "كلمات" و"رسالات"، وغيرهما، وقوله: مد النون؛ لأنه إذا أشبع فتحها صارت ألفا فكان المد فيها، وهو كما سبق في سورة المائدة، وفي العين فامدد، وقوله: في الكل يعني: حيث جاء، والزعم بفتح الزاي وضمها لغتان، وقوله: بزعمهم الحرفان مبتدأ نحو السمن منوان بدرهم؛ أي: الموضعان منه رتلا بالضم، وليس مثل ما تقدم من قوله: واليسع الحفان فقد سبق أنه لو قال: ثم الحرفين بالنصب لكان أجود، وأما هنا فالرفع لا غير:   1 سورة سبأ، آية: 40. 2 سورة الأنعام، آية: 133. 3 سورة الأنعام، آية: 132. 4 سورة الأنعام، آية: 135 والقصص، آية: 27. 5 سورة البقرة، آية: 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 670- وَزَيَّنَ فِي ضَمٍّ وَكَسْرٍ وَرَفْعُ قَتْـ ... ـلَ أَوْلادِهِمْ بِالنَّصْبِ شَامِيُّهُمْ تَلا 671- وَيُخْفَضُ عَنْهُ الرَّفْعُ فِي شُرَكَاؤُهُمْ ... وَفِي مُصْحَفِ الشَّامِينَ بِاليَاءِ مُثِّلا يعني: قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} 1 قراءة الجماعة على أن شركاؤهم فاعل زين والمفعول قتل المضاف إلى أولادهم وقراءة ابن عامر على أن زين فعل لم يسم فاعله، وقتل بالرفع على أنه أقيم مقام الفاعل، وأولادهم بالنصب مفعول قتل؛ لأنه مصدر وشركائهم بالجر على إضافة قتل إليه؛ أي: قتل شركائهم أولادهم كقولك عرف ضرب زيد عمرًا أضيف المصدر إلى الفاعل فانجر وبقي المفعول منصوبا، لكن في قراءة ابن عامر زيادة على هذا، وهو تقديم المفعول على الفاعل المجرور بالإضافة، وسيأتي توجيه ذلك فقوله: وزين مبتدأ، وفي ضم وكسر في موضع الحال؛ أي: كائنا في ضم الزاي وكسر الياء، ورفع قتل عطف على: وزين أولادهم كذلك على حذف حرف العطف وبالنصب في موضع الحال؛ أي: منصوبا وشاميهم تلا جملة من مبتدأ ثان وخبر هي خبر وزين وما بعده؛ أي: تلا على هذه الصورة أو يكون وزين وما بعده مفعولا لقوله: تلا مقدما عليه؛ أي: ابن عامر تلا ذلك وكان التعبير على هذا التقدير يقتضي أن يقول: وقتل بالرفع فلم يزن له فقلب اللفظ لأمن الإلباس؛ لأن من تلا قتل بالرفع فقد تلا الرفع، وقيل: ورفع قتل مبتدأ خبره محذوف؛ أي: وله رفع قتل، وله أولادهم بالنصب، وقوله: وفي مصحف الشامين حذف منه ياء النسبة المشددة، وهذا سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في باب التكبير في قوله: وفيه عن المكين أراد أن مصحف أهل الشام الذي أرسله عثمان -رضي الله عنه- إليهم رسم فيه "شركائهم" بالياء، فدل ذلك على أنه مخفوض فهو شاهد لقراءته كذلك، ولكن لا دلالة فيه على نصب أولادهم، فهو الذي استنكر من قراءته، فيحتمل أن يكون أولادهم مجرورا بإضافة المصدر إلى مفعوله وشركائهم صفة له، قال أبو عمرو الداني: في مصاحف أهل الشام: "أولادهم شركائهم" بالياء، وفي سائر المصاحف: "شركاؤهم" بالواو، قال أبو البرهسم في سورة الأنعام: في إمام أهل الشام وأهل الحجاز: أولادهم شركائهم، وفي إمام أهل العراق: "شركاؤهم"، قلت: ولم ترسم كذلك إلا باعتبار قراءتين فالمضموم عليه قراءة معظم القراء، ويحتمل أيضا قراءة أبي عبد الرحمن السلمي على إسناد زين إلى القتل كما فعل ابن عامر، ولكنه خفض الأولاد بالإضافة، ورفع شركاؤهم على إضمار فعل كأنه قيل من زينه فقال: شركاؤهم فهو مثل ما يأتي في سورة النور: "يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا" بفتح الياء ثم قال رجال؛ أي: يسبحه رجال، وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر، وأما خفض شركائهم فيحتمل قراءة ابن عامر ويحتمل أن يكون نعتا للأولاد،   1 سورة الأنعام، آية: 137. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 وعلى قراءة أبي عبد الرحمن السلمي السابقة وهذا أوجه من القراءة لا استبعاد فيه لفظا ولا معنى، قال الزجاج: وقد رويت شركائهم بالياء في بعض المصاحف، ولكن لا يجوز إلا على أن يكون شركاؤهم من نعت أولادهم؛ لأن نعت أولادهم شركاؤهم في أموالهم، وقال ابن النحاس: فيها أربع قراءات فذكر ما ذكرناه، ونسب قراءة السلمي إلى الحسن أيضا، ونسب القراءة الرابعة إلى أهل الشام، فقال: وحكى غير أبي عبيد عن أهل الشام أنهم قرءوا "زين" بالضم، "قتل" بالرفع، وخفض "أولادهم" "شركائهم" بالخفض أيضا على أن يبدل شركائهم من أولادهم؛ لأنهم شركاؤهم في النسب والميراث، وذكر الفراء القراءتين الأوليين برفع شركائهم ثم قال: وفي بعض مصاحف أهل الشام شركائهم بالياء فإن تكن مثبتة عن الأولين، فينبغي أن يقرأ زين ويكون الشركاء هم الأولاد؛ لأنهم منهم في النسب والميراث، فإن كانوا يقرءون زين بفتح الزاي فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون: أتيتها عشايا، ويقولون في تثنية حمراء: حمرايان فهذا وجه أن يكونوا أرادوا: "زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم"؛ يعني: بياء مضمومة؛ لأن شركائهم فاعل زين كما هو في القراءة العامة، قال: وإن شئت جعلت زين فعلا إذا فتحته لا يلبس ثم يخفض الشركاء باتباع الأولاد قلت: يعني: تقدير الكلام زين مزين فقد اتجه شركائهم بالجر أن يكون نعتا للأولاد سواء قريء زين بالفتح أو بالضم وتفسير الشركاء على قراءة الجماعة هم خدم الأصنام أو الشياطين زينوا للكفرة أن يقتلوا أولادهم بالوأد وبالنحر للآلهة، وعلى قراءة ابن عامر يكون الشركاء هم القاتلين؛ لأنهم لما زينوا للمشركين قتل أولادهم صاروا كأنهم كانوا هم القاتلين في المعنى والله أعلم. 672- وَمَفْعُولُهُ بَيْنَ المُضَافَيْنِ فَاصِل ... وَلَمْ يُلْفَ غَيْرُ الظَرْفِ فِي الشِّعْرِ فَيْصَلا يعني: أن المفعول في قراءة ابن عامر وهو "أولادهم" الذي هو مفعول القتل وقع فاصلا بين المضاف والمضاف إليه؛ لأن قتل مضاف إلى شركائهم، وأكثر النحاة على أن الفصل بين المضافين لا يجوز إلا بالظرف في الشعر خاصة: فهذا معنى قوله: ولم يلف؛ أي: لم يوجد غير الظرف فيصلا بين المضاف والمضاف إليه وأما في كلام غير الشعر فلم يوجد الفصل بالظرف فكيف بغيره ذكر الناظم -رحمه الله- ما اعترض به على قراءة ابن عامر ثم مثل بالظرف فقال: 673- كَلِلَّهِ دَرُّ اليَوْمَ مَنْ لامَهَا فَلا ... تَلُمْ مِنْ سُلِيمِي النَّحْوِ إِلا مُجَهِّلا أراد: بيتا أنشده سيبويه وغيره وهو لعمرو بن قميئة: لما رأت ساتيذ ما استعبرت ... لله در -اليوم- من لامها يريد: لله در من لامها اليوم، أنشد سيبويه أيضا لأبي حية النميري: كما خط الكتاب بكف يوما ... يهودي ... ..... ...... أي بكف يهودي يوما، وأنشد لدرنا بنت عتبة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 هما أخوا في الحرب من لا أخا له أي أخوا من لا أخا له في الحرب قال: وقال ذو الرمة: كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريخ أي كأن أصوات أواخر الميس، وكل هذه الأبيات فصل فيها بالظرف الصريح وبالجار والمجرور بين المضاف والمضاف إليه، ولا يجوز ذلك في غير الشعر، قال سيبويه في قوله: يا سارق -الليلة- أهل الدار بخفض الليلة على التجوز ونصب أهل على المفعولية ولا يجوز يا سارق الليلة أهل الدار إلا في شعر؛ كراهية أن يفصلوا بين الجار والمجرور ثم وقال مما جاء في الشعر قد فصل بينه وبين المجرور قول عمرو بن قميئة فذكر الأبيات المتقدمة وغيرها ثم قال وهذا قبيح ويجوز في الشعر على هذا مررت بخير وأفضل من ثم قال أبو الفتح ابن جني: الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف، وحرف الجر كثير، لكنه من ضرورة الشاعر، وقوله: مليم هو اسم فاعل من ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه؛ أي: من مليم أهل النحو وهو اسم جنس هكذا وقع في روايتنا بلفظ المفرد، ولو كان بلفظ الجمع كان أحسن؛ أي: من مليمي النحو ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين وتقع كذلك في بعض النسخ وهو الأجود وحذفها إنما جاء من الكاتب؛ لأن الناظم أملى، فخفيت الياء على الكاتب؛ لأنها ساقطة في اللفظ؛ أي: الذين تعرضوا لإنكار قراءة ابن عامر هذه من النحاة على قسمين؛ منهم من ضعفها ومنهم من جهل قارئها، وكلهم قد أتى بما يلام عليه؛ لأنه أنكر قراءة قد صحت عن إمام من أئمة المسلمين، لكن من نفى ذلك ولم يجه فأمره أقرب؛ إذ لم يبلغ علة أكثر من ذلك، ومن جهل فقد تعدى طوره فبين أمره ولمه وجهله بما قد خفي عنه؛ فإن هذه القراءة قد نقلها ابن عامر عمن قرأها عليه، ولم يقرأها من تلقاء نفسه، وسيأتي توجيهها، قال أبو عبيد: وكان عبد الله بن عامر وأهل الشام يقرءونها "زين" بضم الزاي، "قُتِلَ"، بالرفع، "أولادهم" بالنصب، "شُرَكَائِهِمْ" بالخفض ويتأولونه "قتل شركائهم أولادهم"، فيفرقون بين الفعل وفاعله، قال أبو عبيد: ولا أحب هذه القراءة؛ لما فيها من الاستكراه، والقراءة عندنا هي الأولى؛ لصحتها في العربية مع إجماع أهل الحرمين والبصرتين بالعراق عليها، وقال أبو علي: فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول والمفعول به مفعول المصدر، وهذا قبيح قليل في الاستعمال، ولو عدل عنها إلى غيرها كان أولى؛ ألا ترى أنه إذا لم يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام وحال السعة مع اتساعهم في الظروف حتى أوقعوها مواقع لا يقع فيها غيرها نحو: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} 1.   1 سور المائدة، آية: 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 تلقون للهجر حولا كميلا: ولا تلحني فيها فإني لحبها ... أخاك مصاب القلب جم بلابله ألا ترى أنه قد فصل بين أن واسمها بما يتعلق بخبرها ولو كان بغير الظرف لم يجز ذلك فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظرف في الكلام، وإنما جاء في الشعر فأن لا يجوز في المفعول به الذي لم يتسع فيه بالفصل به أجدر، وقال الزمخشري: وأما قراءة ابن عامر بالفصل بينهما بغير الظرف فشيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان سمجا مردودا، فكيف به في الكلام المنثور، فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته. قال: والذي حمله على ذلك أنه رأى في بعض المصاحف "شركائهم" مكتوبا بالياء ولو قريء بجر الأولاد والشركاء؛ لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب. قلت: فإلى هذا الكلام وشبهه أشار الناظم يلوم قائله، ثم ذكر وجه هذه القراءة فقال: 674- وَمَعْ رَسْمِهِ زَجَّ القَلُوصَ أَبِي مَزَا ... دَةَ الأَخْفَشُ النَّحْوِيُّ أَنْشَدَ مُجْمِلا أي ومع كون الرسم شاهدا لقراءة ابن عامر وهو جر "شركائهم"، وأما نصب الأولاد فليس فيه إلا النقل المحض؛ لأن الرسم كما يحتمل نصب الأولاد يحتمل أيضا جرها كما سبق، وهو الذي رجحه أهل النحو على القول باتباع هذا الرسم؛ أي: مع شهادة هذا البيت الذي ورد أيضا بالفصل بين المضافين بالمفعول به، وهو ما أنشده الأخفش، ولعله أبو الحسن سعد بن مسعدة النحوي صاحب الخليل وسيبويه: فزججتها بمزجة ... زج القلوص أبي مزادة أي زج أبي مزادة القلوص فالقلوص مفعول، ويروى: فزججتها متمكنا، ويروى: فتدافعت، قال الفراء في كتاب المعاني بعد إنشاده لهذا البيت: وهذا مما كان يقوله: نحويُّو أهل الحجاز، ولم نجد مثله في العربية، وقال في موضع آخر: ونحويُّو أهل المدينة ينشدون هذا البيت والصواب: زج القلوص بالخفض، وقال أبو العلاء أحمد بن سليم المعري "في كتاب شرح الجمل": واختار قوم أن يفصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالمصدر كما يفصل بينهما بالظرف، قال: وليس ذلك ببعيد، وقد حكي أن بعض القراء قرأ: "فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ" على تقدير مخلف رسله وعده، قال: وزعموا أن عيسى ابن عمر أنشد هذا البيت: فزججته متعرضا ... زج القلوص أبي مزاح قال: هكذا الرواية عنه، وقد روي أبي مزادة، قال أبو علي الفارسي: وجه ذلك على ضعفه وقلة الاستعمال له: أنه قد جاء في الشعر الفصل على حد ما قرأ، قال الطرماح: يطفن بحوزي المراتع لم ترع ... بواديه من قرع القسي الكنائن قال: وزعموا أن أبا الحسن أنشد: "زج القلوص أبي مزادة"، فهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر، قال ابن جني في بيت الطرماح: لم نجد فيه بدا من الفصل؛ لأن القوافي مجرورة، قال: في زج القلوص فصل بينهما بالمفعول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 به هذا مع قدرته على أن يقول: زج القلوص أبو مزادة، كقولك سرني أكل الخبز زيد قال: وفي هذا البيت عندي دليل على قوة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم، وأنه في نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول؛ ألا تراه ارتكب هنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها؟؛ لا لشيء غير الرغبة في إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول، قال أبو الحسن الحوفي: احتج ابن الأنباري لهذه القراءة فقال: قد جاء عن العرب: هو غلام إن شاء الله أخيك ففرق بـ: "إن شاء الله"، ويروى أن عبد الله بن ذكوان قال: سألني الكسائي عن هذا الحرف وما بلغه من قرائتنا فرأيته كأنه أعجبه، ونزع بهذا البيت: تنفى يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهم تنقاد الصياريف فنصب الدراهم ورواه غيره بخفض الدراهم، ورفع تنقاد على الصحة قلت: وإنما أعجب الكسائي؛ لأنه وافق عنده ما بلغه من جوازه لغة، ومثله ما أنشده غيره: فداسهم دوس الحصاد الدائس أي دوس الدائس الحصاد، وفي شعر أبي الطيب: سقاها الحجى سقي الرياض السحائب أي سقي السحائب الرياض، قال أبو الحسن بن خروف: يجوز الفصل بين المصدر والمضاف إليه بالمفعول؛ لكونه في غير محله فهو في نية التأخير، ولا يجوز بالفاعل؛ لكونه في محله، وعليه قراءة ابن عامر. قلت: وقد أنشد الشيخ أبو العلاء المعري في شرحه بيتا فيه الفصل بالفاعل وبالجار والمجرور معا وهو: تمرّ على ما تستمرّ وقد شفت ... غلائل عبد القيس منها صدورها أي شفت عبد القيس غلائل صدورها منها. وجاء الفصل أيضا بالمنادى المضاف أنشد ابن جني في كتاب الخصائص: كأن برذون أبا عصام ... زيد حمار دق باللجام قال؛ أي: كأن برذون زيد يا أبا عصام حمار دق باللجام. قلت: ووجدت في شعر أسند إلى الفرس معاوية يخاطب به عمرو بن العاص رحمهما الله تعالى: نجوت وقد بل المرادي سيفه ... من ابن أبي شيخ الأباطح طالب أي من ابن أبي طالب شيخ الأباطح، ففصل بين مضاف ومضاف إليه وهو صفة لذلك المضاف والمضاف إليه، وابن أبي طالب هو: علي -رضي الله عنه- ولا يعد فيما استبعده أهل النحو من جهة المعنى، وذلك أنه قد عهد تقدم المفعول على الفاعل المرفوع لفظا، فاستمرت له هذه المرتبة مع الفاعل المرفوع تقديرا، فإن المصدر لو كان منونا لجاز تقدم المفعول على فاعله نحو أعجبني ضرب عمرا زيد، فكذا في الإضافة، وقد ثبت جواز الفصل بين حرف الجر ومجروره مع شدة الاتصال بينهما أكثر من شدته بين المضاف والمضاف إليه في نحو قوله تعالى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} 1، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} 2. فإن قالوا: ما زائدة فكأنها ساقطة في اللفظ؛ لسقوطها في المعنى. قلت: والمفعول المقدم هو في غير موضعه معنى، فكأنه مؤخر لفظا، ولا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت في الكلام المنثور مثله؛ لأنه نافٍ، ومن أسند هذه القراءة مثبت والإثبات مرجح على النفي بإجماع، ولو نقل لي هذا الزاعم عن بعض العرب أنه استعمله في النثر لرجع عن قوله: فما باله لا يكتفي بناقلي القراءة عن التابعين عن الصحابة -رضي الله عنهم- أجمعين ثم الذي حكاه ابن الأنباري فيه الفصل في غير الشعر بجملة مستقلة مركبة من فعل، وفاعل مع حرف شرط مما يقوي ما ذكرناه أنهم التزموا أن الفصل بالجار والمجرور لم يأت إلا في الشعر، وقد روت الرواة في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الفصل بهما وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "فهل أنتم تاركو لي صاحبي"، و "تاركوا لي أمرائي"؛ أي تاركوا صاحبي لي وتاركوا أمرائي لي فلم يبق لهم تعلق بأنه لم يأت في الكلام المنثور فصل بالمفعول ولا بالظرف ونحوه والله أعلم. قال أبو القاسم الكرماني في لباب التفاسير: قراءة ابن عامر وإن ضعفت في العربية؛ للإحالة بين المضاف والمضاف إليه فقويت في الرواية عالية، وفي كتاب الخصائص لابن جني بأن ما يرد عن العربي مخالفا للجمهور إذا اتفق شيء من ذلك نظر في حال العربي، وفيما جاء به فإن كان فصيحا، وكان ما أورده مما يقبله القياس فإن الأولى أن يحسن الظن به، وقد يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها، أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن أبي الحجاج عن أبي خليفة الفضل ابن الحباب قال: قال ابن عون عن ابن سيرين: قال عمر بن الخطا رضي الله عنه: كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه، فجاء الإسلام، فتشاغلت عنه العرب بالجهاد وغزو فارس والروم، ولهيت عن الشعر وروايته، فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنت العرب في الأمصار راجعوا رواية الشعر، فلم يئوبوا إلى ديوان مدون ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من هلك من العرب بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك وذهب عنهم كثيره. قال: وحدثنا أبو بكر عن أبي خليفة قال: قال يونس بن حبيب: قال أبو عمرو بن العلاء: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرٌ؛ لجاءكم علم وشعر كثير. قال أبو الفتح: إذا كان الأمر كذلك لم يقطع على الفصيح يسمع منه ما يخالف الجمهور بالخطأ ما وجد طريق إلى تقبل ما يورده إذا كان القياس يعاضده. قلت: وقد بينا وجه القياس في هذه القراءة، وقد حان نقلها من طريق صحيح وبالله التوفيق. وقول الناظم رحمه الله: أبي مزادة الأخفش بفتح الهاء من مزادة؛ أراد أن يأتي بلفظ الشاعر، فأبقى الهاء ساكنة فلقيها سكون اللام في الأخفش فلزم تحريكها، ففتحها على حد قوله سبحانه: "الم الله".   1 سورة النساء، آية: 155 والمائدة، آية: 13. 2 سورة آل عمران، آية: 159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 في أول آل عمران، ولو أبدل الهاء تاء على الأصل وفتحها لكان له وجه؛ لأنه واصل وشاعرها أبدلها هاء للوقف، ولكن كان يفوت لفظ الحكاية، وكان بعض الشيوخ يجيزوا قراءته بالتاء، ولم نسمعه من الشيخ أبي الحسن -رحمه الله- إلا بالهاء، واتفق أني رأيت الشيخ الشاطبي -رحمه الله- في المنام، وسألته عنه أهو بالتاء أو بالهاء، فقال: بالهاء والله أعلم. 675- وَإِنْ يَكُنَ انِّثْ "كُـ"ـفْؤَ صِدْقٍ وَمَيْتَةٌ ... "دَ"نَا "كَـ"ـافِيًا وَافْتَحْ حِصَادِ "كَـ"ـذِي "حُـ"ـلا فتح نون يكن بإلقاء حركة همزة أنث إليها ثم حذف الهمزة وكسر الدال من حصاد على حكاية لفظ القرآن وكفؤ صدق منصوب على الحال وكذا كافيا وكذى حلا في موضع الحال؛ أي: كائنا كصاحب حلا وهو جمع حلية أراد: "وإن تك ميتة فهم فيه شركاء"1، فرفع ميتة على أن كان تامة؛ أي: وإن يوجد في بطنها ميتة، وتأنيث ميتة غير حقيقي فلهذا ذكر ابن كثير، ومن نصب ميتة وأنث تكن قدر وإن تكن الأجنة ميتة وهي قراءة أبي بكر، وقراءة الباقين على: وإن يكن ما في بطونها ميتة، وقول الناظم رحمه الله: وميتة يعني بالرفع، وإطلاقه دال على ذلك، والحصاد بفتح الحاء وكسرها لغتان، فالفتح قراءة ابن عامر وأبي عمرو وعاصم ورمزه في البيت الآتي وهو: 676- "نَـ"ـمَا وَسُكُونُ المَعْزِ "حِصْنٌ" وَأَنَّثُوا ... يَكُونُ "كَـ"ـمَا "فِـ"ـي "دِ"ينِهِمْ مَيْتَةٌ "كَـ"ـلا أشار بقوله: نما إلى عاصم ومعناه اشتهر وانتشر من نما المال وغيره ينمي إذا زاد والمعز بإسكان العين وفتحها لغتان اسم جمع لماعز كتجر وخدم ومن أنث يكون ورفع ميتة جعل كان تامة ومن نصب ميتة وأنث يكون فعلى ما تقدم في مثلها في: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} 2. بنصب الفتنة وتأنيث تكن أنث الفعل لتأنيث الخبر أو على تقدير إلا أن تكون الأنعام أو الجنة أو النفس ميتة ومن نصب ميتة، وذكر يكون قدر إلا أن يكون الموجود ميتة وكلا معناه حرس؛ لأن الرفع مع التأنيث قراءة واضحة بخلاف التأنيث مع النصب، وموضع قوله: إن يكون ميتة نصب على البدل من محرما كما تقول لا أحد كريما إلا زيدا أو عمرا فقوله: "أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا"3 كلها معطوفات على موضع أن يكون ميتة سواء قرئت صفة بالنصب أو بالرفع كأنه قال: لا أجد   1 سورة الأنعام، آية: 139. 2 سورة الأنعام، آية: 23. 3 سورة الأنعام: 145. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 محرما إلا ميتة أو دما أو لحم خنزير أو فسقا، ويجوز على قراءة ميتة بالنصب أن تكون المنصوبات بعدها عطفا عليها والله أعلم. 677- وَتَذَّكَّرُونَ الكُلُّ خَفَّ "عَـ"ـلَى "شَـ"ـذَا ... وَأَنَّ اكْسِرُوا "شَـ"ـرْعًا وَبِالخِفِّ "كُـ"ـمِّلا" الكل الكل: يعني: حيث جاء، والتخفيف في الذال لا في الكاف الأصل تتذكرون فمن خفف حذف التاء الثانية، ومن شدد أدغمها في الذال، والشذا بقية القوة، والشدة؛ أي: خف على قوة من الحجج. {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} 1 كسرة على الاستئناف والفتح على حذف حرف الجر أي: ولأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه قال أبو علي: من فتح أن فقياس قول سيبويه أنه حملها على فاتبعوه؛ لأنه قال في قوله: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} 2، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} 3، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} 4 إن المعنى: لهذا فليعبدوا رب ... ولأن هذه أمتكم، ولأن المساجد لله: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} 5. فكذلك قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} 6. قال: ومن خفف يعني: وفتح فإن المخففة في قوله تتعلق بما تتعلق به المشددة، وموضع هذا رفع بالابتداء، وخبره: صراطي، وفي أن ضمير القصة والحديث، والفاء في قوله: فاتبعوه مثل الفاء في قولك بزيد فامرر، وعلى قراءة الكسر عاطفة جملة على جملة وعلى القول الأول زائدة، وقال الفراء: تفتح إن بوقوع اتل عليها، وإن شئت جعلتها خفضا يريد: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} 7، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} 8. وقول الناظم: وبالخف كملا أي: كملت وجوه القراءة فيها؛ لأنها ثلاثة، وقد ذكرها والله أعلم. 678- وَيَأْتِيَهُمْ "شَـ"ـافٍ مَعَ النَّحْلِ فَارَقُوا ... مَعَ الرُّومِ مَدَّاهُ خَفِيفًا وَعَدَّلا   ـ 1 سورة الأنعام، آية: 153. 2 سورة قريش، آية: 18. 3 سورة المؤمنون، آية: 52. 4 و5 سورة الجن، آية: 18. 6 و7 و8 سورة الأنعام، آية: 153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 يعني: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} 1. هنا وفي النحل قرأهما بالياء حمزة والكسائي على التذكير، والباقون بالتاء، ووجههما ظاهر؛ لأن تأنيث الجماعة غير حقيقي، وقرأ حمزة والكسائي أيضا: "فارقوا دينهم"2. وفي الروم على وزن قاتلوا، والباقون "فرقوا" بتشديد الراء من التفريق، والأول من المفارقة وهما متقاربان؛ لأن من فرق دينه فآمن ببعض وكفر ببعض فقد فارق الدين المأمور به والله أعلم. 679- وَكَسْرٌ وَفَتْحٌ خَفَّ فِي قِيَمًا ذَكَا ... وَيَا آتُهَا وَجْهِي مَمَاتِيَ مُقْبِلا خف صفة وفتح؛ أي: افتح من غير تشديد فالقراءة الأخرى بالكسر، والتشديد في الياء مع فتح القاف، وقد تقدم الكلام في: "قِيَمًا" في سورة النساء، ثم ذكر من ياءات الإضافة ياءين أحدهما: "وَجْهِي" للذي فتحها نافع وابن عامر وحفص، والثانية: "ومماتي" فتحها نافع وحده، وقول الناظم: مقبلا حال من محذوف تقديره: خذه مقبلا عليه، وهو اعتراض بين عدد الياءات، ويجوز أن يكون التقدير: أتى ذلك مقبلا وظاهر الكلام فيه معنى حسن فإن الوجه معناه القصد فكأنه قال: وجهي مماتي في حال كون الممات مقبلا إلى الإنفكاك لي منه والله أعلم. 680- وَرَبِّي صِرَاطِي ثُمَّ إِنِّي ثَلاثَةٌ ... وَمَحْيَايَ وَالإِسْكَانُ صَحَّ تَحَمُّلا أراد: {رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ} 3، فتحها نافع وأبو عمرو، و: {صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} 4، فتحها ابن عامر وحده، "إني" في ثلاثة مواضع: {إِنِّي أُمِرْتُ} 5، فتحها نافع وحده.   1 سورة الأنعام، آية: 158. 2 سورة الأنعام، آية: 159. 3 سورة الأنعام، آية: 161. 4 سورة الأنعام، آية: 153. 5 سورة الأنعام، آية: 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ} 1، {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ} 2، فتحهما الحرميان وأبو عمرو، و"محياي" أسكنها قالون وورش بخلاف عنه فهي ثمان ياءات، ثم أكد صحة الإسكان في "محياي" من جهة النقل بقوله: والإسكان صح تحملا؛ لأن النحاة طعنوا فيه كما سبق ذكره، ونصب تحملا على التمييز، وإنما قال ذلك لأجل ما قاله أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز قال: أوجه الروايتين، وأولاهما بالصحة رواية من روى الإسكان؛ إذ هو الذي رواه ورش عن نافع دون غيره، وإنما الفتح اختيار من ورش، وقد كان له اختيار يأخذ به يخالف فيه ما رواه عن نافع، وربما لم يبينه للقارئ متحملة عنه على أنه يرويه عن نافع، وقال أبو الأزهر، وداود بن أبي طيبة: أمرني عثمان بن سعيد أن أنصبها مثل "مثواي"، وزعم أنه أقيس في النحو، وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لي عثمان بن سعيد: وأحب إلي أن ينصب "محياي" ويوقف "مماتي". قلت: ونعم ما اختاره ورش من فتح ياء "محياي"، وقد أتى في باب ياءات الإضافة تقرير ذلك، وفيها زائدة واحدة: {وَقَدْ هَدَانِ} ، {وَلا أَخَافُ} 3، أثبتها في الوصل أبو عمرو وحده وانتظمت "لي" موضع قوله: والإسكان صح تحملا فقلت: ... زيدت "قد هداني" لمن تلا:   1 سورة الأنعام، آية: 15. 2 سورة الأنعام، آية: 74. 3 سورة الأنعام، آية: 80. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 سورة الأعراف : 681- وَتَذَّكَّرُونَ الغَيْبَ زِدْ قَبْلَ تَائِهِ ... "كَـ"ـرِيمًا وَخِفُّ الذَّالِ "كَـ"ـمْ "شَـ"ـرَفًا "عَـ"ـلا أي زاد ابن عامر ياء فقرأ: "قليلا ما يتذكرون"1، وخفف الذال، والباقون لم يزيدوا هذه الياء الدالة على الغيب وهم في تخفيف الذال وتشديدها مختلفون على ما سبق في الأنعام، وإنما احتاج إلى إعادة الكلام في تخفيف الذال هنا لأجل زيادة ابن عامر على تخفيفها، وقد سبق الكلام في تعليل مثل هذه القراءات، وفي معنى قوله: كم شرفا علا في سورة النساء والله أعلم. 682- مَعَ الزُّخْرُفِ اعْكِسْ تُخْرَجُونَ بِفَتْحَةٍ ... وَضَمٍّ وَأُولَى الرُّومِ "شَـ"ـافِيهِ "مُـ"ـثِّلا أراد {وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ، يَا بَنِي آدَمَ} 2، وفي الزخرف: {بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} 3، والأولى من الروم: {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ، وَمِنْ آيَاتِهِ} 4، احترز من الثانية وهي: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} 5؛ فإنهم أجمعوا على أن الفعل فيه مسندا إلى الفاعل، فاختلفوا في المواضع الثلاثة المذكورة، فقرأها حمزة والكسائي وابن ذكوان كذلك مسماة للفاعل، وقرأها غيرهم على بناء الفعل للمفعول، ووجه القراءتين ظاهر؛ لأنهم أخرجوا فخرجوا فقوله: بفتحة: يعني: في التاء وضم يعني: في الراء ولو قال: بفتحة فضم فعطف بالفاء كان أجود من الواو هنا؛ لأن قراءة الباقين أيضا بضم وفتحة والواو لا تقتضي ترتيبا وإذا قيل ذلك بالفاء بان أن الضم بعد الفتحة، فيفهم أنها على إسناد الفعل إلى الفاعل، وفائدة قوله: اعكس أن يجعل مكان فتحة التاء ضمة ومكان الضم فتحا، ولولا قوله: اعكس لجعلت مكان الفتحة كسرة؛ لأنها ضدها.   1 سورة الأعراف، آية: 30. 2 سورة الأعراف، آية: 26 و27. 3 سورة الأعراف، آية: 11. 4 سورة الروم، آية: 19 و20. 5 سورة الروم، آية: 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 683- بِخُلْفٍ "مَـ"ـضى فِي الرُّومِ لا يَخْرُجُونَ "فِـ"ـي ... "رِ"ضا وَلِباس الرَّفْعُ "فِـ"ـي "حَقِّ نَـ"ـهْشَلا أي: عن ابن ذكوان خلاف في أولى الروم المذكورة، وقوله: مضى رمزه ولو لم يرمز لكان معلوما؛ لأن ذكره للخلف مهما أطلقه بعد رمزين أو أكثر رجع إلى آخر رمز هذه عادته، ولكنه اضطر هنا إلى كلمة يتزن البيت بها فلو أتى بغير ما في أوله ميم لأوهم رمزا لغير ابن ذكوان فكان رمز الميم أولى، ولأن فيه زيادة بيان، ويجوز أن يقال هذا الموضع لا نظير له؛ فإن المواضع التي يطلق فيها الخلف بعد رمز متعدد يكون الخلف فيها راجعا إلى الحرف المرموز له، وهنا رجع الخلف إلى بعض المذكور وهو موضع واحد من ثلاثة، فلو قال: بخلف الذي في الروم لظن أن الخلف فيه للجميع، وأن الموضعين الآخرين لا خلف فيهما، فأزال الوهم بالرمز والله أعلم. ثم قال: {لا يُخْرَجُونَ} يعني الذي في الجاثية: {فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا} 1؛ انفرد حمزة والكسائي عن ابن ذكوان بقراءته بفتح الياء وضم الراء وهو مشتبه بالذي في الحشر: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} 2، فليس في فتح يائه خلاف، وقوله: في رضى؛ أي: كائن في رضى من قبول العلماء له، وفي ظاهر العبارة أيضا معنى حسن وهو أن الكفار لا يخرجون مرضيا عنهم بل يخرجون من عذاب إلى عذاب أعاذنا الله برحمته، والقراءتان في جميع ذلك مثل "يرجعون" و"يرجعون"، وأما: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} 3 بالنصب فعطف على ما قبله، قال أبو علي: ومن رفع قطع اللباس في الأول واستأنف به فجعله مبتدأ، وقوله: ذلك صفة أو بدل أو عطف بيان، ومن قال: إن ذلك لغو يعني: فصلا لم يكن على قوله: دلالة؛ لأنه يجوز أن يكون على حد ما ذكرنا وخير خبر اللباس، والمعنى لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به، وأقرب له إلى الله تعالى مما خلق له من اللباس والرياش الذي يتجمل به، وأضي اللباس إلى التقوى كما أضيف إلى الجوع والخوف في قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} 4. وقال غير أبي علي: ولباس بالرفع خبر مبتدأ؛ أي: وهو لباس التقوى فيكون وهو ضمير اللباس المواري للسوأة سماه لباس التقوى؛ لستره العورة؛ لأن كشفها محرم ينافي التقوى وإليه الإشارة بقوله: {ذَلِكَ خَيْرٌ} ؛ أي: خير في نفس الأمر؛ أي: خير من الريش المتجمل به والذي يظهر من قراءة النصب أنه استعار التقوى   1 سورة الجاثية، آية: 26. 2 سورة الحشر، آية: 12. 3 سورة الأعراف، آية: 26. 4 سورة النحل، آية: 112. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 لباسا كما استعار للجوع والخوف مجازًا ثم أشار إليه بقوله: "ذلك خير"؛ أي: مما تقدم أو المجوع خير في نفسه أو خير من عدمه كما قال سبحانه في موضع آخر: {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} 1. وإذا دلتنا قراءة النصب على أن لباس التقوى غير اللباس المواري للسوأة فالأولى جعل قراءة الرفع كذلك، فيكون مبتدأ وذلك إشارة إليه للعلم به والحث عليه من الشارع في عدة مواضع وما أحسن قول الشاعر: إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى ... تقلب عريانا وإن كان كاسيا وإعراب قول الشاطبي: ولباس الرفع كما سبق في قوله: والميتة الخف خولا في آل عمران وقد سبق تفسير قوله: في حق نهشلا في سورة النساء؛ أي: يتسلى بذلك المنقول من الضعفاء العاجزين عن لباس الزينة في الدنيا والله أعلم. 684- وَخَالِصَةٌ "أَ"صْلٌ وَلا يَعْلَمُونَ قُلْ ... لِشُعْبَةَ فِي الثَّانِي وَيُفْتَحُ "شَـ"ـمْلَلا هذا البيت جامع لثلاث مسائل استعمل فيها الرفع والغيب والتذكير وهي الأمور التي يستغنى بها لفظا عن القيد. المسألة الأولى: {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 2. القراءة فيها دائرة بين الرفع والنصب، فكان إطلاقه لها من غير قيد دليلًا على أنه أراد الرفع لمن رمز له وهو نافع وحده فالباقون بالنصب، فوجه الرفع أن يكون "خالصة" خبر المبتدأ الذي هو هي، وقوله: {لِلَّذِينَ آمَنُوا} متعلق بالخبر، وفي الحياة: معمول آمنوا؛ أي: هي خالصة يوم القيامة للمؤمنين في الدنيا، ويجوز أن يكون للذين آمنوا خبر المبتدأ وخالصة خبر بعد خبر وفي الحياة الدنيا معمول الأول؛ أي: استقرت في الدنيا للمؤمنين وهي خالصة يوم القيامة، وخالصة بالنصب على الحال أي: هي للمؤمنين في الدنيا عى وجه الخلوص يوم القيامة بخلاف الكافرين؛ فإنهم وإن نالوها في الدنيا فما لهم في الآخرة منها شيء، وذكر أبو علي وجوهًا كثيرة فيما يتعلق به قوله: في الدنيا قال الشيخ: ومعنى قوله: أصل، أنها خلقت للذين آمنوا بطريق الأصالة في الدنيا والآخرة وإنما شاركهم غيرهم في الدنيا بطريق التبعية. المسألة الثانية: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} 3. القراءة فيها دائرة بين الغيب والخطاب فكان إطلاقه لها من غير قيد دليلًا على أنه أراد الغيب لشعبة وحده والباقون بالخطاب، ووجه القراءتين ظاهر سبق لهما نظائر، وقوله: في الثاني احترز به من قوله تعالى:   1 سورة البقرة، آية: 232. 2 سورة الأعراف، آية: 32. 3 سورة الأعراف، آية: 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 1. فإنه بالخطاب من غير خلاف فإن قلت: هلا قال في الثالث فإن قبل هذين الموضعين ثالثا وهو: {إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 2. وهو أيضا بالخطاب بلا خلاف قلت: أراد الثاني بعد كلمة خالصة التي ذكر الخلاف فيها ولم يحتج إلى الاحتراز عما تقدم خالصة فإن ذلك يعلم أنه لا خلاف فيه؛ لأنه تعداه ولو كان فيه خلاف لذكره قبل خالصة، هذا غالب نظمه وإن كان في بعض المواضع يقدم حرفا على حرف على ما يواتيه النظم، ولكن الأصل ما ذكرناه، ونظير ما فعله هنا ما يأتي في سورة يونس من قوله: وذاك هو الثاني يعني: لفظ ننجي بعد نجعل وهو ثالث إن ضممت إليه آخر قبل نجعل على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى، والدليل على أنه يراعي ترتيب الحروف ولا يحتاج إلى أن يحترز عن السابق قوله في سورة المؤمنين: صلاتهم شاف أراد التي بعد أماناتهم، ولم يحترز عن قوله: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} 3؛ لأنها سبقت ذكر أماناتهم، وهذه مواضع حسنة لطيفة يحتاج من يروم فهم هذا النظم أن ينظر فيها واو أنه قال: وخالصة أصل وشعبة يعلمون بعد ولكن لا لما احتاج إلى ذكر ثانٍ ولا ثالث. المسألة الثالثة: "لا يفتح لهم أبواب السماء"4. اختلف فيها في موضعين: أحدهما المذكور في هذا البيت وهو التذكير والتأنيث وكان إطلاق الناظم في قوله: ويفتح شمللا دليلا على أنه أراد التذكير لحمزة والكسائي ووجه القراءتين ظاهر؛ لأن تأنيث الأبواب ليس بحقيقي، وقد وقع الفصل بين الفعل وبينها ثم ذكر الموضع الثاني فقال: 685- وَخَفِّفْ "شَـ"ـفَا "حُـ"ـكْمًا وَما الوَاوَ دَعْ "كَفى" ... وَحَيْثُ نَعَمْ بِالْكَسْرِ فِي العَيْنِ "رُ"تِّلا أي وافق أبو عمرو وحمزة والكسائي على تخفيف "يفتح لهم"، ولم يوافقهما في التذكير فصار فيها ثلاث قراءات: التذكير مع التخفيف والتأنيث مع التخفيف وقراءة الباقين التأنيث مع التشديد فلتخفيف من فتح والتشديد من فتح وقد تقدم نظيرهما، وقوله: وما الواو دع، الواو بالنصب مفعول دع؛ أي: اترك الواو أسقطها من قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ} 5، قرأها ابن عامر كذلك؛ لأن الواو لم ترسم في مصحف الشام وهو نظير قراءته في سورة البقرة:   1 سورة الأعراف، آية: 33. 2 سورة الأعراف، آية: 28. 3 سورة المؤمنون، آية: 2. 4 سورة الأعراف، آية: 40. 5 سورة الأعراف، آية: 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ} 1. والباقون بالواو فيهما على ما رسم في مصاحفهم ووجه إثبات الواو فائدة العطف وسقوطها الاستئناف أو الاستغناء عنها وإليه الإشارة بقوله: كفى قال أبو علي: كأن الجملة ملتبسة بما قبلها، فأغنى القياس به عن حرف العطف قال، ومثل ذلك قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} 2. فاستغني عن الحرف العاطف بالتباس إحدى الجملتين بالأخرى ونعم: بفتح العين وكسرها لغتان وهو حرف مستعمل تارة عدة وتارة تصديقا، وقوله: وحيث نعم؛ أي: وحيث هذا اللفظ موجود في القرآن ففيه هذا الخلاف والله أعلم. 686- وَأَنْ لَعْنَةُ التَّخْفِيفِ وَالرَّفْعُ "نَـ"ـصُّهُ ... "سَما" مَا خَلا البَزِّي وَفِي النُّورِ "أُ"وصِلا يريد {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} 3. وتخفيفه في نون أن والرفع في آخر "لعنة"؛ لأنه إذا خففت أن بطل عملها، وارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر وأضمر بعد أن ضمير الشأن، وقرأ نافع وحده بمثل هذا في سورة النور في قوله سبحانه: {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} 4. وكذلك يقرأ أيضا: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ} 5 على ما سيأتي في مكانه، وقراءة الباقين ظاهرة في المواضع الثلاثة بتشديد أن ونصب ما بعدها على أنه اسمها وأسكن ياء البزي وخففها ضرورة والله أعلم. 687- وَيُغْشِي بِها وَالرَّعْد ثَقَّلَ "صُحْبَةٌ" ... وَوَالشَّمْسُ مَعْ عَطْفِ الثَّلاثَةِ كَمَّلا يريد: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} 6 بهذه السورة وبالرعد التخفيف فيها والتشديد لغتان، ويقال: أغشى وغشى، مثل: أنزل ونزل وأما: {وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} 7، فقرئت الأربعة بالرفع والنصب أما الرفع فعلى الابتداء والخبر مسخرات وأما النصب فعلى تقدير:   1 سورة الكهف، آية: 4. 2 سورة الكهف، آية: 22. 3 سورة الأعراف، آية: 44. 4 و5 سورة النور، آية: 7 و9. 6 سورة الأعراف، آية: 7. 7 سورة النحل، آية: 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 وخلق الشمس والقمر والنجوم مسخرات، فيكون نصب مسخرات على الحال أو يكون على إضمار جعل فيكون مسخرات مفعولا به فقوله: "وَالشَّمْسَ" أدخلا واو العطف الفاصلة على واو التلاوة، وأطلق لفظ الشمس ولم يقيد حركتها؛ ليعلم أنها رفع، ثم قال: مع عطف الثلاثة يعني: بالثلاثة "وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَات"، وهذه الثلاثة منها اثنان معطوفان وثالث وهو "مُسَخَّرَات" ليس معطوفا، لكنه في حيز ما عطف، فأعطاه حكمه، فلهذا قال: مع عطف الثلاثة؛ أي: مع الثلاثة المتصفة بالعطف فهو من باب سحق عمامة؛ أي: عمامة موصوفة بأنها سحق؛ أي: ذات سحق بمعنى بالية فكذا هذه الثلاثة موصوفة بأنها ذات عطف؛ أي: معطوفة، وقوله: كمل الرفع في الأربعة، والفاعل هو القارئ أو هذا اللفظ؛ لأن التكميل فيه كما سبق في خاطب. 688- وَفِي النَّحْلِ مَعْهُ فِي الأَخِيرَيْنِ حَفْصُهُمْ ... وَنُشْرًا سُكُونُ الضَّمِّ فِي الكُلِّ "ذَ"لِّلا معه؛ أي: مع ابن عامر في رفع الأخيرين حفص؛ أي: وافقه على رفع: {النُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ} في سورة النحل، ولم يوافقه على رفع: {وَالشَّْسَ وَالْقَمَرَ} في النحل، ولا على رفع الأربعة هنا في عبارة الناظم نظر، وذلك أنها لا تخلو من تقديرين وكلاهما مشكل أحدهما أن يكون تقدير الكلام حفص وابن عامر على الرفع في الأخيرين في النحل فهذا صحيح، ولكن لا يبقى في نظمه دلالة على أن ابن عامر يرفع الأولين في النحل؛ لأن لفظه في البيت الأول لم يأتِ فيها مما يدل على الموضعين ولفظه في هذا البيت لم يتناول لا الأخيرين، والتقدير الثاني أن يكون في النحل متعلقا بالبيت الأول كأنه قال: برفع هذه الأربعة هنا، وفي النحل ثم ابتدأ، وقال: معه في الأخيرين حفص، وهذا وإن كان محصلا لعموم رفع الأربعة في الموضعين لابن عامر فلا يبقى في اللفظ دلالة على أن حفصا لم يوافقه لا على رفع الأخيرين في النحل فقط بل يبقى ظاهر الكلام أن حفصا موفقة على رفع الأخيرين في الموضعين، فلو قال: وفي النحل حفص معه ثم في الأخيرين نشرا إلى آخر البيت لاتضح المعنى بقوله: ثم؛ لدلالته على تخصيص موافقة حفص مما في النحل فقط، والذي في النحل هو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ} 1، فرفع الأربعة ظاهر على ما سبق، ورفع الأخيرين على الابتداء والخبر والشمس والقمر نصبهما على ما توجه به نصب الأربعة وذلك بفعل مضمر وهو: وخلق الشمس أو وفعل الشمس وما بعدهما، فيكون "مسخرات" حالا أو مفعولا به كما مضى أو يقدر هذا الفعل قبل والنجوم، ويكون الشمس والقمر معطوفين على الليل والنهار، وإنما لم نقل ذلك في: "والنجوم مسخرات"؛ لأن الفعل الناصب هو: وسخر، فيصير المعنى: وسخر النجوم مسخرات وهذا غير مستقيم، ويجوز أن يكون المعنى: ونتعلم هذه الأشياء في حال كونها مسخرات لما خلقن له، أو يكون مسخرات بمعنى تسخيرات فيكون مصدرا؛ أي: سخرها أنواعا من التسخير كقوله: سرحه مسرحا، ووقع في تفسير الواحدي خلل في نقل قراءة حفص في النحل، فقال: وقرأ حفص مسخرات بالرفع وحدها، وجعلها خبر مبتدأ محذوف كأنه قال: هي مسخرات، وأما نشرا من قوله تعالى:   1 سورة النحل، آية: 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 "وهو الذي يرسل الرياح نُشرًا"1. وحيث شاء فأسكن شينا مدلول ذللا، ومعنى ذلك: سهل وقرب، وقوله: وسكون الضم مبتدأ ثانٍ، وقامت الألف واللام في الكلمة مقام الضمير العائد على المبتدأ الأول؛ أي: في كله؛ أي: في جميع مواضعه ثم قال: 689- وَفي النُّونِ فَتْحُ الضمِّ "شَـ"ـافٍ وَعَاصِمٌ ... رَوى نُونَهُ بِالبَاءِ نُقْطَةٌ اسْفَلا قرأ حمزة والكسائي بفتح النون وسكون الشين على أنها مصدر في موضع الحال أو مؤكدا؛ أي: ذات نشر أو نشرها؛ أي: نحييها فنشرت نشرا؛ أي: حييت من أنشر الله الموتى فنشرها، وأقام قوله: يرسل الريح مقام ينشرها، قال أبو زيد: أنشر الله الريح إنشارا إذا بعثها، وقراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو نشرا بضم النون والشين جمع نشور أو نشر وهي الريح الحية، وقراءة ابن عامر على تخفيف هذه القراءة بضم النون وإسكان الشين، وقراءة عاصم: "بُشْرًا" بباء مضمومة وإسكان الشين جمع بشير من قوله تعالى: {يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} 2؛ أي تبشر بالمطر والرحمة، وقد مضى إعراب لفظ: لقطة أسفلا في سورة البقرة؛ أي: لها لقطة أسفلها قيدها بذلك خوفا من التصحيف والله أعلم. 690- وَرَا مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ خَفْضُ رَفْعِهِ ... بِكُلٍّ "رَ"سَا وَالخِفُّ أُبْلِغُكُمْ "حَـ"ـلا مجموع قوله: "من إله غيره" في موضع خفض بإضافة راء إليه؛ أي: وراء هذا اللفظ حيث ياء خفض رفعها رسا؛ أي: ثبت، ووجه الخفض أنه صفة إلى لفظا والرفع صفة له معنى؛ لأن التقدير ما لكم إله غيره ومن زائد، وأبلغ وبلغ لغتان كأغشى وغشى والقراءة بهما هنا في موضعين وفي الأحقاف، فقول الناظم: والخف مبتدأ وخبر حلا وأبلغكم منصوب بالمبتدأ؛ لأنه مصدر كأنه قال: وتخفيف أبلغكم حلا، فأقام الخف مقام التخفيف، فلما أدخل عليه لام التعريف نصب المضاف إليه مفعولا به، وكان التخفيف مضافا إلى المفعول كما تقول: ضرب زيد حسن، ثم تقول: الضرب زيد أحسن، ومنه قول الشاعر: كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا والأصل عن ضرب مسمع، والله أعلم. 691- مَعَ احْقَافِها وَالوَاوُ زِدْ بَعْدَ مُفْسِدِيـ ... ـنَ "كُـ"ـفْؤًا وَبِالإِخْبَارِ إِنَّكُمُو "عَـ"ـلا أي مع كلمة أحقافها وهي:   1 سورة الأعراف، الآية: 57. 2 سورة الروم الآية: 46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 {وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي} 1. والهاء عائدة على سور القرآن؛ ليعلم بها ثم قال: زد واوا بعد قوله: مفسدين يريد قوله تعالى في قصة صالح: "وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، وقَالَ الْمَلَأُ"2، رسمت الواو في مصحف الشام دون غيره، فقرأها ابن عامر كذلك، وحذفها الباقون كما أنه حذف واو: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ} . وأثبتها الباقون وكفرا: حال من فاعل زد أو من الواو؛ أي: إثباتها مكافيء لحذفها إذ المعنى فيهما واحد قوله: وبالإخبار متعلق بعلا؛ أي: أئنكم علا وارتفع بقراءته على الخبر؛ أي: بهمزة واحدة في قوله: "أئنكم لتأتون الفاحشة"3. أخبر أنهم بما كانوا عليه توبيخا لهم وقرأه الباقون بزيادة همزة الاستفهام الذي بمعنى الإنكار، وهم على أصولهم في تحقيق الثانية وتسهيلها، والمد بين الهمزتين وترك المد والذي قرأ بالإخبار حفص ونافع، وقد رمز له في أول البيت الآتي. فإن قلت: من أين يتعين أن الاستفهام ضد الإخبار حتى تعلم منه قراءة الباقين وإنما هما قسمان من أقسام الكلام والأمر والنهي والتمني والترجي كذلك. قلت: قد نطق بلفظ الاستفهام في قوله: أئنكم علا، فأغنى عن أحد الضدين: الإخبار وكأن قال: يقرأ هذا اللفظ على الخبر، فيعلم أن قراءة الباقين بهذا اللفظ، ويجوز أن يندرج ذلك تحت الإثبات والحذف فالإخبار حذف لهمزة الاستفهام، وضد إثباتها والله أعلم. 692- "أَ"لا و"عَـ"ـلَى الـ"ـحِرْمِيُّ" إنَّ لَنَا هُنَا ... وَأَوْ أَمِنَ الإسْكَانَ "حَرْمِيُّـ"ـه "كَـ"ـلا "ألا" من تتمة رمز ما سبق وعلى في قوله: وعلى الحرمي: فعل ماض ارتفع به الحرمي وألا: حرف تنبيه أخبر بعد بأن قراءة الحرمين: {إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا} 4. بالإخبار قد علمت ولو كان على حرف جر لكان له معنى مستقيم أيضا؛ أي: على الحرميين قراءة "إن لنا" بالإخبار والواو في وعلى للفصل والعين رمز حفص؛ لأن الواو زائدة على الكلمة فكأنه قال: وحفص بخلاف العين في قوله: وعى نفر فإنها متوسطة، وسيأتي لهذا نظائر: وكم صحبة يا كاف ودون   1 سورة الأحقاف، الآية: 23. 2 سورة الأعراف، الآية: 74. 3 سورة العنكبوت، الآية: 28. 4 سورة الأعراف، الآية: 113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 عناد عم، وحكم صحاب قصر همزة جاءنا، وقد سبق في شرح الخطبة الكلام على هذا، وقوله: "هنا" احترازًا من الذي في الشعراء؛ فإنه بالاستفهام اتفاقا كقراءة الباقين هنا، وأما: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} 1، ففي واوه الإسكان والفتح؛ فالإسكان على أنها حرف أو؛ أي: أفأمنوا هذا أو هذا، وقراءة الجماعة على أنها واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام وهو استفهام بمعنى النفي، وقوله: الإسكان: مبتدأ ثانٍ والعائد إلى الأول محذوف؛ أي: الإسكان فيه ومعنى كلا: حفظ وحرس والله أعلم. 693- عَلَيَّ عَلَى "خَـ"ـصُّوا وَفي سَاحِرٍ بِهَا ... وَيُونُسَ سَحَّار "شَـ"ـفَا وتَسَلْسَلا أي خصوا علي موضع على في قوله تعالى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ} 2. فقراءة نافع واضحة؛ أي: واجب على قول الحق وأن لا أقول على الله غيره، وعلى فى قراءة الجماعة متعلقة برسول وحقيق صفته؛ أي: أني رسول على هذه الصفة، وهي أني لا أقول إلا الحق وحقيق بمعنى حق؛ أي: أنا رسول حقيقة، ورسالتي موصوفة بقول الحق، قال ابن مقسم: حقيق من نعت الرسول؛ أي: رسول حقيق من رب العالمين أرسلت على أن لا أقول على الله إلا الحق، وهذا معنى صحيح واضح، وغفل أكثر المفسرين من أرباب اللغة عن تعلق حرف على برسول، ولم يخطر لهم تعلقه إلا بقوله: حقيق، فقال الأخفش والفراء: على بمعنى الباء؛ أي: حقيق بأن لا أقول إلا الحق كما جاءت الباء بمعنى على في: {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ} 3، وتبعهما الأكثرون على ذلك، وذكر الزمخشري أربعة أوجه أخر. أحدها: أن يكون من المقلوب لا من الإلباس كقوله: وتشقي الرماح بالضياطرة الحمر ومعناه: وتشقي الضياطرة بالرماح؛ يعني: فتكون بمعنى قراءة نافع؛ أي: قول الحق حقيق علي، فقلب اللفظ، فصار أنا حقيق على قول الحق، قال: والثاني: أن ما لزمك فقد لزمته فلما كان قول الحق حقيقا عليه، كان هو حقيقا على قول الحق؛ أي: لازما له. والثالث: أن تضمن حقيق معنى حريص كما ضمن هيجني معى ذكرني في بيت الكتاب: يعني قوله: إذا تغنى الحمام الورق هيجني ... ولو تغربت عنها: أم عمار   1 سورة الأعراف، الآية: 98. 2 سورة الأعراف، الآية: 105. 3 سورة الأعراف، الآية: 86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 نصب أم عمار بـ: "هيجني"؛ لأنه استعمله بمعنى ذكرني. قال: والرابع: أن يغرق موسى عليه السلام في وصف نفسه بالصدق؛ أي: أنا حقيق على قول الحق؛ أي: واجب علي أن أكون أنا قائله والقائم به، وكل هذه وجوه متعسفة، وليس المعنى إلا على ما ذكرته أولا، وقراءة حمزة والكسائي: "يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ"1، والباقون: "بكل ساحر"، وكذا في يونس: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} 2، ولا خلاف في الذي في الشعراء أنه "سحَّار" بألف بعد الحاء كما قرأ حمزة والكسائي في الأعراف ويونس وساحر وسحار مثل عالم وعلام وفي التشديد مبالغة، وتقدير نظم البيت وسحار شفا في موضع ساحر في الأعراف ويونس، والمتسلسل الماء الذي يجري في الحلق سائغا سهل الدخول فيه، يشير إلى الميل إليه لموافقته لفظ ما أجمع عليه في الشعراء. 694- وَفِي الكُلِّ تَلْقَفْ خِفُّ حَفْصٍ وَضُمَّ فِي ... سَنَقْتُلُ وَاكْسِرْ ضَمَّهُ مُتَثَقِّلا لفظ في هذا البيت بقراءة حفص، ولفظ بقراءة الجماعة في البقرة عند ذكر تاءات البزي، ويروى: ثلاثا في تلقف والتخفيف، والتشديد في القاف ويلزم التخفيف سكون اللام والتشديد فتحها ولم ينبه عليه للعلم به من لفظه، وقد سبق له نظائر، وقوله: وفي الكل يعني: هنا تلقف وفي طه والشعراء، فقراءة حفص من لقف يلقف كعلم يعلم وقراءة الباقين أصلها تتلقف فحذفت التاء الثانية تخفيفا كقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} 3. وتقدير النظم: وتلقف مخفف حفص في الكل وأما: {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ} 3؛ فالضم في النون وكسر الضم مع التشديد في التاء ومتثقلا: حال من المكسور وهو الضم الذي بمعنى المضموم ثم تمم الكلام في ذلك فقال: 695- وَحَرِّكْ "ذَ"كَا "حُـ"ـسْنٍ وَفِي يَقْتُلُونَ "خُـ"ـذْ ... مَعًا يَعْرِشُونَ الكَسْرُ ضُمَّ "كَـ"ـذِي "صِـ"ـلا أي حرك القاف بالفتح، فيصير مستقبل قتَّل بتشديد التاء، والقراءة الأخرى مستقبل قتل بتخفيف   1 سورة الأعراف، الآية: 112. 2 سورة يونس، الآية: 79. 3 سورة القدر، الآية: 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 التاء، وهما ظاهرتان وفي التشديد معنى التكثير وذكا بضم الذال والمد اسم الشمس، وقصره ضرورة؛ أي: هي ذكا حسن يعني: القراءة؛ أي: حرك مشبها شمس حسن ثم قال: وفي يقتلون خذ؛ أي: فيه بما قيد به في سنقتل يعني: {يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ} 1، لم يخففه غير نافع وأما سنقتل فخففه نافع وابن كثير ثم قال: معًا يعرشون يعني: هنا وفي النحل ضم الراء وكسرها لغتان، وقوله: كذي صلا؛ أي: كصاحب صلا، والصلاء بالمد ذكا النار بالقصر واستعارها، وذلك يستعار؛ للتعبير به عن الذكاء الممدود وهو الفطنة؛ أي: ضم الكسر فيه مشبها ذلك والله أعلم. 696- وَفي يَعْكُفُونَ الضَّمُّ يُكْسَرُ "شَـ"ـافِيًا ... وَأَنْجى بِحَذْفِ اليَاءِ وَالنُّونِ "كُـ"ـفِّلا ضم الكاف وكسرها لغتان، وقرأ ابن عامر: "إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ"2، والباقون "أَنْجَيْنَاكُمْ" وكلاهما ظاهر. 697- وَدَكَّاءَ لا تَنْوِينَ وَامْدُدْهُ هَامِزًا ... "شَـ"ـفَا وَعَنِ الْكُوفِيِّ فِي الكَهْفِ وُصِّلا الدكاء بالمد: الرابية الناشرة من الأرض كالدكة؛ أي: جعله كذلك يعني: الجبل ههنا والسد في الكهف أو جعله أرضا مستوية، ومنه ناقة دكاء للمستوية السنام، ودكا بالقصر والتنوين في قراءة الجماعة مصدر بمعنى مدكوكا أو مندكا؛ أي: مندقا، والمعنى دكه دكا: مثل قعد جلوسًا، ومرفوع وصلا ضمير عائد على دكا الممدود غير النون؛ أي: وصل إلينا نقله عن الكوفيين في حرف الكهف والله أعلم. 698- وَجَمْعُ رسَالاتِي "حَـ"ـمَتْهُ "ذُ"كُورُهُ ... وَفي الرُّشْدِ حَرِّكْ وَافْتَحِ الضَّمَّ "شُـ"ـلْشُلا يريد قوله تعالى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي} 3. وقد سبق الكلام في إفراد رسالة وجمعها في سورة المائدة والأنعام، وذكوره بمعنى سيوفه يشير بذلك إلى حجج القراءة وعدالة من نقلها، والرُّشْد والرَّشَد لغتان كالبُخْل والبَخَل وقيل الرشد بالضم الصلاح وبالفتح الدين، ولهذا أجمع على ضم: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} ، وعلى فتح: {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} ؛ أي: حرك الشين بالفتح وافتح ضم الراء في حال خفته.   1 سورة الأعراف، الآية: 141. 2 سورة الأعراف، الآية: 141. 3 سورة الأعراف، الآية: 144. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 699- وَفِي الكَهْفِ "حُـ"ـسْنَاهُ وَضَمُّ حُلِيِّهِمْ ... بَكَسْرٍ "شَـ"ـفَا وَافٍ وَالِاتْبَاعُ ذُو حُلا أي وفتح الذي في الكهف أبو عمرو وحده، وهو قوله تعالى: {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} ، وضمه الباقون، وقبل هذا الحرف في الكهف موضعان لا خلاف في فتحهما، وهما: {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} ، {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} ؛ وذلك لموازنة رءوس الآي قبلهما وبعدهما نحو "عجبا"، "عددا"، "أحدا"، وأما وجه الإسكان في الثالث المختلف فيه فلأن قبله "علما" وبعده "صبرا" فرشدا بالضم والإسكان يوافقه، فاتفق أن اللفظ المختلف فيه في الصورتين هو واقع في قضية موسى عليه السلام، ولعل الناظم أشار بقوله: "حسناه" إلى حسن القراءتين وهو مصدر على فعلى كحسنى، أو هو تثنية حسن؛ أي: حسنا هذا اللفظ وحسناه قراءتاه، وحلى جمع حلي، الأصل ضم الحاء ومن كسرها أتبعها كسرة اللام فلهذا قال: والاتباع ذو حلا؛ تعليلا لهذه القراءة؛ أي: الإتباع معروف في لغة العرب مستحسن عندهم، وليس قوله: ذو حلا برمز؛ فإن رمْز قراءة الكسر في قوله: شفا، والاتباع هي بكسر الحاء وهو يوهم أنه رمز لقراءة أخرى في باديء الرأي فلو كان حذفه وقيد موضع الخلاف في الكهف كان أولى فيقول: وفي ثالث في الكهف حز وحليهم ... بكسر لضم الحاء الاتباع شمللا والله أعلم. 700- وَخَاطَبَ يَرْحَمْنَا وَيَغْفِرْ لَنَا "شَـ"ـذًا ... وَبَا رَبَّنَا رَفْعٌ لِغَيْرِهِمَا انْجَلا أي مشبها شذا أو ذا شذا، وهو العود؛ لأنهما قرءا على الخطاب ونصبا ربنا على حذف حرف النداء وقراءة الباقين على الغيب وإسناد الفعلين إلى ربنا، فلهذا رفع على الفاعلية. 701- وَمِيمَ ابْنَ أُمَّ اكْسِرْ مَعًا "كُفْؤَ" "صُحْبَةٍ" ... وَآصَارَهُمْ بِالجَمْعِ وَالمَدِّ "كُـ"ـلِّلا معا يعني: هنا وفي طه وفتح الميم وكسرها لغتان، وإفراد الإصر وجمعه مضت نظائره، وهو الثقل من التكاليف وغيرها، وكفؤا حال من فاعل اكسر أو مفعوله، وقد مضى في النساء معنى كللا. 702- خَطِيئَاتُكُمْ وَحِّدْهُ عَنْهُ وَرَفْعُهُ ... "كَـ"ـمَا "أَ"لَّفُوا وَالغَيْرُ بِالْكَسْرِ عَدَّلا عنه؛ أي: عن ابن عامر ورفع التاء له ولنافع؛ لأنهما قرءا يغفر بإسناد الفعل إلى المفعول فلزم رفع خطيئتكم لابن عامر وخطيئاتكم لنافع، وإنما كسر الباقون التاء علامة للنصب في "خطيئاتكم"؛ لأنهم يقرءون نغفر بإسناد الفعل إلى الفاعل، فخطيئاتكم مفعوله وأبو عمرو قرأ خطايا على جمع التكسير، فموضعهما نصب ومعنى ألفوا: أجمعوا. 703- وَلكِنْ خَطَايَا "حَـ"ـجَّ فِيهَا وَنُوحِهَا ... وَمَعْذِرَةً رَفْعٌ سِوى حَفْصِهمْ تَلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 أي: وقرأ أبو عمرو في هذه السورة وفي سورة نوح "خطايا" على وزن مطايا، والذي في نوح: "مما خطاياهم أغرقوا"1، وقرأ الباقون بجمع السلامة: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} وهو مشكل؛ إذ لقائل أن يقول: من أين يعلم ذلك؟ فلعل الباقين قرءوا بالإفراد أو بعضهم بجمع السلامة وبعضهم بالإفراد كما قرءوا في الأعراف، فلو أنه قال بعد قوله: والغير بالكسر عدلا كنوح خطايا فيهما حج وحده؛ أي: كحرف نوح، وأبو عمرو قرأ فيهما -أي: في الأعراف ونوح- خطايا لم يبق مشكلا، ولعله اجتزأ عن ذلك بقوله أولا: خطيئاتكم وحده عنه، فكأنه قال: وهذا اللفظ قرأه أبو عمرو هنا وفي نوح خطايا، فبقي الباقون في السورتين على ما لفظ به وهو خطيئاتكم. فإن قلت: هلا قال: والغير بالخفض أو بالجر؛ لأنها حركة إعراب لا بناء؟ قلت: هذه العبارة جيدة في حرف نوح؛ لأنه مجرور، وأما الذي في الأعراف فمنصوب وعلامة نصبه الكسرة فعدل إلى لفظ الكسر؛ لأنه يشمل الموضعين والله أعلم. وأما "مَعْذِرَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ"2، فهو بالرفع: خبر مبتدأ محذوف وبالنصب مصدر أو مفعول له، وقال سيبويه بعد قوله: فقالت حنان ما أتى بك ههنا ومثله في أنه على الابتداء وليس على فعل قوله تعالى: {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا من أمر ليسوا عليه ولكنهم قيل لهم {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا} فقالوا: "مَعْذِرَةً"؛ أي: موعظتنا معذرة إلى ربكم قال ولو قال رجل لرجل: معذرة إلى الله وإليك من كذا وكذا لنصب والله أعلم. 704- وَبِيسٍ بِيَاءٍ "أَ"مَّ وَالهَمْزُ "كَـ"ـهْفُهُ ... وَمِثْلَ رَئِيس غَيْرُ هذَيْنِ عَوَّلا أراد: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} 3، ومعنى أمَّ: قصد فقرأه نافع بتسهيل قراءة ابن عامر، وقراءة ابن عامر بهمزة ساكنة محققة من بئس كحدر كما يقال كبد في كبد، وقراءة غيرهما على وزن فعيل ظاهرة والكل صفة عذاب ومعناه الشدة من قولهم: بؤس الرجل يبؤس بأسا إذا كان شديد البأس فعذاب بئيس: مثل عذاب شديد، ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر من البأاء يقال: بئس يبأس بؤسا وبئسا وبأسا، وقال أبو علي: في قراءة نافع بيس فجعل بئس الذي هو فعل اسما فوصف به مثل: "إن الله ينهى عن قيل وقال". وقوله: عول ليس برمز؛ لأنه صرح بالقارئ في قوله: غير هذين وعولا: خبر غير هذين؛ أي: عول عليه؛ أي: على مثل رئيس فقرأ به والله أعلم.   1 سورة نوح، آية: 25. 2 سورة الأعراف، آية: 164. 3 سورة الأعراف، آية: 165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 705- وَبَيْئَسٍ اسْكِنْ بَيْنَ فَتْحَيْنِ "صَـ"ـادِقًا ... بِخُلْفٍ وَخَفِّفْ يُمْسِكُونَ "صَـ"ـفَا وِلا ألفى همزة اسكن على تنوين بئيس فانفتح وحذفت الهمزة؛ أي: أسكن الياء بين فتح الباء وفتح الهمزة، ولو قال: وبيس الياء بين فتحتين كأن الأولى؛ لئلا يقرأ بهمزة ساكنة بين الباء والياء على وزن فعيل، وكان يستفاد سكون الياء من لفظه بالحرف؛ أي: قرأه أبو بكر على وزن فيعل وهو صفة أيضا كضيغم، والوجه الآخر لأبي بكر مثل الجماعة فهم ذلك من قوله: غير هذين وأمسك ومسك: لغتان وصفا بالتنوين؛ أي: قويا وولاء متابعة وهو تمييز من معناه؛ أي: قويا متابعته أو حال بعد حال؛ أي: ذا متابعة، ويجوز أن يكون صفا بلا تنوين فعلا ماضيا، وفي ولا: الوجهان، ويجوز أن يكون صفا بلا تنوين مضافا إلى ولا؛ أي: قوي متابعته، ويجوز أن يكون مقصورا من الممدود والله أعلم. 706- وَيَقْصُرُ ذُرِّيَّاتِ مَعْ فَتْحِ تَائِهِ ... وَفِي الطُّورِ فِي الثَّانِي "ظَـ"ـهِيرٌ تَحَمَّلا يريد: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم"1. قصره الكوفيون وابن كثير؛ أي: حذفوا ألفه فصار مفردا بعد أن كان جمعا، فلزم فتح الياء؛ لأنه مفعول به، وإنما كانت مكسورة في قراءة الباقين بالجمع؛ لأن الكسر هو علامة النصب في جمع المؤنث السالم، وقال: فتح تائه، ولم يقل نصب لما سبق تقريره في رسالته في سورة المائدة، والثاني في الطور هو: "ألحقنا بهم ذرياتهم". الخلاف في الموضعين واحد، وكلتا القراءتين ظاهرة، ثم قال: 707- وَيَاسِينَ "دُ"مْ "غُـ"ـصْنًا وَيُكْسَرُ رَفْعُ أَوَّ ... لِ الطُّورِ لِلْبَصْرِي وَبِالْمَدِّ "كَـ"ـمْ "حَـ"ـلا زاد معهم أبو عمرو في إفراد الذي في يس، وهو: "أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ"2. ومعنى: دم غصنا؛ أي: مشبها غصنا في الانتفاع بظله وثمره، وكنى بذلك عن تعليم العلم، وأول الطور هو: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} ، قصره أيضا ابن كثير والكوفيون كما فعلوا بالثاني، لكن تاء الأول مرفوعة؛ لأنه فاعل، وأبو عمرو   1 سورة الأعراف، آية: 172. 2 سورة يس، آية: 41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 وابن عامر: جمعاهما وهو معنى قوله: وبالمد كم حلا؛ فتاء الثاني مكسورة لهما؛ لأنه مفعول وتاء الأول مضمومة لابن عامر؛ لأنه فاعل ومكسورة لأبي عمرو؛ لأنه مفعول؛ لأنه يقرأ: "وأتبعناهم ذرياتهم"، مع ما يأتي في سورة الطور. فإن قلت: لم قال: وبكسر، ولم يقل: وبخفض وهي حركة إعراب؟ قلت: لأنه نصب علامته الكسرة. فإن قلت: هلا قال: وبنصب؟ قلت: لما كان المألوف من علامة النصب إنما هو الفتحة خافَ على من لا يعرف النحو أن يفتح التاء في جمع المؤنث السالم، فعدل إلى التعبير بعلامة النصب هنا وهي الكسرة لهذا المعنى وهو حسن. 708- يَقُولُوا مَعًا غَيْبٌ "حَـ"ـمِيدٌ وَحُيْثُ يُلْـ ... ـحِدُونَ بِفَتْحِ الضمِّ وَالكَسْرِ "فُـ"ـصِّلا يريد: {شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا} 1. "وبعده": أو يقولوا الغيب حميد؛ لأنه قبله ما يرجع إليه، والخطاب على الالتفات، ولحد وألحد لغتان، وهو في ثلاث سور هنا: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} 2. وفي النحل: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ} 3. وفي فصلت: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا} 4. ثم ذكر أن الكسائي وافق حمزة في حرف النحل فقال: 709- وَفِي النَّحْلِ وَالاهُ الْكِسَائِي وَجَزْمُهُمْ ... يَذَرْهُمْ "شَـ"ـفَا وَاليَاءُ "غُـ"ـصْنٌ تَهَدَّلا والاه؛ أي: تابع حمزة، والجزم والرفع في: {يَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} 5.   1 سورة الأعراف، آية: 173. 2 سورة الأعراف، آية: 180. 3 سورة النحل، آية: 103. 4 سورة فصلت، آية: 40. 5 سورة الأعراف، آية: 186. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 تقدم مثله في البقرة: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} 1. والياء لله والنون للعظمة ويقال: تهدل الغصن؛ أي: استرخى؛ لكثرة ثمرته، فقراءة حمزة والكسائي بالياء والجزم وقراءة عاصم وأبي عمرو بالياء والرفع، والباقون بالنون والرفع. 710- وَحَرِّكْ وَضُمَّ الكَسْرَ وَامْدُدْهُ هَامِزًا ... وَلا نُونَ شِرْكًا "عَـ"ـنْ "شَـ"ـذَا "نَفَرٍ" مَلا شركا مفعول وحرك ولا نون: يعني: لا تنوين فيه وضم الكسر يعني: في الشين والتحريك عبارة عن فتح الراء فيصير شركاء جمع شريك على وزن كرماء، وشركا على تقدير ذا شرك، ويجوز أن يكون سمى الشريك شركاء على المبالغة، وقوله: عن شذا متعلق بمحذوف؛ أي: آخذا ذلك، والشذا يجوز أن يكون بمعنى بقية النفس؛ أي: خذه عن بقية نفر ملا؛ أي: ثقات، ويجوز أن يكون عبارة عن الطيب وكنى به عن العلم؛ أي: آخذا ذلك عن علم نفر هذه صفتهم، وعبر عن العلم بالشذا؛ لأن العلم طيب العلماء والله أعلم. 711- وَلا يَتْبَعُوكُمْ خَفَّ مَعْ فَتْحِ بَائِهِ ... وَيَتْبَعُهُمْ فِي الظُّلَّةِ "ا"حْتَلَّ وَاعْتَلا يريد: "وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتْبَعُوكُمْ"2؛ التخفيف من تبع مثل علم والتشديد من اتبع مثل اتسق، والظلة هي سورة الشعراء، في آخرها: "وَالشُّعَرَاءُ يَتْبَعُهُمُ"؛ التخفيف في الموضعين لنافع وحده، وكذلك "ويتبعهم" في الظلة، وقوله: احتل؛ أي: حمل ذلك في هاتين الكلمتين وهو تخفيف التاء بإسكانها وفتح الباء واعتلا: ارتفع والله أعلم. 712- وَقُلْ طَائِفٌ طَيْفٌ "رِ"ضىً "حَقُّـ"ـهُ وَيَا ... يَمُدُّونَ فَاضْمُمْ وَاكْسِرِ الضَّمَّ "أَ"عْدَلا قل هنا بمعنى: اقرأ؛ أي: اقرأ هذه الكلمة التي هي "طائف" اقرأها "طيف" للكسائي وأبي عمرو وابن كثير يريد قوله تعالى: {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ} 3. قال أبو عبيدة "طيف من الشيطان"؛ أي: يلم به لما قال أبو زيد: طاف الخيال يطيف طيفا وطاف الرجل يطوف طوفا إذا أقبل وأدبر فمن قرأ "طايف" كان اسم فاعل من أحد هذين، ومن قرأ "طيف"   1 سورة البقرة، آية: 271. 2 سورة الأعراف، آية: 183. 3 سورة الأعراف، آية: 201. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 فهو مصدر أو تخفيف "طيِّف" كـ "ميِّت" ويكون طيف بمعنى: طايف يحتمل الوجهين، وقال أبو علي: الطيف مصدر فكان المعنى: إذا مسهم وخطر لهم خطرة من الشيطان تذكروا، قال: ويكون طايف بمعناه مثل العاقبة والعافية، ويجوز ذلك مما جاء المصدر فيه على فاعل وفاعلة والطيف أكثر؛ لأن المصدر على هذا الوزن أكثر منه على وزن فاعل فالطيف كالخطرة والطائف كالخاطر، وقوله: رضى حقه؛ أي: حقه رضى؛ أي: مرضي وأما: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ} 1، فقراءة الجماعة من مد مثل شد؛ لأنه هو المستعمل في المكروه نحو: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} 2، {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} 3، وقراءة نافع وحده من أمد مثل أعد وهو أكثر ما يستعمل في المحبوب نحو: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ} 4، {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} 5، {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} 6، {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ} 7، {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ} 8. قال أبو علي: فوجهه ههنا أنه بمنزلة قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} 9، وقوله: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} 10. وقيل مد وأمد لغتان يقال مد النهر وأمده بحر آخر وأمددت الجيش بمد: إذا أعنتهم ومددتهم صرت لهم مددا، وقال: سيل أبي مده أنى وأعدلا حال؛ أي: عادلا في بيان وجه ذلك. 713- وَرَبِّي مَعِي بَعْدِي وَإِنِّي كِلاهُمَا ... عَذَابِي آيَاتِي مُضَافَاتُهَا العُلا فيها سبع ياءات إضافة: "رَبِّي الْفَوَاحِشَ"11، أسكنها حمزة وحده. {مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ} ، فتحها حفص وحده. "مِنْ بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ"12.   1 سورة الأعراف، آية: 202. 2 سور البقرة، آية: 15. 3 سورة مريم، آية: 79. 4 سورة الطيور، آية: 22. 5 سورة النمل، آية: 36. 6 سورة نوح: آية: 12. 7 سورة الأنفال، آية: 9. 8 سورة المؤمنون، آية: 55. 9 سورة آل عمران، آية: 21. 10 سورة الليل، آية: 10. 11 سورة الأعراف، آية: 33. 12 سورة اأعراف، آية: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 فتحها الحرميان وأبو عمرو. "إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ"1 في قصة نوح كذلك فتحها أبو عمرو والحرميان. "إِنِّيَ اصْطَفَيْتُكَ"2، فتحها أبو عمرو وابن كثير، فهذا معنى قوله: كلاهما؛ أي: إني وإني كلاهما؛ أي: جاء لفظ: "إني في موضعين، وهذا كما سبق في معنى قوله: معا. "قَالَ عَذَابِيَ أُصِيبُ"3، فتحها نافع وحده. "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ"4، أسكنها ابن عامر وحمزة، ويقع في بعض النسخ "عذابي" وآياتي بإسكان ياء "عذابي"، وإثبات واو العطف في "وآياتي"، وفي بعضها بفتح الياء وحذف الواو وفيها زائدة واحدة في آخرها. "ثُمَّ كِيدُونِي فَلا"5، أثبتها أبو عمرو في الوصل، وعن هشام خلاف في الوصل والوقف وقلت: في ذلك: مضافاتها سبع وفيها زيادة تحلت أخيرا ثم كيدون مع فلا أي هي: {كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ} 6.   1 سورة الأعراف، آية: 15. 2 سورة الأعراف، آية: 59. 3 سورة الأعراف، آية: 144. 4 سورة الأعراف، آية: 146. 5 سورة الأعراف، آية: 195. 6 سورة الأعراف، آية: 195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 سورة الأنفال : 714- وَفِي مُرْدِفِينَ الدَّالَ يَفْتَحُ نَافِعٌ ... وَعَنْ قُنْبُلٍ يُرْوَى وَلَيْسَ مُعَوَّلا أي: وليس معولا عليه قال صاحب التيسير: قرأ نافع "مردفين" بفتح الدال وكذلك حكى لي محمد بن أحمد عن ابن مجاهد أنه قرأ على قنبل قال: وهو واهم. قلت: والقائل بأنه وهم هو ابن مجاهد؛ فإنه قال في كتاب السبعة له من رواية ابن بدهن: قرأت على قنبل "مردَفين" بفتح الدال مثل نافع وهو وهم: حدثني الجمال أحمد بن يزيد عن القواس عن أصحابه مردفين بكسر الدال. قلت: والقواس هو شيخ قنبل، وكان قنبل سنة قرأ عليه ابن مجاهد قد اختلط على ما بيناه عند اسمه في الخطبة في الشرح الكبير، واختار أبو عبيد قراءة الفتح قال: وتأويله: أن الله تعالى أردف المسلمين بهم قال: وكان مجاهد يفسرها ممدين وهو تحقيق هذا المعنى قال وفسرها أبو عمرو "على قراءة الكسر" أردف بعضهم بعضا قال أبو عبيدة: فالإرداف: أن يحمل الرجل صاحبه خلفه ولم يسمع هذا في نعت الملائكة يوم بدر، فإن تأول بعضهم مردفين بمعنى رادفين: لم أحبه أيضا؛ لأن القرآن لم ينزل بهذه اللغة؛ ألا تسمع قوله تعالى: {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} 1، ولم يقل المردفة، وكذلك قوله تعالى: {رَدِفَ لَكُمْ} 2، لم يقل: أردف لكم، وقال الفراء: مردفين: متابعين، يردف بعضهم بعضا ومردفين فعل بهم، قال الزجاج: يقال: أردفت الرجل إذا جئت بعده، فمعنى مردفين: يأتون فرقة بعد فرقة، قال أبو علي: من قال: "مردفين" احتمل وجهين؛ أحدهما: أن يكونوا مردفين مثلهم تقول: أردفت زيدا فيكون المفعول محذوفا في الآية، والآخر: أن يكونوا جاءوا بعدهم، قال أبو الحسن: تقول العرب: بنو فلان مردفوننا؛ أي: يجيئون بعدنا، قال أبو عبيدة: مردفين: جاءوا بعد، وردفني وأردفني واحد فمردفين صفة للألف الذين هم الملائكة ومردفين على أردفوا الناس؛ أي: أنزلوا بعدهم، فيجوز على هذا أن يكون حالا من الضمير المنصوب في ممدكم مردفين بألف من الملائكة والله أعلم. 715- وَيُغْشِي "سَمَا" خِفًّا وَفِي ضَمِّهِ افْتَحُوا ... وَفِي الكَسْرِ "حَقًّـ"ـا وَالنُّعَاسَ ارْفَعُوا وِلا   1 سورة النازعات، آية: 7. 2 سورة النمل، آية: 72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 خفا: تمييز أو حال؛ أي: ارتفع تخفيفه أو ارتفع خفيفا؛ أي: ذا خف يعني: تخفيف الشين مع سكون الغين والباقون بفتح الغين وتشديد الشين وهما لغتان سبق ذكرهما في الأعراف، وزاد ابن كثير وأبو عمرو على تخفيف الشين: فتحها وفتح الياء الأولى وانقلبت الياء الأخيرة ألفا لانفتاح ما قبلها فقرءا مما يغشاكم مضارع غشى كعمى يعمى فهذا معنى قوله: وفي ضمه افتحوا؛ يعني: ضم الباء وفي الكسر يعني: كسر الشين فتحوا أيضا فتحا حقا والتقدير حق ذلك حقا ولزم من قراءتهما يغشى أن يرتفع النعاس على الفاعلية وأن ينتصب في قراءة غيرهما على المفعولية؛ ليتعدى الفعل إليه بالزيادة على غشى همزة أو تضعيفا فهذا معنى قوله: والنعاس ارفعوا؛ أي: لمدلول حقا ولا بالكسر؛ أي: ذوى ولاء؛ أي: متابعة. 716- وَتَخْفِيفُهُمْ فِي الأَوَّلِينَ هُنَا وَلـ ... ـكِنِ اللهُ وَارْفَعْ هَاءهُ "شَـ"ـاعَ "كُـ"ـفَّلا يعني: الأولين: {وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} 1، {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} 2 احتراز من {وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} 3، {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} 4. فإنهما مشددان بلا خلاف وموضع قوله: "ولكن الله" نصب على أنه مفعول وتخفيفهم؛ أي: وتخفيفهم "ولكن الله" في الموضعين الأولين؛ أي: تخفيف هذا اللفظ، ولهذا قال وارفع هاءه؛ أي: الهاء من اللفظ المذكور وهي التي في اسم الله تعالى وفي الأولين هو خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون من جملة ما تعلق بالمبتدأ والخبر شاع، وقوله: وارفع هاءه وقع معترضا؛ لأنه من تتمة القراءة فليس بأجنبي، وقد سبق تعليل القراءتين في: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} 5. وكفلا: جمع كافل ونصبه على التمييز: 717- وَمُوهِنُ بِالتَّخْفِيفِ "ذَ"اعَ وَفِيهِ لَمْ ... يُنَوَّنْ لِحَفْصٍ كَيْدَ بِالخَفْضِ عَوَّلا يريد: {مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} 6، وهنت الشي وأوهنته واحد؛ أي: جعلته واهنا ضعيفا، وتنوين موهن ونصب كيد هو الأصل؛ لأنه اسم فاعل نصب مفعوله وإضافة حفص إضافة تخفيف نحو "بالغ الكعبة" في قراءة الجميع، وبالغ أمره في قراءة حفص أيضا كما سيأتي، ومعنى ذاع انتشر، وقوله: لم ينون؛ أي: لم يقع فيه تنوين لحفص، فالفعل مسند إلى الجار والمجرور ولا ضمير فيه يرجع إلى موهن، أغنى عن ذلك قوله: وفيه وكيد مبتدأ وخبره عول عليه.   1 و2 سورة الأنفال، آية: 17. 3 سورة الأنفال، آية: 43. 4 سورة الأنفال، آية: 63. 5 سورة البقرة، آية: 102. 6 سورة الأنفال، آية: 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 718- وَبَعْدُ وَإِنَّ الْفَتْحُ "عَمَّ عُـ"ـلا وَفِي ... هِمَا العُدْوَةِ اكْسِرْ "حَقًّـ"ـا الضَّمَّ وَاعْدِلا يعني: وبعد موهن: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} 1. الفتح فيه عم علاه أو عم ذا علا، وهو على إضمار حرف الجر؛ أي: ولأن الله مع المؤمنين امتنع عنا فئتكم، وقرأ الباقون بكسر وأن على الاستئناف والعدوة بكسر العين وضمها: لغتان وهي جانب الوادي وقيل المكان المرتفع، وقوله: فيهما؛ لأنها في موضعين: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى} 2، وهي مخصوصة في العلم حكاية لما في القرآن، وإنما موضعها رفع بالابتداء وتقدير الكلام: والعدوة اكسر الضم في موضعيها، ويجوز أن يكون العدوة بدلا من الضمير في فيهما أو في عطف بيان؛ أي: اكسر الضم فيهما ثم بيَّن ما أضمره فقال العدوة كقولك: رأيته زيدًا ومررت به زيد. فإن قلت: كيف بدل مفردًا من ضمير تثنية وأنت لا تقول: رأيتهما زيدًا بل يجب أن تقول زيدا وعمرا أو الزيدين أو نحو ذلك؟ قلت: لما كان المضمر في هذا النظم لفظا متحدًا لم يحتج إلى تثنية اللفظ المثنى؛ بل اللفظ المفرد كافٍ في البيان كالتمييز في "عشرون رجلا" لما كان الغرض بيان حقيقة المعدود المتحد الجنس كفى في بيانه لفظ مفرد فكذا هذا، ولما كان المضمر في قولك: رأيتهما ومررت بهما يحتمل الاختلاف لزم البيان بلفظ التثنية أو ما يقوم مقامه، والكلام في حقا كما سبق إما نعت مصدر محذوف؛ أي: اكسر الضم كسرا حقًّا وهو مصدر مؤكد؛ أي: حق ذلك حقا، والألف في واعدلا بدل عن نون التأكيد الخفيفة أراد واعدلن، قال الشيخ: لأن أبا عبيد زعم أن الضم أعرب اللغتين وأكثرهما، وقد ذكر اليزيدي أن الكسر لغة أهل الحجاز، وأنكر أبو عمرو الضم فاعدل أنت، ويقال: العدوة بالفتح أيضا والله أعلم. 719- وَمَنْ حَيِيَ اكْسِرْ مُظْهِرًا "إِ"ذْ "صَـ"ـفَا "هُـ"ـدًى ... وَإِذْ يَتَوَفَّى أَنِّثُوهُ "لَـ"ـهُ "مُـ"ـلا يريد: {وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} 3؛ أصل هذا المدغم حيي بياءين على وزن عمى فأدغم، أراد كسر الياء الأولى مظهرا لما كان أدغم في قراءة الغير وللباقين افتح مدغما وهما لغتان: نحو عيى وعى وهدى: تمييز أو حال؛ أي: صفا هداه وصفا ذا هدى كما سبق في عم علا وغيره، والتأنيث والتذكير في: {يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ} 4.   1 سورة الأنفال، آية: 19. 2 سورة الأنفال، آية: 42. 3 سورة الأنفال، آية: 42. 4 سور الأنفال، آية: 50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 سبق نظيرهما في: {تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} في آخر الأنعام، واللفظ الفاصل هنا بين الفعل والفاعل أكثر منه ثم فلهذا كان الأكثر هنا على التذكير وثم على التأنيث، والمُلا بضم الميم جمع ملاءة وهي الملحفة كنى بذلك عن الحجج، وقد سبق أيضا تفسيره. 720- وَبِالغَيْب فِيهَا تَحْسَبَنَّ "كَـ"ـمَا "فَـ"ـشَا ... "عَـ"ـمِيمًا وَقُلْ فِي النُّورِ "فَا"شِيهِ "كَـ"ـحَّلا يريد: "ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا"1، فقراءة الخطاب ظاهرة، "الذين كفروا سبقوا" مفعول بلا تحسبن والخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأما القراءة بالغيب فعلى تقدير: ولا يحسبن الرسول أو حاسب، فبقي الذين كفروا سبقوا: مفعولين كما ذكرنا وقيل: الذين كفروا فاعل يحسبن، وسبقوا: المفعول الثاني والأول محذوف تقديره: إياهم سبقوا، كذا قدره أبو علي، وهو معنى تقدير أبي عبيد وغيره حين قالوا: لا تحسبنهم سبقوا، وقيل سد سبقوا مسد المفعولين على تقدير أنهم سبقوا أو أن سبقوا أو بأن قدره أبو علي أيضا، ثم حذفت أن واسمها اختصارا للعلم بمكانها، ومعنى سبقوا فاتوا كما قال سبحانه في موضع آخر: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا} . والذي في النور: "لا يحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض"2، يتوجه فيه جميع الوجوه المذكورة إلا الأخير منها وهو تقدير: أنهم سبقوا؛ لأن لفظ معجزين منصوب نعم يقوم مقامه وجه آخر لا يتأتى هناك، وهو أن يكون معجزين: مفعولا أولا وفي الأرض: مفعولا ثانيا؛ أي: لا تحسبن أن في الأرض من يعجز الله، وقوله: عميما حال من الضمير في فشا ومعناه اشتهر في حال عمومه يشير إلى أنه مقدر بقولنا لا يحسبن أحد وكحلا بالتشديد مبالغة في كحل عينه استعاره هنا على أنه شفا أو بصر ونور وهدى ونحو ذلك والله أعلم. 721- وَإِنَّهُمُ افْتَحْ "كَـ"ـاِفيًا وَاكْسِرُوا لِشُعْـ ... ـبَةَ السَّلْمَ وَاكْسِرْ فِي القِتالِ "فَـ"ـطِبْ "صِـ"ـلا يريد {إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ} 3، كسره على الاستئناف والفتح على تقدير: لأنهم، وقيل: هو مفعول لا يحسبن على تقدير أن "لا" زائدة؛ لأن ابن عامر الذي فتح أنهم يقرأ "لا يحسبن" بالغيب، وتكون زيادة "لا" هنا كما سبق في الأنعام.   1 سورة الأنفال، آية: 59. 2 سورة النور، آية: 57. 3 سورة الأنفال، آية: 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} 1، بكسر السين وفتحها لغتان، واللام ساكنة فيهما، ويقال أيضا: بفتح السين واللام، ومعنى الجميع: المسالمة والمصالحة يريد: "وإن جنحوا للسلم"، ولهذا قال: فاجنح لها لما كان السلم بمعنى المسالمة والذي في سورة القتال: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} 2. ومعنى قوله: فطب صلا أي: ذكاء؛ لأنه قد سبق أن صلاء النار هو استعارها ويعبر به عن الذكاء كما يقال هو يتوقد ذكاء، ويجوز أن تكون إشارة إلى نار القرى التي يهتدي بها الأضياف والتي تصلح طعامهم؛ أي: طب نارا على معنى: طب قرى لأضيافك؛ أي: طب علما لمن قصدك مستفيدا، فـ "صلا" تمييز والله أعلم. 722- وَثَانِي يَكُنْ "غُـ"ـصْنٌ وَثَالِثُها ثَوَى ... وَضُعْفًا بِفَتْحِ الضَّمِّ "فَـ"ـاشِيهِ "نُـ"ـفَلا يريد: {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا} 3، هذه هي الثانية تذكير يكن وتأنيثها؛ لأن الفعل مسند إلى مائة وتأنيثها غير حقيقي، وقد وقع الفصل بين الفعل وبينها فحسن التذكير وأما التأنيث فهو الأصل نظرا إلى لفظ علامة التأنيث في مائة، والثالث قوله تعالى بعد ذلك: "فإن تكن منكم مائة صابرة"4، الكلام فيه كما سبق في الثانية، لكن أبو عمرو فرق بينهما في قراءته، فأنث الثالث كما وصف المائة بقوله: صابرة فتأكد التأنيث في الموصوف بتأنيث الصفة فقوى مقتضى مشاكلة التأنيث في يكن، وإنما قال: ثاني وثالث؛ لأن قبلهما أول لا خلاف في تذكيره وهو: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ} 5. وبعدهما رابع لا خلاف في تذكيره أيضا وهو: {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ} . ودلنا على أن مراده التذكير في الثاني والثالث: إطلاقه وعدم تقييده وأما:   1 سورة الأنعام، آية: 109. 2 سورة محمد -صلى الله عليه وسلم- آية: 35. 3 سورة الأنفال، آية: 65. 4 سورة الأنفال، آية: 66. 5 سورة الأنفال، آية: 65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} 1، ففتْح الضاد وضمها فيه لغتان، ومعنى نفلا؛ أي: أعطى نفلا وهي الغنيمة والله أعلم. 723- وِفي الرُّومِ "صِـ"ـفْ "عَـ"ـنْ خُلْفِ "فَـ"ـصْلٍ وَأَنِّثْ انْ ... يَكُونَ مَعَ الأَسْرَى الأُسَارى حُلًا "حَـ"ـلا يريد قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا} 2، الخلاف في الثلاثة كالتي في الأنفال غير أن حفصا اختار الضم في ثلاثة: الرُّوم؛ لما نذكر فصار له وجهان فلذا ذكر عنه خلافا دون أبي بكر وحمزة، قال صاحب التيسير في سورة الروم: أبو بكر وحمزة من ضعف في الثلاثة بفتح الصاد، وكذلك روى حفص عن عاصم فيهن غير أنه ترك ذلك، واختار الضم اتباعا منه لرواية حدثه بها الفضل بن مرزوق عن عطية العوفي عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقرأه ذلك بالضم، ورد عليه الفتح وأباه، قال: وعطية يضعف وما رواه حفص عن عاصم عن أئمته أصح، وبالوجهين آخذ في روايته لأتابع عاصما على قراءته، وأوافق حفصا على اختياره. قلت: وهذا معنى قول ابن مجاهد عاصم وحمزة من ضعف بفتح الضاد، ثم قال حفص عن نفسه: بضم الضاد فقوله: عن نفسه يعني: اختيارا منه لا نقلا عن عاصم، وفي كتاب مكي: قال حفص: ما خالفت عاصما في شيء مما قرأت به عليه إلا ضم هذه الثلاثة الأحرف، قال أبو عبيد: وبالضم يقرأ اتباعا للغة النبي -صلى الله عليه وسلم- سمعت الكسائي يحدث عن الفضل بن مرزوق عن عطية العوفي قال: قرأت على ابن عمر: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} بالفتح فقال: إني قرأتها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما قرأت، فقال لي: من ضُعف، قال أبو عبيد: يعني بالضم. قوله: وأنث أن يكون أراد قوله تعالى: "أَنْ تَكُونَ لَهُ أَسْرَى"3، فألقى حركة "أن" على ثاء أنث، وقد سبق أن تأنيث الجمع غير حقيقي، فيجوز تذكير الفعل المسند إليه ثم قال مع الأسرى الأسارى يعني: {قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى} 4، يقرؤه أبو عمرو "الأسارى"، وكلاهما جمع أسير، ولا خلاف في الأولى: {أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} ، وهو غير ملبس؛ لأنه ذكرها معرفة باللام وتلك هي الثانية، واتفق للناظم هنا اتفاق حسن وهو تكرير الرمز في حلا حلا بعد تكرر كلمتي القراءة وهما تكون والأسارى فأنث أبو عمرو تكون وقرأ الأسارى ولم يرمز لقراءة "تكون"، فجاء تكرير الرمز بعد الأسارى مناسبا حسنا، وإن كان لو لم يكرره لجاز كما جمع في   1 سورة الأنفال، آية: 54. 2 سورة الروم، آية: 67. 3 سورة الأنفال، آية: 67. 4 سورة الأنفال، آية: 70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 البقرة مسألتين لابن عامر في قوله: "عليم وقالوا"، وقال في آخر البيت: كفلا وكما جمع لحمزة ثلاث مسائل في آل عمران في قوله: "سنكتب"، وقال في آخر البيت: فتكمل، وتارة يكرر الرمز من غير تكرار الحرف المختلف فيه نحو: اعتاد أفضلا، نمنى علا علا، وإنما اتفق له مناسبة التكرار هنا، وقوله: مع الأسرى؛ أي: مع قراءة موضع الأسرى: الأسارى، ومن الممكن أن يقدر مع قراءة الأسرى موضع الأسارى، فيفيد ضد المقصود، ولكنه هنا لفظ بقراءتين من غير قيد، فالرمز للثانية منهما كقوله: سكارى معا سكرى، وعالم قل علام شاع، ولو كان قال: وفي الأسرى الأسارى لكان أظهر، ولكنه قصد مزج الموضعين من غير تخلل واو فاصلة بينهما، ولو قال بالواو لكان له أسوة بقوله: و"كُنْ فَيَكُون"، وحلا: في موضع نصب على الحال من فاعل أنث؛ أي: أنث تكون مع قراءتك الأسارى ذا حلا، وحلا صفة حلا، وقال الشيخ -رحمه الله- معنى أن يكون مع الأسرى؛ أي: أنثه مصاحبا له والأسارى مبتدأ وحلا حلا خبره. قلت: هذا مشكل فإنَّ "تكون" في القراءة مصاحبة للأسارى لا للأسرى إن أراد أن يجمع قراءتي أبي عمرو، وإن أراد بالمصاحبة المذكور في التلاوة بعد "يكون" فتلك أسرى لا أسارى كما سبق بيانه، ثم لو كان بعد يكون لفظ الأسرى لبقيت قراءة الجماعة في موضع الخلاف لا دليل عليها فإن ذلك لا يفهم من لفظ الأسارى والله أعلم. 724- وَلايَتِهمْ بِالكَسْرِ "فُـ"ـزْ وَبِكَهْفِهِ ... "شَـ"ـفَا وَمَعًا إِنِّي بِيَاءَيْنِ أَقْبَلا يريد: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْء} 1. وفي الكهف: {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} 2. قال أبو عبيد: يقال: مولى بيِّن الولاية من ولايتهم إذا فتحت فإذا كسرت فهو من وليت الشيء، قال الزجاج: الولاية من النصرة والنسب بفتح، والتي بمنزلة الإمارة مكسورة قال: وقد يجوز كسرها؛ لأن في تولي بعض القوم بعض جنسا من الصناعة والعمل، وكلما كان من جنس الصناعة مكسور مثل القصارة والخياطة، قال أبو علي: قال أبو الحسن: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} هذا من الوَلاية فهو مفتوح، وأما في السلطان فالولاية مكسورة وكسر الواو في الأخرى لغة، وليست بذلك، قال أبو عبيد: والذي عندنا في هذا الأخذ بفتح الواو في الحرفين جميعا يعني: في الأنفال والكهف قال؛ لأن معناهما من الموالاة في الدين وأما الولاية فإنما هي من السلطان والإمارة ولا أحبها في هذا الموضع، وقال الفراء: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} 3. يريد: من مواريثهم من شيء، وكسر الواو في: {مِنْ وَلَايَتِهِمْ} أعجب إليَّ من فتحها؛ لأنها إنما تفتح إذا   1 و3 سورة الأنفال، آية: 72. 2 سورة الكهف، آية: 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 كانت نصرة أكثر ذلك، وكان الكسائي يذهب إلى النصرة بفتحها ولا أظنه علم التفسير، ويختارون في وليته ولاية الكسر، وقد سمعناها بالفتح والكسر في معنييهما جميعا، والهاء في قوله: وبكهفه للقرآن؛ للعلم به، وإني بياءين؛ أي: في موضعين وهما: "إِنِّيَ أَرَى مَا لا تَرَوْنَ"، "إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ"1، فتحها الحرميان وأبو عمرو، وقوله: معا؛ تأكيد، وكذا أقبلا والألف في آخره ضمير الياءين أي: إني ملتبس بياءين أقبلا معا، وإن كان أقبل: خبر إني والتقدير إني أقبل بياءين معا فالألف للإطلاق.   1 سورة الأنفال، آية: 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 سورة التوبة : 725- وَيُكْسَرُ لا أَيْمَانَ عِنْدَ ابْنِ عَامِرٍ ... وَوَحَّدَ "حَقٌّ" مَسْجِدَ اللهِ الَاوَّلا أراد: {إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} 1، الفتح جمع يمين، والكسر بمعنى الإسلام أو بمعنى الأمان؛ أي: لا تؤمنهم من القتل، وتقدير البيت: ويكسر عند ابن عامر "لا إيمان"، ولا ينبغي من جهة الأدب أن يقرأ إلا بفتح الهمزة، وإن كان كسرها جائزا في التلاوة وذلك لقبح ما يوهمه تعلق عند "بأيمان" وموضع لا أيمان رفع؛ أي: يكسر همز هذا اللفظ، فليته قال: وهمزة لا أيمان كسر ابن عامر، وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} ، وحده ابن كثير وأبو عمرو؛ لأن المراد به المسجد الحرام، وليدل على أنه إنما جمع ثانيا؛ باعتبار أن كل مكان منه مسجدًا، وأريد به جميع المساجد والتوحيد يؤدي معناه كما تقدم في مواضع، ومن جمع فلهذا المعنى، ولموافقته الثاني: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} فجمعه متفق عليه. 726- عَشِيرَاتُكُمْ بِالجمْعِ "صِـ"ـدْقٌ وَنَوِّنُوا ... عُزَيْرٌ "رِ"ضى "نَـ"ـصٍّ وَبِالكَسْرِ وُكِّلا جمع أبو بكر: عشيراتكم كما جمع: "مكانات"، وعبر عن قراءته ثم بمد النون وهنا بالجمع؛ لأنه لم يمكنه هنا أن يقول: بمد الراء، ولو قال: بالمد لم يحصل الغرض؛ لأن في عشيرتكم مدَّين الياء والألف فلو قال بالمد موضع بالجمع لظن أنه الياء فعدل إلى لفظ الجمع، وكذا لو كان أطلق لفظ المد في مكانات لم يدر؛ أي: الألفين أراد فقيد بقوله: مد النون، وقد سبق معناه ومن نون: عزير فهو عنده اسم عربي فهو منصرف وكسر التنوين؛ لالتقاء الساكنين وهو مبتدأ وابن خبره، ومن لم ينون فهو عنده أعجمي فلم يصرفه، وهذا اختيار الزمخشري، وقيل: بل عربي وإنما ابن صفة فحذف التنوين؛ لوقوع ابن بين علمين والخبر محذوف؛ أي: معبودنا أو نبينا أو يكون المحذوف هو المبتدأ؛ أي: المعبود أو النبي عزير، وأنكر عبد القاهر الجرجاني في كتاب دلائل الإعجاز هذا التأويل وقرره أحسن تقرير، وحاصله أن الإنكار ينصرف إلى الخبر، فيبقى الوصف كأنه مسلّم كما تقول: قال فلان: زيد بن عمرو قادم، وإنما يستعمل مثل هذا إذا لم يقدر خبر معين، ويكون المعنى أنهم يلهجون بهذه العبارة كثيرا في محاوراتهم لا يذكرون عزيرا إلا بهذا الوصف، وقيل حذف التنوين؛ لالتقاء الساكنين كما قرأ بعضهم:   1 سورة التوبة، آية: 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 {أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ} 1، بحذف التنوين من أحد، قال الفراء: سمعت كثيرا من الفصحاء يقرءونها، ذكر هذين الوجهين أبو علي، وقال: لأن عزيرًا ونحوه ينصرف؛ عجميا كان أو عربيًّا، قال الزجاج: ولا اختلاف بين النحويين أن إثبات التنوين أجود، وقوله: رضى نص أي: مرضي نص بمعنى نصه مرضي وهو نعت مصدر محذوف؛ أي: نونوه تنوينًا مرضيًا النص عليه، وبالكسر، وكل ذلك التنوين أو يكون حالا من فاعل نونوا؛ أي: ذوي رضى نص أي: راضين بالنص عليه والله أعلم. 727- يُضَاهُونَ ضَمَّ الهَاءِ يَكْسِرُ عَاصِمٌ ... وَزِدْ هَمْزَةً مَضْمُومَةً عَنهُ وَاعْقِلا أي زد همزة بعد الهاء المكسورة، فيكون مضارع ضاهأ على وزن دارأ ومعناه شابه وقراءة الجماعة من دارا على وزن راما، وهما لغتان مثل أرجيت وأرجأت، قال الزجاج: والأكثر ترك الهمزة والألف في: واعقل بدل من نون التأكيد الخفيفة، والله أعلم. 728- يُضَلُّ بِضَمِّ اليَاءِ مَعْ فَتْحِ ضَادِهِ ... "صِحَابٌ" وَلَمْ يَخْشَوْا هُنَاكَ مُضَلِّلا أراد: "يُضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا"2، قرأه صحاب على إسناد الفعل للمفعول وأسنده الباقون إلى الفاعل وكلاهما ظاهر، وتمم البيت بقوله: ولم يخشوا إلى آخره أي: لم يخافوا من عائب لقراءتهم. 729- وَأَنْ تُقْبَلَ التَّذْكِيرُ "شَـ"ـاعَ وِصَالُهُ ... وَرَحْمَةٌ المَرْفُوعُ بِالخَفْضِ "فَـ"ـاقْبَلا يريد: {أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ} 3، والتذكير والتأنيث كما سبق في: "ولا تقبل منها شفاعة"4، وغيره، وأما: {وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} 5 بالرفع فمعطوف على {أُذُنُ خَيْرٍ} ؛ أي: هو أذن خير وهو رحمة، وقرأ حمزة بالخفض عطفا على خير،   1 سورة الإخلاص، آية: 1 و2. 2 سورة التوبة، آية: 37. 3 سورة التوبة، آية: 54. 4 سورة البقرة، آية: 48. 5 سورة التوبة، آية: 61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 والفاء في فاقبلا زائدة، وأرادا قبله بالخفض والألف في آخره كالألف في آخر واعتلا. 730- وَيَعْفُ بِنُونٍ دُونَ ضَمٍّ وَفَاؤُهُ ... يُضَمُّ تُعَذَّبْ تَاهُ بِالنُّونِ وُصِّلا 731- وَفِي ذَالِهِ كَسْرٌ وَطَائِفَةٌ بِنَصْـ ... ـبِ مَرْفُوعِهِ عَنْ عَاصِمٍ كُلُّهُ اعْتَلا أراد: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ} 1، قرأ عاصم على بناء الفعلين وهما يعف ونعذب للفاعل المتكلم، فلزم من ذلك النون في أولهما، وفتحها في يعف مع ضم الفاء وكسر ذال نعذب، ونصب طائفة بعدها، وقراءة الجماعة على بناء الفعلين للمفعول الغائب فلزم من ذلك أن يكون أول يعف ياء مضمومة وفتح الفاء، وأول نعذب تاء لأجل تأنيث طائفة فهي أولى من الياء؛ لعدم الفعل، ثم فتح الذال، ورفع طائفة بعدها؛ لأنها مفعول ما لم يسم فاعله، وقوله: تاه؛ أي: تاؤه فقصر الممدود. 732- وَحَقٌّ بِضَمِّ السَّوْءِ مَعْ ثَانِ فَتْحِهَا ... وَتَحْرِيكُ وَرْشٍ قُرْبَةٌ ضَمُّهُ جَلا أراد: "عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السُّوءِ"2، وثاني سورة الفتح وهو: "وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السُّوءِ"3، ولا خلاف في فتح الأول وهو: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} ، وكذا: {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ} ، و {أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} ، والسُّوء بالضم: العذاب كما قيل له سييه، والسَّوْء بالفتح المصدر، والهاء في فتحها للسور، وحذف الياء من ثاني للضرورة، وقوله تعالى: {أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ} 4، ضم الراء وإسكانها لغتان وقربة في النظم: مفعول التحريك، وإنما رفعه حكاية لفظ القرآن وضمه مفعول جلا وجلا: خبر التحريك الذي هو المبتدأ.   1 سورة التوبة، آية: 66. 2 سورة الفتح، آية: 6. 3 سورة الفتح، آية: 12. 4 سورة التوبة، آية: 99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 733- وَمِنْ تَحْتِهَا المَكِّي يَجُرُّ وَزَادَ مِنْ ... صَلاتَكَ وَحِّدْ وَافْتَحِ التَّا "شَـ"ـذًّا "عَـ"ـلا يعني: {مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} في الآية التي أولها: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} ، ثبتت في مصاحف مكة دون غيرها، فقرأها ابن كثير وجر تحتها بها، وحذفها الباقون فانتصب تحتها على الظرفية فقوله: وزاد من؛ أي: كلمة من ثم قال: صلاتك وحد يعني: {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} 1، التوحيد فيه، والجمع سبق نظيرهما، والصلاة هنا بمعنى الدعاء فهو مصدر يقع على القليل والكثير، وإنما جمع؛ لاختلاف أنواعه فمن وحد فتح التاء؛ لأن الفتح علامة النصب في المفرد، ومن جمع كسرها؛ لأن الكسر علامة النصب في جمع المؤنث السالم وشذا حال؛ أي: ذا شذا علا. 734- وَوَحِّدْ لَهُمْ في هُودَ تُرْجِئُ هَمْزُهُ ... "صَـ"ـفَا "نَفَـ"ـرٍ مَعْ مُرْجَئُونَ وَقَدْ حَلا يعني: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ} 2؛ أي عيادتك ولم يتعرض للتاء؛ لأنها مضمومة في قراءتي الإفراد والجمع؛ لأنها مبتدأ ثم ذكر الخلاف في: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} 3، في سورة الأحزاب: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ} 4، هنا بالهمز فيهما وبغير همز، وهما لغتان، قال صاحب المحكم: والهمز أجود، وأرى ترجي مخففا من ترجيء لمكان تؤوى؛ أي: طلب المشاكلة بينهما، وقد تقدم في الخطبة أن ضد الهمز لا همز، ثم ينظر في الكلمة المهموزة فإن كان الهمز لم يكتب له صورة نطقت بباقي حروف الكلمة على صورتها، وهو كقوله: "الصابئين" الهمز "والصابئون" خذ، وإن كانت كتبت له صورة نطقت في موضع الهمز بالحرف الذي صورت به كقوله: وبهمز "ضيزى"، وفي هذا البيت المشروح الأمران يقرأ الباقون: ترجي بالياء التي هي صورة الهمز،   1 سورة التوبة، آية: 100. 2 سورة هود، آية: 87. 3 سورة الأحزاب: 51. 4 سورة التوبة، آية: 106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 ويقرءون "مرجون" بواو بعد الجيم؛ إذ لا صورة للهمزة وقوله: صفا نفر خفض نفر بإضافة صفا المقصور أو الممدود إليه؛ أي: الهمز قوى وصافٍ من الكدورة. 735- وَ "عَمَّ" بِلا وَاوِ الَّذِينَ وَضُمَّ في ... مَنَ اسَّسَ مَعْ كَسْرٍ وَبُنْيَانُهُ وِلا أي: قرأ مدلول عم جميع المذكور في هذا البيت أراد: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا} 1. سقطت الواو في مصاحف المدينة والشام، فقرأها نافع وابن عامر على الاستئناف، وقرأ الباقون بالواو عطفا لجملة على جملة فتقدير البيت: قرأ عم الذين بلا واو وحذف التنوين من واو؛ لالتقاء الساكنين، ولم يرو إضافة واو إلى الذين فإن الذين لا واو فيه ولو كان: والذين لأمكن تقدير ذلك، ثم قال: وضم وهو فعل أمر؛ أي: ضمه لمدلول عم أيضا، ويجوز: وضَم بفتح الضاد على أن يكون فعلا ماضيا؛ أي: قرأ عم الذين وضم في "أفمن أسس" ضم الهمزة وكسر السين جعله فعلا لم يسم فاعله، فلزم من ذلك رفع بنيانه؛ لأنه مفعوله، وقرأ الباقون ببناء الفعل للفاعل وهو ضمير يرجع إلى من فتحوا الهمزة والسين ونصبوا بنيانه والخلف في الموضعين هنا ولم ينبه على ذلك فهو نظير ما ذكرناه في قوله في سورة النساء: وندخله نون ولم يقل معا. فإن قلت: يكون إطلاقه دليلا على تعميم ما في السورة من ذلك، وقوله: معا قدر حرك زيادة بيان. قلت: لا يستمر له هذا؛ إذ يلزم أن يكون قوله: وعم بلا واو الذين يشمل كل لفظ، والذين من هذا الموضع إلى آخر السورة نحو: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا} 2، {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} 3. وقول الناظم: وبنيانه مفعول فعل مضمر أي: وارفع بنيانه لمدلول عم أو ورفع عم بنيانه وإطلاقه له: دليل على رفعه، وولا بكسر الواو مفعول له أي: متابعة للنقل. 736- وَجُرْفٍ سكونُ الضَّمِّ "فِـ"ـي "صَـ"ـفْوٍ "كَـ"ـامِل ... تُقَطَّعَ فَتْحُ الضَّمِّ "فِـ"ـي "كَـ"ـامِل "عَـ"ـلا الضم والإسكان في راء جرف: لغتان وتطع قلوبهم بضم التاء على بناء الفعل للمفعول وبفتحها على بنائه للفاعل، وأصله تتقطع فحذفت التاء الثانية مثل: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ} ، وسبق له نظائر.   1 سورة التوبة، آية: 107. 2 سورة التوبة، آية: 113. 3 سورة التوبة، آية: 117. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 737- يَزِيغُ "عَـ"ـلَى "فَـ"ـصْلٍ يَرَوْنَ مُخَاطَبٌ ... "فَـ"ـشًا وَمَعِي فِيهَا بِيَاءَيْنِ جُمِّلا يعني: {كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} 1؛ قرأ حفص وحمزة بالتذكير في يزيغ؛ لأن تأنيث قلوب غير حقيقي والباقون بالتأنيث، وإطلاقه دل على إرادته التذكير، ثم قال: يرون مخاطب: جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه يعني: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً} 2، الخطاب للمؤمنين والغيبة للمنافقين وفي هذه السورة ياءان للإضافة كلاهما في لفظ معي؛ أحدهما: {مَعِيَ أَبَدًا} ، فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر وحفص والثانية: {مَعِيَ عَدُوًّا} ، فتحها حفص وحده، وليس فيها ولا في الأنفال ولا في يونس شيء من الزوائد والله أعلم.   1 سورة التوبة، آية: 119. 2 سورة التوبة، آية: 126. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 سورة يونس : 738- وَإِضْجَاعُ رَا كُلِّ الفَوَاتِحِ "ذِ"كْرُهُ ... "حِـ"ـمًى غَيْرَ حَفْصٍ طَاوَيًا "صُحْبَةٌ" وَلا ذكر في هذا الموضع جميع ما وقع الخلاف في إمالته من الحروف المقطعة في أوائل السور ويقال لها الفواتح؛ لأن السور استفتحت بها، وإنما أميلت لأنها أسماء ما يلفظ به من الأصوات المتقطعة، وقد أمالوا يا في الندا وهي حرف، فإمالة هذه الأسماء أولى، فابتدأ بذكر الراء؛ لأنها أول حروف الفواتح إمالة سواء كانت في "الر"، وذلك في يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر، أو في المر في أول الرعد، فلهذا قال: كل الفواتح، والإضجاع هو الإمالة، وأتى بلفظ "را" فقصر "را" حكاية للفظه في القرآن وكذا ما يأتي من "طا" و"يا" و"ها" و"حا"، ولا نقول إنه قصر ذلك ضرورة، وأشار بقوله: ذكره حمى إلى حسن الإضجاع؛ أي: لا يصل أحد إلى الطعن عليه فهو في حمى من ذلك، واستثنى منهم حفصا فإنه لا يميل شيئا في القرآن إلا كلمة "مجراها"، وقد سبق ذكره في باب الإمالة ثم ذكر أن صحبة أمالوا "طاويا" فالطاء من "طه" و"طسم" و"طس" والياء من "يس"، أما الياء من "كهيعص"، فوافقهم على إمالتها ابن عامر كما يأتي في البيت الآتي، وولا في آخر البيت بكسر الواو في شرح الشيخ، ورأيته في بعض النسخ من القصيدة بفتحها وهو أحسن؛ لأن قبله وبنيانه ولا بالكسر وهو قريب منه فالكسر بمعنى متابعة؛ أي: أمال صحبة طاويا متابعة لنقل فهو مفعول من أجله، والفتح على تقدير ذا ولا؛ أي: نصر لإمالة ومحبة لها فهو حال من صحبة؛ أي: أمالوهما ذوي ولا. 739- وَ"كَـ"ـمْ "صُحْبَةٍ" يَا كَافِ والخُلْفُ "يَـ"ـاسِرٌ ... وَهَا صِفْ "رِ"ضًى "حُـ"ـلْوًا وَتَحْتَ "جَـ"ـنًى "حَـ"ـلا الكاف في كم: رمز ابن عامر كأنه قال: وابن عامر ومدلول صحبة على إمالة "يا" التي في أول سورة مريم، وعبر عنها بقوله: كاف؛ لأنه أولها كما يقال "ص"، "ن"، "ق" ... وكذا صنع في غير هذا الموضع كقوله في يوسف: وفي كاف فتح اللام في "مخلصا" ثوى، ومعنى الكلام في الظاهر: وكم صحبة أمالوها؛ أي: أمالها كثير من القراء، ثم قال: والخلف في إمالتها عن السوسي، والياسر في اللغة: هو اللاعب بقداح الميسر، وكان لا يتعاطاه من العرب إلا الكرماء، فكأنه قال: والخلف خلف كريم؛ أي: هو صادر عن نقل صحيح، ثم قال: وها؛ أي: وإمالة ها من "كهيعص" لأبي بكر والكسائي وأبي عمرو، ثم قال: وتحت؛ أي: وإمالة ها من السورة التي تحت مريم وهي "طه" جنا حلا؛ أي: حلا جناه، وإمالته لورش ولأبي عمرو ومن يأتي ذكره في البيت الآتي، وليس لورش ما يمليه إمالة محضة غيرها من طه، وما عدا ذلك إنما يميله بين اللفظين. 740- "شَـ"ـفَا "صـ"ـادِقًا حم "مُخْـ"ـتَارُ "صُحْبَةٍ" ... وَبَصْرٍ وَهُمْ أَدْرى وَبِالخُلْفِ "مُـ"ـثِّلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 حمزة والكسائي وأبو بكر هم: تتمة من أمال "ها" من "طه"، ثم قال "حم"؛ أي: أمال حا من "حم" في السور السبع ابن ذكوان وصحبه، ثم قال: وهم وأبو عمرو أمالوا لفظ "أدري" كيف أتى نحو "أدراك" وأدراكم، وعن ابن ذكوان خلاف فيه فقوله: وبصر مبتدأ، وليس عطفا على صحبة؛ لامتناع الجمع بين الرمز والتصريح والله أعلم. 741- وَذو الرَّا لِوَرْشٍ بَيْنَ بَيْنَ وَنافِع ... لَدى مَرْيَمٍ هَايَا وَحَا "جِـ"ـيدُهُ "حَـ"ـلا جمع في هذا البيت ذكر من أمال شيئا من ذلك بين بين، فورش فعل ذلك في "را" من: "الر" و"المر"، ونافع بكماله في "ها"، "يا" أول مريم، وورش وأبو عمرو فعلا ذلك في "حا" من: "حم" في السور السبع، أما لفظ "أدري"، فقد علم من مذهب ورش في إمالته بين بين من باب الإمالة، وإنما ذكره الناظم هنا لأجل زيادة أبي بكر وابن ذكوان على أصحاب إمالته، وإلا فهو داخل في قوله: وما بعد راء شاع حكما فأبو عمرو وحمزة والكسائي فيه على أصولهم، والجيد كل العنق، والله أعلم. 742- نُفَصِّلُ يَا "حَقٍّ عُـ"ـلًا سَاحِرٌ "ظُـ"ـبًى ... وَحَيْثُ ضِيَاءً وَافَقَ الهَمْزُ قُنْبُلا قصر لفظ "يا" ضرورة، والخلاف في: {نُفَصِّلُ الْآياتِ} بالياء والنون ظاهر، ثم قال ساحر ظبي؛ يعني: قوله تعالى قبل يفصل: {قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ} 1. أي: ذو سحر قرأه مدلول ظبي ساحر فقوله: ساحر هو مما استغنى لميه باللفظ عن القيد، ولكنه لم يبين القراءة الأخرى والخلاف في مثل هذا دائر تارة بين ساحر وسحار على ما في الأعراف والذي في آخر يونس، وتارة هو دائر بين ساحر وسحر على ما مر في المائدة وما يأتي في طه، وظبى جمع ظبة وهي من السيف والسهم والسنان حدها؛ أي: هو ذو ظبى؛ أي: له حجج تحميه وتقوم بنصرته ثم قال: وحيث ضياء؛ أي: حيث أتى هذا اللفظ فضياء مرفوع بالابتداء على ما عرف فيما بعد حيث والخبر محذوف أي: وحيث ضياء موجود ولا تنصب حكاية لما في يونس؛ فإنه قد يكون مجرورا نحو ما في القصص: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ} 2. ثم قال: وافق الهمز قنبلا، وهو من قولك: وافقني كذا إذا صادفته من غرضك وأراد همز الياء،   1 سورة يونس، آية: 2. 2 سورة القصص، آية: 71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 ولم يبين ذلك، وفي آخر الكلمة همز، فربما يتوهم السامع أنه هو المعنى، ثم لو فهم ذلك لم يكن مبينا للقراءة الأخرى؛ فإن الهمز ليس ضده إلا تركه، ولا يلزم من تركه أبداله ياء، فقد حصل نقض في بيان هاتين المسألتين؛ ساحر وضياء، فلو أنه قال: ما تبين به الحرفان لقال ساحر ظبى بسحر ضياء همزيا الكل زملا، قالوا: ووجه هذا الهمز أنه أخر الياء وقدم الهمزة، فانقلبت الياء همزة؛ لتطرفها بعد ألف زائدة كسقاء ووداء، وهذه قراءة ضعيفة فإن قياس اللغة الفرار من اجتماع همزتين إلى تخفيف إحداهما فكيف يتحيل بتقديم وتأخير إلى ما يؤدي إلى اجتماع همزتين لم يكونا في الأصل هذا خلاف حكمة اللغة، قال ابن مجاهد: ابن كثير وحده "ضياء" بهمزتين في كل القرآن؛ الهمزة الأولى قبل الألف والثانية بعدها، كذلك قرأت على قنبل وهي غلط، وكان أصحاب البزي وابن فليح ينكرون هذا، ويقرءون ضياء مثل الناس، قال أبو علي: ضياء مصدرا وجمع ضوء كبساط. 743- وَفِي قُضِيَ الفَتْحانِ مَعْ أَلِفٍ هُنَا ... وَقُلْ أَجَلُ المَرْفُوعُ بِالنَّصْبِ "كُـ"ـمِّلا يريد: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} 1، قراءة ابن عامر على البناء للفاعل، فنصب أجلهم على المفعولية، وقراءة الباقين على بناء الفعل للمفعول، وهو أجلهم، فلزم رفعه، فقول الناظم الفتحان؛ يعني: في القاف والضاد والألف بعدهما، والقراءة الأخرى علمت بما لفظ به لا من الضدية ولو بين القراءة الأخرى باللفظ، فقال: قضى موضع قوله: هنا أو موضع قوله: وقل لكان أولى وأكثر فائدة؛ لما فيه من الإيضاح ورفع وهم احتمال أن يريد زيادة ألف على الياء فيصير قضيا، وإنما قال: هنا احترازا من التي في الزمز: {قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} 2؛ فإن الخلاف فيها أيضا كهذا الخلاف، وإن كان الأكثر ثَم على مثل قراءة ابن عامر هنا وكان مستغنيا عن هذا الاحتراز؛ فإن الإطلاق لا يعم غير ما في السورة التي هو في نظم خلفها على ما بيناه مرارا، والله أعلم. 744- وَقَصْرُ وَلا "هَـ"ـادٍ بِخُلْفٍ "زَ"كَا وَفي الْـ ... ـقِيَامَةِ لا الأولى وَبِالحَالِ أُوِّلا يعني بالقصر: حذف ألف ولا من قوله: {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} 3، ومن قوله: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} 4.   1 سورة يونس، آية: 11. 2 سورة الزمر، آية: 42. 3 سورة يونس، آية: 16. 4 سورة القيامة، آية: 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 دون قوله: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ} 1، فهذا معنى قوله: لا الأولى؛ أي: وقصر لا الواردة في سورة القيامة أولا فالمعنى على القصر: "وشاء لأدراكم به" فتكون اللام جواب لو قال ابن مجاهد: قرأت على قنبل: {وَلا أَدْرَاكُمْ} ، فقال: "ولا دراكم"، فجعلها "لا" ما دخلت على أدراكم، فراجعته غير مرة فلم يرجع ذكر ذلك في غير كتاب السبعة، ويوجد في بعض نسخها، ومعنى القصر في "لا أقسم" مؤول بأنها لام الابتداء دخلت على فعل الحال أي؛ لأنا أقسم فهذا معنى قوله: وبالحال أولا، وقراءة الباقين بالمد ظاهرة في: {وَلا أَدْرَاكُمْ} ، بكون لا نافية، أما في القيامة فيكون موافقة لما بعدها، وفي معناها اختلاف للمفسرين قبل لا زائدة، وقيل: نافية ردا على الكفرة ثم استأنف: "أقسم بيوم القيامة" فيتفق معنى القراءتين على هذا، واختار الزمخشري أنه نفي للقسم على معنى أن المذكور قدره فوق ذلك والله أعلم. 745- وَخَاطَبَ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُنا "شَـ"ـذًا ... وَفي الرُّومِ وَالحَرْفَيْنِ في النَّحْلِ أَوَّلا عما يشركون فاعل خاطب، وشذا حال منه، ولو قدمه على هنا لكان أولى ليتصل المعطوف وهو قوله: وفي الروم وما بعده بالمعطوف عليه وهو هنا، ولئلا يتوهم أن الذي في الروم والنحل خطابه لغير حمزة والكسائي، ولا سيما وقد قال في آخر البيت: أولا فيتوهم أنه رمز لنافع، وإنما هو ظرف للحرفين؛ أي: اللفظين الواقعين أول سورة النحل، ولم يحترز بذلك من شيء بعدهما، وإنما هو زيادة بيان، وهذا مما يقوي ذلك الوهم، ولو كان احترازا لخف أمره، والذي هنا بعده: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً} 2. والذي في الروم بعده: {ظَهَرَ الْفَسَادُ} 3، واللذان في النحل: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 4، {بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 5؛ الخطاب في الجميع للمشركين والغيب إخبار عنهم والله أعلم.   1 سورة القيامة، آية: 1. 2 سورة يونس، آية: 19. 3 سورة الروم، آية: 41. 4 سورة النحل، آية: 1. 5 سورة النحل، آية: 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 746- يُسَيِّرُكُمْ قُلْ فِيهِ يَنْشُرُكُمْ "كـ"ـفَى ... مَتَاعَ سِوَى حَفْص بِرَفْعٍ تَحَمَّلا أي: جعل مكان "يسيركم" "ينشركم" من قوله تعالى: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} 1 و {مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 2، بالرفع خبر "بغيكم" أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو متاع، وخبر: بغيكم قوله: {عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ؛ أي: لا يتجاوزها، ونصب متاع على أنه مصدر؛ أي: تتمتعون متاعا، وقال أبو علي: تبغون متاع الحياة الدنيا أو يكون متعلقا بقوله: بغيكم، وخبر بغيكم محذوف لطول الكلام. 747- وَإِسْكَانُ قِطْعًا "دُ"ونَ "رَ"يْبٍ وُرُودُهُ ... وفِي بَاءِ تَبْلُو التَّاءُ "شَـ"ـاعَ تَنَزُّلا القطع بسكون الطاء: الجزء من الليل الذي فيه ظلمة، قال الله تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} 3. وقال الشاعر: افتحي الباب فانظري في النجوم ... كم علينا من قِطْع ليل بهيم وبفتح الطاء: جمع قطعة، وكلتا القراءتين ظاهرة، وقوله: مظلما صفة قطعا على قراءة الإسكان، وعلى قراءة الفتح هو حال من الليل؛ وأما: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ} 4، فقرأها حمزة والكسائي بتاءين من التلاوة أو من التلو وهو: الإتباع، وقرأها الباقون بباء موحدة قبل اللام من الاختبار، وتنزلا: نصب على التمييز، ولم يقيد الناظم حرفي القراءة بما لا يحتمل التصحيف على عادته مثل شاع بالثا مثلثا، وغيرهما بالباء نقطة أسفلا، وهو مشكل؛ إذ من الجائز أن تقرأ: وفي تاء تبلوا الباء شاع، فيكون عكس مراده، فلو أنه قال في البيت الأول: متاع سوى حفص وقطعا رضى دلا: بالِاسكان تبلو كل نفس من التلا ... وة والباقون تبلو من البلا لاتضح المراد ويكون الإطلاق في متاع دالا على رفعه فلا يحتاج إلى قيد على ما عرف من اصطلاحه والله أعلم. 748- وَيَا لا يَهدِّي اكْسِرْ "صَـ"ـفِيًّا وَهَاهُ "نَـ"ـلْ ... وَأَخْفَى "بَـ"ـنُو "حَـ"ـمْدٍ وَخُفِّفَ "شُـ"ـلْشُلا   1 سورة الجمعة، آية: 10. 2 سورة القصص، آية: 60. 3 سورة الحجر، آية: 65. 4 سورة يونس، آيةك 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 قصر يا وها ضرورة أراد: {أَمَّنْ لَا يَهِدِّي} 1، قرأه حمزة والكسائي من "هدَى" "يهدِي" كـ "رمى يرمي"، وهو بمعنى يهتدى، أو على أنه على تقدير إلا بأن يُهدَى وحرف الجر يحذف مع "أن" كثيرا وقراءة الباقين أصلها يهتدى، فأريد إدغام التاء في الدال فألقيت حركتها على الهاء؛ لتدل على حركة المدغم كما قالوا: يعض ويرد ويفر والأصل يعضض ويردد ويفرر، وكسر عاصم الهاء؛ لالتقاء الساكنين، ولم ينبه على حركة المدغم؛ لأنه قد علم أن تاء الافتعال لا تكون إلا مفتوحة بخلاف عين الفعل المدغمة في يعضّ ويردّ ويفرّ؛ فإن حركتها اختلفت كما ترى، ولم يفعل ذلك عاصم في: {لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} 2، ففتح كغيره ولم يكسر؛ لأن الكسر في "لا يهِدّي" أنسب للياء قبلها، وكسر شعبة الياء إتباعا للهاء ولا يجوز كسر ياء المضارعة إلا في مثل هذا، وفي "ييجل"؛ لتنقلب الواو ياء، ومن أخفى حركة الهاء نبه بذلك على أن أصلها السكون، قال في التيسير: والنص عن قالون بالإسكان. قلت: والكلام عليه كما سبق في "لا تعدو"، و"نعما"، وغيرهما؛ لأنه جمع بين الساكنين على غير حدهما فلا يستقيم وشلشلا: حال؛ لأنه كتب في المصحف بغير تاء، فخفف قراءة في حال كونها خفيفا في الرسم، ويجوز أن يكون شلشلا صفة قامت مقام المصدر وهي في معناه لا من لفظه، فكأنه قال: وخفف خفيفا؛ أي: تخفيفا كما قال: قم قائما؛ أي: قياما، وعنى بالتخفيف قراءةً ترك تشديد الدال، وبقي سكون الهاء لم ينبه عليه وهذا قد سبق له نظائر، ولكنه نطق فيها بالكلمات مخففة نحو: وفي الكل تلقف خف حفص، ولا يتبعوكم خف ويغشى سما خفا، وموهن بالتخفيف ذاع، ولو قال في موضع وخفف شلشلا: ويهدي شمردلا، لكان أبين؛ لكونه نص على لفظ القراءة كما نص على لفظ قراءة الباقين في قوله: ويا لا يهدي اكسر، فيكون المعنى: وقرئ يهدي في حال كونه شمردلا؛ أي: خفيفا. 749- وَلكِنْ خَفِيفٌ وَارْفَعِ النَّاسَ عَنْهُمَا ... وَخَاطَبَ فِيهَا يَجْمَعُونَ "لَـ"ـهُ "مُـ"ـلا أراد: "وَلَكِنِ النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"3، الخلاف فيها كما سبق في: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} 4، {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} 5، {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} 6. وقوله: عنهما؛ أي: عن حمزة والكسائي، والغيبة والخطاب في قوله: {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ظاهر أن   1 سورة يونس، آية: 35. 2 سورة النساء، آية: 154. 3 سورة يونس، آية: 44. 4 سورة البقرة، آية: 102. 5 سورة البقرة، آية: 177. 6 سورة الأنفال، آية: 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 الخطاب للكفار والغيب إخبار عنهم وقوله: فيها؛ أي: في هذه السورة وملا جمع ملاءة وهي الملحفة وقد ذكرنا المراد بها. 750- وَيَعْزُبُ كَسْرُ الضَّمِّ مَعْ سَبَأٍ "رَ"سَا ... وَأَصْغَرَ فَارْفَعْهُ وَأَكْبَرَ "فَـ"ـيْصَلا أي: مع حرف سبأ، والكسر والضم في زاي يعزب: لغتان ومعناه وما يبعد وما يغيب، ومعنى رسا: ثبت واستقر، ورفع "ولا أصغر" على الابتداء والفتح على أنه اسم "لا"، بُنِيَ معها كالوجهين في "لا حول ولا قوة إلا بالله" بفتحهما ورفعهما على ما ذكرناه، وقال كثير من الناس: إن الرفع عطف على موضع من مثقال، والفتح على لفظ مثقال أو على ذرة، ولكنه لا ينصرف، وهو مشكل من جهة المعنى، ويزيل الإشكال أن يقدر قبل قوله: {إِلَّا فِي كِتَابٍ} ليس شيء من ذلك إلا في كتاب مبين، وكذا يقدر في آية الأنعام: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} 1. وأما الذي في سورة سبأ فلم يقرأ: {وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ} 2، إلا بالرفع فقط وهو يقوي قول من يقول: إنه معطوف وسببه أن "مثقال" فيها بالرفع؛ لأنه ليس قبله حرف جر وفيصلا حال من المرفوع، وكأنه أشار إلى الوجه المذكور أولا؛ أي: انفصل مما قبله في المعنى، فارتفع بالابتداء والخبر، وقال الشيخ: فيصلا حال من الفاعل في ارفعه؛ أي: حاكما في ذلك: 751- مَعَ المدِّ قَطْعُ السِّحْرِ "حُـ"ـكْمٌ تَبَوَّءا ... بِيَا وَقْفِ حَفْصٍ لَمْ يَصِحَّ فَيُحْمَلا أي: قطع همز السحر مع ما بعدما حكم من الأحكام المنقول في علم القراءات يريد قوله تعالى: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ} ؛ قرأه أبو عمرو بقطع الهمزة على أنها للاستفهام وبالمد بعدها بدلا من همزة الوصل فصار مثل: "آلذكرين"، وهو استفهام بمعنى التقرير والإنكار عليهم، و"ما" في: {مَا جِئْتُمْ بِهِ} استفهامية أيضا أي: أي شيء جئتم به ثم ابتدأ "آلسحر"؛ أي: أهو السحر؟ وقراءة الجماعة بهمزة وصل من غير مد، على أن ما موصولة بـ "جئتم به" وهي مبتدأ والسحر خبرها؛ أي: الذي جئتم به السحر حقيقة، وحكى أبو علي الأهوازي من طريق الأصمعي عن أبي عمرو مثل قراءة الجماعة وأما: {أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا} 3، فروي عن حفص أنه إذا وقف عليه أبدل الهمزة ياء مفتوحة، وأنكر ذلك أبو العباس الأشناني فيما حكاه   1 سورة الأنعام، آية: 59. 2 سورة يونس، آية: 61. 3 سورة يونس، آية: 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 ابن أبي هاشم عنه ولم يعرفه، قال: وقال في الوقف مثل الوصل؛ يعني: بالهمز، قال الداني: وبذلك قرأت وبه آخذ. قلت: وهو أيضا فاسد من جهة العربية فإنه ليس على قياس تسهيل الهمز، وقول الناظم: تبوءا مبتدأ ووقف حفص إن كان مرفوعا، فهو مبتدأ ثانٍ؛ أي: وقف حفص عليه بياء لم يصح وإن كان وقف مجرورًا بإضافة "يا" إليه فالخبر لم يصح؛ أي: تبوءا باليا لم يصح ونصب فيحملا في جواب النفي بالفاء. 752- وَتَتَّبِعَانِ النُّونُ خَفَّ "مَـ"ـدًا وَمَا ... جَ بِالفَتْحِ وَالإِسْكَانِ قَبْلُ مُثَقَّلا أي: خف مداه؛ لأن الناطق بالخفيفة أقصر مدا من الناطق بالشديدة وهي نون رفع الفعل على أن تكون لا للنفي لا للنهي والواو للحال؛ أي: فاستقيما غير متعبين أو تكون جملة خبرية معناها النهي كقوله تعالى: {لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} 1، أو يكون إخبارا محضا بجملة مستأنفة أي: ولستما تتبعان، وإن قلنا: إن لا: نهي كانت النون نون التأكيد الخفيفة على قول يونس والفراء، وكسرت؛ لالتقاء الساكنين وقيل: خففت الثقيلة للتضعيف كما تخفف رب وإن ثم إن الناظم ذكر رواية أخرى عن ابن ذكوان وليست في التيسير وهي بسكون التاء وفتح الباء وتشديد النون من تبع يتبع، والنون المشددة للتأكيد فهذا معنى قوله: وماج؛ أي: اضطرب بالفتح في الباء والإسكان في التاء قبل الباء، ومثقلا حال من فاعل ماج، وهو ضمير تتبعان، وهذه قراءة جيدة لا إشكال فيها، قال الداني في غير التيسير: وقد ظن عامة البغداديين أن ابن ذكوان أراد تخفيف التاء دون النون؛ لأنه قال في كتابه بالتخفيف، ولم يذكر حرفا بعينه، قال: وليس كما ظنوا؛ لأن الذين تلقوا ذلك أداء وأخذوه منه مشافهة أولى أن يصار إلى قولهم، ويعتمد على روايتهم، وإن لم يتفق ذلك في قياس العربية، ولم يذكر ابن مجاهد عن ابن ذكوان غير هذا الوجه، وذكر الأهوازي عن ابن عامر في هذه الكلمة أربع قراءات: تشديد التاء والنون كالجماعة، وتخفيفهما، وتشديد التاء وتخفيف النون، وعكسه تخفيف التاء وتشديد النون؛ وهما الوجهان المذكوران في القصيدة، وساق الأخير من طريق ابن ذكوان. فإن قلتَ: هل يجوز أن تكون الميم في "وماج" رمزا نحو الكاف من وكم صحبة؛ لأنها قراءة، ولم يذكر لها قارئا. قلتُ: لا يجوز؛ لأن الرمز الحرفي إذا تمحض يجب تأخيره عن القراءة، بل تكون هذه القراءة لمن رمز له في القراءة قبلها كقوله: وعم بلا واو الذين ... البيت، فالقراءتان متى اجتمعتا في بيت لقارئ متحد تارة يتقدم رمزه وتارة يتأخر مثل كفلا في البيت الذي أوله عليم، وقالوا: وقد رد القراءة في بيت لا رمز فيه على رمز في بيت قبله في قراءة، فتثبتوا في سورة النساء فما هنا أولى والله أعلم.   1 سورة البقرة، آية: 83. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 753- وَفِي أَنَّهُ اكْسِرْ "شَـ"ـافِيًا وَبِنُونِهِ ... وَنَجْعَلُ "صِفْ" وَالخِفُّ نُنْجِ "رِ"ضىً "عَـ"ـلا يريد قوله تعالى: {آمَنْتُ أَنَّهُ} 1، الكسر فيه للاستئناف أو على إضمار القول والقول هنا هو المعبر عنه بالإيمان أو ضمن "آمنت" معنى قلت، والفتح على حذف الباء؛ أي: آمنت بأنه كذا، نحو: يؤمنون بالغيب، وهو مفعوله من غير تقدير حرف جر؛ أي: صدقت أنه كذا، والخلف في قوله سبحانه: "ونجعل الرجس"2 بالنون والياء ظاهر النون للعظمة والياء؛ لأن قبله: {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} ، والهاء في قوله: وبنونه لقوله: ونجعل نحو في داره زيد؛ لأن الواو في "ونجعل" من التلاوة، فيكون "ونجعل" مبتدأ وبنونه خبر مقدم؛ أي: استقر بنونه، ويجوز أن تكون "ونجعل" مفعول صف؛ أي: صف بنونه، والخف مبتدأ، و"ننجي" مفعول به كما ذكرنا في قوله في الأعراف: والخف أبلغكم ورضى خبر المبتدأ وعلا تمييز أو خبر بعد خبر، و"ننجي" المختلف في تخفيفه وتشديده هو: {كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} 3، وهما لغتان: "أنْجَى"، و"نَجَّى"، كأنزل ونزل، ولا خلاف في تشديد الذي قبله: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا} 4، ولا في تشديد: {نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} في هذه الطريقة المنظومة، وقد ذكر أبو علي الأهوازي الخلاف فيهما أيضا، ونسب تخفيفهما إلى أبي عمرو والكسائي وكتبت: "ننجي المؤمنين" بلا ياء في المصاحف الأئمة فلهذا يقع في كتب مصنفي القراءات بلا ياء، قال الشيخ: والوقف عليه على رسمه بغير ياء. قلت: ويقع في نسخ القصيدة "ننجِ" بلا ياء، والأصل الياء كتابة ولفظا. فإن قلت: لعله ذكره بلا ياء؛ ليدل على موضع الخلاف؛ لأن الياء فيه محذوفة في الوصل؛ لالتقاء الساكنين، قلت: لو كان أراد ذلك لم يحتج إلى تقييده بما ذكره في البيت الآتي وهو: 754- وَذَاكَ هُوَ الثَّانِي وَنَفْسِيَ يَاؤُهَا ... وَرَبِّيَ مَعْ أَجْرِي وَإِنِّي وَلِي حُلا يعني: هو الثاني بعد كلمة "ونجعل الرجس" وإلا فهو الثالث لوعد "ننجيك" والكلام في هذا كما سبق   1 سورة يونس، آية: 90. 2 سورة يونس، آية 100. 3 و4 سورة يونس، آية: 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 في الأعراف في قوله: {لا يَعْلَمُونَ} قل لشعبة في الثاني؛ يعني: بعد خالصة وإلا فهو ثالث، ثم ذكر ياءات الإضافة وهي خمس، وأراد: "مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِيَ إِنْ أَتَّبِعُ"1، "قُلْ إِي وَرَبِّيَ إِنَّهُ لَحَقٌّ"2، فتحها نافع وأبو عمرو. {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} 3، فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص. "إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ"4، "لِيَ أَنْ أُبَدِّلَهُ"، فتحهما الحرميان وأبو عمرو. وحلا ليس برمز، وكذا كل ما كان مثله مما مضى ومما يأتي من الأبيات المذكور فيها عدد ياءات الإضافة؛ لأنه لم يذكر أحكامها في أواخر السور كما سبق بيانه، والهاء في ياؤها للسورة، وليس فيها من الزوائد شيء والله أعلم.   1 سورة يونس، آية: 15. 2 سورة يونس، آية: 53. 3 سورة يونس، آية: 72. 4 سورة يونس، آية: 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 سورة هود : 755- وَإِنِّي لَكُمْ بِالفَتْحِ "حَقُّ رُ"وَاتِهِ ... وَبَادِئَ بَعْدَ الدَّالِ بِالهَمْزِ "حُـ"ـلِّلا يريد: {إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} في أول قصة نوح: الفتح على حذف الباء؛ أي: أرسلناه بهذا الكلام والكسر على: فقال: {إِنِّي لَكُمْ} ، أما بادئ الرأي، فذكر أن أبا عمرو قرأه بهمزة بعد الدال، وبدأ الشيء: أوله، ولم يبين قراءة الجماعة، وهي بياء مفتوحة إما من بدأ إذا ظهر أو يكون خفف الهمز الذي في قراءة أبي عمرو وقياس تخفيفه أنه يبدل ياء؛ لانفتاحه وكسر ما قبله فهو كما في ضياء في قراءة قنبل، ولو قال: وباديء همز الياء عن ولد العلا لكان أجلى وأحلى، وحلل من التحليل. 756- وَمِنْ كُلِّ نُونٍ مَعْ قَدَ افْلَحَ عَالِمًا ... فَعُمِّيَتِ اضْمُمْهُ وَثَقِّلْ "شَـ"ـذًا "عَـ"ـلا يريد: {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} هنا، وفي سورة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} 1، التنوين في تقدير: من كل شيء زوجين، ويكون زوجين مفعولا، واثنين: تأكيدا، وعلى قراءة غير حفص يكون اثنين مفعول احمل وأما: {فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} 2، فاضمم عينه وشدد ميمه، فيكون معناه: أخفيت، وقراءة الباقين بالتخفيف على معنى: خفيت ووزنه، ولا خلاف في تخفيف: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ} 3. في سورة القصص وإعراضه عن ذكرها دليل على أن الخلف المذكور مختص بما في هذه السورة ألا ترى "أن من كل زوجين" لما كان في سورتين ذكرهما وهو: أول هذا البيت ويجوز في البيت ضم تاء فعميت وكسرها كما قرئ بهما قوله: تعالى: {قَالَتِ اخْرُجْ} 4.   1 سورة المؤمنون، آية: 1. 2 سورة القصص، آية: 66. 3 سورة يوسف، آية: 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 الكسر على التقاء الساكنين والضم للإتباع، وشذا حال من الفاعل أو المفعول في اضممه وثقل؛ أي: ذا شذا عالٍ، والله أعلم. 757- وَفِي ضَمِّ مَجْرَاهَا سِوَاهُمْ وَفَتْحُ يَا ... بُنَيِّ هُنَا "نَـ"ـصٌّ وَفِي الكُلِّ "عُـ"ـوِّلا أي: غير حمزة والكسائي وحفص ضم ميم "مجراها" على أنه مصدر أجرى وهؤلاء فتحوها على أنها مصدر جرى وفي في قوله: وفي ضم بمعنى على أي: على ضمها من عدا هؤلاء، أما يا بني بفتح الياء وكسرها فلغتان مثل ما تقدم في: "يا ابن أم" بفتح الميم وكسرها، ففتح حفص الجميع ووافقه أبو بكر هنا فعلى الكسر أصله يبنى، فحذفت الياء كما تقول: يا غلام، والأصل: يا غلامي، وعلى الفتح أبدلت الياء ألفا؛ لتوالي الياءات والكسرات، ثم حذفت الألف وبقيت الفتحة دالة عليها. 758- وَآخِرَ لُقْمانٍ يُوَالِيهِ أَحْمَدُ ... وَسَكَّنَهُ "زَ"اكٍ وَشَيْخُهُ الَاوَّلا في لقمان ثلاثة مواضع: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} 1، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ} 2، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} 3، فالوسطى على ما تقدم تفتح لحفص وتكسر لابن كثير وغيره. والأولى والأخيرة فتحهما حفص وكسرهما من عدا ابن كثير، أما ابن كثير فسكن الأولى وله في الأخيرة وجهان؛ فتحها البزي فوافق حفصا في ذلك وسكنها قنبل، ووجه الإسكان أن بعد حذف ياء الإضافة بقي ياء مشددة هي مجموع ياء التصغير وياء لام الفعل، فخفف ذلك التشديد بحذف الياء الأخيرة، وهي لام الفعل وبقيت ياء التصغير وهي ساكنة وكأنه عند التحقيق وصل بنية الوقف فإذا وقف على المشدد جاز تخفيفه، وفي قراءة ابن كثير جمع بين اللغات الثلاث ففتح وسكن وكسر الأكثر، ومعنى يواليه يتابعه وأحمد هو اسم البزي، وزاكٍ عبارة عن قنبل وشيخه هو ابن كثير. 759- وَفِي عَمَلٌ فَتْحٌ وَرَفْعٌ وَنَوِّنُوا ... وَغَيْرَ ارْفَعُوا إِلا الكِسَائِيَّ ذَا المَلا يريد: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} ، فالفتح في الميم والرفع والتنوين في اللام فقراءة الكسائي واضحة؛ أي: إنه عمل عملا غير صالح، وقراءة الجماعة على تقدير إنه ذو عمل وإن كانت الهاء في "إنه" عائدة على النداء، فقراءتهم أيضا واضحة، والملا: الأشراف، ويريد: مشايخه أو أصحابه.   1 و2 و3 سورة لقمان، الآيات: 13 و16 و17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 760- وَتَسْئَلْنِ خِفُّ الكَهْفِ "ظِـ"ـلٌّ "حِـ"ـمًي وَهَا ... هُنَا "غُـ"ـصْنُهُ وَافْتَحْ هُنَا نُونَهُ دَلا الذي في الكهف: "فلا تسألن عن شيء"، والذي هنا: {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ} . وأصله: فلا تسأل لحقته نون الوقاية بعدها ياء المفعول، وهي ثابتة في الكهف؛ لثبوتها في الرسم إلا في وجه عن ابن ذكوان تقدم ذكره في آخر باب الزوائد، أما هنا فحذفت الياء تخفيفا فهذه قراءة الجماعة المرموزين في هذا البيت والمراد بالتخفيف: تخفيف النون والباقون ألحقوا نون التأكيد الخفيفة في آخر الفعل فأدغمت في نون الوقاية ففتحت اللام وكانت ساكنة؛ لأجل التقاء الساكنين، فبقيت نون مشددة مكسورة، فبهذا قرأ نافع في الكهف مع إثبات الياء وكذا ابن عامر، وفي وجه حذف ابن ذكوان الياء، أما هنا فقرأ ابن عامر ونافع وابن كثير بالتشديد إلا أن نافعا وابن عامر كسرا النون من غير ياء وابن كثير فتح النون؛ لأنه ألحق الفعل نون التأكيد الثقيلة، ولم يأت بنون الوقاية ولا ياء المفعول، وإنما لم يفعل في الكهف مثل هذه؛ لأن الياء فيه ثابتة في الرسم ويلزم من إثبات الياء كسر النون، أما التي في هود فلم ترسم فيها ياء، فأمكن فيها القراءتان وقول الناظم: خف الكهف صفة "تسئلن"؛ أي: الخفيف في سورة الكهف، وظل حمى خبره، ولفظ بقوله: "تسئلن" بلا ياء؛ ليشمل لفظ ما في السورتين، وقوله: وههنا غصنه؛ أي: فرع ذلك؛ لأن من خففه أقل عددا من مخفف الكهف، وقد سبق معنى ولا وفاعله ضمير عائد على تسألن؛ أي: جمع وجوه القراءات فيه من فتح وكسر وتخفيف وتشديد في السورتين فهو كمن أخرج دلوه ملآنا. 761- وَيَوْمَئِذٍ مَعْ سَالَ فَافْتَحْ "أَ"تَى "رِ"ضًا ... وَفِي النَّمْلِ "حِصْنٌ" قَبْلَهُ النُّونُ "ثُـ"ـمِّلا يريد: {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} ، وفي سورة: {سَأَلَ سَائِلٌ} : {لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} 1، قرئ بفتح الميم وجرها، فأما جرها فظاهر؛ لأنه اسم أضيف إليه ما قبله فكان مجرورًا، أما وجه الفتح، فكونه أضيف إلى غير متمكن، وهو "إذ"، وهذه حالة كل ظرف لزم الإضافة إذا أضيف إلى غير متمكن، ويجوز أن لا يبنى وعليه القراءة الأخرى،، أما الذي في النمل وهو: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ} 2، فزاد على فتح الميم عاصم وحمزة لكنِ الكوفيون نونوا قبله "من فزع" فهذا معنى قوله: قبله النون،   1 سورة المعارج، آية: 11. 2 آية: 86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 أي: قبل يومئذ زاد الكوفيون نونا أو تنوينا، والباقون أضافوا: "من فزع" إلى: "يومئذٍ" فمن جر الميم مع الإضافة فقراءته واضحة كما سبق شرحه وهو ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر على أصلهم ومن فتحها مع الإضافة وهو: نافع وحده فوجهه ما تقدم، فقراءته في السور الثلاث على طريقة واحدة، أما فتح الميم بعد التنوين فهو في قراءة عاصم وحمزة يكون حركة إعراب، وهو ظرف منصوب إما بفزع وإما بآمنون، وقراءة الكسائي تحتمل الأمرين؛ لأنه فتح الذي في هود وسأل لاعتقاده فيه البناء فكذا لو وجه هذا التنكير في فزع أنه أريد تهويله؛ أي: من فزع عظيم وهو الفزع الأكبر آمننا الله تعالى منه ومعنى ثمل أصلح؛ لأن التنوين جود الفتح على الظرفية ولم يخرج إلى وجه البناء والله أعلم. 762- ثَمُودَ مَعَ الفُرْقَانِ وَالعَنْكَبُوتِ لَمْ ... يُنَوَّنْ "عَـ"ـلَى "فَـ"ـصْلٍ وَفِي النَّجْمِ "فُـ"ـصِّلا أراد: {أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ} ، وفي الفرقان: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسّ} 1. وفي العنكبوت: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} 2. وفي النجم: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} 3. لم ينون الجميع حفص وحمزة، ووافقهما أبو بكر على عدم تنوين الذي في النجم، ورمزه في أول البيت الآتي نما؛ لأن النون لعاصم بكماله في اصطلاح هذه الطريقة عبارة عن أبي بكر وحفص معا، والباقون نونوا في الجميع، ووجه التنوين وعدمه مبني على صرف هذه الكلمة وعدم صرفها، وللعرب فيها مذهبان تارة تصرفها ذهابا إلى اسم الحي، وتارة تترك صرفها ذهابا إلى اسم القبيلة، وكذا الخلاف في سبأ لما سيأتي في سورة النمل، فإن قلت: أطلق قوله: ثمود هنا فما المانع أن يظن أنه أراد التي في أول القصة: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} وهو غير منصرف اتفاقا، قلت: منع منه أمران. أحدهما أن هذا سابق على كلمة يومئذ فلو كان فيه خلاف لذكره قبل مسألة يومئذ لا يقال: إنه في بعض المواضع يقدم ما تأخر من الحروف، ويؤخر ما تقدم كقوله بعد هذا البيت: ويعقوب ثم قال هنا: قال سلم ومثله ودرى اكسر ثم قال: يسبح فتح الياء كذا صف، وتوقد البيت، ولفظ توقد قبل يسبح، وإنما ضرورة النظم تحوج إلى مثل هذا؛ فإن جوابه أنه لا ضرورة هنا؛ لأن مسألة يومئذ في بيت مستقل فكان يمكنه تأخيره.   1 الآية: 38. 2 الآية: 38. 3 الآية: 51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 الأمر الثاني: أن جميع هذه المواضع الأربعة المختلف فيها منصوبة والخلاف واقع في إثبات التنوين وعدمه فقط، أما قوله: وإلى ثمود فمجرور فلا يكفي فيه ذكر التنوين بل لا بد من جره عند من صرفه كما ذكر بعد ذلك في "لثمود" فلم يدخل في مراده والله أعلم، قال سيبويه: وثمود وسبأ هما مرة للقبيلتين ومرة للحيين وكثرتهما سواء، قال أبو علي: فمن صرف في جميع المواضع كان حسنا، ومن لم يصرف في جميع المواضع فكذلك، وكذلك إن صرف في موضع ولم يصرف في موضع آخر إلا أنه لا ينبغي أن يخرج عما قرأت به القراء؛ لأن القراءة سنة فلا ينبغي أن نحمل على ما تجوزه العربية حتى ينضم إلى ذلك الأثر من قراءة القراء، وقول الناظم: على فصل؛ أي: على قول فصل والله أعلم. واختار أبو عبيد قراءة التنوين في هذه المواضع الأربعة،؛ لأنها رسمت بألف بعد الدال وهو دليل الصرف. 763- "نَـ"ـما لِثَمُودٍ نَوِّنُوا وَاخْفِضُوا "رِ"ضا ... وَيَعْقُوبُ نَصْبُ الرَّفْعِ "عَـ"ـنْ "فَـ"ـاضِلٍ "كَـ"ـلا نما من تتمة رمز الذي في النجم، ثم ابتدأ لثمود أراد: "أَلا بُعْدًا لِثَمُودٍ"؛ صرفه الكسائي فخفضه ونونه موافقة لما قبله وهو: "ألا إن ثمودًا"، وفتحه الباقون غير منون؛ لأنه غير مصروف، وقوله: رضى؛ أي: ذوي رضى، وموضع لثمود نصب ما بعده، وقرئ يعقوب بالنصب والرفع، فالنصب على تقدير: ووهبنا لها يعقوب من وراء إسحاق، ودل عليه معنى قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} ؛ لأنه في معنى وهبنا، واختاره أبو علي، وذكر وجهين آخرين على ضعف فيهما؛ أحدهما: أن يكون مجرورًا عطفًا على إسحاق، والثاني أن يكون منصوبًا عطفًا على موضع بإسحاق؛ أي: فبشرناها "بإسحاق" ويعقوب من وراء إسحاق، وضعفهما من جهة الفصل بين واو العطف والمعطوف بالظرف فهو كالفصل بين الجار والمجرور، ولو قلت: مررت بزيد اليوم وأمس عمرو على تقدير وبعمر وأمس لم يحسن ولكن في الشعر يحتمل مثل ذلك كما جاء بكف -يوما- يهودي ومثله في الفصل بين حرف العطف والمرفوع وآونة أثالي وفي المنصوب: ويوما أديمها نغلا في بيتين معروفين أنشدهما أبو علي وغيره الأول لابن أحمر والثاني للأعشى، وله نظير في إعراب بعضهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} 1. على أن هادٍ عطف على منذر؛ أي: أنت منذر وهادٍ لكل قوم، وقد مضى في هذه القصيدة وسيأتي نحو من ذلك في نظم الناظم، وذكر وجه العطف جماعة من أئمة العربية، أما قراءة يعقوب بالرفع فعلى الابتداء، وخبره ما قبله؛ أي: مولود لها من وراء إسحاق يعقوب أو يكون فاعل من وراء على قول الأخفش؛ أي: واستقر لها من وراء إسحاق يعقوب، قال أبو جعفر النحاس: وتكون الجملة في موضع الحال، وأظنه في البشارة أي: فبشرناها بإسحاق متصلا به يعقوب قال: ويجوز على إضمار فعل؛ أي: ويحدث من وراء إسحاق يعقوب، وقوله: نصب الرفع؛ أي: نصب رفعه أو نصب الرفع فيه منقول عن فاضل كلأه؛ أي: حفظه. 764- هُنا قَالَ سِلْمٌ كسْرُهُ وَسُكُونُهُ ... وَقَصْرٌ وَفَوْقَ الطُّورِ "شَـ"ـاعَ تَنَزُّلا كسره: مبتدأ، وسكونه وقصر عطف عليه، وشاع خبر المبتدأ، وتنزلا تمييز، وفوق الطور: عطف على هنا؛ أي: قوله: "قال سلم" موضع: "قال سلام هنا وفي الذاريات وهما لغتان كحرم وحرام وحل وحلال، وقيل: سلم ضد حرب؛ وذلك لأنه نكرهم فقال: أنا مسالم لكم ورفعه على حكاية قوله؛ أي: سلام عليكم أوامري سلام، ونصب: {قَالُوا سَلامًا} ؛ أي: قولا ذا سلامة لم يقصد فيه حكاية قولهم، وكذا معنى قوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} 2. وأما في كل موضع يقصد التسليم فلم يأت الأمر معرفا والأكثر تنكيره: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} 3،: {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} 4، {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ} 5، {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} 6. وجاء معرفا في: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ} 7، {وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} 8. وقيل: التقدير: سلمنا سلاما، وله نظائر والله أعلم. 765- وَفَاسْرِ أَنِ اسْرِ الوَصْلُ "أَ"صْلٌ "دَ"نا وَهَا ... هُنَا حَقٌّ الا امْرَاتَكَ ارْفَعْ وَأَبْدِلا يريد حيث جاء هذان اللفظان، وجاء فأسر في ثلاث سور هنا: د   1 سورة الرعد، آية: 7. 2 سورة الفرقان، آية: 63. 3 سورة الرعد، آية: 24. 4 سورة يس، آية: 58. 5 سورة الصافات، آية: 79. 6 سورة مريم، آية: 16. 7 سورة مريم، آية: 32. 8 سورة طه، آية: 47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} 1، ومثله في الحجر والدخان: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا} 2. وأما: {أَنْ أَسْرِ} ؛ ففي طه والشعراء عنى بالوصل: همزة الوصل، ولا يظهر لفظها إلا على تقدير أن تقف على "أن"، فتبتدئ "إسر" بكسر الهمزة، أما إذا وصلت فلا يظهر إلا أثرها، وهو حذفها في الدرج وكسر النون من "أن"؛ لالتقاء الساكنين لورش وغيره، أما في كلمة "فأسر" فلا يظهر أثر إلا في حذفها، وقرأ الباقون بهمزة القطع المفتوحة، فالنون من أن ساكنة على أصلها، لكنها تفتح لحمزة إذا وقف على أن أسر على رواية نقل الحركة له في الوقف والقراءتان مبنيتان على الفعل الذي منه هذا الأمر، وفيه لغتان سرى وأسرى فعلى لغة سرى جاءت همزة الوصل في الأمر كقولك: ارم من رمى، وعلى لغة أسرى جاءت همزة القطع كقولك من أعطى: أعط، ويشهد لـ: "سرى" قوله سبحانه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} 3. ويشهد لأسرى قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} 4. ويتعلق بهما بحث كما ذكرناه في تفسير آية سبحان فأما قوله تعالى: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} . فقرئ برفع امرأتك ونصبها، فقوله: ههنا احترازًا من الذي في العنكبوت: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ} ؛ فإنه منصوب باتفاق؛ لأنه مستثنى من موجب، أما هنا فمستثنى من غير موجب، فجرى فيه الوجهان النصب والرفع كما سبق في سورة النساء: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} ، و {إِلَّا قَلِيلًا} ، لكن لم يقرأ بالنصب ثَم إلا واحد، وههنا الأكثر على النصب، فلهذا قال جماعة من أئمة العربية: إنه مستثنى من قوله تعالى:   1 سورة الحجر، آية: 65. 2 سورة الدخان، آية: 23. 3 سورة الفجر، آية: 4. 4 أول سورة الإسراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} ؛ ليكون مستثنى من موجب، وهذا فيه إشكال من جهة المعنى؛ إذ يلزم من استثنائه من: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} أن لا يكون أسرى بها وإذا لم يسر بها كيف يقال: "لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ" على قراءة الرفع، فكيف تؤمر بالالتفات، وقد أمر أن لا يسري بها فهي لما التفتت كانت قد سرت معهم قطعا فيجوز أن يكون هو لم يسر بها ولكنها تبعتهم والتفتت، فأصابها ما أصاب قومها، والذي يظهر لي أن الاستثناء على القراءتين منقطع لم يقصد به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم، ولا من المنهيين عن الالتفات، ولكن استؤنف الإخبار عنها بمعنى لكن امرأتك يجري لها كيت وكيت، والدليل على صحة هذا المعنى أن مثل هذه الآية جاءت في سورة الحجر، وليس فيها استثناء أصلا فقال تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} 1. فلم تقع العناية إلا بذكر من أنجاهم الله تعالى، فجاء شرح حال امرأته في سورة هود تبعا لا مقصودا بالإخراج مما تقدم، ونحو ذلك قوله تعالى في سورة الحجر: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} 2. قال كثير من المفسرين: إنه استثناء متصل، وبنى قوم على ذلك جواب الاستثناء الأكثر من الأقل؛ لأن الغاوي أكثر من المهتدي، وعندي أنه منقطع بدليل أنه في سورة سبحان: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} 3، فأطلق ولم يستثن الغاوين دل على أنه أراد بقوله تعالى: "عبادي": المخلصين المكلفين، وهم ليس للشيطان عليهم سلطان فلا حاجة إلى استثناء الغواة منهم فحيث جاء في الحجر استثناء الغواة كان على سبيل الانقطاع؛ أي: لكن من اتبعك من الغاوين لك عليهم سلطان فإذا اتضح هذا المعنى لك علمت أن القراءتين واردتان على ما تقتضيه العربية في الاستثناء المنقطع؛ ففيه لغتان: النصب والرفع، فالنصب لغة أهل الحجاز وعليها الأكثر، والرفع لبني تميم وعليها اثنان من القراء، ولهذا قلت في المنظومة التي في النحو: واحمل على المنقطع الا امرأتُك ... في هود مطلقا فتقوى حجتُك وقول الناظم: ارفع وأبدلا يجوز بضم الهمزة وفتحها؛ فضمها على أنه فعل لم يسم فاعله وفتحها على الأمر والألف في آخره بدل من نون التأكيد الخفيفة، والمعنى: واحكم على المرفوع أنه بدل من أحد   1 سورة الحجر، آية: 65. 2 سور الحجر، آية: 42. 3 سورة الإسراء، آية: 65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 قوله: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} هذا على قول الجماعة إنه مستثنى من ذلك، ولم يختلفوا فيه، وإنما الخلاف بينهم في قراءة النصب منهم من استثناها من ذلك ومنهم من استثناها من: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} ، وقوله: "إِلَّا امْرَاتَكَ" أبدل فيه الهمزة ألفا؛ ليتزن له النظم، وقد سمع نحو ذلك من العرب يقولون: المراة والكماة، فيبدلونها ألفا، ولزم من هذه العبارة في نظمه إيهام، وذلك أنه قال: ارفع وأبدلا فيظن أنه أراد ما لفظ به من إبدال الهمزة ألفا وإنما أراد الإبدال من جهة الإعراب ووقع لي في تصحيح ما أعربه النحاة معنى حسن وذلك أن يكون في الكلام اختصار نبه عليه اختلاف القراءتين، وكأنه قيل: فأسر بأهلك إلا امرأتك، وكذا روى أبو عبيد وغيره أنها في قراءة ابن مسعود هكذا، وليس فيها: {ولا يلتفت منكم أحد} ، فهذا دليل على استثنائها من المسري بهم ثم كأنه سبحانه قال: فإن خرجت معكم وتبعتكم من غير أن تكون أنت سريت بها فإنه أهلك عن الالتفات غيرها فإنها ستلتفت ويصيبها ما أصاب قومها فكانت قراءة النصب دالة على ذلك المعنى المتقدم، وقراءة الرفع دالة على هذا المعنى المتأخر ومجموعها دال على جملة المعنى المشروح. 766- وَفِي سَعِدُوا فَاضْمُمْ "صِحَابـ"ـًا وَسَلْ ... بِهِ وَخِفُّ وَإِنْ كُلًا "إِ"لَى "صَـ"ـفْوِهِ "دَ"لا صحابا؛ أي: ذا صحاب ويقال: سال عنه وسال به بمعنى وعليه حمل قوله: تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ} 1. أي: عن عذاب ومنه: "فسئل به خبيرا"2. وقال علقمة: فإن تسألوني بالنساء فإنني وقال الشيخ: سل به بمعنى اعتن به واشتغل به كما يقال: سل عنه بمعنى ابحث عنه وفتش عنه، وإنما قال ذلك؛ لصعوبة تخريج وجه الضم؛ لأنه يقتضي أن يكون سعد متعديا وهي لغة مجهولة ويدل على وجودها قولهم: مسعود والمعروف أسعده الله بالألف وقيل: إن سعد لغة هذيل يقال سعد كما يقال: جن، أما: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} ، فمعناها على القراءات من أشكل الآيات، وقد نظم في هذا البيت الخلاف في أن وفي البيت الآتي الخلاف في لما، والخلاف فيهما في التشديد والتخفيف فقوله: {وَإِنَّ كُلًّا} في موضع خفض بإضافة وخف إليه، واعلم أن "إن" يجوز تخفيفها وهي باقية على إعمالها؛ فقوله: كلا اسمها مخففة كانت أو مشددة، ولا يجوز أن يكون المخففة نافية؛ لأنها قد نصبت كلها، وقد دخلت اللام في الخبر إلا في قراءة من شدد كما يأتي فهي قراءة أبي بكر وحده، وقوله: إلى صفوه دلا خبر، وخف "وإن كلا"، والهاء في صفوه للخف، وفاعل دلا ضمير عائد إلى القارئ؛ أي: إلى صفو الخف أدلى القارئ دلوه ثم استخرجها؛ أي: وجد قراءة حلوة فقرأ بها، يقال: دلوت الدلو نزعتها وأدليتها أرسلتها في البئر، قال الله تعالى:   1 سورة المعارج، آية: 1. 2 سورة الفرقان، آية: 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 {فَأَدْلَى دَلْوَهُ} 1. واجتزى الشاطبي بقوله: دلا عن أن يقول: أدلى فدلا؛ لأنه لا يوصف بأنه دلا إلا بعد أن يكون أدلى دلوه، وقال صاحب الصحاح: قد جاء في الشعر: الدالي بمعنى المدلى، فإذا كان الأمر كذلك ظهر قول الناظم: داي لا إلى صفوه بمعنى أدلى دلوه إليه، والله أعلم. 767- وَفِيها وَفِي يس وَالطَّارِقِ العُلا ... يُشَدِّدُ لَمَّا كَامِلُ نَصَّ فَاعْتَلا العلى: نعت للطارق، وفي جعله نعتا للسور الثلاث نظر من جهة أن بعضها معبر عنه بالضمير، والمضمر لا يوصف، فأشار إلى قوة قراءة من شدد لما بقوله: كامل نص فاعتلا، فالقراءات في هاتين الكلمتين: "أن"، و"لما"، أربع: تخفيفهما لنافع وابن كثير تشديدهما لابن عامر وحمزة، وحفص تخفيف "إن"، وتشديد "لما" لأبي بكر وحده تشديد "إن" وتخفيف "لما" لأبي عمرو والكسائي، فمن شدد "إن" وخفف "لما" فاللام في "لما" هي التي تدخل فيما كان في خبر "إن"، واللام في: {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} جواب قسم محذوف، ومثله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} 2. غير "أن" اللام في لمن داخلة على الاسم، وفي "لما" داخلة على موضع الخبر، وقام القسم وجوابه مقام الخبر و"ما" في "لما" زائدة؛ لتفرق بين اللامين؛ لام التوكيد ولام القسم، وقيل: بمعنى الذي وزاد بعضهم، فجعلها بمعنى "من"، وقيل: اللام في "لما" موطئة للقسم مثل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 3. والمعنى: وإن جميعهم والله ليوفينهم ربك أعمالهم من حسن وقبح وإيمان وجحود فهذا تعليل قراءة أبي عمرو والكسائي، قال الفراء: جعل ما اسما للناس كما جاز: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 4. ثم جعل اللام التي فيها جوابا؛ لأن وجعل اللام التي في "ليوفينهم" لامًا دخلت على نية يمين فيما بين "ما" وصلتها كما تقول: هذا مَن ليذهبن وعندي: ما لغيره خير منه ومثله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} . ثم قال بعد ذلك ما يدل على أن اللام مكررة فقال: إذا عجلت العرب باللام في غير موضعها أعادوها إليه نحو: إن زيدا لإليك لمحسن ومثله:   1 سورة يوسف، آية: 19. 2 سورة النساء، آية: 73. 3 سورة الزمر، آية: 65. 4 سورة النساء آية: 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 ولو أن قومي لم يكونوا عزة ... لبعد لقد لالقيت لابد مصرعا قال: أدخلها في بعد وليس بموضعها، وسمعت أبا الجراح يقول: إني بحمد الله لصالح، وقال أبو علي: في قراءة من شدد إن وخفف لما: وجهها بيِّن؛ وهو أنه نصب "كُلًّا" بـ "أن"، وأدخل لام الابتداء على الخبر، وقد دخل في الخبر لام "ليوفي"، وهي التي يتلقى بها القسم، وتختص بالدخول على الفعل، فلما اجتمع اللامان فصل بينهما كما فصل بين "أن" واللام، فدخلت "ما" وإن كانت زائدة؛ للفصل، ومثله في الكلام: إن زيدا لما لينطلقن، قال: هذا بين ويلي هذا الوجه في البيان قراءة من خفف: "إن" و"لما". وهي قراءة ابن كثير، ونافع، قال سيبويه: حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمرا لمنطلق كما قالوا: كأنْ ثدييه حقان قال: ووجهه من القياس: "أن إن" مشبهة في نصبها بالفعل، والفعل يعمل محذوفا كما يعمل غير محذوف، نحو: لم يك زيد منطلقا، {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ} ، وكذلك "لا أدر". قلت: فتعليل هذه القراءة كالتي قبلها سواء واللام في "لما" هي الفارقة بين المخففة من الثقيلة والنافية، وقال الفراء: أما الذين خففوا أن، فإنهم نصبوا، وهو وجه لا أشتهيه؛ لأن اللام لا يقع الفعل الذي بعدها على شيء قبله، فلو وقعت "كل" لصلح ذلك كما يصلح أن يقول: إن زيدا لقائم لا يصلح إن زيدًا لأضرب؛ لأن تأويلها كتأويل إلا. قلت: واستشكل أبو علي وغيره قراءة من شدد لما هنا في سورة هود سواء شدد إن أو خففها؛ لأنه قد نصب بها "كلا"، وإذا نصب بالمخففة كانت بمنزلة المثقلة فكما لا يحسن إن زيدا إلا منطلق؛ لأن "إلا" إيجاب بعد نفي، ولم يتقدم هذا إلا إيجاب مؤكد فكذا لا يحسن إن زيدا لما منطلق؛ لأنه بمعناه، وإنما شاع: نشدتك بالله إلا فعلت و"لما ... "؛ لأن معناه الطلب فكأنه قال: ما أطلب منك إلا فعلك، فحرف النفي مراد مثل: {تَاللَّهِ تَفْتَأ} 1، ومثل أبو علي بقولهم: شر أهر ذا ناب؛ أي: ما أهره إلا شر قال: وليس في الآية معنى النفي ولا الطلب، وحكي عن الكسائي أنه قال: لا أعرف وجه التثقيل في لما، قال أبو علي: ولم يبعد فيما قال، قال أبو جعفر النحاس: القراءة بتشديدها عند أكثر النحويين لحن حكي عن محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز، ولا يقال: إن زيدا إلا لأضربنه ولا لما لأضربنه، قال: وقال الكسائي: الله -جل وعز- أعلم بهذه القراءة ما أعرف لها وجها، قال: وللنحويين بعد هذا فيها أربعة أقوال فذكرها مختصرة، وأنا أبسطها وأنبه على ما فيها، ثم أذكر وجها خامسا هو الحق إن شاء الله تعالى.   1 سورة يوسف، آية: 85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 الأول: قاله الفراء وتبعه فيه جماعة، قال: أراد "لمن ما" فلما اجتمع ثلاث ميمات حذف واحدة فبقيت ثنتان، فأدغمت إحداهما في الأخرى كما قال الشاعر: وإني لما أصدر الأمر وجهه ... إذا هو أعيا بالسبيل مصادر قال نصر بن علي الشيرازي: وصل من الجارة بما فانقلبت النون أيضا ميما للإدغام فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت أحداهن فبقي "لما" بالتشديد قال: وما ههنا بمعنى: من، وهو اسم لجماعة الناس كما قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ} ؛ أي: من طاب، والمعنى: وإن كلا من الذين ليوفينهم ربك أعمالهم، أو من جماعة ليوفينهم ربك أعمالهم، قال المهدوي: حذفت الميم المكسورة والتقدير: لمن خلق ليوفينهم، وجوز أن يكون تقدير هذا الوجه لمن ما بفتح الميم، وتكون اللام داخلة على من التي بمعنى الذي وما بعدها زائدة. قال: فقلبت النون ميما وأدغمت في الميم التي بعدها، فاجتمعت ثلاث ميمات، فحذفت الوسطى منهن وهي المبدلة من النون، فقيل: لما قلت، فقد صار لهذا الوجه الذي استنبطه الفراء تقديران، وسبق المهدويَ إلى التقدير الثاني أبو محمد مكي، وقال: التقدير: وإن كلا لخلق ليوفينهم ربك قال: فيرجع إلى معنى القراءة الأولى التي بالتخفيف، وهذا هو الذي حكاه الزجاج فقال: زعم بعض النحويين أن معناه "لمن ما" ثم قلبت النون ميما فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت الوسطى، قال: وهذا القول ليس بشيء؛ لأن "من" لا يجوز حذفها؛ لأنها اسم على حرفين، وقال النحاس: قال أبو إسحاق: هذا خطأ؛ لأنه يحذف النون مِن "مِن" فيبقى حرف واحد، وقال أبو علي: إذا لم يقو الإدغام على تحريك الساكن قبل الحرف المدغم في نحو قوم مالك، فأن لا يجوز الحذف أجدر، قال علي: إن في هذه السورة ميمات اجتمعت في الإدغام أكثر مما كان يجتمع في "لمن ما"، ولم يحذف منها شيء، وذلك قوله: {وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} . فإذا لم يحذف شيء من هذا فأن لا يحذف ثَم أجدر. قلت: وما ذره الفراء استنباط حسن، وهو قريب من قولهم في: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} 1؛ أصله: لكن أنا ثم حذفت الهمزة وأدغمت النون في النون وكذا قولهم أما أنت منطلقا انطلقت قالوا: المعنى؛ لأن كنت منطلقًا، وما أحسن ما استخرج الشاهد من البيت الذي أنشده واجتمع في: {أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} ثماني ميمات؛ خمس ظاهرة والتنوين في أمم والنون من ممن كلاهما تقلب ميما وتدغم في الميم بعده على ما تمهد في بابهما في الأصول، ثم إن الفراء أراد أن يجمع بين قراءتي التخفيف والتشديد من لما في معنى واحد فقال: ثم يخفف كما قرأ بعض القراء: "وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ"   1 سورة الكهف، الآية: 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 بحذف الياء عند الياء، أنشدني الكسائي شعرا: وأشمتّ العداة بنا فأضحوا ... لديّ تباشرون بما لقينا معناه يتباشرون، فحذف ياؤه؛ لاجتماع الياءات قلت: الأولى أن يقال: حذفت ياء الإضافة من لدى، فبقيت الياء الساكنة قبلها المنقلبة عن ألف لدى، وهو مثل قراءة: "يا بني" بالإسكان على ما سبق، أما الياء من يتباشرون فثابتة؛ لدلالتها على المضارعة قال ومثله كأن من آخرها القادم يريد إلى القادم، فحذف عند اللام اللام الأولى، قلت: لأن آخر "إلى" حذف لالتقاء الساكنين، وهمزة الوصل من القادم تحذف في الدرج، فاتصلت لام "إلى" بلام التعريف في القادم، فحذفت الثانية على رأيه، والأولى أن يقال: حذفت الأولى؛ لأن الثانية دالة على التعريف، فلم يبق من حروف "إلى" غير الهمزة، فاتصلت بلام القادم، فبقيت الهمزة على كسرها وهذا قريب من قولهم: "ملكذب". في "من الكذب"، "وبالعنبر"، في بني العنبر، و"عَلْمَاء" بنو فلان؛ أي: على الماء. القول الثاني: قال الزجاج: زعم المازني أن أصلها "لما" بالتخفيف ثم شددت الميم قال: وهذا ليس بشيء؛ لأن الحروف نحو "رب"، وما أشبهها تخفف، ولسنا نثقل ما كان على حرفين. الثالث: قال النحاس: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: الأصل: "وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ" بالتنوين من لممته لما؛ أي: جمعته، ثم بني منه فعلى كما قرئ: "ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا" بغير تنوين وبتنوين. قلت: الذي في كتاب القراءات لأبي عبيد: وروي عن بعض القراء: "وَإِنَّ كُلًّا لَمًّا" منونة، يريد: جميعا قال: وهي صحيحة المعنى، إلا أنها خارجة عن قراءة الناس، وقال الفراء: المعنى: {وَإِنَّ كُلًّا} شديدًا: {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} ، وإن كلا حقا "ليوفينهم" وقال أبو علي: وقد روي أنه قرئ: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا} منونا كما قال: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا} ، فوصف بالمصدر وينبغي أن يقدر المضاف إليه كل نكرة؛ ليحسن وصفه بالنكرة، ولا يقدر إضافته إلى معرفة فيمتنع أن تكون لما وصفا له، ولا يجوز أن تكون حالا؛ لأنه لا شيء في الكلام عامل في الحال قال: فإن قال إن لما فيمن ثقل إنما هي لما هذه وقف عليها بالألف، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف فذلك مما يجوز في الشعر، قال ابن جني: معنى لما بالتنوين توفية جامعة لأعمالهم جمعا، ومحصلة لأعمالهم تحصيلا فهو كقولك: قياما لأقومن وقعودا لأقعدن، قال الشيخ أبو عمرو -رحمه الله: استعمال لما في هذا المعنى بعيد، وحذف التنوين من المنصرف في الوصل أبعد، قال: وقيل: لما فعْلَى من اللم ومنع الصرف لأجل ألف التأنيث، والمعنى فيه مثل مضى لما المنصرف قال وهذا أبعد إذ لا تعرف لما فعلى بهذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 المعنى ولا بغيره، ثم كان يلزم هؤلاء أن يميلوا لمن أمال وهو خلاف الإجماع، وأن يكتبوها بالياء وليس ذلك بمستقيم. قلت: فهذه ثلاثة أوجه وهي خمسة في المعنى؛ لأن الأول اختلف في تقديره على وجهين: "لَِمن ما" بكسر الميم وفتحها، وهذا الثالث اختلف في ألفه على وجهين؛ أحدهما: أنها بدل من التنوين، والثاني أنها للتأنيث. القول الرابع: قال الزجاج: وقال بعضهم قولا ولا يجوز غيره: "إن لما" في معنى "إلا" مثل: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 1، ثم أتبع ذلك بكلام طويل مشكل حاصله: أن معنى: إن زيد لمنطلق: ما زيد إلا منطلق، فأجريت المشددة كذلك في هذا المعنى إذا كانت اللام في خبرها، وعملها النصب في اسمها باقٍ بحاله مشددة ومخففة، والمعنى نفي بأن وإثبات باللام التي في معنى إلا ولما بمعنى إلا، قلت: قد تقدم إنكار أبي علي جواز إلا في مثل هذا الموضع فكيف يجوز لما التي بمعناها على أن من الأئمة من أنكر مجيء لما بمعنى إلا، قال أبو عبيد: أما من شدد لما يتأولها إلا فلم نجد هذا في كلام العرب ومن قال هذا لزمه أن يقول: رأيت القوم لما أخاك يريد إلا أخاك، وهو غير موجود، قال الفراء: أما من جعل لما بمنزلة إلا فإنه وجه لا نعرفه، وقد قالت العرب مع اليمين: بالله لما قمت عنا وإلا قمت عنا فأما في الاستثناء فلم تقله في شعر ولا غيره ألا ترى أن ذلك لو جاز لسمعت في الكلام: ذهب الناس لما زيدًا. قلت: وقد ذكر ابن جني وغيره أن إلا تقع زائدة فلا بُعد في أن تقع لما التي بمعناها زائدة فهذا وجه آخر فصارت الوجوه سبعة والصحيح في معنى لما المشددة في هذه السورة ما قاله الشيخ أبو عمرو -رحمه الله- في أماليه المفرقة على مواضع من القرآن وغيره قال لما هذه هي لما الجازمة حذف فعلها للدلالة عليه لما ثبت من جواز حذف فعلها في قولهم: خرجت ولما وسافرت ولما ونحوه وهو سائغ فصيح، فيكون المعنى: وإن كلا لما يهملوا ولما يتركوا لما قدم من الدلالة عليه من تفصيل المجموعين كقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} ، ثم ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم ثم بين ذلك بقوله: {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} قال: وما أعرف وجها أشبه من هذا وإن كانت الناس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في القرآن قال: والتحقيق يأبى استبعاد ذلك، قلت: هذا وجه مليح ومعنى صحيح والسكوت على "لما" دون فعلها قد نص عليه الزمخشري في مفصله، وأنشد ابن السكيت شاهدا على ذلك في كتاب معاني الشعر له: فجئت قبورهم بدءا ولما ... فناديت القبور فلم يجبْنَهْ وقال في معناه بدءا؛ أي: سيدا وبدؤ القوم؛ أي: سيدهم وبدء الجزو خبر أنصبائها قال: وقوله: ولما؛ أي: لم أكن سيدا إلا حين ماتوا فإني سدت بعدهم كما قال الآخر:   1 سورة الطارق، آية: 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 خلت الديار فسدت غير مدافع ... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد قلت: ونظير السكوت على "لما" دون فعلها سكوت النابغة على قد دون فعلها في قوله: أزف الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قدِ أي: وكأن قد زالت قال الشيخ أبو عمرو، أما قراءة أبي بكر فلها وجهان أحدهما الوجوه المذكورة في قراءة ابن عامر وغيره فتكون أن مخففة من الثقيلة في قراءتهم والوجه الثاني: أن تكون أن نافية ويكون كلا منصوبا بفعل مضمر تقديره، وإن أرى كلا أو إن أعلم ونحوه ولما بمعنى "إلا" نحو: "إن كل نفس لما عليها حافظ" ومن ههنا كانت أقل إشكالا من قراءة ابن عامر؛ لقبولها هذا الوجه الذي هو غير مستبعد ذلك الاستبعاد وإن كان في نصب الاسم الواقع بعد حرف المنفي استبعاد ولذلك اختلف في مثل قوله: إلا رجلا جزاه الله خيرًا هل هو منصوب بفعل مقدر ونون ضرورة فاختار الخليل إضمار الفعل واختار يونس التنوين للضرورة قلت: فهذا ما يتعلق بتوجيه القرارات في تشديدان ولما في تخفيفها في هذه السورة وهو من المواضع المشكلة غاية الإشكال وقد اتضحت والحمد لله وإن كان قد طال الكلام فيها فلا بد في المواضع المشكلة من التطويل زيادة في البيان ولو كان الشرح الكبير بلغ هذا الموضع لم يحتج إلى هذا التطويل في هذا المختصر والله الموفق. والذي في يس: {إِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} 1. وفي الطارق: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 2. إن في الموضعين للنفي؛ لأن كل مرفوع بعدها فلم يحتج أن تجعلها المخففة من الثقيلة على قراءة من شدد لما ولما بمعنى إلا وم خففها فهي لام الابتدا وما زائدة وإن هي المخففة من الثقيلة ولم تعمل والله أعلم. 768- وَفي زُخْرُفٍ "فِـ"ـي "نَـ"ـصِّ "لُـ"ـسْنٍ بِخُلْفِهِ ... وَيَرْجِعُ فِيه الضَّمُّ وَالفَتْحُ "إِ"ذّ "عَـ"ـلا يريد: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الكلام فيه كالكلام في الذي في يس والطارق، ولسن جمع لسن بكسر السين وهو الفصيح؛ لأن اللسن بفتح السين: الفصاحة، يقال: لسن الكسر فهو لسن ولسن وقوم لسن، لم يوافق ابن ذكوان على تشديد التي في الزخرف وعن هشام فيها خلاف وتقدير البيت: والتشديد في حرف الزخرف مستقر في نص قوم فصحاء نقلوه، أما: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} فالخلاف فيه ظاهر سبق له نظائر وهو إسناد الفعل إلى المفعول أو الفاعل.   1 آية: 30. 2 آية: 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 769- وَخَاطَبَ عَمَّا يَعْمَلُونَ بِها وآ ... خِرَ النَّمْلِ "عِـ"ـلْمًا "عَمَّ" وَارْتَادَ مَنْزِلا عما تعملون فاعل خاطب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه، وعلما مفعول خاطب؛ أي: خاطب ذوي علم وفهم وهم بنو آدم، وقال الشيخ: هو مصدر أي: اعلم ذلك علما وآخر النمل يروي بجر الراء ونصبها فالجر عطفا على الضمير في بها مثل قراءة: {بِهِ وَالْأَرْحَامَ} ، والنصب عطفا على موضع الجار والمجرور كأنه قال: هنا وآخر النمل وكلا الموضعين في آخر السورة: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} 1، فالخطاب هنا للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين والغيبة رد على قوله: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} 2. والخطاب في آخر النمل رد على قوله: {سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} ، والغيبة إخبار عنهم وارتاد معناه: طلب والضمير في عم وارتاد للعلم؛ أي: علما عم العقلاء من بني آدم المخاطبين واختار موضعا لنزوله وحلوله فيهم والله أعلم، ثم ذكر ياءات الإضافة فقال: 770- وَيَاءاتها عَنِّي وَإِنِّي ثَمَانِيا ... وَضَيْفِي وَلكِنِّي وَنُصْحِيَ فَاقْبَلا أراد: "عَنِّيَ إِنه لفرح" فتحها نافع وأبو عمرو. و"إني" في ثمانية مواضع: "إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ"، "إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ" في قصتي نوح وشعيب: "إِنِّيَ أَعِظُكَ"، "إِنِّيَ أَعُوذُ بِكَ"؛ "إنيَ أعوذ بك" فتح الخمس الحرميان وأبو عمرو. "إِنِّيَ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ"3، فتحها نافع وأبو عمرو والبزي. "إِنِّيَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ"4، فتحها نافع وأبو عمرو. "إِنِّيَ أُشْهِدُ اللَّهَ"5، فتحها نافع، وقد ضبطت هذه الثمانية في بيت فقلت: أراكم أعوذ أشهد الوعظ معْ إذا ... أخاف ثلاثا بعد أنّ تكملا   1 سورة النمل: 93. 2 سورة هود، آية: 122. 3 سورة هود، آية: 84. 4 سورة هود، آية: 31. 5 سورة هود، آية: 54 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 أي: هذه الألفاظ بعد "إني" ونبهت بالوعظ على أعظكم. و"ضَيْفِيَ أَلَيْسَ"، فتحها نافع وأبو عمرو. "وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ"، فتحها البزي ونافع وأبو عمرو. "ولا ينفعكم نصحيَ إن أردت"، فتحها نافع وأبو عمرو، فهذه اثنتا عشرة ياء، وقوله: ثمانيًا نصب على الحال من إني؛ أي: خذها ثمانيا أو فاقبلها ثمانيا، وثمانيا مصروف، قال الجوهري: لأنه ليس بجمع فيجري مجرى جوارٍ وسوارٍ في ترك الصرف، وما جاء في الشعر غير مصروف فهو على توهم أنه جمع، وأراد: "فاقبلن"، فأبدل من نون التأكيد ألفا وياءاتها مبتدأ، ويجوز نصبه بكسر التاء مفعولا لقوله: فاقبلا، وعنى وما بعده بدل منه وما أحلى ما اتفق له من اتصال هاتين اللفظتين ونصحيَ فاقبلا والله أعلم. 771- شِقَاقِي وَتَوْفِيقِي وَرَهْطِيَ عُدَّها ... وَمَعْ فَطَرَنْ أَجْرِي مَعًا تُحْصِ مُكْمِلا أراد: "شِقَاقِيَ أَنْ يُصِيبَكُمْ"، فتحها الحرميان وأبو عمرو. "وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلَّا بِاللَّهِ"، فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر. "أَرَهْطِيَ أَعَزُّ"، فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن ذكوان. "فَطَرَنِيَ أَفَلا تَعْقِلُونَ"، فتحها نافع والبزي. "إِنْ أَجْرِي إِلَّا"، موضعان في قصتي نوح وهود، فلهذا قال: أجري معا سكنهما ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر، ونصب معا كنصب ثمانيا فهذه ثماني عشرة ياء إضافة وقوله: تُحْصِ مجزوم؛ لأنه جواب قوله: عدها ومكملا حال من فاعل تحص، وفيها ثلاث زوائد: "فلا تسئلني"، أثبتها في الوصل أبو عمرو وورش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 "وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي"، أثبتها في الوصل أبو عمرو وحده. "يَوْمَ يَأْتِي لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ"، أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو والكسائي، وأثبتها ابن كثير في الحالين. وقلت في ذلك: وزيدت فلا تسئلن ما يوم يأت لا ... تكلم لا تخزون في ضيفي العلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 سور يوسف ... سورة يوسف: 772- وَيَا أَبَتِ افْتَحْ حَيْثُ جَا لاِبْنِ عَامِر ... وَوُحِّدَ لِلْمَكِّي آيَاتٌ الوِلا الخلاف في: "يا أبت" مثل ما سبق في يا ابن أم ويا بني بالفتح والكسر والتاء في يا أبت: تاء تأنيث عوضت عن ياء الإضافة في قراءة من كسرها؛ لأنه حركها بحركة ما قبل ياء الإضافة؛ لتدل على ذلك، وهي في قراءة من فتح عوض من الألف المبدلة من ياء الإضافة في قولك: "يا أبا"، وفتحت تحريكا لها بحركة ما قبل الألف، وقيل: يجوز أن يكون الفتح على حد قولهم في الترخيم: "يا أميمة" بالفتح وقراءة ابن كثير: "آية للسائلين" بالإفراد؛ أي: آية عجيبة كما جاء في آخر السورة: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} ، والباقون بالجمع كما جاء في مواضع: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ} ، ووجه القراءتين ظاهر، وكم من آية في ضمنها آيات، واختار أبو عبيد قراءة الجمع وقال: لأنها عبر كثيرة قد كانت فيهم، والولا: القرب وهو صفة لقوله: {آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} ؛ أي: ذات الولا؛ أي: القريبة من قوله: يا أبت ولا خلاف في إفراد التي في آخر السورة: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . 773- غَيَابَاتِ فِي الحَرْفَيْنِ بِالجَمْعِ نَافِعٌ ... وَتَأْمَنُنا لِلْكُلِّ يُخْفَي مُفَصَّلا يريد بالحرفين موضعين: وهما: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} ، {وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} ، والغيابة ما يغيب فيه شيء، وغيابة البئر في جانبه فوق الماء فوجه الإفراد ظاهر، ووجه الجمع: أن يجعل كل موضع مما يغيب غيابة ثم يجمع، أو كان في الجب غيابات؛ أي: ألقوه في بعض غيابات الجب أو أريد بالجب الجنس؛ أي: ألقوه في بعض غيابات الأجبية. وأما: {مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا} فأصله "لا تأمننا" بنونين على وزن: تعلمنا، وقد قرئ كذلك على الأصل وهي قراءة شاذة؛ لأنها على خلاف خط المصحف؛ لأنه رسم بنون واحدة فاختلفت عبارة المصنفين عن قراءة القراء المشهورين له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 وحاصل ما ذكروه ثلاثة أوجه: إدغام إحدى النونين في الأخرى إدغاما محضا بغير إشمام، إدغام محض مع الإشمام، إخفاء لا إدغام؛ وهذه الوجوه الثلاثة هي المحكية عن أبي عمرو في باب الإدغام الكبير، فالإخفاء هو المعبر عنه بالروم، ولم يذكر الشاطبي في نظمه هنا غير وجهين: الإخفاء في هذا البيت والإدغام مع الإشمام في البيت الآتي، ومال صاحب التيسير إلى الإخفاء، وأكثرهم على نفيه، قال في التيسير: مالك لا تأمننا بإدغام النون الأولى في الثانية وإشمامها الضم، قال: وحقيقة الإشمام في ذلك أن يشار بالحركة إلى النون لا بالعضو إليها، فيكون ذلك إخفاء لا إدغاما صحيحا؛ لأن الحركة لا تسكن رأسا بل يضعف الصوت بها، فيفصل بين المدغم والمدغم فيه لذلك، وهذا قول عامة أئمتنا وهو الصواب؛ لتأكيد دلالته وصحته في القياس، فهذا معنى قول الناظم: "للكل يخفى مفصلا"؛ أي: نفصل إحدى النونين عن الآخر بخلاف حقيقة الإدغام، وقال أبو بكر ابن مهران في كتاب الإدغام: "مالك لا تأمننا" بالإشارة إلى الضمة وتركها قال: ولم يحك عن أحد منهم إلا الإدغام المحض من أشار منهم ومن ترك، ولو أراد من أشار الإخفاء دون الإدغام لفرقوا وبينوا، وقالوا: أدغم فلان وأخفى فلان فلما قالوا: أدغم فلان وأشار وأدغم فلان ولم يشر درينا أنهم أرادوا الإدغام دون الإخفاء، وأنه لا فرق عندهم بين الإشارة وتركها والله أعلم، وقال صاحب الروضة: لا خلاف بين جماعتهم في التشديد والله أعلم. 774- وَأَدْغَمَ مَعْ إِشْمَامِهِ البَعْضُ عَنْهُمُ ... وَنَرْتَعْ وَنَلْعَبْ يَاءُ "حِصْنٍ" تَطَوَّلا أي: فعل ذلك بعض المشايخ عن جميع القراء، وهذا الوجه ليس في التيسير وقد ذكره غير واحد من القراء والنحاة حتى قال بعضهم: أجمعوا على إدغام لا تأمننا، قال ابن مجاهد: كلهم قرأ "لا تأمَنّا" بفتح الميم وإدغام النون الأولى في الثانية والإشارة إلى إعراب النون المدغمة بالضم اتفاقًا، قال أبو علي: وجهه أن الحرف المدغم بمنزلة الحرف الموقوف عليه من حيث جمعهما السكون، فمن حيث أشموا الحرف الموقوف عليه إذا كان مرفوعا في الإدراج أشموا النون المدغمة في "تأمنا" قال: وليس هذا بصوت خارج إلى ذلك اللفظ، إنما هو تهيئة العضو لإخراج ذلك الصوت به؛ ليعلم بالتهيئة أنه يريد ذلك المهيأ له قال: وقد يجوز في ذلك وجه آخر في العربية، وهو أن يتبين ولا يدغم، ولكنك تخفي الحركة؛ وإخفاؤها هو أن لا تشبعها بالتمطيط ولكنك تختلسها اختلاسا. قلت: وهذا هو الوجه المذكور في البيت الأول، وقال أبو الحسن الحوفي: جمهور القراء على الإشمام للإعلام بأن النون من "تأمن" كانت مرفوعة، وصفة ذلك أنك تشير إلى الضمة من غير صوت مع لفظك بالنون المدغمة، وهو شيء يحتاج إلى رياضة، قال مكي: "لا تأمنا" بإشمام النون الساكنة الضم بعد الإدغام وقبل استكمال التشديد هذه ترجمة القراء. قلت: ووجه الإشمام الفرق بين إدغام المتحرك وإدغام الساكن، قال الفراء: تشير إلى الرفعة وإن تركت فلا بأس كل قد قرئ به والياء في: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} . ليوسف والنون لجميع الإخوة، ثم ذكر خلاف القراء في العين فقال: 775- وَيَرْتَعْ سُكُونُ الكَسْرِ فِي العَيْنِ "ذُ"و "حِـ"ـمًا ... وَبُشْرَايَ حَذْفُ الْيَاءِ "ثَـ"ـبْتٌ وَمُيِّلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 من أسكن العين فللجزم، وقراءته من رتع يرتع؛ أي: يتسع في الخصب، ومن كسرها فهو من ارتعى يرتعي يفتعل من الرعي، فحذف الياء للجزم وأثبتها قنبل في وجه على ما تقدم في باب الزوائد فقرأه الكوفيون بالياء وسكون العين وقراءة نافع بالياء وكسر العين، وقراءة ابن عامر وأبي عمرو بالنون وسكون العين، وقراءة ابن كثير بالنون وكسر العين وبإشباع كسرتها في وجه، ففي "يرتع" خمس قراءات، وفي "يلعب" قراءتان الياء لحصن والنون للباقين وأما: "بشراي"، فمن حذف ياءه كأن قد نادى البشرى من غير إضافة أي: أقبلي فهذا وقتك، والباقون على إضافة البشرى إليه وكلاهما ظاهر وقوله: "ثبت"؛ أي: قراءة ثبت يقال: رجل ثبت؛ أي: ثابت القلب، ثم ذكر في البيت الآتي أن حمزة والكسائي أمالا الألف على أصلهما؛ لأنها ألف تأنيث لا سيما وقبلها راء فقال: 776- "شِـ"ـفَاءً وَقَلِّلْ "جِـ"ـهْبِذَا وَكِلاهُمَا ... عَنِ ابْنِ العَلا وَالفَتْحُ عَنْهُ تَفَضَّلا "شفاء" حال من الممال؛ أي: ذا شفاء، وقَلِّل؛ أي: أَمِلْ بين بين. وجهبذا:؛ أي: مشبها جهبذا وهو الناقد الحاذق في نقده وجمعه جهابذة كأنه أشار بذلك إلى التأنق في التلفظ بين بين فإنها صعبة على كثير ممن يتعاطى علم القراءة؛ أي: أمالها ورش بين اللفظين على أصله في إمالة ذوات الراء ثم قال: وكلاهما بمعنى الإمالة والتقليل رويا عن أبي عمرو، وروي عنه الفتح وهو الأشهر وعليه أكثر أهل الأداء وليس في التيسير غيره، واختاره أبو الطيب بن غلبون بين اللفظين. قال مكي: وقد ذكر عن أبي عمرو مثل ورش والفتح أشهر، وحكى أبو علي الأهوازي الإمالة عن أبي عمرو من طريق اليزيدي. قال مكي: أما الإمالة المحضة فهي قيس من الوجهين الأخيرين؛ لأنه أمال البشرى إمالة محضة وأمال "الرؤيا" بين اللفظين، فكما أمال "رؤياي" بين اللفظين كذلك يقتضي أن يميل "بشراي" على قياس أصله والفتح فيه وبين اللفظين خروج عن الأصل الذي طرده في إمالته. قلت: وعلل الداني الفتح بأن ألف التأنيث هنا رسمت ألفا ففتح؛ ليدل على ذلك، ويلزم على هذا القياس أن لا يميل رؤياي بين اللفظين كذلك والله أعلم. 777- وَهَيْتَ بِكَسْرٍ "أَ"صْلُ "كُـ"ـفْؤٍ وَهَمْزُهُ ... "لِـ"ـسَانٌ وَضَمُّ التَّا "لِـ"ـوَى خُلْفُهُ "دُ"لا أي: أصل عالم كفؤ وهمزه لسان؛ أي: لغة وقصر لفظ التاء ولوى ضرورة ولوى خلفه مبتدأ ودلا خبره وقد سبق معناه يقال هيت: كأين وهيت: كحيث وهيت: مثل غيظ قريء بهذه الثلاث اللغات وزاد هشام الهمز وهو من أهل كسر الهاء وضم التاء وفتحها وهو اسم فعل بمعنى هلم وأسرع ويقال أيضا هيت كجير ولم يقرأ بهذه اللغة وقيل: المهموز فعل من هاء يهييء كجاء يجيء إذا تهيأ فعلى الفتح وهو المشهور عن هشام يكون خطابا ليوسف على معنى حسنت هيئتك أو على معنى تهيأ أمرك الذي كنت أطلبه؛ لأنها ما كانت تقدر في كل وقت على الخلوة به، وتحتمل قراءة نافع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 وابن ذكوان أن أصلها الهمز فخففت، وقال أبو علي: يشبه أن يكون "هيت" مهموزا بفتح التاء، وهما من الراوي؛ لأن الخطاب يكون من المرأة ليوسف، وهو لم يتهيأ لها، ولو كان لقالت له: هئت لي، وجوابه أن يقال: وقع قولها لك بيانا لا متعلقا بهيت، والمعنى لك أقول والخطاب لك، ومثله: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} 1، {بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} 2 والله أعلم. 778- وَفِي كَافَ فَتْحُ الَّلامِ فِي مُخْلِصًا "ثَـ"ـوَى ... وَفِي المُخْلِصِينَ الكُلّ "حِصْنٌ" تَجَمَّلا يريد: {إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا} ، في سورة مريم1 وسماها "كاف"؛ لأنها استفتحت بهذه الحروف فصارت كصاد ونون وقاف، وفي قوله: وفي المخلصين الكل؛ أي: حيث جاء معرفا باللام فقوله: مخلصين له الدين لا خلاف في كسر لامه، ومعنى الكسر أنهم أخلصوا لله تعالى دينهم، ومعنى الفتح أخلصهم الله؛ أي: اجتباهم وأخلصهم من السوء والله أعلم. 779- معًا وَصْلُ حَاشَا "حَـ"ـجَّ دَأْبًا لِحَفْصِهِمْ ... فَحَرِّكْ وَخَاطِبْ يَعْصِرُنَ "شَـ"ـمَرْدَلا يريد أن لفظ: حاشا جاء في موضعين في هذه السورة: {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا} ،: {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} . أثبت أبو عمرو الألف بعد الشين في الموضعين إذا وصل الكلمة بما بعدها، فإن وقف عليها حذف الألف كسائر القراء وقفا ووصلا اتباعا للرسم، ولا يكاد يفهم هذا المجموع من هذا اللفظ اليسير، وهو قوله: معا وصل حاشا حج؛ فإنه إن أراد بوصل حاشا إثبات ألفها في الوصل دون الوقف على معنى وصل هذا اللفظ فيكون من باب قوله: وباللفظ أستغني عن القيد إن جلا، فكأنه قال: وصل حاشا بالمد لم يعلم؛ أي: المدين يريد: ففي هذه اللفظة ألفان: أحدهما بعد الحاء والأخرى بعد الشين وكل واحدة منهما قد قرئ بحذفها قرأ الأعمش: "حشا لله"، وأنشد ابن الأنباري على هذه القراءة: حشا رهط النبي فإن منهم ... بحورا لا تكدرها الدلاء وإن كان أراد بقوله: "وصل حاشا" وصل فتحة الشين بألف كما توصل الضمة بواو والكسرة بياء لم يكن مبينا لحذفها في الوقف، وتقدير البيت: وصل كلمتي حاشا معا حج؛ أي: غلب، وحاشا: حرف جر يفيد معنى البراءة، وبهذا المعنى استعمل في الاستثناء ثم وضع موضع البراءة فاستعمل كاستعمال المصادر فقيل: حاشا لله كما يقال براءة لله فلما تنزل منزلة الأسماء تصرفوا فيه بحذف الألف الأولى تارة وبحذف الثانية أخرى وتارة بتنوينه قرأ أبو السمال "حاشا لله" هذا معنى ما ذكره الزمخشري ومال أبو علي إلى أنه فعل فقال: هو على فاعل مأخوذ من الحشا الذي؛ يعني به الناحية، والمعنى أنه صار في حشا؛ أي: في ناحية مما قرن به؛ أي: لم يقترنه ولم يلابسه، وصار في عزل عنه وناحية وفاعله يوسف.   1 سورة الصافات، آية: 102. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 أي: بعد عن هذا الذي رمى به؛ لله أي: لخوفه ومراقبة أمره. "والدأْب والدأَب: لغتان كالمعز والمعز". والفاء في "فحرك" زائدة؛ أي: حرك دأبا لحفص، ويعصرون: بالخطاب والغيبة ظاهر وما فيه الخطاب تارة يجعله مفعولا بالخطاب كهذا وتارة فاعلا نحو: وخاطب عما يعملون؛ وكل ذلك لأن الخطاب فيه، وشمردلا حال من فاعل خاطب أو مفعوله ومعناه خفيفا والله أعلم. 780- وَنَكْتَلْ بِيَا "شَـ"ـافٍ وَحَيْثُ يَشَاءُ نُو ... نُ "دَ"ارٍ وَحِفْظًا حَافِظًا "شَـ"ـاعَ عُقلا يريد: "فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا يَكْتَلْ" الياء للأخ والنون لجماعة الأخوة، وقوله تعالى: "يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ نَشَاءُ"، الياء ليوسف والنون نون العظمة، ولا خلاف في قوله: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} أنه بالنون. ودار: اسم فاعل من دريت، والتقدير: ذو نون قارئ دارٍ وشافٍ كذلك؛ أي: بياء قارئ شافٍ، ويجوز أن يكون شافٍ صفة "يا" أو خبر نكتل، و"بيا" متعلق به؛ أي: ونكتل: شافٍ "بيا"، ووزن نكتل: نفتل والعين محذوفة والأصل نكتال حذفت الألف؛ لالتقاء الساكنين في حال الجزم وأصل نكتال نكتيل على وزن نفتعل مثل نكتحل، ويتعلق بذلك حكاية ظريفة جرت بين أبي عثمان المازني وابن السكيت في مجلس المتوكل أو وزيره ابن الزيات قد ذكرتها في ترجمة يعقوب بن السكيت في مختصر تاريخ دمشق، وقوله: حفظا مبتدأ وخبره مضمر؛ أي: يقرأ حافظًا أو يكون خبره شاع عقلا، وعقلا تمييز وهو جمع عاقل؛ أي: شاع ذكر الذين عقلوه وحافظا حال؛ أي: شاع على هذه الحالة في القراءة، ويجوز أن يكون عقلا حال على معنى ذا عقل، وانتصب حفظا في الآية وحافظا على التمييز، وجوز الزمخشري أن يكون حافظا حالا، ومنعه أبو علي، والتمييز في حفظا ظاهر؛ أي: حفظ لله خير من حفظكم، ووجه حافظا أن لله تعالى حفظة كما له حفظ نحو قوله تعالى: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} . فالتقدير: حافظه خير من حافظكم كما كان حِفظه خيرا من حِفظكم، ويجوز أن يكون التمييز من باب قولهم: لله دره فارسًا؛ أي: در فروسيته، فيرجع المعنى إلى القراءة الأخرى، وهذا التمييز الذي هو حافظ يجوز إضافة خير إليه وقد قريء "خير حافظ"، ولا تجوز الإضافة إلى حفظ إلا على تقدير خير ذي حفظ والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 وقدم ذكر الخلاف في "نكتل" على "حيث يشاء" ضرورة للنظم وإلا فالأمر بالعكس وقدمه. 781- وَفِتْيَتِهِ فِتْيَانِهِ "عَـ"ـنْ "شَـ"ـذًا وَرُدْ ... بِالِاخْبَارِ فِي قَالُوا أَئِنَّكَ "دَ"غْفَلا أي: يقرأ فتيانه أو التقدير: وقراءة فتيته بلفظ فتيانه لحفص وحمزة والكسائي، وهم الذين قرءوا "حافظا" فلو قال: عنهم موضع قوله: عن شذا لاستقام لفظا، ومعنى: وفتية وفتيان كلاهما جمع فتى كإخوة وإخوان الأول للقلة والثاني للكثرة، فكأن الخطاب كان لجميع الأتباع والذين باشروا الفعل قليل منهم، وقوله: ورد؛ أي: اطلب من راد وارتاد إذا طلب الكلأ، ودغفلا مفعول به وهو العيش الواسع؛ أي: اطلب عيشا واسعا بالقراءة بالأخبار في قوله: {إِنَّكَ لأنتَ يُوسُفُ} ؛ لأنها ظاهرة المعنى؛ وذلك أنهم جزموا بمعرفته لما اتضح لهم من قرائن دالة على ذلك، فهذه قراءة ابن كثير وقرأ الباقون بالاستفهام وهم على أصولهم في التحقيق والتسهيل والمد بين الهمزتين، ثم يحتمل أن يكون استفهاما على الحقيقة ولم يكن بعد قد تحقق عندهم وتكون قراءة ابن كثير على حذف همزة الاستفهام كما قيل: ذلك في قوله. {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عََيَّ} 1. أي: وتلك نعمة وله نظائر، ويحتمل أن يكون استفهاما على سبيل الاستغراب والاستعظام وإن كانوا قد عرفوه حق المعرفة؛ أي: إنك لهو ونحن وأنت يعامل بعضنا بعضا معاملة الغرباء ولعل بعض الإخوة قالوه خبرا وبعضهم استفهاما، فجاءت القراءتان كذلك ومن عادة الناظم أن يجعل الاستفهام ضد الإخبار، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة الأعراف وسيأتي مثله في الرعد، واتفق لي نظم أربعة أبيات عوض الثلاثة المتقدمة تبين فيها القراءتان في حاشا وصلا ووقفا، وذكر فيها الخبر والاستفهام في أئنك مع التنبيه على أنهم على أصولهم في ذلك تجديدًا للعهد بما تقدمت معرفته وتذكيرا بذلك خوفا من الذهول عنه، ولم يستقم لي إيضاح جميع ذلك إلا بزيادة بيت فقلت: وفي الوصل حاشا حج بالمد آخرا ... معاد أبا حرك لحفص فتقبلا أراد بالمد بعد الشين احترازا عن المد بعد الحاء ثم قال: ونكتل بياء يعصرون الخطاب شذ ... وحيث يشاء النون دار وأقبلا استغنى برمز واحد، وهو قوله: شذ لقراءتين في نكتل ويعصرون، ثم قال: وفي حافظا حفظا صفا حق عمهم ... وفتيته عنهم لفتيانه انجلا والِاخبار في قالوا أئنك دغفلا ... ويستفهم الباقي على ما تأصلا 782- وَيَيْأَسْ مَعًا وَاسْتَيْأَسَ اسْتَيْأَسُوا وَتَيْـ ... ـأَسُوا اقْلِبْ عَنِ البَزِّي بِخُلْفٍ وَأَبْدِلا   1 سورة الشعراء، آية: 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 معا؛ يعني: هنا وفي الرعد: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} 1، {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} 2، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} 3، {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ} 4، {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} 5؛ فهذه خمسة مواضع استفعل فيها بمعنى: فعل كاستعجب واستسخر بمعنى عجب وسخر وكلها من اليأس من الشيء وهو عدم توقعه لا التي في الرعد قيل: إنها بمعنى علم فقراءة الجماعة في هذه المواضع على الأصل الهمز فيها بين الياء والسين، وروي عن البزي أنه قرأها بألف مكان الياء، وبياء مكان الهمزة وكذلك رسمت في المصحف وحمل ذلك على القلب والإبدال قال أبو علي: قلبت العين إلى موضع الفاء فصار استفعل وأصله استيأس، ثم خفف الهمزة وأبدلها ألفا؛ لسكونها وانفتاح ما قبلها، فصار مثل راس وفاس فهذا معنى قول الناظم: اقلب وأبدلا، ولم يذكر ما هو المقلوب وما هو المبدل، وأراد بالقلب التقديم والتأخير، وعرَّفنا أن مراده تقديم الهمزة على الياء قولُه: وأبدلا؛ فإن الإبدال في الهمز ثم لم يبين أي شيء يبدل بل أحال ذلك على قياس تسهيلها؛ لأنها إذا جعلت في موضع الياء، وأعطيت حكمها بقيت ساكنة بعد فتح وبقيت الياء مفتوحة على ما كانت عليه الهمزة، ثم لما اتصفت الهمزة بالسكون جاز إبدالها ألفا، فقرأ البزي بذلك في وجه، وإن لم يكن من أصله إبدال الهمزة المنفردة كما أنه سهل همزة: "لاعْنَتَكُمْ" بين بين في وجه وإن لم يكن ذلك من أصله جمعا بين اللغات؛ القلب في هذه اللغة في الفعل الماضي يقال: "يئس" و"أيس" فيبنى المضارع على ذلك، فقراءة الجماعة من لغة "يئس" وهي الأصل عندهم، وقراءة البزي من لغة "أيس" فمضارعه ييأس، وأراد الناظم وأبدلن فأبدل النون ألفا. 783- وَيُوحى إِلَيْهِمْ كَسْرُ حَاءِ جَمِيعِهَا ... وَنُونٌ علًا يُوحي إِلَيْهِ "شَـ"ـذًا "عَـ"ـلا أي: وحيث أتى وعلا خبر:؛ أي: القراءة بالكسر وبالنون ذات علا؛ لإسناد الفعل فيها إلى الله تعالى والقراءة الأخرى بالياء وفتح الحاء على أنه فعل ما لم يسم فاعله وأراد بقوله: يوحي إليه قوله تعالى في سورة الأنبياء: {إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} ، فقرأ حفص الجميع بالنون وكسر الحاء، ووافقه حمزة والكسائي على الذي في الأنبياء، ولا خلاف في الذي في أول الشورى: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ} .   1سورة يوسف، آية: 87. 2 سورة الرعد، آية: 31. 3 سورة يوسف، آية: 110. 4 سورة يوسف، آية: 80. 5 سورة يوسف، آية: 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 بالياء، واختلف في كسر الحاء وفتحها كما سيأتي، وتقدم معنى شذا علا: 784- وَثَانِيَ نُنْجِ احْذِفْ وَشَدِّدْ وَحَرِّكَنْ ... "كَـ"ـذَا "نَـ"ـلْ وَخَفِّفْ "كُـ"ـذِّبُوا "ثَـ"ـابِتًا تَلا يريد حذف النون الثانية وتشديد الجيم وتحريك الياء بالفتح فيصير فعلا ماضيا لم يسم فاعله من أنجى والقراءة الأخرى على أنه فعل مضارع من أنجى وهو قوله تعالى: {فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} ، فالنون الأولى حرف المضارعة، والثانية من أصل الفعل فالمحذوف في قراءة التشديد هي الأولى حقيقة؛ لأن الفعل فيها ماضٍ، ولكن الناظم أراد حذف الثاني صورة لا حقيقة وكانت هذه العبارة أخصر؛ لبقاء النون الأولى مضمومة، فلو كان نص على حذف الأولى لاحتاج إلى أن يقول: وضم الثانية، ولولا الاحتياج إلى هذا لأمكن أن يقال: أراد الثاني من "فننجي"؛ لأن لفظ القرآن كذلك، والثاني من "فننجي" هي النون الأولى، وكان يستقيم له أن يقول: وثاني فننجي احذف ولكنه عدل إلى تلك العبارة لما ذكرناه، والنون في قوله: وحركن نون التأكيد الخفيفة التي تبدل ألفا في الوقف، وقوله: كذا نل دعاء للمخاطب بالنجاة، وأما: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} . فخفف الكوفيون الذال وثابتا: حال من التخفيف، وتلا بمعنى: تبع ما قبله: من القراءات الثابتة وقيل: أراد تلا بالمد؛ أي: ذمة فالتشديد وجهه ظاهر هو من التكذيب ويكون ظنوا بمعنى تيقنوا وجوز أبو علي أن يكون بمعنى حسبوا، والتكذيب من الكافر كان مقطوعا به فلا وجه للحسبان على هذا إلا ما سنذكره من تفسير صحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أما قراءة التخفيف فمن قولهم: كذبته الحديث؛ أي: لم أصدقه فيه، ومنه: {وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} . فالمفعول الثاني في الآيتين محذوف، ثم في تأويل هذه القراءة وجوه أربعة: اثنان على تقدير أن يكون الضمير في: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ} للرسل، واثنان على تقدير أن يكون الضمير للمرسل إليهم، وقد تقدم ذكرهم في قوله: {عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ، ولفظ الرسل أيضا: دالّ على مرسل إليهم فإن عاد الضمير على المرسل وهو الظاهر لجري الضمير على الظاهر قبله، فله وجهان: أحدهما: وظن الرسل أن أنفسهم كذبتهم حين حدثتهم بالنصر أو كذبهم رجاؤهم كذلك وانتظارهم له من غير أن يكون الله تعالى وعدهم به، ولهذا يقال: رجا صادق ورجا كاذب وقوله: بعد ذلك جاءهم نصرنا؛ أي: جاءهم بغتة من غير موعد والوجه الثاني منقول عن ابن عباس قال: وظن من أعطاهم الرضى في العلانية وأن يكذبهم في السريرة؛ وذلك لطول البلاء عليهم؛ أي: على الأتباع، وقد قيل: في قراءة التشديد نحو من هذا، روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "لم يزل البلاء بالأنبياء صلوات الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 عليهم حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين كذبوهم"، وفي صحيح البخاري عن عائشة في قراءة التشديد: قالت: "هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوا، وطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر"، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك، فاتحد على ذلك معنى القراءتين، أما إن كان الضمير في: "وظنوا أنهم" للمرسَل إليهم فلتأويله وجهان؛ أحدهما: وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من النصر، والثاني: وظن المرسل إليهم أنهم قد كذبوا من جهة الرسل فيما أخبروا به من أنهم ينصرون عليهم، وهذا قول يحكى عن سعيد بن جبير -رضي الله عنه- سئل عن ذلك، فقال: نعم حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم، وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم، فقال الضحاك بن مزاحم وكان حاضرًا لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلًا، قال أبو علي: وإن ذهب ذاهب إلى أن المعنى ظن الرسل أن الذي وعد الله أممهم على لسانهم قد كذبوا فيه قد أتى عظيما لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء، ولا إلى صالحي عباد لله قال: وكذلك من زعم أن ابن عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضعفوا وظنوا أنهم قد أخلفوا؛ لأن الله لا يخلف الميعاد ولا مبدل لكلمات الله قلت وإنما قال ابن عباس ما تقدم ذكره فخفي معناه على من عبر بهذه العبارة والله أعلم. 785- وَأَنِّي وَإِنَّى الخَمْسُ رَبِّي بِأَرْبَعٍ ... أَرَانِي مَعًا نَفْسِي لَيُحْزِنُنِي حُلا أني وما عطف عليه مبتدأ، وحلا: خبره والخمس: نعت؛ لأني المكسورة وحدها والمفتوحة واحدة وهي: "أني أوف الكيل" فتحها نافع وحده والخمس المكسورة "إنيَ أراني" مرتين فتحهما نافع وأبو عمرو، "إِنِّيَ أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ"، "إني أنا أخوك"، "إِنِّيَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ" فتحهن الحرميان وأبو عمرو، و"ربي" في أربعة مواضع و: "رَبِّيَ أَحْسَنَ مَثْوَايَ" فتحها أيضا الحرميان وأبو عمرو، "ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيَ إِنِّي تَرَكْتُ"، "إلا ما رحم ربيَ"، "سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ" فتحهن نافع وأبو عمرو، وأراني معا؛ يعني: "أرانيَ أعصر"، "أَرَانِي أَحْمِلُ" فتحهما الحرميان وأبو عمرو، "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِيَ إِنَّ" فتحها نافع وأبو عمرو، "قَالَ إِنِّيَ لَيَحْزُنُنِي" فتحها الحرميان فهذه أربع عشرة ياء من جملة اثنين وعشرين، ثم ذكر الثماني الباقية فقال: 786- وَفِي إِخْوَتِي حُزْنِي سَبِيلِيَ بِي وَلِي ... لَعَلِّي آبَاءِي أَبِي فَاخْشَ مَوْحَلا أراد: "وَبَيْنَ إِخْوَتِيَ إِنَّ" فتحها ورش وحده، "وَحُزْنِيَ إِلَى اللَّهِ" فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر، {هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو} فتحها نافع وحده، "بِيَ إِذْ أَخْرَجَنِي"، "ليَ أبي" فتحهما نافع وأبو عمرو، "لَعَلِّيَ أَرْجِعُ" فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر "ملة آبائي إبراهيم" كذلك: "أبيَ أو يحكم" فتحها الحرميان وأبو عمرو، وقوله: وفي إخوتي تقديره: والياءات المختلف فيها أيضا في هذه الألفاظ "إخوتي" وما بعده، وقوله: فاخش موحلا؛ يعني: في عددها واستخراج مواضعها؛ فإنها ملبسة لا سيما قوله: الخمس فقد يظن أنه نعت؛ لأني المفتوحة وتقرأ الأولى بالكسر وإنما هو نعت للمكسورة والأولى مفتوحة وقد يظن أن الخمس نعت لهما، ومجموعهما خمسة مواضع؛ أحدهما اثنان والآخر ثلاثة كما قال: "وفي مريم والنحل خمسة أحرف"، وقال "تسؤ" و"نشأ" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 ست؛ أي: مجموعهما ست؛ كل واحد ثلاثة، وقد تقدم بيان ذلك أو فاخش غلطا في استخراجها من السورة فلا تعد ما ليس منها نحو: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} ، {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} ، ونحو ذلك، ولا خلاف في تسكينه والموحل مصدر وحل الرجل بكسر الحاء إذا وقع في الوحل بفتح الحاء وهو الطين الرقيق، وقال الشيخ -رحمه الله: أي فاخش موحلا في إخوتي وما نسق عليه كما تقول: وفي دار عمرو فاجلس، وفيها ثلاث زوائد: "نرتع" أثبت ياءه قنبل بخلاف عنه في الحالين، "حتى تؤتوني موثقا" أثبتها ابن كثير في الحالين وأبو عمرو في الوصل، "من يتقي ويصبر" أثبتها قنبل وحده، وقلت في ذلك: روائدها نرتع وتؤتون موثقا ... ومن يتقي أيضا ثلاث تجملا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 سورة الرعد : 787- وَزَرْعٌ نَخِيلٌ غَيْرُ صِنْوَانٍ أَوَّلا ... لَدى خَفْضِهَا رَفْعٌ "عَـ"ـلَى "حَقُّهُ" طَلا يريد الخفض رفع في هذه الكلمات الأربع وهي قوله تعالى: {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} وقوله: أولا قيد لصنوان ونصبه على الظرف بعامل مقدر؛ أي: الواقع أولا احترز بذلك من صنوان الذي بعد غير فإنه مخفوض اتفاقا؛ لأنه مضاف إليه ووجه الرفع في هذه الكلمات أنه عطف: {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} على قوله: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ} ؛ أي: فيها ذا وذا {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} ، وقوله: صنوان نعت لنخيل، وغير: عطف على صنوان، والصنوان جمع صنو وهو أن يكون الأصل واحدا، وفيه النخلتان والثلاث والأربع وصنو الشيء: مثله الذي أصلهما واحد، وفي الحديث: "عم الرجل صنو أبيه"، ويتعلق بهذه اللفظة بحث حسن يتعلق بصناعة النحو من جهة أن صنوان جمع تكسير، وقد سلم فيه لفظ المفرد كما يسلم في جمع السلامة وقد ذكرت ذلك في المجموع من نظم المفصل، ووجه قراءة الخفض في هذه الكلمات الأربع أنها عطفت على أعناب؛ أي: احتوت الجنات التي في الأرض على أعنابٍ وزرعٍ ونخيلٍ كما قال تعالى في موضع آخر: {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} ، وقال تعالى: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ} ، وقال تعالى: {جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} ، وقال في سورة الأنعام: {وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ} ، وذكر الزرع والنخل قبل ذلك، وقال في آخر السورة: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ} ، فعطف النخل والزرع على جنات فهذا موافق لقراءة الرفع هنا وكل واحد من هذه الأنواع موجود، فجاءت الآيات والقراءات على وجوه ما الأمر عليه وقوله: طلا في موضع نصب على التمييز وهو جمع طلية وهو العن؛ أي: علت أعناق حقه ومنه: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة" إشارة إلى أمنهم وسرورهم ذلك اليوم الذي يحزن فيه الكافر، ويخجل فيه المقصرون، وهذا البيت أتى به الناظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 مقفى كما فعل في أول سورة الأنبياء وفي سأل، وباب التكبير كما يأتي وهو: أنه جعل لفظ عروضه موافقا للفظ ضربه على حد ما ابتدأ به القصيدة فقال: وقل قال عن شهد وآخرها علا إلى نُصُب فاضمم وحرك به علا روى القلب ذكر الله فاستسق مقبلا وذلك جائز في وسط القصيدة جوازه في أولها كما فعل امرء القيس في التفريع: ألا أنعم صباحا أيها الطلل البالي ... وهل ينعمن من كان في الزمن الخالي ثم قال بعد بيتين آخرين: ديار لسلمى عافيات بذي الحال ... ألح عليها كل أسحم هطال وقال في التقفية في أثناء قصيدته المشهورة: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي 788- وذَكَّرَ تُسْقَى عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ ... وَقُلْ بَعْدَهُ بِاليَا يُفَضِّلُ "شُـ"ـلْشُلا التذكير على تقدير: يُسقى المذكور والتأنيث على تسقى هذه الأشياء ويفضَّل بعضها بالياء والنون ظاهر أن النون للعظمة، والياء رد إلى اسم الله في قوله: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ} ، وما بعده، وشلشلا: حال من فاعل قل؛ أي: خفيفا والله أعلم. 789- وَمَا كُرِّرَ اسْتِفْهَامُهُ نَحْوُ آئِذَا ... أَئِنَّا فَذُو اسْتِفْهَامٍ الكُلُّ أَوَّلا أي: كل موضع تكرر فيه لفظ الاستفهام على التعاقب في آية واحدة أكلام واحد نحو هذا الذي وقع في سورة الرعد وهو: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} ، وهذا قد جاء في القرآن في أحد عشر موضعا هذا أولها، وفي سبحان موضعان كلاهما: {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} 1.   1 آية: 49، 98. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 وفي {قَدْ أَفْلَحَ} : "قالوا أءذا كنا وترابا وعظاما أئنا لمبعوثون"1. وفي النمل: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُون} 2. وفي العنكبوت: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} 3. وفي "الم" السجدة: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 4. وفي الصافات موضعان: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} 5. والثاني مثله: {أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} 6. وفي الواقعة: {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} 7. وفي النازعات: {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ، أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً} 8. وقد جمعت ذلك في بيتين وقلت: بواقعة قد أفلح النازعات سجـ ... ـدة عنكبوت الرعد والنمل أولا وسبحان فيها موضعان وفوق صا ... د أيضا فإحدى عشرة الكل مجتلا ونظمته على بحر البسيط فقلت: رعد قدَ افلح نمل عنكبوت وسجـ ... ـدة وواقعة والنازعات ولا وموضعان بسبحان ومثلهما ... فويق صاد فإحدى عشرة النملا   1 آية: 82. 2 آية: 17. 3 الآيتان: 28 و29. 4 آية: 10. 5 آية: 16. 6 آية: 53. 7 آية: 47. 8 آية: آية: 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 فالجميع واقع في أنه واحد على لفظ واحد، وما نظمه صاحب القصيدة "أءذا" أءنا إلا في موضعين في النازعات، فإنه في آيتين متجاورتين، ولفظه على عكس ما ذكره وهو "أإنا"، و"أإذا" والذي في العنكبوت في آيتين، ولكنه بلفظ آخر متَّحِدٌ، وهو "أإنكم"، "أإنكم" فما أراد الناظم بقوله: نحو "أإذا" "أإنا" إلا تشبيه تعاقب الاستفهامين على ما بيناه، فإن قلتَ: قد تكرر في سورة والصافات يقول: {أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ، أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} ، فيأخذ الوسط مع الذي قبله أم الذي بعده؟ قلتُ: بل مع الذي بعده؛ فإنهما اللفظان، ونص عليهما الناظم فلا معدل عنهما إلا إذا لم يجدهما كما في العنكبوت كيف وإن أتتك قد تقدم ذكرها في باب الهمزتين من كلمة فإن لم يذكر ثَم شيئا من الاستفهامين، وإن كان الجميع لا خلف عن هشام في مده، وضابطه أن يتكرر الاستفهام وفي كل واحد همزتان وإلا فقد يوجد أحد الشرطين ولا يكونا من هذا الباب، بيانه أن المتكرر يوجد وليس في كل واحد همزتان، كالذي في قصة لوط في سورة الأعراف: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} ، {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ} ، فهذا استفهام مكرر لكن الأول همزة واحد، ولثاني كذلك في قراءة نافع وحفص وفي قراءة غيرهما، ويوجد الهمزتان ولا يكرر وهذا كثير نحو: {أَإِنَّ لَنَا لَأَجْرًا} ، {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} ، {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} . كل ذلك يقرأ بالاستفهام والخبر، وليس من هذا الباب ومنه ما أجمع فيه على الاستفهام نحو: {أَإِذَا مَا مِتّ} ، {أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا} ، {أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} ، {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} ، ولفظ الناظم بقوله: "أئذا"، "أئنا" مد الأول وقصر الثاني لأجل الوزن وكلاهما قرئ به كما بينه ولكن لم يخص أحد بالمد الأول دون الثاني بل منهم من مدهما ومنهم من قصرهما في جميع هذه المواضع ثم بين النظام اختلاف القراء في هذا الاستفهام المكرر على الصفة المذكورة فقال فذو استفهام الكل أولا؛ أي: كل القراء يقرأ أول بلفظ الاستفهام؛ أي: بهمزتين والتحقيق والتسهيل يوجدان من أصولهم في ذلك ونصب قوله: أولا على الظرف؛ أي: أول الاستفهامين يدل على ذلك أنه قال بعد ذلك: وهو في الثاني؛ أي: والإخبار في اللفظ الثاني على ما سنبينه، ولو كان قال الأول بالألف واللام، ولو نصبه على أنه مفعول بالاستفهام؛ لأنه مصدر لكان جائزا، ويكون معنى استفهموه جعلوه بلفظ الاستفهام، فقوله: الكل مبتدأ، وذو استفهام خبره مقدم عليه، والجملة خبر وما كرر استفهامه والعائد إليه محذوف؛ أي: الكل ذو استفهام فيه أولا ويجوز أن يكون المعنى كله ذو استفهام على أن يكون الكل عبارة عن المواضع لا عن القراء والمعنى الأول لقوله: بعده سوى نافع، وعلى المعنى الثاني: نحتاج أن يقدر للقراء سوى نافع والله أعلم. 790- سِوَى نَافِعٍ فِي النَّمْلِ وَالشَّامِ مُخْبِرٌ ... سِوَى النَّازِعَاتِ مَعْ إِذَا وَقَعَتْ وِلا أي: استثنى نافع وحده الذي في النمل، فقرأ الأول فيه بالإخبار؛ أي: بهمزة واحدة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 "أإذا كنا ترابا". ووافق الجماعة كلهم في المواضع الباقية على الاستفهام في الأول، ثم ذكر قراء ابن عامر وهي أنه يقرأ بالإخبار في جميع المواضع ما عدا النمل واستثنى له أيضا من غير النمل الواقعة والنازعات، فلزم من ذلك أن الأول في النازعات والواقعة لم يقرأه أحد بالإخبار والذي في النمل الإخبار فيه لنافع وحده وما عدا ذلك الإخبار فيه لابن عامر وحده إلا الذي في العنكبوت فإنه وافقه على الإخبار في الأول جماعة كما يأتي في البيت الآتي فهذا معنى قوله: والشام مخبر؛ يعني: في غير النمل سوى كذا وكذا، وولا في آخر البيت بكسر الواو؛ أي: والشام مخبر متابعة فهو في موضع نصب على أنه مفعول من أجله، فكأن أصحاب الناظم -رحمه الله- قد استشكلوا استخراج ذلك؛ لأنهم قدروا قوله: فذوا استفهام الكل أولا سوى نافع فبذلك فسره الشيخ ونظم هذا المعنى في بيتين نذكرهما وإذا كان المعنى كذلك لزم أن يكون قد بين الخلاف في موضع واحد وليس هو في السورة التي النظم فيها ثم رام بيانه في جملة المواضع وعكس هذا أولى، فغير الشاطبي هذا البيت بما دل على أن مراده: فذو استفهام الكل في جميع المواضع فقال: سوى الشام غير النازعات وواقعه ... له نافع في النمل أخبر فاعتلا أي: نافع وحده قرأ في النمل بالإخبار، ودل على أنه منفرد بذلك أنه لم يُعِدْ ذكر ابن عامر معه، وذلك لازم كما بيناه قوله: رمى صحبة، وفي غير ذلك قال الشيخ -رحمه الله: ومعنى البيتين يعود إلى شيء واحد والأول أحسن وعليه أعول. قلتُ: في البيت الثاني تنكير لفظ "واقعة" وإسكانها وذلك وإن كان جائز للضرورة فاجتنابه مهما أمكن أولى، وقوله: "له" زيادة لا حاجة إليها، قال: ولو قال الناظم -رحمه الله: فالاستفهام في النمل أولا: "خـ"ـصوص وبالإخبار شام بغيرها ... سوى النازعات مع إذا وقعت ولا لارتفع الإشكال وظهر المراد والخاء في خصوص رمز. 791- وَ"دُ"ونَ "عِـ"ـنَادٍ "عَمَّ" فِي الْعَنْكَبُوتِ مُخْـ ... ـبِرًا وَهْوَ في الثَّانِي "أَ"تَى "رَ"اشِدًا وَلا أي: تابع ابن كثير وحفص ونافع وابن عامر في الإخبار في أول الذي في العنكبوت فقرءوا "إنكم" بهمزة إن المكسورة، وهذا أحد المواضع التي رمز فيها بعد الواو الفاصلة في كلمة واحدة ومخبرا حال من الضمير في عم وهو عائد على الأول من الاستفهامين جعله مخبرا؛ لأن الإخبار فيه كما يجعل ما فيه الخطاب مخاطبا في نحو: وخاطب عما تعلمون. ثم قال: وهو "يعني الإخبار" في الثاني؛ أي: في الاستفهام الثاني في كل المواضع الأحد عشر المذكورة إلا ما يأتي استثناؤه وكل ما تقدم ذكره كان مختصا بالاختلاف في الأول. وقوله: "أتى راشدا" رمز لنافع والكسائي فهما المخبران في الثاني، فقرأ "إنا" بهمزة واحدة مكسورة، وراشدا حال أو مفعول به؛ أي: أتى الإخبار قارئا راشدا، ووَلا بفتح الواو في موضع نصب على التمييز أي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 راشدًا ولاؤه، وهو وما قبله المكسور الواو ممدودان وإنما قصرا للوقف عن ما ذكرناه مرارا. 792- سِوَى العَنْكَبُوتِ وَهْوَ فِي النَّمْلِ "كُـ"ـنْ "رِ"ضَا ... وَزَادَاهُ نُونًا إِنَّنَا عَنْهُمَا اعْتَلا أي: لم يقرأ أحد في ثاني العنكبوت بالإخبار وهو؛ يعني: الإخبار في ثاني النمل لابن عامر والكسائي، أما نافع فاستفهم كالباقين؛ لأنه قرأ الأول بالخبر كما سبق وكذا فعل في العنكبوت لما أخبر في الأول استفهم في الثاني وابن عامر لما كان مستفهما في أول النمل على خلاف أصله أخبر في الثاني هنا على خلاف أصله أيضا ثم قال: وزاده نونا؛ أي: زاد ابن عامر والكسائي الثاني في النمل نونا فقراءة: "إئنا لمخرجون"، والباقون بنون واحدة والاستفهام "أئنا" ثم قال: 793- وَ"عَمَّ" "رِ"ضًا فِي النَّازِعَاتِ وَهُمْ عَلَى ... أُصُولِهِمُ وَامْدُدْ "لِـ"ـوَى "حَـ"ـافِظٍ "بَـ"ـلا رضى في موضع نصب على التمييز؛ أي: عم رضا الإخبار في ثاني النازعات فقرئ: "إذا كنا" بهمزة واحدة فوافق ابن عامر نافعا والكسائي في أصلهما الذي هو الإخبار في الثاني؛ لأنه يقرأ الأول بالاستفهام فهو كما قرأ في النمل، وكان القياس أن يفعل في الواقعة كذلك لكنه استفهم في الموضعين كما أن الكسائي استفهم في موضعي العنكبوت فخالفا أصلهما فيهما، والباقون على الاستفهام مطلقا وهم على أصولهم في ذلك؛ لأنه اجتمع في قراءتهم بالاستفهام همزتان في الأول وهمزتان في الثاني. فمَن مذهبه تحقيق الهمزتين وهم الكوفيون وابن عامر: حقق. ومَن مذهبه تسهيل الثانية سهل وهم الحرميان وأبو عمرو على ما تمهد في باب الهمزتين من كلمة. ومَن مذهبه المد بين الهمزتين سواء كانت الثانية محققة أو مسهلة مدَّ هنا، وهم أبو عمرو وقالون وهشام، وقد رمزهم هنا بقوله: وامدد لوى حافظ بلا وإنما اعتنى ببيان ذلك، ولم يكتفِ بما تقدم في باب الهمزتين من كلمة إعلاما بأن هشاما يمد هنا بغير خلاف عنه بخلاف ما تقدم في الباب المذكور وقد ذكر لهشام فيه سبعة مواضع لا خلف عنه في مدها فهذا الباب كذلك، وقوله: "وامدد لوى" أراد "لوا" الممدود فقصره ضرورة وهو مفعول امدد، وإذا مد اللواء ظهر واشتهر أمره؛ لأن مده نشره بعد طيه، فكأنه يقول: انشر علم الحفظة القراء وأشهر قراءاتهم، ومعنى ابتلا اختبر وهو صفة لحافظ، وأشار الشيخ إلى أن لوى في موضع نصب على الحال؛ أي: في علو لواء الحافظ وشهرته واعلم أن القراءة بالاستفهام في هذه المواضع في الأصل وهو استفهام الإنكار والتعجب، ومن قرأ بالخبر في الأول أو الثاني استغنى بأحد الاستفهامين عن الآخر وهو مراد فيه، ومن جمع بينهما فهو أقوى تأكيدا، والعامل في إذا من قوله: "إذا كنا" في أول المواضع التسع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 وثاني النازعات فعل مضمر يدل عليه ما بعده في الأول وما قبله في الثاني، تقديره أنبعث إذا كنا ترابا أنرد إذا كنا عظاما نخرة، ومن قرأ بالإخبار في ثاني النازعات جاز أن يتعلق إذا بما قبله وهو: {لَمَرْدُودُونَ} ، أما الإخبار في باقي المواضع فلفظه إنا فلا يعمل ما بعد إن فيما قبلها كما لا يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله نص عليه أبو علي، أما الموضع الحادي عشر وهو الذي في العنكبوت فليس فيه لفظ إذا فالأمر فيه ظاهر. 794- وَهَادٍ وَوَالٍ قِفْ وَوَاقٍ بِيَائِهِ ... وَبَاقٍ "دَ"نَا هَلْ يَسْتَوِي "صُحْبَةٌ" تَلا يعني حيث وقعت هذه الكلم في هذه السورة أو غيرها نحو: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} 1، {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} 2، {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} 3، {وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} 4، {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} 5. ابن كثير يقف بالياء على الأصل وأنما حذفت في الوصل؛ لاجتماعها مع سكون التنوين فإذا زال التنوين بالوقف رجعت الياء، والباقون يحذفونها بعا لحالة الوصل، وهما لغتان والحذف أكثر وفيه متابعة الرسم، أما ما يستوي المختلف فيه فهو قوله تعالى: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} لما كان تأنيث الظلمات غير حقيقي جاز أن يأتي الفعل المسند إليها بالتذكير والتأنيث، فقراءة صحبة بالتذكير وإطلاق الناظم له دالٌّ على أنه ذلك، وقبل هذا: {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} لا خلاف في تذكيره؛ إذ لا يتجه فيه التأنيث مع تذكير الفاعل فلم يحتج إلى أن يقيد موضع الخلاف بأن يقول: الثاني أو نحو ذلك، وقد سبق في الأصول أن هذا الموضع لا إدغام فيه لأحد من القراء؛ لأن من مذهبه إدغام لام هل عند التاء، وهما حمزة والكسائي قرآ هنا بالياء وهشام استثنى هذا الموضع من أصله، وفي تلا ضمير يعود على صحبه؛ لأن لفظه مفرد والله أعلم. 795- وَبَعْدُ "صِحَابٌ" يُوْقِدُونَ وَضَمُّهُمْ ... وَصُدُّوا "ثَـ"ـوَى مَعْ صُدَّ فِي الطَّوْلِ وَانْجَلا أي: وبعد يستوي قراءة صحاب يوقدون بالغيبة ردا إلى قوله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ} ، وقراءة الباقين بالخطاب ظاهرة، وصدوا ثوى مع صدأى أقام الضم في: {وَصُدُّوا} مع الضم في: {وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ} في غافر للكوفيين والباقون بفتح الصاد، وتوجيه القراءتين ظاهر؛ لأن الله تعالى لما صدهم عن سبيله صدوهم لا رادَّ لحكمه والضمير في وضمهم للقراء أهل الأداء وهو يوهم أنه ضمير صحاب ولا يمكن ذلك لأجل أبي بكر ولأن ثوى حينئذ لا يبقى رمزا مع التصريح.   1 سورة الرعد، آية: 7. 2 سورة الرعد، آية: 33. 3 سورة الرعد، آية: 11. 4 سورة الرعد، آية: 34. 5 سورة النحل، الآية: 96. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 796- وَيُثْبِتُ فِي تَخْفِيفِهِ "حَقُّ نَـ"ـاصِرٍ ... وَفِي الكَافِرِ الكُفَّارُ بِالجَمْعِ "ذُ"لِّلا يريد "يمحو الله ما يشاء ويثبت". التخفيف والتشديد لغتان من أثبت وثبت مثل أنزل ونزل والكافر في قوله: تعالى: "سيعلم الكافر" أريد به الجنس ووجه الجمع ظاهر، ولهذا قال ذللا؛ أي: سهل معناه حين جمع والله أعلم، وفيها زائدة واحدة: "الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِي" أثبتها في الحالين ابن كثير وحده، وقلت في ذلك: ولا ياء فيها للإضافة وارد ... وفي المتعالي زائد قد تحصلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 سورة إبراهيم : 797- وَفِي الخَفْضِ فِي اللهِ الَّذِي الرَّفْعُ "عَمَّ" خَا ... لِقُ امْدُدْهُ وَاكْسِرْ وَارْفَعِ القَافَ "شُـ"ـلْشُلا يريد اسم الله تعالى الذي في قوله: "إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهُ الَّذِي لَهُ"، فرفعه على الابتداء، والخفض على البدل من: {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} أو هو عطف بيان، أما: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ} فقرأه حمزة والكسائي "خالق" على أنه اسم فاعل، فمدَّا بعد الخاء وكسرا اللام ورفعا القاف؛ لأنه خبر "أن"، وقراءة الباقين خلق على أنه فعل ماضٍ ثم قال: 798- وَفِي النُّورِ وَاخْفِضْ كُلَّ فِيهَا وَالَارْضَ هَا ... هُنَا مُصْرِخِيَّ اكْسِرْ لِحَمْزَةَ مُجْمِلا أي: وافعل مثل ذلك في سورة النور في قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} 1. واخفض لفظ "كل" فيها بإضافة "خالق" إليه، والباقون نصبوا "كل"؛ لأنه مفعول خلق وقوله: "وَالْأَرْضِ" ههنا؛ أي: واخفض لفظ الأرض في سورة إبراهيم على قراءة حمزة والكسائي؛ لأنه معطوف على السموات والسموات في قراءتهما مخفوضة لإضافة خالق إليها والسموات في قراءة غيرهما مفعولة بقوله: خلق فهي منصوبة وإنما علامة نصبها الكسرة فلما اتحد لفظ النصب والجر لم يحتج إلى ذكر السموات، وذكر ما عطف عليها وهو الأرض؛ لأن فيها يبين النصب من الجر، فمن كانت السموات في قراءته منصوبة نصب الأرض بالعطف عليها، وقرأ حمزة: "وما أنتم بمصرخي" بكسر الياء المشددة وقرأ الباقون بفتحها وهو الوجه؛ لأن حركة ياء الإضافة الفتح مطلقا سكن ما قبلها أو تحرك وقوله: مجملا؛ يعني: في تعليل قراءة حمزة، وهو من قولهم: أحسن وأجمل في قوله أو فعله؛ أي: اكسر غير طاعن على هذه القراءة كما فعل من أنكرها من النحاة ثم ذكر وجهها فقال: 799- كَهَا وَصْلٍ اوْ لِلسَّاكِنَينِ وَقُطْرُبٌ ... حَكَاهَا مَعَ الفَرَّاءِ مَعْ وَلَدِ العُلا ذكر لها وجهين من القياس العربي مع كونها لغة محكية، وإنما تكلف ذلك؛ لأن جماعة من النحاة أنكروا هذه القراءة، ونسبوها إلى الوهم واللحن. قال الفراء: في كتاب المعاني: وقد خفض الياء من مصرخي: الأعمش   1 سورة النور، الآية: 45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 ويحيى بن وثاب جميعا. حدثني بذلك القاسم بن معن عن الأعمش عن يحيى بن وثاب، ولعلها من وهم القراء طبقة يحيى؛ فإنه قل من سلم منهم من الوهم، ولعله ظن أن الياء في "مصرخي" حافظة للفظ كله والياء للمتكلم خارجة من ذلك قال: ومما نرى أنهم أوهموا فيه: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ} بالجزم ظنوا أن الجزم في الهاء، ثم ذكر غير ذلك مما لم يثبت قراءة، وقد تقدم وجه الإسكان في "نوله" ونحوه، وسنقرر كسر ياء "بمصرخي"، وقال أبو عبيد: أما الخفض فإنا نراه غلطا؛ لأنهم ظنوا أن الياء التي في قوله: "بمصرخي" تكسر كل ما بعدها قال: وقد كان في القراء من يجعله لحنا، ولا أحب أن أبلغ به هذا كله، ولكن وجه القراءة عندنا غيرها، قال الزجاج: هذه القراءة عند جميع النحويين رديئة مرذولة، ولا وجه لها إلا وجيه ضعيف ذكر وبعض النحويين يعني: القراءة، فذكر ما سنذكره في الحركة لالتقاء الساكنين. وقال ابن النحاس: قال الأخفش سعيد: ما سمعت هذا من أحد من العرب ولا من أحد من النحويين، قال أبو جعفر: قد صار هذا بإجماع لا يجوز، ولا ينبغي أن يحمل كتاب الله تعالى على الشذوذ، قال أبو نصر بن القشيري في تفسيره: ما ثبت بالتواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يجوز أن يقال هو خطأ أو قبيح أو ردي بل في القرآن فصيح وفيه ما هو أفصح فلعل هؤلاء أرادوا أن غير هذا الذي قرأ حمزة أفصح. قلت: يستفاد من كلام أهل اللغة في هذا ضعف هذه القراءة، وشذوذها على ما قررنا في ضبط القراءة القوية والشاذة، أما عدم الجواز فلا فقد نقل جماعة من أهل اللغة أن هذه لغة وإن شذت وقل استعمالها، قال أبو علي: قال الفراء في كتابه في التصريف: زعم القاسم بن معن أنه صواب قال: وكان ثقة بصيرا، وزعم قطرب أنه لغة في بني يربوع يزيدون على ياء الإضافة ياء وأنشد: ماضٍ إذا ما هم بالمضيِّ ... قال لها هل لك يا تا فيِّ قال: وقد أنشد الفراء ذلك أيضا. قلت: فهذا معنى قول الناظم: وقطرب حكاها مع الفراء، فالهاء في حكاها: ضمير هذه اللغة ولم يتقدم ذكرها ولكنها مفهومة من سياق الخفض في تقرير هذه القراءة فهو مثل قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} ؛ أي: عالي مدائن قوم لوط ولم يتقدم لها ذكر ولكن علم ذلك من سياق القصة، وقال الفراء في كتاب المعاني: وقد سمعت بعض العرب ينشد: قال لها هل لك يا تا فيِّ ... قالت له ما أنت بالمرضيِّ فخفض الياء من "في" فإن يكن ذلك صحيحا فهو مما يلتقي من الساكنين، وتمام كلام سننقله فيما بعد فانظر إلى الفراء كيف يتوقف في صحة ما أنشده ومعناه: يا هذه هل لك فيّ؟ قال الزجاج: هذا الشعر مما لا يلتفت إليه وعمل مثل هذا سهل، وليس يعرف قائل هذا الشعر من العرب ولا هو مما يحتج به في كتاب الله تعالى اسمه، وقال الزمخشري: هي قراءة ضعيفة واستشهدوا لها ببيت مجهول فذكره.   1 سورة هود، آية: 82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 قلت: ليس بمجهول؛ فقد نسبه غيره إلى الأغلب العجلي الرجز، ورأيته أنا في أول ديوانه، وأول هذا الزجر: أقبل في ثوبي معافريّ ... بين اختلاط الليل والعشيّ وهذه اللغة باقية في أفواه الناس إلى اليوم، يقول القائل: ما فيّ أفعل كذا، وفي شرح الشيخ: قال حسين الجعفي: سألت أبا عمرو بن العلاء عن كسر الياء فأجازه، وهذه الحكاية تروى على وجوه ذكرها ابن مجاهد في كتاب الياءات من طرق، قال خلاد المقرئ: حدثنا حسين الجعفي قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء: إن أصحاب النحو يلحنوننا فيها فقال: هي جائزة أيضا؛ إنما أراد تحريك الياء فليس يبالي إذا حركتها، وفي رواية: لا تبالي إلى أسفل حركتها أو إلى فوق، وفي رواية: سألت أبا عمرو بن العلاء عنها فقال: من شاء فتح ومن شاء كسر، وقال خلف: سمعت حسين الجعفي يروي عن أبي عمرو بن العلاء فقال: إنها بالخفض حسنة، وقال محمد بن عمر الرومي: حدثني الثقة عن حسين الجعفي قال: قدم علينا أبو عمرو بن العلاء فسألته عن القرآن فوجدته به عالما، فسألته عن شيء قرأ به الأعمش واستشنعته: "وَمَا أَنْتُمْ بِمُْرِخِيِّ" بالجر فقال جائزة، قال: فلما أجازها أبو عمرو، وقرأ بها الأعمش أخذت بها قال: وهي عند أهل الأعراب ليست بذاك، فهذا معنى قول الناظم: مع ولد العلا؛ يعني: أن أبا عمرو حكى هذه اللغة ونقلها، وعلى ضعفها وشذوذها قد وجهها العلماء بوجهين أحدهما أن ياء الإضافة شبهت بهاء الضمير التي توصل بواو إذا كانت مضمومة وبياء إذا كانت مكسورة وتكسر بعد الكسر والياء الساكنة، ووجه المشابهة أن الياء ضمير كالهاء كلاهما على حرف واحد يشترك في لفظه النصب والجر، وقد وقع قبل الياء هنا ياء ساكنة فكسرت كما تكسر الهاء في عليه وبنو يربوع يصلونها بياء كما يصل ابن كثير نحو عليه بياء، وحمزة كسر هذه الياء من غير صلة؛ لأن الصلة ليست من مذهبه، ومعنى المصرخ المغيث، وأصل "مصرخيّ": مصرخيني حذفت النون للإضافة فالتقت الياء التي هي علامة الجر مع ياء الإضافة فأدغمت فيها، وتوجيه هذه اللغة بهذا الوجه هو الذي اعتمد عليه أبو علي في كتاب الحجة فقال: وجه ذلك من القياس أن الياء ليست تخلو من أن تكون في موضع نصب أو جر فالياء في النصب والجر كالهاء فيهما وكالكاف في: أكرمتك وهذا لك، فكما أن الهاء قد لحقتها الزيادة في هذا لهو وضربهو، ولحق الكاف أيضا الزيادة في قول من قال: أعطيتكاه وأعطيتكيه فيما حكاه سيبويه وهما أختا الياء ولحقت التاء الزيادة في نحو قول الشاعر: رميتيه فأصميت ... وما أخطأت الرميهْ كذلك ألحقوا الياء الزيادة من المد فقالوا في ثم حذفت الياء الزائدة على الياء كما حذفت الزيادة من الهاء في قول من قال: له أرقان، وزعم أبو الحسن أنها لغة. قلتُ: ليس التمثيل بقوله: له أرقان مطابقا لمقصوده؛ فإن الهاء ساكنة حذفت حركتها مع حذف صلتها، وليس مراده إلا حذف الصلة فقط فالأولى لو كان مثل بنحو: عليه وفيه، ثم قال أبو علي: وكما حذفت الزيادة من الكاف فقيل: أعطيتكه وأعطيتكيه كذلك حذفت الياء اللاحقة للياء كما حذفت من أختها وأقرت الكسرة التي كانت تلي الياء المحذوفة فبقيت الياء على ما كانت عليه من الكسر قال: فإذا كانت هذه الكسرة في الياء على هذه اللغة وإن كان غيرها أفشى منها وعضده من القياس ما ذكرنا لم يجز لقائل أن يقول: إن القراءة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 بذلك لحن؛ لاستقامة ذلك في السماع والقياس وما كان كذلك لا يكون لحنا. قلتُ: فهذا معنى قول الشاطبي -رحمه الله: كها وصل؛ أي: نزلت الياء في: "بِمُصْرِخِيّ" منزلة هاء الضمير الموصلة بحرف المد، فوصلت هذه الياء أيضا بما يليق بها وهو الياء ثم حذفت الصلة منها كما تحذف من الهاء، الوجه الثاني أشار إليه الناظم بقوله: أو للساكنين؛ أي: أو يكون الكسر في: "بِمُصْرِخِيَّ"؛ لأجل التقاء الساكنين، وذلك بأن تقدر ياء الإضافة ساكنة، وقبلها ياء الإعراب ساكنة أيضا، ولم يمكن تحريكها؛ لأنها علامة الجر، ولأنها مدغمة في الثانية، فلزم تحريك ياء الإضافة، فكسرت تحريكا لها بما هو الأصل في التقاء الساكنين وهذا الوجه نبه عليه الفراء أولا، وتبعه فيه الناس، قال الزجاج: أجاز الفراء على وجه ضعيف الكسر؛ لأن أصل التقاء الساكنين الكسر قال الفراء: ألا ترى أنهم يقولون: لم أره منذ اليوم ومذ اليوم، والرفع في الذال هو الوجه؛ لأنه أصل حركة منذ، والخفض جائز، فكذلك الياء من: "بِمُصْرِخِيِّ" خفضت ولها أصل في النصب، قال الزمخشري: كأنه قدر ياء الإضافة ساكنة ولكنه غير فصيح؛ لأن ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة حيث قبلها ألف في نحو: "عَصَايَ" فما بالها وقبلها ياء، وقال بعضهم: كسرها؛ إتباعا للكسرة التي بعدها كما قرأ بعضهم: "الحمدِ لله" بكسر الدال؛ إتباعا لكسر اللام بعدها فكما تقول العرب بعير وشعير ورحيم بكسر أوائلها إتباعا لما بعدها فهذا وجه ثالث، وكلها ضعيفة والله أعلم. 800- وَضُمَّ "كِـ"ـفَا "حِصْنٍ" يَضِلُّوا يَضِلَّ عَنْ ... وَأَفْئِدَةً بِاليَا بِخُلْفٍ "لَـ"ـهُ وَلا الكفا بكسر الكاف: النظير والمثل؛ أي: ضم مماثلا لحصن فهو في موضع نصب على الحال وهو ممدود قصره ضرورة كما قصر الهاء في قوله في البيت السابق: كـ "ها" وصل يريد ضموا الياء من: {لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} من: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} في الحج1 ولقمان2، و {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} في الزمر3، ووجه القراءتين ظاهر، وقال صاحب التيسير هشام: من قراءتي علي أبي الفتح: "أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ" بياء بعد الهمزة قال: وكذلك نص عليه الحلواني عنه، قال الشيخ: وذكر أبو الفتح في كتابه في قراءة السبعة، وروى هشام وحده عن ابن عامر: "فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً" بياء ساكنة بعد الهمزة قال: وهذه القراءة وجهها الإشباع؛ والإشباع أن تزيد في الحركة حتى تبلغ بها الحرف الذي أخذت منه، والغرض بذلك الفرق بين الهمزة والدال؛ لأنهما حرفان شديدان، والولاء مصدر ولى ولاء قلت الولاء النصر وهذه أيضا   1 سورة الحج، الآية: 9. 2 سورة لقمان الآية: 6. 3 الآية: 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 قراءة ضعيفة بعيدة عن فصاحة القرآن، وقل من ذكرها من مصنفي القراءات بل أعرض عنها جمهور الأكابر، ونعم ما فعلوا، فما كل ما يروى عن هؤلاء الأئمة يكون مختارا؛ بل قد روى عنهم وجوه ضعيفة، وعجيب من صاحب التيسير كيف ذكر هذه القراءة مع كونه أسقط وجوها كثيرة لم يذكرها نحو ما نبهنا عليه مما زاده ناظم هذه القصيدة، وههنا قراءة صحيحة تروى عن عاصم وأبي عمرو: "وإنما نؤخرهم ليوم" بالنون ذكرها ابن مجاهد وغيره من كبار أئمة القراءة، ولم يذكرها صاحب التيسير؛ لأنها ليست من طريق اليزيدي، وقد أشبعت الكلام في هذا في الشرح الكبير في آخر سورة أم القرآن، وما وزان هذه القراءة إلا أن يقال في أعمدة وأتجدة أعميدة وأتجيدة بزيادة ياء بعد الميم والجيم، وكان بعض شيوخنا يقول: يحتمل أن هشاما قرأها بإبدال الهمزة ياء أو بتسهيلها كالياء فعبر الراوي لها بالياء فظن من أخطأ فهمه أنها بياء بعد الهمزة وإنما كان المراد بياء عوضا من الهمزة، فيكون هذا التحريف من جنس التحريف المنسوب إلى من روى عن أبي عمرو: "بَارِئْكُمْ" و"يَأْمُرْكُمْ" ونحوه بإسكان حركة الإعراب وإنما كان ذلك اختلاسا، وفي هذه الكلمة قراءة أخرى ذكرها الزمخشري في تفسيره، وإن كان قد وَهِمَ في توجيهها وهي بكسر الفاء من غير همز، ووجهها أنها ألقيت حركة الهمزة على الساكن قبلها وحذفت فهذه قراءة جيدة وهي صورة ما يفعله حمزة في الوقف عليها، ولعل من روى قراءة الإشباع كان قد قرأها بلا همز، فرد هشام عليه متلفظا بالهمزة وأشبع كسرتها زيادة في التنبيه على الهمزة، فظن أن الإشباع مقصود فلزمه ورواه والله أعلم. 801- وَفِي لِتَزُولَ الفَتْحُ وَارْفَعْهُ "رَ"اشِدًا ... وَمَا كَانَ لِي إِنِّي عِبَادِيَ خُذْ مُلا يعني فتح اللام الأولى ورفع الثانية فالهاء في ارفعه لهذا اللفظ فـ "إن" على قراءة الكسائي مخففة من الثقيلة مبالغة في الإخبار بشدة مكرهم كقوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} ؛ أي: قد كان مكرهم من كبره وعظمه يزيل ما هو مثل الجبال في الامتناع على من أراد إزالتها في ثباتها، وعلى قراءة الباقين تكون "إن" إما شرطية؛ أي: وإن كان مكرهم معادلا إزالة أشباه الجبال الرواسي وهي المعجزات والآيات فالله مجازيهم بمكر أعظم منه، وإما أن يكون "إن" نافية واللام في لتزول مؤكدة لها؛ أي: وما كان مكرهم بالذي يزيل ما هو بمنزلة الجبال وهي الشرائع ودين الله تعالى، فإن قلت على هذا: كيف يجمع بين القراءتين؟ فإن قراءة الكسائي أثبتت أن مكرهم تزول منه الجبال وقراءة غيره نفته؟ قلت: تكون الجبال في قراءة الكسائي إشارة إلى أمور عظيمة غير الإسلام ومعجزاته لمكرهم صلاحية إزالتها والجبال في قراءة الجماعة إشارة لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- من الدين الحق فلا تعارض حينئذ والله أعلم. وأريد حقيقة الجبال قراءة الكسائي كما قال سبحانه في موضع آخر: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} 1.   1 سورة مريم، آية: 90 و91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 وفي قراءة غيره أريد بالجبال ما سبق ذكره، ثم ذكر الناظم ياءات الإضافة وهي ثلاثة في هذه السورة: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} 1، فتحها حفص وحده، {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ} 2، فتحها الحرميان وأبو عمرو، {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} 3، فتحها هؤلاء وعاصم. وملا جمع ملاءة؛ أي: خذ ذا ملاءة؛ أي: ذا حجج ووجوه مستقيمة وفيها ثلاث زوائد: {وَخَافَ وَعِيدِ} ، أثبتها في الوصل ورش وحده: {بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} أثبتها في الوصل أبو عمر وحده: "دُعَائي"، أثبتها في الوصل أبو عمرو وحمزة وورش، وأثبتها في الحالين البزي وحده، وقلت في ذلك: دعائي بما أشركتمونِ وقوله ... وخاف وعيدي للزوائد أجملا   1 سورة إبراهيم، آية: 22. 2 سورة إبراهيم، آية: 37. 3 سورة إبراهيم، آية: 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 سورة الحجر : 802- وَرُبَّ خَفِيفٌ "إِ"ذْ "نَـ"ـمَا سُكِّرَتْ "دَ"نَا ... تَنزَّلُ ضَمُّ التَّا لِشُعْبَةَ مُثِّلا يريد: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، التخفيف والتشديد فيها لغتان، ومعنى نما بلغ من قول الشاعر: من حديثٍ نَمَى إليَّ عَجِيبِ أو من نمى المال إذا زاد؛ لأن لفظة "رب" فيه لغات كثيرة، وسكرت بالتخفيف؛ أي: حبست من قولهم: وسكرت النهر وبالتشديد يجوز أن يكون من هذا شدد للكثرة، وأن يكون بمعنى حيرت من السكر، ويجوز أن يقرأ في البيت مخففا ومشددا والتخفيف أولى؛ ليطابق الرمز بعده والتشديد قد يوهم من قلت معرفته بهذا النظم أنه من باب: وباللفظ أستغني عن القيد فيقرأ لابن كثير بالتشديد وإنما هو مقيد بما تقدمه من ذكر التخفيف كقوله: وفصل إذ ثنى، وفي أحصن عن نفر العلا، استغنى عن تقييدهما بالقيد المذكور قبل كل واحد منهما وكذا في هذه السورة "منجوك"، "وَقَدَّرْنَا"، وقوله: "ما تنزل الملائكة" بضم التاء ظاهر وبفتحها على حذف إحدى التاءين أصله تتنزل الملائكة والله أعلم. 803- وَبِالنُّونِ فِيها وَاكْسِرِ الزَّايَ وَانُصِبِ الْـ ... ـمَلائِكَةَ المَرْفُوعَ عَنْ "شَـ"ـائِدٍ عُلا أي: واقرأ بالنون في هذه الكلمة موضع التاء واكسر الزاي فيصير "ينزل" على وزن يحوِّل، ويلزم من ذلك نصب الملائكة؛ لأنه مفعول به، ومن قرأ بالتاء رفع الملائكة؛ لأنه فاعل على قراءة من فتح التاء، ومفعول ما لم يسم فاعله على قراءة من ضمها ولم ينبه على ضم النون، وكان الأولى أن يذكره فيقول: وبالنون ضما؛ أي: ضم ولا حاجة إلى قوله: فيها؛ لأنه معلوم، وقوله: المرفوع نعت الملائكة؛ لأنه لفظ، وقوله: عن شائد علا؛ أي: ناقلا له عن عالم هذه صفته؛ أي: عن من بنى المناقب العلا ورفعها وحصلها بعلمه ومعرفته، ولا خلاف في تشديد الزاي هنا وقد تقدم في البقرة. 804- وَثُقِّلَ لِلْمَكِّيِّ نُونُ تُبَشِّرُو ... نَ وَاكْسِرْهُ "حِرْمِيَّا" وَمَا الحَذُفُ أَوَّلا قراءة الجماعة ظاهرة النون مفتوحة؛ لأنها العلامة لرفع الفعل، ومن كسرها قدر أصل الكلمة تبشرنني بنونين وياء الضمير المفعولة فحذف نافع نون الوقاية كما حذفها في: "أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ"، وأدغم ابن كثير نون علامة الرفع فيها كقراءة الجماعة في: {أَتُحَاجُّونِّي} ، ثم حذف نافع وابن كثير الياء كما حذفت في نظائره من رءوس الآي نحو "عقاب" و"متاب"، وأبقيا كسرة النون دالة على الياء المحذوفة وقوله: "حرميا" حال من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 فاعل "واكسره"؛ أي: قارئا يقرؤه الحرمي أو من مفعوله؛ لأنه فعل منسوب إلى الحرمي وقد سبق معنى وما الحذف أولا في سورة الأنعام؛ يعني: أن من قرأ بالتخفيف مع الكسرة وهو نافع حذف إحدى النونين وليس الحذف في الأولى منهما بل في الثانية توفيرا على الفعل علامة رفعه، والتقدير: وما وقع الحذف أولا، ولو قال: الأول على تقدير: وما المحذوف الأول من التنوين لكان جائزا. 805- وَيَقْنَطُ مَعْهُ يَقْنَطُونَ وَتَقْنَطُوا ... وَهُنَّ بِكَسْرِ النُّونِ "رَ"افَقْنَ "حُـ"ـمِّلا يريد: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ} ، وفي الروم: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} ، وفي الزمر: {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} فتح النون فيها وكسرها لغتان، فماضي المفتوح قنط بالكسر وماضي المكسور قنط بالفتح، وهي أفصح اللغتين، وقد أجمعوا على الفتح في الماضي في قوله تعالى في الشورى: {مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} ، وحملا جمع حامل وقوله: ويقنط مبتدأ ومعه يقنطون خبره؛ أي: هذه الكلمات اجتمعت، واتحد الحكم فيها، ثم ابتدأ مبينا حكمها، فقال: هن بكسر النون وفتحها، ولو قال موضع وهن جميعا لكان أحسن وأظهر معنى والله أعلم. 806- وَمُنْجُوهُمُ خِفٌّ وَفِي العَنْكَبُوتِ تُنْـ ... ـجِيَنَّ "شَـ"ـفَا مُنْجُوكَ "صُحْبَتُـ"ـهُ "دَ"لا أي: ذو خف؛ أي: خفيف أراد: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} ،: {لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} ،: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} التخفيف والتثقيل: فيها من أنْجَى ونجَّى كأنْزَل ونزَّل وهما لغتان خفف الثلاثة حمزة والكسائي، ووافقهما أبو بكر وابن كثير على تخفيف "منجوك"، ولو قال: "لمنجوهم" خفف باللام بدل الواو لكان أحسن؛ حكاية لما في الحجر ولا حاجة إلى واو فاصلة؛ لظهور الأمر كما قال بعد ذلك: قدرنا بها والنمل، وقد مضى معنى دلا في مواضع، وفيه ضمير راجع إلى لفظ صحبة؛ لأنه مفرد وهو كما سبق في الرعد صحبة تلا والله أعلم. 807- قَدَرْنَا بِهَا وَالنَّمْلِ "صِـ"ـفْ وَعِبَادِ مَعْ ... بَناتِي وَأَنِّي ثُمَّ إِنِّيِ فَاعْقِلا يريد: {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا} ، وفي النمل التخفيف والتشديد فيهما أيضا لغتان، واستغنى بقيد التخفيف في "منجوهم" عن القيد فيهما كما سبق في"سكرت" وهو من التقدير: لا من القدرة، ومثل ذلك سيأتي في الواقعة والمرسلات والأعلى، ثم ذكر ياءات الإضافة وهي أربع: "بَنَاتِيَ إِنْ كُنْتُمْ" فتحها نافع وحده، "عِبَادِيَ أَنِّيَ أَنَا"، {وَقُلْ إِنِّيَ أَنَا النَّذِيرُ} فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو.   1 آية: 36. 2 آية: 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 سورة النحل : 808- وَيُنْبِتُ نُونٌ "صَـ"ـحَّ يَدْعُونَ عَاصِمٌ ... وَفِي شُرَكَائِي الخُلْفُ فِي الهَمْزِ "هَـ"ـلْهَلا أي: ذو نون يريد: {يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ} النون للعظمة والياء رد إلى اسم الله تعالى في قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} ، وما بعدها من ضمائر الغيبة إلى قوله: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} ، {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ} ، {يُنْبِتُ لَكُمْ} ، ثم قال الناظم: يدعون عاصم؛ أي: قرأه عاصم بالياء على الغيبة يريد: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ؛ لأن قبله: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} بالغيبة والباقون قرءوا بالتاء على الخطاب، ووجهه ما قبله من قوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} . فإن قلتُ: من أين علمت أن قراءة عاصم بالغيب؟ قلتُ: لعدم التقييد فهو أحد الأمور الثلاثة التي إطلاقه يغني عن قيدها وهي الرفع والتذكير والغيب. فإن قلتَ: لِمَ لَمْ يحمل هذا الإطلاق على القيد السابق في "وتنبت" نون فيكون كما تقدم في "سكرت" و"قدرنا". قلت: لا يستقيم لفظ النون في يدعون ولولا ذلك لاتجه هذا الاحتمال، وروى البزي ترك الهمز في قوله: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ} ، ولزم من ذلك عدم المد الزائد على الألف لأجل الهمزة، وهذا معنى قول بعض المصنفين بغير همز ولا مد قطعا لوهم من عداه أن يظن أن المد يبقى وإن سقطت الهمزة، وإنما قرأ كذلك قصرا للمدود ولم يفعل ذلك في الذي في القصص وغيرها، ولا يلزم الناظم الاحتراز عن ذلك؛ لما ذكرناه مرارا أن الإطلاق لا يتناول إلا ما في السورة التي هو فيها وما شذ عن ذلك كالتوراة و"كائن" فهو الذي يعتذر عنه وقصر الممدود ضعيف لا يجيزه النحويون إلا في ضرورة الشعر فهذه قراءة ضعيفة أيضًا، فلم يكن لصاحب التيسير حاجة إلى تضمين كتابه مثل هذه القراءات الضعاف، وعن قارئها فيها خلاف، وترك ذكر ما ذكره ابن مجاهد وغيره عن أبي بكر عن عاصم: "تنزل الملائكة بالروح من أمره" بالتاء المضمومة وفتح الزاي ورفع الملائكة على ما لم يسمَّ فاعله، فهذه قراءة واضحة من جهة العربية، وقد دونها الأئمة في كتبهم ولم يذكر قصر: "شُرَكَائِيَ" إلا قليل منهم، فترى من قلَّت معرفته ولم يطلع إلا على كتاب التيسير ونحوه يعقد أن قصر: {شُرَكَائِيَ} من القراءات السبع وتنزل الملائكة ليس منها وكذا: {إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} ، ذكر أبو علي الأهوازي وغيره عن أبي عمرو وابن عامر أنه بفتح الشين ولهذا نظائر كثيرة وقول الناظم هلهل من قولهم: هلهل النساج الثوب إذا خفف نسجه، وثوب هلهل وشعر هلهل من ذلك فإن كان فعلا فمعناه لم يتيقن الخلاف فيه وإن كان اسما وهو منصوب على الحال؛ أي: استقر الخلف فيه في الهمز "هلهلا" يشير إلى ضعف الرواية بترك الهمز وضعف القراءة. فإن قلت: من أين تعلم قراءة الجماعة أنها بالهمز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 قلت: لأن تقدير كلامه الخلف في الهمز للبزي هلهلا قصده لا خلف في الهمز عن غير البزي وهو المراد والله أعلم. 809- وَمِنْ قَبْلِ فِيهِمْ يَكْسِرُ النُّونَ نَافِعٌ ... مَعًا يَتَوَفَّاهُمْ لِحَمْزَةَ وُصِّلا يعني نون: {تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} ، وإنما لم يقله بهذه العبارة؛ لأنها لا تستقيم في النظم إلا مخففة القاف ولم يقرأ أحد بذلك، وكسر نافع وحده النون وفتحها الباقون، والكلام في ذلك كما سبق في: "تُبَشِّرُونَ" في الحجر، ولم يشدد أحد النون هنا، وقوله: معا هو حال من: "تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ"، {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ} قرأهما حمزة بالياء على التذكير وإطلاقه دل على ذلك، والباقون قرءوهما بالتأنيث، ووجههما ظاهر وفي وصلا ضمير تثنية. 810- سَمَا "كـ"ـامِلًا يَهْدِي بِضَمٍّ وَفَتْحَةٍ ... وَخَاطِبْ تَرَوْا "شَـ"ـرْعًا وَالَاخِرُ "فِـ"ـي "كِـ"ـلا يريد: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} كما قال في موضع آخر: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ} ؛ أي: من يضلله فلا يُهدَى، فالفعل مبني لما لم يسم فاعله، فقوله: يهدي فاعل سما وكاملا حال منه، وقرأ الكوفيون بفتح الياء وكسر الدال على إسناد الفعل إلى الفاعل؛ أي: لا يهدي الله من يضله أو يكون يهدي بمعنى يهتدي كما تقدم في يونس ثم قال الناظم: وخاطب يروا، يريد: "أَوَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ"؛ أي: اقرأه بالخطاب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه، وشرعا مفعول مطلق؛ أي: شرع ذلك شرعا أو في موضع الحال؛ أي: ذا شرع فإن كان حالا من المفعول، فتقديره مشروعًا وإن كان من فاعل خاطب فتقدير ناطقا بما هو مشروع، ثم قال: والآخِر بكسر الخاء يريد: "ألم تروا إلى الطير مسخرات" الخطاب فيه لحمزة وابن عامر والأول لحمزة والكسائي، ولو فتحت الخاء من الآخر لم يتضح الأمر؛ لإبهامه فلم يعلم الذي قرأ الكسائي من الذي قرأه ابن عامر إلا بقرينة تقدم الذكر، وذلك قد يخفى، وقد ترك الناظم الترتيب في مواضع وقوله: في كلا؛ أي: في لفظ وحراسة وهو ممدود ووجه القراءتين في الموضعين ظاهر والله أعلم. 811- وَرَا مُفْرَطُونَ اكْسِرْ "أَ"ضا يَتَفَيَّؤاُ الْ ... مُؤَنَّثُ لِلْبَصْرِيِّ قَبْلُ تُقُبِّلا أي: ذا أضاء أو مشبها أضاء في الانتفاع بعلمك كما ينتفع بمائه والإضاء جمع أضاة بفتح الهمزة وهو الغدير والجمع بكسر الهمزة والمد كأكام وبفتحها والقصر كفتى ومفرطون بالكسر من أفرط في المعصية إذا تغلغل فيها، وبالفتح؛ أي: مقدمون إلى النار من أفرطته إذا قدمته في طلب الماء أو هم منسيون من رحمة الله من أفرطت فلانا خلفي إذا تركته ونسبته، أما يتفيؤ ظلاله فهو في التلاوة قبل مفرطون أخره ضرورة النظم فلهذا قال: قبل؛ أي: قبل مفرطون، ووجه التأنيث والتذكير فيه ظاهر؛ لأن تأنيث الظلال غير حقيقي والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 812- وَ"حَقُّ صِحَـ"ـاب ضَمَّ نَسْقِيكُمُو مَمَا ... لِشُعْبَةَ خَاطِبَ يَجْحَدُونَ مُعَلَّلا معا؛ يعني: هنا وفي: {قَدْ أَفْلَحَ} ضم النون وفتحها لغتان فالضم من أسقى والفتح من سقى قال الشاعر فجمع بينهما: سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميرًا والقبائل من هلال دعاء للجميع بما يخصب بلادهم، وفي التنزيل: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} 1. {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا} 2. {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} 3. {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} 4. وقيل: الأصل في "أسقى": جعل له سقيا، وفي "سقى": رواه من العطش، ثم استعمل في المعنى الواحد لنقارب المعنيين وأجمعوا على الضم في الفرقان في قوله تعالى: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ} 5. وحكي فيه الفتح عن الأعمش وعاصم من رواية المفضل عنهما، ثم قال الناظم لشعبة خاطب يجحدون يريد: {أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} وجه الخطاب أن قبله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} ووجه الغيب أن قبله: {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا} ، وأجاز معللا بفتح اللام وكسرها، ووجه الجمع ظاهر. 813- وَظَعْنِكُمْ إِسْكَانُهُ "ذَ"ائِعٌ وَنَجْ ... زِيَنَّ الَّذِينَ النُّونُ "دَ"اعِيهِ "نُـ"ـوِّلا إسكان العين في ظعن وفتحها لغتان كمعز ومعز ونهر ونهر وشعر وشعر فلهذا قال: ذائع؛ أي: مشتهر مستفيض، والنون في: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} والياء ظاهران، ولا خلاف في التي بعدها: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} أنه بالنون فلهذا قيد موضع الخلاف بقوله: الذين، ويجوز النون بالرفع على أنه مبتدأ ثانٍ، وبالنصب على أنه مفعول نول؛ أي: داعي نجزين نول النون فيه: 814- "مَـ"ـلَكْتُ وَعَنْهُ نَصَّ الَاخْفَشُ يَاءهُ ... وَعَنْهُ رَوَى النَّقَّاشُ نُونًا مُوَهَّلا   1 سورة الإنسان، آية: 21. 2 سورة محمد، آية: 15. 3 سورة الحجر، آية: 22. 4 سورة المرسلات، آية: 27. 5 سورة الفرقان، آية: 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 الميم في "ملكت" رمز ابن ذكوان؛ أي: أنه في جملة من روى عنه النون، ثم بين أن الصحيح عنه القراءة بالياء فقال عنه؛ يعني: عن ابن ذكوان نص الأخفش على الياء، وهو هارون بن موسى بن شريك الدمشقي تلميذ ابن ذكوان، وكان يعرف بأخفش باب الجابية والهاء في ياءه ترجع إلى لفظ "نجزين" المختلف فيه ثم قال وعنه؛ يعني: عن الأخفش روى النقاش وهو محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن جعفر ابن سند البغدادي المفسر وهو ضعيف عند أهل النقل، روي عن شيخه الأخفش في قراءة ابن ذكوان لهذا الحرف نونا، قال صاحب التيسير: ابن كثير وعاصم: {لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ} بالنون وكذلك روى النقاش عن الأخفش عن ابن ذكوان قال وهو عندي وهم؛ لأن الأخفش ذكر ذلك في كتابه عنه بالياء، وذكر الأهوازي في كتاب الإيضاح النون عن ابن ذكوان وعن هشام أيضا وعن ابن عامر وأبي عمرو من بعض الطرق، وقال: قال النقاش: أشك كيف قرأته على الأخفش عن ابن ذكوان، وقول الناظم موهلا هو حال من النقاش أو صفة للنون؛ أي: مغلطا، يقال: وهل في الشيء وعنه بكسر الهاء إذا غلط وسهى، وهل وهلا ووهلت إليه بالفتح أهل وهلا ساكن الهاء إذا ذهب وهمل إليه فأنت تريد غيره مثل وهمت هكذا في صحاح الجوهري، قال الشيخ: موهلا من قولهم وهله فتوهل؛ أي: وهمه فتوهم وهو منصوب على الحال من النقاش؛ أي: منسوبا إلى الوهم فيما نقل يريد ما قال صاحب التيسير هو عندي وهم وقد ذكرناه والله أعلم. 815- سِوَى الشَّامِ ضُمُّوا وَاكْسِرُوا فَتَنُوا لَهُمْ ... وَيُكْسَرُ فِي ضَيْقٍ مَعَ النَّمْلِ "دُ"خُلُلا لهم؛ أي: لجميع القراء السبعة سوى الشامي، فحذف ياء النسبة أو التقدير: سوى قارئ الشام فحذف المضاف يريد: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} ؛ أي: فتنهم الكافر بالإكراه على النطق بكلمة الكفر وقلوبهم مطمئنة بالإيمان، وذلك نحو ما جرى لعمار بن ياسر وأصحابه بمكة -رضي الله عنهم- وهو موافق للآية الأولى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} لم يُختَلَف فيه أنه على ما لم يسم فاعله، وقرأ ابن عامر فتنوا بإسناد الفعل إلى الفاعل بفتح الفاء والتاء؛ لأن الفتح ضد الضم والكسر معا، ووجه هذه القراءة أن تكون الآية نزلت في الفاتنين الذين عذبوا المؤمنين على الكفر وأوقعوا الفتن في الذين أسلموا وهاجروا وجاهدوا وصبروا، وذلك نحو ما جرى لمن تأخر إسلامه كعكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث وسهيل بن عمرو وأضرابهم -رضي الله عنهم- وتكون القراءتان في الطائفتين؛ الفاتنين والمفتونين وقيل: التقدير: فتنوا أنفسهم حين أظهروا ما أظهروا من كلمة الكفر، ومعنى القراءتين متحد، المراد بهما المفتونون، وقيل: معنى فتنوا افتتنوا، قال الشيخ: روى أبو عبيد عن أبي زيد: فتن الرجل يفتن فتونا إذا وقع في الفتنة وتحول من الحال الصالحة إلى السيئة، وفتن إلى النساء أراد الفجور بهن، وقيل: الضمير في فتنوا يعود إلى "الخاسرون"، والمفعول محذوف؛ أي: من بعد ما فتنهم أولئك الخاسرون، أما: {فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} هنا وفي النمل ففتح الضاد وكسرها لغتان كالقول والقيل، وقيل: المفتوح تخفيف ضيق كهين وميت؛ أي: في أمر ضيق، وقوله: سوى الشامي استثنى من الضمير في لهم كما سبق، ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر، ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل مضمر كقولك: زيدا اكتب الكتاب له؛ أي: لابسه وخالطه بذلك ودخللا حال من قوله: في ضيق؛ أي: هو دخيل مع الذي في النمل مشابه له في الكسر والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 سورة الإسراء : 816- وَيَتَّخِذُوا غَيْبٌ "حَـ"ـلا لِيَسُوءَ نُو ... نُ "رَ"اوٍ وَضَمُّ الهَمْزِ وَالمَدِّ "عُـ"ـدِّلا أي: ذو غيب حلو؛ لأن قبله: {لِبَنِي إِسْرائيلَ} ، والخطاب حكاية ما في الكتاب، وهما مثل ما في البقرة: {لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} كلاهما في بني إسرائيل والمعنى واحد، ولو دخلت أن في الذي في البقرة لكانت: {أَنْ لا تَعْبُدُوا} مثل أن لا تتخذوا سواء فاتحد اللفظ والمعنى، أما: {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} فقراءة الكسائي بالنون ظاهرة؛ لكثرة ما قبله من نونات العظمة، وقرأ غيره بالياء، فمن فتح الهمزة وقصره كما فعل الكسائي، فالفاعل هو الله تعالى كما قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} وبعده: {عَسَى رَبُّكُمْ} ، أو يكون الفاعل الوعد أو البعث، وهذه قراءة ابن عامر وحمزة وأبي بكر وضم الهمز ومده حفص وهو المرموز في قوله: عدلا، والحرميان وأبو عمرو رمز لهم في البيت الآتي بقوله: سما فالضمير المرفوع في: "لِيَسُوءُوا" للعباد الين هم "أولوا بأس شديد"، واللام في: "لِيَسُوءُوا" على القراءات الثلاث متعلقة بفعل مضمر؛ أي: بعثناهم؛ ليقع ذلك، وقول الناظم: والمد بالرفع عطف على ضم الهمز. 817- "سَمَا" وَيُلَقَّاهُ يُضَمُّ مُشَدَّدًا ... "كَـ"ـفَى يَبْلُغَنَّ امْدُدْهُ وَاكْسِرْ "شَـ"ـمَرْدَلا أراد كتابه يلقاه؛ أي: يستقبل به، وقرأ الباقون يلقاه بفتح الياء والتخفيف، وذلك ظاهر المعنى، والهاء للكتاب أو للإنسان؛ لأن ما لقيك فقد لقيته، {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} فمد بعد الغين؛ أي: زد ألفا واكسر النون المشددة فيصير "يبلغان"، والضمير للوالدين وأحدهما بدل منه وهو فاعل على قراءة القصر والنون للتأكيد فيها والله أعلم. 818- وَعَنْ كُلِّهِمْ شَدِّدْ وَفَا أُفِّ كُلِّها ... بِفَتْحٍ "دَ"نا "كُـ"ـفْؤًا وَنَوِّنْ "عَـ"ـلَى "ا"عْتَلا يعني أجمعوا على تشديد النون، وهذا منه زيادة في البيان وإلا فهو معلوم مما تقدم؛ لأنه لفظ بقوله: يبلغن مشدد النون وأمر بكسرها ولم يتعرض للتشديد بنفي ولا إثبات فدل على أنه لا خلاف فيه، أما أف ففيها لغات كثيرة لم يقرأ فيها إلا بثلاث: الفتح والكسر والتنوين مع الكسر وهي قراءة نافع وحفص، وهو معنى قوله: على اعتلا؛ أي: معتمدا على اعتلا قوله: كلها بالجر تأكيد لأف؛ يعني: حيث جاء وهو هنا وفي الأنبياء والأحقاف والله أعلم. 819- وَبِالفَتْحِ وَالتَّحْرِيكِ خِطْئاً "مُـ"ـصَوَّب ... وَحَرَّكَهُ المَكِّي وَمَدَّ وَجَمَّلا يريد: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا} فلفظ بقراءة الجماعة، وذكر أن ابن ذكوان فتح الخاء والطاء وعبر عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 بالتحريك المطلق وهو الفتح؛ ليؤخذ للباقين ضده وهو السكون، وعبر عن حركة الخاء بلفظ الفتح؛ ليؤخذ للباقين ضده وهو الكسر، فدخل ابن كثير مع الباقين في هذا ولم يخالفهم فيه، ولما خالفهم في إسكان الطاء تعرض له، فقال: وحركه المكي، وزاد مدا بعد الطاء فقراءة الجماعة خطأ بمعنى إنما يقال خَطِأَ خِطْأً كأَثِمَ إِثْمًا، وهو في قراءة ابن ذكوان ضد الصواب، وقيل: هما لغتان كالحَذَر والحِذْر والمَثَل والمِثْل. قال الزجاج: وقد يكون من خطأ خطأ إذا لم يصب، وقراءة ابن كثير خاطأ خِطَاءً مثل خاطر خِطارا. قال أبو علي: وإن لم يسمع خاطأ، ولكن قد جاء ما يدل عليه وهو: تخاطأ؛ لأنه مطاوعه، قال: وقد قالوا: أخطى في معنى خطى كما أن خطى في معنى أخطى. قلت: فإلى هذا أشار الناظم بقوله: مصوب؛ لأن قوما استبعدوا قراءة ابن ذكوان فقالوا الخطأ ما لم يتعمد، وجوابه أنه استعمل في التعمد أيضا، وقول الناظم: خطأ مصوب مبتدأ وخبر؛ أي: هو مصوب بالفتح والتحريك، فقابل بين لفظي الخطأ والتصويب، وإخباره عن الخطأ بالتصويب من عجائب هذا النظم ومحاسنه والله أعلم. 820- وَخَاطَبَ فِي يُسْرِفْ "شُـ"ـهُود وَضَمُّنَا ... بِحَرْفَيْهِ بِالقِسْطَاسِ كَسْرُ "شَـ"ـذٍ "عَـ"ـلا أي: قراءة شهود أراد: "فلا تسرف في القتل" الخطاب للولي أو الإنسان، والياء للولي، وضم القسطاس وكسره لغتان والهاء في بحرفيه للقسطاس، والباء في "بالقسطاس" من نفس التلاوة؛ أي: وضمنا هذا اللفظ بموضعيه؛ يعني: هنا وفي الشعراء فأخبر عن الضم بالكسر على تقدير وموضع ضمنا كسر هؤلاء؛ أي: كسر ذوى شذا عال؛ أي: ذوى بقية حسنة وطيب فائق والله أعلم. 821- وَسَيِّئَةً فِي هَمْزِهِ اضْمُمْ وَهَائِهِ ... وَذَكِّرْ وَلا تَنْوِينَ "ذِ"كْرًا مُكَمَّلا يريد: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ} ، فقوله: ذلك إشارة إلى المنهي عنه، وإذا ضممت الهمز والهاء، وذكرت؛ أي: لم تجعل الهاء للتأنيث بل ضمير مذكر فلا تنوين حينئذ فيكون السيء مضافا إلى ما تقدم؛ أي: كان سيء المذكور مكروها فيكون ذلك إشارة إلى جميع ما تقدم مما وصى به الإنسان وفيه حسن وهو المأمور به وسيء وهو المنهي عنه ومكروها على القراءة بالتأنيث خبر لكان بعد خبر وقوله: ذكرا مكملا مصدر مؤكد من لفظ ذكر وإن لم يكن مصدره أراد تذكيرا مكملا ويجوز أن يكون فعله مضمرا؛ أي: ذكرت ذلك ذكرا مكملا لجميع قيوده، وقال الشيخ: التقدير: أذكر ذكرا والله أعلم. 822- وَخَفِّفْ مَعَ الفُرْقَانِ وَاضُمُمْ لِيَذْكُرُوا ... "شِـ"ـفَاءً وَفِي الفُرْقَانِ يَذْكُرُ فُصِّلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 أي: خفف لفظ: "ليذكروا" هنا وفي الفرقان، أراد: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا} ، و {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} ، والتخفيف في هذين لحمزة والكسائي، أراد تخفيف الذال والكاف وهو حذف تشديدهما وهما مفتوحان، فنص على ضم الكاف، ولم ينص على إسكان الذال، لوضوحه وهو مضارع ذكر يذكر، والمشدد مضارع تذكر، والأصل: "ليتذكر"، فأدغمت التاء في الذال، وقوله: شفاء حال من "ليذكروا" أو من فاعل خفف واضمم؛ أي: ذا شفاء، ثم ذكر أن في الفرقان موضعا آخر اختص حمزة بتخفيفه وهو: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} . 823- وَفِي مَرْيَمٍ بِالعَكْسِ "حَقٌّ شِـ"ـفَاؤُهُ ... يَقُولُونَ "عَـ"ـنْ "دَ"ارٍ وَفِي الثَّانِ "نُـ"ـزِّلا بالعكس؛ أي: بالتشديد وفتح الكاف يريد أولا يذكر الإنسان، ولو كان جرى على سننه ورمز لمن خفف كان أحسن، وقلت أنا في ذلك: وفي كاف نل إذ كم يقولون دم علا ... وفي الثانِ نل كفا سما وتبجلا وأنث تسبح عن حمى شاع وصله ... وبعد اكسروا إسكان رَجْلك عملا ولم يبقَ في البيت تضمين واجتمع الرمز المفرق، وهو قوله: هنا نزلا وفي البيت الآتي سما كفله، ويقولون في الموضعين بالغيب والخطاب ظاهر، أراد بالثاني: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} ، وقبله: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} . 824- "سَمَا كِـ"ـفْلُهُ أَنِّثْ يُسَبِّحُ "عَـ"ـنْ "حِـ"ـميً ... "شَـ"ـفَا وَاكْسِرُوا إِسْكَانَ رَجْلِكَ "عُـ"ـمَّلا أراد تسبح له السموات السبع التأنيث والتذكير فيه ظاهران، ورجلك بإسكان الجيم اسم جمع للراجل كصحب ورجل وبكسر الجيم بمعنى راجل كتعب وتاعب وحذر حاذر وبمعنى رجل بضم الجيم الذي بمعنى راجل، فيكون كسر الجيم وضمها لغتين نحو ندس وندس، والمعنى: وجمعك الرجل، واستغنى بالفرد عن الجمع لدلالته عليه بالجنسية وقيل: يجوز أن تكون قراءة الإسكان من هذا سكنت الكسرة أو الضمة تخفيفا نحو فخذ وعضد وعملا جمع عامل هو حال من الضمير في اكسروا. 825- وَيَخْسِفَ "حَقٌّ" نُونُهُ وَيُعِيدَكُمْ ... فَيُغْرِقَكُمْ وَاثْنَانِ يُرْسِلَ يُرْسِلا الخلاف في هذه الخمسة دائر بين النون والباء فكلاهما ظاهر أراد: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ} "أم أمنتم أن يعيد فيه تارة أخرى" فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم وقوله: "نرسل نرسل" كلاهما بدل من اثنان ونصهما على الحكاية. 826- خِلافَكَ فَافْتَحْ مَعْ سُكُونٍ وَقَصْرِهِ ... "سَمَا صِـ"ـفْ نَآى أَخِّرْ مَعًا هَمْزَهُ "مُـ"ـلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 أراد: {وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} ؛ أي: افتح الخاء مع سكون اللام وحذف الألف وكلتا القراءتين بمعنى بعدك، و"نأ وناء" مثل؛ أي: وراء كلاهما على وزن رعى وراع: لغتان وتأخير الهمز من الفعلين على القلب، فيصبر وزنهما "فلع" قال الشاعر: وَكُلُّ خَليلٍ راءَني فَهوَ قائِلٌ ونقل الشارح في كتاب الغاية عن أبي بكر بن مقسم قال: نأى بوزن نعى لغة قريش وكثير من العرب، وناء بوزن باع لغة هوازن بن سعد بن بكر وبني كنانة وهزيل وكثير من الأنصار، قال شاعرهم: نجالد عنه بأسيافنا ... وناءت معدُّ بأرض الحرم وقول الآخر: وناء بكلكل قلت: "ناء" في قول امرئ القيس: وأردف أعجازا وناء بكلكل ليس من هذا، وذاك معناه نهض ينهض نهوضا ثقيلا؛ لطول صدره وقوله: معا؛ يعني: هنا وفي سورة فصلت. 827- تُفَجِّرَ فِي الأُولَى كَتَقْتُلَ "ثَـ"ـابِتٌ ... وَ"عَمَّ نَـ"ـدىً كسْفًا بِتَحْرِيكِهِ وَلا أي: بالتخفيف على وزن تقتل والأولى قوله: {حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ} احترازا من الثانية: {فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ} فلا خلاف في تشديدها؛ لقوله في مصدرها تفجيرا، وفجَر وفجُّر كسجَر وسجَّر يقال فجر الماء وفجره إذا فتح سكره وشقه وقوله تعالى: {انْفَجَرَتْ مِنْهُ} هو مطاوع فجر بالتخفيف وكسفا بإسكان السين وفتحها لغتان جمع كسفة وهو القطعة ومثلها سدرة وسدر ولقحة ولقح وندى تمييز وكسفا فاعل عم ولا مفعول له؛ أي: بتحريكه متابعة للنقل. 828- وَفي سَبَأٍ حَفْصٌ مَعَ الشُّعَرَاءِ قُلْ ... وَفِي الرُّومِ سَكِّنْ "لَـ"ـيْسَ بِالخُلْفِ مُشْكِلا أراد: {أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا} ، {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا} حركهما حفص وحده، وفي الروم: {وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} 1. سكنه ابن عامر: ولم يختلف في إسكان الذي في الطور: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا} والله أعلم. 829- وَقُلْ قَالَ الُاولَى "كَـ"ـيْفَ "دَ"ارَ وَضُمَّ تَا ... عَلِمْتَ "رِ"ضىً وَالْيَاءُ فِي رَبِّيَ انْجَلا   1 الآية: 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 أراد: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} . هذه هي الأولى، والثانية قوله: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ} . لا خلاف في قراءة هذه على الأمر، وقرأ الأولى بلفظ المضى ابن عامر وابن كثير وقول الناظم: الأولى هو نعت لقوله: قل لا لقوله: قال؛ أي: وقل الأولى تقرأ "قال" لمن رمز له ومثله قوله في أول الأنبياء: وقل قال عن شهد، وقوله: كيف دار؛ أي: كيف دار اللفظ، فإحدى القراءتين راجعة إلى معنى الأخرى؛ لأنه أمر بالقول فقال: وتا علمت بالضم لموسى وبالفتح لفرعون، ورضا حال من فاعل ضم أو مفعوله؛ أي: ذا رضى ثم ذكر ياء الإضافة في موضع واحد وهو: "رَبِّيَ إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ" فتحها نافع وأبو عمرو، وفيها زائدتان: "لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى" أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وأثبتها ابن كثير في الحالين، "ومن يهد الله فهو المهتدي" أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو، وقلت في ذلك: وفيها لئن أخرتني زيد ياؤه ... كذلك فهو المهتدي قد تكفلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 سورة الكهف : 830- وَسَكْتَةُ حَفْصٍ دُونَ قَطْعٍ لَطِيفَةٌ ... عَلَى أَلِفِ التَّنْوِينِ فِي عِوَجًا بَلا قال صاحب التيسير: قرأ حفص "عوجا" يسكت على الألف سكتة لطيفة من غير قطع ولا تنوين ثم يقول: "قَيِّمًا"، وقال مكي: كان حفص يقف على عوجا وقفة خفيفة في وصله. قلتُ: فهذا معنى قوله: دون قطع؛ أي: دون قطع نفس؛ لأنه في وقفه واصل وغرضه من ذلك إيضاح المعنى؛ لئلا يُتوهم أن قيما نعت "عوجا"، وإنما "قيما" حال من الكتاب المنزل أو منصوب بفعل مضمر؛ أي: جعله قيما، ولما التزم صورة الوقف لأجل ذلك لزمه أن يبدل من التنوين ألفا يقف عليها؛ لأن التنوين لا يوقف عليه فهذا معنى قوله: على ألف التنوين؛ أي: على الألف المبدلة من التنوين وفي ذلك نظر فإنه لو وقف على التنوين لكان أدل على غرضه وهو أنه واقف بنية الوصل وكثير من المصنفين كالأهوازي وابن غلبون يقولون: نقف على عوجا، ولا يذكرون إبدال التنوين ألفا، وقال الأهوازي: ليس هو وقفا مختارًا؛ لأن في الكلام تقديما وتأخيرا معناه أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا، ومعنى بلا: اختبر وفاعله ضمير عائد إلى حفص ثم قال: 831- وَفِي نُونٍ مَنْ رَاق وَمَرْقَدِنا وَلا ... مِ بَلْ رَانَ وَالبَاقُونَ لا سَكْتَ مُوصَلا أي: وسكت في هذه المواضع الثلاثة أيضا أحدها: النون من: {مَنْ رَاقٍ} في سورة القيامة لما اندغمت النون في الراء بغير غنة وقف على "من" ليعلم أنهما كلمتان وليست اللفظة على وزن فعال، وكذا الكلام في لام: {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} 1، أما: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} ، فوقف على مرقدنا2؛ لئلا يتوهم أن هذا الذي بعده صفة للمرقد وإنما هو مبتدأ، قال مكي: ولو اختار متعقب الوقف على عوجا وعلى "مرقدنا" لجميع القراء لكان ذلك حسنًا؛ لأنه يفرق بين معنيين فهو تمام مختار الوقف عليه قال: وقرأ الباقون ذلك كله بغير وقف مروي عنهم؛ لأنه متَّصل في الخط والإدغام فرع ولا كراهة فيه، ولو لزم الوقف على اللام والنون؛ ليظهر للزم في كل مدغم، فهذا معنى قول الناظم: والباقون لا سكت، وموصلا نعت لسكت؛ أي: لا سكت لهم منقولا عنهم موصلا إلينا، وقال الشيخ: موصلا نصب على الحال؛ أي: في حال إيصال المذكور في المواضع المذكورة بما بعده، قال: المهدوي وكان يلزم حفصا مثل ذلك في ما شاكل هذه المواضع وهو لا يفعله، فليس لقراءته وجه من الاحتجاج يعتمد عليه إلا اتباع الرواية. قلت: أولى من هذه المواضع بمراعاة الوقف عليها: {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} فينبغي الوقف على قولهم؛ لئلا يتوهم أن ما بعده هو المفعول، وكذا: {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ، الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} ينبغي الاعتناء بالوقف على النار، ثم يبتدأ بما بعده؛ لئلا يوهم الصفة ولذلك نظائر والله أعلم.   1 سورة المطففين، آية: 14. 2 سورة يس، آية: 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 832- وَمِنْ لَدْنِهِ في الضَّمِّ أَسْكِنْ مُشِمَّهُ ... وَمِنْ بَعْدِهِ كَسْرَانِ عَنْ شُعْبَةَ اعْتَلا أي: أسكن ضم الدال في حال كونك "مشمه" فالهاء في "مشمه" للضم، والكسران في النون والهاء وهذا معنى قول صاحب التيسير: قرأ أبو بكر "من لدنه" بإسكان الدال وإشمامها شيئا من الضم وبكسر النون والهاء ويصل الهاء بياء، وكذا قال صاحب الروضة: إشمامها شيئا من الضم، وصرح الأهوازي فقال: باختلاس ضمة الدال، أما مكي فقال: الإشمام في هذا إنما هو بعد الدال؛ لأنها ساكنة فهي بمنزلة دال زيد المرفوع في الوقف، وليس بمنزلة الإشمام في "سيئت"، وقيل: لأن هذا متحرك، ولم يذكر الشيخ في شرحه غير هذا القول فقال: حقيقة هذا الإشمام أن يشير بالعضو إلى الضمة بعد إسكان الدال، ولا يدركه الأعمى؛ لكونه إشارة بالعضو من غير صوت، قال أبو علي: وهذا الإشمام ليس في حركة خرجت إلى اللفظ، وإنما هو تهيئة العضو لإخراج الضمة؛ ليعلم أن الأصل كان في الدال الضمة، فأسكنت كما أسكنت الباء في سبع والكسر من النون؛ لالتقاء الساكنين، وكسرت الهاء بعدها لأجل كسرة النون نحو: به ومن أجله. 833- وَضُمَّ وَسَكِّنْ ثُمَّ ضُمَّ لِغَيْرِهِ ... وَكُلُّهُمُ فِي الْهَا عَلَى أَصْلِهِ تَلا أي: ضم الدال وسكن النون ثم ضم الهاء لغير شعبة، أما حكم الهاء في الضم والكسر والصلة فعلى ما عرف من أصولهم في باب هاء الكناية، فتكسر الهاء، وتصلها بياء في قراءة شعبة لأجل كسر ما قبلها، وتضم الهاء في قراءة غيره؛ لعدم الكسر قبلها، وابن كثير وحده يصلها بواو كما يقرأ "منهو" و"عنهو"، والباقون يضمون ولا يصلون كما يقرءون: "منه" وعنه. 834- وَقُلْ مِرْفَقًا فَتْحٌ مَعَ الكَسْرِ "عَمَّـ"ـهُ ... وَتَزْوَرُّ لِلشَّامِي كَتَحْمَرُّ وُصِّلا أي: عم مرفقا فتح في الميم مع الكسر في الفاء والباقون بعكس ذلك: كسروا الميم وفتحوا الفاء، وهما لغتان في مرفق اليد وفيما يرتفق به وقيل: هما لغتان فيما يرتفق به، أما مرفق اليد فبكسر الميم وفتح الفاء لا غير، "وتزور" ظاهر. 835- وَتَزَّاوَرُ التَّخْفِيفُ فِي الزَّايِ "ثَـ"ـاِبت ... "وَحِرْمِيُّـ"ـهُمْ مُلِّئْتَ فِي الَّلامِ ثَقِّلا أصله تتزاور فمن شدد أدغم التاء الثانية في الزاي ومن خفف حذفها كما مضى في نحو: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ} ، و"تَذَّكَّرُونَ" وهما وقراءة ابن عامر سواء؛ الكل بمعنى العدول والانحراف والتخفيف، والتشديد في "ملئت" لغتان ففي التشديد تكثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 836- بَوَرْقِكُمُ الإِسْكَانُ "فِـ"ـي "صَـ"ـفْوِ "حُـ"ـلْوِهِ ... وَفِيهِ عَنِ البَاقِينَ كَسْرٌ تَأَصَّلا يعني: أن الأصل كسر التاء، والإسكان تخفيف نحو كبد وفخذ، والورِق: الفضة، ويقال له: الرقة أيضا. 837- وَحَذْفُكَ لِلتَّنْوِينِ مِنْ مِائَةٍ شَفَا ... وَتُشْرِكْ خِطَابٌ وَهْوَ بِالْجَزْمِ "كُـ"ـمِّلا يريد ثلاثمائة سنين من حذف التنوين من مائة أضافها إلى سنين كما يقال ثلاثمائة سنة، وإنما أوقع الجمع موقع المفرد كقوله تعالى: {بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} 1. وقال الفرزدق: ثلاث مئين للملوك وفابها داري وقال آخر: وخمس ميء منها قسي وزائف ونحو ذلك نحو قول عنترة: فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا ... ... فلفظ الحلوبة يستعمل للواحد والجمع فلما وصفها هنا بالجمع في قوله: سود أشعر ذلك بأنه استعملها جمعا فيكون التمييز بالجمع في موضع المفرد وهو الأصل بدليل أن مميز العشرة فما دونها مجموع، وإنما أفرد فيما عدا ذلك اختصارا لما كثر المعدود قال الفراء: من العرب من يضع سنين في موضع سنة، أما من نون ثلاثمائة فسنين عنده إما تمييز منصوب كقوله: إذا عاش الفتى مائتين عاما ووجه جمعها ما سبق وإما أن يكون عطف بيان أو بدلا من ثلاث فهو على هذه الأوجه منصوب، وإما أن يكون عطف بيان أو بدلا من مائة فيكون مجرورا وقيل: البدل أجود من عطف البيان؛ لأن عطف البيان من النكرة غير سائغ عند البصريين؛ أي: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاث مائة، قال الزجاج: سنين عطف على ثلاث عطف البيان والتوكيد. قال: وجائز أن يكون سنين من نعت المائة وهو راجع في المعنى إلى ثلاث كما قال: فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا .... ... فجعل سودا نعتا لحلوبة وهو في المعنى نعت لجملة العدد وكذا قال أبو جعفر النحاس: الخفض رد على مائة؛ لأنها بمعنى مائتين، وقال الفراء: من نون وهو يريد الإضافة نصب سنين بالتفسير للعدد، ونقل الزمخشري في مفصله عن أبي إسحاق أنه قال: لو انتصب سنين على التمييز لوجب أن يكونوا قد لبثوا تسع مائة سنة فكأنه قصد بذلك الرد على الفراء وهو غير لازم؛ لأن قراءة الإضافة لا تشعر بذلك، وسنقرر ذلك في شرح النظم إن شاء الله وأما، ولا تشرك في حكمه أحدا، فقراءة ابن عامر بلفظ النهي وهو ظاهر، وقراءة الباقين على الإخبار على لفظ الغيبة؛ أي: ولا يشرك الله أحدا في حكمه، وقوله: خطاب؛ أي: ذو خطاب والله أعلم.   1 سورة الكهف، آية: 104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 838- وَفِي ثُمُر ضَمَّيْهِ يَفْتَحُ عَاصِمٌ ... بِحَرْفَيْهِ وَالإِسْكَانُ فِي الْمِيمِ حُصِّلا معنى الكلام في "ثُمُر" بضم الثاء والميم وفتحهما في سورة الأنعام، وزاد هنا إسكان الميم تخفيفا وكل ذلك لغات، وقوله: بحرفيه بمعنى موضعيه في هذه السورة: "وكان له ثمر"، "وأحيط بثمره"، وقد تقدم ذكر الذي في يس في سورة الأنعام، فثمر بضمتين جمع ثمار، وثمار جمع ثمرة، وثمر بفتحتين جمع ثمرة كبقر في جمع بقرة، وثمر بسكون الميم جمع ثمرة أيضا كبدنة وبدن، ويجوز أن يكون مخففا من مضموم الميم الذي هو جمع ثمار، ويجوز أن يكون المضموم الميم مفردا كعنق وطنب، وقيل: الثمرة بالضم المال وبالفتح المأكول وقيل: يقال في المفرد ثمرة بضم الميم كسمرة والله أعلم. 839- وَدَعْ مِيمَ خَيْرًا مِنْهُمَا "حُـ"ـكْمُ "ثَـ"ـابِتٍ ... وَفِي الوَصْلِ لكِنَّا فَمُدَّ "لَـ"ـهُ "مُـ"ـلا يريد خيرًا منهما منقلبا؛ أي: من الجنتين ومنها على إسقاط الميم رد على قوله: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} والميم ساقطة في الرسم من مصاحف العراق دون غيرها وعلى ذلك قراءة الفريقين، وحكم ثابت بالضم على تقدير هو حكم ثابت، ويجوز نصبه على أنه مصدر مؤكد نحو: {صِبْغَةَ اللَّهِ} و {صُنْعَ اللَّهِ} ، أما: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ} فأجمعوا على إثبات ألفه في الوقف واختلفوا في الوصل فأثبتها ابن عامر؛ إجراء للوصل مجرى الوقف وحذفها الباقون؛ لأن هذه الألف هي ألف أنا، وقد تقدم في سورة البقرة أنها تحذف في الوصل دون الوقف، ونافع أثبتها وصلا، وقيل: الهمزة خاصة قالوا: وأصل هذه الكلمة لكن أنا بإسكان النون من لكن وبعدها ضمير المتكلم منفصلا مرفوعا وهو أنا، فألقيت حركة همزة أنا على نون لكن فانفتحت وحذفت الهمزة فاتصلت النونان فأدغمت الأولى في الثانية وحذفت ألف أنا في الوصل على ما عرف من اللغة وثبت في الوقف، وخرجوا على هذا التقدير: قول الشاعر: وتقلينني لكنّ إياكِ لا أقلي أي: لكن أنا، قال الزجاج: إثبات ألف أنا في الوصل شاذ، ولكن من أثبت فعلى الوقف كما يثبت الهاء في قوله: "ماهيه" و"كتابيه". وأجاز أبو علي أن يكون الضمير المتصل بـ "لكن" مثل المنفصل الذي هو نحن نحو: لم يعننا فأدغمت نون لكن فيها فالألف ثابتة وقفا ووصلا؛ لأن ألف فعلنا لا تحذف، قال: وعاد الضمير على الضمير الذي دخلت عليه لكن على المعنى، ولو عاد على اللفظ لكان لكنا هو الله ربنا، قال الزجاج: فأما {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} فهو الجيد بإثبات الألف؛ لأن الهمزة قد حذفت من أنا وصار إثبات الألف عوضا من الهمزة، قال: وقرئ "لكن" بإسكان النون ولكنن بنونين بلا إدغام؛ لأن النونين من كلمتين، ولكننا بنونين وألف، قال: والجيد البالغ ما في مصحف أبي: "لكن أنا هو الله ربي"، فهذا هو الأصل، وجميع ما قرئ به جيد بالغ ولا أنكر القراءة بهذا، والأجود اتباع القراءة ولزوم الرواية؛ فإن القراءة سنة، وكلما كثرت الرواية في الحرف، وكثرت به القراءة فهو المتبع، وما جاز في العربية، ولم يقرأ به قارئ فلا نقر أن به فإن القراءة به بدعة وكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 ما قلت به الرواية وضعف عند أهل العربية فهو داخل في الشذوذ فلا ينبغي أن يقرأ به، قال أبو عبيد: وكتبت "لكنا"؛ يعني: بألف قال هكذا: ورأيتها في المصحف الذي يقال إنه الإمام مصحف عثمان، والفاء في قوله: فمد زائدة، وملا جمع ملاءة أشار إلى حججه وعلله، وقد سبق تفسيره. 840- وذكر تَكُنْ "شَـ"ـافٍ وَفِي الْحَقِّ جَرُّهُ ... عَلَى رَفْعِهِ "حَـ"ـبْرٌ "سَـ"ـعِيد "تَـ"ـأَوَّلا يريد: {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ} تذكير الفعل وتأنيثه ظاهران، أما: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} فجر الحق على أنه صفة لله، ورفعه على أنه صفة للولاية، والحق مصدر فالوصف به على تقدير: ذي الحق وذات الحق، ويشهد لقراءة الجر قراءة ابن مسعود -رضي الله عنه: "هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ وهُو الْحَق" وقوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} ويشهد لقراءة الرفع قراءة أُبَي: "هنالك الولاية لحق لله"، وقوله سبحانه: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} قال الفراء: والولاية المُلْك ولو نصب الحق على معنى حقا كان صوابًا. قال أبو علي: ومعنى وصف الولاية بالحق أنه لا يشوبها غيره، ولا يخاف فيها ما في سائر الآيات من غير الحق، وقول الناظم: وفي الحق جره مبتدأ وخبره ثم استأنف على رفعه حبر؛ أي: عالم سعيد نعت حبر تأول للرفع ما ذكرناه والله أعلم. 841- وَعُقْبًا سُكُونُ الضَّمِّ "نَـ"ـصُّ "فَـ"ـتىً وَيَا ... نُسَيِّرُ وَالَى فَتْحَهَا "نَفٌَ" مَلا يريد: {وَخَيْرٌ عُقْبًا} ضم القاف وإسكانها لغتان وهي العاقبة والعقبى والعقبة، ومعناها الآخرة، أما: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} فقرأه على البناء للمفعول نفر ملا، وهو جمع ملى وهو الثقة، ثم ذكر تمام تقييد القراءة فقال: 842- وَفِي النُّونِ أَنِّثْ وَالْجِبَالَ بِرَفْعِهِمْ ... وَيَوْمُ يقُولُ النُّونُ حَمْزَةُ فَضَّلا أنث؛ أي: اجعل دلالة التأنيث موضع النون وهي التاء، وإنما نص على النون؛ لتعلم قراءة الباقين، ولو لم يذكر ذلك لأخذ التذكير ضدا للتأنيث ورفع الجبال؛ لأنه مفعول فعل ما لم يسم فاعله وقرأ الباقون بالنون وكسر الياء ونصب الجبال؛ لأنه مفعول فعل مسند للفاعل وقد صرح بمعنى القراءة الأولى في: {سُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} 1، {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} 2، قد نسب السير إلى الجبال في: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا، وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} ، ويقوي النون في "نسير" قوله تعالى بعده: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ} والضمير في برفعهم عائد على نفر: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ} الياء فيه لله تعالى والنون للعظمة وفضلها حمزة فقرأ بها:   1 سورة النبأ، آية: 20. 2 سورة التكوير، آية: 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 843- لِمَهْلَكِهِمْ ضَمُّوا وَمَهْلِكَ أَهْلِهِ ... سِوى عَاصِمٍ وَالكَسْرُ فِي اللامِ "عُـ"ـوِّلا يريد ضم الميم في وجعلنا لمهلكهم موعدا: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} 1 في سورة النمل وكلهم سوى عاصم ضموا الميم وفتحوا اللام؛ لأنه؛ يعني: الإهلاك وفعله أهلك نحو: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 2 وعاصم فتح الميم فيكون من الهلاك وفعله هلك، والمصدر مضاف إلى الفاعل وعلى قراءة الضم إلى المفعول، ويجوز أن يكون المفتوح الميم بمعنى المضموم، فقد قيل: إن هلك استعمل لازما ومتعديا نحو رجع ورجعته، وفتح اللام مع فتح الميم قراءة أبي بكر عن عاصم وهي أشيع اللغتين وكسر اللام رواية حفص عن عاصم، ونظيره مرجع ومحيض، والفتح هو الباب والقياس، ومعنى عول جوز؛ أي: عول عليه. 844- وَهَا كَسْرِ أَنْسَانِيهِ ضُمَّ لِحَفْصِهِمْ ... وَمَعْهُ عَلَيْهِ اللهَ فِي الْفَتْحِ وَصَّلا أضاف ها إلى الكسر لما كان الكسر فيها وقصرها ضرورة ويجوز أن يكون من باب القلب لأمن الإلباس أراد وكسر هاء: "أَنْسَانِيهُ" ضم والضم هو الأصل في هاء الضمير على ما سبق تقريره في باب هاء الكناية وهذا حكم من أحكام ذلك الباب، ومثله ما يأتي في أول طه: {لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} 3، ووجه الكسر فيهما مجاورة الهاء للياء الساكنة والكسرة: نحو "فيه"، و"به"، وقوله: في آخر البيت وصلا ذكره الشيخ بفتح الواو والصاد؛ أي: وصله حفص بما قبله وبضم الواو وكسر الصاد؛ أي: وصل ذلك ونقل له: 845- لِتُغْرِق فَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ َيْبَةً ... وَقُلْ أَهْلَهَا بِالرَّفْعِ "رَ"اوِيهِ "فَـ"ـصَّلا يعني فتح ضم الياء وكسر الراء، وغيبة: حال؛ أي: ذا غيبة وفتح خبر: "لِتُغْرِقَ"؛ أي: هو مفتوح الضم والكسر في حال غيبته؛ أي: بالياء مكان التاء أسند الفعل إلى الأهل فارتفع الأهل بالفاعلية؛ أي: ليغرقوا، وفي القراءة الأخرى أسند الفعل إلى المخاطب فانتصب أهلها على أنه مفعول به واللام في "ليغرق" لام العاقبة على القراءتين ومعنى فصل بين والله أعلم. 846- وَمُدَّ وَخَفِّفْ يَاءَ زَاكِيَةً "سَـ"ـمَا ... وَنُونَ لَدُنِّي خَفَّ "صَـ"ـاحِبُهُ إِلَى   1 الآية: 49. 2 سورة يونس، آية: 13. 3 سورة الآية: 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 أراد "نفسا زاكية"، وكلتا القراءتين ظاهرة، الزاكي والزكي واحد، ومثل هاتين القراءتين ما سبق في المائدة؛ "قاسية"، "وقسية"، وقوله: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} تشديد نونه من جهة أن نون "لدن" ساكنة ألحق بها نون الوقاية؛ لتقي نونها من الكسر الواجب قبل ياء المتكلم في الحروف الصحيحة كما فعل ذلك في "مِنْ" و"عَنْ"؛ محافظة على سكونها فاجتمع نونان، فأدغمت نون "لدن" في نون الوقاية، ونافع لم يلحق نون الوقاية، فانكسرت نون "لدن"، وإذا كان قد حذفها من: "أَتُحَاجُّونِي"، "وتبشرون" مع كونها قد اتصلت بنون رفع الفعل فحذفها من هذا أولى، وإلى في آخر البيت واحد الآلاء وهي النعم، قال الجوهري: واحدها ألى بالفتح وقد تكسر وتكتب بالياء مثاله معي وأمعاء، وإعراب صاحبه مبتدأ وإلى خبره؛ أي: ذو إلى؛ أي: ذو نعمة، ويجوز أن يكون صاحب فاعل خف وإلى حال؛ أي: ذا نعمة، ثم بين قراء أبي بكر فقال: 847- وَسَكِّنْ وَأَشْمِمْ ضَمَّةَ الدَّالِ "صَـ"ـادِقًا ... تَخِذْتَ فَخَفِّفْ وَاكْسِرِ الْخَاءَ "دُ"مْ "حُـ"ـلا أي: سكن الدال تخفيفا كما تسكن عضد وسبع، وأهل هذه اللغة يكسرون نون لدن؛ لالتقاء الساكنين فلم يحتج شعبة إلى إلحاق نون الوقاية؛ لأن نون لدن مكسورة فلهذا جاءت قراءته بتخفيف النون، أما إشمامه ضمة الدال فللدلالة على أن أصلها الضم، وفي حقيقة هذا الإشمام من الخلاف ما سبق في "من لدنه" في أول السورة، وصرح ابن مجاهد هنا بما صرح به صاحب التيسير ثَم فقال: يشم الدال شيئا من الضم، وقال هناك: بإشمام الدال الضمة، وفسره أبو علي بأنه تهيئة العضو لإخراج الضمة، وصاحب التيسير قال هنا: أبو بكر بإسكان الدال وإشمامها الضم وتخفيف النون، وقال هناك: وإشمامها شيئا في الضم، ونقل الشيخ في شرحه عنه أنه قال: يجوز أن يكون هنا الإشارة بالضمة إلى الدال، فيكون إخفاء لا سكونا، ويدرك ذلك بحاسة السمع، وقال الشيخ: يشمها الضم على ما تقدم في: {مِنْ لَدُنْهُ} من الإشارة بالعضو. قلت: وجه اختلاس الضمة هنا أظهر منه هناك من جهة أن كسر النون هناك إنما كان؛ لالتقاء الساكنين فلو لم تكن الدال ساكنة سكونًا محضًا لم يحتج إلى كسر النون وبقيت على سكونها وهنا كسر النون؛ لأجل إيصالها بياء المتكلم كما أن نافعا يكسرها مع إشباعه لضمة الدال غير أن الظاهر أن قراءته في الموضعين واحدة، وقد بان أن الصواب ثم الإشارة بالعضو فكذا هنا والله أعلم. وأما: "لتخذت عليه أجرا" فخفف التاء وكسر الخاء ابن كثير وأبو عمرو، فيكون الفعل تخذ مثل علم، قال أبو عبيد: هي مكتوبة هكذا وهي لغة هذيل، وقرأ الباقون بتشديد التاء وفتح الخاء، فيكون الفعل اتخذ نحو: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} ، {وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} ، وذلك كثير في القرآن ماضيه ومضارعه نحو: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ} ، وتلك اللغة لم يأتِ مضارعها في القرآن ولا ماضيها في غير هذا الموضع، وإعراب قوله: دم حلا كإعراب دم يدا؛ أي: ذا حلا أو يكون تمييزا نحو: طب نفسًا، والله أعلم. 848- وَمِنْ بَعْدُ بِالتَّخْفِيفِ يُبْدِلَ هَهُنَا ... وَفَوْقَ وَتَحْتَ الْمُلْكِ "كَـ"ـافِيهِ "ظَـ"ـلَّلا أي: من بعد "لتخذت": {أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} ، وفوق الملك وتحتها؛ يعني: سورتي التحريم، ونون: {أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا} 1. فحذف الناظم المضاف إليه بعد فوق اكتفاء بذكره له بعد "تحت"، ومثله: بين ذراعي وجبهة الأسد، قال أبو علي: بدل وأبدل يتقاربان في المعنى كما أن نزّل وأنزل كذلك إلا أن بدل ينبغي أن يكون أرجح لما جاء في التنزيل من قوله: {لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} 2، ولم يجيء فيه الإبدال، وقال: وإذا بدلنا آية مكان آية: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} 3، {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} 4. وسيأتي ذكر الخلاف في الذي في سورة النور: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} 5. قال الشيخ والهاء في كافيه عائدة على يبدل بالتخفيف في المواضع الثلاثة وإنما ظلل؛ لأنه بإجماع من أهل العربية لا مطعن فيه؛ لأنه في المواضع الثلاثة تبديل الجوهرة بأخرى، وإنما تكلم النحاة في قراءة التشديد؛ لأنهم زعموا أن التشديد إنما يستعمل في تغير الصفة دون الجوهر. قلت: هذا قول بعضهم وليس بمطرد، وقد رده أبو علي، وقال المبرد: يستعمل كل واحد منهما في مكان الآخر والله أعلم. 849- فَأَتْبَعَ خَفِّفْ فِي الثَّلاثَةِ "ذَ"اكِرًا ... وَحَامِيَةً بِالْمَدِّ "صُحْبَتُـ"ـهُ "كَـ"ـلا أي: خفف الباء من: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} ، {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} ، {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} فهذا معنى قوله: في الثلاثة، والأولى أن يقرأ أول بيت الشاطبي: وأتبع خفف بالواو وتكون الواو للعطف أنث للفصل، ويقع في كثير من النسخ فأتبع بالفاء وليس جيدا؛ إذ ليس الجميع بلفظ فأتبع بالفاء إنما الأول وحده بالفاء والآخران خاليان منهما، ولم ينبه على قطع الهمزة ولا بد منه، فليته قال: وأتبع كل اقطع هنا خفف ذاكر؛ أي: كله وذهب التنوين؛ لالتقاء الساكنين والتخفيف والتشديد لغتان وهما بمعنى تبع كعلم قال الله تعالى: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} 6. في البقرة وقال في طه:   1 سورة القلم، آية: 32. 2 سورة يونس، آية: 64. 3 سورة البقرة، آية: 59. 4 سورة سبأ، آية: 16. 5 سورة النور، آية: 55. 6 سورة البقرة، آية: 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 {فَمَنِ اتَّبَعَ} وقال: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} 1، {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} 2، وهذه المواضع مجمع عليها، واختلف هنا وفي الذي في آخر الأعراف والشعراء، وقيل: "أتبَعَ" يتعدى إلى لمفعولين بدليل: {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} 3. فالتقدير: أتبع أمره سببا وقيل: اتبع الحق واتبع بمعنى، واختار أبو عبيد قراءة التشديد، قال: لأنها من المسير إنما هي افتعل من قولك: تبعت القوم، أما الإتباع بهمز الألف فإنما معناه اللحاق كقولك: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} ، {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ} ، ونحوه، واختار الفراء قراءة التخفيف فقال: "أتبع" أحسن من "اتبع"؛ لأن اتبعت الرجل إذا كان يسير وأنت تسير وراءه فإذا قلت: أتبعته فكأنك قفوته، قال أبو جعفر النحاس: وغيره الحق أنهما لغتان بمعنى السير، فيجوز أن يكون معه اللحاق وأن لا يكون. قلت: ومعنى الآية: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} ؛ أي: من أسباب كل شيء أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه سببا طريقا موصلا إليه، والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة، وآلة: فأراد بلوغ المغرب، {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} يوصله إليه: "حتى بلغ"، وكذلك أراد بلوغ المشرق، {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} ، وأراد بلوغ السدين {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} . هذه عبارة الزمخشري في ذلك، وقال أبو علي: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} بالخلق إليه حاجة سببا؛ أي: علما ومعونة له على ما مكناه فيه فاتجه في كل وجه وجهناه له، وأمرناه به للسبب الذي ينال به صلاح ما مكن منه وقوله:   1 سورة الصافات، آية: 10. 2 سورة الشعراء، آية: 60. 3 سورة القصص، آية: 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 "في عين حامية"، هذه القراءة بزيادة ألف بعد الحاء وبياء صريحة بعد الميم؛ أي: حارة من حميت تحمى فهي حامية، قال أبو علي: ويجوز أن تكون فاعلة من الحمأ، فخففت الهمزة بقلبها ياء محضة قلت: لأنها مفتوحة بعد مكسورة فإبدالها ياء وهو قياس تخفيفها على ما سبق في باب وقف حمزة، وفي هذا الوجه جمع بين معنى القراءتين كما يأتي ثم تمم الكلام في بيان هذه القراءة في البيت الآتي، وأخبر عن لفظ صحبة بقوله: كلا؛ أي: حفظ كما أخبر عنها فيما تقدم بقوله: تلا، وفي موضع آخر ولا؛ لأنه مفرد. 850- وَفِي الْهَمْزِ يَاءٌ عَنْهُمُ وَ"صِحَابُـ"ـهُمْ ... جَزَاءُ فَنَوِّنْ وَانْصِبِ الرَّفْعَ وَأَقْبَلا فالقراءة الأخرى بالقصر والهمز حمئة؛ أي: فيها الحمأة وهو الطين الأسود. وروي أن معاوية سأل كعبا: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال: في "ماء وطين"، وفي رواية: في "حمأة وطين"، وفي أخرى: في طينة سوداء، أخرجهن أبو عبيد في كتابه وروي في شعر تبع في ذي القرنين: فرأى مغيب الشمس عند مآبها ... في غير ذي خلب دثاط حرمد أي: في عين ماء ذي طين، وحمأ أسود، قال الزجاج: يقال حميت البئر فهي حمئة إذا صار فيها الحمأة، ومن قرأ حامية بغير همز أراد حارة، قال: وقد تكون حارة ذات حمأة؛ يعني: جمعا بين القراءتين، وقرأ مدلول صحاب: {فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} أي: فله الحسنى جزاء فجزاء مصدر منصوب في موضع الحال. المعنى: فله الحسنى مجزية أو مجزيا بها. والمراد بالحسنى على هذه القراءة الجنة، وقرأ الباقون بإضافة جزاء إلى الحسنى، قال الفراء: الحسنى حسناته فله جزاؤها، وتكون الحسنى الجنة، ويضيف الجزاء إليها وهي هو، كما قال: {دِينُ الْقَيِّمَةِ} ، و {وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ} ، وقال أبو علي: له جزاء الخصال الحسنة التي أتاها وعملها، واختار أبو عبيد قراءة النصب، وقال أبو علي: قال أبو الحسن: هذا لا تكاد العرب تتكلم مقدما إلا في الشعر وقول الناظم: وأقبلا أراد وأقبلن، فأبدل من نون التأكيد الخفيفة ألفا. 851- "عَلَى حَـ"ـقٍّ السُّدَّيْنِ سُدًّا "صِحَابُ حَقٍْ" ... الضَّمُّ مَفْتُوحٌ وَيس "شِـ"ـدْ "عُـ"ـلا رمز في المواضع الثلاثة لمن فتح السين فيها والفتح والضم لغتان فموضعان منها هنا: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} ، {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} والذي في يس موضعان: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} 1. أي: الضم مفتوح فيهما وفي يس، ولولا أن الخلاف في السين واقع بين الضم والفتح دون الرفع والنصب لكان قوله: على حق السدين وهما أنه بالضم لإطلاقه ويكون قوله: الضم مفتوح مختصا بـ "سدّا"، ولكن ما ذكره في الخطبة من قوله: وفي الرفع والتذكير والغيب مختص بالرفع والرفع غير الضم   1 سورة يس، آية: 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 على ما سبق بيانه هنالك وشد علا من شاد البناء إذا رفعه وطلاه بالشيد وهو الجص: وعلا: جمع عليا أو مفرد. 852- وَيَأْجُوجَ مَأْجُوجَ اهْمِزِ الكُلَّ "نَـ"ـاصِرًا ... وَفِي يَفْقَهُونَ الضَّمُّ وَالكَسْرُ "شـ"ـكِّلا يعني بالكل: هنا وفي الأنبياء، وهما اسمان أعجميان لطائفتين عظيمتين قيل: لا يموت الواحد منهم حتى يخلف من صلبه ألفا، ومصداق هذا من الحديث الصحيح لما ذكر نعت النار قال: "إن منكم واحدا ومن يأجوج ومأجوج ألفا"، وقيل: يأجوج اسم لذكرانهم ومأجوج اسم لإناثهم، وهما على أوزان كثير من أعلام العجمة، كطالوت وجالوت وداود وهاروت وماروت فالألف فيهما كالألف في هذه الأسماء، أما همز هذه الألف فلا وجه له عندي إلا اللغة المحكية عن العجاج أنه كان يهمز العالم والخاتم، وقد حاول جماعة من أئمة العربية لهما اشتقاقًا كما يفعلون ذلك في نحو: آدم ومريم وعيسى على وجه الرياضة في علم التصريف وإلا فلا خفاء أنها كلها أعجمية، وهذه طريقة الزمخشري وغيره من المحققين، وأقرب ما قيل في اشتقاقها أن يأجوج من الأج وهو الاختلاط وسرع العدو أو من أجيج النار فوزن يأجوج يفعول ومأجوج مفعول فيكون الهمز فيهما هو الأصل وتركه من باب تخفيف الهمز، وقيل: مأجوج من ماج يموج إذا اضطرب، ويشهد لهذه المعاني ما وصفهم الله تعالى به فإفسادهم في الأرض على وجه القهر والغلبة يشبه تأجج النار والتهابها عاصية على موقدها وكونهم: {مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} يناسب سرعة العدو، وكون: "بعضهم يموج في بعض" هو الاختلاط فالمانع لهما من الصرف هو العجمة مع العلمية، وإن قيل: هما عربيان فالتأنيث عوض العجمة؛ لأنهما اسمان لقبيلتين ويفقهون بفتح الياء والقاف؛ أي: لا يفقهون؛ لجهلهم بلسان من يخاطبهم وبضم الياء وكسر القاف لا يفهمون غيرهم قولا لعجمة ألسنتهم فالمفعول الأول محذوف نحو: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} أو الألف في شكلا للضم والكسر أي: جعلا شكلا في يفقهون: 853- وَحَرِّكْ بِها وَالمُؤْمِنينَ وَمُدَّهُ ... خَرَاجًا "شَـ"ـفَا وَاعْكِسْ فَخَرْجُ "لَـ"ـهُ "مُـ"ـلا خراجًا مفعول حرك؛ أي: بهذه السورة وبسورة المؤمنين أراد فتح الراء ومد ذلك الفتح فيصير ألفا والقراءة الأخرى بإسكان الراء؛ لأنه ضد التحريك، وإذا بطلت الحركة بطل مدها، والخرج والخراج واحد كالنول والنوال؛ أي: جعلا يخرج من الأموال فالذي هنا: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} ، والذي في المؤمنين: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا} 1، وقوله: واعكس فخرج؛ يعني: الثاني في سورة المؤمنين: {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} 2؛ أي: اقرأه لابن عامر وحده بالإسكان والقصر،؛ أي: ما يعطيه الله سبحانه خير مما يعطيه هؤلاء، فقد صار في حرفي المؤمنين ثلاث قراءات مدهما لحمزة والكسائي وقصرهما لابن عامر ومد الأول وقصر الثاني للباقين، أما مد الأول وقصر الثاني فلا والله أعلم وقد مضى معنى ملا وأنه جمع ملاءة وهي الملحفة ويمكن به الحجة؛ لأنها جبة وسترة:   1 و2 سورة المؤمنون، آية: 72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 854- وَمَكَّنَنِي أَظْهِرْ "دَ"لِيلًا وَسَكَّنُوا ... مَعَ الضَّمِّ فِي الصُّدْفَيْنِ عَنْ شُعْبَةَ الْمَلا دليلا حال من مكنني؛ أي: أظهره دليلا على أن القراءة الأخرى بالإدغام هذا أصلها النون الأولى من أصل الفعل والثانية نون الوقاية، فلما اجتمع المثلان ساغ الإدغام والإظهار، ورسم في مصحف أهل مكة بنونين وفي غيره بنون واحدة فكل قراءة على موافقة خط مصحف، وقال الشيخ: دليلا حال من الضمير في أظهر المرفوع أو المنصوب أو على أنه مفعول، وقوله: وسكنوا؛ يعني: المشايخ والرواة سكنوا الدال وضموا الصاد ناقلين ذلك عن شعبة، ووجه الإسكان التخفيف لاجتماع ضمتين كما في قراءة غيره كما يأتي وأضاف شعبة إلى الملا وهم الأشراف فلهذا جره وإلا فشعبة غير منصرف كذا ذكره الشيخ في شرحه، ويجوز أن يكون غير منصرف ولم يصفه إلى الملا، ويكون الملا فاعل وسكنوا على لغة أكلوني البراغيث، فيكون فيه من البحث ما في قوله تعالى: {عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} 1. وقوله سبحانه: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} 2. والملا ليس برمز مع شعبة؛ لأن الرمز لا يجتمع مع مصرح باسمه، ولكنه مشكل من جهة ما بعده فإن قوله: كما حقه رمز، ولا مانع من أن يكون الملا منضما إلى ذلك رمزا للقراءة الآتية إلا كونه أضاف شعبة إليه وفي ذلك نظر، وكان يمكنه أن يقول عن شعبة ولا والله أعلم. 855- "كَمَا حَقُّـ"ـهُ ضمَّاه وَاهْمِزْ مُسَكِّنًا ... لَدَى رَدْمًا ائْتُونِي وَقَبْلَ اكْسِرِ الوِلا الهاء في حقه وضماه للفظ الصدفين؛ أي: إنه يستحق في الأصل ضمين هذا معنى ظاهر اللفظ وباطنه أن ابن عامر وابن ثير وأبا عمرو قرءوا بضم الصاد والدال معا والكاف في كما نحو التي في قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ} 3. فما بعدها علة لما قبلها في الموضعين والضمان علة الإسكان، وقرأ الباقون وهم نافع وحمزة والكسائي وحفص بفتحهما فالفتح فيهما والضم لغتان والإسكان لغة ثالثة، والمعنى بالصدفين ناحيتا الجبلين المرتفعين المتقابلين وقوله: واهمز مسكنا؛ أي: ائت بهمزة ساكنة في لفظ "ردما، ائتوني"، وقد لفظ في نظمه بصورة القراءة المقصودة وكسر التنوين قبلها وهو المراد بقوله: وقبل اكسر؛ أي: وقبل هذا الهمز الساكن اكسر ما وليه ودنا منه وهو التنوين، وإنما كسره؛ لأنه التقى مع الهمز الساكن؛ أي: اكسر ذا الولاء يقال: والى ولاء   1 سورة المائدة، آية: 71. 2 سورة الأنبياء، آية: 21. 3 سورة الأنعام، آية: 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 وفعلته على الولاء؛ أي: شيئا بعد شيء، ووالى هذا هذا؛ أي: اتصل به، ويقع في بعض النسخ اكسروا بضمير الجمع ولا حاجة إليه، والإفراد أولى لقوله قبله: واهمز ويأتي وابدأ وزد في البيتين الباقيين، ووجه هذه القراءة أنها من أتى يأتي؛ أي: جيئوني بزبر الحديد وحذفت الباء فتعدى الفعل فنصب، قال أبو علي: "ايتوني" أشبه بقوله: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} ؛ لأنه كلفهم المعونة على عمل السد ولم يقبل الخراج الذي بذلوه له فقوله: "ائتوني" الذي معناه جيئوني إنما هو معونة على ما كلفهم من قوله: فأعينوني بقوة ثم ذكر من له هذه القراءة فقال: 856- لِشُعْبَةَ وَالثَّانِي "فَـ"ـشَا "صِـ"ـفْ بِخُلْفِهِ ... وَلا كَسْرَ وَابْدَأْ فِيهِمَا اليَاءَ مُبْدِلا الثاني قوله: {قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ} ، سكن الهمزة حمزة وعن شعبة خلاف، فكأنه في أحد الوجهين جمع بين القراءتين في الموضعين، وهذا الموضع الثاني ليس قبله تنوين ولا ساكن غيره، فلهذا قال: ولا كسر إنما قبله فتحة لام قال: والمعنى في الموضع الثاني كما سبق في الأول، والياء محذوفة من قطرا إن كان مفعوله، وإن كان قطرا مفعول أفرغ، فالتقدير: ائتوني بقطر أفرغه عليه فحذف الأول؛ لدلالة الثاني عليه ولم يحتج قطرا المذكور إلى باء؛ لأنه مفعول أفرغ فهذا بيان هذه القراءة في الموضعين في حال الوصل ثم شرع يبين الابتداء بالكلمتين على تقدير الوقف قبلها فقال: وابدأ فيهما؛ أي: في الموضعين بإبدال الباء من الهمزتين؛ لأن في كل موضع همزة ساكنة بعد كسر همزة الوصل، فوجب قلبها ياء كما يفعل في ائت بقرآن فهذا معنى قوله: 857- وَزِدْ قَبْلَ هَمْزِ الوَصْلِ وَالغَيْرُ فِيهِمَا ... بِقَطْعِهِمَا وَالْمِدِّ بَدْءًا وَمَوْصِلا أي: قبل هذه الياء المبدلة من الهمزة الساكنة زد همزة الوصل المكسورة؛ ليمكن النطق بالياء الساكنة قال الفراء: قول حمزة صواب من وجهين يكون مثل أخذت الخطام وأخذت بالخطام ويكون على ترك الهمزة الأولى في أتوني، فإذا سقطت الأولى همزت الثانية قلت: لهذا وجه آخر؛ لأن المقتضى لإبدال الثانية ألفا اجتماعها مع الأولى فإذا حذفت الأولى انهمزت الثانية، وهو مثل ما قيل في قراءة قالون "عادا الُاولى" في أحد الوجهين وينبغي على هذا الوجه إذا ابتدأت أن تقيد الهمزة المفتوحة التي حذفت فهي أولى من اجتلاب همزة وصل والله أعلم، ثم بين قراءة باقي القراء فقال: والغير؛ يعني: غير حمزة وشعبة، فيهما؛ أي: في الموضعين بقطعهما؛ أي: بقطع الهمزتين ولم يبين فتحهما؛ لأن فعل الأمر لا يكون فيه همزة قطع إلا مفتوحة ثم قال: والمد أي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 وبالمد بعد همزة القطع وبدأ وموصلا حالان؛ أي: هذه قراءة غيرهما بادئا وواصلا لا يختلف الحال في ذلك، ومعنى هذه القراءة من الإيتاء وهو الإعطاء فمعنى آتوني أعطوني وهو يحتمل المناولة والاتهاب، وقام الدليل على أنه لم يرد الاتهاب؛ لامتناعه عن أخذ الخرج فتعينت الإعانة بالمناولة وتحصيل الأدلة والله أعلم. 858- وَطَاءَ فَمَا اسْطَاعُوا لِحَمْزَةَ شَدّدُوا ... وَأَنْ يَنْفَدَ التَّذْكِيرُ "شَـ"ـافٍ تَأَوَّلا يريد: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} . أي: طاء هذه اللفظة فقيده بالفاء؛ لأن الذي بعده بالواو وطاء منصوب؛ لأنه مفعول شددوا والأصل استطاعوا فقراءة الجماعة بحذف التاء، وروي عن حمزة إدغامها في الطاء. قال ابن مجاهد: هو رديء؛ لأنه جمع بين ساكنين، وقال الزجاج: من قرأ بإدغام التاء في الطاء فلاحن مخطئ، زعم ذلك النحويون الخليل ويونس وسيبويه وجميع من قال بقولهم؛ لأن السين ساكنة، فإذا أدغمت التاء صارت طاء ساكنة، ولا يجمع بين ساكنين فإن قال: اطرح حركة التاء على السين فخطأ أيضا؛ لأن سين استفعل لم تحرك قط. قلت: إنما قال ذلك؛ لأنه لا يتحقق محض الإدغام إلا بتحريك السين. قال أبو جعفر النحاس: حكى أبو عبيد أن حمزة كان يدغم التاء في الطاء، ويشدد الطاء، قال أبو جعفر النحاس: ولا يقدر أحد أن ينطق به؛ لأن السين ساكنة والتاء المدغمة ساكنة، قال سيبويه: هذا محال، وقال الجوهري في باب روم: من جمع بين الساكنين في موضع لا يصح فيه اختلاس الحركة فهو مخطئ كقراءة حمزة فما اسطاعوا؛ لأن سين الاستفعال لا يجوز تحريكها بوجه من الوجوه وأما: {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} فلم يختلفوا في إظهار التاء فيها، أما التذكير في أن تنفد كلمات ربي والتأنيث فظاهران وتأولا تمييز. 859- ثَلاثٌ مَعي دُونِي وَرَبِّي بِأَرْبَعٍ ... وَمَا قيل: إِنْ شَاءَ الْمُضَافَاتُ تُجْتَلا ثلاث مبتدأ وهو مضاف إلى كلمة معي، وما بعد ثلاث عطف عليه، والمضافات خبر المبتدأ أو هو مبتدأ وثلاث خبره مقدم عليه؛ أي: الياءات المضافة في هذه السورة تجتلى؛ أي: تكشف في هذه الكلمات وهي معي ثلاث مواضع يريد: {مَعِيَ صَبْرًا} فتحهن حفص وحده، "مِنْ دُونِيَ أَوْلِيَاءَ" فتحها نافع وأبو عمرو، "وربي" في أربع كلمات: "قُلْ رَبِّيَ أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ"، "فَعَسَى رَبِّيَ أَنْ يُؤْتِيَنِ"، "بِرَبِّيَ أَحَدًا، وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ"، "بِرَبِّيَ أَحَدًا، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ" فتح الأربع الحرميان وأبو عمرو، وقوله: وما قبل إن شاء؛ أي: والذي قبل قوله: إن شاء الله وهو: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} فتحها نافع وحده فهذه تسع ياءات إضافة وفيها سبع زوائد: "المهتدي" أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو: "أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأَقْرَبَ"، "فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي"، "على أن تعلمني" أثبتهن في الوصل أيضا نافع وأبو عمرو، وأثبتهن في الحالين ابن كثير، "إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلّ" أثبتها في الوصل أبو عمرو، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 وقالون، وأثبتها في الحالين ابن كثير، {مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا} أثبتها في الحالين ابن كثير، وفي الوصل نافع وأبو عمرو والكسائي، {فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ} أثبتها الجميع في الحالين، واختلف عن ابن ذكوان في حذفها، وقلت في ذلك: زوائدها سبع فلا تسئلنّ أن ... تعلمني نبغي وإن ترني تلا ويهدِيَني ربي كذا المهتدي ومن ... ويؤتيَنِي خيرا فصادفت منهلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 سورة مريم : 860- وَحَرْفًا يَرِثْ بِالْجَزْمِ "حُـ"ـلْوٌ "رِ"ضىً وَقُلْ ... خَلَقْتُ خَلَقْنَا "شَـ"ـاعَ وَجْهًا مُجَمَّلا يريد: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ} الجزم على جواب: {هَبَ لِي} والرفع على أن يكون صفة "لوليا"؛ أي: وليا وارثا للعلم والنبوة ومثله: "فأرسله معي ردأ يصدقْني" يقرأ أيضا بالجزم والرفع والأقل على الجزم في يرث، وعلى الرفع في يصدقني، وأجمعوا على رفع: {أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا} 1. واستبعد أبو عبيد: قراءة الجزم: وقال: الذي يجزم يريد الشرط؛ أي: إنك إذا وهبت لي وليا ورثني، فكيف يخبر بهذا زكرياء ربه وهو أعلم به منه، وجوابه أن من يطلب من الأنبياء ولدًا من الله سبحانه لا يطلبه إلا صالحا فهذه الصفة مقدرة، فجزم بالوراثة بناء على ظاهر الحال نحو: {أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} . ثم وجه الجزم مراعاة لفظ الأمر، وإن لم تكن الوراثة لازمة من الهبة فهذا أقوى من الجزم في مثل: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، ونحوه، وقال أبو علي: أوقع العام موقع الخاص، وأراد بالولي وليا وارثا، وقول الناظم: حلو رضى خبر قوله: وحرفا، فإن قلتَ: الخبر مفرد والمبتدأ مثنى فكيف يسوغ هذا؟، قلتُ: من وجوه؛ أحدها: أن التقدير: ولفظ حرفي يرث بالجزم حلو فحذف المضاف وأقيم مقامه، والثاني: التقدير: كل واحد منهما حلو"، والثالث: تنزيل لحرفين منزلة حرف واحد، فكأنه قال: ويرث في الموضعين حلو، وأنشد النحاة على ذلك: وَكَأَنَّما في العَينِ حَبَّ قَرَنفُلٍ ... أَو سُنبُلاً كُحِلَت بِهِ فَاِنهَلَّتِ والرابع: مجموع قوله: حلو رضى خبر عن الحرفين؛ أي: هذا حلو وهذا رضى. ويلزم من اتصاف أحدهما بأحد الوصفين اتصافه بالآخر من حيث المعنى: فإن الحلو مرضى والمرضى حلو، ويجوز وجه خامس أن يكون بالجزم خبر حرفا؛ أي: مستقران بالجزم كما تقول: الزيدان بالدار، ثم قال: حلو؛ أي: الجزم فيهما حلو رضى. وأما: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ} بالتاء وبنون العظمة فظاهر، ونصب وجها على التمييز مجملا نعته.   1 سورة إبراهيم، آية: 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 861- وَضَمُّ بُكِيًّا كَسْرُهُ عَنْهُمَا وَقُلْ ... عِتيًّا صُلِيًّا مَعْ جُثِيًّا "شَـ"ـذَا "عَـ"ـلا أي: عن حمزة والكسائي ووافقهما حفص على كسر: "عتيا"، و"صليا"، و"جثيا"؛ فبكيا وجثيا جمعا باكٍ وجاثٍ، وعتيا وصليا مصدرا عتى وصلى، وأصل الجمع فعول، وبكيا وصليا لامهما ياء، ويجب إدغام واو فعول فيها؛ لأن اجتماع واو وياء وقد سبقت إحدهما بالسكون موجب لذلك بعد قلب الواو ياء، كقولهم: طيا وليا، فإذا انقلبت واو فعول ياء وجب كسر ما قبلها؛ لأن ياء ساكنة قبلها ضمة غير موجود في اللغة، فصار بكيا وصليا على لفظ قراءة الجماعة ومن كسر الياء والصاد فللاتباع، أما عتيا وجثيا فلامهما واو وقد رفضوا أن توجد واو متطرفة بعد متحرك، ولم ينظروا إلى حجز واو فعول ففعلوا فيه ما فعلوا في نحو أدل؛ كسروا ما قبل واو فعول فانقلبت ياء فلزم قلب الواو الثانية ياء ثم الإدغام فصار عتيا وجثيا، ومن كسر العين والجيم فللاتباع، وهذا الصنيع في الغالب واجب فيما كان جمعا نحو جثيا وغير لازم في المصادر نحو عتيا، فيجوز عتوا كقوله تعالى: {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} ، واختار أبو عبيد قراءة الضم وقال: هي أفصح اللغتين وأفخمها، وتقدير البيت كسر عتيا وما بعده على شذا؛ أي: ذو شذا عالٍ قال: وقد تقدم معنى شذا علا في مواضع وأن معنى الشذا الطيب أو نقية النفس. 862- وَهَمْزُ أَهَبْ بِاليَا "جَـ"ـرى "حُـ"ـلْوَ "بَـ"ـحْرِهِ ... بِخُلْفٍ وَنِسْيًا فَتْحُهُ "فَـ"ـائِزٌ "عُـ" ـلا يريد: {لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا} ؛ فالهمز للمتكلم، والياء للرب تعالى أو لرسوله، وإنما جاز نسبة الهبة إلى الرسول سواء كان بالهمزة والباء؛ لكونه أرسل لذلك، ويجوز أن تكون الباء بدلا من الهمزة؛ لأنها همزة مفتوحة بعد مكسور فقياس تخفيفها قلبها ياء نحو لئلا فيتفق معنى القراءتين ولفظهما؛ لأن الهمزة المخففة كالمحققة وقد كتبت في المصحف بالألف، وقوله: جرى حلو بحره عبارة حسنة والباء من أهب مفتوحة، ولكنه أدغمها في باء بالياء لما التقى المثلان كما يدغم أبو عمرو: "لذهب بسمعهم"، وهذا أولى من حمله على أنه أسكن المتحرك للضرورة، ونسيا بالفتح والكسر واحد، وهو الشيء الحقير ينسى، وقيل: ما أغفل من شيء حقير، وقيل: ما إذا ذكر لم يطلق والكل متقارب المعنى وعلا تمييز. 863- وَمِنْ تَحْتَهَا اكْسِرْ وَاخْفِضِ "ا"لدَّهْرَ "عَـ"ـنْ "شَـ"ـذًا ... وَخَفَّ تَسَاقَطْ "فَـ"ـاصِلًا فَتُحُمِّلا يريد: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 أي: اكسر الميم واخفض التاء؛ أي: ناداها المولود من تحتها، والقراءة الأخرى بالفتح والنصب؛ أي: ناداها الذي تحتها ونصب الدهر على الظرف كقوله: إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ وقوله: عن شذا؛ أي: عن ذي شذا، وفي لفظ "تساقط" قراءات كثيرة المشهور منها في طريقة الناظم ثلاث: "تسَّاقط" بتشديد السين والأصل يتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين هذه قراءة الجميع غير حمزة وحفص، أما حمزة فحذف التاء فخففت السين، وقراءة حفص في البيت الآتي، وقول الناظم: وخف تساقط تساقط فاعل خف وفاصلا حال من تساقط؛ يعني: أنه فصل بين المفعول وهو "رطبا"، وبين العامل فيه وهو "هزي"، وهذا قول المبرد في ما حكاه الزجاج وغيره عنه، ولهذا قال فتحملا؛ أي: تحمله النحويون عنه أو تحملوا ذلك وجوزوه؛ لخفته في الفصل، وقال الزمخشري: "رطبا" تمييز أو مفعول على حسب القراءة؛ يعني: على قراءة حفص ونحوها، ثم قال: وعن المبرد جواز انتصابه "بهزي" وليس بذاك، وقال أبو علي: فاعل تساقط النخلة أو جذعها ثم حذف المضاف فأسند الفعل إلى النخلة، ويكون سقوط الرطب من الجذع أنه لها، و"رطبا" منصوب على أنه مفعول به، ويجوز أن يكون فاعل تساقط ثمرة النخلة، و"رطبا" حال وإن لم يجر للثمرة ذكر فلفظ النخلة يدل عليها، والباء في "بجذع" زائدة مثل ألقى بيده، قال: ويجوز أن يكون المعنى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ} بهز جذع النخلة رطبا؛ أي: إذا هززت الجذع هززت بهزه رطبا فإذا هززت الرطب سقط قلت: يعني: هزي إليك رطبا بسبب هزك للجذع، وهذا تقرير المعنى الذي ذهب إليه المبرد والله أعلم. 864- وَبِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ وَالكَسْرِ حَفْصُهُمْ ... وَفِي رَفْعِ قَوْلِ الْحَقِّ نَصْبُ "نَـ"ـدٍ "كَـ"ـلا أي: ضم الياء وخفف السين وكسر القاف؛ أي: "تُسَاقِط" النخلة رطبا فرطبا مفعول به، ونصب قول الحق لى أنه مصدر مؤكد لقوله: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} ؛ أي: قلت قول الصدق؛ أي: قولا صدقا حقا، وقيل: هو نصب على المدح، والحق اسم الله تعالى، والرفع على تقدير هو قول الحق؛ أي: عيسى كلمة الله أو هذا الكلام قول الحق؛ أي: الصدق أو كلام الله الذي هو الحق المبين، وقوله: نصب ندٍ؛ أي: قارئ هذه صفته، يقال: فلان ند؛ أي: جواد، وكلا حفظ وحرث. 865- وَكَسْرُ وَأَنَّ اللهَ "ذَ"اكٍ وأَخْبَروا ... بِخُلْفٍ إِذَا مَا مُتُّ "مُـ"ـوفِينَ وُصَّلا الكسر على الاستئناف أو عطف على قوله: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 والفتح على تقدير: ولأن: {اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ} ، أو عطف على: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} ، وبأن: {اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ} ، وقوله: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} إلى قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} كلام معترض، وقوله: ذاك من ذكا الطيب يذكو إذا فاحت ريحه؛ أي: وجه الكسر بيِّن ظاهر، وأخبروا؛ يعني: الرواة باختلاف بينهم عن ابن ذكوان وموفين جمع موفٍ، ووصلا جمع واصل هما حالان من فاعل أخبروا يريد قوله تعالى: {أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ} . قراءة الجماعة بالاستفهام الذي يقال على وجه الإنكار، وهم على أصولهم في ذلك فيما يتعلق بتحقيق لهمزة الثانية، وتسهليها وإدخال الألف بين الهمزتين. وروي عن ابن ذكوان حذف همزة الإنكار، وهي مرادفة في المعنى وله نظائر، ومثل هذا يعبر عنه بالإخبار؛ لأنه على لفظ الخبر المحض، ويجوز أن يكون حكاية منه للفظ الذي قيل: له بعينه كما قال: لسوف، وليس بموضع تأكيد بالنسبة إلى حال هذا المنكر، وإنما كأنه قيل له: "لسوف تخرج حيا إذا ما مت"، فحكى هذا اللفظ منكرا له، وقد تقدم تقدير أن ضد الأخبار عند الناظم الاستفهام في سورة الأعراف والرعد والله أعلم. 866- وَنُنْجِي خَفِيفًا "رُ"ضْ مَقَامًا بِضَمِّهِ ... "دَ"نَا رءيًا ابْدِلْ مُدْغِمًا "بَـ"ـاسِطًا "مُـ"ـلا ذكر في هذا البيت ثلاثة أحرف "ننجي"، "مقاما"، "رئيا"، وننجي مفعول رض وخفيفا حال منه، ومقاما: مبتدأ، ورئيا: مفعول أبدل وفتح التنوين من رئيا بإلقاء حركة همزة أبدل عليه، ومدغما باسطا حالان من فاعل أبدل، وملا مفعول باسطا، وسبق تفسير ملا، والتخفيف والتشديد في: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} لغتان، وقد سبق ذكر ذلك في مواضع، والمقام بالضم الإقامة وموضعها وبالفتح القيام أو موضعه، والخلاف في هذه السورة في قوله تعالى: {خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} ، وسيأتي الخلاف في الذي بالأحزاب والدخان، ولا خلاف في ضم الذي في آخر الفرقان، أما رئيا في قوله: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} ، فأبدل قالون وابن ذكوان همزه ياء؛ لسكونه وكسر ما قبله كما يفعل حمزة في الوقف، فالتقى ياءان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 فأدغم الأولى في الثانية وهو أحد الوجهين لحمزة وقد سبق توجيههما في باب وقف حمزة، وضعف مكي وجه الإدغام نظرا إلى أن أصل الباء الهمزة، وكما أن حمزة لا يدغم "رئيا" إذا خفف همزها في الوقف، وواجب في غير ذلك إدغام الواو الساكنة قبل الياء، ويمكن الفرق بأن التقاء المثلين أثقل من التقاء واو وياء على أنه قد قيل في قراءة من لم يهمز وأدغم: إنها من الري، وهو يستعار لمن ظهر عليه أثر النعمة فلا يكون في الكلمة إبدال، ولذلك امتنع السوسي من إبدال همزها، وقد تقدم والله أعلم. 867- وَوُلْدَا بِها وَالزُّخْرُفِ اضْمُمْ وَسَكِّنَنْ ... "شِـ"ـفاءً وَفِي نُوحٍ "شَـ"ـفا حَقُّهُ وَلا هنا أربعة مواضع: {لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} ، {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} ، {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} ، {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} ، وفي الزخرف: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} 1. أي: ضم الواو وسكن اللام لحمزة والكسائي، والباقون بفتحهما وهما لغتان نحو: العرب والعرب والعجم والعجم، وقيل: ولدا بالضم جمع ولد بالفتح كأسد وأسد، ووافق ابن كثير وأبو عمرو لحمزة والكسائي على ضم الذي في نوح وهو: {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ} 2. وقوله: وسكنا أدخل نون التأكيد الخفيفة في فعل الأمر، ويجوز كتابتها بالألف اعتبارا بحالة الوقف عليها؛ فإنها بالألف، وشفا حال؛ أي: ذا شفاء، وولا في آخر البيت بالفتح وهو تمييز أو حال؛ أي: ذا ولاء، أو هو مفعول شفا، كما تقول: شفى الله فلانا؛ أي: شفى الحق ولاء، وذكر الشيخ أن ولا ههنا بالفتح والكسر. قلت: الكسر بعيد؛ فإنه سيأتي بعد بيت واحد "حلا صفوه"، ولا بالكسر فلا حاجة إلى تكرار القافية على قرب من غير ضرورة. 868- وَفِيها وَفِي الشُّورى يَكَادُ "أَ"تَى "رِ"ضا ... وَطَا يَتَفَطَّرْنَ اكْسِرُوا غَيْرَ أَثْقَلا التذكير والتأنيث في: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ} في السورتين أمرهما ظاهر سبقت أمثاله، ورضا حال؛ أي: أتى التذكير ذا رضى؛ أي: مرضيا،؛ لأن تأنيث السموات غير حقيقي وطا يتفطرن مفعول اكسروا، وقصره ضرورة، وقوله: غير أثقلا حال من الطاء؛ أي: غير مشدد أثقل بمعنى ثقيلا، ثم ذكر تمام تقييد القراءة فقال:   1 آية: 81. 2 سورة نوح، آية: 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 869- وَفي التَّاءِ نُون سَاكِنٌ "حَـ"ـجَّ "فِـ"ـي صَفـ"ـا" ... "كَـ"ـمَالٍ وَفِي الشُّورى "حَـ"ـلا "صَـ"ـفْوُهُ وَلا أي: وفي موضع التاء نون ساكن، فيصير ينفطرن مضارع انفطر، والقراءة الأخرى مضارع تفطر وانفطر وتفطر مطاوعا فطرته فطّرته وكلاهما بمعنى شققته، وفي التشديد معنى التكرير والتكثير والمبالغة، وأكثر ما جاء في القرآن مخففا نحو: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} 1، {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} 2، {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 3، ولكن هنا المقصود تعظيم أمر قولهم وتهويله، فناسب التشديد، والأكثر على التشديد في الشورى، لم يخفف غير أبي بكر وأبي عمرو، وولا في آخر البيت بالكسر ومعناه المتابعة وهو تمييز أو حال كما سبق في قوله: شفا حقه ولا، لكن لا يستقيم هنا أن يكون مفعولا به؛ لأن حلا فعل لازم بخلاف شفا في ذلك البيت، وصفا في قوله: صفا كمال ممدود وقصره الناظم ضرورة والله أعلم. 870- وَرَاءِيَ وَاجْعَلْ لِي وَإِنِّي كِلاهُما ... وَرَبِّي وَآتَانِي مُضَافَاتُهَا الوُلا فيها ست ياءات إضافة: "مِنْ وَرَائيَ وَكَانَتِ" فتحها ابن كثير وحده. "اجْعَلْ لِيَ آيَةً" فتحها نافع وأبو عمرو. "إِنِّيَ أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ"، "إِنِّيَ أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ" فتحهما الحرميان وأبو عمر. "سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيَ إِنَّهُ" فتحها نافع، وأبو عمرو. "آتَانِيَ الْكِتَابَ" سكنها حمزة وحده. وقوله: مضافاتها خبر قوله: "وراءي" وما بعده، والولاء جمع الولياء والولياء تأنيث الأولى؛ أي: الولا بالضبط والحفظ، ومعرفة الخلف فيها والله أعلم.   1 سورة الانفطار، آية: 1. 2 سورة المزمل، آية: 18. 3 سورة الشورى، آية: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 سورة طه : 871- لِحَمْزَةَ فَاضْمُمْ كَسْرَها أَهْلِهِ امْكُثُوا ... مَعًا وَافْتَحُوا إِنِّي أَنَا "دَ"ائِمًا "حُـ"ـلا قصر لفظ "ها" ضرورة، وقوله: معا؛ أي: هنا وفي القصص، وقد تقدم أن الضم هو الأصل في هاء الكناية، وإنما الكسر لأجل كسر ما قبلها، أما فتح: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} . فعلى تقدير: "نودي موسى" بكذا والكسر هنا أولى: وعليه الأكثر لقوله: يا موسى فصرح بلفظ النداء فكان الكسر بعده واضحا نحو: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ} 1، {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ} 2، وليس مثل الذي في آل عمران: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ} ، {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} ، فليس ثَم لفظ النداء، فأمكن تقدير فنادته بكذا، قال أبو علي: من كسر فلان الكلام حكاية كأنه نودي فقيل: "يا موسى إني أنا ربك"، فالكسر أشبه بما بعده مما هو حكاية، وذلك قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} ، وقوله: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} ، فهذه كلها حكاية فالأشبه أن يكون قوله: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} كذلك أيضا، وقول الناظم: دائما حال من مفعول افتحوا، وحلا تمييز؛ أي: دائما حلاه أو حال من فاعل دائما؛ أي: دائما ذا حلا، ويجوز أن يكون دائما نعت مصدر؛ أي: فتحا دائما والله أعلم.   1 سورة مريم، آية: 7. 2 سورة آل عمران، آية: 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 872- وَنُوِّنْ بِها وَالنَّازِعَاتِ طُوًى "ذَ"كَا ... وَفِي اخْتَرْتُكَ اخْتَرْناكَ "فَـ"ـازَ وَثَقَّلا طوى مفعول نون، ووجه تنوينه ظاهر؛ لأنه اسم وادٍ وهو مذكر مصروف، ومن لم ينونه لم يصرفه جعله اسما لبقعة أو لأرض أو هو معدول عن طاو تقديرا كعمر عن عامر. واختار أبو عبيد صرفه وقال: عجبت ممن أجرى سبا وترك إجراء طوى وذلك أثقل من هذا، وقرأ حمزة وحده: "وأنا اخترناك" بضمير الجمع في الكلمتين للتعظيم، والباقون: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} بضمير المتكلم المفرد، ومفعول قوله: وثقلا أول البيت الآتي؛ أي: شدد لفظ: "وأنا". 873- وَأَنَا وَشَامٍ قَطْعُ أَشْدُدْ وَضُمَّ فِي ابْـ ... ـتِدَا غَيْرِهِ واضْمُمْ وَأَشْرِكْهُ "كَـ"ـلْكَلا أي: وقراءة ابن عامر قطع همزة: "أشدد به أزري" قرأه بهمزة مفتوحة جعله فعلا مضارعا مجزوما على جواب الدعاء في قوله: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} . أي: أَشدُدُ أنا، ولزم فتح الهمزة؛ لأنها همزة متكلم من فعل ثلاثي كقولك: أضرب أنا وأخرج وأذهب، وقراءة الباقين على الدعاء، وهمزته همزة وصل مضمومة إذا ابتدئ بالكلمة ضمت وإذا وصلت الكلمة بما قبلها سقطت؛ لأنه أمر من فعل ثلاثي كما تقول: يا زيد اخرج وادخل، فهذا معنى قوله: وضم في ابتداء غيره؛ أي: ضم الهمزة وابن عامر يفتحها وصلا ووقفا؛ لأنها همزة قطع، أما: "وأشركه في أمري" فالقراءة فيه كما مضى من حيث المعنى بالعطف عليه فالهمزة في قراءة ابن عامر للمتكلم إلا أن فعلها رباعي فلزم ضم الهمزة كما لزم وأحسن؛ أي: أَشدُد أنا به أزري وأُشرِكه أنا أيضا في أمري، وقراءة الجماعة على أنه دعاء معطوف على "اشدد" طلب من الله سبحانه أن يشد به أزره وأن يشركه في أمره، ولفظ الأمر من الرباعي بفتح الهمزة وقطعها نحو: أكرم زيدا وأحسن إليه، قال أبو علي: الوجه الدعاء دون الإخبار؛ لأن لك معطوف على ما تقدمه من قوله: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} ، فكما أن ذلك كله دعاء فكذلك ما عطف عليه، فأما الإشراك فيبعد فيه الحمل على غير الدعاء؛ لأن الإشراك في النبوة لا يكون إلا من الله تعالى اللهم إلا أن يجعل أمره شأنه الذي هو غير النبوة، وإنما ينبغي أن تكون النبوة؛ لقوله: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} 1. وقوله: {كَيْ نُسَبِّحَكَ}   1 سورة القصص، آية: 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 كالجواب بعد هذه الأشياء التي سألها فأما أشدد به أزري فحمله على الإخبار أسهل، وقول الناظم كلكلا بدل من قوله: وأشركه بدل البعض من الكل والكلكل الصدر؛ أي: اضمم صدره وهو الهمزة. 874- معَ الزُّخْرُفِ اقْصُرْ بَعْدَ فَتْحٍ وَسَاكِنٍ ... مِهَادًا "ثَـ"ـوى واضْمُمْ سِوىً "فِـ"ـي "نَـ"ـدٍ "كَـ"ـلا أي: اقصر مهادا بعد فتح ميمه وإسكان هائه، فيصير مهدا هنا وفي سورة الزخرف: "الذي جعل لكم الأرض مهادا"1. ولا خلاف في التي في عم يتساءلون: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} 2؛ لتشاكل الفواصل. والمهد والمهاد: الشيء الممهد سموا المفعول بالمصدر كقوله في الدرهم: ضرب الأمير؛ أي: مضروبه، ومنه تسمية المكتوب كتابا، وفَعْل وفِعَال كلاهما مصدر ومنه مهد الصبي والفراش والبساط، قال أبو علي: المهد مصدر كالفرش والمهاد كالفراش في قوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} 3، {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا} 4، وهما اسم ما يفرش ويبسط قال: ويجوز أن يكون المهد استعمل استعمال الأسماء: فجمع كما يجمع فعل على فعال، ويجوز أن يكون المعنى ذا مهد فيكون في المعنى كقول من قال مبادا، ثم قال الناظم: واضمم سوى؛ يعني: "مكانا سوى"؛ أي: عدلا لا يكون أحد الفريقين فيه أرجح حالا من الآخر، قال أبو عبيد: يضم أوله ويكسر مثل طُوى وطِوى، قال أبو علي: سوى فعل من التسوية فكأن المعنى مكانا تستوي مسافته على الفريقين، وهذا بناء يقل في الصفات ومثله قوم عِدى، فأما فعل فهو في الصفات أكثر، وقوله: في ند كلا؛ أي: في قراءة جواد حفظه وحرسه من الطعن أو في مكان ند ذي كلاء؛ أي: كائنا في خصب يشير إلى ما قاله أبو علي: إن الضم أكثر في مثل هذا الوزن في الصفات من الكسر، واختار أبو عبيد قراءة الكسر قال: لأنها أفشى اللغتين، ثم بين قراءة الباقين؛ لأن الكسر ليس ضدا للضم، فقال: 875- وَيَكْسِرُ بَاقِيهِمْ وَفِيهِ وَفِي سُدىً ... مُمَالُ وُقُوفٍ فِي الأَصُولِ تَأَصَّلا ممال بمعنى إمالة، في هذين اللفظين: "سوى وسدى" إمالة في الوقف؛ لزوال التنوين المانع من إمالتهما وصلا، ثم قال: في الأصول تأصل؛ أي: تأصل ذلك وتبين في باب الإمالة من أبواب الأصول المقدمة قبل السور في قوله: "سوى وسدى" في الوقف عنهم؛ أي: عن صحبة أمالوهما إمالة محضة، وأبو عمرو وورش يقرآنهما بين اللفظين   1 آية: 10. 2 آية: 6. 3 سورة البقرة، آية: 22. 4 سورة نوح، آية: 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 كغيرهما من رءوس الآي، وإنما ذكر ذلك هنا تجديدا للعهد بما تقدم وزيادة بيان، وتأكيدا لذلك؛ لئلا يظن أن ضم السين مانع من الإمالة لحمزة وأبي بكر فقال أمر الإمالة على ما سبق سواء في ذلك من كسر السين وهو الكسائي ومن ضمها وهو حمزة وأبو بكر والله أعلم. 876- فَيُسْحِتَكمْ ضَمٌّ وَكَسْرٌ "صِحَابُـ"ـهُمْ ... وَتَخْفِيفُ قَالوا إِنَّ "عَـ"ـالِمُهُ "دَ"لا أي: ذو ضم في الياء وكسر في الحاء وصحابهم فاعل المصدر كأنه قال ضمه وكسره صحابهم: فقراءتهم من أسحت وفتح غيرهم الياء والحاء فقراءتهم من سحت وهما لغتان يقال سحته وأسحته إذا استأصله وخفف حفص وابن كثير إن من قوله سبحانه: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} ، وهذه قراءة واضحة جيدة غير محوجة إلى تكلف في تأويل رفع هذان بعدها؛ لأن إن إذا خففت جاز أن لا تعمل النصب في الاسم نحو: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ} 1، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا} 2، ويرتفع ما بعدها على الابتداء والخبر، واللام في الخبر هي الفارقة بين المخففة من الثقيلة وبين النافية؛ هذه عبارة البصريين في كل ما جاء من هذا القبيل نحو: {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} 3، {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} 4. والكوفيون يقولون: إن نافية واللام بمعنى إلا؛ أي: ما هذان إلا ساحران، وكذلك البواقي فعالم هذه القراءة دلا؛ أي: أخرج دلوه ملأى، فاستراح خاطره لحصول غرضه وتمام أمره، قال الزجاج: روي عن الخليل: "إن هذان لساحران" بالتخفيف، قال: والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} بالتخفيف قال: والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل. 877- وَهذَيْنِ فِي هذَانِ "حَـ"ـجَّ وَثِقْلُهُ ... "دَ"نا فَاجْمَعُوا صِلْ وَافْتَحِ الْميمَ "حُـ"ـوَّلا أي: وقرأ أبو عمرو "إن هذين" بنصب "هذين"؛ لأنه اسم "إن" فهذه قراءة جلية أيضا فلهذا قال: حج؛ أي: غلب في حجته لذلك ثم قال: وثقله دنا أي: أن ابن كثير شدد النون من هذان، وهذا قد تقدم ذكره في النساء، وإنما أعاد ذكره؛ تجديدا للعهد به وتذكيرا بما لعله نسي كما قلنا في "سوى وسدى"، أما قراءة   1 سورة يس، آية: 32. 2 سورة الطارق، آية: 4. 3 سورة الأعراف، آية: 66. 4 سورة يوسف، آية: 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 غير أبي عمرو وابن كثير وحفص فبتشديد إن وهذان بألف، قال أبو عبيد: ورأيتها أنا في الذي يقال إنه الإمام مصحف عثمان بن عفان بهذا الخط "هذان" ليس فيها ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في جميع ذلك المصحف بإسقاط الألف، فإذا كتبوا النصب والخفض كتبوهما بالياء ولا يسقطونها. قلت: فلهذا قرئت بالألف؛ إتباعا للرسم، واختارها أبو عبيد وقال: لا يجوز لأحد مفارقة الكتاب وما اجتمعت عليه الأمة، وقال الزجاج: أما قراءة أبي عمرو فلا أجيزها؛ لأنها خلاف المصحف، وكلما وجدت إلى موافقة المصحف سبيلا لم أجز مخالفته؛ لأن اتباعه سنة وما عليه أكثر القراء، ولكني أستحسن إن هذان بتخفيف إن وفيه إمامان: عاصم والخليل، وموافقة أُبَيٍّ في المعنى، وإن خالفه اللفظ، يروى عنه أنه قرأ: "ما هذان إلا ساحران"، وفي رواية: "إن ذان إلا ساحران" قال ويستحسن أيضا: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} ؛ لأنه مذهب أكثر القراء وبه يقرأ، قال: وهذا حرف مشكل على أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره. قلتُ: مدار الأقوال المنقولة عنهم في ذلك على وجهين؛ أحدهما: أن يكون هذان اسما؛ لأن، والآخر: أن يكون مبتدأ فإن كان اسما لـ "أن" فلا يتوجه إلا على أنه لغة لبعض العرب يقولون هذان في الرفع والنصب والجر كما يلفظون لسائر الأسماء المقصورة، كعصى وموسى، وكذا ما معناه التثنية نحو كلا إذا أضيف إلى الظاهر اتفاقا من الفصحاء وإلى الضمير في بعض اللغات، قال الزجاج: حكى أبو عبيد عن أبي الخطاب -وهو رأس من رؤساء الرواة- أنها لغة كانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون: آتاني الزيدانُ ورأيت الزيدانَ ومررت بالزيدانِ، ويقولون: ضربته من أذناه، ومن يشتري مني الحقان، قال: وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة بني الحارث بن كعب، وقال أبو عبيد: كان الكسائي يحكي هذه اللغة عن بني الحارث بن كعب وخيثم وزبيد وأهل تلك الناحية، وقال الفراء: أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث: فأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغًا لناباه الشجاع لصمما قال: وحكي عنه أيضا: هذا خط يدا أخي أعرفه. قال أبو جعفر النحاس: هذا الوجه من أحسن ما حملت عليه الآية؛ إذ كانت هذه اللغة معروفة قد حكاها من يُرتضى علمه وصدقه وأمانته منهم: أبو زيد الأنصاري وهو الذي يقال إذا قال سيبويه حدثني من أثق به فإنما يعنيه، وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة روى عنه سيبويه وغيره، وقال غيره هي لغة بني العنبر وبني الهجيم، ومراد وعذرة، وبعضهم يفر من الياء مطلقا في التثنية والأسماء الستة وعلى وإلى، قال الراجز: أي قلوص راكب تراها ... طاروا على هن فَطِرْ علاها إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها قال هوبز الحارثي أنشده الكسائي: تزود منا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 معناه وإلى موضع هابئ التراب؛ أي: ترابه مثل الهباء يريد به القبر ثم وصفه بأنه عقيم؛ أي: لا مسكن له بعده وأنشد غيره: كأن صريف ناباهُ إذا ما ... أمرَّهما ترنَّم أخطبان وقال أبو حاتم: قال أبو زيد: سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا فيقول: جئت إلاك وسلمت علاك، قلت: فإذا ثبتت هذه اللغة فقد وجهها النحاة بوجوه منها: ما يشمل جميع مواضع التثنية، ومنها ما يختص باسم الإشارة قيل: شبهت ألف التثنية بألف يفعلان فلم تغير، وقيل؛ لأن الألف حرف الإعراب عند سيبويه، وحرف الإعراب لا يتغير وقيل: الألف في هذان هي ألف هذا، وألف التثنية حذفت؛ لالتقاء الساكنين، وقيل: جعلوا هذان لفظا موضوعا للتثنية مبنيا على هذه الصفة كما قالوا في المضمر: أنتما وهما؛ لأن أسماء الإشارة أسماء مبنيات كالمضمرات فلم تعرب تثنيتهما، وقيل: فروا من ثقل الياء إلى خفة الألف لما لم يكن هنا على حقيقة التثنية بدليل أنه لم يقل ذيان كما يقال: رحيان وحبليان، وقال الفراء: الألف من هذا دعامة وليست بلام فعل، فلما ثنيته زدت عليها نونا ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول في كل حال كما قالت العرب الذي ثم زادوا نونا تدل على الجمع فقالوا الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كذا تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه، قلت: وإنما اكتفوا بالنون في هذين الضربين؛ لأنها لا تحذف لإضافة، ولما كانت النون تحذف من غيرهما للإضافة احتاجوا إلى ألف تبقى دلالة على التثنية، قال: وكنانة تقول ألذون، وقال النحاس: سألت أبا الحسن بن كيسان عنها فقال: سألني عنها إسماعيل بن إسحاق فقلت: لما كان يقال هذا في موضع النصب والخفض والرفع على حال واحد وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد. قلت: هذه سبع أوجه صالحة لتعليل لغة من لا يقلب ألف هذا وهي مفرقة في كتب جماعة من المصنفين يوردونها على أنها وجوه في الاحتجاج لهذه القراءة وليست الحجة إلا في كونها لغة لبعض العرب؛ إذ لو لم يثبت كونها لغة لما ساغ لأحد برأيه أن يفعل ذلك لأجل هذه المعاني أو بعضها، فترى بعضهم يقول في تعليل هذه القراءة خمسة أقوال وبعضهم يقول ستة وبعضهم بلغ بها تسعة وليس لها عندي إلا ثلاثة أقوال ذكرنا منها قولا واحدا وهو أنها على لغة هؤلاء القوم ووجهنا هذه اللغة بوجوه سبعة وهذان فيها كلها اسم؛ لأن القول الثاني أن تكون أن بمعنى نعم، وقد ثبت ذلك في اللغة كأنهم لما: {تَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} أفضى بعضهم إلى بعض ذلك فقال المخاطبون: نعم، هو كما تقولون أو قال لهم فرعون وملؤه: {هَذَانِ لَسَاحِرَان} . فانظروا كيف تصنعون في إبطال ما جاءا به فقالوا: نعم ثم استأنفوا جملة ابتدائية فقالوا: "هذان إن لساحران" وهذا القول محكي عن جماعة من النحاة المتقدمين، قال النحاس: وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 ابن إسحاق يذهبان، قال: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. قلت: وهذا القول يضعفه دخول اللام في خبر المبتدأ فأنشدوا على ذلك أبياتا وقع فيها مثل ذلك، واستنبط الزجاج لها تقديرا آخر وهو: "لهما ساحران" فتكون داخلة على مبتدأ ثم حذف للعلم به، واتصلت اللام بالخبر دلالة على ذلك قال: وكنت عرضته على عالمنا محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن يزيد؛ يعني: القاضي فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا، وقال أبو علي: هذا تأويل غير مرتضًى عندي؛ إذ يقبح أن يذكر التأكيد ويحذف تفسير المؤكد، أو شيء من المؤكد. القول الثالث: قال الزجاج: النحويون القدماء، الهاء ههنا مضمرة، المعنى: "إنه هذان لساحران"؛ يعني "إنه" ضمير الشأن والجملة بعده مبتدأ وخبر وفيه بعد من جهة اللام كما سبق ومن جهة أخرى، وهي حذف ضمير الشأن فذلك ما يجيء إلا في الشعر، ومنهم من قال ضمير الشأن والقصة موجود وهو أنها ذان فيكون اسم الإشارة خاليا من حرف التنبيه ولكن هذا يضعفه مخالفة خط المصحف، فبان لمجموع ذلك ضعف هذه القراءة؛ فإنها إن حملت على تلك اللغة فهي لغة مهجورة غير فصيحة، ولأن لغة القرآن خلافها بدليل قوله تعالى: {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} ، وجميع ما فيه من ألفاظ التثنية؛ فإنها إنما جاءت على اللغة الفصيحة التي في الرفع بالألف وبالياء في النصب والجر، وإن حملت على "أن"، "إن": بمعنى نعم فهي أيضا لغة قليلة الاستعمال ويلزم منه شذوذ إدخال لام التوكيد في الخبر كما سبق، وإن حملت على حذف ضمير الشأن فهو أيضا ضعيف ويضعفه أيضا اللام في الخبر وقراءة هذين بالياء ووجهها ظاهر من جهة اللغة الفصيحة لكنها على مخالفة ظاهر الرسم، فليس الأقوى من جهة الرسم واللغة معا إلا القراءة بتخفيف إن ورفع هذان، والله المستعان، وقول الناظم: فأجمعوا صل؛ أي: ائت بهمزة الوصل في قوله تعالى: "فاجمعوا كيدهم" وافتح الميم فهو موافق لقوله: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} المتفق عليه، وقراءة الباقين بهمزة قطع وكسر الميم من أجمع أمره إذا أحكم وعزم عليه وكلاهما متقارب، والذي في يونس بالقطع: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} ، وحولا حال وهو العارف بنحو الأمور والله أعلم. 878- وَقُلْ سَاحِرٍ سِحْرٍ "شَـ"ـفَا وَتَلَقَّفُ ارْ ... فَعِ الْجَزْمَ مَعْ أُنْثى يُخَيَّلُ "مُـ"ـقْبِلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 يريد: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} ؛ أي: الذي صنعوه كيد من صانعة السحر، وقرأ حمزة والكسائي "كيد سحر" على تقدير "كيد من سحر"، أو "كيد لسحر" نحو باب ساج وضرب زيد، والتقدير: "كيد ذي سحر" أو عبر عن الساحر بالسحر مبالغة، فيتحد معنى القراءتين: {تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا} . الرفع على الاستئناف أو في موضع الحال المقدرة من فاعل ألقى أو مفعوله، فالتاء للخطاب على الأول، وللتأنيث على الثاني، وإنما أنث والمفعول هو ما بمعنى الذي اعتبارا بالمدلول وهو العصا، وجزم تلقف على جواب الأمر وهي قراءة الجماعة، ولم يرفع غير ابن ذكوان وحده وهو الذي قرأ تخيل إليه بالتأنيث، فقول الناظم: "مقبلا" رمز للحرفين تلقف وتخيل، ومقبلا حال من فاعل ارفع، وأقام قوله: أنثى مقام تأنيثًا إقامة للاسم مقام المصدر، وهو استعمال بعيد في مثل هذا أو أراد مع كلمة أنثى؛ أي: مؤنثة، ثم بينها بقوله: تخيل؛ أي: هي تخيل، وجعلها أنثى لما كان التأنيث فيها، ووجه التأنيث أن يكون الضمير في "تخيل" للحبال والعصى، ويكون قوله: {أَنَّهَا تَسْعَى} بدل اشتمال منه وعلى قراءة التذكير يكون قوله: {أَنَّهَا تَسْعَى} ، وهو مرفوع تخيل؛ أي: تخيل إليه سعيها: 879- وَأَنْجَيْتُكُمْ وَاعَدْتُكُمْ مَا رَزَقْتُكُمْ ... "شَـ"ـفَا لا تَخَفْ بِالْقَصْرِ وَالْجَزْمِ "فُـ"ـصِّلا يريد: {قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ} ، {يَا بَنِي إِسْرائيلَ} ، {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} الكل بنون العظمة في قراءة الجماعة، وقرأ الثلاثة؛ حمزة والكسائي بتاء المتكلم على ما لفظ به الناظم، ولم يبين القراءة الأخرى لظهور أمرها، وأجمعوا على النون في قوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} ، وهو متوسط بين هذه الكلم وبه احتج أبو عمرو في اختيار قراءته، ووافقه أبو عبيد على صحة الاحتجاج، ووجه قراءة التاء قوله بعد ذلك: {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} ، ولم يقل غضبنا، وكل ذلك من باب الالتفات وتلوين الخطاب، وهو باب من أبواب الفصاحة معروف في علم البيان، وقرأ حمزة وحه: {لا تَخَافُ دَرَكًا} بالجزم على جواب الأمر، وهو قوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا} 1. أي: إن تضرب لا تخف، ويجوز أن يكون استئناف نهيٍ، ولما سكنت الفاء للجزم سقطت الألف من "تخاف"؛ لالتقاء الساكنين فعبر الناظم بالقصر عن حذف الألف وبالجزم عن سكون الفاء، وقرأ غير حمزة لا تخاف بإثبات الألف ورفع الفاء وهو في موضع الحال؛ أي: اضرب غير خائف ولا خاشٍ أو يكون مستأنفًا؛ أي: لست تخاف ولا تخشى، وعلى قراءة الجزم يكون "ولا تخشى" بعده منقطعا أو مشيع الفتحة لأجل الفاصلة والله أعلم. 880- وَحا فَيَحِلَّ الضَّمُّ فِي كَسْرِهِ "رِ"ضًا ... وَفِي لامِ يَحْلِلْ عَنْهُ وَافَى مُحَلَّلا يريد: {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ} 2 قرأهما الكسائي بضم الحاء من حل يحل إذا نزل وغيره بالكسر من حل يحل إذا وجب من حل الدين يحل، وقد أجمعوا على كسر: {أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} 3، {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} 4. وعلى ضم: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} 5. وأشار بقوله: "وافى محللا" إلى جوازه وفاعل وافى ضمير عائد على الضم في كسره؛ أي: وافى ذلك في لام يحلل أيضا. 881- وَفي مُلكِنا ضَمٌّ "شَـ"ـفَا وَافْتَحُوا "أُ"ولِي ... "نُـ"ـهَى وَحَمَلْنا ضُمَّ وَاكْسِرْ مُثَقِّلا يريد: {مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ} ضم الميم حمزة والكسائي وفتحها نافع وعاصم وكسرها الباقون فالملك بالضم السلطان وبالفتح مصدر ملك وبالكسر ما حازته اليد،؛ أي: بسلطاننا أو بأن ملكنا أمرنا أو باختيارنا، واختار أبو عبيد قراءة الكسر واستبعد الضمة وقال:؛ أي: ملك كان لبني إسرائيل يومئذ وقوله: "أولي نهى"؛ أي: أصحاب عقول وهو حال من فاعل افتحوا أو منادى على حذف حرف النداء، وحملنا وحملنا بضم الحاء وكسر الميم وتشديدها ظاهران والله أعلم: 882- "كَـ"ـمَا "عِـ"ـنْدَ "حِرْمِيٍّ" وَخَاطَبَ تَبصِرُوا ... "شَـ"ـذَّا وَبِكَسْرِ اللامِ تُخْلِفَهُ "حَـ"ـلا   1 سورة طه، آية: 77. 2 سورة طه، آية: 81. 3 سورة الزمر، آية: 40. 4 سورة الرعد، آية: 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 هؤلاء هم الذين قرءوا حملنا بالضم والتشديد:؛ أي: افعل كما في مذهب هؤلاء في هذا الحرف، والغيبة في يبصروا به لبني إسرائيل والخطاب لأجل قوله: فما خطبك وتبصروا فاعل خاطب لما كان الخطاب فيه وشذا حال،؛ أي: ذا شذا، ثم قال وتخلفه حلا بكسر اللام؛ أي: لا يقدر على إخلافه وبفتح اللام؛ أي: لا يخلفك الله إياه ثم قال: 883- دُرَاكِ وَمَعْ يَاءِ بِنَنْفُخُ ضَمُّهُ ... وَفي ضَمِّهِ افْتَحْ عَنْ سِوى وَلَدِ الْعُلاِ دراك؛ أي: أدرك، ومراده لحق بمن سبق وهو رمز لابن كثير على كسر لام لن تخلفه ثم ذكر: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} ، قرأه أبو عمرو بالنون على إسناد الفعل إلى الله تعالى بنون العظمة؛ أي: نأمر بالنفخ فيه فهو موافق لقوله: بعده وعشر وقرأ الباقون بياء مضمومة، وفتح الفاء على أنه فعل ما لم يسم فاعله، والهاء في ضمه الأولى للياء وهو مبتدأ وما قبله خبره كما تقول: مع زيد بالدار غلامه، والهاء في ضمه الثانية للفظ بنفخ يريد ضم الفاء والله أعلم. 884- وَبِالْقَصْرِ لِلْمَكِّي وَاجْزِمْ فَلا يَخَفْ ... وَأَنَّكَ لا فِي كَسْرِهِ "صَـ"ـفْوَةُ "ا"لْعُلا يريد: {فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} الجزم على نهي الغائب والرفع على الإخبار ولا خلاف في الذي في سورة الجن: {فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا} 1 أنه مرفوع: "وإنك لا تظمؤ" بالكسر عطف على: "إن لك أن لا تجوع"، وإن لك أن لا تظمأ ... وبالفتح عطف على أن لا تجوع، ولا يلزم من ذلك إدخال إن المكسورة على المفتوحة؛ لأن هذا هنا تقدير، ولأن لك قد فصل بينهما والله أعلم. 885- وَبِالضَّمِّ تُرْضَى "صِـ"ـفْ "رِ"ضًا يَأْتِهِمْ مُؤَ ... نَّثٌ "عَـ"ـنْ "أُ"ولِي "حِـ"ـفْظٍ لَعَلِّي أَخِي حُلا ييد "لعلك" بضم التاء وفتحها ظاهر وكذا: "أولم يأتهم بينة" بالتاء والياء؛ لأن تأنيث بينة غير حقيقي،؛ أي: صف ترضى بالضم إذا رضي ويأتهم مؤنث عن أصحاب حفظ؛ أي: منقول عن العلماء الحفاظ، ثم ذكر ياءات الإضافة وهي ثلاث عشرة في هذه السورة لعلي آتيكم فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر: "أخيَ، اشدد" فتحها ابن كثير وأبو عمرو، وقوله: حلا؛ أي: ذو حلا أو يكون أخبر بلفظ الجمع عن الاثنين؛ لأنهما أقل الجمع على الرأي المختار.   1 آية: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 886- وذكري مَعًا إِنِّي مَعًا لِي مَعًا حَشَرْ ... تَنِي عَيْنِ نَفْسِي إِنَّنِي رَاسِيَ انْجَلا يعني: "وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِيَ، إِنَّ السَّاعَةَ" فتحها نافع وأبو عمرو. "في ذكريَ اذهبا"، إنيَ آنست نار"، "إنيَ أنا ربك"، "ليَ أمري"، "لنفسيَ اذهب"، "إننيَ أنا الله" فتح الستة هذه الحرميان وأبو عمرو. {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ} فتحها ورش وحفص، "حَشَرْتَنِيَ أَعْمَى" فتحها الحرميان. "على عينيَ، إذ تمشي"، "ولا برأسي إنيَ خشيت" فتحهما نافع وأبو عمرو، وحذف الياء من عيني ضرورة، وفيها زائدة واحدة: "أن لا تتبعني أفعصيت" أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير. وقلت في ذلك: فتلك ثلاث بعد عشر وزائد ... بتتبعني الآت من بعد لفظ لا أي: الذي أتى من بعد لفظ لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 سورة الأنبياء : 887- وَقُلْ قال "عَـ"ـنْ "شُـ"ـهْدٍ وَآخِرُهَا "عَـ"ـلا ... وَقُلْ أَوَلَمْ لا وَاوَ "د"ارِيهِ وَصَّلا أي: مقروء قال: يريد: "قل ربي يعلم القول" قرأه حمزة والكسائي وحفص على رسمها في مصاحف الكوفة دون غيرهم وفي آخر السورة: "قل رب احكم بالحق"، قرأه حفص وحده قال؛ أي: قال الرسول وقل أمر له بذلك، ولما أمر به قاله، والواو في أولم ير الذين كفروا لم تكتب في مصاحف أهل مكة فلم تثبت في قراءة ابن كثير وفائدتها العطف، ومعنى داريه وصلا؛ أي: عالمه وصله؛ أي: نقله وعلمه والله أعلم. 888- وَتُسْمِعُ فَتْحُ الضَّمِّ وَالكَسْرِ غَيْبَةً ... سِوَى اليَحْصَبِي وَالصُّمَّ بِالرَّفْعِ وُكِّلا يريد: {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} قراءة ابن عامر على الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلزم أن تكون التاء مضمومة والميم مكسورة؛ لأنه مضارع اسمع، ونصب لفظ الصم؛ لأنه مفعول به وغيره جعل الصم فاعلا فرفعه وأسند نفي السماع إليه، فلزم فتح ضم الياء وكسر الميم؛ لأنه مضارع سمع، ولزم أن يكون أوله ياء على الغيبة فقوله: غيبة؛ أي: ذا غيبة. 889- وَقَالَ بِهِ فِي النَّمْلِ وَالرُّومِ "دَ"ارِمٌ ... وَمِثْقَالُ مَعْ لُقْمَانَ بِالرَّفْعِ "أَ"كْمِلا به؛ أي: بما ذكرناه دارم؛ أي: شيخ معمر، وقد سبق معناه في سورة النساء؛ يعني: أن ابن كثير وحده قرأ في مثل هذا في النمل والروم بما قرأ به الجماعة هنا ووافق الباقون لابن عامر على ما قرأ به وحده هنا، أما: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} وفي لقمان: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} 1، فرفعه نافع وحده في الموضعين على أن "كان" تامة كما قرأ هو وابن كثير في سورة النساء: "وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا"2، وكما أجمعوا على: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} ، والنصب على أنه خبر كان، والتقدير: وإن كان الشيء مثقال حبة وفي لقمان: تك المظلمة مثقال، وعلى قراءة نافع يكون تأنيث الفعل على المعنى؛ لأن المثقال سيئة أو حسنة كما قال: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} 3. بقوله: بالرفع أكملا إلى أن الجملة على قراءة الرفع لا تحتاج إلى تقدير اسم لكان والله أعلم.   1 آية: 16. 2 آية: 40. 3 سورة الأنعام، آية: 160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 890- جُذَاذًا بِكَسْرِ الضَّمِّ "رَ"اوٍ وَنُونُهْ ... لِيُحْصِنَكُمْ "صَـ"ـافي وَأُنِّثَ "عَـ"ـنْ "كِـ"ـلا أي: قرأه راوٍ فالمكسور جمع جذيذ بمعنى مجذوذ كخفاف وكرام في جمع خفيف وكريم والمضموم جمع جذاذة كزجاجة وزجاج، وقيل: الضم واحد في معنى الجمع كالرفاة والفتاة، وهذا بناء ما كسر وفرقت أجزاؤه وقيل: هما لغتان، قال أبو علي: جذاذ الشيء إذا قطعته ومثل الجذاذ الحطام والرفات والضم في هذا النحو أكثر والكسر فيما زعموا لغة وهي قراءة الأعمش، وقرأ أبو بكر وحده: "لنحصنكم من بأسكم" بالنون لقوله: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} ، فهي نون العظمة، وقرأه حفص وابن عامر بالتاء تأنيثا للفعل على الحمل على المعنى؛ أي: ليحصنكم اللبوس؛ لأن المراد بها الدروع، أو التقدير: لتحصنكم الصنعة، وقرأ الباقون بالياء على التذكير؛ أي: ليحصنكم الله تعالى أو داود أبو اللبوس؛ لأنه بمعنى ملبوس أو التعليم الذي دل عليه "وعلمناه"؛ كل ذلك قد قيل، وهو صحيح، واختار أبو عبيد قراءة الياء، قال: لأن اللبوس أقرب إلى الفعل وهو ذكر فكان أولى به، وقول الناظم: ونونه على تقدير ولنحصنكم نونه صافي على التقديم والتأخير ومثله ما سبق في يونس وبنونه ونجعل صف؛ أي: ونجعل صف بنونه، ويجوز أن يكون لنحصنكم ونجعل كلاهما بدلا من الهاء كما تقول: ضربته زيدا، واضمر ذلك على شريطة التفسير تفخيما له وصافا فعل من المصافاة، وقراءة الجماعة بالياء يجوز أن نأخذها من كونها تذكيرا فهو ضد للتأنيث إن عادت على اللبوس، ويجوز أن نأخذها من الضد للنون إن عادت على الله سبحانه أو على داود -عليه السلام- أو على التعليم، وإنما لم يقل: وبالتاء عن كلا؛ لئلا يشتبه بلفظ الياء. 891- وَسَكَّنَ بَيْنَ الكَسْرِ وَالقَصْرِ "صُحْبَةٌ" ... وَحِرْمٌ وَنُنْجِي احْذِفْ وَثَقِّلْ "كَـ"ـذِي "صِـ"ـلا وحرم مفعول وسكن؛ أي: صحبة راء هذا اللفظ وقبله كسر الحاء وبعده حذف الألف، وهو المعبر عنه بالقصر وقراءة الباقين وحرام بفتح الحاء والراء وإثبات الألف "وحرم" وحرام لغتان كحل وحلال يريد قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} ، أما: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} ، فكتبت في المصحف بنون واحدة، فقرأه ابن عامر وأبو بكر كذلك، فهذا معنى قوله: احذف؛ أي: احذف نونه الثانية كما قال في سورة يوسف: وثانٍ نُنَجِّ احذف وكلا الموضعين كتب بنون واحدة، وقوله: وثقل؛ يعني: شدد الجيم وباقي القراء بنونين وتخفيف الجيم من أنجى ينجي وقراءة ابن عامر وأبي بكر من نجى ينجي كما قال قبله: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} ، واختار أبو عبيد هذه القراءة، وضعفها النحاة وعسر تخريج وجهها على معظم المصنفين، قال أبو عبيد: هذه القراءة أحب إلي؛ لأنا لا نعلم المصاحف في الأمصار كلها كتبت إلا بنون واحدة، ثم رأيتها في الذي يسمى للإمام مصحف عثمان بن عفان أيضا بنون واحد، وقال: إنما قرأها عاصم كذلك اتباعا للخط، وقد كان بعضهم يحمله من عاصم على اللحن. قال ابن مجاهد: قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر "نجى" بنون واحد مشدد الجيم على ما لم يسم فاعله قال: وروي عن أبي عمرو "نجى" مدغمة قال: وهذا وهم لا يجوز ههنا الإدغام؛ لأن النون الأولى متحركة والثانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 ساكنة والنون لا تدغم في الجيم وإنما خفيت النون؛ لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم فحذفت من الكتاب، وهي في اللفظ ثابتة ومن قال إنها مدغمة فقد غلط، قال الزجاج: أما ما روي عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له؛ لأن ما لم يسم فاعله لا يكون بغير فاعل، قال: وقد قال بعضهم: المعنى نجى النجاء المؤمنين وهذا خطأ بإجماع النحويين كلهم لا يجوز ضرب زيدا يريد ضرب الضرب زيدا؛ لأنك إذا قلت ضرب زيد فقد علم أن الذي ضربه ضرب فلا فائدة في إضماره وإقامته مقام الفاعل وإنما قال الزجاج: ذلك لأن الفراء وأبا عبيد تحيلا في تخريج وجه هذه القراءة على هذا قال الفراء: القراء يقرءونها بنونين وكتابتها بنون واحدة؛ وذلك لأن النون الثانية ساكنة ولا تظهر الساكنة على اللسان فلما خفيت حذفت، وقد قرأها عاصم فيما أعلم بنون واحدة ونصب المؤمنين كأنه احتمل اللحن لا يعرف لها جهة إلا تلك؛ لأن ما لم يسم فاعله إذا خلا باسم رفعه إلا أن يكون أضمر المصدر في نجى، فنوي به الرفع ونصب المؤمنين فيكون كقوله: ضرب الضرب زيدا ثم يكنى عن الضرب فتقول ضرب زيدا وكذلك نجى النجاء المؤمنين، وقال أبو عبيد: الذي عند نافيه أنه ليس بلحن وله مخرجان في العربية؛ أحدهما: أن يريد ننجي مشددة؛ لقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} ثم تدغم الثانية في الجيم. والمخرج الآخر أن يريد نجى فعل، فيكون معناه نجى النجاء المؤمنين فيكون نصب المؤمنين على هذا، ثم ترسل الياء فلا ينصبها. قلت: الوجه للثاني قد أبطله الزجاج على ما سبق والأول فاسد؛ لأنه قدر الكلمة مشددة الجيم، ثم جوز أن تدغم النون الثانية في الجيم ولا يتصور الإدغام في حرف مشدد، ولم يكن له حاجة إلى تقدير الكلمة مشددة الجيم بل لو ادعى أن الأصل ما قرأ به الجماعة بتخفيف الجيم، ثم زعم الإدغام لكان أقرب على أنه أيضا ممتنع، قال النحاس: هذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين؛ لبعد النون من الجيم فلا تدغم فيها فلا يجوز في: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} مجاء بالحسنة، وقال الزمخشري: النون لا تدغم في الجيم، ومن تمحل لصحته فجعله فعل، وقال: نجى النجاء المؤمنين فأرسل الياء وأسنده إلى مصدره فمتعسف بارد التعسف. قلت: ومعنى قولهم أرسل الياء؛ أي: أسكنها وقال مكي: فيه بعد من وجهين؛ أحدهما: أن الأصل أن يقوم المفعول مقام الفاعل دون المصدر. والثاني: أنه كان يجب فتح الياء من نجى؛ لأنه فعل ماضٍ قال: وقيل: إن هذه القراءة على طريق إخفاء النون في الجيم قلت: وهذا تأويل أبي علي في الحجة، قال مكي: وهذا أيضا بعيد،؛ لأن الرواية بتشديد الجيم والإخفاء لا يكون معه تشديد، قال: وقيل: أدغم النون في الجيم وهذا أيضا لا نظير له لا يدغم النون في الجيم في شيء من كلام العرب؛ لبعد ما بينهما وإنما تعلق من قرأ هذه القراءة بأن هذه اللفظة في المصاحف بنون واحدة، قال: فهذه القراءة إذا قرئت بتشديد الجيم وضم النون وإسكان الياء غير ممكنة في العربية قال أبو علي: فأما قول من قال إنه يسند الفعل إلى المصدر ويضمر؛ لأن الفعل دل عليه، فذلك مما لا يجوز في ضرورة الشعر والبيت الذي أنشده ابن قتيبة: ولو ولدت فقيرة جرو كلب ... لسب بذلك الجرو الكلابا لا يكون حجة في هذه القراءة وإنما وجهها ما ذكرنا؛ لأن الراوي حسب الإخفاء إدغاما. قال الشيخ: واحتجوا لإسكان الياء بقراءة الحسن: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} 1. ويقول النابغة: "ردت عليه أقاضيه وليده" قال: وقد قرأ أبو جعفر ليجزي قوما؛ أي: ليجزي الجزاء قوما، قلت: وكل هذا استدلال بقراءات ضعيفة شاذة وبضرورات شعر وكل ذلك مما يشهد بضعف هذه القراءة وعجبت ممن يذكرها ويترك غيرها مما هو شائع لغة نقلا وموافق خطا، نحو: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} ذكر ابن مجاهد رواية عن أبي عمرو بياء مضمومة، ورواية عن ابن عامر بتاء مفتوحة مع كسر الجيم وأجود ما وقفت عليه في توجيه هذه القراءة ما نقله أبو جعفر النحاس قال لم أسمع في هذا بأحسن من شيء سمعته من علي ابن سليمان قال الأصل ننجي فحذف إحدى النونين؛ لاجتماعهما كما تحذف إحدى التاءين لاجتماعهما نحو قوله تعالى: {لا تَفَرَّقُوا} الأصل تتفرقوا، قال: والدليل على صحة ما قال: أن عاصما يقرأ نجى بإسكان الياء، ولو كان على ما تأوله من ذكرنا لكان مفتوحًا، وقال أبو الفتح ابن جني في كتاب الخصائص في باب امتناع العرب من الكلام بما يجوز في القياس: أجاز أبو الحسن ضرب الضرب الشديد زيدا وقتل يوم أخاك، قال: هو جائز في القياس وإن لم يرد به الاستعمال، ثم أنشد ابن جني: لسب بذلك الجرو الكلابا قال: هذا من أقبح الضرورة ومثله لا يعتد به أصلا بل لا يثبت إلا محتقرا شاذا، قال: أما قراءة من قرأ: "وكذلك نجى المؤمنين" فليس على إقامة المصدر مقام الفاعل؛ لأنه عندنا على حذف إحدى نوني ننجي كما حذف ما بعد حرف المضارعة في قوله تعالى: "تَذَكَّرُونَ"؛ أي: تتذكرون، ويشهد لذلك أيضا سكون لام نجى ولو كان ماضيا؛ لانفتحت اللام إلا في الضرورة، وقال في كتاب المحتسب: روى عن ابن كثير وأهل مكة: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا} ؛ يعني: في سورة الفرقان قال: وكذلك روى خارجة عن أبي عمرو قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون محمولا على أنه أراد: {نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ} إلا أنه حذف النون الثانية التي هي فاء فعل؛ لالتقاء النونين استخفافا، وشبهها بما حذف من أحد المثلين الزائدين في نحو قولك: أنتم تفكرون وتظهرون وأنت تريد: تتفكرون وتتظهرون، قال: ونحوه قراءة من قرأ: "وكذلك نجى المؤمنين" ألا تراه يريد ننجي فحذف النون الثانية وإن كانت أصلا؛ لما ذكرنا، قلت: ونقل هذه القراءة وتعليلها المذكور الزمخشري في تفسيره، وذكره المهدوي في قراءة: "ننجي المؤمنين" وهو وجه سديد غريب لا تعسف فيه، ويشهد له أيضا حذف إحدى النونين من أتحاجوني وتبشروني وتأمروني وتأمروني أعبد وعجبت من شيخنا أبي الحسن -رحمه الله- كيف لم ينقل هذا التعليل في شرحه مع كونه في إعراب النحاس وهو كثير الأخذ منه وقراءة الجماعة ننجي بنونين الثانية ساكنة وبتخفيف الجيم من الإنجاء وقبله ونجيناه من الغم بالتشديد جمعا بين اللغتين كما جمع بينهما في كثير من القرآن نحو: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} 2، {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ} 3.   1 سورة البقرة، آية: 228. 2 سور الطارق، آية: 17. 3 سورة محمد -صلى الله عليه وسلم، آية: 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 وقول الناظم: كذى صلا إشارة إلى النظر والفكرة في وجه هذه القراءة؛ أي: كن في الذكاء والبحث كذى صلا وقد سبق تفسيره ويقال بكسر الصاد وفتحها والله أعلم. 892- وَلِلْكُتُبِ اجْمَعْ "عَـ"ـنْ "شَـ"ـذًا وَمُضَافُهَا ... مَعِي مَسَّنِي إِنِّي عِبَادِيَ مُجْتَلا أي: عن ذي شذا يريد: "كطي السجل للكتاب"، فالقراءة دائرة بين الجمع والإفراد قد سبق لهما نظائر، فالكتب جمع كتاب والكتاب في الأصل مصدر كتب كتابا مثل بنى بناء ثم قيل للمكتوب: كتاب، وقد اختلف في معنى السجل فقيل: هو ملك يطوى صحائف بني آدم وقيل: كاتب كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- فالمعنى على هذين القولين ظاهر؛ أي: كما يطوى السجل الكتاب أو الكتب، فالمفرد اسم جنس يغني عن الجمع فهو واحد يراد به الكثرة واللام في الكتب أو للكتاب زائدة وحسنها اتصالها بمعمول المصدر تقوية لتعديته نحو عرفت ضرب زيد لعمرو والأصل ضرب زيد عمرا فكهذا هنا كطي السجل للكتاب فإضافة طي إلى السجل من باب إضافة المصدر إلى فاعله، وقيل: إن السجل هو اسم الصحيفة فيكون المصدر مضافا إلى مفعوله نحو: {بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} 1. والمعنى كطي الصحيفة للكتابة فيها أو لأجل المكتوب فيها قال قتادة: كطي الصحيفة فيها الكتب، قال أبو علي: كطي الصحيفة مدرجا فيه الكتب؛ أي: لدرج الكتب فيها فإن كان الجمع للمكتوب فظاهر، وإن كان للمصدر فلأجل اختلاف أنواعه وقول الناظم: مجتلا خبر قوله: ومضافها ومع وما بعده عطف بيان لمضافها أو صفة له على تقدير: الذي هو كذا وكذا، وأراد: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} فتحها حفص وحده. "إِنِّيَ إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ" فتحها نافع وأبو عمرو. "مَسَّنِي الضُّرُّ"، "عبادي الصالحون" سكنهما حمزة والله أعلم.   1 سورة ص، آية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 سورة الحج : 893- سُكَارى مَعا سَكْرى "شَـ"ـفا وَمُحَرِّكٌ ... لِيَقْطَعْ بِكَسْرِ الَّلامِ "كَـ"ـمْ "جِـ"ـيدُهُ "حَـ"ـلا يريد: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} 1. قرأهما حمزة والكسائي "سكرى" كلاهما جمع سكران، وأجمعوا على: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} ، ونظير القراءتين: "أسارى"، و"أسرى" كما سبق في الأنفال والبقرة، وجمع سكران على سكارى بضم السين، وبالألف بعد الكاف هو القياس كعجلان وعجالى وكسلان وكسالى، وإنما جمع على سكرى بفتح السين والقصر حملا له على فعيل بمعنى مفعول إذا كان ذا آفة وبلية فحمل سكران عليه؛ لملاقاته إياه في المعنى كجرحى وقتلى، ونظيره قولهم: روبان وروبى، وهو الذي سكر من شرب اللبن الرائب والمختلط من كثرة السير والتعب قال الشاعر: فأما تميم تميم بن مر ... فألقاهم القوم روبى نياما قال سيبويه: قالوا: رجل سكران وقوم سكرى؛ وذلك لأنهم جعلوه كالمرضى. قال: وقالوا رجال روبى جعلوه بمنزلة سكرى، والروبى الذين قد استثقلوا نوما فشبهوه بالسكران، قال أبو علي: ويجوز أن يجمع سكران على سكرى من وجه آخر، وهو أن سيبويه حكى رجل سكر، وقد جمعوا هذا البناء على فعالى، فقالوا هرم وهرمى وزمن وزمنى وضمن وضمنى؛ لأنه من باب الأدواء والأمراض التي يصاب بها، أما كسر اللام في ثم ليقطع فهو الأصل؛ لأنها لا أمر، فهي مكسورة بدليل أنها إذا لم يدخل عليها أحد الحروف الثلاثة الفاء والواو، وثم لا تكون إلا مكسورة، وهذه الحروف إذ اتصلت بها فمنه من سكنها تخفيفا لتوسطها باتصال حرف العطف بها، واتصال الفاء والواو بها أشد من اتصال ثم؛ لأن ثم كلمة مستقلة بخلافهما، فإنهما يصيران إذا اتصلا بكلمة كأنهما بعض حروفها، فلهذا يسكن مع الفاء والواو من لا يسكن مع ثم، وذلك نظير ما سبق في أول البقرة في إسكان "فهو، وهو" ثم هو والفاء أشد اتصالا من الواو؛ لأنها متصلة لفظا وخطا، والواو منفصلة خطًّا؛ فلهذا اتفق القراء على إسكان اللام مع الفاء نحو "فليمدد، فلينظر" واختلفوا مع الواو، وثم كما يأتي فإسكانها مع الفاء أحسن، ومع ثم أبعد ومع الواو متوسط، فإن قلت فلم اختلف القراء في ترك الإسكان مع الفاء في فهو وفهي، وأجمعوا على إسكان اللام مع الفاء قلت لخفة الكلمتين لقلة حروفهما بخلاف ما دخل عليه لام الأمر، فإنها أكثر حروفا، فناسبت التخفيف ولهذا كان الأكثر على الإسكان هنا مع الواو، ومع ثم وفي وهو وفهو الأكثر على التحريك، وتقدير البيت؛ وليقطع محرك بكسر اللام وميزكم محذوف؛ أي: كم مرة "حلا جيده" والجيد العنق.   1 سورة النساء، آية: 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 894- لِيُوفُوا ابْنُ ذَكْوَانٍ لِيَطَّوَّفُوا لَهُ ... لِيَقْضُوا سِوى بَزِّيِّهِمْ "نَفَرٌ جَـ"ـلا أراد {لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا} لم يكسرهما سوى ابن ذكوان، وأجمعوا على إسكان: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} 1 في البقرة وفي النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} 2. وأما {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُم} فهو بعد ثم فكسر اللام أبو عمرو وابن عامر وقنبل وورش؛ لأنه استثنى البزي من نفر، ومدلول نفر ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر، ورمز مع نفر لورش بقوله: "جلا" فكسر قنبل "ليقضوا" ولم يكسر "ليقطع" جمعا بين اللغتين إعلاما بجوازهما. 895- وَمَعْ فَاطِرَ انْصِبْ لُؤْلُؤًا "نَـ"ـظْمُ "إِ"لْفَةٍ ... وَرَفْعَ سَوَاءَ غَيْرُ حَفْصٍ تَنَخَّلا أي: انصب لؤلؤا هنا مع حرف فاطر يريد: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} 3، فوجه الخفض العطف على: {أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} ووجه النصب العطف على موضع من "أساور" أو على تقدير "ويحلون لؤلؤا" ورسم بالألف في الحج خاصة دون فاطر والقراءة نقل فما وافق منها ظاهر الخط كان أقوى، وليس اتباع الخط بمجرده واجبا ما لم يعضده نقل، فإن وافق فبها ونعمت ذلك نور على نور، قال الشيخ: وهذا الموضع أدل دليل على اتباع النقل في القراءة؛ لأنهم لو اتبعوا الخط وكانت القراءة إنما هي مستندة إليه لقرءوا هنا بألف، وفي الملائكة بالخفض، قال أبو عبيد: ولولا الكراهة لخلاف الناس لكان اتباع الخط أحب إلي فيكون هذا بالنصب، والآخر بالخفض وقول الناظم نظم إلفة مصدر وقع وصفا للؤلؤ، وحسن ذكر النظم مع ذكر اللؤلؤ، وهو إشارة إلى الائتلاف الواقع للمؤمنين في الجنة كقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} 4 ... الآية جعلنا الله تعالى بكرمه منهم، وقوله: ورفع سواء مفعول قوله: "تنخلا"؛ أي: غير حفص تنخل؛ أي: اختار رفع "سواءٌ العاكفُ فيه" وحفص وحده نصبه، فوجه رفعه أنه خبر، والعاكف مبتدأ والجملة ثاني مفعولي جعلناه، ونصبه على أن يكون هو المفعول الثاني، فالعاكف فاعل؛ لأنه مصدر؛ أي: مستويا فيه العاكف والبادي ويجوز أن يكون حالا من الهاء في جعلناه، وللناس هو المفعول الثاني؛ أي: جعلناه لهم في حال استواء العاكف فيه، والبادي فيه، وعند هذا يجوز أن يكون حالا من الذكر في المستقر.   1 الآية: 186. 2 آية: 31. 3 آية: 33. 4 سورة الأعراف، آية: 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 896- وَغَيْرُ "صِحَابٍ" فِي الشَّرِيَعةِ ثُمَّ وَلْـ ... ـيُوَفُّوا فَحَرِّكْهُ لِشُعْبَةَ أَثْقَلا أي: وغير صحاب اختاروا رفع الذي في الشريعة؛ يعني: في سورة الجاثية وهو: {سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} فنصبه مع حفص حمزة والكسائي على الحال، و"محياهم" فاعله ورفع الباقون على أنه خبر مقدم، والجملة بدل من الكاف في {كَالَّذِينَ آمَنُوا} فهي في موضع نصب على المفعولية، وقرأ شعبة: "وَلْيُوَفُّوا نُذُورَهُمْ" بفتح الواو وتشديد الفاء من "وفَّى" والباقون من: "أوفى" وهما لغتان، وهذا كالخلاف في: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} في البقرة1، فقرأ شعبة هنا كما قرأ ثَمَّ، ونبه الناظم هنا على فتح ما قبل المشدد، ولم ينبه ثمَّ على ما سبق ذكره "وأثقلا" حال من الهاء في فحركه؛ أي: ثقيلا، وقوله: ثم لإقامة الوزن وأجمعوا على: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} بالألف، {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} بالتشديد و {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} بالألف. 897- فَتَخْطَفُهُ عَنْ نَافِعٍ مِثْلُهُ وَقُلْ ... معًا مُنْسَكًا بالكَسْرِ فِي السِّينِ "شُـ"ـلْشُلا أي: وليوفوا في تحريك الخاء بالفتح، وتشديد الطاء والأصل "فتتخطفه الطير" حذفت إحدى التاءين قال الجوهري: اختطفه وتخطفه بمعنى، وقراءة الباقين من خطف يخطف وتعسف بعضهم في توجيه قراءة نافع وجها ذكره الشيخ في شرحه لا حاجة إليه والنسك بالفتح يقال في المصدر واسم الزمان والمكان، وهو جار على القياس والكسر لغة فيه، وتقدير البيت: وقل مسرعا منسكا مستقر بالكسر في السين معا؛ يعني: في موضعين: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} ، {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} . 898- وَيُدْفَعُ "حَـ"ـقٌّ بَيْنَ فَتْحَيْهِ سَاكِنٌ ... يُدَافِعُ وَالْمَضْمُومُ فِي أَذِنَ "ا"عْتَلا يريد: "إن الله يدفع" فقوله: ويدفع حق جملة من مبتدأ وخبر؛ أي: قراءة "يدفع حق"، ثم قيد هذه القراءة بقوله: بين فتحيه ساكن؛ يعني: سكون الدال بين فتح الياء والفاء؛ لأن القراءة الأخرى لا تعلم من ضد هذا القيد، فاحتاج إلى بيانها بقوله: يدافع فحذف المضاف للعلم به ولم تكن له حاجة إلى تقييد قراءة يدفع؛ لأنه قد لفظ بالقراءتين وكان له أن يقول: ويدفع حق في يدافع وارد ... وفي إذن اضمم ناصرا أنه حلا ومن بعد هذا الفتح في نا يقاتلون فيتصل رمز أذن في بيت واحد، وقد مضى الكلام في سورة البقرة في مصدر هذين الفعلين: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ} ، و"دفاع لله"، ومثله هنا أيضا فقراءة نافع يدافع موافقة لقراءة دفاع،   1 الآية: 185. 2 سورة المائدة، آية: 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 وقراءة ابن كثير وأبي عمرو يدفع لقراءتهما: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ} والباقون جمعوا بينهما فقرءوا: "يدافع": {وَلَوْلا دَفْعُ} إشعارا بتقاربهما في المعنى فإن المراد من يدافع يدفع فهو من باب طارقت النعل وعاقبت اللص وعافاه الله ثم تمم الكلام في أذن فقال: 899- "نَـ"ـعَمْ "حَـ"ـفِظُوا وَالفَتْحُ فِي تَا يُقَاتِلُو ... نَ "عَمَّ عُـ"ـلاهُ هُدِّمَتْ خَفَّ "إِ"ذْ "دُ"لا أي: ضم: {أَذِنَ لِلَّذِينَ} نافع وعاصم وأبو عمر وعلى ما لم يسم فاعله وفتح الباقون على تقدير: "أذن الله لهم"، يقاتَلون بفتح التاء على بناء الفعل للمفعول أيضا، وبكسرها على بنائه للفاعل والتخفيف والتشديد في هذين ظاهران وسبق معنى دلا. 900- وَبَصْرِيٌّ أَهْلَكْنَا بِتَاءٍ وَضَمِّهَا ... يَعُدُّونَ فِيهِ الغَيْبُ "شَـ"ـايَعَ "دُ"خْلُلا يريد فكأين من قرية أهلكناها بنون العظمة، قرأه أبو عمرو بتاء مضمومة "أهلكتها"، والغيب في: {كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} ؛ لقوله قبله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} ، وهذا هو الدخلل الذي شايعه؛ أي: المداخل؛ أي: المناسب، والخطاب ظاهر: 901- وَفِي سَبَإِ حَرْفَانِ مَعْهَا مُعَاجِزِي ... نَ "حَـ"ـقٌّ بِلا مَدٍّ وَفِي الْجِيمِ ثُقِّلا يريد: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} ، {وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} ، هذان في سبأ1، 2 وقوله: معها أي: مع حرف هذه السورة، وهو: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} ، فمعنى معجزين ينسبون من تبع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى العجز، وقيل: مثبطين الناس عنه وقيل: معناه يطلبون تعجيزنا، وفي المد معنى أنهم يسابق بعضهم بعضا في التعجيز، واختار أبو عبيد قراءة المد ورواها عن ابن عباس، وقال: معناها مشاقين، وقال أبو علي: معاجزين ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا؛ لأنهم ظنوا أن لا بعث ولا نشور، فيكون ثواب وعقاب، وقال الشيخ: سعوا معجزين ومعاجزين؛ أي: بالطعن فينا وقولهم سحر وشعر وغم ذلك من البهتان. 902- وَالَاوَّلُ مَعْ لُقْمانَ يَدْعُونَ غَلَّبُوا ... سِوى شُعْبَةٍ وَاليَاءُ بَيْتِيَ جَمَّلا   1 آية: 5. 2 آية: 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 يريد بالأول: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} ومثله في لقمان، واحترز بقوله: الأول من الذي بعده، وهو: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} ، وأراد يدعون الأول، فلما قدم الصفة أتبعها الموصوف بيانا فهو من باب قول النابغة: والمؤمن العائدات الطير أي: قرأ يدعون في الموضعين بالغيبة أبو عمرو وصحاب، والباقون بالخطاب ووجههما ظاهر، وفي هذه السورة ياء واحدة للإضافة: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} فتحها نافع وهشام وحفص، وفيها زائدتان: و"الباد" أثبتها في الحالين ابن كثير وفي الوصل ورش وأبو عمرو، "نكير" أثبتها في الوصل ورش وحده، وقلت في ذلك: زوائدها ياءان والباد بعده ... نكير وما شيء إلى النمل أنزلا أي: وما شيء من الزوائد فيما بعد الحج من السور إلى سورة النمل والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 سورة المؤمنون : 903- أَمَانَاتِهِمْ وَحِّدْ وَفِي سَالَ "دَ"ارِيًا ... صَلاتِهِمُ "شَـ"ـافٍ وَعَظْمًا "كَـ"ـذِي "صِـ"ـلا يريد: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ} هنا وفي سورة سأل، وحَّدهما ابن كثير وحده. "وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ" وحده هنا حمزة والكسائي، ولا خلاف في إفراد الذي في سورة سأل ولا في الأول هنا وهو قوله: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} ، وعلم أن موضع الخلاف هو الثاني؛ لذكره إياه بعد أماناتهم، فالتوحيد يدل على الجنس والجمع لاختلاف الأنواع، وقد اتفق على الجمع في: {أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ} وعلى الأفراد في: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} 1، وعلى جمع: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} 2، وعلى الإفراد في: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} . قوله: وعظْما؛ أي: ووحد عظْما؛ يعني: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} ، وقد ذكره في البيت الآتي في قوله: مع العظم، وحدهما ابن عامر وأبو بكر، كما قال الراجز: في خلقكم عظم وقد شجيناه أي: في حلوقكم عظام والعظام بالجمع، وموضع "كذي صلا" نصب على الحال من فاعل وحد وقد سبق تفسيره. 904- مَعَ العَظْمِ وَاضْمُمْ وَاكْسِرِ الضَّمَّ "حَقُّـ"ـهُ ... بِتَنْبُتُ وَالمَفْتُوحُ سِيناءِ "ذُ"لِّلا يريد: "تُنْبِتُ بِالدُّهْنِ" اضمم التاء واكسر الباء فيصير من أنبت وهو بمعنى نبت فيتحد معنى القراءتين؛ أي: تنبت ومعها الدهن، وقيل: المفعول محذوف؛ أي: ينبت زيتونها وبالدهن في موضع الحال من الشجرة على الوجه الأول؛ أي: ملتبسة بالدهن، وعلى الوجه الثاني يكون حالا إما من الشجرة أو من المفعول المحذوف وقيل: الياء زائدة والمعنى تنبت الدهن كقوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} ، ومن قرأه من نبت فالباء للتعدية أو مع مجرورها للحال وقوله: "حقه"؛ أي: هو حقه: "تَنْبُتُ" متعلق باضمم أو باكسر أو بالضم، وقوله: والمفتوح "سيناء"؛ أي: وسيناء المفتوح فقدم الصفة ضرورة وأتى بما بعدها بيانا كـ: العائدات الطير ومعنى ذلك قرب وسهل أراد بفتح السين والباقون بكسرها وهو اسم أعجمي تكلمت به العرب مفتوحا ومكسورا، وقالوا أيضا "سنين" والمانع له من الصرف مع العلمية العجمة وقيل: "طور سينا" مركب كحضرموت على لغة الإضافة.   1 سورة الأحزاب، آية: 72. 2 سورة البقرة، آية: 228. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 905- وَضَمٌّ وَفَتْحٌ مَنْزِلًا غَيْرَ شُعْبَةٍ ... وَنَوَّنَ تَتْرًا "حَقُّـ"ـهُ وَاكْسِرِ الوِلا التقدير: غير شعبة "ذو ضم وفتح" لفظ "منزلا" فمنزلا مفعول بأحد المصدرين قبله يريد: {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا} فضم الميم وفتح الزاي يجعله مصدرا أو اسم مكان من أنزل، وقرأه شعبة بفتح الميم وكسر الزاي على أنه كذلك من نزل، ونظير القراءتين ما تقدم في "مدخلا"، و"تترى" مصدر من المواترة فمن نونه جعل وزنه فعلا كضربا ومن لم ينون جعله فعلى كدعوى من المصادر التي لحقتها ألف التأنيث المقصورة وقد سبق ما يتعلق بإمالتها في باب الإمالة، ثم قال "واكسر الولا"؛ أي: ذا الولا؛ يعني: الموالي لتترى؛ أي: الذي هو قريب منه بعده ثم بينه فقال: 906- وَأَنَّ "ثَـ"ـوى وَالنُّونَ خَفِّفْ "كَـ"ـفَى وَتَهْـ ... ـجُرُونَ بِضَمٍّ وَاكْسِرِ الضَّمَّ "أَ"جْمَلا يريد: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} الكسر على الاستئناف، والفتح على تقدير: ولأن هذه على ما تقدم في الأنعام في قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} 1. وخفف ابن عامر النون في الموضعين كما قال سبحانه: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 2، وقرأ نافع وحده: {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} بضم التاء وكسر الجيم من أهجر في منطقه إذا أفحش فيه، وقرأ غيره بفتح التاء وضم الجيم من هجر إذا هذى، وقال أبو علي: تهجرون آياتي مما يتلى عليكم من كتابي فلا تنقادون له وتهجرون تأتون بالهجر وهو الهذيان وما لا خير فيه من الكلام، وفي الحديث في زيارة القبور ولا تقولوا هجرا، وقال أبو عبيد: القراءة الأولى أحب إلينا ليكون من الصدود والهجران كقوله: {فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ} 3. هذا يشبه الهجران ومن قرأها تهجرون أراد الإفحاش في المنطق، وقد فسرها بعضهم على الشرك، وقول الناظم: "أجملا" هو حال من فاعل اكسر أو مفعول أو نعت مصدر محذوف؛ أي: كسرا جميلا. 907- وَفِي لامِ لِلهِ الأَخِيرَيْنِ حَذْفُها ... وَفِي الْهَاءِ رَفْعُ الْجَرِّ عَنْ وَلَدِ العَلا في هذه السورة: {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} في ثلاثة مواضع؛ الأول: لا خلاف فيه أنه لله بإثبات لام الجر، وهو جواب قوله: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا} ، والخلاف في الثاني والثالث وهما جواب قوله: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ} ، {قُلْ مَنْ   1 آية: 153. 2 سورة يونس، آية: 10. 3 سورة المؤمنون، آية: 66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} ، فقرأهما أبو عمرو بحذف حرف الجر، فارتفع الاسم الجليل على أنه خبر مبتدأ؛ أي: هو الله فهو جواب مطابق للفظ السؤال، وكذلك كتب في مصاحف البصرة، وقرأهما غيره كالأول بإثبات لام الجر، وكذلك كتب في مصاحفهم، وهو جواب من حيث المعنى؛ لأن قولك: من مالك هذه الدار؟ ولمن هذه الدار؟ معناهما واحد، قال أبو عبيدة: كان الكسائي يحكي عن العرب أنه يقال للرجل: من رب هذه الدار؟ فيقول: لفلان بمعنى هي لفلان، وقول الناظم الأخيرين هو مضاف إليه؛ أي: وفي لام هذا اللفظ الذي في الموضعين الأخيرين كما تقدم في قوله: "وأخرتني" الإسراء وحذفها مبتدأ فهو كقولك: في صدر سيد الرجلين علم والله أعلم. 908- وَعَالِمُ خَفْضُ الرَّفْعِ "عَـ"ـنْ "نَفَرٍ" وَفَتْـ ... ـحُ شِقْوَتُنَا وَامْدُدْ وَحَرِّكُهُ "شُـ"ـلْشُلا يريد: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ} فبالخفض هو نعت لاسم الله تعالى، وبالرفع على تقدير هو عالم، والشقاوة على لفظ السعادة والشقوة كالردة والفطنة لغتان؛ أي: افتح الشين وحرك القاف بالفتح ومدها وقدم ذكر المد على التحريك؛ لضرورة الوزن ولتعين القاف لذلك فليس في حرف شقوتنا ما يقبل التحريك غير القاف؛ لأنها ساكنة والبواقي متحرك، وقوله: "عن نفر"؛ أي: منقول عن نفر وفتح شقوتنا كذلك من حيث المعنى؛ أي: عن جماعة قرءوا به والله أعلم. 909- وَكَسْرُكَ سُخْرِيًّا بِها وَبِصَادِها ... عَلَى ضَمِّهِ "أَ"عْطَى "شِـ"ـفَاءً وَأَكْمَلا يريد: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} ، وفي ص: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} من سخرت إذا ضحكت منه، وقيل: الكسر في سين ذلك وضمها لغتان، وقيل: الضم من السخرة والعبودية والكسر من الهزؤ واللعب، وأجمعوا على ضم الذي في الزخرف: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} 1؛ لأن المراد المعنى الأول؛ لينتظم قوام العالم والهاء في قوله: وبصادها تعود على سور القرآن؛ للعلم بذلك كما أنه إذا قال: حفصهم يعلم أنه أراد حفص القراء والهاء في على ضمه للكسر، وقوله: بها معمول وكسرك وعلى ضمه خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون بها خبر قوله: وكسرك؛ أي: اختص ذلك بهذه السورة: وبسورة ص ثم استأنف فقال: على ضمه أعطى سخريا شفاء، وفاعل أعطى ضمير عائد على سخريا لا على كسرك ولو عاد على كسرك لكان هو خبر المبتدأ ولزم أن يكون الرمز للكسر وليس للرمز إلا للضم، وأشار بقوله: وأكملا إلى إكمال الضم في مواضع سخريا الثلاثة والله أعلم، قال أبو عبيد: وكذلك هي عندنا؛ لأنهن إنما يرجعن إلى معنى واحد، وهما لغتان: "سخرى وسخرى"، وقد رأيناهم أجمعوا على ضم التي في الزخرف فكذلك الأخريان:   1 الآية: 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 910- وَفِي أَنَّهُمْ كَسْرٌ "شَـ"ـرِيفٌ وَتُرْجَعُو ... نَ في الضَّمِّ فَتْحٌ وَاكْسِرِ الْجيمَ وَاكْمُلا يريد: {أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} الكسر على الاستئناف والفتح على تقدير؛ لأنهم أو بأنهم أو هو مفعول جزيتهم؛ أي: جزيتهم الفوز، فحمزة والكسائي قرءا بالكسر وهما قرءا: "وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تَرْجِعُونَ" بفتح التاء وكسر الجيم، والباقون بضم التاء وفتح الجيم، ووجه القراءتين ظاهر: وقد سبق له نظائر، ويأتي الخلاف في حرف القصص في موضعه وحمزة والكسائي قرءا ذلك الموضع أيضا كهذا على إسناد الفعل إلى الفاعل، ولعله أشار بقوله: واكملا إلى هذا؛ أي: كملت قراءتهما في الموضعين فلم تختلف؛ أي: وأكمل أيها المخاطب في قراءتك لهما لما كان الكمال في قراءته جعله فيه مجازا وأراد وأكملن فأبدل من النون ألفا: 911- وَفي قَالَ كَمْ قُلْ دُونَ "شَـ"ـكٍّ وَبَعْدَهُ ... "شَـ"ـفَا وَبِها يَاءٌ لَعَلِّيَ عُلِّلا يريد: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ} قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي: "قل" على الأمر والذي بعد هذا قال: {إِنْ لَبِثْتُمْ} لم يقرأه على الأمر إلا حمزة والكسائي فجريا على الأمر في الموضعين، وهو أمر لمن عينه الله سبحانه للسؤال، وقرأ الباقون بالخبر في الموضعين؛ أي: قال الله، أو الملك، وقرأ ابن كثير الأولى بالأمر والثانية بالخبر فكأنه مردود على المأمور أولا؛ أي: قل ذلك المأمور قال أبو علي: وزعموا أن في مصحف الكوفة قل في الوضعين، قال أبو عبيد: والقراءة عندنا على الخبر كلاهما؛ لأن عليها مصاحف أهل الحجاز وأهل البصرة وأهل الشام، ولا أعلم مصاحف مكة أيضا إلا عليها وإنما انفردت مصاحف أهل الكوفة بالأخرى، قال أبو عمرو الداني: وينبغي أن يكون الحرف الأول بغير ألف في مصاحف أهل مكة، والثاني بالألف؛ لأن قراءتهم كذلك ولا خبر عندنا في ذلك عن مصاحفهم إلا ما رويناه عن أبي عبيد، ثم قال: وبها ياء؛ أي: ياء إضافة واحدة ثم بينها بقوله: لعلى أراد: "لعليَ أعمل صالحا" فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر، وقوله: "عللا"؛ أي: علل قائل هذا الكلام نفسه عند الموت بذلك، فقال: علله بالشيء؛ أي: ألهاه به والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 سورة النور : 912- وَ"حَقٌّ" وَفَرَّضْنا ثَقِيلًا وَرَأْفَةٌ ... يُحَرِّكُهُ الْمَكي وَأَرْبَعُ أَوَّلا يريد: "وَفَرَّضْنَاهَا"؛ أي: فرضنا أحكامها وفي التثقيل: إشعار بكثرة ما فيها من الأحكام المختصة بها لا توجد في غيرها من السور كالزنا والقذف واللعان والاستئذان وغض الطرف والكتابة وغير ذلك، فسَّرها أبو عمرو: فصّلنا، ومعناها بالتخفيف: أوجبنا حدودها جعلناها فرضا، وقول الناظم: "وحق" هو خبر مقدم، وثقيلا حال من المنوي فيه؛ أي: وفرضنا حق ثقيلا، أما: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} بإسكان الهمزة ففتحها ابن كثير وكلاهما لغة، ولا خلاف في إسكان التي في الحديد، {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً} قال ابن مجاهد: قال لي قنبل: كان ابن أبي بزة قد أوهم وقرأهما جميعا بالتحريك، فلما أخبرته إنما هي هذه وحدها رجع، قلت: وهذا مما جمع فيه بين اللغتين واختير الإسكان في التي في الحديد؛ لتجانس لفظ رحمة التي بعدها، ونظير هاتين القراءتين: "دأبا"، و"دآبا" والمعز وظعنكم من باب الإسكان لأجل حرف الحلق مثل شعرة وشعرة، ثم قال: "وأربع أولا"؛ أي: الواقع أولا يريد، فشهادة أحدهم أربع شهادات اختلف في رفعه ونصبه، وخبر قوله: وأربع في أول البيت الآتي وهو صحاب؛ أي: وأربع بالرفع قراءة صحاب، ودلنا على الرفع إطلاقه، ووجه الرفع أنه خبر: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} ، ونصبه على المصدر كما تقول: شهدت أربع شهادات والخبر محذوف؛ أي: فواجب شهادة أحدهم أو المحذوف المبتدأ وهو: فالواجب شهادة أحدهم نحو: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ، والجملة خبر "والذين" ولا خلاف في نصب الثاني وهو أن تشهد أربع شهادات؛ لأنه مصدر لا غير للتصريح بالفعل قبله وهو قوله: أن تشهد. 913- صِحَابٌ وَغَيْرُ الْحَفْصِ خَامِسَةُ الأَخِيـ ... ـرُ أَنْ غَضِبَ التَّخْفِيفُ وَالكَسْرُ أُدْخِلا أي: وكل القراء غير حفص رفعوا: "والخامسةُ أن غضب الله" وهو الأخير ولا خلاف في رفع الأول: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ} فالرفع فيها على الابتداء وما بعده خبره؛ أي: والشهادة الخامسة هي لفظ كذا: ونصب الثاني على وتشهد الخامسة؛ لأن قبله: {أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} ، ثم أبدل: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ} منه، قال أبو علي: ويجوز في القياس النصب في الخامسة الأولى رفع أربع شهادات أو نصب، وقول الناظم الأخير هو نعت خامسة ولا نظر إلى التأنيث فيها؛ لأن المراد هذا اللفظ الأخير، وأسقط الألف واللام من الخامسة ضرورة وزن النظم، وأدخلها في حفص كذلك أيضا فكأنه عوض ما حذف وهما زائدتان في الحفص كقول الشاعر: والزيد زيد المعارك وقد وقع في مسند ابن أبي شيبة وغيره: حدثنا حسين بن علي الجعفي عن شيخ يقال له الحفص عن أبيه عن جده قال: أذن بلال حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ أبو القاسم: حفص هو ابن عمر بن سعد القرظ، ولغرابة هذه العبارة بَهِمَ كثير فيها، ويسبق لسان القارئ لها إلى لفظ الخفض بالخاء والضاد المعجمتين الذي هو أخو الكسر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 لشهرة هذه اللفظة وكثرة دورها في القصيدة، كقوله: "وَالْأَرْحَامِ" بالخفض جملا، والنون بالخفض شكلا. فإن قيل: لو أنه قال: صحاب وحفص نصب خامسة الأخير لحصل الغرض ولم يبق لفظ موهم. قلت: لكن تخيل عليه قراءة الباقين؛ فإنها بالرفع وليس ضد النصب إلا الخفض فاقتحم حزونة هذه العبارة؛ لكونها وافية بغرضه والألف في قوله: أدخلا ضمير تثنية يرجع إلى التخفيف والكسر؛ أي: أدخلا في لفظ أن غضب فالتخفيف في أن والكسر في ضاد غضب؛ أي: قرأ نافع وحده ذلك، فيكون أن مخففة من الثقيلة، وغضب فعل ماض فاعله اسم الله فيجب رفعه فهو معنى قوله: في البيت الآتي، ويرفع بعد الجر؛ أي: بعد أن غضب يجعل الرفع موضع الجر في الكلمة المتصلة به، وقراءة الجماعة واضحة يكون الغضب اسما مضافا إلى الله تعالى، وهو اسم "أن" المشددة مثل: {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ} والنحويون يقولون: إن ضمير الشأن مقدر؛ أي: أنه لعنة الله وأن غضب الله ولو أن قراءة نافع بفتح ضاد "غضب"، كقراءة الجماعة فكانت على وزن "لعنة الله"، فيكون قد خفف أن فيها فقط لكانت أوجه عندهم؛ لأنهم يستقبحون أن يلي الفعل أن المخففة حتى يفصل بينهما بأحد الحروف الأربعة بحرف النفي إن كان الكلام نفيا نحو: {لَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} ، وإن كان إيجابا فبحرف قد في الماضي وبالسين أو سوف في المضارع نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} ، وكان القياس عندهم أن يقال أن قد غضب الله، قال أبو علي: فإن قيل: فقد جاء: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} ، {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ} فليس يجري مجرى "ما" ونحوها مما ليس بفعل، وقوله: بورك على الدعاء قلت فكذا هنا يحمل "غضب الله" على الدعاء فلا يحتاج إلى حرف قد. 914- وَيَرْفَعُ بَعْدَ الْجَرِّ يَشْهَدُ "شَـ"ـائِعٌ ... وَغَيْرُ أُولِي بِالنَّصْبِ "صَـ"ـاحِبُهُ "كَـ"ـلا قد سبق شرح قوله: ويرفع بعد الجر فالجر منصوب؛ لأنه مفعول يرفع وليس مضافا إلى بعد؛ لأن بعد مبني على الضم بحذف ما أضيف إليه؛ أي: بعد قوله: "أن غضب"، أما: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} ، فيقرأ يشهد بالتذكير حمزة والكسائي، والباقون بالتأنيث،؛ لأن تأنيث الألسنة غير حقيقي، فجاز فيه الوجهان، قال أبو علي: كلاهما حسن، وقد مر نحوه، أما: "غَيْرَ أُولِي الإِرْبَةِ" فنصبه على الحال أو على الاستثناء، وخفضه على أنه صفة للتابعين؛ أي: الذين لا إربة لهم في النساء والإربة الحاجة، ومعنى صاحبه كلا؛ أي: حفظ ذلك ونقله أو حرسه. 915- وَدُرِّيٌّ اكْسِرْ ضَمَّهُ "حُـ"ـجَّةً "رِ"ضى ... وَفِي مَدِّهِ وَالْهَمْزِ "صُحْبَتُـ"ـهُ "حَـ"ـلا أي: ضم الدال وحجة حال من فاعل اكسر أو مفعوله؛ أي: اقرأه ذا حجة مرضية، وأخبر عن صحبته بلفظ: حلا كما سبق في صحبة كلا والهمز مجرور عطفا على: وفي مده ولو رفع لكان له وجه حسن،؛ أي: وجلا درى في مده والهمز مصاحب له ولا يمنع كون صحبته رمزا من تقدير هذا المعنى كما لم يمنع في قوله: كما حقه ضماه؛ أي: حق أن يضم صاد "الصدفين" وداله على ما سبق شرحه، فحصل من مجموع ما في البيت أن أبا عمرو والكسائي قرءا درى على وزن شريب وسكيت بكسر الدال والمد والهمز وحمزة وأبا بكر بضم الدال والمد، والهمز على وزن مريق، قال الجرمي: زعم أبو الخطاب أنهم يقولون مريق للعصفر وقرأ الباقون وهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 حفص وابن عامر والحرميان بضم الدال وتشديد الياء فلا مد ولا همز، وهذه أجود القراءات عندهم جعلوها نسبة إلى الدر في الصفا والإضاءة، وإنما نسب الكوكب مع عظم ضوئه إلى الدر باعتبار أن فضل ضوء ذلك الكوكب على غيره من الكواكب كفضل الدر على غيره من الحب، قال أبو عبيد: القراءة التي نختارها "دري وهو في التفسير المنسوب إلى الدر في إضاءته وحسنه، وفي الحديث المرفوع: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين كما تراءون الكوكب الدري في أفق السماء" هكذا نقلته العلماء إلينا بهذا اللفظ، قال أبو علي: ويجوز أن يكون فعيلا من الدرء فخفف الهمز فانقلبت ياء كما تنقلب من النسي والنبي إذا خففت ياء، قلت؛ يعني: أنها تكون مخففة من القراءة الأخرى المنسوبة إلى حمزة وأبي بكر، قال أبو علي: هو فعيل من الدرء الذي هو الدفع، قال ومما يمكن أن يكون من هذا البناء قولهم: العلية ألا تراه من علا، فهو فعيل وقال الزجاج: النحويون أجمعون لا يعرفون الوجه فيه؛ لأنه ليس في الكلام شيء على فعيل، قال أبو علي: هذا غلط، قال سيبويه: ويكون على فعيل وهو قليل في الكلام المرتق، حدثنا أبو الخطاب عن العرب، وقالوا: "كوكب دري" وهو صفة هكذا قرأنه على أبي بكر بالهمز في درئ، قال أبو عبيد: كان بعض أهل العربية يراه لحنا لا يجوز والأصل فيها عندنا فعول، مثل شيوخ، ثم تستثقل الضمات المجتمعة فيه لو قال: دروء، فترد بعض تلك الضمات إلى الكسرة فيقال: درى، قال وقد وجدنا العرب تفعل هذا في فقول وهو أخف من الأول، وذلك كقولهم "عتوا وعتيا"، وكلتا اللغتين في التنزيل، أما قراءة أبي عمرو والكسائي بكسر الدال والهمزة، فقال الزجاج: الكسر جيد بالهمز يكون على وزن فعيل ويكون من النجوم الدراري التي تدرأ؛ أي: تنحط وتسير متدافعة، يقال درأ الكوكب يدرأ إذا تدافع منقضا فتضاعف ضوءه يقال: تدارأ الرجلان إذا تدافعا، قال الفراء: الدري من الكواكب الناصعة وهو من درأ الكوكب إذا انحط كأنه رجم به الشيطان، قالوا: والعرب تسمي الكواكب العظام التي لا تعرف أسماؤها الدراري، قال ومن العرب من يقول كوكب دري ينسبه إلى الدر فيكسر أوله ولا يهمز كما يقال: "سُخري وسِخري"، "وبحر لُجي ولِجي" قال النحاس: ومن قرأ دري بالفتح وتشديد الياء أبدل من الضمة فتحة؛ لأن النسب باب تغيير. قلت: وهي قراءة شاذة حكيت عن قتادة وغيره، قال: وضعف أبو عبيد قراءة أبي عمرو والكسائي؛ لأنه تأولها من درأت؛ أي: وقعت؛ أي: كوكب يجري من الأفق، وإذا كان التأويل على ما تأوله لم يكن في الكلام فائدة، ولا كان لهذا الكوكب مزية على أكثر الكواكب، قال: وروي عن محمد بن يزيد أن المعنى كوكب يندفع بالنور كما يقال اندرأ الحريق،؛ أي: اندفع، وحكى سعيد بن مسعدة درأ الكوكب بضوئه إذا امتد ضوؤه وعلا قيل: هو من قولهم درأ علينا فلان إذا طلع مفاجأة وكذلك طلوع الكوكب حكاه الجوهري، وقال: قال أبو عمرو بن العلاء: سألت رجلا من سعد بن بكر من أهل ذات عرف وكان من أفصح الناس: ما تسمون الكوكب الضخم فقال الدري، وحكى أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس قال: أخبرني أبو عثمان عن الأصمعي عن أبي عمرو قال: قد خرجت من الخندق لم أسمع أعرابيا يقول إلا كأنه كوكب دري بكسر الدال، قال الأصمعي: فقلت: أفيهمزون؟، قال إذا كسروا فبحسبك، قال: أمحذوة من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت، وهذا فعيل منه؟ قال أبو علي: يعني: أنهم إذا كسروا أوله دل الكسر على إرادتهم الهمز وتخفيفهم، قال صاحب المحكم: درأه دفعه ودرأ عليهم خرج فجأة وادرأ الحريق انتشر وكوكب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 دري مندفع في مضيه من المشرق إلى ذلك والجمع درائي على وزن دراعيع، قلت وكونه من درأ إذا دفع أحسن؛ لأنه يدفع الظلام بنوره والله أعلم. 916- يُسَبِّحُ فَتْحُ البَا "كَـ"ـذَا "صِـ"ـفْ وَيوقَدُ الْـ ... ـمُؤَنَّثُ "صِـ"ـفْ "شَـ"ـرْعًا وَ"حَقٌّ" تَفَعَّلا يعني: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا} بفتح الباء على ما لم يسم فاعله وكسرها على تسمية الفاعل وهو رجال، وعلى قراءة الفتح يكون رجال فاعل فعل مضمر؛ أي: يسبحه رجال أو مبتدأ خبره مقدم عليه وهو في بيوت، وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي توقد بالتأنيث؛ أي: توقد الزجاجة أو المشكاة كما تقول: أوقدت البيت وقرأ نافع وابن عامر وحفص يوقد بالتذكير؛ أي: يوقد المصباح، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو "تَوَقَّدَ" بفتح التاء والواو وتشديد القاف وفتح الدال على أنه فعل ماضٍ؛ أي: توقد المصباح وهو معنى قوله: "وحق تفعلا"؛ أي: قرءا على وزن تفعل مثل تكرم وتبصر والألف للإطلاق لا ضمير تثنية وأعرابه أن يقال حق خبر مقدم وتفعل مبتدأ مؤخر أراد، والقراءة على وزن تفل حق، وحكى ابن مجاهد رواية عن عاصم وأهل الكوفة توقد على وزن قراءة أبي عمرو إلا أن الدال مرفوعة فيكون مضارع قراءة أبي عمرو والأصل تتوقد، فحذفت التاء الثانية نحو "لا تكلم نفس"، وحكى أبو عبيد هذه القراءة عن ابن محيصن والضمير فيها للزجاجة كما سبق في القراءة الأولى، فهذه أربع قراءات الأولى والأخيرة راجعة إلى الزجاجة والثانية والثالثة إلى المصباح، قال أبو علي: توقد على أن فاعل توقد المصباح هو الين؛ لأن المصباح هو الذي يتوقد قال: سموت إليها والنجوم كأنها ... مصابيح رهبان تشبه لقفال أي: ويوقد مثله؛ يعني: بالتذكير والله أعلم. 917- وَمَا نَوَّنَ البَزِّي سَحابٌ وَرَفْعُهُمْ ... لَدى ظُلُمَاتٍ جَرَّ "دَ"ارٍ وَأَوْصَلا يريد: {سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} ، فقرأه البزي على إضافة سحاب إلى ظلمات؛ أي: سحاب ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض وهي ما تقدم تفصيله في قوله: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} قال أبو علي: أضاف السحاب إلى الظلمات لاستقلال السحاب وارتفاعه في وقت هذه الظلمات كما تقول سحاب رحمة وسحاب مطر إذا ارتفع في الوقت الذي يكون فيه المطر، ومن نون سحاب ورفع ظلمات وهي قراءة غير ابن كثير كان ظلمات خبر مبتدأ محذوف؛ أي: تلك ظلمات مجتمعة وقرأ قنبل بالتنوين وجر ظلمات على أنها وردت تكريرا وبدلا من ظلمات الأولى وقوله: ورفعهم لدى ظلمات؛ أي: ورفع القراء في ظلمات جره من دري ذلك فقوله: جر فعل ماضٍ ودار فاعله وأوصل عطف على جر؛ أي: قرأ ذلك، وأوصله إلينا، ويجوز في قوله: ورفعهم بالنصب؛ لأنه مفعول جر والرفع على الابتداء نحو: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ} والنصب أقوى عند أهل العربية والله أعلم. 918- كَمَا اسْتُخْلِفَ اضْمُمْهُ مَعَ الكَسْرِ "صَـ"ـادِقًا ... وَفِي يُبْدِلَنَّ الْخِفُّ "صَـ"ـاحِبُهُ "دَ"لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 أي: اضمم التاء مع أنك تكسر اللام فيصير فعل ما لم يسم فاعله، وقراءة الباقين على إسناد الفعل للفاعل وهو الله تعالى فهو موافق لقراءة "ليستخلفنهم"، والخلاف في "وليبدلنهم" بالتخفيف والتشديد سبق في الكهف أنهما لغتان وسبق معنى دلا. 919- وَثَانِيَ ثَلاثَ ارْفَعْ سِوى "صُحْبَةٍ" وَقَفْ ... وَلا وَقِفَ قَبْلَ النَّصْبِ إِنْ قُلْتَ أُبْدِلا يعني: {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} فهذا الثاني والأول لا خلاف في نصبه وهو ثلاث مرات؛ لأنه ظرف، فرفع الثاني على معنى هذه الأوقات أوقات ثلاث عورات، فيجوز لك أن تقف على ما قبلها وهو صلاة العشاء، ثم تبتدئ ثلاث عورات، أما قراءة النصب فتحتمل وجهين؛ أحدهما: أن يكون بدلا من ثلاث مرات فلا وقف على هذا التقدير؛ لأن الكلام لم يتم وليس برأس آية فيغتفر ذلك لأجله نحو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} 1، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 2، {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} 3. فهذا قوله: ولا وقف قبل النصب إن قلت أبدلا؛ أي: إن قلت هو بدل من الأول، وإن قدرت ثلاث عورات منصوبا بفعل مضمر جاز الوقف مثل قراءة الرفع، والتقدير: {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} ؛ أي: احفظوها وراعوها والله أعلم.   1 سورة الفاتحة، آية: 6. 2 سورة الشورى، آية: 52. 3 سورة اقرأ، آية: 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 سورة الفرقان : 920- وَيَأْكُل مِنْهَا النونُ "شَـ"ـاعَ وَجَزْمُنَا ... وَيَجْعَلْ بِرَفْعٍ "دَ"لَّ "صَـ"ـافِيهِ "كُـ"ـمَّلا يريد: {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} الياء في يأكل والنون ظاهران، أما: "ونجعل لك قصورا" فرفعه على الاستئناف، وجزمه على العطف على موضع جواب الشرط الذي هو جعل "لك" على لغة من يجزم جواب الشرط إذا كان فعل الشرط ماضيا، وهو اللغة الفصيحة، ويجوز أن تكون هذه القراءة بالرفع، وإنما أدغم اللام من يجعل في لام لك كما يفعل أبو عمرو في غير هذا الموضع، فيتحد تقدير القراءتين، وكملا جمع كامل وهو مفعول دل؛ أي: دل حسن هذا اللفظ وصفاؤه رجالا كاملين عقلا ومعرفة، فقرءوا به وإن كانت القراءة الأخرى كذلك والله أعلم. 921- وَنَحْشُرُ يَا "دَ"ارٍ "عَـ"ـلا فَيَقُولُ نُو ... نُ شَامٍ وَخَاطِبْ تَسْتَطِيعُونَ "عُـ"ـمَّلا يريد: "ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله"؛ الياء فيه والنون أيضا ظاهران، وأراد ذو يا قارئ دار؛ أي: عارف وعملا صفة دار أو صفة يا، والخلاف أيضا في: "فيقول" بالياء والنون ظاهر، فابن عامر قرأ بالنون فيهما وابن كثير وحفص بالياء فيهما، والباقون بالنون في نحشرهم والياء في: "فيقول"؛ لقوله بعد: {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي} ، وكل ذلك من تلوين الخطاب كما في أول سورة الإسراء والياء في يستطيعون للآلهة والخطاب لعبادها، وتستطيعون في البيت مفعول خاطب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه ومثله ف النمل: وتخفون خاطب، وتقدم في الأنعام: وخاطب شام، ويجوز أن يكون في كل هذه المواضع على حذف حرف الجر؛ أي: خاطب بهذا اللفظ، وعملا جمع عامل وهو حال من فاعل خاطب، وهو وإن كان لفظه أمر المفرد فالمراد به الجمع كأنه قال: وخاطب أيها الرهط والقوم أو الفريق القراءة، وقال الشيخ: يستطيعون بدل من قوله: وخاطب أو عطف بيان وعملا مفعول خاطب. قلت: لا يبين لي وجه ما ذكر في "تستطيعون"، أما جعل عملا مفعول خاطب فيجوز على أن يكون يستطيعون مفعولا بعامل مقدر؛ أي: قارئا يستطيعون، وأراد بالعمل المخاطبين يستطيعون؛ لأنهم كما قال الله تعالى: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} 1، وإن كان مراد الشيخ بما ذكره أن المأمور بالخطاب هو لفظ تستطيعون جعله مخاطبا لهم لما كان الخطاب فيه كقولك: قم زيد، فهذا على حذف النداء؛ أي: قم يا زيد، فكذا التقدير: وخاطب يا يستطيعون؛ أي: يا هذا اللفظ ولا يبعد في التجوز تمثيل ذلك كما تخاطب الديار والآثار، ويطرد هذا الوجه في نحو: وخاطب تعصرون وما أشبهه.   1 سورة الغاشية، آية: 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 922- وَنُزِّلَ زِدْهُ النُّونَ وَارْفَعْ وَخِفَّ وَالْـ ... ـمَلائِكَةُ المَرْفُوعُ يُنْصَبُ دُخْلُلا لفظ بقراءة ابن كثير، وبيَّن ما فعل فيها فقال: زده النون؛ أي: زده النون الساكنة؛ لأن النون المضمومة موجودة في قراءة الباقين وارفع؛ يعني: اللام؛ لأنه صار فعلا مضارعا فوجب رفعه وخف؛ يعني: تخفيف الزاي؛ لأن قراءة الباقين بتشديدها على أنه فعل ماضٍ لما لم يسم فاعله وهو مطابق للمصدر الذي ختمت به الآية وهو تنزيلا، ومصدر قراءة ابن كثير إنزالا إلا أن كل واحد منهما يوضع موضع الآخر أنشد أبو علي: وقد تطويت انطواء الخصب وقال: حيث كان تطويت وانطويت يتقاربان حمل مصدر ذا على مصدر ذا، ولا حاجة إلى أن يقال الناظم: لم ينبه على إسكان النون ذهابا إلى أن المزيدة هي الأولى بل تجعل المزيدة هي الثانية وتخلص من الاعتراض ومن الجواب بأن خف ينبئ عن ذلك وبأن الزاي إذا خففت لم يكن بد من إسكان النون، فهب أن الأمر كذلك فمن أين تعلم قراءة الباقين أنها بالضم، وهو لم يلفظ بها. فإن قلت: في التحقيق الزائدة هي الأولى؛ لأنها حرف المضارعة والثانية هي أول الفعل الماضي. قلت: صحيح إلا أن الناظم لا يعتبر في تعريفه إلا صورة اللفظ ألا تراه كيف قال في يوسف: وثانٍ ننج احذف، فأورد الحذف على الثانية؛ ليصير الفعل ماضيا وإنما المحذوف حرف المضارعة فكذا هنا، ونصب ابن كثير الملائكة؛ لأنه مفعول وننزل ورفعه الباقون؛ لأنه مفعول ونزل ودخللا حال؛ لأن قبله: {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ} 1 فهو مداخله ومرافقه في اللفظ والمعنى. 923- تَشَقَّقُ خِفُّ الشِّينِ مَعْ قَافَ "غَـ"ـالِبٌ ... وَيَأْمُرُ "شَـ"ـافٍ وَاجْمَعُوا سُرُجًا وِلا يريد: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} ، وفي سورة ق: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا} 2 الأصل فيها تتشقق، فمن خفف حذف إحدى التاءين ومن شدد أدغم الثانية في الشين، قال أبو علي: قال أبو الحسن: الخفيفة أكثر في الكلام؛ لأنهم أرادوا الخفة فكان الحذف أخف عليهم من الإدغام فهذا معنى قوله: غالب؛ أي: تخفيف الشين فيه مع حرف قاف أكثر من تشديدها في اللغة، ثم قال: "ويأمر شاف" أراد: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} ؛ أي: بالغيب لإطلاقه والباقون بالخطاب للرسول -صلى الله عليه وسلم- والياء إخبار عنه قال ذلك بعضهم لبعض وخاطبه بعضهم به، وقيل: {لِمَا تَأْمُرُنَا} المسمى بالرحمن وإن كنا لا نعرفه ثم قال: وأجمعوا سرجا؛ يعني: {وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا} يقرؤه حمزة والكسائي بالجمع على إرادة الشمس والنجوم العظام، وقال الزجاج: أراد الشمس والقمر والكواكب العظام معهما،   1 سورة الفرقان، آية: 25. 2 آية: 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 قلت: فعلى هذا يكون قوله: بعد ذلك: {وَقَمَرًا مُنِيرًا} من باب قوله: {وَمَلائِكَتِِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} ، والإفراد للشمس كما جاء في سورة النبأ: {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} ، وفي سورة نوح: {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} 1. وقيل: المراد بالسرج النجوم دون الشمس وهي المصابيح المذكورة في الآية الأخرى، فكأنه سبحانه أشار إلى ما يظهر في السماء ليلا، وهو القمر والنجوم، والقراءة بالإفراد تحتمل ذلك على إرادة الجنس كما في نظائره أو أراد به الشمس فيكون مجموع القراءتين الصحيحتين قد أفاد مجموع النجوم والقمرين "وولا" بالكسر وهو مفعول له أو حال؛ أي: لأجل المتابعة أو ذوي متابعة. 924- وَلَمْ يَقْتِرُوا اضْمُمْ "عَمَّ" وَالكَسْرَ ضُمَّ "ثِـ"ـقْ ... يُضَاعَفْ وَيَخْلُدْ رَفْعُ جَزْمٍ "كَـ"ـذِي "صِـ"ـلا أي: اضمم أوله وضم أيضا كسره وهو في الثاني، وإنما قال: في الثاني ضم الكسر، ولم يقل في الأول ضم الفتح؛ لأن الكسر ليس ضدًّا للضم والفتح ضده فالذين ضموا الثاني فتحوا الأول والذين ضموا الأول كسروا الثاني والباقن فتحوا الأول وكسروا الثاني وهم ابن كثير وأبو عمرو، قرءا من قتر يقتِر مثل ضرب، والكوفيون من قتر يقتُر مثل يقتل، ونافع وابن عامر من أقتر يُقتِر مثل أكرم يكرم، وكل ذلك لغات في تضييق النفقة، وقيل: أقتر خلاف أيسر يدل عليه على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، وقال في معنى التضييق: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} فهذا من قتر وفي مضارعه لغتان؛ الكسر والضم مثل يعكفون ويعرشون، وقال أبو حاتم: لا وجه للإقتار ههنا، إلا أن يذهب به إلى أن المسرف يفتقر سريعًا، قال أبو جعفر النحاس: تعجب أبو حاتم من قراءة أهل المدينة هذه؛ لأن أهل المدينة عنده لا يقع في قراءتهم الشاذ، وتأول لهم أن المسرف يفتقر سريعا، قال: وهذا تأويل بعيد، ولكن التأويل لهم أن أبا عمرو الجرمي حكى عن الأصمعي أنه يقال للإنسان إذا ضيق قتر يقتر ويقتر وقتر يقتر وأقتر يقتر، قال: فعلى هذا تتضح القراءة، وإن كان فتح الياء أصح وأقرب متأولا وأشهر وأعرف، ومن أحسن ما قيل في معناه: قول أبي عبد الرحمن الجبلي من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف، ومن أمسك عن طاعة الله فهو الإقتار، ومن أنفق في طاعة الله فهو القوام. أما: "يضاعفُ له العذاب يوم القيامة ويخلدُ"، فالرفع فيهما على الاستئناف، والجزم على البدل مِن "يلق أثاما"؛ لأنهما في معنى واحد، وقوله: رفع جزم؛ أي: ذو رفع جزم فيهما، وقوله: "كذى صلا" في موضع الحال؛ أي: مشتهرا اشتهار ذي الصلاء؛ أي: موقد النار لقصد جمع الأصناف، أو يكون التقدير: كن كذي صلا؛ أي: تقرأ العلم لأضيافك وهم المستفيدون المستحقون لذاك. 925- وَوَحَّدَ ذُرِّيَّاتِنَا "حِـ"ـفْظُ "صُحْبَةٍ" ... وَيَلْقَوْنَ فَاضْمُمْهُ وَحَرِّكْ مُثَقِّلا يريد: "ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا" إفراد الذرية وجمعها ظاهران، وقد سبق مثلهما في الأعراف،   1 آية: 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 وأما: {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً} فاضمم ياءه وافتح لامه وثقل قافه لغير صحبة من قوله: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} وهو موافق لقوله: {يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} ، وقرأه صحبة من لَقِي يلقَى نحو: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} ، وقال في ضدهم: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} ، وهما ظاهران أيضًا، والله أعلم. 926- سِوى "صُحْبَةٍ" وَاليَاءُ قَوْمِي وَلَيْتَنِي ... وَكَمْ لَوْ وَلَيْتٍ تُورِثُ الْقَلْبَ أَنْصُلا سوى صحبة خبر قوله: ويلقون؛ أي: هو قراءة سوى صحبة، فحذف المضاف واعترض بين المبتدأ وخبره بقوله: فاضممه، وحرك مثقلا وحقه أن يتأخر وفيها من ياءات الإضافة ياءان: "إِنَّ قَوْمِيَ اتَّخَذُوا" فتحها نافع وأبو عمرو والبزي، "يَا لَيْتَنِيَ اتَّخَذْتُ" فتحها أبو عمرو وحده، ثم أن لفظ ليتني أذكر الناظم -رحمه الله- قصة الظالم الذي يعض على يديه يوم القيامة ويقول: {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ} ، فيندم ويتأسف ويتمنى في وقت لا ينفعه ذلك، فتمم الناظم البيت بما بينه العقلاء على الاستعداد خوفا من وقوع مثل ذلك، وأنصلا جمع نصل؛ أي: تورث القلب ألما كألم وقوع النصول في القلب، فيقول المتندم المتأسف: لو أني فعلت كذا ولو أني ما فعلت، وهذه كلمة قد نهى الشرع عنها، ففي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أصابك شيء فلا تقل: لولا أني فعلت، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان"، وأضاف الناظم "كم" إلى حرفي: "لو" "وليت"، والمراد المرات المقولة بهذين اللفظين حكى لو بلفظها وأعرب ليت فخفضها ونونها؛ لأنه أجراهما ههنا مجرى الأسماء في الإخبار عنها، وقد استعمل الفصحاء ذلك فتارة حكوا وتارة أعربوا، قال أبو زيد الطائي: ليت شعري وأين مني ليتٌ ... إن ليتًا وإن لوًّا عناءُ وقال أبو تمام: قولي نعم ونعم إن قلت واجبة ... قالت عسى وعسى جسرٌ إلى نعم وأدخل بعضهم الألف واللام فقال: والمرء مرتهن بسوف وليتني ... وهلاكه في السوف ثم الليت وأفرد تورث وهو خبر عن اثنين اختصارا واستغناء بالخبر عن أحدهما نحو: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، وأنث لفظ تورث باعتبار الكلمة ويجوز تذكيره باعتبار اللفظ والحرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 سورة الشعراء : 927- وَفِي حَاذِرُونَ الْمدُّ "مَـ"ـا"ثُـ"ـلَّ فَارِهِيـ ... ـنَ "ذَ"اعَ وَخَلْقُ اضْمُمْ وَحَرِّكْ بِهِ الـ"ـعُـ"ـلا يريد: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} قيل: الحذِر والحاذر سواء، وقيل: الحذِر من طُبع على الحذر وقيل: المتيقظ، والحاذر الذي يحذر ما حدث أو المستعد كأنه أخذ حذره، ومعنى قوله: ما ثُلّ؛ أي: ما زال، من قولهم: ثللت الحائط إذا هدمته ويقال للقوم إذا ذهب عزهم: قد ثل عرشهم ثم قال: فارهين ذاع؛ أي: قرأه بالمد من قرأ "حاذرون"، وزاد معهم هشام يريد: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} ، وقيل: أيضا فارهين وفرهين سواء وقيل: فارهين حاذقين وفرهين أشرين أو كيسين أو فرحين، ثم قال: وخلق اضمم يريد: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} اضمم خاءه وحرك به؛ أي: حرك اللام بالضم وإنما احتاج إلى قوله: به؛ لأن مطلق التحريك هو الفتح فيصير خلق؛ أي: إن هذا إلا عادة الأولين يشيرون إلى الحياة والموت أو إلى دينهم أو إلى ما جاء به، كما قالوا عنه: {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} ، وخَلْق بفتح الخاء وسكون اللام بمعنى كذب الأولين أو يكون إشارة إلى خلقهم،؛ أي: ما نحن إلا كالأولين في الحياة والموت، ثم رمز لمن ضم الخاء واللام، فقال العلا كما في ند في البيت الآتي، فالعلا مبتدأ وما بعده الخبر،؛ أي: ذو العلا كالذي في مكان ند أو كالذي في كرم أو أراد أنه خبر مبتدأ محذوف ذاك هو العلا والله أعلم. 928- "كَـ"ـمَا "فِـ"ـي "نَـ"ـدٍ وَالأيْكَةِ اللامُ سَاكِنٌ ... مَعَ الْهَمْزِ وَاخْفِضْهُ وَفِي صَادَ "غَـ"ـيْطَلا يريد: {أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} هنا وفي صاد قرأهما الحرميان وابن عامر "لَيْكة" بفتح اللام من غير همز وفتح التاء، وأجمعوا على الذي في الحجر والذي في ق أنها الأيكة بإسكان اللام وبعده همزة وبخفض التاء، وإنما خص ما في الشعراء وص بتلك القراءة،؛ لأن صورته في الرسم كذلك، واختارها أبو عبيد، وضعفها علماء العربية، قال أبو عبيد: لا أحب مفارقة الخط في شيء من القرآن إلا ما تخرج من كلام العرب وهما ليس بخارج من كلامها مع صحة المعنى في هذه الحروف، وذاك أنا وجدنا في بعض التفسير الفرق بين الأيكة وليكة، فقيل: ليكة هي اسم القرية التي كانوا فيها والأيكة البلاد كلها فصار الفرق فيما بينهما شبيها بفرق ما بين بكة ومكة، ورأيتهن مع هذا في الذي يقال له: الإمام مصحف عثمان مفترقات، فوجدت التي في الحجر والتي في ق: "الأيكة"، ووجدت التي في الشعراء والتي في صاد: "ليكة"، ثم أجمعت عليها مصاحف الأمصار كلها بعد فلا نعلمها إذا اختلفت فيها وقرأها أهل المدينة على هذا اللفظ الذي قصصنا؛ يعني: بغير ألف ولام ولا إجراء، هذه عبارته وليست سديدة؛ فإن اللام موجودة في "ليكة"، وصوابه بغير ألف وهمزة قال: فأي حجة تلتمس أكثر من هذا فبهذه نقرأ على ما وجدناه مخطوطا بين اللوحين. قال أبو العباس المبرد في كتاب الخط: كتبوا في بعض المواضع: {كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} بغير ألف؛ لأن الألف تذهب في الوصل، ولذلك غلط القارئ بالفتح فتوهم أن "ليكة" اسم شيء وأن اللام أصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 فقرأ "أصحاب لَيكة المرسلين" قال الفراء: نرى والله أعلم أنها كتبت في هذين الموضعين على ترك الهمزة فسقطت الألف؛ لتحريك اللام، قال مكي: تعقب ابن قتيبة على أبي عبيد فاختار الأيكة بالألف والهمزة والخفض، وقال: إنما كتبت بغير ألف على تخفيف الهمزة، قال: وقد أجمع الناس على ذلك؛ يعني: في الحجر وق، فوجب أن يلحق ما في الشعراء وص بما أجمع عليه فما أجمعوا عليه شاهد لما اختلفوا فيه، قال الزجاج: القراءة بجر "ليكة"، وأنت تريد الأيكة أجود من أن تجعلها ليكة وتفتحها؛ لأنها لا تنصرف؛ لأن "ليكة" لا تعرف، وإنما هو أيكة للواحد وأيك للجمع مثل أجمة وأجم والأيكة الشجر الملتف فأجود القراءات فيها الكسر وإسقاط الهمز؛ لموافقة المصحف ولا أعلمه إلا قد قرئ به قال النحاس: أجمع القراء على خفض التي في الحجر والتي في سورة ق فيجب أن يرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه إذا كان المعنى واحدا، فأما ما حكاه أبو عبيد من أن "ليكة" اسم القرية التي كانوا فيها، وأن الأيكة اسم البلد كله فشيء لا يثبت ولا يعرف من قاله، ولو عرف من قاله لكان فيه نظر،؛ لأن أهل العلم جميعا من أهل التفسير والعلم بكلام العرب على خلافه لا نعلم بين اللغة اختلافا أن الأيكة الشجر الملتف فما احتجاج بعض من احتج لقراءة من قرأ في هذين الموضعين بالفتح أنه في السواد "ليكة" فلا حجة له فيه، والقول فيه أن أصله الأيكة، ثم خففت الهمزة، فألقيت حركتها على اللام فسقطت فاستغنت عن ألف الوصل؛ لأن اللام قد تحركت فلا يجوز على هذا إلا الخفض كما تقول: مررت بالأحمر على تحقيق الهمزة ثم تخففها فتقول: بلحمر فإن شئت كتبته في الخط على ما كتبته أولا، وإن شئت كتبته بالحذف ولم يجز إلا الخفض فكذلك لا يجوز في الأيكة إلا الخفض، قال سيبويه: واعلم أن كل ما لا ينصرف إذا أدخلته الألف واللام أو أضفته انصرف، قال: ولا نعلم أحدا خالف سيبويه في هذا، وقال أبو علي: قول من قال "ليكة"، ففتح التاء مشكل؛ لأنه فتح مع لحاق اللام الكلمة، وهذا في الامتناع كقول من قال: مررت بلحمر فيفتح الآخر مع لحاق لام المعرفة الكلمة، وقال: إنما كتبت "ليكة" على تخفيف الهمز والفتح لا يصح في العربية؛ لأنه فتح حرف الإعراب في موضع الجر مع لام المعرفة فهو على قياس من قال: "مررت بلحمر"، قال: ويبعد أن يفتح نافع ذلك مع ما قاله ورش. قلت: يعني: أن ورشا مذهبه عنه نقل الحركة، وقد فعل ذلك في الحجر وق مع الخفض فكذا في الشعراء وص، وقال الزمخشري: قرئ أصحاب الأيكة بالهمز وتخفيفها، وبالجر على الإضافة وهو الوجه، ومن قرأ بالنصب، وزعم أن "ليكة" بوزن ليلة اسم بلد فوهم قاد إليه خط المصحف، وإنما كتبت على حكم لفظ اللافظ كما تكتب أصحاب النحو؛ لأن "ولُولَى" على هذه الصورة؛ لبيان لفظ المخفف، وقد كتب في سائر القرآن على الأصل، والقصة واحدة على أن "ليكة" اسم لا يعرف، وروي أن أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتفٍّ وكان شجرهم الدوم قلت: يعني: فهذا اللفظ مطابق لحالهم، أما لفظ "ليكة" على أن تكون اللام فاء الكلمة وهي مركبة من لام وياء وكاف، فهذا شيء غير موجود في لسان العرب بل هذا التركيب مما أهملته، فلم يتلفظ به فهو مشبه بالحاء والدال المعجمتين مع الجيم فإنه مما نص عليه أهل اللغة أنه أهمل فلم تنطق به العرب ولكن لا وجه لهذه القراءة غير ذلك، قال الزجاج: أهل المدينة يفتحون على ما جاء في التفسير أن اسم المدينة التي كان فيها شعيب "ليكة" قال ابن القشيري: قال أبو علي: لو صح هذا فلِمَ أجمع القراء على الهمز في قوله: {وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} في سورة الحجر؟ والأيكة التي ذكرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 ههنا هي التي ذكرت هناك، وقد قال ابن عباس: الأيكة الغيضة ولم يعبرها بالمدينة والبلد قال: وهذا الاعتراض مردود إذا ثبتت هذه القراءة، ولا يبعد أن تسمى بقعة ليكة ثم يعبر عن ذلك البقعة بالغيضة والأيكة؛ لكثرة أشجارها، وقال الخليل: الأيكة غيضة تنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر، وقيل: الأيك شجر الدوم وهو المقل وهو أكثر شجر مدين، وقيل: بعث شعيب إلى مدين والأيكة وهما قريتان، قال صاحب الصحاح: من قرأ أصحاب الأيكة فهي الغيضة، ومن قرأ: "ليكة" فهي اسم القرية، ويقال: هما مثل بكة ومكة. قلت: إنما قال ذلك تقليدا لما ذكره أبو عبيد، وإلا فلم يذكر في حرف الكاف فصلا للام ولا ذكره غيره فيما علمت، وقول الناظم: غيطلا منصوب على الحال من مفعول أخفضه؛ أي: مفسرا بذلك؛ لأن الغيطل جمع غيطلة وهي الشجر الكبير، وجعله الشيخ حالا من الفاعل فقال: اخفضه مفسرا أو متأولا ذلك بالغيطل،؛ أي: أنك في القراءة الأخرى إنما تتأوله بالبقعة، فقد صار للأيكة حالان حال هو فيها بقعة وحال هو فيها غيطلة فافعل ذلك به غيطلا. 929- وَفِي نَزَّلَ التَّخْفِيفُ وَالرُّوحُ وَالأَمِيـ ... ـنُ رَفْعُهُما "عُـ"ـلْوٌ "سَمَا" وَتَبَجَّلا يريد نزل به الروح الأمين فمع التخفيف رفع الروح؛ لأنه فاعل والأمين صفته ومع التشديد نصبهما على المفعولية، ويناسب التشديد ما قبله من قوله: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وعلو بضم العين وكسرها: نقي السفل بضم السين وكسرها. 930- وَأَنَثْ يَكُنْ لِلْيَحْصَبِي وَارْفَعَ ايَةً ... وَفَا فَتَوَكَّلْ وَاوُ "ظَـ"ـمْئانِهِ "حَـ"ـلا يريد: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً} قرأ الجماعة بتذكير يكن ونصب آية على أنها خبر كان، واسمها أن يعلمه علماء بني إسرائيل؛ أي: أو لم يكن علم العلماء آية لهم على صدقك، وعلى قراءة ابن عامر قال الزمخشري: جعلت آية اسما وأن يعلمه خبرا، قال: وليست كالأولى؛ لوقوع النكرة اسما والمعرفة خبرا، وقد خرج لها وجه آخر؛ ليتخلص من ذلك فقيل: في يكن ضمير القصة وآية أن يعلمه جملة واقعة موقع الخبر. قال: ويجوز على هذا أن يكون لهم آية هي جملة لشأن وأن يعلمه بدل عن آية، ويجوز مع نصب الآية تأنيث يكن كقوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا} . قلت: ولكن لم يقرأ به، أما: "فتوكل على العزيز الرحيم" فرسم بالفاء في المدني والشامي، وبالواو في غيرهما، قال أبو علي: الوجهان حسنان، قال الشيخ: الواو عطف جملة على جملة، والفاء على أنه كالجزاء لما قبله، وقال الزمخشري: له محملان؛ في العطف أن يعطف على فقل أو فلا تدع، قلت: لا حاجة إلى جعلها عاطفة بل لها حكم قوله: فلا تدع فإن عصوك فهي في الجميع تفيد استئناف أمر غير ما تقدم والهاء في قول الناظم ظمآنه تعود إلى الفاء؛ لأن الفاء لما جعلت الواو مكانها هنا ظمئ المكان إليها، فقال: الواو أيضا خلت هنا والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 931- وَيَا خَمْسِ أَجْرِي مَعْ عِبَادِي وَلِي مَعِي ... مَعًا مَعْ أَبِي إِنِّي مَعًا رَبِّيَ انْجَلا أضاف لفظ: "يا" إلى خمس وقصره ضرورة كما قصر لفظ: "فا" في البيت السابق في قوله: "وفا فتوكل" يريد: {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا} في خمسة مواضع في قصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام فتحهن نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص، وأراد: "بعباديَ إنكم متبعون" فتحها نافع وحده. {مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} فتحها حفص وحده. {وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فتحها حفص وورش. "عدو ليَ إلا"، "اغفر لأبيَ إنه" فتحهما نافع وأبو عمرو. "إنيَ أخاف" موضعان في قصة موسى وهود عليهما السلام، "ربيَ أعلم" في قصة شعيب -عليه السلام- فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو فتلك ثلاث عشرة ياء إضافة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 سورة النمل : 932- شِهَابٍ بِنُونٍ "ثِـ"ـقْ وَقُلْ يَأْتِيَنَّنِي ... "دَ"نَا مَكُثَ افْتَحْ ضَمَّةَ الكَافِ "نَـ"ـوْفَلا أراد: {بِشِهَابٍ قَبَسٍ} وقوله: بنون:؛ أي: بزيادة تنوين للكوفيين فيكون قبس صفة لشهاب؛ أي: مقبوس يقال: قبست نارا، وقيل: هو بدل ومن أضاف فهو من باب ثوب خز؛ لأن القبس الشعلة من النار، وكذلك الشهاب لكن الشهاب يطلق أيضا على الكوكب، وعلى كل أبيض ذي نور، فأضيف للبيان، وحكى أبو علي عن أبي الحسن أن الإضافة أكثر وأجود في القراءة كما تقول دار آجر وسوار ذهب قال: ولو قلت: سوار ذهب ودار آجر لكان عربيا إلا أن الأكثر في كلام العرب الإضافة، ثم قال: وقل: يأتينني دنا؛ أي: بزيادة نون أيضا فاستغني بقيد شهاب عن تقييده كما استغني في التخفيف والتثقيل بقيد المسألة الأولى عن الثانية نحو سكرت فاسعرت عن أولى ملاد وفي اللفظ ما ينبيء عن ذلك فهو فيهما من باب الإثبات والحذف، أراد: {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} زاده ابن كثير نونا وهو نون الوقاية وقبلها نون التأكيد الشديدة، وقراءة الجماعة إما على إسقاط نون الوقاية أو على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة ثم أدغمت في نون الوقاية، أما "مكث" ففتح الكاف منه وضمها لغتان، ويقوى الفتح أنكم ماكثون ماكثين فيه أبدا، ونوفلا حال من فاعل افتح وقد تقدم. 933- مَعًا سَبَأَ افْتَحْ دُونَ نُونٍ "حِـ"ـمًى "هُـ"ـدًى ... وَسَكِّنْهُ وَانْوِ الْوَقْفَ "زُ"هْرًا وَمَنْدَلا يريد: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأ} : {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ} 1، فهذا معنى قوله: "معا"؛ أي: هنا وفي سورة سبأ افتح الهمز من لفظ سبأ دون نون؛ أي: من غير تنوين؛ لأنه لا ينصرف، وحمى هدى حال وقراءة الباقين بالصرف كسروا الهمزة ونونوا وهما لغتان في لفظ سبأ وثمود الصرف وتركه نص سيبويه وغيره عليهما بناء على أنه يقصد بهما الحي أو القبيلة، وحسن لفظ الصرف هنا؛ ليناسب الكلمة التي بعده وهي قوله: "بنبأ" فهو أولى من صرف سلاسلا وقواريرا للتناسب على ما يأتي في موضعه، وروى قنبل إسكان الهمزة، وقرأ به ابن مجاهد عليه وقال: هو وهم وبين الناظم علته بقوله: وانو الوقف؛ أي: تكون واصلا بنية الوقف وهذا باب لو فتح لذهب الإعراب من كلام العرب واستوى الوقف والوصل ولكن يقع مثل هذا نادرا في ضرورة الشعر، قال مكي، الإسكان في الوصل بعيد غير مختار ولا قوي، وقوله: زهرا ومندلا حالان من فاعل سكنه أو مفعوله؛ أي: ذا زهر ومندل؛ أي: ذا طيب بمعنى طيبا؛ أي: خذه بقبول غير متكره له:   1 سورة سبأ، آية: 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 934- أَلا يَسْجُدُوا رَاوٍ وَقِفْ مُبْتَلىً أَلا ... وَيا وَاسْجُدُوا وَأبْدَأْهُ بِالضَّمِّ مُوصِلا أي: قراءة الكسائي بتخفيف "ألا" جعله حرف تنبيه نحو: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} 1، {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} 2. وتقدير البيتين: ألا يسجدوا قراءة راوٍ فيكون "يسجدوا" بعده كلمتين تقريرهما: يا اسجدوا بحرف النداء وفعل الأمر والمنادى محذوف؛ أي: يا قوم اسجدوا وهذه لغة فصيحة مشهورة كثيرة ومنها قول الشماخ: ألا يا اصبحاني قبل غارة سنجال أي: يا صحابي اصبحاني إلا أنه لم يكتب في المصحف إلا على هذه الصورة بحذف ألا يا وحذف ألف الوصل من اسجدوا وحذف الألف من "يا" مطرد في رسم المصاحف نحو: "ينوح"، "يقوم" في يا نوح يا قوم، وحذفت ألف الوصل أيضا في نحو: "بسم الله" فلما اجتمعا في هذه الكلمة حذفا، ونظيرها في الرسم "يبنؤم" في يا ابن أم حذفت الألف من يا وألف الوصل من ابن فحصل من هذا أن الرسم احتمل ما قرأه الكسائي وما قرأ به غيره، واختار أبو عبيد قراءة الجماعة وقال؛ لأنها في بعض التفاسير: وزين لهم اشيطان أن لا يسجدوا قال: ومن قرأها بالتخفيف جعلها أمرا مستأنفا بمعنى: ألا يا أيها اسجدوا وهذا وجه حسن إلا أن فيه انقطاع الجزء الذي كان من أمر ملكة سبأ وقومها ثم رجع بعد إلى ذكرهم والقراءة الأولى خبر يتبع بعضه بعضًا لا انقطاع فيه قال أبو علي: وهذا هو الوجه ولتجري القصة على سننها ولا يفصل بين بعضها وبعض بما ليس منها وإن كان الفصل بهذا النحو غير ممتنع؛ لأنه يجري مجرى الاعتراض وما يساد القصة، وكأنه لما قيل: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} الآية قد دل هذا الكلام على أنهم لا يسجدون لله تعالى ولا يتدينون بدين فقال: ألا يا قوم أو يا مسلمون اسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض خلافا عليهم وحمدا لله مكان ما هداهم لتوحيده فلم يكونوا مثلهم في الطغيان والكفر قال الفراء: قرأها أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وحميد الأعرج مخففة على معنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا، فيضمر هؤلاء ويكتفي بقوله: يا وسمع بعض العرب يقول: ألا يا ارحمونا، ألا يا تصدقوا علينا، وحدثني الكسائي أن عيسى الهمداني قال: ما كنت أسمع الشيخة يقرؤونها إلا بالتخفيف على نية الأمر وهي في قراءة عبد الله: "هلا تسجدوا" بالتاء فهذه حجة لمن خفف؛ لأن قولك: ألا تقوم بمنزلة قولك: قم، وفي قراءة أبي: "ألا يسجدون لله الذي يعلم سركم وما تعلنون"، قال: وهو وجه الكلام؛ لأنها سجدة ومن قرأ: "أن لا يسجدوا"، فشدد، فلا ينبغي لها أن تكون سجدة؛ لأن المعنى زين لهم الشيطان أن لا يسجدوا، وقول الناظم: وقف مبتلا ألا يا أراد أن يبين هذه الكلمات المتصلة؛ لينفصل بعضها من بعض لفظًا كما هي منفصلة تقديرًا فقال: إذا ابتليت بالوقف؛ أي: اختبرت وسئلت عن ذلك على وجه الامتحان أو أراد بالابتلا الاضطرار؛ أي: إذا اضطررت إلى ذلك؛ لانقطاع نفس أو نسيان فلك أن تقف على ألا؛ لأنه عرف مستقل لا اتصال له بما بعده بخلافها إذا شددت في قراءة الجماعة على ما يأتي، ولك أن تقف على يا؛ لأنها حرف النداء والمنادى بها محذوف فهذا موضع الاختبار؛ لأن الياء متصلة بالفعل   1 سورة يونس، آية: 62. 2 سور هود، آية: 54. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 لفظًا وخطًّا، أما الوقف على ألا فلا يحتاج إلى الاختبار؛ إذ لا يخفى أنه كلمة وكذا الوقف على اسجدوا بل الوقف عليهما من باب الاضطرار لا الاختبار فلما كان قوله: مبتلا يحتمل الأمرين ذكر موجبهما على كل واحد من التقديرين، ونصب مبتلا على الحال وكذا ما بعده؛ لأن التقدير: قائلا: ألا ويا واسجدوا، ثم قال: وابدأه بالضم؛ أي: ابدأ اسجدوا بضم همزة الوصل؛ لأنه فعل أمر من المضارع المضموم الوسط كاخرج وادخل، فكما تضم الهمزة إذا ابتدأت: {ادْخُلُوا مِصْرَ} كذلك تضم في: "اسْجُدُوا" إذا ابتدأت بها، وغير الناظم من المصنفين لا يذكرون الوقف إلا على "ألا يا"؛ لأنه موضع الاختبار وفي شرح الغاية لابن مهران، روي عن الكسائي أنه وقف: "ألا يا"، وابتدأ اسجدوا قال: فإن صح ذلك فعلى طريق إظهار الأصل لا على طريق الاختبار في الوقف، كأنه قيل: له فعلا أثبت النون كما في: {أَلا يَتَّقُونَ} ، {أَلا تُقَاتِلُونَ} ، "ألا تجدون" فأخبرهم بأصل الكلمة، وقوله: موصلا حال من أوصلته؛ أي: بلغته؛ أي: مبلغا علم ذلك إلى من لا يعرفه، وذكر الشيخ فيه وجهين أحدهما أن معنى موصلا ناطقا بهمزة الوصل والثاني في حال وصلك؛ أي: إنه ليس بابتداء تستمر عليه إنما أنت تبتدي للضم للاختبار، ثم تصله بما قبله تاليا، قلت: فهي على هذا المعنى حال مقدرة إلا أن في استعمال موصلا بهذا المعنى نظرًا، وقد سبق التنبيه عليه في باب الهمزتين من كلمة وفي سورة البقرة؛ لأنه بمعنى واصلا ثَم. 935- أَرَادَ أَلا يَا هؤُلاءِ اسْجُدُوا وَقِفْ ... لَهُ قَبْلَهُ وَالغَيْرُ أَدْرَجَ مُبْدِلا أي: أراد الكسائي هذا التقدير: وقد سبق شرحه، ثم قال: وقف له؛ أي: للكسائي قبله؛ أي: قبل ألا يسجدوا؛ أي: يجوز لك الوقف على: {فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} ؛ إذ لا تعلق لما بعده به، ثم قال: والغير أدرج؛ أي: غير الكسائي أدرج "يهتدون" مع "ألا يسجدوا"، ولم يقف قبله، وجعله بدلا من أعمالهم أو من السبيل على زيادة لا فقوله: مبدلا بفتح الدال مفعول أدرج؛ أي: أدرج لفظا مبدلا أو حال من المفعول؛ أي: أدرجه في حال كونه مبدلا مما قبله ثم ذكر وجها آخر فقال: 936- وَقَدْ قيل: مَفْعُولًا وَإِنْ أَدْغَمُوا بِلا ... وَلَبْسَ بِمَقْطُوعٍ فَقِفْ يَسْجُدُوا وَلا أي: أدرج مفعولا وفي نصب مفعول الوجهان المقدمان؛ إما مفعول به وإما حال؛ أي: أعرب: {أَلَّا يَسْجُدُوا} بأنه مفعول، واختلفت في ذلك فقيل: هو مفعول به؛ أي: فهم لا يهتدون أن يسجدوا ولا زائدة، وقيل: هو مفعول له؛ أي: زين لهم لئلا يسجدوا أو قصدهم لئلا يسجدوا، وهذا الوجه والأول الذي هو بدل من أعمالهم يكون فيه لا غير زائدة بخلاف البدل من السبيل والنصب بيهتدون، فهي فيهما زائدة فلا يجوز في قراءة الجماعة الوقف على يهتدون؛ لأجل هذا التعلق على الوجوه الأربعة بخلاف قراءة الكسائي فلا تعلق لها بما قبلها، وهذا كله يقال؛ إظهارًا لمعاني الكلام وتعريفا بتعلق بعضه ببعض؛ ليتدرب فيه الطالب وإلا فالمختار عندنا جواز الوقف على رءوس الآي مطلقة. قال: وإن أدغموا بلا؛ يعني: أن ألا أصلها أن لا فأدغمت النون في اللام إدغاما واجبا؛ لسكونها على ما عرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 في باب النون الساكنة فمن ثم جاء التشديد. ثم قال: وليس بمقطوع؛ يعني: لم يفصل بين الحرفين في الرسم فلم يكتب أن لا بل لم تكتب النون صورة أصلا بل كتبت على لفظ الإدغام فلأجل ذلك احتمل الرسم قراءة الكسائي وقراءة الجماعة، وهي "أن" الناصبة للفعل ولا بعدها للنفي أو زائدة على ما تقرر من المعاني. ثم قال: فقف يسجدوا؛ يعني: أنه ليس لك أن تقف في الابتلاء ثلاث وقفات كما ذكرنا للكسائي؛ لأن تلك المواضع كل كلمة مستقلة بمقصودها؛ لأن إلا أفادت الاستفتاح ويا مع المنادى المحذوف أفادت الندا. ثم قال: اسجدوا وهو أمر تام، وههنا إن وقفت على "ألا" كنت قد وقفت على أن الناصبة دون منصوبها، فلا يتم الكلام إلا بقوله: يسجدوا وههنا إشكالان: الأول أن ظاهر قوله: أن لا وقف للجماعة إلا على يسجدوا فإن أراد وقف الاختيار فذاك في آخر الآية، وإن أراد وقف الاضطرار جاز على ألا، وهذا هو المنقول قد صرح به جماعة من المصنفين. قال ابن الأنباري: من قرأ بالتثقيل: وقف على "ألا"، وابتدأ "يسجدوا" وهو ظاهر كلام صاحب التيسير؛ فإنه قال: الكسائي "ألا يسجدوا" بتخفيف اللام ويقف "ألا يا" ويبتدئ "اسجدوا" على الأمر؛ أي: ألا يا أيها الناس اسجدوا والباقون يشددون اللام؛ لاندغام النون فيها ويقفون على الكلمة بأسرها. وقال شيخه أبو الحسن ابن غلبون: لا ينبغي أن يتعمد الوقف والابتداء ههنا؛ لأن الكلام مرتبط بعضه ببعض من حيث الندا وخطابه، فلا يفصل بعضه من بعض. قال: ولا يجوز الوقف للباقين إلا على آخر الآية وإن انقطع نفس القارئ لهم على "ألا" رجع إلى أول الكلام فإن لم يفعل ابتدأ يسجدوا بالياء مفتوحة قال الأهوازي: يقفون عليه ألا ويبتدئون يسجدوا كما في الكتاب. وقال صاحب الروضة: الوقف عليه قبيح، فإن وقف واقف عليه مضطرًا ابتدأ بـ "يسجدوا" كما يصل. وقال ابن الفحام: يبتدئ بياء معجمة الأسفل في أول الفعل. وجواب هذا الإشكال أن الناظم استغنى عن ذكر الوقف على "ألا"؛ لظهور الأمر فيه فلم يكن لهم عنده إلا منع الوقوف على "أن" من "ألا"، فمنع ذلك بقوله: وليس بمقطوع ثم اهتم بمنع فصل الياء من "يسجدوا" كما فعل الكسائي فقال فقف: يسجدوا وضاق عليه البي فلم يتمكن من التنصيص على التفاصيل كلها، ويجوز أن يكون الناظم ما أراد بقوله: وليس بمقطوع إلا أن هذا اللفظ متصل في قراءة الجماعة الياء مع السين؛ لأنها حرف المضارعة بخلافها في قراءة الكسائي؛ فإنها مفصولة منها تقديرًا؛ لأنها من حرف النداء من الفعل. الإشكال الثاني: لم كان حذف النون من أن في الخط مانعا من الوقوف على هذه الكلمة للجماعة ورد النون في الوقف. فإن قلتَ: لأنها لم ترسم فالألف من يا لم ترسم في "يسجدوا"، وقد وقف الكسائي عليها، وجوابه: أن النون من "أن" صارت لامًا للإدغام والألف من يا حذفت، ولم تتعوض لفظا آخر فعادت في الوقف. فإن قلتَ: وقف حفص على اللام من: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 {بَلْ رَانَ} 1، وهي اللفظ راء؛ لإدغامها في الراء، وكذا النون في: {مَنْ رَاقٍ} 2. قلتُ: سببه أن اللام والنون رسمتا ولو رسمت هنا لفعل مثل ذلك والله أعلم. وقول الناظم في آخر البيت: وَلا؛ هو بفتح الواو؛ أي: ذا ولاء؛ أي: نصر؛ أي: ناصرا للقراءة أن منصورا بها؛ لوضوحها وعدم الكلفة في تقريرها؛ لأن ما يضاف إلى المصدر يكون تارة في المعنى فاعلا وتارة مفعولا كما أن المصدر يضاف مرة إلى فاعله وتارة إلى مفعوله. 937- وَيُخْفُونَ خَاطِبْ يُعْلِنُونَ "عَـ"ـلَى "رِ"ضًا ... تَمِدُّونَنِي الإِدْغامُ "فَـ"ـازَ فَثَقَّلا يريد: {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} قرأهما الكسائي بالخطاب بناء على قراءته بالأمر بالسجود على من قص عليه حكايتهم، وقراءة حفص على ابتداء المخاطبة كما ابتدأها الكسائي في ألا يا اسجدوا، وقراءة الباقين بالغيب فيهما ظاهرة، وقوله: على رضا؛ أي: كائنا على رضا من ناقليه له وإن كان علا فعلا فرِضى تمييز أو حال؛ أي: علا رضاه أو على ذا رضى، أما: {أَتُمِدُّونَن بِمَالٍ} ففيه نونان، فجاز الإدغام كما في: "أتحاجوني" والإظهار الأصل وعليه الرسم، قال أبو عبيد: إنما هو نونان في كل المصاحف، وقوله: الإدغام؛ أي: ذو الإدغام فيه؛ أي: قارئه فاز فثقلا: 938- مَعَ السُّوقِ سَاقَيها وَسُوقِ اهْمِزُوا "زَ"كا ... وَوَجْهٌ بِهَمْزٍ بَعْدَهُ الوَاوُ وُكِّلا يريد: {بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} ، و {كَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} : {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} 3، وسوق في الموضعين جمع ساق، فوجه الهمز في الجميع إن الواحد مهموز وإن لم يكن الواحد مهموزا فوجهه إن كان على وزن فعل ضمة الواو كما قالوا: أقتت في: وقتت ثم أسكن تخفيفا، وإن كان على وزن فعل فوجهه مجاورة الضمة للواو كما تقدم في عادا لولى، أما الهمز في المفرد فقيل: هو لغة كهمز رأس وكأس وقيل: أجري على الجمع تابعًا له، وقيل: من العرب من يقلب حرف المد همزة كما يقلب الهمزة حرف مد ومن ذلك همز العجاج والعالم والخاتم ومنه همز: {يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} كما سبق فاعلم أن وجه همز الجمع أقوى من همز المفرد، قال أبو علي: أما الهمز في ساق فلا وجه له، أما على سوقه وبالسوق فهمز ما كان من الواوات الساكنة إذا كان قبلها ضمة قد جاء في كلامهم وإن لم يكن بالفا شيء زعم أبو عثمان أن أبا الحسن أخبره: قال أبو حية النميري بهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة، وينشد: لحب المؤقدان إليّ مؤسى قال ابن مجاهد: همز ابن كثير وحده: {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} في رواية أبي الإخريط ولم يهمز غيره، وكذلك بالسوق وسوقه وهكذا قرأت على قنبل عن النبال، وحدثني مضر بن محمد عن ابن أبي بزة قال: كان   1 سورة المطففين، آية: 14. 2 سورة القيامة، آية: 27. 3 سورة الفتح، آية: 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 وهب بن واضح يهمز ذلك وأنا لا أهمز من ذلك شيئا، وكذلك ابن فليح لا يهمز من هذا شيئا قال: ولم يهمز أحد: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} ، ولا وجه للهمز في ذلك، والصواب بلا همز، ثم زاد الناظم ذكر وجه ليس في التيسير يختص بالجمع وهو بواو بعد همز سؤوق على وزن فعول ويهمز الواو الأولى؛ لانضمامها في نفسها، قال ابن مجاهد: وقال علي بن نصر عن أبي عمرو: سمعت ابن كثير يقرأ: "بالسؤوق" بواو بعد الهمز، قال أبو بكر: رواية أبي عمرو عن ابن كثير هذه هي الصواب من قبل أن الواو انضمت فهمزت؛ لانضمامها، والأول لا وجه له لم يذكر ابن مجاهد هذا الوجه إلا في حرف ص، ولم ينقله في حرف الفتح، ونقله صاحب الروضة في ص على وجه آخر فقال: روى بكار عن ابن مجاهد عن قنبل بالسؤق بضم الهمزة، وروى نظيف عن قنبل بهمزة ساكنة، وكذا قال ابن الفحام، رواه الفارسي عن ابن مجاهد من طريق ابن بكار عن قنبل بهمزة مضمومة، وقال ابن رضوان في كتاب الموضح روى بكار عن ابن مجاهد ضم الهمز، وإثبات واو بعدها من قوله تعالى: "بِالسُّوقِ" فيصير اللفظ فيها مثل بالسعوق، وكذا قال صاحب "الشمس المنيرة" والشيخ أبو محمد وقالا في قوله: بالسوق خاصة: يعني: في ص دون التي في الفتح وأظن من عبر بهمزة مضمومة، ولم يذكر الواو أراد مع الواو؛ لأن مرجع الجميع إلى نقل ابن مجاهد وابن مجاهد صرح في كتاب السبعة له في سورة ص بأنه بواو بعد الهمزة ولم يخصص الناظم بهذا الوجه حرف ص ولكن لم أر من ذكره في حرف الفتح والله أعلم ولا بعد في ذلك؛ فإنه قد خصص ساقيها بالهمز دون: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} 1، {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} 2. وأما قراءة الجماعة من غير همز فواضحة؛ لأن وزن ساق فعل بفتح العين فجمع على فعل بإسكانها كأسد وأسد: 939- نَقُولَنَّ فَاضْمُمْ رَابِعًا وَنُبَيِّتَنْـ ... ـنَهُ وَمَعًا فِي النُّونِ خَاطِبْ "شَـ"ـمَرْدَلا أراد: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ} فالنون عبارة عنهم، والتاء خطاب بعضهم لبعض، وقوله: اضمم رابعا؛ أي: الحرف الرابع في الكلمتين وهو اللام والتاء وإنما وجب ضمه؛ لأن كل واحد من الفعلين خطاب لجماعة، والأصل "تقولون"، "وتبيتون" بضم اللام والتاء فلما لحقت الفعل نون التأكيد حذفت الواو؛ لالتقاء الساكنين، ومثله: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} ، وعلى القراءة بالنون الفعلان لا واو فيهما؛ لأنهما نقول ونبيت فلما اتصلت بها دون التأكيد بنى أحدهما على الفتح نحو: "لنصدقن"، و"لنخرجن معكم"، والفاء في: فاضمم زائدة، رابعا مفعول لاضمم إن كان تقولن مبتدأ وإن كان تقولن مفعول اضمم فرابعا تمييز؛ لأنه تبيين لأي الحروف بضم أو بدل البعض نحو اضرب زيدا ظهرا؛ أي: اضرب ظهره ونبيتنه عطف على نقولن، ومعا حال فيهما؛ أي: وخاطب فيهما معًا في موضع النون؛ أي: ائت بتاء الخطاب عوضا عن نون المتكلمين وحركتهما حركة النون فهي في "نقولن" مفتوحة؛ لأنه مضارع فعل ثلاثي وهو قال، وفي نبيتنه مضمومة؛ لأنه مضارع فعل رباعي وهو نبيت، وشمردلا حال من فاعل خاطب أو مفعول به؛ أي: خاطب من يسرع إلى إجابتك ويخف في قضاء حاجتك، وحصل في ضمن ذلك المقصود من تقييد القراءة والتعريف بها والله أعلم.   1 سورة القيامة، آية: 29. 2 سورة القلم، آية: 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 940- وَمَعْ فَتْحِ أَنَّ النَّاسِ مَا بَعْدَ مَكْرِهِمْ ... لِكُوفٍ، أما يُشْرِكُونَ "نَـ"ـدٍ "حَـ"ـلا يريد: {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} والذي بعد مكرهم: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} ؛ أي: ومع فتح هذا الذي بعد مكرهم؛ أي: فتحهما الكوفيون أما: "أن الناس" فعلى تقدير: تكلمهم بأن الناس؛ أي: بهذا الكلام والكسر حكاية قول الدابة، ويجوز أن يكون على القراءتين من كلام الله تعالى مستأنفا على الكسر وتعليلا على الفتح؛ أي: لكونهم كانوا لا يوقنون بالآيات أخرجنا لهم هذه الآية العظيمة الهائلة تخاطبهم بأن هذا مؤمن وهذا كافر ونحو ذلك، أما كسر أنا دمرناهم فعلى الاستئناف والفتح على تقدير؛ لأنا أو هو خبر كان أو بدل من عاقبة أو خبر مبتدأ؛ أي: هي أنا والخلاف في أما يشركون بالغيب والخطاب ظاهر والرمز لقراءة الغيب لأنه أطلقها كأنه قال والغيب فيه تدخلوا والله أعلم. 941- وَشَدِّدْ وَصِلْ وَامْدُدْ بَلِ ادَّارَكَ "ا"لَّذِي ... "ذَ"كا قَبْلَهُ يَذَّكَّرُونَ "لَـ"ـهُ "حُـ"ـلا أي: شدد الدال وصل الهمزة؛ أي: اجعلها همزة وصل وامدد بعد الدال ثم لفظ بالقراءة التي قيدها فالقراءة الأخرى بقطع الهمزة وقد سبق أن همزة القطع في الماضي لا تكون إلا مفتوحة وبتخفيف الدال وهو هنا سكونها، ولا يلزم من التخفيف السكون ولكن لظهوره تسامح بعدم ذكره وبترك المد فيبقى أدرك مثل أدغم ولو أنه لفظ بالقراءتين كان أسهل فيقول: وبل أدرك اجعله بل ادَّارك الذي، ومعنى أدرك بلغ وانتهى وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقراءة الباقين أصلها: تدارك؛ أي: تتابع فأدغمت التاء في الدال فاحتيج إلى همزة الوصل؛ لأن الأول صار ساكنا، ومثله: "اثاقلتم"، "اطيرنا بك"، وحكم همزة الوصل كسرها في الابتداء بها وحذفها في الوصل فتكسر اللام من بل؛ لالتقاء الساكنين ولام بل ساكنة في قراءة أدرك إذ لم يلقها ساكن، وفي هذه الكلمة أيضا عشر قراءات غير هاتين القراءتين ذكرها أبو القاسم الزمخشري في تفسيره ثم قال قبله يذكرون أن قبل: {بَلِ ادَّارَكَ} "قليلا ما يذكرون" قرأه بالغيب أبو عمرو وهشام وفهم ذلك من الإطلاق والباقون بالخطاب ووجههما ظاهر والله أعلم. 942- بِهَادِي مَعًا تَهْدِي "فَـ"ـشَا العُمْيِ نَاصِبًا ... وَبِاليَا لِكُلٍّ قِفْ وَفِي الرُّومِ "شَـ"ـمْلَلا يريد: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ} هنا وفي آخر الروم يقرؤه حمزة "تهدي" فيلزم نصب العمي؛ لأنه مفعوله وهو مجرور في قراءة غيره؛ لأنه مضاف إليه وتقدير البيت فشا تهدي في موضع بهادي في حال كونه ناصبا للعمى والقراءتان ظاهرتان. وقال الشيخ: صاحب الحال: فشا؛ لأنه يريد به حمزة ثم قال: وبالياء لكل قف؛ أي: في حرف النمل سواء في ذلك من قرأ بهادي ومن قرأ تهدي؛ لأنها رسمت بالياء. ثم قال: وفي الروم شمللا؛ أي: ووقف بالياء في حرف الروم حمزة والكسائي على الأصل وحذفها الباقون؛ لأنها لم ترسم، وهذا الموضع مما يشكل على المتبدئ، فيظن أن الوقوف بالياء في الموضعين للكل وأن قوله: وفي الروم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 شملل؛ أي: قرأ الكسائي وحمزة في الروم بما قرأ به حمزة وحده في النمل وهو: {تَهْدِي الْعُمْي} وليس كذلك لقوله في أول البيت: معا قال ابن مجاهد: كتب بهادي العمي بياء في هذه السورة على الوقف، وكتب الذي في الروم بغير ياء على الوصل، وقال خلف: كان الكسائي يقف عليهما بالياء. وقال مكي: هذا الحرف في المصاحف بالياء، والذي في الروم بغير ياء، ووقف عليهما حمزة والكسائي بالياء وهو مذهب شيخنا؛ يعني: أبا الطيب ابن غلبون، قال وقد روي عن الكسائي أنه وقف عليهما بغير ياء ووقف الباقون ههنا بالياء وفي الروم بغير ياء اتباعا للمصحف ولا ينبغي أن يتعمد الوقف عليهما؛ لأنه ليس بتمام ولا قطع كاف لا سيما الذي في الروم؛ لأنه كتب بغير ياء على نية الوصل فإن وقفت بياء خالفت السواد وإنما ذكرنا مذاهب القراء في الوقف عند الضرورة فأما على الاختيار فلا وكذلك ما شابه هذا فاعلمه. 943- وَآتُوهُ فَاقْصُرْ وَافْتَحِ الضَّمَّ "عِـ"ـلْمُهُ ... فَشا تَفْعَلُونَ الْغَيْبُ "حَقٌّ لَـ"ـهُ وَلا يريد: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} هو بالمد جمع آت مضاف إلى الهاء كما في سورة مريم: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} 1. وهو كقولك:عابدوه وداعوه وأتوه بالقصر وفتح التاء فعل وفاعل ومفعول نحو رموه وقضوه، والغيب والخطاب في "بما يفعلون" ظاهران. 944- وَمَا لِي وَأَوْزِعْنِي وَإِنِّي كِلاهُما ... لِيَبْلُوَنِي اليَاءَاتُ فِي قَوْلِ مَنْ بَلا الياءات خبر قوله: "وما لي" وما بعده؛ أي: هذه ياءات الإضافة التي في هذه السورة، وبلا بمعنى اختبر؛ أي: قل ذلك في جواب من اختبرك وسألك عنها، فالقول مصدر أضيف إلى المقول له وهو المفعول، والمصدر كما يضاف إلى فاعله يضاف إلى مفعوله، ويجوز أن يكون مضافًا إلى الفاعل؛ أي: عرفت هذا من يريد أن يختبر غيره بها وهي خمس ياءات: {مَا لِيَ لا أَرَى الهُدْهُدَ} فتحها ابن كثير وعاصم والكسائي وهشام. "أَوْزِعْنِيَ أَنْ أَشْكُرَ" فتحها ورش والبزي. "إِنِّيَ آنَسْتُ" فتحها الحرميان وأبو عمرو. "إنيَ ألقي"، "ليبلونيَ أأشكر" فتحهما نافع وحده، وفيها زائدتان: "أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ" أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير وحمزة، وقد سبق أن حمزة يدغم النون الأولى في الثانية: {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ} أثبتها مفتوحة في الوصل ساكنة في الوقف قالون وحفص وأبو عمرو بخلاف عنهم في الوقف وفتحها في الوصل وحذفها في الوقف ورش. وقلت في ذلك: وفيها فما آتاني الله قبله ... تمدونني زيدًا فلا تك مغفلا   1 آية: 95. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 سورة القصص : 945- وَفِي نُرِي الفَتْحَانِ مَعْ أَلِفٍ وَيَا ... ئِهِ وَثَلاثٌ رَفْعُهَا بَعْدَ "شُـ"ـكِّلا الفتحان في الراء والحرف الذي قبلها والألف بعد الراء والياء مكان النون وهي الحرف الذي قبل الراء فيصير اللفظ: ويرى، ويلزم من ذلك رفع الكلم الثلاث التي بعدها على الفاعلية وهي: "فِرْعَوْنُ وَهَامَانُ وَجُنُودُهُمَا"، وفي القراءة الأخرى الثلاث منصوبة على المفعولية، ويجوز في ويائه الجر عطفا على ألف، ويجوز وياؤه بالرفع عطفًا على الفتحان، ومعنى شكل صور والقراءة بالنون المضمومة وكسر الراء وفتح الياء توجد من تلفظ الناظم بها لا من ضد ما ذكره ووجه القراءتين ظاهر. 946- وَحُزْنًا بِضَمِّ مَعْ سُكُونٍ "شَـ"ـفَا وَيَصْـ ... ـدُرَ اضْمُمْ وَكَسْرُ الضَّمِّ "ظَـ"ـامِيهِ "أَ"نْهَلا قيد في حزنا ما لفظ به ليأخذ ضده للقراءة الأخرى وضد الضم والسكون معا الفتح فيهما فالحُزْن والحَزَن لغتان مثل العُجْم والعَجَم والعُرْب والعَرَب والبُخْل والبَخَل قرئ بهما ههنا في قوله: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} ، وأجمعوا على الفتح في: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} 1، وفي: {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا} 2، وعلى الضم في: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} 3، {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} 4. وادعى بعضهم أن الضم يكون في المرفوع والمجرور والفتح في الذي ظهر فيه النصب، أما: {حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} فأراد ضم يائه وكسر داله فيكون مضارع أصدر والمفعول محذوف؛ أي: يصدر الرعاء مواشيهم ويصدر بفتح الياء وضم الدال من صدر وهو فعل لازم، والصدر الانصراف وأصدرت الماشية صرفتها، وإنما يصدرونها بعد ريها فلهذا قال ظاميه أنهلا ويعني بالظامئ الذي ظمئت ماشيته؛ أي: عطشت أو يكون إشارة إلى حال موسى -عليه السلام- فإنه كان حينئذ ظمآن ذا تعب وجوع وقد سقى المواشي وهو ظمآن منهل؛ أي: ساق النهل وهو الشرب الأول.   1 سورة فاطر، آية: 34. 2 سورة التوبة، 82. 3 سورة يوسف، آية: 84. 4 سورة يوسف، آية: 86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 947- وَجِذْوَةٍ اضْمُمْ "فُـ"ـزْتَ وَالْفَتْحُ "نَـ"ـلْ وَ"صُحْـ ... ـبَةٌ كَـ"ـهْفُ ضَمِّ الرَّهْبِ وَاسْكِنْهُ "ذُ"بَّلا جميع ما في هذا البيت من القراءات لغات، والأكثر على كسر الجيم وضمها حمزة وفتحها عاصم، وأخذت قراءتهم من ضد الفتح ويقال أيضا جذيه بالياء وفي الجيم الحركات الثلاث، وقال أبو عبيد: القطعة الغليظة من الخشب كأن في طرفها نارا، ولم تكن، والرهب: الخوف قرأه حفص بفتح الراء وإسكان الهاء وأبو بكر وحمزة والكسائي وابن عامر بضم الراء وإسكان الهاء، والباقون بفتحهما؛ لأن الفتح ضد الضم والإسكان المطلق، ويجوز ضمهما لغة، ووصل الناظم همزه وأسكنه ضرورة وذلك جائز؛ أنشد أبو علي: إن لم أقاتل فالبسوني برقعا ... يابا المغيرة رب أمر مفصلِ قال: وهذا النحو في الشعر غير ضيق، وذبل جمع ذابل وهي الرماح، ونصبه على الحال؛ أي: ذا ذبل يشير إلى الحجج والأدلة والله أعلم. 948- يُصَدِّقُنِي ارْفَعْ جَزْمَهُ "فِـ"ـي "نُـ"ـصُوصِهِ ... وَقُلْ قَالَ مُوسَى وَاحْذِفِ الوَاوَ "دُ"خْلُلا الجزم على جواب "أرسله معي" والرفع على أنها جملة في موضع الحال؛ أي: أرسله مصدقا وإنما قال ارفع جزمه؛ لأن الجزم ليس ضدا للرفع وإن كان الرفع ضدا للجزم ومثله ما سبق في الفرقان: "يضاعف"، و"يخلد" رفع جزم والواو من: {وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ} محذوفة من المصحف المكي دون غيره، فلهذا أسقطها ابن كثير وأثبتها غيره، ودخللا حال من: قال موسى؛ أي: هي بحذف الواو مداخل لما قبله وهو: {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا} ، ولو قال الناظم موضع دخللا: دم ولا؛ أي: ذا ولا لكان أولى؛ لأنه لم يأتِ بواو فاصلة بين هذه المسألة والتي بعدها، وقد افتتح البيت الآتي بالرمز في كلمتين فالكلمة الأولى وهي نما مترددة بين أن تكون تابعة لما في هذا البيت أو لما بعدها بل نما نفر بجملته يجوز أن يكون من تتمة رمز قال موسى، ويكون رمز يرجعون ما بعده وهو ثق الذي هو رمز سحران فيكون للكوفيين الحرفان كنظائر له سبقت والله أعلم. 949- "نَـ"ـمَا "نَفَرٌ" بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ يَرْجِعُو ... نَ سِحْرَانِ "ثِـ"ـقْ فِي سَاحِرَانِ فَتُقْبَلا نما؛ أي: نقل فالمعنى: نقل جماعة يرجعون بضم الياء وفتح الجيم على بناء الفعل للمفعول، والباقون بفتح الياء وكسر الجيم على بناء الفعل للفاعل وقد سبق نظيرهما، يريد: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} ، وقرأ الكوفيون: "قالوا سحران تظاهرا"، والباقون ساحران يعنون موسى وهارون وقيل: ومحمدا صلوات الله عليهم أجمعين وسحران كذلك على حذف مضاف؛ أي: كل واحد منهما ذو سحر، وقيل: عنى بذلك التوراة والقرآن، ونصب فتقبلا على جواب الأمر بقوله: ثق والله أعلم. 950- وَيَجْبَى خَلِيطٌ يَعْقِلُونَ "حَـ"ـفِظْتُهُ ... وَفِي خُسِفَ الفَتْحَيْنِ حَفْصٌ تَنَخَّلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 الخلاف في: {يُجْبَى إِلَيْهِ} بالتذكير والتأنيث ظاهر؛ لأن تأنيث الثمرات غير حقيقي، ومعنى قوله: خليط؛ أي: مألوف معروف ليس بغريب؛ أي: تذكير يجبى خليط لم يؤنثه سوى نافع، أما: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ، فقرأه أبو عمرو وحده بالغيب وغيره بالخطاب وهما أيضا ظاهران، أما لخسف بنا فقرأه على بناء الفعل للفاعل حفص على معنى لخسف الله بنا وقرأ غيره على بناء الفعل للمفعول بضم الخاء وكسر السين، ومعنى تنخلا اختار حفص في خسف الفتحين؛ يعني: فتح الخاء والسين ولم يذكر قراءة الباقين ولا يؤخذ من الضد إلا كسر السين، أما ضم الخاء فإن الضم ضد الجزم، ونظير القراءتين هنا: {اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ} 1 في المائدة وعبارته هناك جيدة وم استحق افتح لحفص وكسره وكأنه أشار هنا بالفتحين إلى قراءته هناك، أو إلى قوله في أول السورة وفي "نرى" الفتحان فإنهما فتحا ضم وكسر فكذا في خسف والله أعلم. 951- وَعِنْدِي وَذُو الثُّنْيا وَإِنِّي أَرْبَعٌ ... لَعَلِّي معًا رَبِّي ثَلاثٌ مَعِي اعْتَلا فيها اثنتا عشرة ياء إضافة: "عنديَ أولم يعلم" فتحها نافع وأبو عمرو، واختلف فيها عن ابن كثير: "سَتَجِدُنِيَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ" فتحها نافع وحده وهي التي عبر عنها بقوله: وذو الثنيا؛ أي: واللفظ المصاحب للثنيا والثنيا الاسم من الاستثناء وإنما عبر عنها بذلك؛ لأن بعدها إن شاء الله وهذا اللفظ يطلق عليه علماء الشريعة وغيرهم لفظ الاستثناء باعتبار أصل اللغة؛ لأنها ثبت اللفظ المعلق بها عن القطع بوقوع موجبه وفي الحديث: "إذا حلف الرجل فقال: إن شاء الله فقد استثنى"، وقد تقدم في باب ياءات الإضافة التعبير عنها بقوله: وما بعده إن شاء، وإنما لم ينص عليها بلفظها كما فعل في أخواتها؛ لأنها لفظة لا يمكن أن تدخل في وزن الشعر أصلا؛ لاجتماع خمس حركات فيها متوالية، ثم قال: وإني أربع؛ أي: أربع كلمات فتارة يؤنث هذه الألفاظ باعتبار الكلمات كقوله: بعده ربي ثلاث، وتارة يذكر باعتبار اللفظ كقوله: وذو الثنا وذلك على حسب ما يؤاتيه نظمه أراد: "إِنِّيَ آنَسْتُ"، "إِنِّيَ أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"، "إِنِّيَ أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ" فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو. "إِنِّيَ أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ"، فتحها نافع وحده. "لعليَ آتيكم"، "لعليَ أطلع" فتحهما الحرميان وأبو عمرو وابن عامر. "عَسَى رَبِّيَ أَنْ يَهْدِيَنِي"، "ربيَ أعلم بمن"، "ربيَ أعلم من" فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو. {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} فتحها حفص وحده، وقوله في آخر البيت: اعتلا هو خبر، وعندي وما بعده أي: اعتلا المذكور في تبين ياءات الإضافة في هذه السورة، وكان الواجب على هذا التقدير: نصب أربعًا وثلاثًا على الحال؛ أي: اعتلا هذا وذا في حال كونهما على هذا العدد كما قال في آخر سورة هود: "وياءاتها عني وإني ثمانيا"، وإن جعل إني أربع مبتدأ وخبر وكذا ربي ثلاث احتاج كل واحد من هذه الألفاظ إلى خبر فَيَرِكّ الكلام، ويكثر الإضمار فلا حاجة إلى ذلك، وفيها زائدة واحدة: "يُكَذِّبُونِ" قال: "سنشد" أثبتها في الوصل ورش وحده، وقلت في ذلك: وواحدة فيها تزاد يكذبو ... ن قال وما شيء إلى سبأ تلا أي: لم يبق شيء من الزوائد إلى سورة سبأ، وتلا بمعنى تبع ما تقدم من ياءات الزوائد، والله أعلم.   1 آية: 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 سورة العنكبوت : 952- يَرَوْا "صُحْبَةٌ" خَاطِبْ وَحَرِّكْ وَمُدَّ فِي النْـ ... ـنَشَاءة "حَقًا" وَهْوَ حَيْثُ تَنَزَّلا أي: تروا قراءة صحبة، فحذف المضاف للعلم به، ثم بيَّن القراءة ما هي فقال: خاطب؛ أي: بالخطاب ولو لم يبينها لما حملت إلا على ضد الخطاب وهو الغيب؛ لإطلاقه، يريد: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ} وجه الخطاب أن قبله: {وَإِنْ تُكَذِّبُوا} ، ووجه الغيبة: {فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} والنشأة بإسكان الشين والقصر على وزان الرأفة والرحمة والنشاءة بفتح الشين والمد على وزان الكآبة كلاهما لغة، وقد حُكي فتح همزة الرأفة، ومدها أيضا ولغة القصر أقوى، قال أبو عبيد: هي اللغة السائرة والقراءة المعروفة، قال أبو علي: حكى أبو عبيد النشأة لم يذكر الممدود، قال: وهو في القياس كالرأفة والرآفة والكأبة والكآبة، قال مكي: وهو مصدر من غير لفظ "ينشئ"، والتقدير: ثم الله ينشئ الأموات فينشئون النشأة الآخرة، وقوله: وهو حيث تنزلا؛ يعني: هنا وفي سورتي النجم والواقعة: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ} ، {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} 1. قال صاحب التيسير: ووقف حمزة على وجهين في ذلك؛ أحدهما: أن يلقي حركة الهمزة على الشين ثم يسقطها طردًا للقياس والثاني أن يفتح الشين، ويبدل الهمزة ألفا اتباعا للخط قال: ومثله قد سمع من العرب والله أعلم. 953- مَوَدَّةً المَرْفُوعُ "حَـ"ـقُّ "رُ"وَاتِهِ ... وَنَوِّنْهُ وَانْصبْ بَيْنَكُمْ "عَمَّ صَـ"ـنْدَلا رفع مودة على أنها خبر "إن" إن كانت ما موصولة؛ أي: إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا ذو مودة بينكم وإن كانت "ما" كافة فمودة خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي مودة بينكم أو مبتدأ والخبر "في الحياة الدنيا"، ومن نصب مودة فلا يكون "ما" في "إنما" إلا كافة ونصبها على أنها مفعول من أجله، ويكون اتخذ على هذا الوجه وعلى قراءة الرفع متعديا إلى مفعول واحد نحو: {أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ} 2. ويجوز أن يكون مودة ثاني مفعولي: "اتخذوا أيمانهم جنة"، و"بينكم" بالنصب ظرف منصوب بالمصدر الذي هو مودة، ويجوز أن يكون صفة له؛ أي: مودة كائنة بينكم، وخفض "بينكم" بالإضافة إلى مودة المنصوبة والمرفوعة على وجه الاتساع في الظروف نحو: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} 3.   1 سورة الواقعة، آية: 62. 2 سور البقرة، آية: 81. 3 سورة المائدة، آية: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 والمعنى على ما تعطيه قراءة النصب ولم يقرأ أحد برفع مودة ونصب بينكم ولو قرئ لجاز وإنما كل من رفع مودة خفض بينكم وهم ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ومن نصب مودة اختلفوا فمنهم من خفض بينكم أيضا وهم حمزة وحفص ومنهم من نصبهما معا وهو نافع وابن عامر وأبو بكر ولا يستقيم النصب إلا بتنوين مودة وكل من خفض بينكم أسقط التنوين من مودة لأجل الإضافة سواء في ذلك من رفع ومن نصب، وقد سبق معنى صندلا في سورة الأنعام، ونصبه هنا على التمييز أو الحال على تقدير ذا صندل يشير إلى حسنه وطيبه والله أعلم. 954- وَيَدْعُونَ "نَـ"ـجْمٌ "حَـ"ـافِظٌ وَمُوَحِّدٌ ... هُنَا آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ "صُحْبَةٌ دَ"لا أي: قراءة نجم حافظ والعالم يعبر عنه بالنجم للاهتداء به أراد: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} ، فالغيب فيه والخطاب ظاهران، فالغيبة تعود إلى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا} والخطاب لهم، أما التوحيد والجمع في: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ} فقد تقدم مثلهما مرارًا، وموحد خبر مقدم، و"آية من ربه" مفعول به، وصحبة مبتدأ وقد سبق معنى دلا، وذكر الخبر ولفظ دلا مفرد باعتبار لفظ صحة؛ لأنه مفرد ويجوز أن يكون موحد مبتدأ وصحبة فاعله على رأي من يقول اسم الفاعل غير معتمد والله أعلم. 955- وَفِي وَنَقُولُ اليَاءُ "حِصْنٌ" وَيُرْجَعُ ... نَ "صَـ"ـفْوٌ وَحَرْفُ الرُّومِ "صَـ"ـافِيهِ "حُـ"ـلِّلا يرد: {وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ، التاء والنون فيه ظاهرتان، وقد سبق لهما نظائر، والغيب في قوله: "ثم إلينا يرجعون"؛ لأن قبله: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ} ، والخطاب لقوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} والذي في الروم: {ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 1. وقيد الناظم بقوله: الياء؛ لأن ضده النون، وأطلق يرجعون؛ لأن ضده الخطاب، ولا يجوز أن يكون استغنى عن تقييد يرجعون بالياء بتقييد يقول كما قال في سورة النساء ويا سوف يؤتيهم عزيز وحمزة سنؤتيهم؛ لأن الضد ثم في القراءتين متحد وهو النون وهنا اختلف الضد فالقراءة بالغيب لا يقيدها بالياء أبدا إنما بطلقها ويقول بالغيب، وهذا من دقاق ما اشتمل عليه هذا النظم فاعرفه وما أحسن قوله: صافيه حللا؛ أي: كثير الحلول فيه لأجل صفائه. 956- وَذَاتُ ثَلاثٍ سُكَّنَتْ بَا نُبُوِّئَنْـ ... ـنَ مَعْ خِفِّهِ وَالْهَمْزُ بِاليَاءِ "شَـ"ـمْلَلا أي: باء قوله تعالى: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} فقصر لفظ "با" ضرورة وهو مبتدأ وذات ثلاث خبره مقدم عليه أي   1 آية: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 صارت ذات ثلاث نقط وإذا نقطت صورة الباء بثلاث صارت ثاء وقوله: سكنت صفة لذات ثلاث كما تقول: هند امرأة حسنة؛ أي: هذه الباء ثاء ساكنة والهاء في خفة تعود على لفظ نبوئن أراد تخفيف الواو وهو مشكل فإن في لفظ نبوئن حرفين مشددين؛ الواو والنون وليس في تشديد النون خلاف والواو في قوله: والهمز واو الحال؛ أي: صار ثاء ساكنة مع خفة الواو في حال كون الهمزة أسرع بالياء؛ أي: أتى بالياء في مكانه؛ أي: أبدل الهمز ياء فصارت القراءة؛ لنثوينهم من الثواء وهو الإقامة قال الزجاج: يقال ثوى الرجل إذا أقام وأثويته إذا أنزلته منزلا يقيم فيه، قال الفراء: وكل حسن بوأته وأثويته منزلا سواء معناه أنزلته، قال الزمخشري: ثوى غير متعدٍّ فإذا تعدى بزيادة همزة النقل لم يتجاوز مفعولا واحدًا نحو ذهب وأذهبته، والوجه في تعديته إلى ضمير المؤمنين، وإلى الغرف إما إجراؤه مجرى لننزلهم ونبوئنهم أو حذف الجار واتصال الفعل أو تشبيه الظرف المؤقت بالمبهم: قلت: فهذا جواب ما روي عن اليزيدي أنه قال: لو كان لنثوينهم لكان في غرف، واختار أبو عبيد القراءة الأخرى لإجماعهم على التي في النحل: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} 1. قال: لا نعلم الناس يختلفون فيه فهذا مثله وإن كان ذاك في الدنيا وهذا في الآخرة، فالمعنى فيهما واحد، قال: ورأيت هذا الحرف الذي هو في العنكبوت في الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بالياء معجمة. قلت: وهذا بعد ما نقطت المصاحف، وكثر هذا اللفظ في القرآن نحو: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرائيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} 2، {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} 3، وقال: {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} 4، وقال: {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} 5، وقال: {أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} 6. وقيل: لفظ الثواء لائق بأهل الآخرة هي دار القرار وروي عن الربيع بن خيثم أنه قرأها كذلك، وقال: الثواء في الآخرة والتبوة في الدنيا، وقد قال الله تعالى في حق الكفرة: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} 7، وهو في آخر هذه السورة فناسب أن يقال للمؤمنين نحو ذلك في الجنة وقال سبحانه وتعالى:   1 آية: 41. 2 سورة يونس، آية: 93. 3 سورة الحج، آية: 26. 4 سورة يوسف، آية: 56. 5 سورة الزمر، آية: 74. 6 سورة يونس، آية: 87. 7 سورة العنكبوت، آية: 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 {وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} 1. أي: مقيما عندهم مستمرا بين أظهرهم والله أعلم. 957- وَإِسْكَانُ وَلْ فَاكْسِرْ "كَـ"ـمَا "حَـ"ـجَّ "جَـ"ـا "نَـ"ـدىً ... وَرَبِّي عِبَادِي أَرْضِيَ أَلْبَابِهَا انْجَلا يعني كسر لام "وليتمتعوا"، وقد تقدم في الحج أن لام الأمر يجوز كسرها وإسكانها وهي معطوفة على "ليكفروا" وهي أيضا لام الأمر بدليل إسكان ما عطف عليها وهو أمر تهديد نحو: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} ، وقيل: الأولى لام كي والثانية لام الأمر، ونظير ذلك قوله تعالى في النحل: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا} 2. قال أبو عبيد: إنما يجوز هذا لو كانت فليتمتعوا بالفاء؛ لأن الفاء قد يستأنف بها الخبر، وإنما معنى الواو والعطف فكيف يترك العطف، ويرجع إلى الأمر والفاء في قوله: فاكسر زائدة وفيها ثلاث ياءات إضافة: "مهاجر إلى ربيَ إنه" فتحها نافع وأبو عمرو. "يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا" أسكنها حمزة والكسائي وأبو عمرو. "إِنَّ أَرْضِيَ وَاسِعَةٌ" فتحها ابن عامر وحده.   1 سورة القصص، آية: 45. 2 سورة النحل آية: 55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 من سورة الروم إلى سورة سبأ: إنما ذكر هذا الترجمة على هذه الصورة؛ لأنه لم يتمحض بيت لآخر سورة من هذه السور الأربع، فإن آخر ما يتعلق بالروم قوله: وينفع كوفي فتمم البيت بذكر رحمة التي من لقمان، ثم ذكر البحر من لقمان مع أخفى من سورة السجدة، ثم ذكر لما صبروا من سورة السجدة مع يعملون من سورة الأحزاب، في بيت وكل موضع جمع فيه سورا في ترجمة فهذا سببه، وسيأتي إن شاء الله تعالى: 958- وَعَاقِبَةُ الثَّانِي "سَمَا" وَبِنُونِهِ ... نُذِيقُ "زَ"كَا لِلْعَالَمِينَ اكْسِرُوا "عُـ"ـلا يريد: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا} هذا هو الثاني المختلف في رفعه ونصبه، والأول لا خلاف في رفعه وهو: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ، فوصف عاقبة وهو مؤنث بالثاني على تأويل وهذا اللفظ الثاني وإنما لم ينونه؛ لأنه حكى لفظه في القرآن وهو غير منون؛ لأنه مضاف إلى الذين، واعتذر الشيخ عن كونه لم ينونه بأنه حذف التنوين؛ لالتقاء الساكنين أو أراد "وعاقبة" الموضع الثاني ولا حاجة إلى هذا الاعتذار فالكلمة نفي القرآن لا تنوين فيها، وقد قال بعد هذا يذيق ذكا بالنصب فأي عذر لنصبه، لولا أنه حكى لفظه في القرآن، وهو لنذيقهم بعض الذي عملوا وهو ملبس بقوله تعالى: {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} ، ولم يقيد القراءة في عاقبة، وكان ذلك إشارة إلى رفعها لمدلول سما والباقون بنصبها فهي إن رفعت اسم كان وإن نصبت خبرها، والسوأى بعد ذلك هو الخبر أو الاسم وهو كناية عن العذاب وهو تأنيث الأسوأ، وإن كذبوا على تقدير: لأن كذبوا، ويجوز أن يكون السوأى مصدر كالرجعى والبشرى؛ أي: أساءوا الإساءة الشنيعة وهي الكفر أو نعتا لموصوف محذوف؛ أي: أساء والخلال السوأى والخبر أو الاسم قوله: أن كذبوا، ومعنى الذين أساءوا؛ أي: أشركوا، والتقدير: ثم كان عاقبة المسيء التكذيب بآيات الله تعالى؛ أي: لم يظفر في كفره وشركه بشيء إلا بالتكذيب بآيات الله، ويجوز أن يكون السوأى هو الخبر أو الاسم لا على المعنى المتقدم بل على تقدير الفعلة السوأى ثم بينها بقوله: أن كذبوا فيكون أن كذبوا عطف بيان أو بدلا، ويجوز على هذا التقدير: على قراءة الرفع أن لا يكون للسوأى خبرا بل معنى أساءوا السوأى؛ أي: فعلوا الخطيئة السوأى وخبر كان محذوف إرادة الإبهام؛ ليذهب الوهم إلى كل مكروه كل هذه الأوجه منقولة وهي حسنة وقيل: يجوز أن تكون إن في قوله: أن كذبوا مفسرة بمعنى؛ أي: كذبوا، وهذا فيه نظر فإن من شرط أن المفسرة أن يأتي بعدها فعل في معنى القول ثم قال، وبنونه نذيق؛ أي: ونذيق زكا وهي نون العظمة وقراءة الباقين بالياء؛ أي: ليذيقهم الله وكسر حفص اللام من قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ} جعله جمع عالم واحد العلماء وكما قال تعالى في آية أخرى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} 1. وفي موضع آخر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} 2.   1 سورة العنكبوت، آية: 43. 2 سورة النمل، آية: 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 وفتح الباقون اللام جعلوها جمع عالم؛ أي: لكافة الناس وعلا حال؛ أي: ذو علا: 959- لِيَرْبُوا خِطَابٌ ضُمَّ وَالوَاوُ سَاكِنٌ ... "أَ"تَى وَاجْمَعُوا آثَارِ"كُمْ" "شَـ"ـرَفًا "عَـ"ـلا أي: ذو خطاب مضموم؛ يعني: تاء مضمومة. وقال الشيخ: يجوز أن يكون ضم أمرا. قلت: خطاب على هذا التقدير: يكون حالا؛ أي: ضم لتربوا ذا خطاب فكان الواجب نصبه؛ أي: "وما أتيتم من ربا لتربوا" أنتم سكنت الواو؛ لأنها واو الضمير في تربون وحذفت النون للنصب وهذه قراءة نافع وحده، وقراءة الباقين على الغيب بياء مفتوحة وواو منصوبة؛ لأنه فعل مضارع خال من ضمير بارز مرفوع، فظهر النصب في آخره والتقدير: ليربوا ذلك الربا. وأما: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} فالإفراد فيه والجمع سبق لهما نظائر مثل: رسالته ورسالاته وكلمة وكلمات وذرية وذريات الإفراد يراد به الجنس ووجه الجمع ظاهر ومعنى كم شرفا علا كم علا شرفا والمميز محذوف؛ أي: كم مرة وقع ذلك والله أعلم. 960- وَيَنْفَعُ كُوفِيٌّ وَفِي الطُّولِ "حِصْنُهُ" ... وَرَحْمَةً ارْفَعْ "فَـ"ـائِزًا وَمُحَصِّلا يريد: {فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ} وفي غافر: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} 1. تذكير الفعل في ذلك وتأنيثه ظاهران من قبل أن لفظ معذرة مؤنث ولكنه تأنيث غير حقيقي ونافع أنث هنا، وذكر في سورة الطور جمعا بين اللغتين، أما "ورحمة" في أول لقمان فهي معطوفة على هدى وهدى في موضع نصب على الحال أو المدح أو في موضع رفع على تقدير هو هدى ورحمة أو خبر بعد خبر؛ أي: تلك هدى ورحمة أو يكون هدى منصوبا ورحمة مرفوعا؛ أي: وهو رحمة والله أعلم. 961- وَيَتَّخِذَ المَرْفُوعُ غَيْرُ "صِحَابِهِـ"ـمْ ... تُصَعِّرْ بِمدٍّ خَفَّ "إِ"ذْ "شَـ"ـرْعُهُ "حَـ"ـلا يريد: {وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} النصب عطف على ليضل والرفع على يشتري أو على الاستئناف والهاء في يتخذها لآيات الكتاب أو للسبيل وتقدير البيت قراءة غير صحابهم على حذف مضاف وصاعر خده وصعره واحد كضاعف وضعف ومعناهما الإعراض عن الناس تكبرا والصعر الميل في الخد خاصة وقوله: خف ليس صفة للمد ولكنه خبر بعد خبر؛ لأن الخف في العين؛ أي: تصاعر ممدود خفيف.   1 آية: 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 963- وفي نعمة حرك وذكر هاؤها ... وَضُمَّ وَلا تَنْوِينَ "عَـ"ـنْ "حُـ"ـسْنٍ "ا"عْتَلا يريد: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} حرك؛ أي: افتح العين، وذكر هاؤها؛ أي: جعلت هاء الضمير التي للمذكر المفرد في مثل: {أَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} 1، وليست هاء تأنيث ثم قال: وضم؛ أي: وضم ذلك الهاء ولا تنوين؛ لتأخذ بضد ذلك للقراءة الأخرى وهي التي لفظ بها فحاصل الخلاف أن هذا الحرف يقرأ بالإفراد والجمع كنظائر له سلفت وقوله: {ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} صفة لنعمة في قراءة الإفراد، وحال في قراءة الجمع، وقد قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} 2 لم يختلف في افراده. 963- سِوَى ابْنِ العَلا وَالبَحْرُ أُخْفِى سُكُونُهُ ... "فَـ"ـشا خَلْقَهُ التَّحْرِيكُ "حِصْنٌ" تَطَوَّلا والبحر مبتدأ خبره سوى ابن العلا على تقدير قراءة غير أبي عمرو؛ فأبو عمرو وحده نصبه عطفا على اسم "أن"؛ أي: ولو أن البحر يمده والرفع على وجهين منقولين ذكرهما الزجاج والزمخشري وغيرهما. أحدهما: أنه مبتدأ ويمده الخبر والجملة في موضع الحال. والثاني: أن يكون عطفا على موضع "إن" واسمها وخبرها؛ لأن الجميع في موضع رفع؛ لأنه فاعل فعل مضمر؛ أي: ولو وقع ذلك والبحر ممدودا بسبعة أبحر فيمده على هذا الوجه حال من البحر، وهذا العطف جائز بلا خلاف، وإنما الممتنع العطف محل على اسم أن المفتوحة فقط دون محل المجموع منها ومن اسمها وخبرها، وإنما يجوز العطف بالرفع على محل الاسم فقط مع "إن" المكسورة والفرق أن اسم المفتوحة بعض كلمة في التقدير: بخلاف اسم المكسورة، فمهما وقعت المفتوحة في موضع رفع جاز العطف بالرفع على محل المجموع منها ومن اسمها وخبرها كما أن العطف على محل المكسورة إنما كان من أجل ذلك، وعليه يحمل قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} 3؛ لأن أن وما بعدها مبتدأ ورسوله عطف عليه، {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ} خبر مقدم عليه، وقد سبق تقرير هذا الفصل في سورة المائدة، ولذلك قال أبو عبيد: الرفع هنا حجة لمن قرأ التي في المائدة: "العينُ بالعينُ" رفعا فكذلك كان يلزم أهل هذه القراءة أن يرفعوا تلك، أما: "فلا تعلم نفس ما أخفى" بفتح الياء فعلى أنه فعل ماضٍ   1 سورة الفجر، آية: 15. 2 سورة سيدنا إبراهيم، آية: 34. 3 سورة التوبة، آية: 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 وبسكونها هو فعل مضارع مسند إلى المتكلم سبحانه. وأما: {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} بفتح اللام فعل أن يكون جملة واقعة صفة لشيء قبله، فيكون في موضع خبر، ويجوز أن يكون صفة لقوله: {كُلِّ شَيْءٍ} فتكون في موضع نصب وإذا سكنت اللام بقي لفظه مصدرًا ونصبه على البدل من كل شيء أو هو منصوب على أنه مصدر دل عليه ما تقدم من قوله: {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ} فكأنه قال: خلق كل شيء، فهو من باب اقتران المصدر بغير فعله اللفظي ولكن بما هو في معناه، والهاء في خلقه على هذا تعود إلى الله تعالى. 964- لَمَا صَبَرُوا فَاكْسِرْ وَخَفِّفْ "شَـ"ـذًا وَقُلْ ... بِما يَعْمَلُونَ اثْنانِ عَنْ وَلَدِ العَلا أي: اكسر اللام وخفف الميم فالمعنى لصبرهم كما قال في الأعراف: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا} 1؛ أي: بصبرهم والقراءة الأخرى "لَمَّا" بفتح اللام وتشديد الميم؛ أي: حين صبروا، وقوله: شذا؛ أي: ذا شذاء، وقرأ أبو عمرو: {بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} 2 في أول الأحزاب، وبعده: {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا، إِذْ جَاءُوكُمْ} 3 بالغيب فيهما، والباقون بالخطاب، ووجههما ظاهر فهذا معنى قوله: بما يعملون اثنان، وفي سورة الفتح أيضا اثنان: {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا، بَلْ ظَنَنْتُمْ} 4، {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا، هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} 5. والخلاف في الثاني كما يأتي في موضعه، والأول بتاء الخطاب أجماعا والله أعلم. 965- وَبِالْهَمْزِ كُلُّ الَّلاءِ وَالياءِ بَعْدَهُ ... "ذَ"كَا وَبِياءٍ سَاكِنٍ "حَـ"ـجَّ "هُـ"ـمَّلا أي: حيث جاء: هنا: "وما جعل أزواجكم اللاءِ" وفي المجادلة: {إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} 6.   1 سورة الأعراف، آية: 137. 2 سورة الأحزاب، آية: 2. 3 سورة الأحزاب، آية: 9 و10. 4 آية: 11 و12. 5 آية: 24 و25. 6 آية: 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 وفي الطلاق: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} ، {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} 1. قرأ الجميع الكوفيون وابن عامر بهمزة بعدها ياء ساكنة اللائي على وزن القاضي والداعي فهذا هو أصل الكلمة؛ أي: كل اللاء بالهمز والياء بعده، ويجوز والياء بالرفع على الابتداء، ثم ذكر أن أبا عمرو والبزي قرأ بياء ساكنة من غير همز فكأنهما حذفا الهمز، وبقيت الياء الساكنة إلا أنهم لا يوجهون هذه القراءة بهذا إنما يقولون: حذفت الياء؛ لتطرفها كما تحذف من القاضي ونحوه ثم أبدل من الهمزة ياء ساكنة، وهذه القراءة على هذا الوجه ضعيفة؛ لأن فيها جمعا بين ساكنين فالكلام فيها كما سبق في: "مَحْيَايَ" في قراءة من سكن ياء وشبهه جوز ذلك ما في الألف من المد، ولكن شرط جواز مثل هذا عند أئمة اللغة المعتبرين أن يكون الساكن الثاني مدغما، ولا يرد على هذا: "ص"، "ن"، "ق"؛ لأن أسماء حروف التهجي موضوعة على الوقف والوقف يحتمل اجتماع الساكنين، فإن وقف على: "مَحْيَايَ" أو اللائي فهو مثله وإنما الكلام في الوصل، أما إجازة بعضهم اضربان واضربنان بإسكان النون والتقت حلقتا البطنان بإثبات الألف فشاذ ضعيف عندهم والله أعلم، وقوله: حج هملا؛ أي: غلبهم في الحجة، وقد تقدم شرح هملا في باب ياءات الإضافة في قوله: إلا مواضع هملا وهو جمع هامل، والهامل البعير المتروك بلا راعٍ؛ أي: غلب في الحجة قوما غير محتفل بهم يشير إلى تقوية الإسكان وأنه له ضعف. 966- وَكَاليَاءِ مَكْسُورًا لِوَرْشٍ وَعَنْهُمَا ... وَقِفْ مُسْكِنًا وَالْهَمْزُ "زَ"اكِيهِ "بُـ"ـجِّلا أي: وسهل ورش الهمزة بين بين، وهو المراد بقوله: كالياء مكسورا؛ لأنها صارت بين الهمزة والياء المكسورة وهذا قياس تخفيفها؛ لأنها همزة مكسورة بعد ألف، وهذه القراءة مروية عنهما؛ أي: عن أبي عمرو والبزي وهو وجه قوي لا كلام فيه ذكره جماعة من الأئمة المصنفين كصاحب الروضة قال قرأ أبو عمرو وورش والبزي، وذكر غيرهم بتليين الهمزة من غير ياء بعدها، وهو ظاهر كلام ابن مجاهد؛ فإنه قال: قرأ ابن كثير ونافع "اللاء" ليس بعد الهمزة ياء، وقرأ أبو عمرو شبيها بذلك غير أنه لا يهمز، وكذا قال أبو عبيد: قرأ نافع وأبو عمرو "اللاء" مخفوضة غير مهموزة ولا ممدودة، ونص مكي على الإسكان ولم يذكر صاحب التيسير غيره لهما، وقال في غيره: قرأت على فارس بن أحمد بكسر الياء كسرة مختلسة من غير سكون، وبذلك كان يأخذ أبو الحسين بن المنادي وغيره وهو قياس تسهيل الهمز قال الشيخ، وقد قيل: إن الفراء عبروا عن التليين لهؤلاء بالإسكان. قالوا: وإظهار أبي عمرو في: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} مما يدل على أنه تليين وليس بإسكان. قلتُ: قد سبق في باب الإدغام الكبير تقرير هذا، وذكر أبو علي الأهوازي الوجهين عنهما. قوله: وقف مسكنا؛ أي: مسكنا للياء لهؤلاء؛ لأن الوقف يحتمل اجتماع الساكنين، قال في التيسير: وإذا وقف؛ يعني: ورشا صيرها ياء ساكنة قال وحمزة إذا وقف جعل الهمزة بين بين على   1 آية: 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 أصله: ومن همز منهم ومن لم يهمز أشبع التمكين للألف في الحالين إلا ورشا؛ فإن المد والقصر جائزان في مذهبه لما ذكرناه في باب الهمزتين. قلت: هو ما نظمه الشاطبي -رحمه الله- بقوله: وإن حرف مد قبل همز مغير ... ................... ثم ذكر أن قنبلا وقالون قرأ بالهمز من غير ياء بعده، فإذا وقفا أسكنا الهمز وفي قراءة أبي عمرو والبزي من المد والقصر مثل ما في قراءة ورش والله أعلم. 967- وَتَظَّاهَرُونَ اضْمُمْهُ وَاكْسِرْ لِعاصِمٍ ... وَفِي الْهَاءِ خَفِّفْ وَامْدُدِ الظَّاءَ "ذُ"بَّلا أي: اضمم التاء واكسر الهاء لعاصم، وهو داخل أيضا في رمز من خفف الهاء ومد الظاء وخففها كما في البيت الآتي فقراءة عاصم: "تُظاهرون" مضارع ظاهر مثل قاتل، وقرأ ابن عامر: "تَظاهرون" على اللفظ الذي في بيت الناظم وهو مضارع تظاهر مثل تقاتل، والأصل تتظاهرون، فأدغم التاء في الظاء وقرأ حمزة والكسائي مثله إلا أنهما خففا الظاء؛ لأنهما حذفا الياء التي أدغمها ابن عامر، وقرأ الباقون: {تُظْهِرُونَ} بتشديد الظاء والهاء من تظهر مثل تكلم وأدغموا التاء في الظاء. 968- وَخَفَّفَهُ "ثَـ"ـبْتٌ وَفِي قَدْ سَمِعْ كَمَا ... هُنَا وَهُناكَ الظَّاءُ خُفِّفَ "نَـ"ـوْفَلا أي: خفف الظاء قارئ ثبت وهم الكوفيون وفي قد سمع الله موضعان حكمهما ما ذكر هنا إلا أن الظاء تم لم يخففه إلا عاصم وحده؛ لأنه يقرأ يظاهرون من ظاهر ولم يخفف الظاء حمزة والكسائي؛ لأنه لم يجتمع تاءان فتحذف الثانية منهما؛ لأن موضعي سورة قد سمع فعلهما للغيبة لا للخطاب الذين يظهرون منكم والذي يظاهرون من نسائهم، ولكن أدغما التاء في الظاء كما يقرأ ابن عامر والنوفل: السيد المعطاء ونصبه على الحال؛ أي: ذا نوفل؛ أي: قارئ سيد. 969- وَ"حَقُّ صِحَابٍ" قَصْرُ وَصْلِ الظَّنُونِ وَالرَ ... سُولَ السَّبِيَلا وَهْوَ فِي الوقَفْ "فِـ"ـي "حُـ"ـلا أي: قصروا هذه الكلمات الثلاث في الوصل وهي: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} ، {يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} ، وبعده: {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} رسمت هذه الثلاثة بالألف هنا، ولم ترسم في قوله: {وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} ، وإثبات الألف في تلك المواضع؛ لتشاكل الفواصل وهو مطلوب مراعًى في أكثر القرآن، وقد يندر في بعض السور ما لا يشاكل ومنه: {أَنْ لَنْ يَحُورَ} 1.   1 سورة الانشقاق، آية: 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 في سورة الانشقاق فإنه بغير ألف بعد الراء: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} 1 بالهمز وكذا: "بِالْخَاطِئَةِ"2 في الحاقة، و"خاطئة"3 في اقرأ كلتاهما مهموز، وأنا أختار ترك الهمز في هذه الثلاثة على قراءة حمزة في الوقف؛ لتشاكل الفواصل، ثم قال: وهو في الوقف -أي: والقصر في الوقف- لحمزة وأبي عمرو فهما يقصران وقفا ووصلا على الأصل، ومد نافع وابن عامر وشعبة في الحالين تبعًا لخط المصحف وابن كثير والكسائي وحفص جمعوا بين الخط والأصل في الحالين فمدوا في الوقف؛ لأنه يحتمل ذلك كما في القوافي كقوله: وولى الملامة الرجلا وقصروا في الوصل ونحوا بذلك منحى هاء السكت وهذه القراءة هي المختارة، قال أبو عبيد: والذي أحب فيه هذه الحروف أن يتعمد الوقف عليهن تعمدا؛ وذلك لأن في إسقاط الألفات منهن مفارقة الخط وقد رأيتهن في الذي يقال له الإمام مصحف عثمان مثبتات كلهن ثم أجمعت عليها مصاحف الأمصار فلا نعلمها اختلفت، فكيف يمكن التقدم على حذفها؟ وأكره أيضا أن أثبتهن مع إدماج القراءة؛ لأنه خروج من العربية لم نجد هذا عندهم جائزا في اضطرار ولا غيره، فإذا صرت إلى الوقف عليها فأثبت الألفات كنت متبعا للكتاب، ويكون "مع" هنا فيها موافقة لبعض مذاهب العرب؛ وذلك أنهم يثبتون مثل هذه الألفات في قوافي أشعارهم ومصاريعها؛ لأنها مواضع قطع وسكت فأما في حشو الأبيات فمعدوم غير موجود على حال من الحالات، وقال الزجاج: الذي عليه حذاق النحويين والمتبعون السنة من حذاقهم أن يقرءوا "الظنونا" ويقفوا على الألف ولا يصلوا، وإنما فعلوا ذلك؛ لأن أواخر الآيات عندهم فواصل يثبتون في آخرها في الوقف ما يحذف مثله في الوصل فهؤلاء لا يتبعون المصحف ويكرهون أن يصلوا فيثبتوا الألف؛ لأن الآخر لم يقفوا عليه فيجروه مجرى الفواصل ومثل هذا في كلام العرب في القوافي نحو قوله: أقلي اللوم عاذل والعتابا ... وقولي إن أصبت لقد أصابنْ فأثبت الألف؛ لأنها في موضع فاصلة وهي القافية، وأنشد أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز: إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا ومن ذلك قول الأعشى: استأثر الله بالوفاء وبالـ ... ـعدل وولى الملامة الرجلا وقال أبو علي: وجه من أثبت في الوصل أنها في المصحف كذلك وهي رأس آية، ورءوس الآى تشبه بالقوافي من حيث كانت مقاطع كما كانت القوافي مقاطع، فكما شبه: "أَكْرَمَنِ"، "أَهَانَنِ" بالقوافي في حذف الياء منهن نحو: من حذر الموت أن يأتين ... وإذا ما انتسبت له أتكون كذلك يشبه هذا في إثبات الألف بالقوافي، أما في الوصل فلا ينون، ويحمل على لغة من لا ينون ذلك إذا وصل في الشعر؛ لأن من لا ينون أكثر، قال أبو الحسن: وهي لغة أهل الحجاز فأما من طرح الألف في الوصل فإنهم ذهبوا إلى أن ذلك في القوافي وليس رءوس الآي بقوافٍ، فيحذف في الوصل كما يحذف غيرها فما يثبت في الوقف نحو التشديد الذي يلحق الحرف الموقوف عليه.   1 سورة الرحمن، آية: 29. 2 آية: 9. 3 الآية: 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 قال: وهذا إذا أثبت في الخط فينبغي أن لا تحذف هاء الوقف من: "حِسَابِيَهْ" و"كِتَابِيَهْ"، وأن يجري مجرى الموقوف عليه فهو وجه، وإذا ثبت ذلك في القوافي في الوصل فشأنه في الفواصل حسن. قال غيره: أما من قرأ بغير ألف فهو الأصل المشتهر في كلامهم تقول: رأيت الرجل بإسكان اللام، ومن العرب من يجري القوافي في الإنشاد مجرى الكلام الموزون، فيقول: أقلي اللوم عاذل والعتابا ... واسئل بمصقلة البكري ما فعل فإذا كانوا يجرون القوافي مجرى الكلام غير الموزون فلأن يتركوا الكلام غير الموزون على حالته ولم يشبهوه بالموزون أولى والله أعلم. 970- مَقَامَ لِحَفْصٍ ضُمَّ وَالثانِ "عَمَّ" فِي الدْ ... دُخَانِ وَآتَوْهَا عَلَى الْمَدِّ "ذُ"و "حُـ"ـلا يريد: {لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} والثاني في الدخان: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} 1، والأول فيها لا خلاف في فتحه وهو: {وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} 2. كما أجمعوا على فتح: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} ، وقد سبق في مريم الكلام على القراءتين وإن المفتوح موضع القيام والمضموم بمعنى الإقامة وأراد ضم الميم الأولى ولا جائز أن تحمل على الميم الثانية لوجهين؛ أحدهما: أن ذلك في الميم الثانية لو كان لعبر عنه بالرفع لا بالضم؛ لأنها حركة إعراب: والثاني: لو أريد ذلك لذكر معه التنوين؛ لأنه من باب: وبالرفع نونه: {فَلا رَفَثَ} ، {وَلا بَيْعٌ} نونه: {وَلا خُلَّةٌ} ، {وَلا شَفَاعَةٌ} وارفعهن،، أما "لآتوها" بالمد فإنه بمعنى أعطوها؛ أي: أجابوا إلى ما سئلوه، و"أتوها" بالقصر بمعنى فعلوها وجاءوها يقال أثبت الخبر إذا فعلته، والمعنى ثم سئلوا فعل الفتنة لفعلوها، واختار أبو عبيد قراءة المد، وقال: قد جاءت الآثار في الذين كانوا يفتنون بالتعذيب في الله أنهم أعطوا ما سألهم المشركون غير بلال، وليس في شيء من الحديث أنهم جاءوا ما سألهم المشركون ففي هذا اعتبار للمد في قوله: "لَآتَوْهَا" بمعنى أعطوها. قال أبو علي: ومما يحسن المد قوله: "سُئِلُوا" والإعطاء مع السؤال حسن، والمعنى: لو قيل لهم: كونوا على المسلمين مع المشركين لفعلوا ذلك وحلا في آخر البيت مصدر مفتوح الحاء وليس بفعل ماضٍ. حكى الشيخ في شرحه عن الناظم -رحمهما الله: يقال ذو حلا؛ أي: ذو حسن من حلى في عينه وصده يحلى، قال: ويقال أيضا: حلى بالشيء؛ أي: ظفر به يحلى، وقد قال ابن ولاد: إن حلا لا يعرف؛ يعني: أن المصدر المعروف من هذين الفعلين إنما هو حلاوة.   1 آية: 51. 2 سورة الدخان آية: 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 قال الشيخ: ويجوز أن يكون ذو بمعنى الذي؛ أي: على المد الذي حلا كقول الطائي: وبئري ذو حفرت وذو طويت قلت: وكأنه أشار بقوله: حلا إلى ما ذكره أبو عبيد وأبو علي: 971- وَفِي الكُلِّ ضَمُّ الكَسْرِ فِي أُسْوَةٍ "نَـ"ـدىً ... وَقَصْرُ "كِـ"ـفًا "حَـ"ـقٍّ يُضَاعَفْ مُثَقَّلا الضم والكسر في أسوة لغتان، ومثله قدوة وعدوة بضم القاف والعين وكسرهما وقوله: في الكل؛ يعني: هنا وفي الممتحنة موضعان، ويجوز ضم الكسر على الأمر وضم الكسر على الابتداء ويضاعف مبتدأ وقصر كِفًا حقّ خبره، ومثقلا حال منه؛ أي: يضعف لها العذاب بالقصر مع تشديد العين، وقد تقدم في سورة البقرة أن ضاعف وضعف لغتان، فابن كثير وابن عامر قرأ من لغة ضعف هناك وهنا وأبو عمرو شدد هنا دون ثَم والباقون قرأوا من لغة ضاعف في الموضعين والله أعلم. قال أبو عبيد: كان أبو عمرو يقرأ هذه وحدها يضعف مشددة بغير ألف لقوله: "ضِعْفَيْنِ"، وقال ما كان أضعافا كثيرة فإنه يضاعف وما كان ضعفين فإنه يضعف. قال أبو عبيد: لا نعلم بين ما فرق أبو عمرو فرقًا. 972- وَبِاليَا وَفَتْحِ العَيْنِ رَفْعُ العَذَابِ "حِصْـ ... ـنُ" حُسْنٍ وَتَعْمَلْ نُؤْتِ بِاليَاءِ "شَـ"ـمْلَلا الواو في وبالياء فاصلة؛ لأن هذه مسألة غير المتقدمة وإن كان الجميع متعلقا بكلام واحد فالذي تقدم بيان الخلاف في القصر والتشدي، وهذا بيان قراءة من يقرأ بالياء وفتح العين، ورفع العذاب وضدها وهي القراءة بالنون وكسر العين ونصب العذاب، فكأنه قال: ويضاعف بالياء وفتح العين على ما لم يسمَّ فاعله، ورفع العذاب؛ لأنه مفعول ما لم يسم فاعله، فأسقط حرف العطف من "ورفع العذاب" ضرورة للعلم به، وقوله: حصن حسن؛ أي: رمز ذلك وهو خبر المبتدأ المقدر، وهو يضاعف وما عطف عليه وهو رفع العذاب؛ أي: المجموع حصن حسن، فاجتمع أبو عمرو مع حصن في الياء وفتح العين وخالفهم في المد فقرءوا: "يضاعف"، وقرأ هو وحده: "يضعف"، وكلا الفعلين لما لم يسم فاعله فاتفق معهم على رفع العذاب فبقي ابن كثير وابن عامر على النون وكسر العين على بناء الفعل للفاعل فلزم نصب العذاب؛ لأنه مفعوله والنون للعظمة هما من أهل القصر والتشديد، فقرآ: "نضعف لها العذاب" والقراءات ههنا ثلاث، ووجوهها ظاهرة إنما كان مشكلا استخراجها من هذا النظم وقد سهله الله تعالى فاتضح ولله الحمد. قوله: ويعمل يؤت أراد: "ويعمل صالحا يؤتها" قرأهما حمزة والكسائي بالياء أما الياء في يعمل "فعطف على "يقنت" وأجمعوا في يقنت على لفظ التذكير ردا على لفظ من فكذا ما عطف عليه وهو "يعمل" وقرأ الباقون بالتاء على التأنيث ردا على معنى من؛ لأنها عبارة عن النساء ولهذا رجعت الضمائر بلفظ التأنيث في "نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها"، أما الياء في "يؤتها" فلله تعالى، وقرأ الباقون بالنون للعظمة فقول الناظم: بالياء تقييد لقوله: "يؤت"؛ ليكون النون للباقين؛ لأنها أخت الياء في اصطلاحه ولا تكون تقييد ليعمل أيضا وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 كان صحيحا من حيث المعنى واللفظ فإنها بالياء أيضا ولكن امتنع ذلك خوفا من اختلال القراءة الأخرى فإنها ليست بالنون فلا يكون هذا إلى من باب التذكير والتأنيث فيكون قوله: ويعطل مطلقا من غير تقييد؛ ليدل إطلاقه له على أنه أراد به التذكير فيأخذ للباقين ضده وهو التأنيث، وشمللا خبر عن يعمل ويؤتِ على حذف حرف العطف. 973- وَقَرْنَ افْتَحِ "ا"ذْ نَصُّوا يَكُونَ "لَـ"ـهُ "ثَـ"ـوى ... يَحِلُّ سِوَى البَصْرِي وَخَاتِمَ وُكِّلا يريد افتح القاف من: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ، والباقون بكسرها وكلاهما فعل أمر لجماعة النساء فالمفتوح من قررت بالمكان أقر بكسر الراء في الماضي وفتحها في المضارع في قول من أجاز ذلك ونظيره عض من عضضت وقيل: من قار يقار إذا اجتمع فيكون مثل خفن الله؛ أي: اجتمعن في بيوتكن، والمكسور من قررت بالمكان أقر بفتح الراء في الماضي وكسرها في المضارع وهي اللغة المعروفة في قررت بالمكان فيكون مثل جدن في الأمر من جددت فيه أو من وقر يقر فيكون مثل عدن من وعد، فإن أخذنا ذلك من قررت بفتح فاء وكسرها فتكون عين الفعل حذفت؛ لأنه ألقيت حركتها على الفاء، فحذفت؛ لالتقاء الساكنين هي ولام الفعل، وحذفت همزة الوصل استغناء عنها بتحريك الفاء، والأصل أقررن بفتح الراء الأولى وكسرها وإن قلنا: إن قرن بالكسر من وقر يقر فالمحذوف فاء الفعل وهي الواو، وإن قلنا: إن قرن بالفتح من قار يقار فالمحذوف عين الفعل وهي واو أيضا وهذا الوجه حكاه الزمخشري عن أبي الفتح الهمداني. وقال أبو علي: الوجه في "وقرن" بالكسر؛ لأنه يجوز من وجهين لا إشكال في جوازه منهما وهما من القرار والوقار وفتح القاف على ما ذكرت من الخلاف، زعم أبو عثمان أن قررت في المكان لا يجوز، وقد حكى ذلك بعض البغداديين فيجوز الفتح في القاف على هذه اللغة إذا ثبتت، وقال أبو عبيد: والقراءة التي نختارها بكسر القاف فيكون مأخوذا من الوقار، فأما الفتح فإن أشياخنا من أهل العربية كانوا ينكرونه، ويقولون إن كان من الوقار فهو بالكسر على قراءتنا وإن كان من القرار فينبغي أن يكون من أقررنا أو أقررنا قال: وقد وجدناها تخرج في العربية من وجه فيه بعد وهو شبيه بقوله: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} 1. وأصلها من المضاعف ظللت قال مكي: وقيل: إن هذه القراءة مشتقة من قررت به عينا أقر، قال: وليس المعنى على هذا لم يؤمرن أن تقر أعينهن في بيوتهن إنما أمرن بالقرار أو بالوقار في بيوتهن قال: والاختيار كسر القاف؛ لأن عليه المعنى الصحيح. وأما: {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} ، {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} فالتذكير فيهما والتأنيث ظاهران، وأبو عبيد يختار التذكير في هذا ونحوه والثرى بالقصر التراب الندي وبالمد المال الكثير فيجوز أن يكون قصره ضرورة، وقد تقدم أن الناظم يستعير هذه الأشياء ونحوها كناية عن وضوح القراءة وكثرة الحجج لها، وردا لكلام من   1 سورة الواقعة، آية: 65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 من سورة الروم إلى سورة سبأ ... تكلم فيها، أما وخاتم النبيين فوجه الفتح فيه أن الذي يختم به يقال بفتح التاء وكسرها فكأنه -صلى الله عليه وسلم- جُعل كخاتم لما ختم به الأنبياء، قال أبو عبيد: وبالكسر نقرأ؛ لأن التأويل أنه -صلى الله عليه وسلم- ختمهم فهو خاتمهم، وكذلك رويت الآثار عنه في صفة نفسه أنه قال: "أنا خاتم النبيين" لم نسمع واحدا من فقهائنا يروي هذا الحرف في حديثه إلا بكسر التاء قال الزجاج: من كسر فمعناه ختم النبيين ومن فتح فمعناه آخر النبيين لا نبي بعده، والواو في قول الناظم: وقرن وخاتم ليست فاصلة بل هي من نفس الكلمة في القرآن كالياء في يكون ويحل، أما الواو في "وكلا" فليست فاصلة أيضا ولا معنى لها هنا فلو أتى بكلمة أولها نون رمزا لقراء الفتح لكان أولى فيقول نولا أو نحو ذلك، ويستغنى عن الرمز بعد قوله: في البيت الآتي ويأتي بالواو الفاصلة ثم يقول وخاتم نزلا بفتح وقل ساداتنا اجمع إلى آخره. فإن قلتَ: لو قال كذلك لكان قد رمز قبل تقييد القراءة، وهو قد قال: ومن بعد ذكرى الحرف أسمى رجاله، قلت: الذي التزمه أن لا يتقدم الرمز على الحرف المختلف فيه أما تقدمه على التقييد فلا كقوله: سما العلا شذا الجزم. 974- بِفَتْحٍ "نَـ"ـمَا سَادَاتِنَا اجْمَعْ بِكَسْرَةٍ ... "كَـ"ـفَى وَكَثِيرًا نُقْطَةٌ تَحْتُ "نُـ"ـفِّلا يريد: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا} هو جمع سيد وسادات جمع هذا الجمع وكسر تائه علامة النصب؛ لأنه جمع سلامة وفتح تاء سادة علامة نصبه؛ لأنه جمع تكسير ومثله كتبة وفجرة، أما: {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} فقراءة عاصم وحده بالباء الموحدة والقراءتان وجههما كما سبق في البقرة في: {إِثْمٌ كَبِيرٌ} قال أبو علي: الكير مثل العظم والكثرة أشبه بالمعنى؛ لأنهم يلعنون مرة بعد مرة وقوله: نفل معناه أعطى نقطة من تحته والتنفيل الإعطاء فقوله: نقطة بالنصب ثاني مفعول نفلا وجعل النقطة نفلا؛ لأنها دون الثلاث التي للثاء فتلك بمنزلة النفل في قسم الغنيمة؛ لأنها دون سهم الغانم والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 لأن الكسرة كأنها وليت الراء من جهة أن المدغم فيه كالحرف الواحد فالمدغم كالذاهب، ورقق أبو الحسن ابن غلبون جميع الباب إلا: "مِصْرًا"، و"إِصْرًا"، و"قِطْرًا"؛ من أجل حرف الاستعلاء فألزمه الداني: "وَقْرًا". ومنهم من لم يرقق إلا "صهرا"؛ لخفاء الهاء وفخم أبو طاهر بن أبي هاشم وعبد المنعم بن غلبون وغيرهما أيضا من المنون نحو: "خَبِيرًا"، و"بَصِيرًا"، و"مُدْبِرًا"، و"شاكرا"، مما قبل الراء فيه ياء ساكنة أو كسرة فكأنه قياس على: "ذِكْرًا"، و"سِتْرًا". قال الداني: وكان عامة أهل الأداء من المصريين يميلونها في حال الوقف؛ لوجود الجالب؛ لإمالتها في الحالين، وهو الياء والكسرة وهو الصواب وبه قرأت وبه آخذ، وقال في: "ذِكْرًا" و"سِتْرًا". أقرأني ذلك غير أبي الحسن بن غلبون بالفتح وعليه عامة أهل الأداء من المصريين وغيرهم، وذلك على مراد الجمع بين اللغتين. قلت: فحصل من هذا أن المنصوب المنون الذي قبل رائه ما يسوغ ترقيقها على ثلاثة أقسام: ما يرقق بلا خلاف، وهو نحو: "سرا" و"مستقرا". وما يرقق عند الأكثرين وهو نحو: "خَبِيرًا"، و"شَاكِرًا". وما يفخم عند الأكثر وهو نحو: "ذِكْرًا"، و"سِتْرًا". وقلت في ذلك بيتا جمع الأنواع الثلاثة على هذا الترتيب وهو: وسرا رقيق قل خبيرا وشاكرا للَاكثر ذكرا فخم الجلة العلا وكأنهم اختاروا تفخيم هذا النوع؛ لأنه على وزن ما لا يمال نحو: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 "عِلْمًا"، و"حِمْلًا". والخلاف في ذلك إنما هو في الأصل ولهذا عد التنوين مانعا، أما في الوقف فعند بعضهم لا خلاف في الترقيق؛ لزوال المانع، وقال أبو الطيب ابن غلبون: اختُلِف عن ورش في الوقف، فطائفة يقفون بين اللفظين، وطائفة يقفون بالفتح من أجل الألف التي هي عوض من التنوين والله أعلم. والجلة: جمع جليل وأرحلا جمع رحل، ونصبه على التمييز وتفخيمه مبتدأ، وأعمر أرحلا خبره، وعمارة الرحل توزن بالعناية والتعاهد له، فكأنه أشار بهذه العبارة إلى اختيار التفخيم عند جلة الأصحاب من مشايخ القراء، وبابه النصب عطف على مفعول تفخيم: 347- وَفي شَرَرٍ عَنْهُ يُرَقِّقُ كُلُّهُمْ ... وَحَيْرَانَ بِالتَّفْخِيمِ بَعْضُ تَقَبَّلا أراد قوله تعالى: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} 1، رقق كل الأصحاب عن ورش راءه الأولى؛ لأجل كسر الثانية، وهذا خارج عن الأصل المقدم وهو ترقيق الراء لأجل كسر قبلها، وهذا لأجل كسر بعدها وكسرة الراء تعد بكسرتين لأجل أنها حرف تكرير. قال الداني: لا خلاف عن ورش في إمالتها وإن وقف عليها قال: وقياس ذلك عند قوله في النساء: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} 2. غير أن أصحابنا يمنعون من إمالة الراء فيه من أجل وقوع الصاد وهي حرف استعلاء قبلها، قال: وليس ذلك مما يمنع من الإمالة ههنا؛ لقوة جرة الراء كما لم يمنع منها لذلك في نحو: "الْغَارِ"، و"أَنْصَارَ"، و"كَالْفَخَّارِ"، و"بِقِنْطَارٍ"، وشبهه مع أن سيبويه قد حكى إمالة راء الضرر سماعا وعليه أهل الأداء، غير أني بالفتح قرأت ذلك، وبها آخذ. قال: وأجمعوا عنه على تفخيمها في قوله تعالى: {عَلَى سُرُرٍ} حيث وقع، قال: وقياس ما أجمعوا عليه عنه من ترقيقها في قوله: "بِشَرَرٍ"؛ لأجل جرة الراء بعدها يوجب ترقيقها هنا، قال: وزادني ابن خاقان في الاستثناء إخلاص الفتح للراء في قوله: {حَيْرَانَ} في الأنعام3، قال: وقرأت على غيره بالترقيق قال: وهو القياس من أجل الياء، وقد ذهب إلى التفخيم جماعة من أهل الأداء، وقال: قرأت بالوجهين في:   1 سورة المرسلات، آية: 22. 2 آية: 95. 3 الآية: 71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 {حَيْرَانَ} و {إِجْرَامِي} و {عَشِيرَتُكُمْ} في سورة براءة خاصة1. قلت: وعلل بعضهم تفخيم حيران بالألف والنون فيه في مقابلة ألف التأنيث في حيرى وإذا وقعت الراء قبل ألف حيرى رققت لأجل الألف الممالة لا لأجل الياء، فكما لم يكن للحاء حكم مع وجود الألف في حيرى لم يكن لها حكم مع وجود الألف والنون في حيران، قلت: وهذا كلام ضعيف لمن تأمله، ثم قال: ونظير ارتفاع حكم الياء مع الألف الممالة ارتفاع حكم الكسرة معها في نحو: {ذِكْرَى الدَّارِ} ؛ ألا ترى أنك إذا وقفت رققت، وإذا وصلت فخمت. قلت: وهذا ممنوع بل إذا وصل رقق لأجل الكسرة وإذا وقف أمال تبعا للألف، وقد سبق التنبيه على هذا في باب الإمالة والله أعلم. 347- وَفي الرَّاءِ عَنْ وَرْشٍ سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ ... مَذَاهِبُ شَذَّتْ فِي الأَدَاءِ تَوَقُّلا توقلا: تمييز يقال: توقل في الجبل إذا صعد فيه أي شذ ارتفاعها في طرق الأداء، ولفظة الأداء كثيرة الاستعمال بين القراء، ويعنون بها تأدية القراء القراءة إلينا بالنقل عمن قبلهم، كأنه لما ذكر هذه المواضع المستثناة من الأصل المتقدم قال: وثم غير ذلك من المواضع المستثناة اشتمل عليها كتب المصنفين، فمن تلك المذاهب ما حكاه الداني عن شيخه أبي الحسن بن غلبون: أنه استثنى تفخيم كل راء بعدها ألف تثنية نحو: "طَهِّرَا"، و"سَاحِرَانِ". أو ألف بعدها همزة نحو: "افْتِرَاءً عَلَيْهِ". أو بعدها عين نحو: "سِرَاعًا"، و"ذِرَاعًا"، و"ذِرَاعَيْهِ". وفخم قوم إذا كان بين الراء وبين الكسر ساكن نحو: "حِذْرَكُمْ"، و"ذِكْرُكُمْ"، "لَعِبْرَةً" مطلقا. ومنهم من اقتصر على تفخيم: "وَزَرَ" حيث وقع، ومنهم من اقتصر على: "وِزْرَكَ"، "ذِكْرَكَ". ومنهم من فخم في موضعين وهما عشرون: "كِبْرَهُ"، و"مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ".   1 الآية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 348- وَلاَ بُدَّ مِنْ تَرْقِيِقِهاَ بَعْدَ كَسْرَةٍ ... إِذَا سَكَنَتْ ياَ صَاحِ لِلسَّبْعَةِ المَلا أي إذا سكنت الراء وقبلها كسرة رققت لجميع القراء نحو: "مِرْيَةٍ"، و"شِرْذِمَةٌ"، و"اصْبِرْ"، و"يَغْفِرُ"، و"فِرْعَوْنَ". قالوا: لأن الحركة مقدرة بين يدي الحرف وكأن الراء هنا مكسورة ولو كانت مكسورة لوجب ترقيقها على ما يأتي ومن ثم امتنع ترقيق نحو: "مَرْجِعُ"؛ لأن الكسرة تبعد عنها إذا كانت بعدها، وتقرب منها إذا كانت قبلها بهذا الاعتبار. قال: ومن ثم همزت العرب نحو: مؤسى والسؤق لما كانت الضمة كأنها على الواو والواو المضمومة يجوز إبدالها همزة فأجروا الساكنة المضموم ما قبلها مجرى المضمومة لهذه العلة وكثر في نظم العرب ومن بعدهم قوله: يا صاح، ومعناه: يا صاحب، ثم رخم كما قرأ بعضهم: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} . قال: إلا أن ترخيم صاحب من الشذوذ المستعمل؛ لأنه غير علم بخلاف مالك ونحوه، والملأ: الأشراف. 349- وَمَا حَرْفُ الِاسْتِعْلاَءِ بَعْدُ فَراؤُهُ ... لِكُلِّهِمُ التَّفْخِيمُ فِيهاَ تَذَلَّلا أي: واللفظ الذي وقع فيه حرف الاستعلاء بعد رائه فـ "راء" ذلك اللفظ تذلل التفخيم فيها لكلهم أي انقاد بسهولة؛ لأن التفخيم أليق بحروف الاستعلاء من الترقيق لما يلزم المرقق من الصعود بعد النزول، وذلك شاقٌّ مستثقلٌ، وحرف الاستعلاء إذا تأخر منع الإمالة مطلقا بخلافه إذا تقدم فإنه لا يمنع إلا إذا لم يكن مكسورًا أو ساكنا بعد مكسور، وهذا البيت مشكل النظم في موضعين أحدهما أن ما في أوله عبارة عن ماذا؟ والثاني الهاء في راؤه إلى ماذا تعود؟ والذي قدمته من المعنى هو الصواب إن شاء الله تعالى، وهو أن ما عبارة عن اللفظ الذي فيه الراء بعد كسر والهاء في راؤه تعود على ذلك اللفظ، وقال الشيخ في شرحه: يعني والذي بعده من الراءات حرف الاستعلاء فراؤه إن شئت رددت الضمير إلى "ما"، وإن شئت أعدته على حرف الاستعلاء. قلت: كلاهما مشكل فإن "ما" مبتدأ، وقد جعلها عبارة عن الراء فإذا عادت الهاء إلى ما يصير التقدير: فـ "راء الراء"، وذلك فاسد؛ لأنه من باب إضافة الشيء إلى نفسه وذلك لا يجوز، وإن عادت إلى حرف الاستعلاء بقي المبتدأ بلا عائد يعود إليه، ثم جمع حروف الاستعلاء فقال: 351- وَيَجْمَعُهاَ قِظْ خُصَّ ضَغْطٍ وَخُلْفُهُمْ ... بِفِرْقٍ جَرى بَيْنَ المَشَايِخِ سَلْسَلا أي يجمعها هذه الكلمات فهي سبعة أحرف وربما ظن السامع أن جميعها يأتي بعد الراء فيطلب أمثلة ذلك فلا يجد بعضه إنما أراد الناظم أي شيء وجد منها بعد الراء منع، والواقع منها في القرآن في هذا الغرض أربعة الصاد والضاد والطاء والقاف، ولم يقع الخاء والظاء والغين ولو أنه قال:   1 سورة الزخرف، آية: 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وما بعده صاد وضاد وطا وقا ... ففخِّم لكل خلف فرق تسلسلا لبان أمر البيتين في بيت واحد، وخلصنا من إشكال العبارتين فيهما والله أعلم. أما الصاد فوقعت بعد الراء الساكنة بعد كسر وهي المرققة لجميع القراء فمنعت الترقيق حيث وقعت نحو: "إِرْصَادًا"، و"لَبِالْمِرْصَادِ". وأما الضاد فوقعت في مذهب ورش في نحو: "إِعْرَاضًا"، و"إِعْرَاضُهُمْ". وأما الطاء والقاف فوقعا في الأمرين نحو: "قِرْطَاسٍ"، و"فِرْقَةٍ"، و"صِرَاطٍ"، و"فِرَاقُ". وليس من شرط منع حرف الاستعلاء أن يلي الراء بل يمنع وإن فصل بينهما الألف ولا يقع في مذهب ورش إلا كذلك غالبا نحو: "صِرَاطٌ"، و"فِرَاقُ"، و"إِعْرَاض". حتى نص مكي في التبصرة على أن: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} لا ترقق في الوصل لأجل صاد: "صُدُورِهِمْ". فإن رققت على: "حَصِرَتْ" رققت لزوال المانع. قلت": وتفخيم راء: "حَصِرَتْ" لأجل صاد: "صُدُورُهُمْ" بعيد؛ لقوة الفاصل وهو التاء بخلاف فصل الألف، ولأن حرف الاستعلاء منفصل من الكلمة التي فيها الراء فلا ينبغي أن يعتبر ذلك إلا في كلمة واحدة وعلى قياس ما ذكروه يجب التفخيم فيما إذا كانت الراء آخر كلمة وحرف الاستعلاء أول كلمة بعدها نحو: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا} ، {أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ} ، {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ} ، {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا} . والتفخيم في هذا يكون أولى من التفخيم في: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} ؛ لوجود الفاصل في حصرت دون ما ذكرناه ولا أثر للصاد في حصرت فإنها مكسورة فلا تمنع؛ لأنها مثل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 "تُبْصِرُونَ". والأظهر الترقيق في الجميع قياسا للمانع على المقتضى، وسيأتي في البيت بعد هذا أن ما جاء بعد الكسر المفصل فلا ترقيق فيه فلم ينظر إلى المفصل ترقيقا فلا ينظر أيضا إلى المفصل تفخيما فيعطي كل كلمة حكمها والله أعلم. ومعنى قوله: قظ خص ضغط أي أقم في القيظ في خص ذي ضغط أي خص ضيق أي اقنع من الدنيا بمثل ذلك وما قاربه واسلك طريقة السلف الصالح، فقد جاء عن أبي وائل شقيق بن سلمة -رحمة الله عليهما- وهو من المخضرمين وأكابر التابعين من أصحاب عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- ما نحو من ذلك، قال عبد الله بن عمير: كان لأبي وائل خص من قصب يكون فيه هو ودابته فإذا غزا نقضه، وإذا رجع بناه. وأما قوله في الشعراء: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ} 1، فالراء فيه رقيقة؛ لوقوعها بين كسرتين وضعف منع حرف الاستعلاء بسبب كسره، ونقل الاتفاق على ترقيق هذا الحرف مكي وابن شريح وابن الفحام. قال الشيخ رحمه الله: وفخمها بعضهم لمكان حرف الاستعلاء، قال الحافظ أبو عمرو: والوجهان جيدان. قال: وإلى هذا أشار بقوله: جرى بين المشايخ سلسلا. قلت: وقال الداني في كتاب الإمالة: كان شيخنا أبو الحسن يرى إمالة الراء في قوله: {وَالْإِشْرَاقِ} ؛ لكون حرف الاستعلاء فيه مكسورا قال فعارضته بقوله: {إِلَى صِرَاطٍ} ، وألزمته الإمالة فيه، قال: ولا أعلم خلافا بين أهل الأداء لقراءة ورش عن نافع من المصريين وغيرهم في إخلاص فتح الراء في ذلك، وإنما قال ذلك شيخنا -رحمه الله- فيما أحسبه قياسا دون أداء؛ لاجتماع الكل على خلاف ما قاله والله أعلم. 351- وَمَا بَعْدَ كَسْرٍ عَارِضٍ أَوْ مُفَصَّلٍ ... فَفَخِّمْ فَهذاَ حُكْمُهُ مُتَبَذِّلا أي والذي يوجد من الراءات بعد كسر عارض وهو كسر ما حقه السكون ككسر همزة الوصل نحو: {امْرَأَةٌ} ، و {ارْجِعُوا} ، إذا ابتدأت وكسرة التقاء الساكنين نحو: {وَإِنِ امْرَأَةٌ} {أَمِ ارْتَابُوا} {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ} .   1 آية: 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 إذا وصلت، أو بعد كسر مفصل أي يكون الكسر في حرف مفصل من الكلمة التي فيها الراء لفظا أو تقديرا نحو ما سبق من كسرة التقاء الساكنين نحو: {لِحُكْمِ رَبِّكَ} ، {بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} ، و {بِرَسُولٍ} ، و {لَرَسُولُ} ؛ لأن حروف الجر في حكم المنفصل من الكلمة الداخلة هي عليها؛ لأن الجار مع مجروره كلمتان حرف واسم، فلعروض الكسرة في القسم الأول وتقدير انفصال الراء عن الكسرة في الثاني فخمها ورش في المتحركة وجميع القراء في الساكنة، قال ابن الفحام: لم يعتد أحد بالكسرة في قوله: {بِرَبِّهِمْ} ، ولا {بِرُوحِ الْقُدُسِ} ، ولا في {ارْجِعُوا} . قال: وأما المبتدأة فلا خلاف في تفخيمها نحو: {أَرَأَيْتَ} . قلت: فيعلم من هذا أن نحو قوله تعالى: {مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ} ، {الَّذِي رُزِقْنَا} لا ترقق وإن كان قبل الراء ياء ساكنة؛ لأنها منفصلة عنها ولم ينبه الناظم على الياء المنفصلة كما نبه على الكسر المنفصل، وقد نبه عليه غيره والله أعلم، وقوله: متبذلا حال يشير إلى أن التفخيم مشهور عند القراء مبذول بينهم. 352- وَمَا بَعْدَهُ كَسْرٌ أَوِ اليَا فَمَا لَهُمْ ... بِتَرْقِيقِهِ نَصٌّ وَثِيقٌ فَيَمْثُلا أي: وما وقع من الراءات بعده كسرة أو ياء على ضد ما سبق؛ لأن الذي تقدم الكلام فيه أن تكون الراء بعد كسر أو ياء، وليس هذا على عمومه؛ بل مراده أن ما حكوا ترقيقه مما بعده كسر أو ياء لا نص لهم فيه والذي حكوا ترقيقه من ذلك نحو: "مَرْيَمَ"، ولفظ "لمرء". وعموم ما ذكره في هذا البيت يجيء في الراء الساكنة نحو: "مَرْيَمَ"، و"يَرْجِعُونَ". ولا تكون الياء بعدها إلا متحركة نحو: "لِبَشَرَيْنِ"، و"الْبَحْرَيْنِ"، و"إِلَى رَبِّهِمْ". وكان القياس يقتضي أن هذا كله يرقق كما لو تقدمت الياء أو الكسر؛ فإن الترقيق إمالة وأسباب إمالة الألف تكون تارة بعدها وهو الأكثر وتارة قبلها، فينبغي أن تكون الراء كذلك ولكن عدم النص في ترقيق مثل ذلك، ونقل مكي الترقيق في نحو: "مَرْيَمَ"، و"قَرْيَةٍ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 فقال: أما الراء الساكنة فلا اختلاف فيها أنها غير مغلظة إذا كان قبلها كسرة لازمة أو بعدها ياء نحو: "مَرْيَمَ"، و"فِرْعَوْنَ"، قال: ونقلت: {بَيْنَ الْمَرْءِ} بالتغليظ وتركه لورش وللجماعة بالتغليظ، قال الداني: على الترقيق عامة أهل الأداء من المصريين القدماء، قال: والقياس إخلاص فتحها لفتحة الميم قبلها، قوله: فيمثلا أي فيظهر ثم قال: 353- وَمَا لِقِيَاسٍ فِي القِرَاءة مَدْخَلٌ ... فَدُونَكَ مَا فِيهِ الرِّضَا مُتَكَفِّلا أي لو فتح قياس ما بعد الراء على ما قبلها لاتسع الأمر في ذلك فيقال: يلزم من إمالة: "مَرْيَمَ" إمالة نحو "يَرْتَعْ"، فلا فرق بين أن تكون الياء المفتوحة بعد الراء وقبلها بل مراعاة ما قبلها أولى بدليل أن الياء الساكنة اعتبرت قبل الراء ولم تعتبر بعدها نحو: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ} . وقد اعتذر قوم عن ذلك بما فيه تكلف ولو رققت الراء من: "يَرْتَعْ" لرققت لورش في نحو: "يَرَوْنَ". فدونك ما فيه الرضى أي ما نقل ترقيقه، وارتضاه الأئمة متكفلا بتقديره وإظهاره للطلبة أي خذه والزمه متكفلا به ويجوز أن يكون "متكفلا" حالا من ما وهو المفعول أي خذ الذي تكفل بالرضى للقراء، والمعنى أنهم يرضون هذا المذهب دون غيره، وأما نفي أصل القياس في علم القراءة مطلقا فلا سبيل إليه، وقد أطلق ذلك أبو عمرو الداني في مواضع، وقد سبقت عبارته في: {بَيْنَ الْمَرْءِ} بأن القياس إخلاص فتحها وقال في آخر باب الراءات من كتاب الإمالة: فهذه أحكام الوقف على الراءات على ما أخذناه عن أهل الأداء وقسناه على الأصول؛ إذ عدمنا النص في أكثر ذلك، واستعمل ذلك أيضا في بيان إمالة ورش الألف بين اللفظين في مواضع كثيرة في كتاب الإمالة وغيره. 354- وَتَرْقِيقُهاَ مَكْسُورَةً عِنْدَ وَصْلِهِمْ ... وَتَفْخِيمُهاَ في الوَقْفِ أَجْمَعُ أَشْمُلا يعني إذا كانت الراء مكسورة فكلهم يرققها إذا وقعت وسطا مطلقا نحو: "قَادِرِينَ"، و"الصَّابِرِينَ". أو أولا نحو: "رِيحٍ"، و"رِجَالٌ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وإن وقعت الراء المكسورة آخر كلمة رققت للجميع في الوصل، سواء كان الكسر أصلا أو عارضا نحو: {مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} و {أَنْذِرِ النَّاسَ} . فإن وقفت زالت كسرة الراء الموجبة لترقيقها فتفخم حينئذ، وفيه إشكال؛ فإن السكون عارض، وقد تقدم في باب الإمالة أن السكون العارض في الوقف لا يمنع الإمالة فيتجه مثل ذلك هنا، وقد أشار إليه مكي فقال: أكثر هذا الباب إنما هو قياس على الأصول وبعضه أخذ سماعا، ولو قال قائل: إنني أقف في جميع الباب كما أصل سواء سكنت أو رمت لكان لقوله وجه؛ لأن الوقف عارض والحركة حذفها عارض وفي كثير من أصول القراءات لا يعتدون بالعارض قال: فهذا وجه من القياس مستتب والأول أحسن. قلت: وقد ذكر الحصري الترقيق في قصيدته فقال: وما أنت بالترقيق واصله فقف ... عليه به إذ لست فيه بمضطرِّ ويمكن الفرق بين إمالة الألف وترقيق الراء بأن إمالة الألف أقوى وأقيس وأفشى في اللغة من ترقيق الراء؛ بدليل أن الألف تمال ولا كسر يجاورها كذوات الياء ويمال أيضا نحو: "خَاف"؛ لأن الخاء قد تكسر إذا قيل: خفت فاتسع في إمالة الألف كثيرًا فجاز أن يمنع الأضعف ما يمنع الأقوى لكن يضعف هذا الفرق نصهم على ترقيق الراء الأولى من: "شَرَرٍ" في الوقف، فهذا دليل على اعتبار الكسر فيها بعد ذهابه بسكون الوقف قالوا وترقيق الثانية لأجل إمالة الأولى، وهذا دليل على عدم اعتبار الكسر فيها وإلا لآثر في نفسها الترقيق، ولم يعتبر بإمالة ما قبلها، ووجه ذلك أن ترقيق الأولى أشبه إمالة الألف في نحو: "النَّارِ". وكلاهما رقق لكسرة بعده فبقي الترقيق بعد زوال الكسرة في الوقف كما تقدم في الألف وقوله: وترقيقها مبتدأ وخبره قوله: عند وصلهم وأجمع أشملا: خبر قوله: وتفخيمها، وأشملا تمييز وهو جمع شمل والمعنى هو أجمع أشملا من ترقيقها إشارة إلى كثرة القائلين به، وقلة من نبه على جواز الترقيق فيه كما نبه عليه مكي والحصري، فإن قلت: ما تقول في قوله تعالى: {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا} ؛ هل تمنع القاف من ترقيق الراء المكسورة؟ قلت: لا؛ لقوة مقتضى الترقيق وهو الكسر في نفس الراء، وإنما يمنع حرف الاستعلاء ترقيق غير المكسورة؛ لأن مقتضى ترقيقها في غيرها فضعف فقوي حرف الاستعلاء على منع مقتضاه، قال الداني: أما الراء المكسورة فلا خلاف في ترقيقها بأي حركة تحرك ما قبلها ولا يجوز غير ذلك والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 355- وَلكِنَّهَا في وَقْفِهِمْ مَعْ غَيْرِهاَ ... تُرَقِّقُ بَعْدَ الكَسْرِ أَوْ مَا تَمَيَّلا الضمير في "ولكنها" للمكسورة أي مع غيرها من الراءات المفتوحة والمضمومة والساكنة ترقق في الوقف إذا كان قبلها أحد أسباب ثلاثة ذكر منها في هذا البيت اثنين الكسر والإمالة، والثالث يأتي في البيت الآتي وهو الياء الساكنة. فمثال ذلك بعد الكسر: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} ، {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} ، {فَانْتَصِرْ} . ومن ذلك ما كان بين الراء وبين الكسر فيه ساكن نحو: "الذِّكْرُ"، و"السِّحْرَ"، و"الشعر". نص عليه الداني في كتاب الإمالة، فكأن الشاطبي أراد بعد الكسر المؤثر في مذهب ورش وقد علم ذلك من أول الباب ومثال ذلك بعد الإمالة: {عَذَابَ النَّارِ} في مذهب الدوري وأبي عمرو و: {بِشَرَرٍ} في مذهب ورش نص عليه الداني وغيره، وهو مشكل من وجه أن الراء الأولى إنما أميلت لكسرة الثانية فإذا اعتبرت الكسرة بعد سكون الوقف؛ لأجل إمالة الأولى فلم لا تعتبر لأجل ترقيقها في نفسها، ولا يقع هذا المثال إلا في المكسورة، وعلى مذهب بعض القراء بخلاف المثال بعد الكسر؛ فإنه وقع في أنواع الراء الأربعة وفي مذهب جميع القراء، وسبب الترقيق سكون الراء بعد الكسر أو ما يناسبه وهو الإمالة، وقد سبق قوله: ولا بد من ترقيقها بعد كسرة، وهذا الاستدراك المفهوم من قوله: ولكنها؛ لأجل قوله في البيت السابق: وتفخيمها في الوقف أجمع أشملا، فكأنه استثنى من هذا فقال: إلا أن تكون بعد كسر أو حرف تميل ثم ذكر الياء الساكنة فقال: 356- أَوِ اليَاء تَأْتِي بِالسُّكُونِ وَرَوْمُهُمْ ... كَمَا وَصْلِهِمْ فَابْلُ الذَّكَاءَ مُصَقَّلا لا تقع الراء الساكنة بعد الياء الساكنة وإنما تقع بعدها الراء المتحركة بالحركات الثلاث في قراءة جميع القراء نحو: {ذَلِكَ خَيْرٌ} ، {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ} ، {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} ، ولا يستقيم التمثيل بالمنصوب المنون، فإن الوقف لا يكون فيه على الراء بل على الألف المبدلة من التنوين فيبقى الترقيق فيه لورش وحده بشرطه هذا كله إذا وقفت على الراء بالسكون، فإن وقفت بالروم على ما سيأتي شرحه كان حكم الوقف حكم الوصل؛ لأنه قد نطق ببعض الحركة فترقق المكسورة للجميع وغيرها لورش بشرطه ويفخم الباقي للجميع، وما في قوله: كما زائدة أي رومهم كوصلهم، و"فابل" بمعنى اختبر ومصقلا نعت مصدر محذوف أي بلاء مصقلا أي مصقولا يشير إلى صحة الاختبار ونقائه مما يكدره ويشوبه من التخاليط، فبذلك يتم الغرض في تحرير هذه المسألة؛ لأنها مسائل متعددة عبر عنها بهذه العبارة الوجيزة، وبسط هذا أن نقول لا تخلو الياء إما أن تكون مكسورة أو غير مكسورة فإن كانت مكسورة رققت وصلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 وروما، وفخمت إن وقفت بالسكون إلا في ثلاث صور؛ وهي أن يكون قبلها كسر أو ياء ساكنة فترقق لجميع القراء في هاتين الصورتين الصورة الثالثة أن يكون قبلها إمالة فترقق لأصحاب الإمالة دون غيرهم وإن كانت غير مكسورة فهي مفخمة لجميع القراء وقفا بالسكون إلا أن يكون قبلها أحد الثلاثة فالحكم ما تقدم في الوصل والروم مفخمة لغير ورش مرققة لورش بعد الكسر والياء الساكنة على ما في أول الباب، ولا يقع الروم في المنصوبة فاعتبر ذلك وقس عليه. ثم أشار إلى أن الأصل التفخيم بقوله: 357- وَفِيماَ عَدَا هذَا الَّذِي قَدْ وَصَفْتُهُ ... عَلَى الأَصْلِ بِالتَّفْخِيمِ كُنْ مُتَعَمِّلا أي كن متعملا بالتفخيم على الأصل ومتعملا بمعنى عاملا، وفي الصحاح تعمل فلان لكذا، وقال غيره: سوف أتعمل في حاجتك أي أقضي، فيجوز في موضع بالتفخيم بالباء للتفخيم باللام على ما نقله الجوهري والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 سورة سبأ وفاطر : 975- وَعَالِمٍ قُلْ عَلامِ "شَـ"ـاعَ وَرَفْعُ خَفْ ... ضِهِ "عَمَّ" مِنْ رِجْزٍ أِلِيمٍ مَعًا وِلا أي: قرأه علام وعالم وعلام كلاهما من الصفات كضارب وضراب وفي التشديد مبالغة وفي القرآن "عالم الغيب" في مواضع مجمع عليها، و {عَلَّامُ الْغُيُوبِ} 1 في المائدة وفي آخر هذه السورة ولم يجئ "علام الغيب" إلا في قراءة حمزة والكسائي ههنا والخفض في عالم وعلام على اتباع "وربي" أو "لله" في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ورفع عالم على المدح؛ أي: هو عالم الغيب أو مبتدأ وخبره: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ} ، و {مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} موضعان هنا وفي الجاثية، والرجز أشد العذاب وسيئه، وقيل: إنه كالرجس بمعنى القذر فهذا فائدة جعل العذاب فيه باعتبار صفته والواو في قوله: ولا ليست فاصلة كالواو في وكلا التي سبق ذكرها، أما أقل ما اتفق له في هذه القصيدة من أمثال هذا نحو وخاتم وكلا وإلياسين بالكسر وصلا فإن الواوات في أوائل هذه الكلم توهم الفصل؛ لأنها كلمات لم تسبق تقييدا بخلاف الواو في قوله: وبالضم واقصر واكسر التاء فاتلوا فهذه الكلمات كلها تقييد فلم تضر الواوات في أوائلها ومعنى ولا بكسر الواو متابعة وهو مفعول من أجله من الكلام الذي يأتي بعده؛ أي: رفع متابعة ومن رجز أليم مبتدأ وخبره أول البيت الآتي وهو: 976- عَلَى رَفْعِ خَفْضِ الْمِيمِ "دَ"لَّ "عَـ"ـلِيمُهُ ... وَنَخْسِفْ نَشَأْ نُسْقِطْ بِها اليَاءُ "شُـ"ـمْلَلا خفض الميم من: "أَلِيمٌ" على أنه صفة لرجز، ورفعها على أنه نعت لعذاب؛ أي: لهم عذاب أليم من رجز والياء والنون في قوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ} ظاهران، معنى شمللا؛ أي: حكم على الياء بالشمول لهذه الثلاثة. 977- وَفِي الرِّيحُ رَفْعٌ "صَـ"ـحَّ مِنْسَأَتَهْ سُكُو ... نُ هَمْزَتِهِ "مَـ"ـاضٍ وَأَبْدِلْهُ "إِ"ذْ "حَـ"ـلا يريد: "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحُ" رفع الريح على الابتداء ولسليمان خبره كما يقول لزيد المال والنصب على إضمار: "وسخرنا لسليمان الريح" عطفا على معنى: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} ؛ لأن ذلك تسخير لداود -عليه السلام- والمنسأة العصا العظيمة التي تكون مع الراعي على وزن محبرة وأصلها الهمز؛ لأنها من نسأت البعير زجرته وسقته وطردته فهي اسم آلة من ذلك كالمقدحة والمجرفة فقرأتها الجماعة كذلك على الأصل   1 آية: 116. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 وأبدل الهمزة ألفا نافع وأبو عمرو والهمز المتحرك لا يبدل حرف مد إلا سماعا وهذا مسموع قال الشاعر: إذا دليت على المنساة من كبر وأسكن ابن ذكوان الهمز تخفيفا وهو عند النحاة ضعيف: فإنه يلزم منه أن يوجد ساكن غير الألف قبل هاء التأنيث وهذا لا يوجد، وقال بعضهم: يمكن أن تكون القراءة بها بين بين وهو القياس في تخفيف هذه الهمزة، لكن الراوي لم يضبط، وقال صاحب التيسير: ابن ذكوان بهمزة ساكنة، ومثله قد يجيء في الشعر لإقامة الوزن، وأنشد الأخفش الدمشقي زاد الشيخ لبعض الأعراب: صريع خمر قام من وكاته ... كقومة الشيخ إلى منساته فقوله: ماضٍ إشارة إلى جوازه؛ أي: قد مضى حكمه والهاء في أبدله للهمز؛ أي: أبدل ذلك الهمز الساكن إذ خلا إبداله والله أعلم. 978- مَسَاكِنِهِمْ سَكِّنْهُ وَاقْصُرْ عَلَى "شَـ"ـذًا ... وَفِي الكَافِ فَافْتَحْ "عَـ"ـالِمًا "فَـ"ـتُبَجَّلا يريد: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ} هذه قراءة الجماعة بالجمع، وأفرده حمزة والكسائي وحفص فقرءوا: {مَسْكَنِهِمْ} إلا أن الكسائي كسر الكاف وفتحها حمزة وحفص وكلاهما لغة والفتح أقيس، والجمع يجوز أن يكون لكل واحد منهما والله أعلم. 979- نُجَازِي بِيَاءٍ وَافْتَحِ الزَّايَ وَالكَفُو ... رَ رَفْعٌ "سَمَا كَـ"ـمْ "صَـ"ـابَ أُكْلٍ أَضِفْ "حُـ"ـلا "يُجازَى إلا الكفورُ" على بناء الفعل للمفعول، و"نجازي" بالنون؛ ليكون الفعل مسندا للفاعل، والكفور منصوب؛ لأنه مفعول وهو موافق لما قبله: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} وصاب؛ أي: نزل؛ يعني: قد نزل نظائر في القرآن فيها الفعل مبني لما لم يسم فاعله نحو: {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا} ، وقوله: سما هو خبر نجازي والكفور رفع جملة حالية، وكم صاب جملة أخرى خبرية عنه؛ أي: كم مرة ورد، وسيأتي في فاطر: {كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} 1. ثم قال: أكل أضف حلا،؛ أي: ذا حلا يريد ذواتي أكل خمط، أضاف أبو عمرو "أكل" إلى "خمط" فانحذف التنوين من أكل، والباقون لم يضيفوا فبقي منونا، أما الخلاف في إسكان الكاف وضمها فقد سبق في سورة البقرة، واختار أبو عمرو التنوين قال؛ لأن الأكل ههنا هو الخمط في التفسير فالتنوين أولى به من الإضافة مع أن أهل هذه القراءة أكثر. قلت: الأكل المأكول وهو الجنا كما قال:   1 الآية: 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} 1. وثمر كل شيء يطلق عليه اسم شجرته وعلى الشجرة اسم ثمرها، فكما تقول عندي ثمرتان وعنب ورمان برفع الجميع وتنوينه فكذا تقول: هذا أكل خمط وأثل وسدر والإضافة على تقدير ثمرة هذا النوع من الشجر، وإنما ذكر سبحانه الأكل تصريحا بأن هذا صار مأكولهم بعد ما كانوا مخولين في ما شاءوا من ثمار الجنتين المقدم ذكرهما: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ} ، قال أبو عبيد: الخمط كل شجرة مرة ذات شوك، وقال الزجاج: كل نبت أخذ طعما من مرارة فلم يمكن أكله خمط، وقيل في كتاب الخليل: الخمط شجرة الأراك وقال الجوهري: هو ضرب من الأراك له حمل يؤكل، والأثل شجر يشبه الطرفاء أعظم منه، قال الزمخشري: وجه من نون أن أصله ذواتي أكل أكل خمط فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أو وصف الأكل بالخمط كأنه قيل: ذواتي أكل شفيع. قلتُ: هو نحو قولهم: مررت بقاع عرفج كله أو على تقدير ذي خمط كما قيل ذلك في قوله تعالى: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} 2. أي: ذي صديد، وأجاز جماعة أن يكون بدلا، ومنعه أبو علي، فاختار أن يكون عطف بيان، ورجح قراءة الإضافة فقال: ما ذهب إليه أبو عمرو في قراءته بالإضافة حسن؛ فإن الأكل إذا كان الجناء فإن جناء كل شجرة منه قال: وخير الإضافة ليس في حسن الإضافة؛ وذلك لأن الخمط إنما هو اسم شجرة وليس بوصف وإذا لم يكن وصفا ولم يجر على ما قبله كما يجري الوصف على الموصوف والبدل ليس بالسهل أيضا؛ لأنه ليس هو هو ولا بعضه؛ لأن الجناء من الشجرة وليس الشجرة من الجناء قال: فيكون إجراؤه عليه على وجه عطف البيان كأنه بين أن الجناء لهذا الشجر ومنه وكان الذي حسن ذلك أنهم قد استعملوا هذه الكلمة استعمال الصفة، قال الشاعر في صفته: القفار ليست بخطمه قال أبو الحسن: الأحسن في كلام العرب أن يضيفوا ما كان من نحو هذا مثل دار آجر وثوب خز قال: وأكل خمط قراءة كثيرة وليست بالجيدة في العربية وقال الفراء: الخمط في التفسير هو الأراك وهو البربر، قال النحاس: قال محمد بن يزيد: الخمط كل ما تغير إلى ما لا تشتهي، واللبن خمط إذا حمض والأولى عنده في القراءة: "ذواتي أكل خمط" بالتنوين على أنه نعت لأكل أو بدل منه؛ لأن الأكل هو الخمط بعينه عنده، فأما الإضافة فباب جوازها أن يكون تقديرها ذواتي أكل حموضة وأكل مرارة والله أعلم. 980- وَ"حَقُّ" لِوَا بَاعِدْ بِقَصْرٍ مُشَدَّدًا ... وَصَدَّقَ لِلْكُوفِيِّ جَاءَ مُثَقَّلا باعد مبتدأ وخبره: حق لوا ويقصر مشددا حالان من باعد عاملهما: حق؛ لأنه مصدر وقصر لفظ اللواء ضرورة وكنى بذلك عن شهرة القراءة وكلتاهما واضحة: باعد وبعد مثل ضاعف وضعف   1 و2 سورة إبراهيم -عليه السلام- الآيتان: 26 و16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 يريد قوله سبحانه: {بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} و {صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} بالتخفيف والتشديد، قيل: هما سواء "وظنه" مفعول به يقال: وعد مصدوق ومكذوب، قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} 1. ومن أبيات الحماسة: فوارس صدقوا فيهم ظنوني أي: كان منهم ما ظننت فيهم وكذا إبليس ظن أنه يقويهم إلا قليلا فوقع ذلك وقيل: التقدير: في قراءة التخفيف في ظنه فحذف الجار متعدي الفعل فنصب وقبل التقدير: ظن ظنه نحو فعلته جهدك وقيل: في التشديد حق عليهم ظنه أو وجده صادقًا، وروى ظنه بالرفع على تخفيف صدق فيكون ظنه بدلا من إبليس وقيل: أيضا بجواز نصب إبليس، ورفع ظنه فكما صدق إبليس ظنه فكذا صدق ظنه وظنه هو قوله: لأغوينهم أجمعين قال ذلك ظنا. 981- وَفُزِّعَ فَتْحُ الضَّمِّ وَالكَسْرِ "كَـ"ـامِلٌ ... وَمَنْ أَذِنَ اضْمُمْ "حُـ"ـلْوَ "شَـ"ـرْعٍ تَسَلْسَلا الخلف في هذين الفعلين في إسناد الفعل إلى الفاعل وهو الله -عز وجل- أو لما لم يسم فاعله وكلاهما ظاهر فإن أسند فزع إلى الفاعل فالفاعل هو الله تعالى أو ما هناك من الحال قال ابن جني: إضمار الفاعل؛ لدلالة الحال عليه كثير منه ما حكاه سيبويه من قولهم: إذا كان غدًا فائتني، وكذلك قول الشاعر: فإن كان لا يرضيك حتى تردني ... إلى قطري لا أخالك راضيا أي: إن كان لا يرضيك ما جرى أو ما الحال عليه: قلت: وقرئ شاذًّا فزع بتخفيف الزاي مع البناء للمفعول وقرئ أيضا بالراء المهملة والعين المعجمة مع البناء للفاعل أو المفعول والراء مشددة ومخففة فهذه ست قراءات مع البناء للمفعول واثنان مع البناء للفاعل ومفعول ما لم يسم فاعله قوله: {عَنْ قُلُوبِهِمْ} نحو سير عن البلد. قال ابن جني: المعنى في جميع ذلك إذا كشف عن قلوبهم، وقوله: "حلو شرع" حال من مفعول اضمم. 982- وَفِي الغُرْفَةِ التَّوْحِيدُ "فَـ"ـازَ وَيُهْمَزُ التْـ ... ـتَنَاوُشُ "حُـ"ـلْوًا "صُحْبَةً" وَتَوَصُّلا يريد: {وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ آمِنُونَ} ، ووجه الجمع ظاهر كما جاء في موضع آخر: {لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} 1، {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} 2. ووجه الإفراد قوله: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} فهو اسم جنس يراد به الجمع والكثرة والتناوش   1 سورة هود، آية: 65. 2 سورة الزمر، آية: 20. 3 سورة سبأ، آية: 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 التناول بغير همز، ووجه الهمز ضم الواو مثل: أقتت وأدؤر وأجوه، وقيل: هو من ناشت إذا تأخرت وأبطأت وإذا وقف حمزة جعل الهمزة بين بين على أصله، وذكر صاحب التيسير له وجها آخر هنا: أنه يقف بضم الواو على تعليل الهمز بأن سببه ضمة الواو فقال: فعلى هذا يقف بضم الواو، ويرد ذلك إلى أصله، ولم يتعرض الناظم -رحمه الله- لهذا الوجه في نظمه هنا، واعتذر عن ذلك فيما وجدته في حاشية النسخة المقروة عليه، فقال: تركه لضعف هذا التأويل قال: ثم لو صح كيف يرد الوقف الشيء إلى أصله وهو عارض وأين له نظير حتى يبني عليه، ويلزمه ذلك في عطاء وجزاء. قلتُ: وهذا الوجه صحيح لحمزة، ولكن مأخذه اتباع الرسم كما سبق في بابه واستغنى الناظم بذلك عن ذكره هنا والله أعلم. وقوله: "حلوا" حال من التناوش وصحبة وتوصلا تمييزان من الحال؛ أي: حلوا صحبته وتوصله. 983- وَأَجْرِي عِبَادِي رَبِّيَ اليَا مُضَافُها ... وَقُلْ رَفْعُ غَيْرُ اللهِ بِالْخَفْضِ "شُـ"ـكِّلا يريد: الياء في هذه الكلمات الثلاث هي مضافها؛ أي: الذي يجري عليه أحكام ياءات الإضافة بالفتح والإسكان فقوله: {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلّ} فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص. {عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فتحها كلهم غير حمزة. "رَبِّيَ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ" فتحها نافع وأبو عمرو، وفي سبأ زائدتان كالجواري أثبتها أبو عمرو وورش في الوصل وابن كثير في الحالين. "فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ" أثبتها في الوصل ورش وحده. وأما: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} 1 في سورة فاطر، فالخفض صفة الخالق على اللفظ والرفع صفة على المعنى؛ لأن التقدير: هل خالق غير الله ومعنى شكل صدر والله أعلم. 984- وَنَجْزِي بِياءٍ ضُمَّ مَعْ فَتْحِ زَايِهِ ... وَكُلَّ بِهِ ارْفَعْ وَهْوَ عَنْ وَلَدِ العَلا يريد: {كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} قرأه أبو عمرو بضم الياء على بناء الفعل للمفعول، وقرأه الباقون بفتح النون على بنائه للفاعل والهاء في "به" تعود على يجزي؛ لأن كل مرفوع به؛ لأنه مفعوله الذي أقيم مقام فاعله ونصبه الباقون على المفعولية: 985- وَفِي السَّيِّئِ المَخْفُوضِ هَمْزًا سُكُونُهُ ... "فَـ"ـشا بَيِّناتٍ قَصْرُ "حَقٍّ فَـ"ـتًى "عَـ"ـلا همزا منصوب على التمييز؛ أي: المخفوض همزه، يريد: {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} احترازا من المرفوع بعده وهو   1 الآية: 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ} فإنه لا خلاف في تحريك همزه، أما ذلك المخفوض فروي عن حمزة سكون همزه تخفيفا؛ لأجل كثرة الحركات وقد سبق ما في هذا في قراءة: "بارئكم" و"يأمركم"، ونحوه، وقيل: إنه وصل بنية الوقف، وعندي أنه أسكنه وقفا فظن الراوي أنه يفعل ذلك وصلا، وسبب كونه أسكن هذه الهمزة وقفا أن من مذهبه تخفيف الهمز في الوقف على الطريقة المذكورة في بابه، وقياسها أن تبدل هذه الهمزة ياء؛ لأنها تسكن للوقف وقبلها مكسور فيجب قلبها ياء إذا خففت فكأنه استثقل اجتماع ثلاث ياءات؛ الوسطى مكسورة فترك الهمز ساكنا على حاله فهو أخف من إبداله فهو نظير ما فعله أبو عمرو في "تؤوي" وتؤويه حين لم يبدل همزه استثقالا للإبدال وهو معنى قول الناظم فيما سبق أخف بهمزة، وقال الزمخشري: لعله اختلس فظن سكونا أو وقف وقفة خفيفة ثم ابتدأ: "ولا يحيق"، قال أبو جعفر النحاس: قال الأعمش وحمزة: "وَمَكْرَ السَّيِّئ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ" فحذف الإعراب من الأول وأثبته في الثاني، قال أبو إسحاق: وهو لحن، قال أبو جعفر: وإنما صار لحنا؛ لأنه حذف الإعراب منه، وزعم محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز في كلام ولا شعر؛ لأن حركات الإعراب لا يجوز حذفها لأنها دخلت للفرق بين المعاني، وقد عظم بعض النحويين أن يكون الأعمش يقرأ بهذا وال: إنما كان يقف عليه فغلط من أدى عنه، قال: والدليل على هذا أنه تمام الكلام، وأن الثاني لما لم يكن الكلام أعربه، والحركة في الثاني أثقل منها في الأول؛ لأنها ضمة بين كسرتين قال: واحتج بعض النحويين لحمزة في هذا بأن سيبويه أنشد: إذا اعوججن قلت صاحب قوم ... فاليوم أشرب غير مستحقب قال: وهذا لا حجة فيه؛ لأن سيبويه لم يجزه وإنما حكاه على الشذوذ وضرورة الشعر، وقد خولف فيه وقيل: إنما هو: صاح قوم: وفاليوم فاشرب: قال الزجاج: {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} موقوفًا، وهذا عند النحويين من الحذاق بالنحو، وإنما يجوز في الشعر في الاضطرار وأنشدوا: "قلت: صاحب قوم ... "، "اليوم اشرب غير ... " قال: وهذان البيتان قد أنشدهما جميع النحويين المذكورين وزعموا كلهم أن هذا من الاضطرار في الشعر، ولا يجوز مثله في كتاب الله تعالى، أنشدناهما أبو العباس محمد بن يزيد -رحمه الله- تعالى: إذا اعوجحن قلت صالح قوم وهذا جيد بالغ، وأنشدنا: فاليوم فاشرب غير مستحقب فأما ما يروى عن أبي عمرو بن العلا: {إِلَى بَارِئِكُمْ} فإنما هو أن يختلس الكسر اختلاسا ولا يجزم بارئكم قال: وهذا إنما رواه عن أبي عمرو من لا يضبط النحو كضبط سيبويه والخليل، ورواه سيبويه باختلاس الكسر كأنه يقلل صوته عند الكسر وأكثر أبو علي في الحجة من الاستشهاد والاحتجاج للإسكان لأجل توالي الكسرات والاضطرار: وللوصل بنية الوقف ثم قال: وإذا ساغ ما ذكرنا في هذه القراءة من التأويل لم يسغ لقائل أن يقول: إنه لحن ألا ترى أن العرب قد استعملوا ما في قياس ذلك. ثم قال: وهذه القراءة وإن كان لها مخلص من الطعن، فالوجه قراءة الحرف على ما عليه الجمهور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 في الدرج وقال ابن القشيري: ما ثبت بالاستفاضة والتواتر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأه فلا بد من جوازه ولا يجوز أن يقال إنه لحن ولعل مراد من صار إلى التخطئة أن غيره أفصح منه وإن كان هو فصيحًا. قلتُ: وعلى الجملة فإسكان السيئ أهون من إسكان بارئكم؛ لإمكان حمل ذلك على الوقف كما سبق ولا يمكن تقدير ذلك في "بارئكم"، و"يأمركم" والله أعلم. وقال مكي: لو نوى الوقف لخفف الهمزة على أصله وهذا قد سبق الاعتذار عنه. وقوله: بينات قصر حق فتى بإضافة حق إلى فتى علا يريد قوله تعالى: {فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ} فالإفراد فيه والجمع قد سبق لهما نظائر وليس في سورة فاطر ياء إضافة، وفيها زائدة واحدة: "فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِي" أثبتها في الوصل ورش وحده. وقلت في ذلك مع الياءين اللتين ذكرناهما في سورة سبأ: وزاد نكيري والجواري لذي سبأْ ... وفي فاطر أيضا نكيري تقبلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 سورة يس : 986- وَتَنْزِيلُ نَصْبُ الرَّفْعِ "كَـ"ـهْفُ "صِـ"ـحابِهِ ... وَخَفِّفْ فَعَزَّزْنا لِشُعْبَةَ مُجْملا النصب على المصدر؛ أي: نزل الله ذلك تنزيلا؛ يعني: الرسالة إليه التي دل عليها قوله تعالى: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} أو يكون تفسيرا للصراط المستقيم، وجعله الزمخشري منصوبا بإضمار أعني، وهو نصب على المدح، ووجه الرفع أنه خبر مبتدأ محذوف الخبر، قدر أبو علي الأمرين فقال: من رفع فعلى: هو تنزيل العزيز الرحيم، أو: تنزيل العزيز الرحيم هذا، وقال الفراء: القراءة بالنصب يريد: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} تنزيلًا حقا، ومن رفع جعله خبر "إنك" لتنزيل العزيز أو على الاستئناف؛ أي: ذلك تنزيل، وقال أبو عبيد: هي مثل: "صنع الله"، و"صبغة الله"، والرافعون يريدون هنا: {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} ومن خفف "فعززنا" فمعناه غلبنا، وهو مطاوع عازني فعززته؛ أي: غالبني فغلبته، ومعناه بالتشديد قوينا، قال أبو عبيد: وهذا أشبه بالمعنى. وقول الناظم محملا؛ أي: معينا على الحمل يقال أحملته؛ أي: أعنته على الحمل فمعناه مكثرا حملة هذه القراءة والله أعلم. 987- وَمَا عَمِلَتْهُ يَحْذِفُ الْهاءَ "صُحْبَةٌ" ... وَوَالقَمَرَ ارْفَعْهُ "سَما" وَلَقَدْ حَلا اختلفت المصاحف في إثبات الهاء وحذفها، وهي ضمير راجع إلى "ما" إن كانت بمعنى الذي، وقد أجمع في القرآن على إثبات الهاء في: {كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ} 1، وعلى حذفها في مواضع: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} 2، {وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصطَفَى} 3، {لَّا مَنْ رَحِمَ} 4. ويجوز على حذف الهاء أن تكون "ما" مصدرية؛ أي: ومن عمل أيديهم، ويجوز على إثبات الهاء أن تكون "ما" نافية؛ أي: وما عملت أيديهم ذلك، ورفع والقمر ونصبه من باب زيد ضربته وفيه اللغتان وحسن للنصب ما قبله من الجملة الفعلية من قوله: {أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا} ، {وَجَعَلْنَا} ، و {نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} ، فهو مثل: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} .   1 سورة البقرة، آية: 225. 2 سورة الفرقان، آية: 41. 3 سورة النمل، آية: 59 4 سورة هود، آية: 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} 1، {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} 2. أجمعوا على نصب كل ذلك وحسن الرفع أن المعنى: وآية لهم القمر كما قال تعالى قبله: {وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ} ، و: {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ} فكذا التقدير: وآية لهم الشمس وآية لهم القمر، فيكون مبتدءا وخبره ما بعده أو ما قبله على اختلاف في ذلك لاحتمال المعنى كلا منه ونستقصي إن شاء الله توجيه ذلك في شرح نظم المفصل في النحو وإلى هذا أشار الناظم بقوله: ولقد حلا، وكذا قال الفراء: الرفع أحب إلي من النصب؛ لأنه قال: {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ} ، ثم جعل الشمس والقمر متبعين الليل فهما في مذهبه آيات مثله. 988- وَخَا يَخْصِمُونَ افْتَحْ "سَمَا لُـ"ـذْ وَأَخْفِ "حُـ"ـلْـ ... ـوَ بَرٍّ وَسَكِّنْهُ وَخَفِّفْ "فَـ"ـتُكْمِلا قرأ حمزة ما لفظ به الناظم سكن الخاء وخفف الضاد فهي من خصم يخصم إذا غلب في الخصومة؛ أي: يخصم بعضهم بعضا، وقيل: يجوز أن يكون الأصل يختصمون كما هو أصل قراءة غيره فحذف هو التاء وغيره أدغمها في الصاد، فلهذا شددت الصاد ثم لما أدغمت التاء في الصاد اجتمع ساكنان التاء المدغمة والخاء فمنهم من كسر الخاء؛ لالتقاء الساكنين وهم عاصم والكسائي وابن ذكوان، ومنهم من فتح الخاء بنقل حركة التاء المدغمة إليها مثل هذا الاختلاف ما سبق في سورة يونس في قوله تعالى: {أَمَّنْ لا يَهِدِّي} 3، فعاصم طرد مذهبه في كسر ما قبل التاء المدغمة وزعم الفراء أن الكسر أكثر وأجود وخالفه غيره، وحكى ابن مجاهد وغيره عن أبي بكر كسر التاء في: "يِخِصِّمُونَ" تبعا للخاء كما كسر ياء يهدي وأبو عمرو وقالون أخفيا فتحة الخاء كما أخفيا فتحة الياء في يهدي، ووجه الدلالة على أنه أصل هذا الحرف السكون، وقال صاحب التيسير النص عن قالون الإسكان فيهما، وكذا ذكر ابن مجاهد وغيره وضعف ذلك الحذاق؛ لما فيه من الجمع بين الساكنين، قال الزجاج: هي ردية وكان بعض من روى قراءة أهل المدينة يذهب إلى أن هذا لم يضبط عن أهل المدينة كما لم يضبط عن أبي عمرو: {إِلَى بَارِئِكُمْ} 4. وإنما زعم أن هذا يختلس فيه الحركة اختلاسا وهي فتحة الخاء والقول كما قال: والقراءة الجيدة بفتح الخاء وكسرها جيد أيضا وقال النحاس: إسكان الخاء لا يجوز؛ لأنه جمع بين الساكنين، وليس الأول حرف مد ولين، وإنما يجوز في هذا إخفاء الحركة فلم يضبط الراوي كما لم يضبط عن أبي عمرو: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} 5. إلا من رواية من يضبط اللغة كما روى سيبويه عنه أنه كان يختلس الحركة.   1 سورة الذاريات، الآيتان: 47 و48. 2 سورة النازعات، آية: 30. 3 آية: 35. 4 سورة البقرة، آية: 54. 5 سورة البقرة، آية: 54. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 وقال بعض المتأخرين: ليس هذا بمنكر؛ لأن الساكن الثاني مدغم في حرف آخر والحرفان اللذان أُدغم أحدهما في الآخر يرتفع اللسان عنهما ارتفاعة واحدة فيصيران كحرف واحد متحرك فكأنه لم يلتق ههنا ساكنان. قلت: هذا خلاف ما يشهد به الخبر لفظا ووزنا في الشعر بل الحرف المشدد حرفان حقيقة ولا يمكن الجمع بين الأول منهما وساكن قبله غير حرف مد، أما قول أبي علي من زعم أن ذلك ليس في طاقة اللسان يعلم فساده بغير استدلال فمقابل بمثله وقوله: حلو بر منصوب على الحال من فاعل أخف أو مفعوله؛ أي: أخف الفتحة في حال حلاوتها وبر يجوز بفتح الباء وكسرها وكلاهما له حلاوة شبه بها حلاوة الإخفاء، ولكونه بين المنزلتين دال على كل واحد من الأمرين الحركة والسكون. 989- وَسَاكِنَ شُغْلٍ ضُمَّ "ذِ"كْرًا وَكَسْرُ فِي ... ظِلالٍ بِضَمٍّ وَاقْصُرِ اللامَ "شُـ"ـلْشُلا أي: ضم الغين ذا ذكر وضمها وإسكانها لغتان وإذا ضم الكسر من قوله: في ظلال وهو كسر الظاء وقصر اللام؛ أي: لم تشبع فتحها فتصير ألفا وصارت الكلمة في ظلل جمع ظلة كحلة وحلل وظلال جمع ظل كقدح وقداح أو يكون أيضا جمع ظلة كبرمة وبرام، وأجمعوا على أن: {يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ} 1 بالضم والقصر، وعلى: {يَتَفَيَّؤُا ظِلَالُهُ} بالكسر والمد وشلشلا حال من فاعل اقصر؛ أي: خفيفا. 990- وَقُلْ جُبُلًا مَعْ كَسْرِ ضَمَّيْهِ ثِقْلُهُ ... "أَ"خُو "نُـ"ـصْرَةٍ وَاضْمُمْ وَسَكِّنْ "كَـ"ـذِي "حَـ"ـلا أي: مع كسر الجيم والباء ثقل اللام؛ أي: ثقلها، يقال: ثِقَل وثِقْل بسكون القاف وفتحها، وتقدير النظم: ثقله مع كسر ضميه أخو نصرة فهذه قراءة نافع وعاصم جمع جبلة، وقرأ ابن عامر وأبو عمرو بضم الجيم وسكون الباء وهو تخفيف قراءة الباقين بضمهما قال الجوهري: جميع ذلك لغات وهو الجماعة من الناس قيل: جبلا جمع جبيل كرغف ورغيف والجبل الخلق وحلا في آخر البيت بفتح الحاء ومعناه الظفر وهو منصوب، وقد سبق في سورة الأحزاب مثله فمعنى كذى حلا؛ أي: كذي ظفر وهو في موضع الحال من فاعل وسكن. 991- وَتَنْكُسْهُ فَاضْمُمْهُ وَحَرِّكْ لِعَاصِمٍ ... وَحَمْزَةَ وَاكْسِرْ عَنْهُمَا الضَّمَّ أَثْقَلا أي: ضم نونه الأولى وافتح الثانية واكسر الكاف وشددها، فيصير "ننكسه" من نكسه مثله كسله وهو   1 سورة البقرة، آية: 210. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 مبالغة في نكسه بالتخفيف وقيل: المخفف أكثر استعمالا وفي المشدد موافقة "نعمره" في اللفظ، وأرادوا كسر ذا الضم وهو الكاف، وأثقلا حال منه بمعنى ثقيلا. 992- لِيُنْذِرَ "دُ"مْ "غُـ"ـصْنًا وَالَاحْقَافُ هُمْ بِهَا ... بِخُلْفٍ "هَـ"ـدى مَا لِي وَإِنِّي مَعًا حُلا أي: مشبها غصنا في حملك للعلم المشفع به كما يحمل الغصن الثمر يريد: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} الغيب للقرآن والخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- وفي الأحقاف: {لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} 1. وقوله: هم بها؛ أي: قرءوا فيها بما قرءوا به هنا وهو الغيب الذي دل عليه إطلاقه للحرف وعدم تقييده، واختلف عن البزي في الأحقاف فقط، ثم ذكر ياءات لإضافة في يس وهي ثلاث: "وَمَا لِي لا أَعْبُدُ" سكنها حمزة وحده. "إِنِّيَ إِذًا لَفِي ضَلالٍ" فتحها نافع وأبو عمرو. و"إِنِّيَ آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ" فتحها الحرميان وأبو عمرو. وفيها زائدة واحدة: "وَلا يُنْقِذُونِي" أثبتها في الوصل ورش وحده. وقلت في ذلك: ويس زد فيها ولا ينقذون مع ... لتردين فيما فوق صاد تنزلا   1 آية: 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 سورة الصافات ... سورة والصافات: 993- وَصَفًّا وَزَجْرًا ذِكْرًا ادْغَمَ حَمْزَةٌ ... وَذَرْوًا بِلا رَوْمٍ بِها التَّا فَثَقَّلا أي: وذكرا فحذف حرف العطف، وذروا عطف عليها أيضا فصل بينهما بقوله: أدغم حمزة وقوله: بلا روم؛ أي: إدغاما محضا بخلاف ما سبق ذكره في مذهب أبي عمرو في الإدغام في شرح قوله: واشمم ورم في غير باء وميمها، وقوله: بها؛ أي: في أوائل هذه الكلمات الأربع التاء مفعول أدغم؛ أي: أدغم حمزة التاء الموجودة قبل كل واحد من هذه الألفاظ في هذه الألفاظ في أوائلها فثقل؛ أي: فشدد؛ لأن الإدغام يوجب ذلك أراد إدغام: "وَالصَّافَّاتِ صَفًّا"، "فَالزَّاجِرَات زَّجْرًا"، "فَالتَّالِيَات ذِّكْرًا" هذه الثلاثة هنا، والرابعة: "وَالذَّارِيَات ذَّرْوًا"1. فإن قلتَ: ما للناظم لم يذكر أبا عمرو مع حمزة في إدغام هذه المواضع وهو مشاركه في هذا المذهب وتقدم ذكر باب الإدغام لأبي عمرو وغير مانع له من ذلك كما ذكره معه في قوله: إدغام بيت في حلا وقد تقدم في سورة النساء؟ قلتُ: مذهب أبي عمرو في الإدغام غير مذهب حمزة، وذلك أن المنقول عن أبي عمرو أنه كان يفعل ذلك عند الإدراج والتخفيف وترك الهمز الساكن فإذا همز أو حقق لم يدغم من الحروف المتحركة شيئا إلا: "بَيَّت طَّائِفَةٌ"2، فلما كان يدغم: بَيَّت طَّائِفَةٌ" مطلقا أشبه ذلك مذهب حمزة فذكره معه فيها ولما كان أمره في: "وَالصَّافَّاتِ صَفًّا" على خلاف ذلك لم يذكره معه، ولهذا قال ابن مجاهد: قرأ أبو عمرو، وإذا أدغم وحمزة على كل حال: "وَالصَّافَّاتِ صَفًّا" فقيد ذكر أبي عمرو بقوله: إذا أدغم، وقال في حمزة على كل حال وترك الإدغام هو المختار في ذلك قال الفراء: كان ابن مسعود يدغم التاء من: "والصافات"، "فالزاجرات"، "فالتاليات"، والتبيان أجود؛ لأن القراءة ثبتت على التمكين والتفصيل والبيان، وقال أبو عبيد: وكان الأعمش يدغمهن والقراءة التي نختارها هي الأولى بالتحقيق والبيان على ما ذكرنا من مذهبنا في جميع القرآن إلا ما ان يخالف الخط ويخرج من لغات العرب، وقال النحاس: وهذه القراءة التي نَفِر منها أحمد بن حنبل لما سمعها؛ يعني: الإدغام والله أعلم. 994- وَخَلادُهُمْ بِالْخُلْفِ فَالْمُلْقِياتِ فَالْـ ... ـمُغِيرَاتِ فِي ذِكْرًا وَصُبْحًا فَحَصِّلا أي: وأدغم خلاد بخلاف عنه: "فَالْمُلْقِيَاتِ" في سورة: "وَالْمُرْسَلاتِ" في ذال ذكر وتاء: "فَالْمُغِيرَاتِ" في   1 سورة الذاريات، آية: 1. 2 سورة النساء، آية: 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 سورة: "وَالْعَادِيَاتِ" في صاد: "صُبْحًا"، وزاد أبو عمرو في مذهب الإدغام على ذلك إدغام: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} ، وإدغام: "وَالسَّابِحَات سَبْحًا، فَالسَّابِقَات سَبْقًا" في سورة والنازعات، وابن مجاهد وغيره من أكابر المصنفين لم يذكروا لحمزة إدغاما إلا في الكلمات الأربع المتقدمة، ولم يذكر أبو عبيد سوى الثلاث التي في الصافات، أما هذا المذكور عن خلاد في إدغام هذين الموضعين فقريب، وعنى به قول صاحب التيسير: واقرأني أبو الفتح في رواية خلاد: "فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا"، "فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا" بالإدغام أيضا من غير إشارة، وذكر في غير التيسير أن حمزة لم يدغم إلا الأربعة الأول. قال الشيخ: وكذا ذكر ابن غلبون وغيره، ولم يذكر أبو الفتح في كتابه إلا المواضع الأربعة عن حمزة والفاء في فحصلا ليست برمز؛ لأنه قصد صرح أولا بالقارئ وهو خلاد. فإن قلت: يحتمل أنه أراد الخلف عن خلاد في المواضع المتقدمة كما قال في آخر يس: بخلف هدى، ويكون إدغام هذين الموضعين لحمزة. قلت: يمنع من ذلك أن الواو في: وخلادهم فاصلة. فإن قلت: قد جاء أشياء على هذه الصورة والخلف لما مضى نحو: وقالون ذو خلف، ووجهان فيه لابن ذكوان ههنا وخلف فيهما مع مضمر مصيب. قلت: قوله: فيه وفيهما بيان لموضع الخلاف والواو بعد ذلك فاصلة أيضا في المواضع الثلاثة المذكورة. 995- بِزِينَةِ نَوِّنْ "فِـ"ـى "نَـ"ـدٍ وَالْكَوَاكِبِ انْـ ... ـصِبُوا "صَـ"ـفْوَةً يَسَّمَّعُونَ "شَـ"ـذًا "عَـ"ـلا أي: كائنا في مكان ندٍ، وفي بعض النسخ: في ندا بزيادة ألف؛ أي: كائنا في ندا وهو الكرم، وأشار بذلك إلى وجوه هذه القراءة، وصفوة: حال من الكواكب أو من المخاطبين وهو جمع صفي مثل صبي وصبية شذا حال من فاعل علا أو هو مفعول به؛ أي: علاه نحو: علا زيدنا يوم النقا زيدكم. وهو تمييز مقدم على عامله على رأي من جوز ذلك؛ أي: على شذاه؛ أي: طيبه والقراءات في: "بزينة الكواكب" ثلاث؛ قرأ حمزة وحفص بتنوين زينة وخفض الكواكب، وأبو بكر بتنوين زينة ونصب الكواكب والباقون بإضافة زينة إلى الكواكب والزينة مصدر كالنسبة واسم لما يتزين به كما قوله سبحانه: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 1، ويحتمل الأمرين: قراءة الإضافة فإن فسر بالمصدر كان مضافا إلى فاعله، أو مفعوله؛ أي: بأن زانتها الكواكب أو بأن زان الله الكواكب وحسنها؛ لأنها إنما زينت السماء؛ لحسنها هي في أنفسها وإن فسر الزينة بالاسم فالإضافة للبيان نحو خاتم حديد؛ لأن الزينة مبهمة في الكواكب وغيرها فما يزان به أو يراد بما زينت به الكواكب؛ أي: بحليتها، وهو ضوءها وأشكالها المختلفة كالثريا والجوزاء وبنات نعش وأما   1 سورة الكهف، آية: 46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 قراءة التنوين وجر الكواكب، فالكواكب عطف بيان أو بدل، والزينة فيها اسم لما يتزين به ونكر للتعظيم؛ أي: بزينة لها شأن عظيم ثم بينها بما هو مشاهد معلوم حسنه وزينه فقال: الكواكب، وقيل: يجوز على هذه القراءة أن تكون الزينة مصدرا وتجعل الكواكب بزينة مبالغة أو على تقدير زينة الكواكب فحذف المضاف، أما القراءة بنصب الكواكب مع التنوين فالزينة فيها مصدر، والكواكب مفعول به، وجوز الزجاج وغيره أن يكون بدلا من موضع بزينة وقيل: هو منصوب بإضمار أعني بعد التنكير المشعر بالتعظيم، فعلى هذين القولين يجوز أن تكون الزينة اسما لا مصدرا، ويجوز أن تكون مصدرا على المبالغة إن قلنا الكواكب بدلا من الموضع، وعلى تقدير: أعني زينة الكواكب إن قلنا: هو منصوب بإضمار أعني، وجوز الشيخ أبو عمرو أن تكون الكواكب بدلا من السماء بدل الاشتمال قال كأنه قيل: إنا زينا الكواكب في السماء الدنيا بزينة فيكون الزينة مصدرا، قال الزجاج: بزينة الكواكب؛ يعني: بتنوين زينة ورفع الكواكب قال: ولا أعلم أحدا قرأ بها فلا تقرأن بها إلا أن تثبت رواية صحيحة؛ لأن القراءة سنة، والرفع في الكواكب على معنى: إنا زينا السماء الدنيا بأن زينتها الكواكب أو بأن زينت الكواكب. قال النحاس: هو على ما حكى النحويون: عجبت من قراءة في الحمامِ القرآنَ بمعنى: إن قرئ، أما: {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى} فنشرحها في البيت الآتي، وهو: 996- بِثِقْلَيْهِ وَاضْمُمْ تَا عَجِبْتَ "شَـ"ـذًا وَسَا ... كِنٌ مَعًا اوْ آبَاؤُنَا "كَـ"ـيْفَ "بَـ"ـلَّلا أي: على بثقليه أراد تشديد السين والميم على ما لفظ به وأصله يتسمعون فأدغمت التاء في السين وقراءة الباقين: "لا يَسْمَعُونَ" من سمع إليه إذا أصغى مع الإدراك ولم ينبه على إسكان السين؛ لظهوره وإلا فلا يلزم من ضد النقل الإسكان بل يكفي ترك النقل، وذلك يكون تارة مع حركة كما في الميم وتارة مع سكون، واختار أبو عبيد قراءة التشديد؛ لأجل تعدية الفعل بإلى، وإنما عُدِّيَ بها على قراءة التخفيف؛ لتضمين الفعل معنى الإصغاء. قوله: واضمم تاء عجبت شذا؛ أي: ذا شذا فهو حال من الفاعل أو المفعول، وإضافة العجب إلى الله تعالى، وكذا سائر ما أضيف إليه مما لا يصح إنصافه بأعيانه المراد منه لوازمه وثمراته، فالمعنى هنا أن حال هؤلاء انتهت في القبح إلى حد يتعجب منه تعجب الإفكار والذم، وذكر أبو عبيد أنها قراءة ابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن مقفل وإبراهيم ويحيى بن وثاب والأعمش -رضي الله عنهم- ويشهد لها: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ} ، فأخبر الله جل جلاله أنه عجب، والحديث المرفوع: "لقد عجب الله البارحة من فلان". قلت: وفي حديث آخر: "يعجب ربكم من إلكم 1 وقنوطكم". واختار أبو عبيد قراءة الرفع، وقال الفراء: الرفع أحب إلينا؛ لأنها قراءة علي وعبد الله وابن عباس -رضي الله عنهم- قال: والعجب وإن أسند إلى الله تعالى فليس معناه منه كمعناه من العباد كما أنه قال:   1 قوله: إلكم؛ الإل: أشد القنوط، وقيل: هو الصوت بالبكاء. اهـ خطيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} 1. {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} 2. وعجبت بالفتح خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقيل: التقدير في الضم: قل يا محمد: بل عجبت، أما: {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} هنا وفي الواقعة وإلى ذلك الإشارة بقوله: معا فإسكان الواو وفتحها كما مضى في: {أَوَأَمِنَ} 3 في سورة الأعراف، وتقدير النظم: أوآباؤنا ساكن معا فالواو للعطف نحو: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ} 4. قال الشيخ: ومعنى كيف بللا؛ أي: على تبليله وقلته؛ أي: لم يقرأ به سوى ابن عامر وقالون. 997- وَفِي يُنْزَفُونَ الزَّايَ فَاكْسِرْ "شَـ"ـذًا وَقُلْ ... في الُاخْرى "ثَـ"ـوى وَاضْمُمْ يَزِفُّونَ "فَـ"ـاكْمُلا هو بكسر الزاي من أنزف إذا سكر وذهب عقله. كما قال: لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم، أو من أنزف إذا نفد شرابه وبفتح الزاي بني الفعل لما لم يسم فاعله وليس هو الفعل المذكور فإنه لازم ولكن يقال نزف فهو منزوف ونزيف إذا سكر، وعنى بالأخرى التي في الواقعة ثم قال: واضمم يزفون؛ يعني: ضم الياء لحمزة وافتحها لغيره ولا خلاف في كسر الزاي والخلاف الذي مضى في ينزفون في الزاي فتحا وكسرا ولا خلاف في ضم الياء أراد: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} ، ومعناه بفتح الياء يسرعون من زف الظليم والبعير يزف زفيفا، ويزفون بالضم يصيرون إلى الزفيف أو من أزف غيره إذا حمله على الزفيف، والألف في قوله: فأكملا كالألف السابقة في فحصلا كلاهما بدل من نون التأكيد الخفيفة، وقد سبق مثله مرارا. 998- وَمَاذَا تُرِى بِالضَّمِّ وَالكَسْر "شَـ"ـائِعٌ ... وَإِلْيَاسَ حَذْفُ الْهَمْزِ بِالْخُلْفِ "مُـ"ثِّلا أي: قرأ حمزة والكسائي بضم التاء وكسر الراء من غير لفظ إمالة على وزن رمى ودعى لفظا، ومعناه ماذا تظهر من الإذعان والانقياد لأمر الله تعالى، وقراءة الباقين بفتح التاء والراء وهو من الرأي اختبروا رأيه في ذلك، فوجد كما يحب -صلى الله عليه وسلم- وأمال الراء أبو عمرو على أصله وورش بين اللفظين، وإلياس سريانيّ تكلمت به العرب على وجوه كما فعلوا في جبريل وميكال فقالوا إلياسين كجبرائيل وإلياس كإسحاق، ووصلوا همزته كأنه في الأصل ياس دخلته آلة التعريف وموضع هذا الخلاف: "وَإِنَّ الْيَاسَ" وصل همزته ابن ذكوان وقطعها غيره.   1 سورة التوبة، آية: 79. 2 سورة البقرة، آية: 15. 3 سورة الأعراف، آية: 98. 4 سورة الأعراف، آية: 63، 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 999- وَغَيْرُ "صِحَابٍ" رَفْعُهُ اللهَ رَبَّكُمْ ... وَرَبَّ وَإِلْياسِينَ بِالكَسْرِ وُصِّلا الهاء في رفعه لغير صحاب؛ أي: مرفوعه؛ أي: الذي رفعه غير صحاب هو قوله: {اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ} 1 جعلوه مبتدأ وخبرًا، ولو قال برفع: {اللَّهُ رَبُّكُمْ} لحصل الغرض وكان أبين لفظا، ونصب الثلاث صحاب جعلوا ذلك بدلا من: {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ، أو عطف بيان، أما: {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} فكسر همزتها وقصرها وأسكن كسر لامها من ذكره في قوله: 1000- مَعَ الْقَصْرِ مَعْ إِسْكَانِ كَسْرٍ "دَ"نَا "غِـ"ـنًى ... وَإِنِّي وَذُو الثُّنْيَا وَأَنِّيَ أُجْمِلا عنى بالقصر حذف المد بين الهمزة المفتوحة واللام المكسورة فقرأ مدلول قوله: دنا غنا على ما لفظ به في البيت السابق، وغنا في موضع نصب على التمييز أو الحال؛ أي: دنا غناه أو ذا غناء؛ لأن هذه القراءة استغنت بوضوحها عن تأويل القراءة الأخرى؛ لأن هذا لغة في اسم إلياس على ما سبق، وقرأه نافع وابن عامر "آل ياسين" كما جاء "آل عمران"، وكتبت كذا مفصولة في المصحف كأن اسمه يس على وزن ميكال، فيكون اسمه جاء في القرآن بأربع لغات، وكذا سبق في قراءة اسم جبريل وهي إلياس بقطع الهمزة ووصلها وياسين وإلياسين، وتكون القراءتان قد تضمنتا التسليم عليه وعلى آله، وقيل: أريد بآله نفسه، وقيل: سلم عليهم من أجله تنبيها على استحقاقهم لذلك؛ لعدم شهرتهم بخلاف آل باقي الأنبياء المسلم عليهم في هذه السورة، وقيل: المراد بالقراءتين آله وإلياسين جمع فهو من باب قول الراجز: قدني من نصر الخبيس قدني ورد هذا بأنه لو أريد لكان الوجه تعريفه فيقال الإلياسين كقوله: الخبييين، وقرئ على إلياسين بوصل الهمزة فهذا يمكن فيه ذلك؛ لأن فيه "أل" التعريف، وقيل: ياسين اسم أبي إلياس أضيف الآل إليه فدخل إلياس فيهم، ثم ذكر ياءات الإضافة في هذه السورة وهي ثلاث: "إنيَ أرى من المنام أنيَ أذبحك" فتحهما الحرميان وأبو عمرو. "سَتَجِدُنِيَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ" فتحهما نافع وحده، وهي المراد بقوله: وذو الثنيا وقد سبق معنى ذلك في آخر سورة القصص، وفيها زائدة واحدة: "لَتُرْدِينِي" أثبتها ورش وحده في الوصل، وقد سبق نظمها مع زائدة: "وَلا يُنْقِذُونِي" في آخر سورة يس1 والألف في قوله: أجملا للإطلاق لا للتثنية؛ لأن المذكور ثلاث ياءات نبهت على المذكور على وجه الإجمال دون التفصيل كما قال في باب ياءات الإضافة: أحكيه مجملا، ويجوز أن تكون الألف للتثنية ويكون الضمير "لأني"، و"إني" فهما المجملان بين ألفاظ السورة أما: "سَتَجِدُنِي" فلا؛ فإنها بقوله: وذو الثنيا متميزة فكأنها مذكورة بعينها.   1 آية: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 سورة ص : 1001- وَضَمُّ فَوَاقٍ "شَـ"ـاعَ خَالِصَةٍ أَضِفْ ... لَهُ "ا"لرَّحْبُ وَحِّدْ عَبْدَنا قَبْلُ "دُ"خْلُلا فَواق بضم الفاء وفتحها لغتان، وقيل: الفتح بمعنى الإفاقة والضم ما بين شخب الحلبتين؛ أي: ما لها من رجوع أو ما يمهلهم ولا مقدار فواق. {بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} بالإضافة؛ أي: بما خلص من ذكراها؛ أي: لا يخلطون ذكر الآخرة بالدنيا، وتقدير قراءة التنوين يخلصه خالصة، ثم بينها فقال: هي ذكرى الدار، وقوله: وحد عبدنا قبل؛ أي: الذي قبل خالصة؛ احترازًا من توحيد غيره فإنه مجمع عليه، وعبادنا بالجمع ظاهر؛ لأن بعده إبراهيم وإسحق ويعقوب ووجه الإفراد تمييز إبراهيم -عليه السلام- على ولده بتشريفه بوصفه بالعبودية كما ميز بالخلة وعطف عليه ما بعده ولهذا قال: دخللا؛ أي: هو خاص دخللا لإبراهيم ودخيل الرجل ودخلله الذي يداخله في أموره ويختص به، ويجوز أن يكون المراد به أنه مداخل لما قبله في الإفراد، وهو قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} {نِعْمَ الْعَبْدُ} ، وقبل ذلك: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} فصرح لهؤلاء بوصف العبودية لفظا وهي مراده للكل تقديرا؛ لأنهم جميعهم من الطبقة العليا المصطفين من الخلق. فإن قلتَ: مفهوم قوله: أضف أن قراءة الباقين بترك الإضافة وترك الإضافة تارة يكون لأجل التنوين وتارة لأجل الألف واللام فمن أين تعين التنوين لقراءة الباقين؟ قلتُ: من وجهين أحدهما أنه لفظ بها منونة في نظمه فكأنه قال: أضف هذا اللفظ فضده ل تضف هذا اللفظ والثاني أن الألف واللام زيادة على رسم الكلمة فلا يذهب وهم إليها. 1002- وَفي يُوعَدُونَ "د"مُ "حُـ"ـلًا وَبِقَافِ "دُ"مْ ... وَثَقَّلَ غَسَّاقًا مَعًا "شَـ"ـائِدٌ "عُـ"ـلا يريد: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ} وجه الغيب أن قبله: "وَعِنْدَهُمُ" والخطاب للمؤمنين وفي ق: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} 1. لم يقرأه بالغيب إلا ابن كثير وحده؛ لأن قبله: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} 2. وقوله: دم حلا؛ أي: ذا حلا أو دامت حلاك نحو: طب نفسا فهو حال أو تمييز والجملة دعا له بذلك، والغساق بتخفيف السين وتشديدها واحد وهو ما يسيل من صديد أهل النار: أعاذنا الله بكرمه منها، وقوله: شائد علا فاعل ثقل؛ أي: قارئ هذه صفته شاد العلا: فيما حصل من العلم والمعرفة، وقوله: معا؛ يعني: هنا: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} ، وفي سورة النبأ: {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} 3.   1 آية: 32. 2 آية: 31. 3 آية: 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 1003- وَآخَرُ لِلْبَصْرِي بَضَمٍّ وَقَصْرِهِ ... وَوَصْلُ اتَّخَذْناهُمْ "حَـ"ـلًا "شَـ"ـرْعُهُ وِلا يريد: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ} ؛ أي: وعذاب آخر، وقرأه أبو عمرو وأُخر بضم الهمزة ولا مد بعدها فصار على وزن كُبر جمع أخرى؛ أي: وعقوبات أخر وقوله بعد ذلك: أزواج خبر وأخر على القراءتين وجاز أن يكون لفظ المبتدأ واحدا والخبر جمعا؛ لأن العذاب يشتمل على ضروب كما تقول عذاب فلان أنواع شتى وقرئ: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} بوصل الهمزة، فتذهب في الدرج وتكسر إذا ابتدئ بها، وقرئت بالقطع فتفتح مطلقا. فإن قلتَ: من أين علم أن همزة القطع هنا مفتوحة؟ قلتُ: من جهة أنها همزة في أول فعل ماض فلا تكون إذا كانت للقطع إلا مفتوحة؛ لأنها همزة استفهام هنا وتقع في غير الاستفهام في نحو أكرم لا تخرج همزة الفعل الماضي المقطوعة عن ذلك و {أَتَّخَذْنَاهُم} بالوصل جملة صفة واقعة لرجالا بعد صفة وبالقطع على أنه استفهام إنكار على أنفسهم وأم بعد الاستفهام متصلة وبعد الخبر منقطعة، وولا بالكسر حال؛ أي: ذا ولاء؛ أي: متابعة أو يكون مفعولا من أجله؛ أي: حلا شرعه من أجل ما لزمه من المتابعة ويجوز أن يكون تمييزا؛ أي: حلت متابعة شرعه. 1004- وَفَالْحَقُّ "فِـ"ـى "نَـ"ـصْرٍ وَخُذْ يَاءَ لِي مَعًا ... وَإِنِّي وَبَعْدِي مَسَّنِي لَعْنَتِى إلى أي: فالحق أنا أو فالحق مني، والنصب على الأخرى؛ أي: فالتزموا الحق أو على حذف حرفي القسم نحو: والله لأفعلن، ولا خلاف في نصب والحق أقول وفيها ست ياءات إضافة: {وَلِيَ نَعْجَةٌ} ، {مَا كَانَ لِيَ مِنْ} ثم فتحهما حفص وحيث: "إنيَ أحببت" وفتحها، وكان أبو عمر وجدتان وأبو عمر. "لأحد من بعديَ إنك" فتحها نافع وأبو عمرو. "مسنى الضر" سكنها حمزة وحده. "لَعْنَتِيَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ"، وفتحها نافع وحده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 سورة الزمر: 1005- أَمَنْ خَفَّ "حِرْمِيٌّ فَـ"ـشَا مَدَّ سَالِمًا ... مَعَ الكَسْرِ "حَقٌّ" عَبْدَهُ اجْمَعْ "شَـ"ـمَرْدَلا يريد: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} من خفف جعل الهمزة للنداء أو الاستفهام والخبر محذوف؛ أي: كغيره كقوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ} فهي أم دخلت على من فأدغمت الميم في مثلها والمعادل؛ لأن محذوف تقديره الكافر المتخذ من دون الله أندادًا خير أم من هو قانت ومثلها: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ} على قراءة الوصل معناه مفقودون هم أم زاغت الأبصار عنهم ونحوه: {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} ؛ أي: أحاضر هو أم غائب، ويجوز أن تكون "أم" منقطعة في جميع ذلك، وتقدير موضعها بل وهمزة الاستفهام، فيتحد تقدير المحذوف في القراءتين هنا وهو الخبر، وعلى التقدير الأول يكون المحذوف هو المبتدأ ونظيره قوله تعالى في سورة محمد -صلى الله عليه وسلم: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ} ؛ أي: أهؤلاء كمن هو خالد في النار، ومن الاتفاق العجيب أنه لو جمع بين اللفظين في السورتين؛ لانتظم مضى ما قدر في كل واحد منهما، وهو: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} كمن هو خالد، وقول الناظم: أمن مبتدأ خبره حرمى فشا، وخف في موضع الحال من أمن؛ أي: أمن لفظ حرمي فشا خفيفا، ثم استأنف جملة أخرى فعلية أو اسمية فقوله: مد إما فعل ماضٍ فاعله حق وإما مبتدأ خبره حق أراد، و {رَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} فقوله: سلما مصدر سلم ذا سلامة يقال سلم سلما وسلما وسلامة، ومن قرأ بالمد وكسر اللام فظاهر، و {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} الإفراد للجنس، ووجه الجمع ظاهر وشمردلا؛ أي: خفيفا وهو حال من الفاعل أو المفعول. 1006- وَقُلْ كَاشِفاتٌ مُمْسِكَاتٌ مُنَوِّنًا ... وَرَحْمَتِهِ مَعْ ضُرِّهِ النَّصْبُ "حُمِّلا" يريد: {كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} ، و {مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} قراءة أبي عمرو على الأصل بالتنوين ونصب ضره ورحمته؛ لأنهما مفعولا كاشفات ممسكات وقراءة الباقين على الإضافة فهما مثل زيد ضارب عمرا وضارب عمرو وفي قوله: حملا ضمير تثنية وهو الألف يرجع إلى رحمته وضره والنصب مفعول ثانٍ لحملا؛ أي: حملا النصب ومنونا حال من فاعل قال: 1007- وَضُمَّ قَضى وَاكْسِرْ وَحَرِّكْ وَبَعْدَ رَفْـ ... ـعُ "شَـ"ـافٍ مَفَازَاتٍ اجْمَعُوا "شَـ"ـاعَ "صَـ"ـنْدَلا أي: ضم القاف واكسر الضاد وافتح الياء وارفع ما بعد ذلك وهو الموت؛ لأنه مفعول قضى المبني لما لم يسم فاعله وقراءة الباقين على بناء الفعل للفاعل والموت مفعول به منصوب وقوله: رفع شافٍ؛ أي: رفع قارئ شافٍ، أما بمفازاتهم فالجمع والإفراد فيه ظاهران مثل مكاناتكم ومكانتكم وصندلا حال أو تمييز؛ أي: ذا صندل أو شاع صندله؛ أي: طيبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 1008- وَزِدْ تَأْمُرونِي النُّونَ "كَـ"ـهْفًا وَ"عَمَّ" خِفْـ ... فُهُ فُتِّحَتْ خَفِّفْ وَفِي النَّبأِ العلا يريد: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي} ، قرأه بنونين ابن عامر على الأصل وهما نون رفع الفعل ونون الوقاية، وحذف نون الوقاية نافع وحده، وأدغم الباقون نون الرفع في نون الوقاية، ولما أظهر ابن عامر النون زال الإدغام فزال التشديد في قراءته، فلهذا ذكره مع نافع في تخفيف النون ولو لم يقل ذلك لزيدت نون مع بقاء الأخرى على تشديدها، أما: {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} في الموضعين فخفف الكوفيون تاءه، وشددها غيرهم، وكذا في سورة النبأ: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ} 1. وقد سبق في الأنعام والأعراف نظير ذلك، والعلا نعت لسورة النبأ وليس برمز؛ لأنه قد صرح بصاحب هذه القراءة في البيت الآتي وهو: 1009- لِكُوفٍ وَخُذْ يَا تَأْمُرُونِي أَرَادَنِي ... وَإِنِّي مَعًا مَعْ يَا عِبَادِي فَحَصِّلا محصلا حال من فاعل خذ ياء هذه الكلمات محصلا لها فهي التي اختلف في إسكانها وفتحها أراد: "تَأْمُرُونِّيَ أَعْبُدُ" فتحها الحرميان. "أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ" أسكنها حمزة وحده ولا خلاف في إسكان: {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} ، وقوله: وإني معا أراد: {إِنِّي أُمِرْتُ} فتحها نافع وحده: {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ} فتحها الحرميان وأبو عمرو: "يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا" أسكنها أبو عمرو وحمزة والكسائي، وفيها زائدة واحدة: "فَبَشِّرْ عِبَادِي، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ" أثبتها السوسي وقفا ووصلا، وفتحها في الوصل هذا على رأي صاحب القصيدة، أما صاحب التيسير فعدها في ياءات الإضافة، فلهذا قال الناظم مع يا عبادي فزاد حرف الندا وهو "يا"؛ ليميز بينهما. وقلت في ذلك: فبشر عبادي زائد في نظومنا ... مضاف لذي التيسير والكل قد جلا أي: ولكل قول من ذلك وجه صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 سورة غافر : 1010- وَيَدْعُونَ خَاطِبْ "إِ"ذْ "لَـ"ـوى هَاءُ مِنْهُمْ ... بِكَافٍ "كَـ"ـفَى زِدِ الْهَمْزَ "ثُـ"ـمَّلا أراد: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} الخلاف فيه في الغيب والخطاب ظاهر، وقوله: إذ لوى؛ أي: أعرض؛ لأنه عدل إلى الخطاب فأعرض عن إجراء الكلام على الغائبين في قوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ} ، أما: {أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} ، فكتب في مصاحف الشام موضع منهم بالهاء منكم بالكاف فكل قرأ بما في مصحفه والكلام فيه كما في يدعون؛ لأنه خطاب وغيب، أما: "إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ وَأَنْ" فقراءة الجماعة بواو العطف وزاد الكوفيون قبل الواو همزة وأسكنوا الواو فصارت أو أن بحرف أو وهو للعطف أيضا إلا أنه للترديد بين أمرين والواو للجمع بينهما وكذلك هي في مضاعف الكوفة بزيادة همزة وكل واحد من الأمرين مخوف عنده فوجه الجمع ظاهر، ووجه الترديد أن كل واحد منهما كان في التحذير فكيف إذا اجتمعا، وقوله: ثملا هو جمع ثامل وهو المصلح والمقيم، وقد سبق شرحه في المائدة ونصبه هنا على أنه ثاني مفعولي زد، كما تقول: زد الدراهم قوما صالحين، ويجوز أن يكون حالا من الهمزة على تقدير ذا ثمل؛ أي: جماعة مصلحين للمعنى مقيمين على الراءة به، ويجوز أن يكون حالا من فاعل زد؛ لأنه لم يرد به واحدا وإنما هو خطاب لكل قارئ فهو كما تقدم في الفرقان وخاطب يستطيعون عملا والله أعلم. 1011- وَسَكِّنْ لَهُمْ وَاضْمُمْ بِيَظْهَرَ وَاكْسِرَنْ ... وَرَفْعَ الْفَسَادَ انْصِبُ "إِ"لَى "عَـ"ـاقِلٍ "حَـ"ـلا أي: سكن الواو للكوفيين كما تقدم ثم تكلم في خلاف كلمة يظهر فقال: ضم تاء واكسر هاءه فيصير يظهر من أظهر فهو فعل متعدٍّ، فلزم نصب الفساد؛ لأنه مفعوله وفاعله ضمير يرجع إلى موسى -عليه السلام- وقراءة الباقين بفتح الياء والهاء، ورفع الفساد على أنه فاعل يظهر، فقوله: واضمم بيظهر؛ أي: بهذا اللفظ والنون في واكسرن للتأكيد وإلى عاقل متعلق بحال محذوف؛ أي: وانصب رفع الفساد مضيفا ما ذكرت إلى قارئ عاقل حلا: 1012- فَأَطَّلِعَ ارْفَعْ غَيْرَ حَفْصٍ وَقَلْبِ نَو ... وِنُوا "مِـ"ـنْ "حَـ"ـمِيدٍ ادْخِلُوا "نَفَرٌ صِـ"ـلا "فاطلع" بالرفع: عطف على أبلغ، وبالنصب: لأنه في جواب الترجي ونظيره ما يأتي في سورة عبس، أما: {عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ} فمن نون قلب فمتكبر صفة له؛ لأنه محل الكبر، ومن أضاف كان متكبرٌ صفةً للجملة والتقدير: على قلب لمتكبر، وقدر أبو علي: على كل قلب كل متكبر، فحذفت كل الثانية وقدر الزمخشري على قراءة التنوين على كل ذي قلب، ولا حاجة إلى شيء من ذلك فالمعنى في القراءتين أوضح من أن تحتاج إلى حذف، وإنما قدر أبو علي كل الثانية؛ لتقيد العموم في أصحاب القلوب؛ لأنه ظن أن ظاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 الآية لا تفيد إلا الطبع على جملة القلب، وجوابه أن عموم كل المضاف إلى القلب للقلوب وأصحابها؛ لأنه شامل لقلوب المتكبرين فاسترسل العموم على الكلمتين؛ لأن المضاف إلى المضاف إلى كل كالمضاف إليها نفسها، والدليل عليه أن ما من قلب لمتكبر إلا وهو داخل في هذا اللفظ وذلك هو المقصود، فلا فرق بين أن تقول كل قلب متكبر أو قلب كل متكبر، وروي أن ابن مسعود قرأها كذلك فهو شاهد لقراءة الإضافة، قال أبو عبيد: معنى على قلب متكبر وعلى قلب كل متكبر يرجعان إلى معنى واحد، وقال الفراء: المعنى في تقدم القلب وتأخره واحد؛ سمعت بعض العرب يقول: يرجل شعره يوم كل جمعة يريد كل جمعة والمعنى واحد، وقوله: غير حفص يحتمل أمرين أحدهما أن يكون على حذف حرف النداء؛ أي: يا غير حفص كأنه نادى القارئين لذلك، والثاني أن يكون حالا؛ أي: غير قارئ لحفص؛ أي: إذا قرأت لغيره فارفع وقوله: من حميد؛ أي: هو تنزيل من حميد؛ يعني: الله تعالى كما قال: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ، ويجوز أن يقدر آخذين للتنوين من قارئ حميد؛ أي: محمود الطريقة في الثقة والعلم ثم قال: ادخلوا؛ أي: ادخلوا آل فرعون نفر صلا؛ أي: ذو صلا يريد الذكاء على ما سبق تفسيره في سورة الأنعام وغيرها وهو خبرا ادخلوا، ثم ذكر ما يفعل فيه هؤلاء فقال: 1013- عَلَى الوَصْلِ وَاضْمُمْ كَسْرَهُ يَتَذَكَّرُو ... نَ "كَهْفٌ سَما" وَاحْفَظْ مُضافَاتِها الْعُلا أي: على وصل همزته وضم خاءه المكسورة فيكون فعل أمر من دخل وقرأ الباقون بقطع الهمزة وفتحها على ما سبق في نظائره، وبكسر الخاء فيكون فعل أمر من دخل فعلى الأول هو أمر لهم؛ أي: ادخلوا يا آل فرعون، وعلى الثاني هو أمر للملائكة وآل فرعون مفعول به، والغيب والخطاب في: "قليلا ما يتذكرون" ظاهران ثم ذكر الياءات. 1014- ذَرُونِيَ وَادْعُونِي وَإِنِّي ثَلاثَةٌ ... لَعَلِيِّ وَفِي مَا لِي وَأَمْرِيَ مَعْ إِلى يريد: "ذَرُونِيَ أَقْتُلْ مُوسَى"، "ادْعُونِيَ أَسْتَجِبْ" فتحهما ابن كثير وحده. "إِنِّيَ أَخَافُ" ثلاثة مواضع واحد من قول فرعون: "إِنِّيَ أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ"، واثنان من قول مؤمن آل فرعون: "إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ"، "إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ" فتحهن الحرميان وأبو عمرو. "لَعَلِّيَ أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ" فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر. "مَا لِيَ أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ" كذلك إلا ابن ذكوان. "وأفوض أمريَ إلى الله" فتحها نافع وأبو عمرو، وهذا معنى قوله: مع إلى، وموضع هذه الكلمات رفع؛ أي: هي ذروني وكذا وكذا أو نصب على البدل من مضافاتها في البيت السابق، وقوله: وإني ثلاثة ينبغي أن يكون ثلاثة منصوبا على الحال وهو كما سبق تقريره في سورة القصص وأنث العدد هناك، وذكره هنا باعتبار الكلمات والألفاظ، وقوله: لعلي على حذف حرف العطف وفي ما لي؛ أي: وياء الإضافة في مالي أيضا وهو عطف على المعنى؛ لأن ما تقدم فيه كذلك ياءات الإضافة فهو قريب من قوله تعالى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} 1 ... إلى أن قال: {وَفِي الرِّقَابِ} ؛ أي: وتدفع أيضا في فك الرقاب وفي الإنفاق في سبيل الله تعالى، وموضع قوله: مع إلى نصب على الحال؛ أي: مصاحبا للفظ إلى والله أعلم. وفيها ثلاث زوائد: "يوم التلاقي"، "يوم التنادي" أثبتهما نافع في الوصل وابن كثير في الحالين. "اتبعوني أهدكم" أثبتها في الوصل أبو عمرو وقالون وفي الحالين ابن كثير. وقلت في ذلك: ويا اتبعوني أهدكم والتلاق والتـ ... ـتناد ثلاث في الزوائد تجتلا   1 سورة التوبة، آية: 60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 سورة فصلت : 1015- وَإِسْكَانُ نَحْسَاتٍ بِهِ كَسْرُهُ "ذَ"كا ... وَقَوْلُ مُمِيلِ السِّينِ لِلَّيْثِ أُخْمِلا النحس بالإسكان مصدر نحس نحسا نقيض سعد سعدا واسم الفاعل نَحِس بكسر الحاء والقراءة بالكسرة ظاهرة؛ لأنها نعت لأيام، أما القراءة بالإسكان فإما مخففة منه أو صفة على فعل نحو صعب وسهل، أو وصف بالمصدر نحو عدل، وقوله سبحانه: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ} لا دلالة فيه على قراءة الإسكان؛ لأنه مضاف إلى المصدر، قال أبو علي: قال المفسرون في "نحسات" قولين؛ أحدهما: الشديدات البرد والآخر أنها المشؤومات عليهم، فتقدير قوله: في يوم نحس مستمر في يوم شؤم قال صاحب التيسير: وروي للفارسي عن أبي طاهر عن أصحابه عن أبي الحارث إمالة فتحة السين قال: ولم أقرأ بذلك وأحسبه وهما، فهذا معنى قول الناظم أخمل؛ أي: ترك قول من نقل ذلك عن الليث وهو أبو الحارث راوي الكسائي، وإنما أضاف الإمالة إلى السين وهي للألف في التحقيق أميلت للكسرة بعدها لما تقدم من أنه يلزم من إمالة كل ألف إمالة الآخر إذ يلزم في إمالة الفتحة إمالة فتحة الحرف الذي قبلها، وإذا كان كذلك فيجوز الاقتصار على ذكر أحدهما؛ لدلالته على الألف، وقد ذكرنا في شرح قوله: وراء تراء فاز، وفي إمالة "رأى" في سورة الأنعام. 1016- وَنَحْشُرُ يَاءٌ ضُمَّ مَعْ فَتْحِ ضَمِّهِ ... وَأَعْدَاءُ "خُـ"ـذْ وَالْجَمْعُ "عَمَّ عَـ"ـقَنْقَلا أي: ذو ياء وأعداء بالرفع؛ لأنه مفعول ما لم يسم فاعله وهو يحشر بضم الياء وفتح الشين، أما نافع وحده فقرأ بفتح النون وضم الشين؛ أي: نحشر نحن أعداء الله بالنصب؛ لأنه مفعول به، أما: {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} فقرئ بالإفراد وبالجمع ووجههما ظاهر. قال الجوهري: العقنقل الكثيب العظيم المتداخل الرمل، وقال غيره في قول امريء القيس: بنا بطن غبت ذي حقاف عقنقل يروي: بنا بطن حقف ذي قفاف عقنقل أي: رمل منعقد داخل بعضه في بعض، وقال ابن سيدة: العقنقل من الأودية ما عظم واتسع ونصبه الناظم على الحال؛ أي: عم الجميع مشبها عقنقلا في الكثرة والاجتماع والعظمة والسعة بخلاف الأفراد، ثم ذكر الكلمة المختلف في جمعها فقال: 1017- لَدى ثَمَرَاتٍ ثُمَّ يَا شُرَكَائِىَ الْـ ... ـمُضَافُ وَيَا رَبِّي بِهِ الْخُلْفُ "بُـ"ـجِّلا أي: المضاف في هذه السورة من الياءات "يا شركائي"، و"يا ربي"، فقصر لفظ "يا" في الموضعين ضرورة أراد: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ قَالُوا} فتحها ابن كثير وحده. "وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّيَ" فتحها نافع وأبو عمرو، ثم قال به؛ أي: بـ "يا ربي" الخلف عن قالون في فتحه وهذا لم يذكر في ياءات الإضافة؛ لأن صاحب التيسير ذكر هنا، وقال في غير التيسير: بالوجهين أقرأنبها فارس بن أحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 سورة الشورى والزخرف والدخان : 1018- وَيُوحى بِفَتْحِ الْحَاءِ "دَ"انَ وَيَفْعَلُو ... نَ غَيْرُ "صِحَابٍ" يَعْلَمَ ارْفَعْ "كَـ"ـما "ا"عْتَلا يريد: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ} ، ومن فتح الحاء بني الفعل لما لم يسم فاعله، ورفع اسم الله تعالى على الابتداء أو بفعل مضمر كما تقدم في: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ، رِجَالٌ} في سورة النور1 ومعنى دان: انقاد وأطاع، وقيل: يقال دان الرجل إذا عز ويفعلون بالغيب؛ لأن قبله: {يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} وبالخطاب ظاهر، وتقدير النظم: وغيب يفعلون قراءة غير صحاب فحذف المضاف من المبتدأ والخبر للعلم بهما. وأما يعلم المختلف في رفع ميمه ونصبه فهو: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} ، ولا خلاف في رفع: {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} ؛ لأنه عطف على: {يَقْبَلُ التَّوبَةَ} ويعفو ويعلم، أما المختلف فيه فرفعه على الاستئناف والذي بعده فاعل أو مفعول فهذه قراءة ظاهرة فلهذا قال: فيها كما اعتلا وقراءة النصب مشكلة أجود ما تحمل علي ما قاله أبو عبيد قال: وكذلك نقرؤها بالنصب على الصرف كالتي في آل عمران: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} . قلت: معنى الصرف أن المعنى كان على جهة فصرف إلى غيرها فتغير الإعراب لأجل الصرف وتقديره أن يقال: كان العطف يقتضي جزم "ويعلم" في الآيتين لو قصد مجرد العطف، وقد قرئ به فيهما شاذًّا لكن قصد معنى آخر فتعين له النصب وهو معنى الاجتماع؛ أي: يعلم المجاهدين والصابرين معا؛ أي: يقع الأمران مقترنا أحدهما بالآخر ومجرد العطف لا يتعين له هذا المعنى بل يحتمله ويحتمل الافتراق في الوجود كقولك جاء زيد وعمرو يحتمل أنهما جاءا معا ويحتمل تقدم كل منهما على الآخر، وإذا ذكر بلفظ المفعول معه كان وقوع الفعل منهما معا في حالة واحدة فكذا النصب في قوله: ويعلم أفاد الاجتماع فلهذا أجمع على النصب في آية آل عمران، قال الزمخشري فيها: {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} نصب بإضمار أن والواو بمعنى الجمع كقولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن. قلت: والعبارة عن هذا بالصرف هو تعبير الكوفيين ومثله لا يسعني شيء ويضيق عنك؛ أي: لا يجتمع الأمران ولو رفعت الواو للعطف تغير المعنى فهذا الجمع معنى مقصود وضع النصب دليلا عليه فكذا النصب في: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا} ؛ أي: يقع إهلاكهم والعلم معا مقترنين، واعتراض النحاس على أبي عبيد في تسويته بين الآيتين وقال: {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} جواب لما فيه النفي فالأولى به النصب وهذا وهم ليس هو بجواب للنفي بل المعنى على ما ذكرناه ولو كان جوابًا لما ساغت قراءة الحسن بالجزم.   1 آية: 36 و37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 وقال الزجاج: النصب على إضمار أن؛ لأن قبلها جزاء تقول: ما تصنع أصنع مثله: وأكرمك على معنى وأن أكرمك وإن شئت وأكرمك بالرفع على معنى: وأنا أكرمك ويجوز وأكرمك جزما. قلت: النصب في هذا المثال على ما قررناه من معنى الجمعية؛ أي: أصنعه مكرما لك فالنصب يفيد هذا المعنى نصا والرفع يحتمله على أن تكون الواو للحال ويحتمل الاستئناف. وقال الزمخشري: ما قاله الزجاج فيه نظر؛ لما أورده سيبويه في كتابه قال: واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله: إن تأتني آتك وأعطيك ضعيف وهو نحو من قوله: وألحق بالحجاز فأستريحا فهذا يجوز وليس بحد للكلام ولا وجهه إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا؛ لأنه ليس بواجب أن يفعل إلا أن يكون من الأول فعل فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه، قال: ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد الكلام ولا وجهه ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه، وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة. قلت: النصب بالواو في هذا المعنى ليس بضعيف بل هو قوي بدليل الإجماع على نصب ما في آل عمران، أما بالفاء ضعيف؛ لأن الفاء لا تفيد ما تفيده الواو من معنى الجمعية فلهذا كانت قراءة من قرأ في آخر البقرة يحاسبكم به الله فيغفر بالنصب شاذة وقد أنشد الأعشى في بيتين نصب ما عطف بالواو لهذا المعنى: ومن يغترب عن أهله لا يزل يرى وتدفن منه الصالحات ... ... مع أنه لا ضرورة إلى النصب فالرفع كان ممكنا له فما عدل إلى النصب إلا لإرادة هذا المعنى، وهذا النصب بالواو لهذا المعنى كما يقع في العطف على جواب الشرط يقع أيضا في العطف على فعل الشرط نحو: إن تأتني وتعطيني أكرمك، قال أبو علي: فينصب تعطيني، وتقديره: إن يكن إتيان منك وإعطاء أكرمك. قلتُ: مراده أن يجتمعا مقترنين ولو أراد مجرد وقوع الأمرين معرضًا عن صفة الجمعية لكان الجزم يفيد هذا المعنى، فقد اتضحت -ولله الحمد- قراءة النصب على هذا المعنى من العطف: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ} ، فتقف السفن أو إن يشأ يعصف الريح فيغرقها وينج قوما بطريق العفو عنهم ويحذر آخرين بعلمهم ما لهم من محيد، فإن قلت كيف يوقف العفو على الشرط، وهذا الكلام خارج مخرج الامتنان، ولهذا قيده بقوله: عن كثير، ولو كان معلقا على المشيئة لأطلق العفو عن الكل نحو: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} . قلتُ: إنما علقه على الشرط؛ ليتبين أنه إنما يفعل ذلك بمشيئته وإرادته لا بالاستحقاق عليه، أما: ويعلم فإن جعلنا الذين بعده فاعلا سهل دخوله في حيز الشرط، وإن جعلناه مفعولا فالمعنى يعلمه واقعا نحو: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} ؛ أي: نبقيهم على الكفر ولا يسهل لهم الإيمان، "حتى يؤتوا"، ولهذا للإشكال قال ابن القشيري -رحمهما الله- في تفسيره: "ويعف" معطوف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى قال: وقرئ: "ويعفو" بالرفع. قلتُ: فيكون مستأنفًا ويعلم عطف عليه إن كان مرفوعا ونظيره في هذه السور: {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} ، ثم استأنف فقال: "يمحو الله الباطل ويحق الحق"، وبعضهم جعل يمح مجزوما عطفا على يختم، واستدل بأنه كتب في المصحف بغير واو فيكون الاستئناف بقوله: ويحق كقوله في براءة: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} ، ويجوز أن تكون قراءة القراء: "ويعف" بغير واو لمعنى الأخبار المستأنف وحذف الواو ليس للجزم بل للتخفيف كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 تحذف الألف والياء لذلك فالجميع حرف علة والواو أثقلها فالحذف لها أقيس وأولى، قال الفراء: كل ياء أو واو تسكنان وما قبل الياء مكسور وما قبل الواو مضموم فإن العرب تحذفها وتجتزئ بالضمة من الواو وبالكسرة من الياء، قال أبو علي: حذفت الألف كما حذفت الياء وإن كان حذفهم لها أقل منه في الياء؛ لاستحقاقهم لها وذلك في نحو قولهم: أصاب الناس جهد ولوتر ما أهل مكة عليه، وقولهم: حاش لله، ورهط ابن المعلى فحذفها في الوقف للقافية كما حذفت الياء وقد حذفوا من "لم يك"، و"لا أدر". قلت: وفي القرآن: "يَوْمَ يَأْتِي"، و"ما كنا نبغي"، وإذا كان الأمر كذلك فحذف الواو من يعفو أولى؛ لأنها أثقل، وليشاكل ما قبله من المجزوم فهو كما قالوا في صرف "سلاسلا وقواريرا" كما يأتي، وكما رووا: "ارجعن مأزورات غير مأجورات"، ولما لم يمكن صورة الجزم في ميم "ويعلم" حركت بالحركات الثلاث، وذكر الزمخشري لقراءة النصب وجها آخر فقال: هو عطف على تعليل محذوف تقديره لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون، ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن منه قوله تعالى: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} وقوله: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} . قلت: ومثله: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ} ، {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} ، ولكن كل هذه المواضع ذكر فيها حرف التعليل بعد الواو ولم يذكر في: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ} . وقال ابن القشيري في تفسيره: في بعض المصاحف "وليعلم" باللام فهذا يقوي قراءة النصب ويؤيد الوجه الذي ذهب إليه الزمخشري. 1019- بِمَا كَسَبَتْ لا فَاءَ "عَمَّ" كَبِيرَ في ... كَبَائِرَ فِيها ثُمَّ فِي النَّجْمِ "شَـ"ـمْلَلا سقطت الفاء من فيها في المصحف المدني والشامي، وثبتت في مصاحف العراق ووجه دخولها تضمين ما في قوله: وما أصابكم من مصيبة معنى الشرط وهي بمعنى الذي وإذا تضمن الذي معنى الشرط جاز دخول الفاء في حيزه وجاز حذفها، أما كبائر الإثم بالجمع فظاهر وقراءة الإفراد تقدم لها نظائر فهو في اللفظ إفراد يراد به الجمع؛ لأنه للجنس، واختار أبو عبيد الجمع فإن الآثار التي تواترت كلها بذكر الكبائر لم نسمع لشيء منها بالتوحيد ومعنى شملل: أسرع. 1020- وَيُرْسِلَ فَارْفَعْ مَعْ فَيُوحِي مُسَكِّنًا ... "أَ"تَانَا وَأَنْ كُنْتُمْ بِكَسْرٍ "شَـ"ـذَا العُلا أي: فارفع الفعلين ألا أن "فيوحي" لما كان لا تظهر فيه علامة الرفع ألحق ذلك قوله: مسكنا وهو حال من فاعل ارفع؛ أي: ارفعه مسكنا له فهو مثل قوله: ناصبا كلماته بكسر لما كان المعلوم من النصب أن علامته الفتح بين هناك أن علامته الكسر ورفع يرسل على تقدير أو هو يرسل والنصب بإضمار أن فيكون عطفا على وحيا عطف مصدر على مثله من جهة المعنى، وقوله: فيوحي عطف على يرسل رفعا ونصبا وانتهى الخلاف في حروف "عسق"، وليس فيها من ياءات الإضافة شيء، وإنما فيها زائدة واحدة وهي: "وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي" أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير، ثم تمم البيت بذكر حرف من سورة الزخرف وهو: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 {أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} 1. تقرأ أن بالفتح والكسر فالفتح ظاهر على التعليل أي؛ لأن كنتم والكسر على لفظ الشرط قال الزمخشري هو من الشرط الذي يصدر عن المستدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته كما يقول الأجير إن كنت عملت فوفني حقي وهو عالم بذلك ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق مع وضوحه استجهالا له قال الفراء: تقول أسبك أن حرمتني تريد إذ حرمتني وتكسر إذا أردت إن تحرمني ومثله: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ} 2. بكسر أن وبفتح ومثله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا} و"إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا"3. والعرب تنشد قول الفرزدق. أتجزع أن أذنا قبيبة جزتا وأنشدوني: أنجزع أن بان الخليط المودع وفي كل واحد من البيتين ما في صاحبه من الكسر والفتح، وقول الناظم: وإن كنتم مبتدأ وشذا العلا خبره وبكسر في موضع الحال من المبتدأ وإن كان منونا وإن كان مضافا إلى مثله فهو الخبر. 1021- وَيَنْشَأُ فِي ضَمٍّ وَثِقْلٍ "صِحابُهُ" ... عِبَادُ بِرَفْعِ الدَّالِ فِي عِنْدَ "غَـ"ـلْغَلا أي: ضم الياء وشدد الشين ويلزم من ذلك فتح النون ومعنى ينشأ بالفتح والتخفيف: يربى ويُنَشَّأ يربى كلاهما ظاهر، ولفظ بالقراءتين في: "عِبَادُ الرَّحْمَنِ" و"عند الرحمن"، ونص على حركة الدال؛ لأن اللفظ لا ينبئ عنها؛ أي: عباد مرفوع الدال يقرأ في موضع عند والتعبير عن الملائكة بأنهم عباد الرحمن ظاهر، أما عبارة عند فأشار إلى شرف منزلتهم، وقد جاء في القرآن التعبير عنهم بكل واحد من اللفظين: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} ، {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} ، و {مَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} ، وغلغل من قولهم تغلغل الماء في النبات إذا تخلله وقد غلغلته أنا، والمعنى أن عباد تخلل معناه معنى عند فكان له كالماء للشجر لا بد للشجر منه فكذا صفة العبودية لا بد منها لكل مخلوق وإن اتصف بإطلاق ما يشعر برفع المنزلة كلفظ عند وما أشبهها. 1022- وَسَكِّنْ وَزِدْ هَمْزًا كَوَاوٍ أَؤُشْهِدوا ... "أَ"مِينًا وَفِيهِ الْمَدُّ بِالْخُلْفِ "بَـ"ـلَّلا   1 آية: 5. 2 سورة المائدة، آية: 2. 3 سورة الكهف، آية: 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 أشهدوا مفعول وسكن؛ يعني: سكن الشين المفتوحة من قوله: تعالى: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} ، وزد بعد همزة الاستفهام همزة مسهلة كالواو؛ أي: همزة مضمومة مسهلة بين بين كما يقرأ: "أَؤُنَبِّئُكُمْ" فيكون أصله: أشهدوا؛ أي: حضروا ثم دخلت عليه همزة الاستفهام التي بمعنى الإنكار فهو من معنى قوله تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ... الآية، وعن قالون خلاف في المد بين هاتين الهمزتين وهو يمد بلا خلاف بين الهمزتين من كلمة مطلقا، ومعنى بلل قلل وقراءة الباقين من شهدوا بمعنى حضروا ثم دخلت على الفعل همزة الإنكار، وفي معنى هذه الآية قوله سبحانه في سورة والصافات منكرا عليهم: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ} 1. 1023- وَقُلْ قَالَ "عَـ"ـنْ "كُـ"ـفْؤٍ وَسَقْفًا بِضَمِّهِ ... وَتَحْرِيكِهِ بِالضَّمِّ "ذَ"كَّرَ "أَ"نْبَلا يعني: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ} قرأه حفص وابن عامر قال: على الخبر؛ أي: قال النذير، وقراءة الباقين على حكاية ما أمر به النذير؛ أي: قلنا له إذ ذاك قل لهم هذا الكلام، وتقدير البيت: وقل يقرأ ثم قال: وسقفا بضمه؛ أي: بضم السين وتحريك القاف جمعا، قال أبو علي: سُقُف جمع سَقْف كرُهُن ورَهْن قال: وسقْف واحد يدل على الجمع ألا ترى أنه قد علم بقوله: "لِبُيُوتِهِمْ" أن لكل بيت سقفا، قال أبو عبيد: ولم تجد مثال فعل بجمع على فعل غير حرفين سقُف وسقْف ورهُن ورهْن. قلتُ: وأجمعوا على إفراد التي في النحل: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} 2، {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} 3. وقوله: ذكر أنبلا؛ أي: نبيلا؛ أي: ذكر هذا اللفظ في حال نبله أو ذكر شخصًا نبيلا؛ أي: أفهمه أنه أحد الحرفين المجموعين على هذا الوزن. 1024- وَ"حُـ"ـكْمُ "صِحَـ"ـابٍ قَصْرُ هَمْزَةِ جَاءَنَا ... وَأَسْوِرَةً سَكِّنْ وَبِالقَصْرِ عُدِّلا الحاء من: "وحكم" رمز أبي عمرو، وقد سبق استشكاله والتنبيه عليه في مواضع يريد: {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ} ، فقراءة القصر على أن الجائي واحد وهو الذي عشى عن ذكر الرحمن -عز وجل- وقراءة المد على أن الجائي اثنان هو وقرينه وهو القائل لقرينه: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} الآية وأسورة جمع سوار كأخمرة في جمع خمار وأساورة جمع الجمع وأجمع أساور وهو لغة في السور وهو موافق لقوله: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} فهو بالهاء وبغير الهاء واحد والله أعلم.   1 آية: 150. 2 آية: 26. 3 سورة الأنبياء، آية: 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 1025- وَفِي سَلَفًا ضَمًّا "شَـ"ـرِيفٍ وَصَادُهُ ... يَصُدُّونَ كَسْرُ الضَّمِّ "فِـ"ـى "حَـ"ـقِّ "نَـ"ـهْشَلا أي: ضما قارئ شريف يريد ضم السين واللام قالوا هو جمع سليف كرغف في جمع رغيف، وبفتح السين واللام جمع سالف كخدم في جمع خادم وكلاهما بمعنى واحد، وقال أبو علي: سلف جمع سلف مثل أسد وأسد ووثن ووثن وسلف اسم من أسماء الجمع كخدم وطلب وحرس وكذلك المثل يراد به الجمع فمن ثم عطف على سلف في قوله: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا} ، واختار أبو عبيد قراءة الفتح وقال: هي التي لا تكاد العامة تعرف غيرها؛ لأن الآثار التي نقلتها الفقهاء إلينا إنما يقفا فيها كلها السلف كذلك ذكرهم معاد ويبدأ ولم يسمع فى شيء منها السلف، وقوله: وصاد يصدون قال الشيخ: الهاء في وصاده إضمار على شربطة التفسير قلت: يكون قوله: يصدون بدلا من الضمير كما تقول: ضرب زيدا ومررت به زيد، ويجوز أن يكون على التقديم وللتأخير؛ أي: ويصدون صاده كما قيل: نحو ذلك في قوله تعالى: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاق يَعْقُوبَ} على قراءة من رفع يعقوب أن التقدير: ويعقوب من وراء إسحاق، وقوله: كسر إما مبتدأ ثانٍ أو بدل اشتمال والعائد على يصدون محذوف؛ أي: كسر الضم منه أو كسر ضمه على قيام الألف واللام مقام الضمير نحو: {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} ؛ أي: أبوابها وقد سبق معنى في حق نهشلا في سورة النساء وكسر الصاد وضمها في يصدون هنا لغتان مثل الخلاف في كاف يعكفون وراء يعرشون وهو من الصديد الذي هو الجلبة والصياح والضجيج وقيل: الضم من الصدود الذي هو الإعراض، قال أبو علي: لو كانت من هذا لكان إذا قومك عنه يصدون ولم يكن منه وجوابه أن المعنى من أجل هذا المثل صدوا عن الحق وأعرضوا عنه وقرأت بخط ابن مجاهد في معاني القرآن يصدون منه وعنه سواء، وقال الفراء: العرب تقول يصد ويصد مثل يشد ويشد وينم وينم لغتان: 1026- ءَآلِهةٌ كُوفٍ يُحَقِّقُ ثَانِيًا ... وَقُلْ أَلِفًا لِلْكُلِّ ثَالِثًا ابْدِلا يريد: "آلهتنا خير أم هو" فيها ثلاث همزات ثنتان مفتوحتان والثالثة ساكنة فأجمع على إبدالها ألفا؛ لسكونها وفتح ما قبلها، واختلف في الثانية فحققها الكوفيون على أصلهم في باب الهمزتين من كلمة، وسهلها الباقون بين بين على أصولهم في قراءة "آمنتم"، وحفص يسقط الأولى من "آمنتم" وأثبتها هنا والكلام في التحقيق والتسهيل والإبدال وعدم المد بين الهمزتين كما سبق في مسألة: "ءآمنتم" في الأصول وقوله: ءآلهة مبتدأ وكوف خبره؛ أي: قراءة كوف ثم بينها بقوله: يحقق ثانيا؛ أي: ثاني حروفه، وإنما قال ذلك؛ لأنه يمكن اتزان البيت بقراءة آلهة على لفظ التسهيل وهذا مما استدل به على أن الهمزة المسهلة برنة المحققة، ويجوز أن يكون كوف مبتدأ ثانيًا وما بعده خبره والجملة خبر الأول، وقوله: ألفًا ثاني مفعولي أبدل، والمفعول الأول هو مرفوع أبدل العائد على ءآلهة وثالثا نصب على التمييز من ذلك الضمير على قول من أجاز تقديم التمييز على عاملة؛ أي: أبدل هذا اللفظ ثالثا؛ أي: ثالث حروفه أبدل ألفًا، فيكون تقدير هذا النظم أبدل ثالثا ألفا كما لو قلت: زيد كسى رأسا قلنسوة ولو قال ثالثة أبدلا لكان أظهر ووصل همزة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 القطع جائز للضرورة وفي عبارة الناظم نقل حركة همزة أبدل إلى التنوين فانضم وانحذف الهمزة كما يقرأ ورش: {غُرُورًا، أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ} ، وقد سبق شرح مثل هذا البيت في باب الهمزتين من كلمة. 1027- وَفِي تَشْتَهِيهِ تَشْتَهِي "حَقُّ صُحْبَةٍ" ... وَفِي تُرْجَعُونَ الْغَيْبُ "شَـ"ـايَعَ "دُ"خْلُلا اختلف المصاحف الأئمة في هذه الكلمة فكتبت الهاء في مصاحف المدينة والشام وحذفت من غيرها ووجه القراءتين ظاهر؛ لأن الجملة صلة "ما" وحذف العائد من الصلة إلى الموصول جائز والغيب في قوله: {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} شايع دخللا قبله وهو: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا} والخطاب على الالتفات واختار أبو عبيد الغب 1028- وَفِي قِيلَهُ اكْسِرْ وَاكْسِرِ الضَّمَّ بَعْدُ "فِـ"ـي ... "نَـ"ـصِيرٍ وَخَاطِبْ تَعْلَمُونَ "كَـ"ـمَا "ا"نْجَلا هكذا وقع في الرواية في جميع النسخ وفي "قيله" اكسر اللام وهو سهو والصواب على ما مهده في خطبته أن تكون اخفض؛ لأنها حركة إعراب ثم قال واكسر الضم؛ يعني: في الهاء وهذا على بابه؛ لأنه حركة بناء، وإنما قال في الثانية اكسر الضم وقال في الأولى اكسر، ولم يقل اكسر الفتح؛ لأن الفتح ضد الكسر، فكفى الإطلاق والضم ليس ضدا للكسر فاحتاج إلى بيان القراءة الأخرى، وقوله: بعد؛ أي: بعد ذلك الكسر، وقوله: في نصير في موضع الحال؛ أي: كائنا في رهط نصير؛ أي: في جملة قوم ينتصرون لتوجيه القراءتين، فوجه الجر العطف على لفظ الساعة في قوله: {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} ، "وَقِيلِهِ"؛ أي: وعلم قيله، وقيل: الواو في وقيله للقسم وجوابه: "إِن هَؤُلاءِ"، أما النصب فعطف على موضع الساعة فإنه في موضع نصب؛ أي: يعلم الساعة ويعلم قيله وقيل: عطف على: {سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} ، وقيل: هو نصب على المصدر؛ أي: وقال قيله؛ أي: شكا شكواه والقيل: والقول واحد ومنه قول كعب بن زهير: يسعى الوشاة جنابتها وقيلهم ... إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول ذكر الوجهين الأخيرين الأخفش والفراء، وذكر هذه الأوجه الثلاثة أبو علي، وسبقه إليها الزجاج، واختار العطف على موضع الساعة وصدق؛ لأن الجر عطف على لفظها، فيتحد معنى القراءتين، وذكر النحاس وجهين آخرين أن يكون عطفا على مفعول محذوف؛ أي: ورسلنا يكتبون ذلك وقيله أو وهم يعلمون الحق وقيله، واختار أبو عبيد قراءة النصب قال: لكثرة من قرأ بها ولصحة معناها إنما هي في التفسير: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} ، ونسمع: {قِيلِهِ يَا رَبِّ} ، وقال النحاس: القراءة البينة بالنصب من جهتين إحداهما أن المعطوف على المنصوب يحسن أن يفرق بينهما وإن تباعد ذلك؛ لانفصال العامل والمعمول فيه مع المنصوب، وذلك في المخفوض إذا فرقت بينهما قبيح والجهة الأخرى أن أهل التأويل يفسرون الآية على معنى النصب، قال: والهاء في قيله تعود إلى النبي محمد أو إلى عيسى ابن مريم -عليهما السلام. قلت: وإذا كان المعنى يصح على عطف وقيله المنصوب على مفعول: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} المحذوف؛ أي: إلا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 شهد بالحق وهم يعلمونه ويعلمون قيله فيجوز أن يقال إن القراءتين عطف على بالحق النصب على الموضع والجر على اللفظ، والذي شهد بالحق ذكر في التفسير أنهم الملائكة والمسيح وعزير عليهم السلام، وقال الزمخشري بعد حكايته للوجوه الثلاثة المتقدمة: والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر اللفظ وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه. قلت: أما على قراءة الجر فواضح جوازه وقد تقدم ذكرنا له، أما على قراءة النصب فغلط؛ لأن حرف القسم موجود وهو الواو فلا نصب مع وجودها والله أعلم. ثم قال: وخاطب: تعلمون؛ يعني: الذي هو آخر السورة ووجه الخطاب فيه والغيب ظاهر وقد سبقت نظائرهما والله أعلم. 1029- بِتَحْتِي عِبَادِي اليَا وَيَغْلِي "دَ"نا "عُـ"ـلًا ... وَرَبُّ السَّموَاتِ اخْفِضُوا الرَّفْعَ "ثُـ"ـمَّلا أي: هاتين الكلمتين في سورة الزخرف الياء؛ يعني: ياء الإضافة المختلف في فتحها وإسكانها؛ الأولى: مِنْ تَحْتِيَ أَفَلا تُبْصِرُونَ" فتحها نافع والبري وأبو عمرو، والثانية: "يَا عِبَادِي لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ" فتحها في الوصل أبو بكر وسكنها في الحالين نافع وأبو عمرو وابن عامر وحذفها الباقون في الحالين، وفيها زائدة واحدة: "واتبعوني هذا صراط" أثبتها في الوصل أبو عمرو وحده. ثم ذكر الخلاف في آخر سورة الدخان فقال: ويغلي؛ يعني: كالمهل تغلي في البطون قرأه بالتذكير ابن كثير وحفص؛ أي: يغلي الطعام والباقون بالتأنيث؛ أي: تغلي الشجرة، وعلا حال أو تمييز؛ أي: دنا ذا علاء أو دنا علاه، والخفض في: {رَبِّ السَّمَاوَاتِ} في أول السورة على البدل من قوله: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} ، والرفع على الابتداء وخبره: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أو يكون خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو رب السموات وثملا حال من فاعل اخفضوا؛ أي: مصلحين وقد تقدم. 1030- وَضَمَّ اعْتِلُوهُ اكْسِرْ "غِـ"ـنىً إِنَّكَ افْتَحُوا ... "رَ"بِيعًا وَقُلْ إِنِّي وَلِي اليَاءُ حُمِّلا أي: ذا غنى والضم والكسر في تا: "فَاعْتلُوهُ" لغتان وهو القود بعنف والفتح في: "ذُقْ أَنَّكَ" أي؛ لأنك أنت والكسر ظاهر وهما على وجه التهكم والاستهزاء، وربيعا حال؛ أي: ذوي ربيع أو ذا ربيع على أن يكون حالا من الفاعل أو المفعول والربيع النهر الصغير، فحسن من جهة اللفظ قوله: افتحوا ربيعا، والألف في آخر حملا ضمير يرجع إلى إني، ولي والياء بالنصب مفعول ثانٍ لجملا؛ أي: أتت ياء الإضافة المختلف فيها فيهما أراد: "إِنِّيَ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ" فتحها الحرميان وأبو عمرو. "وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِيَ" فتحها ورش وحده. وفيها زائدتان: "أَنْ تَرْجُمُونِ"، "وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِي" أثبتهما في الوصل ورش وحده. وقلت فيهما مع: "الجوار" في الشورى، "واتبعوني" في الزخرف: وواتبعوني والجوار وترجمو ... ن فاعتزلون زائدات لدى العلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 682 سورة الشريعة والأحقاف ... سورة الجاثية والأحقاف: 1031- مَعًا رَفْعُ آيَاتٍ عَلَى كَسْرِهِ "شَـ"ـفا ... وَإِنَّ وَفِي أَضْمِرْ بِتَوْكِيدٍ أَوَّلا يعني: {آياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ، {آياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} قرءا بالرفع والنصب وعلامة النصب الكسر ولا خلاف في الأول وهو: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} أنه منصوب بالكسر؛ لأنه اسم إن، أما: {آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} فرفعها ونصبها أيضا ظاهران كقولك: إن في الدار زيد وفي السوق عمرو وعمرا فهذا جائز باتفاق فالنصب على تقدير: وإن في السوق عمرا فحرف إن مقدر قبل في والرفع عطف على موضع اسم إن أو على استئناف جملة ابتدائية أو يكون عمرو فاعل في السوق على رأي من يجوز ذلك فكذا قوله تعالى: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ} ؛ وذلك لظهور حرف في من قوله: {وَفِي خَلْقِكُمْ} ، أما قوله تعالى: {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} فلم يأت فيه حرف إن ولا حرف في فهنا اختلف النحاة فقيل: إن الواو نائبة عنهما وإن اختلف عملهما لفظا ومعنى وهذا هو الذي يسمى عندهم العطف على عاملين؛ أي: على عمل عاملين أو معمولي عاملين نحو: إن في الدار زيدا والحجرة عمرا؛ أي: وإن في الحجرة عمرا؛ أي: وإن في اختلاف الليل والنهار آيات، وعلى قراءة الرفع تكون الواو نائبة عن حرف في؛ أي: وفي اختلاف الليل والنهار آيات؛ عطفا على قوله: "وفي خلقكم آيات" فمنهم من يقول هو على هذه القراءة أيضا عطف على عاملين وهما حرف في والابتداء المقتضي للرفع ومنهم من لا يطلق هذه العبارة في هذه القراءة؛ لأن الابتداء ليس بعامل لفظي، وقد استدل أبو الحسن الأخفش بهذه الآية على جواز العطف على عاملين، وصوبه أبو العباس في استدلاله بهذه دون غيرها، وقال أبو بكر بن السراج العطف على عاملين خطأ في القياس غير مسموع من العرب، ثم حمل ما في هذه الآية على التكرار للتأكيد قال أبو الحسن الرماني: هو كقولك: إن في الدار زيدًا والبيت زيدا فهذا جائز بالإجماع؛ لأنه بمنزلة إن زيدًا في الدار والبيت فهما قال فتدبر هذا الوجه الذي ذكره ابن السراج فإنه حسن جدًّا لا يجوز حمل كتاب الله تعالى إلا عليه، وقد يثبت القراءة بالكسر ولا عيب في القرآن على وجه وللعطف على عاملين عند من أجازه عيب ومن لم يجزه فقد تناهى في العيب فلا يجوز حمل هذه الآية إلا على ما ذكره ابن السراج دون ما ذهب إليه غيره. قلتُ: ولا ضرر فيما ذهب إليه من ذهب من العطف على عاملين وسنتكلم إن شاء الله تعالى عليه في شرح النظم من النحو ونبين وجهه من القياس وقد استدل على ذلك بأبيات تكلف المانعون له تأويلها قال الزجاج: ومثله في الشعر: أكل امرئ تحسبين امرءًا ... ونار توقد بالليل نارا أهل قال عطف على ما عملت فيه كل وما عملت فيه تحسبين وأنشد أبو علي الفرزدق: وباشر راعيها العلا بلسانه ... وجنبيه حر النار ما يتحرفُ قال: فهذا عطف على الفعل والهاء، وأنشد أيضا: أوصيت من سره قلبا حرا ... بالكلب خيرا والحماة شرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 واختار أبو عبيد قراءة الكسر اعتبارًا بقراءة أبي بن كعب لآيات في المواضع كلها قال: لأنها دالة على أن الكلام نسق على الحرف الأول. وقول الناظم: وإن وفي أضمر قال الشيخ: قال -رحمه الله: لم أرد بقولي: أضمر الإضمار الذي هو كالمعطوف به وإنما أردت أن حرف العطف ناب في قوله: {وَفِي خَلْقِكُمْ} عن أن وفي قوله: واختلاف عن أن وفي وإذا كانت الآيات توكيدا خرج عن العطف على عاملين الذي يأباه أكثر البصريين، وخرج عن إضمار حرف الجر الذي هو قليل في الكلام. قلتُ: فهذا معنى قوله بعد ذلك: بتوكيد أولا وكأنه جمع بين القولين فإن من يرى العطف على عاملين أضمر أن وفي بخلاف من أكد، وقال الزمخشري هو من العطف على عاملين سواء نصبت أو رفعت فالعاملان إذا نصبت هما أن وفي أقيمت الواو مقامهما فعملت الجر في: "وَاخْتِلافِ"، والنصب في "آيات" إذا رفعت فالعاملان الابتداء وفي وهو على مذهب الأخفش سديد لا مقال فيه وقد أباه سيبويه فهو على مذهبه على إضمار في والذي حسنه تقدم ذكره في الآيتين قبلها أو ينتصب آيات على الاختصاص بعد انقضاء المجرور معطوفا على ما قبله أو على التكير، ورفعها بإضمار هي: قلتُ: التكرير هو التوكيد الذي ذكره ابن السراج وإضمار في هو قول أبي علي في الحجة وقد بسطه وتكلف بيانه، وحاصله أنه أعمل حرف الجر مضمرا وذلك قليل في كلامهم مستضعف، وليس القول بالعطف على عاملين بأضعف من هذا، أما النصب على الاختصاص والرفع بإضمار هي فوجه آخر زاده من تصرفه وتقدير الكلام على العطف على عاملين: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} ، وإن في خلقكم آيات وإن في اختلاف الليل والنهار آيات، وعلى قول التأكيد: إن في السموات والأرض وفي خلقكم واختلاف الليل لآيات آيات آيات، وتفرقت كما تفرق بين الفواصل: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} ، {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ} في سورة الروم؛ أي: إن في كل واحد من هذه المذكورات آيات وتارة تقصد الجملة كما في آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ} ، وفي البقرة زاد على ذلك: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ} إلى قوله: {لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، والتقدير: في قراءة الرفع على قول التأكيد: وفي خلقكم وما يبث من دابة واختلاف الليل إلى آخره آيات آيات. 1032- لِنَجْزِي يَا نَصٍّ "سَمَا" وَغِشَاوَةً ... بِهِ الفَتْحُ وَالإِسْكَانُ وَالْقَصْرُ "شُـ"ـمِّلا أي: ذو ياء نص سما؛ أي: منصوص على الباء نصا رفيعا؛ لأن الضمير في الفعل يرجع إلى اسم الله تعالى قبله من قوله: "أَيَّام اللَّهِ"، وقراءة الباقين بنون العظمة وغشوة وغشاوة واحد وهو ما يغطي العين عن الأبصار وفيها لغات أخر ولم يختلفوا في التي في البقرة أنها غشاوة وقول الناظم: غشاوة مبتدأ، وحكي لفظ القرآن، فأتى به منصوبا وشملا به خبر؛ أي: شمل بهذا اللفظ الفتح في الغين والإسكان في الشين والقصر وهو حذف الألف وفي شرح الشيخ في شمل ضمير يرجع إلى غشاوة، ولو أراد ذلك لم يحتج إلى قوله: به والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 1033- وَوَالسَّاعَةَ ارْفَعْ غَيْرَ حَمْزَةَ حُسْنًا الْـ ... ـمُحَسِّنُ إِحْسَانًا لِكُوفٍ تَحَوَّلا إعراب غير حمزة كما سبق في قوله: فأطلع ادفع غير حفص يريد: {وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا} نصبها عطف على لفظ: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} ورفعها عطف على موضع اسم إن أو على الابتداء قال أبو الحسن الأخفش الرفع أجود في المعنى وأكثر في كلام العرب إذا جاء بعد خبر إن اسم معطوف أو صفة أن يرفع قال أبو علي: يقوي ما ذهب إليه أبو الحسن قوله: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} لم تقرأ العاقبة فيما علمت إلا مرفوعة. قلت: والأولى في تقدير قراءة الرفع العطف على موضع اسم إن؛ ليتحد معنى القراءتين ويكون قوله: لا ريب فيها جملة مستقلة فهي على وزان الآية التي في سورة الحج: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيَْ فِيهَا} ، والمعنى: وإذا قيل: إن وعد الله حق وإن الساعة حق وذلك على وفق ما في الصحيحين من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قام يتهجد: "أنت الحق ووعدك حق والساعة حق". وأما: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} فهذه قراءة الجماعة كالتي في العنكبوت سواء وقراءة الكوفيين هنا: {إِحْسَانًا} اعتبارا بالتي في سورة البقرة والأنعام وسبحان، وذكر أبو عبيد أنها في المصاحف مختلفة أيضا فكلٌّ قرأ بما في مصحفه ومعنى إحسانا؛ أي: تحسن إليهما إحسانا ومعنى حسنا؛ أي: وصية ذات حسن؛ أي: تفعل بهما فعلا ذا حسن ولم يقرأ هنا بفتح الحاء والسين كما قرأ في البقرة: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} إلا في قراءة شاذة ووجهها ظاهر؛ أي: يفعل بهما فعلا حسنا، وقول الناظم: تحولا هو خبر حسنا؛ أي: تحولا حسنا إحسانا في قراءة الكوفيين وقوله: المحسن كلمة حشو لا تعلق لها بالقراء لا رمزا ولا تقييدا وهي صفة حسنا؛ أي: المحسن شرعا وعقلا، وإنه ليوهم أنه رمز لنافع وتكون قراءة غيره وغير الكوفيين حسنا بفتح الحاء والسين كما قرأ به في البقرة وترك قيدها؛ لظهورها فليس بأبعد من قوله في سورة طه: "وأنجيتكم"، "واعدتكم" ولو أنه قال: حسنا الذي بعد إحسانا لم يوهم شيئا من ذلك؛ لأنه كالتقييد للحرف. 1034- وَغَيْرُ "صِحَابٍ" أَحْسَنَ ارْفَعْ وَقَبْلَهُ ... وَبَعْدُ بِياء ضُمَّ فِعْلانِ وُصِّلا أي: وقراءة غير صحاب أحسن ثم بينها بقوله: ارفع؛ أي: بالرفع وقال الشيخ: التقدير: أحسن ارفع لهم قال: ويجوز نصب غير على إسقاط الخافض وتقديرا حسن ارفع لغير صحاب. فإن قلت: لو أراد ذلك لقال لغير صحاب. قلت: إنما عدل إلى الواو؛ لأنها تفصل بين المسألتين، يريد: {أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} وقبل أحسن وبعده فعلان وصلا بياء ضمت هذا تقدير النظم ومعناه أن الجماعة قرءوا يتقبل ويتجاوز على بناء الفعلين لما لم يسم فاعله فأولهما ياء مضمومة وأحسن مرفوع؛ لأنه مفعول ما لم يسم فاعله وقراءة صحاب بنون العظمة المفتوحة على بناء الفعلين للفاعل وأحسن منصوب؛ لأنه مفعول يتقبل الذي قبله ومفعول يتجاوز قوله: عن سيئاتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 1035- وَقَلْ عَنْ هِشامٍ أَدْغَمُوا تَعِدَانِنِي ... نُوَفِّيَهُمْ بِالْيَا "لَـ"ـهُ "حَقُّ نَـ"ـهْشَلا القراءة بنونين مكسورتين هو الأصل؛ لأن الأولى علامة رفع الفعل بعد ضمير التثنية مثل تضربان والثانية نون الوقاية وهشام أدغم الأولى في الثانية كما أدغم في: {أَتُحَاجُّونِّي} ؛ لوجود المثلين، ورويت أيضا عن ابن ذكوان مع أنهما قرءا في الزمر: "تأمرونني" بنونين فأظهرا ما أدغم غيرهما وكثير من المصنفين لم يذكروا هذا الإدغام في: "أَتَعِدَانِنِي"، ولم يقرأ أحد بحذف إحدى النونين كما في "تأمرونني" و"تحاجوني"، وحكى الأهوازي رواية أخرى بفتح النون الأولى وهي غلط فلهذا يقال في ضبط قراءة الجماعة بنونين مكسورتين وأما: {لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} فقراءته بالياء والنون ظاهرة وقد سبق معنى نهشلا. 1036- وَقُلْ لا تَرَى بِالغَيْبِ وَاضْمُمْ وَبَعْدَهُ ... مَسَاكِنَهُمْ بِالرَّفْعِ "فَـ"ـاشِيهِ "نُـ"ـوِّلا قوله: بالغيب؛ أي: بسورة الغيب وإنما هو من باب التذكير لأجل الاستثناء المفرغ نحو ما يقوم إلا هند ولا يجوز في هذا التأنيث إلا في شذوذ وضرورة وإنما ذكر لفظ الغيب دون التذكير؛ لأن القراءة الأخرى بالخطاب لا بالتأنيث ولهذا فتحت التاء؛ أي: لا نرى أيها المخاطب لا مساكنهم بالنصب؛ لأنه مفعول ترى المبني للفاعل، ومن قرأ "يرى" بضم الياء رفع مساكنهم؛ لأنه مفعول ما لم يسمَّ فاعله، ثم ذكر ياءات الإضافة فقال: 1037- وَيَاءُ وَلكِنِّي وَيَا تَعِدَانِنِي ... وَإِنِّي وَأَوْزِعْنِي بِها خُلْفُ مَنْ بَلا أي: بهذه الأربعة خلاف القراء في الفتح والإسكان أراد: "وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ" فتحها نافع وأبو عمرو والبزي. "أَتَعِدَانِنِيَ أَنْ أُخْرَجَ" فتحها الحرميان. "إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ" فتحها الحرميان، وأبو عمرو. "أَوْزِعْنِيَ أَنْ أَشْكُرَ" فتحها ورش والبزي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 من سورة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى سورة الرحمن -عز وجل: لم تكن له ضرورة تلجئه إلى جمع هذه الترجمة، فلم يتصل نظم ما في هذه السورة بما في الفتح ولا ما في الفتح بما في الحجرات ولا ما في الذاريات بما في الطور، ومهما أمكن الفصل كان أبين، فكان ينبغي إفراد هذه السورة والفتح، ثم يقول: سورة الحجرات، وق، والذاريات، ثم يقول: سورة الطور، والنجم، والقمر، ويكون لهذه السورة وسورة الفتح أسرة بإفراده سورة فصلت مما قبلها وبعدها، فكل واحدة ثلاثة أبياتن والله أعلم. 1038- وَبِالضَّمِّ وَاقْصُرْ وَاكْسِرِ التَّاءَ قَاتَلُوا ... "عَـ"ـلَى "حُـ"ـجَّةٍ وَالْقَصْرُ فِي آسِنٍ "دَ"لا يريد: "والذين قاتلوا في سبيل الله" قرأها حفص وأبو عمرو "قتلوا"، وكلاهما ظاهر فصفة المجموع أنهم قاتلوا وقتلوا؛ أي: قتل منهم والماء الآسن هو المتغير فمن قصر فهو من أسن بكسر السين يأسن يفتحها فهو أسن كحذر، ومن مد فهو من أسن بفتح السين يأسن بكسر السين وضمها فهو آسن على وزن فاعل كضارب وقاتل وكل ذلك لغات وقد سبق معنى دلا. 1039- وَفِي آنِفًا خُلْفٌ "هَـ"ـدى وَبِضَمِّهِمْ ... وَكَسْرٍ وَتَحْرِيكٍ وَأُمْلِيَ "حُـ"ـصِّلا أي: والقصر في آنفاذ وخلف عن البري يريد قوله تعالى: {مَاذَا قَالَ آنِفًا} ؛ أي: الساعة، قال أبو علي: يجوز أن يكون توهمه مثل حاذر وحذر وفاكه وفكه والوجه المد، أما: {وَأُمْلِي لَهُمْ} على بناء الفعل للفاعل فالضمير فيه لله تعالى كما قال تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} وقيل: يجوز أن يعود على ما قبله مجازا؛ أي: الشيطان سول لهم وأملي وقراءة أبي عمرو على بناء الفعل لما لم يسم فاعله وهو يحتمل الأمرين فضم الهمز وكسر اللام وحرك الياء بالفتح فقوله: وبضمهم وما بعده متعلق بقوله: حصلا وأملي مبتدءا وحصلا خبره؛ أي: حصل بالضم والكسر والتحريك والله أعلم. 1040- وَأَسْرَارَهُمْ فَاكْسِرْ "صِحَابًا" وَنَبْلُوَنْ ... نَكُمْ نَعْلَمُ اليَا "صِـ"ـفْ وَنَبْلُوَ وَاقْبَلا صحابا حال من فاعل اكسرا ومفعوله؛ أي: ذا صحاب ويجوز أن يكون على تقدير: اكسروا صحابا فهو أمر لمفرد لفظا وهو لجماعة تقديرا وهذا كما سبق في قوله: زد الهمز ثملا، وخاطب يستطيعون عملا. وأسرار بفتح الهمزة جمع سر وبالكسر مصدر أسر، أما الياء والنون في هذه الكلمات الثلاث هي: "وليبلونكم حتى يعلم" "ويبلو" فالنون للعظمة والياء؛ لأن قبله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} ، وأراد الناظم ويبلونكم ويعلم ويبلو الياء صف فيها فقدم وأخر للضرورة، أو يكون أراد: ويبلو كذلك؛ أي: بالياء وأراد وأقبلن فأبدل من نون التأكيد ألفا؛ أي: صف وأقبل، وفرغ الكلام في سورة القتال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 1041- وَفِي يُؤْمِنُوا "حَقٌّ" وَبَعْدُ ثَلاثَةٌ ... وَفي ياءٍ يُؤْتيِهِ "غَـ"ـدِيرٌ تَسَلْسَلا يريد: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} وبعدها ثلاثة ألفاظ أيضا وهي: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ} ، قرأ الأربعة بالغيب حق؛ أي: ليؤمن المرسل إليهم ويفعلوا كيت وكيت، وقرأ الباقون بالخطاب وهو ظاهر، أما: {فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} فالياء فيه والنون كما سبق في "ولنبلونكم"، وقوله: غدير تسلسلا عبارة حسنة حلوة، وأشار إلى كثرة أمثال ذلك وقد تقدم والله أعلم. 1042- وَبِالضَّمِّ ضُرًا "شَـ"ـاعَ وَالكَسْرُ عَنْهُما ... بِلامِ كلامَ اللهِ وَالقَصْرُ وُكِّلا يريد: {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} قال أبو علي: الضر بالفتح خلاف النفع وفي التنزيل: {مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا} 1، والضُّرُّ بالضم سوء الحال وفي التنزيل: {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} ، والأبين في هذا الفتح عندي، ويجوز أن يكونا لغتين في معنى كالفَقْر والفُقْر والضَّعْف والضُّعْف، وقوله: عنهما؛ أي: عن حمزة والكسائي المدلول عليهما بالشين شاع وكلام إذا كسرت لامه وقصر؛ أي: حذفت ألفه صار كلم وهو بمعنى كلام كقوله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} ، والأكثر في المضاف إلى الله استعمال الكلام نحو: {بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} ، {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} ، وقوله: والقصر عطف على والكسر وقوله: وكلا خبر عنهما فالألف فيه ضمير التثنية؛ أي: وكل الكسر والقصر بلام كلام فكسرت ولم تمد الفتحة فيها فقصرت كما قال وفي يتناجون اقصر النون مكانات مد النون. 1043- بِمَا يَعْمَلُونَ "حَـ"ـجَّ حَرَّكَ شَطْأَهُ ... "دُ"عَا "مَـ"ـاجِدٍ فَآزَرَهُ "مُـ"ـلا يريد: {بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} قرأه أبو عمرو وحده بالغيب والباقون بالخطاب ولا خلاف في الذي: {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا، بَلْ ظَنَنْتُمْ} أنه بتاء الخطاب والخلاف في الحرفين في الأحزاب وشطأه بسكون الطاء وفتحها لغتان وهو فراخ الزرع وآزره وأزره بالمد والقصر؛ أي: قواه وأعانه، وقيل: المد بمعنى ساواه؛ أي: ساواه الشطء والزرع، وعلى الأول يجوز أن تكون الهاء في "فآزره" للشطأ أو للزرع؛ لأن كل واحد منهما مقوٍّ للآخر، وملا جمع ملاء وهو الملحفة وقد سبق ذكرها في مواضع، وهي هنا حسنة المعنى على تقدير ذا ملأ؛ لأن تقويت طافات الزرع والتفافها يشبه الاشتمال بالملا والله أعلم. وانتهى إلى هنا ذكر الخلاف في سورة الفتح، ثم ذكر ما في الحجرات وما بعدها فقال: 1044- وَفِي يَعْمَلُونَ "دُ"مْ يَقُولُ بِياءِ "إ"ذْ ... "صَـ"ـفَا وَاكْسِرُوا أَدْبَارَ "إ"ذ "فَـ"ـازَ "دُ"خْلُلا يريد آخر الحجرات: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} قرأه ابن كثير وحده بالغيب والباقون بالخطاب وكلاهما   1 سورة المائدة، آية: 76. 2 سورة الأنبياء، آية: 84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 ظاهر، أما: "يوم يقول لجهنم" فالخلاف فيه بالياء والنون ظاهر، أما: {أَدْبَارَ السُّجُودِ} فهو بالكسر مصدر أدبر وبالفتح جمع دبر؛ أي: وقت أدبار السجود وإنما قال في الكسر فاز دخلل؛ لموافقته الذي في آخر الطور فهو مجمع على كسره. 1045- وَبِاليَا يُنَادِى قِفْ "دَ"لِيلا بِخُلْفِهِ ... وَقُلْ مِثْلُ مَا بِالرَّفْعِ "شَـ"ـمَّمَ "صَـ"ـنْدَلا يريد: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} ياء ينادي محذوفة في الرسم؛ لأنها محذوفة في الوصل؛ لالتقاء الساكنين فإذا وقف عليها فكلهم يحذفها؛ اتباعا للوصل والرسم، وابن كثير أثبتها في أحد الوجهين عنه على الأصل، وليست هذه معدودة من الياءات الزوائد وإن كانت محذوفة في الرسم؛ لأن تلك شرطها أن يكون مختلفا في إثباتها وصلا ووقفا، وهذه وإن اختلف في إثباتها وقفا فلم يختلف في حذفها وصلا، وإنما عد من الزوائد: {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ} ، {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ} ؛ لأن من فتحهما أثبتهما وصلا وهي ياء إضافة قابلة للفتح وهذه ياء ينادي لام الفعل فهي ساكنة في حال الرفع ولكن في قاف ثلاثة زوائد: "المنادي" بعد ينادي أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو، وفي الحالين ابن كثير. "فَحَقَّ وَعِيدِي"، "مَنْ يَخَافُ وَعِيدِي" أثبتهما في الوصل ورش وحده، أما: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} 1 في سورة والذاريات فشمم صندلا؛ أي: شمم قارئه وسامعه طيبا؛ لظهور الوجه فيه؛ لأنه صفة لحق؛ أي: إنه لحق مثل نطقكم وما زائدة ووجه الفتح أنه في موضع رفع ولكنه فتح فتحة بناء لإضافته إلى غير متمكن كقوله: وتداعا منخراه بدم ... مثل ما أثمر حماض الخيل هكذا أنشده أبو عثمان وأبو عمرو بالفتح وهو نعت مجرور ومنه قوله: لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت بفتح غير فهو فاعل يمنع، وقيل: هو نعت مصدر محذوف؛ أي: لحق حقا مثل ما وقيل: حال من الضمير في لحق؛ لأنه مصدر وصف به، وأجاز الجرمي أن يكون حالا من لحق نفسه وإن كان بكسرة، وأجاز هذا رجل مقبلا؛ أي: لحق كأنها مثل نطقكم، وقال أبو عبيد: وقال بعض العرب بجعل مثل نصبا أبدا، فيقولون: هذا رجل مثلك، وقال الفراء: العرب تنصبها إذا رفع بها الاسم؛ يعني: المبتدأ فيقولون: مثل من عبد الله ويقولون: عبد الله مثلك وأنت مثله؛ لأن الكاف قد تكون داخلة عليها، فتنصب إذا لقيت الكاف. قلت: وهذه لغة غريبة وفيها نظر. 1046- وَفي الصَّعْقَةِ اقْصُرْ مُسْكِنَ العَيْنِ "رَ"اوِيا ... وَقَوْمَ بِخَفْضِ الْمِيمِ "شَـ"ـرَّفَ "حُـ"ـمَّلا هذا تقييد لما لفظ به فالقصر حذف الألف من الصاعقة، وفي قوله: مسكن العين نظر وصوابه مسكن الكسر فإن الإسكان المطلق ضده الفتح على ما تقرر في الخطبة وغيرها فما وقع ذلك إلا سهوا عما التزمه   1 آية: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 باصطلاحه فإن قيل: الصعقة لا كسر فيها فكيف يقول: مسكن الكسر؟ قلت: وكذلك لا بد فيها فكيف قال: اقصر إنما ذلك باعتبار القراءة الأخرى؛ أي: أسكن في موضع الكسر ولم يتعرض الشيخ لهذا في شرحه أولا، ثم في آخر عمره زاد في شرحه نكتا في مواضع هذا منها، فقال: قوله: مسكن العين أراد به عين الفعل كما قال: لا عين راجع، وهذا زيادة إغراب في البيت وغير مخلص من الإشكال، والصاعقة اسم النازلة، والصعقة مصدر صعقتهم، فقوله: فأخذتهم الصعقة كما قال: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} ، قال أبو علي: قيل: إن الصعقة مثل الزجرة وهو الصوت الذي يكون عن الصاعقة، قوله: وقوم يريد وقوم نوح بالخفض عطف على: {وَفِي مُوسَى} ، وقوله: {وَفِي مُوسَى} عطف على: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً} ؛ أي: وفي موسى وفي عاد وفي ثمود وقوم نوح آيات، والنصب على: وأهلكنا قوم نوح أو واذكر قوم نوح، وانقضى النظم لما في الذاريات، ثم شرع في حروف والطور فقال: 1047- وَبَصْرٍ وَأَتْبَعا بِوَاتَّبَعَتْ وَمَا ... أَلَتْنَا اكْسِرُوا "دِ"نْيا وَإِنَّ افْتَحُوا "ا"لْجَلا أي: قرأ أبو عمرو: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ} موضع قراءة غيره: "واتبعتهم" وكلاهما واضح، وقد مضى ذكر الخلاف في "ذرياتهم" الذي بعد "اتبعناهم" والذي بعد: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ} في سورة الأعراف، أما: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ} فكسر اللام ابن كثير وحده وفتحها غيره وهما لغتان وفيها لغات أخر ذكرها الشيخ في شرحه والكل بمعنى النقصان، وقوله: دنيا من قولهم هو ابن عمي دنيا ودنيا وإذا كسرت الدال نونت وإذا ضممتها لم تنون؛ أي: قريبا يشير إلى أنه قريب من الحرف المذكور قبله وهو "واتبعناهم" وقال الشيخ؛ يعني: إن ألتنا بالكسر قريب من ألتنا بالفتح كابني العم ثم قال وأن افتحوا الجلا بفتح الجيم وقصر الممدود؛ أي: ذا الجلا؛ يعني: الجلى، ورضى في أول البيت الآتي متصل به معنى ورمزا فهو في موضع نصب على التمييز؛ أي: الجلى رضاه، ويجمعهم أن يكون خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو رضى وموضع الخلاف هو قوله: {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} وهو مشكل فإن قبله موضعين لا خلاف في كسرهما وهما: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ} إنه ولا يليق الفتح لا بقوله: {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ} على تقدير: لأنه أو ندعوه بأنه؛ أي: نصفه بهاتين الصفتين فالذي فتحه نافع والكسائي وكسره الباقون على الابتداء فلهذا قال: الجلا رضاه؛ أي: الواضح أمره بجواز ذلك فيه وكأنه قيده بذلك والله أعلم. 1048- رِضًا يَصْعَقُونَ اضُمُمْهُ "كَـ"ـمْ "نَـ"ـصَّ وَالْمُسَيْـ ... ـطِرُونَ "لِـ"ـسانٌ "عَـ"ـابَ بِالْخُلْفِ "زُ"مَّلا أي: اضمم ياءه فيبقى فعلا لم يسم فاعله من أصعقهم فيكون مثل يكرمون، وقيل: يقال صعقهم فيكون مثل يضربون ومن فتح الياء فهو مضارع صعق اللازم لقوله تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} ، وكلتا الآيتين إشارة إلى صعقة تقع يوم القيامة شاهد ذلك ما في صحيح البخاري من قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "فإن الناس يوم القيامة يصعقون"، وقد بينا ذلك في مسألة مفردة مذكورة في الكراسة الجامعة، وقوله: كم نص؛ أي: كم قارئ نص عليه أو كم مرة وقع من قارئه وناقله، وقوله: لسان؛ أي: لغة والزمل الضعيف؛ أي: قرأه بالسين هشام وقنبل وحفص بخلاف عنه، ثم بين قراءة غيرهم فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 1049- وَصَاد كَزَايٍ "قَـ"ـامَ بِالْخُلْفِ "ضَـ"ـبْعُهُ ... وَكَذَّبَ يَرْوِيهِ هِشَامٌ مُثَقَّلا أي: قرأه الباقون بالصاد، وأشم الصاد زايا خلف وخلاد بخلاف عنه والكلام في هذا كما سبق في الصراط تعليلا وشرحا لعبارة الناظم فإنه استغنى باللفظ عن القيد وفيه نظر نبهنا عليه هنا والضبع العضد؛ أي: أشد وأقوى وانتهى ذكر ما في الطور من الحروف ثم انتقل إلى سورة والنجم فقال وكذب؛ يعني: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} شدده هشام؛ أي: لم يكذب ما رآه بعينه، قال أبو علي: كذب يتعدى إلى مفعول بدله قوله: كذبتك عينك أم رأيت بواسط ومعنى كذبتك؛ أي: أرتك ما لا حقيقة له فمعنى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ؛ أي: لم يكذب فؤاد ما أدركه بصره؛ أي: كانت رؤية صحيحة غير كاذبة وإدراكا على الحقيقة قال ويشبه أن يكون الذي شدد أكد هذا المعنى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} ؛ أي: أترومون إزالته عن حقيقة ما أدركه وعلمه قال الزمخشري، ما كذب فؤاد محمد -صلى الله عليه وسلم- ما رآه ببصره من صورة جبراءيل -عليه السلام- أي: ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك لكان كاذبا؛ لأنه عرفه؛ يعني: أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه ولم يشك في أن ما رآه حق وقريء ما كذب؛ أي: صدقه ولم يشك أنه جبريل بصورته وقال أبو عبيد: وبالتخفيف نقرأ وهي في التفسير ما كذب في رؤيته يقول إن رؤيته قد صدقت. قلت: قد سبق في قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} ؛ أي: في ظنه فكذا هنا ما كذب فيما رأى؛ أي: في رؤيته؛ أي: صدق فيها. 1050- تُمَارُونَهُ تَمْرُونَهُ وَافْتَحُوا "شَـ"ـذًا ... مَناءةَ لِلْمَكِّي زِدِ الْهَمْزَ وَأَحْفِلا هذا مثل قوله: سكارى معا سكرى؛ أي: قراءة حمزة والكسائي اللفظ الثاني وهو تمرونه وسكرى وقوله: وافتحوا زيادة بيان هنا؛ أي: افتحوا التاء وكان له أن لا يذكره كما لم يذكر فتحه السين في سكرى وشذا حال من الفاتحين أو من المفتوح؛ أي: ذوى شذا أو ذا شذا ومعنى: {أَفَتُمَارُونَهُ} أفتجادلونه وبخهم سبحانه في مجادلتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما ذكره لهم -صلى الله عليه وسلم- من الإسراء به وتمرونه بمعنى تجحدونه قال الزمخشري أفتمارونه من المراء وهو الملاحاة والمجادلة واشتقاقه من مري الناقة كأن كل واحد من المتجادلين يمري ما عند صاحبه وقرئ أفتمرونه؛ أي: أفتغلبونه في المراء من ماريته فمريته ولما فيه من معنى الغلبة عدي بعلى كما يقول غلبته على كذا وقيل: أفتمرونه أفتجحدونه وأنشدوا: لئن هجرت أخا صدق ومكرمة ... لقد مريت أخا ما كان يمريكا وقال: يقال مريته حقه؛ أي: جحدته وتعديته بعلى لا تصح إلا على مذهب التضمين وقال النحاس: قال محمد بن زيد: يقال مراه عن حقه وعلى حقه إذا منعه منه ودفعه عنه وعلى بمعنى "عن" قال بنو كعب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 ابن ربيعة يقولون: رضي الله عليك؛ أي: عنك، ومناة على وزن نجاة ومناءة بزيادة همزة بعد الألف على وزن مجاعة لغتان قال جرير: أزيد مناة توعدنا ابن تيم وأنشد الكسائي: ألا هل أتى التيم ابن عبد مناءة وقوله: واحفلا أراد: واحفلن فأبدل من نون التوكيد الخفيفة ألفا للوقف؛ أي: احتفل بهذه القراءة فاحتج لها؛ لأن من الناس من أنكر المد قال أبو علي: قال أبو عبيد: اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة ولعل مناءة بالمد لغة لم أسمع بها عن أحد من رواة اللغة وقد سمع زيد مناة عبد مناة ولم أسمع بالمد. قال الزمخشري في اشتقاق اللفظين على القراءتين: كأنها سميت مناءة؛ لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها؛ أي: كانت تراق ومناة مفعلة من النوء كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها. قلت: ومن الأول تسمية منى لكثرة ما يراق فيها من دماء الأضاحي والنسك في الحج، وقال الجوهري: عبد مناة بن أد بن طابخة وزيد مناة بن تميم بن مرة يمد ويقصر قال: هو ابن الحارثي: ألا هل أتى التيم بن عبد مناءة 1051- ويَهْمِزُ ضِيزَى خُشَّعًا خَاشِعًا "شَـ"ـفا ... "حَـ"ـمِيدًا وَخَاطِبْ تَعْلَمُونَ "فـ"ـطِبْ "كَـ"ـلا أي: ويهمز المكي ياء ضيزى والهمز في ذلك وتركه لغتان يقال ضازه حقه يضازه؛ أي: إذا نقصه وجار فيه على وزن حساه يحساه ويقال ضازه يضيزه مثل باعه يبيعه فوزن ضئزى بالهمز فعلى بكسر الفاء قالوا هي مصدر وصف به كالذكرى وإذا لم تهمز فوزنها عندي كذلك وهي مصدر أيضا والتقدير: قسمة ذات ضيزى، وقال النحاة: وزنها فعلى بضم الفاء وإن كانت في لفظ ضيزى مكسورة اعتبارا بالأصل كما يقال في وزن يبض فعل وفي وزن بيوت فعول قال أبو علي؛ لأنهم لم يجدوا في الصفات شيئا على فعلى؛ يعني: بكسر الفاء مع ألف التأنيث قلت: لا نجعلها صفة بل مصدرا كالمهموز، قال أبو علي: حكى التوزى الهمز في هذه ضأزه يضأزه إذا ظلمه وأنشد: إذا ضأزانا حقنا في غنيمة قلت: وانتهى الكلام في حروف سورة النجم، ثم قال الناظم: خشعا خاشعا مثل سكارى معا سكرى؛ أي: قوله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} يقرأه شفا حميدا خاشعا وهما لغتان في اسم الفاعل إذا وقع فاعلا مجموعا هل يفرد في نفسه أو يجمع جمع تكسير تقول: مررت بزيد قاعدا غلمانه وقعودا غلمانه سواء في ذلك الحال والصفة نحو: مررت برجل قاعد غلمانه وقعود غلمانه، وسنوضح ذلك في شرح الناظم إن شاء الله تعالى. قال الزمخشري: وفي خشعا بالجمع هو لغة تقول: أكلوني البراغيث وليس كذلك؛ فإن أكلوني لغة ضعيفة وتلك فصيحة، قال أبو علي: يرجح: مررت برجل حسان قومه على حسن قومه، قال الزمخشري: ويجوز أن يكون في خشعا ضميرهم ويقع أبصارهم بدلا عنه. قلت: يعني: يخرجون من الأجداث خشعا فهو حال، وقيل: يجوز أن يكون مفعول: {يَدْعُ الدَّاعِ} أي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 يدعو قوما خشعا أبصارهم، ثم قال: وخاطب يعلمون بمعنى قوله: {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ} الخطاب فيه والغيب ظاهران وكلا تمييز وهو المرعي وأبدل الهمزة ألفا لما سكنت للوقف وكنى به عن العلم المقتبس من المخاطب، ويجوز أن يكون كلا مصدر كلأه؛ أي: حرسه وحفظه كَلْأً كضرب ضربا ثم نقل حركة الهمزة إلى اللام وحذفت الهمزة، ثم يكون هذا المصدر تمييزا أو في موضع الحال؛ ليطيب حفظك أو طب واحفظ، وفي هذه السورة ثماني زوائد: "يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِي" أثبتها في الوصل ورش وأبو عمرو وفي الحالين البزي. "مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي" أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير، ونذر في ستة مواضع واحد في قصة نوح واثنان في قصة عاد وواحد في قصة ثمود واثنان في قصة لوط أثبت الستة في الوصل ورش وحده، وتقدم ثلاث زوائد في سورة ق فقلت فيه: وزد نذري ستا كذا الداع فيهما ... بقاف المنادي مع وعيدي معا علا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 سورة الرحمن -عز وجل: 1052- وَوَالْحَبُّ ذُو الرَّيْحانِ رَفْعُ ثَلاثِها ... بِنَصْبٍ "كَـ"ـفَى وَالنُّونُ بِالْخَفْضِ "شُـ"ـكِّلا ثلاثها بمنزلة كلها في صحة الإضافة وأنث العدد قصدا إلى الكلمات وأطلق الرفع والنصب في الثلاث على حسب ما يليق بكل منها فرفع الحب والريحان بالضمة فيهما ونصبهما بالفتحة فيهما ورفع ذو بالواو ونصبها بالألف. وفي قوله: في البقرة: ناصبا كلماته بكسر لم يجتز بلفظ النصب حتى يبين أنه بالكسر؛ لتيسر ذلك عليه ثَم وتعسره هنا، وإلا فالمعهود في عبارته بالنصب إنما هو الفتحة ورفع الثلاثة بالعطف على فاكهة؛ أي: فيها فاكهة والحب والريحان وذو: صفة للحب ونصبها بفعل مضمر؛ أي: وخلق الحب ذا العصف والريحان ورسمت ذا بالألف في المصحف الشامي وخفض حمزة والكسائي النون من الريحان على تقديمه ذو العصف وذو الريحان والريحان الورق الذي يشم والعصف ورق الزرع ولا خلاف في جره؛ لأنه مضاف إليه صريحا وقوله: شكل من شكلت الكتاب إذا قيدته بالضبط بما يدل على الحركات مأخوذ من شكال الدابة؛ لأن اللفظ قبل شكله متردد من جهات يتعين بالشكل بعضها. 1053- وَيَخْرُجُ فَاضْمُمْ وَافْتَحِ الضَّمَّ "إِ"ذْ حَمَى ... وَفِى الْمُنْشَآتُ الشِّينُ بِالكَسْرِ "فَـ"ـاحْمِا يريد: {مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ} قرأه الجماعة على إسناد الفعل إلى الفاعل وقرأه نافع وأبو عمرو على أنه فعل ما لم يسمَّ فاعله فضما الياء وفتحا الراء، "المنشآت" بكسر الشين وفتحها نعت للجوار وهي السفن فقراءة الفتح ظاهرة؛ لأنها أنشئت وأجريت وقيل: المرفوعات الشرع وقيل: في معنى الكسر إنها تنشيء الموج بجريها أو ترفع الشرع أو تنشيء السير على طريق المجاز نحو: مات زيد ومرض فمات يضاف الفعل إليه إذا وجد فيه وهو في الحقيقة لغيره والفاء في فاحملا زائدة وهي رمز، والشين مفعول به؛ أي: احمل الشين بالكسر؛ أي: انقلها كذلك، وأراد احملن بنون التأكيد فأبدلها ألفا كما سبق في نظائر له ثم تمم الرمز فقال: 1054- "صَـ"ـحِيحًا بِخُلْفٍ نَفْرُغُ الْياءَ "شَـ"ـائِعٌ ... شُوَاظٌ بِكَسْرِ الضَّمِّ مَكِّيُّهُمْ جَلا أي: كسر الشين حمزة وأبو بكر بخلاف عنه، أما: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} فالخلاف فيه بالياء والنون ظاهر، قال أبو علي: وليس الفراغ هنا فراغا من شغل ولكن تأويله القصد كما قال جرير: الآن قد فرغت إلي تميم وقال الزمخشري: المراد التوفر على النكاية؛ أي: لا يكون له شغل سواه ستنقضي شئون الدنيا فلا يبقى إلا شأن واحد وهو جزاؤكم، والشواظ بكسر الشين وضمها: لغتان وهو اللهب وقوله: جلا ليس برمز؛ لأنه قد صرح بالقارئ وهو مكيهم فلا رمز معه والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 1055- وَرَفْعَ نُحَاسٌ جَرَّ "حَقٌّ" وَكَسْرَ مِي ... مِ يَطْمِثْ فِي الأُولَى ضُمَّ "تُـ"ـهْدى وَتُقْبَلا رفع مفعول جر وحق فاعله، ورأيت في بعض النسخ رفع بالضم على الابتداء وجر بالرفع خبره، وحق مجرور بالإضافة كلا اللفظين صواب ووجهه ظاهر ووجه رفع نحاس العطف على شواظ وجره عطف على نار؛ أي: الشواظ من نار ونحاس وفي النحاس قولان؛ أحدهما: أنه الدخان، والثاني: أنه الصفر المذاب وفي الشواظ أيضا قولان لأهل اللغة؛ قال أبو عبيد: هو اللهب لا دخان فيه وقال بعضهم لا يكون الشواظ إلا من النار والدخان جميعا فإن قلنا: النحاس بمعنى الدخان والشواظ ما لا دخان فيه ظهرت قراءة الرفع، وعلى القول الآخر تظهر قراءة الجر، وإن قلنا: النحاس هو الصفر المذاب ظهرت أيضا قراءة الرفع واستخرج أبو علي وجها لقراءة الجر على قولنا الشواظ ما لا دخان فيه وهو أن التقدير: وشيء من نحاس فيحذف الموصوف وتقام الصفة مقامه ثم حذفت من من قوله: ومن نحاس؛ لأن ذكره قد سبق في من نار ويقال طمث البكر يطمثها ويطمثها بفتح الميم في الماضي وبكسرها وبضمها في المضارع إذا دماها بالجماع وعني بالأولى التي بعدها: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ} ضم الميم الدوري عن الكسائي، وإعراب قوله: نهدي وتقبلا سبق في شرح قوله: في باب الإمالة أمل تدعي حميدا وتقبلا. 1056- وَقَالَ بِهِ للَّيْثِ فِي الثَّانِ وَحْدَهُ ... شُيُوخٌ وَنَصُّ اللَّيْثِ بِالضَّمِّ الَاوَّلا به؛ أي: بالضم، والثاني: هو الذي قبله: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ} وإلا ولا نصب بالضم كقوله: عن الضرب مسمعا قال صاحب التيسير: أبو عمر عن الكسائي: "لَمْ يَطْمِثْهُنَّ" في الأول بضم الميم وأبو الحارث عنه في الثاني كذلك هذه قراءتي والذي نص عليه أبو الحارث كرواية الدوري وقال في غيره: قرأت على فارس بن أحمد في رواية أبي الحارث كرواية الدوري وقال طاهر بن غلبون إن الضم في الأول للدوري وعكس ذلك لأبي الحارث اختيار من أهل الأداء. 1057- وَقَوْلُ الْكِسَائِي ضُمَّ أَيُّهُمَا تَشَا ... وَجِيهٌ وَبَعْضُ الْمُقْرِئِينَ بِهِ تَلا قال الداني في غير التيسير: على أن الكسائي خير فيهما فقال: ما أبالي أيهما قرأت بالضم أو الكسر بعد أن لا أجمع بينهما قال أبو عبيد: كان الكسائي يروي فيهما الضم والكسر وربما كسر إحداهما وضم الأخرى فقول الكسائي: هذا وجيه؛ أي: له وجاهة؛ لأن فيه الجمع بين اللغتين وبعض المقرئين به تلا؛ يعني: بهذا التخيير كابن أشتة وغيره ممن لم يذكر غير التخيير. 1058- وَآخِرُهَا يَا ذِي الْجَلالِ ابْنُ عَامِرٍ ... بِوَاو وَرَسْمُ الشَّامِ فِيهِ تَمَثَّلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 أي: يا ذو الجلال آخر السورة قرأها ابن عامر بواو؛ أي: جعل مكانها واوا ولزم من ذلك ضم الذال قبلها فلهذا لم ينبه عليه، وقصر لفظ يا ضرورة؛ يعني: قوله سبحانه: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ} فهو بالياء نعت للرب وبالواو نعت للاسم؛ لأن المراد بالاسم هنا لمسمى؛ لأنه إشارة إلى الأوصاف الذاتية وهي المراد تسبيحها وتنزيهها والثناء عليها بقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وقد استقصينا بيان ذلك وتحقيقه في آخر كتاب البسملة الأكبر، وقوله: تمثل؛ أي: تشخص الواو في رسم المصحف الشامي وقد أجمعوا على الأول أنه بالواو وهو: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 سورة الواقعة والحديد : 1059- وَحُورٌ وَعِينٌ خَفْضُ رَفْعِهِمَا "شَـ"ـفا ... وَعُرْبًا سُكُونُ الضَّمِّ "صُـ"ـحِّحَ "فَـ"ـعْتَلَى الخفض عطف على: "فاكهة"، "ولحم طير" من باب تقلدت بالسيف والرمح؛ أي: إنهم جامعون بين هذه الأشياء، وفاكهة ولحم طير معطوفان إما على أكواب وإما على جنات النعيم، فإن كانا على أكواب فالمعنى أنه ينعمون بحور عين كما نعموا بما قبله وإن كانا على جنات فالمعنى أنهم في مقارنة بحور عين أو معاشرة حور عين، أما وجه الرفع فعلى تقدير ولهم حور عين أو وفيها حور عين أو عطف على ولدان، وجوز أبو علي أن تكون عطفا على الضمير في متقابلين ولم يؤكد لطول الفصل، وجوز أيضا أن تكون على تقدير وعلى سرر موضونة حور عين، أما عربا فضم الراء وإسكانها لغتان، وسبق لها نظائر مثل نذرا ونذرا وهو جمع عروب وهي المرأة المتحببة إلى زوجها. 1060- وَخِفُّ قَدَرْنا "دَ"ارَ وَانْضَمَّ شُرْبَ "فِـ"ـى ... نَدَى الصَّفْوِ وَاسْتِفْهَامُ إِنَّا "صَـ"ـفَا وِلا يعني: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} التخفيف والتشديد في قدرنا لغتان وقد سبق ذلك في سورة الحجرات وشرب الهيم بضم الشين وفتحها مصدر شربت الإبل، وقيل: الضم الاسم كالشغل والفتح المصدر وجاء المفتوح جمع شارب كركب وصحب في غير هذا الموضع وقوله تعالى: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} على الخبر قرأه شعبة بزيادة مزة الاستفهام الذي بمعنى التقدير: وقوله: صفا ولا؛ أي: شديد متابعة أوصاف متابعته أو هو صفا ذا ولاء؛ أي: متابعة فنصبه على الحال، وعلى الأول تمييز وصفا بمعنى شديد مقصور والذي بمعنى صاف ممدود فقصر، ضرورة فإن كان من الصفاء الممدود فالتقدير: الاستفهام ذو صفا وإن كان مقصورا فالتقدير: مشبه صفا في قوته. 1061- بِمَوْقِعِ بِالإِسْكانِ وَالقَصْرِ "شَـ"ـائِعٌ ... وَقَدْ أَخَذَ اضْمُمْ وَاكْسِرِ الْخَاءَ "حُـ"ـوَّلا يعني إسكان الواو وحذف الألف بعدها من قوله سبحانه: {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} فهو من باب الإفراد والجمع وقد سبق لهما نظائر، وتم الكلام في حروف سورة الواقعة ثم شرع في سورة الحديد قرأ أبو عمرو وحده: {وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} على بناء الفعل للمفعول والباقون بفتح الهمزة والخاء على بنائه للفاعل وهو الله تعالى، وحولا حال وهو العالم بتحول الأمور. 1062- ومِيثَاقُكُمْ عَنْهُ وَكُلٌّ "كَـ"ـفَى وَأَنْـ ... ـظِرُونا بِقَطْعٍ وَاكْسِرِ الضَّمَّ "فَـ"ـيْصَلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 عنه؛ أي: عن أبي عمرو ورفع القاف من ميثاقكم؛ لأنه مفعول أخذ الذي لم يسم فاعله ونصبه غيره؛ لأنه مفعول أخذ المسمى للفاعل، أما: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} فرفعه على الابتداء كبيت الكتاب كله لم أصنع، وكتب كذلك في مصحف الشام وهو في الأصل مفعول وعد ولكن إذا تقدم المفعول على الفعل ضعف عمله فيه فيجوز رفعه وقراءة الجماعة بالنصب على الأصل وقد أجمعوا على نصب الذي في سورة النساء، أما: "أَنْظِرُونَا نَقْتَبِسْ" بقطع الهمزة المفتوحة وكسر الظاء قراءة حمزة وحده فبمعنى أمهلونا؛ أي: ارفقوا بنا كي ندرككم، وقراءة الباقين بوصل الهمزة وضم الظاء بمعنى انتظرونا أو التفتوا إلينا يقال: نظرته إذا نتظرته وأنظرته إذا أخرته وأمهلته، وفيصلا حال بمعنى حاكما. 1063- وَيؤْخَذُ غَيْرُ الشَّامِ مَا نَزَلَ الْخَفِيـ ... ـفُ "إِ"ذْ "عَـ"ـزّ وَالصَّادَانِ مِنْ بَعْدُ "دُ"مْ "صِـ"ـلا يريد: {لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ} قراءة الجماعة بالتذكير؛ لأن تأنيث الفدية غير حقيقي، وأنث ابن عامر على اللفظ: {وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} بالتخفيف والتشديد ظاهران؛ لأن ما نزله الله فقد نزل هو ومعنى إذا عز؛ أي: هذا قليل في الكتاب العزيز نحو: {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} والأكثر ذكر التنزيل والإنزال مسند إلى اسم الله تعالى وقوله: ما نزل مبتدأ والخفيف خبره، وقوله: ويؤخذ غير الشام على تقدير تذكير يؤخذ قراءة غير أهل الشام فحذفت هذه المضافات للعلم بها، ثم قال: والصادان من بعد؛ أي: من بعد ما نزل يريد الصادين من قوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} ؛ أي: والصادان كذلك يريد بالتخفيف لابن كثير وأبي بكر وهما بالتخفيف بمعنى الذين صدقوا الله ورسوله والتشديد بمعنى المتصدقين فأدغمت التاء في الصاد فهو مثل المزمل والمدثر وروى عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- إظهار التاء فيهما، وقوله: {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ} عطف على الفعل المفهوم من هذا اللفظ تقديره إن الذين صدقوا أو اصدقوا وأقرضوا فمعناه على التخفيف إن الذين آمنوا وعملوا هذا النوع من الخير وهو الإقراض الحسن ومعناه على التشديد إن الذين تصدقوا، وكان إقراضهم لله تعالى على الوجه الأحسن وهو من أطيب الكسب صادرا عن نية خالصة ومقصد صالح وقوله: دم صلا؛ أي: ذا صلاء والصلاء عبر به عن الذكاء وعن القرى بالعلم وقد سبق تحقيق المعنيين من هذا اللفظ. 1064- وَآتَاكُمْ فَاقْصُرْ "حَـ"ـفِيظًا وَقُلْ هُوَ الْـ ... ـغَنِيُّ هُوَ احْذِفْ "عَمَّ" وَصْلًا مُوَصَّلا يريد: {وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} القصر بمعنى جاءكم والمد بمعنى أعطاكم الله، واختار أبو عبيد قراءة أبي عمرو؛ لموافقته لقوله: فاتكم ولم يقل أفاتكم ووجه المد إضافة الخبر إليه دون ضده كما قال: {بِيَدِهِ الْخَيْرُ} وقوله: ولا تفرحوا استئناف نهي وقيل: عطف على: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} والأول أجود أما: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} فاحذف لفظ هو في قراءة نافع وابن عامر كما هو محذوف في مصاحف المدينة والشام وأثبته غيرهما كما هو ثابت في مصاحفهم ولا خلاف في إثبات الذي في سورة الممتحنة وهو مثل هذا وهو في هذين الموضعين للفصل فحذفه غير مخل بأصل المعنى وقوله: وصلا نصب على التمييز وموصلا نعته؛ أي: عم وصله الموصل إلينا؛ أي: عم نقله وخبره، فذكره الأئمة في كتبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 من سورة المجادلة إلى سورة ن : كان ينبغي أن يقول: سورة المجادلة والحشر، ثم يقول: ومن سورة الممتحنة إلى سورة الطلاق، ثم يقول: سورة الطلاق والتحريم والملك، فكانت تنقسم الجملة التي ذكرها ثلاثة أقسام؛ لأنها منفصلة في المواضع التي ذكرتها على ما نظمه، والله أعلم. 1065- وَفي يَتَنَاجَوْنَ اقْصُرِ النُّونَ سَاكِنًا ... وَقَدِّمْهُ وَاضْمُمْ جِيمَهُ "فَـ"ـتُكَمِّلا أراد بقصر النون حذف الألف التي بعدها في حال سكونه النون وتقديمه على التاء فإذا فصلت ذلك وضممت الجيم صار ينتجون على وزن يذهبون، هذه قراءة حمزة، وقراءة الباقين ما لفظ به، وأصلهما يفتعلون ويتفاعلون على وزن يختصمون ويتخاصمون فحذفت لام الكلمة منهما؛ لأنها في يتناجون ياء تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ثم حذفت للساكن بعدها وفعل في يتناجون ما فعل في قاضون فقيل: ينتجون كما قيل: قاضون ومعنى القراءتين واحد إلا أن يتناجون موافق لقوله تعالى: {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا} و {تَنَاجَوْا بِالْبِرِّ} قال أبو علي: يفتعلون ويتفاعلون يجريان مجرى واحدًا. 1066- وَكَسْرُ انْشِزُوا فَاضْمُمْ مَعًا "صَـ"ـفْوَ خُلْفِهِ ... "عُـ"ـلًا "عَـ"ـمَّ وَامْدُدْ فِي المَجَالِسِ "نَـ"ـوْفَلا يريد: {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} كسر الشين فيهما وضمها لغتان يقال نشز ينشز؛ أي: انهضوا وهمزة انشزوا همزة وصل إذا ابتدئ بها حركت بحركة الشين وصفو خلفه مبتدأ وخبره علا عم والتوحيد والجمع في المجالس والمجلس ظاهران والنوفل الكثير العطا. 1067- وَفي رُسُلِي اليَا يُخْرِبُونَ الثَّقيل "حُـ"ـزْ ... وَمَعْ دُوَلَةً أَنِّث يَكُونُ بِخُلْفِ "لَـ"ـا يريد ياء الإضافة في قوله تعالى: "وَرُسُلِيَ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" فتحها نافع وابن عامر وانتهى الكلام في سورة المجادلة. أما: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ} فالتخفيف فيها والتشديد لغتان من أخرب وخرب مثل أنزل ونزل، وقيل: الإخراب أن تترك الموضع ربا والتخريب الهدم، وقيل: معنى التخفيف أنهم يعطلونها ويعرضونها للخراب بخروجه منها ويخربون مفعول خرب الثقيل: نعته ثم قال ومع دولة؛ أي: ومع رفع دولة أنث تكون التي قبله بخلف عن هشام يريد: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} ، والذي في كتابي التيسير والتبصرة لمكي أن هشاما رفع دولة، واختلف عنه في تأنيث يكون وتذكيره والذي ذكره أبو الفتح فارس أن الخلاف في الموضعين أحد الوجهين مثل قراءة الجماعة بتذكير يكون ونصب دولة، وهو قول صاحب الروضة، والثاني تأنيث تكون ورفع دولة وهو الذي ذكره طاهر بن غلبون وأبوه ولم يذكر المهدوي وابن شريح لهشام إلا رفع دولة ولم يتعرضا للخلاف في يكون وابن مجاهد وغيره لم يذكروا الخلاف في الكلمتين أصلا وتوجيه هذه القراءات ظاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 من رفع دولة جعل كان تامة ومن نصب قدر كيلا يكون الفيء دولة؛ أي: يتداوله الأغنياء بينهم مختصين به دون الفقراء، وتأنيث دولة ليس بحقيقي فجاز تذكير يكون المسند إليها، وذكر الأهوازي في بعض الروايات فتح الدال والمشهور ضمها بلا خلاف، وحكى أبو عبيد فتح الدال عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: ولا نعلم أحدا فتحها، قال: والفرق بين الضم والفتح أن الدولة بالضم اسم الشيء الذي يتداول بعينه والدولة بالفتح الفعل، وقرأت في حاشية النسخة المقروءة على الناظم -رحمه الله- قوله: بخلف لا أراد لائيا؛ أي: مبطئا وجاء هذا من اللأى قال الشيخ: وسألته عن قوله: بخلف لا، فقال: إن شئت قلت سمي بلا النافية؛ لأنه قد أثبت التأنيث ونافية يثبت التذكير وإن شئت قلت بخلف لاء اسم فاعل من لاء إذا أبطأ؛ لأن التذكير عن هشام أقل من الرواية من التأنيث، ولأنه لا فصل هنا فيحسن من جهة العربية، قلت: يقال: لأى لأيا مثل رمى رميا؛ أي: أبطأ واللأي مثله فاسم الفاعل من لأى لاءٍ مثل رامٍ وقاضٍ والوقف عليه كالوقف على ماء والله أعلم. 1068- وَكَسْرَ جِدَارٍ ضُمَّ وَالفَتْحَ وَاقْصُرُوا ... "ذَ"وِي "أُ"سْوَةٍ إِنِّي بَياءِ تَوَصَّلا يجوز في وكسر الرفع على الابتداء وخبره ضم إن كان فعل ما لم يسم فاعله، وإن كان فعل أمر فالنصب في وكسر؛ لأنه مفعول والفتح عطف عليه رفعا ونصبا؛ أي: ضم الجيم والدال واحذف الألف فيصير جدر وهو جمع جدار وهو كما سبق في المواضع المختلف فيها في إفرادها وجمعها وذوي أسوة حال من فاعل اقصروا؛ أي: متأسين بمن سبق من القراء، ثم ذكر ياء الإضافة في الحشر وهي: "إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ" فتحها الحرميان وأبو عمرو. ثم ذكر حروف سورة الممتحنة فقال: 1069- وَيُفْصَلُ فَتْحُ الضَّمِّ "نَـ"ـصٌّ وَصَادُهُ ... بِكَسْرٍ "ثَـ"ـوى وَالثِّقْلُ شَافِيهِ كُمِّلا يعني: {يَوْمَ القِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} قرأ عاصم بفصل مضارع فصل بالتخفيف على بناء الفعل للفاعل، ومثله قراءة حمزة والكسائي إلا أنه مضارع فصل بالتشديد، وقرأ الباقون على بناء الفعل للمفعول وخففوا الصاد المفتوحة سوى ابن عامر فإنه شددها ولم ينبه الناظم على فتح الفاء لمن قرأ بالتشديد؛ لأن التشديد يرشد إليه ووجه هذه القراءات ظاهر. 1070- وَفى تُمْسِكُوا ثِقْلٌ "حَـ"ـلا وَمُتِمُّ لا ... تُنَوِّنْهُ وَاخْفِضْ نُورَهُ "عَـ"ـنْ "شَـ"ـذًا "دَ"لا أمسك ومسك من باب أنزل ونزل، ويشهد لقراءة أبي عمرو: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} شددها الأكثر ومتم نوره في سورة الصف من نون ونصب نوره فهو الأصل مثل زيد مكرم عمرا، ومن أضاف فحذف التنوين وخفض المفعول فللتخفيف وقوله: عن شذا؛ أي: شذا دلا وقد سبق معناهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 1071- وَلِله زِد لامًا وَأَنْصَارَ نَوِّنًا ... "سَما" وَتُنَجِّيكُمْ عَنِ الشَّامِ ثُقِّلا يعني قوله تعالى: {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} زد لام الجر على اسم الله ونون أنصار فيصير أنصارا لله وقراءة الباقين على الإضافة كما أجمعوا على الإضافة في الحرف الثاني وهو: {قال الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} لم يقرأ أحد منهم أنصارا لله؛ لأنهم أخبروا عن تحقق ذلك فيهم واتصافهم بصحة الإضافة والنسبة، فإن قلتَ: فمن أين يعلم أن الخلاف في الأول دون الثاني؟ قلتُ: هو غير مشكل على من تدبر صورة الخط؛ فإن الثاني لو نون لسقطت الألف من اسم الله وهي ثابتة في الرسم، أما الأول فأمكن جعل الألف صورة التنوين المنصوب فلم تخرج القراءتان عن صورة الرسم، والنون في قوله: نونن للتأكيد، وأنجى ونجى كأمسك ومسك وقوله: عن الشام؛ أي: عن قارئ الشام. 1072- وَبَعْدِي وَأَنْصَارِي بِيَاء إِضافَةٍ ... وَخُشْبٌ سُكُونُ الضَّمِّ "زَ"ادَ "رِ"ضًا "حَـ"ـلا أي: في الصف لفظان كل واحد منهما ياء إضافة مختلف في إسكانها وفتحها؛ الأول: "مِنْ بَعْدِيَ اسْمُهُ" فتحها الحرميان وأبو عمرو وأبو بكر، والثاني: "مَنْ أَنْصَارِيَ إِلَى اللَّهِ" فتحها نافع وحده وليس في سورة الجمعة شيء من الحروف التي لم تذكر بعد، ولكن فيها أشياء مما يتعلق بما سبق كلفظ هو والإمالة وصلة ميم الجمع وهذا قد علم مما تقدم فيها وخشب بإسكان الشين وضمها لغتان كثمر وثمر؛ أي: سكون الضم فيه زاد حلاه رضى أو هو ذو حلا. 1073- وَخَفَّ لَوَوْا "إِ"لْفًا بِمَا يَعْمَلُونَ "صِـ"ـفْ ... أَكُونَ بِوَاوٍ وَانْصِبُوا الْجَزْمَ "حُـ"ـفَّلا يريد "لووا رؤوسهم" لوى رأسه ولواه إذا عطفه وأماله؛ أي: أعرض معناهما واحد وفي التشديد زيادة تكثير قال أبو علي: التخفيف يصلح للقليل والكثير والتكثير يختص بالكثرة وإلفا حال من لووا أو هو أليف للمشدد؛ لأن معناهما واحد يعملون في آخر السورة الغيب فيه والخطاب ظاهران وقرأ أبو عمرو: "وأكون من الصالحين" عطفا على "فأصدق" لفظا وهي قراءة واضحة، وقرأ غيره بإسكان النون وحذف الواو؛ لالتقاء الساكنين، ووجه ذلك أنه مجزوم عطفا على موضع فأصدق؛ لأن الفاء لو لم تدخل لكان أصدق مجزوما؛ لأنه جواب التحضيض الذي هو في معنى التمني والعرض والكل فيه معنى الأمر وما كان كذلك ينجزم جوابه على قاعدة في علم العربية مقررة وإن كان فيه فاء انتصب قال أبو علي: أعني السؤال عن ذكر الشرط، والتقدير: أخرني فإن تؤخرني أصدق فلما كان الفعل المنتصب بعد الفاء في موضع فعل مجزوم كأنه جزاء الشرط حمل قوله: وأكن عليه، مثل ذلك قراءة من قرأ: "مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرْهُم"، وأنشد: أيا سلكت فإنني لك كاشح ... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد قال: حمل أزدد على موضع الفاء وما بعدها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 ومثله: فأبلوني بليتكمُ لعلي ... أصالحكم وأستدرجْ نويا قال: حمل واستدرج على موضع الفاء المحذوفة وما بعدها من "لعلى"، واختار أبو عبيد هذه القراءة؛ لاتفاق المصاحف على كتابة هذا الحرف بحذف الواو قال: وفي القرآن ما لا يحصى من تكون ويكون في موضع الرفع والنصب لم تحذف الواو في شيء منها إنما حذفوا في موضع الجزم خاصة قال: وكان من حجة أبي عمرو فيها أن قال إنما حذفت الواو اختصار في الخط كما حذفوها في كلمن وكان أصلها أن تكون بالواو. قلت: وكذلك كان يقول في: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} إن الياء حذفت في الرسم فلهذا يحكي عنه أنه قال: ما وجدت في القرآن لحنا غير: {إِنْ هَذَانِ} و {أَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} ؛ يعني: في كتابة القرآن، ووجه حذفهما على قراءته أنهما من حروف المد فكما تحذف الألف كثيرا اختصارا فكذا أختاها، وقد قال الفراء: العرب قد تسقط الواو في بعض الهجاء كما أسقطوا الألف من سليمان وأشباهه قال: ورأيت في مصاحف عبد الله: "فقولا" فقلا بغير واو "ف ق ل ا". قلت: والاعتماد في القراءتين على صحة النقل فيهما وإنما هذا اعتذار عن الخط، وقوله: حفلا جميع حافل، وهو حال من فاعل وانصبوا؛ أي: متمكنين بكثرة العلم وسعته من توجيه القراءتين. 1074- وَبَالِغُ لا تَنْوِينَ مَعْ خَفْضِ أَمْرِهِ ... لِحَفْصٍ وَبِالتَّخَّفِيفِ "عَـ"ـرَّفَ "رُ"فِّلا أي: لا تنوين فيه؛ لأنه مضاف إلى ما بعده، والكلام في: {بَالِغُ أَمْرِهِ} كما سبق في متم نوره والتشديد في: {عَرَّفَ بَعْضَهُ} 1 سورة التحريم بمعنى أعلم إعلام متابعة فأعرض عن بعض أو أغضا عنه إحسانا وتكرما، ولهذا قيل: ما زال التثاقل من شأن الكرام. ومعنى عرف بالتخفيف جازى وهو إشارة إلى ذلك القدر من المعاتبة أو إلى غيره، ومنه: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} 2. ويطلق هذا اللفظ أيضا مشعرا بالوعد والوعيد فيقال عرفت ما صنع فلان ومنه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} 3. قال الفراء: عرف بالتخفيف؛ أي: غضب من ذلك، وجازى عليه كما تقول للرجل يسيء إليك: لأعرفن لك ذلك وهو وجه حسن وتقدير النظم وعرف: رفل بالتخفيف؛ أي: عظم. 1075- وَضُمَّ نَصُوحًا شُعْبَةٌ مِنْ تَفَوُّتٍ ... عَلَى القَصْرِ وَالتَّشْدِيدِ "شَـ"ـقَّ تَهَلُّلا قال أبو الحسن والأخفش: نصحته في معنى صدقته، توبة نصوحا؛ أي: صادقة، وقال: الفتح كلام العرب   1 آية: 3. 2 سورة البقرة، آية: 197. 3 سورة النساء، آية: 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 وقراءة الناس ولا أعرف الضم، قال أبو علي: يشبه أن يكون مصدرا قال الفراء: كأن الذين قرءوا نُصُوحا أرادوا المصدر مثل قعودا والذين قالوا نصوحا جعلوه من صفة التوبة ومعناها أن يحدث نفسه إذا تاب من ذنب أن لا يعود إليه أبدا، وذكر الزمخشري في تفسيره وجوها حسنة في ذلك وقال: النصوح مصدر نصح كالنصح مثل الشكور والشكر؛ أي: ذات نصوح أو انتصح نصوحا. ثم شرع الناظم في سورة الملك فقال: من تفوت يريد: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} ؛ أي: تباين واختلاف فإذا حذفت الألف وشددت الواو صار تفوت وهو بمعناه تفاوت وتفوت مثل تظاهر وتظهر، والقراءتان مصدرا هذين الفعلين، وقوله: تفاوت مبتدأ وشق تهللا خبره، وقوله: على القصر والتشديد شق في موضع الحال؛ أي: مقصورا مشددا؛ أي: هذا اللفظ على ما فيه من القصر والتشديد شق تهلله وهو من قولهم شق ناب البعير إذا طلع والمعنى طلع تهلله؛ أي: لاح وظهر أو يكون من شق البرق إذا سطع من خلال السحاب ومعنى تهلل تلألأ وأضاء، ويجوز أن يكون تهللا حال؛ أي: ذا تهلل: والله أعلم. 1076- وَآمَنْتمُوا فِي الْهَمْزَتَيْنِ أُصُولُهُ ... وَفي الوَصْلِ الُاولَى قُنْبُلٌ وَاوًا ابْدَلا يريد: {أَأَمِنْتُمْ مَن فِي السَّمَاءِ} حكمه مذكور في باب الهمزتين من كلمة فهو مثل: "أَأَنْذَرْتَهُمْ" داخل في عموم قوله: وتسهيل أخرى همزتين بكلمة البيت فقد عرف حكم هذه الكلمة من هناك، ومعنى أصوله؛ أي: أصول حكمه، وسبق أيضا في الباب المذكور أن قنبلا أبدل الهمزة الأولى واوا؛ لانفتاحها وانضمام ما قبلها في قوله: "النُّشُورُ"، ويسهل الثانية على أصله وهذا لإبدال إنما يكون عند اتصال هذه الكلمة بالنشور فإذا وقف على النشور حقق الهمزة إذا ابتدأ كغيره فهذا معنى قوله: وفي الوصل؛ أي: إبدال قنبل الهمزة الأولى واوا في حالة الوصل دون الوقف. فإن قلتَ: لهذا البيت فائدة غير الإذكار بما تقدم بيانه والمتقدمات كثيرة فلم خصص الناظم الإذكار بهذا دون غيره؟ قلت: له فائدتان غير الإذكار: إحداهما لما ذكر مذهب قنبل هذا في باب الهمزتين لم يبين أنه يفعل ذلك في الوصل بل أطلق فنص على الوصل هنا ليفهم أنه لا يفعل ذلك في الوقف على ما قبل: "أَأَمِنْتُمْ"؛ لزوال المقتضي لقلب الهمزة واوا وهو الضمة ولم يقنع بقوله: ثم موصلا فإن استعمال موصل بمعنى واصل غريب على ما نبهنا عليه هناك، والفائدة الأخرى النصوصية على الكلمة فإنه لما ذكر الحكم هناك كان كلامه في: "أَأَمِنْتُمْ" بزيادة ألف بعد الهمزتين وفتح الميم وهذه الكلمة لفظها غير ذلك فإن بعد الهمزتين فيها ميما مكسورة. 1077- فَسُحْقًا سُكُونًا ضُمَّ مَعْ غَيْبِ يَعْلَمُو ... نَ مَنْ "رُ"ضْ مَعِي بِالْيَا وَأَهْلَكَنِي انْجَلا يعني أن الكسائي وحده ضم حاء: "فَسُحُقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ"، وقرأ: "فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ" بالياء على الغيبة وإنما قال من؛ احترازا من الذي قبله: {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} فإنه بالخطاب بغير خلاف وقرأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 غير الكسائي بإسكان حاء: {فَسُحْقًا} وخطاب: {فَسَتَعْلَمُونَ} من وجه القراءتين في الموضعين ظاهر، وسكونا في البيت بدل من فسحقا بدل اشتمال؛ أي: ضم فسحقا سكونه، ويجوز أن يكون سكونا مفعول ضم، وقوله: فسحقا مبتدأ أو مفعول فعل مضمر فهو من باب زيدا اضرب رأسه يجوز فيه الرفع والنصب والنصب أقوى في العربية والعائد محذوف على التقديرين؛ أي: سكونا فيه أو سكونه، وقوله: رض فعل أمر من راض الأمر رياضة؛ أي: رض نفسك في قبول دقائق العلم واستخرج المعاني ثم ذكر ما في سورة الملك من ياءات الإضافة فقال: معي انجلا باليا، وكذا "أهلكني" يريد: {مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا} سكنها حمزة والكسائي وأبو بكر: {إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ} سكنها حمزة وحده، وفيها زائدتان: "نذيري"، و"نكيري" أثبتهما معا في الوصل ورش وحده ولم يبق من ياءات الزوائد إلا أربع في سورة الفجر وسيأتي بيانها في موضعها، وقد نظمت الجميع في بيت هنا فقلت: نذيري نكيري الملك في الفجر أكرمنْ ... أهاننِ بالوادي ويسري تكملا أضاف الكلمتين إلى الملك؛ أي: حرفا هذه السورة، واكتفى بذكر الملك بعد نكيري عن ذكره بعد نذيري فهو كقوله: بين ذراعي وجبهة الأسد وهما مبتدأ والخبر محذوف؛ أي: زائدتان ثم قال في الفجر زوائد وهي كيت وكيت، ويجوز أن يكون الملك مرفوعا على أنه خبر المبتدأ على حذف المضاف؛ أي: زائدا الملك والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 من سورة "ن" إلى سورة القيامة: 1078- وَضَمُّهُمْ فِي يَزْلِقُونَكَ "خَـ"ـالِدٌ ... وَمَنْ قَبْلَهُ فَاكْسِرْ وَحَرِّكْ "رِ"وًى "حَـ"ـلا أي: ضمهم في ياء: {لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} خالد؛ أي: مقيم، ونافع وحده فتح الياء يقال إذا أزال قدمه، ويقال: زلقه أيضا فزلق هو والمعنى إنهم؛ لعدوانهم له ينظرون إليه نظرا يكاد يهلكه. وأما: {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ} بفتح القاف وسكون الياء فمعناه: والطغاة الذين قبله ومعناه بكسر القاف وفتح الباء، والذين معه من أشياعه وأتباعه وقوله: ومن قبله مفعول فاكسروا الفاء زائدة وروى حال منه أو من الفاعل؛ أي: ذا روى حلو؛ أي: اكسر من قبله وحركه مرويا له بالحركات التي يستحقها وبالاحتجاج له بما يوافقه. 1079- وَيَخْفَى "شِـ"ـفَاءً مَالِيَهْ مَاهِيَهْ فَصِلْ ... وَسُلْطَانِيَهْ مِنْ دُونِ هَاءٍ "فَـ"ـتُوصلا يعني: {لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} تذكير تخفى وتأنيثه ظاهران وحذف حمزة هاء السكت من قوله: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ، خُذُوهُ} إذا وصل الكلام بعض ببعض وكذلك: {مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ} في سورة القارعة وهذا نظير ما فعل هو والكسائي في: {يَتَسَنَّهْ} واقتده أو أثبتها الباقون لثباتها في خط المصحف فهو وصل بنية الوقف وكلهم أثبتها وقفا وفي سورة الحاقة أربع أخر كتابيه مرتين وحسابيه مرتين أثبت حمزة هاء هن كالجماعة جمعا بين الأمرين ويعقوب الحضرمي حذف الجميع وصلا وحذف الكسائي في يتسنه واقتده لخفاء هاء السكت فيهما؛ لأنهما فعلا جزم وقد قيل: ليسا للسكت وترك الحذف هنا لوضوح الأمر. 1080- وَيَذَّكَّرُونَ يُؤْمِنُونَ "مَـ"ـقالُهُ ... بِخُلْفٍ "لَـ"ـهُ "دَ"اعٍ وَيَعْرُجُ "رُ"تِّلا يعني: {قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ، وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} الغيب فيهما لمن رمز له والخطاب للباقين ويعرج الملائكة بالتذكير للكسائي والباقون بالتأنيث ووجه القراءتين في الحرفين ظاهر وقد سبق لهن نظائر. 1081- وَسَالَ بِهَمْزٍ "غُـ"ـصْنُ "دَ"انٍ وَغَيْرُهُمْ ... مِنَ الْهَمْزِ أَوْ مِنْ وَاوٍ اوْ يَاءٍ ابْدَلا أي: غصن ثمر دان؛ يعني: همز: {سَأَلَ سَائِلٌ} جعله لظهور أمره كغصن ثمر داني من يد من يجنيه ونافع وابن عامر قرءا بالألف من غير همز وتلك الألف تحتمل ثلاثة أوجه؛ أحدها: أن يكون بدلا من الهمز وهو الظاهر وهو من البدل السماعي قال حسان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 سألت هذيل رسول الله فاحشة ... ضلت هذيل بما سالت ولم تصب فيكون بمعنى قراءة الهمز، الوجه الثاني: أن تكون الألف منقلبة عن واو فيكون من سأل يسأل وأصله سول كخول قال أبو زيد: سمعت من يقول: هما يتساولان، وقال المبرد: يقال: سلت أسأل مثل خفت أخاف وهما يتساولان وقال الزجاج: يقال سألت أسأل وسلت أسال والرجلان يتساولان ويتساءلان بمعنى واحد. والوجه الثالث: أن تكون الألف منقلبة عن ياء من سال يسيل؛ أي: سال عليهم واد يهلكهم روى ذلك عن ابن عباس فهو من باب باع يبيع فتقدير البيت سال همز ألفها غصن دان وغيرهم أبدل هذه الألف من الهمز الذي قرأ به غصن دانٍ أبو أبدلها من واو أو من ياء، وقد تبين كل ذلك. 1082- وَنَزَّاعَةً فَارْفعْ سِوى حَفْصِهِمْ وَقُلْ ... شَهَادَاتِهِمْ بِالْجَمْعِ حَفْصٌ تَقَبَّلا ذكر الزجاج في توجيه كل قراءة من الرفع والنصب ثلاثة أوجه: أما الرفع فعلى أن "نزاعة" خبر؛ لأن بعد خبر أو هي خبر لظى والضمير في أنها ضمير القصة أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي نزاعة، أما النصب فعلى الاختصاص أو على تقدير تتلظى نزاعة أو على الحال المؤكدة قال: يكون نزاعة منصوبا مؤكدا لأمر النار، وجوز الزمخشري أن تكون نزاعة بالرفع صفة لظى أن أريد به اللهب ولم يكن علما على النار إلا أن هذا القول باطل بدليل أنه لم يصرف، أما: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ} فالإفراد فيه والجمع كما سبق في نظائره والإفراد أنسب لقوله: بعده: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} وهو مجمع عليه. 1083- إِلى نُصُبٍ فَاضُمُمْ وَحَرِّكْ بِهِ "عُـ"ـلا ... "كِـ"ـرَامٍ وَقُلْ وُدًّا بِهِ الضَّمُّ "أُ"عْمِلا أي: اضمم النون وحرك بالضم الصاد وهو اسم مفرد وجمعه أنصاب وكذلك النصب بفتح النون وسكون الصاد وهو قراءة الباقين وهو ما نصب؛ ليعبد من دون الله تعالى وقيل: نصب جمع نصب مثل سقف في جمع سقف، وقيل: هو جمع نصاب، وقيل: النصب العلم وقيل: الغاية وقيل: شبكة الصائد. وقال أبو علي: يمكن أن يكون النُّصْب والنُّصُب لغتين كالضعف والضعف ويكون التثقيل: كشغل وشغل وطنب وطنب، ودًّا اسم الصنم بفتح الواو وضمها لغتان، واختار أبو عبيد الفتح وقال: كانوا يتسمون بعبد ود، أما الود فالغالب عليه المودة. 1084- دُعَائِي وَإِنِّي ثُمَّ بَيْتِي مُضَافُها ... مَعَ الْوَاوِ فَافْتَحْ إِنْ "كَـ"ـمْ "شَـ"ـرَفًا "عـ"ـلا يريد: {دُعَائي إِلَّا فِرَارًا} أسكنها الكوفيون: {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ} فتحها الحرميان وأبو عمرو و {بَيْنِيَ مُؤْمِنًا} فتحها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 حفص وهشام. ثم شرع في سورة الجن فقال افتح إن مع الواو؛ يعني: مهما جاء وإن فالخلاف في فتحها وكسرها احترز بذلك عن أن يأتي مع الفاء نحو: {فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} فهو متفق على كسره، وعن أن المجردة عن الواو نحو: "أنه استمع" فهو متفق على فتحه: {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا} متفق على كسره فإن كانت مع الواو ليست مشددة فمتفق أيضا على فتحها نحو: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا} فضابط مواضع الخلاف أن تكون أن مشددة بعد واو وذلك في اثنى عشر حرفا متوالية أوائل الآي جميعها لا يخرج عن أنه إنا أنهم، وهي: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} ، {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ} ، {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ} ، {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ} ، {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا} ، {وَأَنَّا لَمَسْنَا} ، {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ} ، {وَأَنَّا لا نَدْرِي} ، {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ} ، {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ} ، {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى} ، {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ} ، أما: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ} ، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ} فسيأتي ذكرهما فهذه الاثنا عشر فتحها ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص وهم نصف القراء وكسرها الباقون، ومضى معنى قوله: كم شرفا علا في أول سورة الأعراف فوجه الكسر العطف على: {إِنَّا سَمِعْنَا} فالكل في حيز القول أي: {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} وقالوا: وَإِنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا" "وإنه كان يقول" "وإنا ظننا" إلى آخر ذلك، وقيل: إن قوله: "وَإِنَّهُ كَانَ رِجَالٌ"، "وَإنَّهُمْ ظَنُّوا" آيتان معترضتان في كلام الله تعالى في أثناء الكلام المحكي عن الجن، وقيل: بل هما أيضا من كلامهم يقوله بعضهم لبعض، أما الفتح فقيل: عطف على أنه استمع فيلزم من ذلك أن يكون الجميع داخلا في حيز أوحي؛ أي: {أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} ، {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} فهذا وإن استقام معناه في هذا فلا يستقيم في: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا} ، {وَأَنَّا لَمَسْنَا} ، {وَأَنَّا كُنَّا} ؛ إذ قياسه سفيههم ولمسوا وكانوا. وقال الزجاج: ذكر بعض النحويين أنه معطوف على الهاء المعنى عنده فآمنا به وبأنه تعالى جد ربنا وكذلك ما بعدها. قال: وهذا رديء في القياس؛ لا يعطف على الهاء المكنية المخفوضة إلا بإظهار الخافض. قال مكي: وهو في أن أجود منه مع غيرها لكثرة حذف حرف الجر مع أن. ثم قال الزجاج: لكن وجهه أن يكون محمولا على معنى آمنا به؛ لأن معنى آمنا به صدقناه وعلمناه فيكون المعنى وصدقنا أنه تعالى جد ربنا قال الفراء: فتحت أن؛ لوقوع الإيمان عليها وأنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح دون بعض فلا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح فإنه يحسن منه فعل مضارع الإيمان، فوجب فتح أن نحو صدقنا وألهمنا وشهدنا كما قالت العرب: وزججن الحواجب والعيونا فنصب العيون لاتباعها والحواجب وهي لا تزجج إنما تكحل فأضمر لها الكحل. 1085- وَعَنْ كُلِّهِمْ أَنَّ المَسَاجِدَ فَتْحُهُ ... وَفِي أَنّهُ لَمَّا بِكَسْرٍ "صُـ"ـوَى "ا"لعُلا فتحه بدل من المساجد نحو: أعجبني زيد حسنه وعن كل القراء افتح: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} ؛ لأنه معطوف على: أنه استمع، وكذا: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا} ، وقيل: تقديره ولأن المساجد لله فلا تدعوا كما سبق: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} ، {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ} ، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} ، وإنما نص الناظم على هذا المجمع عليه؛ لئلا يظن أن فيه خلافا؛ لأنه يشمله قوله: مع الواو فافتح أن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 وأما قوله: "وأنه لما قام عبد الله" فلم يكسره إلا أبو بكر ونافع على الاستئناف، والباقون فتحوا عطفا على: {أَنَّهُ اسْتَمَعَ} ، وهذا مما يقوي أن فتح: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ} على ذلك وقيل: إن فتح: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ} ، وكسره على ما سبق في الاثني عشر وأنه من تمام كلام الجن المحكي، ويشكل عليه: {كَادُوا يَكُونُونَ} ؛ لأن قياسه كدنا نكون إلا أن يقال أخبر بعضهم عن فعل بعض، وقوله: صوى العلا مبتدأ تقدم عليه خبره؛ أي: وصوى العلا في: {أَنَّهُ لَمَّا} ؛ أي: في هذا اللفظ المكسور والصوى العلا بالصاد المهملة المضمومة وفتح الواو الربى ونحوها وهي أيضا أعلام من حجارة منصوبة في الفيافي المجهولة يستدل بها على الطريق الواحدة صوة مثل قوة وقوى؛ أي: أعلام العلا في هذا. قال الشيخ: وفي قراءة الكسر ارتفاع كارتفاع الصوى ودلالة كدلالتها لظهور المعنى فيها والله أعلم، وقرأت في حاشية النسخة المقروءة على الناظم -رحمه الله- قال نبه بهذا على أن الكسر فصيح بالغ لقوة دلالته على الاستئناف قال وانظر فصاحة القراءة واهتمامهم في نقلهم حين أجمعوا على فتح: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ} ليبينوا أنه غير معطوف وأن معناه واعلموا أو نحوه من الإضمار لما دل عليه: {فَلا تَدْعُو} فيكون: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ} معطوفا عليه قال: ويكاد الفتح والكسر يتقابلان في الحسن. 1086- وَنَسْلُكْهُ يَا كُوفٍ وَفِي قَالَ إِنَّما ... هُنَا قُلْ "فَـ"ـشا "نَـ"ـصًّا وَطَابَ تَقَبُّلا الياء والنون في نسلكه ظاهران، وقال: {إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي} ؛ يعني: عبد الله قراءة حمزة وعاصم قل على الأمر مثل الذي بعده: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ} ، وقوله: نصا وتقبلا منصوبان على التمييز. 1087- وَقُلْ لِبَدًا فِي كَسْرِهِ الضَّمُّ "لَـ"ـازِمٌ ... بِخُلْفٍ وَيا رَبِّي مُضَافٌ تَجَمَّلا لم يذكر في التيسير عن هشام سوى الضم وقال في غيره: وروي عنه كسرها وبالضم آخذ. قال الفراء: المعنى فيها واحد لبدة ولبدة؛ أي: كادوا يركبون النبي -صلى الله عليه وسلم- رغبة في القرآن وشهوة له؛ يعني: الجن. وقال الزجاج: المعنى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما صلى الصبح ببطن نخلة كاد الجن لما سمعوا القرآن وتعجبوا منه أن يسقطوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقيل: "كادوا"؛ يعني: به جميع الملل تظاهرات على النبي -صلى الله عليه وسلم، قال ومعنى لبدا يركب بعضهم بعضا وكل شيء ألصقته لشيء إلصاقا شديدا فقد لبدته، ومن هذا اشتقاق هذه اللبود التي تفرش، ثم ذكر أن كسر اللام وضمها في معنى واحد، وكذا قال الزمخشري: وقال هو ما يلبد بعضه على بعض ومنه لبدة الأسد، وحكى أبو علي عن أبي عبيد لبدا بالكسر؛ أي: جماعات واحدها لبدة قال قتادة: تلبد الجن والإنس على هذا الأمر؛ ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه قال: واللبد بالضم الكثير من قوله: {أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا} وكأنه قيل: له لبد؛ لركوب بعضه على بعض، ولصوق بعضه ببعض؛ لكثرته، فكأنه أراد كادوا يلصقون به من شدة دنوهم للاستماع مع كثرتهم فيكون على هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 قريب المعنى من قوله: لبدا إلا أن لبدا أعرف بهذا المعنى وأكثر، ثم قال: "ويا ربي؛ أي: وياء ربي فقصره" ضرورة؛ أي: هذه ياء الإضافة في سورة الجن يريد: {رَبِّي أَمَدًا} فتحها الحرميان وأبو عمرو. 1088- وَوَطْئًا وِطَاءً فَاكْسِرُوهُ "كَـ"ـمَا "حَـ"ـكَوْا ... وَرَبُّ بِخَفْضِ الرَّفْعِ "صُحْبَتُـ"ـهُ "كَـ"ـلا لم تكن له حاجة إلى قوله: فاكسروه فإنه قد لفظ بالقراءتين فهو مثل خشعا خاشعا، وقل: قال: وما أشبه ذلك فالرمز فيه للفظ الثاني ولكنه قال: فاكسروه زيادة في البيان مثل ما ذكرناه في قوله: تمارونه تمرونه وافتحوا، ولو قال هنا واكسروه بالواو كان أولى من الفاء كما قال ثَم: وافتحوا. وسببه أن الفاء تشعر بأن هذه مواضع الخلاف وليس ذلك كله بل هو جزء منه فإن لفظ وطاء يشتمل على كسر الواو وفتح الطاء والمد بعدها وإذا قاله بالواو بعد الإشعار بذلك وصار من باب التخصيص بعد التعميم للاهتمام بالمخصص نحو وجبرئيل وميكائيل ونخل ورمان. بيانه أن لفظ وطاء يغني عن قيوده؛ لأنه كالمصرح بالقيود الثلاثة فإذا نص بعد ذلك على قيد منها كان من ذلك الباب ولو قال موضع فاكسروه: فاقرءوه لكان رمزا لحمزة فعدل إلى لفظ يفهم قيدا من قيود القراءة وكان له أن يقول: ووطأ كضرب قل وطاء كما حكوا كقوله: إذا قل إذ، ويحصل له تقييد القراءة الأولى ومعنى القراءة بالكسر والمد أن عمل "ناشئة الليل أشد" مواطأة؛ أي: موافقة؛ لأنه يواطأ فيها السمع القلب للفراغ من الأشغال بخلاف أوقات النهار، وقوله: "وطأ" بفتح الواو وسكون الطاء والقصر بمعنى الشغل؛ أي: هو أشق على الإنسان من القيام بالنهار وفي الحديث: "اللهم اشدد وطئتك على مضر". وهو أقوم قيلا؛ أي: أشد استقامة وصوابا لفراغ البال، والمعنى: أشد ثبات قدم في العبادة من قولهم: وطأ على الأرض وطاء، والناشئة القيام بعد النوم فهو مصدر بمعنى النشأة وقيل: هي الجماعة الناشئة؛ أي: القائمون بالليل؛ لأنها تنشأ من مضجعها إلى العبادة؛ أي: تنهض وترتفع وقيل: هي ساعات الليل والكلام في خفض: {رَبُّ الْمَشْرِقِ} ورفعه كما سبق في سورة الدخان الخفض على البدل من ربك في قوله: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} ، والرفع على أنه خبر؛ أي: هو رب المشرق وكلأ بمعنى حفظ وحرس وأفرده على لفظ صحبة وسبق مثله. 1089- وَثَا ثُلْثِهْ فَانْصِبْ وَفَا نِصْفِهِ "ظُـ"ـبىً ... وَثُلْثَيْ سُكُونُ الضَّمِّ "لَـ"ـاحَ وَجَمَّلا يجوز وثا ثلثه بإسكان اللام وصلة الهاء، ويجوز ثلثه بضم اللام وسكون الهاء؛ وكلاهما لضرورة الوزن وفي كل وجه منها إخلال بلفظ الكلمة في القرآن من جهة إسكان اللام في الأول وإسكان الهاء في الثاني؛ إلا أن الوجه الثاني أقرب؛ فإنه لفظ الوقف على هذه الكلمة فهو واصل بنية الوقف. وأما إسكان اللام من ثلثه فلم ينقل في هذه القراءات المشهورة، وقد حكاه أبو عبيد، ثُم الأهوازي بعده عن ابن كثير ووجهه ظاهر كما قرأ هشام بإسكان اللام من ثلثي الليل؛ للتخفيف، فكلاهما سواء، فلو كانت هذه القراءة مما ذكر في هذه القصيدة لكان الاختيار وثا ثلثه بإسكان اللام وقصر لفظ "ثا" ضرورة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 وكذا لفظ فانصفه وظبى جمع ظبة السيف وهو حده؛ أي: ذا ظبا؛ أي: صاحب حجج تحميه عن الطعن والاختيان عليه، فإن أبا عبيد قال: قراءتنا التي نختار الخفضُ كقوله سبحانه: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} فكيف يقدرون على أن يعرفوا نصفه وثلثه وهم لا يحصونه، ووجه النصب في ونصفه وثلثه العطف على محل أدنى؛ أي: تقوم أقل من الثلثين وتقول نصفه وتقوم ثلثه والخفض عطف على ثلثي الليل؛ أي: وأقل من نصفه وثلثه ومجموع القراءتين محمول على اختلاف الأحوال؛ لتكرر الليالي واختلافها فمرة يقوم نصف الليل محررا ومرة أقل منه وكذلك الثلث وتارة أقل من الثلثين؛ أي: إن ربك يعلم أنكم تأتون بالواجب مرة وبدونه أخرى، لكن الثلثين ما تكملون؛ لطوله فيقع منكم الغلط فيه، وجعل الفراء والزجاج قوله: {وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} على قراءة النصب؛ تفسيرا للأدنى المذكور وهو مشكل من جهة أن واو العطف تمنع من ذلك وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مخيرين بين هذه التقديرات الثلاثة في قيام الليل على اختلاف مراتبها في الأجر وأقرب شيء لهذا الحكم التخيير بين خصال كفارة اليمين على تفاوت مراتبها والتخيير بين نفرى الحجج وقيل: إنما وقع التخيير بين هذه الثلاثة باعتبار تفاوت الأزمان فالنصف عند الاعتدال وما قاربه وقيام الثلثين أو الأدنى من ثلثي الليل عند الطول وقيام الثلث عند قصر الليل والدليل على التخيير قوله تعالى في أول السورة: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} وللعلماء في إعراب نصفه قولان مشكلان: أحدهما: أنه بدل من الليل ويلزم منه التكرير فإن قوله: قم نصف الليل إلا قليلا هو الثلث فأي حاجة إلى قوله: {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} وإن كان البدل بعد الاستثناء كأنه قال قم أكثر الليل نصفه؛ أي: نصف أكثر الليل أو انقص منه كان ذلك ردا إلى تنصيف مجهول فقوله: قم ثلث الليل كان أخصر فأولى. الوجه الثاني: أن نصف بدل من قليلا وهو مشكل من جهة استثناء النصف، وتسميته قليلا فكيف يكون نصف الشيء قليلا بالنسبة إلى الباقي وهما متساويان فإن كان الباقي كثيرا فالآخر مثله، وإن كان المستثنى قليلا فالآخر مثله فلا يستقيم في إعراب نصفه إلا أن يكون مفعول فعل مضمر دل عليه ما تقدم؛ أي: قم نصفه أو انقص أو زد. ويكون في فائدة الآية التي قبلها وجهان: أحدهما: أنه إرشاد إلى المرتبة العليا وهي قيام أكثر الليل ثم خير بينه وبين ما دونه تخفيفا؛ لأنه تكليف في ابتداء أمر لم يعتادوه، ومنه ما جاء في صفة عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- لما سمع قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حقه: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل". قال نافع: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا، وهذا موافق لما دلت عليه آية أخرى في سورة "والذاريات" في صفة المؤمنين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} ؛ وذلك أن الموفقين إذا أخذوا أنفسهم بقيام الليل واعتادوه صار أشهى إليهم من راحة النوم لولا حظ الطباع البشرية من ذلك القدر القليل. الوجه الثاني: أن يكون المراد من الليل جنس الليالي لا كل ليلة بانفرادها على الصفة التي بينت في الآية الأخرى، وهذا كما يوصى بعض المسافرين؛ لخوف الحر فيقال سر الليل ثم يبين له فيقال ارحل من نصف الليل أو ثلثه أو أوله ويكون قوله تعالى: {إِلَّا قَلِيلًا} استثناء لليالي؛ لأعذار من مرض أو غلبة نوم أو نحو من ذلك. ثم انتقل إلى سورة المدثر فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 1090- وَوالرِّجْزَ ضَمَّ الكَسْرَ حَفْصٌ إِذَا قُلِ إذْ ... وَأَدْبَرَ فَاهْمِزْهُ وَسَكِّنْ "عَـ"ـنِ "ا"جْتِلا يعني راء: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} وفسر المضموم بالأوثان والمكسور بالعذاب، وقال الفراء: إنهما لغتان وإن المعنى فيهما واحد، وقال أبو عبيد: الكسر أفشى اللغتين وأكثرهما، وقال الزجاج: معناهما واحد وتأويلهما اهجر عبادة الأوثان، والرجز في اللغة العذاب قال لله تعالى: "فلما وقع عليهم الرجز" فالمعنى: ما يؤدي إلى عذاب الله فاهجر، قال أبو علي: المعنى: وذا العذاب فاهجر، وقوله: إذا قل إذ؛ يعني: اجعل موضع إذا بالألف إذ بغير ألف واهمز أدبر وسكن الدال لحفص ونافع وحمزة ورمزه في أول البيت الآتي؛ يعني: "والليل إذ أدبر" كتب في المصحف بألف واحدة بين الذال والدال فجعلها هؤلاء صورة الهمزة من أدبر وجعلوا إذ ظرفا لما مضى وجعل باقي القراء الألف من تمام كلمة إذ وهي ظرف لما يستقبل وقرءوا دبر بفتح الدال على وزن رفع. قال الفراء: هما لغتان يقال أدبر النهار ودبر ودبر الصيف وأدبر وكذلك قبل وأقبل فإذا قالوا: أقبل الراكب أو أدبر لم يقولوه إلا بألف. قال: وإنهما عندي في المعنى لواحد لا أبعد أن يأتي في الرجال ما يأتي في الأزمنة. وقال الزجاج: كلاهما جيد في العربية يقال: دبر الليل وأدبر. وفي كتاب أبي علي عن يونس دبر انقضى، وأدبر: تولى، وقالوا كأمس الدابر وكأمس المدبر قال: والوجهان حسنان. وقال أبو عبيد: كان أبو عمرو يقول: هي لغة قريش: قد دبر الليل، حدثنا حجاج عن هارون أخبرني حنظلة السدوسي ع شهر بن حوشب عن ابن عباس أنه قرأها: "والليل إذا دبر" بجعل الألف مع إذا. قال حنظلة: وسألت الحسن عنها فقال: إذا أدبر فقلت: يا أبا سعيد إنما هي ألف واحدة فقال: فهي إذا "والليل إذا دبر". قال أبو عبيد: جعل الألف مع أدبر، وبالقراءة الأولى نأخذ إذا بالألف دبر بغير ألف؛ لكثرة قرائها، ولأنها أشد موافقة للحرف الذي يليه؛ ألا تراه قال "والصبح إذا أسفر" فكيف يكون في أحدهما إذا وفي الآخر إذ. قال: وفي حرف عبد الله وأبي: حجة لمن جعلها إذا ولمن جعلها أدبر جميعا: حدثنا حجاج عن هارون قال في حرف أبيّ وابن مسعود: "إذا أدبر" قال أبو عبيد: بألفين. قلت: هذه القراءة هي الموافقة لقوله: {إِذَا أَسْفَرَ} موافقة تامة بلفظ إذا والإتيان بالفعل بعدها على وزن أفعل، أما كل واحدة من القراءتين المشهورتين فموافقة له من وجه دون وجه والموافقة بلفظ إذا أولى من الموافقة بلفظ أفعل فإن أفعل وفعل قد ثبت أنهما لغتان بمعنى واحد فكانا سواء، أما إذ وإذا فمتغايران ولا يعرف بعد القسم في القرآن إلا مجيء إذا دون إذ نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} وإذ وإذا في كل ذلك لمجرد الزمان مع قطع النظر عن مضى واستقبال فهو مثل: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ} ، {فَسَوْفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 يَعْلَمُونَ، إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} ، وقد حكى الأهوازي عن عاصم وأبي عمرو رواية: {إِذَا أَدْبَرَ} بألفين والله أعلم. وقول الناظم: قل إذ بكسر اللام على إلقاء حركة همزة إذ عليها بخلاف كسرة النون في قوله: عن اجتلا؛ فإنها كسرت لأجل الساكن بعدها، والمعنى: عن اجتلاء؛ أي: عن كشف وظهور من توجيهه وهو ممدود، فلما وقف عليه سكنت الهمزة، فأبدلت ألفا، فاجتمع ألفان فحذفت إحداهما، وقد سبق ذكر ذلك في شرح أول الخطبة في قوله: أجذم العلا، والفاء في قوله: فاهمز زائدة. 1091- فَبَادِرْ وَفَا مُسْتَنْفِرَه "عَمَّ" فَتْحُهُ ... وَمَا يَذْكُرُونَ الغَيْبَ "خُـ"ـصَّ وَخُلِّلا فبادر من تتمة رمز القراءة السابقة؛ أي: فبادر إليه وقصر لفظ وفا ضرورة: {مُسْتَنْفِرَةٌ} بكسر الفاء بمعنى نافرة وبالفتح نفرها غيرها. قال أبو علي: قال أبو الحسن الكسر في مستنفرة أولى ألا ترى أنه قال: {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} فهذا يدل على أنها هي استنفرت ويقال: نفر واستنفر مثل سخر واستسخر وعجب واستعجب، ومن قال: مستنفرة فكأن القسورة استنفرها أو الرامي، قال أبو عبيد: مستنفِرة ومستنفَرة مذعورة قال: والقسورة الأسد، وقالوا: الرماة. قال ابن سلام: سألت أبا سوار العنبري وكان أعرابيا فصيحا قارئا للقرآن فقلت: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ} ماذا؟ فقال: كأنهم حمر مستنفرة طردها قسورة، فقلت: إنما هو {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} فقال: أفرَّت؟ فقلت: نعم، قال: فمستنفرة. والخلاف في: {وَمَا يَذْكُرُونَ} بالياء والتاء ظاهر، وقد سبق في أول آل عمران معنى قوله: خص وخللا يقال عم بدعوته وخلل؛ أي: خص فجمع الناظم بينهما؛ لاختلاف اللفظين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 من سورة القيامة إلى سورة النبأ : لا تعلُّق لسورة القيامة بما بعدها، فكان ينبغي إفرادها، ثم يقول: هل أتى، والمرسلات؛ لاتصالهما في نظمه والله أعلم. 1092- وَرَا بَرَق افْتَحْ "آ"مِنًا يَذَرُونَ مَعْ ... يُحِبُّونَ "حَقٌّ كَـ"ـفَّ يُمْنَى "عَـ"ـلا عَلا يريد: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} ؛ أي: شخص وتحير قال الأخفش: المكسورة في كلام العرب أكثر والمفتوحة لغة، قال أبو عبيدة: القراءة عندنا بالكسر؛ لأنها اللغة السائرة المتعالية، والغيبة في: "يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ، وَيَذَرُونَ الْآخِرَةَ"، والخطاب فيهما ظاهران، ومعنى "آمنا"؛ أي: آمنا من البرق يوم القيامة أو آمنا من النازع فيه، وقوله: "حق" كف؛ لأن الحق أبدا يدفع الباطل؛ لأن في أول الجملة حرف الردع وهو "كلا" ومعناه الزجر والكف، أما تمنى فالضمير فيه للمنى إن قرئ بالياء على التذكير وإن قريء بالتأنيث فالضمير للنطفة كما أنه في سورة النجم كذلك، وهو: {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} ، ومعناه تُصب وتُراق في الرحم وعلا بالضم مفعول علا مقدم عليه أو هو خبره، "يُمْنَى"؛ أي: ذو علا؛ أي: عالٍ بالتذكير. 1093- سَلاسِلَ نَوِّنْ "إِ"ذْ رَوَوَا "صَـ"ـرْفَهُ "لَـ"ـنا ... وَبَالقَصْرِ قِفْ "مِـ"ـنْ "عَـ"ـنْ "هُـ"ـدىً خُلْفُهُمْ "فَـ"ـلا سلاسل على وزن دراهم وهو ممنوع من الصرف على اللغة المشهورة، ولكنه كتب في المصاحف بألف بعد اللام كما كتب في الأحزاب: "الظُّنُونَا"، و"الرَّسُولا"، و"السَّبِيلا" فالمتابعة لخط المصحف اقتضت إثبات تلك الألف في الأحزاب في الوصل، ولم يمكن تنوينها؛ لأجل أن كل كلمة منها فيها الألف واللام فالتنوين لا يجتمع معها، أما في: "سَلاسِلا" فأمكن قبوله للتنوين على لغة من يصرف ذلك. قال أبو علي: قال أبو الحسن: "سَلاسِلا" منونة في الوصل والسكت على لغة من يصرف نحو ذا من العرب قال: وسمعنا من العرب من يصرف هذا ويصرف جميع ما لا ينصرف، وقال: هذا لغة الشعراء؛ لأنهم اضطروا إليه في الشعر فصرفوه، فجرت ألسنتهم على ذلك، وقال مكي: حكى الكسائي أن بعض العرب يصرفون كل ما لا ينصرف إلا أفعل منك، قال ابن القشيري: صرف ما لا ينصرف سهل عند العرب، قال الكسائي: هو لغة من يجري الأسماء كلها إلا قولهم: هو أظرف منك؛ فإنهم لا يجرونه. قلت: القرآن العربي فيه من جميع لغات العرب؛ لأنه أنزل عليهم كافة وأبيح لهم أن يقرءوه على لغاتهم المختلفة فاختلفت القراءات فيه لذلك، فلما كتبت المصاحف هجرت تلك القراءات كلها إلا ما كان منها موافقا لخط المصحف؛ فإنه بقي كقراءة: {إِنْ هَذَانِ} كما سبق ومثل هذا التنوين فإن كتابة الألف في آخر الاسم المنصوب يشعر بالتنوين وقد بينا هذه القاعدة وقررناها في كتاب الأحرف السبعة الملقب بالمرشد الوجيز، وقد وجهت هذه اللغة بأنه أصل الكلام وعلة الجمع ضعيفة في اقتضاء منع الصرف بدليل صرف باقي أبنية الجموع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 وكونه لا نظير له في الآحاد غير مقتضٍ لمنع الصرف بدليل العلم المرتجل الذي لا نظير له في أسماء الأجناس يقاس عليه لا بمنع الصرف وفيه علتان؛ العلمية وكونه لا نظير له، وهذا كان أولى بالمانعية؛ لأن العلمية مانعة في مواضع بشرطها والجمع غير معروف منه منع الصرف إلا في هذا الموضع المتنازع فيه فهذا الوجه من القياس مقوٍّ لهذه اللغة المسموعة. ووجه آخر: قال أبو علي: إن هذه الجموع أشبهت الآحاد؛ لأنهم قد قالوا صواحبات يوسف فلما جمع جمع الآحاد المنصرفة جعلوه في حكمها فصرفوها فهذا معنى قوله: إذ رووا صرفه لنا، وقال الزجاج: الأجود في العربية أن لا يصرف سلاسل ولكن لما جعلت رأس آية صرفت؛ ليكون آخر الآي على لفظ واحد. قلت: ادعاء أن سلاسل رأس آية بعيد، ولكن الممكن أن يقال: المعرف به في القرآن هو اللغة الفصيحة وهو منع صرف هذا الوزن من المجموع بدليل صوامع ومساجد، وإنما عدل عن اللغة المشهورة في سلاسل إرادة التناسب لما ذكر معها من قوله: {وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا} . فإن قلتَ: فكان ينبغي على هذا صرف "صوامع"، و"مساجد"؛ ليشاكلا لفظ {وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} من قوله تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} قلتُ: إنما فعل ذلك في المنصوب خاصة؛ لأن المناسبة تحصل فيه وقفا ووصلا فإن المنون يوقف عليه بالألف، فكان الرسم الألف دالا على الأمرين، أما غر المنصوب فإنه يوقف عليه بالسكون منونا كان أو غير منون فلا حاجة تدعو إلى صرفه لأجل المناسبة وصلا، والمناسبة في الوقف مهمة بل هي العمدة في ذلك بدليل أن جماعة ممن لم ينون في الوصل يثبت الألف في الوقف، ونظير هذا الموضع قراءة من قرأ في سورة نوح: "ولا يغوثًا ويعوقًا" بالتنوين؛ لأجل أن قبله: {وَدًّا وَلا سُوَاعًا} ، وبعده: "وَنَسْرًا"، وهذا تعليل الزمخشري في ذلك فإنه قال لعله قصد الازدواج فصرفهما؛ لمصادفته أخواتهما منصرفات كما قرئ: {وَضُحَاهَا} بالإمالة؛ لوقوعه مع الممالات للازدواج هذا قوله: هنا ويجيء مثل ذلك في: "سَلاسِلا" وهو وجه سائغ فعدل عن ذلك لما وصل إليه، وقال: فيه وجهان: أحدهما: أن تكون هذه النون بدلا من حرف الإطلاق ويجري الوصل مجرى الوقف. والثاني: أن يكون صاحب هذه القراءة ممن درى برواية الشعر ومرن لسانه على صرف غير المنصرف. قال الشيخ: هذا كلام صدر عن سوء الظن بالقراءة، وعدم معرفته بطريقتهم في اتباع النقل. قلتُ: هذا جواب الوجه الثاني. وأما الوجه الأول: فالتنوين الذي حمله عليه يسمى بتنوين الترنم النائب مناب حرف الإطلاق ولا يستقيم ذلك هنا فإن ذلك التنوين ثابت وقفا وهذا مبدل منه ألف في الوقف وكل تنوين أبدل منه ألف في الوقف فهو تنوين الصرف ولو كان هذا التنوين في كلمات الأحزاب: "الظُّنُونَا"، و"الرَّسُولا"، و"السَّبِيلا" لكان تنوين الترنم فإن الألف في الوقف ألف الإطلاق فلتكن النون القائمة مقامه كذلك ولو كان هذا التنوين ثابتا في سلاسل وقفا كما هو ثابت وصلا لأمكن فيه ذلك على أنه لغة ضعيفة أيضا قال أبو الحسن الأخفش: لا يجوز في: "الظُّنُونَا" وشبهه تنوين الأعلى لغة من ينون في القوافي قال: ولا تعجبني تلك اللغة؛ لأنها ليست لغة أهل الحجاز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 714 قلت: فكل من نون: "سَلاسِلا" في الوصل وقف عليه بالألف ومن لم ينون وصلا اختلفوا؛ فمنهم من وقف على اللام ساكنة وهو الذي عبر عنه بالقصر، وهذا قياس قراءتهم في الوصل وهم حمزة وقنبل بلا خلاف والبزي وحفص وابن ذكوان بخلاف عنهم ومنهم من وقف بألف؛ اتباعا للرسم وهم أبو عمرو، وهؤلاء الرواة الثلاثة في وجههم الثاني، وتكون ألف الوقف عند هؤلاء ألف الإطلاق كالتي في "الظنونا" وشبهه، وعن في قول الناظم من عن اسم كالتي في قول القطامي: من عن يمين الجبيا أي: نشأ للواقف بالقصر القصر من جانب هدى خلفهم وفلا من قولهم: فلوته؛ أي: ربيته أو بمعنى فصل من فلوته عن أمه؛ أي: فصلته وفطمته أو بمعنى تدبر من فليت الشعر إذا تدبرته واستخرجت معناه، قال الفراء: كتبت: "سَلاسِلا" بالألف فأجراها بعض القراء لمكان الألف التي في آخرها ولم يجرها بعضهم، وقال الذي لم يجرها: العرب تثبت فيما لا يجري الألف في النصب، فإذا وصلوا حذفوا الألف قال: وكلٌّ صواب. 1094- "زَ"كا وَقَوَارِيرًا فَنَوِّنْهُ "إِ"ذْ "دَ"نَا ... "رِ"ضَا "صَـ"ـرْفِهِ وَاقْصُرْهُ فِي الوَقْفِ "فَـ"ـيْصَلا زكا من تتمة رمز الواقفين بالقصر في "سلاسل"، والكلام في تنوين: {كَانَتْ قَوَارِيرَا} والوقف عليها بالألف وبالقصر كما سبق في "سلاسلا"، وزاد الوقف بالألف هنا حسنا كونه رأس آية فلهذا لم يقصره في الوقف إلا حمزة وحده، وأجمعوا على ترك صرف الذي في النمل: {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} . 1095- وَفِي الثَّانِ نَوِّنْ "إِ"ذْ "رَ"وَوْا "صَـ"ـرْفَهُ وَقُلْ ... يَمُدُّ هِشَامٌ وَاقِفًا مَعْهُمُ وِلا يعني: {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} ، ولكونه ليس برأس آية لم يقف عليه بالألف ممن لم ينون في الوصل إلا هشام، أما من نونه فوقف عليه بالألف المبدلة من التنوين فلهذا قال: واقفا معهم؛ أي: مع المنونين، وولا بالكسر؛ أي: متابعة للرسم فإنه بالألف في أكثر المصاحف كالذي قبله، قال الفراء: ثبتت الألف في الأولى؛ لأنها رأس آية، والأخرى ليس برأس آية فكان ثبات الألف في الأولى أقوى وكذلك رأيتها في مصحف عبد الله بن مسعود، وقرأ بها أهل البصرة وكتبوها في مصاحفهم كذلك، وأهل الكوفة وأهل المدينة يثبتون الألف فيها جميعا وكأنهم استوحشوا أن يكتب حرف واحد في معنى نصب بكتابتين مختلفتين قال: وإن شئت أجريتهما جميعا وإن شئت لم تجرهما وإن شئت أجريت الأولى لمكان الألف في كتاب أهل البصرة ولم تجر الثانية؛ إذ لم تكن فيها الألف، واختار أبو عبيد: "سَلاسِلا"، و"قواريرًا قواريرًا" كلهن بإثبات الألف والتنوين قال: وكذلك هي في مصاحف أهل الحجاز والكوفة بالألف، ورأيتها في الذي يقال إنه الإمام مصحف عثمان بن عفان: "قَوَارِيرَا" الأولى مثبتة والثانية كانت بالألف فحُكَّت ورأيت أثرها بيِّنًا هناك، وقال الزجاج: قرئت "قوارير" غير مصروفة، وهذا الاختيار عند النحويين، ومن قرأ بصرف الأول فلأنه رأس آية وترك صرف الثاني؛ لأنه ليس بآخر آية، ومن صرف الثاني أتبع اللفظ اللفظ؛ لأن العرب ربما قلبت إعراب الشيء؛ ليتبع اللفظ اللفظ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 فيقولون: جحرُ ضبٍّ خربٍ، وإنما الخرب من نعت الجحر فكيف بما يترك صرفه وجميع ما يترك صرفه يجوز صرفه في الشعر؛ يعني: فأمره في المتابعة أخف من غيره، وقال الزمخشري: هذا التنوين بدلا من ألف الإطلاق؛ لأنه فاصلة، وقد سبق بيان فساد هذا القول، ثم قال: وفي الثاني لاتِّباعه الأول، وذكر أبو عبيد وغيره أن في مصاحف البصرة الأول بألف والثاني بغير ألف، وبعضهم ذكر أن الأول أيضا بغير ألف في بعض المصاحف وهذا هو الظاهر. 1096- وَعَالِيهِمُ اسْكِنْ وَاكْسِرِ الضَّمَّ "إِ"ذْ "فَـ"ـشَا ... وَخُضْرٌ بِرَفْعِ الْخَفْضِ "عَـ"ـمَّ "حُـ"ـلًا "عُـ"ـلا يجوز أن يحرك الميم من عاليهم في البيت بالحركات الثلاثة؛ لضرورة الوزن وإلا فهي ساكنة في لفظ القرآن أو موصولة بواو عند من مذهبه ذلك، وإنما لفظ به الناظم على قراءة من أسكن الياء وكسر الهاء وليست الصلة من مذهب من قرأ كذلك فلم يبق أن يكون لفظ به إلا على قراءة إسكان الميم، وحينئذ يجوز فتحها بنقل حركة همزة أسكن إليها وكسرها؛ لالتقاء الساكنين على تقدير أن يكون وصل همزة القطع وضها؛ لأنها حركتها الأصلية عند الصلة فهي أولى من حركة مستعارة يريد: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ} ؛ أي: الذي يعلوهم ثياب من سندس فهو مبتدأ وخبر، وقراءة الباقين بنصب الياء وضم الهاء وهو حال من قوله: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} ، ومن: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا} هذا قول أبي علي، وأجاز الزجاج أن يكون حالا من الضمير في عليهم أو من الولدان وتبعه الزمخشري في ذلك وزاد وجها آخر وهو: أن يكون التقدير: رأيت أهل نعيم عاليهم وثياب سندس مرفوع به، وقد أجيز أن يكون عاليهم ظرفا كأنه لما كان عالٍ بمعنى فوق أجرى مجراه فهو كقولك: فوقهم ثياب وخضر بالرفع صفة لثياب وبالجر صفة لسندس، وجاز ذلك وإن كان سندس مفردا وخضر جمعا لما كان السندس راجعا إلى جمع وهو الثياب والمفرد إذا أريد به الجمع جاز وصفه بالجمع نحو: {عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} ومن هذا الإخبار عن المفرد والجمع نحو ما سبق في قراءة نافع وحمزة: "عاليهم ثياب" وعكسه قول الشاعر: ألا إن جيران العشية رابح وحلا البيت تمييز أو حال؛ أي: عمت حلاة أو عم ذا حلاه أخبر عن خضر بأنه عم حلاه وبأنه علا فهما جملتان، وقوله: برفع الخفض متعلق بأحدهما والله أعلم. 1097- وَإِسْتَبْرَقَ "حِرْمِيُّ نَـ"ـصْرٍ وَخَاطَبُوا ... تَشَاءُونَ "حِصْنٌ" وُقِّتَتْ وَاوُهُ "حَـ"ـلا أي: ورفع خفض إستبرق لهؤلاء ووجه الرفع العطف على ثياب؛ أي: وثياب استبرق فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وقرأ الباقون بالجر عطفا على سندس؛ أي: ثياب هذين النوعين فصار في هاتين الكلمتين خضر وإستبرق أربع قراءات رفعهما لنافع، وحفص خفضهما لحمزة والكسائي خفض خضر ورفع استبرق لابن كثير وأبي بكر عكسه رفع خضر وجر إستبرق لأبي عمرو وابن عامر وهو أجود هذه القراءات الأربع واختاره أبو عبيد، قال أبو علي: هو أوجه هذه الوجوه؛ لأن خضر صفة مجموعة لموصوف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 مجموع واستبرق جنس أضيف إليه الشاب كما أضيف إلى سندس كما تقول ثيابا خز وكتان، ودل على ذلك قوله تعالى في سورة الكهف: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} 1. وأما: {وَمَا تَشَاءُونَ} بالغيب والخطاب فظاهر، وحصنا حال من فاعل خاطبوا أو مفعوله، وهو تشاءون جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه؛ أي: ذوي حصن أو ذا حصن، وقرأ أبو عمرو وحده: "وإذا الرسل وقتت" بالواو وهو أصل الكلمة؛ لأنها من الوقت قال الفراء: أي: جمعت لوقتها يوم القيامة، وقال الزجاج: جُعِلَ لها وقت وأجل للفصل والقضاء بين الأمم، وقال أبو علي: جعل يوم الدين والفصل لها وقتا كما قال: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} 2. وقال الزمخشري: معنى توقيت الرسل؛ أي: تبيين وقتهم الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم. قلت: كأنه -والله أعلم- بعد الوقوف من طول ذلك اليوم ومعاينة ما فيه من الأهوال الواقعة بالسماء والكواكب والجبال وغيرها، ووقوع الخلائق في ذلك الكرب العظيم الذي يطلبون الخلاص منه لسرعة الفصل بينهم، فيقصدون الرسل لذلك على ما جاء في حديث الشفاعة، فحينئذ والله أعلم يبين لهم وقت الفصل بينهم، وقوله: {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} تعظيم للوقت الذي يقع فيه الفصل والجزاء والمراد باليوم الحين والزمان ولطول يوم القيامة يعبر عن الوقت فيه ثم بين الناظم قراءة الباقين فقال: 1098- وَبِالْهَمْزِ بَاقِيهِمْ قَدَرْنَا ثَقِيلًا "ا"ذْ ... "رَ"سا وَجِمالاتٌ فَوَحِّدْ "شَـ"ـذًا "عَـ"ـلا أي: همزوا الواو من وقتت فصارت همزة مضمومة وتلك لغة في كل واو مضمومة قالوا في وجوه: أجوه وفي وعد أعد، واختار هذه القراءة أبو عبيد؛ لموافقة الكتاب مع كثرة قرائها وهي أيضا موافقة لقوله: أجلت وثقل نافع والكسائي "فقدرنا"، وخفف الباقون لقوله: {فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} ، ووجه التثقيل: قوله: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} أجمع على تشديده؛ أي: {فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} نحن عل تقديره وقيل: المخفف والمشدد بمعنى واحد وجمالات جمع جمالة وجمالة جمع جمل كجارة في جمع حجر، وقيل: جمالات جمع جمال كرجالات في جمع رجال، ووجه القراءتين ظاهر ومضى معنى شذا علا:   1 آية: 31. 2 سورة الدخان، آية: 40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 من سورة النبأ إلى سورة العلق : لا تعلق لما نظمه في سورة النبأ بما بعدهما، والنازعات وعبس متصلتان. وكذا التكوير والانفطار، وسورة المطففين منفردة، وكذا الانشقاق، ومن سورة البروج إلى العلق متصل، وفيها سور لم يذكر لها خلفا متجددا، كما سبق التنبيه عليه في سورة الجمعة، وهي: والطارق، والليل، والضحى، وألم نشرح، والتين، ولكنها لا تخلو من خلاف مر ذكره في الأصول وغيرها، والله أعلم. 1099- وَقُلْ لابِثِينَ القَصْرُ "فَـ"ـاشٍ وقُلْ وَلا ... كِذَابًا بِتَخْفِيفِ الكِسَائِيِّ أَقْبَلا أي: القصر فيه يريد: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} فلابثٌ ولبِثٌ من باب حاذر حذر وفارهٌ وفرِهٌ، وقد مضيا في سورة الشعراء، ومنه طامعٌ وطمِعٌ، وقال الزمخشري: اللبث أقوى؛ لأن اللابث من وجد منه اللبث ولا يقال لبث إلا لمن شأنه اللبث، كالذي يجثم بالمكان لا يكاد ينفك منه، وقال الفراء: أجود الوجهين بالألف؛ يعني: لأجل نصب ما بعده؛ لأن إعمال ما كان على وزن فاعل أكثر من إعمال فعل، أما "كذابا" بالتخفيف فمصدر كذب مثل كتب كتابا وبالتشديد مصدر كذب مثل كلم كلاما وفسر فسارا، وموضع الخلاف قوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا} ؛ يعني: أهل الجنة جعلنا الله منهم لا يسمعون فيها كذبا ولا تكذيبا، وقيده الناظم بقوله: ولا؛ احترازا من النهي قبله: {وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّابًا} فهو مجم على تشديده؛ لأن فعله معه وقال الزمخشري: فعال في باب فعل كله فاشٍ في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره، وسمعني بعضهم أفسر آية فقال: لقد فسرتها فِسارا ما سُمع بمثله. 1100- وَفي رَفْعِ يَا رَبُّ السَّموَاتِ خَفْضُهُ ... "ذَ"لُولٌ وَفِى الرَّحْمنِ "نَا"مِيهِ "كَـ"ـمَّلا أي: خفض الباء من "رب السموات" للكوفيين وابن عامر وحفص النون من "الرحمن" لعاصم وابن عامر فخفضهما على البدل من ربك، ويجوز في "الرحمن" أن يكون صفة أو عطف بيان ومن رفعهما كان على تقدير هو رب السموات الرحمن أو يكون "رب" مبتدأ "والرحمن" خبره أو "الرحمن" نعته أو عطف بيان له "ولا يملكون" خبره، ومن غاير بينهما وهو حمزة والكسائي خفضا باء "رب" على البدل ورفع "الرحمن" على الابتداء "ولا يملكون" خبره أو على تقدير هو الرحمن واستئناف لا يملكون وتقدير البيت وخفض الرفع في الرحمن ناقله كملا؛ لأنه كمل الخفض في الحرفين معا يقال نميت الحديث إذا بلغته والله أعلم. 1101- وَنَاخِرَةً بِالْمَدِّ "صُحْبَتُـ"ـهُمْ وَفي ... تَزَكَّى تَصَدَّى الثَّانِ "حِرْمِيٌّ" اثْقَلا نخزة وناخزة واحد؛ أي: بالية وفي قراءة القصر زيادة مبالغة وفي قراءة المد مؤاخاة رءوس الآي قبلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 وبعدها، أما: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} ، وفي سورة عبس: {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى} ، فثقل الحرميان الحرف الثاني من الكلمتين وهما الزاي والصاد فهذا معنى قوله: الثاني؛ أي: ثاني حروفهما، والأصل تتزكى وتتصدى بتاءين فمن ثقل أدغم، ومن خفف حذف على ما سبق في: "تظاهرون" وتقدير حرمي أثقل الحرف الثاني في تزكى وتصدى فقوله: الثاني مفعول أثقلا والألف في أثقل يجوز أن تكون للإطلاق وأن تكون ضمير التثنية حملا على لفظ حرمي؛ فإنه مفرد، وعلى معناه لأن مدلوله اثنان، وألقى حركة همزة أثقلا على تنوين حرمي وحذف الياء من الثانِ ولم يفتحها وهو مفعول به ضرورة، وجاء لفظ الثاني منها ملبسا على المبتدئ يظن أن تصدى موضعان الخلاف في الثاني فيهما وإنما ذكر الثاني هنا كقوله: ءآلهة كوف يحقق ثانيا؛ أي: ثاني حروفه، ولأجل أن مراده أثقلا الحرف الثاني في هاتين الكلمتين عدل إلى حرف في عن أن يقول وأن تزكي على لفظ التلاوة والله أعلم. 1102- فَتَنْفَعُهُ فِي رَفْعِهِ نَصْبُ عَاصِمٍ ... وَأَنَّا صَبَبْنا فَتْحُهُ "ثَـ"ـبْتُهُ تَلا الرفع عطف على يذكروا والنصب على أنه جواب الترجي من: {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} كما تقدم من: {فَاطَّلَعَ} 1في سورة غافر. {أَنَّا صَبَبْنَا} 2 كسرة على الابتداء وفتحه على أنه بدل من طعامه؛ أي: فلينظر إلى أصل طعامه قال أبو علي: هو بدل اشتمال؛ لأن هذه الأشياء تشتمل على كون الطعام وحدوثه فهو على نحو: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 3. {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} 4 بالنار. {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} 5؛ لأن الذاكرة كالمشتمل على المذكور وقال: {إِلَى طَعَامِهِ} ، والمعنى إلى كونه وحدوثه وهو موضع الاعتبار، وأنا صببنا في البيت مبتدأ وثبته مبتدأ ثانٍ وفتحه مفعول تلا ومعنى ثبته؛ أي: ناقله وقارئه الثبت يقال: رجل ثبت بسكون الباء؛ أي: ثابت القلب ويقال هذا شيء ليس بثبت بفتح الباء؛ أي: ليس بحجة والله أعلم.   1 آية: 6. 2 آية: 37. 3 سورة البقرة، آية: 217. 4 سورة البروج، آية: 4. 5 سورة الكهف، آية: 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 1103- وَخَفَّفَ "حَقٌّ" سُجِّرَتْ ثِقْلُ نُشِّرْتْ ... "شَـ"ـرِيعَةُ "حَقٍّ" سُعِّرَتْ "عَـ"ـنْ "أُ"ولِى "مَـ"ـلا التخفيف في هذه الكلمات الثلاثة والتشديد سبق لها نظائر، ولم يبين القراءة المرموزة في "سعرت" إحالة على ما نص عليه في الحرف قبلها وهو الثقل فهو مثل ما أحال: "سكرت" في أول الحجر على ما قبله وهو ورب خفيف، والملأ الأشراف والرؤساء يشير إلى أن هذه القراءة مأخوذة عن جماعة أصحاب شيوخ أكابر أخذوها عنهم. 1104- وَظَا بِضَنِينٍ "حَـ"ـقُّ "رَ"اوٍ وَخَفَّ فِي ... فَعَدَّلَكَ للْكُوفِي وَ"حَقُّـ"ـكَ يَوْمُ لا الأولى أن نكتب بضنين بالضاد لوجهين: أحدهما: أنها هكذا كتبت في المصاحف الأئمة قال الشاطبي -رحمه الله- في قصيدة الرسم: والضاد في بضنين تجمع البشر والثاني: أن يكون قد لفظ بالقراءة الأخرى فإن الضاد والظاء ليسا في اصطلاحه ضدين. فإن قلت: فكيف تصح حينئذ إضافة الظاء إلى هذا اللفظ وليس فيه ظاء؟ قلت: يصح ذلك من جهة أن هذا اللفظ يستحق هذا الحرف باعتبار القراءة الأخرى، ولهذا يجوز لك أن تقرأ قوله: في سورة النساء: "ويا سوف تؤتيهم" عزير بالنون ومعنى بظنين بالظاء من الظنة وهي التهمة؛ أي: ما هو بمتهم على ما لديه من علم الغيب الذي يأتيه من قبل الله تعالى ومعناه بالضاد ببخيل؛ أي: لا يبخل بشيء منه بل يبلغه كما أمر به؛ امتثالا لأمر الله تعالى وحرصا على نصح الأمة وعلى هذه القراءة بمعنى الباء وذلك ثابت لغة، وقد سبق في شرح قول: وليس على قرانه متأكلا، ويكون سبب العدول عن الباء إليها استقامة معناها على القراءتين أو كراهة؛ لتكرار الباء لو قيل: "بالغيب بضنين" وقال الفراء في تفسير بضنين: يقول يأتيه غيب السماء وهو منقوش فيه فلا يبخل به عليكم ولا يضن به عنكم، وقيل: المعنى إنه جامع لوصفين جليلين وهما الاطلاع على علم الغيب وعدم البخل كما تقول: هو على علمه شجاع؛ أي: جامع للوصفين، واختار أبو عبيد القراءة بالظاء وقال: إنهم لم يبخلوه فيحتاج إلى أنه ينفي عنه ذلك البخل إنما كان المشركون يكذبون به فأخبرهم الله تعالى أنه ليس بمتهم على الغيب، وجواب هذا أن يقال: وصفه الله تعالى بذلك؛ لحرصه على التبليغ وقيامه لما أمر به ولا يتوقف نفي البخل عنه على رميهم إياه به. فإن قلت: إذا كانت الكتابة بالضاد فكيف ساغ مخالفتها إلى الظاء. قلت: باعتبار النقل الصحيح كما قرأ أبو عمرو: "وقتت" بالواو مع أن أبا عبيد قد أجاب عن هذا فقال: ليس هذا بخلاف الكتاب؛ لأن الضاد والظاء لا يختلف خطهما في المصاحف إلا بزيادة رأس إحداهما على رأس الأخرى قال فهذا قد يتشابه في خط المصحف ويتدانى، قال الشيخ: صدق أبو عبيد؛ فإن الخط القديم على ما وصف، وقال الزمخشري: هو في مصحف عبد الله بالطاء وفي مصحف أبي بالضاد وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بهما وإتقان الفصل بين الضاد والظاء واجب ومعرفة مخرجيهما مما لا بد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 منه للقارئ فإن أكثر العجم لا يفرقون بين الحرفين فإن فرقوا ففرقا غير صواب وبينهما بون بعيد ثم ذكر مخرجيهما على ما سيأتي بيانه في باب مخارج الحروف، ثم قال: ولو استوى الحرفان لما ثبت في هذه الكلمة قراءتان اثنتان ولا اختلاف بين جبلين من جبال العلم والقراءة، ولما اختلف المعنى والاشتقاق والتركيب قلت: وقد صنفت مصنفات في الفرق بين الضاد والظاء مطلقا وحصرت كلمات الحرفين، ونظم جماعة من شيوخ القراءة ما في القرآن العظيم من الظاءات فيعلم بذلك أن ما عدا ما نظموه يكون بالضاد وقد ذكرت في ذلك فصلا بديعا في مختصر تاريخ دمشق في ترجمة عبد الرزاق بن علي في حرف العين وقوله: فعدلك بالتخفيف؛ أي: عدل بعضك ببعض فكنت معتدل الخلقة متناسبها فلا تفاوت فيها، قال عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه: وعدلنا ميل بدر فاعتدلْ وبالتشديد معناه قومك وحسنك وجعلك معتدلا فهما متقاربان ومعنى البيت خف الكوفي في قراءة فعدلك بالتخفيف ثم قال وحقك: "يوم لا"؛ يعني: رفع: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ} ؛ لأنه بدل من يوم الذي قبله أو على تقدير هو يوم لا تملك والنصب على تقدير تدانون؛ أي: تجازون يوم كذا؛ لأن لفظ الدين بدل عليه أو بإضمار أعني أو على تقدير اذكر وقيل: بدل من: {يَوْمِ الدِّينِ} الذي بعد: {يَْلَوْنَهَا} وقيل: ومبنى لإضافته إلى "لا" كما تقدم في مثل ما فيجوز على هذا أن تكون على ما تقدم من وجهي الرفع ووجوه النصب قال الشيخ وقوله: وحقك يوم لا أضاف يوم إلى لا؛ لأن اليوم مصاحب لها. قلت لا حاجة إلى هذا الاعتذار فإنه حكاية لفظ القرآن وقيدها بذلك؛ احترازا من ثلاثة قبلها مضافة إلى الدين 1105- وَفِي فَاكهِينَ اقْصُرْ "عُـ"ـلًا وَخِتامُهُ ... بِفَتْحٍ وَقَدِّمْ مَدَّهُ "رَ"اشِدًا وَلا فاكهين وفكهين واحد المد والقصر كما سبق في لابثين ولبثين وفارهين وفرهين؛ أي: انقلبوا معجبين متنعمين متلذذين فرحين. وأما: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} فقرأه الكسائي بفتح الخاء وقدم الألف على التاء فصار خاتمه كما قرأ عاصم {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} قال الفراء: الخاتمة والختام متقاربان في المعنى إلا أن الخاتم الاسم والختام المصدر قال أبو علي: خاتمه آخره وختامه عاقبته والمراد لذاذة المقطع وذكاء الرائحة وأرجها مع طيب الطعم وعن سعيد بن جبير ختامه آخر طعمه، وقوله: ولا بفتح الواو؛ أي: ذا ولاء؛ أي: نصر لهذه القراءة؛ لأن أبا عبيد كرهها، وقال: حجة الكسائي فيها حديث كان يرويه عن علي ولو ثبت عن علي لكان فيها حجة، ولكنه عندنا لا يصح عنه قلت: قد أسند الفراء في كتاب المعاني عن علي وعلقمة فقال: حدثني محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي أنه قرأ: "خاتمه مسك"، قال: وحدثنا أبو الأحوص عن أشهب بن أبي الشعثاء المحاربي قال: قرأ علقمة بن قيس: "خاتمه مسك"، وقال: أما رأيت المرأة تقول للعطار اجعل لي خاتمه مسكا تريد آخره وتفسيره أن الشارب يجد آخر كأسه ريح المسك والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 1106- يُصَلَّى ثَقِيلًا ضمَّ "عَمَّ رِ"ضًا "دَ"نَا ... وَبَا تَرْكَبَنَّ اضْمُمْ "حَـ"ـيًّا "عَمَّ نُـ"ـهَّلا ضم فعل ما لم يسمَّ فاعله في موضع الحال أيضا؛ أي: مضموم الياء، وعم: خبر يصلى؛ أي: عم رضاه أو ذا رضى، وقراءة الباقين: {يَصْلَى سَعِيرًا} مضارع صلى كما قال تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا} ، ثم قال: اضمم باء: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا} ذا حيا ولحيا بالقصر الغيث ونهلا جمع ناهل وهو الشارب؛ أي: مشبها حيا عام النفع وهو خطاب للإنسان فهو يفتح الباء على اللفظ وبضمها؛ لأن المراد بالإنسان المخاطب الجنس، ومعنى: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} ؛ أي: حالا بعد حال من شدائد أحوال القيامة وأهوال مواقفها، قيل: هي خمسون موقفا كل حالة منها مطابقة للأخرى في الشدة والهول وقيل: غير ذلك والله أعلم. وفي نظم هذا البيت نظر في موضعين: أحدهما "يصلى" فإنه لم ينص عى فتح الصاد ولا سكونها، والثاني قوله: وبا "تَرْكَبُنَّ" ولم يقيد لفظ الباء بما تتميز به من التاء وكلمة تركبن فيها الحرفان وكل واحد منهما قابل للخلاف المذكور وكان يمكنه أن يقول: يصلى بيصلى عم دم رم وتركبن ... بالضم قبل النون حز عم نهلا 1107- وَمَحْفُوظٌ اخْفِضْ رَفْعَهُ "خُـ"ـصَّ وَهْوَ فِي الْـ ... ـمَجِيدِ "شَـ"ـفَا وَالْخِفُّ قَدَّرَ "رُ"تِّلا الخفض نعت للوح وهو موافق لما يطلقه الناس من قولهم: اللوح المحفوظ قرأه نافع بالرفع جعله صفة لقرآن في قوله: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} ؛ أي: هو قرآن مجيد محفوظ في لوح، والضمير في قوله: هو للخفض؛ أي: اخفض رفع: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} فيكون نعتا للعرش، ورفعه على أنه خبر بعد ثلاثة أخبار لقوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ} ، والتخفيف والتشديد في: {قَدَّرَ فَهَدَى} سبق مثله في "والمرسلات" قوله: والخف على تقدير وذو الخف وقدر عطف بيان له أو يكون قدر مفعول والخف نحو الضرب زيدا والله أعلم. 1108- وَبَلْ يُؤْثِرُونَ "حُـ"ـزْ وَتَصْلى يُضَمُّ "حُـ"ـزْ ... "صَـ"ـفَا يُسْمَعُ التَّذْكِيرُ "حَقٌّ" وَذُو جِلا الغيب والخطاب في تؤثرون ظاهران وكذلك: {تَصْلَى نَارًا} بضم التاء وفتحها وتأنيث: "لاغِيَة" غير حقيقي فجاز تذكير الفعل المسند إليها وهو يسمع هذا على قراءة من رفعها، أما من نصبها على المفعولية ففتح التاء من تسمع على ما يأتي وقوله: وذو جلا؛ أي: جلاء بالمد بمعنى انكشاف وظهور، وهو تتمة للبيت والرمز حق وحده. 1109- وَضَمَّ "أَ"ولُوا "حَقٍّ" وَلاغِيَةٌ لَهُمْ ... مُسَيْطِر اشْمِمْ "ضَـ"ـاعَ وَالْخُلْفُ "قُـ"ـلِّلا يعني ضم التاء من تسمع نافع وضم الياء ابن كثير وأبو عمرو فالمجموع ضم أول يسمع ولاغية لهم بالرفع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 722 لأن "تسمع" على قراءة الثلاثة فعل ما لم يسم فاعله وإن كان أوله مختلفا فيه بينهم دائرا بين التاء والياء وقراءة الباقين بتاء الخطاب؛ أي: لا تسمع أنت وأيها السامع فيها لاغية فإن قلتَ: من أين علم ذلك وهو إنما ذكر التذكير فضده التأنيث وهو حاصل في قراءة نافع أما قراءة غيره فبالخطاب؟ قلتُ: لما اشتركوا مع نافع في القراءة بالتاء وإن اختلف مدلولها تأنيثا وخطابا تجوز في أن جعل قراءتهم ضدا للتذكير فهو كما سبق في: {وَلِتَسْتَبِينَ} في سورة الأنعام، ويجوز أن تكون التاء في قراءة الجماعة للتأنيث أيضا على أن يكون فاعلها ضميرا عائدا على الوجوه في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} ؛ أي: لا تسمع تلك الوجوه فيها لاغية، وقوله: أولو حق؛ أي: أصحاب حق، أما: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} فأشم الصاد زايا خلف كما فعل في الصراط وفي المصيطرون في الطور، وعن خلاد في ذلك خلاف ولكون هذه القراءة قد عرفت لخلف وخلاد من سورتي الفاتحة والطور أطلق الإشمام، ولم يبين أنه بالزاي فيحمل هذا المطلق على ذلك المقيد ومعنى ضاع فاح وانتشر، والخلف قللا؛ لأن من المصنفين من لم يذكر لخلاد إلا أحد الوجهين إما الصاد الخالصة كالجماعة وإما الإشمام مثل خلف فذكر الخلاف قليل. 1110- وَبِالسِّينِ "لُـ"ـذْ وَالوَتْرِ بِالكَسْرِ "شَـ"ـائِعٌ ... فَقَدَّرَ يَرْوِي اليَحْصَبْيُّ مُثَقَّلا أي: وقرأ بمصيطر بالسين هشام وحده على أصل الكلمة والباقون بالصاد، وتعليل هذه القراءات كما سبق في الصراط والوتر بكسر الواو وفتحها لغتان، قال أبو عبيد: وبكسر الواو نقرؤها؛ لأنها أكثر في العامة وأفشى ومع هذا إنا تدبرنا الآثار التي جاء فيها ذكر وتر الصلاة فوجدناها كلها بهذه اللغة لم نسمع في شيء منها الوَتر؛ "يعني: بالفتح"، قال: والمعنى فيهما واحد إنما تأويله الفرد الذي هو ضد الشفع، وقال مكي وغيره: الفتح لغة أهل الحجاز والكسر لغة بني تميم. وأما: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} فالتخفيف والتشديد فيه لغتان وهو بمعنى ضيق والتخفيف أكثر في القرآن 1111- وَأَرْبَعُ غَيْبٍ بَعْدَ بَلْ لا "حُـ"ـصُولُها ... يَحُضُّونَ فَتْحُ الضَّمِّ بِالْمَدِّ "ثُـ"ـمِّلا أي: وأربع كلمات تقرأ بالغيبة ثم بيَّن مواضعها، فقال: حصولها بعد لفظ "بل لا" يريد: {كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ، وَلَا تَحَاضُّونَ} ، و"تأكلون"، "وتحبون" انفرد أبو عمرو بقراءة الغيب والباقون بالخطاب ووجهها ظاهر، وقرأ الكوفيون "تحاضون" من المحاضة؛ أي: يحض بعضكم بعضا وأصلها تتحاضون فحذفت التاء الثانية كما في نظائره ومعنى ثملا؛ أي: أصلح؛ أي: فتح ضمه أصلح بالمد؛ لأنه لا يستقيم إلا به ويعني بفتح الضم فتح الحاء المضمومة من تحضون في قراءة الباقين. 1112- يُعَذِّبُ فَافْتَحْهُ وَيُوثِقُ "رَ"اوِيًا ... وَيَاءان فِي رَبِّي وَفُكَّ ارْفَعَنْ وِلا يعني فتح ذال يعذب وثاء يوثق على بناء الفعلين للمفعول والهاء في عذابه للإنسان على قراءة الكسائي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 هذه وقراءة الباقين بكسرهما على بناء الفعلين للفاعل وهو أحد، والهاء في عذابه عائدة على الله تعالى؛ أي: هو متولي الأمور كلها لا معذب سواه؛ أي: إن عذاب من يعذب في الدنيا ليس كعذاب الله، ويجوز أن تكون الهاء عائدة على الإنسان أيضا واختاره الشيخ أبو عمرو؛ ليفيد المعنى زيادة عذاب هذا الإنسان على غيره، وإذا عاد الضمير إلى الله تعالى لم يفد هذا المعنى بخلاف قراءة الفتح فإن على كلا التقديرين يحصل هذا المعنى فإن الهاء إن عادت على الإنسان فظاهر على ما سبق، وإن عادت على الله تعالى كان المعنى لا يعذب أحد مثل تعذيب الله تعالى لهذا الإنسان، واختار أبو عبيد قراءة الفتح وأسند فيها حديثا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: مع صحة المعنى فيها؛ لأن تفسيرها لا يعذب عذاب الكافر أحد ومن قرأ بالكر فإنه يريد لا يعذب عذاب الله -عز وجل- أحد، قال: وقد علم المسلمون أنه ليس يوم القيامة معذِّب سوى الله تعالى فكيف يكون لا يعذب أحد مثل عذابه؟ وأراد بقوله: وياءان في ربي أن هذا اللفظ الذي هو ربي تكرر في هذه السورة في موضعين ففيه ياءان من ياءات الإضافة يريد: "رَبِّي أَكْرَمَنِ"، و"رَبِّي أَهَانَنِي" فتحهما الحرميان وأبو عمرو وفيها أربع زوائد تقدم نظمها في آخر سورة تبارك: "يسري" أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير. "بالوادي" أثبتها في الوصل ورش وفي الوقف ابن كثير على اختلاف عن قنبل. "أكرمني"، و"أهانني" أثبتهما في الوصل نافع وأبو عمرو على اختلاف عنه وفي الوقف البزي والنون في قوله: ارفعن نون التوكيد الخفيفة التي تبدل ألفا في الوقف ومثلها في القرآن "لنسفعن بالناصية" و {لِيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} وولا بالكسر؛ أي: متابعا فهو مفعول من أجله أو التقدير: ذو ولاء فيكون حالا وليست الواو فاصلة فإن المسألة لم تتم بعد؛ أي: ارفع الكاف من قوله تعالى في سورة البلد: {فَكُّ رَقَبَةٍ} لمن يأتي ذكره، ثم ذكر ما يفعله هذا الرافع في رقبة فقال: 1113- وَبَعْدَ اخْفِضَنْ وَاكْسِرْ وَمُدَّ مُنَوِّنًا ... مَعَ الرَّفْعِ إِطْعَامٌ "نَـ"ـدًا "عَمَّ فَـ"ـانْهَلا النون في اخفضن للتوكيد أيضا يريد اخفض الكلمة التي بعد فك وهي رقبة فهي مخفوضة بإضافة فك إليها؛ لأن فك بعد أن كان فعلا ماضيا في القراءة بفتح الكاف صار برفعها اسما مضافا إلى رقبة، وقوله: واكسر؛ يعني: همزة إطعام والمد زيادة ألف بعد العين، والتنوين مع الرفع في الميم فيبقى إطعام معطوفا على فك فهما اسمان في هذه وفي الأخرى هما فعلان ماضيان فقوله: إطعام مفعول اكسر ومد؛ أي: افعل فيه الكسر والمد والتنوين والرفع وقوله: ندا؛ أي: ذا نداء، وقوله: عم فانهلا أراد فانهلن فأبدل من النون ألفا؛ أي: فاشرب يقال منه نهل بكسر الهاء ينهل فوجه هذه القراءة أنها تفسير للعقبة والتقدير: هي فك رقبة أو إطعام، وعلى قراءة الباقين يكون فك رقبة بدلا من: {فَلا اقْتَحَمَ} وما بينهما اعتراض كما قيل: في يوم لا تملك المنصوب أنه بدل من يوم الدين وقد اعترض بينهما جمل في ثلاث آيات: 1114- وَمُؤْصَدَةٌ فَاهْمِزْ مَعًا "عَـ"ـنْ "فَـ"ـتىً "حِـ"ـمىً ... وَلا "عَمَّ" فِي وَالشَّمْسِ بِالْفاءِ وَانْجَلا معا؛ يعني: في سورتي البلد والهمز والهمز في مؤصدة وتركه لغتان وقد تقدم الكلام فيها في باب الهمز المفرد ومعنى مؤصدة مطبقة، وقوله: عن فتى؛ أي: ناقلا له عن فتى حماه، أما: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} في سورة والشمس فقرأها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 نافع وابن عامر بفاء موضع الواو على ما في المصحف المدني والشامي وهو عطف على ما قبله من الجمل المعطوفات بالفاء فقال لهم: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا، وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} ، وقرأ الباقون بالواو على ما في مصاحفهم وهي واو الحال؛ أي: فسواها غير خايف والضمير في ولا يخاف يرجع إلى من رجع إليه الضمير في فسواها وقيل: يرجع إلى الرسول وقيل: يرجع إلى العاقل وقراءة الفاء ترد هذه القول، ومعنى فدمدم عليهم أرجف بهم وقيل: أطبق العذاب عليهم والضمير في فسوها للدمدمة أو لآية ثمود؛ أي: فسوى الدمدمة بينهم أو فسواهم في ذلك لم يفلت منهم أحدا، فقول الناظم: ولا مبتدأ وعم خبره؛ أي: ولا في والشمس عم بالفاء وأنجلا؛ أي: كفا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 من سورة العلق إلى آخر القرآن : لا تعلُّقَ لسورة العلق بما بعدها في نظمه، وسورة القدر ولم يكن متصلتان، وكذا التكاثر والهمزة ولإيلاف والكافرون متصلا في نظمه ثم سورة تبت وما بين ذلك قبله من السور لا خلف فيها إلا ما سبق ذكره في الأصول وغيرها وكذا ما بعد تبَّت. 1115- وَعَنْ قُنْبُلٍ قَصْرًا رَوَى ابْنُ مُجاهِدِ ... رَآهُ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ مُتَعَمِّلا قصرا مفعول روى، ورآه مفعول قصرا؛ لأنه مصدر؛ أي: روى ابن مجاهد عن قنبل قصرا في هذه الكلمة وهي: "أن رأه استغنى" فحذف الألف بين الهمزة والهاء وابن مجاهد هذا هو الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد شيخ القراء بالعراق في وقته وهو أول من صنف في القراءات السبع على ما سبق بيانه في خطبة هذا الكتاب وأوضحناه في كتاب الأحرف السبعة وقد ذكرت من أخباره في ترجمته في مختصر تاريخ بغداد ومات -رحمه الله- سنة أربع وعشرين وثلاث مائة وقد ضعف بعضهم قراءته على قنبل، وقال: إنما أخذ عنه وهو مختلط؛ لكبر سنه على ما ذكرناه في ترجمة قنبل في الشرح الكبير لهذه القصيدة، وقال ابن مجاهد في كتاب السبعة له: قرأت على قنبل أن "رآه" قصرا بغير ألف بعد الهمزة في وزن "رعه" قال وهو غلط لا يجوز إلا "رآه" في وزن رعاه ممالا وغير ممال، فهذا معنى قول الناظم ولم يأخذ به؛ لأنه جعله غلطا ومعنى متعملا؛ أي: عاملا يقال عمل واعتمل وتعمل فيجوز أن يكون حالا من ابن مجاهد وهو ظاهر، ويجوز أن يكون مفعولا به؛ أي: م يأخذ به على أحد قرأ عليه والمتعمل طالب العلم الآخذ نفسه به يقال: تعمل فلان لكذا وسوف أتعمل في حاجتك؛ أي: أتعنى وهذا كالمتفقه والمتنسك؛ أي: لم يطالب أحدا من تلامذته بالقراءة به وهذه العبارة غالبة في ألفاظ شيوخ القراء يقول قائلهم: به قرأت وبه آخذ؛ أي: وبه أقرئ غيري. وقال الشيخ الشاطبي -رحمه الله- فيما قرأته بخط شيخنا أبي الحسن -رحمه الله- رأيت أشياخنا يأخذون فيه بما ثبت عن قنبل من القصر خلاف ما اختاره ابن مجاهد. وقرأت في حاشية النسخة المقروءة على الناظم -رحمه الله: زعم ابن مجاهد أنه قرأ بهذا عليه؛ أي: على قنبل ورده ورآه غلطا هكذا في السبعة ولم يتعرض في الكتاب له لما علم من صحة الرواية فيه قال وإذا صح تصرف العرب في رأيا لقلب ويحفظ الهمزة فكيف ينكر قصر الهمزة إذا صحت به الرواية. وقال الشيخ في شرحه وكذلك رواه أبو عون؛ يعني: محمد بن عمر الواسطي عن قنبل والرواية عنه صحيحة وقد أخذ له الأئمة بالوجهين وعول صاحب التيسير على القصر يعني؛ لأنه لم يذكر فيه غير فإنه قال قرأ قنبل "أن رآه" بقصر الهمزة والباقون بمدها وقال في غيره وبه قرأت وأثبت بن غلبون وأبوه الوجهين واختار إثبات الألف قال الشيخ وهي لغة في رآه ومثله في الحذف، قول رؤبة: وصاني العجاج فيما وصَّنِي قال: وما كان ينبغي لابن مجاهد إذا جاءت القراءات ثابتة عن إمام من طريق لا يشك فيه أن يردها؛ لأن وجهها لم يظهر له وقد سبق في "حاشا" ذكر هذا الحذف ونحوه وإذا كانوا يقولون لا أدر من المستقبل الذي يلبس الحذف فيه قراءة أولى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 قلت: وأنشدني الشيخ أبو الحسن -رحمه الله- لنفسه بيتين بعد هذا البيت حالة قراءتي لشرحه عليه في الكرة الأخيرة التي لم نقرأ عليه بعدها: ونحن أخذنا قصره عن شيوخنا ... بنص صحيح صح عنه فبجلا ومن ترك المروي من بعد صحة ... فقد زل في رأي رآى متخيلا قلت: لعل ابن مجاهد -رحمه الله- إنما نسب هذا إلى الغلط؛ لأخذه إياه عن قنبل في زمن اختلاطه مع ما رأى من ضعف هذا الحذف في العربية؛ لأنه وإن جاء نحوه ففي ضرورة شعر أو ما يجري مجرى ذلك من كلمة كثر دورها على ألسنتهم فلا يجوز القياس على ذلك، وقد صرح بتضعيف هذه القراءة جماعة من الأئمة، قال أبو علي: إن الألف حذفت من مضارع رأى في قولهم: أصاب الناس جهد ولو تر أهل مكة، فهلا جاز حذفها أيضا من الماضي، قيل: إن الحذف لا يقاس عليه لا سيما في نحو هذا إن كان على غير قياس، فإن قلتَ: فقد جاء-حاشا لله- يكون إلا فعلا؛ لأن الحرف لا يحذف منه، وقال رؤبة: "فيما وصني" قيل: إن ذلك في القلة بحيث لا يصار يسوغ القياس عليه، ومما يضعفه أن الألف ثبتت حيث تحذف الياء والواو، ألا ترى أن من قال: {إِذَا يَسْرِ} فحذف الياء في الفاصلة لم يحذف من نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} ، وقال مكي: هو بعيد في القياس والنظر والاستعمال هذا مع كونه علل هذه القراءة بخمس علل كلها ضعيفة ومن أغربها أن الألف حذفت لأجل الساكن بعد الهاء ولم يعتد بالهاء حاجزا ولو كان ذلك مسوغا هذا لكان في قراءة الجماعة أولى؛ فإنهم لم يعتدوا بالهاء حاجزا في امتناعهم في صلة هاء الكتابة؛ لأجل الساكن قبلها على ما سبق في بابه والله أعلم. 1116- وَمَطلَعِ كَسْرُ اللامِ "رَ"حْبٌ وَحَرْفَيِ الْـ ... ـبَرِيَّة فَاهْمِزْ "آ"هِلًا "مُـ"ـتَأَهِّلا يريد: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} كسر لامه رحب؛ أي: واسع؛ أي: لم تضق وجوه الفربية عن توجيهه خلافا لمن استبعده ووجهه أنه قد جاء في أسماء الزمان والمكان مفعل بكسر العين فما مضارعه يفعل بضمها أسماء محصورة وهذا منها نحو المشرق والمغرب والمسجد ومنها ما جاء فيه الوجهان نحو المنسك والمسكن والمطلع وقد قرئ بهما في هذه الثلاثة فالمفتوح والمكسور المراد بهما زمن الطلوع ومنهم من جعلهما مصدرين فاحتاج إلى تقدير؛ أي: حذف مضاف إلى زمن طلوع الفجر إذا قدرنا هما اسمي زمان لم تحتج إلى هذا، والزجاج جعل المفتوح مصدرا والمكسور اسم زمان وهمز البرية هو الأصل؛ لأنها من برأ الله الخلق ومن لم يهمزها، فإما أن يكون خفف الهمز كما تقدم في النبيء وهو الأولى أو يكون مأخوذا من البرأ وهو التراب فلا همز فيه، ولكن قراءة الهمز ترد هذا الوجه قال أبو علي: البرية من برأ الله الخلق فالقياس فيه الهمز إلا أنه مما ترك همزه كقولهم النبي والذرية والخابية في أنه ترك الهمز فالهمز فيه كالرد إلى الأصل المتروك في الاستعمال كما أن من همز النبي كان كذلك وترك الهمز فيها أجود وإن كان الأصل الهمز؛ لأنه لما ترك فيه الهمز صار كرده إلى الأصول المرفوضة مثل ضننوا وما أشبه ذلك من الأصول التي لا تستعمل قال: وهمز من همز البرية يدل على فساد قول من قال إنه من البراء الذي هو التراب ألا ترى أنه لو كان كذلك لم يجز همز من همز على حال إلى على وجه الغلط كما حكوا امتلئت الحجر ونحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 ذلك من الغلط الذي لا وجه له في الهمز والفاء في قوله: فاهمزه زائدة وحرفي البرية مفعول باهمز واهلا متأهلا حالان من فاعل اهمز ومعنى آهلا ذا أهل من قولهم: أهل المكان إذا كان له أهل، ومكان مأهول فيه أهله وقد أهل فلان بفتح الهاء يأهل بضمها وكسرها أهولا؛ أي: تزوج وكذا تأهل فيكون دعاء له؛ أي: اهمزه مزوجا إن شاء الله تعالى في الجنة نحو اذهب راشدا أو اهمزه كائنا في جماعة يريدونه وينصرونه؛ أي: لست منفردا بذلك، وإنما قال ذلك إشارة إلى خلاف من يرد الهمز في هذا، ومعنى متأهلا؛ أي: متصديا للقيام بحجته محصلا لها؛ أي: لك أهلية ذلك، وقال الشيخ: آهلا حال من مفعول اهمز ويشكل عليه أن مفعول اهمز مثنى والحال مفردة ونافع مذهبه همز النبي والبرية معا، ووافقه ابن ذكوان على همز البرية فقط فقد صار همز البرية له أهل أكثر من أهل الهمز في النبي وبابه والله أعلم. 1117- وَتَا تَرَوُنَّ اضْمُمْ في الُاولَى "كَـ"ـمَا "رَ"سَا ... وَجَمَّعَ بِالتَّشْدِيدِ "شَـ"ـافِيهِ "كَـ"ـللا يعني لترون الجحيم فالضم من أرى والفتح من رأى ولا خلاف في فتح الثاني وهو لترونها وجمع مالا بالتخفيف والتشديد واحد وفي لفظ التشديد موافقة لقوله وعدده، وقيل: التشديد لما يكون شيئا بعد شيء، والتخفيف لما يجمع في قرب وسرعة كقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} ، وقد جاء التخفيف بمعنى التشديد وهو لما يجمع شيئا بعد شيء كقوله: وَلَها بِالماطِرونَ إِذا ... أَكَلَ النَملُ الَّذِي جَمَعا والنمل لا يجمع ما يدخره في وقت واحد، وكذلك الظاهر من أداء الحرب في قول الأعشى: لِاِمرِئٍ يَجمَعُ الأَداةَ لِرَيبِ الـ ... ـدَهرِ لا مُسنَدٍ وَلا زُمّالِ ذكر ذلك أبو علي المسند بفتح النون الدعي والزمال الجبان، وقوله: في أولى؛ أي: في الكلمة الأولى ورسا بمعنى ثبت واستقر. 1118- "وَصُحْبَةٌ" الضَّمَّيْنِ فِي عَمَدٍ وَعَوْا ... لإِيلافِ بِاليَا غَيْرُ شَامِّيهِمْ تَلا وعوا؛ أي: حفظوا الضمين في هذه العلة وهما ضم العين والميم والباقون بفتحهما وكلاهما جمع عمود وقد أجمعوا على الفتح في: {بِغَيْرِ عَمَدٍ} في الرعد ولقمان، أما: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} فقراءة ابن عامر بحذف الياء وكلتا القراءتين مصدر وهما لغتان يقال آلف إيلافا وألف إلافا فمن الأول قول ذي الرمة: مِن المُؤَلِفاتِ الرَملِ أَدماءُ حُرَّةٌ ومن الثاني ما أنشده أبو علي: زعم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف وليس لكم إلاف قراءة ابن عامر حسنة فإن فيها جمعا بين اللغتين باعتبار الحرفين فإن الثاني بالياء بغير خلاف وهو معنى قوله: 1119- وَإِيلافِ كُلٌّ وَهْوَ في الْخَطِّ سَاقِطٌ ... وَلِى دِينِ قُلْ في الْكَافِرِينَ تَحَصَّلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 أي: وكلهم أثبت الياء في الحرف الثاني وهو إيلافهم رحلة، وهذه الياء ساقطة في خط المصحف والأولى ثابتة والألف بعد اللام فيهما ساقطة وصورتهما لإيلف قريش الفهم فأجمعوا على قراءة الثاني بالياء وهو بغير ياء في الرسم واختلفوا في الأول وهو بالياء وهذا مما يقوي أمر هؤلاء القراء في اتباعهم فيما يقرءونه النقل الصحيح دون مجرد الرسم وما يجوز في العربية، وقد روي حذف الياء من الثاني أيضا، وفي سورة الكافرين ياء إضافة وهي ولي دين، فتحها نافع وهشام وحفص والبزي بخلاف عنه وأسكنها الباقون. 1120- وَهَاءُ أَبِي لَهْبٍ بِالِاسْكَانِ "دَ"وَّنُوا ... وَحَمَّالَةُ المَرْفُوعُ بِالنَّصْبِ "نُـ"ـزِّلا أي: أثبتوا هاءه بالإسكان لابن كثير وفتحها الباقون ولعلهما لغتان كالنهر ولم يختلفوا في فتح الهاء من قوله تعالى: {ذَاتَ لَهَبٍ} وكذا ولا يغني من اللهب قال أبو علي: هذا يدل على أنه أوجه عن الإسكان وقال الزمخشري الإسكان في أبي لهب من تغيير الأعلام كقولهم شمس بن مالك بالضم. قلت: وفي الإسكان مغايرة بين اللفظين في الموضعين وخفف العلم بالإسكان؛ لثقل المسمى على الجنان والاسم على اللسان، وحمالة الحطب بالرفع صفة وامرأته وفي جيدها الخبر أو هما خبران لها إن كانت مبتدأ وإن كانت عطفا على ضمير سيصلى تعين حمالة الحطب للصفة وكان في جيدها في موضع الحال، أو خبرا ومبتدأ جملة مستأنفة ونصب حمالة الحطب على الذم والشتم، قال الزمخشري: وأنا استحب هذه القراءة، وقد توسل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بجميل من أحب شتم أم جميل قلت: حمالة الحطب اسمها أم جميل عليها وعلى أبي لهب لعنة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 باب: التكبير إنما أخر ذكر هذا الباب؛ لأن حكمه متعلق بالسور الأخيرة، ومن المصنفين من لم يذكره أصلا كابن مجاهد، وقدم النظم قبل بيان حكمه عند القراء أبياتا في فضل الذكر مطلقا من تكبير وغيره فقال: 1121- رَوَى القَلْبَ ذِكْرُ اللهِ فَاسْتَسْقِ مُقْبِلا ... وَلا تَعْدُ رَوْضَ الذَّاكِرِينَ فَتُمحِلا هذا البيت مقفي مثل أول القصيدة وأول سورة الرعد والأنبياء وغيرها وهو حسن كما نبهنا عليه في شرح الذي في أول الرعد، وروى القلب ريه يقال روي من الماء يروى على وزن رضى يرضى، ويقال في مصدره أيضا رَيا ورِيا بفتح الراء وكسرها نص عليه الجوهري، ولما جعل ذكر الله تعالى ريا للقلب أمر بالازدياد من الري فاتبع ذلك اللفظ المجاز ما يناسبه فقال: فاستسق؛ أي: اطلب السقي مقبلا على ذلك؛ أي: أكثر من الذكر والتمس محله ومواضعه ولا تعد؛ أي: ولا تتجاوز رياضه والروض جمع روضة فتمحلا؛ أي: فتصادف محلا فلا يحصل ري ولا شرب وأشار بذلك وما يأتي بعده إلى أحاديث كثيرة جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل ذكر الله تعالى والحث عليه وهي مفرقة في الصحيحين وغيرهما. وقد جمع جعفر الغرياني الحافظ فيه مصنفا حسنا وما أحسن ما قال بلال بن سعيد وهو من تابعي أهل الشام الذكر ذكران ذكر الله باللسان حسن جميل، وذكر الله عند ما أحل وحرم أفضل، وكيف لا يكون ذكر الله تعالى روى للقلب وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم" أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما. وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول: "إن لكل شيء صقالة وإن صقالة القلوب ذكر الله تعالى" أخرجه الحافظ البيهقي في كتاب الدعوات. وأما تعبيره عن مجالس الذكر بالروض؛ فلما جاء في حديث جابر بن عبد الله قال خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا أيها الناس إن لله تعالى سرايا من الملائكة تقف وتحل على مجالس الذكر فارتعوا في رياض الجنة، قلنا أين رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله واذكروه بأنفسكم من كان يحب أن يعلم كيف منزلته من الله -عز وجل- فلينظر منزلة الله عنده فإن الله تبارك وتعالى ينزل العبد حيث أنزله من نفسه" أخرجه البيهقي في كتاب "الدعوات وشعب الإيمان". وأخرجه الغرياني وأخرج أيضا في معناه أحاديث كثيرة منها عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله عز وجل". 1122- وَآثِرْ عَنِ الآثَارِ مَثْرَاةَ عَذْبِهِ ... وَمَا مِثْلُهُ لِلْعَبدِ حِصْنًا وَمَوْئِلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 آثر من الإيثار؛ أي: عدم مثراة عذب الذكر على كل شيء والمثراة من قولهم هذا مثراة للمال؛ أي: مكثر له؛ أي: قدم مكتسب عذبه ومكثرته ولمثراة أيضا مصدر ثري المكان يثرى ثرى ومثراة إذا كثر نداه فبلله؛ أي: قدم ندى عليه على كل شيء وذلك مما يستعار للوصلة والذكر وصلة بين العبد وبين ربه عز وجل ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "بلوا أرحامكم ولو بالسلام"؛ أي: صلوها، وتقول العرب: بيني وبين فلان مثرى؛ أي: وصلة لم تتقطع، وهو مثل كأنه قال لم ييبس ما بيني وبينه ومنه قول جرير: فلا توبسوا بيني وبينكم الثرى ... فإن الذي بيني وبينكم مثرى وقوله: عن الآثار؛ أي: آخذا بذلك الإيثار عن الآثار والأخبار الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ أي: مستمدا أدلة الإيثار من الآثار نحو ما في صحيح مسلم عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما جلس قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله تعالى في من عنده"، وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن بشر أن رجلا قال: يا رسول الله: "إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: "لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى"، قال: هذا حديث حسن غريب، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة سيارة فضلاء يلتمسون مجالس الذكر فإذا أتوا على قوم يذكرون الله تعالى جلسوا فأظلوهم بأجنحتهم ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا قاموا عرجوا إلى ربهم، فيقول تبارك وتعالى وهو أعلم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك يسبحونك ويحمدونك ويهللونك ويكبرونك ويستجيرونك من عذابك ويسألونك جنتك، فيقول الله تعالى: وهل رأوا جنتي وناري؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوهما، فقد أجرتهم مما استجاروا وأعطيتهم ما سألوا فيقال: إن فيهم رجلا مر بهم فقعد معهم فيقول: وله فقد غفرت؛ إنهم القوم لا يشقى بهم جليسهم"، وعن الحارث الأشعري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله تعالى أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن: أن لا يشركوا بالله شيئا، وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا، وأمركم بالصيام والصدقة وضرب لكل واحدة مثلا، ثم قال: وأمركم بذكر الله تعالى كثيرا ومثل ذلك كمثل رجل طلب العدو سراعا من أثره حتى أتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله -عز وجل". وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها من درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: ذكر الله -عز وجل" أخرجه البيهقي في كتاب الدعوات، ففي ذلك تفسير قوله: وما مثله للعبد حصنا وموئلا؛ أي: وما للعبد مثل الذكر نافعا له هذه المنفعة المشار إليها في الحديث ونصب حصنا وموئلا على التمييز؛ أي: ما للعبد حصن وموئل مثل الذكر ويجوز نصبهما على الحال؛ أي: مشبها حصنا وموئلا هنا اسم مكان؛ أي: موضعا يؤول إليه؛ أي: يرجع ويأوى فيه وكل ذلك استعارات حسنة وقد سبق في أول القصيدة تفسير الموئل بالمرجع وهو بهذا المعنى فكل ما تستند إليه فهو موئل لك ولا يجوز نصب حصنا على أنه خبر ما النافية على لغة أهل الحجاز لاختلاف المعنى حينئذ؛ لأنه كان يفيد ضد المقصور من هذا الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 1123- وَلا عَمَلٌ أَنْجى لَهُ مِنْ عَذَابِهِ ... غَدَاةَ الْجَزَا مِنْ ذِكْرِهِ مُتَقَبَّلا له؛ أي: للعبد والهاء في عذابه، وذكره لله تعالى وغداة الجزاء؛ يعني: يوم القيامة؛ لأن النجاة المعتبرة هي المطلوبة ذلك اليوم فنصب غداة على الظرف وقصر الجزاء ضرورة ومتقبلا حال من الذكر فإنه إن لم يكن متقبلا لم يفد الذكر شيئا وضمن هذا البيت حديثا روي مرفوعا وموقوفا؛ أما المرفوع فعن ابن عمر في الحديث الذي سبق في أوله: "صقالة القلوب ذكر الله تعالى" قال بعد ذلك: "وما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله تعالى"، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع"، أما الموقوف ففي آخر الحديث الذي سبق أوله: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم". قال: وقال معاذ بن جبل: ما عمل آدمي من عمل أنجى له من عذاب الله تعالى من ذكر الله تعالى، أخرجهما البيهقي من كتاب الشعب والدعوات الكبير، وأخرجه الفريابي في كتابه عن معاذ، وزاد: قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله -عز وجل؟ قال: لا ولو ضرب بسيفه، زاد في رواية: حتى ينقطع ثلاثا. قال الله تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} والله أعلم. 1124- ومَنْ شَغَلَ الْقُرْآنُ عَنْهُ لِسَانَهُ ... يَنَلْ خَيْرَ أَجْرِ الذَّاكِرِينَ مُكَمَّلا جعل الشيخ -رحمه الله- تفسير هذا البيت الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يقول الرب -عز جل: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه" قال: هذا حديث حسن غريب وقد ذكر طريق هذا الحديث وتكلم عليه الحافظ المقرئ أبو العلا الهمذاني في أول كتابه في الوقف والابتداء، وقال: "من شغله قراءة القرآن" وفي آخره "أفضل ثواب السائلين"؟، وفي رواية: "من شغله القرآن في أن يتعلمه أو يعلمه عن دعائي ومسألتي"، وذكره أبو بكر بن الأنباري في أول كتاب الوقف أيضا، وأخرجه البيهقي أيضا وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين". قال البيهقي وكذا رواه البخاري في التاريخ. قلت: فبان من مجموع هذه الروايات أن الاشتغال بالذكر يقوم مقام الدعاء وأن قراءة القرآن من جملة الاشتغال بالذكر بل هو أفضل، وإليه أشار الناظم بقوله: خير أجر الذاكرين، ومكملا حال إما من خير وإما من أجر، وقد نص الإمام الشافعي -رضي الله عنه- على ذلك فقال: أستحب أن يقرأ القرآن؛ يعني: في الطواف؛ لأنه موضع ذكر والقرآن من أعظم الذكر، والهاء في قوله: عنه يجوز أن تعود على الذكر؛ يعني: ومع ما ذكرنا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 فضيلة الذكر فمن اشتغل عنه بالقرآن فهو أفضل، ويجوز أن تعود على من؛ أي: من كف لسانه عنه؛ أي: أذاه؛ لأن أكثر كلام الإنسان عليه لا له فإذا اشتغل بالقرآن أو الذكر انكف عما يتوقع منه الضرر فصح معنى عنه بهذا التفسير. وفي الحديث عن أم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر، وذكر الله"، وفي الكتاب المذكور للحافظ أبي العلا عن أبي هريرة مرفوعا: "أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن" وفيه عن أنس مرفوعا: "أفضل العبادة قراءة القرآن" وتلاوة القرآن أحب إلي، قال أبو يحيى الحمامي: سألت سفيان الثوري عن الرجل يقرأ القرآن أحب إليك أم يغزو؟ قال: يقرأ القرآن فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". قلت: هذا حديث صحيح أخرجه البخاري، وقد جمع الحافظ أبو العلا طرقه في أول كتاب الوقف المذكور. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: رأيت رب العزة في المنام فقلت: يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك؟ فقال: كلامي يا أحمد، فقلت: يا رب بفهم أو بغير فهم؟ فقال: بفهم وبغير فهم، قلتُ: فكل هذا مما يوضح لنا أن تلاوة القرآن من أعظم الذكر كما قال الشافعي -رضي الله عنه- لأنه يجمع الذكر باللسان وملاحظة القلب أنه يتلو كلام الله -عز وجل- ويؤجر عليه بكل حرف عشر حسنات على ما ثبت في أحاديث أخر. 1125- وَمَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ إِلا افْتِتَاحُهْ ... مَعَ الْخَتْمِ حِلًّا وَارْتِحالًا مُوَصَّلا أي: افتتاح القرآن مع ختمه؛ أي: حاله ختمه للقرآن يشرع في أوله فقوله: موصلا حال من الضمير في افتتاحه العائد على القرآن؛ أي: في حال وصل أوله بآخره وقوله: حلا وارتحالا من باب المصدر المؤكد لنفسه؛ لأن الحل والارتحال المراد بهما افتتاحه مع الختم فهو نحو له على ألف درهم عرفا، وأشار بذلك إلى حديث روي من وجوه عن صالح عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الأعمال أحب إلى الله -عز وجل؟ قال: "الحال المرتحل" أخرجه أبو عيسى الترمذي في أبواب القراءة في أواخر كتابه فقال: حدثنا نصر بن على الجهضمي قال: حدثنا الهيثم بن الربيع حدثني صالح المري فذكره، ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه. حدثنا محمد بن بشار حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا صالح المري عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكر فيه عن ابن عباس قال: وهذا عندي أصح؛ يعني: أنه من حديث زرارة وليس له صحة إلا من حديث ابن عباس وكيف ما كان الأمر فمدار الحديث على صالح المري وهو وإن كان عبدا صالحا فهو ضعيف عند أهل الحديث، قال البخاري في تاريخه هو منكر الحديث، وقال النسائي: صالح المري متروك الحديث. ثم على تقدير صحته فقد اختلف في تفسيره فقيل: المراد به ما ذكره الفراء على ما يأتي بيانه وقيل: بل هو إشارة إلى تتابع الغزو وترك الإعراض عنه فلا يزال في حل وارتحال وهذا ظاهر اللفظ؛ إذ هو حقيقة في ذلك وعلى ما أوله به الفراء يكون مجازا، وقد رووا التفسير فيه مدرجا في الحديث، ولعله من بعض رواته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 قال أبو محمد بن قتيبة في آخر غريب الحديث له في ترجمة أحاديث لا تعرف أصحابها: جاء في الحديث: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: "الحال المرتحل" قيل: ما الحال المرتحل؟ قال: الخاتم والمفتتح. قال ابن قتيبة: الحال هو الخاتم للقرآن شبه برجل سافر فسار حتى إذا بلغ المنزل حل به كذلك تالي القرآن يتلوه حتى إذا بلغ آخره وقف عنده والمرتحل المفتتح للقرآن شبه برجل أراد سفرا فافتتحه بالمسير قال: وقد يكون الخاتم المفتتح أيضا في الجهاد وهو أن يغزو ويعقب وكذلك الحال المرتحل يريد أنه يصل ذلك بهذا. قلت: هذا هو الظاهر من تفسير هذا اللفظ لوجهين. أحدهما: حمل اللفظ على حقيقته فيكون التفسير الأول الذي ذكره ابن قتيبة في الحديث من كلام بعض الرواة وهو مفصول من الحديث ولهذا لم يكن في كتاب الترمذي إلا قوله: الحال المترحل من غير تفسير وكان السائل عن التفسير بعض الرواة لبعض فأجابه المسئول بما وقع له، وتقدير الحديث عمل الحال المرتحل وحذف المضاف؛ لدلالة السؤال عليه. الوجه الثاني أن المحفوظ في الأحاديث الصحيحة غير ذلك فإنه سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أفضل الأعمال فقال: "إيمان بالله، ثم جهاد في سبيله، ثم حج مبرور". وفي حديث آخر: "الصلاة لوقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله". وقال لأبي أمامة: "عليك بالصوم فإنه لا مثل له"، وفي حديث آخر: "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة". وإذا فسر الحال المرتحل بمتابعة الغزو وافق قوله: ثم جهاد في سبيله؛ أي: أنه من أفضل الأعمال كنظائر لذلك يعبر عن الشيء؛ لأنه الأفضل؛ أي: هو من جملة الأفضل؛ أي: المجموع في الطبقة العليا التي لا طبقة أعلى منها وهذا المعنى قد قررناه في مواضع من كتبنا. 1126- وَفِيهِ عَنِ الْمَكينَ تَكْبِيرُهُمْ مَعَ الْـ ... ـخَوَاتِمِ قُرْبَ الْخَتْمِ يُرْوى مُسَلْسَلا أي: وفي القرآن أو في ذلك العمل الذي عبر عنه بالحل والارتحال وهو وصل آخر كل ختمة بأول أخرى على ما سيأتي بيانه في عرف القراء، وقوله: عن المكين جمع مك كما قال في مواضع كثيرة ومك ومراده مكي بياء النسب ولكنه حذفها ضرورة عند العلم بها تخفيفا، وقد قرئ في الشواذ: "هو الذي بعث في الأمين" كأنه جمع أم قال الزمخشري في تفسيره: وقرئ: "في الأمين" بحذف ياء النسب قلت: ومثله قول عقبة الأسدي: وأنت امرؤ في الأشعرين مقاتل وقول لقيط الإيادي: زيد الفنا حين لا في الحارثين معا كأنهما جمع أشعر وحارث وإنما هما جمع أشعري وحارثي. وقد ذكرت هذين البيتين في ترجمة عامر بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري وترجمة المهلب بن أبي صفرة في مختصري لتاريخ دمشق، وقوله: تكبيرهم؛ أي: تكبير المكيين؛ أي: وفي القرآن تكبير المكيين مع الخواتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 جمع خاتمة؛ يعني: خواتم السور إذا قرب ختم القرآن في قراءة القارئ على ما سيبين في موضعه، قال مكي في التبصرة: والتكبير سنة كانت بمكة ولا يعتبر في التكبير قراء مكة ابن كثير ولا غيره كانوا لا يتركون التكبير في كل القراءات من خاتمة والضحى قال: ولكن عادة القراء الأخذ بالتكبير لابن كثير في رواية البزي خاصة، ومن المصنفين من حكى التكبير لجميع القراء في جميع سور القرآن ذكره أبو القاسم الهذلي في كتابه الكامل، وذكره أيضا الحافظ أبو العلاء وقوله: يروي مسلسلا؛ أي: يروي التكبير رواية مسلسلة على ما هو المسلسل في اصطلاح المحدثين. أنبأنا القاضي أبو القاسم الأنصاري أنبأنا عبد الله الفراوي أنبأنا أبو بكر البيهقي سماعا وأجازة أنبأنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ الإمام بمكة في المسجد الحرام أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي بن زيد الصائغ أنبأنا أحمد بن محمد بن القاسم عن أبي بزة قال: سمعت عكرمة بن سليمان يقول: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت: "والضحى" قال لي: كبر عند خاتمة كل سورة، وإني قرأت على عبد الله بن كثير: فما بلغت والضحى قال: كبر حتى تختم، وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد وأمره بذلك وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك وأخبره أبي بن كعب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بذلك قال الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قلت: وأنبأنا به أعلى من هذا: أبو اليمن الكندي أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد بن عبد الله سبط أبي منصور الخياط أنبأنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عبد الله بن النقور أنبأنا أبو طاهر المخلص أنبأنا يحيى بن محمد ابن صاعد أنبأنا البزي فذكره. قال الحافظ أبو العلاء الهمداني: لم يرفع التكبير أحد من القراء إلا البزي فإن الروايات قد تطارقت عنه برفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومدار الجميع على رواية البزي كما ذكرناه، ثم أسند عن البزي قال: دخلت على الشافعي -رضي الله عنه- إبراهيم بن محمد، وكنت قد وقفت عن هذا الحديث؛ يعني: حديث التكبير فقال له بعض من عنده: إن أبا الحسن لا يحدثنا بهذا الحديث فقال لي: يا أبا الحسن والله لئن تركته لتركت سنة نبيك، قال: وجاءني رجل من أهل بغداد ومعه رجل عباسي وسألني عن هذا الحديث فأبيت أن أحدثه إياه فقال: والله لقد سمعناه من أحمد بن حنبل عن أبي بكر الأعين عنك فلو كان منكرا ما رواه وكان يجتنب المنكرات، ثم أسند الحافظ أبو العلاء الروايات الموقوفة فأسند عن حنظلة بن أبي سفيان قال: قرأت على عكرمة بن خالد المخزومي، فلما بلغت "والضحى" قال لي: هيها. قلت: وما تريد بهيها؟ قال: كبر؛ فإني رأيت مشايخنا ممن قرأ على ابن عباس فأمرهم ابن عباس أن يكبروا إذا بلغوا "والضحى"، وأسند عن إبراهيم بن يحيى بن أبي حية التميمي قال: قرأت على حميد الأعرج فلما بلغت "والضحى" قال لي: كبِّر إذا ختمت كل سورة حتى تختم فإني قرأت على مجاهد فأمرني بذلك، وقال: قرأت على ابن عباس -رضي الله عنه- فأمرني بذلك. وفي رواية أنبأنا حميد الأعرج قال: قرأت على مجاهد القرآن فلما بلغت: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} قال لي: كبر إذا فرغت من السورة فلم أزل أكبر حتى ختمت القرآن ثم قال مجاهد: قرأت على ابن عباس فلما بلغت هذا الموضع أمرني بالتكبير فلم أزل أكبر حتى ختمت، وقال أيضا: حدثني حميد الأعرج عن مجاهد قال: ختمت على ابن عباس تسع عشرة ختمة فكلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 يأمرني فيها أن أكبر من سورة "ألم نشرح"، ثم أسند الحافظ أبو العلا عن شبل بن عباد قال: رأيت محمد بن عبد الله بن محيصن وعبد الله بن كثير الداري إذا بلغا ألم نشرح كبرا حتى يختما ويقولان رأينا مجاهدا فعل ذلك، وذكر مجاهد أن ابن عباس كان يأمره بذلك، ثم أسند عن قنبل حديث النبال حدثنا عبد المجيد عن ابن جريج عن مجاهد أنه كان يكبر من أول "والضحى" إلى الحمد قال ابن جريج: وأرى أن يفعله الرجل إماما كان أو غير إمام قال أبو يحيى ابن أبي ميسرة ما رفعه أحد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- غير ابن أبي بزة ولو كان أحد رفعه غيره لكان الواجب اتباعه إذ كان أمرا من النبي -صلى الله عليه وسلم- قال الحافظ أبو العلا فأما الرواية والإجماع في ذلك فعن عبد الله ابن عباس ومجاهد وقد روي عن علي -رضي الله عنه- أنه كان يقول إذا قرأت القرآن فبلغت بين المفصل فاحمد الله وكبر بين كل سورتين وفي رواية فتابع بين المفصل في السور القصار واحمد الله وكبر بين كل سورتين، ثم ذكر الحافظ أبو العلا عن البزي بإسناده أن الأصل في التكبير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- انقطع عنه الوحي، وقد اختلف في سبب ذلك، وفي قدر مدة انقطاعه فقال المشركون: قلى محمدا ربُّهُ، فنزلت سورة "والضحى"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر"، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكبر إذا بلغ والضحى مع خاتمة كل سورة حتى يختم قال أبو الحسن بن غلبون: فلما قرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر حتى ختم شكرا لله تعالى لما كذب المشركون فيما زعموه، وقال الشيخ في شرحه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر تصديقا لما أنا عليه وتكذيبا للكفار"، وذكر عن أبي عمر والداني بسنده إلى البزي قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي -رضي الله عنه: إن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: وروى بعض علمائنا عن الحسن بن محمد بن عبد الله ابن أبي يزيد القرشي قال: صليت بالناس خلف المقام بالمسجد الحرام في التراويح في شهر رمضان فلما كان ليلة الختمة كبرت من خاتمة "والضحى" إلى آخر القرآن في الصلاة فلما سلمت التفت وإذا أنا بأبي عبد الله محمد ابن إدريس الشافعي -رضي الله عنه- قد صلى ورائي، فلما بصرني قال لي: أحسنت أصبت السنة قال أبو الطيب عبد المنعم بن غلبون: وهذه سنة مأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة والتابعين وهي سنة بمكة لا يتركونها البتة ولا يعتبرون رواية البزي ولا غيره قال: ومن عادة القراء في غير مكة أن لا يأخذوا بها إلا في رواية البزي وحدها. 1127- إِذا كَبَّروا في آخِرِ النَّاسِ أَرْدَفُوا ... مَعَ الْحَمْدِ حَتَّى الْمُفْلِحونَ تَوَسَّلا الضمير في كبروا للمكيين بيَّن في هذا البيت آخر مواضع التكبير، وكان قد أجمل ذلك في قوله: مع الخواتم قرب الختم، وفي البيت الآتي يبين أول ذلك ومفعولا أردفوا محذوفان؛ أي: أردفوا التكبير مع قراءة سورة الحمد قراءة أول سورة البقرة حتى يصلوا إلى قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وهذا يعبر عنه بعض المصنفين بأنه أربع آيات ويعبر عنه آخرون بأنه خمس آيات ووجه ذلك الاختلاف في لفظ ألم فعدها الكوفي آية ولم يعدها غيره، وحكى الناظم لفظ القرآن بقوله: حتى المفلحون وتوسلا مفعول من أجله؛ أي: تقربا إلى الله تعالى بطاعته، وذكره ولا تكبير بين الحمد والبقرة قال مكي: يكبر في أول كل سورة من: {أَلَمْ نَشْرَحْ} إلى أول الحمد، ثم يقرأ الحمد فإذا تم لم يكبر، وابتدأ بالبقرة من غير تكبير، فقرأ منها خمس آيات قال: وروي أن أهل مكة كانوا يكبرون في آخر كل ختمة من خاتمة "والضحى" لكل القراء لابن كثير وغيره سُنّة نقلوها عن شيوخهم لكن الذي عليه العمل عند القراء أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 يكبروا في قراءة البزي عن ابن كثير خاصة، وبذلك قرأت قال: وحجته في التكبير أنها رواية نقلها عن شيوخه من أهل مكة في الختم يجعلون ذلك زيادة في تعظيم الله -عز وجل- مع التلاوة لكتابه والتبرك بختم وحيه وتنزيله والتنزيه له من السوء لقوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} ، {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} ، {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} ، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} قال: وحجته في الابتداء في آخر ختمه بخمس آيات من البقرة أنه اعتمد في ذلك على حديث صحيح مروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل: أي: الأعمال أفضل فقال: "الحال المرتحل"؛ يعني: الذي ارتحل من ختمة أتمها ويحل في ختمة أخرى؛ أي: يفرغ من ختمة ويبتدئ بأخرى وعلى ذلك أدرك أهل بلدة مكة قلت: قد سبق الكلام على هذا الخبر وبيان ضعفه فلا يغتر بقول مكي إنه صحيح وأحسن من عبارته عبارة أبي الحسن ابن غلبون قال: فإذا قرأ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} كبر، ثم قرأ فاتحة الكتاب وخمسا من سورة البقرة؛ لأنه يقال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمى من فعل ذلك الحال المرتحل كما حدثني أبي -رحمه الله- وساق الحديث عن صالح المري عن قتادة عن زرارة عن ابن عباس أن رجلا قام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله؛ أي: الأعمال أحب إلى الله فقال": "الحال المرتحل، فقال: يا رسول الله وما الحال المرتحل قال: فتح القرآن وختمه صاحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله كلما حل ارتحل"، قال: فقيل: إنه -صلى الله عليه وسلم- يعني: بذلك أنه يختم القرآن، ثم يقرأ فاتحة الكتاب وشيئا من البقرة في وقت واحد قلت: أصل الحديث ضعيف كما سبق ثم زاد بعضهم فيه: التفسير غير منسوب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فحملناه على أن بعض رواته المذكورين في سنده فسره على ما وقع له في معناه، وهذا الحديث قد بين فيه أن المفسر له هو النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي زيادة غير معروفة فقد روى الأهوازي هذا التفسير بعينه ولم يقل في الحديث: يا رسول الله، ثم ولو صح هذا الحديث والتفسير لكان معناه الحث على الإكثار من قراءة القرآن والمواظبة عليها، فكلما فرغ من ختمة شرع في أخرى؛ أي: إنه لا يضرب عن القراءة بعد ختمة يفرغ منها بل تكون قراءة القرآن دأبه وديدنه، وفي رواية أخرى أخرجها الأهوازي في كتاب الإيضاح: الحال المرتحل الذي إذا ختم القرآن رجع فيه ثم هذا الفعل من التكبير وقراءة الحمد إلى المفلحون مروي عن ابن كثير نفسه مأخوذ به عن طريق البزي وقنبل على ما سنوضحه، قال أبو الطيب بن غلبون ولم يفعل هذا قنبل ولا غيره من القراء أعني التكبير وهذه الزيادة من أول سورة البقرة في قراءة الختمة سوى البزي وحده قال أبو الفتح فارس بن أحمد: ولا نقول إن هذا سنة ولا أنه لا بد لمن ختم أن يفعله فمن فعله فحسن جميل ومن ترك فلا حرج، قال صاحب التيسير: وهذا يسمى الحال المرتحل، وفي جميع ما قدمناه أحاديث مشهورة يرويها العلماء يؤيد بعضها بعضا تدل على صحة ما فعله ابن كثير قلت: لم يثبت شيء من ذلك وأكثر ما في الأمر أن ابن كثير كان يفعله والحديث المسند في ذلك هو في بيان سند قراءة ابن كثير؛ أي: أخذ ابن كثير عن درباس عن ابن عباس عن أبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه وقرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي فالسند المذكور إنما هو لبيان ذلك، ثم قرأ في آخر الحديث وأنه كان إذا قرأ قل أعوذ برب الناس افتتح من الحمد ثم قرأ البقرة إلى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ثم دعا بدعاء الختم ثم قال: يعني بذلك ابن كثير والله أعلم، وقد قال أبو طالب صاحب أحمد بن حنبل: سألت أحمد إذا قرأ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} يقرأ من البقرة شيئا قال: لا يقرأ فلم يستحب أن يصل ختمه بقراءة شيء ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح يصير إليه ذكره شيخنا أبو محمد بن قدامة في كتابه المغنى، وذكر أبو الحسن بن غلبون وغيره رواية عن الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون إذا ختموا القرآن أن يقرءوا من أوله آيات، قلت: ولكل من المذهبين وجه ظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 1128- وَقَالَ بِهِ البَزِّيُّ مِنْ آخِرِ الضُّحى ... وَبَعْضٌ لَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَصَّلا اتبع في ذلك ما في كتاب التيسير من نسبة ذلك إلى البزي وحده على ما حكاه أبو الطيب بن غلبون وابنه أبو الحسن، ولا يختص ذلك بالبزي عند جماعة من مصنفي كتب القراءات بل هو مروي عن قنبل كما هو مروي عن البزي لكن شهرته عن البزي أكثر وعنه انتشرت الآثار في ذلك على ما سبق بيانه، وقوله: به؛ أي: بالتكبير بين بهذا البيت أول مواضع التكبير التي أجملها في قوله: قرب الختم فأكثر أهل الأداء على أنه من آخر "والضحي" وهو الصحيح؛ لأن الآثار في ذلك ألفاظها كما سبق مصرحة في بعض الروايات بألم نشرح وذلك آخر "والضحى" وفي بعضها إطلاق لفظ "والضحى"، وهو يحتمل الأول والآخر فيحمل هذا المطلق على ذلك التقييد ويتعين الآخر لذلك قال أبو الحسن ابن غلبون اعلم أن القراء أجمعوا على ترك التكبير من سورة والضحي إلا البزي وحد فإنه روى عن ابن كثير أنه يكبر من خاتمة "والضحى" إلى آخر القرآن، ثم روي عن أبي الحسن اللغوي أجازة قال: أخبرنا ابن مجاهد حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا يعقوب ابن سفيان حدثنا الحميد حدثنا سفيان حدثنا إبراهيم ابن أبي حية أنبأنا حميد عن مجاهد قال: ختمت على ابن عباس بضعا وعشرين ختمة كلها يأمرني أن أكبر من "ألم نشرح"، وبه عن سفيان قال: رأيت حميد الأعرج يقرأ والناس حوله فإذا بلغ والضحى كبر إذا ختم كل سورة حتى يختم، ولم يذكر صاحب التيسير التكبير إلا من آخر "والضحى"، فقول الناظم: وبعض له؛ أي: للبزي وصل التكبير من آخر سورة والليل؛ يعني: من أول "والضحى" فهذا الوجه من زيادة هذه القصيدة وهو قول صاحب الروضة قال: روى البزي التكبير من أول سورة "والضحى" إلى خاتمة "الناس"، ولفظه: الله أكبر تبعه الزينبي عن قنبل بلفظ التكبير وخالفه في الابتداء به فكبر من أول سورة "ألم نشرح" قال: ولم يختلفوا أنه منقطع مع خاتمة الناس، وحكى ابن الفحام وجها عن السوسي أنه يكبر من أول ألم نشرح إلى خاتمة النص والله أعلم، وقال الحافظ أبو العلا: كبر البزي وابن فليح وابن مجاهد وابن الصلت عن قنبل من فاتحة "والضحى" وفواتح ما بعدها من السور إلى سورة الناس، وكبر الباقون من فاتحة "ألم نشرح" إلى سورة الناس قال: وأجمعوا على ترك التكبير بين خاتمة الناس وبين الفاتحة إلا ما رواه فلان عن قنبل زاد بعضهم قراءة أربع آيات من أول البقرة. قلت: وهكذا حكى الهذلي أن التكبير إلى أول: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وقال بعضهم: إلى خاتمتها فقول الناظم: إذا كبروا في آخر الناس اتبع فيه قول صاحب التيسير وهو يوهم أنه متفق عليه عند كل من يردف ذلك بقراءة الفاتحة وشيء من أول البقرة بل فيه الاختلاف كما ترى. 1129- فَإِنْ شِئْتَ فَاقْطَعْ دُونَهُ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ ... صِلِ الْكُلَّ دُونَ القَطْعِ مَعْهُ مُبَسْمِلا ذكر في هذا البيت حكم التكبير في اتصاله بالسورة الماضية أو بالبسملة التي من السورة الآتية فنقل ثلاثة أوجه كلها متجهة وهي مذكور في التيسير وغيره أحدها أنه يقطع آخر السورة من التكبير؛ أي: لا يصل التكبير بآخر السورة فهذا معنى قوله: فاقطع دونه؛ أي: دون التكبير وهذا اختيار صاحب الروضة والحافظ أبي العلاء، وهو الذي اختاره لما فيه من الفصل بين القرآن وغيره وقال صاحب الروضة: اتفق أصحاب ابن كثير على أن التكبير منفصل من القرآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 738 لا يخلط به، وقال أبو العلاء الحافظ: أجمعوا غير المطوعي والفحام على الوقف في آخر كل سورة، ثم الابتداء بالتكبير متصلا بالتسمية فأما المطوعي والفحام فإنهما خيرا بين الوقف على آخر السورة ثم الابتداء بالتكبير وبين وصل آخر السورة بالتكبير قال: والفصل أولى. قلت: لما ذكرته وينبني على ذلك أن يختار فصل التكبير أيضا من التسمية على المذهب الأصح وهو أن البسملة في أوائل السور من القرآن على ما قررنا في كتاب البسملة، ووجه ذلك ما ذكره صاحب الروضة من أن التكبير منفصل من القرآن لا يخلط به ولا يكون وصل التكبير بالبسملة أولى إلا على رأي من لا يراها من القرآن في أوائل السور فيكون حكمها وحكم التكبير واحدا كلاهما ذكر الله تعالى مأمور به فاتصاله أولى من قطعه الوجه الثاني أنه يصل التكبير بآخر السورة ويقف عليه ثم يبتدئ بالبسملة وهذا معنى قوله: أو عليه؛ يعني: أو تقطع على التكبير ومأخذ هذا الوجه أن التكبير إنما شرع في أواخر السور فهو من توابع السورة الماضية؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كبر لما تليت عليه سورة "والضحى"، فرأى صاحب هذا الوجه أن وصله بآخر السورة والقطع عليه أولى؛ لتبين الغرض بذلك، وهذا لا يتجه إلا تعريفا على القول بأن أول مواضع التكبير آخر الضحى، فإن قلنا هو مشروع من أولها فهو للسورة الآتية فيتجه القول الأول، واختار صاحب التيسير هذا الوجه وبدأ به فيه وهو وصل التكبير بآخر السورة لكنه خير بين الوقوف عليه ووصله بالبسملة قال: والأحاديث الواردة عن المكيين بالتكبير دالة عليه؛ لأن فيها "مع" وهي تدل عن الصحبة والاجتماع، وقال في غير التيسير على ما نقله الشيخ في شرحه: الحذاق من أهل الأداء يستحبون في مذهب البزي أن يوصل التكبير بآخر السورة من غير قطع ولا سكت على آخرها دونه ويقطع عليه ثم يقرأ بعد ذلك "بسم الله الرحمن الرحيم" موصلا بالسورة الثانية إلى آخر القرآن، ومنع مكي من هذا الوجه فقال في التبصرة: ولا يجوز أن تقف على التكبير دون أن تصل بالبسملة وقال في الكشف: ليس لك أن تصل التكبير بآخر السورة وتقف عليه الوجه الثالث أن يوصف التكبير بآخر السورة وبالبسملة وهذا هو المراد من قوله: أوصل الكل، واختار هذا الوجه أبو الطيب ابن غلبون وابنه أبو الحسن ومكي مع تجويز غيره، قال أبو الطيب وهو المشهور من هذه الوجوه وبه قرأت وبه آخذ، وقال ابنه أبو الحسن: واعلم أن القارئ إذا أراد التكبير فإنه يكبر مع فراغه من آخر السورة من غير قطع ولا سكت في وصله ولكنه يصل آخر السور بالتكبير، ثم يقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم" وهو الأشهر الجيد إذ لم يذكر في شيء من الحديث فصل ولا سكت، بل ذكر في حديث ابن عباس مع وهي تدل على الصحبة والاجتماع. قلتُ: ولا ضرورة إلى هذه المضايقة فالمعية حاصلة وإن قطع على آخر السورة بوقفة يسيرة فلا يراد بالمعية في مثل ذلك إلا الاتصال المعروف في القراءة كما أن وقوف القارئ على مواضع الوقف من أواخر الآي وغيرها لا يخرجه ذلك عن اتصال قراءته بعضها ببعض، فإذا ليس الأولى إلا الوجه الأول وهو فصل السورة من التكبير لما ذكرناه وفصل التكبير من البسملة مبني أيضا على ما ذكرناه من الخلاف في البسملة قال صاحب التيسير: ولا يجوز القطع على التسمية إذا وصلت بالتكبير وهذا صحيح وقد مضى شرح ذلك في آخر باب البسملة وهو قوله: ومهما تصلها مع أواخر سورة فلا تقفن فلا فرق بين وصلها بآخر السورة أو بالتكبير أما إذا لم تصلها بالتكبير بل وقفت عليه فإنه يجوز لك أن تقف على البسملة أيضا كما إذا وقفت على آخر سورة وقد وقع لي في التكبير ثلاث احتمالات عليها تخرج هذه الوجوه كلها أحدها أن التكبير من توابع السورة الماضية فعلى هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 وصله بها أولى، الثاني: أنه من مقدمات السورة الآتية فعلى هذا قطعه من الأولى ووصله بالثانية أولى، والثالث أنه ذكر مشروع بين كل سورتين من هذه السور فعلى هذا يجوز وصله بهما وقطعه عنهما فمن كبر من أول والضحى لحظ الوجه الثاني ومن كبر من آخرها لحظ الأول وعلى هذا يبين الخلاف في انتهاء التكبير إلى أول الناس أو آخرها، فإن قلت فما وجه من كبر من أول الضحى وكبر آخر الناس. قلت: كأنه أعطى لسورة الناس حكم ما قبلها من السور؛ إذ كل سورة منها بين التكبيرتين وليس التكبير في آخر الناس لأجل أول الفاتحة؛ لأن الختمة قد انقضت ولو كان للفاتحة لشرع التكبير بين الفاتحة والبقرة ولم يفعله هؤلاء؛ لأن التكبير للختم لا لافتتاح أول القرآن والله أعلم. وقوله: معه مبسملا؛ أي: مبسملا مع التكبير فنصب مبسملا على الحال من فاعل صل الكل. 1130- وَمَا قَبْلَهُ مِنْ سَاكِنٍ أَوْ مُنَوَّنٍ ... فَلِلسَّاكِنَيْنِ اكْسِرْهُ فِي الْوَصْلِ مُرْسَلا المذكور في هذا البيت مفرع على قولنا إن التكبير يوصل بآخر السورة وهو معنى قوله: في الوصل ومعنى مرسلا مطلقا؛ أي: الحكم في الكسر مطلقا في النوعين أما إذا قلنا لا يوصل وهو الوجه المختار كما سبق فلا حاجة إلى ما في هذا البيت والذي بعده فإن الكسر يبتديء بفتح همزته وكذا إن قلنا إن التهليل يشرع قبل التكبير ووصلناه بآخر السورة فلا يتغير أمر مما يتعلق بأواخر السور؛ لأن أول التهليل حرف متحرك وأول التكبير همز وصل قبل ساكن فهمزة الوصل تسقط في الدرج فيبقى الساكن فينظر في أواخر السور وهي على أربعة أقسام ما آخره متحرك أو هاء ضمير، وهذان القسمان يأتي ذكرهما في البيت الآتي، وذكر في هذا البيت قسمين ما آخره ساكن وما آخره تنوين فالذي آخره ساكن: الضحى، ألم نشرح، اقرأ، والذي آخره تنوين: العاديات، القارعة، الهمزة، الفيل، قريش، النصر، تبت، الإخلاص؛ فحكم هذين القسمين كسر ما قبل التكبير؛ لالتقاء الساكنين وهذان القسمان كقسم واحد؛ لاتحاد حكمهما ولأن سكون التنوين كسكون غيره، وإنما أراد أن ينص على ساكن مرسوم حرفا في الخط وساكن يثبت لفظ لا خطا وهو التنوين ونزل تغيير أواخر هذه السورة لأجل ساكن أول التكبير منزلة تغييره إذا وصل آخر سورة بأول أخرى على قراءة حمزة فإن تنوين آخر: "والعاديات" يكسر وكذا ورش إذا وصل ويفتح آخر الضحى ويكسر آخر "اقرأ" بإلقاء حركة همزة ما بعدهما عليهما والله أعلم. 1131- وَأَدْرِجْ عَلَى إِعْرَابِهِ مَا سِوَاهُما ... وَلا تَصِلَنْ هَاءَ الضَّمِيرِ لِتُوصَلا يعني: ما سوى الساكن والمنون وهو المحرز أنزله على إعرابه؛ أي: وصله على حركته سواء كانت فتحة كآخر: التين، والماعون، والفلق، أو كسرة كآخر: القدر، والتكاثر، والعصر، والكافرين، والناس، أو ضمة كآخر: الكوثر، ولم يكن، والزلزلة، ولكن هاتان السورتان آخرهما هاء الضمير فلا يصلها؛ لأجل الساكن بعدهما على ما تمهد في شرح قوله: ولم يصلوها مضمر قبل ساكن فإذا لم تصلها وصلت ولم تقطع؛ لأن ذلك يدل على علمك وفضلك، وإن وصلتها قطعت؛ لدلالة ذلك على الجهل، فما أحلى ما وافقه، ولا تصلن لتوصلا والنون في ولا تصلن للتأكيد قوله: وأدرِجْ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 قولهم: أدرجت الكتاب؛ أي: طويته وأدرجت الدلو إدراجا إذا متحتها ومتح من باب نفع يقال: متحت الدلو إذا استخرجتها برفق فكأن القارئ إذا قرأ كلمة وتعداها إلى غيرها قد أدرجها وطواها، وقوله: على إعرابه؛ أي: حركة إعرابه وفي حركات أواخر السور المذكورة ما هو حركة إعراب كآخر القدر، والتكاثر، والعصر، والماعون، والكوثر، والناس، وباقيها حركة بناء كالتين، ولم يكن، والزلزلة، والكافرين، والفلق، فلم يرد بقوله: إعرابه إلا مجرد الحركة وكان يغنيه عن ذلك أن يقول: وأدرج على تحريكه ما سواهما. 1132- وَقُلْ لَفْظُهُ اللَّهُ أَكْبَرْ وَقَبْلَهُ ... لأَحْمَدَ زَادَ ابْنُ الْحُبَابِ فَهَيْللا أي: لفظ التكبير وسكن الراء من أكبر حكاية للفظ المكبر؛ لأنه واقف عليه فهذا هو المختار في لفظة التكبير، قال ابن غلبون: والتكبير اليوم بمكة الله أكبر لا غير كما ذكرنا في الأحاديث التي تقدمت وهو مشهور في رواية البغي وحده، وقال مكي: الذي قرأت وهو المأخوذ به في الأمصار الله أكبر لا غير وقوله: وقبله؛ يعني: قبل التكبير لأحمد؛ يعني: البزي زاد بن الحباب وهو أبو علي الحسن ابن الحباب بن مخلد الدقاق قرأ على البزي، وروي عنه التهليل قبل التكبير وقوله: فهيللا؛ أي: فقال: لا إله إلا الله، والأصل أن يقال فهللا وأنما الياء بدل من أحد حرفي التضعيف نحو قولهم: تطنيت يقال: قد أكثرت من الهيللة أبدلت الياء من عين الكلمة؛ لتكرير اللامات حكى أبو عمرو الداني في كتاب التيسير عن الحسن بن الحباب قال: سألت البزي عن التكبير كيف هو فقال لي: لا إله إلا الله والله أكبر، قال الداني وابن الحباب: هذا من الإتقان والضبط وصدق اللهجة بمكان لا يجهله أحد من علماء هذه الصنعة، وبهذا قرأت على أبي الفتح وقرأت على غيره بما تقدم، وحكي عن ابن الحباب أيضا أبو طاهر ابن أبي هاشم ذكره الحافظ أبو العلاء فقال: لا إله إلا الله والله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم. 1133- وَقيل بِهذَا عَنْ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسٍ ... وَعَنْ قُنْبُلْ بَعْضٌ بِتَكْبِيرِهِ تَلا أي: بما نقله ابن الحباب وهو معنى قول الداني: وبهذا قرأت على أبي الفتح، وقال في غير التيسير: حدثنا أبو الفتح شيخنا حدثنا عبد الباقي بن الحسن حدثنا أحمد بن صالح عن ابن الحباب عنهم؛ يعني: بالتهليل قال أبو عمرو: وبذلك قرأت على فارس أعني بالتهليل والتكبير وأبو الفتح هذا هو فارس بن أحمد بن موسى بن عمران الضرير الحمصي سكن مصر قال الداني في تاريخ الفراء أخذ القراءة عرضا وسماعا عن غير واحد من أصحاب ابن مجاهد وابن شنبوذ وغيرهم، ثم قال: لم يلقَ مثله في حفظه وضبطه وحسن تأديته وفهمه بعلم صناعته واتساع روايته مع ظهور نسكه وفضله وصدق لهجته وسمعته يقول ولدت بحمص سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة، وتوفي -رحمه الله- بمصر في ما بلغني سنة إحدى وأربع مائة وقد ذكره أبو عمرو الداني أيضا في أرجوزته التي نظمها في علم القراءة فقال: ممن أخذت عنهم ففارسوا ... وهو الضرير الحاذق الممارس أضبط من لقيت للحروف ... وللصحيح السائر المعروف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 وجميع ما ذكرناه مأخوذ به في رواية البزي، أما قنبل فلم يذكر له صاحب التيسير تكبيرا، وقال في غيره: وقد قرأت أيضا لقنبل بالتكبير وحده من غير طريق ابن مجاهد قال: وبغير تكبير آخذ في مذهبه فقول الشاطبي: وعن قنبل بعض بتكبيره من زيادات هذه القصيدة على ما في التيسير والهاء في تكبيره عائد على البزي؛ أي: وبعض الشيوخ تلا عن قنبل بمثل تكبير البزي، ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على قنبل أو على بعض، ولكن قوة المعنى على ما ذكرناه أولا وقد حكى صاحب الروضة التهليل أيضا عن قنبل فقال: وروى قنبل في غير رواية الزينبي عنه التهليل والتكبير من أول سورة ألم نشرح إلى خاتمة الناس ولفظه لا إله إلا الله والله أكبر وكذلك حكى الحافظ أبو العلاء التهليل والتكبير للبزي ولقنبل وحكى الهذلي صاحب الكامل رواية عن قنبل في تقديم التسمية على التكبير وهذا مما يقوي أن التكبير للسورة الآتية لا للسابقة وإن كان وجها بعيدا والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 باب: مخارج الحروف وصفاتها التي يحتاج القارئ إليها هذا الباب من زيادات هذه القصيدة على ما في التيسير ولكن ذكره أبو عمرو الداني في آخر كتاب الإيجاز وعلى ما فيه نظم الشاطبي رحمهما الله تعالى ولا تعلق له بعلم القراءات إلا من جهة التجويد وهو علم مخارج الحروف مقدمة له وهي جمع مخرج وهو موضع خروج الحرف من الفم وهي مختلفة على ما يأتي بيانه قال مكي: اللحن لحنان جلي وخفي، فالجلي ترك الإعراب والخفي ترك إعطاء الحروف حقوقها وذلك إنما يكون بإخراجها من غير مخارجها وإدراجها في غير مدراجها وتحليتها بغير صفاتها الواردجة على ألسنة القراء الذين خصهم الله تعالى بنقل شريعة القراءة وإقامتهم لضبط ما اشتمل عليه من الألفاظ، فالقراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول ولا عذر للجاهل؛ لأن فرضه السؤال. 1134- وَهَاكَ مَوَازِينُ الْحُرُوفِ وَمَا حَكَى ... جَهَابِذَةُ النُّقَّادِ فِيها مُحَصَّلا هاك؛ أي: خذها اسم فعل والكاف للخطاب والموازين جمع ميزان وموازين الحروف مخارجها سماها بذلك؛ لأنها إذا أخرجت منها لم يشارك صوتها شيء من غيرها فهي تميزها وتعرف مقدارها كما يفعل الميزان وقوله: وما حكى في موضع نصب عطفا على موازين؛ أي: وخذ الذي حكى فيها الجهابذة من التعبير عنها واستخراج صفاتها والجهابذة جمع جهبذ وهو الحاذق في النقد والنقاد جمع ناقد يقال: نقدت الدراهم إذا استخرجت منها الزيف وكنى بجهابذة النقاد عن الحاذقين بهذا العلم المتضلعين منه ومحصلا بفتح الصاد حال من مفعول حكى؛ أي: والذي حكاه العلماء محصلا وحسنت استعارة لفظ النقاد والجهابذة بعد ذكر الموازين وللشيخ -رحمه الله- في علم التجويد قصيدة يقول: للحرف ميزان فلا تك طاغيا ... فيه ولا تك مخسر الميزان 1135- وَلا رِيَبةٌ فِي عَيْنِهِنَّ وَلا رِبا ... وَعِنْدَ صَلِيلِ الزَّيْفِ يَصْدُقُ الاِبْتِلا في عينهن؛ أي: في نفسهن والريبة الشك والربا الزيادة؛ أي: لا شك في أنهن متعينات مخارج وصفات يتميز بها بعضها من بعض يدرك ذلك بالحس فهو ضروري لا شك فيه ولا يمكن الزيادة في التعريف بها بما يكذبه الحس وكذا النقصان وإنما ترك ذكره لظهوره فإن لفظ الزيادة يدل عليه فهو من باب قوله تعالى: تقيكم الحر؛ أي: والبرد وإلا فلا مناسبة بين قوله: ولا ريبة ولا ربا إلا المجانسة اللفظية؛ يعني: أنه أتى بها خالصة العبارة في الدلالة على المقصود ثم تمم البيت بما معناه أن هذا الذي ادعيته لا يخفى؛ لأن الزيف صليله شاهد عليه وها هي معروضة عليك؛ أي: عند نطق الناطق بالحرف يبين للناقد العارف بالمخارج والصفات أن نطقه به على صحة أو فيه خلل فصوت المختل كصليل الزيف والصليل الصوت والزيف مصدر زاف الدرهم إذا رديء ويقال أيضا درهم زائف وزيف؛ أي: رديء وصفوه بالمصدر وغلب ذلك عليه نحو: رجل عدل، فيجوز أن يكون الزيف في البيت بمعنى الزائف ويجوز أن يكون المصدر والابتلاء الاختبار؛ أي: الناقد إذا اختبره وهما ينقده عند الريبة فيه فيظهر فيه صوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 743 الرداءة صدق اختباره والاستعارات التي في هذا البيت أيضا تابعة للمجازاة السابقة فهو من باب المجاز المرشح وله نظائر. 1136- وَلا بُدَّ فِي تَعْيِينِهِنَّ مِنَ الأُلَى ... عُنُوا بِالْمَعانِي عَامِلينَ وَقُوَّلا أي: لا بد لنا في حصول تعيينهن والتعريف بهن من نقل أقوال الذين اعتنوا بالمعاني فاستنبطوها وأحكموها؛ أي: إني أذكر ما ذكر أئمة العلماء بذلك، فالأولى بمعنى الذين وعاملين حال منهم، وقولا عطف عليه وهو جمع قائل؛ أي: قائلها عاملين بها والضمير في تعيينهن قال الشيخ: للموازيين وكذا ولا ريبة في عينهن ويجوز أن يكون للحروف على معنى ولا بد في تعيين ما تتميز به من المخارج والصفات من الاستعانة بعبارة المتقدمين وإن كان الحس يشهد بذلك. 1137- فَابْدَأْ مِنْها بِالْمَخَارِجِ مُرْدِفًا ... لَهُنَّ بِمَشْهُورِ الصِّفَاتِ مُفَصِّلا منها؛ أي: من المعاني إن كان أراد بقوله: عنوا بالمعاني المخارج والصفات، وإن كان أراد مطلق المعاني فالهاء في منها عائدة على الحروف وهذا مما يقوي أن الضمير في تعيينهن للحروف وفي قوله: وما هاك موازين الحروف ويكون منها على حذف مضاف؛ أي: في أحكام الحروف وقوله: مردفا لهن للمخارج بذكر ما اشتهر من صفات الحروف مفصلا ذلك؛ أي: مبينا ثم شرع في ذكر المخارج وقال: 1138- ثَلاثٌ بِأَقْصَى الْحَلْقِ وَاثْنانِ وَسْطَهُ ... وَحَرْفَانِ مِنْها أَوَّلَ الْحَلْقِ جُمِّلا أي: منها ثلاثة أحرف حلت بأقصى الحلق وحرفان في وسطه وحرفان أوله وجملا نعت لحرفان فالألف ضمير التثنية ذكر في هذا البيت سبعة أحرف وهي المسماة حروف الحلق وإنما قال: ثلاث ولم يقل ثلاثة ومراده ثلاثة أحرف؛ لأن الأحرف عبارة عن حروف المعجم وتلك يجوز معاملة ألفاظها بالتأنيث والتذكير فقال: ثلاث بلفظ التأنيث العددي اعتبارا لذلك المعنى ثم قال واثنان فاعتبر اللفظ فذكر وقد تقدم الكلام في ذلك أيضا في شرح قوله في الأصول: غير عشر ليعدلا، ومثله قول عمر بن أبي ربيعة: ثلاث شخوص كاعبات ومعصرا أنث عدد شخوص وهو لفظ مذكر لما أراد به نساء ذكر سيبويه -رحمه الله- أن مخارج الحروف ستة عشر مخرجا وهي دائرة على ثلاثة الحلق والفم والشفة ويقال الحلق واللسان والشفتان والمعنى واحد وكل ذلك على التقريب وإلحاق ما اشتد تقاربه بمقاربه وجعله معه من مخرج واحد والتحقيق أن كل حرف له مخرج يخالف الآخر باعتبار الصفات وإلا كان إياه فللحلق ثلاثة مخارج أقصاه وأوسطه وأدناه إلى الفم وهو المراد بقوله: أول الحلق ولهذا سميت هذه الحروف السبعة لحروف الحلق إضافة لها إلى مخرجها فالثلاثة التي لأقصى الحلق الهمزة والألف والهاء وهي على هذا الترتيب فالهمزة أقصى الحروف مخرجا تكاد تخرج من الصدر والحلق فإن اللذان من أوسط الحلق هما العين والحاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 744 المهملتان والحرفان اللذان من أدنى الحلق هما الغين والخاء المعجمتان ويتبين لك مخرج كل حرف بأن تنطق بالحرف ساكنا وقبله همزة وصل، ثم شرع في الحروف التي تخرج من الفم وفيه عشرة مخارج لثمانية عشر حرفا في أربعة مواضع من اللسان أقصاه ووسطه وحافته وطرفه ففي الأقصى مخرجان وفي الوسط واحد وفي الحافة مخرجان وفي الطرف خمسة مخارج فقال: 1139- وَحَرْفٌ لَهُ أَقْصَى اللِّسَانِ وَفَوْقَهْ ... مِنَ الْحَنَكِ احْفَظْهُ وَحَرْفٌ بِأَسْفَلا أي: ومنها حرف مخرجه أقصى اللسان وهو الذي يلي أول الحلق فقوله: "وفوقه"؛ أي: وما فوقه في الحنك، فحذف الموصول ضرورة، وهذا الحرف هو القاف ثم قال: وحرف بأسفلا؛ أي: ومنها حرف بأسفل الحنك مع كونه في أقصى اللسان وهو الكاف يقال لها أقصى اللسان وما تحته من الحنك ومنهم من يقول وما فوقه من الحنك مما يلي مخرج القاف قال الشيخ أبو عمرو -رحمه الله: والأمر في ذلك قريب؛ لأنه قد يوجد على كل واحد من الأمرين بحسب اختلاف الأشخاص مع سلامة الذوق فعبر كل واحد على حسب وجدانه. 1140- وَوَسْطُهُمَا مِنْهُ ثَلاثٌ وَحَافَةُ الْـ ... ـلِسَانِ فَأَقْصَاهَا لِحَرْفٍ تَطَوَّلا أي: وسط اللسان والحنك منه يخرج ثلاثة أحرف وهي الجيم والشين المعجمة والياء المثناة من تحت فقوله: منه ثلاث جملة ابتدائية هي خبر وسطها ثم ابتدأ قائلا: وحافة اللسان لحرف تطولا، وقوله: فأقصاها بدل من حافة اللسان على زيادة الفاء ويعني بذلك أولا حافة اللسان كما ذكر الأئمة والحرف الذي يطول هو الضاد المعجمة؛ لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام على ما سيأتي بيانه وهو يخرج من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس فهذا معنى قوله: لحرف تطولا إلى ما يلي الأضراس على ما تراه في البيت الآخر وهو. 1141- إِلى مَا يَلِي الأَضْرَاسَ وَهْوَ لَدَيْهِمَا ... يَعِزُّ وَبِاليُمْنَى يَكُونُ مُقَلَّلًا أي: تطول إلى الموضع الذي يلي الأضراس وقوله: وهو؛ يعني: أيضا ولديهما؛ أي: لدى الجهتين اليمنى واليسرى فاضمر ما لم يجر له ذكر؛ لأن في قوة الكلام دليلا عليه، وهو قوله: ما يلي الأضراس؛ فإن الأضراس موجودة في الجانبين وقوله: يعز؛ أي: يقل ويضعف خروجها منهما ولهذا قال سيبويه إنها تتكلف من الجانبين بل من الناس من يخرجها من الجانب الأيمن وهو قليل وهو معنى قوله: وباليمنى؛ أي: وبالجهة اليمنى يكون مقللا والأكثر على إخراجها من الجانب الأيسر على حسب ما يسهل على المتكلم وقيل: إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يخرجها من الجانبين ومنهم من يجعل مخرج الضاد قبل مخرج الجيم والشين والياء. 1142- وَحَرْفٌ بِأَدْنَاهَا إِلى مُنْتَهاهُ قَدْ ... يَلِي الْحَنَكَ الأَعْلى وَدُونَهُ ذُو وِلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 أي: بأدنى حافة اللسان إلى منتها طرف اللسان بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى ومنهم من يزيد على هذا فيقول فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية وهو حرف اللام، قال الشيخ أبو عمرو: وكان يغني أن يقال: فويق الثنايا إلا أن سيبويه ذكر ذلك فمن أجل ذلك عددوا وإلا فليس في الحقيقة فوق؛ لأن مخرج النون يلي مخرجها وهي فوق الثنايا فكذلك هذا على أن الناطق باللام يبسط جوانب طرفي لسانه مما فوق الضاحك إلى الضاحك الآخر وإن كان المخرج في الحقيقة ليس إلا فوق الثنايا وإنما ذاك يأتي لما فيها من شبه الشدة ودخول المخرج في ظهر اللسان، فيبسط الجانبان لذلك فلذلك عدد الضاحك والناب والرباعية والثنية، وقوله: ودونه بقصر الهاء؛ أي: دون هذا الحرف وهو حرف اللام حرف ذو ولاء؛ أي: متابعة له؛ يعني: النون مخرجها مما بين طرف اللسان وفويق الثنايا وهي تخرج قليلا من مخرج اللام، وقال مكي: ومن أدنى طرفه وما يليه في الحنك الأعلى تخرج النون والتنوين ومن ذلك الأدنى داخلا إلى ظهر اللسان قليلا تخرج الراء، ثم ذكر مخرج الراء فقال: 1143- وَحَرْفٌ يُدَانِيهِ إِلَى الظَّهْرِ مَدْخَلٌ ... وَكَمْ حَاذِقٍ مَعْ سِيبَويْهِ بِهِ اجْتَلا يعني: يداني النون وهو الراء يخرج من مخرجها، لكنه أدخل في ظهر اللسان قليلا من مخرج النون؛ لانحرافه إلى اللام، فهذا معنى قوله: إلى الظهر مدخل؛ أي: وحرف مدخل إلى الظهر يدانيه، وأورد الشيخ أبو عمرو أن هذه العبارة تقتضي أن يكون مخرج الراء قبل النون؛ لأن الراء أدخل منها إلى ظهر اللسان، وأجاب بأن المخرج بعد مخرج النون وإنما يشاركه ذلك لا على أنه يستقل به ألا ترى أنك إذا نطقت بالنون والراء ساكنتين وجدت طرف اللسان عند النطق بالراء فيما هو بعد مخرج النون هذا هو الذي يجده المستقيم الطبع قال وقد يمكن إخراج الراء مما هو داخل من مخرج النون أو من مخرجها ولكن يتكلف لا على حسب إجراء ذلك على الطبع المستقيم والكلام في المخارج إنما هو على حسب اشتقاق الطبع لا على التكلف، والهاء في به يعود على الظهر؛ أي: إن سيبويه وجماعة من الحذاق يجعلون الراء من ظهر اللسان وأنهم ثم اجتلوه؛ أي: كشفوه، هكذا قال الشيخ، ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على المذكور؛ أي: وكم من حاذق في صناعة العربية؛ أي: ماهر بها اجتلا هذا الحرف بهذا المخرج المذكور وهو نص ما في كتاب سيبويه الذي هو إمام نحاة البصريين قال -رحمه الله: ومن مخرج النون غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلا؛ لانحرافه إلى اللام مخرج الراء زاد غيره وقال: غير أن في الراء تكريرا وكذا ما ذكرناه في اللام والنون هو قول سيبويه ثم قال: 1144- وَمِنْ طَرَفٍ هُنَّ الثَّلاثُ لِقُطْرُبٍ ... وَيَحْيى مَعَ الْجَرْمِيِّ مَعْناهُ قُوِّلا قال أبو عمرو الداني: وقال الفراء: وقطرب والجرمي وابن كيسان مخارج الحروف أربعة عشر مخرجا فجعلوا اللام والراء والنون من مخرج واحد وهو طرف اللسان قلت: أما قطرب فهو أبو علي محمد بن المستنير البصري أحد العلماء بالنحو واللغة أخذ عن سيبويه وغيره، ويقال: إن سيبويه لقبه قطربا لمباكرته إياه في الأسحار قال له يوما: ما أنت إلا قطرب ليل والقطرب دويبة تدب ولا تفتر، ومنه حديث ابن مسعود: لا أعرفن أحدكم جيفة ليل قطرب نهار، قال أبو عبيد: يقال إن القطرب دويبة لا تستريح نهارها سعيا، وحكى ثعلب أن القطرب الخفيف وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 محمد بن المستنير يبكر إلى سيبويه فيفتح سيبويه بابه فيجده هنالك فيقول له: ما أنت إلا قطرب ليل، فلقب بذلك، أما يحيى فهو أبو زكريا بن يحيى بن زياد الفراء إمام نحاة الكوفة بعد الكسائي ذكر الخطيب أنه كان ثقة إماما وأنه كان يقال: الفراء أمير المؤمنين في النحو، أما الجرمي فهو أبو عمرو صالح بن إسحاق أحد نحاة البصرة قرأ على الأخفش وأخذ اللغة عن أبي عبيدة وأبي زيد والأصمعي وكان ذا دين وورع فهذا معنى قوله: ومن طرف اللسان، والثلاث بدل من قوله: هن أو عطف بيان كقولك في الدار هو زيد أضمرته أولا اعتمادا على أن السامع يعرفه، ثم اعترضك شك في معرفته به فأتيت بما يكشفه ويوضحه ويؤكده ومعنى لقطرب؛ أي: في قوله: ومذهبه فهي لام البيان نحو "هيت لك" ثم ابتدأ قوله: ويحيى وفي قولا ضمير تثنية راجع إلى يحيى والجرمي؛ أي: نسب إليهما قول بمعنى ما ذكر قطرب، وقال صاحب العين: هذه الحروف الثلاثة ذلقية تبتدئ من ذلق اللسان وهو تحديد طرفه. 1145- وَمِنْهُ وَمِنْ عُلْيَا الثَّنَايَا ثَلاثَةٌ ... وَمِنْهُ وَمِنْ أَطْرَافِها مِثْلُها انْجَلى يعني: ومن طرف اللسان ومن الثنايا العليا؛ يعني: بينهما ثلاثة أحرف وهي الطاء والدال المهملتان والتاء المثناة من فوق وعبارة سيبويه مما بين طرف اللسان وأصول الثنايا زاد غيره: مصعدا إلى الحنك، وقال الشيخ أبو عمرو: وقوله: وأصول الثنايا ليس بحتم بل قد يكون ذلك من أصول الثنايا، ويكون مما بعد أصولها قليلا مع سلامة الطبع من التكليف ثم قال: ومنه -يعني: ومن طرف اللسان- ومن أطرافها -أي: أطراف الثنايا المذكورة- أي: مما بينهما وهي عبارة سيبويه مثلها؛ أي: ثلاثة أحرف وهي الظاء والذال المعجمتان والثاء المثلثة فهي مثلها في العدية، وقال مكي ومن طرفه وما يليه من أطراف الثنايا علياها وسفلاها تخرج الظاء والذال والثاء ومعنى انجلا انكشف؛ أي: انجلا المذكور بمعنى بأن كل فريق من هذه الستة وظهر مخرجه، ويجوز أن يكون الضمير في انجلا عائدا على لفظ مثل؛ لأنه مفرد وإن عنى به ثلاثة؛ أي: انجلا مثلها من المخرج المذكور وقوله: عليا الثنايا من باب إضافة الصفة إلى موصوفها والأصل الثنايا العليا، ولم يذكر سيبويه في عبارته العليا وهي مراده وهذه إضافة صحيحة؛ لأن الثنايا قسمان سفلى وعليا، فميز بالإضافة نحو علماء القوم وفضلاء الرجال وليس في كل جهة إلا ثنيتان فالمجموع أربع، وجوز التعبير عن المثنى بالجمع تخفيفا وهو هنا أولى من غيره لا من الإلباس، ونظيره قولهم: هو عظيم المناكب وغليظ الحواجب وشديد المرافق وضخم المناخر. 1146- وَمِنْهُ وَمِنْ بَيْنِ الثنَايَا ثَلاثَةٌ ... وَحَرْفٌ مِنْ اطْرَافِ الثَّنَايا هِيَ الْعُلا أي: ومن طرف اللسان ومن بين الثنايا لا أصولها ولا أطرافها ثلاثة أخرى وهي الصاد والسين المهملتان والزاي، وقدم سيبويه ذكر هذه الثلاثة التي قبلها وعبارته فيها ومما بين طرف اللسان وفوق الثنايا مخارج الزاي والسين والصاد، قال الشيخ: وعبر عن ذلك غيره فقال: من طرف اللسان وفويق الثنايا السفلى كذا قال، وسيبويه لم يصف الثنايا في عبارته في جميع هذه المواضع فلم يقل العليا ولا السفلى، وقال الشيخ أبو عمرو: قولهم الثنايا في هذه المواضع إنما يعنون الثنايا العليا وليس ثم إلا ثنيتان، وإنما عبروا عنها بلفظ الجمع؛ لأن اللفظ به أخف مع كونه معلوما وإلا فالقياس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 أن يقال وأطراف الثنيتين، وقال في الزاي وأختيها: هي تفارق مخرج الطاء وأختيها؛ لأنها بعد أصول الثنايا أو بعد ما بعد أصولها، وتفارق الطاء وأختيها؛ لأنها قبل أطراف الثنايا، وقال غيره: هي من حانته قليلا من مخرج الظاء بحيث لا تلصق اللسان بالثنايا عند إخراجها ثم بين الناظم مخرج الفاء بقوله: بيان للثنايا والعلا جمع العليا وبتمام هذا البيت تم الكلام في المخارج المتعلقة بالفم وبقي مخرج الشفة وفيها مخرجان لأربعة أحرف ثم تمم الكلام في مخرج الفاء فقال: ومنه من بين الثنايا ثلاثة ... وحرف من أطراف الثنايا هي العلا 1147- وَمِنْ بَاطِنِ السُّفْلَى مِنَ الشَّفَتَيْنِ قُلْ ... وَلِلشَّفَتَيْنِ اجْعَلْ ثَلاثًا لِتَعْدِلا أي: مخرج الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا هذه عبارة سيبويه وبقي ثلاثة أحرف وهي الواو والفاء الموحدة والميم مخرجها مما بين الشفتين فهذه حروف الشفة وحروف الحلق هي السبعة المبتدأ بذكرها والبواقي حروف الفم والفاء مشتركة بين الثنايا والشفة فمن حيث تعلقها بالثنايا فارقت حروف الشفة ومن حيث لا تعلق لها باللسان فارقت حروف الفم فالتحقيق أنها قسم برأسها ونصب لتعدلا بلام التعليل فإن كانت فتعدلا يكون نصبها بالفاء في جواب الأمر. 1148- وَفِي أَوَّلِ مِنْ كِلْمِ بَيْتَيْنِ جَمْعُها ... سِوَى أَرْبَعٍ فِيهِنَّ كِلْمَةٌ أَوّلا لما أجمل ذكر الحروف عند مخارجها أتى بها مضمنة في أوائل كلمات بيتين على ترتيب ما بينه من المخارج فقوله: وفي أول؛ أي: في حروف أول وأول جمع أولى ووجه هذا التأنيث ما سبق ذكره في قوله: ثلاث بأقصى الحلق؛ لأنه نعت لحروف والحروف عبارة عن أسماء حروف التهجي وتلك الأسماء يجوز تأنيثها فكأنه قال وفي أوائل من كلمات بيتين جمع هذه الحروف ذوات هذه المخارج فقوله: كلم بكسر الكاف وسكون اللام هو تخفيف كلم بفتح الكاف وكسر اللام مثل قولهم فخذ في فخذ وكبد في كبد ثم قال سوى أربع؛ أي: سوى أربع أحرف فإنك لا تأخذهما من أوائل الكلمات وإنما تأخذها من مجموع الكلمة الأولى من البيت الأول من البيتين المذكورين، وقوله: فيهن؛ أي: في جمعهن جمع كلمة أول البيتين فأولا مخفوض بإضافة كلمة إليه لكنه لا ينصرف هكذا قال الشيخ وهو مشكل فإن الكلمة حينئذ تبقى مجهولة في البيت الأول فما من كلمة فيه إلا ويصدق عليها هذه العبارة فالوجه أن يكون كلمة منونة وأولا ظرف ألقيت حركة همزته على التنوين فهذا أولى لتتعين الكلمة الأولى من البيتين لجميع الحروف الأربعة على ما نبينه، ثم ذكر البيتين فقال: 1149- "أَهَاعَ" "حَـ"ـشَا "غَـ"ـاوٍ "خَـ"ـلا "قَـ"ـارِئٍ "كَـ"ـمَا ... "جَـ"ـرَى "شَـ"ـرْطُ "يُـ"ـسْرَى "ضَـ"ـارِعٍ "لَـ"ـاحَ "نَـ"ـوْفَلا أهاع هي الكلمة المضمنة أربعة أحرف من حروف الحلق وهي الثلاثة التي بأقصى الحلق وواحد من وسطه والثاني أول حشا والحرفان اللذان من أول الحلق هما أول غاو خلا وهكذا أخذ الباقي من الحروف من أوائل الكلمات إلى آخر البيت وهو النون الذي عبر عنه بقوله: ودونه ذو ولا وكان الوجه تقديم ذكر الألف على الهاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 عند ذكر الحروف الحلقية فقال: الهمزة والألف والهاء كذلك عبر عنه سيبويه وغيره فعدل الناظم إلى تقديم الهاء على الألف؛ لأنه لم يطاوعه كلمة مستعملة على ذلك الترتيب ولو فرض أن أهع له معنى لما كان محصلا للغرض؛ لأن المدة بعد الهمزة لا يتفطن لها أنها مقصودة حرفا ولهذا يسقط من الرسم ألا ترى أنه إذا كتب اسم آدم لم يكتب بعد الهمزة إلا الدال وسقطت المدة وإذا قيل: أهاع كان ستافي تعداد الحروف ومعنى أهاع أفزع من قولهم هاع ويهيع ويهاع إذا جبن ومنه الهيعة لكل ما أفزعك من صوت أو فاحشة تشاع، ويقال: هاع يهوع إذا فاء وكلاهما محتمل هنا في قوله: هاع على ما نبينه والحشاء ما انضمت الضلوع عليه والجمع أحشاء والغاوي اسم فاعل من غوي يغوى غيا؛ أي: ضل وحشى غاو هو مفعول أهاع مقدم على فاعله، والفاعل قوله: خلا قارئ، والخلا بالقصر: الرطب من الحشيش، والرُّطب بضم الراء: الكلأ، ويقال فلان حسن الخلاء؛ أي: طيب الكلام يكنى بذلك عن جودة قراءته وطيب حديثه وكنى به الناظم عن جودة قراءة القارئ وما بجنيه ساقها من التلذذ بها؛ أي: إن قراءة هذا القاريء أفرغ حشا القاريء الضال المنهمك في طغيانه فألقى ما في باطنه من الأخلاق الذميمة واستبدل بها غيرها فقد ظهر وجه التجوز بالمعنيين في أهاع ثم قال كما جرى شرط يسري ضارع وهكذا جرى شرط قراءة من كان ضارعا خاشعا؛ أي: ييسر من سمع منه ذلك لليسرى، ويحكى عن قراءة صالح المري من هذا الباب عجائب وهو أحد الأئمة المتقدمين السادة -رحمه الله- تعالى والنوفل الكثير العطاء؛ أي: لاح هذا القاريء كثير الفوائد والله أعلم. 1150- "رَ"عى "طُـ"ـهْرَ "دِ"ينٍ "تَـ"ـمَّهُ "ظِـ"ـلُّ "ذِ"ي "ثَـ"ـنا ... "صَـ"ـفَا "سَـ"ـجْلُ "زُ"هْدٍ "فِـ"ـى "وُ"جُوهِ "بَـ"ـنِى "مَـ"ـلا أي: رعى هذا القارئ طهارة دين أتم ذلك الدين ظل شيخ ذي ثناء، قال الشيخ: يقال: تم الله عليك النعمة وأتمها؛ أي: هو من باب فعل وأفعل بمعنى واحد كلاهما متعد إلى المفعول ويحتمل أن يقال أرادتم به ظل ذي ثناء ثم حذف حرف الجر وهو الباء فصار تمه؛ أي: تم بذلك الدين ظل ذي ثناء وهذا أحسن معنى من أن يكون الظل أتم الدين، وقد حكى صاحب المحكم: تم بالشيء جعله تاما وأنشد ابن الأعرابي: إن قلت يوما نعم فتم بها أي: أتمها فيكون مثل ذهبت به؛ أي: أذهبته، فقول الشاطبي هنا تمه على حذف الباء وحصر لفظ الثناء ضرورة ورأيت في حاشية نسخة قرئت على الناظم -رحمه الله- حكى ابن طريف تمه وأتمه ويقال صفوت القدر إذا أخذت صفوتها والسجل في الأصل الدلو العظيمة إذا كان فيها ماء وجعل ههنا للزهد سجلا كأنه مجتمع في وعاء فأخذ هذا الرجل المشار إليه صفوته، فقوله: سجل زهد مفعول صفا وفاعله ضمير عائد على موصوف ذي ثناء محذوف، وقال الشيخ: التقدير: صفا سجل زهده ثم قال: في وجوه؛ أي: هو كائن في جماعة وجوه والوجوه أشراف القوم والملأ كذلك؛ أي: هم أشراف بنو أشراف ضمن هذا البيت باقي الحروف من الراء إلى الميم ثم قال: 1151- وَغُنَّةُ تَنْوِينٍ وَنُونٍ وَمِيمٍ انْ ... سَكَنَّ وَلا إِظْهَارَ فِي الأَنْفِ يُجْتَلى وغنة تنوين مبتدأ وفي الأنف تجتلا خبره كما تقول هند في الدار تكرم؛ أي: ثم يكشف ويجلي أمرها وأراد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 749 أن يبين مخرج فبين أولا الحروف التي تصحبها الغنة بأن أضاف الغنة إليها وهي التنوين والنون والميم فهذه ثلاثة، وفي الحقيقة حرفان النون والميم؛ لأن التنوين نون حقيقة في المخرج والصفة وإنما الفرق بينهما عدم ثبات التنوين في الوقف وفي صورة الخط وأنه لا يكون إلا زائدا على هجاء الكل فلهذا يعتني الفراء بالتنصيص عليه كقولهم باب أحكام النون الساكنة والتنوين: وقد مضى في باب التكبير وما قبله من ساكن أو منون، أما سيبويه وأتباعه فلم يذكروا إلا النون والميم قال سيبويه في ذكره الحروف التي بين الشديدة والرخوة، ومنها حرف يجري معه الصوت؛ لأن ذلك الصوت غنة من الأنف فإنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف؛ لأنك لو أمسكت أنفك لم يجر معه صوت وهو النون وكذلك الميم وقال قبل ذلك: ومن الخياشيم تخرج النون الخفيفة وأراد بالنون الخفيفة الغنة وتسمى الخفيفة أيضا؛ لخفتها وخفائها، وقال نصر بن علي الشيرازي: ومنها حروف الغنة وهي النون والميم سميتا بذلك؛ لأن فيهما غنة تخرج من الخياشيم وهي الصوت المحصور فيها كأصوات الحمائم والقمارى، وقوله: إن كن ولا إظهار بيان للحالة التي تصحب الغنة لهذه الأحرف؛ لأن هذه الحروف ليست لازمة للغنة لا تنفك عنها، فقال: شرطها أن تكنَّ سواكن وأن تكنَّ مخفيات أو مدغمات إلا في موضع نصوا على الإدغام فيه يعبر عنه أو اختلف في ذلك على مضى شرحه في باب أحكام النون الساكنة والتنوين فإن كن مظهرات أو متحركات فلا غنة فالعمل في النون للسان وفي الميم للشفتين على ما سبق، وكان يجزئه إن يشترط عدم الإظهار، ويلزم من ذلك أن تكن سواكن قال الشيخ أبو عمرو في شرح هذه الغنة المسماة بالنون الخفيفة: هذه النون التي قد مر ذكرها فإن تلك من الفم وهذه من الخيشوم، قال: وشرط هذه أن يكون بعدها حرف الفم؛ ليصح إخفاؤها فإن كان بعدها حرف من حروف الحلق أو كانت آخر الكلام وجب أن تكون الأولى فإذا قلت عنك ومنك فمخرج هذه النون من الخيشوم وليست تلك النون في التحقيق، فإذا قلت من خلق ومن أبوك فهذه هي النون التي مخرجها من الفم وكذلك إذا قلت أعلن وشبهه مما يكون آخر الكلام وجب أن تكون هي الأولى أيضا. قلت: وحروف العربية الأصول هي التسعة والعشرون التي مر ذكر مخارجها ويتفرع منها حروف أخر مركبة من ألفاظ بعضها يجري مجرى اللغات منها ما هو فصيح ومنها ما هو مستحسن وهذا سنوضحه إن شاء الله تعالى في شرح النظم في النحو ونبين هنا ما وقع من الفصيح في قراءة القراء وهي همزة بين بين التي تأتي على ثلاثة ألفاظ بين الهمزة والواو وبين الهمزة والياء وبين الهمزة والألف واختلاف ذلك بحسب اختلاف حركتها وقد تقدم بيان ذلك في شرح قوله: والمسهل بين ما هو الهمز والحرف الذي منه أشكلا ومنها الصاد التي كالزاي وهي التي مر ذكرها في قراءة حمزة في الصراط وأصدق والمصيطرون وبمصيطر وغير ذلك ومنها الألف الممالة إمالة محضة أو بين بين وقد مضى تحقيق ذلك في بابه ومنها هذه النون المخفاة المسماة بالغنة وقد اتضح أمرها في شرح هذا البيت بتوفيق الله تعالى والله أعلم. وقال مكي: أما النون المخفاة فهو صوت مركب على جسم الخيشوم خاصة لاحظ للجزء من اللسان فيه وهو نوعان التنوين والنون الخفيفة الداخلة على الفعل للتوكيد وقال قبل ذلك الغنة الصوت الزائد على جسمي النون والميم منبعثا عن الخيشوم المركب فوق غار الفم الأعلى يصدق هذا إنك لو أمسكت أنفك لم يمكن خروج الغنة ولا يتغير الصوت بالنون لعدم الغنة المقدرة بها. قلت: وانقضى الكلام في المخارج، ثم ذكر مشهور الصفات فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 750 1152- وَجَهْرٌ وَرَخْوٌ وَانْفِتَاحٌ صِفَاتُهَا ... وَمُسْتَفِلٌ فَاجْمَعْ بالَاضْدَادِ أشْمُلا أي: صفاتها كذا وكذا فذكر أربعة يأتي ذكر أضدادها وعبر عن اثنين من الأربعة بلفظ المصدر وهما الجهر والانفتاح، وعن اثنين بلفظ الصفة وهما رخو ومستفل ولفظ الصفة في الأولين مجهورة منفتحة ولفظ المصدر في الآخرين رخاوة واستفال وبكل ذلك وقعت العبارة في كتب الأئمة والجهر ضده الهمس فالمجهورة تسعة عشر حرفا سميت بذلك من قولهم: جهرت بالشيء إذا أعلنته، وذلك أنه لما امتنع النفس أن يجري معها انحصر الصوت لها فقوي التصويت بها والمهموسة عشرة أحرف وهي ما عدا المجهورة سميت بذلك أخذا من الهمس الذي هو الحس الخفي وقيل: في قوله تعالى: {فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} هو حس الأقدام ومنه قول أبي زيد في صفة الأسد: يصير بالدجى هاد هموس فالهمس الضعف فسميت مهموسة؛ لضعف الصوت بها حين جري النفس معها فلم يقو التصويت بها قوته في المجهورة، فصار في التصويت بها نوع خفاء؛ لانقسام النفس عند نطقها، والرخاوة ضدها الشدة، والانفتاح ضده الإطباق، والاستفال ضده الاستعلاء وسيأتي بيان كل ذلك، وقوله: فأجمل بالأضداد أشملا؛ أي: بمعرفة أضداد ما ذكرت يجتمع شمل جميع الحروف ويعرف صفاتها؛ لأن ما نذكره منها بصفة فالباقي بخلافه فجميع الحروف منقسمة إلى كل ضدين من هذه الأضداد الثمانية فهي أربع تقسيمات وأشملا جمع شمل وهو مفعول فاجمع. 1153- فَمَهْمُوسُها عَشْرٌ "حَثَتْ كِسْفَ شَخْصِهِ" ... "أَجَدَّتْ كَقُطْبٍ" لِلشَّدِيدَةِ مُثِّلا أي: مهموس الحروف عشرة أحرف وإنما أنث العدد على ما ذكرناه من شرح قوله: ثلاث بأقصى الحلق، ثم بين العشرة بأن جميعها في هذه الكلمات الثلاثة وقال غيره سحته كف شخص وقيل: كست شخصه فحث وقيل: ستشحكثك حصفه على الوقف بالهاء ومعنى ستشحثك ستردعك وحصفه اسم امرأة هكذا وجدته في حاشيتي كتاب أحسن من الجميع سكت فحثه شخص ثم جمع الحروف الشديدة من قوله: أجدت كقطب، وقال غيره: أجدت طبقك والفاء للتأنيث أو للخطاب، وقيل أيضا في جمعها: أجدك قطبت، وقوله: مثلا؛ أي: مثل هذا اللفظ وشخص لجميع الحروف الشديدة وسميت هذه الحروف شديدة؛ لأنها قويت في موضعها ولزمته ومنع الصوت أن يجري معها حال النطق بها؛ لأن الصوت انحصر في المخرج فلم يجر؛ أي: اشتد وامتنع قبوله للتليين بخلاف الرخوة فهذه الحروف الشديدة هي ثمانية: منها ستة من المجهورة ومنها اثنان من المهموسة التاء والكاف والستة الباقية مجهورة شديدة اجتمع فيها أن النفس لا يجرى معها ولا الصبوت في مخرجها وهو معنى الجهر والشدة جميعا. 1154- وَمَا بَيْنَ رَخْوٍ وَالشَّدِيدَةِ "عَمْرُنَلْ" ... وَ"وَايٌ" حُرُوفُ الْمَدِّ وَالرَّخْوِ كَمَّلا أي: وما بين حرف رخو والحروف الشديدة حروف قولك عمر نل؛ أي: هذه الحروف الخمسة لا رخوة ولا شديدة فهي بين القبيلين ولا ينبغي أن تكتب هنا بالواو لئلا تصير الحروف ستة وهو منادى مفرد حذف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 حرف ندائه؛ أي: يا عمرو نل ما ذكرته لله ثم ذكر أن حروف المد يجمعها قولك: وأي وهي ثلاثة أحرف الواو والألف والياء والوأى بهمزة الألف معناه الوعد ولكنه سهل الهمزة؛ ليأتي بلفظ الألف وسميت حروف المد؛ لامتداد الصوت بها عند ساكن أو همزة، ثم قال: والرخو كملا أي وهذا اللفظ الذي هو وأي كملت حروفه الثلاثة الحروف الرخوة التي هي ضد الشديدة؛ أي: إنها معدودة منها وإنما قال ذلك؛ لأن غيره يجعلها من جملة الحروف التي بين الرخوة والشديدة فلما لم يذكرها من حروف "عمر نل" بيّن أنه لم يخل بتركها وإنما هي عنده من قسم الرخوة والذين جعلوها بين الرخوة والشديدة فيصير حروفها عندهم ثمانية يجمعها قولك: لم يروعنا أو لم يرعونا أو لم يروعنا أو ولينا عمرا ولم يروعنا وهو ظاهر كلام سيبويه فإنه لما عد الحروف الرخوة لم يعد حروف المد، وذكر بعدها العين واللام والنون والميم والراء وبينها واحدة واحدة بعبارة تقتضي أنها بين الشديدة والرخوة لم يتم لصوتها الانحصار ولا الجري، ثم قال: ومنها اللينة فوصفهن، ثم قال: وهذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخارجها وإخفائهن وأوسعهن مخرجا الألف ثم الياء ثم الواو وظاهر كلام أبي الحسن الرماني في شرح الأصول موافق لما نظمه الشاطبي فإنه قال: وما عدا الشديدة على وجهين شديد يجري فيه الصوت ورخوة أما الشديد الذي يجري فيه الصوت فحرف يشتد لزومه لموضعه ثم يتجافى به اللسان عن موضعه فيجري فيه الصوت؛ لتجافيه وهي الراء واللام والنون والميم والعين وكذا ذكر أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز، وقال: يجمعها قولك: لم يرع، وقال مكي في بعض تصانيفه: الرخاوة فيما عدا الشديدة إلا سبعة أحرف يجمعها قولك يولى عمرو فإنها بين الرخاوة والشدة فأدخل فيها الواو والياء ولم يدخل الألف. 1155- وَ"قِظْ خُصَّ ضَغْطِ" سَبْعُ عُلُوٍ وَمُطْبَقٌ ... هُوَ الضَّادُ وَالظَّا أُعْجِمًا وَإِنُ اهْمِلا أي: حروف هذه الكلم الثلاث هي حروف الاستعلاء وهي سبعة سميت بذلك لارتفاع اللسان بها إلى الحنك وما عداها المستفلة؛ لأنها لا يعلو بها اللسان إلى جهة الحنك وقد مضى في باب ترقيق الراءات معنى هذه الكلمات وبعضهم ألحق العين والحاء المهملتين بالحروف المستعلية فصارت تسعا وأضاف سبعا إلى علو كأنه قال حروف العلو؛ أي: حروف الاستعلاء ويجوز ضم عين علو وكسرها وقوله: ومطبق مبتدأ خبره محذوف قبله؛ أي: وفيها مطبق؛ أي: ومن هذه الأحرف السبعة المستعلية حروف الإطباق وهي أربعة ثم بينها بقوله: أهملا الضاد والظاء المعجمتان والمهملتان؛ يعني: الصاد والطاء والمعجم المنقوط والمهمل الذي لا نقط له وألقى حركة همزة أهملا على نون وإن والألف في آخر أهملا ضمير التثنية وسميت هذه الأربعة مطبقة؛ لأنه انطبق على مخرجها من اللسان ما حاذاه من الحنك وما عدا هذه الأربعة من الحروف كلها يقال له المنفتحة؛ لأنك لا تطبق لسانك منها على الحنك، وذكر الشيخ أبو عمرو أن تسمية هذه الحروف بالمطبقة والمنفتحة فيها تجوز؛ لأن المطبق إنما هو اللسان والحنك، أما الحرف فهو مطبق عنده فاختصر فقيل: مطبق كما قيل: للمشترك فيه مشترك وكذا المنفتحة؛ لأن الحرف لا ينفتح وإنما ينفتح عنده اللسان عن الحنك وكذا المستعلية؛ لأن اللسان يستعلي عندها قال ابن مريم الشيرازي ولولا الإطباق لصارت الطاء دالا والظاء ذالا والصاد سينا ولخرجت الضاد من الكلام؛ لأنه ليس من موضعها شيء غيرها وموضعها موضع الإطباق فإذا عدم الإطباق عدمت الضاد ولأجل أنها غير مشاركة في المخرج لم يوجد في شيء من كلام الأمم إلا في العربية وإنما أخذ ذلك من كلام ابن السراج وفي كلام الرماني زيادة فإنه قال: لولا الإطباق لصارت الطاء دالا؛ لأنه ليس بينهما فرق إلا بالإطباق ولم تصر تاء للفرق بينهما من جهة الجهر والهمس وكذلك سبيل الصاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 والسين؛ لأنهما مهموستان ولم يجب مثل ذلك للزاي؛ لأنها مجهورة، وكذلك الظاء والذال ولم يجب في الثاء؛ لأنها مهموسة. 1156- وَصَادٌ وَسِينٌ مُهْمَلانِ وَزَايُها ... صَفِيرٌ وَشِينٌ بِالتَّفَشِّي تَعَمَّلا الذي سبق من الصفات كان له ضد يطلق على باقي الحروف ومن هاهنا صفات لبعض الحروف ليس يطلق على باقيها اسم مشعر بضد تلك الصفات بل يسليها فهذه الثلاثة الصاد والسين المهملتان والزاي تسمى حروف الصفير؛ لأنها يصفر بها وباقي الحروف لا صفير فيها، وهذه الثلاثة هي الحروف الأسلية التي تخرج من أسلة اللسان قال ابن مريم: ومنهم من الحق بها الشين وإنما يقال لها حروف الصفير؛ لأنك تصفر عند اعتمادك على مواضعها قال مكي: والصفر حد الصوت كالصوت الخارج من ضغطة ثقب قال: والتفشي انتشار خروج الريح وانبساطه حتى يتخيل أن الشين انفرشت حتى لحقت بمنشأ الطاء وهي أخص بهذه الصفة من الفاء قال: وقد ذكر بعضهم الضاد من هذا المعنى؛ لاستطالتها لما اتصلت بمخرج اللام، وقال ابن مريم الشيرازي: ومنها حروف التفشي وهي أربعة مجموعة في قولك: مشفر وهي حروف فيها غنة ونفش وتأفف وتكرار، وإنما قيل: لها حروف التفشي وإن كان التفشي في الشين خاصة؛ لأن الباقية مقاربة له؛ لأن الشين بما فيه من التفشي ينتشر الصوت منه ويتفشى حتى يتصل إلى مخارج الباقية وقال الشيخ: سمي الشين المتفشي؛ لأنه انتشر في الفم برخاوته حتى اتصل بمخرج الطاء والتفشي الانتشار، وقوله: صغير؛ أي: ذات صغير والضمير في زايها يرجع إلى الحروف ومهملان نعت صاد وسين وأتى بلفظ صاد وسين وشين على التنكير؛ لأن المعبر عنه لا يختلف منكرا كان أو معرفا ومعنى تعمل هنا اتصف؛ لأن من عمل شيئا اتصف به ولهذا عداه بالياء في قوله: بالتفشي؛ أي: اتصف الشين به ومنه قوله: كن متعملا. 1157- وَمُنْحَرِفٌ لامٌ وَرَاءٌ وَكُرِّرَتْ ... كَمَا الْمُسْتَطِيلُ الضَّادُ لَيْسَ بِأَغْفَلا منحرف خبر مقدم؛ أي: وحرف اللام منحرف؛ أي: مسمى بالمنحرف قال سيبويه ومنها المنحرف؛ أي: ومما بين الرخو والشديد وهو حرف شديد جرى فيه الصوت؛ لأنحراف اللسان مع الصوت ولم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديدة وهي اللام إن شئت مددت فيها الصوت وليس كالرخوة؛ لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه وليس يخرج الصوت من موضع اللام ولكنه من ناحيتي مستدق اللسان خولف ذلك قال ابن مريم: مخرج الصوت على الناحيتين وما فوقهما وقال الشيخ أبو عمرو: اللسان عند النطق باللام ينحرف إلى داخل الحنك قليلا ولذلك سمي منحرفا وجرى فيه الصوت وإلا فهو في الحقيقة لولا ذلك حرف شديد إذ لولا الانحراف لم يجر الصوت وهي معنى الشدة ولكنه لما حصل الانحراف مع التصويت كان في حكم الرخوة لجرى الصوت وكذلك جعل بين الشديدة والرخوة، وقوله: وراء؛ أي: والراء لذلك فوصف بالانحراف، قال مكي: والراء انحرف عن مخرج النون الذي هو أقرب المخارج إليه إلى مخرج اللام قال الشيخ والراء أيضا فيها انحراف قليل إلى ناحية اللام ولذلك يجعلها الألثغ لاما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 753 قلت: وأكثر المصنفين من النحاة والقراء لا يصفون بالانحراف إلا اللام وحدها، وعبارة سيبويه دالة على ما قال الناظم فإنه قال لما ذكر اللام والنون والميم وبين أنها من الرخوة والشديدة ومنها المكرر وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام فتجافى الصوت كالرخوة ولو لم يكرر لم يجر فيه الصوت وهو الراء فهذا معنى قول الناظم وراء وكررت؛ أي: جمعت بين صفتي الانحراف والتكرير، قال مكي: التكرير تضعيف يوجد في جسم الراء لارتعاد طرف اللسان بها ويقوى مع التشديد ولا يبلغ به حد بفتح وقال ابن مريم إذا وقف الواقف على الراء وجد طرف اللسان يتير بما فيه من التكرير ولذلك يعد في الإمالة بحرفين والحركة فيه تنزل منزلة حركتين وقال الشيخ أبو عمرو: والمكرر الراء لما تحسه من شبه ترديد اللسان في مخرجه عند النطق به ولذلك أجرى مجرى الحرفين في أحكام متفددة فحسن إسكان: ينصركم ويشعركم ولم يحسن إسكان يقتلكم ويسمعكم، وحسن إدغام مثل: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم أحسن منه في إن يمسكم ولم يمل طالب وغانم وأميل طارد وغارم وامتنعوا من إمالة راشد ولم يمتنعوا من إمالة راشد وكل هذه الأحكام راجعة في المنع والتسويغ إلى التكرير الذي في الراء قال الشيخ وسمى الضاد مستطيلا؛ لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام قال مكي: والاستطالة تمدد عند بيان الضاد للجهر والإطباق والاستعلاء وتمكنها من أول حافة اللسان إلى منتهى طرفه فاستطالت بذلك فلحقت بمخرج اللام ومعنى ليس بأغفلا؛ أي: معجم احترز بذلك من الاشتباه بالصاد. 1158- كَمَا اْلأَلِفُ الْهَاوِي وَ"آوِي" لِعِلَّةٍ ... وَفِي "قُطْبِ جَدٍّ" خَمْسُ قَلْقَلَةٍ عُلا أي: ويقال لحرف الألف الهاوي قال سيبويه هو حرف تسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو؛ لأنك قد تضم شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قبل الحنك وقال الشيخ أبو عمرو: الهاوي الألف؛ لأنه في الحقيقة راجع إلى الصوت الهاوي الذي بعد الفتحة وهذا وإن شاركه الواو والياء فيه إلا أنه يفارقها من وجهين أحدهما ما تحسه عند الواو والياء من التعرض لمخرجيهما والآخر اتساع هواء الألف؛ لأنه صوت بعد الفتحة فيكون الفم فيه مفتوحا بخلاف الضمة والكسرة فإنه لا يكون كذلك فلذلك اتسع هواء صوت الألف أكثر في الواو والياء وقوله: وآوى لعلة؛ أي: حروف كلمة آوى وهو فعل مضارع للإخبار عن المتكلم من آوى ويؤاوي فهو أربعة أحرف همزة ثم ألف وواو وياء ومعنى لعلة؛ أي: هي حروف العلة؛ أي: متهيئة لذلك معدة له يريد أنها حروف العلة؛ أي: الاعتلال لما يعتريها من القلب والإبدال على ما هو معروف في علم التصريف ولم يعد أكثر المصنفين حروف العلة إلا ثلاثة، وزاد الناظم فيها الهمزة لما يدخلها من أنواع التخفيف بالحذف والتسهيل والقلب، ومنهم من عد الهاء منها؛ لانقلابها همزة في نحو ماء وأيهات، وتسمى أيضا الحروف الثلاثة الهوائية؛ لأنها تخرج في هواء الفم قال ابن مريم الشيرازي: وقد يقال لها أيضا الهاوية؛ لأنها تهوى في الفم وليس لها حياز من الفم يعتمد في خروجها عليها قال وبعض النحويين يجعل الألف وحده هو الهاوي قال ولا شك في أن الألف أشد هويا في الفم؛ لأنه أشد امتدادا واستطالة فهو يتمحض للمد، ثم ذكر الناظم حروف القلقلة وهي خمسة وجمعها في قوله: قطب جد وهذا جمع حسن، وقال غيره: جد بطق وقد طبج، ومعنى طبج حمق وهو بكسر الباء ومنهم من يفتحها وفسره بعاب وأضاف خمس إلى القلقلة كما أضاف في سبع ما سبق علو وعلا نعت لقوله: خمس قلقلة؛ أي: خمس عالية؛ أي: معروفة ظاهرة؛ لأن العالي أبدا ظاهرا قال الداني هي حروف مشربة ضغطت من مواضعها فإذا وقف عليها خرج معها صوت من الفم ونبا اللسان عن موضعه وقال مكي القلقلة صويت حادث عند خروج حرفها لضغطه عن موضعه ولا يكون إلا عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 الوقف ولا يستطاع أن يوقف عليه دونها مع طلب إظهار ذاته وهي مع الروم أشد، قال الشيخ: سميت بذلك؛ لأنك إذا وقفت عليها تقلقل اللسان حتى تسمع عند الوقف على الحرف منها نبرة تتبعه، وقال الشيخ أبو عمرو: سميت بذلك إما؛ لأن صوتها صوت أشد الحروف أخذا من القلقلة التي هي صوت الأشياء اليابسة وإما؛ لأن صوتها لا يكاد يتبين به سكونها ما لم يخرج إلى شبه التحريك يشبه أمرها من قولهم: قلقله إذا حركه، وإنما حصل لها ذلك لاتفاق كونها شديدة مجهورة فالجهر يمنع النفس أن يجري معها، والشدة تمنع أن يجري صوتها فلما اجتمع لها هذان الوصفان وهو امتناع جري النفس معها وامتناع جري صوتها احتاجت إلى التكلف في بيانها فلذلك يحصل من الضغط للمتكلم عند النطق بها ساكنة حتى تكاد تخرج إلى شبه تحركها؛ لقصد بيانها؛ إذ لولا ذلك لم يتبين؛ لأنه إذا امتنع النفس والصوت تقدر بيانها ما لم يتكلف بإظهار أمرها على الوجه المذكور، وقال ابن مريم الشيرازي: وهي حروف مشربة في مخارجها إلا أنها لا تضغط ضغط الحروف المطبقة غير أنها قريبة منها فإن فيها أصواتا كالحركات تتقلقل عند خروجها؛ أي: تضطرب، ولهذا سميت حروف القلقلة قال: وزعم بعضهم أن الضاد والزاي والذال والطا منها؛ لثبوتها وضغطها في مواضعها إلا أنها وإن كانت مشربة في مخارجها فإنها غير مضغوطة كضغط الحروف الخمسة المذكورة ولكن يخرج معها عند الوقف عليها شبه النفخ قال: وامتحان حروف القلقلة أن تقف عليها فإذا وقفت خرج منها صويت كالنفح لنشرها في اللها واللسان. 1159- وَأَعْرَفُهُنَّ القَافُ كُلُّ يَعُدُّهَا ... فَهذَا مَعَ التَّوْفِيقِ كَافٍ مُحَصِّلا أي: أعرف القلقلة القاف؛ أي: هي المشهورة بذلك المتضح فيها هذا الوصف فاعرف هذا الموضع هو من التفضيل في باب المفعول وهو مما شذ في كلامهم مثل هو أحد منه وأشهر ثم قال: كي يعدها؛ أي: هي مجمع على عدها من حروف القلقلة، قال الشيخ أبو الحسن: قالوا: أصل القلقلة للقاف؛ لأن ما يحس به من شدة الصوت المتصعد من الصدر مع الضغط والحقر فيه أكثر من غيره قال: وعد المبرد منها الكاف إلا أنه جعلها دون القاف؛ لأن حصر القاف أشد قال المبرد: وهذه القلقلة بعضها أشد من بعض فإذا وصلت ذهبت تلك النبرة؛ لأنك أخرجت لسانك عنها إلى صوت آخر فحال بينه وبين الاستقرار، فهذا آخر الكلام في صفات الحروف التي تعرض الناظم لذكرها وهي منقسمة إلى ما يشعر بقوة وإلى ما يشعر بضعف والجهر والشدة والاستعلاء والإطباق والصفير والقلقلة والتكرير والتفشي والاستطالة والانحراف علامات القوة، أما الهمس والرخاوة والتسفل والانفتاح والمد والاعتلال والهوى فعلامات الضعف فلا تغفل في تطلب تجويد القراءة من مراتب الحروف على حسب تمكنها من القوة والضعف وليست صفات القوة ولا صفات الضعف متساوية فكل قسم منها مختلف المراتب، وقد اتفق له اللفظ بجميع الحروف في هذه الصفات التي ذكرها سوى الزاي المعجمة، وفيها من الصفات ما ذكره في البيت الأول وهو وجهر ورخو وانفتاح صفاتها ومستفل، وعرف ذلك وغيره من ضد ما ذكره والله أعلم، وقوله: فهذا مع التوفيق كاف؛ أي: فهذا الذي ذكرته إذا وفق الله من عرفه يكفيه في هذا العلم ومحصلا مفعول كاف؛ أي: يكفي الطالب المشتغل المحصل ويجوز أن يكون حالا من الضمير في كاف؛ أي: في حال كونه محصلا لغرض الطالب محتويا عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 755 1160- وَقَدْ وَفقَ اللهُ الكَرِيمُ بِمَنِّهِ ... لإِكْمَالِهَا حَسْنَاءَ مَيْمُونَةَ الْجِلا المن الأنعام وحسناء ميمونة حالان ومعنى ميمونة الجلا مباركة البروز؛ أي: كما ظهرت للناس كانت مباركة الطلعة وقد صدق -رضي الله عنه- فإن بركتها عمت كل من حفظها وأتقنها ولو لم يكن إلا كثرة الفوائد الحاصلة من ناظمها: 1161- وَأَبْيَاتُهَا أَلْفٌ تَزِيدُ ثَلاثَةً ... وَمَعْ مائَةٍ سَبْعِينَ زُهْرًا وَكُمَّلا فاعل تزيد ضمير راجع إلى الأبيات لا إلى الألف؛ فإن الألف تذكر وثلاثة نصب على التمييز وسبعين عطف عليه، والتقدير: وتزيد أيضا سبعين مع مائة فصار المجموع ألفا ومائة وثلاثة وسبعين وزهرا وكملا حالان من الضمير في تزيد الراجع إلى الأبيات؛ أي: هي زاهرة كاملة؛ يعني: مضيئة كاملة الأوصاف ويجوز أن يكونا صفتين للتمييز؛ أي: تزيد أبياتها على الألف أبياتا زاهرة وكاملة والوجه الأول أولى؛ لأنه أعم وصفا؛ لأنه يفيد وصف الجميع بخلاف الوجه الثاني: 1162- وَقَدْ كُسِيَتْ مِنْهَا الْمَعَانِي عِنَايَةً ... كَمَا عَرِيَتْ عَنْ كُلِّ عَوْرَاءَ مِفْصَلا أثنى في هذا البيت على معانيها وألفاظها فنصب عناية على أنه فعولي كسيت؛ أي: أنه اعتنى بها فجاءت شريفة المعاني حسنة المباني، وقابل بين الكسوة والعري فقال: كسيت معانيها عناية وعريت في التعبير عنها عن كل جملة عورا؛ أي: لا تنبيء عن المعنى المقصود فهي ناقصة معينة ونصب مفصلا على التمييز؛ أي: عن كل جملة عابت مفصلا والمفصل العضو؛ أي: عن كل ما قبح مفصله ويجوز أن يكون فاعل عريت ضميرا عائدا على القصيدة ومفصلا تمييز منه؛ أي: كما عريت مفاصلها عن العيوب وعني بذلك القافية أو جميع أجزاء القصيدة جعلها عروسا حسناء ميمونة الجلوة منزهة المفاصل عن العيوب على طولها وصعوبة مسلكها قال الشيخ -رحمه الله- وغيره ينظم أرجوزة؛ يعني: على قواف شتى فيضطره النظم إلى أن يأتي في قوافيها ومقاطعها وأجزائها بما تمجه الأسماع. 1163- وَتَمَّتْ بِحَمْدِ اللهِ فِي الْخَلْقِ سَهْلَةً ... مُنَزَّهَةً عَنْ مَنْطِقِ الْهُجْرِ مِقْوَلا سهولة خلقها انقيادها لمن طلبها؛ أي: إن كل أحد ينقل منها القراءات إذا عرف رموزها من غير صعوبة ولا كلفة ونصب سهلة ومنزهة على الحال ومقولا تمييز وهو اللسان والهجر الفحش؛ أي: ليس فيها كلمة قبيحة يستحي من سماعها. 1164- وَلكِنَّهَا تَبْغِي مِنَ النَّاسِ كُفْؤَهَا ... أَخَائِقَةٍ يَعْفُو وَيُغْضِي تَجَمُّلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 756 الكفؤ المماثل، وأخائفة صفة للكفؤ أو بدل منه والإغضاء الستر، ونصب تجملا على أنه مفعول من أجله جعل كفؤها من كان بهذه الصفة؛ لأنه لثقته يعترف بأحسن ما فيها ويقف ويقضي عن الازدراء لما لا بد للبشر منه، قال الله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} ، ثم إذا كان هذا الكفؤ أهلا لانتقادها فهو عالم وحينئذ يرى فيها من الفوائد والغرائب ما يغضي معه عن شيء يراه ولا يعجبه منها إلا أن يذكره على سبيل التنبيه على الفائدة كما أشرنا إليه في مواضع منها فإن هذه طريقة العلماء نصحا لمن يقف عليه ممن لا يبلغ درجته في العلم ذلك والمعاملة مع الله سبحانه، والأعمال بالنيات سهل الله تعالى لمن يقف على كامنا أن يعاملنا تلك المعاملة لكن الزمان قد فسد وكثر من أهله النكد فما يرضون عن أحد والمستعان عليهم ربنا الواحد الصمد. 1165- وَلَيْسَ لَهَا إِلا ذُنُوبُ وَلِيِّهَا ... فَيَا طَيِّبَ الأَنْفَاسِ أَحْسِنْ تَأَوُّلا وليها؛ أي: ناظمها؛ أي: أنها لما تكاملت صفات حسنها يعرو مفاصلها عن كل عوراء وكونها سهلة الخلق واعتنى بمعانيها ابتغت عند ذلك كفؤا يصلح للاتصال بها فما فيها ما يمنع الكفؤ منها إلا ذنوب وليها المتولي أمرها وكل هذه استعارات حسنة ملائم بعضها لبعض؛ يعني: أن صد الناس عنها أمر فما هو إلا ما يعلمه وليها في نفسه وإنما قال ذلك -رحمه الله- تواضعا لله والمؤمن يهجم نفسه بين يدي الله تعالى ويعترف بتقصيره في طاعته ولو بلغ منها ما بلغ وإلا فوليها -رحمه الله- كان أحد أولياء الله تعالى وقد لقيت جماعة من أصحابه مشايخ أئمة أكابر في أعيان هذه الأمة بمصر والشام وكلهم يعتقد فيه ذلك وأكثر منه مع إجلال له وتعظيم وتوقير حتى حملني ذلك منهم على أن قلت: لقيت جماعة فضلاء فازوا ... بصحبة شيخ مصر الشاطبي وكلهم يعظمه كثيرا ... كتعظيم الصحابة للنبي وكأنه -رحمه الله- أشار بقوله: فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا إلى ذلك؛ أي: احمل كلامي على أحسن محامله وهو ما حملناه عليه من التواضع وهو كما قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وليت عليكم ولست بخيركم وكقول عمر ابن عبد العزيز -رضي الله عنه- في خطبته بعد ما وعظ، وذكر أما أني أقول لكم ولا أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي أو كما قال، وكان الناظم يقول الغرض بها أن ينفع الله بها عباده وينفع بالتعب عليها قائلها فإذا كان مذنبا عاصيا خشي أن يخمد الله علمه فلا ينتفع به أحد ثم إنه -رحمه الله- قال فيما أخبرني عنه شيخنا أبو الحسن وغيره لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله تعالى بها؛ لأني نظمتها لله وتأولا مفعول أحسن أو تمييز كما تقول طب نفسا وقر عينا لتطيب نفسك ولتقر عينك وليحسن تأويلك للكلام وذلك بحمله على أحسن محامله. 1166- وَقُلْ رَحِمَ الرَّحمنُّ حَيًّا وَمَيِّتًا ... فَتًى كَانَ لِلإِنْصَافِ وَالْحِلْمِ مَعْقِلا فتى مفعول رحم وحيا وميتا حالان منه متقدمان عليه وهذا اللفظ وجدته للإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل لما أرسل إليه آدم بن أبي إياس يعظه ويقوي نفسه على الصبر في أيام المحنة إذ كان محبوسا فقال أحمد حيا وميتا؛ يعني: آدم ذكره الخطيب أبو بكر في تاريخه في ترجمة آدم ثم وصف المفتي بقوله: للإنصاف والحلم معقلا؛ أي: حصنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 757 أو موضعا لعقل الإنصاف والحلم وقد حمل الشيخ وغيره هذا البيت على أن الناظم عنى بالفتى نفسه ومدحها بذلك فاستبعدت ذلك من جهة أنه غير ملائم لتواضعه بقوله: وليس إلا ذنوب وليها ولا هو مناسب لطلب الترحم عليه فإن اللائق أن يقال: اللهم ارحم عبدك الفقير إليك وهو ذلك فيما إذا أريد به شخص معين ولا نزكي ذلك الشخص أما إذا كان الدعاء لعموم من اتصف بتلك الصفة فإنه سائغ نحو اللهم ارحم أهل الحلم والكرم والعلم فاستنبطت له وجهين آخرين أحدهما أنه أمر بالترحم على من كانت هذه صفته؛ لأنه ندب إلى الإنصاف بنحو ذلك من قبل حين قال أخائقة يعفو ويغضي تجملا وبقوله: فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا فكأنه قال: وقل رحم الله من كان بهذه الصفة ثم قال: عسى الله يدني سعيه؛ أي: سعى وليها المذكور في قوله: وليس لها إلا ذنوب وليها فيكون الابتداء ترج منه أو يكون داخلا في المقول؛ أي: قل هذا وهذا؛ أي: ادع لمن اتصف بتلك الصفة وادع لناظم القصيدة، ووليها الوجه الثاني أن يكون المأمور به في قوله: وقل البيت الآخر وهو عسى الله يدني سعيه؛ أي: قل ذلك وترجه من الله تعالى ويكون قوله: رحم الرحمن حيا وميتا دعاء من المصنف لمن اتصف بهذه الصفات وهو كلام معترض بن فعل الأمر والمأمور به وكلاهما وجه حسن. 1167- عَسَى اللهُ يُدْنِي سَعْيَهُ بِجِوَارِهِ ... وَإِنْ كَانَ زَيْفًا غَيْرَ خَافٍ مُزَلَّلا يدني؛ أي: يقرب سعيه؛ أي: ما سعى له من عمل البر بجوازه؛ أي: بأن يجعله جائزا فلا يرده بل يتقبله على ما فيه من الخلل فأومأ إلى ذلك بقوله: وإن كان زيفا؛ أي: رديئا يقال للدرهم الرديء: زيف وزايف، وأراد بقوله: غير خاف؛ أي: زيفه ظاهر لا يخفى على من له بصيرة بالأعمال الصالحة ومزللا مثل زيفا يقال زلت الدراهم؛ أي: نفقت في الوزن فمزلل بمعنى منقوص هذا كله إن كان اسم كان ضميرا عائدا على السعي وإن عاد على الناظم صاحب السعي فالمعنى أنها منسوب إلى الزلل والزلة الخطيئة وكل ما ذكرناه على أن تكون الهاء في بجوازه للسعي، ويجوز أن تكون للساعي؛ أي: يدني سعيه بأن يجوز وليه الصراط يقال جزت الموضع أجوزه جوازا إذا سلكته فالمصدر في بجوازه مضافا إلى فاعله ويجوز أن يكون مضافا إلى مفعوله على أن يكون من الجواز بمعنى السقي؛ أي: لسقيه من الحوض يوم العطش الأكبر؛ أي: يكون ذلك من علامة إدناء سعيه وتقريبه وقبوله جعلنا الله كذلك آمين. 1168- فَيا خَيْرَ غَفَّارٍ وَيَا خَيْرَ رَاحِمٍ ... وَيا خَيْرَ مَأْمُولٍ جَدًا وَتَفَضُّلا الجد بالقصر العطية وبالمد الغنا والنفع فيجوز أن يكون قصر الممدود وهو تفضلا منصوبان على التمييز. 1169- أَقِلْ عَثْرَتِي وَانْفَعْ بِها وَبِقَصْدِها ... حَنَانَيْكَ يَا اللهُ يَا رَافِعَ الْعُلا العبرة الزلة والإقالة فيها الخلاص من تبعها وأنفع بها؛ أي: بهذه القصيدة من طلب النفع بها وبقصدها يعني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 من قصد الانتفاع بها وإن لم يقو عليها فانفعه بقصده ويدخل الناظم في هذا الدعاء؛ لأنه قصد نظمها ونفع الناس بها وقد حقق الله رجاءه واستجاب دعاءه ثم قال: حنانيك فطلب التحنن من الله تعالى وهذا أحد المصادر التي جاءت بلفظ التثنية المضافة إلى المخاطب نحو لبيك وسعديك والمراد بها المداومة والكثرة؛ أي: تحنن علينا تحننا بعد تحنن وقطع همزة اسم الله في النداء جائز تفخيما له واستعانة به على مد حرف النداء مبالغة في الطلب والرغبة ثم كرر النداء بقوله: يا رافع العلا؛ أي: يا رافع السموات العلى كما قال تعالى تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى. 1170- وَآخِرُ دَعْوَانَا بِتَوْفِيقِ رَبِّنَا ... أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي وَحْدَهُ عَلا ختم دعاءه بالحمد كما قال الله تعالى إخبارا عن أهل الجنة جعلنا الله بكرمه منهم: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فالباء في بتوفيق ربنا يجوز أن يتعلق بدعوانا؛ لأنه مصدر كما تقول دعوت بالرحمة والمغفرة ويجوز أن تكون باء السبب؛ أي: إنما كان آخر دعوانا أن الحمد لله بسبب توفيق ربنا؛ لاتباع هذه السنة التي لأهل الجنة. 1171- وَبَعْدُ صَلاةُ اللهِ ثُمَّ سَلامُهُ ... عَلَى سَيِّدِ الْخَلْقِ الرضَا مُتَنَخِّلا أي: وبعد تحميد الله تعالى، وذكره فنصلي ونسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقوله: صلاة الله ثم سلامه مبتدأ وخبره على سيد الخلق؛ أي: حالان عليه والرضى نعت؛ أي: المرتضي ومتنخلا نصب على الحال؛ أي: مختارا ثم بينه فقال: 1172- مُحَمَّدٌ الْمُخْتَارُ لِلْمَجْدِ كَعْبَةً ... صَلاةً تُبَارِي الرِّيحَ مِسْكًا وَمَنْدَلا محمد عطف بيان وكعبة ثاني مفعولي المختار؛ لأنه اسم مفعول واقع صلة للألف أو اللام والتقدير: الذي اختير كعبة واللام في للمجد يجوز أن تكون للتعليل؛ أي: اختير كعبة تؤم وتقصد من أجل المجد الحاصل له في الدارين ويجوز أن تكون من تتمة قوله: كعبة؛ أي: كعبة للمجد؛ أي: لا مجد أشرف من محمد كما أن كعبة مكة شرفها الله تعالى أشرف ما فيها أو على معنى أن المجد طائف كما يطاف بالكعبة وقول الناس هو كعبة الكرم إنما يراد به أن يحج إليه ويقصد من أجل كرمه كالكعبة وهذه المعاني كلها موجودة في المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وصلاة نصب على المصدر؛ أي: أصلي صلاة هذه صفتها أو يكون منصوبا على المدح؛ لأن ما تقدم من قوله: صلاة الله يغني عن هذا التقدير: ومعنى تباري الريح تعارضها وتجري جريها في العموم والكثرة ومسكا ومندلا حالان؛ أي: ذات مسك ومندل وهو العود أو صلاة طيبة فيكونان صفة لها والطيب يكنى به عن الثناء الحسن ويجوز أن يكونا تمييز بن كمال يقال فلان تيار الريح سخاء؛ أي: يجري سخاوة جريها وتعم عموم هبوبها فالمعنى تباريها مسكها أو مندلها والريح أيضا تحمل الرائحة الطيبة مما تمر به من النبات الطيب الريح فقد اتضحت مباراة الصلاة للريح في حالة الطيب من الجهتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 759 1173- وَتُبْدِي عَلَى أَصْحَابِهِ نَفَحَاتِهَا ... بِغَيْرِ تَنَاهٍ زَرْنَبًا وَقَرَنْفُلا أي: وتشهر هذه الصلاة على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهم نفحاتها بغير تناه؛ أي: لا نهاية لها ولا تناهي لإصابتها إياهم؛ أي: دائمة سرمدية وزرنبا وقرنفلا حالان؛ أي: مشبهة ذلك وهذا مما يقوي أن مسكا ومندلا في البيت السابق أيضا حالان فالقرنفل معروف والزرنب ضرب من النبات طيب الرائحة كرائحة الأترج ورقه كورق الطرفاء، وقيل: كورق الخلاف وفي حديث أم زرعة زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب، وقال الشاعر: بأبي أنت وقول الأشيب ... كأنما زر عليه الزرنب أو زنجبيل وهو عندي أطيب والزرنب والقرنفل دون المسك والمندل من الطيب فحسن تشبيه الصلاة على الصحابة بذلك؛ لأنهم في الصلاة تبع للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلهذا أصابتهم نفحاتها وبركاتها -رضي الله عنهم- وأرضاهم آمين آمين آمين، وقد تم الكتاب والحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 760 الفهرس : صحيفة 3 خطبة الكتاب بيان من نقل عنهم شيء من وجوه القراءات من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. بيان أسماء أئمة القراءات بالأمصار الخمسة بيان ضابط تمييز ما يعتمد عليه من القراءات وما يطرح 6 فصل في ذكر القراء السبعة 12 بعض ما جاء في فضائل القرآن العزيز وفضل قراءته 23 بيان القراء السبعة وروانهم وأخبارهم 34 بيان الرموز التي يشير بها الناظم إلى القراء السبعة ورواتهم 39 بيان اصطلاح الناظم في التعبير عن أوجه الخلاف 61 باب الاستعاذة 64 باب البسملة 68 سورة أم القرآن 67 باب الإدغام الكبير 87 باب إدغام الحرفين المتقاربين في كلمة وفي كلمتين 102 باب هاء الكناية 113 باب المد والقصر 126 باب الهمزتين من كلمتين 147 باب الهمز المفرد 155 باب نقل حركة الهمز إلى الساكن قبلها 165 باب وقف حمزة وهشام على الهمز 183 باب الإظهار والإدغام 186 ذكر ذال إذ 187 ذكر دال قد 188 ذكر تاء التأنيث 190 ذكر لام "هل" و"بل" 192 باب اتفاقهم في إدغام إد وقد وتاء التأنيث وهل وبل 195 باب حروف قربت مخارجها 201 باب أحكام النون الساكنة والتنوين 203 باب الفتح والإمالة وبين اللفظين 242 باب مذهب الكسائي في إمالة هاء التأنيث في الوقف 248 باب الراءات 261 باب اللامات 266 باب الوقف على أواخر الكلم 273 باب للوقف على مرسوم الخط 282 باب مذاهبهم في ياءات الإضافة 304 باب مذاهبهم في الزوائد 319 باب فرش الحروف 319 سورة البقرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 761 صحيفة 381 سورة آل عمران 410 سورة النساء 426 سورة المائدة 438 سورة الأنعام 471 سورة الأعراف 489 سورة الأنفال 497 سورة التوبة 503 سورة يونس -عليه السلام 513 سورة هود -عليه السلام 531 سورة يوسف -عليه السلام 541 سورة الرعد 549 سورة إبراهيم 555 سورة الحجر 557 سورة النحل 561 سورة الإسراء 566 سورة الكهف 581 سورة مريم -عليها السلام 587 سورة طه 598 سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام 603 سورة الحج 608 سورة المؤمنون 612 سورة النور 617 سورة الفرقان 621 سورة الشعراء 625 سورة النمل 636 سورة القصص 636 سورة العنكبوت 640 ومن سورة الروم إلى سورة سبأ 651 سورة سبأ وفاطر 658 سورة يس 662 سورة الصافات 667 سورة ص 669 سورة الزمر 671 سورة غافر 674 سورة فصلت 675 سورة الشورى والزخرف والدخان 683 سورة الشريعة والأحقاف 687 ومن سورة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى سورة الرحمن -عز وجل 694 سورة الرحمن -عز وجل 697 سورة الواقعة والحديد 699 ومن سورة المجادلة إلى سورة ن 705 ومن سورة ن إلى سورة النبأ 718 ومن سورة النبأ إلى سورة العلق 726 ومن سورة العلق إلى آخر القرآن 730 باب التكبير باب مخارج الحروف وصفاتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 762 مقدمات تصدير ... بسم الله الرحمن الرحيم تصدير: الحمد لله الذي أكرمنا بكتابه المنزل، وشرفنا نبيه المرسل، أحمده على ما ولانا من مننه، وخصنا به من جزيل نعمه، حمدًا كثيرًا طيبا مباركا. وأشهد أن لا إله إلا الله، أضاء بالقرآن القلوب، سبحانه أنزله بأجزل لفظ وأعذب أسلوب. وأشهد أن سيدنا محمد نبي الرحمة ومبلغ الحكمة وشفيع الأمة وعلى أهله وسلم تسليما. وبعد: فلا يعزب عن ذوي الألباب أن علم قراءة القرآن أقدم العلوم في الإسلام نشأة وعهدًا، وأشرفها منزلة ومحتدًا، حيث إن أول ما تعلمه الصحابة من علوم الدين كان حفظ القرآن وقراءته. ثم لما اختلف الناس في قراءة القرآن وضبط ألفاظه مست الحاجة إلى علم يميز به الصحيح المتواتر والشاذ النادر. ويتقرر به ما يسوغ القراءة الذي تصدر لتدوينه الأئمة الأعلام من المتقدمين. والحق أن تدوين علم القراءات أفاد المسلمين فائدة لم تحفظ بها أمة سواهم، وذلك أن البحث في مخارج الحروف، والاهتمام بضبطها على وجوهها الصحيحة؛ ليتيسر تلاوة كلمات القرآن على أفصح وجه وأبينه، كان من أبلغ العوامل في عناية الأمة بدقائق اللغة العربية الفصحى، وأسرارها وكانت ثمرة هذا الاهتمام والجهد أن القراء تشربوا بمزايا اللغة وقواعدها ودقائقها. ومما يؤيد ذلك أن الكثيرين من قدماء النحويين كـ "الفراء" "والخليل بن أحمد الفراهيدي" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 763 و"سيبويه" و"ابن كيسان" و"المبرد" و"الجرمي" وغيرهم، كانوا مبرزين في علم القراءات كما كان الكثيرون من أئمة القراء كـ "أبي عمرو بن العلاء" و"على الكسائي" بازعين في علم النحو. هذا. فكل من يتصدى للنظر في تاريخ اللغة العربية، والقضايا التي تتناولها كتب النحويين، أو البحث في نوع اللغات واختلافها، بحسب الأقطار والأمصار، ينبغي له أن يتبع علم القراءات والتجويد. ومن شرع في درس معاني القرآن واستقصاء لطائفه واستخراج حقائقه، ثم اعتمد على القراءة الوحيدة التي يحدها في المصحف الذي بين بديه فقط، من غير الثقات إلى روايات الأئمة الآخرين، فقد غفل عن أمر ذي بال، هو: أنه لا فضل لإحدى الروايات على الأخرى في الصحة فترجح رواية على رواية. هذا. ولقد منَّ الله على شخصي الضعيف إذ أعانني على تحقيق وتقديم كتاب "إبراز المعاني في حرز الأماني" في القراءات السبع، الذي صنفه الإمام الكبير "عبد الرحمن بن إسماعيل" المعروف بأبي شامة الدمشقي، وهو يعتبر ولا غرو من أنفع الكتب في هذا العلم، ويعد من أجل التصانيف وألطفها؛ إذ امتاز عن غيره -معسبقه وتقدمه- بالتصدي لبيان توجيه القراءات من لغة العرب، واهتمامه بقضايا الإعراب، وتفرده رحمه الله بإصلاح ما عن له إصلاح من أبيات القصيد للمبارك، استجابة منه لقول الناظم "وليصلحه من جاد مقولا" كما اهتم بنظم ياءات الزوائد في نهاية كل سورة من سور القرآن. ولقد أحسن وأجاد، وأتقن وأفاد، حيث صنف هذا الكتاب على نحو بقرب تناوله، ويسهل فهمه، ويخفف درسه، إذ خلا من الإفراط الممل، ونأى عن التفريط المخل. وقد شغفت بأبي شامة حيما قرأت كتابه هذا، وحرصت جد الحرص على دراسته بإرادة قوية، وهمة فتية، ونفس طلعة، وكنت كلما عاودت مطالعته وأطلت التأمل فيه بدت لي روعته، وتجلت دقته، فما من موضوع أتناوله بالبحث والتمحيص، إلا وجدت أضواء التحقيق تشرق من سماء عباراته، وأريج التدقيق يعبق من رياض أساليبه. فلا عجب أن تظل كتبه الدوحة التي يتفيأ في ظلالها الدراسون للقرآن والقراءات، والمنارة التي يهتدي بها الغائصون على درر الوجوه والروايات. وإني إذ أقدمه إلى القراء: أرجو الله أن يحقق ما إليه قصدت، وفيه رغبت ويعلم الله مدى ما بذلت فيه من جهد. وما أنفقت من وقت، وما تقاضى من مشاق، وحسبي أنها خالصة لوجه الله، وفي سبيل الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 764 وقد امتازت هذه الطبعة الجديدة بجمال التنسيق، مع ما أضفت إليها مع درر ثمينة، وفوائد مهمة جليلة، جعلتها بين يدي الكتاب. أرجو الله أن يجعل عملها خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفعنا به في الدنيا والآخرة، إنه نعم المولى ونعم النصير. إبراهيم عطوة عوض القاهرة: غرة ربيع الأول سنة 1402هـ موافق 27 ديسمبر سنة 1981م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 765 ترجمة الإمام الشاطبي : هو ولي الله: أبو القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرهيني الشاطبي1، نسبة إلى شاطبة "قرية بجزيرة الأندلس". كان -رحمه الله تعالى- إماما في علوم القرآن، ناسخًا لكتاب الله تعالى، متقنًا لأصول العربية، رحلة في الحديث، تُضبَط نُسخ الصحيحين من لفظه، غاية في الذكاء، حاذقا في تعبير الرؤيا، مجيدا في النظم، متواضعًا لله تعالى، قدوة في الصلاح، ذا بصيرة صافية، يلوح منه الكرامات. كان يعذل أصحابه على أشياء ما اطلع عليها، وسمع الأذان بجامع مصر من غير المؤذنين مرارًا، وكان محفوظ اللسان، يمنع جلساءه من فضول الكلام، لا يجلس للإقراء إلا متطهرا، خاشعًا لله تعالى، له تصانيف حسنة، فمن نظمه قصيدة دالية، في كتاب التمهيد لابن عبد البر، من فهمها أحاط بالكتاب علما. ومنه: بكى الناس قبلي، لا كمثل مصائبي ... بدمع مطيع كالسحاب الصوائب ومنه: يلومونني إذ ما وجدت سلايما ... وما لي مليم حسن سمت الأكادما ومنه في ظاءات القرآن العظيم. ومن نظمه: رائيته في الرسم فائقة، ورائيته في العدد، وواسطة عقد تصانيفه القصيد الذي ساد في الأمصار، وتلقاه بالقبول علماء الأعصار. أخذ القراءة عن الشيخ الإمام أبي الحسن علي بن هذيل، عن أبي داود سليمان بن أبي القاسم الأموي، عن الإمام أبي عمرو الداني، وعن الشيخ أبي عبد الله محمد بن العاصي النفزي، عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن الحسن، عن أبي الحسن علي بن عبد الرحمن الأنصاري، وعن أبي داود سليمان الأموي على الشيخ أبي عمرو الداني، رحمهم الله تعالى. ولد آخر سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسائة، وتوفي بمصر عصر الأحد آخر جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة ودفن بمقبر البيساني. "عرفت الناحية بسارية" بسفح جبل المقطم. قلت مرثيًا له: سقت سحب الرضوان طلًا ووابلا ... ثرًى ضم شخص الشاطبي المسدد إمام فريد بارع متورع ... صبور طهور ذو عفاف مؤيد ذكا علمه، فاختاره الناس قدوة ... فكم عالم من دره متقلد هنيئا ولى الله بالخلد ثاويا ... يعيش رغيد في ظلال مؤبد   1 غاية النهاية لابن جزى "طبقات القراء" والبداية والنهاية لابن كثير، وتذكرة الحفاظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 766 الشيخ شهاب الدين أبو شامة : عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان بن أبي بكر بن عباس: أبو محمد وأبو القاسم المقدسي، ثم الدمشقي الشافعي المقرئ النحوي الشيخ الإمام العالم الحافظ المحدث الفقيه المؤرخ، المعروف بأبي شامة1 شيخ دار الحديث الأشرفية، ومدرس الركنية. مولده: ولد سنة تسع وتسعين وخمس مائة -وكمل القراءات وهو حدث. شيوخه: الشيخ علم الدين السخاوي، وهو تلميذ الإمام الشاطبي، وروى الحروف عن أبي القاسم بن عيسى بالإسكندرية، وسمع الصحيح من داود بن ملاعب، وأحمد بن عبد الله السلمي، وسمع مسند الشافعي من الشيخ موفق الدين المقدسي. وحبب إليه طالب الحديث سنة بضع وثلاثين وستمائة، فسمع أولًا من كريمة، وأبي إسحاق بن الخشوعي، وطائفة وأتقن علم اللحان، وبرع في القراءات، وتفقه على الفخر بن عساكر، وابن عبد السلام، والسيف الآمدي، والشيخ موفق الدين الدين بن قدامة. تلاميذه: وأخذ عنه القراءات الشيخ شهاب الدين حسين بن الكفري، وحمد بن موفق اللبان، وأخذ عنه الحروف وشرح الشاطبية الشيخ شرف الدين أحمد بن سياح الفزازي، وإبراهيم بن فلاح الإسكندراني. مواهبه: وكان أوحد زمانه: كتب وألف، وصنف الكثير في أنواع من العلوم. وكان مع براعته في العلوم متواضعا، تاركا للتكلف، ثقة في العقل. وكان فوق حاجبه الأيسر شامة كبيرة عرف بها وكان ذا فنون كثيرة. قال علم الدين البرزالي الحافظ عن الشيخ تاج الدين الفزاري: إنه كان يقول: بلغ الشيخ شهاب الدين أبو شامة مرتبة الاجتهاد، وقد كان ينظم أشعارًا في أوقات، فمنها ما هو مستحلى، ومنها ما لا يستحلى. فالله يغفر له ولنا.   1 البداية والنهاية، وتذكرة الحفاظ، وطبقات القراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 وبالجملة: فلم يكن في وقته مثله في نفسه، وديانته، وعفته، وأمانته. وفاته: وكانت وفاته بسبب محنة، ألبوا عليه، وأرسلوا إليه من اغتاله وهو بمنزل له بطواحين الأشنان. وقد كان اتهم برأي [الظاهر براءته منه] . وقد قال جماعة من أهل الحديث وغيرهم: إنه كان مظلوما. ولم يزل يكتب في التاريخ حتى وصل إلى رجب من هذه السنة. فذكر أنه أصيب بمحنة في منزله بطواحين الأشنان. وكان الذين قتلوه جاءوه قبلا فضربوه ليموت، فلم يمت. فقيل له: ألا تشتكي عليهم؟ فلم يفعل، وأنشأ يقول: قلت لمن قال ألا تشتكي ... ما قد جرى فهو عظيم جليل يقيض الله تعالى لنا ... من يأخذ الحق، ويشقي الغليل إذا توكلنا عليه كفى ... فحسبنا الله ونعم الوكيل ولكنهم عادوا إليه مرة ثانية، وهو في المنزل المذكور، فقتلوه بالكلية، في ليلة الثلاثاء تاسع عشر رمضان، سنة خمس وستين وستمائة -رحمه الله- ودفن من يومه بمقابر دار الفراديس، وباشر بعده مشيخة دار الحديث الأشرافية الشيخ محيي الدين النووي. وفي هذه السنة كان مولد الحافظ علم الدين القاسم بن محمد البرزالي. وقد ذيل على تاريخ أبي شامة؛ لأن مولده في سنة وفاته، فحذا حذوه، وسلك نحوه، ورتب ترتيبه، وهذب تهذيبه. فلله در الإمام أبي شامة قارئًا، ومقرئًا، ومؤلفا، وفقيها، ومحدثا، ومؤرخا، وحافظا، ومجتهدا. مؤلفاته: له مؤلفات مفيدة، ومصنفات عديدة، منها: 1- شرح كبير على حرز الأماني لم يستكمل. 2- إبراز المعاني من حزر الأماني "وهو الذي بين أيدينا". 3- كتاب الرد إلى الأمر الأول. 4- اختصار تاريخ دمشق، في مجلدات. 5- كتاب في المبعث. 6- كتاب في الإسراء. 7- كتاب الروضتين في الدولتين: النورية والصلاحية. 8- الذيل على ذلك. 9- كتاب إنكار البدع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 الدرة الأولى: فيما يتعلق بطالب العلم في نفسه ومع شيخه ينبغي لطالب العلم أن يلزم مع شيخه الوقار، والتأدب، والتعظيم، فقد قالوا: "بقدر إجلال الطالب العالم ينتفع الطالب بما يستفيد من علمه". وإن ناظره في علم فبالسكينة والوقار. وينبغي أن يعتقد أهليته ورجحانه، فهو أقرب إلى انتفاعه به، ورسوخ ما يسمعه منه في ذهنه. وقد قالت السادة الصوفية: "من لم ير خطأ شيخه خيرًا من صواب نفسه: لم ينتفع". فيما يتعلق بطالب العلم. وقد كان بعضهم إذا ذهب إلى شيخه تصدق بشيء، وقال: "اللهم استر عيب معلمى عني، ولا تذهب بركة علمه مني". وقال الشافعي رحمه الله تعالى: "أول سطر كنت أتصفح الورقة بين يدي مالك تصفحا رقيقا؛ هيبة له؛ لئلا يسمع رقعها". وقال الربيع: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والإمام الشافعي ينظر إلي؛ هيبة له. وعن الإمام علي بن طالب رضي الله عنه قال: من حق المتعلم أن يسلم على المعلم خاصة، ويخصه بالتحية. وأن يجلس أمامه، ولا يشير عنده بيده، ولا يغمزن بعينه غيره، ولا يقولن له: قال فلان خلاف قولك، ولا يغتاب عنده أحدا، ولا يساور في مجلسه، ولا يأخذ بثوب، ولا يلح عليه إذا كسل، ولا يشبع من طول صحبته. وقال بعضهم: كنت عند شريك رحمه الله تعالى، فأتاه بعض أولاد المهدي، فاستند إلى الحائط وسأله عن حديث، فلم يلتفت إليه، فأقبل إليها، ثم عاد فعاد مثل ذلك: فقال: أتستخف بأولاد الخلفاء؟. قال: لا، ولكن العلم أجل عند الله أن أصونه. فجثى على ركبتيه. فقال شريك: هكذا يطلب العلم. وقالوا: من آداب المتعلم أن يتحرى رضى المعلم، وإن خالف رضى نفسه، ولا يفشي له سرا، وأن يرد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 غيبته إذا سمعها، فإن عجز فارق ذلك المجلس، وأن لا يدخل عليه بغير إذن، وإن دخل جماعة قدموا أفضلهم وأسنهم، وأن يدخل كامل الهيئة فارغ القلب من الشواغل، متطهرا متنظفا بسواك، وقص شارب وظفر، وإزالة رائحة كريهة، ويسلم على الحاضرين كلهم بصوت يسمعهم إسماعا محققا، ولا يخص الشيخ بزيادة إكرام وكذلك يسلم إذا انصرف. ففي الحديث الأمر بذلك، ولا يتخطى رقاب الناس، ويجلس حيث انتهى به المجلس، إلا أن يصرح له الشيخ والحاضرون بالتقدم والتخطي، أو يعلم من حالهم إيثار ذلك، ولا يقيم أحدا من مجلسه، فإن آثره غيره بمجلسه لم يأخذه إلا أن يكون في ذلك مصلحة للحاضرين، بأن يقربه من الشيخ، ويذاكره، فينتفع الحاضرون بذلك. ولا يجلس في وسط الحلقة إلا لضرورة. ولا بين صاحبين إلا برضاهما، وإذا فسحا له قعد وضم، ويحترس في القرب من الشيخ؛ ليفهم كلامه فهما كاملا بلا مشقة وهذا بشرط أن لا يرتفع في المجلس على أفضل منه، ويتأدب مع رفيقه وحاضري المجلس؛ فإن التأدب معهم تأدب للشيخ، واحترام لمجلسه، ويقعد قعدة المتعلمين، لا قعدة المعلمين، وذلك بأن يجثو على ركبتيه كالمتشهد، غير أنه لا يضع يديه على فخذيه. وليحذر من جعل يده اليسرى خلف ظهره معقدا عليها، ففي الحديث: "إنها قعدة المغضوب عليهم". رواه أبو داود في سننه. ولا يرفع صوته رفعا بليغا، ولا يكثر الكلام، ولا يلتفت بلا حاجة بل يقبل على الشيخ مصغيا له، فقد جاءت الرواية: "حدث الناس ما رموك بأبصارهم" أو نحوه. ولا يسبقهم إلى شرح مسئلة أو جواب سؤال. إلا إن علم من حال الشيخ إبثارا، ليستدل به على على فضيلة المتعمل، ولا يقرأ عنده حال اشتغال قلب الشيخ وملله، ولا يسأل عن شيء في غير موضعه، إلا إن علم من حاله أنه لا يكرهه، ولا يلح في السؤال إلحاحا مضجرا، وإذا مشى كان يمين الشيخ، ولا يسأله في الطريق، فإذا وصل الشيخ إلى منزله فلا يقف قبالة بابه؛ كراهة أن يصادف خروج من يكره الشيخ اطلاعه عليه، ويغتنم سؤاله عن طيب نفسه وفراغه، ويتلطف في سؤاله، ويحسن خطابه، ولا يستحي من السؤال عن ما أشكل عليه. بل يستوضحه أكمل استيضاح، فقد قيل: من رق وجهه عند السؤال: ظهر نقصه عند اجتماع الرجال. وعن الخليل بن أحمد: منزلة الجهل بين الحياء والأنفة. وينبغي له إذا سمع الشيخ يقول مسألة، أو يحكي حكاية وهو يحفظها أن يصغي إليها إصغاء من لا يحفظها إلا إذا علم من الشيخ إيثاره بأن المتعلم حافظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 770 وينبغي أن لا يترك وظيفة الفروض مع مرض خفيف ونحوه، مما يمكن الجمع بينهما، ولا يسأل تعنتا ولا تعجيزا، فلا يستحق جوابا، ومن أهم حاله أن يحصل على الكتاب بشراء أو غيره، ولا يشتغل بنسخ كتاب أصلا، فإن آفته ضياع الأوقات في صناعة أجنبية عن تحصيل العلم، وركون النفس لها أكثر من ركونها لتحصيله، وقد قال بعض أهل الفضل. "أود لو قطعت يد الطالب إذا نسخ". فأما شيء يسير فلا بأس به، وكذا إذا دعا إلى فلك قلة ما بيده من الدنيا، وينبغي أن لا يمنع عارية كتاب لأهله، وقد ذمه السلف والخلف ذما كثيرا. قال الزهري: إياك وغلول الكتاب، "وهو حبسها عن أصحابها". وعن الفضيل: ليس من أهل الورع، ولا من أفعال الحكماء أن يأخذ متاع رجل، وكتاب رجل فيحبسه عنه. وقال رجل لأبي العتاهية: أعرني كتابك؟ فقال: إني أكره ذلك. فقال: أما علمت أن المكارم موصولة بالمكاره، أعاره. فهذه نبذة من الآداب لمن اشتغل بهذا الطريق، ولا يستغن من تذكرها لتكون معينة على تحصيل المرام والخروج من الظلام إلى النور، والله تعالى هو المنان ذو الجود والإكرام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 771 الدرة الثانية: في حد القراءات والمقرئ والقارئ فالقراءات علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزوا لناقله. فخرج: اللغة، والنحو، والتفسير. ثم إن ترجيح بعض وجوه القراءات على بعض، إنما هو باعتبار موافقة الأفصح، أو الأشهر، أو الأكثر من كلام العرب، وإلا فالقرآن واحد بالذات متفقه ومختلفه، لا تفاضل فيه. وموضوع علم القراءات: كلمات الكتاب العزيز من الجهة المذكورة. وفائدته: صيانته عن التحريف والتغيير، مع ما فيه من فوائد كثيرة، تبنى عليها الأحكام. ولم تزل العلماء تستنبط من كل حرف يقرأ به قارئ معنى؛ لا يوجد في قراءة الآخر. فالقراءات حجة الفقهاء في الاستنباط، ومحجتهم في الاهتداء إلى سواء الصراط. مع ما في ذلك من التسهيل على الامة، وإظهار شرفها، وإعظام أجرها، من حيث إنهم يفرغون جهدهم في تحقيق ذلك وضبطه، حتى مقادير المدات، إلى غير ذلك. والمقرئ: من علم بها أداء، ورواها مشافهة، فلو حفظ كتابا امتنع إقراؤه بما فيه إن لم يشافهه من شيوخه مشافهة، بها مسلسلا. وللقارئ المبتدئ: من أفرد إلى ثلاث روايات والمنتهي من نقل منها أكثرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 الدرة الثالثة: شروط المقرئ وما يجب عليه شرطه: أن يكون: مسلما، مكلفا، ثقة، مأمونا، ضابطا، خاليا من أسباب الفسق ومسقطات المروءة. أما إذا كان مستورا، وهو ظاهر العدالة، ولم تعرف عدالته الباطنة، فيحتمل أنه يضره كالشهادة. والظاهر أنه لا يضره؛ لأن العدالة الباطنة تفسر معرفتها على غير الحكام. ففي اشتراطها حرج على غير الطلبة والعوام. ويجب عليه أن يخلص النية لله تعالى في كل ما يقربه إليه تعالى. وعلامة المخلص ما قال ذو النون المصري رحمه الله: "أن يستوي عنده المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال، واقتضاؤه ثواب الأعمال في الآخرة. وليحذر كل الحذر من: الرياء، والحسد، والحقد، واحتقار غيره، وإن كان دونه، والعجب وقل من يسلم منه. وقد روى الكسائي أنه قال: صليت بالرشيد فأعجبتني قراءتي، فغلطت في آية ما أخطأ فيها صبي قط. أردت أن أقول: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فقلت: لعلهم يرجعين. فو الله ما اجترأ هارون الرشيد أن يقول لي أخطأت، ولكنه لما سلمت قال: يا كسائي، أي لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين: قد يعثر الجواد. قال: أما، فنعم. ومن هذا قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله. وليحذر، من كراهة قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة ابتلي بها بعض المسلمين الجاهلين، وهي دلالة بينة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته؛ بل هي حجة قاطعة على عدم إرادته وجه الله تعالى، وإلا لما كره ذلك، وقال لنفسه: إن أردت الطاعة فقد حصلت. ويجب عليه قبل أن ينصب نفسه للاشتغال بالقراءات أن يعلم من الفقه ما يصلح به أمر دينه، وتندب الزيادة حتى يرشد جماعته في وقوع أشياء من أمر دينهم، ويعلم من الأصول ما يدفع به شبهة طاعن في قراءة ومن النحو والصرف طرفا لتوجيه ما يحتاج إليه، بل عما أهم ما يحتاج إليه المقرئ. وإلا فخطؤه أكثر من أصابته، وما أحسن قول الإمام الحضرمي فيه شعرًا: لقد يدعي علم القراءة معشر ... وباعهمو في النحو أقصر من شبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 فإن قيل: ما إعراب لهذا ووجهه رأيت طويل الباع يقصر عن فتر ويعلم من: اللغة والتفسير طرفا صالحا. وأما معرفة الناسخ والمنسوخ فمن فوازم المجتهدين، فلا يلزم المقرئ، خلافا للجعبري. ويلزم حفظ كتاب يشتمل على القراءة التي يقرأ بها. وإلا داخله الوهم والغلط في الإسناد. وإن قرأ وهو غير حافظ فلابد أن يكون ذاكرا لكيفية قراءته وتلاوته به حالة تلقيه من شيخه، فإن شك فليسأل رفيقه أو غيره ممن قرأ بذلك الكتاب حتى يتحقق وإلا فلينبه على ذلك في الإجازة أما من نسى أو ترك فلا يقرأ عليه به إلا لضرورة، مثل أن ينفرد بسند عالٍ. أو طريق لا يوجد عنده غيره. وإن كان القارئ عليه ذاكرًا، عالمًا بما يقرأ عليه جاز الأخذ عنهه، وإلا حرم. وليحذر الإقراء بما يحسن: رأيًا، أو وجهًا، أو لغة، دون رواية. ولقد وضح ابن مجاهد غاية الإيضاح حيث قال: لا تغتروا بكل مقرئ، إذ الناس طبقات. فمنهم من حفظ الآية، والآيتين، والسورة والسورتين. ولا علم له غير ذلك. فلا تؤخذ عنه القراءة ولا تنقل عنه الرواية. ومنهم: من حفظ الروايات ولم يعلم معانيها، ولا استنباطها من لغات العرب ونحوها. فلا يؤخذ عنه؛ لأنه ربما يصحف. ومنهم من علم العربية ولا يتبع المشايخ والأثر، فلا تنقل عنه الرواية. ومنهم من فهم التلاوة، وعلم الرواية، ويقصد للقراءات، وليس الشرط أن يجتمع فيه جمع العلوم؛ إذ الشريعة واسعة والعمر قصير "اهـ" مختصرا. ويتأكد في حقه: تحصيل طرف صالح من أحوال الرجال والأسانيد وهو أهم ما يحتاج إليه. وقد وهم كثير لذلك فأسقطوا رجالا، وسمعوا آخرين، لا بغير أسمائهم. وصحفوا أسماء رجال. ويتأكد أيضا أن لا يخلي نفسه من الخلال الجيدة من التقلل من الدنيا والزهد فيها، وعدم المبالاة بها. وبأهلها والسخاء، والصبر، والحلم ومكارم الأخلاق. وطلاقه الوجه "لكن لا يخرج إلى حد الخلاصة" وملازمة الورع، والسكينة، والتواضع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 وينبغي أن يكون حريصا على التعلم، مواظبا عليه، في جميع أوقاته، ليلا ونهارا، فقد قال الشافعي -رحمه الله تعالى- في رسالته: حق على طلبة العلم بلوغ نهاية جهدهم في الاستكثار من العلم، ويتصبرون على كل عارض بإخالص النية لله تعالى، والرغبة إلى الله تعالى في الهون عليه. وفي صحيح مسلم: "لا يستطاع العلم براحة الجسم". "فائدة": قال الخطيب البغدادي: أجود أوقات الحفظ الأسحار، ثم نصف النهار، ثم الغداة. وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، وأجود أماكن الحفظ كل موضع بعد عن الملهيات، وليس الحفظ بمحمود بحضرة النبات والخضرة، وقوارع الطرق؛ لأنها تمنع خلو القلب، وينبغي أن يصبر على جفوة شيخه، وسوء خلقه، ولا يصده ذلك عن ملازمته، واعتقاد كماله، ويتأول أفعاله التي ظاهرها الفساد تأويلات، وإذا جفاه الشيخ ابتدأه بالاعتذار، وإظهار الذنب له والعتب عليه. وقد قالوا: من لم يصبر على أذى التعليم بقى عمره في غاية الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الآخرة والدنيا. وعن أنس -رضي الله عنه- أنه قال: "ذللت طالبا فعززت مطلوبا". وبنبغي أن يغتنم التحصيل في وقت الفراغ والشباب، وقوة البدن، واستراحة الخاطر، وقلة الشواغل قبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة، فقد روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "تفقهوا قبل أن تسودوا". وقال الشافعي -رضي الله عنه: تفقه قبل أن ترأس. فإذا ترأست فلا سبيل لك إلى التفقه. ويكتب كل ما سمعه، ثم يواظب على حلقة الشيخ، ويعتني بكل الدروس، فإن عجز اعتنى بالأهم. وينبغي أن يرشد رفقته وغيرهم إلى مواطن الاشتغال والفائدة، ويذكرهم أهم ما استفاده: على جهة النصيحة والمذاكرة، وبإرشاده يبارك له في علمه، وتتأكد المسائل معه مع جزيل ثواب لله تعالى، ومن فعل ضد ذلك كان بضده. فإذا تكاملت أهليته، واشتهرت فضيلته، اشتغل بالتصنيف، وجد في الجمع والتأليف والله الموفق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 775 الدرة الرابعة: فيما ينبغي للمقرئ أن يفعله ينبغي له: تحسين الزي لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال" وترك الملابس المكروهة وغير ذلك، مما لا يليق به. وينبغي له أن لا يقصد بذلك توصلا إلى غرض من أغرض الدنيا، من: مال، أو رئاسة، أو وجاهة، أو ثناء عند الناس، أو صرف وجوههم إليه، ونحو ذلك. وينبغي إذا جلس أن يستقبل القبلة، وأن يكون على طهارة كاملة، جاثيا على ركبتيه، وأن يصون عينيه حال الإقراء عن تفريق نظرهما من غير حاجة، ويديه عن العبث، إلا أن يشير للقارئ إلى المد، والوقف، والوصل، وغير ذلك مما مضى عليه السلف، وأن يوسع مجلسه؛ ليتمكن جلساؤه فيه. كما روى أبو داود، من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم قال: "خير المجالس أوسعها". وأن يقدم الأول فالأول. فإن أسقط الأول حقه لغيره قدمه. هذا ما عليه الناس. وروى أن حمزة كان يقدم الفقهاء، فأول من كان يقرأ عليه سفيان الثوري. وكان السلفي وعاصم يبدآن بأهل المعايش؛ لئلا يحتبسوا عن معايشهم. والظاهر أنهما كانا يفعلان ذلك؛ إلا في حق جماعة يجتمعون للصلاة بالمسجد، لا يسبق بعضهم بعضا، وإلا فالحق للسابق، لا للشيخ. وأن يسوي بين الطلبة بحسبهم، إلا أن يكون أحدهم مسافرا. أو يتفرس فيه النجابة، وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 776 الدرة الخامسة: في قدر ما يسمع وما ينتهي إليه سماعه الأصل: أن هذا طاقة، فالطلبة فيه بحسب وسعهم. وأما ما روي عن السلف أنهم كانوا يقرؤن ثلاثا ثلاثا، وخمسا خمسا، وعشرا عشرا. لا يزيدون على ذلك، فهذه حالة المتلقِّين. وبلغت قراءة ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم من أول النساء إلى قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} . وسمع نافع لورش القرآن كله في خمسين يوما. وقرأ الشيخ نجم الدين مؤلف "الكنز" القرآن جميعا كله على الشيخ تقي الدين بن الصايغ. لما رحل إليه لمصر في سبعة عشر يوما. وقرأ شيخنا شمس الدين الجزري على الشيخ شمس الدين بن الصايغ من أول النحل وأول الجمعة وختم ليلة الخميس في ذلك الأسبوع للقراء السبع بالشاطبية، والتيسير، والعنوان. قال: وآخر مجلس ابتدأت فيه من أول الواقعة، ولم أزل حتى ختمت. قال: وقدم على رجل من حلب، فختم لابن كثير في خمسة أيام، وللكسائي في سبعة أيام. وقرأ الشيخ شهاب الدين بن الصحان على الشيخ ابن العباس بن نحلة ختمة لأبي عمرو من وراء بيته في يوم واحد. ولما ختم قال للشيخ: هل رأيت أحدًا يقرأ هذه القراءة؟. فقال: لا تقل هكذا، ولكن قل: أرأيت شيخا يسمع هذا السماع؟ وأعظم ما سمعت في هذا الباب: أن الشيخ مسكين الدين الأسمر دخل يوما إلى الجامع بالإسكندرية، فوجد شيخا ينظر إلى أبواب الجامع. فوقع في نفس المسكين أنه رجل صالح. وأنه يعزم على الرواح إلى جهته ليسلم عليه، ففعل ذلك. وإذا به ابن وثيق. ولم يكن لأحدهما معرفة بالآخر ولا رؤية، فلما سلم عليه، قال للمسكين: أنت عبد الله بن منصور؟ قال: نعم قال: ما جئت من الغرب إلا بسببك؛ لأقرأك القراءات. فقرأ عليه المسكين في تلك الليلة القرآن من أوله جمعا للسبع. وعند طلوع الشمس: إذا به بقول -من الجنة والناس- فختم عليه القرآن للسبع في ليلة واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 الدرة السادسة: فيما يقرأ به لا يجوز له أن يقرأ إلا بما قرأ أو سمع، فإن قرأ نفس الحروف المختلف فيها خاصة أو سمعها، وترك ما اتفق عليه جاز إقراؤه القرآن بها اتفافا، بالشرط. وهو: أن يكون ذاكرًا كالقدم. لكن لا يجوز له أن يقول قرأت بها القرآن كله. وأجاز ابن مجاهد وغيره أن يقول القارئ قرأت برواية فلان القرآن من غير تأكيد، إذا كان قرأ بعض القرآن. هو قول لا يعول عليه؛ لأنه تدليس فاحش، يلزم منه مفاسد كثيرة. وهل يجوز أن يقرأ بما أجيز له على أنواع الإجازة، جوزه الجعبري مطلقًا، والظاهر أنه تلا بذلك على غير ذلك الشيخ وسمعه، ثم إن أراد أن يعلى سنده بذلك الشيخ، أو بكثر طرة: جاز وحسن؛ لأنه جعلها متابعة. وقد فعل الشيخ تقي الدين بن الصباغ بالمستنير، عن الشيخ كمال الدين الضرير، عن الشيخ السلمي. وقد قرأ بالإجازة أبو معشر الطبري، وتبعه الجعبري وغيره، وفي النفس منه شيء، ولا بد مع ذلك من اشتراط الأهلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 الدرة السابعة: في الإقراء والقراءة في الطريق قال مالك رحمه الله تعالى: ما أعلم القراءة تكون في الطريق. وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه أذن فيها. وقال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى: وأما القراءة في الطريق: المختار أنها جائزة غير مكروهة، إذا لم يلته صاحبها، فإن التهى عنها كره، كما كره النبي -صلى الله عليه وسلم- القراءة للناس مخافة الغلط. قال شيخنا: وقرأت على ابن أبي الصباغ في الطريق غير مرة: تارة نكونا ماشيين، وتارة يكون راكبا وأنا ماشٍ. وأخبرني غير واحد: أنهم كانوا يستبشرون بيوم يخرج فيه لجنازة. قال القاضي محب الدين الحلبي: كثيرًا ما كان يأخذني في خدمته، فكنت أقرأ عليه في الطريق. وقال عطاء بن السائب: كنا نقرأ على ابن أبي عبد الرحمن السلمي وهو يمشي. قال السخاوي: وقد عاب علينا يوما الإقراء في الطريق. ولنا في عبد الرحمن السلمي أسوة سنة، وقد كان ممن هو خير منا قدوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 الدرة الثامنة: في حكم الأجرة على الإقرار وقبول هدية القارئ ... الدرة الثامنة: في حكم الأجرة على الإقراء، وقبول هدية القارئ أما الأجرة فمنعها أبو حنيفة والزهري، وجماعة لقوله عليه الصلاة والسلام: "اقرءوا القرآن، ولا تأكلوا به" 1. قالوا: ولأن حصول العلم متوقف على معين من قبل المتعلم؛ فيكون ملتزما ما لا يقدر على تسليمه، فلا يصح. قال في الهداية، وبعض المشايخ استحسن الإيجار على تعليم القرآن اليوم؛ لأنه قد ظهر التواني في الأمور الدينية، وفي الامتناع عن ذلك تضييع حفظ القرآن. وأجازها الحسن وابن سيرين والشعبي إذا لم يشترط. وأجازها مالك مطلقا: سواء اشترط المعلم قدرا في كل شهر أو جمعة، أو يوم، أو غيرها. أو شرط على كل جزء من القرآن كذا، ولم يشترط شيئًا من ذلك. ودخل على الجهالة من الجانبين، هذا هو المعول عليه. وقال ابن الجلاب "من المالكية". لا يجوز إلا مشاهرة: أي مقدرة بشهر ونحوه، ومذهب مالك: أنه لا يقضي للمعلم بهدية الأعياد والجمع. وهل يقضي بالحذاقة: وهي "الإصرافة" إذا جرى بها العرف أولا؟ قولان، الصحيح: نعم. قال سنحون: وليس فيها شيء معلوم. وهي على قدر حال الأب. قال: وإذا بلغ الصبي ثلاثة أرباع القرآن، لم يكن لأبيه إخراجه، ووجبت الختمة للمعلم، ووقف في الثلثين. فرع: انظر هل يقضى على القارئ بإعطاء شيء إذا قرأ رواية، ولم أر فيها عند المالطية نصا والظاهر: أن حكمها حكم الحذاقة. ومذهب الشافعي: جواز أخذ الأجرة إذا شارطه واستأجره أجرة صحيحة. قال الأصفوني في "مختصر الروضة": ولو استأجره لتعليم قرآن عين السورة والآيات، ولا يكفي أحدهما على الأصح.   1 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا القرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه، ولا اغلوا فيه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به" رواه الإمام أحمد والطبراني وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الرحمن بن شبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 780 وفي التقدير بالمدة وجهان: أحدهما: يكفي، والأصح: أنه لا يجب تعيين قراءة نافع أو غيره، وأنه لو كان يتعلم وينسى يرجع في وجوب إعادته إلى العرف. ويشترط كون المتعلم مسلما أو يرجى إسلامه. وأما قبول الهدية فامتنع منه جماعة من السلف والخلف تورعا وخوفا من أن يكون بسبب القراءات. وقال النووي رحمه الله: ولا يشين المقرئ طمع في رفق يحصل له من بعض من قرأ عليه. سواء كان الرفق مالا أو خدمة وإن قل. ولو كان على صورة الهدية التي لولا قراءته عليه لما أهداها إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 الدرة التاسعة: تدوين القراءات قيض الله تعالى لكتابه المجيد الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} مَن دوَّن وجوه قراءاته، وضبط طرق رواياته، فاجتهدوا في ذلك حق الاجتهاد، وبذلوا النصح في ذلك لله ورسوله والعباد، فأخذوا في جمع ذلك وتدوينه، فاستفرغوا فيه وسعهم، وبذلوا جهدهم، فكان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب: أبو عبيد "القاسم بن سلام"، وجعلهم خمسة وعشرين قارئا، مع هؤلاء السبعة، توفي سنة أربع وعشرين ومائتين. ثم تلاه الجمامة، سالكين سنته ومقلدين سنته، فكثرت التآليف وانتشرت التصانيف، واختلفت أغراضهم بحسب الإيجاز والتطويل، والتكثير والتقليل، وكل له مقصد سني، ومذهب مرضي، فكان أول من تابعه "أحمد بن جبير" الكوفي، نزيل أنطاكية، فجمع كتابا في القراءات الخمسة، من كل مصر واحد، ثم القاضي "إسماعيل ابن إسحاق" المالكي، صاحب "قالون"، فألف كتابا جمع فيه قراءة عشرين إماما، منهم هؤلاء السبعة، ثم الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، فألف كتابا سماه "الجامع"، فيه نيف وعشرون قراءة، ثم الإمام "أبو بكر محمد الداجوني" فجمع كتابا في الأحد عشر، وأدخل معهم أبا جعفر، ثم "في أثره" الإمام "أبو بكر أحمد بن العباسي، مجاهد"، أول من اقتصر على هؤلاء السبعة، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين، والعراقين والشام؛ إذ هذه الأمصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة، من القرآن وتفسيره، والحديث والفقه، في الأعمال الباطنة والظاهرة وسائر العلوم الدينية. فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار؛ ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده، أو اعتقاد غير من العلماء، أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءاتهم. وقد ألف الناس في زمانه وبعده في القراءات أنواع التآليف ككتاب "الغاية" لأبي بكر أحمد بن مهران الأصبهاني ثم "المنتهى" في العشر، "لأبي الفضل بن جعفر الخزاعي"، ثم "الإرشاد" "لأبي الطيب عبد المنعم بن غلبون"، ثم "التذكرة" "لأبي الحسن طاهر بن غلبون" الحلبي، نزيل مصر، و"الهادي" "لأبي عبد الله بن سفيان القيرواني" و"المجتي، "لعبد الجبار الطرطوسي" نزيل مصر"، و"الروضة" "لأبي عمر أحمد الطمنكي"، أول من أدخل القراءات الأندلس، و"التبصرة" "لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيرواني"، و"الهداية" "لأبي العباس ابن عمار، المهدوي، و"الروضة" في العشرة المشهورة "وقراءة" "الأعمش"، لأبي علي "الحسن البغدادي" المالكي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 782 نزيل مصر، و"المفيد" في العشرة، "لأبي نصر أحمد بن مسرور" البغدادي، و"التيسير" و"جامع البيان" في السبع، ولم يؤلف مثله في هذا الفن، يشتمل على نيف وخمسمائة رواية وطريق: عن السبعة للحافظ "أبي عمرو الداني"، و"مفردة يعقوب" له أيضا، و"التذكار" "لأبي الفتح عبد الواحد بن شيطا" البغدادي، و"الوجيز" للإمام الذي لم يلحقه أحمد في هذا الشأن، "أبي علي الحسن الأهوازي"، نزيل دمشق، و"الجامع" في العشر، وقراءة الأعمش، لأبي محمد "الخياط" البغدادي، و"العنوان" لأبي الطاهر ابن خلف" الأندلسي، ثم المصري، و"القاصد" "لأبي القاسم عبد الرحمن بن سعيد" الخزرجي القرطبي، و"الكامل" في العشر، والأربع مع الزائدة عليها من ألف وأربعمائة وتسعة وخمسين رواية وطريق، "لأبي الناسم يوسف ابن جبارة" الهذلي، المغربي، الذي طاف البلاد، وروى عن أئمة القراءة، حتى انتهى إلى ما وراء النهر، قال "في كامله": جملة من لقيت في هذا العلم ثلثمائة وخمسة "وستون" شيخا. "والتلخيص" في الثمان، "لأبي معشر عبد الكريم" الطبري، شيخ "مكة" و"الجامع" في العشر، "لأبي الحسين نصر بن عبد العزيز" الفارسي، و"الكافي" "لأبي عبد الله محمد بن شريح" الرعيني الإشبيلي، و"المستنير" في العشر، "لأبي الطاهر بن سوار" البغدادي، و"المهذب" في العشر للزاهد "أبي منصور الخياط" البغدادي، و"المصباح" في العشر، لأبي الكرم: المبارك بن الحسين بن فتحان" الشهرزوري البغدادي و"تلخيص العبارات" "لأبي على الحسن بن بلِّيمة بفتح الموحدة، وتشديد اللام المكسورة بعدها الياء آخر الحروف الهواري القيرواني، تنزيل الاسكندرية، و"التجريد" و"مفردة يعقوب" كلاهما لشيخ الاسكندرية "أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر، الصقلي ابن الفحام، و"الإرشاد" في العشر: و"الكفاية الكبرى" كلاهما "لأبي العز القلانسي" الواسطي، و"الموضح"، و"المفتاح" كلاهما "لأبي منصور: محمد بن خيرون" العطار البغدادي الخطيب "أبي جعفر: أحمد بن الباذين" الغرناطي، و"الإشارة" في العشرة "لأبي منصور أحمد" العراقي، و"المبهج" في القراءات الثمان، وقراءة الأعمش، وابن محيصن، وخلف، واليزيدي، و"الإيجاز"، و"إرادة الطالب" في العشر، وهو فرش القصيدة المنجدة، وكتاب "تبصرة المبتدي" و"الكفاية" في الست: الخمسة "لأبي محمد عبد الله بن علي" سبط الخياط، مؤلف المهدب و"المفيد" في الثمان، لأبي عبد الله محمد الحضرمي" اليمني، و"غاية الاختصار"، للحافظ، مؤلف المهذب و"المفيد" في الثمان، لأبي عبد الله محمد الحضرمي، اليمني، و"غاية الاختصار"، للحافظ "أبي العلاء: الحسن بن أحمد العطار" الهمذاني، و"حرز الأماني" المشهورة بـ "الشاطبية"، لولى الله "أبي القاسم بن فيره بن خلف" الرعيني الأندلسي الشاطبي الشافعي الضرير، و"شرحها"، "لعلم الدين" السخاوي، وهو أول من شرحها، واشتهرت بسببه، وكان أهل مصر كثيرا ما يحفظون "العنوان"، فلما ظهرت القصيدة تركوه وكتاب "جمال" القراء، و"كمال الإقراء" للسخاوي أيضا -اشتمل على ما يتعلق بالقراءات، والتجويد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 783 والناسخ والمنسوخ، والوقف والابتداء. ثم شرح الشاطبية الإمام "أبو القاسم: عبد الرحمن أبو شامة"، ثم "أبو عبد الله: محمد بن الحسن الفاسي"، ثم "أبو عبد الله محمد بن أحمد الموصلي" عرف بـ "شعلة" وله "الشمعة" قصيدة رائية، قدر نصف الشاطبية، أحسن نظمها، واختصارها، و"حرز المعاني في اختصار حرز الأماني" للإمام "محمد بن عبد الله بن مالك" الأندلسي، نزيل دمشق، وله قصيدة أخرى دالية في القراءات، يقول فيها: ولا بد من نظمي قوافي تحتوي لما قد حوى حرز الأماني وأزيدا "والتكملة المفيدة لحافظ القصيدة" في وزن الشاطبية، للخطيب "أبي الحسن علي بن عمر "الكتاني القيجاطي، نظم فيها ما زاد على الشاطبية، من تبصرة مكي، و"كافي" ابن شريح، و"وجيز" الأهوازي، و"مختصر الشاطبية"، لـ "عبد الصمد بن التبريزي" في خمسمائة وعشرين بيتا. وشرح الشاطبية أيضا: "أبو العباس ابن جبارة المقدسي" والعلامة المحقق "أبو إسحاق إبراهيم بن عمر، الجعبري "نزيل مدينة الخليل عليه السلام"، بشرح عظيم لم يصنف مثله، وكتاب "الشرعة في السبعة" جميعه أبواب، لم يذكر فيه فرشا، بل ذكر الفرش في أبواب أصوله لقاضي حماة، العلامة "شرف الدين هبة الله بن عبد الكريم" البارزي، و"الكنز" في العشر، و"الكفاية" في العشر، نظم كتاب الكنز على وزن الشاطبية ورويِّها، كلاهما لـ "أبي محمد: عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه" الواسطي، و"جمع الأصول في مشهور المنقول" قصيدة لامية في وزن الشاطبية ورويها، و"روضة التقرير في الخلف بين "الإرشاد" و"التيسير" كلاهما لأبي الحسن علي "الديواني" الواسطي، و"عقد الآلي في قراءات السبع العوالي" في وزن الشاطبية ورويها، لم يأت فيها برمز، وزاد فيها على التيسير كثيرًا، نظم الإمام "أبي حيان" الأندلسي، الشافعي. وشرح الشاطبية، و"باب وقف "حمزة وهشام" منها مفردا" الإمام "بدر الدين: الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي"، المعروف بـ "ابن أم قاسم، المرادي المغربي" المجتهد، المصري المولد. وشرحها أيضًا "أبو العباس: أحمد بن يوسف" الحلبي، نزيل القاهرة، المعروف بالسمين. وشرحها مصنف "البستان في الثلاثة عشر" أبو بكر عبد الله بن أيدغدي" الشمس، الشهير "ابن الجندي". "والنجوم الزاهرة في السبعة المتواترة" لأبي عبد الله محمد بن سليمان" المقدسي، الحكري الشافعي، الجامع لعيون الفضائل المآثر والمعالي اللامع نجوم علوها في مواقع الترافع والتعالي: كان شيخ عصره في القراءات بلا مدافعة، وفارس ميدانها، والمحكوم له بالسبق من غير ممانعة، ولي قضاء بيت المقدس، وقضاء المدينة النبوية الشريفة، قبل ذلك، ثم ولي قضاء مدينة الخليل، واستقر بها مدة سالكًا أحسن سبيل، وتوفي ببيت المقدس بالبطن شهيدًا، عام 781، وفرغ من تأليف "النجوم" سنة 756. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 وشرح "الشاطبية" أيضا مصنف كتاب "مصطلح الإشارات"، في الستة بعد السبعة. "وقرة العين في الفتح والإمالة وبين اللفظين"، "أبو البقاء: علي بن عثمان بن الفاصح"، وكان في عصر الثمانمائة. وكتاب "النشر في القراءات العشر"، الجامع لجميع طرق ما ذكرناه في هذه المؤلفات، وفرائد فوائدها، الذي لم يسبق إلى مثله، و"تقريبه" و"طيِّبته" لشيخ مشايخنا، الذي "وصف بأنه" لم تسمح الأعصار مثله "أبي الخير: محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن الجزري". وشرح "الطيبة" وَلَد المؤلف، والعلامة الشيخ "أبو القاسم النويري" المالكي، وشيخنا العلامة، زين الدين عبد الدايم الأزهري، رأيته يسود فيه، ولعله لم يكمل. وكتاب "إيضاح الرموز ومفتاح الكنوز" و"نظمه" في القراءات الأربعة عشر، للإمام "شمس الدين: محمد بن خليل: أبي بكر بن محمد الحلبي، المشهور بابن القباقبي، وقال: إنه أخذ العشرة من تقريب النشر، وقراءة "ابن محيصن" من "المبهج"، و"مفردة" الأهوازي، و"الحسن البصري" من "المفردة"، و"اليزيدي" من "المبهج" و"المستنير"، و"الأعمش" من "المبهج"، إلى غير ذلك مما لا يدخل تحت الحد. والله ولي التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وإليه المرجع والمأب. "ا. هـ" شهاب الدين القسطلاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 785